المحرر موضوع: قصيـــــدة : مهــــلاً يا قلبـــي ...  (زيارة 1282 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نادر البغـــدادي

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 12144
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
    

 قصيدة : مهـلاً ياقلبي :
     للشّاعر الكبير / طاغـــــور ( الهنــــد ) ...
            

 بين رفيقات لي كثيرات ، كنت وحيدةً منصرفة
 إلى أعمال البيت اليومية الغامضة .
 لِمَ اخترتني ، فاخرجتني من الملاذ الرطب ، ملاذ
 حياتنا المشتركة ؟
 إن الحب المكتوم لحبٌ مقدسٌ ، إنه يتلألأ كجوهرة ،
 في غيهب القلب الخفي ويبدو على نور النهار الفاضح ،
 قاتماً جديراً بالشفقة .
 آه لقد مزقت شغاف قلبي ، وجررت حبي إلى
 بهرة الساحة المنفسحة ، محطماً إلى الأبد ، ركنه الظليل ،
 حيث كان يواري عشه .
 وتظل النساء الأخريات كما هن دوماً .
 لم ينفذ إنسان إلى أعماق ذواتهن وإنهن ليجهلن أنفسهن
 سرهنّ .
 إنهنّ يبتسمن في رقة ، يبكين ويثرثرن ويعملن ،
 ويقصدن المعبد ويشعلن مصابيحهن ويجلبن الماء من النهر.
 كنت أرجو لحبي الخلاص من خجله وهو يرتعش
 وليس ثمة من يحميه ، بيد أنك جعلت تشيح وجهك
 عني .
 أجل إن الطريق تمتد لاحبةً أمامك، ولكنك قطعت
 سبيل عودتي وتركتني عريانةً أمام الناس ، تحدّق إليّ
 عيونهم ، ليلَ ، نهار .
 *****
 مهلاً . يا قلبي ، ليكن وقت الفراق عذباً .
 لا تدعه يصبح موتاً بل تتمة .
 ليحر الحب إلى ذكرى ، ولينقلب الألم إلى أغنيات .
 ليتناه الرفيف في السماء إلى إنطواء الأجنحة حول العش .
 لتكن آخر لمسةٍ من يديك رقيقة كزهرة الليل .
 توقفي أيتها النهاية الرائعة ، لحظة ، واذكري ،
 في صمت كلماتك الأخيرة .
 إنني أنحني لك وأرفع سراجي لأنير لك الطريق .
 ***
 تراه نداؤك الذي يوافي من جديد .؟
 لقد أهلّ المساء ، وتشبث بي التعب كانه أذرع
 الحب الضارعة . أتنادينني ؟
 لقد منحتك نهاري كله ، يا سيدتي القاسية ، أتريدين
 أن تنهبي مني ليلي أيضاً ؟ ومع هذا ، فإن لكل شيء
 نهاية، وإن عزلة الظلام هي ملك كل إنسان . ولكن ،
 أيجب على صوتك أن يمزقها ويلفحني ؟
 أليس للمساء موسيقا نوم مهدهدة على بابك ؟
 ألا تتسلق أجنحة النجوم الصامتة السماءَ فوق برجك
 الجبار ؟
 ألا يتهاوى الزهر على تراب حديقتك في ميتة ناعمة ؟
 ألا يتعين عليك أيتها القلقة أن تناديني ؟
 دعي عيون الحب الحزينة تسهر وتذرف الدمعَ دون
 جدوى .
 دعي المصباح يشتعل في الدار الموحشة .
 دعي الزوارق ينقل الحراثين المكدودين إلى بيوتهم .
 إنني أهجر أحلامي وألبي نداءَك .
 ***
 - لِمَ انطفأ المصباح ؟
 - لقد أحطته بمعطفي ، ليكون بمنجىً من الريح ،
 ولهذا فقد انطفأ المصباح .
 - لِمَ ذوت الزهرة ؟
 - لقد شددتها إلى قلبي ، في شغف قلق ، ولهذا
 فقد ذوت الزهرة .
 - لِمَ نضب النهر ؟
 - لقد وضعت سداً في مجراه لأفيد منه وحدي ،
 ولهذا فقد نضب النهر .
 - لمَ انقطع وتر المعزف ؟
 - لقد حاولت أن أضرب عليه نغماً أعلى مما تطيقه
 قدرته ، ولهذا فقد انقطع وتر المعزف .
 ***
 أنا لا اظفر بالراحة .
 أنا ظامئ إلى الأشياء البعيدة المنال .
 إن روحي تهفو ، تواقةً ، إلى لمس طرف المدى
 المظلم .
 إيه أيها المجهول البعيد وراء الأفق ، يا للنداء الموجع
 المنساب من نايك .
 أنا أنسى ، أنسى دوماً أنني لا أملك جناحاً لأطير ،
 وأنني مقيد دوماً بهذا المكان .
 إنني متّقدُ الشوق ، يقظان ، أنا غريبٌ في أرضٍ
 عجيبة .
 إن زفراتك تتناهى إليّ ، لتهمس في أذني أملاً
 مستحيلاً .
 إن صوتك يعرفه قلبي كما لو كان قلبه .
 أيها المجهول البعيد ، يا للنداء الموجع المنساب من نايك !
 أنا أنسى ، أنسى دوماً أنني لا أعرف الطريق وأنني
 لا أمتلك جواداً مجنحاً .
 أنا لا أظفر بالطمأنينة .
 أنا شارد ، أهيم في قلبي .
 في الضباب المشمس ، من الساعات الضجرة ، ما
 أبهى مرآك العظيم يتجلّى في زرقة السماء !
 أيها المجهول البعيد ، يا للنداء الموجع المنساب من
 نايك !
 إنني أنسى ، أنسى دوماً ، أن الأبواب كلّها موصدة
 في البيت الذي أفزع فيه إلى وحدتي .