نحن أيضا نقتل على الهوية
كلنا نعلم الحالة التي آل اليها العراقيون في التسعينات من القرن الماضي ...الشعب المنهوك من الحروب ، والجهل والفقر المتفشّي فيه ، كان قد اصبح تربة خصبة وهدفا سهلا لاعتناق الافكار الاسلامية المتطرفة الواردة من الرياض وطهران ..
وأصبح الاصطفاف الطائفي كامنا ونارا تحت الرماد خاصة بعد الانتفاضة الشعبانية...
وكان ذلك جليا أيضا بعد غزو العراق ... عادة ان شرائح المجتمع وأطيافه تتكاتف في مثل هذه الاحداث ، لكن وضع الشعب العراقي كان شاذا بامتياز.
وبايجاز ، عمد حزب البعث على تعبئة السنه طائفيا وتشكيل مليشيات دينية ذات نزعة ارهابية مثل " جيش محمد " واستيراد الارهابيين بمساعدة السعودية وتركيا.... ثم كان ما كان .. من دماء ازهقت بلا هوادة... دون تحقيق اي شيء ... وشهدنا حال العراق الذي أوصلته اليه " المقاومة "... والحال الذي آل اليه السنة انفسهم !!!!
كانت ايران ترقص فرحا لسلوك البعث العراقي ، بل انها ساعدته في مهمته عن طريق حليفتها سوريا بعد السقوط مباشرة... والغاية هي تسهيل مهمتها في تنظيم وتمويل المليشيات الشيعية على غرار ما فعلته في سوريا ولبنان واليمن ... والقصد من ذلك هو السيطرة الفعلية على العراق . .. وكان لها ما ارادت..
ثم اصبح القتل على الهوية ... دون مراعاة الضحية والتحقق من اعماله وافكاره التي قد تكون بعيدة كل البعد عن الانحياز الطائفي !!!!!
ان سقوط النظام وعولمة الاتصالات قد أتاحت للعراقيين فرصة التعبير عما يعتمل في دواخلهم ... ولقد اُثبت المسيحيون بأنهم لا يقلّون غيرة عن اخوانهم المسلمين في الاصطفاف الطائفي !!!... قوميا أو طائفيا ... لا فرق ...
لكن ، ان كانت غاية السنة هو العودة الى حكم العراق ، معتمدين على كوادرهم العسكرية والمخابراتية المطعّمة بالارهاب الدولي ومن خلفها دول قوية ماليا او عسكريا مثل تركيا والسعودية...
وأن كان الشيعة يملكون الاكثرية العددية تساندهم دولة هي الاخرى ضليعة في الارهاب مثل ايران لتجعلهم يهتفون " ما ننطيها ... ما ننطيها " ...
فما الذي كان يأمل المسيحيون من اصطفافهم الطائفي ؟؟؟؟... وهم الضحية والمستَهدفون من كلا الجانبين ؟!!!..للاسف الشديد ، كان البعض هذا لا يأمل غير منافع شخصية تافهة .
اول سلاح تتجه اليه أنظار " الاقلية المستهدفة " هو التكاتف ووحدة الموقف والكلمة... ومن العار العار ان يتم شق وحدة الصف هذه تحت اية ذريعة .
فشل مثقفونا في توعية الشعب المسيحي وتعبئته ، فشلوا في ردم اية محاولة " نفعية " وقفت عثرة امام وحدة الموقف المسيحي ... فشلوا لانهم ، حالهم حال غيرهم ، كانوا هم ايضا منغمسون في لعبة الاصطفاف الطائفي... فشلوا لان القسم الآخر منهم مريض بالـ " أنا " ولا يحلو له الا اللعب مع " الكبار " ( حسب اعتقاده ) فيقذف بما يكتبه على صفحات المواقع الالكترونية لتبدأ " حفلته " وهويتفرّج على المنازعات والجدل البيزنطي الذي أثاره بين " الشعب المهدد بالزوال "... فيجلس قابعا خلف الكيبورد راضيا عن نفسه وهو يتلذّذ باحتساء شرابه ....
وظهر نوع غريب آخر ... شماس يقول : لم يعد الكتاب المقدس مصدرا موثوقا .... وشماس آخر يهاجم " الارهاب المسيحي " ويحذّر منابع الارهاب الاسلامي من ان استهداف الاسلام منبعه الايات االعنفية والتحريضية في العهد القديم و " العهد الجديد " !!! ....
الحقيقة هي ، ان العديد من الاخوة المسلمين يشهدون عكس ما يقوله هذا الشماس ..
ليس من حقي ، ولا من حق الاخرين محاسبة الاخرين على ايمانهم.... انما ينبغي ان نحاسبه على فريته وكذبه الشنيع الذي يؤدي الى التحريض ضدنا .... ومن المفارقة ان يصرخ محتجا ويدعي اننا نشوّش ونزاول ارهابا فكريا بحقه !!!... اي ، انه يريد ان يفتري و يكذب على راحته وليخرس الاخرون ...
الكثير منا ، كُتّابا وقُراءاً ، نؤيد او نشجب " على الهوية "....
وارجو ، وقبل ان نرفض هذا الكلام ، دعنا نفكّر مليا في اعماق أنفسنا ثم نقرر...
لا يهم اذا كان 1+1 = 2
ولا يهم ان جاء أحد وقال ان 1 + 1 = بطريقة ما 11
فنحن نختار الخطأ والصواب على " هوية " القائل !!
ان هذا الامر مكشوف ومفضوح ولا داعي لاخفائه أو لالقاء اللوم على الغرب والصهيونية ... اننا تلامذة لبيئتنا الاسلامية ، وقد حفظنا الدرس جيدا ...
اننا نمدح وندافع ايضا على " الهوية "... ربما لو كذب الشماس اياه بحق من ليس من هويتنا ، فلا شأن لنا بالامر !!...
لا يغرنّكم اذا امتدح احد من ليس على هويته رغم معرفته بكذبه ....
ولا اذا هاجم احد من هو على هويته رغم صدقه !!!
انه يمدح من ليس على هويته لانه يهاجم من يكرهه من الهوية الاخرى ... او انه يستطيب الغزل بهويته من منافق يجيد " الانتهازية الذكية "....
انه ينتقد من هو على هوّيته بعد ان يراه " مرتدّا " ، او لا يعبّر عن هويته بالشكل المطلوب !!!... نعم ، مرتدّا ، ألم اقل اننا حفضنا الدرس الشرقي جيدا...
فالعبرة في الاستحسان او في الانتقاد ليست في نتيجة " واحد زائد واحد " ... العبرة في هوية قائلها ....
ربما تكون امورنا الشخصية عال العال ... ربما تسير حياتنا على احسن ما يرام... لكننا ، رغما عنا ، فقدنا شيئا ما في دواخلنا ، لم نعد نقهقه من اعماقنا كما كنا نفعل ، لم يعد شيء فينا يفرحنا... انه احساسنا باننا في العراق نواري وجودنا ....
متي اسو