المحرر موضوع: مشروع الفيدراليات العربية هل سيكون العراق منطلقا للتفكيك الجيو تاريخي ؟  (زيارة 1365 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sayyar Jamil

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 279
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مشروع الفيدراليات العربية
هل سيكون العراق منطلقا للتفكيك الجيو تاريخي ؟

د. سيّار الجميل
مؤرخ عراقي


وقفة تاريخية :
      لقد كان التشكيل التاريخي لبلداننا ودولنا العربية عند بدايات القرن العشرين مهلهلا وضعيفا اثر تفكك الامبراطورية العثمانية وزوالها اثر اضمحلال جغرافياتها ، فبرزت للوجود دول عربية متنوعة كنت قد عالجت اصنافها بالتفصيل في كتابي : " بقايا وجذور : التكوين العربي الحديث " المنشور في العام 1997 ، اذ بدت لي عدة اصناف من الدول : دول منقسمة على ذاتها ودول مركبة من الاقاليم ودول اسطورية قديمة ودول لا تاريخ لها .. الخ فالعراق والسعودية وليبيا والامارات – مثلا - دول مركبّة ، وان اليمن وعمان والمغرب وتونس دول تاريخية قديمة .. أما مصر ولبنان وسوريا وموريتانيا .. فهي دول مجزأة . وعاشت هذه الدول تحمل جملة هائلة من التناقضات الاجتماعية والسياسية والثقافية من دون ان يلتفت اليها ابناؤها ليعترفوا اولا بحجم معضلاتها خوفا كيلا يتهموا في وطنيتهم ، فضيّعوا فرصا ثمينة لايجاد حلول عملية بعد الاعتراف بها .. بل ان الذي ساد انما تمّثل بتّوهم الخيال حقيقة ، واغفال تلك التناقضات التي أخذت تتفجر يوما بعد آخر سواء على زمن المد الوطني لما بين الحربين العظميين 1919 – 1949 ، او في زمن القومية العربية للفترة 1949 – 1979 ، او في زمن " الصحوة الدينية " – كما عبّر عنه – والتي نعيشها اليوم 1979 -2009 .. وبتأثير تخدير الايديولوجيات وعظم التحديات وبلاهة القادة وصناع القرارات وخصوصا في بلداننا العربية ، تبرز فجأة عدة مشروعات لتواجه العقل العربي والذات العربية وسط انشغالات التفكير في مسائل الاصلاحات الداخلية والمتغيرات السياسية الحقيقية.
متغيرات العراق وآثارها
     لعل من اهم ما نتج عن متغيرات العراق في المنطقة جميعا والتي نبهنا اليها مرارا وتكرارا منذ سقوط نظام صدام حسين حتى اليوم : تحولات هائلة ليس في التناقضات السائدة ، بل في طبيعة تلك " التناقضات " والتي تعيد انتاج التاريخ والتأسيس من جديد اليوم ولكن من داخل المنظومة الاجتماعية وليس من خارجها كما جرى في القرن العشرين .. لم يعد التعايش الاجتماعي بكل روعته التاريخية ممكنا بين القوميات والاقليات والملل والطوائف في المجتمع العربي .. ولم يعد هناك اي منطق للتفاهم بين الاغلبيات والاقليات كون هذا المفهوم اصبح باليا ، بل وتلعب اجندات متنوعة في اذكاء روح الانفصال والتخندقات .. لقد اساءت النظم السياسية العربية لمجتمعاتنا عموما قبل ان نجعل من اي مشروعات فيدرالية او كونفيدرالية امريكية او غير امريكية قميص عثمان او شماعة نعلق فوقها كل سوالبنا ومثالبنا واخطائنا وخطايانا .. ان هناك اسباب حقيقية في اذكاء اية مشروعات لتفكيك الهيئة الاجتماعية الداخلية استطاع اصحاب المشروعات ان يخترقوها ويستخدموها لصالح تطبيق ما يرونه مناسبا في القرن الواحد والعشرين ..
     لقد وجد العراق نفسه يزحف نحو التفكك مذ لم يدرك الجلاد صدام حسين وسياساته الشوفينية في اقصاء ابناء شعبه وكل ابناء شعبه ، فما ان سقط حتى سقط معه ذلك الرمز الوطني الذي استمر يعيش قرابة ثمانين سنة معززا مكرما لدى العراقيين ، وبدا العراق متشرذما اذ اخذ سكانه يهرعون الى التماهي مع طوائفهم او ثقافاتهم او محلياتهم او شراكاتهم وساعدت في ذلك اجندة خفية بدأ يستخدمها الساسة العراقيون الجدد في ابقاء المسكوت عنه حيا واستخدامه في اللحظة المناسبة . ان المشكلة ليست في المبادئ الفيدرالية ( = اتحاد اقاليم ) او المبادئ الكونفيدرالية (= اتحاد دول ) ، ولكن ما سيعقب من نتائج مصيرية ستحدد تفكيك الوحدة الكلية الى اجزاء يساعد على انفصالها ما يكمن وراء ذلك من احقاد وكراهيات وثارات ودوافع اجتماعية وثقافية ودينية وطائفية وقبلية وعشائرية .
      ان العلاجات الفيدرالية تستدعى في حالة تكون فيها الاقاليم مفككة من اجل تركيبها فيدراليا ، اما ان تقطّع البلاد الى اجزاء باسم " الفيدرالية " فهذه تجربة فريدة في التاريخ .. واذا ما اعترفنا بحاجة الاكراد في العراق الى فيدرالية اقليمية ضمن هيئة عراقية واحدة ، فما هي اسباب تقسيم العراق الى " فيدراليات " وليس في المجتمع العراقي اية انقسامات اجتماعية او ثقافية مريعة . فهل سمعنا بفيدراليات طائفية دينية في اي بلد في العالم . ان ايران وتركيا فيهما من الانقسامات الاجتماعية والثقافية والعرقية والطائفية الواسعة ولكن لم نسمع عن اي شعارات فيدرالية فيهما . فما اسباب دواعي استدعائها عراقيا او عربيا ؟؟ ان مجتمعات الشرق الاوسط معقدة كلها على اشد ما يكون التعقيد ، فهل يقبل الايرانيون والاتراك – مثلا – المناداة بتأسيس فيدراليات اقليمية في بلدانهم ؟
مجتمعاتنا معقّدة في دواخلها
 اذا كان المجتمع العراقي معقدا على اشد انواع التعقيد ، فان مجتمعات مجاورة اخرى له وخصوصا عربية منها انما هي معقدة المركبات وهي قابلة لكي تتعامل مع نفسها على نفس منوال العراق تحت مسميات ربما تصلح في منطقتنا وربما لا تصلح لها ابدا . واذا كانت المرجعيات الدينية والعرقية والطائفية نجدها في مجتمعات حضارية لا تأتي الا في المرتبة الاخيرة ولم تستخدم سياسيا او اجتماعيا بفعل تطور الاذهان والتعامل مع القوانين المدنية .. فكيف يمكننا ان نضمن ان هكذا نظم حضارية لها مبادئ في التطبيقات المدنية والحضارية يمكن تطبيقها في منطقتنا ولا يساء استخدامها والذهنية في مجتمعاتنا مشبّعة بالترسبات التاريخية والبقايا من مواريث الاعراق والاديان والطوائف والقبليات ؟ اي كيف نحمي مجتمعاتنا من غلو المتعصبين دينيا والمتطرفين عرقيا وتفكيك عرى مجتمعاتنا ؟؟ انني اعتقد انها ستدخل مرحلة صعبة جدا من التناحرات ليس فقط على المعاني والافكار والمعتقدات .. بل على المصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . ان ذلك سيهدد نسيجنا الاجتماعي بالصميم وستخلق كيانات سياسية تنشغل في حروب قبلية وطائفية وجهوية وعرقية .. بعد ان يتفكك كل شيئ وتموت ليس الدول التي عاشت في القرن العشرين ، بل الاوطان القديمة التي حفلت بالتعايشات ومبادئ الشراكة الرائعة عبر التاريخ .
هل تصلح مشروعات العالم لمجتمعاتنا ؟
   ان مشروعات الفيدرالية العربية ربما تصلح لمجتمعاتنا في حالة كون هذه المجتمعات قد وصلت الى درجة من الرقي في بناء العلاقات الداخلية وفهم كيفية التطبيق على ضوء الدساتير المدنية ومنح الحريات وتحرير الفكر والتفكير وتقديم الاهم على المهم .. اما كون مجتمعاتنا في حالة غلو وانقسام وتناقضات وكراهية واحقاد .. ان تجربة العراق خير مثال للعالم اجمع الذي بالوقت الذي يمزقه الارهاب الداخلي والخارجي ، فان العراقيين يسعون بانفسهم الى حتفهم من خلال انقساماتهم الاجتماعية وتكتلاتهم الدينية وائتلافاتهم الطائفية وانفصالاتهم العرقية والفئوية .. وفجأة تجد الاحقاد القديمة تطفو على السطح وقد اصبح التشرذم الوطني مثلا يعتد به ، وكل ذلك يأتي باسم الديمقراطية والفيدرالية .. علما بأن كلا من هاتين القيمتين الحضاريتين تعدان في ذروة ما وصله الفكر السياسي يالحديث . اذا كانت مجتمعاتنا حتى يومنا هذا سواء باحزابها المترهلة ام بفئوياتها القومية ام بجماعاتها الدينية وحتى على السنة واقلام رجال الدين والسياسة فيها يتشبثون بالافكار القديمة والشعارات البليدة وبقايا تواريخ ماضوية .. فكيف بهم يطبقون الديمقراطية والفيدرالية من دون ان يأكل احدهم الاخر ؟
هل سيطبق مشروع الفيدراليات في منطقة الشرق الاوسط ؟
    اعتقد ان مصير العراق رهين ظرفه الحالي وان مصير العراق قد حدد منذ زمن بعيد عندما هزم هزيمة نكراء في عاصفة الصحراء عام 1991 وأخذ يعاني من سكرات الموت من دون ان يعينه حاكمه على البقاء بتبديل سياساته العقيمة التي اودت به الى مهالك الردى . ولما سقط النظام على ايدي الامريكان وحلفائهم لم يحظ حتى اليوم بقادة جدد يؤمنون بالعراق وطنا وارضا وشعبا ، ومن دون ان يدركوا الاثمان الباهضة التي سيدفعها ابناء العراق اثر تقسيمه بأي صيغة من الصيغ . السؤال : هل يمكن ان تسري تجربة العراق الصعبة في بلدان عربية أخرى ؟ الجواب : نعم ، في ظل الاوضاع السياسية المهترئة التي تعاني منها الدول العربية ومجتمعاتها وحالات النفور السياسية التي تعّبر تعبيرا حقيقيا عن انقسامات داخلية مريعة وربما لا يستطيع ادراكها والتحسس بها عامة الناس ، ولكنني ارى تحت الرماد وميض جمر يكاد يكون لها ضرام .. فان لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جمر وهام .
   ان العراق في تجربته التاريخية الصعبة التي يجتازها اليوم من المتغيرات وسواء نجح فيها ام فشل ، فسوف يكون نموذجا حقيقيا في تطبيقاته على بلدان اخرى ربما لم تعان ابدا مثل الذي يعانيه العراق ، وخصوصا لبنان وسوريا والسودان والجزائر .. وربما مصر والسعودية في قابل الايام . ان اي مشروع خطير ان بدأ في مكان ما من منطقتنا ، فستتأثر به اماكن وبيئات أخرى . لقد كان تأثير متغّيرات مصر كبيرا على كل المنطقة عند مطلع القرن التاسع عشر وخصوصا بعد حملة بونابرت . وكان تأثير متغيرات ما بعد الحرب العالمية الاولى ومؤتمر فرساي 1919 كبيرا على منطقتنا عند بدايات القرن العشرين .. وها نحن سنشهد تأثير متغيرات العراق كبيرا على كل المنطقة في بدايات القرن الواحد والعشرين وبعد سقوط نظام صدام حسين وموت الافكار السياسية والوحدوية المركزية التي حملها حزبه والاحزاب القومية التي لم تقدّم شيئا ذي بال على امتداد القرن العشرين .. وستنشأ اجيال جديدة في المنطقة في ظل تحديات من نوع آخر . فهل ثمة وعي تاريخي بالمصير الذي سيلحق بكل المنطقة ؟[/size]