المحرر موضوع: يوم مُميَّز من أيام الحرب العراقية الإيرانية ٢٣ أيار ١٩٨٥ (من حياتي)  (زيارة 1141 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الشماس الأنجيلي قيس سيبي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 234
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

يوم مُميَّز من أيام الحرب العراقية الإيرانية ٢٣ أيار ١٩٨٥ (من حياتي)

 
لكلٍ منّا قـصة بل قـصص من الحـرب العـراقـية الإيرانية التي لم تخلُ منها أية عائلة عـراقـية خلال السنوات الثمان من الحـرب الـتقـلـيدية التي حـصدت خـيرة شباب العـراق . والعالم لم يحـرك ساكـنا سوى تـزويد الطرفـين بالأسلحة والمعـدات وربما الخـطط والإستخـبارات من أجل إدامتها أطول مدة ممكـنة لـتصريف ما زاد من أسلحة وأعـتـدة الحـرب العالمية الثانية وإمتصاص رؤوس الأموال المتراكمة في المنطقة .
 
بعـد تخـرّجـنا من دورة الـتـدريب الأساسي كـقـدّاح مدفعـية من معسكـر المحاويل الـقـريب من محافـظة بابل / الحلة لكـوني خـريج قـسم الـفـيزياء ، والتي إُخـتُـصِرت من ستة أشهـر إلى أقـل من أربعـين يوماً ، إلتحـقـتُ أنا وزميلي (عـباس من قسم الرياضيات) بكـتـيـبة ٢٤٤ متوسـطة (١٥٧ملم) الفـرقة الخامسة في البطرية الأولى في قاطع البصرة ، وكانت مفاجأتي وفـرحـتي كـبـيرة عـنـدما عـلمتُ بوجود أَلـقـوشيـَيْن في البطرية وهـما مساعـدان لرأس عـرفاء البطرية ــ عابد إلياس گوريال و خـضر حسقـيال گـله ــ حـيث كـنا نـتسلى مع بعـضنا كـلما سنحـت لنا الـفـرصة أن نلـتـقي في أوقات الفـراغ الطويلة خلال الأيام التي لم نـنـشغـل فـيها بهجـوم .
وبعـد أشهـر قـليلة من إلتحاقي بالبطـرية كـقـدّاح ، زار حـضيرتـنا آمر البطرية ( نـقـيب إحـتياط شهاب أحمد وهـو خـريج كـلية الـفـنون الجميلة قسم الإخـراج المسرحي ) ومعه ملازم أول عـباس (بغـدادي) وطلبا مني الاِلتحاق بقـلم (مكـتب) البطرية (حـيث إرتكـب أحـد أفـرادها مخالـفة وهي تـزوير كـتاب تأيـيد فـطُردَ منها) ، ولـقـلة خـبرتي لم أقـبل بالـفـرصة مباشرةً ، فـقال سأنـتـظرك إلى وقـت الغـداء إن لم ترغـب سأبحـث عـن شخـص آخـر ، إستـشرت في حـينها صديقيَّ الألقـوشـيـّـين فـقالا لي إذهـب الآن قـبل أن يتـوسط آخـر لها فإنها فـرصة يـبحـث عـنها الجميع ، فـذهـبت وعـمـلت ككاتب في قـلم البطرية وبعـدها مسؤول القـلم ثمَّ مسؤول قـلم الكـتيـبة إلى يوم تسريحي من الخـدمة .
 
كانت كـتـيـبتـنا تغـطي أية حاجة في جـبهة الـقـتال وفي أي قاطعٍ كان ، حـيث تحـركـت من الفاو في أقـصى الجـنوب ثم عـمارة وإلى گـلي گـلاله في أقـصى الشمال حسب الحاجة والأوامر . وهكـذا بتأريخ ٢٢ أيار ١٩٨٥ عـصراً تمت دعـوة كـتـيـبتـنا (التي كانت في القاطع الأوسط داخل الأراضي الإيرانية جنوب الكوت) لإسناد المعارك في قاطع العـمارة قرب الشارع العام ، حـيث تحـركـنا في ليلة غـبراء سوداء والـقـذائف تـتساقـط عـلى أطراف الشارع الرئيسي عمارة ـ بصرة والعجلات المحـترقة يتعالى نارها لـيـبـدو الليلَ نهاراً ونحـن نسير به بـبطئ مخـيف ، ووسط الإنفجارات طُلبَ منّا الـترجّـل غـرب الشارع عـمارة – بصرة الرئيسي لأقـل من كـيلومتر من الشارع ، توقـعـنا بأنه فـقـط لـتـقـليل الخسائر حـيث تكاثـف قـصف العـدو وسير العجلات بإتجاه الجـنوب شبه مُعـطل ، ولكـن تـقـديرنا لم يكـن صائـباً لأن الأمر كان لنصب مواقع لمدافعـنا في تلك المنطقة من أجل مطاردة العـدو الذي كان يزحـف غـربا بسرعة نحـو الشارع الرئيسي (عـمارة – بصرة) ، وعـلى الـفـور حـوالي الساعة الثالثة صباحا تم نصب المدافع (١٢ مدفع) وبدأنا بتوجـيه  ضرباتـنا بإتجاه الشرق . ولكـن تمكـنّا من معـرفة بُعـد العـدو عـن موقـعـنا من زاوية ميل سبطانة المدفع التي إقـتربت من الأفـق وكـذلك سَحـْب معـظم الحشوات الدافعة الإضافـية البارودية السريعة الإشتعال ورميها بجانب المدفع التي تراكـمت عـلى شكل تلال من البارود لـتـقـليل مدى الـقـنبلة إلى عـدة كـيلومترات . وتكاثـف الـقـصف وبإستمرار ، حـتى السلاح الخـفـيف لم يكـن بعـيداً عـن موقـعـنا .

مهمة سهلة بل خطرة:
وفي حوالي الساعة الحادية عشر صباحا جاء رأس عـرفاء خـضر وطلب مني أن أقـود سيارة خـزان الماء (تـنكـر) بـين الحـضائر لأوزع لهم الماء ، فـقـلت له: إن الـقـصف كـثيف والـقـناص يرمي بشكل مخـيف فكـيف تريدني أن أقـود السيارة في هـذا الجـو وفي الأرض المنبسطة ! فـقال لي: أنّ آمر البطرية طلبك بالإسم لأن جميع السواقـين ذهـبوا في مهمات لنقـل الأعـتـدة ، وأضاف في الحـقـيقة أنت السبب ، لماذا أَعـلَمتهم بأنك سائق جـيـد ؟ وأضاف ، عـلى كل حال عـليك تـنـفـيذ الأمر وبخلاف ذلك قـد يعـتبرك متخاذل وتـدخل في تعـقـيدات أخـرى ، فـلم يكـن امامي سوى تـنـفـيذ الأمـر ، فـبدأت أقـود سيارة إيـفا من يمين البطرية ليكـون مقعـدي في الجانب البعـيد عـن جهة العـدو ، وكـنت أوقِـف الشاحـنة أمام الحضيرة وأجـلس تحـت السيارة إلى أن تـتـزود بحاجـتها من الماء وأتحـرك إلى الحضيرة التالية ، والحمد لله مرَّت المهمة بسلام .

الحريق العظيم:
وفي حـوالي الساعة الخامسة عـصرا من نفس اليوم وهو أول يوم نـزولنا في المنطقة وكان يوم ٢٣ أيار ١٩٨٥ والقـصف المتـبادل بـين الطرفـين مستمر وتلال البارود ترتـفع ، حـصل أن شرارة من قـطعة كارتونية محـترقة سقـطت من فـوهة سبطانة المدفع عـلى أحـد تلال البارود المتراكـمة حـول المدفع وبجانبها صناديق قـنابل المدفع ، فإنـدلع النار في أحـد تلال البارود ووصل النار إلى صناديق العـتاد التي بدأت بالإشتعال هي الأخـرى وكـلما ترتـفع درجة حـرارة قـنـبلة المدفع تـنـفجـر وتـتطاير شظاياها مئات الأمتار ،  وتوزع النار عـلى الحـضائر الأخـرى حـتى شرع النار وإنـفجارات قـنابل المدفع وهي في صناديقها خارج السيطرة وبشكل جـنوني في كل الحـضائر ،  وإرتـفعـت النار عشرات الأمتار . فهـرع كل المنـتسبـين إلى الملاجئ الشقّـيّة التي حـفـرناها بسرعة حال وصولنا في أرض الأهـوار الرخـوة وكـنا نائمين عـلى ظهـرنا نرى الشظايا تـتطايـر فـوق رؤوسنا عـشوائياً كالمطر ، وإستمر الحـريق عـدة ساعات ، وكانت خسائرنا تـدمير معـظم مدافعـنا ، وكـثير من العجلات والتجـهـيزات ،  وكل ما ضاع أو عـطل قـبل ذلك التأريخ ، من دون خسائر بشرية والحمد لله . وإنسحـبنا إلى الخـلف لإعادة التجهـيز .
وقـصص أخـرى كـثيرة ومثـيرة ، ولما طلع النهار ، سكـتت شهـرزاد .
 

الشماس الأنجيلي
قيس سيبي
سان هوزيه ـ كاليفورنيا ـ أمريكا






غير متصل Michael Cipi

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 5261
    • مشاهدة الملف الشخصي
أخي العـزيز
أنت تعـرف المثل الشـعـبي الشائع (( إللي ما يخاف مو رجال ))
وبالمثـل حـين ألـعـب الـورق ( كـونـكان ) مع الأصدقاء أمزح معهم وأقـول :
الهـزيمة نـصف الإنـتـصار وذلك حـين أكـمل (( 51 )) وأنـزل الأوراق عـلى الأرض

بناءا عـلى تـقـديرات آمـر المعـسـكـر وهـيئة الأركان ، يتـطـلـب الموقـف أحـيانا وخاصة الخـطر منه !! ، إما الـوقـوف حـيـث تـكـون ، أو الإخـتـفاء ، أو ( كما يسمى في الجـيش ) الإنسحاب التـكـتـيـكي ...... وأضيـف أيضاً ((( الهـجـوم ))) .
أما الجـنـدي ، ما عـلـيه إلاّ الـتـنـفـيـذ ....... وأحـيانا يُـبـدي الجـنـدي شجاعة (( لا مثيل لها )) إلى درجة المجازفة بحـياته .... وأنا شاهـد عـلى حالة كـهـذه في قاطع الشرهاني / عـمارة في عام 1982 .

غير متصل الشماس الأنجيلي قيس سيبي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 234
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

أخي العزيز

ان هذا النوع من الخوف مشروع ومنطقي لأن الانسان يتعامل مع عدد غير محدود من قطعٍ معدنيةٍ حادة تسير بسرعة عالية وباتجاهات عشوائية وبعدد غير محدود. فلم تُسجَّل بطولة لشخص وقف في وجه القصف المدفعي عندما لا تتصادم مع العدو بالأسلحة الخفيفة (حيث يموت الشعور بالحياة ويقتصر على الدفاع عن النفس بالهجوم) ، وانا خسرت زملاء بسبب القصف المدفعي لعدم التزامهم بالاختفاء داخل الملاجيء .