المحرر موضوع: العلاّمة إبن العبري , دائرة معارف  (زيارة 1738 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جوزيف إبراهيم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
{ العلاّمة إبن العبري , دائرة معارف }
جوزيف إبراهيم
الأديرة المسيحية شرقاً وغرباً لم تنجب رهباناً وقديسين فحسب بل المئات من العلماء في شتى أنواع العلوم, فعلى سبيل المثال لا الحصر, الراهب والعالم النمساوي غريغور يوهان مندل Gregor Johann Mendel هو أول من اكتشف القوانين الأساسية للوراثة وعالم نباتات ومعروف عالمياً ب أبو علم الوراثة ,وأيضاً الألماني يوهانس كيبلر {Johannes Kepler
 عالم الرياضيات والفيزياء والفلكي المشهور, يعتبر أول من وضع قوانين تصف حركة الكواكب, درس علم اللاهوت وكاد أن يصبح قسيساً.
وفي الجانب الشرقي للكنيسة ذخرت الأديرة بكم هائل من الرهبان, وإتسم الكثير منهم بالعبقرية والمعرفة العلمية, و قد تركوا بصمات إيجابية محفورة في التاريخ والذاكرة الإنسانية لغاية هذا اليوم. وليس مبالغةً إذا اعتبرنا الكنيسة السريانية الأرثودكسية بالرائدة في هذا المجال, فهي واحدة من أغنى الكنائس في العالم في مجال الرهبنة والعلم اللاهوتي, فقد قدمت ملايين الرهبان والنساك المتعبدين حتى نُعتت سلسلة جبال طوروس الحالية ب{ طور عابدين } تلك الجبال التي كانت الحد الفاصل بين سوريا الطبيعية وآسيا الوسطى وأرمينيا نظراً لتواجد عدد كبير جداً من الرهبان المتنسكين فيها.
وقد برز من بين هؤلاء الرهبان العشرات من العلماء العباقرة الذين اغنوا المكتبة البشرية جمالا ورونقاً, أمثال مار أفرام السرياني المُلقب بنبي السريان , و ما زالت أشعاره تُستخدم لدى جميع الطوائف المسيحية بالعالم, ومار يعقوب السروجي صاحب عشرات الآلاف من الميامر الروحية والأبيات الشعرية, ويُقال أن سبعون كاتباً وناسخاً كانوا يُرافقونه كي يتمكنوا من تدوين ما ينطق به من شعر, ومار يعقوب الرهاوي العالم الضليع بالفلسفة والتاريخ واللغويات وابن العبري الملقب بدائرة المعارف للقرن الثالث عشر و الكثير غيرهم .
فمن هو إبن العبري ؟
للحديث عنه قد نحتاج إلى مجلد كامل, إذ يُعتبر ابن العبري واحد من اكثر رجال الدين شهرة بالعالم ليس لأنه أولى أهمية بالغة بالثيولوجية { اللاهوت } فحسب, بل لاهتمامه البالغ بشتى مجالات العلوم والطب والفلسفة والفلك والتاريخ, وهو الوحيد من بين رجال الدين الذي افتخرت وما زالت تفتخر به أقوام من خارج إثنيته السريانية, كالعرب الذين يُكرمونه لعصاميته و نزاهته بكتابته في وصف الحقب الإسلامية في كتابه المشهور( تاريخ مختصر الدول), وأيضاً اليهود الذين يحاولون جاهدين لإنسابه لهم بسبب علمه الواسع ودليلهم هو انه ولد من طبيب يهودي لذلك يُكنى بابن { العبري } .
ولد أبن العبري باسم يوحنا المُلقب بأبو الفرج رغم انه لم يتزوج أبداً, والده هارون بن توما الملطي المُكنى بإبن العبري والمعروف عالمياً ب { Bar Hebraeus } وبالسريانية { بار عبريو }, إنه فيلسوف ولاهوتي من الطراز الأول, ولد في مدينة ملاطية عام 1226 م وينحدر جده من قرية عبرى المُطلة على نهر الفرات, لذلك يُنعت إبن العبري نسبة لضيعة جده ,إلا أن بعض المصادر اليهودية تنسبه إليها أباً عن جد وتدعي أن والده كان طبيباً يهودياً إلا أنه تنصر.
بيد أن إبن العبري نفسه يدحض هذا الإنتماء ببيت من الشعر إذ يقول فيه: ( إذا كان ربنا السيد المسيح سٌمي سامرياً , فلا غضاضة عليك إن دعوك بإبن العبري ) ويعتقد البعض إن مصدر تلك التسمية هو من عبور عائلته لنهر الفرات كما عبر اليهود بحر الأحمر هرباً من فرعون . أياً كانت الأسباب والإدعاءات لنسبه يبقى الجوهر أن عمله وإنتاجه المميز كان داخل الأروقة السريانية’
ولغاية هذا اليوم يُطلق المُسنين السريان الذين لم يدخلوا مدرسة في حياتهم نعت { بار عبرويو } على الإنسان الذكي والمتفوق, تيمناً بابن العبري,
إرتحل وتنقل كثيراً في حياته التي استمرت 60 ستون عاماً, ففي عام 1243 م سكن في أنطاكية ثم طرابلس الشام التي كان لجامعتها و أديرتها, الفضل الكبير بتنمية وصقل مواهبه ودراسته لعلم الطب والبيان والمنطق والفلسفة, اتقن و تكلم بطلاقة اللغة السريانية, العربية, الأرمنية, والفارسية. تدرج في السلم الكهنوتي ففي عام1246 أي في العشرين من عمره, رُسم كاهناً على يد البطريرك السرياني داؤود الثاني, ثم عُين أسقفاً لبلدة جوباس القريبة من مدينة إدلب السورية ومن هناك خدم ببلدة لاقبين, إلى أن رُسم مطراناً على أبرشية حلب وتوابعها, وفي الثامنة والثلاثين 38 من عمره تم ترقيته إلى درجة المفريان { كلمة سريانية تعني المُثمر } للمنطقة الشرقية { العراق إيران وأذربيجان } التابعة للكرسي السرياني الأنطاكي.
وقد أبدى اهتماماً كبيراً في بلاد المشرق وتفتحت قريحته العلمية أكثر فزاد إنتاجه الأدبي هناك, إذ ألف مجموعة ضخمة من الكتب أشهرها , (تاريخ مختصر الدول) (شرح فصول الفيلسوف اليوناني أبقراط) ( شرح قانون الطب للعلامة والطبيب إبن سينا) ( تفسير الكتاب المقدس) ( ديوان من الشعر)( رسالة في النفس البشرية وخواصها) وأيضاً نظراً للفائدة الجمة لكتاب الطب لابن سينا قام بترجمته إلى اللغات التي كان يتقنها,
وفيما يلي قائمة لكتبه الباقية لغاية اليوم : كتب لاهوتية: مخزن الأسرار, ومنارة الأقداس ,الذي اختصره في كتاب الأشعة. كتب تاريخية : تاريخ شامل, منذ بدء الخليقة حتى أيامه وقسم الكتاب إلى التاريخ السرياني والتاريخ الكنسي, ثمَّ ترجم التاريخ السرياني بنفسه إلى العربية بتصرف, كتب علمية: كتاب الصعود العقلي في شكل الرقيع والأرض, وشَرَحَ كتاب المجسطي لبطليموس القلوذي في علم النجوم وحركات الأفلاك, كتاب الزيج الكبير أي معرفة حركات الكواكب لاستخلاص التقويم السنوي وتعيين الأعياد المتنقلة, كتاب المفردات الطبية, منتخب كتاب جامع المفردات أي الأدوية المفردة, كتاب منافع أعضاء الجسد, كتب فلسفية: زبدة الحكمة, وأوجزه في, تجارة الفوائد وحديث الحكمة, والأحداق, ورسالتان في النفس البشرية. كتب أخلاقية ونسكية:الإيثيقون, والحمامة. كتب في القانون الكنسي: الهدايات, كتب في الصرف والنحو: الأضواء أو اللمع, والغراماطيق , والشّرار (لم يكمله). كتب أدبية: القصص المُضحكة, وهذا الكتاب كما هو مبين من عنوانه يتناول أخبار وقصص طريفة. كما كتب ابن العبري الكثير من الأبيات والقصائد الشعرية, وغيره الكثير الذي اندثر مع الزمن.
في قمة عطائه وعمله المُبدع وبتاريخ 30 يوليو تموز 1286 توفي العلامة إبن العبري في مدينة مراغة ببلاد فارس, عن عمر ناهز الستون 60 عاماً ثم نُقل ضريحه إلى دير مار متي الشيخ القريب من مدينة الموصل { نينوى }.
بقي أن نذكر أن هذا العبقري الفذ الذي نُعت بدائرة المعارف للقرن الثالث عشر, لم يُكرّم كما يجب من أبناء جلدته السريان إذ لا توجد ولغاية هذا اليوم أي كنيسة أو مدرسة سريانية بإسمه !!!
بقلم, جوزيف إبراهيم في /25/10/2017/