المحرر موضوع: إشكالية الفكر القومي لدى الكنيسة الشرقية الآشورية  (زيارة 3910 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Ashur Giwargis

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 880
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
إشكالية الفكر القومي
لدى الكنيسة الشرقية الآشورية

آشور كيواركيس
بيروت : 17/02/2015




مقدّمة:

لا نهدف من خلال المقالة وضع كلّ اللوم على رجال الدين المذكورين فيها، ولا على الكنائس المذكورة ولكننا نطرح مشكلة لاحت ملامحها منذ فترة ليست بقصيرة، فيما كان قسمٌ كبير من الشعب الآشوري سكرانا بالصلاة والتصفيق والولاء العاطفي الأعمى – لذلك فهذا القسم هو الوحيد الذي يلام سواء على أخطاء رجال الدين أم الساسة، فلولا سـَـكــَــره لما تسلــّــط هؤلاء على إرادته..

إن تشتت الشعب الآشوري في أصقاع المعمورة فرض على كنائسنا كما على أمتنا، أمرا واقعا من الناحية الإدارية نختصره بنشوء "الإمارات" الكنسية والسياسية، فمن الناحية السياسية باتت كل مؤسسة تتخذ قرارا مستقلا تحاول السير به بدون الإرتباط بمركز سياسي (كونه غائب) سواء كان قرارا بناءً أم هداماً، وهكذا حال الكنيسة، فكل مطران أميرٌ في إمارته طالما أن القانون في كل دولة يعتبر الطائفة مؤسسة مستقلة "قانونيا" عن مركز الطائفة في بلد آخر، فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة قرارات "قومجية" مزاجية في كنيستنا السريانية وخلافات يستغلها بعض  "أمرائها" بدون العودة للمركز، وكذلك في كنيستنا الكلدانية لاحظنا فتاوى من سان دييغو بدون العودة للمركز.

لا نستثني الكنيسة الشرقية الآشورية من هذه المعضلة الخطيرة، خصوصا أنها بدأت تسهّــل ما يقوم به بعض رجال الدين من باقي كنائسنا، والإمارات الكنسية في كنيستنا الشرقية برزت عدّة مرات عبر العقود، وفي كل مرّة كان الأمير يتفرّد بأفكار غير أفكار المركز، ومن بلد غير بلد المركز مستغلا القوانين التي تسمح له بذلك بكل حرية.

ذكريات وعـِـبـَــر

من عادته أن يخرج علينا غبطة جاثليق المشرق مار دنخا الرابع، كل 365 يوم في رسالة إلى أبناء كنيسته، معبرا عن الوحدة كـ"أمة آشورية واحدة"، بكافة طوائفها، هذا فيما كان المتروبوليت الراحل مار نرساي دي باز ضدّ الفكرة وكان يسعى في كل مقابلاته وتصريحاته إلى حصر الهوية الآشورية بكنيسة المشرق، لدرجة أن الكنيسة الشرقية الآشورية في لبنان تــُــعرف في المجتمع الآشوري وحتى اللبناني بـ"الطائفة الآشورية"، والمطران ما ميليس اليوم يعرف في لبنان بـ"مطران الطائفة الآشورية"، ومطرانية الكنيسة الشرقية الآشورية تعرف بـ"مطرانية الآشوريين" ... علما أن الإسم الرسمي للكنيسة (في لبنان) هو "الكنيسة الشرقية الأورثوذوكسية الآشورية"

سبق أن التقينا بنيافة مار نرساي دي باز مرارا خلال تربــّــعه على "إمارة لبنان" وبصفته كان النائب البطريركي، وذكــّـرناه (كونه لا يحقّ لنا أن نعلمه) بأن الإسم المتداول للكنيسة الشرقية الآشورية لا يعبّر عن الحقيقة التاريخية والقومية، وتكرر هذا "التذكير" في عدّة مناسبات، إحداها كانت المفاجأة الصاعقة في كلمة له في مناسبة يوم الشهيد الآشوري عام 2004 حين قال بأن شهداء إبادة 1933 هم  شهداء "كنيسة المشرق"، مما اضطرّنا للردّ عليه من نفس المنبر وفي نفس المناسبة في كلمتنا آنذاك، التي وضعت النقاط على الحروف حول معنى الإنتمائين القومي والكنسي – وآخر "التذكيرات" لنيافته كانت في جامعة الروح القدس حين ألقيت كلمة قصيرة حول تكوين الأمة الآشورية، فوقف لإسكاتي أمام نواب البرلمان اللبناني وبطاركة الطوائف المسيحية، إلا أنني أكملت كلمتي بدون أن أعطيه أي اعتبار، مما اضطرّه لأن يكلمني على حدة بعد نهاية ذلك المؤتمر بطريقة لا تليق بمطران حيث دفعني بيده قائلا : "من أنت لتحوّل الناس إلى آشوريين على مزاجك ؟"، فأجبته بطريقة لا أحبها لكنها أتت لائقة بتصرّفه وذلك على مسمع الشخصية المحترمة نيافة مطران كندا مار عمانوئيل يوسف الذي كان له الفضل في إعادة الأمور إلى طبيعتها بعد أيام، وكان هناك وفد من الحركة الديموقراطية الآشورية ممثلا بالسيد عمانوئيل خوشابا، ووفد من قيادة المنظمة الديموقراطية "الآشورية" برئاسة السيد بشير سعدي الذي كان آنذاك رئيس مكتبها السياسي والذي أخذني هو الآخر على جنب وقال لي : "ملفونو لم يكن هناك داعي لهذا التصرّف أمام الناس، على أي حال شئنا أم أبينا التسمية الآشورية أتت من الإنكليز" – (ملاحظة : هذه المنظمة طالما عرفها البعض بأنها "مدرسة قومية" ["مدرشتو أومتونيثو] )، فقاطعته قائلا :"لماذا إذا تترأس منظمة تحمل الإسم الآشوري؟" – وهنا ألوم صديقي الأستاذ سليمان يوسف (عضو المكتب السياسي للمنظمة آنذاك) كونه قاطعنا منقذاً السيد سعدي من السؤال المحرج، قائلا : "آشور على حقّ وله الحرية في أن يقول ما يشاء".

المغالطة المكرّرة، وبإصرار

لكي لا نضيّع وقتنا بالمؤسسات السياسية التي كشفت عورتها بنفسها في أوقات الجدّ، منذ سنتين كان قد لفت أحاسيسي المشكــِّـــكة عادة (والتي للأسف لا تخطئ)، لقاء غبطة بطريرك كنيستنا الكلدانية مار لويس ساكو بنيافة المطران مار ميليس زيا في أيــّــار/2013 حيث تبادل الطرفان كلمات المحبة المسيحية الدارجة، وقرّرا في دقائق بأن "أمتنا" تنقسم إلى "كلدان وآشوريين"، فالبطريرك استعمل عبارة "عيتا دآتورنايي" (أي "طائفة المدّعين بالآشورية")، وقابله مار ميليس بعبارة : "الآشوريين والكلدان شعب نهريني واحد" وهكذا تمّ الوئام "الكنسي" في ذلك اللقاء الذي أبهج صدور "المؤمنين".

لا نعلم ماذا دار وراء الكواليس منذ ذلك اللقاء حتى اليوم ... ولكن في المقابلة الأخيرة لنيافة مار ميليس زيا مع قناة الـANB  الآشورية (شباط/2015)، حاول نيافته قدر الإمكان استعمال عبارة "الطائفة الآشورية"، وحين يذكر كافة طوائفنا يقول : "الكلدان والسريان والآشوريين"، رغم أنه يؤمن بأننا جميعا "أمة واحدة"، معللا بأنه "شئنا أم أبينا هناك اليوم [كلدان] و[آشوريين] و[سريان] ..." – على حدّ قوله في المقابلة.

ضعف الذات الآشورية أمام تصرفات الكنيسة

ينقسم الشعب الآشوري (كلداناً وسرياناً ومشرقيين) بين مؤيــّـد ومعارض للنقد البناء الذي يوجـّـهه البعض للكنيسة، وذلك على الشكل التالي :

1- ماسحو الجوخ : الذين يعادون الكنيسة لأسباب تافهة في قرارة نفسهم وفي نفس الوقت يعارضون على الملأ أي نقد بناء لها، وذلك  لغرض الإستهلاك الشخصي أو السياسي أو الإجتماعي. وغالبا ما يضعون أنفسهم في محل محامي الكنيسة لمجرّد كسب ودّها.
2- المؤمنون برجال الدين أكثر من إيمانهم بالكنيسة (التابعون) : وهم الذين يرتادون الكنائس ولا يعرفون شيئا عن لاهوت كنائسهم
3- الناشطون الكنسيون والمؤمنون الحقيقيون : وهم القسم الذي عليه يتم الإعتماد لبناء مجتمع كنسي حقيقي، مفعم بالإيمان
4- المؤمنون الغير قوميين : وهم من تتجلى اهتماماتهم بالمؤسسة الكنسية ولا علاقة لهم بكل ما هو قومي
5- القوميون الغير مؤمنين : وهم الذي يساندون الكنيسة من منطلق قومي بدون إيمان ولا حتى اعتراف بالأديان السماوية
6- القوميون المؤمنون : وهم الذين يؤمنون بضرورة الحفاظ على الكنيسة كضمانة للحفاظ على الترابط القومي الإجتماعي (كون الشعب الآشوري شعبا شرقيا مرتبطا بكنائسه)
7- الناقدون الكارتونيون : وهم الذين يكتبون على صفحات التواصل الإجتماعي بأسماء مقنــّـعة بدون أن يتجرّأوا على طرح موضوع نقدهم أمام رجال الدين – ونادرا ما تؤخـَـذ آراؤهم على محمل الجدّ.
8- حاشية الأمير : وهي غالبا ما تكون مجموعة من مطأطئي الرؤوس، يدورون حول أميرهم  ويتسابقون للجلوس على الكراسي الأمامية، مهمتهم جلب الأخبار وخصوصا الجيّدة.

أمام كل هذه الأصناف وخصوصا الأجوَد بينها، نقول بأن عبارة "نحن أمة واحدة" لا تستحقّ التصفيق ولا جائزة نوبل، ولكن مشكلتنا هي التلاعب بهوية هذه "الأمة الواحدة". وإذا كان "القوميون المؤمنون" قد ساندوا في السنوات القليلة الماضية الكنيسة الشرقية الآشورية لوقوف بطريركها وقفة شجاعة أمام بعض المرتزقين على عواطف البسطاء، فما هو موقف هؤلاء اليوم من كنائسنا التي تسير على نفس المنوال ؟

قليل من المنطق

لا يواجه أخواننا الأرمن أي مشكلة في التعبير عن الهوية، رغم كونهم كما الآشوريين، مقسمين إلى طوائف، وذلك كون الإسم القومي "الأرمني" موجود في كافة اسماء الطوائف الأرمنية (الأرمن الأورثوذوكس، الأرمن الكاثوليك، الأرمن الإنجيليين...)، وهنا لسنا نطرح بأن يضاف إسم الهوية الآشورية على أسماء كنيستينا السريانية والكلدانية، كوننا على علم تام بأنهما (وبشهادة التاريخ البعيد والقريب) تفضلان العروبة على الآشورية.

ولكن بالنسبة للكنيسة الشرقية الآشورية، لماذا يتعمّد كهنتها بتسميتها "الكنيسة الآشورية" ؟
فحين نذكر "الكنيسة الشرقية الآشورية" نكون قد ميزنا هذه الكنيسة عن غيرها ضمن آشوريتها، ولو عدنا إلى المثل الأرمني، لم نسمع يوما عبارة "بطريرك الكنيسة الأرمنية" أو "الطائفة الأرمنية".

هل يعلمون ماذا يفعلون ؟

لا نريد الدخول في المسائل الداخلية للكنيسة رغم كون ذلك من شأننا، ولكن ما سرّ التناقض بين تصريحات البطريرك مار دنخا وتصريحات بعض المطارنة ؟ ولماذا لا تتم حسم المسألة في المجمع السنوي القادم للخروج بموقف واضح وصريح يلتزم به الجميع ؟

فمنطقيا تسمية "الطائفة الآشورية" تعني أن كافة المؤسسات السياسية التي تحمل إسم الهوية الآشورية هي مؤسسات طائفية (لن تعترض مؤساستنا السياسية على هذه المغالطة أصلا لأن حالتها الفكرية ليس أفضل من تلك لدى رجال الدين) - وسياسيا تدفع هذه التسمية بالبسطاء من باقي الكنائس بالتشبث بتسمياتهم الكنسية (سريان، كلدان) على أنها تسميات قومية وتزيد من ابتعادهم عن هويتهم القومية الآشورية.

وإذا كان رجال الدين (خصوصا من الكنيسة الشرقية الآشورية) لا يعرفون ماذا يفعلون فهذه مشكلة، أما إذا كانوا يعرفون فهناك الكارثة.



بإمكانكم الإستماع إلى مقتطفات مختارة من حديث نيافة المطران مار ميليس زيا إلى قناة الـ ANB على الرابط التالي :

https://www.youtube.com/watch?v=O-qjilHEdrE