المحرر موضوع: أنا أقـــرأ , إذن..... هل يحـــق لي أن أكتــب أم لا ؟  (زيارة 1064 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شوكت توســـا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2262
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

أنا أقـــرأ ,  إذن..... هل  يحـــق لي أن أكتــب أم لا ؟


  شوكت توسا
  أتحفنا الاستاذ العزيز جلال حنونا مؤخرا بمقاله  تحت عنوان " الازدواجيه في رؤية الواقع" ,  ضاربا بقلمه كما عرفناه, على مكمن واحدة من علاتنا وما اكثرها , أقتبس من مطلع مقالته قوله " في الطريق الى اكتشاف الحقيقه , صراع يحمل في طياته الكثير من تناقضات السلوك الانساني الذي يصعب تحديد ملامحه الا عندما تقع المواجهه المصيريه" . ثم يختتم مقالته بالقول " عندما يلبس البعض ثوب الديمقراطيه والحريه, دون إيمان وقناعه, فالثوب يتهرأ ويستبدل ويبقى الجوهر الذي يظهر ويكشف عن هويته".
 دلالات المقتبسين اعلاه هي من الكثره , لكن إحداها  وجدت طريقها  الى تشجيعي على العدول والعودة الى كتابة مقال كنت قد اجلته, سيما والملل قد  اصاب القارئ جراء ظاهرة استبدال الأثواب وتناقضات  السلوك إرضاءً لسياسي او لرجل دين استمكنه هواه فسحبه الى ما لا تسمح به حقيقة رسالته, لذا سنبتعد قليلا عن قال وقيل تلك السياسة التي يتصدر ادبياتها رجل الدين ونتكلم عن القارئ والكاتب .
 كمعشر القراء, نمتلك قدراً وافيا من حرية اختيارما نود قراءته مقارنة ً بمحدودية حرية الكاتب التي تقيدها ضوابط واصول تستلزم مراعاتها, نعم للقارئ الحق في الانتقال الى الكتابة متى ما أحسّ بان ملكته الفكرية واللغويه قادره ان ترشده الى مجال تنافسي  مقبول  تتباين على اساسه درجات ميل القارئ صوب فلان من الكتّاب دون غيره , شخصيا ارى بان الموضوع الذي نحن بصدده ليس من التعقيد بما يستدعينا اللجوء الى استحضار توصيات وفلسفات ذوي الشأن في الفكر واداب اللغه,اذ بالامكان تبسيط تناولها بإعتماد ما نصادفه  اثناء قراءاتنا وبالتزام ثقافة الديمقراطيه التي تـُحتسب فيها حرية ابداء الرأي شأنا مكفولا لا حاجة لمناقشة محدداته سوى حاجة إنضاج ثمار هذه الحريه الى ضوابط تحفظ للانسان مقامه وللفكر قيمته.
هكـــذا,وبخلاف القراءة التي بإمكان كل من يجيد ابجدية لغتها أن يمارسها, تُعد الكتابه مهمه فنيه شاقه وفكريه حساسه لو أخذنا بنظرالاعتبار المسؤوليه الأخلاقيه والفكريه التي يتحملها الكاتب قياسا بحجم مساسها المباشر بذوق وحدس القارئ, فيشقى الكاتب ويجهد نفسه  كي يقدم مادته على احسن وجه ,ثم سرعان ما يتبدد شقاءه أمام المتعه التي يحققها  لنفسه وللقارئ الذي يشاطره أهتماماته ومسؤولياته.
   لقد تعلمنا كقرّاء , بأن الكتــّاب أصناف ومستويات تحددها الاهتمامات, أي بمعنى أن القرّاء هم ايضا مصنفون, وعلى اساس هذا التصنيف يتكون شكلا ً من العلاقة بين القارئ والكاتب قوامها الإنسجام او الاختلاف .ثم مع مرور الزمن  يصل المرء ( كقارئ) الى محطة من التفكير (ربما من النضج) يشعر فيها بالحاجة الى الكتابة كي يفصح عن اختلافاته واتفاقاته , تلك نقلة ٌ عدا كونها محصله طبيعيه , فهي بمقاييس الفكر والأدب تُعتبر من النقلات الابداعيه النوعيه التي لو شئنا تقييمها لا بد من إخضاعها لمعيارية توافر الشروط سواء كنا نخص الكاتب المبتدئ ( الهاوي) في تقييمنا كما هوحال امثالي, أو كاتبا متميزا أكسبته القراءة والممارسه قدرة التفنن في إخراج ما يكتبه, إذن لاضير لو تساهلنا حبتين  مع انفسنا ( ككتاب) ما دمنا مبتدئين نحبو الى تحقيق شروط إخراج ماده مكتوبه متكامله بالشكل والمضمون ,على اعتبار ان إمكانية تطويرها ممكنه شريطة ان تتوافر الرغبة والدأب الحثيث ,فلو افترضنا استثناء شرط عامل اللغه لوهلة ووضعناه جانبا ,تبقى حساسية الكتابة بحاجه كما اسلفنا الى اجتياز مرحله قرائيه نوعيه تمنحنا خبرة التمييز بين الرث والسمين فكريا,حينئذ سيصُح شعورنا فتأتي قناعتنا بحاجتنا للكتابه في محلها بعد ان نكون قد  حققنا اكتساب  قدرة إنتقاء الماده المناسبه للكتابة عنها .
 من الملاحظات التي يمكن ان يشاطرني الكثيرون في تاشيرها,هي غلبة سمة الاجتهاد النقدي مع ندرة طرح البديل الذي من شأنه ان يضفي مصداقيه اكثر و متانه فكريه أبلغ على ما نكتبه, دون ذلك فإن الإجتهاد النقدي الغيرالمكتمل هوبمثابة افتعال (ربما غير مقصود) لظاهرة سلبيه اخرى تتطلب نقدها . هنا جدير بنا ان نوضح  بان المقصود  ليس حصر ثقافة الانسان في  شرط  اجتياز مرحلة قرائيه كي يصبح بشاكلة الكاتب القادر على جذب القراء كهدف من الاهداف التي  يبتغيها من جمالية الكتابه, كما ان صفة المثقف بمفهومها الدارج لا تعطى لكل حاصل على شهادة تخرج من معهد او كليه,تلك مسألة تتأكد نسبيتها  في وجود أناس إكتسبوا الخبره من خلال معايشاتهم للمجتمع من دون شهاده او دراسه او قراءة كتيب , لان تجارب الحياة فيها الكفايه مما يعلمنا  متى و ماذا وكيف يجب ان نتدخل.
 الآن رب متداخل يتساءل عن موقع الكاتب المكثارمن استخدام الاسلوب الاستخفافي المتعالي وتسويق المفردات الواطئه والغير اللائقه  في نقده للآخر, نحن حين بدأنا كلامنا بحريتنا المضمونه سواء استهوينا القراءة او الكتابه,تكلمنا ايضا حول اشتراطات انتقال القارئ الى الكتابه وعن اهمية تهيئة الذات  بتخليصها من المؤثرات الشخصيه التي كانت تتحكم في حرية اختيار ما كنا نقرأ, ولو حصل ان تغافلنا عن هذه النقطه , معنى ذلك اننا سنمارس التنكيل بقيمة وجمالية ما سنكتبه وسنربك القارئ في نفس الحين, في كل الاحوال جوابي للمتسائل هو أنّ عجز صاحب القلم عن تقديم الحجه مقابل الحجه لايجوز ان يدفع به الى مستنقع التنكيل بالاخر , ولو فعلها سيناقض كل ما يدعيه و سيظهر بهيئة الفاشل في نظرنا كقراء,  لذا عليه ان يعيد مراجعة ما تعلمه في القراءه .
 بقي لي في الخاتمه ان اشير الى واحده من السلبيات التي  جذبت انتباهي في مقالتين  اجهد كاتباها انفسهما  بتوجيه نقدهما لي من دون ان يميزا بين ما ينقله الكاتب عن افواه الاخرين وبين ما يكتبه من أفكاره الخاصه,فجاء نقدهما  مستهجنا  ليثبتا جهلهما لابسط البديهيات التي يفترض اننا تعلمناها  يوم كنا قراء, فكيف بنا لو جاء هذا الخلط بعد ان حسبنا انفسنا ككتّاب؟
الوطن والشعب من وراء القصد