المحرر موضوع: نبيل يوسف: الانتشار السرياني في وادي حربا بلبنان  (زيارة 2382 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ankawa admin

  • المشرف العام
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2306
    • مشاهدة الملف الشخصي

البلد / نبيل يوسف

الموقع: بين جبلَي المكمل والمنيطرة وادٍ يمتد من شاطئ البحر صعودًا إلى جرود القطّارة-إيليج، تنتشر على جوانبه عدّة قرى وبلدات ودساكر: يعرف هذا الوادي حتى مشارف ميفوق باسم وادي حربا.

بعد التقسيم الإداري الذي أُقر زمن الانتداب الفرنسي أصبح الوادي الحدود الفاصلة بين محافظتَي لبنان الشمالي وجبل لبنان.
وعورة البحث: رغم أن وادي حربا يعتبر من أهمّ المواقع التاريخية، وسكنه الإنسان منذ العصر الحجري، هناك صعوبة كبيرة في كتابة تاريخه لغياب المراجع وما وصل إلينا منها ليس سوى النذر القليل جدًا.
هذا الغياب عائدٌ لأن الوادي دمّر وأحرق على يد المماليك سنة 1305 ومن يومها أصبح خرابًا وما عاد يسكنه الإنسان إلّا في بعض الأماكن النادرة، وتحوّلت أراضيه إلى أحراشٍ خاصة بعد أن انقطعت المياه عنه، عندما تمّ تحويلها إلى أراضٍ زراعية.
والذي ما زال باقيًا من تاريخ الوادي أحاديث متناقلة بين أهالي القرى والبلدات المجاورة له، يتناقلها الأبناء عن الأجداد، حتى أصبح بعضها أشبه بالأساطير، إضافة إلى ما رواه الأديب مارون عبّود في مؤلّفاته، وما كُتب في أوراقٍ قديمة حفظها بعض المهتمّين، وبعض ما ذُكر في الكتب وما وجد في خزائن أديرة كفيفان وجربتا وميفوق والقطّارة، وما ورد في مخطوطات المكتبة الشرقية التابعة للجامعة اليسوعية: لكن كلّ ذلك لا يشفي الغليل.
التسمية: عُرف هذا الوادي قديمًا جدًا باسم وادي اللزان على ما يقول الأب بطرس ضو في موسوعته تاريخ الموارنة في الجزء الثالث، وأما العينطوريني فيقول “الزلان” أو “اللزان”، على ما جاء في مختصر تاريخ جبل لبنان، فيما الخوري منصور طنّوس الحدتوني يقول في النبذة التاريخية في المقاطعة الكسروانية: “وادي الزلان”.
عام 693 جرت معركةٌ في الوادي بين الموارنة المتحصّنين فيه وعلى التلال المحيطة وكانوا بقيادة بطريركهم الأوّل مار يوحنّا مارون والجيش البيزنطي الذي كان على رأسه القائدان “موريق ومورقيان”: في تلك المعركة انتصر الموارنة وطاردوا فلول البيزنطيين حتى أميون، هناك قتل القائد البيزنطي “موريق MAURICE” ودفن في كنيسة مار عبدا، ومنذ ذلك الوقت أصبح يعرف باسم وادي حربا، أي وادي الحرب في اللغة السريانية.
أما اسم وادي المدفون فاكتسب من المعركة التي جرت حوإلى عام 1293 بين المماليك والموارنة الذين أرادوا الدفاع عن جبيل، فوضعوا “ألفين من المقاتلين في وادي المدفون” بقيادة مقدّم كفركده، لقطع الطريق على النجدة القادمة من طرابلس، ولدى وصولها دارت معركة كبيرة، انهزم فيها جيش المماليك وقتل مقدّم كفركده في المعركة.
بعد انتصار الموارنة دفنوا قتلى المماليك في الوادي، ومن يومها أصبح الجزء الساحلي من الوادي يعرف باسم وادي المدفون: هذه المعركة ذكرها ابن القلاعي في زجلياته، والعينطوريني في كتابه مختصر تاريخ جبل لبنان.
تاريخ الوادي: عايش الوادي الحضارات التي عرفها لبنان، فمن شبه المؤكّد أن الإنسان البدائي الحجري سكنه: ففيه مغاور ومياه ومفتوح بسهولة على شاطىء البحر، وقد تكون المنطقة الأكثر ازدهارًا في الوادي في التاريخ القديم هي المنطقة الغربية الساحلية التي تمرّ فيها الطريق التي عبرها كلّ من سلك الشاطىء الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط.
مع ازدهار الحضارة الفينيقية، ازدهر الوادي بعد أن جعل ملوك جبيل الفينيقيون بلدة سمار جبيل المطلّة على الوادي مصيفًا لهم، وبنوا قلعتها، وكانت طريقهم إليها تمرّ في الوادي.
كثيرةٌ هي الروايات والأساطير حول تلك المرحلة، التي يصل بعضها إلى حدّ الخيال وتناقلها الأهالي جيلًا بعد جيل ومن أبرزها أن هناك سردابًا حفر في باطن الأرض من قلعة سمار جبيل نزولًا حتى قرب الشاطىء، وكان المدافعون عن القلعة يستعملونه زمن الحصار لإدخال الإمدادات إليها، لذلك لم تسقط يومًا في أيدي الغزاة.
كما انتشرت بين الأهالي روايات عن كمّياتٍ من الذهب من زمن الفينيقيين مدفون في كهوف وآبار الوادي، وكم من هواة البحث عن الذهب أمضوا الأيام والليالي يبحثون ويبحثون.
في القرن الثاني قبل الميلاد كان وادي حربا أو وادي الزلان وقتها الحدود الجنوبية لدولة الأيطوريين على ما يقول المؤرّخ فيليب حتّي، التي كانت عاصمتها مدينة حنوش المندثرة اليوم وتقع جنوب نفق حامات.
عام 64 قبل الميلاد وصل القائد الروماني بومبيوس إلى بلادنا ودخل الوادي في طريقه إلى جبيل.
ترك الرومان العديد من الآثار في الوادي، أبرزها الجسر الروماني المبني في القرن الميلادي الأوّل فوق الوادي عند شاطىء البحر: هذا الجسر بقي يُستعمل حتى الحرب العالمية الثانية حين بنى الجيش الإنكليزي جسرًا جديدًا، فأصبح الجسر القديم للفلّاحين والمزراعين يمرّون عليه مع حيواناتهم، وتهدّم نهائيًا شتاء 1983 يوم ضربت تلك العاصفة الشهيرة البلد.
إكتشفت في الوادي عدّة آثار يونانية ورومانية وبيزنطية من بينها بعض الكتابات على الصخور: في كتابه أحاديث القرية ذكر الأديب مارون عبّود أنه وجُدت في وادي حربا كتابات بالحرف اليوناني تقول من هنا الطريق.
ما هي هذه الطريق التي كانت تدل عليها الكتابات؟
هي طريق القمح التي كانت تنطلق من الطريق الرومانية الساحلية صعودًا عند أطراف الوادي حتى قمم إيليج ومنها عبر الفالق إلى شليفا-دير الأحمر وصولًا إلى بعلبك، وعبر هذه الطريق مرّت قوافل القمح من سهل البقاع الذي كان يسمّى إهراءات الإمبراطورية الرومانية: هذه الطريق ذكرها المسعودي والبطريرك الدويهي.
برز أثناء حكم الرومان عامل مصيري غيَّر مجرى التاريخ ألا وهو ظهور المسيحية التي انتشرت على ساحل المتوسّط. وكان الوادي من أوائل الأماكن التي دخلها المسيحيون، ومن يومها بدأ زمن التنسّك فيه.
لم يكد يصل القرن الثاني الميلادي حتى بدأت الحضارة الفينيقية بالأفول، ليبدأ الانتشار السرياني في بلادنا خصوصًا بعد براءة ميلانو سنة 313 التي منحها الإمبراطور قسطنطين للمسيحيين بحيث أصبحت المسيحية ديانة الدولة الرسمية فعرف الوادي أوج ازدهاره.
ما يؤكّد الانتشار السرياني في هذه المنطقة الكنائس التي ما تزال موجودة حول الوادي، خاصة كنيسة مار نوهرا ومار باسيليوس وكنيسة السيّدة في سمار جبيل، وكنيستا مار سابا ومار ماما في إدّه، ودير القطّين في صغار.
الموارنة في الوادي: إعتبارًا من النصف الثاني من القرن الخامس بدأ بعض الرهبان الموارنة من تلامذة مار مارون بالوصول من شمال سوريا والانتشار في جبال لبنان شمال جبّة المنيطرة والاندماج بسكّانه.
وصل هؤلاء الرهبان المبشّرون إلى نواحي جبّة بشري وجرود جبيل والبترون، وأهمّهم مار سمعان العامودي الكبير، الذي نزل في قرى شمال لبنان. وابراهيم القورشي، الذي بشّر في جبّة المنيطرة واطلق اسمه على نهر أدونيس. ومعهما بدأ السريان المسيحيون في جبال لبنان الشمالية يتبعون تلامذة مار مارون قبل أن تتأسّس الكنيسة المارونية.
يقول الأب بطرس ضو: معظم الموارنة هم سكّان لبنان الأصليون، وانضمّت إليهم فيما بعد، وعلى دفعات متقطّعة، أفواج من الموارنة النازحين من سوريا.
على أثر انعقاد مجمع سنة 451 في مدينة خلقيدونيا والخلاف ما بين الموارنة واليعاقبة في شمال سوريا، الذي أدّى إلى مجزرة تعرّض لها الرهبان الموارنة سنة 517 فقتل منهم 350 راهبًا، لجأ قسمٌ كبير من موارنة شمال سوريا إلى إخوتهم في جبال لبنان الذين كانوا أصبحوا كثرًا، فوصلوا أوّلًا إلى منابع العاصي ومنها توغّلوا في الجبال باتجاه نواحي الجبّة وجبال البترون وجبيل.
كيف وصل الموارنة إلى الوادي؟
سار الموارنة لدى خروجهم من شمال سوريا إلى جانب نهر العاصي ووجهتهم جبال لبنان، ولدى وصولهم إلى منابعه تابعوا سيرهم، وكانت جبال شاهقة مغطّاة بالثلج إلى يمينهم لا يمكنهم عبورها، ولكن ظهر لهم فالق ما بين شليفا والعاقورة لم يكن مكسوًا بالثلج فعبروا من خلاله إلى الناحية الغربية لسلسلة جبال لبنان وهبطوا إلى العاقورة وإيليج وأكملوا نزولًا باتجاه الشاطىء فوصلوا إلى وادي حربا: حتى اليوم ونحن في سنة 2019 ما زال هذا الفالق موجودًا ويمكن عبور طريق العاقورة-شليفا أسهل بكثير من باقي الطرق التي تربط الساحل بشمال البقاع التي ما تزال تكسوها الثلوج حتى اليوم (حزيران).
لماذا إلى وادي حربا أوّلًا؟
لأنه كان مسكونًا بعشرات النسّاك والرهبان والكهنة، وحواليه كانت مدن مسيحية، ويقول الأب هنري لامنس في كتابه “تسريح الأبصار” أن مدينة البترون أضحت من أوّل مساكن الموارنة، وعندما أراد الموارنة اختيار بطريركٍ لهم يملأ فراغ كرسي أنطاكيا اختاروا مار يوحنّا مارون أسقف البترون فتوجّه أوّلًا إلى قلعة سمار جبيل ووادي حربا ومن ثم صعد إلى دير كفرحي.
مع الموارنة عرف الوادي عصره الذهبي ويروى أنه كان فيه ما يقارب 100 قلاية وكنيسة ودير ومغارة وصومعة سكنها لا أقل من 1000 راهب وناسك وكاهن. إضافة إلى المئات من المزارعين الذين عملوا في حقول الوادي، ومن يومها بدأت تتكوّن القرى والبلدات على جوانبه.
هل كان في الوادي كرسي أسقفي؟
غير مؤكّد، ولكن حتى اليوم في الوادي أكثر مغارة وموقع يحملون اسم القلاية والمعروف أن القلاية هي مكان سكن المطران، فهل كان يسكن فيها أسقف ما؟
بقي الوادي مزدهرًا حتى عام 1305 حين نكب النكبة الكبرى على يد جيوش المماليك: لم ينسَ المماليك هزيمتهم سنة 1293 فجردوا حملة ضخمة على الوادي فقتلوا وأحرقوا ودمّروا وهرب منه من استطاع إلى ذلك سبيلًا.
دمّر الوادي وأصبح خرابًا، وغادره الموارنة إلى قمم الجبال العصيّة على الجيوش الغريبة.
لماذا لم يعد الموارنة إلى الوادي وبقي خربًا؟
يٌعتقد أن السبب الرئيسي هو جفاف مجاري المياه، ومن المعروف أن الإنسان لا يمكن أن يعيش من دون ماء: لقد تمّ تحويل المياه من أعالي القمم إلى الأراضي الزراعية، فيبست أراضي الوادي التي لم يعد فيها سوى بعض الآبار ومياه أمطار الشتاء.
من الأحداث المهمة في الوادي:
– عام 1624 وبإيعازٍ من الأمير فخر الدين الثاني، حكم أبو نادر الخازن مدبّر الأمير على عاشينا شلهوب مقدّم بشرّي بالإعدام، لقتله القسّ دانيال، ثم ألحق به والده لما جاء محتجًّا، وألقى بهما في الوادي.
– شهد وادي حربا حركة نزوح هائلة للفلّاحين الموارنة، منذ أواخر القرن الثامن عشر بعد ترحيل آل حماده عن منطقـة البترون، وكـان هؤلاء النازحون: غلابنة وفغاليون وبجّانيون وجاجيون ومعاديون وعواقرة وسواهم من موارنة المقاطعات الجبيلية والكسروانية.
– في 4 تشرين الأوّل 1779 حاصر أحمد باشا الجزّار جبيل لطرد الأمير يوسف الشهابي منها، وأرسل أسعد آغا شديد المرعبي متسلّم طرابلس حملة لمساعدة الجزّار “فصدّها عن ذلك العسكر الذي كان مع الأمير سيّد أحمد (أخو الأمير يوسف) في الوادي، وكسرها وردّها إلى خلف”، وبعد 13 يومًا من الحصار رضي الجزاّر على الأمير يوسف وفكّ حصاره عن جبيل.
– مع ظهور نجم يوسف بك كرم وبروز حركته الاستقلالية ناصره أهالي بلاد البترون وجبيل الموارنة الذين رأوا فيه أملهم. ويخبر أحد قوّاده أسعد بولس عن معركةٍ جرت عند جسر المدفون، وكانت فرقة يوسف بك كرم بقيادة سمعان صالح، واستمرّت المعارك 3 أيام متواصلة بين 25 و28 شباط 1860. وانهزم جيش المتصرّف داود باشا، فثارت ثائرته “وراح يعدّ العدّة للقضاء على البك”.
من آثار الوادي:
هل يمكن إحصاء ما يحتوي وادي حربا من آثار؟
من المؤكّد أن في ذلك صعوبة كبيرة، ولكن ما يمكن ذكره:
1- عند أطراف الوادي 4 قرى مارونية كانت مزدهرة وأضحت اليوم خرابًا وهي: برناسا وشويت ورامات ووطا صفرتا، أعطت بطاركة وأساقفة وكهنة ورهبان ونسّاك، وكانت تضمّ أديرة وكنائس ومنازل عامرة.
2- في الوادي العديد من المغاور التي كانت مأوى للمضطهدين والناسكين، تحوّل معظمها إلى كنائس، وبنيت فيه كنائس أخرى منها:
في خراج بلدة تحوم:
1. كنيسة مار شينا: يبدو أنها كانت تقع في الوادي أسفل حي تحوم التحتا
2. مغارة الوطواط في أعلى البلدة.
3. قلاية تحوم: يعتقد أنها كانت تقع أسفل حي تحوم الفوقا.
4. كنيسة مار عبدا: كانت تقع على الحدود الفاصلة بين تحوم وراشانا في الشير العالي
في خراج بلدة راشانا:
1. قلاية الراهب: مقابل منازل آل عبد الله
2. كنيسة مار ضومط: يعتقد أن موقعها مقابل منازل آل خليفة
في خراج بلدة سمار جبيل:
1. كنيسة السيّدة: هي كنيسة محبسة كانت تقع أسفل القلعة.
في خراج بلدة غوما:
1. قلاية الراهب: هي محبسة تعرف أيضًا بمحبسة شير الغراب.
2. عين مار يوحنّا مارون: يقول التقليد المتوارث أن القدّيس يوحنّا مارون عندما كان يقيم في قلعة سمار جبيل كان يتردّد على العين للصلاة والتأمّل.
3. كنيسة مار يوحنّا المعمدان: تقع على شير مقابل شويت فوق شاهق صخري.
4. كنيسة محبسة الشيخ
في خراج بلدة فغال:
1. كنيسة السيّدة: ما تزال آثارها ظاهرة.
2. كنيسة مار نوهرا: ما تزال آثارها ظاهرة.
3. كنيسة مار يوحنّا المعمدان: على مطل بلدة شويت.
4. كنيسة مار سركيس وباخوس: تقع بين صخرتين.
5. كنيسة مار أنطونيوس الكبير: ما تزال قائمة وتقع داخل مغارة، وذكر الدويهي في تاريخ الأزمنة أنه كان في وادي حربا ديرٌ عظيم على اسم القديس أنطونيوس، كان يسكنه سنة 1595 الخوري يعقوب من كفركده.
6. محبسة الحبيس أو محبسة مار سمعان: تقع داخل مغارة، مقابل وادي شويت.
7. كنيسة مار الياس: يبدو أنها كنيسة محبسة قديمة كانت موجودة في الشير الفاصل بين فغال وعين كفاع.
في خراج بلدة شويت:
1. كنيسة السيّدة: ما تزال قائمة
2. كنيسة مار بسكوان
3. كنيسة مار روكز: يعتقد أنها كانت تقع أسفل البلدة عند ضفاف النهر.
في خراج بلدة صغار:
1. كنيسة ودير سيّدة القطّين.
2. كنيسة مار اسطفان: ما تزال آثارها موجودة.
في خراج بلدة وطا صفرتا:
1. كنيسة مار أسيا
في خراج بلدة جربتا:
1. كنيسة ومحبسة مار شليطا
2. كنيسة ومحبسة مار نوهرا
في خراج بلدة مراح الزيّات:
1. كنيسة ومحبسة السيّدة: تقع في شير على حدود بلدتي غوما ومراح الزيات
نعود ونؤكّد أنه يمكن احتمال عدم الدقّة في تعداد بعض الكنائس لغياب المراجع المهمّة، خاصة وأن مواقع معظم الكنائس اليوم في أملاكٍ خاصة قام الأهالي بإزالة آثارها عن غير قصد بفعل تميهد الجلول.
ومن المؤكّد أيضًا أن هناك العديد من الكنائس التي لم يتمّ الكشف عنها بعد، قد يتمّ التوصّل إلى اكتشاف مواقعها لاحقًا.
محاولة إحياء الوادي:
كان وما زال وادي حربا في وجدان الأهالي، ودائمًا كانت هناك محاولات لإعادته إلى الخارطة من أبرزها:
– عام 1960 كان الرئيس كميل شمعون في ضيافة القنصل جوزف أبي صعب في راشانا وبرفقته كميل أبو صوّان وصباحًا كانوا يقومون برياضة المشي وانضمّ إليهم الخوري ميشال خليفة ولدى وصولهم إلى مشارف الوادي أعجب الرئيس شمعون وأبو صوّان بالمشهد وشرح لهما الخوري خليفة تاريخ الوادي، فسأل الرئيس شمعون كميل أبو صوّان رأيه بامكانية إحياء الوادي.
ردّ قائلًا: الموقع هامّ جدًا والبلد يشهد فورة سياحية أقترح بناء شاليهات صغيرة لا تتعدّى مساحاتها 40 مترًا مع شرفات واسعة ناحية الوادي وشقّ دروبٍ ترابية لهواة رياضة المشي ضمن الوادي وعلى جوانبه، وستصبح كلّ هذه المنطقة من أهمّ المواقع السياحية في لبنان على مدار السنة.
– منتصف الستينيات تقريبًا قدّم الدكتور مالك بصبوص من بلدة غوما دراسة لإنشاء برك في الوادي تستعمل للري والرياضات المائية وتربية الأسماك، وتقام على أطرافها مقاهي ومطاعم.
– عام 1969 أسّس الأستاذ جورج اسطفان من بلدة صغار مع مجموعةٍ من شباب البلدات المقابلة للوادي جمعية المحافظة على الطيور المعروفة في بلاد البترون باسم التيرو، وكان محور نشاطها تقريبًا وادي حربا فقامت بإحضار المئات من فراخ طيور الحجل وأطلقتهم في الوادي ليتكاثروا، ولمنع صيدهم وتنظيم صيد باقي الطيور عيّنت نواطير لمراقبة الوادي والأراضي الملاصقة: بقي نشاط الجمعية حتى اندلاع الحرب عام 1975. وحتى اليوم وبعد مرور نصف قرن ما يزال في وادي حربا الكثير من طيور الحجل التي تكاثرت وعشعشت فيه.
– عام 1972 وبعد تعيينه وزيرًا للتصميم العام التقى الدكتور جورج سعاده وهو من بلدة شبطين الدكتور مالك بصبوص وتباحثا في الدراسة التي أعدّها، وبعد تعديلها حملها الدكتور سعاده إلى مجلس الوزراء لمناقشتها وإقرارها، لكن استقالة الحكومة في نيسان 1973 أوقفت المشروع.
– منتصف السبعينيات تقريبًا وضعت الرهبنة اللبنانية دراسة لإنشاء طريقٍ للمشاة من دير كفيفان إلى دير معاد مع محطّات في: كنيسة رامات وكنيسة وطا صفرتا ودير جربتا وكنيسة شويت، تخصّص لهواة المشي والراغبين بالصلاة والتأمّل. وأتت أحداث صيف 1978 وما رافقها من تهجير فتوقف كلّ شيء.
– مطلع ثمانينيات القرن المنصرم رغب الخوري منير خير الله من بلدة مراح الزيّات بإعادة إحياء الوادي ولو بجزءٍ منه فساهم في تنظيم عدّة نشاطات روحية وشبابية في دير جربتا والحقول المجاورة، لكن ظروف الحرب كانت قاسية جدًا وقتها ولا تسمح بأي نشاط في الوادي، الذي كان أصبح خطوط تماس. وبعد تعيينه مطرانًا على أبرشية البترون المارونية وإطلاق أعمال المجمع الأبرشي شكّل لجنة لإحياء التراث الديني في الأبرشية عملت على دراسة مشاريع لإحياء الوادي، وبقي التمويل عائقًا أمام التنفيذ.
– إعتبارًا من تسعينيات القرن المنصرم حمل المحامي نبيل طوبيا من بلدة غوما قضيّة الوادي وجعلها شغله الشاغل، وأنا كنتُ واحدًا ممن ساعده في إعداد الدراسات: كان الهدف إعادة إحياء الوادي ونفض غبار الأيام عنه وتحويله إلى معلم ديني سياحي، لكن واجهته صعوبات التمويل ورحل فجأة قبل إكمال ما كان يخطّط له.
– أواخر تسعينيات القرن المنصرم أتى من يهمس بوجوب شقّ طريقٍ في الوادي من جسر المدفون حتى دير جربتا لتسهيل الوصول إلى الدير: لاقى هذا المشروع معارضة شرسة من أهالي البلدات المجاورة للوادي فهذه الطريق ستقضي عليه نهائيًا، ونتيجة هذه المعارضة صرف النظر عن شقّ الطريق.
– منذ قرابة السنة وبدعمٍ من الوزير جبران باسيل أطلق المحامي لوران عون من بلدة تحوم مع مجموعةٍ من المهتمّين جمعية أصدقاء وادي حربا بهدف إعادة إحياء الوادي وبدأوا العمل.
بعد أيامٍ: الأحد 16 حزيران 2019 سيقام قدّاسٌ في الوادي لأوّل مرّة منذ عشرات الأعوام، وافتتاح المرحلة الأولى من تأهيله، ولكن يبقى الكثير من العمل، لاسيّما اكتشاف أماكن عشرات الكنائس وإعادة ترميمها، وهذا أمر فيه صعوبة لعدّة أسباب أهمّها كما ذكرت سابقًا غياب المراجع التي تحدّد المواقع بدّقة، ووجود معظمها في أملاك خاصة.
على أمل أن يتمّ إعادة وادي حربا إلى خارطة السياحة الدينية ويصبح مقصدًا للمؤمنين والسواح وهواة الرياضة.
* باحث وكاتب

نبيل يوسف