المحرر موضوع: زمنُ الميلاد ما قبل التحرير!  (زيارة 915 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 429
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
زمنُ الميلاد ما قبل التحرير!
لويس إقليمس
بدتْ أولى ملامحِ تحريرِ مناطق غربِ الموصل وجزءٍ من سهل نينوى تظهر في الأفق، في صولات الشجعان من الفرقة الخاصة وقوات البيشمركة مدعومةً بطلعات مكثفة ماحقة وقاسية لقوّات التحالف. وبطبيعة الحال، في قراءتنا للحدث اليوميّ الراهن، لا نتوقّع تحريرًا قريبًا جدًّا لمدينة الموصل وسهل نينوى الشرقيّ، مثل ما حصل ويحصل اليوم في معالجة مناطق سنجار وتلعفر وزمّار وسنوني والكسك وغيرِها أخرى غربَ المدينة. فالوضع في مدينة الموصل أكثر تعقيدًا.كما أنّ تحرير بلدات سهل نينوى، سيكون تحصيلَ حاصلٍ للنتائج المترتبة على أرض الموصل وعمقِها بعد معالجة الثغرات الكثيرة التي تحيط بها وبنسيجِها "المتداعش"، إنْ مُكرَهًا صاغرًا أو راضيًا مرضيًّا.
عيونُنا جميعًا اليوم، ونحنُ على أبواب ذكرى ولادة سيّد الكائنات ومخلِّص الكون ومحبّ البشر ورسول المحبة والسلام، ترحلُ وترنو إلى بلداتنا الجريحة، الأسيرة بأيادي ضباع الدهر السوداء، وهي تشكو ظلمَ الزمن وقهر الذئاب المتعطشة للدماء والّلاهثة وراء ثقافة الموت والدم والقتل والسبي والاغتصاب والنكاح بأيّ فريةٍ أو فتوى أو وسيلة، طمعًا بدخول الجنّة الوهمية التي ليسَ لها وجودٌ إلاّ في المخيّلة الضعيفة والمريضة لقساة الرقاب، مجرمي العصر.حتى رسول الإسلام ذاتُه والأئمّة والأولياء الصالحون، في اعتقادي،سوف لنيقبلوا توفيرَ مفاتيحالجنّة لهؤلاء المخدوعين بدخول الجنّة الوهميّة التي يسعون إليهاوالتي تجري من تحتِها الأنهارُ الغزيرة والمليئة بأنواع الخمور والمسكرات والمجهَّزَة بحور العين والحسناوات المستعدّات للنكاح متى تحترق أجسادُ هؤلاء المرضى في نار جهنّم، بسبب جرائمهم ضدّ الإنسانية واعتداءاتِهم الوحشية التي بلغت مستوى الإبادة الجماعية بحقّ مكوّناتٍ مسالمة بأكملِها. فقد قسا الدهرُ والأهلُ على هذه الأخيرة معًا، وهي التي تفتقرُ أيضًالأبسط الحقوقالمواطنية، من تلك التي يتمتّعُ بها مواطنوهُم منَ أبناء المكوّنات الأخرى المهيمنة على الساحة السياسية وعلى مقدّرات الدولة وثرواتِها وكلّ مفاتيحِها.
ليةَ الميلاد، هذا العام، ستقف مريم أمامَ طفلِها الحزين نائمًا في مذود المغارة الحقير تمامًا مثل الأطفال المشرَّدين الذين لن يُدفئَهم سوى شهيق "الحمار والثور اللَّذين عرفا ربَّهما وإسرائيل لمْ تعرفْهُ" (إشعيا3:1). ستقف مريم أمامَ مذودِ المغارة والدمعة تسقطُ من مآقيها لتسألَ مولودَ المغارة الفقير، كيفَ تسنّى لهُ، وهو القادر أن يسوس البشر جميعًا وأن يطلبَ من أبيه السماويّ أن "ينزلَ نارًا وكبريتًا"(تك 19: 24) (لوقا 54:9)على مجرمي العصر لتفنيَهُم، وأن "يخلق من الحجارةِ أبناءً بررة لإبراهيم" (متى 3:9) عوض مَن شوَّهَ خليقة الّله الجميلة وأساء لصورتِه الحسنة.
سنرى العذراء تبكي أمامَ المذود البسيط وترثي عدمَ احتفال أبناء الّله في أرضِ العراق والمناطق المسيحية التقليدية المتجذّرة في أصولِها العراقية، بهذه المناسبة العظيمة، حيث اختفت أنشودةُ الملائكة "المجدُ للّه في العلى وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرّة الصالحة" (لوقا 2: 14). وسوف يخجلُ الإخوة المسلمون للّه في الحقّ والحقيقة وعبّادُه الصالحون، مِن بشاعة فعلةِ الأشرار الشنيعة وما اقترفوه بحقّ المكوّن المسيحي المسالم وغيرِه، وما فعلوهُ بحقِّ بلداتِهم ومساكنِهم ومقتنياتِهم من جرائم ومن أعمالِ سلبٍ ونهبٍ وبطشٍ وتهجيرٍ، ولن يجرؤوا تقديم التهاني والفرح في هذه المناسبة، كما اعتادوا. فنحنُ وهُم نسيجٌ واحدٌ ومصيرٌ واحد ووطنٌ واحد، ننشدُ وحدتَه معًا، ونتمنّى رفعتَه وتنميتَه ورخاءَهُ وسلامَه واستقرارَهُ وخروجَه من النفق المظلم الذي حَصَرَنا فيه أعداءُ الإنسانية وصنوُهُم من الباحثين عن مصالحِهم الفئوية والدينية والطائفية والإثنية والحزبية الضيقة والساعون معهم إلى الجاه الزائِل والثروة المغرية والسلطة الخدّاعة بأيّ ثمنٍ، حتى لو كان ذلك يشوّهُ صورةَ الإنسانية وخالقِها الذي أراد البشرَ متحابّين لبعضهِم بعضًا وعاكسين صورتَه الحسنة في سلوكياتِهم.
سوف تبكي العذراء أمامَ طفلِها، مآسي شعبِ العراق المتألِّم في الموصل وبغديدا وكرمليس وبرطلة وباطنايا وتلكيف وباقوفا وتلّسقف وبعشيقة وبحزاني. كما ستتألّم لما حلَّ بنظرائِهم المسالمين من إخوتِهم الإيزيدية وجيرانِهم الشبك وأترابِهم من التركمان والكاكائيّين والعرب المستَهدَفين في هذه الحملة الشرسة، من الذين هُجروا بغير حقّ وطُردوا من ديارِهم وسُلبوا ممتلكاتِهم ظلمًا وقهرًا واعتداءً. فالعقيدة التي تستبيحُ القتل والاعتداء بدون وجهِ حقّ، لا تستحقُّ أن ترقى لمستوى الأديان والمعتقدات المتّزنة التي تعترف بحقوق البشر، كلّ البشر، حتى المختلفين في الدّين والمذهب واللغة والّلون والإثنية، كما تنصّ على ذلك شرعة حقوق الإنسان وتوصي به كلُّ الأديان الصحيحة التي تحترم إرادة الخالق والإنسان معًا.
سوف تقف العذراء، مشدوهةً وهي ترثي الحالَ المزرية لمَنْ حواليها من أطفالٍ مشرَّدين ونساءٍ ثكالى وأزواجٍ هائمين بلا عمل ولا رزق،وتشكو أوضاع مئات الآلاف من طلبةٍ بلا مدارس ولا تعليم، وناسٍ بلا مأوى أو سقف آدميٍّ يقيهم قساوةَ البرد القارس وشقاءَ الحياة الصعبة واستغلالَ أهلِ العقارات من أترابِهم ومِن بني دينِهم الذين ضاعفوا إيجاراتِ مساكنِهم وشققِهم وفرضوا شروطًا تعجيزية على المؤجِّرين، ولاسيّما في عينكاوا المسيحية.هؤلاء وغيرُهم من المتاجرين بأحوالِ النازحين والمهجَّرين وبظروفِهم المأساوية، سوف يحاسبُهم طفلُ المغارة بالقول: " كُنْتُغَرِيبًافَلَمْتَأْوُونِي،عُرْيَانًافَلَمْتَكْسُونِي،مَرِيضًاوَمَحْبُوسًافَلَمْتَزُورُونِي (متى 25:43). وسوف يذكّرُهم بهذِه كلِّها حينما تدور الدوائر. فحالُ العالم هي كذلك "يومٌ لكَ ويومٌ عليكَ". وليسَ في هذا من تشفٍّ، بل للتذكير بأنَّ الحياةَ تجارب، والتجربة في زمن المصائب من أفضل الدروس وأكثرِها نفعًا وأشدِّها اقتداءً وأروعِها امتثالاً للحسنى وعملِ الصلاح والخير.
وهكذا، مَن سيقف في حضرةِ مغارة الوليد هذه الأيام، سيبكي هو الآخر قساوةَ العالم وظلمَ أركانِه وسعيَ الزعماء والرؤساء والقوّاد والتجّار للاغتناء ظلمًا على حسابِ غيرِهم والإيغال في قهرِهم واستغلالِهم لمصالحِهم الخاصّة والمتاجرة بقضيتِهم، حتى لو حصلَ ذلك على حساب المعايير الإنسانية. والبشرية مِن هؤلاء براء!
سنقفُ بالتأكيد، أمام المغارة، أيًّا كان شكلُها، لنجدَ الطفلَوأمَّهُ مريم، بوجهَينِ حزينَين يبكيانِ لأجلِ مَن تشرّدوا وتهجّروا وتغرّبوا وعانوا من قهرِ الأيام واستغلال البشر والساسة والبلدان والمنظمات لأوضاعِهم. وسوف نتمتمُ متململين ومتسائلين سرًّا أم علنًا: متى سيكون الفرَج، ياطفلَ المغارة، وأنتَ الإلهُ القادر على كلِّ شيء، ومَن بيدِه هذا المفتاح؟ وسوف نكرّرُ ذات السؤال ونحثُّ ذات الطلب هذه الأيام وما بعدَها حتى قدوم يوم التحرير والخلاص. فهو القائل "إسألواتعطوا،أطلبواتجدوا،إقرعوايفتحلكم،لأنَّكلَّمَنيسأليأخذ،ومَنْيطلبُيجدُ،ومَنيقرعُيُفتحُله" (متى 7:7-8). فالغضبُ الساطعُ آتٍ لا محالة. إنّما للصبرِ حدود!
في الختام سلامٌ وأملٌ. فالحمامةُ التي أرسلتُها رسولاً أمينًا إلى مواقع الزلزالِ والطوفان، لمْ تعدْ بعدُ، عسى بقاؤُهابشارةً بقربِ الفرَج المنتظَر! فيا شاعرَ برطلّة، أسألُكَ بجاه مولود المذود، ما خبرُ حمامتِك أنتَ؟

لويس إقليمس

بغداد، في 23 كانون أول 2014