المحرر موضوع: ربيعنا يبكي  (زيارة 1491 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
ربيعنا يبكي
« في: 20:47 05/03/2015 »
ربيعنا يبكي

شمعون كوسا

ينتظر الانسان بلهفة قدوم فصل الربيع لكي ينطلق معه في ولادة جديدة مع طبيعةٍ في بداية دورتها بصحبة  شمس مشرقة تبثّ اشعتها  دون عائق وسط سماء زرقاء ، وأشجار صفّت اوراقَها الصغيرة الخضراء حديثة الولادة على امتداد اغصانها ، وزهور تفتّقت بمختلف ما تهواه العين من الوان تفوح منها ازكى الروائح العطرة ، ومياه لغزارتها ضاعفت منابعها ، وعصافير تنطلق من الصباح في زقزقة متواصلة ، ناهيك عن العنادل التي  تكون قد تأبطت آلاتِها الموسيقيةَ وكأنها مقبلة على خوض  سباق للاصوات والالحان الشجية ، فالكناري يغرد من جهة ، فيردّ عليه الشحرور ، والعندليب يطلق نغمة طويلة ثم يدخل في موّال مع الحسّون .
خرجتُ كعادتي في جولة بين احضان الطبيعة لأمتّع بصري واشنف آذاني بما تقدمه الطبيعة في مهرجانها الربيعي الذي ينسيني ، ولو لحين ، بعض ما اقرأه واسمعه واشاهده من ويلات شعبنا وهمومه . لاحظتُ هذه السنة أمرا غريبا جدا ، لاني كلما دنوت من شجرة أرى اوراقها تتوقف عن الحركة. تابعتُ المسير نحو بعض البلابل ، فرايت هذه الاخيرة ايضا قطعت تغريدها ، قمت بتوجيه انظاري صوب الحدائق فلاحظت بان اغلب الزهور تنكمش ، وبعض منها بدا لي وكأنه سوف لن يتفتّق . 

توقفتُ في مكاني  لافكر قليلا فيما يجري، فرأيت عددا كبيرا من العصافير قد حطـّت على الارض من حولي ، وبعض الزهور تحركت وحتى الاشجار قد انحنت قليلا باتجاهي ، وسمعت صوتا يصدح من بعيد : لقد انتظرنا سنة ونيّف نترقب الامور ونغذّي الآمال برؤية نهاية قريبة لأوضاعكم او على الاقل مشاهدة بعض التحسن فيها ، غير ان ما يجري لكم ، اصبح أمرا لا يطاق . انه وضع مُنافِ لقوانين الطبيعة ، وتصرف لا اخلاقي بجميع المعايير ويناقض المنطق وكافة المفاهيم والاعراف البشرية وحتى الحيوانية والنباتية . كيف يمكن للشحرور ان يواصل شدوه وأهاليكم اقتُلِعوا من ارض تأصلت جذورهم فيها منذ آلاف السنين ؟ هل يستطيع الشجر ان ينقاد للنسيم ويزهو باوراقه الخضراء ، والمشردون قسرا وظـلماً من بينكم لا زالوا يهيمون على وجههم حائرين ، لا يعثرون على طريق يسلكونه لمجرد الحفاظ على حياتهم ؟ بعد هذا إلتفتُّ الى زهرة صغيرة  تناولت كلاما شبه سياسي وقالت :  إن ما يزيدنا ألماً ويثير غضب الطبيعة باسرها في هذا الربيع ، هو مشاهدة دولة تسمي نفسها  دولة عظمي  ، تصرّح علناً بانه من الصعب جدا معالجة  ما يجري من ظلم وارهاب عندكم ، وقد يستغرق الحلّ عدة سنوات !! واضافت الزهرة بنفس صراحتها قائلة :  ولماذا  لم يصعب هذا على نفس الدولة العظمى عند احتلالها بلدكم باكمله خلال ساعات فقط ؟ !!
وسمعتُ بلبلا قد استهلّ لحنا حزينا يقول فيه : وهل تتصورون بان الشمس لم تكشف لنا  المأساة التي ألمّت بقوم كانوا يعيشون بأمان ، اناس مسالمون حُشروا عند سفح الجبل وعلى مرتفعاته ليسهل الانقضاض عليهم . تعرّض شبابهم واطفالهم وشيوخهم ونساؤهم الى مذابح لا يمكن نعتها الا بالبشعة  والشنيعة. قسم كبير من بناتهم اقتيد الى العبودية والاسر بعد أن مورست بحقهن الاعتداءات والاهانات وكافة اصناف العنف والتحقير . احداث لا يمكن للتاريخ ، مهما كان قاسيا ان ينساها . وانبرت شجرة عالية من الجانب الايسر تقول :  ألم يخجل هؤلاء الوحوش وتجرأوا أخيرا على تدمير الآثار وحرق المخطوطات القديمة ، اوراق واحجار كانت شهودا قاومت آلاف السنين من اجل الحفاظ على تراث وتأريخ يفتخر به العالم باسره ؟ ألم يفكروا بانه لا يمكن ان يكون مستقبل لشعب محا ماضيَه بيديه ؟ !!
اغرورقت عيناي لسماع كل هذه الحقائق التي تجمّد عروق سامعيها اينما وُجدوا، وقلت لنفسي : حتى الاشجار والزهور والطيور والنباتات على بيّنة تامة من  وضعنا وتتعاطف بحرارة معنا ، صحيح ان الربيع هذا اليوم يرتدي حلته الجميلة  ولكنه داخل في العرض هذه السنة بنفس منقبضة وعين دامعة .
عندما شاهدتُ الربيع وقد اعلن  الحداد ، تنحّيت قليلا للعثور على  متكأ استند اليه لإمضاء وقت قصير في مجلس احزان الطبيعة  . في دقائق خلوتي وسط هذا المهرجان الحزين ،بدأتُ اجترّ بصمت نفسَ الافكار التي كنت احملها عند خروجي والتي لم تبارح رأسي يوما ، وكنت اقول : لدينا دولة تديرها حكومة بمؤسسات كبيرة ، وبعدد هائل من الوزراء والمدراء ، ونواب يسنّون القوانين ، تُرتكب فيها المذابح ، وتسقط مدن برمتها دون مقاومة ويُطرد سكانها الآمنين من القرى والارياف دون أن يحرك هؤلاء  ساكنا . لقد ترك المسؤولون الامر لكل مواطن يعالج مأزقه بنفسه ، فاضطرت كل طائفة الى تأسيس جيشها الصغير ، والقبائل انبرت بابنائها لتحرير اراضيها والدفاع عن حدودها من عدو شرير فرض نفسه ، لا يحمل هدفا سوى حجب المرأة عن الانظار وتحويل الرجل من كائن عاقل الى مخلوق متوحش يتلقى اوامره دون ارادة ، ويمتشق سيفا إمّا لنحر نفسه أو نحر الاخرين .
وقلت ايضا :  أتكون هذه مجرد مؤامرة اشتركت فيها اطراف عديدة  ؟  لكثرة تفكيري وتحليلي لكل ما حدث ويحدث ، تترسخ لدي القناعة يوما بعد يوم بانه لم يعد لنا ، نحن الاقليات ، مستقبل في هذا البلد  .  بتنا في انظارهم حشرات ضارّة يجب ابادتها ، نحن الذين كنّا خميرة الارض وواجهة البلد الجميلة امام العالم المتحضّر ، نحن الذين بنينا البلد منذ البدء ، اضحينا غرباء في بلدنا  .  لقد تحولنا الى بيادق صغيرة في لعبة تحركها قوى الشرّ على هواها دون ان تقيم  وزنا لأيّ اعتبار . لا نعرف ما هو موعد نهاية هذه المسرحية السمجة !!
  قبل ان اترك مجلس الربيع تمتمت بدوري الكلمات التالية وكأني اصلّي : من حسن الحظ بان الطبيعة تبقى كما هي تأتي دون تضييع مواسمها لتسعد الناس ، بالرغم من ظلم الانسان وتقلباته وممارساته الوحشية . ستبقى الطبيعة النقية والنبيلة هي متنفس للانسان ، يرى فيها الخير فينسى الشرّ، يبصر فيها الجمال فينسى البشاعة ، يقابل فيها الصدق لينسى الكذب ، يسنشق هواءها فينشرح صدره ، ويطيل النظر الى سمائها الصافية وآفاقها الجميلة فيمتلأ سعادة وينسى الظلم .
 عند ذلك انحنيتُ اجلالاً للزهور والاشجار والعصافير ، وغادرت الموقع بنفسِ راضية ، عدتُ بذات الكرب الذي كنت احمله غير انه كان اقلّ وطأة وهيجانا  .
   



غير متصل شوكت توســـا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2257
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: ربيعنا يبكي
« رد #1 في: 12:24 06/03/2015 »
الأخ والصديق العزيز أبا كميل المحترم
تحيه ومحبه
كما هو واضح وجلي في اسلوب تعبيركم عن ضجركم وعدم رضاكم مما يدور في أروقة وأحياء ابناء شعبنا وما يحصل بحق كنائزه وآثاره, ما زلتم يا عزيزي شمعون  في اسلوب كتاباتكم الرمزيه تتصدرون لوحة الابداع بين كتابنا ومثقفينا,,,,,
انتهزهذه الفرصه كي أؤدي التحيه والسلام لكم وللعائله الكريمه راجيا لكم دوام الصحه والعافيه والى مزيد من العطاء .
تقبلوا خالص تحيات صديقكم شوكت توسا

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 220
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: ربيعنا يبكي
« رد #2 في: 18:48 06/03/2015 »
اخي شوكت

قبل كل شئ شكرا على كلامك الرقيق,
انا ممتعض مثل كل العراقيين والبشرية جمعاء مما يراه الكون من تصرف
يجب ان تصاغ له صفة قبيحة جديدة ، لان ما تحتويه اللغة لا يفي بالغرض،
غير اني كنت انتظر عصافير واشجار وورود توافق على الادلاء  بهذا التصريح لاني كما تلاحظ اخشى الدخوال في السياسة !! ولو ان السياسة قد تسربت الى نخاعنا شئنا هذا ام ابينا .
اما انت يا شوكت ، يا من لم تهبط عزيمتك يوما ولم ينضب معين   فكرك للكتابة وايجاد المواضيع المثيرة لذلك ، احييك لافكارك البناءة واسلوبك الجميل والسليم لغويا.
اشكرك ثانية وتحياتي