المسيحيون في السويد
لا تنخدعوا بالوعود الجوفاء
سامي المالح
ستوكهولم 9 ىسبتمبر 2014 في 14 من سبتمبر/أيلول الجاري يحق لأكثر من سبعة ملايين من المواطنين في السويد الأقتراع وأنتخاب 349 عضوا للبرلمان، أضافة الى ممثليهم في مجالس المحافظات والمجالس البلدية. والسويد خلال هذه الاسابيع تعيش كرنفالا حقيقيا، في الشوارع والميادين والقاعات، وفي وسائل الاعلام ومواقع التواصل بكل أنواعها. الاحزاب مع مؤازريها، تعمل ليل نهار دون انقطاع لتوصيل برامجها وسياساتها ومواقفها ووعودها الانتخابية للمواطن، بمختلف الوسائل والطرق والأشكال المتاحة والتي تتوسع في كل دورة انتخابية جديدة. مؤسسات الأستطلاع المعتمدة تتابع بشكل يومي التغييرات التي تطرأ على الاصوات التي يحتمل لكل حزب ان يحصل عليها، مع الكثير من التفاصيل الجديرة بالمتابعة والدراسة.
الملفت، ومع أقتراب يوم الانتخابات، ان الفارق بين مجموع الاصوات المحتملة ان يحصدها تحاف اليمين الحاكم (المحافظين، حزب الشعب، المسيحي الديمقراطي وحزب الوسط) وبين أجمالي الاصوات المحتملة لاحزاب المعارضة اليسارية ( الاشتراكي الديمقراطي، حزب البيئة وحزب اليسار) لا يزال واضحا ، لصالح اليسار. ووفقا لكل الاستطلاعات، ان تحالف اليسار سيفوز، وسيتمكن مع هامش بسيط، تشكيل الحكومة التي ستدير أمور البلاد لاربع سنوات قادمة.
في أجواء أحتدام هذه المنافسات بين تحالف اليمين وتحالف اليسار والعمل المتعدد الجوانب لكسب الاصوات، يقف Sverige Demokraterna حزب ديمقراطيي السويد ثابتا مشددا على أبراز ملفه الوحيد حول سياسة معاداة الاجانب و السعي لتغيير سياسة الهجرة السويدية والمطالبة الدائمة لغلق الابواب وحماية المجتمع السويدي. هذه السياسة التي وصفها رئيس وزراء السويد من حزب المحافظين فريدريك راينفيلد في مقابلة تلفزيونية، تنظم مع كل رؤساء الاحزاب، تابعها الملايين من السويديين، بأنها نتاج خلفية عنصرية وأفكار وقيم تميز بين الناس وفقا لأنتماءاتهم، وتعكس الخوف من التعدد الثقافي والعجز عن رؤية وتلمس أيجابياته ومدى أثرائه للأقتصاد والثقافة وللمجتمع السويدي.
ورغم ان هذا الحزب معروف وواضح في مواقفه من الاجانب واللاجئين عموما، فأنه يسعى الى اللعب على ردود الافعال و أستغلال الظروف والأزمات التي تعيشها الشعوب، وخاصة منطقة الشرق الاوسط. ومع أستمرار الحرب والفوضى في سوريا، وبروز داعش واعلان خلافة الدولة الاسلامية واحتلالها لمدينة موصل ومدن وبلدات أخرى عراقية، وبعد الجرائم والكوارث اللاأنسانية التي تعرض لها المسيحيون والأيزيديون والتركمان والشبك، رفع رئيس حزب ديمقراطيي السويد صوته، ليكون من بين الاصوات الكثيرة التي ارتفعت في السويد دفاعا عن المسيحيين والايزيديين وغيرهم.
وكالعادة زايد هذا الحزب وتوجه للمسيحيين لكسب اصواتهم كما فعل في الانتخابات السابقة. وفي حقيقة الامر، ان ما طالب به هذا الحزب، ونشط من أجله دفاعا عن المسيحيين، لم يكن الا لتأجيج العواطف، ولم ينتج عمليا ما يستحق الذكر، مقارنة بمواقف ونشاطات وتضامن ومطالبات احزاب تحالف اليسار، وحتى احزاب تحاف اليمين الحاكم، وما قدمته الدولة السويدية من دعم سياسي ومساعدات وصلت معضمها للمحتاجين في مواقعهم في اربيل ودهوك وأطراف موصل.
لقد أختبر المسيحيون في السويد هذا الحزب سابقا، ويتذكر معظمهم وعوده الكثيرة والغير واقعية قبل انتخابات 2010، ومحاولة كسب بعض الاشخاص ممن لم يفهموا في حينها جوهر سياسة ولم يدركوا حقيقة مواقف هذا الحزب. ولقد رأينا بعد الانتخابات بفترة قصيرة النتائج وعايشنا خيبة أمل المسيحين، بما فيهم أشخاص مثلو الحزب في مجالس البلديات. وحسنا فعلوا، أولئك الاخوة في ترك صفوف هذا الحزب مبكرا، ونقل نشاطهم، لتحقيق اهدافهم، الى مواقع احزاب أخرى أكثر مصداقية وجدية في دفاعها عن المسيحيين والاجانب بشكل عام.
وفي هذه الانتخابات، حيث يعيش المسحيون في الشرق الاوسط ظروف عصيبة ماساوية، يقف المسيحيون الذين يحق لهم الانتخاب في السويد يوم 14 سيتمبرامام مسؤولية ومهمة جدية ومؤثرة. عليهم التمعن ودراسة سياسة الاحزاب في اليمين واليسار، وثم التركيز على السياسات وليس الوعود الجوفاء. عليهم أختيار الديمقراطية وقيمها العالية وتقوية القوى التي تريد تطويرها وترسيخها لصالح الجميع في المجتمع، وتجنب الوقوع في شباك الكراهية والتعصب وأثارة العواطف.
ومن الجدير بالتذكير، ان احزاب التحالف اليساري مجتمعة، تؤكد بأصرار بأنها لن تتعاون بأي شكل من الاشكال مع حزب ديمقراطيي السويد في تشكيل الحكومة او تمرير سياساتهم. وكذلك يفعل التحالف اليميني، على لسان راينفيلد، مؤكدا بأنهم لن يتعاونوا مع هذا الحزب لتشكيل حكومتهم في حال عدم حصولهم على الاغلبية النسبية، الأمر الذي يهمش دور وتأثير هذا الحزب في أقرار القوانين وتحديد السياسات العقدية. طبعا هذه المواقف لها دلالاتها العميقة، وهي تعكس خوف الاكثرية الساحقة في المجتمع السويدي، سياسيين ومواطنين، من صعود حزب ذات خلفيات عنصرية، لأنه سيهدد الاستقرار والتنوع والديمقراطية والسلم الاجتماعي. ولذلك تتوجه هذه الاحزاب مجتمعة، لفضح حقيقة سياسات هذا الحزب وتحذر المواطنين من الانجرار الى ديماغوجية تصعيد التخوف والقلق ونزعة معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية عن طريق الكراهية، وتحميل السويديين الاجانب كما يسمونهم بأستخفاف، كلهم، بما فيهم المسيحيين، مسؤوليتها.
من المفرح في السويد، أزدياد عدد السياسيين من الخلفيات الاجنبية، الناشطين في الاحزاب و المرشحين للبرلمان والمحافظات والبلديات. ومن ضمنهم عدد كبير من المسيحيين الناشطين الجديرين بالثقة. فمن الوعي و المسؤولية، وتضامنا مع المسيحيين في الشرق المنكوب التصويت لهم، حيث سيكون لهم ان يلعبوا دورا هاما مع احزابهم وفي البرلمان والحكومة لصالح المسيحيين ولصالح معالجة مشاكل الاجانب ومحاربة العنصرية والقضاء على أسبابها. و من الهام جدا وعدم أضاعة الفرصة والامكانية في تصديق مزايدات ووعود ديمقراطيي السويد الغير عملية و الغير منطقية، والتي جربناها وندمنا سابقا.