مشروع الغاء كوتا الأقليات في برلمان اقليم كردستان
ما بين
صراعات الأحزاب الكردية ولسعات الخوري عمانوئيل يوخنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شمائيل دانيالبحسب " المدى برس " ان كتلتا الإتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير قدمتا مشروع قانون الى برلمان اقليم كردستان تطالبه بإلغاء مقاعد كوتا الأقليات ، وبحسب نفس الوكالة فأن المشروع قد تم رفضه من قبل كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وذلك من خلال بيان اصدره الحزب واطلعنا عليه في موقع عنكاوا كوم ايضا. والمهتمون بالشأن، الكردي في الأقليم يدركون تماما بأن هناك جانب خفي متعلق بمشروع الغاء كوتا الأقليات ، له علاقة بالصراع القائم على السلطة والمال والنفوذ بين الحزبين الكرديين الرئيسين في الأقليم ( الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني) ضمن معادلة القوى والصراع والندية الأستراتيجية التي لم تتوقف منذ ان انشق السيد جلال الطالباني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني واسس له حزب ، ولحد يومنا هذا ، وصلت في بعض الفترات الى حد الأقتتال .
امافيما يخص الجانب الآخر المتعلق بإرادة امتنا ( الكلدان والآشوريين والسريان) في الأقليم واساليب التعبير عن تلك الإرادة ضمن كوتا المكونات الغير كردية ، فلو ان عملية تقديم مشروع الإلغاء قد صدر عن احد النواب المستقلين في البرلمان،لكان بالإمكان النظر اليها كونها نزوة فكرية او ان المسكين قد مسته شطحة من شطحات التعصب تجاه المكونات الغير كردية في الأقليم ، ولا ضرر من ان يمارس حقه في التعبير عن رأيه بحرية تحت قبة البرلمان . لكن خطورة الأمر تكمن في ان ما حصل وفي وضح النهار ومن قبل كتلتين كرديتين كبيرتين ( الإتحاد الوطني الكردستاني والتغيير ) التي يبدو انهما اختلفتا حول كل القضايا ، الا في قضية الموقف من حقوق المكونات الغير كردية في الأقليم . والمصيبة هنا هي اننا لو جمعنا اعداد انصار هاتين الكتلتين ومؤيديهما ، ناهيك عن مواقف كتل برلمانية كردية اخرى معروفة بمواقفها المسبقة من الأقليات الغير مسلمة ، وتستخدم التقية في الإعلان عن مواقفها ، لخرجنا بنتيجة كارثية ، مفادها ، ان المشروع لو عرض للتصويت او للإستفتاء الشعبي لحصل على اغلبية مريحة لتمريره . وهنا من حقنا ان نتسائل ، لماذا لم يكن المشروع المقترح من قبل الكتلتين بإتجاه اصلاح نظام الكوتا والأسس المتهرئة التي يقوم عليها، لإظهار حسن النوايا تجاه المكونات اولا ، ولإحراج الحزب الديمقراطي الكردستاني ثانيا ، وبالتالي فإن نتائجه تصب لصالح كل المكونات وبإتجاه تعزيز الديمقراطية الفتية في الأقليم ، ومن هنا يبرز السؤال الأهم ، هل حقا لنا نحن الكلدان والآشوريين والسريان مع بقية المكونات في اقليم كردستان شركاء في الأقليم ؟ ومن هم؟
في المقابل برر الحزب الديمقراطي الكردستاني رفضه للمشروع المقترح ، بجملة من الأسباب ، سننقلها بين علامتي تنصيص ، حيث ورد في البيان
" ان هذه المكونات ناضلت في كردستان ولها عشرات المواقف التاريخية فضلا عن تعرضها للإعتداءات من البعث والمليشيات وداعش " ويضيف البيان في مكان
آخر " قدموا ( ويقصد تلك المكونات) عشرات المواقف والحركات التحررية للمجتمع الكردستاني وامتزجت دماء الشهداء جميعهم في جبهة واحدة في طريق النضال وفي مختلف المراحل ومن اجل الحقوق الطبيعية في المجالات السياسية والتاريخية والمجتمعية " ، كما ورد في البيان ايضا
" لم يتراجعوا في اي مرحلة من مراحل النضال في سبيل حـــــرية كردستان ، وناضلوا في النور وفي سبيل هذا الوطن قدموا التضحيات الكثيرة ". والسؤال الذي نطرحه وبكل تواضع هو ، هل كان مستوى تحمل الحزب الديمقراطي الكردستاني لمسؤولياته تجاه هذه المكونات بمستوى كل تلك التضحيات التي جاء البيان على ذكر جزء صغير منها فقط ؟ لأن الواقع على الأرض يشي بحقائق مغايرة لما يصفه البيان بـ
" التعايش والسلام بين جميع المكونات " ، إذ لا ندري عن اي تعايش يتحدث قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني عندما تكون هناك اكثر من خمسين قرية وممتلكات واراضي شاسعة تعود للمكون الكلداني والآشوري والسرياني والذي يعتبر الثاني في الأقليم بعد الأكراد ،قد تمت مصادرتها من قبل حكومة الأقليم بدون وجه حق دستوري ، او ما زالت محتلة من قبل آغوات مقربين من قيادة الحزب . وسأكتفي بهذا التجاوز على التعايش بين المكونات دون الغوص في تجاوزات اخرى لأن المقال لا يتسع لكل تلك التفاصيل المؤلمة .
للتأكد من حقيقة النوايا حول ما جاء في البيان ، وليكون نقدنا موضوعيا ، علينا اولا ان نضع القارئ امام الوقائع وضمن سياقاتها الصحيحة واطارها الحقيقي وليس الإطار الذي تم تلبيسه على الأحداث قسرا من خلال توظيفات المال السياسي المعروفة للكل ، وهذا يتطلب بطبيعة الحال ، تفكيك تلك الوقائع وربطها بما ادت مقدماتها واصولها الى نتائجها الحالية ، وللمزيد من التوضيح وللإختصار ، سأستعين بعبقرية تشارلي تشابلن ، واجلس مع القارئ اللبيب لنشاهد معا فلم الطفل " The Kid " الذي انتجه واخرجه بنفسه عام 1921 ، ونراقب معا تلك الحركات الإيمائية العبقرية التي كانت تغرقنا في الضحك ولم نكن نفهم دوافعها ونحن صغار ، خصوصا في المشهد الذي يحاكي واقع امتنا وما يجري لها اليوم .... فكل ما على الطفل القيام به بحسب السيناريو المتفق عليه في الفلم هو ان يرمي نافذة احد البيوت بحجارة ، ليكسرها ويختفي عن الأنظار ، وكرد فعل طبيعي متوقع ، يهرع صاحب الدار الى الخارج ليمسك بالفاعل او يلاحقه ، لكن خروجه يتصادف مع مرور تشارلي تشابلن من امام الدار وهو يحمل عدة اصلاح زجاج النافذه ، وهكذا يتكرر المشهد ، وفي كل مرة تضطر
الضحية للتعامل مع نتائج ما حدث ، بعد ان تحول تشارلي تشابلن في عين ضحاياه من جاني ساهم في كسر زجاج نوافذها ليدخل الى الدار ما هب ودب ، الى صاحب افضال ومنقذ لهم في لحظة ضيق .
المتابع المهتم ، سيلاحظ تطبيقات هذا المشهد تتكرر في حياة امتنا ، في تعامل الأحزاب الكردية مع قضية وجودنا على ارض الأباء في العراق ومنذ عام 2003 ولحد يومنا هذا ، افظعها كان حين انسحبت قوات البيشمركة من الموصل وسهل نينوى وبأمر من حكومة اقليم كردستان تاركة مصيرهم تحت رحمة داعش ، ثم فتحت ابواب حدود الأقليم وجعلتها مشرعة امام النازحين ، ليتسنى لها نقل صورة انسانية الى المجتمع الدولي ، ممزوجة بما تناقلته وكالات الأنباء عن فضائع داعش في الموصل وسهل نينوى وليبدو المشهد وكأن حكومة الأقليم هي التي انقذتهم من كوارث محققة ، ولكن حين نعود بالذاكرة قليلا الى الفترة منذ 2006 وما تلاها ، سنرى الجهود الحثيثة والأموال الطائلة التي صرفها الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبيل افشال الجهود التي تحاول تمكين ابناء منطقة سهل نينوى من الإنخراط في القوات العراقية للدفاع عن نفسها ومناطقها وممتلكاتها من اي اعتداء خارجي والتي كان بالإمكان ان يتكرر معها مشهد ما حدث في آمرلي وحديثة وغيرها من البلدات العراقية التي واجه ابنائها عصابات داعش ، ومن اجل ذر الرماد في العيون ، اقتصرت عملية التسليح على حمايات دور العبادة الذين كانت تدفع رواتبهم من قبل حكومة الأقليم ... وهنا تحضرني صورة لمطران جليل ، وهو يمسح دموعه ، ويشكر حكومة اقليم كردستان التي لولاها لكان الوضع اخذ مسارات اكثر مأساوية ، وهو محق في ذلك وتعاطفت معه، ولكن كان في القلب غصة اكبر من كل آلامه ... وهناك الكثير من الأمثلة التي على شاكلتها والتي تمتلئ بها فترة ما بعد 2003، وآخرها كان الصمت الإعلامي المطبق الذي ساد مؤسساتنا ازاء مشروع الغاء كوتا الأقليات ، والذي فسح المجال امام الحزب الديمقراطي الكردستاني ليقفز الى الواجهة ويعلن من خلال بيانه بأنه يرفض مشروع كوتا الأقليات ، ليتحول امام المجتمع الدولي الى راع وحيد لمصالح الأقليات وحقوقها الدستورية ، في حين لو انه كان فعلا حريص على الحقوق الدستورية لبقية المكونات ، لقام وبالتعاون مع بقية الكتل البرلمانية بإصلاح نظام الكوتا ، والأسس التي بنى عليها بحيث تكون نتائجه لصالح الأقليات وبإتجاه تعزيز الديمقراطية الناشئة في الأقليم ( وابوك الله يرحمه ) كما يقول العراقيون ، بدلا من عمليات الإلتفاف على ارادة الناخبين وشراء اصواتهم .. ولكن القضية كلها معنية بالرسالة التي يريد الحزب الديمقراطي الكردستاني ايصالها الى الغرب طالما ان عيون هذا الغرب مشرعة نحو المنطقة ، ليحصل ـ اي الحزب الديمقراطي الكردستاني ـ على دعم دولي كبير وضمان دور في الوسطين السياسي والديني عالميا ، وكما ورد في مضمون البيان ، ولا ندري كيف ستتعامل الأحزاب الكردية مع المكونات عندما يولي الغرب وجهه عن المنطقة ، بعد زوال خطر الإرهاب .. مجرد سؤال .
وبين من يريد ان يلغي ارادتنا ومن يكتفي بإختراقها وتسخيرها لصالحه ، يطل علينا الخوري عمانوئيل يوخنا ، ليتجاوز كعادته حدود مهنته الكهنوتية ويتدخل في السياسة ، وليلقي علينا موعظته البائسة عن حالة الفوبيا التي تعيشها امتنا تجاه الآخر ويقصد بالآخر هو الطرف الكردي .حيث جاء في القسم الثاني من مقاله " البطريركية قبل البطريرك " ما يلي
" ولسنا نكشف او نعلن سرا ان شعبنا يعيش حالة فوبيا تجاه الآخر من شركاءه في الوطن ، واذا كان جزء من الفوبيا نتاج تراكمات وذاكرة جمعية تاريخية ، فأن القسم الفاعل فيها والذي يغذيها ويديمها يؤججها هو المصالح الحزبية والشخصية الضيقة وتحالفاات (تبعيات) من هم في مركز صنع القرار لشعبنا بما يمتلكوه من مؤسسات تابعة ومؤثرة في صناعة وتوجيه الرأي العام لشعبنا" . والسؤال الأول الذي يتبادر الى ذهني وذهن مئات الالاف ليطرح على الخوري عمانوئيل يوخنا هو ، هل توجد مذبحة ارتكبت ضد امتنا خلال الـ (150) عاما الماضية والى يومنا هذا ولم يشارك فيها الأكراد وبفعالية ؟ مجرد سؤال . وهل يريدنا الخوري ان ننسى دماء مئات الالاف من شهدائنا ،ام يريدنا ان نكتب التاريخ مرتين ، مرة كما حدثت احداثه ومرة مثلما تتطلب مصالحه ومصالح الذين على شاكلته... ولماذا لم نقرأ له سطر واحد ينتتقد فيه "الفوبيا الكردية" تجاه شركائهم في الوطن رغم كل المكاسب التي حصلوا عليها .. اليست معظم المكاسب التي حصل عليها الأكراد في الدستور العراقي بعد 2003 هي نتيجة " الفوبيا المفرطة " التي ابدوها تجاه ما حدث في حلبجة والأنفال بحجة ضمان عدم تكرارها،وجعلوها مسمار جحا يعلقون عليها كل ادوات الضغط على واضعي الدستور ، والتي بالنتيجة انتجت الوضع الأداري الخاص بالأكراد فيما يسمى بأقليم كردستان وصلاحياته ، فلماذا ( يا حظي ) كما يقول العراقيون ، حلال عليهم وحرام على الآخرين .
للخوري عمانوئيل يوخنا نقول ، الأمم التي تريد ان يكون لها مكان تحت الشمس مع الأمم الأخرى ، لا تستجدي الشراكة مع الآخرين بل تكسبه بنضالها وصبرها وصمودها ، ونحن كأمة قادرون على ذلك وهذا موضوع آخر والدخول في تفاصيله له الآمه ومراراته ، ولكني سأكتفي بأن اضرب له مثالا يختصر كل ما اريد ان ارد من خلاله عليه وعلى من يفكر بطريقته حول ما ورد ضمن مقاله بخصوص " الفوبيا والشراكة والتاريخ " ففي تشرين الأول 2009 وفي لحظة اعتبرها المراقبون لحظة تاريخية في العلاقات بين البلدين ، وقع في مدينة زيوريخ السويسرية بين الحكومتين التركية والأرمينية على بروتوكولين من اجل اعادة تأسيس العلاقات الدلوماسية وتطويرها بين البلدين ، وضمن ما جاء في الإتفاقية
" اجراء دراسة علمية محايدة للمراجع التاريخية والأرشيفات ، من اجل بناء الثقة المتبادلة وحل المشاكل الراهنة ، فضلا عن الأعتراف المتبادل بحدود البلدين وفتح الحدود المشتركة " اضافة الى التعاون في كل المجالات وتطبيع العلاقات بين البلدين .. وبالطريقة التي يفكر بها الخوري يوخنا ومن هم على شاكلته ، فمن المفروض ان تتوسل ارمينيا الفقيرة لإتمام الأتفاق لأنه سيغدق عليها الأموال من كل حدب وصوب ، ولكن المحكمة الدستورية الأرمينية ( بإعتبارها المرجع الأساسي والأخير الذي يبت في القرارات المصيرية للدولة الأرمينية ) حكمت ان البروتوكولين لا يتماشيان مع نص الدستور وروحه وبررت قرارها بإعلان الأستقلال الذي ينص على مواصلة الجهود من اجل القبول بالإبادة الجماعية في الساحة الدولية والذي يعتبر شرق تركيا جزء من الوطن الأرميني ، ولم تتم المصادقة على البروتوكولين ثم تم سحبهما من اجندة البرلمان .
خلاصة الكلام .. قدرنا نحن الكلدان والآشوريين والسريان كأمة ، هو ان نعيش مع الأخوة الأكراد ، وهي ارض ابائنا واجدادنا قبل ان تكون لغيرنا ، ولكن علينا ان نفهم ان ليس بمقدورنا ان نغير مجرى التاريخ كما تدفق عبر القرون او اعادة ترتيب احداثه وفق ما يلائمنا اليوم ، بل علينا ان نتفق جميعا حول كيفية التعامل مع القادم . فالأمم الحية حينما تواجه كوارث كالتي عصفت بنا في حزيران 2014 في الموصل وسهل نينوى وما جرته علينا من تأثيرات اجتماعية واقتصادية ونفسية ، تقسم تاريخها الى ما قبل الكارثة وتاريخ ما بعد الكارثة ، واليوم قضيتنا الأساسية هي اما ان نصنع تاريخنا واما ان يصنعه لنا الآخرون وفق المقاسات التي تلائمهم . وحان الوقت لتكون لنا مرجعية نحتكم اليها في القرارات المصيرية وكما تفعل كل الشعوب التي تريد ان تزيل كلمة "المفاجأة" من قواميسها ، وهذا كله من جانبنا يتطلب تجديد الخطابين السياسي والإعلامي ، ويتطلب ايضا ، ان نجلس معا ولا نستثني احدا ، ونطرح السؤال الجوهري " ما الذي سار على نحو خاطئ في فترة ما قبل حزيران 2014 ؟" وانا متأكد بأننا سنجد الكثير .. ومتأكد ايضا بأننا قادرون ان ننجز الكثير ..
قبل فوات الأوان .