المحرر موضوع: في حياتي تاريخ لا ينسى  (زيارة 1925 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل زاهـر دودا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 267
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في حياتي تاريخ لا ينسى
« في: 21:57 28/09/2013 »
في حياتي تاريخ لا ينسى

لا تفارقني ذكرى يوم الثامن والعشرين من أيلول 1987 من كل سنة لتاريخ العائلة التي فُجِعت وانقلب هدوءها وسعادتها إلى كارثة، حيث استولى عليها الحزن والألم، وعمّ الأسى والبكاء بين أبناء البلدة كلها عندما بث ونـُشر خبر استشهاد ناشر ، ومَن في القوش لا يعرف ناشر ؟!  رجالها كانوا أم نساءها أو شيوخها وحتى أطفالها ، وحتى الذي وقعت عليه نظرة واحدة لا يمكن أن ينساه لـيتأسف على شبابه ورقة قلبه وكرمه وبشهامته وبرجولته التي أبداها عندما كان جنديا في صنف الدروع ومرابطا في سيطرة بروشكي وتدخله في عمل الجهات الأمنية المسؤولة في السيطرة من اجل مساعدة أبناء بلدته الهاربين والملتحقين بالأفواج الخفيفة الكردية والى المسيحيين التابعين لقرى وبلدات الواقعة شمال دهوك، وكانت جملته المشهورة لمنتسبي السيطرة : ــ إن كل سورايا يمر من هنا هو قريب لي وواجب مساعدته ــ ولم يرق هذا للمجرمين عديمي الرحمة والإنسانية وبسببها انتهز احد الضباط الحاقدين إحدى الفرص وتم نقله إلى قاطع البصرة .
كان قبل نقله بأسبوعين قد وضع نيشان الخطوبة على الأخت ناهدة خوشو ، مستعدا ليوم البوراخ ( الزواج ) في إجازته القادمة التي لم تأتي وجاء بجثمانه الطاهر ظهر يوم 29 / 9 نائما في النعش لا يسمع نداء وصراخ خطيبته له ، ولا على صوت الهلاهل لشقيقاته ولأخواته من نساء المحلة الممتزجة بحركات رقص لأجساد مذبوحة، وحتى طيور الحمام تركت عشها الذي كان قد بناه لها على سطح الدار، هاجت وارتفعت في السماء تضرب بريش أجنحتها لتطلق اصواتا كانت تسعده لعله يراها ويسمعها ، لكي ينهض ليقدم لها بيديه الحنونة حفنة من الحنطة ، ولعلها كانت تحلّـق مع روحه الطاهرة سابحة في السماء فوق رؤوسنا تودعه بطريقتها  .
 ولا يمكن نسيان صورة الوالد الذي احتبست في صدره الحسرة من هول الفاجعة التي صدمته فشلّته وكبتت أحاسيسه كي تنطلق وتخفف عنه ثقل المصيبة ، وهو مذهولا من ما يحدث له ويشاهد حوله من انهيار لتلك الآمال التي كان قد بنا عليها بعدما رزق بابنه البكر وتحققت أمنيته بـلقب أبو ناشر ، حيث كان يطلق عليه حتى قبل زواجه.
وما يفطر قلب الحجر ويقطر دما، منظر الوالدة وهي تنتحب وتضرب على رأسها وتخدش وجهها الأخضر الذي حولته إلى ركام أصفر تسيل الدماء فيه وهي تلعن حياتها القادمة الخالية من وجود ابنها ونور عينها الذي بدأ يضعف ويتلاشى بريقه كما حوّل الحدث جمال شعرها الربيعي إلى خريفي تساقطت عليه الثلوج قبل موسمها.
وإخوتي الصغار سيبا ونشوان وباسل المندهشون من الذي يجري حولهم غير مستوعبين لمراسيم الحدث ، هل هم في عرس حقيقي لأخيهم ، حيث كل الأقارب حضروا من بغداد ليشاركوا حفل الزفاف مع صلوات الوداع من الآباء الكهنة والشمامسة الحاضرين . وتهافت الجميع لحمل العريس مع نبرات الهلاهل الحزينة للعروسة تحت أمطار الدموع إلى مثواه الأخير بدل القفص الذهبي الذي بقى خاليا ، وخطيبته انتظرت سنوات طوال لعله يعود ويأخذ بيدها ليدخلا فيه ، لكن دون جدوى ، وان الذي ذهب لن يعود لأنه لا يمكنه العودة إلى الوراء، ونحن الباقون نبقى نحمل الذكريات إلى أن نلتحق في نفس الطريق الذي لا عودة فيه . 
زاهـر دودا
القوش 28 / 9 / 2013




غير متصل شوكت توســـا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2262
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: في حياتي تاريخ لا ينسى
« رد #1 في: 14:57 29/09/2013 »
الاخ زاهر  دودا المحترم
كان بحق يوما حزينا  ذاك الذي استقبلت فيه القوش جثمان  أحد أبنائها  الأعزاء ناشر , عرفنا الفقيد المرحوم  بوجهه البشوش و بشجاعته  وغيرته ودماثة أخلاقه التي تربى عليها  في بيت عرف عنه الالتزام والمحبة والاحترام  , ثم زاد على خصاله  ما تلقاه في المدرسه والمحيط الذي  قضى فهي ربيع شبابه.
نسال الرب ان يتغمد الفقيد  ناشر ووالدكم المرحوم  بوافر الرحمه .

تقبلوا خالص تحياتي

غير متصل زاهـر دودا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 267
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: في حياتي تاريخ لا ينسى
« رد #2 في: 22:31 30/09/2013 »
الاستاذ العزيز شوكت توسا المحترم
في البداية تقبل تحياتي وسلامي الحار
أشكر مشاعرك الانسانية النبيلة ولكلماتك المعطرة عن أخي المرحوم ناشر دودا ،
فعلا انها شهادة أعتز وأفتخر بها وهي تؤكد ان أفعال الطيبين الشرفاء وللابطال لا يمكن ان تنسى ، تبقى في ذاكرتنا رسالة نحملها وامانة في اعناقنا لتكون عبرة حسنة لمستقبل اجيالنا القادمة ، وهي برهان بأن الحب والخير هو الخالد المنتصر في مسيرة الانسان .
أتضرع الى الرب ان يحفظك ويسعدك مع اهل بيتك الكرام ، ويبعد عنك الأحزان ، ولوالديك اسأل الرحمة والغفران ونعيم الفردوس .
تقبل خالص التقدير والإحترام
زاهر دودا

غير متصل نيسان سمو الهوزي

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3606
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: في حياتي تاريخ لا ينسى
« رد #3 في: 23:08 30/09/2013 »
نعم يا اخي : فبالرغم من انها احزان يجب ان لا يعاد ذكرها وذلك بسبب الالم والفاجعة التي تفتحه من جديد في صدورنا ولكن مع هذا يجب ان لا ننسى هؤلاء الاعزاء .. مع الاسف لكل عائلة عراقية مآساة كبيرة واحزان لا تنسى فكم اخ وكم قريب وكم صديق وعزيز فقدناهم ورحلوا عنا وهم في عز الشباب .. فتح تلك الصفحات هي مآساة جديدة .. لا نقول إلا ان يدركوا بأننا نحبهم ولم ننساهم .. واتمنى ان تعتبروا كل الاخوة الخيرين كأخوكم ناشر ..

غير متصل زاهـر دودا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 267
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: في حياتي تاريخ لا ينسى
« رد #4 في: 21:54 01/10/2013 »

أخي العزيز نيسان سامو :
أعتذر إذا تسببتُ الألم والحزن ــ خلال المقال ــ لك وللآخرين ، حيث لم تكن غايتي في تجديد المآساة وفتح صفحات لتأريخ مرير للكثير من العراقيين ، ولكن هذا قدر الشرفاء ان يرافق التأريخ بوجهه الحزين ، ولا يدعنا ان نفتح كتب التأريخ السعيد كي نتأمل المسرات في الصور العابرة للأحبة الذين سبقونا ورحلوا عن عالمنا .
لم تنتهي مآساة العراقيين بعد انتهاء الحرب الهوجاء بين العراق وايران ، فجاءنا الحصار الظالم والاحتلال الجائر والتهجير وتشريد العائلة الواحدة وفقدان الأمل قبل الامن وغيرها الكثير ...
التأريخ يلازمنا ، وعلينا أن نستفيد من دروسه لكي لا يجري لأبنائنا مما جرى لنا . فقط الأطفال لا يمتلكون ذاكرة الماضي ( التاريخ ) ولذلك تقرأ فيهم البراءة والنقاوة .
شكرا على ملاحظاتك الصحيحة ولمشاعرك النبيلة الصادقة من خلال تعليقك والرد على المقال ، وانني أؤيدك وهو مبدأي في الحياة أن كل الطيبين والخيرين هم إخوة لي ويشرفني ان تكون واحدا منهم .
دمت سالما مع خالص التقدير .