المحرر موضوع: (الصلاة السياسية).. ما بين بغداد وطهران وبيروت  (زيارة 822 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل samir latif kallow

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 50554
    • MSN مسنجر - samirlati8f@live.dk
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني





(الصلاة السياسية).. ما بين بغداد وطهران وبيروت


الأحد 10/12/2006



فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت (1958-1963) «إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة...»




لندن: رشيد الخيُّون "الشرق الأوسط" -أن الجميع ألف وجود صلاة شيعية وصلاة سنية، داخل إطار الإسلام، تملكان بعض السمات الخاصة بكل منهما، من جهة الميقات وهيئة المصلي ومكان الصلاة وما يلزم لصحتها، وصولا إلى شروط صلاة الجمعة. هذا المألوف تغير الآن، مع تصاعد الخلافات السياسية، ودخول بعض الجماعات السنية والشيعية الى خانة التحالفات المشتركة، كما في حالة حماس وايران، أو الحزب الشيعي اللبناني حزب الله ومن معه من بعض الرموز السنية، الأمر الذي جعلنا نرى مشهد رئيس الوزراء الفلسطيني الحمساوي اسماعيل هنية يؤدي صلاة الجمعة في طهران مع جموع الملالي والآيات، او جعلنا نرى الاخواني فتحي يكن يؤم جموع منتمية لحزب الله في بيروت قبل أمس، رغم أن هذا كله يبدو مألوفا منذ زمن طويل إلا أنه يصعب تحديد تاريخ لانشطار المسجد إلى شيعي وسُنَّي.
لكن، الثابت أن أول المعارك بين المسلمين بعضهم بعضاً، ولعلها معركة الجمل (36هـ)، كانت أول عزل في الصلاة، ومنها استمر الانشطار حتى يومنا، فكل قوم صلوا وراء قائدهم. ولم تظهر الاختلافات في الصلاة، من سَبلِ أو ضم اليدين والجهر والتسليم وعدد التكبيرات وما إليها، إلا بعد تكريس المذهبية على أساس الاختلاف في الأصول أو العقائد، وأهم الخلافات كان أصل الإمامة لدى الشيعة وعدمه لدى السُنَّة، وتهون دونه بقية الخلافات. وهنا أصبحت الصلاة مظهراً من مظاهر التمييز، وتستوجب عزل المسجد، وعزل المقابر أيضاً.

ومع ذلك، فليس بثابت فقهيا، لدى الشيعة والسُنَّة، ما يحول دون قيام الصلاة الجامعة بين المذهبين، أو صلاة الشيعة بإمامة سُنَّي، وصلاة السُنَّة بإمامة شيعي. إلا ما ظهر من فتاوى لدى فقهاء داخل المذهبين، وضمن تكريس مصطلحي الروافض والنواصب، فعدا ذلك الصلاة جائزة، وفتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت (1958-1963) مشهورة، ومنها: «إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة...». هذا في اختيار المذهب فكيف بالصلاة، والتي هي من فروع الدين لا من أُصوله. وكذلك يرى فقهاء شيعة صلاة أقلية شيعية وراء إمام سُنَّي، وصلاة أقلية سُنَّية وراء إمام شيعي، مع الاحتفاظ باختلافات الأداء. وحتى الأذان لم يكن فيه اختلاف سوى عبارة «حيَّ على خير العمل»، مقابل عبارة السُنَّة «الصلاة خير من النوم». أما الشهادة الثالثة «أشهد أن علياً ولي الله»، وعلى الرغم من شيوعها علانية في الأذان الشيعي، إلا أنها ليست من مكونات الأذان لدى رسائل فقهاء الشيعة كافة، بداية من الطوسي (ت 460هـ)، وحتى المرجع الحالي السيستاني. غير أن الشاه إسماعيل الصفوي (ت 931 هـ) جعل الشهادة الثالثة أمراً رسمياً بل مميزاً لشيعية الشيعي. وما سمعه ابن بطوطة (ت 779هـ)، من قَبل، في الضريح العلوي كان قولاً وليس أذاناً: «وهم يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله» (الرحلة). وإذا كان الصفوي يمتحن إخلاص الشيعي بالشهادة الثالثة وسب الشيخين، فحاكم سُنَّي، تمترس بالمذهب الحنفي، أثار شكوكه سبل ابن بطوطة ليديه في الصلاة، وهو مالكي يسبل في صلاته أيضاً، ولم يتركه حتى امتحنه بتناول لحم الأرنب، المحرم لدى الشيعة.

وهكذا... تستحدث المقالات ويصنف البشر تحت حقيقية ما جرى «الناس على دين ملوكها».

شاهد العالم أجمع بابا الفاتيكان، وهو حبر الكاثوليك الأعظم، وهو يقف وراء إمام الجمعة بمسجد آيا صوفيا باستانبول، متوجهاً إلى الكعبة، وضاماً يديه، حسب تقاليد المذهب الحنفي الرسمي بتركيا، وهي ممارسة توحي بالتسامح الديني والتقارب بين المؤمنين، من دون أن يفقد البابا منزلته في الديانة المسيحية. وربما لم يتمكن حبر النصارى من هذه الممارسة بأمكنة أخرى من العالم الإسلامي، لأن المذهب الحنفي قد ينفرد بجواز دخول غير المسلمين إلى المساجد وفق رواية مشهورة، حصلت في فترة النبوة مع نصارى نجران. يطرح ما تقدم أن كيفية الوقوف أمام الله في الصلاة ليس حاجزاً أمام مد الجسور بين الأديان والمذاهب.

وصلاة الجمعة الجامعة، التي أقيمت في ساحة الشهداء ببيروت، بين السُنَّة والشيعة وبإمامة الشيخ الداعية السُنَّي فتحي يكن، قبل يومين، ضمن هذه الشواهد والسوابق المعروفة، قد تبدو للمتابع، عادية، إذا جاءت وخارج انفعال الدعاية السياسية، التي تشهدها بيروت.

صلاة الجمعة تأكيد قرآني، ورد في سورة اسمها «الجمعة»، إلا أن لفقهاء الشيعة آراءً فيها، ومنها أن كل سلطة في فترة الغيبة تعد سلطة «غصبية»، ومن «شرط وجوبها الإمام المعصوم أو مَنْ نصبه لها»، ومَنْ قال «بالوجوب التخييري في عصر غيبة الإمام» (الشيعة في عقائدهم وأحكامهم). وأطلقها من بعد الفقهاء السياسيون، مع تقديم نقد جارح للفقهاء المانعين أو التاركين لها كفرض واجب، وحزب الله اللبناني، فقهيا، هو على مذهب آية الله الخميني فيها، هذا المذهب الذي تحولت فيه صلاة الجمعة إلى مناسبة تطلق فيها الهتافات والدعاية الحزبية، وحتى تصفية الخلافات الشخصية، حيث لابد من ختمها بخطبة سياسية تبعد كثيراً عن مدلولها الديني.

ويستحضر المراقب هنا ما حدث في الانتخابات البرلمانية البحرينية والعراقية، والتهديد الذي يُطلق من صلاة الجمعة الإيرانية واللبنانية، وما يتقدم في خطب الجمعة من على منابر الأضرحة والمساجد العراقية حالياً، فكل هذا يخبر عن رجوح الغرض السياسي الانفعالي على الواجب الديني.

الصلاة الجامعة في يوم الجمعة ببيروت، بين جمهور مسلم محازب لحزب الله شيعي، بإمامة شيخ سني، ليست، كما تظهر دلالات الأحداث والأمور، إلا واحدة من الانفعالات ذات السياق السياسي لا الفقهي الخاص، لأنها جاءت استجابة انفعالية سياسية لغرض آني، وهو تشديد حماسة الجمهور، وإظهار الانسجام الطائفي العابر ضد الخصم وهو الحكومة اللبنانية. مع أن التحزب الديني لا يستطيع تأكيد وجوده والتظاهر بقوته وجبروته خارج البناء والمحيط الطائفيين. وبعيداً عن التجديف، أو الحط من منازل المصلين من كل الأديان والمذاهب، إن تسييس الصلاة لأمر عابر ولموقف انفعالي، يخضع كثيراً لقول الشاعر «صلى وصام لأمر كان يطلبه...».

هناك شواهد تاريخية عديدة على اتخاذ الصلاة كوسيلة للمواجهة السياسية، وإظهار التقارب المذهبي عبرها. وما أن ينتفي الغرض إلا وعادت الفتنة والخلاف الطائفي بما هو أكثر عمقاً. يروي المؤرخ بن تغرى بردى (ت 873هـ) حادثة معبرة عن تتلخص في توجه أهالي بغداد، سنة وشيعة ، في ذلك الوقت، إلى التوحد في الأذان السني والشيعي والصلاة ، وذلك بسبب لحظة سياسة عابرة اقتضت التوحد بين سنة بغداد وشيعته ضد والي الشرطة. قال المؤرخ: «فيها (السنة 442هـ) كان من العجائب أنه وقع صلح بين أهل السُنَّة والرافضة، وصارت كلمتهم واحدة. وسبب ذلك أن أبا محمد النَّسوي ولِّي شرطة بغداد وكان فتاكاً، فاتفقوا على أنه متى رحل إليهم قتلوه، واجتمعوا وتحالفوا، وأُذن بباب البصرة (محلة سُنَّية) بحي على خير العمل، وقُرئ في الكرخ (محلة شيعية) فضائل الصحابة، ومضى أهل السُنَّة والشِّيعة إلى مقابر قريش (ضريح الإمام الكاظم)، فُعد ذلك من العجائب. فإن الفتنة كانت قائمة والدماء تُسكب، والملوك والخلفاء يعجزون عن ردّهم، حتى وُليَّ هذا الشرطة، فتصالحوا على هذا الأمر اليسير، فلله الأمر من قبلُ ومن بعدُ» (النجوم الزاهرة).

هناك محرك سياسي يرمي إلى غرض واضح ليس لفريضة الصلاة ولا الأذان فيه من شأن، يحرك الأهواء كيفما شاء باسم المقدس. فمَنْ أعلن توحيد الصلاة والأذان هو نفسه مَنْ جعل اختلافيهما نصاً مقدساً، وجعل القتيل دونهما شهيداً.[/b]
مرحبا بك في منتديات



www.ankawa.com