المحرر موضوع: الأقليات في عراق اليوم تحتضر  (زيارة 1137 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عصام خبو بوزوة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 172
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأقليات في عراق اليوم تحتضر

رغم كون الكلمات التي نعبر بها عن وجهة نظرنا كهواة في الكتابة لا تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام ولا تمثل رقما في حسابات السياسيين وأصحاب النفوذ في البلاد وتندرج تحت عنوان محاولات شخصية للنهوض بواقعنا وحلول تقدم لمعالجة الكثير من مشاكلنا وفق وجهات نظر متعددة صائبة أو خاطئة تنطبق عليها العبارة المرفقة بكل جريدة (( المقالات تعبر عن أراء أصحابها فقط )) . ورغم كون الكتابة أضعف الأيمان بنظر البعض تبقى سلاحا فعالا في الكثير من المجتمعات الحرة وهذا رفع من شأن هذا السلاح في نظري ودفعني إلى تبني استخدامه وعليه قررت مقاطعة الكتابة في كل ما يخص شؤوننا السياسية والاجتماعية والدينية كأبناء قومية واحدة بأسماء متعددة ومذاهب دينية مختلفة يجمع بينها المسيح والتاريخ ويفرقها رجال الدين والسياسة  احتجاجا على تصرفات زعمائنا بمختلف مجالاتهم وتعبيرا عن الأمل المحبط في تعثر مسيرة الوحدة بين مكوناتنا الشعبية وتياراتنا البارزة والأشكال التي وصل أليها ذلك التناحر وأخرها في الإعلام وليس هذا الأجراء سوى اعتصام متواضع ريثما يغير المقصودين سياساتهم وينفتحون على تطلعات أبناء شعبهم. وعليه سأكتفي بالكتابة عن جارتي المطلقة فتحية وتعاسة أولادها وعن بائع الحليب الأناني أبو شامل الذي يتقصد في أبعاد أبنه عنه عدة أمتار لكي يتلذذ لوحده في شرب البيبسي كولا وكذلك عن دارفور والسلام العالمي وعن الأممية والإنسانية وعن أوبرا وينفري وبرنامجها الرائع وسأملأ أوقات فراغي الناجمة عن الاعتصام في لعب الكومكان مع أمي المدمنة على هذه اللعبة أو في الإصغاء إلى موسيقى هادئة ولكن لن أسمح بعد اليوم لحواسي بأن تكون ملكا لأي سياسي أو رجل دين مسيحي يظن نفسه هو وحده الابن البار الوحيد المخلص لقضية شعبه والآخرين ليسوا سوى مجرد خونة حتى لو كان ذلك لبضعة دقائق فالأمر برمته لم يعد يستحق ذلك فنحن في كل يوم جديد نتجه من السيئ إلى الأسوأ وربما ستكون هذه هي المرة الأخيرة التي سأسمح فيها لنفسي بتجاوز ذلك الاعتصام بشكل غير مباشر وذلك من خلال الإشارة إلى واقعنا المتردي كأقلية ولكن بعد ضمها إلى خانة واسعة في العراق لا تقتصر على المسيحيين بتسمياتهم المتعددة ولكنها تتعدى لتشمل ديانات العراق المعروفة كلها وأسماء أبنائه القومية والعرقية وبمميزات خاصة يرفض أبنائها أن يكونون فيها مجرد حبل في لعبة الجر بين فريقين متنافسين قوميا كالأكراد والعرب أو دينيا كالإسلام والمسيحية أو طائفيا كالسنة والشيعة وغيرها من التقسيمات المعهودة في أقل طوائفنا الدينية الموجودة في العراق.
تلك الأقليات اليوم تحتضر بعد أن فقدت الحماية التي كانت توفرها هيبة الدولة وتحولت من فئات متحررة نوعا ما إلى فلول هاربة يتم مراقبة سلوك أبنائها ومصادرة حريتهم في أدق التفاصيل مع علمنا المسبق بأن تلك الشرائح الاجتماعية هي الأكثر تطلبا لأوكسجين الحضور الوطني والشعور بالهوية الخاصة في ظل أجواء الحرية التي تضمنتها مبادئ العراق الجديد فكم بالأحرى سيتزايد شعور النقص والحرمان بين أبنائها في ظل دخان العنف ونار الإرهاب التي حولت العراق إلى كرنفال مفتوح لهواة اللعب بالنار لكي يحترفوا ويستمتعوا بالقتل والنتيجة كانت خروج الأقليات من أي منطقة يضعف وجودهم فيها والانسحاب من قلب المدن الكبرى والانزواء بين زوايا الفقر المدقع في مناطق هامشية قليلة الفرص قصدوها أما لكونها مهد جذورهم أو لأنها مناطق يتوفر فيها الأمان نسبيا حتى لو كان ذلك في دولة أخرى لأن العراق أصبح غابة يبقى فيها فقط من يستطيع الخروج من الصراع حيا.
أقليات تتحدث بلغات تختلف عن لغة الأقوياء لا يوجد فيها مصطلحات كالميليشيات وفرق الموت ولا كتل برلمانية ضخمة ووزارات مغلقة في وجه الآخرين . أساليبها وطرقها تختلف عن تلك المفضلة لدى أولياء المدن العامرة بالإرهاب أو المحافظات الخاضعة لسلطة اللون الواحد سواء كان أصفرا أو أخضرا أو أحمرا أو ما شئت من الألوان ويصعب على أي مختص حصرها في قوالب معينة لأنها في أحيان كثيرة تنسب إلى أغلبية دينية ولكنها تتميز عن من تنسب لهم بالعرق واللغة وهكذا فالضريبة تكون باهضة وقد تدفع مرتان أو أكثر لصيادوا الفرائس وما أكثرهم اليوم في العراق المهم أن لا تقع في حبائل أسياد الغدر ومهما كانت الكلفة يتحملها أبناء هذه الأقليات حتى لو استلزم الأمر التخلي عن كل شيء أخر والأمثلة كثيرة فقد يستولي جارك على مقتنياتك الشخصية وأمام أنظارك لأنك مسيحي ضعيف أو قد تطرد من مسقط رأسك لأن وعيك القومي نضج وتبين بأنك مختلف شبكي كيكي كردي في وسط عربي أو عربي سني في وسط معاكس أو بالعكس أو تركماني تشجع هذا المذهب على حساب ذاك أو قد تقتل بقسوة لأنك يزيدي أو صبي أو تحت أي عنوان أخر يقلق أقوياء اليوم الخائفين على مصير عراقهم من هذا المد وذاك في مسلسل طويل لتصفية الحسابات الشائكة على أساسه يتم التعامل مع شرائح عراقية واسعة خصوصا تلك التي تمثل أقليات في نقاط انتشارها الجغرافي وكأنهم دخلاء طارئين على الأرض رغم كونهم الأقوى تاريخا والأغزر في تنوعهم الاجتماعي واللغوي والأبلغ في التعبير عن هوية العراق الضاربة في القدم والحضارة والأكثر تطلعا إلى عراق حر أمن وديمقراطي يعامل فيه الجميع على أساس عراقيتهم وليس لأنهم يرطنون بكلمات يجدها البعض غريبة أو لأنهم يرتدون ألوانا تختلف عن الأسود والأبيض في إشراقها وتحررها أو لأن ملامحهم تعبر عن ما وراء الشمس وديانتهم تتجاوز حدود العراق والوطن العربي .
أقليات أجبر أبنائها على ترك مدارسهم وجامعاتهم وخسروا وظائفهم والكثير من نفوذهم الاقتصادي في بلد لعبوا فيه طوال قرون دورا حيويا وفعالا جدا وللأسف وصل بها الأمر اليوم إلى حافة الموت بعد أن أجبر العنف أذهان أبنائها على تبني لغات أخرى والتفنن في الانتساب إلى معادلات القوى حيثما وجدت لأن المهم هو البقاء في هذه الحرب المدمرة غير المعلنة على مصير تلك الفسيفساء الجميلة التي تعايشت دون مشاكل حتى ظهور تقاليع القرن الواحد والعشرين العراقية التي بدا العالم بتقليدها شرقا وغربا .
المشكلة ربما تكون قد فاقت مرحلة الاحتضار وأبناء هذه الأقليات مطالبون اليوم بجهود مضاعفة للاتصال مع بعضهم البعض وتفعيل الكثير من النقاط المشتركة فيما بينهم من اجل الانطلاق في حملة واسعة لحشد الدعم العراقي لهم وإقناع الرأي العام في كل مكان بأنهم خصوصية اجتماعية وثقافية وعرقية عراقية مئة في المائة تستحق جهودا لمتابعة مشاكلها وتقديم الدعم لضمان بقائها مستقرة لأن اقتلاعها من قلب المدن الكبرى خسارة كبيرة للبلد فهي بالفعل طاقات مميزة وجميلة ومتنوعة حتى لو صنفت في خانة الأقلية تبقى حدود تقديماتها للمجتمع وللبلد ككل تفوق ذلك الحيز الذي حصرت فيه وألا فان عمليات ملاحقتها وعزلها عن المجتمع ستجبر أبنائها على التواصل في النزيف الذي مزق مكونات تلك الأقليات من هجرة وهروب من دوامات العنف والخطر حتى تنتهي حقبة العراق المنوعة ويتحول إلى دولة قاعدية أو حامضية لا تحتوي على الماء كحالة وسطى مطلقا.






                عصام سليمان – تلكيف .