الوضع العام للكلدان
آراء وملاحظات
قبل كل شيء وبالصراحة التي لا تعجب الكثيرين أود أن أطرح آرائي وانطباعاتي عن أبناء شعبنا الكلداني وهي نابعة من خبرتي الشخصية على مرور سني العمر وبموجب النقاط التالية التي هي رأي شخصي بحت الغاية منه اظهار ما أراه عن واقعنا من ملاحظات وآراء وليس لتحدي أية جهة لأن ذلك ليس من حقي:
أولا في الجانب الاجتماعي
نحن شعب مسالم عموما ومثقف في اكثريته نجتهد في توفير عيشة كريمة مستقرة لعوائلنا ونبتعد قدر الامكان عن المشاكل التي نحن في غنى عنها. نحب الطرب والانشراح ولا تكتمل سعادتنا في كل مناسباتها بما فيها الدينية الا بحلقات الرقص والدبكات التي لا يخلو منها أي تجمع نحضره في جميع مناسباتنا الوطنية او الاجتماعية وحتى الدينية كالسفرات التي تتم بمناسبات ( الشهرا) وما أكثرها والتي لكل منطقة وقرية واحدة منها.
ثانيا في الجانب السياسي
نتميز في هذا الجانب بضعف شعورنا القومي ولكوننا شعبا صغيرا مهمشا ننجرف وراء أي حزب أو حركة سياسية تحاول الايحاء بأنها تدافع عن حقوقنا وترعى مصالحنا خدمة لمصالحها الذاتية كما حدث في السابق مع الحزب الشيوعي العراقي والحركة الكوردية لاحقا والقائمة العراقية للدكتور أياد علاوي وحتى بعض المنظمات السياسية التي تعود لبعض ابناء شعبنا كحركة زوعا والمجلس الشعبي ولم نحاول جديا تأسيس منظمات خاصة بنا لها تواجد وثقل في الساحة السياسية بالرغم من توفر كل الامكانيات المطلوبة سواء كانت مالية أو ثقافية أو عددية كوننا المكون الأكبر بين المسيحيين العراقيين.
ضعفنا في هذا الجانب الحساس والمهم أدى الى ظهور العديد من الذين يدعون تمثيلنا وينطقون باسمنا من دون أن يكلفهم أحد بذلك مستفيدين من الفراغ الكبير الموجود في ساحتنا السياسية للترويج لطموحاتهم ومصالحهم الذاتية وكل منهم يتباكى على حقوق الكلدان المهدورة والمسلوبة من قبل الآخرين وحتى المؤتمرات الخجولة والصغيرة التي انعقدت هنا أو هناك وبصورة خاصة في المهجر لم تخرج عن هذا الاطار ولم تكن لعامة أبناء الشعب الكلداني بل لفئات محددة ومختارة سلفا لتتطابق الأهداف بين المشرفين والحاضرين لتلك المؤتمرات والمقررات التي تصدر عنها تكون لأغراض دعائية توضع على الرف بعيد انفضاض الاجتماع أو المؤتمر وويل لكل من تسول له نفسه مخالفة آرائهم لأن اقل التهم الجاهزة تكون تهمة الخيانة والتبعية وغيرها عايشناها منذ سنة 1958 ولا زلنا نعايشها.
نحن امة قليلة العدد نسبيا مقارنة بمحيطنا و لا بد لنا من الترابط والتكاتف لأننا لا نملك متطلبات تواجد اكثر من مركز قوة واحد وقد دعا الخيرون من الكلدان الى توحيد الجهود تحت منظمة واحدة أو ائتلاف أكثر من منظمة في كيان واحد لايجاد ثقل يساعدنا على الحصول على مكاسب مقبولة نسبيا من الكوتا الصغيرة المذلة سواء على نطاق الحكومة المركزية أو حكومة الاقليم ولم نتمكن من ايجاد مثل هذه الصيغة واصرينا على الأنانية القتالة التي كانت السبب الأساسي في فشلنا المتمثل بعدم الحصول ولو على مقعد واحد في أي من البرلمانين رغم ادعائنا بأننا نمثل 80% من مسيحيي العراق وفشلنا ايضا في الاعتراف بالخطأ ومحاولة تصحيحه وبدل ذلك أخذنا نلقي اللوم دون وجه حق على منظمات شقيقة لديها تنظيمات افضل مما لدينا ولا زلنا نبكي على حصتنا من الكعكة اللعينة التي سلبت منا كما ندعي ونريدها أن تقدم لنا على طبق من ذهب دون أن نقوم بالبحث عنها بالطرق الصحيحة والظفر بها لأن الحقوق تؤخذ ولا تعطى أو تستعطى.
من جانب آخر نحاول أن نلقي أسباب فشلنا على مؤسساتنا الدينية التي أبتلت بنا فان تدخلت بالسياسة قلنا لها ان السياسة ليست من اختصاصها وعليها عدم التدخل وان رفضت التدخل طالبناها بالتدخل كما يفعل رؤساء كنائس اخرى شقيقة وأن اوضحت الباطريركية بأن لا وجود لشيخ يمثلها أو يمثل الكلدان قامت عليها القيامة وصدرت ضدها تعليقات تصل أحيانا الى درجة البذاءة ولا تليق بمقامها.
ثالثا في الاجانب الديني
مرت كنيستنا خلال فترة ليست بالقصيرة بمرحلة من الوهن أدى الى تخلخل في ترابط أجزائها المتعددة والمتمثل بالأبرشيات التي ارتقى البعض منها الى ما يشبه المشيخات شبه المستقلة ساعية الى فرض وجودها واتخاذ قراراتها بشكل منفرد والتصرف بواردات الكنيسة كما يحلو لها واستقطاب القسس التاركين لمهماتهم في أبرشيات اخرى وتقوية مراكزها على حساب الرئاسة التي ان ضعفت اهتز الكيان كله وتشتتت الرعية المشتتة أصلا والمتوزعة في بقاع الأرض المختلفة.
تدخلت بعض القيادات الكنسية بالسياسة عن طريق عقد مؤتمرات شعارها الظاهري جمع الكلدان وتوحيد كلمتهم ونتائجها كانت غير ذلك لأنها قامت على اجتهاد فردي يفتقد الى الحنكة السياسية والمشاركون فيها قلة مختارة من المؤيدين الذين يشجعون تلك القيادات للقيام بهكذا فعاليات ويكيلون لها المديح ويطلقون عليها ألقابا رنانة ولا يعلم القائمون بتلك الفعاليات أنهم يركبون السفينة التي لا تنقلهم الى بر الأمان الذي ينشدونه وبأن جهودهم لا يمكن أن تثمر الا بالتنسيق والتعاون مع مرجعهم الأعلى المتمثل بالسدة الباطريركية التي تنأى بنفسها عن السياسة التي هي خارج مهامها ولا أفهم كيف يمكن لمن لا يؤمن بوحدة الكنيسة الكلدانية أن يوحدنا قوميا .
حدثت عبر مراحل التاريخ حالات من سوء تفاهم بين رجال الدين وهذا أمر طبيعي وآخرها كان خلال فترة خدمة غبطة الباطريرك المستقيل عمانوئيل الثالث دلي وكان هناك سوء تفاهم أداري على ما أظن بين فريقن من الأساقفة احدهما يتبع المركز والثاني سمي بأساقفة الشمال وجرت اجتماعات متضاربة للسنهادوس سمي الواحد اجتماع ألقوش والثاني أجتماع عين سفني وكان لي رأيي المتواضع في حينه بمقال عنوانه (بين ألقوش وعين سفني/ هل تعالج الأمور بالمزايدات؟) نشرته على هذا الموقع بتاريخ 19 تموز 2007 يمكن لمن يرغب الاطلاع عليه على الرابط المذكور أدناه حيث رأيت ولا زلت أرى بأن التحاور داخل البيت الواحد هو الأسلوب الأمثل للوصول الى وحدة الكلمة وما احوج كنيستنا وشعبنا الى الوحدة في مثل هذه الظروف السيئة التي نمر بها جميعنا.
المشكلة الادارية الأساسية في هرم الكنيسة الكلدانية وضعف الارتباط الاداري سببها قيام الفاتيكان قبل ما يزيد عن قرن بتقليص سلطة الباطريركية الكلدانية وتحديدها بالمنطقة التي يتواجد فيها الكرسي الباطريركي الأمر الذي يعني بأن الأبرشيات التي تقع خارج تلك المنطقة (المهجر) تتبع اداريا الكنائس التي تتواجد فيها والارتباط الشكلي مع كرسي بابل يكون في الجانب الطقسي فقط وقد تفضل الدكتور عبدالله رابي مشكورا بتوضيح وشرح هذه النقطة والقوانين الكنسية الأخرى ذات العلاقة في مقالة له منشورة قبل فترة قصيرة في هذا الموقع وحسنا فعل بطاركة المشرق خلال اجتماعهم الأخيرمع قداسة البابا في روما بطرح موضوع احياء الادارة الذاتية تحت خيمة كل كنيسة أي ايجاد حكم اداري متكامل لكل كنيسة مع الاحتفاظ التام بالوحدة الايمانية مع كرسي روما وهذه هي الخطوة الصحيحة التي يجب أن نؤيدها بكل الوسائل المتاحة في سبيل تطبيقها لأن الفرقة هي المعول الذي سيؤدي بنا الى الانقراض والضياع.
أن الارتباط المزدوج بين كرسي روما والباطريركيات الشرقية شجع بعض الأبرشيات المهجرية بأن تعمل باستقلالية شبه كاملة من الناحيتين الادارية والمالية وأدى الى بروز أبرشيات كبيرة وغنية ماديا وأخرى تشكو العوز كما هي الحال مع معظم أبرشيات الداخل وستتسع هذه الحالة مع الوقت طالما أن الهجرة مستمرة لذلك فأن أبرشيات المهجر ستنمو والتي في الداخل ستتقلص . عليه أرى من الضروري أن تستعيد الباطريركية كامل سلطاتها الادارية وأن تشرف بشكل مباشر على الواردات المالية لجميع الكنائس الكلدانية واخضاعها للرقابة بصورة قانونية وشفافة من خلال لجنة من المختصين تؤلف لهذا الغرض تمسك سجلات رسمية قابلة للتدقيق والمراجعة حالها حال أية مؤسسة أخرى وعدم تركها سائبة كما هي الحال الآن. يجب أن يتم الصرف بحسب الحاجة الفعلية لكل كنيسة وأن تكون للكرسي الباطريركي حصة ثابتة من هذه الواردات يستغلها في تمشية أموره المالية وتسمح له بمساعدة الكثير من العوائل المحتاجة والمتعففة في أية منطقة داخل الوطن الأم وهناك جهات كثيرة محتاجة لمثل هذه المساعدات لا يعلم بها من في المهجر.
يتوجب على كل المؤمنين المخلصين العمل الجدي لآصلاح هذا الخلل ودعم غبطة الباطريرك في مطلبه من الفاتيكان بتوحيد السلطة المجزأة المشار اليها لأن الوضع الحالي سيفاقم الأضرار التي تنخر في جسم الكنيسة مثل تسرب الكثيرين من أبناء قومنا خاصة الذين في المهاجر واللجوء الى كنائس أخرى وخاصة الانجيلية منها التي تقدم رعاية افضل لأتباعها وهذا الهروب يتحمل مسؤوليته بعض رجال الدين الذين اثرت عليهم اغراءات الحياة المادية وجعلتهم يبتعدون عن واجباتهم الأصلية بسبب فقدان الرقابة المركزية.
نقطة أخرى مهمة ارى أن يتم اتخاذ اجراء سريع لمعالجتها ألا وهي توحيد الطقس والصلوات التي تتباين بين كنيسة واخرى اذ لكل اسقف أو كاهن كراسات مختلفة عن بعضها وحتى الحان كنيستنا الجميلة بدأت تتلاشى ويجري تحوير عليها بشكل انفرادي جهلا بالأصيل منها أو عمدا وادخال الكثير من الغريب فيها. أنا لست ضد التجديد والتحديث وفي حدود ضيقة لأن ما لدينا جميل جدا لا يعوزه شيء ولكني ارى بأنه في حالة حصول أي تجديد يجب أن يكون موحدا في جميع كنائسنا .
في الوقت الذي آمل فيه أن أرى كنيستنا الكلدانية مستعيدة وجهها المشرق وهيبتها اؤكد بأني لا أقصد بأن تكون هناك سلطة دكتاتورية يتسلط فيها الأكبر على من يليه بل أن يتعامل الرئيس الأعلى مع تابعيه وهذا يشمل كل الدرجات الكهنوتية كما يعامل الأب الحنون أولاده بدون تفرقة ويبذل نفسه في حمايتهم وتوفير كل متطلباتهم الحياتية والسماع الى آرائهم وحل أي اشكال أو اختلاف في الرأي بطريقة ديمقراطية ضمن الاجتماعات الدورية للكنيسة ( السنهادوس)التي يجب أن تعقد في أوقات متقاربة نظرا للظروف الخاصة والتغيرات الكثيرة المستجدة في هذه الأيام الصعبة. ولا يجب أن ننسى جميعا وصية الرب الذي قال :من أراد أن يكون بينكم كبيرا ليكن لكم خادما وهو الذي صلى الى الأب بأن يجعلهم واحدا كما هو والأب واحد.
والله الموفق
الرابط أدناه : بين ألقوش وعين سفي/ هل تعالج الأمور بالمزايدات؟
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,106816.msg2672478.html#msg2672478 عبدالاحد سليمان بولص