المحرر موضوع: بين النص والانسان .. الانحياز للانسان  (زيارة 1330 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بين النص والانسان... الانحياز للانسان
من سمات الاحزاب السياسية المسماة بالعقائدية، انها تحول فكر او افكار الحزب مهما كانت بساطتها الى نص مقدس غير قابل للنقد واي نقد يوجه لهذه الافكار يعتبر طعنا او كفرا، وعلى هذا المنوال فان زعماء الحزب يتحولون الى اشباه الهة، برغم من تاكيدات الاحزاب العقائدية بكل ميولها انها وزعماءها هم لخدمة الجماهيرة وتطلعاتها المشروعة في العدالة الاجتماعية او في تحقيق شرع الله، فانه في الحقيقة يتم تسويق اي كلمة تقال من الزعيم وكأنها درة من الدرر واخر فتح في العل السياسي ولم يسبق الزعيم في قوله احد، وان كانت اقوال الزعيم تتناقض مع ما قاله بالامس القريب.
قبل سنوات قرأت لاحد الاخوة وهو يدعوا الى اقامة احزاب اشورية على اسس عقائدية، والعقيدة هي الدين بعينه، اي اقامة احزاب على اسس دينية ( بمعنى ان الافكار في الحزب تتحول الى شئ مقدس وتتلوا كالصلوات)، ومن سمات الدين ان الفكر فيه مقدس، لانه منزل او لانه قول الله او وعده لبني البشر، وبالتالي فأن عامة الناس تأخذ هذا الفكر كمسلمات غير قابلة للمناقشة، ما يقوله النص او ما يفسره الكاهن او الشيخ لا يكون قابلا للتشكيك، لان العامة تعتقد ان كرامة رجل الدين من كرامة الله وان ما يقوله هو قول الله، اي انها لاتفكر ان ما يقوله رجل الدين هو تفسيره لما هو مكتوب، وهذا التفسير خاضع للاهواء والشطط.
طبعا وكالعادة بعض الناس فينا يحاولون تطبيق التجارب التي ثبت فشلها لدى الجميع، فالرأي اعلاه قرأته بعد فشل دول المنظومة الاشتراكية وبعد ان ظهر ان الدول التي تقودها الاحزاب العقائدية في شرقنا تعيش مرحلة عصيبة وازمات مستديمة ويحق القول فيها انها في عنق الزجاجة، اي انها تعيش ازمات متتالية لا تدري كيفية الخروج منها الا بالهرب الى الامام والمزيد من العقائدية والاستكانة الى الغيب وما يخبئه ورمي كل الاثقال على الله وما يريده.
برغم من كل شعارات الايديولوجيون (العقائديون) الجميلة والبراقة، الا انهم ينتهون الى ما انتهى اليه ستالين وصدام وكيم ايل سونغ وهتلر وغيرهم حيث يتحول الانسان الى اداة في يد الايديولوجية، وتبقى كل التضحيات مشروعة ومبررة لرفع شأن القضية المقدسة (اي قضية) وبالحقيقة ان هنالك تماهي بين القضية والزعيم، فالتضحيات تكون من اجل استمرارية الزعيم ومغلفة بأسم القضية.
يبقى الانسان هو المغيب الاكبر في ظل الانظمة او الاحزاب العقائدية، فمرة بأسم الطبقة البروليتارية ومرة باسم محاربة الامبريالية والبرجوازية الكبيرة ومرات باسم الامة العربية او الاسلامية، يجب على الانسان ان يؤجل متطلباته وحاجاته لحين الانتصار على الاعداء، ولان الاحزاب والزعماء العقائديون غير معرضين للنقد والتقويم والتصحيح فأن تأجيل متطلبات الناس يستمر لعقود طويلة دون تحقق، لا بل ان الموجود يتعرض للتأكل بفعل الزمن وتأثيراته.
تتميز الاحزاب العقائدية في المسائل المطلبية بالتبسيط الساذج وبالتفكر المؤامراتي، صحيح ان لكل علة معلول، ولكل حدث سبب، ولكن في الفكر العقائدي، يكون التفكير لحل علة ما موجه الى جزء من الشعب الذي يتهم بانه سبب المصائب كلها، فمرة الاقطاع واخرى البرجوازية وثالثة عملاء واذناب المستعمر، هذا الفكر يصنع اعدائه من كل من يخالف وبأي مقدار من المغايرة او المخالفة، فلكل يجب ان يتساوا في كل شئ، هذا الشعار الجميل، لا يعني رفع مستوى الطبقات الفقيرة والمعوزة ليضاهي مستوى الطبقات المتوسطة، بل التجربة اثبتت ان هذا الشعار في الانظمة العقائدية يعني خفض متطلبات ونوعيات احتياجات الكل ليعم الفقر وليهناء الاقل من السابق، ويتم تطبيق هذه الشعارات بخبث واستهتار بالاقتصاد ومتطلباته، فيتم زيادة الرواتب، او زيادة الدعم الاقتصادي للمواد المستهلكة من قبل الفقراء، وبالطبع هذا الدعم سيشمل الكل، ولكن الدعم والرواتب يتدم زيادتهما دون زيادة المداخيل، فيتم طبع عملة ورقية لا دعم لها ولذا يزداد التضخم، وتتأكل الزيادات التي حدثت، لا بل في الحقيقة يكون الدخل في تناقص، ولكن الفرق بين الانظمة العقائدية والانظمة التي تسيرها المصالح الحقيقية للناس هو انه في الانظمة العقائدية لا يمكن للناس الشكوى او التذمر، لان عاقبة الامر معروفة، ولذا تتراكم الاخطاء لحين تعميم الدمار ولا فائدة من العلاج الا بازالة كل اثار النظام، اما الانظمة التي تسيرها المصالح الحقيقية للناس فأي خلل يتم ابرازه وتسليط الضوء عليه وبالتالي معالجته باقل قدر من الخسائر.
للاحزاب العقائدية نظامها الخاص، فلكونها تؤمن بانها الوحيدة على حق، فانها ترفض تلقائيا اي تنافس لها في مجال ادارة الامور او نشر الافكار، لانها تعتبر ذلك اعتداء على مبرر وجودها، وانتقاصا من الحكمة المطلقة لزعماءها الذي يتحول تدريجيا وبفعل نفس العامل الى الزعيم الاوحد، وهذا النظام بالطبع لا يصلح بتاتا لشعبنا الاشوري (الكلداني السرياني) لان شعبنا لا يحكم نفسه بنفسه، اي انه لا يمتلك وطنا يديره بنفسه، بل هو  يحاول المشاركة مع الاخرين لادارة الوطن وضمن هذه المحاولة يحاول ان يحصل على اكبر قدر من الجقوق، هذه المحاولة المحكومة بعوامل القوة التي يمتكلها شعبنا، من ناحية اخرى ان كون احزابنا تعمل مع احزاب اخرى ولامم اخرى سيعني اقامة تحالفات حزبية مصلحية تنبع من الرؤية الخاصة بكل حزب للمصالح، وبالتالي وضمن هذه الظروف يستحيل اقامة حزب عقائدي يدير امر الشعب، ضمن المعادلات القائمة، ان هذه الحقائق تجعل من يريد ان يتسمى بانه حزب عقائدي يلجاء الى رفع شعارات تدغدغ مشاعر البسطاء ولكن هذه الشعارات لا تصمد امام اي مسألة حقيقية، بل هي مخالفة لمنطق السياسة التي يخضع لعوامل القوة والمساومة اي الاخذ بقدر الامكان والقدرات.
ضمن المعادلة اعلاه اعتبر بعض الاحزاب انهم احزاب عقائدية، ولذا كان من الواجب اظهار عقيدة لا يشوبها اي خطاء بحسب اعتقادهم، وتظهرهم بمظهر القوي والمبدئي الذي لا يساوم على عقيدته، فكانت ساحتهم التي يريدون البروز فيها هي ساحة القسم الاشوري من الشعب، ولذا رفعوا شعار الاسم الاشوري المقدس الذي دونه الدماء، وليظهروا مبدئيتهم اكثر اتخذوا اسم اشوريا بالسورث ومن فرط مبدئيتهم فانه لا يهمهم ان انسلخ اكثر من ثلثا شعبنا وصار شعبا شقيقا ( هي ممارسة اصبحت سمة لاحزاب عقائدية ان يتم التضحية بالشعوب على مذبح العقيدة)، فالمساومة لديهم مفقودة ومن قوامسيهم محذوفة، ولانهم حزب عقائدي مبدئي فان فرحتهم كانت عظيمة لما وجدوا الاسم الاشوري مفصولا عن الكلداني، علما ان الاسم الاشوري والكلداني كانا سيظهران معا ولكن ليمثلا شعبا واحدا وليس شعبان كما يستشف من المسودة الحالية، ولكن الحزب العقائدي لا يمكن ان يمارس دوره كما عهدناه في السلطات المقبورة لاحزاب عقائدية سابقة مثل الاحزاب الشيوعية او القومية العربية مثل حزب البعث المقبور، فتجربة حزب اعتبر نفسه ممثلا وشرعيا ووحيدا لشعبنا لا زالت طرية، فانه لم يضر الا شعبه، وان كان البعض لا يزال يتبعه فان الخوف هو عندما تزول السكرة وتتوضخ الامور، فهذا ايضا كان يدعي انه تنظيم طليعي عقائدي ولا يزال بعض رموزه يستعملون ذلك، اذا الذي ستعمله الاحزاب العقائدية في شعبنا هو لعب دور الكاريكاتير فقط، دعوات وادعات لا تربطها بالواقع الا خيالاتهم.
اذا الاحزاب العقائدية لا تعمل لخدمة الانسان بقدر خدمتها للعقيدة، ولذا ترون الاحزاب الاسلامية تعمل كل جهدها من اجل وضع الانسان في خدمة نشر الاسلام وانتصار الاسلام مهما كانت التضحيات البشرية ومهما كانت الخسائر بالاقتصاد او مهما كان التخلف، لا بل ان المزيد من التخلف مرغوب ليلتصق الناس بالعقيدة كمنقذ وحيد لهم من عاديات الزمن،  وسيبقى السؤال الازلي ماذا ستفيد العقيدة لو زال البشر؟ غير مجاب عليه من الاحزاب العقائدية.
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ