المحرر موضوع: سيفو ... حرب كانت أم إبادة؟!  (زيارة 845 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عماد هرمز

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 292
  • الجنس: ذكر
  • مترجم وكاتب وسياسي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سيفو...حرب كانت أم إبادة؟!
عماد هرمز - ملبورن

احيا العالم بأسره في هذا العام وبشراكة مع الأرمن في العالم اجمع بالذكرى المئوية لمذابح "سيفو" 1915-2015 في يوم 24 نيسان / أبريل. المذبحة التي اقترفتها الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين بحق الأرمن ثم الاشوريون والكلدان والسريان واليونانيين. المذبحة التي يقدر عدد ضحاياها بأكثر من مليون ونصف ارمني وما يقارب 300 الف كلداني سرياني أشوري والتي لازالت مشاهدها الفظيعة تدمع العيون وتدمي القلوب مع ذلك ترفض تركيا، وريثة الدولة العثمانية، الاعتراف بتلك المجازر معتبرة إياها جزء من ما خلفته الحرب العالمية الأولى. لكن العالم بأسرة قد اجمع على أن ما قامت به السلطات العثمانية لم يكن سوى "إبادة جماعية" بحق شعب طالب بإقرار حق مصيره. واستضافت عاصمة ارمينا، بريفان، وفود أكثر من 60 دولة جاءت لتعبر عن دعمها ومساندتها لما تبقى من شعب الأرمن الذي استطاع رغم الكارثة البشرية والمجزرة والجريمة النكراء التي ارتكبت بحقه على أيدي العثمانيين من بناء دولته.

لم تكن كلمة "إبادة جماعية" موجودة في وقتها لغاية عام 1943. فالشخص الذي اخترع كلمة "إبادة جماعية" وهو رافائيل ليمكن، كان محامي من أصل يهودي بولندي، تم توكيل له مهمة التحقيق في محاولات إقصاء شعب بكامله من خلال احداث مجزرة الأرمن. لم يستخدم في بحوثه كلمة "إبادة جماعية" لحين تطرقه إلى موضوع "الألمان النازيين" واليهود في كتاب نشره ذلك العام تحت عنوان “Axis Rule in Occupied Europe” وفيه ظهرت كلمة Genocide "إبادة جماعية".

كانت الكثير من دول العالم ترفض استخدام كلمة "إبادة جماعية Genocide" لكيلا تغضب تركيا لكن هذه السنة شهدت اعتراف عدد من الدول، وصل عددها إلى عشرين دولة، بأن ما قامت به الحكومة العثمانية آنذاك كان بالفعل "إبادة جماعية" وعلى رأس الذين اعترفوا بذلك هذه السنة كان قداسة البابا فرنسيس الذي استخدم كلمة "إبادة جماعية" في احدى القداديس في مدينة الفاتيكان مما اغضب الحكومة التركية ووعدت بالرد بلهجة قاسية. لم تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بهذه المجزرة إلا مؤخرا. ففي عام 2010 صوت البرلمان الأمريكي على استخدام كلمة "إبادة جماعية" على مذابح الأرمن.  وفي هذه السنة انضمت العديد من دول العالم منها المانيا للاعتراف بأن ما قامت به الدولة العثمانية بحق الأرمن كان "إبادة جماعية".

مذبحة الأرمن لم تكن وليدة اللحظة بل كانت نتيجة لحاصل التطورات التي كانت تحصل في المنطقة. ففي القرن التاسع عشر كانت قيادة الدولة العثمانية في ارتباك شديد بسبب ما كان يحصل وقتها في الدول المجاورة لتركيا. السلطان عبد الحميد الثاني في نهاية القرن التاسع عشر أصبح مهوسا بفكرة الولاء للدولة العثمانية فأصبح يطالب الدول المجاورة بإعلان الوفاء للدولة العثمانية خصوصا بعد الانهيار الذي حصل في الإمبراطورية العثمانية وانفصال العديد من الدول ونيلها لاستقلالها خصوصا في منطقة البلقان حيث نالت العديد من الدول استقالاتها. لم يختلف الأرمن عن غيرهم من الدول التي نالت استقلالها. فاستقلال الدولة شجع الأرمن على التفكير في المطالبة بالحصول على استقلالهم من الإمبراطورية العثمانية. لم ترغب الدولة العثمانية بمنح الاستقلال للأرمن فجاءت الحرب العالمية الأولى وتدخل الروس، الدولة الجارة، في الحرب كفرصة لهم لتعزيز موقفهم ونيل استقلالهم بمساعدة الروس.    كل هذا زرع الشك والعداء في الإمبراطورية العثمانية تجاه الأرمن.  عبد الحميد الثاني وعد بوضع حد للأرمن وبالفعل باشر بمجازر ضدهم لكن على مقياس صغير. لكن بعد القضاء على السلطان عبد الحميد الثاني على يد جماعية "تركيا الفتاة" تنفس الأرمن وغيرهم الصعداء ظانين بأنها جماعة أكثر متحضرة وقد يكون التخاطب معها أكثر سهولة. إلا أنه تبين لاحقا بأن هذه الجماعة كانت متطرفة في تركيتها وعثمانيتها وكانت تنشد إلى "اتركة" المنطقة بأكملها وإخضاع الكل لسيطرتها التامة. وهكذا أصبح الأرمن في وضع اشد حرج وأكثر خطورة. وبالفعل ما حصل بعدها كان كارثة إنسانية.

وبحسب ما طرحه الباحث دايفد فرومكن في كتابه عن تاريخ الحرب العالمية الأولى وما تلاها بأن "الاغتصاب والضرب كانا شائعان. أولئك الذين لم يتم قتلهم تم ترحيلهم نحو الجبال والصحاري من غير مأكل أو مشرب أو مأوى. مئات الألوف من الأرمن أما استسلم للموت أو قتلوا".

بالطبع لازالت تركيا ترفض الاعتراف بأن ما قام به اسلافهم من العثمانيون كانت مجزرة بشرية تهدف إلى إبادة شعب بأكمله. تركيا على علم كبير بأن الاعتراف بكذا جريمة له توابعه المالية والقانونية. حيث سيتطلب إعادة الأراضي للأرمن وكذلك دفع تعويضات مالية كبيرة للضحايا على ما قام به اسلافهم العثمانيون. كذلك ترفض تركيا اعتبار احداث سيفو في عام 1915، وما حصل أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، على أنها إبادة جماعية على اعتبار بأن ما قامت به القوات العثمانية كان يهدف إلى الوقوف في وجه مجموعة من الأرمن الانفصاليين في منطقة القوقاز الذين كانوا يساندون القوات الروسية في حربهم مع الدولة العثمانية وبالتالي فأن قرار الإمبراطورية العثمانية بإزالتهم من تركيا قسرا كان الهدف منه هو طرد الخونة الأرمن المسيحيين الذين كانوا يحاولون مساعدة العدو المسيحي الروسي. وعليه يردد الأتراك هذه الأيام بأن ما قام به اسلافهم ضد الأرمن كان رد فعل وليس فعل ويجب اعتبار هذه كجزء من فعاليات حرب بين الأطراف المتنازعة وبالتأكيد أثناء الحرب تذهب ضحايا كبيرة من غير العسكريين.

لكن بشاعة ما قامت به القوات العثمانية ضد الشعب الأرمني فاق رد فعل دولة ضد مجموعة من المتمردين. فإذا كانت الدولة العثمانية جادة في الحفاظ على الأرمن وإبقاءهم في أراضيهم كان بإمكانها ارسال قواتها إلى المناطق المتمردة من الأرمن واستخدام الجيش العثماني الذي كان يضمن في صفوفه الالاف من الأرمن لكي يقضوا على التمرد والعصيان. لكن الذي حصل هو قيام الدولة العثمانية بتجريد الجنود والقادة الأرمن من مسؤولياتهم واعدام الكثير منهم وتوجيه الجيش العثماني في حملة إبادة جماعية للشعب الأرمني بأكمله حتى في المناطق البعيدة عن الحدود المتاخمة مع روسيا. فهاجم العثمانيون الأرمن في قرارهم ومدنهم واجبروهم قسرا (رجالا ونساء واطفالا وشيوخا) على الرحيل إلى مناطق بدون ماء أو اكل إلى صحراء سوريا والعراق إلى مصيرهم المحتوم الموت جوعا وعطشا وبالفعل مات اغلبية الذي رُحلوا عن أراضيهم ليصل العدد الكلي من ضحايا الأرمن إلى مليون ونصف.

الأرمن يدافعون عن أنفسهم في القول بأن الشعب الأرمني كان، ولا يزال بشكل حصري،  يقطن منطقة القوقاز الأسيواوربية لما يقارب الثلاثة الألاف عام. كانت مملكة أرمينا مستقلة حيث اعتنقت ارمينا الديانة المسيحية في القرن الرابع الميلادي. في القرن الخامس عشر تم احتواء أرمينا لتكون تابعة للإمبراطورية العثمانية. منذ وقتها وأرمينيا المسيحية خاضعة لسيطرة الإمبراطورية العثمانية المسلمة المتشددة. ويبرر الأرمن بأن ما قام به الأرمن المتطوعون وقتها كان يهدف إلى المطالبة بحقهم في تقرير المصير، في الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية المسلمة التي كانت تتبع وتطبق نظام الخلافة الإسلامية والشريعة الإسلامية في حكمها وعليه كانت تعامل الأرمن بالسوء لأنهم كانوا مسيحيون وكانت الدولة العثمانية تفرض على الأرمن دفع الجزية وغيرها من الاعتداءات التي ارتكبت بحقهم. 

 ما حصل للأرمن والكلدان والسريان والأشوريين لم يكن مجرد مخلفات حرب في ظروف عصيبة ولم يكن رد فعل لعصيان محصور في منطقة صغيرة بل كان فرصة استغلها العثمانيون لتدمير شعب بأكمله وكل الأدلة تشير إلى أن التهجير من المناطق والمدن الأرمنية كانت تهجير قسري لدرجة الطرد من ديارهم وإبادة منظمة نظامية قامت بها جماعة "تركيا الفتية" خصوصا من خلال فرق الموت التي تشكلت خصيصا لاستهداف الأرمن المهجرين. 

على تركيا الاعتراف بهذه الإبادة وإنكارها لا يزيد إلا من الجرح عمقا. على تركيا تقديم التعويضات لكل الضحايا الموتى منهم والأحياء. على تركيا الاعتذار رسميا من الشعب الأرمني والكلداني والسرياني والأشوري على الجرائم التي اقترفت بحقهم على ايدي الدولة العثمانية على غرار ما فعلت استراليا باعتذارها من السكان الأصليين الأستراليين.