عندما يفلس التاجر يبحث في أوراقه القديمة ... د. حبيب تومي نموذجاً
=========================================
أبرم شبيرا
إفلاس الكاتب كإفلاس التاجر:
-----------------في الحقيقة أقرأ كل الردود والإنتقادات التي ترد على المواضيع التي أكتبها مهما كانت خاصة تلك التي تختلف مع ما أكتبه، لأنني أعتبرها مهما كانت سلبية مصدر مهم للإلهام الفكري وتطويره وتحسين منهجي في الكتابة وتجاوز الإخطاء التي قد تعترض الهدف الذي أسعى إليه من وراء كتاباتي. لذلك أعتبرها نوع من "النقد البناء" لأنني أعتبر نفسي منفتحاً فكرياً وبالتالي أستفاد من كل ما يكتب. من هذا المنطلق لا أصرف أي وقت في الرد عليها لأنني أخصص كل وقتي لتطوير أفكار ومنهجي في الكتابة خاصة وأن مثل هذا الوقت ثمين جداً لي لأن في معظمه وبحدود تسعة ساعات مكرس للعمل الذي هو مصدر رزقي ورزق عائلتي وهو الأمر الذي جردني من الحلم الذي كنت أحلم به في أن أكون كاتب أو باحث متفرغ. هذا من جانب، وهناك جانب آخر يفرض عليً أن أرد على البعض الذي يقحمني في مواضيع ليست لي بها أية صلة مباشرة، مواضيع بعيدة كل البعد عن الواقع والحقيقية مما يلزمي أدبياً أن أوضح الأمور ليس من باب النقد والتهجم بل من أجل توضيح وتفسير أمور غائبة عن الشخص المعني خاصة عندما لا يملك أي سند أو مصدر أو حقيقة عن الموضوع فيظل يدور في دائرة مفرغة ويحوم حول معلومات وتفسيرات وقصص أصبحت من زمن الماضي فيصبح حاله كحال التاجر الذي أفلس من جراء أعماله الفاشلة والخاسرة مما يضطر إلى اللجوء إلى دفاتره القديمة والبحث فيها لعل يجد ما ينقذه من ورطته ولكن من دون جدوى. ويعتبر كاتبنا د. حبييب تومي في معظم كتاباته خاصة في موضوعه الأخير المعنون (هل ساهمت زوعا بتفريق صفوف شعبنا؟) والمنشور في موقع عنكاوه بتاريخ 22/01/2014. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عنوان الموضوع لا يمت بصلة بمتنه وهي الصفة التي تتصف بها معظم كتاباته مظهراً تخبطه وضياعه بين عنوان الموضوع ومتنه. وإذا كان هذا الموضوع قد أشبع نقداً وتوضيحاً وتصحيحاً من العديد من القراء ولم يعد هناك مجال آخر جديد غير أدلو بقلمي وأعرض ما خصني به وببعض المواضيع التي طرحها والتي فيها الكثير من المغالطات والتجني على الواقع والتاريخ.
أوراق د. حبيب تومي القديمة:
================= معظم ما يكتبه يتركز على معاداته المستميتة لوحدة شعبنا والتسمية الأشورية وحتى للتسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الاشورية" وإصراره العنيد على تفريق شعبنا وتمزيقه معتمداً على أسس خاطئة ومفاهيم لا وجود لها إلا في ذهنه أو إهانته لأحزابنا السياسية خاصة الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) وجعلها شماعة لتعليق كل أعماله الفاشلة خاصة الإنتخابية منها وحتى لو واجه أي كلداني أو مؤسسة كلدانية أو الكنيسة الكلدانية أية مشكلة فليس سبب ذلك إلا زوعا والأحزاب الآشورية أو يونادم كنا، وهذا هو الذي يجعل من كل كتاباته أن تفقد مصداقيتها، فبأسلوبه هذا لا يضر نفسه فحسب بل يضر الكلدان أيضاً ويشوه أسمهم أكثر مما يفيدهم ومن خلال وضعهم في حقل معادي لبقية أخوتهم ليس من الآشوريين فحسب بل من الكلدان المتنورين والمدافعين عن كلدانيتهم وبأسلوب علمي ومقنع. يهاجم د.حبيب زوعا هجوماً وبأسلحة من غير بارود معتمداً على ذهنيته المتكلسة الغير القادرة على فهم السياسة والأمور المتعلقة بها. ويسند حروبه على ثلاثة مصادر أو دلائل لعنصرية زوعا وإقتتالها من أجل التسمية الآشورية المفردة.
أولاً: كتاب أبرم شبيرا:لا أدري إذا يقبل د.حبيب إمتناني وشكري له لمنحه لي لقب "منظر الزوعا والفكر الآشوري" وهو فخر وشرف لي أن ألقب بهذا اللقب والذي طبعاً لا أستحقه وليس لي الحق في مثل هذا اللقب وأنا غير جدير به لأنه بعيد عن الواقع والحقيقة... والأنكى من كل هذا فأنه يجزم بأن أبرم شبيرا هو من المؤسسين الأوائل لحركة زوعا؟؟!!! ويظهر أن هذا الكرم الهائل في منحي هذه الألقاب السامية لهو أكثر بكثير مما يمنحني زوعا والذي لا يتجاوز كلمة "رابي" الشائعة الإستعمال في شمال الوطن مع (إستكان جاي) كلما أزور مقراتهم في الوطن. بالله عليكم يا قراء ويا قيادة وأعضاء زوعا أين الحقيقة من هذا القول... سيدي العزيز يظهر أنك بعيد ... لا بل بعيد جداً عن زوعا ولا تعرف شيئاً عنها وأنت صاعد نازل (حدرا) بها... أخي العزيز... أنصحك أن تقراْ أولاً تاريخ تأسيس زوعا وهو متوفر في موقعه الألكتروني أو أن تطلبه، إذا تجرأت، من أحد أعضاءها وسوف تحصل على تفاصيل كاملة عن تأسيس زوعا والشباب الذين ساهموا في تأسيسها فإذا وجدت إسمي بينهم حينئذ سوف أعتذرك لك وأوافقك الرأي وأعترف بجهلي في شأن أحزابنا السياسية خاصة زوعا، ولكن مع هذا فأن لزوعا وغيرها من التنظيمات القومية لشعبنا لها مكانة خاصة في تفكري وإحترامي الكبير لهم وهذا لا يمنعني أن أنتقد ممارستهم الخاطئة فأنا أؤمن إيماناً قوياً بأن الأمة التي ليس لها أحزاب سياسية نشطة تكون إرادتها القومية مرهونة بل خاضعة لإرادة الأمم الأخرى، وهو موضوع سبق وأن كتبنا عنه كثيراً.
هذا من ناحية، في محاولة تهجم د. حبيب على زوعا من خلال إتهامه لها بالعنصرية والتمسك بالتسمية الآشورية يعتبرني مصدراً أساساً في دعم إتهامه هذا معتمداً على ما ذكرته في كتابي المعنون "الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر – دراسة في العقلية العراقية تجاه الأقليات"، ويصفه من باب التصغير بـ "الكراس" في الوقت الذي هو كتاب يقع في 112 صحفة من القطع الكبيرة ونشرته دار الساقي في بيروت ولندن عام 2001 وهي أكبر وأوسع دار للطباعة والنشر في الشرق الأوسط تهتم بشؤون شعوب وتراث هذه المنطقة. فالكتاب هو دراسة موضوعية معتمدة على مراجع مهمة وأساسية في الموضوع، فلو كان كراساً كما تقول لما نشرته هذه الدار المشهورة ولا كان له مكاناً في بعض المكتبات في بيروت وفي شارع أجوير في قلب لندن ولا في بعض المعارض الدولية للكتاب مثل الشارقة والقاهرة وبيروت، ولعلمك لا زالت هذه الدار تتصل بي وتطلب مني المزيد من البحوث لنشرها. صحيح هو ما ورد في هذا الكتاب من إشارة إلى التسمية الآشورية ولكن هذه التسمية لم ترد إعتباطاً ونحن نتكلم عن زمن عمره أكثر من عقد ونيف. إستاذنا الفاضل، يظهر بأنه لا تعرف حتى أبجدية السياسة التي هي فكر وممارسة وبهذه الممارسة يتطور الفكر عبر مراحل زمنية فإذا لم يتطور يصبح دوغما وفكر جامد لا مكان له على الواقع. وكما نحن نعرف أيضا بأن السياسية هي فن الممكن. وهذا الممكن لا وجود له في الخيال والذهن بل في الواقع المنظور إليه بحالة حركة وتطور فمن المفروض أن تكون هذه المفاهيم معلومات أولية وإبتدائية لك لأنها جزء من الفلسفة الماركسية وأنت كنت شيوعياً يجب أن تكون ملماً بها ولكن يظهر، بالرغم من تاريخك الماركسي الشيوعي، بأنك لم تطلع عليها ولا تعرف عنها شيئاً.
قبل عام 2003 من كان يجرأ أن يقحم أسم الكلدان في السياسية القومية أو تضمين التسمية الكلدانية كقومية في الفكر القومي ؟؟؟ كم حزب سياسي كلداني كان موجوداً قبل تلك السنة؟؟؟ وهل يستوجب أن نشير إلى إحصاء نفوس العراق لعام 1977 عندما كتبوا معظم الكلدان "عربي أو كردي" في حقل القومية في إستمارة الإحصاء وأولهم بعض من إقربائي الذين كنت ألح عليهم أن يكتبون كلدان أو الناطقين بالسريانية وليس أثوري، ولكن كان ردهم "خلينا مستورين على خبزنا". واقع الحال في تلك الفترة كان يفرض على كل إنسان وكاتب موضوعي أن يتناول التسمية الكلدانية كما كانت معروفة كتسمية طائفية بل كان عليه إحترامها كما هي وكما كان يرغب أتباعها أن توصف ومن دون "توريطها" في السياسة. يؤسفني أن أقول يا إستاذنا الكريم بأن أعتمادك على أفكار ومفاهيم طرحت قبل أكثر من عقد ونيف وضمن ظروف مختلفة وتحاول معاملتها وسحبها إلى واقع الحال في هذا الزمن وضمن ظروف أخرى مختلفة هو نوع من التكلس الفكري أن لم نقل رجعي ويظهر بأنك لم تعد تعرف شيئاً من هذا الواقع لذلك تحاول أن ترجع إلى الماضي وتبحث ما يسعفك من الأوراق القديمة. الكلدان يشكلون الأكثرية من أبناء شعبنا واليوم هناك فكر قومي كلداني وأحزاب سياسية كلدانية فالجاهل وحده ينكر مثل هذا الواقع الذي يفرض قوته على تفكرينا ونعتبره كل الإعتبار في عقولنا وكتاباتنا وسلوكنا ونجد تأطير لهذا الواقع بالتسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الأشورية" طرحاً مقبولاً للجميع. في عملية إحصاء لعام 2000 كنت من أشد المعارضين للتسمية المركبة التي أعتمدتها السلطات الأمريكية أشوري/كلداني/ سرياني لحقل الأثنية بعدما كان هذا الحقل تحت مسمى آشوري فقط في الأحصاء السابق لعام 2000 حيث كانت الكلدانية والسريانية ضمن الحقل الآشوري وكان رواد ومتحمسوا هذه التسمية المركبة الكثير أو معظمهم من الكلدان في الولايات المتحدة وفي مقدمتهم نيافة المطران مار سرهد جمو. ولكن الواقع تغير بعد أكثر من عقد من الزمن وعلى ألإنسان الواعي والمتطور أن يعي هذا الواقع ويتغير معه فأصبح هذا الواقع معروفاً للجميع حيث ربحتُ شخصياً مع الكثير من أبناء شعبنا المتنورين خطوتين إلى الأمام بتبني التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية" في حين خسر الآخرون خطوتين وتارجعوا نحو التسمية المفردة "الكلدانية" وتقوقعوا فيها.
البعض ينبذ التسمية الوحدوية ويرفضونها ولكن الإنتخابات البرلمانية في المركز والإقليم التي أفرزت فوز الأحزاب السياسية المتبنية للتسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية أكثر من مرة وهزيمة الأحزاب المتبنية للتسمية المفردة الكلدانية أو الآشورية أكثر من مرة لهو دليل قاطع على قبول شعبنا لهذه التسمية الوحدوية ونحن نعرف بأن هذه الإنتخابات هي المعيار الوحيد المتوفر حالياً في العراق في معرفة شعبية أحزابنا سواء قبلنا ذلك أم رفضنا فهذا لا يغير من الواقع شيئاً... أنا أقول بكل صراحة وبفخر وإعتزاء مثلما كنت أقرأ الواقع قبل عقد من الزمن ونيف وأستخدم التسمية الآشورية فإنني بنفس الصراحة وبنفس الفخر والإعتزاز وربما أكثر إنني أقرأ واقع اليوم وأستخدم التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية" فهذه التسمية هي إغناء قومي وفكري وحضاري أما التسميات المفردة فهي إفقار بكل معنى الكلمة. إنني أعيش في قلب هذا الواقع ولكن أنت يا حبيبنا العزيز تعيش في خارجه وبعيد جداً عنه تعيش في الماضي إن كان لك فكر ماضي له صلة بفكر كلدانيتك الذي تطرحه اليوم. أن الإنتقال من التسمية المفردة (الآشورية أو الكلدانية أو السريانية) إلى التسمية الوحدوية "الكلدانية السريانية الآشورية" هو إنتقال داخل الحدود التي تحدد وجود أمتنا ضمن مقوماتها القومية المعروفة وهو ونوع من التطور وإستيعاب الواقع، أما الإنتقال والتحول من أيديولوجية ماركسية شيوعية إلى التطرف القومي الضيق مقرونً بالطائفية المقية فهو أمر قد يوصف بالإنتهازية.
ثانياً:عنصرية زوعا وآشوريتها:ليست بمحامي دفاع عن زوعا فغيري من أعضاء زوعا ومؤيديها أكفئ مني بكثير للقيام بهذه المهمة، ولكن لغرض أستبيان الجوانب العلمية والموضوعية في دراسة زوعا كنموذج جيد للحزب السياسي ألزمني للكتابة في الموضوع الذي يظهر فيه وبشكل جلي بأن أستاذنا الكريم د. حبيب يجهل جهلاً مطبقاً مفاهيم كثير في السياسة والفكر ورغم ذلك فهو يورط نفسه فيها بإجتراره للقديم والتخبط فيه وبالتالي يصبح حاله كحال من ينطمس في رمال متحركة فيزداد إنطماسه كلما تخبط في حركاته محاولاً الخروج منها. فمن أكثر الأمور إستغراباً هو أنه يحاول أن يفرق بين مفهوم الحركة ومفهوم الحزب بقوله بأن زوعا بدأت أولاً كحركة ثم تحولت إلى حزب. غير أنه في أبسط مفاهيم علم السياسة التي يجهلها د. حبيب لا يوجد مثل هذا التفريق. فالحزب السياسي مهما كانت تسميته حزب أو حركة أو منظمة أو عصبة، أو جبهة أو حتى جمعية ونادي ومجلس فأن معرفته لا تتم من حيث الأسم والممارسة بل من حيث المقومات المكونه له. فـ (1) عدد من أفراد و (2) فكر أو أيديولوجيا و (3) نظام داخلي و (4) وهو الأهم: السعي للوصول إلى السلطة لتحقيق الأهداف فهذه هي المقومات أو الأركان الأساسية التي تجعل من أي تنظيم أن يكون حزباً سياسياً بغنى عن تسميته. وتاريخ زوعا يبين بأنه تأسس من إندماج عدد من المنظمات والمجموعات الشبابية التي كانت هي بحد ذاتها تشكل حزب بالمفهوم العلمي له. كما أن الحزب ليس الغاية أو الهدف بحد ذاتيه بل هو وسيلة أو أداة لتحقيق الأهداف لهذا السبب ليس بالضرورة أن يكون أسم الحزب مطابقاً للأهداف التي يعمل من أجلها... فالحزب الشيوعي العراق، الذي من المفروض أن تكون أنت سيد العارفين عنه، ليس هدفه خدمة الشيوعيين العراقيين فقط بل كل العراقيين. وحزب العمال البريطاني لا يعمل من أجل العمال فحسب بل للبريطانيين جمعياً، وهكذا الحال مع بقية الأحزاب السياسية في العالم ومنهم زوعا.
فعلى الرغم من تسميته بـ "الحركة الديموقراطية الآشورية" فأن هدفه هو العمل لصالح جميع أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآِشوري وليس للآشوريين فقط وهو الواضح وبشكل جلي في جميع أدبياته الحديثة. ويظهر من سطحية تفكير د. حبيب تومي في التاريخ إصراره على كون هذه التسمية عنصرية غير أن الكثير من علماء الأثار والتاريخ وعلم الآشوريات أثبتوا بالدليل القاطع بأن الآشوريين لم يكونوا يشكلون عنصراً أو عرقاً مستقلاً بحد ذاته بل أن تسميتهم الآشورية هي تسمية حضارية مرتبطة بتاريخ حضارة بلاد مابين النهرين، وهي الحضارة التي كانت تشمل عدد من الشعوب والأعراق، ونظرة بسيطة إلى أدبيات زوعا سوف نعرف كتفية أستقاق وجود أمتنا من الحضارات التي ولدت في بلاد مابين النهرين. فعنصرية التسمية "الآشورية" عند الدكتور حبيب تذكرني عندما كان رجال الأمن وأزلام البعث يحاربون النادي الثقافي الآثوري في بغداد (1970 – 1980) بحجة كونه يستخدم مصطلحات عنصرية كـ "الآثوري". شخصياً عندما كنت عضواً في هيئته الإدارية تم إستدعائي مع أثنين من أعضاء الهيئة الإدارية إلى دائرة الأمن وتوجيه تهمة العنصرية إلى النادي طالباً حذف كل كلمة "آثوري" الواردة في النظام الداخلي للنادي لأنها كلمة عنصرية وعندما عرضنا عليهم النظام الداخلي فلم يجد فيه أي كلمة "آثوري" بل وجد بأن أهداف النادي المدرج فيه تشمل ثقافة وفنون جميع العراقيين فإنحرج موقفه ثم لجأ إلى أسم النادي قائلاً: أليس أسم النادي آثوري فيجب إلغاء هذا الأسم من النادي وطبعاً رفضنا ذلك حيث عاش النادي ومات بنفس الأسم. أشك في أن د. حبيب تعلم منهم هذا الأسلوب في نعت الآشورية بالعنصرية لكونه شيوعياً في تلك الفترة وأيديولوجيته مغايره لأيديولوجية البعث، ولكن تواتر الخواطر والأفكار ممكن دائماً خاصة في تلك الفترة التي كان الشيوعيون في غرام سياسي مع حزب البعث العراقي ويتبادلون القُبل ضمن جبهتهم المشؤومة في بداية السبعينيات من القرن الماضي.
يتهم د. حبيب زوعا بكونه مخترع التسمية المركبة "كلدو أشوري" ثم "الكلدان السريان الآشوريين" في مؤتمر بغداد لعام 2003، وهذا قمة الجهل في التاريخ القومي السياسي لأمتنا. فصفحات هذا التاريخ تبين بأن رواد الفكر القومي الوحدوي والذين كانوا معظهم من أتباع الكنيسة السريانية الأرثذوكسية كانوا من أوائل من أستخدموا التسمية المركبة لأمتنا أمثال نعوم فائق وفريد نزها وغيرهم كثر فكانوا في كثير من الأحيان يطلقون عليها الأمة السريانية الآشورية الكلدانية البابلية الأرامية وهي أطول بكثير من التسمية الثلاثية المستخدمة في أيامنا هذه ولكن كل هذا لم يفرقوا بين هذا الجزء من الأمة عن ذاك بل كانوا مناضلين في سبيل وحدة الأمة وماتوا من أجلها. وفي خضم النضال القومي من أجل تقرير المصير عقب الحرب العاليمة الأولى كانا الجنرال أغا بطرس وماليك قمبر ماليك بنيامين وهما من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية يستخدمون التسمية المركبة لأمتنا مثل كلدو وآشور أو آثور وكان مقاتليهم يقاتلون تحت هذه التسمية. وهناك العشرات من الكتاب من الكلدان والسريان والآشوريين أستخدموا هذه التسمية المركبة في كتاباتهم سواء فرقوا التسمية المركبة بحرف الواو أو بدونها ولكن كل إشاراتهم لهذه التسمية كانت إشارة إلى شعبنا كأمة واحدة. أن السياسي والقومي والمتفحص في تاريخنا القومي يدرك على الفور بأن الغرض من هذه التسمية المركبة ليس خلق أمة جديدة، كما يتوهم البعض، بل كان بالأساس وفي ظروف عصيبة وصعبة للغاية حشد جماهيري وجمع طاقات الأمة بمختلف طوائفها وأقسامها في وحدة واحدة وكسبيل لتحقيق الأهداف المنشودة وحقوق الأمة. هكذا جاءت التسمية المركبة "الكلدانية السريانية الآشورية" في عام 2003 كتسمية توحيدية بهدف حشد الجماهير وتجميع طاقات الأمة كوسيلة لضمان حقوقها خلال الإرهاصات التي أعقبت هذا العام ولازالت هذه الإرهاصات ونتائجها المدمرة في تصاعد مستمر والتي يتطلبها بالمقابل حشداً جماهيرياً لجميع إمكانيات وطاقات أبناء شعبنا في وحدة واحدة ضامنة لحقوقنا القومية في الوطن وليس بالتشتيث وتقسيم الأمة في وحدات صغيرة غير قابلة للإستمرار والتعايش مع الوضع السياسي الحالي.
أن زوعا كحزب سياسي يصلح للدراسة والتحليل والنقد أيضا كنموذج لأحزابنا السياسية في مجتمعنا وبهذه الصفة فهو يمتلك مقومات التطور وقد سبق وأن فسرنا تطوره هذا في مناسبات سابقة وبمفهوم (خطوتان للأمام وخطوة للوراء) وفي ظروف معينة وقاسية وإستثنانية قد ينقلب هذا المفهوم ليصبح (خطوتان إلى الوراء وخطوة إلى الأمام) ولكن في كلا الحالتين فأن حركته كحزب يمتلك عنصر التطور، وهو الظاهر في منهاجه السياسي ونظامه الداخلي عن كيفية تطوره من حيث التسمية المفردة "الآشورية" إلى التسمية الموحدة "الكلدانية السريانية الآِشورية" وهو نفس التطور القائم على فهم الواقع المتطور والذي سبق الإشارة إليه في أعلاه ولا يستوجب التفصيل فيه حيث قام الأخ يوسف شكوانا بهذه المهمة وبشكله المفصل والشامل في رده على مقالة د. حبيب موضوع البحث والذي نشر أيضا في موقع عنكاوه، لم يبقى هنا فيما يخص زوعا وإتهامه بالعنصرية إلا أن أشير إلى موضوع نقد زوعا وإدعاء د. حبيب برفض ومحاربة زوعا لمنتقديها وهو الموضوع الذي خصني بشكل غير مباشر لأنني كثيرا أنتقد زوعا فالمعروض في وسائل الأعلام بهذا الشأن قليل جداً بالنسبة لما أكتبه إليهم مباشرة أو أثناء مقابلتي مع قادتها فصداقتي معهم لم تمنعني أبداً من الإستمرار في النقد وفي بعض الأحيان نقد لاذع وصميمي ولكن في كل الأحوال الحقيقة تقال سواء قبلناها أم لا فإني شخصياً لم أجد أي محاربة من قبل زوعا بسبب إنتقادي لها بل على العكس من هذا تماماً، فعندما أتواجد في الوطن أزور يومياً مقرات زوعا ولا ألقى منهم غير الترحيب الحار والإحترام اللائم أبتدءاً من قمة قيادتها حتى أسفل قاعدتها ولكن هذا لا ينفي إطلاقاً بأن يكون عضو في زوعا أو في قيادتها شحيح الفكر وضيق التفكير فلا يقبل النقد، ولكن برأي تبقى هذه المسألة شخصية صرفة متعلقة بالفرد نفسه وليس بزوعا كحزب سياسي. وأخير، وحتى نكون أكثر علمية وموضوعية في شأن الأحزاب السياسية، يجب علينا أن نفرق بين الحزب السياسي وقيادته... فالقيادة كأعضاء متقدمين في الحزب هم جزء من الحزب وليسوا كله، فالدراسة العلمية تشمل الحزب وكل مقوماته ونشاطه وإنجازاته وليس جزءاً منه كالقيادة. وعندما تيشخصن الحزب بشخصية القائد أو عدد معين من أعضاء القيادة ويصبحون هم الحزب عندذاك يكون لنا أمر آخر ودراسة أخرى لسنا بصددها هنا، وقد سبق وأن فصلنا عنها في مناسبات سابقة.
ثالثا: المناضل توما توماس وحصار ألقوش 1933: لم يستطيع كائن من كان وحتى المجرم صدام حسين أن ينكر بأن المرحوم توما توماس (أبو جوزيف) كان مناضلا صنديداً صلباً قضى شبابه وشيبه حتى مماته شيوعياً مخلصاً لمبادئه وأميناً للحزب الذي أنتمى إليه. وعندما يتعرض د. حبيب إلى مواقفه تجاه شعبنا فأنه لا ينصفه كاملاً بل يحاول أن يضفي على مواقفه نوع من الطائفية مظهراً كانه كان كلدانياً طائفياً ويعادي الآشورية وأحزابها السياسية خاصة زوعا. صحيح هو ما ذكره المناضل أبو جوزيف عندما قال: "لايمكن تبدل أسم الكلدان بجرة قلم إلى آشوريين كما يحلو للأخوة الآشوريين" وهو أمر مرفوض بالتمام والكمال ولكن لنعلم ليس كل الآشوريين فالمتعصبين منهم والمتخلفين منهم فقط يحلو لهم ذلك. ففي التسعينيات من القرن الماضي وفي كل زيارة إلى دمشق كنت أجتمع مع المناضل أبو جزيف في مقر زوعا وبحضور المناضل الشيوعي الآخر المرحوم سليمان يوسف (أبو عامل) وكان كل أحاديثنا على تشكيل هيكلية أو منظمة من عدد من نخبة مثقفي أمتنا غير الحزبيين ومن جميع الأقسام والطوائف لغرض السعي لتوحيد الأمة، ولم أجد لا فيه ولا في أبو عامل أي نوع من أفكار وتوجهات للتفرقة بين الكلدان والآشوريين والسريان بل كانوا من الأنصار المتحمسين لوحدة شعبنا وتحت تسمية جامعة ومشتركة ولكن مع الأسف الشديد حالت المنية دون تحقيق كلا البطلين أحلامهم.
أما بالنسبة لحصار الجيش العراقي لقصبة ألقوش في صيف عام 1933 بعد لجوء الآشوريون النساطرة إليها طلباً للحماية ووقوف أبناء ألقوش الأبطال سداً منيعاً أمام الجيش العراقي ورفضهم لتهديده في تدمير ألقوش بالمدافع في حال عدم تسليم الآشوريين اللاجئين إليها، فهذه الملحمة البطولية لأبناء ألقوش تعتبر من أكثر أوراق د. حبيب تكراراً وقدماً لا بل مع الأسف الشديد بتناولها أفقد مغزاها البطولي والقومي الرابط بين الآشوريين النساطرة وأبناء ألقوش لدرجة التسفيه والتبسيط. فهو يرى بأن لجوء الآشوريين إلى ألقوش وطلب الحماية ووقوف أبناء ألقوش وقفة البطولة إلى جانبهم كان بسبب وجود رابطة مسيحية دينية بينهما في الوقت الذي نعرف بأن هناك وفي نفس المنطقة عشرات من القرى المسيحية الكلدانية لم يلجاً إليها الآشوريون طلباً للحماية. سيدي العزيز، سمعت هذه الملحمة من جدتي الألقوشية التي ولدت قبل الحرب الكونية الأولى وعاشت أكثر من مائة عام ومات في السبعينيات القرن الماضي فكانت تروي لنا هذه الملحمة التي عايشت أحداثها بموضوعية أكثر من روايتك. أن صمود أبناء ألقوش لم يكن بسبب الرابطة الدينية وبغرض حماية المسيحيين فحسب بل كان نوع من رد الجميل للأشوريين النساطرة من قبل أبناء ألقوش الأبطال. ففي بداية العشرينيات من القرن الماضي كان الحاكم العثماني صقيلي يفتك بأبناء وبنات ألقوش وعندما سمع بعض من القوات الآشورية المنتسبة للجيش المعروف بـ "الليفي" بجرائم هذا المجرم تقدموا إلى ألقوش وقبضوا عليه وقتلوه شر قتلة ويقال، حسب رواية جدتي، بأنه ربطوه من رجليه بالحبل وهو حي وسحلوه إلى أعلى جبل ألقوش ثم دحرجوه من هناك إلى أسفله ثم سحلوه مرة أخرى إلى الجبل ودحرجوه من هناك إلى أسفله، وهكذا حتى أصبح كتلة حمراء من اللحم والعظام. فعندما أشدت الأزمة وقاربت هلاك الآشوريين النساطرة وهم في عهدة وحماية أبناء ألقوش الأبطال عام 1933 هبوا ليدافعوا عنهم رغم المخاطر والنتائج المهلكة التي كانت تنتظره فردوا الجميل كما يفعل الرجال الشجعان والشرفاء.
أكتفي بهذا القدر وأختم هذه السطور بالهمس في أذان د. حبيب تومي وأقول له بأنني لم أتجاهل ولم أقلل من كنيته العلمية بوصفه دكتور ولا يهمني فيما إذا كانت شهادتة في الدكتوراه من سوق مريدي أو من جامعة هارفرد ولكن الذي أريد أن أقوله هو أن الشهادة العلمية خاصة العليا منها التي تؤهل حاملها أن يوصف بالدكتور ويضع حرف (د) أمام أسمه ليس للمهاترات وتجاهل الحقائق التاريخية وتغييب الموضوعية من الواقع والحقيقة بل أن مثل هذه الشهادة هي مسؤولية علمية وإخلاقية في البحث الرصين والدراسة الموضوعية لمسائل في الحياة والمجتمع وتكريسها لخير جميع الناس، وحبذا لو كانت شهادتك بهذه الصفات وتسير على نفس الخطى الذي يسيرون عليه أبناء الكلدان الأصلاء أمثال د. ليون برخو ود. عبدالله رابي، وغيرهم كثر الذين يحملون شهادات علمية حقيقية ويخدمون جميع أبناء أمتنا من خلال خدمتهم لكلدانتهم... صدق المثل القائل: "الإناء ينضح بما فيه".