المحرر موضوع: المسيحيون في المشرق.. هل يمكن الحديث عن تمييز واضطهاد؟  (زيارة 1031 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37775
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المسيحيون في المشرق.. هل يمكن الحديث عن تمييز واضطهاد؟

عنكاوا دوت كوم/حفريات
توزّع المسيحيون في المشرق بين عدّة دول، كانت لهم في كلّ دولة منها تجربة وعلاقة مختلفة بالحكم، وفق العوامل الداخلية والخارجية الحاكمة للنظام السياسي؛ فهل يمكن الحديث عن علاقة تمييز واضطهاد عام في أيّ منها؟ أم هل كان التمييز، إن وجد، سلوكاً شعبياً؟
أقباط مصر.. غياب عن المناصب وحوادث اعتداء
تعداد المسيحيين في مصر هو الأكبر على مستوى العالم العربي، وتتراوح تقديرات نسبتهم في مصر بين 6%، بحسب الحكومة المصرية، و10%، بحسب الكنيسة القبطيّة، من مجموع تعداد السُّكان، البالغ اليوم نحو (97) مليون نسمة، ورغم ذلك فقد ظلّت نسبة التمثيل السياسي لهم أدنى من نسبتهم السّكانيّة.

وكان وصول بطرس باشا غالي إلى منصب رئيس الوزراء، عام 1908، هو المرة الوحيدة التي حاز فيها المسيحيون الأقباط على هذا المنصب؛ الذي يعدّ أعلى منصب وصل له قبطي في تاريخ مصر، وذلك في مرحلة تصاعد الحراك الوطني، قُبيل ثورة 1919، ولم تكن النظرة له باعتباره ممثلاً عن أقليّة دينيّة، وإنما كرئيس مصري، يُوافق أو يخالف بحسب مواقفه وسياساته، وقد عارضته الحركة الوطنية باعتبار مواقفه مؤيدة لمصالح الإنجليز، وهو ما انتهى باغتياله عام 1910.

تصوير اغتيال بطرس غالي باشا عام 1910

أما على مستوى الوزراء؛ ففي مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات، تراوحت نسبة الحضور القبطي بين وزيرين من أصل عشرة، بنسبة 20%، في حكومة مصطفى النحّاس باشا (1930-1933)، ووزير واحد من أصل عشرين، بنسبة 5%، في حكومة حسين سري باشا عام 1949. أما بعد ثورة 1952، وخلال الخمسينيات والستينيات، فقد تراوح عدد الوزارات بين (18) و(33) في حين بقي الحضور القبطي ممثلاً في وزير واحد في جميع الحكومات، فتدنّت بذلك النسبة إلى 3-5%. وفي عهد السادات، بقيت النسبة عند حدود الـ 6% مع ارتفاع العدد إلى وزيرين لكلّ حكومة، مع وصول عدد الوزراء إلى نحو 32 وزيراً، وبرز في هذه المرحلة من بين الوزراء، بطرس بطرس غالي، الذي شغل منصب وزير الخارجية عام 1978، وكان له دور بارز في صياغة سياسة مصر الخارجية في مرحلة "كامب ديفيد"، واستمرت النسبة ذاتها تقريباً في عهد الرئيس مبارك.

أما على صعيد مجلس النواب؛ فقد تذبذب التمثيل في مرحلة ما قبل الثورة، بين نسبة 2% عام 1938 (6 نواب من 264)، إلى 10% عام 1942 (27 من 264)، وفي عهد عبد الناصر بقيت النسبة متراوحة بين 2-3%؛ حيث وصل العدد عام 1969 إلى (9) من أصل (348)، وكذلك في عهد السادات، مع اقترابها في بعض الأعوام من نسبة الـ 4%، وفي نهاية عهد مبارك، عام 2010، تدنّت النسبة إلى أدنى مستوياتها مع وصول العدد إلى (10) من (518)، سبعة منهم بالتعيين، وبنسبة حوالي 1.9%.

بطرس بطرس غالي... كان له دور بارز في صياغة سياسة مصر الخارجية نهاية السبعينيات

وبقي الأقباط غائبين تماماً عن المناصب العليا، من قيادات الجيش، إلى عمادات الجامعات، إلى منصب المحافظ، وكلّ ذلك رسّخ الاعتبار لديهم بأنّهم يتعرضون لنوع من التمييز الرسمي بحقهم.
أما على صعيد حوادث العنف الطائفي؛ فقد سجل عهد عبد الناصر غياباً تاماً لها، في حين بدأت بالبروز في عهد السادات، مع أحداث "حيّ الخانكة" عام 1972، وصولاً إلى أحداث "حيّ الزاوية الحمراء" عام 1980، ووصل عدد الاعتداءات البارزة في عهده إلى سبعة، وذلك بالتزامن مع صعود الجماعات الأصوليّة، وازدياد حضور الخطاب الطائفي نتيجة لذلك في المجتمع المصري، وبلغ الاحتقان الطائفي ذروته في عهد الرئيس مبارك، وبحسب إحصاء أعدّه سليمان شفيق، الباحث في الشأن القبطي؛ فقد تخطّى عدد الاعتداءات خلال عهده الثلاثمئة، اختتمت بحادثة تفجير كنيسة القديسين، ليلة رأس السنة 2011، والذي بلغ عدد ضحاياه (23) شخصاً.

وبعد ثورة عام 2011؛ تزايدت وتيرة الهجمات والأحداث الطائفية، بفعل تراجع سلطة الدولة، وعام 2017 وصل عدد ضحايا الأعمال العدائيّة ضدّ الأقباط إلى 75، ووصل الحال إلى شروع الكونغرس في نهاية العام بمناقشة مشروع قرار ينتقد ازدياد التعصّب الطائفي والهجمات الإرهابيّة ضدّ المسيحيين في مصر، ويرى بعض الباحثين، كالمستشار طارق البشري، في كتابه "المسألة القبطيّة"؛ أنّه "لا يوجد في مصر أيّ نوع من الاضطهاد العرقي أو الديني، وإنما هناك احتقان مجتمعي يأخذ الشكل الطائفي، وهو قائم على مشكلات وأسباب سياسية، تتعلق أغلبها بالعضويّة في المجالس التشريعية، ومطالبة الأقباط بنسبة تمثيل مناسبة، أو في تولّي بعض المواقع التنفيذيّة في الدولة".
مسيحيو العراق... هل يصبحون حكاية من الماضي؟
تركّز التواجد المسيحي في العراق في بعض أحياء مدينة بغداد، إضافة إلى منطقة سهل نينوى في الموصل، وكان الآشوريون السريان، وهم مسيحيو شمال العراق، كغيرهم من العرقيات في المنطقة، ينتظرون قيام دولتهم الخاصّة، وهو ما لم تحققه لهم بريطانيا، فبدأت علاقتهم مع الدولة العراقية الوليدة متوترةً، وبلغ التوتر ذروته مع استقلال العراق، عام 1932، وثورة الآشوريين آنذاك، والتي انتهت بوقوع مذبحة "سيميل" عام 1933، قبل أن تستقر أوضاعهم ويبدؤون بالاندماج تدريجياً في الدولة، وفي عام 1947 قدّر الإحصاء العام للسّكان تعدادهم بنحو (124,000)، مشكّلين ما نسبته 3.1% من مجموع السّكان البالغ آنذاك (4) ملايين نسمة.

في عهد حزب البعث، بعد ثورة 1968؛ تمتعّ المسيحيون بهامش من الحريّات، إضافة إلى توفر الأمن والحماية لهم، مع عدم وقوع أيّة حوادث اعتداء بحقهم، وسُمح لهم ببناء الكنائس وممارسة العبادات دون أيّة قيود، وبرزت منهم قيادات؛ كان أشهرها طارق عزيز، الذي شغل منصب وزير الخارجيّة في عهد صدّام حسين، ووصل إلى منصب نائب رئيس الوزراء، وكان مستشاراً لصدّام ومقرباً منه.

    تمتعّ مسيحيو العراق بالحريّات والأمن في عهد البعث وبرز منهم طارق عزيز مستشار صدام حسين

بلغ عدد المسيحيين في العراق، قُبيل سقوط حكم صدام حسين، عام 2003، مليوناً ونصف المليون، ولكن بعد سقوط النظام مباشرةً، وما تلاه من وقوع سلسلة من التفجيرات والاعتداءات بحقّهم، من قبل الجماعات المتطرّفة، والتي استهدفت الكنائس والمتاجر التي يمتلكونها، وبلغت ذروتها عامي 2005 و2006، مع تعرّض سبع وعشرين كنيسة للهجوم خلال عامين، بدأت موجة واسعة منهم بالهجرة واللجوء إلى دول المهجر، التي رحّبت بهم، وسهّلت لهم إجراءات اللجوء، وعام 2011؛ تدنّى العدد إلى نحو (300-350) ألف مسيحي فقط.
وتفاقمت الأمور مع سيطرة تنظيم داعش على الموصل، في حزيران (يونيو) 2014، حين نزحت معظم الأعداد المتبقية باتجاه إقليم كردستان، وشارك عدد من المسيحيين في الأعمال القتاليّة ضدّ التنظيم إلى جانب القوّات الكرديّة، كما شكلوا فصائل مسيحية مقاتلة مثل فصيل "بابليون"، وأسفرت التطورات عن هجرة المزيد من المسيحيين إلى الخارج، وبحسب الأب بشارة متّى، في خطاب له ألقاه في لندن العام الجاري (2019)؛ فقد وصل عدد المسيحيين في العراق إلى نحو (250) ألفاً فقط!

أما على المستوى السياسي، بعد 2003؛ فإنّ قانون الانتخاب العراقي الحالي يخصّص كوتا للمسيحيين، تبلغ خمسة مقاعد في البرلمان، البالغ عدد مقاعده (329)، وهو ما يشكّل نسبة 1.5%.

كنيسة سيدة النجاة ببغداد بعد التفجير
مسيحيو سوريا.. كيف ازدادت نسبتهم مؤخراً؟
في سوريا؛ شكّلت نشأة الدولة تحت ظلّ الانتداب الفرنسي، مرحلة من الحماية والأمن من تجربة مجازر العهد العثماني، الممتدة من مجازر عام 1860 في دمشق، وحتى مجزرة "سيفو" بحق السريان عام 1915. وعلى صعيد العمل السياسي الوطني؛ انخرط المسيحيون في سائر مكوّنات الشعب السوري في الثورة السورية الكبرى (1925-1927)، وفي الحراك الوطني المتصاعد، حتى نيل الاستقلال، عام 1943، ومن ثمّ الجلاء عام 1946. وبعد الاستقلال، برز اسم القيادي المسيحي فارس خوري، والذي أصبح رئيساً للوزراء مرتين؛ في عامَي 1944 و1954، في حين برز اسم ميشيل عفلق، باعتباره أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي، أحد أبرز الأحزاب الصاعدة في فترة الأربعينيات والخمسينيات.

وعلى صعيد البرلمان؛ نصّت قوانين الانتخاب على تخصيص نسبة للمسيحيين، فخصّص في انتخابات عام 1943 سبعة عشر مقعداً من أصل (124)، بنسبة 13.7%، بما عُدّ متوافقاً مع نسبتهم السّكانيّة آنذاك، واستمرت النسبة في تلك الحدود، حتى عام 1953، حين قام أديب الشيشكلي بتخفيضها إلى نحو 10.9%، وبعد الثورة التصحيحية، عام 1970، وتأسيس مجلس الشعب عام 1973، لم ينصّ النظام الانتخابي على تخصيص مقاعد للطوائف والأقليّات، ولكن تمّت المحافظة على وجود نسبة من المترشّحين ضمن لوائح الجبهة الوطنيّة التقدميّة التي أصبحت المشكّل للحكومات منذ ذلك العهد.

فارس الخوري من أبرز الأسماء القيادية المسيحية في سوريا

وكانت ثورة الثامن من آذار (مارس) عام 1966، ووصول صلاح جديد للحكم، قد أفقدت المسيحيين جانباً من وزنهم الاقتصادي؛ بسبب اتبّاع سياسات التأميم والإصلاح الزراعي، وهو ما أدّى إلى هجرة نسبة من الأثرياء إلى خارج البلاد، وازداد هذا التوجّه مع صعود المدّ الإسلامي في المنطقة وفي سوريا، والذي بلغ ذروته مع تمرّد الإخوان المسلمين (1979-1982) فتزايدت الهجرة إلى أن قامت الدولة، أواسط الثمانينيات بمنع إصدار تأشيرات الخروج للمسيحيين، وفي عام 2010؛ قدّرت نسبة المسيحيين في سوريا بنحو 10% من مجموع سكّان البلاد البالغ (22) مليون نسمة.

    انحازت الكتلة المسيحية إلى جانب الحكومة السورية مع تزايد حضور الجماعات الإسلامية ضمن المعارضة

بعد اندلاع أحداث الأزمة السورية، عام 2011، مال مسيحيو سوريا بدايةً إلى تبني موقف حيادي، مع مشاركة محدودة في الاحتجاجات خصوصاً في بعض المناطق التي كانت مركزاً لها، مع بروز شخصيات مسيحية قيادية في المعارضة؛ كميشيل كيلو، وجورج صبرا، ومع تزايد مظاهر الأسلمة في "الثورة" وتزايد حضور الجماعات الإسلاميّة الجهاديّة، وصولاً إلى تأسيس تنظيم داعش فرعه في سوريا، عام 2013، بدأت الكتلة المسيحية بالانحياز بشكل واضح إلى جانب الحكومة السورية، خصوصاً مع عدم وجود أيّة ممارسات تمييزيّة أو إقصائيّة من قِبلها ضدّهم، وتغزّز ذلك مع استهداف الجماعات المسلحّة في الغوطة الأحياء ذات الغالبية المسيحيّة في دمشق، وانعكس كلّ ذلك عبر مشاركة المسيحيين في المواجهات، إما ضمن صفوف الجيش السوري، أو ضمن القوات الرديفة كقوّات الدفاع الوطني في المدن، وفي بعض المناطق الريفيّة تشكّلت فصائل عسكريّة مسيحيّة، مثل قوات "السوتورو" السريانيّة، وقوّات "الناطورة" الآشوريّة.

وعموماً تميّزت الأحداث بعدم وجود ميل عام لدى المسيحيين للهجرة، كما يحصل عادةً في حالات الحروب الأهليّة، وكان من نتيجة ذلك ارتفاع نسبة المسيحيين، بحسب التقديرات، إلى نحو 13%، ويعود ذلك بالأساس إلى أنّ اللجوء السوري كان بالأساس بين مجتمعات العرب السّنة، وخصوصاً من الأرياف.

مسيرة تأبينية لضحايا مقاتلين مسيحيين في بلدة السقيلبية بريف حماة
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية