المحرر موضوع: حكايات طبية - 3  (زيارة 673 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح قيا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1901
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حكايات طبية - 3
« في: 23:30 04/09/2013 »
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة - 3
                                                                                                                             د. صباح قيا              
الصرع   ( Epilepsy )
( متى 17: 14-21 ، مرقس 9 : 14-29 ، لوقا 9 : 37-43 )
ولما وصلوا الى الجمع ، تقدم رجل الى يسوع ، وجثا أمامه ، وقال: " يا سيد ، ارحم ابني لأنه مصاب بالصرع ، وهو يتعذب عذابا شديدا ، وكثيرا ما يسقط في النار أو في الماء ، وقد احضرته الى تلاميذك ، فلم يستطيعوا أن يشفوه " . فأجاب يسوع قائلا : " أيها الجيل غير المؤمن و الأعوج ، الى متى أبقى معكم ؟ الى متى أحتملكم ؟ أحضروه الى هنا ! " وزجر يسوع الشيطان ، فخرج من الصبي ، وشفي من تلك الساعة .

لا بد لمن سكن بغداد ايام زمان ان يتذكر ما المقصود ب ( ابو رعيصة ) التي كانت تطلق على من قد تنتابه نوبة صراخ فجائي تعقبها مباشرة حركات لاارادية مصحوبة بتشنج عضلات الجسم و بالأخص الاطراف العليا والسفلى مع صك الاسنان وسيل اللعاب خارج الفم واحيانا عض اللسان والتبول او البراز الذاتي غير المسيطر عليه  ، و تستمر دقيقتين او اكثر  ليخلد بعدها  ( المرعوص )  ، حسب التسمية انذاك ،  الى النوم الذي ربما يستغرق حوالي النصف ساعة . كنا ، ذلك الحين ، صغارا  نهرع مسرعين  باتجاه مكان الحدث ، ونرى النسوة يهرولن حاملات طاسات الماء , والرجال يلوحن بمناديلهم ليضع اولهم منديله بين اسنان فكيّ  المصاب كي يقي اللسان من كماشة الفكين . وبعدها تتم مراحل الافاقة بالمناداة احيانا وبالماء احيانا اخرى ، فيستفيق مشدوها ،  ولكن لا يتذكر ما حصل له اطلاقا . كنا نلاحظ مشاعر الرحمة والشفقة وعلامات الرقة على جميع الوجوه . هكذا كانت قلوب الناس  ذلك الوقت .
من المحتمل ان التعبير الدارج  " ابو رعيصة " مشتق من الاسم اللغوي للمرض المنوه عنه والمعروف ب  " الصرع " والذي يحدث نتيجة خلل وقتي في النشاط الكهربائي لخلايا المخ ، اما جزئيا ويطلق عليه " الصرع الجزئي " او شاملا جميع الخلايا ويعرف حينئذ ب " الصرع الاكبر " . ولا يمكن معرفة سببه في حوالي  70% من المصابين به ، ولكن يظهر احيانا بعد اصابات الراس ، نقص الاوكسجين عند الولادة ، اورام الدماغ ، التهاب السحايا الدماغية ، بعض الامراض الوراتية ، او حالات التسمم .
عرف الانسان النوبات الصرعية منذ القدم ، وذكرت في العهد القديم  مرات عديدة ، وسمي المرض ب " مرض السقوط " ، كعقاب للفرد بسسب خطاياه ، او كتحذير للمجتمع كي لا ينتهك شرائع الله . وبحسب قانون التلمود ، كان العبد يباع مع ضمانة لمدة 100 يوم يعاد فيما اذا حصلت له نوبة صرعية . كما كان يظن وهمآ  بانه مرض وراثي فلذلك تمنع المراة المصابة من الزواج . وايضا لا يسمح للرجال المصابين  بامتهان الكهنوت او القضاء من جهة ، و لا يجوز للكاهن او المرشد ان يتعامل مع او يعالج مصابا  خوفا من انتقال المرض اليه من جهة اخرى لاعتقادهم بانه معد .
وكان العرف السائد في القرون الوسطى بان مرضى الصرع تمتلكهم الشياطين وقوى  نجسة اخرى . ومن الطرق الشائعة التي كانت تستخدم انذاك  لايقاف النوبة هي تعريض المسكين الى مراحل طقسية  قاسية بغية طرد الارواح الشريرة منه والتي غالبا ما تؤدي الى الحاق الاذى به ،  واحيانا وفاته . واستمرت النظرة الظلامية الخرافية ووصمة العار تلاحقهم لقرون عديدة .  وفي عام  1983 م اقر القانون الكنسي رفع الحظر الذي يمنع دخولهم المعاهد الدينية الكاثوليكية والى غير رجعة .
ليس الصرع بمرض عقلي ، ولا تقتصر الاصابة به على عمر او جنس محدد ، ولا توجد علاقة مثبته علميا بينه وبين الذكاء حيث يمكن ان يظهر على اناس بمستويات متباينة من الذكاء رغم حصوله عند بعض  المتميزين بذكائهم ، اذكر منهم على سبيل المثال : يوليوس قيصر ، نابليون ، سقراط , نوبل ، دستوفسكي ، و جارلس ديكنز .
نادرا ما ينشأ المرض عن اسباب وراثية , فاذا كان احد الوالدين مصابا فان امكانية تعرض الطفل تقريبا 10% ، وتزداد الى 4:1 اذا كان كلا الوالدين يعاني منه .
من الممكن تشخيص الحالة بسهولة من خلال التاريخ المرضي والوصف الدقيق للنوبة ، والمسند باجراء مخطط كهربائية المخ . وهنالك عدة طرق لعلاجه ، اهمها العقاقير المانعة او المسيطرة على التشنج ، واللجوء نادرا للجراحة وخاصة للنوبات الصرعية المتكررة .
ما يمكن عمله اذا صادفت نوبة صرعية :
تجنب وضع اي شيء في فم المصاب ، فهذا الاجراء غير مقبول في الوقت الحاضر .  لا تحاول مسكه او التحكم في حركاته و تشنجاته . قف قريبا منه وابعد عنه الادوات الحادة وكل ما هو مؤذ . حاول ان تضعه على جانبه . ستنتهي النوبة خلال دقيقتين او ثلاث . حاول ان تهدئ من روعه قدر المستطاع  بعد استعادة وعيه .