المحرر موضوع: في لبنان .. دير يجمع شتات مسيحيين فرقتهم الحرب  (زيارة 1283 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

في لبنان .. دير يجمع شتات مسيحيين فرقتهم الحرب


دير مار أنطونيوس قزحيا في قلب وادي قاديشا في لبنان بصورة التقطت يوم 23 يونيو حزيران 2019. صورة لرويترز.


عنكاوا دوت كوم/ swissinfo/آيات بسمة

قزحيا (لبنان) (رويترز) - كانت آخر مرة تطأ فيها قدم صامويل بطرس أرض دير مار أنطونيوس قزحيا في العام 1978. كان حينها في الرابعة والعشرين من عمره وقد تزوج لتوه وكانت البلاد في غمار حرب أهلية شاملة.

ورحل بطرس مثلما رحل كثيرون غيره من أبناء جيله. واستغرقت عودته للمكان 41 عاما.

ربما تكون الحرب الأهلية (1975-1990) قد انتهت في لبنان لكن صراعات في دول قريبة مثل سوريا والعراق عصفت بطوائف بأسرها في أماكن عاش فيها المسيحيون جنبا إلى جنب مع المسلمين.

وأدى ذلك إلى موجة نزوح بين أبناء الديانتين وخاصة بين طوائف الأقلية، مثل الطائفة السريانية الأرثوذكسية التي ينتمي إليها بطرس، وتمتد جذورها إلى العصور الأولى للمسيحية.

وقد أصبح الدير الذي يقع في واد ناء في جبال شمال لبنان ويرجع تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي ملتقى للمسيحيين الذين فروا من الحرب.

قال بطرس الممرض اللبناني المقيم في السويد أثناء زيارة للدير في إطار اجتماع كشفي لأبناء الطائفة السريانية يمثل أول تجمع لهم في المنطقة منذ الخمسينيات "يعني الحرب اللي خلفت هالأشكال والحروب اللي بتخلف دمار وبتعمل هالشي، هجّرت العالم من لبنان، من سوريا، من العراق، يعني حتى من فلسطين، من كل الدول عم يتهجروا".

وتضم الجمعية الكشفية السريانية الأرثوذكسية حوالي 150 عضوا يعيشون في لبنان والعراق وسوريا ومصر والأردن والأراضي الفلسطينية وغيرها. وقال بطرس إن لبنان كان البلد الوحيد الذي أمكن لهم جميعا التجمع فيه بسهولة وأمان.

ففي العراق تسببت سنوات الصراع، الذي كان أحدث فصوله مع تنظيم الدولة الإسلامية، في محو جانب كبير من التراث المسيحي في مدن قديمة مثل الموصل وسنجار في الشمال. وفي الحرب الأهلية السورية لحقت أضرار ببعض من أقدم الكنائس في حلب وحمص ومدن أخرى.

ويوشك بطرس، الذي أصبح عمره الآن 65 عاما، على التقاعد في السويد التي استقر فيها منذ سنوات. ولبطرس أولاد وأحفاد لا يعرفون شيئا عن لبنان سوى من خلال الصور.

وقال إنه يتمنى أن يزور أولاده وأحفاده لبنان حتى يكون لديهم ما يشدهم إليه بعد وفاته.

* ملاذ عتيق

في أيام الأحد والعطلات العامة تكون الكنيسة الصغيرة الملحقة بالدير، ببرج جرسها وواجهتها المنحوتين في الصخر، مزدحمة بالناس منهم من يجلس في مقاعدها أو يقف في نهاية قاعتها ذات السقف المقوس.

والدير مكرس للقديس أنطونيوس، وهو راهب يعتقد أنه عاش في الريف المصري في القرن الرابع أو الخامس الميلادي.

وقال الأب فادي عماد الذي يتولى إلقاء العظات عن الدير "طول عمره مزار. مش شي جديد قبل حتى ما يصير في تطور معماري ويصير في سيارات. مزار طول عمره قزحيا. وما منعرف إمتى بلش مزار".

وتقع قزحيا في قلب واد يعرف باسم وادي القديسين وهو جزء من شبكة أوسع من الأودية تسمى قاديشا لها تاريخ طويل كملاذ يلجأ إليه الرهبان. وفي وقت من الأوقات كان قاديشا موطنا لمئات الصوامع والكنائس والكهوف والأديرة. ودير مار أنطونيوس هو آخر ما تبقى من هذه الهياكل.

وكان الوادي موطنا لأوائل الموارنة المسيحيين في لبنان الذين كانوا أول أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الشرق.

وقال الأب عماد إن الموارنة، والدروز في بعض الأحيان، كانوا يلوذون بالجبال للابتعاد عن العائلات السياسية والدينية التي كانوا يختلفون معها.

وأضاف "عادة ولاد هالجبل بكل الطوائف مش بس المسيحية، كانوا ضعاف، وأجوا لهون لأنهم مضطهدين وضعاف، كلهم مش بس المسيحية، وطوائف من الإسلام، أجت تتخبى بهالجبل".

وتابع "بقلب قزحيا تاريخ عمره 1600 سنة. وهيدا التاريخ مش ملك حدا".

وتحيط بالدير غابات من أشجار الصنوبر والأرز والبساتين لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال طريق ضيق متعرج.

وفي فناء الدير كهف يوقد فيه الزوار الشموع ومتحف يضم أقدم مطبعة في الشرق الأوسط باللغة السريانية القديمة وقاعات للكهنة المقيمين.

ومن الزائرين في الوقت الحاضر سياح أجانب وعرب وسكان محليون بعضهم مسلمون يأتون طلبا للبركة في بعض الأحيان.

وقال الأب عماد إن الدير يشهد أكثر الأوضاع أمنا في تاريخه رغم أنه محاط بدول في حالة حرب أو تعاني من آثار الحرب.

وقال "هلق صار في تسهيلات أكتر، مش متل قبل... هلق عندنا ضمانات، مش بس ضمانات من قبل الدولة، حتى من قبل يلي بيآمنوا من غير إيماننا، عالقليلة بلبنان عندنا ضمانات كتيرة".

وقبل أن يسافر بطرس ورفاقه اصطفوا لالتقاط صورة أخيرة خارج المبنى وخلفهم الوادي. وابتسم الجميع براياتهم وأوشحتهم الملفوفة حول أعناقهم وهللوا عندما انطلقت دقات الجرس.

وقال بطرس "اللي شفته اليوم ما بنساه... إلى ما أموت ما بنساه".

وأضاف "يعني الواحد قد ما يترك الأم، إلا ما يرجعلها، لأنه الوطن هو أم الواحد. الإنسان متل السمك اللي بتطلع من البحر بتموت".

(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير أمل أبو السعود)
وسوم
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية