المحرر موضوع: مشاطرة متواضعة مع مواقف كنيستنا البطريركية  (زيارة 1939 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

مشاطرة متواضعة مع مواقف كنيستنا البطريركية

الاب نويل فرمان السناطي
سنة سعيدة لقرائنا الاعزاء، وليكن هذا العام الجديد عام نعمة وخير وسلام. وأستهلها بالكتابة في موقع عنكاوا، بعد بعض انقطاع، لجملة اسباب، منها الانشغال المتراكم، وغيرها التعويل على ما يصدر عن مواقعنا الكنسية، بتأوين متميز، وما يصدى له في المواقع. ولكن جاءتني رسالة مرموقة اعتز بها، تشير الى ان هناك ما يمكن ان اكتبه من افكار، سيكون له الصدى الاوسع في موقع عنكاوا، ولا اخفي ارتياحي أمام التنويه بهذا الموقع الاغر بالاسم، مما يعبر عن مكانته في اوساطنا المتنوعة كما في اوساطنا الدينية. وكان يراودني تساؤل عن صدى الكتابة في المواقع الالكترونية، فكانت الرسالة، كخط ابوي اخضر.

بواعث المشاطرة
تصدر بين المدة والاخرى، تصريحات من بطريركيتنا، بطريركية بابل على الكلدان في العراق والعالم، يكون لها اصداء متباينة هنا وهناك، ولا تألو البطريركية جهدا في وضع النقاط على الحروف، اذا ما اقتضى الامر، وتصدر التوضيحات، ثم توضح من جديد، اذا استجد طارئ على التوضيح السابق. لنجد أنفسنا، منذ قرابة العام، وبين ليلة وضحاها، مع موقع بطريركي يتعامل مع نبض شعبنا السورايا، بدل أن تترك الامور على عواهنها، ثم تصدر فرقعة إعلامية طارئة تحت تأثير بلوغ السيل الزبى. هذا قد يوحي، عند سكوتنا، وكأننا نترك البطريركية لوحدها، ومع انها تمشى اعلاميا بخطاها الواثقة مستوحية الرسالة الايمانية الملقاة على عاتقها.

مع الجهد البطريركي
 وللمفاكهة أقول، أني في الواقع ولشدة ابتعادي عن استخدام فعل لا يألو جهدا، اخذتني الريبة في هذا الفعل فغوغلتُ عنه (بحثت في غوغل) لأتبين املاء هذا الفعل الشجاع، إن كان بالواو، فهو بالتأكيد لا يحتاج الى ألف مع واو الجماعة... ومضى الشك الى جهد آخر لأتساءل ان كان هذا الفعل يكتب بدون واو أي بالضمة على اللام، فأصاب ظني أن البطريركية بالفعل لا تألو جهدا لما يقتضى التدخل، بحيث بت اتحرج عليها من الطارئين، والمقنطرين على المواقع الالكترونية، وهم معدودون ومعروفون وقلما يستدعي الامر ان تبرز أدبياتهم الحوارية ومجاذباتهم الضيقة. وهذا جعل الكثيرين منا يتحاشون الكتابة هنا وهناك، معتمدين على مواقعهم الالكترونية الكنسية. إنما أجد أنه آن الاون لأقلامنا، ممن بتنا في خانة الاقلية الصامتة، بأن نرفد بأقلامنا المواقع الالكترونية لشعبنا السورايا، بل وايضا وحسب التخصص، موقعنا الكنسية وصفحات خورناتنا على الفيسبوك بالاراء، متوخين الفرادة والابداع والاضافة، كل من زاويته، لكيما يرتفع البنيان الايجابي الذي تتوخاه على ما اتعشم رئاساتنا الكنسية، ويتوخاه على ما معروف عنه، غبطة بطريرك الكلدان مار لويس ساكو.

كنيستنا لا تتدخل في  السياسة إنما...
لفترة خلت، وقبل ان تستفحل التجزئة الاثنية في جسد السورايي من شعبنا المسيحي في بلاد بين النهرين وتخومها، على الارض وفي الاغتراب، كنت اعتقد ان العلمانية هي الحل، لكيما يلم الجسد الواحد المتناثر طائفيا ومذهبيا. ولكن وجدت، مع الوقت، طروحات لزملاء في المهجر، وطروحات لكتاب عريقين ورواد في مجلة الفكر المسيحي، لا اريد ان اقوّلهم بالتحديد، اذ ليست لدي التفاصيل الدقيقة لمراجع مقالاتهم او محاضراتهم في جمعية آشور بانيبال وسواها. وذهبت تلك الطروحات الى غير ما كنت اعتقد. وها اني اتحاشى كلمة مرجعية التي من فوضويتها وضبابيتها وحربائها، يصيب ذكرها المعدة بـ (الجالي)، على اقل تقدير. هذه الطروحات لا تتفق بوضوح مع ما ذهبت اليه، ان العلمانية ستجمع شعبنا، اذ يرون في ذلك مضرة ترك الحبل على الغارب، وذلك لجملة أسباب منها:
-مع التأكيد على ضرورة الحذر من أن تحل جهاتنا الكنسية محل الاحزاب، لكن يقتضي ان يكون لها صوتها المتميز أمام فرقعات ما يمسى بالمرجعيات الدينية المتعاملة مع السلطة، كجزء منها، او كمعارض لها، وعرفت ببياناتها المتضاربة، وبما يشوش على التوجه السياسي. فقد يعد سكوت جهاتنا الكنسية، في مواقف متطلبة، سكوتا غير مسؤول.
- هناك شعور، ولعله شعور غير دقيق، بعيدا عن الميدان، وهو عدم مبدئية وعدم ديمقراطية عناويننا السياسية، بما أدى الى المزيد من التشظـّي لجسدنا السورايا الواحد. ناهيك عن انهم، وكما يلاحظ بدقة ويصدى له ميدانيا، اتخذوا الحزب بمثابة طابو وملك صرف، ولئن كره الكارهون. وقد لا نستغرب عندئذ لو صادف وحققت الأجندة العالمية، شيئا للشعب السورايا كحكم ذاتي، وعلى غرار ما خططوا للأقاليم، هنا أو هناك، فإن الزعامة ستكون مكرسة لنفس رؤساء الاحزاب واسرهم وذرياتهم، مع مقاسمات سياسية على شكل القسام الشرعي للعقارات، مما سيبقى مثيرا للتساؤل.
وهنا يستجد رأي شخصي، في التوضيح البطريركي لمرة أخرى، الصادر مؤخرا، عمن يمثل المسيحيين كمسيحيين، روحيا، وعمن يمثلهم سياسيا. فإذا كان فهم منه الاشارة الضمنية والكيّسة، الى واحد من الشيوخ ، فإنه لم يبرئ ولا يبرر، كما آمل وأعتقد، مكوث عدد من القادة السياسيين لشعبنا السورايا، على صدور كياناتهم واحزابهم، وذلك بما يعتقد من تعامل رشيق لهم ومتنفذ ومسنود مع فن المهارة في اللعبة الديمقراطية، فكانوا كتحصيل حاصل بمثابة الشيخ والنصف.
وهذا يدفع الى التأكيد بأن يكون للكنيسة كلمتها أمام المحفل السياسي، لما يخص حقا دينيا أو طقوسيا او فكريا او شعائريا، للشعب المسيحي، ومن باب أولى استهدافه من باب الاضطهاد والتكفير. واذا كانت الكنيسة تمثل نسبة واسعة من سورايي البلد ومن مسيحييهم، فمن الطبيعي ان المطالبة تنسحب لصالح مجمل المسيحيين.

بين موقف الكنيسة والتحركات السياسية، نعيش جدلية متفردة تتمثل بالاتي:
لنضرب مثل الكنيسة الارمنية عندما كانت تحت الحكم الالحادي، في الاتحاد السوفيتي السابق، وقبل سقوطه، فإنها في تلك المرحلة، ابدت اصطفافها بطريقة او بأخرى مع مكونات حزبية تحمل الاسم الارمني ذاته، والتوجه الى الهدف عينه بالتحرر والاستقلال، وبعدئذ انسحبت الكنيسة كمرجعية روحية في اجميازدين ارمينيا، وترك للسياسيين شأنهم الرئيس في شؤون البلاد. فلو قورن حال كنيستنا بهذه الخصوصية لهان الامر، ولسهل الاصطفاف.
ولكن في شعبنا باسم تسميته الكنسية وسائر مسمياته المذهبية والطائفية، احزاب يضاعف عددها، عدد اصابع اليدين. ومن هؤلاء رافعي راية تمثيل مسيحيينا، من في مناسبة دينية لا ينحني أمام الصليب والخاتم البطريركي، بينما وزير فيدرالي في كندا، ينحني في الكنيسة أمام  كاهن متجلبب بثياب القداس. وندرج هذا لمجرد المقارنة والتحليل، والا فان عدم الانحناء لا يقلل من ايمان المشرئب بعنقه لدى المصافحة، ولا يزيد منه لدى المنحني، لكن الشيء بالشيء يذكر. فمع كم قائد منحن او متطاول تصطف كنيستنا وقد اصبحوا بضع عشرات لأحزاب ومكونات سياسية؟ لذلك كان بودي ان اقترح، على الموقع الالكتروني للبطريركية الكلدانية، وغيرها من مواقع ذات صلة، وهو تحاشي نشر اخبار مثل هذه الاستقبالات، واعتبارها مقابلات عمل في الدوام الرسمي، والاكتفاء بما يصديه عنها المعنيون في المقابلة، والتدخل في حالة تسخير المقابلة الى اجندتهم الخاصة، واحيانا على حساب الشعب السورايا.
فإن الدوام الرسمي للبطريركية، على ما اعتقد، ولمجرد الافتراض الشخصي تأسيسا على مواقف البطريركية الحيادية، هذا الدوام،  في جانبه الاداري و"التعاملي"، اشبه بعمل سفارة الفاتيكان في سوريا أو السودان، بصرف النظر عن توجه حكامهما ومعتركاتهما السياسية. بحيث يفهم من ذلك، أنه لما يستقبل البطريرك، هذا او ذاك من السياسيين، ستكون عندئذ فرصة لغبطته ان يعبر عن رايه ويطالب ويناشد، وبما لا يؤثر على حيادية العمل الدبلوماسي للبطريركية، حتى وان كان العمل يتصادف في تواجده على الارض، مثلا (مجرد مثلا) مع حكومة فاسدة، ساقطة عميلة مرتشية، مستحوذة، منشطرة التبعية الى الجيران.
وبهذا الصدد، نحتاج الى المزيد من البحث، للتعرف على ظروف عمل كنائس شجاعة في امريكا اللاتينية، في عهد المطران الشهيد اوسكار روميرو، في ظل الفاشيست في السلفادور، وكذلك ظروف عمل الكنيسة في فرنسا تحت الاحتلال النازي، هذا البحث قد يساعدنا للاستزادة في الخبرة بهذا المضمار الحساس. وأذعن أني لم اقع على مصادر ناجعة في هذا الشأن.

ماذا يمثل سياسيونا؟

سؤال أقر شخصيا بعدم الاحاطة بجوانب اجابته، فأمام هذا يحتاج المرء، الى كاتب متخصص غير منحاز، ليعرض ما يمكن لقادتنا السياسيين ان يمثلوا فيه شعبنا السورايا، لأن هذا حقل بات غامضا على شخص بعيد عن الميدان. ربما من تلك الامور، كما اعرض بتواضع، يتعلق بتعليم اللغة حتى الدراسة الجامعية، او نشر الثقافة التراثية، وتعزيز الخدمات في اماكن تواجد الكثافة السكانية من السورايي، ومد الجسور مع المغتربين من ابناء الشعب السورايا. المهم قوله، ان دماء شعبنا المسيحي عندما تسفك لا يفرقون في سفكها بين الاسم الاثني او القومي، ولا بين مذهب او طائفة، مما يقتضي ان تصب جهود سياسيينا في باتجاه الهدف المشترك الواحد لشعبنا السورايا، لحين حصوله على الحد الادنى من حقوقه، وعندئذ يتفرغون للتجاذبات السياسية لمن يحصى على الحظوة الاكبر في قلب الجماهير.

عن الاصطفاف والتقية
وما دمت تحدثت عن عدم الاصطفاف المبدئي للكنيسة مع خط سياسي محدد، ونحن أمام فسيفساء في من الاسماء، فقد علمت ان هذه مفردة الاصطفاف هذه عندما تكون مركبة مع اسم آخر تعطي معنى سياسيا وتوجها حزبيا، قريبًا من المعنى، الذي يقرن ببعض المرجعيات الدينية، والذي تعلمته حديثا ايضا عن التقية.
التقية كما سيرد شرحها، لا نعتقد انها اسلوب العناوين الدينية المعروفة والتي نلمس محبتها والتصاقها الوطني بمعزل عن الدين والطائفة، وما تبرزه التناقضات السياسية للأحزاب الدينية بشأنها، قد يظلمها كثيرا. فالتقية كما جاء في كتاب الحاوي، وكما نقل عن ابن عباس، هي أن يتكلم المرء بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل ولا يأتي مأثمًا. وعرّف بعضهم التقيّة بأنها المحافظة على النفس والمال من شرّ الأعداء فيتقيهم الإنسان بإظهار الموالاة من غير اعتقادٍ لها. وقال الجصاص عنها: بجواز اظهار الكفر عند التقية، كل هذا على خلفية طريقة التعامل لدى الاختلاط بمن يسمونهم المشركين والكفار. هذا ما يجعلنا نتساءل ببراءة الى أي حد يمكن ان يختلط التوجه المذهبي والطائفي في التوجه السياسي لحكومات ما بعد 2003. مما يدعونا ان نرفع الاذرع ابتهالا، ليأتي اليوم الذي فيه تخلص البلاد من كل حكم طائفي او مذهبي، وعندئذ تكون الجهات الدينية على قدم المساواة في المطالبة بالحقوق والواجبات، لما يخص شعائرها الدينية وما يتصل بشؤون مؤمنيها.
اما عن الاصطفاف، فقد حدثني صديق، انه تناقش مع احد اقربائه، وكان له، من قبل ضمن قطيعه الحزبي، باع في التوجه الحزبي غير الديني، واذا به يتكلم في هذه الايام عن الامور الدينية والروحية والكنسية، فاراد صديقي ان يتأكد من قريبه، ان كان حقا على نفس قناعاته الحزبية غير الدينية في السابق؟ قال له: بلى ولكن لدينا ضمن الأدبيات الحزبية، ما يقر التعامل ضمن مبدأ تتضمنه عبارة الاصطفاف المناطقي، لحين تأتي الرياح مع توجهات الحزب.
وهنا ايضا يكمن التساؤل: الى أي حد، وفي أي اتجاه سوف يطالب سياسيونا بحقوق شعبنا المسيحي السورايا في البلاد، وكل منهم مختلف ومتنوع في اصطفافاته المناطقية. هذه الريبة، تعزز من القناعة بأن تتمسك البطريركية بأن تكون مسيحيا وروحيا هي الجهة التي تتكلم باسم مسيحيينا.
وبعد، اود ان اقترح بمودة على إخوتي الكتاب، كهنة وعلمانيين، اننا في خضم انشغالنا بالمواقع الخورنية وصفحات كنائسنا على الفيسبوك، حبذا ان نفرد شيئا من وقتنا وكتاباتنا للمواقع القريبة من قلبنا والمتصلة بكنائسنا، وحسب العائدية، في مجال الفكر والاغناء، مع الاعتبار بأن المواقع الكنسية عموما، تريد ان يخصص موقعها الالكتروني للمقالات الفكرية والروحية ذات الصلة بدون ان يكون منبرا للمماحكات او الطروحات المتبادلة كما كنت فهمت من احد التوضيحات السابقة، فلسنا بصدد منتديات، فهذه قد اكتسحت الميادين الالكترونية بغوائية متفردة.






غير متصل موفـق نيـسكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 362
  • الحقيقة هي بنت البحث وضرَّة العاطفة
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاب الفاضل نويل السناطي المحترم
بارخمور ابونا وكل عام وانت بخير

اشكرك جدا على هذا المقال الجميل، وبما اني لست سياسياً ولكن كاتب تاريخ، فاني اود ان اعلق اولا ًعلى مقالك بما يخص اختصاصي واقول:

احييك على هذه الشجاعة بتسمية الشعب المسيحي (سورايا) وهذا هو اسمه التاريخي الحقيقي والصحيح.

أما ثانيا وسياسيا وبرغم اني لست سياسيا كما ذكرت ولكن نتيجة لتداخل السياسة بالتاريخ أحياناً يُجبر او يضطر الانسان ان يعطي رائه ولو باقتضاب، ولذلك اقول:
 
إن هذا الشعب عانى الاضطهاد لأنه سواريا، وهو يناضل ويدخل السياسة لكي يأخذ ويثبّت حقوق شعب سواريا، وليس اسم شعب آخر، فحتى لو بدَّلت الدولة العراقية اسمها الى الجمهورية الاشورية او الكلدانية او أي اسم آخر، فهل ستحل المشكلة؟ ام سيبقى شعب سورايا يطالب بحقوقه؟
 
شكرا جزيلا لك مرة اخرى، بارخمور
موفق نيسكو