وزير الدفاع العراقي يفجر فضيحة مدوية قُبيل معركة الموصلتفجير وزير الدفاع العراقي لقضية فساد كبرى تتعلق بوزارته له دلالات خاصة في هذه الفترة بالذات التي يستعد فيها العراق لتدشين المرحلة الحاسمة من الحرب ضدّ داعش، لكنّه لا يعني بالضرورة الوصول إلى الحقيقة ومحاسبة المتهمين في القضية، في ظلّ وجود مراكز قرار قوية تسهر على حماية كبار الفاسدين وتضمن عدم محاسبتهم.العرب [نُشر في 02/08/2016، ]
قصف مستجوبيه قبل أن يسقطوهبغداد - فجر وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي قنبلة من الوزن الثقيل خلال استجوابه، الإثنين، أمام مجلس النواب عندما كشف النقاب عن تعرضه لعمليات ابتزاز ومساومات من قبل رئيس البرلمان سليم الجبوري وعدد من النواب للحصول على عمولات من عقود التسليح الضخمة لوزارته “على حساب الدم العراقي”، على حد وصفه.
ومن المتوقّع أن تأخذ هذه الفضيحة بعدا استثنائيا حيث أنّ مدارها الأساسي وزارة الدفاع، وتأتي في فترة بالغة الحساسية يستعد فيها العراق للدخول في المعركة الأخيرة والفاصلة ضدّ تنظيم داعش؛ معركة الموصل مركز محافظة نينوى.
وتكتسي الفضيحة من هذه الزاوية بعدا أخلاقيا مضاعفا يتعلّق بمحاولة استثمار عدد من قادة العراق في الحرب رغم ما يترتب عليها من مآس للعراقيين.
ومن جهة مقابلة تعمّق هذه الفضيحة متاعب سليم الجبوري رئيس البرلمان المنتمي للحزب الإسلامي واجهة جماعة الإخوان المسلمين في العراق، والذي أصبح طوال الأشهر الماضية موضع اتهامات كثيرة بالضلوع في الفساد وباستخدام منصبه لممانعة الإصلاح والتصدي له.
وكان تعرض في وقت سابق لمحاولة الإطاحة به من رئاسة مجلس النواب من قبل مجموعة من النواب شكلت كتلة برلمانية تحت مسمى “جبهة الإصلاح”.
وقال العبيدي الذي أصر على استجوابه بعد أن سعى رئيس البرلمان وعدد من النواب إلى تأجيل الاستجواب إلى موعد قادم بعد أن شعروا بأنه مصمم على كشف ابتزازهم ومساوماتهم له، أنه واثق من صحة اتهاماته للجبوري والنواب الآخرين، ويحتفظ بوثائق ورسائل وتسجيلات تدينهم، مبديا استعداده للمثول أمام لجان النزاهة والتحقيق.
وفاجأ العبيدي وهو ضابط سابق في الجيش العراقي ومتخصص بهندسة الطيران، النواب وسط صدمة حديثه الخطير، بأن رئيسهم سليم الجبوري ساومه على منع استجوابه مقابل أن يحيل إلى أشقائه جزءا من عقد قيمته ترليون و300 مليار دينار، يتضمن شراء أسلحة وذخائر ومعدات ومركبات عسكرية للجيش العراقي.
كما كشف عن محاولات ابتزاز مارسها عليه النواب محمد الكربولي وعالية نصيف وحنان الفتلاوي، وقال إن الأخيرة وهي نائبة شكلت في العام السابق كتلة أسمتها “إرادة” أوفدت إليه النائب السابق حيدر الملا الذي طلب منه دفع مليوني دولار مقابل أن تسحب طلبا تقدمت به في وقت سابق لاستجوابه.
ويرتبط الملا الذي فشل في الاحتفاظ بمقعده النيابي في انتخابات 2014 بعلاقات مناطقية مع النائبة الفتلاوي، لانحدار الاثنين من مدينة الحلة مركز محافظة بابل.
وذكر مراسل وكالة العباسية نيوز في بغداد، نقلا عن مصادر نيابية، أن العبيدي اصطحب معه إلى جلسة استجوابه، عددا من القادة العسكريين وكبار المسؤولين في وزارة الدفاع اعترضت النائبة عالية نصيف على حضورهم معه، على أساس أن الاستجواب يخصه وحده، مما دعا الوزير إلى زجرها بصوت عال وخاطبها ساخرا “استعدي.. فيوم الحساب مقبل”.
شبكة متكاملة تضم كبار رموز السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية دأبت على حماية المسؤولين عن الفسادوخلال السنوات الماضية تحوّلت النائبة عالية نصيف التابعة لكتلة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي “دولة القانون” إلى ظاهرة بخطاباتها النارية في الإعلام وتحت قبّة البرلمان وباتهاماتها لأطراف كثيرة بالفساد، محاولة الظهور في مظهر المدافعة عن الإصلاح.
لكن اسم النائبة سرعان ما بدأ يظهر في قضايا وفساد ومحسوبية واستغلال نفوذ.
وأوضحت ذات المصادر، أن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري صعق من المعلومات التي كشف عنها العبيدي وتناولته في جانب منها، مما أدى إلى تركه منصة الرئاسة والجلوس في مقعد شاغر مع النواب، معلنا أنه لن يعود إلى موقعه في رئاسة البرلمان، إلا بعد إعلان براءته من التهم التي وجهها إليه وزير الدفاع مهددا باللجوء إلى القضاء، ونقل عنه قوله “لا أعلم ولا أعرف إن كان أشقائي وأقاربي قد ساوموا العبيدي”، متهما وزير الدفاع بالتستر على هذه المعلومات والإفصاح عنها الآن لغرض في نفسه، على حد وصفه.
وأحدثت اعترافات العبيدي الخطرة عن تعرضه إلى ابتزاز وتهديدات، حالة من القلق في الأوساط السياسية والنيابية، مما اضطر رئيس لجنة النزاهة النيابية، طلال الزوبعي، إلى دعوة أعضاء لجنته إلى عقد اجتماع عاجل، للبحث في اتهامات وزير الدفاع لرئيس البرلمان وعدد من النواب، مطالبا برفع الحصانة البرلمانية عنهم.
وكشف الزوبعي، الاثنين، عن الجهات التي ستشارك في لجنة التحقيق باتهامات وزير الدفاع خالد العبيدي، فيما أشار إلى أن اللجنة ستباشر عملها اعتبارا من الإثنين. وقال لموقع السومرية نيوز، إن “لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها بشأن الاتهامات التي وجهها وزير الدفاع خالد العبيدي لرئيس البرلمان وعدد من النواب، ستضم مستشارين قانونيين يتمتعان بالنزاهة من رئاستي الجمهورية والوزراء”.
وأضاف أن “اللجنة ستضم أيضا ممثلين عن هيئة النزاهة وديوان الرقابة ونقابة المحامين ونقابة الحقوقيين ونقابة الصحافيين ومن منظمات المجتمع المدني”.
ومن جانبه دعا رئيس الحكومة حيدر العبادي هيئة النزاهة الحكومية ولجنة النزاهة النيابية ومجلس القضاء الأعلى، إلى التعاون في إجراء تحقيقات شفافة مع النواب الذين وردت أسماؤهم في اتهامات العبيدي وتسلم الملفات التي يحتفظ بها بهذا الشأن.
وتكشف اعترافات العبيدي، وهو نائب سابق عن مدينة الموصل ضمن كتلة “متحدون” التي يرأسها أسامة النجيفي قبل تعيينه وزيرا للدفاع، حجم الفساد المستشري في العراق وضلوع نواب ومسؤولين حكوميين في قضاياه المتراكمة.
ورغم ما بدا، الإثنين، من حماس كبير للتحقيق في القضية التي فجّرها العبيدي، إلاّ أنّ متابعين للشأن العراقي لم يخفوا تشاؤمهم بشأن إمكانية الوصول إلى الحقيقة، متوقّعين أن يتم اللجوء إلى “لملمة” الفضيحة على غرار فضائح كثيرة سابقة من بينها ما يتعلّق مباشرة بصفقات السلاح، مثل صفقة شراء آلات لكشف المتفجرات المزيفة التي مازالت تستخدم إلى حدّ الآن في شوارع بغداد رغم التأكد تقنيا من أنها أشبه بـ“لعب أطفال”، وأيضا صفقة أسلحة ضخمة مع روسيا سبق وأن ألغيت بسبب اكتشاف قضية فساد كبيرة متعلّقة بها.
وتجري في العراق بشكل ممنهج حماية المتورطين بالفساد في إطار ظاهرة معروفة تقوم على حماية المسؤولين لبعضهم البعض ضدّ المحاسبة، ضمن شبكة تضم كبار رموز السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.