هل يمكن حل الاشكاليات القانونية بالوعود و المجاملات ...............؟
د.منى ياقو من المعلوم ، ان نصا قانونيا واحدا ، قد يكون قادرا على ممارسة الاجحاف بحق المئات من ابناء عوائل االاقليات الدينية ، كنص المادة 18 من قانون الاحوال الشخصية النافذ ، الذي يؤكد على ان " اسلام احد الزوجين قبل الآخر تابع لأحكام الشريعه في بقاء الزوجية او التفريق بين الزوجين " هذا النص الذي استند الى احكام الشريعة الاسلامية واهمل تماما شريعة الاقليات الدينية ذات العلاقة ، فبمجرد ان تشهر الزوجة اسلامها، يلحق بها كل اولادها غير البالغين ، و يخير زوجها بين الاسلام او التفريق ، و الحال نفسه يسري على الزوج ايضا ، وهنا اعتقد انه يحق لنا ان نسأل بعض الاسئلة من المشرع الكوردستاني ونتمنى ان يكون منصفا في اجابته :
1- ان كانت المرأة التي اشهرت اسلامها متزوجة ، و لكنها اسلمت للزواج برجل مسلم ، وقام القاضي بعرض الاسلام على زوجها لكنه رفض ، حينها سوف يقرر تفريق الزوجة عنه ، وبمجرد ان تنتهي عدتها يمكنها الزواج من الرجل المسلم الذي اختارته .
هنا نتسائل عن ارادة الزوج الاول في اقرار التفريق من عدمه ، و عن العقد الذي تم ابرامه وفقا للشريعه التي ينتمي اليها الزوج ؟ هل يُعقل ان تذهب كلها ادراج الرياح ؟ وان تصبح بلا قيمة في مقابلة شريعة اخرى ؟ ان كان هذا ممكنا ، فأين المساواة التي تتحدث عنها المادة 14 من دستور العراق النافذ ؟ وما هي آلية تطبيق المادة 41 من الدستور النافذ التي تنص على ان " العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية ، حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقدلتهم او اختياراتهم " ؟ وان كان الامر كذلك ،فنقترح اضافة فقرة اخرى الى النص ، لتضمن علو شريعة الاغلبية على شرائع المكونات الاخرى ، في كل الاحوال .
2- ان كان الدستور النافذ قد اكد في المادة 29 / اولا منه ان " الاسرة اساس المجتمع ، و تحافظ الدولة على كيانها و قيمها الدينية و الاخلاقية " ، فمن حقنا ان نسأل : كيف تحافظ الدولة على كيان الاسر التابعه للمكونات الصغيرة العدد ، وكيف تحمي قيمها الدينية ، في الحالات المشار اليها ؟
3- بينما يؤكد الدستور النافذ ، في المادة 37/ثانيا منه ، على ان " تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري و السياسي و الديني " ، فماذا بشأن الغاء ارادة عدة اشخاص ( نقصد الاولاد القاصرين ) في مقابل ترجيح ارادة شخص واحد ( الام او الاب ) ، لمجرد انه قرر تغيير ديانته ، الا يعتبر ذلك اكراها فكريا و دينيا يمارسه المجتمع بأسم القانون ؟
4- ان كانت المادة 106 من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 تنص على ان " سن الرشد هي ثماني عشرة سنة كاملة "وان كانت الاهليه تكتمل مع بلوغ سن الرشد ، فأننا نتسأل عن مدى قانونية تصرف من لم تكتمل اهليته ، بركن اساسِ من اركان حياته ، الا وهو الدين ، الذي يتم تغييره بمجرد قرار فردي يتخذه احد الابوين بتغيير ديانتهم ؟
وفي الاتجاه ذاته ، اكد قانون الاحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 ، في المادة 21/3 منه على ان " يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين " وعلى امين السجل المدني ، وفقا لهذا القانون ، تأشير ذلك في سجلاتهم المدنية دون علم القاصرين ، الذين غالبا ما يتفاجأون بالامر عند اقدامهم على الزواج او لدى قيامهم بتجديد بطاقات الاحوال المدنية .
و اسوء ما في الامر ، ان قضاء محكمة التمييز ، كان قد استقر لعقود عديدة ، على اعطاء الحق للفرد الذي اعتبر مسلما لأسلام احد والديه ، ان يطلب العودة الى الدين الذي كان عليه ، و ذلك بأن يقدم دعوى الى محكمة الاحوال الشخصية يطلب فيها العودة الى دينه السابق ( حكم محكمة التمييز المرقم 201 / هيئة عامة ثانية /1976 و المؤرخ في 25/12/1976 ) . ولكن محكمة التمييز ،وفي اطار عملها في عراق ما بعد 2003 ( عراق الديمقراطية و حقوق الانسان ) ، اصدرت حكمها المرقم 285 / شخصية اولى / 2008 المؤرخ في 31/12/2008 ، والذي منعت بموجبه رجوع المدعي الذي صار مسلما بالتبعية ، و اعتبرته بمثابة الردة التي منعها الاسلام و عاقب عليها ، رغم انه وحسب معلوماتنا المتواضعه ،فأن القاعدة الشرعية في الاسلام هي ان " لا اكراه في الدين " .
يا اعضاء السلطة التشريعية ، في اقليم كوردستان – العراق، الموقرون :
اهكذا تقرون المساواة بين مواطني الاقليم ؟ هل تقسموننا الى فئات بحسب معتقداتنا ، و تمنحوننا الحقوق بناء على الفئة التي ننتمي اليها ؟ أم ان ابناء الاقلية و الاغلبية متساوون مبدئيا ، ولكن بمجرد ان تكون مصالح و قيم الاغلبية في كفة و مصالح و قيم الاقلية في كفة ثانية ، فسنكون من الخاسرين ، لا محالة .
ان كان الشرع هو من يجب ان يخضع له القانون ، فلماذا لا يتم الاستفادة من النصوص الايجابية و الآراء المتنوره التي يطرحها بعض رجال الشريعة ، الذين هم نفسهم كان لهم الدور الاساس في تعديل النصوص الخاصة بالمرأة ، و نقصد بذلك رأي البروفسور الشرعي و القانوني الدكتور مصطفى الزلمي ،الذي يقول ان الدين
" لا يصح فيه التقليد و التبعية " و ان الولد و ان اكتسب تبعا دين الاسلام ، فأنه يعد مسلما و لكنه لا يعد بالضرورة مؤمنا ".
و يقول ايضا ، ان الولد القاصر لم يصبح مؤمنا لكي يعتبر مرتدا في حالة عدم استمراره على ذلك الدين ، و بالتالي فأن قول الرسول " من بدل دينه فأقتلوه " لا يشمل من اكتسب الدين و هو قاصر .
و يقول ، كما ان الطلاق لايكون الا بعد الزواج ، فكذلك لا تكون الردة الابعد الدين .و ان من الخطأ اكراه القاصر المسلم على بقائه على اسلامه المكتسب لسببين :-
أ- ان القرآن الكريم قد نهى عن الاكراه على الدين نهيا قطعيا ، "لا اكراه في الدين " – البقرة /256 –
ب- ان الاكراه ان استطاع ان يسيطر على جسد المسلم فلا يستطيع السيطرة على قلبه ، حيث من الممكن ان يصبح انسانا منافقا و هو اخطر من غير المسلم ظاهرا و باطنا .
من هذا المنطلق ، واستنادا الى الدستور النافذ ، ندعو برلمانيى شعبنا ، الى رفع اصواتهم عاليا دفاعا عن حقوق من انتخبوهم ، و ندعو السلطة التشريعية الى اعادة النظر في حقوق المكونات الدينية ، فشعارات المواطنه و الديمقراطيه و التعايش السلمي ، لا تفيدنا بشئ ، نحن بحاجة الى اثبات حسن النية و المصداقية الحقيقية المبنية على المساواة بين المواطنين ، ولا نريد اية مجاملة او تفضيل ، بل القدر الذي نستحقه و بالشكل الذي يحقق العدالة فقط .
ولن نطمئن لأي وعد يصدر من أي شخص ، فلن يحل القضايا القانونية العالقة ،بسبب نص قانوني نافذ ، الا بتشريع نص جديد او تعديل النص الموجود او الغائه ، و من اراد انصافنا فليساعدنا على تحقيق ذلك ، هذا هو الضمان الوحيد الذي يضمن منع التعسف .
ولأحقاق ذلك ، فأننا نقترح هذا المشروع ، الذي يعتبر اقراره نهاية لمرحلة من الاجحاف و اللامساواة دامت منذ عام 1959 ،و نتمنى ان يجد مقترحنا آذانا صاغية ، و اليكم نص المشروع :
قانون رقم ( ) لسنة 2015
قانون تعديل تطبيق قانون الاحوال الشخصية
رقم 65 لسنة 1972 في اقليم كوردستان – العراق
المادة (1) : يعدل تطبيق المادة (21 ) من قانون الاحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972 في اقليم كوردستان – العراق لتُقرأ على الوجه الآتي : " لا يستتبع تغيير احد الابوين ديانته تغيير ديانة اولاده القاصرين " .
المادة (2) : لا يُعمل بأي نص يتعارض و احكام هذا القانون .
المادة (3) : يُنفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ( وقائع كوردستان ) .
الاسباب الموجبة :
اخذا بقاعدة منع الاكراه في الدين ، و تطبيقا لمبادئ حرية الفكر و الضمير و العقيدة التي نصت عليها المادة (42) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 النافذ ، و ترسيخا لقيم التسامح و التعايش السلمي بين مكونات اقليم كوردستان – العراق ، و بالنظر لتعدد المكونات الدينية المتعايشة في الاقليم و التي تشترك معا في هذه المسألة ، فقد شُرع هذا القانون .