المحرر موضوع: قراءة في رواية ( الشاهدة والزنجي ) حكاية إمرأة حالمة في زمن متوحش  (زيارة 500 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جمعه عبدالله

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 690
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قراءة في رواية ( الشاهدة والزنجي ) حكاية إمرأة حالمة في زمن متوحش
برز المبدع الراحل ( مهدي عيسى الصقر ) من جيل الرواد في الرواية العراقية , التي اتجهت في الاتجاه الوقعي في منعطفات عالم السرد  الروائي , في الصياغة والمنهجية الواقعية , في الطرح والتناول  . وقد احتلوا مكاناً مرموقاً في تطوير  الرواية العراقية الواقعية . والمبدع الراحل يملك اسلوبية متطورة في السرد وضبط ايقاعاته . في الابتكار وخلق فكرة الحدث السردي  في النص الروائي , في مهارة متمكنة   من ادواتها  التعبيرية واسلوبية الطرح ضمن منهج الواقعية الاجتماعية , التي تعطي الزخم في الكشف والغوص في المعاناة والقهر الاجتماعي , وخاصة للشرائح الفقيرة , المظلومة والمسحوقة في البؤس الاجتماعي . وهذه رواية ( الشاهدة والزنجي ) كشفت عن عمق الصراع الاجتماعي , في التناول أدق  القضايا الحساسة والملتهبة في عصب الحياة والواقع , وخاصة بما يتعلق أو ما  يخص بالمرأة , من  الظلم الواقع على كاهلها بالاثقال الثقيلة التي لا تطاق ولا تتحمل بشكل كثيف ومتزاحم . ان منصات السرد كشفت هذه المعاناة بالوصف والتصوير الواقعي . الذي استخدم في لغة السرد الضمير ( المخاطب والمتكلم ) بعمق الكشف الجوهر الحقيقي للصراع  , ولدوافع البؤس الاجتماعي الظالم , في حساسيته ومشاعره المتعلقة تجاه المرأة . ان المتن الروائي يدخل في العمق الصراع الاجتماعي المتعدد الجوانب , في الفعل الدرامي الملتهب في ملاحقة مسار الاحداث , ورصدها والكشف عنها , بطريقة مشوقة تشد القارئ اليها في المتابعة المرهفة . والنص الروائي يسلط الجانب  المظلم , الذي يجلبه الاحتلال الاجنبي . والرواية تتحدث عن الفترة التاريخية من عمر العراق  في الاربعينيات من  القرن الماضي , عن الاحتلال الامريكي لمدينة البصرة . واتخذ الجانب الاخر من ضفة النهر , ضفة البساتين في اقامة معسكراته وثكناته ومستودعاته العسكرية  , والجانب الاخر من النهر ترك  الى سكان أهل البصرة . واشارات المتن الروائي تدلل في رؤيتها التعبيرية , بأن الحياة ضمن ثقل الاحتلال المفروض ,  تكون مفترسة   تمزق المعايير والقيم , بأن القاتل والمغتصب يظل حراً طليقاً , بينما الضحية تصبح كبش فداء , وما الضحية ( نجاة ) التي وقعت ضحية الافتراس , ماهي إلا أشارة ترميزية الى المدينة المفترسة من قبل المحتل الامريكي  . والمبدع الراحل ( مهدي عيسى الصقر ) أبداع في بناء الشخصيات الرئيسية في النص الروائي . نجد الجانب السلبي في فعلهم وتصرفاتهم بهذا الشكل وذاك . ما عدا شخصية المترجم  ( توفيق ) الذي يعطي سمة الشخصية الايجابية . الذي يحاول بكل جهده تقديم الدعم والمساعدة المعنوية الى الضحية ( نجاة ) .
               ×× أحداث المتن الروائي :
 × يتحدث النص الروائي عن فتاة صغيرة ( نجاة ) ذات السادسة عشرة عاماً , تزوجت من ( حسون ) الذي تجاوز الخامسة والاربعين عاماً . وقعت في زواج فاشل , وهي مازالت في عقل الطفولة الساذجة , وهي بذلك تكون سهلة الانقياد والافتراس . فهي متعطشة للحب والحياة , بسبب هذا الزواج غير المتكافئ .  ووقعت بسهولة في براثن ( أبراهيم ابن الخبازة ) في الاحتيال في بيع الحب المزيف لها  . فكان يطاردها بالاستمرار بحجة الحب والغرام حتى وقعت في الفخ الذي نصب لها , لكي يتاجر بها جنسياً في بيع جسدها الى جنود الاحتلال  . وكان يقوم في جنح الظلام حين يعبرن بنات الهوى الى الضفة الاخرى , ضفة البساتين ليبعن جسدهن الى جنود الاحتلال , فكان  يسلب ما يحصلن عليه من الاموال تحت طائلة  التهديد والتخويف  , ليأخذ محصولهن الليلي . لذلك اقنع ( نجاة ) في الذهاب الى البساتين في جنح الظلام , وبالفعل ذهبت معه الى الضفة الاخرى واغتصبت من قبل  جنديين زنجيين , ولكن كشف الامر من قبل حراس المعسكر , ودارت معركة قتل فيها أحد جنود الاحتلال , وهي وقعت في قبضتهم  , واعتبرت الشاهدة الوحيدة التي شاهدت المجرم ,  الذي اغتصب وقام بالعملية الاجرامية في القتل . وكانت بين فترة واخرى  تجلب الى معسكر الاحتلال لاجراء التحقيق لمعرفة القاتل  , والتعرف على وجه المجرم من خلال اصطفاف الجنود في عراء في سخونة نهار الصيف , وهي تتجول بين الوجوه  , لكي تتعرف وتشخص القاتل الحقيقي من الجنود الواقفين في قيظ الشمس الحارقة . وكانت عملية جلبها من بيتها ومرورها في السوق الشعبي برفقة الجنود والشرطة . كانت تشعر بالاهانة والاذلال. . وكانت تشعر بالاحباط والجزع والعيون تتطلع فيها , بعدما انتشر خبر عملها الفاحش . حتى زوجها طلقها حتى يتخلص من عارها المشين . فكانت في كل مرة تفشل في العثور على القاتل , وهي تلوم نفسها بشدة وندم , كيف طوعت نفسها في تصديق الحب المزيف من قبل  ( أبراهيم ابن الخبازة ) رغم تحذير المجنون ( حميد ) الذي حذرها في الابتعاد عنه لانه سيء الاخلاق والتصرف والسلوك , حيث قال لها ( أنه أنسان لا يتورع على القيام بأي شيء , من اجل ان يحصل على المال ...... حتى أمه ليبيعها اذا وجد من يشتريها ) ص45 . لذلك جزعت من حياتها وهي تجد نفسها تتحطم جسدياً ونفسياً , في دوامة الجلب الى المعسكر , والتفتيش في وجوه جنود الاحتلال . وكان في كل الجولات يصاحبها المترجم ( توفيق ) ليقوم بمهمة الترجمة , ويقول لها بأن افادتها في مركز الشرطة تؤكد بأنها شاهدت وجه القاتل الذي اغتصبها , فلماذا لا تركز في الوجوه وتنتهي مشكلتها . ترد عليه بأنها لم تصرح بأنها شاهدت وجه المجرم ( - أنا ما قلت أنني رأيته , ابداً ما قلت . لكنهم أصروا .. ماذا افعل أنا !؟ ) ص31 . ويلح عليها ( توفيق ) ان تكون هادئة وتركز بدقة, وهي تتطلع في الوجوه , فلابد ان شاهدت شيء مثير يجلب الانتباه في القاتل  , اثناء عملية أغتصابها , وحتما ستصل الى القاتل وتنتهي مشكلتها العويصة ( - اذا تعر فت ِ عليه تنتهي المسألة بالنسبة لكِ
فسألته .
- وهو ؟
قال لها :
- يعدم طبعاً , هو وصاحبه . ماذا تتوقعين؟ ) ص41 .
لذلك انها في قرارة نفسها لا يمكن ان تجازف في حياة أنسان ربما يكون بريء , وليس ذلك المجرم الحقيقي.
وتتذكر بأن ( توفيق ) قال لها بأنه حين ينتهي عمله في المعسكر ويرحل المحتل الامريكي من المدينة  , فأنه يعود الى مدينته واهله . وكانت تتمنى في قرارة نفسها , ان يأخذها معه وينقذها من معاناتها , ينقذها من الجزع الحياتي , من هذه المحنة السوداء . فيقول لها مواسياً ( - لالا ..... لاتيأسي من الدنيا هكذا بسرعة , هذه قضية بسيطة . سوف تنتهي قريباً ,,, صدقيني ... ربما تنتهي هذا اليوم .. وانتِ لا تزالي شابة صغيرة .. والمستقبل كله مفتوح امامكِ ) ص58  .وكذلك تحثها امامها على انهاء المشكلة كيف ما يكون , بأشارة الى اي جندي من الواقفين وتنتهي المسألة  العذاب والمعاناة . ولكنها تصر على عدم ظلم اي أنسان , ضميرها لا يطاوعها على فعل ذلك , وتوجه كلامها الى امها بجزع ويأس :
( - رأيك ... أقتل نفسي !؟
شهقت أمها .
 - لا بنتي ....... أسم الله عليك . لماذا تقتلين أنتِ نفسك . أشيري الى اي واحد منهم والسلام ... كلهم خنازير )ص74 . فلم تعد تطاق محنتها وعذابها , فقد انهكتها جسدياً وروحياً . بالهموم التي تتجرعها كالعلقم . ولم تعد تتحمل نظرات الناس القاسية , كأنها اصبحت منبوذة , بل عار عليهم , وعليها الرحيل عن المدينة , لان وجودها غير مرغوب فيه, من فعلها الفاحش  الذي سودت  المدينة بالعار . وحرصاً على سمعة المدينة ونسائها عليها الرحيل فوراً . صعدت الى  سلم البيت بصعوبة وهي تجر قدميها لتسلق الدرج , وهي في حالة يرثى لها , انهت حياتها لتريح الناس وتستريح , فلم تعد تطيق الحياة , وكانت النهاية في تلك الليلة الرهيبة , لتنام في قعر البئر العميق  , وهي توجه صرخة أحتجاج الى الزمن المتوحش والمفترس .
 جمعة عبدالله