المحرر موضوع: من يوميات مهاجر سوريايا يتأبط حقيبة سفره -8-  (زيارة 972 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نزار حنا الديراني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 331
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من يوميات مهاجر سوريايا يتأبط حقيبة سفره
-8-


نزار حنا الديراني

طال الحصار وكأنه كتب علينا ان نقضي عمرنا على هذه الشاكلة فبعد عدة انقلابات وعدم الاستقرار جاءت الحرب الداخلية بين الجيش والبشمركة لتطول 15 سنة ، وبعد استراحة قصيرة جاء دور الحرب العراقية الايرانية لتطول هي الاخرى 8 سنوات ولم تمضي الا سنوات قليلة واذ بدأنا باجتياح الكويت لندخل حربا قصيرة وحصارا طويلا على مدى 12 سنة ... تخيلوا معي اذا تأمل احدنا واحصى عدد سنوات عمره التي عاشها بدون مشاكل فهل ستتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ؟؟؟ فكيف له ان يقتنع ويفتخر امام الاخرين بان الله منحه حكومات رشيدة ... وكيف له ان يقنع ابناءه المولودين حديثا باننا كنا اصحاب الحضارة ، وهو لا يستطيع ان يستخلص من سنوات عمره الا القليل ... كيف له ان يستعير وجها مبتسما وهو يخرج من حرب ليدخل اخرى .. ألم يكن يجمع بين جوانحه حبا كبيرا استطاع ان  يسمر رجليه في ارض الاجداد رغم ان حقيبته اصبحت ظلا له .. طال الحصار وكانت الصواريخ الامريكية بين الحين والاخر تهز مرمانا ، وكانت لجان التفتيش والحكومة المركزية تلعب لعبة جر الحبل ... كانت لجان التفتيش احيانا تختار الاماكن الحساسة للتفتيش رغم انها تعلم جيدا انها خالية من السلاح وكانت الحكومة تمنعهم من الدخول وبعد مفاوضات الطرشان تسمح لهم بالدخول بعد ان تفرغ البنياية من آثاثها لتجعل لجان التفتيش تطبل وتزمر والشعب العراقي وحده يدفع الثمن ... احدهم كان يضحك على الاخر من اجل اطالة امد الحصار او لنقل من اجل ان يلتصق جلد العراقيين بالعظام ... كانت الابواق الامريكية والاسرائلية والبريطانية و.. تصيح باعلى صوتها بان العراق خطر على العالم لما يملكه من اسلحة الدمار الشامل ليجعل دول الجيران اولا تتراكض وتطلب من امريكا الخلاص ... والابواق العراقية هي الاخرى تغرد عند الدول الصديقة وتعلن بطلان ما تدعيه ماكنة الاعلام الغربي التي هي السبب في ارتفاع نسبة الوفيات وانتشار الامراض المزمنة في العراق... اما نحن !!! فكنا كالاطفال نفرح بالبطاقة التموينية التي تدر علينا بركاتها بطحين اسود يابس يخترق بطانة الامعاء ودهنا يتجمد حال وصوله المعدة ليشكل طبقة عازلة ورز وشاي وصابون و .. تشتم منها رائحة العفن ويعتبر من يلفظ كلمة الدولار كافرا فيرمى به في السجن.. ومع هذا كان الجميع يصفق ويقول ( الله يخلي الريس ... الله يطول عمره ..) ... كنا حين نلتقي احد افراد العائلة القادم من الخارج نلهوا معه كلٌ يقص على الاخر بطولاته ... وما ان ينتهي الكلام نتسارع لحزم حقيبتنا ونفكر بالسفر ... رغم اننا نعرف مخاطر السفر ... ما الذي سيشدنا الى البقاء ان كان الطالب بعد عشرات السنين من الكفاح يذهب الى الجيش ليعيش تعاسته ويندب حظه ويتمنى لو كان قد رسب في الدراسة بدلا من التخرج ... هل سمعتم بحكومة تطبل بنظرية مستوردة وتقول لشعبها نحن لسنا سكان البلد الاصلي بل قدمنا من الجزيرة العربية بحجة هناك من يقول لهم حذار من احفاد بابل واشور فهم يطالبون بالامبراطورية ... اتذكر مرة عقبتُ على احد الاساتذة الذي القى محاظرة في جمعية اشور بعد منتصف التسعينات عن الهجرة من الجزيرة .. فقلت له كيف تريدون من احفادكم ان يكونوا وطنيين وانتم تقولون لهم انكم لستم بسكان البلد الاصليين ؟؟؟
ومع كل هذا كانت مهرجانات المربد وبابل على نطاق الدولة مستمرة وكنا نحن نقيم محاضرات وندوات ومهرجانات في بغداد ( جمعية اشور ونادي بابل واتحاد الادباء ) وبغديدا والقوش ودهوك وعينكاوة خارج دعم الدولة وبجهود الغيارى ، فكانت بمثابة الرئة التي نتنفس من خلالها كي نتشبث بأرضنا ولغتنا ونحيي تراثنا وكانت كنائسنا بفضل العشرات من الجنود المجهولين ـ فلهم وللاخرين الف تحية ـ تلقن اولادنا بمادة التعليم المسيحي وتعليم لغتنا ، وسوف لا ابالغ ان قلت كانت هذه الانشطة متفوقة على نطاق العراق من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ... كم من استاذ واديب عربي او كوردي او.. حال الانتهاء من القاء محاضرته في جمعية اشور يطلب منهم لادراج اسمه في المنهاج القادم... ربما لاتصدقون ان قلت كانت جمعية اشور رغم امكانياتها المحدودة لعدم حصولها على دعم إلا من محبيها ، تجمع بين دفتيها الكثير من الادباء والفنانين والاساتذة من جميع اطياف الشعب العراقي الى درجة كان احدهم يفتخر لانه القى محاضرة في جمعية اشور .. لانها تستقطب جمهورا مثقفا وشبابا نادرا ما تراه في المحافل الاخرى ... ؟؟؟
يتبع