المحرر موضوع: جدليتنا والبعض.. بين المواطنة والوطنية.!!!  (زيارة 759 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هنري سـركيس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 976
    • مشاهدة الملف الشخصي
جدليتنا والبعض.. بين المواطنة والوطنية.!!!

يقول فولتير.. كم الوطن عزيز على القلوب الشرفاء.. ولكن مازال مفهوما الوطن والمواطنة يقعان في دائرة الغموض، لان مفهوم القبيلة والطائفة والمذهب والعشيرة مازالت متسرطنة وتتغلب للاسف على مفهوم المواطنة والوطنية، في وعي بعض الساسة والقادة ، ان لم يكن جميعهم. ان شعورنا القومي او المسيحي، وبانتمائنا وولائنا للارض التي عشنا وترعرعنا بها، ضمن الوطن، له منتوجه التراثي والحضاري والفكري، وتقاليده وعاداته، وبلورة العلاقة الجدلية بين الوطن ووجودنا، وما يترتب عليها من التزامات وحقوق وواجبات تعزز وتقوي اواصر هذه التعايش والعلاقة الانسانية الاجتماعية ، التي تحفظ لنا حقوقنا وواجباتنا وتوفر لنا الطمانينة والمحافظة على كياننا القومي  والديني والفكري والتاريخي، بمعزل عن الخوف والقلق والاضطهاد  والقتل على العقيدة والهوية.. لابد بان نقول بان تبلور مفهوم الوطن بعدة تعاريف تتباين حسب طبيعة تفكيرنا القومي وثقافتنا ومعاناتنا، في الحياة المرتبطة بالتمتع او عدم التمتع بحقوقنا المشروعة وتحقيق امال شعبنا. البعض منا يتحدث، بان الارض والوطن، هو مكان ولد فيه ، وهي ارض ابائه واجداده، وكذلك المكان الذي ترعرعت فيه ذكرياته، وبالتالي نقصد هنا الوطن الذي تحفظ فيه كرامتنا وسبل عيشانا، اي ان الوطن يعني في هذه الحالة المكان الذي يتوفر فيه  والامان والعيش الرغيد لجميع ابناؤه، ونقصد بالامان هنا سيادة القانون الذي يصون حقوق وكرامة قومياته واطياف ومذاهبه بالتساوي، ويحدد الواجبات الملقاة على عاتق الجميع في اطار مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية المعاصرة، التي تؤمن بحرية الفكر والراي والعقيدة من دون تمييز. وهذا الامر مرتبط  بالنظام السياسي للدولة، ومدى اهليتها واستعدادها لسن التشريعات القانونية وتنفيذها، وكذلك مدى التزام السياسيين والسلطة والمواطن بهذه التشريعات واحترامهم لها. اما مفهوم المواطن ومدى ارتباطه بالوطن، فيذهب بنا في طبيعة الحال، الى القول بانه ليس هناك وطن بلا مواطن، حيث يقودنا هذا التفسير الى الاستنتاج بان المواطن هو الذي يعيش في ذلك المكان والوطن ويكون جزءا منه.وبناء على هذه العلاقة الازلية اللصيقة والمتوازنة بين المرء والمكان الذي يعيش فيه، فانه يترتب على المواطن ايضا، ايا كان جنسه او منصبه او اتجاهه السياسي والديني والعرقي، مسؤوليات قانونية واخلاقية تاريخية في المحافظة على كيان وطنه واستقلاليته والالتزام بقوانينه والدفاع عنه، مستمدا قوته من الموروث الحضاري والتاريخ المشترك وروح الوطنية والمواطنة التي يؤمن بها ويعمل من اجلها، والتي تؤكد ولائه وحبه لهذه الارض وانتمائه لها ، بحيث لاتكون هناك مصلحة عليا تتعارض ومصلحة الوطن والمواطن. وهنا لابد بان نقول ان المواطنة يجب ان تكون من حق كل مواطن عراقي  دستوريا وسياسيا وعمليا تمثل حقوقه واجباته كاملة، بصرف النظر عن الدين والجنس والعرق، واصبح مفهوم المواطنة وتاصيله وعيا مرجعيا في عقل المواطن لتعزيز الانتماء الى الوطن ثقافيا سياسيا وانسانيا، ضرورة حضارية تفرض نفسها في مختلف مجتمعات الوجود الانساني المعاصر، لان مفهوم المواطنة يشكل واحدا من المفاهيم الاسياسية للتقدم الانسانيِ، القائمة على التفاعل الحر بين المواطن والوطن، وبين المواطن وقيم الحرية والاخاء والتضامن ويجري التعويل اليوم على اهمية بناء هذا المفهوم وتاصيله لتحرير الوعي من اثقل الانتماءات الضيقة، ما قبل الوطنية من الطائفية ومذهبية وعشائرية، وفي هذا السياق ينبغي التشديد على ان المواطنة هي تمثيل المواطن لنفسه سياسيا واجتماعيا.. لان المواطن لا يستطيع ابدا ان يشارك في الحياة العامة من دون تمثل مفهوم المواطنة، ولا يمكن ان تكون فاعلة ما لم يمتلك الوعي الوطني المطلوب بالانتماء وبالروابط التي تشده الى المجتمع باتجاه المصلحة العامة.وفي ضوء هذا التوصيف يستطيع المواطن يشعر بالامان والاطمئنان على كيانه ووجوده الشخصي والفكري مما لاشك فيه، فان هذا الموضوع يقودنا ايضا الى حتمية التعرف على مفهومي الوطنية والمواطنة باصولها ومدلولاتها الحقيقة المستنبطة من مفهومي الوطن والمواطن، حيث اضحت الوطنية في كثير من البلدان مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمواطنة، فهي نسبة مؤنثة للوطن، ولا تتحدد اطلاقا في حال كونها تعبيرا عن الانتماء والنشاة والولاء للوطن والتغني بحبه عاطفيا حين يعيش المرء في بلاد الغربة مثلا، وانما تتحدد عمليا في التصرف والسلوك حين يقدم المواطن الخدمة لوطنه وفدائه بالمال والنفس اذا ما توفرت له الفرصة المناسبة، بحيث يعادل حب الوطن حب النفس.. وفي الفكر المعاصر يرتبط مفهوم المواطنة بالوطنية، التي لاتعني فقط النزعة الشعورية لدى المواطن، وانما النزعة الفكرية التي لها مبادئها العامة وطقوسها السلوكية، وتعني في مفهومها العام، ان الولاء للوطن مقدم على اي ولاء سواه، والولاء للوطن يعني الولاء لبقعته الجغرافية ولجماعته من الناس. وعليه يمكن القول بان الوطنية بهذه الصفة ليست حديثة، وانما وجدت في المجتمعات القديمة كاليونانية والرومانية، وتطورت في المجتمعات الاوربية الحديثة حين شحنت بشعور الاتباع الوطني وبروح التضحية. ويعزو بعض الباحثين ارساء مبادئ الوطنية في الدولة القومية الديمقراطية المعاصرة في اوروبا الى حدوث ثلاث تحولات كبرى متكاملة وهي، بروز الدولة القومية، والمشاركة في العمل السياسي والاشراف على حركته، وسن القوانين والتشريعات التي تنظم العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وبما يلبي حاجات وطموحات تلك المجتمعات بعد ان اوكلت مهمة اصدار هذه القوانين الى الشعب الذي اصبح مصدرا للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث تتجسدت في ذلك قمة المواطنة. ولابد هنا ان نشير الى امرين او مرتكزين اساسيين كبيرين تقوم عليهما المواطنة في العصر الحديث او الحالي وهما المشاركة في الحكم، والسماواة بين جميع المواطنين. اذن حرية العيش هي ليست منح شيء ما بالنسبة للانسان،بقدر هي تعبير الطبيعة الانسانية عن سجيتها في اطار تكوينها الجدلي، فهي اطلاق سراح الطبيعة الانسانية الجدلية من القهر الفكري من جهة، وتسويرها ضد الفوضوية من جهة اخرى، فهي حرية التعايش السلمي للتكوينات العقلية باساليب تفكيرها المختلفة وغاياتها المتنوعة وهذه هي حرية العيش والبقاء الموضوعي، لانه من الخطا اعتبار الحرية تجريد عام في اطار تكوين العقل الجدلي، فهي لم تكن هكذا ابدا ولن تكن ،بل هناك حرية ذاتية وحرية موضوعية وكلتيهما معا حرية جدلية، والحرية الذاتية تتضمن من جهة تجريدها من اسر الواقع المصاغ، ومن جهة اخرى تتضمن نوع من الكبح العام كتكوين الي لحرية الانا في تقييد حرية الغير. الهوية هي وعي الذات،والوعي هو الوجود مدركا على نحو ما، فوعينا باننا كقومية وشعب اصيل وحضارة عريقة، لا ينبغي ان يحجب عنا حقيقة وجودنا  التاريخي على تراب هذا الوطن، قبل ان نكون داخلين او غرباء عليهم كما يظن البعض، فاننا اذ نعيش مع المكوناته الاخرى في هذا الوطن،فلابد ان نكون متساوين ضمن المفهوم الانساني في المواطنة والوطنية، بصرف النظر عن العقيدة والقومية واللغة. هوية المواطن تتحدد بما هو عليه وبما ينتجه في جميع الميادين، وبما يريد ان يكون عليه، وتتحدد في المحصلة بجملة علاقاته الاجتماعية  وهويته الانسانية وما تنتجه على الصعيدين المادي والروحي. ان ادراكنا كوننا نعيش في هذا الوطن والمجتمع، لا يجب اهمالنا من خصوصياتنا، بل على العكس من ذلك يجعل من هذه الخصوصيات تجليات للروح  المواطنة والتعايش السلمي ومتساوون في الحقوق والواجبات. وكما هو مفهوم الوطنية والانسانية صفتان لا تقبلان التفاوت والتفاضل. وايضا لابد بان يتفق الجميع على المواطنة الصحيحة، فتاريخ الحرية هو تاريخ الصراع بين التكوينات العقلية الجدلية، تاريخ فرض ارادة ضد ارادة، تاريخ القهر بالقوة. للحرية معيار في اطارها الجدلي هو استحقاقها التاريخي في مجالها الجذبي، ذلك المجال الذي يكون في حالة موازنة قلقة اذا سلبت مكوناته التاريخية، ولم يستقر ابدا ما لم تتحقق تلك المكونات. وما علينا في نهاية الامر الا ان نسلم ونسجل اعترافا بان العلاقة الجدلية بين مفاهيم الوطن والمواطنة متجذرة ومتاصلة تاريخيا وحضاريا، ولايمكن في اي حال من الاحوال الفصل بينها فبقدر ما هناك حقوق للمواطن على الوطن،هناك حقوق للوطن على المواطن،والتي تتبلور منها العلاقات الانسانية والتعايش السلمي في المجتمع الواحد، وتنمو وتترعرع الوطنية والمواطنة في الضمير والوجدان. ان الاخلاقيات السليمة والسلوك الحضاري والتعايش مع الغير ترتقي بالذات الانسانية وتعزز العلاقات بكافة انواعها وتباين مستوياتها، ولكن اكثر ما يربك العلاقات الانسانية هو الفهم لهذه العلاقات والجهل بماهيتها وعدم القدرة على التمييز والفهم الصحيح. ونجد ان لدى البعض الاخر اشكالية في فهم وجودنا وخصوصيتنا  وتحديد العلاقة معنا، وذلك ما يوقعنا في الكثير من الاشكاليات والخلافات. وعلينا ان ندرك لابد من معرفة معطيات الواقع المحيط بنا سواء في المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي ومستوى العلاقة القائمة بينهم. ومن كل ما تطرقنا اليه، هل اصبحنا كشعب اليوم وبعد هذا التخبط والهروب الجماعي، ان يبحث عن وطن ومواطنة بديلة؟ بعد ان تهاوت اسس احلامه التي كان يتغنى بها، والحالم بوطن يصون كرامته وحقوقه، ويحقق له ادنى المطامح، او يحتضنه فلا يتخلى عنه للمصير القادم والمستقبل المجهول الذي ينتظره؟. فعلا فلا حل اصبح لدى شعبنا غير الهروب والاغتراب الطوعي ، والذي لم يكن يوما خيارا ثانيا، لكنه اصبح واقعا مريرا لا بديل له، بعدما اصبح تراب الوطن يشرد ابناؤه. لاننا كشعب ندرك ذاتنا الجريحة ادراكا مباشرا، وحتى تخيلاتنا واحاسيسنا وشعورنا بها، اذا لا يوجد في ساحتنا النفسية الا الحياة الشعورية بما نمر به من الماسي التي اصبحنا نعانيها بما يخص الوطن والمواطنة. واخيرا مسك الختام نردد مقولة الشاعر  الكبير ابو القاسم الشابي في اروع ما قيل من اشعار.. اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر،ولابد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر. فعلا ما اروع هذا الشعور، حب الوطن والوطنية، لكم تفيض النفس انشراحا حينما يسمع الجميع نشيد وطنهم.!! فالننتظر ماذا يحمله لنا العام الجديد، والله يكون في عون شعبنا.
هنري سركيس