نيراريات - 38 –
لم ولن تستسلمي أيتها الأمّة , ما زلتِ عالية الهمّة , لن يُسقطوكِ من القمّة , أولئك عديمو الذمّة , لمّي بنينكِ وبناتكِ لمّة , أنتِ فعلٌ لا يتأثّر بالفتحة والكسرة والضمّة , وستبقى فائضة مشاعرنا بمحبتكِ الجمّة .
إبقي قريبة مني , لأنني بالأمسِ كنتُ أرتوي من نهر خابور واليوم أرتوي من عينيكِ , وبالأمس كنتُ أتنفّس رحيق البساتين واليوم أتنفّس تنفّسكِ , وبالأمس كنتُ أستلقي في أحضان المزارع واليوم أستلقي بين ذراعيكِ , إبقي معي لأسمع غناء خابور فيكِ .
لا تنذهلي إذا مسّتْ أصابعكِ جسدي ورأته كالحجرْ , فمنذ أن هاجمتنا جرذان الدواعش في الفجرْ , وقلعتنا من تربتنا كالشجرْ , وقتلتْ وأسرتْ وكلّ من نجا هجرْ , ومنذ سقوط مملكتنا نتنقّل كالغجرْ , مأوانا مدن التيه والضجرْ , لذلك ثار البركان في أحشائي وانفجرْ , وألقى حمم السخط والزجر , وقرر جسدي أن يصمد كالحجرْ .
أنعمني الله بأوفى صديق يمنحني الأمل ويبقيني واثقا من نفسي , وهو ابتسامتكِ .
لم يدم كبرياؤكِ طويلا لأنكِ وضعتيه على الحصان الثلجي للرجل الثاني ونسيتِ أنّ حصاني شمسي .
تحصرين أو تغيبين فالأمر عندي سيّان , حضوركِ حضور حقيقي , وغيابكِ غياب خيالي .
كنتُ أتردّد قبل أن أصارحكِ بحبي , ربما رفضتِ أو قبلتِ , وبعدما تمالكتُ بأسي وصارحتكِ ولم أدرِ كيف , عادت زهوري تتنفّس بعد طول السبات , وعادت ألواني تنبض بالحياة .
في عينيكِ ثلاث شارات بلون شارات المرور , أخضر يحثُّني على الإنطلاق إليهما من غير تردّد بكامل جسد قصيدتي لأنهما في حالة سلام , وأصفر يُحذّرني لأنْ أُفكّر تفكيرا فوريا وأن أُخفّف تعجيل قصيدتي من السير إليهما لأنهما في حالة إستنفار , وأحمر يوقفني وقصيدتي من التقرّب إليهما لأنهما في حالة حرب ضروس ,, آه من عينيكِ اللتين تحكمان لغتي الشعرية .
أخجل من رؤيتكِ حبيبتي , فبعدما فقدتُ أرضي لم يبقَ في وجهي ماء أحفظه لك في موسم الجفاف , ولم يعد في حنجرتي صوت أطلقه برومانسية على مسمعيكِ , وإحساسي الذي كان زهرا يافعا أصبح حجرا أصمّا من عائلة الأحجار المحترقة , وأشعاري التي كانت تسير بكبرياء على مفاتنكِ كالجيش الظافر أصبحتْ تماثيل مقطوعة رؤوسها , فإلى ماذا تنظرين ؟
أسفي على عدّاءٍ لا يدري ماذا حصلْ , ركض طويلا ولم يصلْ , في بداية السباق كان وردا فوّاحا , وفي نهايته كريه الرائحة كالبصلْ .
رحمة بجسدي من حوافر حصانكِ المجنون , أنا منذ فجر التاريخ تحت خيوط شعركِ مدفونْ .
زرعوا في دبره ذيلا طويلا وأقنعوه بأنه أسد ضرغام , ولكنهم شجّعوه أن يتسلّق الأشجار ويأكل الموز .
أول مرّة في حياتي أشعر بصعق البرق عندما صافحتْ يدي يدكِ وتعذّر عليّ سحبها , هل يستطيع الماء سحب نفسه من قبضة البحر العميق .
دحضتُ نظرية زحزحة القارات , وأيّدتُ اندماج قارتي جسدينا في واحدة .
في اللحظة التي كانت يد الإجرام تحطّم تماثيل حضارتنا , كانت كلّ عظمة في جسدي تتهشّمُ .
كنتُ جالسا على الساحل , فإذا بموجتكِ تزحف إليّ وتراجعتُ قليلا إلى الخلف , وإذا بها تخرج من البحر بساقين منتصبتين وراحتْ تطاردني , فانطلقتُ بأقصى سرعتي وإذا بها ترفرف فوقي بجناحين واستسلمتُ لها .
لا يفيد التحدّث إليكِ بلغة الحضارات القديمة ولا الحضارات الجديدة , ولا يفيد اختراع لغة أخرى , لذلك قررتُ التحدّث إليكِ بلغة الصمت .
قررتُ العودة إليكِ , أنا محتاج أن أعود إلى وجودي .
في حياتي الآن ثلاثة فصول , الصيف والخريف والشتاء , بفقدانكِ فقدتُ الربيع .
• * *
نينوس نيراري آذار – 29 - 2015