هل وعدت بريطانيا الآشوريين بكيان قومي مستقل ؟؟
------------------------------
أبرم شبيرا
مختصر في الديموقراطية والمصلحة القومية:--------------------------
في الموضوع السابق عن (الديموقراطية في العقلية وليست على الأوراق) أثيرت بعض التساولات والإنتقادات اللطيفة والمحفزة للبحث والمراجعة والكتابة أكثر فأكثر، خاصة من صديق العمر المخضرم المهندس خوشابا سولاقا الذي يصاحبني ويلاحقني منذ أيام نشأتنا على الفكر القومي الآشوري الأصيل في أزقة منطقة تل محمد في نهاية الستينيات من القرن الماضي ومن ثم في النادي الثقافي الآثوري في بغداد وحتى يومنا هذا وعلى صفحات موقعنا الموقر عنكاوة دوت كوم خاصة عن موضوع الديموقراطية وكيفية فهمها وممارستها وبيان الإختلافات الكبيرة جداً بين المجتمعات المتقدمة سياسياً وإجتماعية وإقتصادياً وغيرها المتخلفة في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الدول العربية ومنها العراق التي وردت في الموضوع السابق والتي يستوجبها بعض الزيادة والتفصيل.
الديموقراطية منهج للحياة، بل الأصح منهج لمارسة الحياة على مختلف الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية والثقافية وعلى كل مناحي حياة المجتمع. وعندما نتحدث عن المجتمع فهذا يعني مجتمع دولة أو بلد أو وطن معين، أي مجتمع إقليم معين وحكومة معينة ونظام سياسي لبلد معين. فالديموقراطية بالفكر والممارسة هي نظام داخلي لدولة لا علاقة لها بالنظام الدولي أو العلاقات الدولية. لهذا نرى بأن أعرق الدول الديموقراطية كبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا كانت أكثر الدول إستعمارية ومضطهدة لشعوب والبلدان التي أستعمرتها وإستغلتها من إجل مصالحها الوطنية، فلا ديموقراطية في السياسية الخارجية والعلاقات الدولية. هل إحتكار حق الفيتو للدول الكبار الخمس، على سبيل المثال لا الحصر، في مجلس الأمن للأمم المتحدة هو أسلوب ديموقراطي أم حالة فرضها الواقع السياسي الدولي للدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وذلك لضمان الأمن والسلام الدوليين طبقاً لمصالحهم الخاصة؟ فعلى المستوى الدولي هناك أنظمة تحكمها مبادئ وتشريعات "إنسانية" كحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها والتحرر من الظلم والإستبداد والمساواة بين الدول وغيرها من المفاهيم الإنسانية وهي في أغلب الأحيان توصيات تصدرها المنظمات الدولية والإقليمية لا يكون لها إلزام قانوني غير لبعض الدول المتحضرة في هذا العصر التي أقرت وصادقت عليها وألزمت نفسها بها بقانون داخلي كما هو الحال مع مجموعة الإتحاد الأوربي.
عندما تتقاطع المصالح الوطنية مع المبادئ الإنسانية والتشريعات أو التوصيات الدولية فأن الغلبة دائماً وأبداً هي للمصالح الوطنية وهذا ما أثبته التاريخ والحاضر. لهذا قيل بأن السياسة برمتها هي المصلحة. من هذا المنطلق نقول بأنه لا وجود للديموقراطية إطلاقاً في السياسية الدولية سواء من حيث المبدأ أو الممارسة وأن السياسة الخارجية هي إمتداد للسياسة الداخلية ولا يمكن إطلاقاً لصانع القرار السياسي أن يسلك سلوك منافي أو لا يتطابق مع المصلحة الوطنية. واليوم كما في الماضي، أمثلة كثيرة في هذا السياق. ففي الوقت الذي يتمشدق الكثير من الدول الكبرى ذات الأنظمة الديموقراطية بمبادئ حقوق الإنسان وحرية الشعوب في تقرير مصيرها نرى من جانب آخر، جانب مصلحتها الوطنية، تهين هذه الحقوق وتستبد الشعوب وتسحق حركاتها التحررية وهو السلوك الذي عرف بـ "الإزدواجية في السياسة". جاءت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفاءها إلى العراق لإزاحة النظام الدكتاتوري وإحلال محله نظام ديموقراطي ولكن طبقاً لمصالحها الوطنية خلقت الفتنة وعدم الإستقرار وبلاد بلا جيش ولا حدود. ففي الوقت الذي تحارب الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الديموقراطية أنظمة الحكم الفردي والدكتاتوري والعنصري نرى من جانب آخر تدعم وتتحالف مع أنظمة أخرى ذات نظام فردي ودكتاتوري وعنصري لأن مصالحها الوطنية تقضي بذلك. فالأمثلة في زمن الماضي والحاضر كثيرة في هذا السياق ومعروفة للقارئ اللبيب ولا داعي لسردها. من هذا المنطلق سوف نعرف كيف تعاملت بريطانيا، معقل الديموقراطية والحرية، مع القضية الآشورية في الربع الأول من القرن الماضي.
وعود بريطانيا للآشوريين ... كيف نفهمها؟------------------------
الأدب السياسي العراقي إبتداءا من الثلث الأول من القرن الماضي فصاعداً حول المسألة الآشورية التي طغت على السطح السياسي في تلك المرحلة مليء بالكتب والدراسة والبحوث والتقارير تؤكد أعطاء بريطانيا وعود للآشوريين بتاسيس كيان قومي مستقل لهم. ولو حاولنا البحث في الخلفيات الفكرية لهذه البحوث والكتب نرى بأن في معظمها جاءت لتضيف أضافات أخرى من التهم الموجهة إلى الآشوريين مثل الخيانة والتعاون مع الأجنبي والإرتماء في أحضان الإستعمار البريطاني وتعريض الوطن إلى المخاطرة وتهديد أمنه وسلامته وعن طريق محاولاتهم تأسيس دولة آشورية لهم في شمال العراق وبمساعدة بريطانيا. ومن الملاحظ أيضا بأن بعض الكتاب والمثقفين الآشوريين ينحون نفس المنحى في الآشارة إلى هذه الوعود البريطانية وعن كيفية نكوث بريطانية عنها وخيانتها للآشوريين وتركهم بدون حول ولا قوة بعد تأسيس دولة العراق وذلك بهدف رش الحبر في وجه بريطانيا وإلقاء لوم الفشل، كل الفشل، عليها من دون إلقاء اللوم، ولو القليل منه، على الآشوريون وقيادتهم.
لا شك فيه أن بريطانيا أعطت لبعض قادة الآشوريين في تلك الفترة وعود بضمان حقوقهم أو أقامة كيان قومي لهم أو أعادة الآشوريين الحيكاريين إلى موطنهم الأصلي في حيكاري وأشهر هذه الوعود هو الوعد الذي أعطاه الكابتن غريسي من المخابرات البريطانية في نهاية عام 1917 إلى القادة الآشوريين في إجتماع مع غيره من ممثلي الدول الأجنبية كروسيا وفرنسا. وهناك العديد مثل هذا الوعد صدرت من شخصيات بريطانية حكومية وكنسية ذكر الكثير منها في كتاب (مأساة الآشوريين – The Assyrian Tragedy) صدر في عام 1934 رغم أن أسم المؤلف مجهول إلا أنه من المؤكد هو البطريرك الراحل مار إيشاي شمعون، وجميعها تنحو نفس المنحى الذي ذهب إليه الكابتن غريسي. وعندما نتمعن النظر في هذه الوعود ونحللها من الناحية القانونية نرى بأن جميعها صدرت من شخصيات لم تكن فعلاً قانونياً ولا رسمياً مخولة بإعطاء مثل هذه الوعود كما أنها كانت في معظمها شفهية غير مكتوبة وموقعة من قبل الطرفين ومختومة بالختم الرسمي لهما كما هو معتاد في المواثيق الدولية. هذا ناهيك عن الشخصيات التي وعدت بهذه الوعود والنوايا الخفية والحقيقية التي أعطيت من أجلها. فالشخصيات السياسية، مثل الكابتن غريسي وهو رجل مخابراتي يعمل في ظروف حرجة وغير مستقرة يسودها الحرب والعدواة بين شعوب المنطقة وما يتطلبه من تحالفات وتوازنات بين القوى المتحاربة سوف تكون أساليب عمله مثل أساليب عمل أي رجل مخابراتي قائمة على المناورة والتملق والإغراءات وحتى الخداع والحيل والكذب ووعود فارغة غير ملزمة من أجل كسب حلفاء إلى جانبه وإخلاله بموازين القوى لصالحه خاصة لدولة مثل بريطانيا في تلك الفترة وفي تلك المنطقة، شمال شرقي أيران وجنوب شرقي تركيا، التي كانت ساحة حرب جديدة لبريطانيا تسعى أن تكون اللاعب الأساسي فيها لتحقيق مصلحتها الوطنية الخاصة التي كانت الهدف الرئيسي أو الغاية الأساسية لغريسي وغيره من أعطاء مثل هذه الوعود الفارغة ولم يكن هدفه الحقيقي مساعدة الآشوريين لتأسيس كيان قومي خاصة بهم. والحال لم يكن يختلف بالنسبة للوعود الصادرة من رجال الكنيسة الإنكليكانية في بريطانيا إلا من حيث الأسلوب القائم على التعاطف مع الوضع المأساوي للآشوريين وخاصة على كنيستهم المشرقية ليس حباً بهم وإهتمامهم بأقدم كنيسة في العالم ولا إيماناً بالمسيح بل تشجيعاً لهم للوقوف بوجة المبشرين اللاتين وعدم الإرتماء في أحضان المجموعة الكاثوليكية أو الحيولة دون الميل إلى الأرثوذكسية الروسية وإلى روسيا بالذات.
الصفة الإلزامية القانونية والإخلاقية للوعود البريطانية:--------------------------------
مركز الوثائق العامة، وبالإنكليزية: (Public Records Office) البريطاني الكائن في منطقة كيوي في لندن، يعتبر أعظم مركز للوثائق الرسمية البريطانية وفيه الملايين من قرارات وقوانين ودراسات ومراسلات وبرقيات السفراء والقناصل والرحالة والجواسيس ورجال المخابرات البريطانية، وعندما تمضي ثلاثون سنة على صدورها تفك الحكومة البريطانية أسرارها وتعرضها الباحثين وعلى القراء المنتمين لهذا المركز. فيما يخص الآشوريين وكنيستهم المشرقية هناك كميات هائلة لا تعد ولا تحصى من الوثائق والدرسات ورسائل القناصل ورجال الدبلوماسية البريطانية وغيرهم. ومن المعروف دولياً عن هذه الوثائق والمراسلات رغم كونها تعبر عن وجهة نظر الحكومة البريطانية الرسمية إلا أنها تتصف بالدقة الكاملة والتفاصيل الدقيقة. وقد لا يصدق القارئ اللبيب بأنني وجدت في هذا المركز أحدى الوثائق التي تخص الآشوريين مفصلة عن سفر سرمة خانم إلى بريطانيا في أيلول عام 1919 وحتى فيها رقم تذكرة السفر وكلفتها. ومن المؤسف أن لا يستفيد الآشوريون خاصة الباحثين وطلبة الدراسات العليا من هذا المركز الذي لا يبتعد إلا بمسافة قصيرة عن منطقة سكن الآشوريين في إيلنك – لندن. على العموم، قبل بضعة سنوات بحثت كثيرا في بعض وثائق المركز عن الوعود البريطانية للآشوريين فلم أجد في أي واحد منهم له صفة قانونية ملزمة للحكومة البريطانية بل كما سبق وأن ذكرنا بأن في أكثريتها شفهية لا يتوفر فيها صفة الألتزام القانوني. ولكن مع كل هذا فإن مثل هذه الوعود رغم إفتقارها إلى الصفة الإلزامية القانونية إلا أنها تمتلك صفة إلزامية إخلاقية وأدبية تكون ملزمة للجهة التي أصدرتها رغم إفتقارها إلى الأساس القانوني لأن الذي أعلنه كان أما موظفاً في الحكومة البريطانية أو في كنيستها الرسمية.
ولكن ما الفائدة من الحديث والبحث والذكر لهذه الوعود مالم يستفيد الآشوريون منها؟ الجواب يمكن في مدى إمكانية تطوير الإلتزام الإخلاقي ونقله إلى الإلتزام القانوني وبالتالي إلزام بريطانيا بالتحرك لتحقيق إلتزامها الإخلاقي والقانوني معاً تجاه الآشوريين. هناك أبحاث ودراسات عديدة تؤكد بأن بريطانيا أرتكبت خطاً فاضحاً، ليس من جانب مصلحتها الوطنية، بل من جانب مصلحة شعوب بلاد مابين النهرين وخاصة الآشوريين منهم. فأول هذه الأخطاء هو تشكيل دولة العراق من الولايات الثلاث، بغداد وموصل وبصرة، من دون إي إعتبار للإختلافات والتناقضات القومية والحضارية والفكرية والإقتصادية وحتى النفسية التي كانت قائمة بين شعوب هذه الولايات. والخطأ الأكبر بحق الآشوريين الذين كانوا حلفاء لهم وساعدوهم في دحر القوات العثمانية وضمان إستقرار حدود العراق الشمالية، هو تركهم تحت رحمة النخبة الحاكمة المستبدة في العراق من دون أي ضمانات حقيقية لضمان أمنهم وسلامتهم في ظل نظام الحكم الجديد في العراق. ولكن كيف يمكن تطوير ونقل الإلتزام الأخلاقي إلى الإلتزام القانوني؟ هناك عاملان أساسيان يلعبان دوراً مهماً في هذا السياق:
الأول: من المعروف أن الدول العظمى، ومنها بريطانيا، نادراً إن لم نقل مستيحلاً أن تقدم إعتذارا للشعوب الأخرى عن أخطاء ينسب أرتكابها إليها خاصة للشعوب الصغيرة منها والضعيفة أو قليلة التأثير أوالتي لا تملك كيان سياسي خاص بها حيث ترى في هذا الإعتذار تقليل من سيادتها ومكانتها كدولة عظمى لا بل وربما إضرار بمصالحها الوطنية خاصة عندما يتعلق الأمر بدولة أخرى لها علاقات جيدة ومصلحة معها. من هنا نقول بأن دول كبرى مثل بريطانيا حتى وأن لم يسمح كبرياءها وحساسية سيادتها الوطنية الإعتذار فأنها قد تظهر بعض التعاطف والألتزام تجاه ما أرتكبته في الماضي فيما إذا رأت بأن مثل هذا الفعل يخدم مصالحها الوطنية أو إذا تعرضت لتأثير خارجي فرأت من مصلحتها الوطنية الإستجابة له، وهو التأثير الذي يتمثل في العامل الثاني وهو: وجود تنظيمات سياسية قومية فاعلة وقوية ونشطة للشعب الذي تعاملت معه بريطانيا وغبنت حقه ولم تحقق وعودها تجاهه. فبالنسبة للعراق فبعد منحه الإستقلال وإكتسابه لعضوية عصبة الأمم عام 1932 أنتفت حاجة بريطانيا للآشوريين فأصبحوا في تلك الفترة أضعف الشعوب العراقية يفتقرون إلى إدنى حد من القوة والتأثير وإلى تنظيم قومي سياسي وإلى من يتحدث بأسمهم ويمثلهم في الأوساط العراقية والبريطانية فسادت فيهم الفوضى والضياع والنزعات الطائفية والعشائرية فوجدت بريطانيا مع الحكومة العراقية فرصة للتخلص منهم ومن مطاليبهم فأرتكبت بحقهم مذبحة سميل في عام 1933. وحتى كنيستهم التي كانت ممثلهم الوحيد في تلك الفترة كانت في حالة يرثى لها خاصة بعد هذه المذبحة ونفي البطريرك ما شمعون إيشاي وعائلته إلى خارج العراق. فلو أفترضنا بأنه كان للأشوريين تنيظم سياسي قومي فعال وأستطاع إستخدام قوتهم العسكرية وقدرتهم على القتال للضغط على بريطانيا فالإحتمال كان وارداً بأن تستجيب بريطانيا لمطاليبهم القومية وتحقق بعض من الوعود وتحول الإلتزام الإخلاقي والمعنوي إلى إلتزام قانوني واجب التطبيق. ولعل أشهر وعد سياسي في هذا السياق الذي لعب التأثير في سلوك بريطانيا هو وعد بلفور الذي قطعته بريطانيا لليهود في تأسيس دولة يهودية.
وعد بلفور البريطاني لليهود:-----------------
نذكر هذا الوعد ونحن بصدد الوعود البريطانية للآشوريين ليس إطلاقاً من باب المقارنة والتشبيه بل هو نموذج لبيان تأثير العوامل الخارجية المتناسقة مع مصحلة الدولة البريطانية في الإستجابة وتحقيق وعودها للشعوب الأخرى. هذا الوعد الذي سمي بأسم وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور صدر في الثاني من شهر تشرين الثاني 1917 على شكل رسالة موجهة إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد والتي جاء فيه (إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة كيان قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر). ثم في عام 1922 أصدر الكونغرس الأمريكي قرارا أيد فيه وعد بلفور بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وعندما تأسست الدولة اليهودية (إسرائيل) في فلسطين عام 1948 كان الإتحاد السوفياتي أول دولة في العالم تعترف بها. السؤال يُطرح هنا لماذا أعطت بريطانيا هذا الوعد لليهود وما هي القوى المؤثرة عليها وعلى بقية الدول التي أعترفت وساندت إسرائيل ودعمتها في جميع حروبها ضد العرب.
الأول: كان حاييم وايزمان اليهودي (1877 – 1952) الروسي المولد والبريطاني الجنسية، عالماً فيزياويا مشهوريا تمكن من إكتشاف طريقة لإنتاج مادة الأسيتون وهي المادة الأساسية التي تستخدم في المتفجرات وصنع الأسلحة وكان رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية ثم بعد قيام دولة إسرائيل أصبح أول رئيس لها. أستطاع وايزمان أن يستغل إكتشافه العلمي ويساوم الحكومة البريطانية فحصل منها وعد بلفور مقابل منح بريطانيا سر الإكتشاف لها.
الثاني: الوعد قدم إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد (1868 – 1937) وليس بخاف على الكثيرمن القراء معلومات عن عائلة روتشيلد اليهودية التي تعتبر إغنى عائلة في العالم ويقال بأنها تملك نصف ثروة العالم وتعتبر وبحق أمبراطورية الإعلام فتمتلك وسائل إعلامية هائلة ومؤثرة جداً حتى يومنا هذا ويكفي أن نشير إلى سي أن أن (CNN) والكثير من الأقمار الصناعية وسيطرة كاملة على عالم السينما في هوليوود، فمثل هذه القوة الإقتصادية الجبارة كانت يرتعب منها أكبر دول في العالم وتستجيب لمطاليب أصحابها.
ثالثا: كان لليهود قوة عسكرية قتالية وتنظيمات سياسية ودينية قوية جداً تدعمها الوكالة اليهودية العالمية المسنودة من أغنى أغنياء العالم تمكنت في جميع حروبها الإنتصار على العرب لا بل مقاومة بريطانيا التي كانت تحتل فلسطين والدخول في الحرب معها والتي سميت بحرب الإستقلال. وهنا نتسائل لماذا قاوم المنظمات اليهود القوات البريطانية في فلسطين وهي التي أعطت وعداً بإقامة دولة يهودية لهم في فلسطين؟؟ الجواب هو لأن بريطانيا أعتقدت بأن اليهود لم يطبقوا البنود الوارد في الوعد والتي تقضي بإحترام وعدم إنتقاص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين.
وأخيراً أعيد التأكيد المشددة بأن ذكر وعد بلفور ليس من باب المقارنة والتشبيه بالوعود البريطانية للآشوريين، بل الغرض الأساسي من ذكره هو بيان العوامل والقوى المؤثرة على الدول لتحقيق وعودها وتحديداً بريطانيا موضوع بحثنا... فالوعي القومي والديني لليهود الذي تمثل في كلا الجانبين السياسي (تنظيمات سياسية ودينية قوية) والعسكري (قوات قتالية قوية ومنظمات ثورية متطرفة) ثم الإقتصاد والمال المستخدم في القضية القومية هي عوامل أساسية وفعالة جداً منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا.
تساؤلات ... وتساؤلات:--------------
وهنا يأتي التساؤل: أين نحن الآشوريين، سواء في الماضي أو الحاضر من هذه العوامل القوية والمؤثرة على عملية صنع القرار السياسي الهادف إلى تحقيق مطاليبنا القومية؟ فالوعي بكلا الجانبين السياسي والعسكري مفقود (الرأس فارغ)، والإقتصاد والمال المؤثر مفقود أيضا (الجيب فارغ)، فعندما يمتلئ كلا البوتقتين حينذاك سيكون هناك تنظيمات قومية قوية ومؤثرة وسيستجيب الطرف الآخر لمطاليب الآشوريين ويكون الطريق سالكاً لتحقيق الحقوق القومية المشروعة لهم.
ولم يبقى ألا أن أقول وبصراحة، ما الفائدة من هذه الدردشة التاريخية الطويلة وعن أحداث أكل الزمان منها وشرب. أقول هنا كما قلت في السابق أن الأمة التي لا يدرس أبناؤها تجارب الماضي وييستفيدوا من نجاحاتها وإخفاقاتها سوف يستمرون في الحاضر المراوغة في مكانهم والتعثر بنفس العثرات والعوائق. قال المثل: "الجاهل هو من يتعثر بالحجر مرتين". فالتجربة التاريخية في تحالف الآشوريين مع الحلفاء في الحرب الكونية الأولى وتحديداً مع روسيا وبريطانيا أمر يجعلنا أن ننظر في موضوع إستراتيجية تحالفاتنا السياسية في هذا العصر، وهو موضوع عميق وطويل نتركه لفرصة أخرى. وأيضا لم يبقى هنا إلا أن أتسائل في ضوء ما تقدم في أعلاه خاصة علاقة الآشوريين ببريطانيا في الربع الأول من القرن الماضي، هل كان الآشوريون "عملاء" لبريطانيا في تلك الفترة وهل فعلاً تعاونوا معهم في تهديد أمن وسلامة أراضي العراق وتعريض إستقلال البلد إلى المخاطر كما يدعي معظم كتاب ومؤرخي العراق؟؟ أم على العكس من هذا كان الآشوريون مخلصون لأرض العراق وبمساعدة القوات البريطانية تمكنوا من ضمان حدود العراق وإستقلاله؟؟؟ مواضيع سبق وأن تطرقنا إليها في السابق وقد تتاح الفرصة في المستقبل القريب لإعادة صياغتها ونشرها مرة أخرى لتكون إجابة لمثل هذه التساؤلات التي في ضوءها يمكن تحديد إستراتيجية تحالفات أحزابنا السياسية والمنظمات القومية في الوضع الراهن.