المحرر موضوع: فرنسا التي تشيخ  (زيارة 1114 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رحيم العراقي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 372
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
فرنسا التي تشيخ
« في: 10:37 15/02/2007 »
فرنسا العجوز


مؤلف كتاب فرنسا التي تشيخ هو الباحث الفرنسي نيكولا بافيريز الذي نشر سابقاً كتاباً بعنوان: فرنسا التي تسقط، وهو الكتاب الذي نال شهرة واسعة وكان أكثر الكتب الفرنسية مبيعاً عام 2003. وقد ترجم إلى جميع اللغات الأوروبية. وفي هذا الكتاب الجديد يتحدث المؤلف عن هموم العالم الجديد: أي هموم الناس في عصر الدولة التي هدمت الجدران والحواجز بين الشعوب واللغات والثقافات، ويرى أن فرنسا لا تزال قديمة في تفكيرها وممارساتها، وبالتالي فينبغي عليها أن تغير نفسها لكي تستطيع أن تلتحق بالركب وتواكب عصر الدولة الجديد.
ولكن المؤلف يتعرض أيضاً لهموم أخرى عديدة تشغل العالم المعاصر كمشكلة الصراع بين العالم الإسلامي أو حركاته المتطرفة من جهة، وبين الغرب الأوروبي ـ الأميركي من جهة أخرى. وبهذا الصدد يقول المؤلف ما معناه:
بعد ست سنوات من ضربة نيويورك في 11 سبتمبر 2001 نجد أنفسنا مضطرين للقول بأن مهووسي القاعدة نجحوا في مخططهم على غرار بلاشفة 1917. صحيح أنهم لم يستطيعوا تحقيق ثورة إسلامية شاملة لصالحهم ولكنهم وسعوا الهوة والشقة بين الغرب والعالم الإسلامي وحولوا صراع الحضارات من وهم ثقافي إلى حقيقة واقعية ملموسة.
ولا أحد يشك في أن النصف الأول من قرننا هذا، أي القرن الحادي والعشرين، سوف يكون مشغولاً بهذه الحرب الدائرة رحاها بين الديمقراطيات الغربية والحركات الإسلامية الراديكالية. ولهذا السبب نقول بأن الحرب العالمية الرابعة بدأت ولن تنتهي عما قريب. نقول ذلك باعتبار أن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والمعسكر الغربي كانت هي الحرب العالمية الثالثة.
ولكن الخصوصية الأساسية لهذه الحرب الجديدة هي أنها ليست بين دولتين كبيرتين أو جيشين واضحين ومكشوفين وإنما هي بين الدول الديمقراطية والحركات السرية التي لا أرض ثابتة لها ولا معالم واضحة ولا وجه محدد. من هنا صعوبة هذه الحرب الجديدة كلياً من منظور التاريخ الطويل. فالحركات المتطرفة قد تضرب هنا أو هناك ثم ترهب دون أن نستطيع الرد عليها لأننا لا نعرف أين هي بكل بساطة. ولهذا السبب فإن العالم سوف يشهد حرباً أهلية كونية لأن هذه الحركات تعيش معنا، بين ظهرانينا، وتندمج في السكان والجماهير والجاليات المغتربة على وجه الخصوص. ثم يردف المؤلف قائلاً:
لقد ابتدأ هذا الصراع الغريب الشكل بطريقة سيئة بالنسبة للعالم المتحضر الحر فنحن لا نستطيع أن نتنبأ بضربة 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، ولا بضربة 11 مارس 2004 في مدريد، ولا بضربة 7 يوليو 2005 في لندن، وعلى الرغم من قوة الأجهزة الغربية واستخباراتها وإمكانياتها إلا أنها فشلت في ذلك. بل إن ردها على هذه الضربات الإجرامية لم يكن مناسباً ولا رادعاً، على الأقل حتى الآن. وان الدليل على ذلك هو أن هذه الحركات الراديكالية لا تزال قادرة على الضرب وتنشر الرعب في كل مكان.
والواقع أنها استفادت من عصر الدولة كثيراً. فالأصوليون المتطرفون على الرغم من أنهم يكرهون الحداثة الفكرية كثيراً إلا أنهم يسيطرون بشكل جيد على مخترعاتها التكنولوجية من انترنت وايميل وبقية الأجهزة. ويستخدمون كل ذلك ببراعة لضرب المدنيين في المدن الكبرى وترويعهم. ولو أن الإرهاب الحالي اقتصر على تصفية الشخصيات السياسية أو الفكرية الكبرى كما كان يفعل الإرهاب السابق لهان الأمر، ولكنه يستهدف المدنيين العزل وبشكل جماعي في محطات القطارات، أو الأنفاق تحت الأرض، أو المخازن الكبرى. وبالتالي فيحصد في ضربة واحدة المئات أو الآلاف.
ثم يردف المؤلف قائلاً: من هنا خطورة الإرهاب في عصر العولمة، فنحن في الغرب نمتلك مجتمعات مفتوحة، حرة، لا تمنع أحداً من التحرك في جنباتها كما يشاء ويشتهي. ولهذا السبب فإن المتطرفين يستغلون هذه الحرية لغايات إجرامية، وبالتالي فالمجتمع المفتوح مناسب لتحقيق مثل هذه العمليات أكثر من المجتمع المغلق الذي تسيطر فيه الدولة الاستبدادية على كل شيء وتراقب كل شاردة أو واردة من حركات السكان، وعندئذ يصبح من الصعب على الإرهابيين أن يقوموا بعملياتهم التفجيرية.
ثم يطرح المؤلف هذا السؤال: ولكن هل ينبغي أن نقلص الحريات ونقيم نظاماً بوليسياً عندنا من أجل مواجهة الإرهابيين على أرضهم بالذات؟ بالطبع لا. فنحن إذا ما تخلينا عن جوهر الحضارة المتمثل بالحرية والديمقراطية نكون قد فقدنا أنفسنا وقيمنا وأعز ما لدينا.
وبالتالي فعلى الديمقراطيات الغربية في أوروبا وأميركا ألا تكثر من سنّ القوانين التي تقيد حركة الناس وتراقبهم أكثر من اللزوم كما يحصل في أميركا في عهد بوش، أو حتى في إنجلترا بعد ضربة 27 يوليو 2005.
لا ريب في أنه ينبغي على الأجهزة المختصة أن تلاحق الشبكات المتطرفة لحماية المواطنين من أذاها وتفجيراتها الإرهابية التي تزهق الأرواح بشكل جماعي. ولكن لا ينبغي التضحية بالحريات الفردية التي تمثل جوهر الحضارة الغربية الحديثة التي تحسدنا عليها جميع أمم الأرض.
ولكن المؤلف يدعو الغرب أيضاً إلى تحمل مسؤوليته أمام البشرية التي تعاني. فالإرهاب لا يُعالج فقط بالملاحقات البوليسية أو الأجهزة الاستخباراتية، ولكن يعالج أيضاً، وينبغي أن يُعالج بأساليب أخرى تقضي على جذوره العميقة وأسبابه الحقيقية. فعصر الدولة مختل التوازن على الصعيد الاقتصادي، فهناك أربعة مليارات ونصف المليار من البشرية يعيشون بصعوبة.
ومن بينهم مليار ونصف المليار يعيشون بأقل من دولار في اليوم الواحد. وهذا وضع لا يُطاق ولا يُحتمل. والفقر كافر لا يرحم. وقد يدفع بصاحبه إلى ارتكاب ما لا تُحمد عقباه. وفي كل الأحوال فإنه يتحوّل إلى مرتع لكل حركات الانحراف والتطرف والجريمة.
وبالتالي فلا يكفي أن ندين الإرهاب والتطرف وإنما ينبغي أيضاً أن ندين الجو العام الذي يحبّذ الإرهاب ويشجِّع على الانخراط في حركات التطرف، وبهذا فإن على العولمة الحالية أن تغير مسارها وأساليبها، لكي تصبح أكثر اهتماماً بالظلاميين والمهمشين، والفقراء، وإلا فإن العالم الفقير سوف يظل حاقداً على العالم الغني، أي علينا نحن في هذا الغرب الأوروبي الأميركي الشمالي.
وبالتالي فالتحدي المطروح علينا نحن أبناء المجتمعات الغنية لا يكمن فقط في مواجهة التفجيرات الإرهابية التي تصيب مدننا وحضارتنا في أعز ما لديها، وانما يكمن أيضاً في اكتشاف أنوار جديدة، أو في بلورة عصر تنوير جديد يتجاوز في أبعاده التسعة عصر التنوير السابق.
نقصد بذلك أن عصر التنوير الذي ابتدأ في أواخر القرن السابع عشر وبلغ ذروته في القرن الثامن عشر والثاني عشر هو الذي شكل أسس حضارتنا الحديثة، ولكنه لم يعد كافياً الآن بعد أن دخلنا في عصر العولمة الشمولية. نحن بحاجة الآن إلى تنوير يتسع للبشرية كلها وليس فقط للأمم المتحضرة في أوروبا الغربية أو أميركا الشمالية.
بمعنى آخر ينبغي على حضارة التنوير أن تتسع لكي تشمل البشرية كلها بنعمها وأطايبها وحرياتها الديمقراطية، وليس فقط خمس البشرية أو سدسها، فنحن في أوروبا وأميركا الشمالية لا نتجاوز المليار شخص، هذا في حين أن البشرية وصلت الآن إلى ستة مليارات شخص.
وبالتالي فينبغي أن نفكر في الخمسة مليارات الأخرى. فلها الحق في الوجود والأكل والشرب وممارسة الحقوق السياسية والتمتع بالحرية الدينية والفكرية وحقوق الإنسان كافة، ولا يمكن أن يستمر العالم على ما هو عليه إلى أبد الأبدين: كتلة عنيفة جداً من جهة، ولكن أقلية، وكتلة فقيرة جداً من جهة ولكن أكثرية.
هنا يكمن أكبر تحد يواجه القرن الواحد والعشرين. وإذا ما استطعنا من جهة الارتفاع إلى مستواه، فإننا نكون قد نجحنا في الامتحان الحضاري العسير والكبير: أي نقل أربعة أخماس البشرية من حالة الجهل والفقر والأمية والاستبداد أو السياسي إلى نور العلم ومستوى المعيشة الكريمة واللائق بالكرامة الإنسانية، نكون قد انتقلنا بهم إلى حياة جديدة قائمة على احترام مواطنيتهم وإنسانيتهم وأعز ما لديهم، وإذا لم يتحقق ذلك فإن البشرية سوف تظل تعاني من الاضطرابات والقلاقل والإرهاب.