المحرر موضوع: كيف وقعت أجنحة من اليسار المصري في فخ الإسلام السياسي  (زيارة 983 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31478
    • مشاهدة الملف الشخصي
كيف وقعت أجنحة من اليسار المصري في فخ الإسلام السياسي
انحراف كيانات يسارية عن الخط التقدمي يقودها للالتقاء مع جماعة الإخوان.
العرب / عنكاوا كوم

تحالفات مرتجلة مثلت طوق نجاة للإسلاميين
دفع انحسار التيار اليساري في مصر بعض تياراته ورموزه إلى الابتعاد عن حواضنها الطبيعية المدنية والحداثية والالتقاء مع حركات الإسلام السياسي تحت شعار “مع الإسلاميين أحيانا وضد الدولة دائما”، في ما يخص التعامل مع الصراع السياسي الدائر بين الإخوان والدولة. وساند اليسار في مواقفه الأحداث المتعلقة بمحاولات تثوير الشارع خلال الأيام الماضية، متجاهلا الاختلاف الفكري الذي يضع التيارين في دائرة العداء الأيديولوجي وليس التحالف التكتيكي.

القاهرة - كتبت الروائية المصرية سهير المصادفة على صفحتها على فيسبوك مؤخرا “صدمتي كبيرة في بعض المثقفين واليساريين وهم يرون الخطر المحدق بوطنهم ومع ذلك ينهشون جسده دون رحمة منضمين إلى الجماعة الإرهابية”، للتعبير عن دهشة كثيرين من مواقف بعض أجنحة اليسار المصري المنحازة للإسلام السياسي.

وعبّرت مواقف العديد من الشباب اليساري عن حالة تضامنية وداعمة لتوجهات وخيارات جماعة الإخوان، ومنهم من بدا مقتنعا بدعوات التظاهر الأخيرة واعتزم الاحتشاد للسير نحو الميادين، ومنهم من تفاعلوا وكان لهم دور ملحوظ في التحريض والدعوة إلى النزول إلى الشوارع والميادين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لم يقف تقارب بعض أجنحة اليسار مع جماعة الإخوان عند حدّ الموقف الأخلاقي بدعوى النضال من أجل الديمقراطية والحريات السياسية ورفض تقييد النشاط السياسي، وإن طال الخصوم، بل وصل إلى مستوى تأسيس ما يشبه تحالفات سياسية مع تيارات هي في الأصل معادية للديمقراطية، مثل جماعة الإخوان التي لا يهمّها سوى القفز على السلطة والانفراد بها.

تنظر قوى يسارية للتعاون مع جماعات الإسلام السياسي كتكتيك مرحلي مرتبط بحالة الضعف التي تشمل أطياف اليسار عموما في مصر منذ سبعينات القرن الماضي، أي مراحل ما قبل ثورات الربيع العربي، وبرغبة كيانات اليسار الناشئة مثل الاشتراكيين الثوريين في الانتشار والصعود والتأثير، على أن يتوقف بانتهاء الفعل الحركي المشترك تحت عنوان توحيد جبهة العمل، في إطار رؤية فكرية مستفادة من أطروحات بعض المفكرين اليساريين المعاصرين.

مبعث دهشة نخب فكرية وسياسية في مصر من وقوف قطاع عريض من شباب اليسار بجانب دعوات جماعة الإخوان الأخيرة للجماهير إلى التظاهر والمطالبة برحيل النظام الحاكم، هو التناقض في المبادئ بين تيارات تنادي بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، وأخرى موغلة في الدم والإرهاب والتخلّف والعنف.

على مدى عقود أسهمت رموز من داخل التيار اليساري في مواجهة خطر المد الأصولي الإسلامي، واتخذت منه عدوا لدودا لدوره في خدمة مشاريع الاستعمار وتسويغ سياسات الإفقار، وظهر ذلك واضحا في أدبيات حررها مفكرون يساريون وتقدميون تناولت بالتحليل مخاطر هيمنة الإسلام السياسي وتغوّل الأصولية الدينية والتأسلم وأقنعة الإرهاب.
ارتباكات طويلة

انحرافات اليسار
على النقيض من ذلك، انحرفت كيانات يسارية عن الخط التقدمي النقدي ومحت الحدود الفاصلة بين اليمين واليسار، ضمن تجربة مائعة كان لها تأثيرها بجانب عوامل أخرى في خيارات الاشتراكيين الثوريين حديثًا، وبدلاً من إشاعة الوعي الاشتراكي بين صفوف الطبقات الوسطى وقيادة النضال الفكري ضد التخلّف والرجعية، تبنّى بعض رموز اليسار الماركسي الخط اليميني، ومنها من صارت منظرة للعنف والتطرف، ومنها من جرت كيانات وأحزاب اشتراكية عريقة لتصبح فرعًا من فروع جماعة الإخوان لتحقيق بعض المصالح الضيقة.

بمراجعة مواقف وأطروحات أسماء يسارية كبيرة مثل، حسن حنفي وعادل حسين ومحمد عمارة ومحمد جلال كشك، نجد انخراطا مُريبا دون تعقّل ولا منطقية في لعبة الإسلام السياسي، وخلطا وتشوشا في الرؤية وجمعا بين متناقضات.

كيف يدعو أحدهم إلى الشورى والعدل الاجتماعي وهو متحمس لمبدأ الحاكمية ولمشروع الخلافة الدينية؟ وكيف ينادي بالنهضة وهو يكرس للسلفية التقليدية الجامدة ويمجد التيار المتطرّف ويدافع عن الإرهابيين؟ وكيف يؤرّخ آخر لرواد التنوير مثل رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، وهو يتطفّل على مقولات سيد قطب وأبوالأعلى المودودي عارضا وساردا لا محللا وناقدا؟

ترجع أسباب تحوّل هؤلاء إلى صفوف الإسلام السياسي لرغبة البعض منهم في الحفاظ على تواجده على الساحة كمفكر ذائع الصيت مع صعود أسهم التيار الديني، وتحقيق طموحات أخفق البعض منهم في تحقيقها أيام ماركسيتهم الغابرة، علاوة على السعي إلى تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية عبر تملّق مشاعر الجماهير الدينية بنزع اللافتة الاشتراكية ورفع شعارات إسلامية، ولم تكن خافية وقتها الإغراءات المادية الضخمة مع تنامي الدعم الهائل لعموم التيار اليميني.

أثّرت المحاولات الفكرية الجادة والبعيدة عن النزعات البراغماتية في هذه المسألة، كتجربة سيد قطب المنظر الإخواني الشهير قبل انقلابه على الثورة ونظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فالرجل حينما عاد من الولايات المتحدة صار شديد العداء للرأسمالية والمجتمع الذي يتبنّى أفكارها، وشديد الحماس والتأييد للاشتراكية والعدالة الاجتماعية.

عاد قطب لا ليكتب في الأدب والنقد بل في “العدالة الاجتماعية في الإسلام”، ثم “معركة الإسلام والرأسمالية”، وهو من أخطر كتبه حيث يعقد فيه حلفًا بين الإسلام والشيوعية، مستبعدا التلاقي بين الإسلام والرأسمالية.

اليسار الاشتراكي يلوث سمعته النضالية وفكره التقدمي الحر بالدخول في تحالفات مع تيار رجعي براغماتي فيما يمكنه التعامل مع الليبراليين

واعتبر الشيوعية اجتهادا للبحث عن العدل لكنها أقحمت نفسها في الكلام عن الدين بغير مبرّر وعادته بغير مقتضى، في الوقت الذي وصلت فيه إلى العدل الاجتماعي والاقتصادي الذي هو أهم أهداف الدين، وخلص إلى أن الشيوعية لو تخلّت عن فكر الإلحاد الذي ليس من ضرورات المذهب، ولا يتطلبه الفكر الاقتصادي لالتقت مع الإسلام في العدالة الاجتماعية.

عندما فقد الرئيس عبدالناصر، سيد قطب كمفكر للثورة لصالح الإخوان، وفي حين هاجم إخوانُ مصر اشتراكية عبدالناصر ووصفوها بالكفر والإلحاد، ورأوا أن قوانين الإصلاح الزراعي عدوانا على أموال الناس وأكلا لها بالباطل، لجأ إلى تقريب مرشد إخوان سوريا مصطفى السباعي الذي وجد فيه العوض عن قطب وإخوان مصر، فقام بالتنظير الفكري لمشروعه وألّف كتابه الشهير “الاشتراكية والإسلام”، ضمن مقاربة مفادها أن الاشتراكية هي عين الإسلام ولا تناقض بينهما فكلاهما قائم على العدل الاجتماعي.

هذه المقاربات وغيرها، مثل أطروحات روجيه غارودي وعلي شريعتي، ربما لم تؤثر بشكل رئيسي في مسار تحوّلات وخيارات الأجنحة اليسارية المعاصرة، لكنها لعبت دورا وأعطت انطباعا بإمكانية التلاقي على مشتركات، في حين ظلت مجرد غطاء وذريعة لدى جماعات الإسلام السياسي لتسويغ مغازلة القوى التقدمية والإدعاء أمام قواعدها بامتلاكها فكرا منفتحا ولتحسين صورتها والاستفادة من طاقات الكيانات الاشتراكية وحماستها الثورية.

مع الإسلاميين وضد الدولة
كان الإسهام الأهم والأكثر تأثيرا في تشويش رؤية بعض الأجنحة اليسارية وصولا لدفعها باتجاه تحالفات مع أكثر التيارات اليمينية تطرّفا وعنفا، من نصيب تلك المغالطات التي أبداها مفكرون وباحثون يساريون غربيون بشأن تيار الإسلام السياسي.

على الرغم من الرأي المبدئي الذي تبنّاه غالبية اليسار الاشتراكي بشأن جماعة الإخوان في أربعينات وسبعينات وثمانينات القرن العشرين، باعتبارها جماعة رجعية ذات طبيعة فاشية ومعادية للحقوق الاجتماعية وللنضال العمالي، ذهب البعض منهم إلى اعتبارها حركة تقدمية في مواجهة الإمبريالية الغربية ونظّروا لثورات دينية وطائفية كثورة الخميني في إيران، بوصفها فعلا تقدميا نضاليا هدفه الانتصار للمستضعفين.

تجاوزت رموز اليسار الأوروبي كل ما ارتكبه تيار الإسلام السياسي وتناست تاريخ العداء للحركات اليسارية ونضال طبقة العمال التي قادت الاحتجاجات الاجتماعية، وإذا كان نظام الرئيس عبدالناصر هو من أعدم اثنين من المصريين هما مصطفى خميس ومحمد البقري عام 1952 عقب المشاركة في إضراب عمّالي ضخم في كفر الدوار بشمال القاهرة، فالذي حرّض على قتلهما هو المنظّر الاخواني سيد قطب الذي وصف الإضراب بأنه “من صنع إخطبوط الاستعمار والرجعية”، مطالبا السلطة بـ”الضرب بسرعة وقوة وعلى الشعب أن يحفر ويهيل التراب”.

وغضوا الطرف عن كونها جماعات طامعة في السلطة وقائمة على الاستبداد الديني ومعادية للديمقراطية والحريات، ولا تملك رؤية شاملة للإصلاح والتغيير ولا مشروعا ثوريا ما جعلها على استعداد للتحالف مع قوى وأنظمة الاستغلال الطبقي التي تناضل قوى اليسار ضدها على طول الخط.

وبنى البعض منهم استنتاجات كثيرة على إدانتهم لليسار الاشتراكي الذي اتهموه بالدخول  في تحالفات مع الدولة في مواجهة الإسلاميين، الأمر

الذي تسبب في عزلة اليسار لصالح الانتشار الجماهيري الواسع للتيار الإسلامي، ومن تلك الاستنتاجات إمكانية قبول التعامل والتحالف مع الإسلام السياسي بوصفه مناهضا للإمبريالية العالمية وحليفا مناضلا ضد الدولة الحامية للظلم الطبقي.
تحالفات مرحلية وتكتيكية

عزلة اليسار
نظر الباحث اليساري فرانسوا بورغا، صاحب كتاب “الإسلام السياسي.. صوت الجنوب”، بإعجاب لحركات الإسلام السياسي على تعدد فصائلها واصفا إياها بأنها المعبّر الحقيقي عن الشعوب الإسلامية والناطق باسم العرب والمسلمين المقهورين.

وبرّأ المفكر الماركسي الشهير والكاتب البريطاني الراحل كريس هارمان (2009-1942)، وهو أحد رموز حزب العمّال الاشتراكي وصاحب كتاب “النبي والبروليتاريا” حركات الإسلام السياسي من اتهامها بالعمالة والرجعية، واضعا الأساس الفكري للتروتسكيين والاشتراكيين الثوريين بشأن عقد تحالفات مرحلية وتكتيكية مع الإسلاميين.

لم يكتف هارمان بنفي الفاشية والرجعية عن تيار الإسلام السياسي بل وصف الإرهابيين المسلحين في مصر بالمناضلين، سواء هؤلاء الذين قتلوا أقباطا وسرقوا ممتلكاتهم وسعوا إلى إحداث فتنة طائفية في صعيد مصر، أو الذين رفعوا السلاح في مواجهة الأجهزة الأمنية لنظام حسني مبارك في التسعينات من القرن الماضي.

انتهى هارمن إلى ضرورة الكفّ عن بناء أحلاف سياسية مع الدولة بحجّة إيقاف خطر جماعات الإسلام السياسي، وعدم تسخير طاقات الاشتراكيين والقوى التقدمية الفكرية في مهاجمة الإسلاميين وتشويههم بحجة نشر قيم ومبادئ التنوير الفكري.

توصّل كريس هارمن إلى صياغة مقاربة تجعل من الإسلاميين وفق تصوّره هدفا لتجنيدهم واستقطابهم نحو الأفكار والأهداف التقدمية باعتبار الحركة الإسلامية ذاتها نتاجا لأزمة اجتماعية عميقة، ولذا من الضروري النضال من أجل كسب بعض الشباب الإسلامي باتجاه “اعتناق رؤية اشتراكية ثورية مستقلة”.

استدرك هارمن في ختام كتابه الشهير بأن جعل هذا المسار مشروطًا بمدى قدرة القوى الاشتراكية والتقدمية على تأسيس منظمة مستقلة غير خاضعة للدولة ولا مرتهنة أو تابعة لجماعات الإسلام السياسي.

الشعار الذي رفعه هارمن وتبنّته بعض أجنحة اليسار الاشتراكي في مصر منذ العام 2005 إلى اليوم هو “مع الإسلاميين أحيانا ودائما ضد الدولة”، وهو المبدأ الذي لم يحقق به اليساريون أيّ مكسب مع تيار يسعى إلى السلطة دائما، مستعينا أحيانا بجهود كيانات وأحزاب مدنية تعتنق قيما تقدمية.

كيف يتفق أن يكون اليسار الاشتراكي مع الإسلاميين ولو لفترات وهم أحيانا مع القوى التقدمية والمدنية فقط في حال أزمتهم وصدامهم مع الأنظمة، بينما هم مع الدولة دائما حال التقاء المصالح، كما جرى على فترات ممتدة مع الملك فاروق وحكومة إسماعيل صدقي قبل ثورة يوليو 1952 في مصر، ثم مع نظام الرئيس السادات والرئيس مبارك ضد المعارضة الديمقراطية بما فيها التيارات الاشتراكية؟

شعار "مع الإسلاميين أحيانا.. ضد الدولة دائما" اعتمده التروتسكيون داخل اليسار المصري كصيغة تحكم حضورهم في الصراع السياسي الدائر بين تيار الإسلام السياسي والدولة والذي تبناه الاشتراكيون الثوريون خلال مؤتمرهم المنعقد في صيف 2005

على الرغم من عراقة وسبق التيار اليساري في مصر وارتباط رموزه بقضايا الاستقلال والتنوير الفكري والنضال الثوري وإقامة مجتمع العدالة الاجتماعية والانتصار لطبقة العمال والفلاحين، غير أنه لم يتدرج في مسار مستقلّ بشكل متماسك وباتجاه الصعود والنمو والتطوير، وصولا إلى بناء كيان مستقل يوازي أو يقترب من جماعة الإخوان.

ولذلك أدى تأسيس تحالفات مع جماعة الإخوان منذ دعوة قادتها إلى مؤتمر “أيام اشتراكية” بنقابة الصحافيين المصرية في العام 2006 إلى الآن إلى تبعية وارتهان للإسلام السياسي رغم مزاعم الاستقلالية.

شعار هارمن “مع الإسلاميين أحيانا.. ضد الدولة دائما” اعتمده التروتسكيون داخل اليسار المصري كصيغة تحكم حضورهم في الصراع السياسي الدائر بين تيار الإسلام السياسي والدولة والذي تبناه الاشتراكيون الثوريون خلال مؤتمرهم المنعقد في صيف 2005، وظل معهم حتى موقفهم الأخير المتضامن مع الإخوان في محاولات تثوير الشارع خلال الأيام الماضية، يغفل الاختلاف الفكري الذي يضع التيارين في دائرة العداء الأيديولوجي وليس التحالف التكتيكي.

يدفع اليسار الاشتراكي ثمنا باهظا ويلوّث سمعته النضالية وفكره التقدمي الحر بالدخول في تحالفات مع تيار رجعي تكفيري براغماتي، بينما هناك مجالات للتعاون والشراكة مع الليبراليين أو القوميين أو الناصريين في قضايا مختلفة، وهو الطريق الآمن لبناء استقلالية لليسار الاشتراكي على المستوى السياسي والتنظيمي، بما يؤهله لتطوير نضاله وتصحيح مساره.