المحرر موضوع: كاثوليك هيرالد: فخ الاضطهاد... المسيحيون المستضعفون يستنفذون حلفائهم  (زيارة 2792 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ankawa admin

  • المشرف العام
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2306
    • مشاهدة الملف الشخصي
عنكاوا كوم \ كاثوليك هيرالد - جون اوسيليفان
ترجمة وتحرير \ ريفان الحكيم


المسيحية هي اكبر ديانة في عالم الاديان المزدهرة. من الصعب في بعض الاحيان الشعور بأن الصورة الذهنية التي تسيطر على معظم الغربيين, بما في ذلك العديد من المسيحيين, هي واحدة من الديانات التي تحتضر في عالم علماني حيث الله لم يمت كثيرا بقدر تقاعده بمعاش متواضع. الواقع مختلف جدا. في عام 2015, كانت الديانات الاربعة الكبرى في العالم وبترتيب تنازلي كالتالي: المسيحية (31.2% من سكان العالم) والاسلام (24.1%) والهندوسية (16%) والبوذية (7%). واذا قبلنا ان نسمي فئة "بدون دين" كديانة, فانهم يأتون في المرتبة الثالثة بنسبة 16% .

بالنظر للتوقعات السكانية لعام 2060, تتغير هذه الصورة قليلا فقط ولكن بشكل ملحوظ. جميع الديانات تشهد زيادة في عدد المؤمنين بها. فئة "بدون دين" تأتي خلف الهندوسية في المرتبة الرابعة- وهذا امر لا مفر منه لحتمية العلمنة. ويتفوق الاسلام على المسيحية كأكبر دين في العالم. لن يتقدم الاسلام الا بمقدار قليل جدا- تحوم الديانتان في حدود 32% في عام 2060 لكنها ميزة ستنمو في الاعوام اللاحقة.
ان الاسباب الرئيسية هي اسباب ديموغرافية: العمر والخصوبة. المسلمون في جميع انحاء العالم اصغر من المسيحيين بنحو ست سنوات, والنساء المسلمات لديهن اعلى معدل للخصوبة بين الاديان. المسيحيون سيحلون بعيدين خلف المسلمين بشكل حتمي في لعبة الارقام في المستقبل. هذه التوقعات جاءت من مصادر موثوقة وخاصة مركز "بيو للابحاث" و "الامم المتحدة", لكن التوقعات الديموغرافية تتغير مع مرور الوقت. ولكن ليس بشكل سريع.

الاكثر اثارة للقلق من الارقام الاجمالية هو تراجع توزيع المسيحية. كل النمو في اعداد المسيحيين تقريبا يحدث في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى. المسيحية الاسيوية لاتفعل اكثر من تماسك نفسها مع بقية الاديان. ويحدث التدهور في معاقل المسيحية التقليدية, وهي اوربا والشرق الاوسط وشمال افريقيا والامريكتان.

في اوربا, يكون الانخفاض مطلقا نسبيا. يتراجع المسيحيون الاوربيون كنسبة مئوية من جميع الاوربيين جزئيا لان معدل المواليد لديهم اقل من غيرهم, جزئيا لان الكثيرين ببساطة يتركون دينهم. بين عامي 2015 و 2020, سينخفض عدد المسيحيين في اوربا بمقدار 8.2 مليون. سيكون للاوربيين وزن اقل في المسيحية العالمية, متناقصين من 24 الى 14 % من المسيحيين بين الان وعام 2060, وسيكون للمسيحيين وزن اقل في السياسة والحياة الاجتماعية في اوربا. هذا هو التأثير الاخير الذي من المرجح ان يكون اكثر شؤما لجميع المسيحيين.

الى جانب الديموغرافيا, يواجه المسيحيون في جميع انحاء العالم خطرين اضافيين ومتزايدين: الاضطهاد الديني وعدم وجود اصدقاء اقوياء.
بالطبع هم ليسوا المؤمنين الوحيدين الذين يواجهون الاضطهاد. قتل اليهود في فرنسا, محاولة الابادة الجماعية لليزيديين في العراق وسوريا, قمع الزردشتيين (واخرين) في ايران, القتل الجماعي الاخير للمسلمين في نيولندا. تظهر هذه الامثلة وغيرها ان الاضطهاد الديني متفش وواسع الانتشار وبجح الى حد كبير في جميع انحاء العالم. ومع ذلك, يتعرض المسيحيون بشكل خاص للهجوم من ثلاثة اتجاهات.
اولا, في البلدان ذات الغالبية المسلمة في الشرق الاوسط, وشمال افريقيا وايران وباكستان وتركيا, المسيحيون (الى جانب اليهود) هم ضحايا موجة متصاعدة من الحماس الاسلامي والجهادي. هذا تحريف سياسي للاسلام ويؤمن به اقلية من بين المسلمين, لكنه ظاهرة اجتماعية كبيرة تؤثر على الحكومات وتغلب عليها. وهكذا, في بعض الاحيان تضطهد الحكومات المسيحيين مباشرة كما في السودان, احيانا يحاولون كبح جماح هجمات الغوغاء على المسيحيين ومعاقبتهم, كما حدث مؤخرا في باكستان, في بعض الاحيان يغض الطرف عن جرائم مثل القتل على الدين وحرق الكنائس (التي تشارك فيها الشرطة والجنود بالفعل) كما هو الحال في مصر, وغالبا ما ينحرفون بين هذه الردود المختلفة اعتمادا على ضغوط الحكومات الاجنبية والمنظمات غير الحكومية. والنتيجة النهائية هي ان بعض اقدم المجتمعات المسيحية في العالم تم طردها من العراق وسوريا, وان الاقباط في مصر –ويمثلون 5% من السكان- يعيشون نصف حياة في الظل بين الحماية الرسمية والعنف الاسلامي والهجرة.

المصدر الثاني للاضطهاد المناهض للمسيحيين هو الحكومات الملحدة العسكرية التي تشتبه بأي نشاط اجتماعي لايخضع لسيطرتها بشكل مباشر. كوريا الشمالية هي اكثر الامثلة المروعة على هذه الانظمة الاستبدادية القمعية. لكن الصين – التي استغلت الانترنت لانشاء اول حالة بوبيكتون- هي الاكثر ذكاءا واستمرارا وفعالية. عند الضرورة, يسجن ابناء الديانات بالجملة كما هو الحال مع مع مسلمي اليوغور
واخيرا, هناك دول حيث تساعد الحكومة دينها على ابعاد المنافسين عن طريق التنظيم القانوني. يعتبر تحالف بوتين مع الارثوذكسية الروسية مثالا محرجا للمسيحيين, لكنه ليس ببدعة ولا وحشية.

في وجه الاضطهاد, يمكن لجميع الاديان ان تتحول الى حماة. لدى المسلمين بشكل خاص داعم قوي في منظمة التعاون الاسلامي التي توحد 57 حكومة اسلامية للتفاوض على حقوقهم في دول غير اسلامية. اعتاد المسيحيون في الدول غير المسيحية على التمتع بحماية اكبر من الحكومات الغربية خلال فترة الامبراطورية.

ومع ذلك فأن المجتمعات المسيحية المضطهدة خارج اوربا اليوم تتوقع القليل من المساعدة من اوربا. نسبة صغيرة جدا من اللاجئين السوريين الذين حصلوا على حق اللجوء في اوربا هم من المسيحيين – وهي 0,2% فقط. وعندما يقترح –كما حدث في عهد رئيس الوزراء الاسترالي توني ابوت- انه ينبغي انشاء فئة خاصة لهم, عورضت الفكرة باعتبار انها تمييز عنصري واختفت الفكرة في رمال البيروقراطية. هذه هي حالة كلاسيكية لمبدأ تجريدي من عدم التمييز يجري استخدامه بطريقة تضمن ممارسة فعلية للتمييز تضر بالاناس الحقيقيين.

اسباب كثيرة تفسر هذا باللامبالاة. القوة الاقتصادية والعسكرية الغربية اتي كانت تحمي المسيحيين في الخارج اما بشكل مباشر او من خلال الدبلوماسية لم تعد مثيرة للاعجاب. قد يكون هذا الانطباع مبالغا فيه, ولكن في الوقت الحالي هو مهم. يتم تجاهل مواثيق وقوانين حقوق الانسان الخاصة بنا ببساطة, عندما تكون ملائمة من قبل الدول المناهضة للغرب.

حتى وان لم يكن الامر كذلك, فان حكومات اوربا الغربية لديها شعور خاص بالمسؤولية تجاه المسيحيين في الخارج لانهم لم يعودوا يعتقدون ان بلادهم مسيحية بأي شكل جاد, بما في ذلك ثقافيا. في الواقع, فان تحويل الليبرالية الغربية- التي كانت اساسا للقلق الغربي بشأن المذابح التي يتعرض لها المسيحيون في الخارج- الى مبدأ الحياد الصارم بين الاديان غالبا ما يتم تفسيره في الممارسة العملية لصالح الديانات الاخرى على المسيحية في الخارج وكذلك في الداخل. كما اشار الراحل كينيث مينوغ في مقال عن "كريستوفوبيا", فأن حكومات اوربا الغربية لاترغب في منح حماية خاصة للمسيحيين في الخارج لان ذلك من شأنه ان يقوض مطالباتهم بتمثيل نظام ليبرالي دولي عابر للدين. هذا اقرب مايكون الى ضرورة دينية في الدبلوماسية الغربية, وقد تم التأكيد عليه بشكل غير رسمي قبل بضع سنوات في اجتماع في واشنطن بين بيروقراطيي وزارة الخارجية وجماعات الضغط الديني. وردا على سؤال حول سبب عدم دعوة الولايات المتحدة الى قبول المزيد من المسيحيين كلاجئين, اجاب المتحدث: "اجابتي لن تعجبك. الاوربييين قد طلبوا منا ان لانفعل".

تعد امريكا استثناءا جزئيا لهذه السياسة الليبرالية المتمثلة في اللامبالاة الحذرة بشبب المشاركة القوية في الحياة السياسية للمجتمعات الدينية التي لها صلات عرقية بالمضطهدين. اعطى قانون الحرية الدينية الدولية للولايات المتحدة مسؤولية محددة لتعزيز الحرية الدينية في جميع انحاء العالم. ونجحت في جعل فيتنام تتخلى عن سياسة التخلي القسري عن الدين. وعلى الاقل, تواصل تقاريرها الدورية الضغط على الحكومات للوفاء بالتزاماتها بالحرية الدينية.

فيث اوربا, تمثل المجر وبولندا استثناءات ايضا. كانت المجر رائدة ي سياسة تقديم مساعدة سخية ونشطة لتمكين المجتمعات المسيحية في الشرق الاوسط  من اعادة بناء كنائسها وحياتها في ظروف اكثر أمانا. انها تعتبر هذا جانبا واحدا من مسؤوليات المجرى الاوسع كدولة ترغب في تنشيط ثقافتها المسيحية المميزة وحماية هذه الثقافة. لكن هذا يضع البلاد على خلاف مع اوربا ما بعد المسيحية.
الصورة قاتمة مع المزيد من المخاطر وبعض وسائل الراحة. يتم تحويل الكثير من المسيحية السائدة الى انسانية غامضة يبدو انها تعتقد ان الانسان يعيش بالخبز وحده. انها تتقلص في مواجهة حقيقة الاضطهاد لانها لاتريد ان تفكر سلبا في المضطهدين, وهي تتبنى السامري الصالح مثالا عن سبب كون المسيحيين هم اخر الناس الذين يجب مساعدتهم.

ان ادراك هذه الاخطار يتلاشى جزئيا في اوربا. لقد قام كل من رئيس الوزراء البريطاني ووزير الخارجية بتعيين مبعوثين خاصين للتحقيق في عمليات الاضطهاد ومساعدة المضطهدين. لدى الاتحاد الاوربي جان فيغل كمبعوث نشط يعزز الحرية الدينية على النموذج الامريكي. يقترح تقرير جديد صاغه برلماني اوربي ان يتم تعزيز مكتبه بمزيد من الصلاحيات.

حتى الان اناه مثل القشة في مهب الريح اكثر من ان تكون حصاد للامال. سنحتاج الى بذل المزيد من الجهود لمواجهة ارتفاع مستويات الاضطهاد. لكن ماذا بالتحديد.؟؟
للاجابة على هذا السؤال, سيعقد معهد الدانوب ومنتدى الثقافة الجديدة مؤتمرا مشتركا حول الضحايا غير المرئيين: "المؤمنون المضطهدون والحكومات الغربية" في نادي الاصلاح بلندن يوم 9 نيسان