المحرر موضوع: رمضان وبرامج إسفاف بدون قيمة فنية " رامز قرش البحر " أنموجاً !  (زيارة 904 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف أبو الفوز

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 680
    • مشاهدة الملف الشخصي
رمضان وبرامج إسفاف بدون قيمة فنية " رامز قرش البحر " أنموجاً !
برنامج يكشف ضحالة الثقافة والوعي عند جمهرة ليست قليلة من الفنانين !
يوسف أبو الفوز
قبيل حلول شهر رمضان، وبدأ حمى متابعة المسلسلات العربية، يبحث الناس عادة عن ما يودون مشاهدته. أردت مثل غيري البحث أيضا عن شيء مناسب، فسألت الاصدقاء ــ من عشاق متابعة المسلسلات ــ عن برنامج منوعات خفيف، فلا يتوفر وقت ــ ولا مزاج ــ لمتابعة قصة تستمر على مدى شهر كامل، فنصحوني بعدة عناوين، وأخترت منها برنامج "رامز قرش البحر" من على قناة MBC مصر، لمتابعته على قناة اليوتوب في اليوم التالي لعرضه. وياليتني لم أفعل ولم أتابع !
 البرنامج من تقديم الفنان المصري رامز جلال (مواليد 1973)، والذي اشترك في العديد من المسلسلات والمسرحيات والافلام، ولكنه لم يجد النجاح والشهرة المناسبة الا في برامج المنوعات الاخيرة التي تحمل اسمه. "رامز قلب الأسد "2011، "رامز ثعلب الصحراء" 2012، "رامز عنخ آمون" 2013 واخيرا  "رامز قرش البحر" 2014. كنت رأيت على قناة اليوتوب حلقات متفرقة من برامجه السابقة وتولد لدي انطباع تعزز من خلال متابعة أولى الحلقات من البرنامج الاخير. ينتمي هذا البرنامج ــ مثل برامجه السابقةــ الى نوعية برامج "الكاميرا الخفية" التي تعتمد  على اعداد مقلب للضيوف وبالتالي متابعة ردود الفعل وما يصدر من تعليقات. ولابد من القول مباشرة، أني اشعر بالاسف للوقت الذي قضيته في متابعة بعض الحلقات من هذا البرنامج، ولكن اذ تولدت لدي فكرة  الكتابة عنه، فكان الدافع الوحيد لمواصلة مشاهدة حلقات من برنامج يتميز بالكثير من الاسفاف ، ويعبر بشكل واضح ومباشر عن الحال المزري الذي وصل اليه مستوى الاعمال الفنية في برامج التلفزيونات العربية. وعموما ان اغلب برامج الكاميرا الخفية في التلفزيونات العربية ــ للاسف ــ مبنية على نفس المبدأ : السخرية من الناس ، وبالمحصلة إهانتهم!
 برامج الكاميرا الخفية موجودة في اغلب تلفزيونات العالم، وهي تنتمي الى برامج تلفزيون الواقع وتعتمد على تصوير المشاركين في حالات غير عادية او طريفة  دون ان يعرفوا بأن هناك كاميرا تصورهم، وعادة لا يتم عرض ما تم تصويره دون موافقة الشخص المعني. ولبرامج الكاميرا الخفية في اوربا تأريخ طويل بدأ في اربعينات القرن الماضي، وتطور في فترة الستينات، حتى صار حاليا مادة اساسية في كل تلفزيونات العالم، لها شركاتها المتخصصة، ومعديها ومخرجيها ومقدميها الذين نالوا شهرة كبيرة، مثل برنامج الكاميرا الخفية الكندية "لمجرد الضحك" 'Just for Laughs' الذي بدأ انتاجه منذ عام 2000 ليعرض في اكثر من مئة بلد، وتميز بمشاركة الجمهور في اقتراح المقالب واحيانا المساهمة بتنفيذها، وهو برنامج صامت يعتمد على المفارقة التي تقدم على خلفية موسيقية، والتي تقدم لهم مادة ترفيهية بريئة ، تنتزع الضحكة من المشاهد وتزرع  عنده مشاعر حب الحياة ، وفي مقدمة البرنامج يقدم لك كيفية اجراء المزحة وتنفيذها وعند نهاية تنفيذ المزحة يتم الكشف عن مكان الكاميرا دون المس بكرامة الانسان  او الحط من قيمته. وثمة قنوات تلفزيونية تقدم كاميرا خفية للعائلة او للكبار فقط و هناك برامج فيها شيء من الاثارة والايروتيكا . أما برنامج رامز جلال ، فهو في في نتيجته مبني على الهزأ بشكل مهين من الضيوف، واقتناص ردود افعالهم الانسانية ازاء وضع محرج يجدون أنفسهم فيه. لابد من القول ان هناك جهدا عاليا وذكاءا كبيرا في أعداد سيناريو المقلب في هذا البرنامج ، وان جهة الانتاج كما يبدو (اموال فضائيات النفط ! ) خصصت ميزانية عالية لانتاج البرنامج ، ووفرت كل ما يحتاجه نجاح سيناريو المقلب، وبالتالي يعتبروه نجاح البرنامج . فمن احاديث مقدم البرنامج الفنان رامز جلال خلال تقديم الحلقات، ومن احاديث الضيوف الذين تسنى لنا مشاهدتهم، ومن خلال ما تسرب من تفاصيل الخلاف الذي حصل بين اسرة البرنامج و الفنانة المصرية "اثار الحكيم"،  أنه يتم استدعاء فنان معين من بلده،  مع تغطية تكاليف طيرانه على الدرجة الاولى ـ مع مرافقيه احيانا ـ ، وتتم المشاركة أساسا لقاء أجر مدفوع ــ بعض الضيوف أجره عال جدا كما حصل في أشارة مقدم البرنامج في حلقة استضافة الاعلامي جورج قرداحي ــ ، ويتم استضافة المشارك في فندق خاص ، خمس نجوم ، بخدمة عالية ومميزة، وثم يتم نقله الى منطقة تصوير البرنامج في منطقة الجونة بالغردقة ، حيث يتم استقباله على الساحل بشكل مبهر ليتم نقله بقارب الى يخت خاص لأجل تصوير برنامج سياحي يروج لمونديال كأس العالم لكرة القدم بالاتفاق مع قناة تلفزيونية برازيلية. ولاجل هذا الجزء من السيناريو تم اعداد فريق برنامج العمل الوهمي الذي يقوم بتسجيل اللقاء، ونتعرف على بعض الاسئلة التي تقدم للضيف المشارك مصحوبة بتعليقات الفنان رامز جلال عنها.
السيناريو محكم ومرسوم بدقة عالية، ويساهم في تنفيذه طاقم كبير من الكومبارس والفنيين، وبمعدات فنية عالية الكفاءة، من قوارب ويخوت وكاميرات تصوير تحت الماء، ففي طريق الذهاب الى اليخت الأساس يحدث عطل اولي، ويشير احد اعضاء الفريق الى خبر ظهور اسماك قرش في المنطقة، وكل هذا لاجل تهيئة الضيف ذهنيا للحدث القادم . في طريق العودة، يحصل عطل وهمي للقارب، ويتعرض للغرق ويحدث ان تغرق احد المذيعات ويفترسها سمك القرش، وتظهر الدماء على سطح المياه واشلاء من الجثة ، وتبدأ اسماك القرش بالاقتراب من القارب وركابه ، مترافقا مع دور المصور الذي يكون بصحبة الضيف المشارك ، فهو الى جانب الاستمرار بالتصوير من دون توقف، فأنه أيضا يؤدي دورا مهما  في توجيه الضيف وفق احداث السيناريو ورفع درجة الخوف والذعر والارتباك بطريقة الايحاء النفسي ،وفق كل خطوة في سيناريو المقلب المتقن في اعداده واخراجه.  مقدم البرنامج رامز جلال وفي تعليقاته على ردود افعال الضيوف المشاركين ، يتعمد اهانتهم بشكل مباشر، والهزأ منهم بشكل فج ، سواء من خلال الاشارة الى حجم الاموال المدفوعة لجلبهم للمشاركة في البرنامج، أو من خلال التعليق على سطحية اجوبتهم على الحوار الرياضي ، فاضحا خواء وجهل ضيوفه ــ احد الفنانات وافقت على معلومة أن "عيضه المنهالي" اشتراه نادي الزمالك  ــ . مادة البرنامج الاساسية مبنية بالاساس على السخرية والهزأ ، وبتعليقات فجة، من الضعف الانساني عند ضيوفه خلال مواجهتهم خطر الموت الوهمي غرقا او بأنياب اسماك القرش . وكأن البرنامج أعد خصيصا لأهانة الضيوف والهزأ منهم . ينسى معدو البرنامج أن كل انسان ، مهما كان ، تكون له ردود افعال معينة ، ذات طبيعة غريزية في موقف ما ، وليس بالضرورة ان يحافظ الانسان دائما على  هدوءه او تماسكه في كل المواقف ، والطبيعية البشرية ميالة لردود افعال غريزية عند الاحساس بالخطر او التعرض لموقف مفاجيء. فالبرنامج مبني أساسا على استغلال الضعف الانساني والهزأ  منه، اضافة الى استغلال الضيوف من خلال شراء موافقتهم على بهذلتهم وأهانتهم بشكل مباشر وواضح وامام انظار ملايين الناس بدفع مبالغ ليست قليلة ، وكما يبدو ان بعضهم بحاجة لها وسط تراجع النشاط الفني بسبب احداث المنطقة العربية . اضافة لكل هذا كان في البرنامج الكثير من الشتم والسباب ــ من غير الذي تم حذفه ــ وهذا له دور تربوي سيء على ملايين الاطفال والمراهقين ، ناهيك عن عموم المشاهدين . صحيح ان هناك بعض الضيوف من ابدى تماسكا أنسانيا جيدا ، بل وبعضهم ابدى جسارة مثل الفنان المصري احمد السقا في محاولته انقاذ المذيعة من الغرق الوهمي، الا ان كل الفنانين المشاركين، وبمجرد موافقتهم للظهور في برنامج بهذا القدر من الاسفاف ، فهم يتحملون مسؤلية مضاعفة ، لان  مجرد ظهورهم  دلالة على موافقتهم على الاسفاف الذي يحمله هذا البرنامج ، الذي يساهم  في تجهيل الناس دون أمتاعهم وتقديم مادة ترفيهية . أن أكثر ما احزنني وجعلني اشعر بالسخط  ودفعني لمتابعة بعض حلقات البرنامج لاجل الكتابة عنه ، هو ان  هذا البرنامج يكشف ضحالة الثقافة والوعي عند جمهرة ليست قليلة من الفنانين الذين يفترض ان يرتفعوا بعقل وذهنية المشاهدين، ولهذا فليس مستغربا ان تتسيد الساحة في المنطقة العربية جماعات متشددة تكفيرية مثل داعش ما دامت برامج من هذا النوع تدفع بعقول الكثير من الناس لتكون في اجازة !