1
المنبر الحر / الانسان وصوت الضمير
« في: 17:41 31/08/2020 »الانسان وصوت الضمير
يؤارش هيدو
كثيراً ما نسمع أو نقرأ عبارات مثل "فلان بلا ضمير" أو "تأنيب الضمير" أو " شخص فاقد الضمير" أو "مرتاحالضمير" و"فلان يلتزم بما يمليه عليه ضميره" ، وما الى ذلك.
تُرى ما هو الضمير ؟
لفظة "الضمير" من الناحية اللغوية مشتقة من الفعل المزيد "اضمر" أي أخفى . فيقال أضمر الأمر أي أخفاه أوأضمر في نفسه شيئاً أي عزم عليه ، وأضمر الخبر : استقصاه . وأضمرت الأرض فلاناً أي غيبته بسفرٍ أو موت . فيكون معنى الضمير باطن الإنسان أي ما يضمره أي مايخفيه وجمع الضمير : الضمائر . الا ان المعنى قد توسعفصارت كلمة الضمير التي نسمعها هذه الأيام على نطاق واسع تعني ذلك الشعور الكامن في اعماق كل مناوالذي بواسطته نستطيع ان نميز بين الخطأ والصواب أو بين الخير والشر .
هناك قانون يوجه الانسان او يتحكم في اختياره القيام بهذا العمل او ذاك وهذا هو القانون الاخلاقي . أن هذاالقانون يخبرنا بأن علينا أن نفعل الاشياء التي هي صحيحة أو صالحة كقول الحقيقة أو أن نكون عادلين ورحماءأو مستعدين لتقديم العون لمن يحتاجه، وان علينا ان نتجنب القيام بكل ماهو سيء أو طالح أو غير صحيح أومضر كالكذب والغش وخيانة الامانة والظلم أو الحاق الاذى بالاخرين . أن هذا القانون هو من صنع عقلنا أوفكرنا الذي يعي صواب أو خطأ مانريد القيام به من أعمال . إن عمل العقل الذي بواسطته نستطيع الحكم علىشيء ما نود القيام به فيما اذا كان صالحاً من الناحية الأخلاقية ، يدعى بالضمير . ولا يقتصر الضمير علىاناس دون سواهم . انه موجود لدى الجميع ولو بدرجات متفاوته ، لكنه موجود .
لقد وهب الاله الانسان نعمة العقل والقدرة على التفكير . فحالما يبلغ الانسان مرحلة معينة من العمر ، يصبح قادراًعلى التمييز بين الاشياء فيدرك أن هناك اشياء مفيدة ومقبولة وأخرى مضرة ومرفوضة . فاذا قام احدنا لسبب مابشيء خاطىء او سيء أو مضر ، فانه سيشعر عاجلاً أم آجلاً بالندم على ما فعل أو بوخز الضمير .
افلا نشعر بالذنب عندما ننقض عهداً قطعناه مع صديق أو قريب ؟ الا نشعر بالخجل عندما نكذب متعمدين ؟ واذادهس احدنا بسيارته وهو يقودها بسرعة جنونية طفلاً بريئاً أو شيخاً طاعناً في السن أو فتاة في مقتبل العمر هيوحيدة ابويها الا يشعر بالندم طيلة حياته؟ أن هذا الشعور أو الصوت الباطني الذي ندعوه بالضمير يتكون نتيجةللتربية البيتية والمدرسية السليمة .
صحيح ان الاطفال الذين لا يتلقون تربية جيدة وسليمة أو اولئك الذين يصبحون فيما بعد ، لأسباب مختلفة ، عبيداًلعادات سيئة ، فان صوت الضمير لدى هؤلاء لن يدوي بوضوح أو قوة كما ينبغي . لكن ذلك الصوت لا يمكناخماده كلية باي حال من الاحوال . انه يحاول دوماً أن يجعل نفسه مسموعاً حتى ولو كان ذلك من حين لآخر ،لدى اسوء الناس بل لدى اعتى المجرمين احياناً .
ان هذا صحيح اليوم كما كان صحيحاً في الماضي . ان الناس في كل المجتمعات التي لها تاريخ مكتوب قدادركوا حقيقة ان هناك فرقاً بين ما هو صائب وماهو خاطىء ، بينما هو صالح وماهو طالح ، بين الخير والشر .
إن الضمير لا يخيّرنا بين الشر والخير ، بين الصالح والطالح ، بين الفضيلة والرذيلة ، بين الحق والباطل ، بينالرحمة والقسوة ، بين الأمانه والخيانة ... الخ . كما إنه لا يخبرنا ببساطه إنه من المستحسن أو من الافضل أننقوم باشياء معينة . ونتجنب أخرى . الضمير يخاطبنا بلهجة آمرة . إنه يأمرنا بنبرة واضحة بأننا ملزمون أخلاقياًبأن نتصرف بطريقة معينة لانحيد عنها قيد انملة . قد يتصرف المرء أحياناً بطريقة تنم عن الحماقة أو الاهمال أوالجهل مما يثير الضحك أو الشفقة فيشعر بالارتباك او الاحراج او الخجل لتصرفه الاخرق . ان بعض الاشخاصيعانون كثيراً عندما يحصل لهم ذلك فيمتنعون عن الظهور علانية أو الاختلاط بالاخرين لفترة طويلة نتيجةاحساسهم المفرط . لكن علينا أن نميز بين الشعور العميق بالخجل وبين الاحساس بالذنب أو بالأثم . ان الطريقةالتي يعمل بها الضمير مختلفة تماماً . فقد يرتكب الانسان فعلاً خاطئاً أو إساءة في السر دون أن يعرف به أيشخص آخر .
ان ما قام به هذا الشخص ليس تصرفاً يثير الضحك او الشفقة عند الاخرين بل عملاً خاطئاً انتهك به القاعدةالاخلاقية التي تأمرنا بأن نفعل ماهو صحيح وصالح ومقبول فقط . وهنا يرتفع صوت الضمير عالياً موبخاً " لقداخطأت . لقد اسأت . لقد ارتكبت عملاً مداناً ...الخ " .
إن الضمير لايقول لك ، " يحسن بك ان تتصرف بلياقة إن كنت لاتريد أن تصبح موضع سخرية" .
إن الضمير لايستخدم لغة من هذا القبيل ، إنما يأمرنا على نحو جازم لا مجال فيه للمناقشة ، " عليك ان تفعلهذا" أو " انك ملزم بأن تفعل ذلك" .
فأذا تقدم شخص، على سبيل المثال، ليدلي بشهادة زور في قاعة المحكمة ضد شخص بريء لقاء حفنة من النقود،فإن صوت الضمير يعلو على الفور صارخاً ومحذراً " لا تفعل ذلك، هذه اساءة بالغة" .
قد يتلاشى او يخمد صوت الضمير لدى بعض الناس احيانا لهذا السبب او ذلك. فقد يرتكب شخص ما فعلاًخاطئاً او اساءة كبيرة بدوافع معينة. لكن الضمير سرعان ما يستيقظ لدى الجاني سواء كان قاتلاً او سارقاً اوخائناً . وحين ذاك تبدأ المعاناة وكثيراً ما تكون هذه المعاناة هائلة وفظيعة بل ومدمرة!! .
إن الناس الذين يطيعون اوامر ضمائرهم يتمتعون عادة بالهدوء والسلام وراحة البال . أما الذين يخالفون صوتالضمير، اي اولئك الذين يحيدون عما يرسمه ويرضاه الضمير ، فإنهم يعرضون انفسهم الى أقسى أنواع العذابويظلون في حالة من القلق والتوتر لا تهدأ او تزول الا اذا اعترفوا بذنبهم وانزل بهم العقاب. فاذا حل بهم العقابهدأت نفوسهم وزال عنهم ما يغشاه من توتر. إن الحاجة إلى عقاب النفس صورة من صور الحاجة إلى الغفرانتخفف من مشاعر الاحساس بالذنب التي قد تفوق احيانا اي نوع من انواع العقاب.
أن وخز الضمير والشعور بوطأة الأثم عند هؤلاء يدفعهم الى عمل شيء يخلصهم من هذا الشعور ، وأن هذاالكابوس الرهيب لن يزول إلا اذا واجهوا حساباً ما عاجلاً أم آجلاً . وقد يكون الانتحار الوسيلة الوحيدة للتخلصمن وخز الضمير . وهذا ما فعله يهوذا الاسخريوطي ، كما هو معروف . فان هذا الرجل الذي اختاره يسوع ليكونتلميذاً من تلاميذه وحاملاً لرسالته فيما بعد ، خان سيده ومعلمه بدوافع معينة واسلمه الى الخطاة ، لكنه سرعانما شعر بتأنيب الضمير فمضى وشنق نفسه . كما أن بطل رواية دوستويفسكي بل رائعة دوستويفسكي ( الجريمةوالعقاب) هو مثال آخر حي للاشخاص الذين لا يطيقون تأنيب الضمير . فلقد توهم هذا الشاب الجامعي بأن قتلالعجوز المرابية وسلب مقتنياتها سيحلان جميع مشاكله ، لكننا بعد أيام نراه وقد سلم نفسه الى الشرطة معترفاًبجريمته التي أرقته وظلت تطارده ليل نهار وكادت ذكراها تقوده الى الجنون .
وختاماً نقول أن تربية سليمة وصحيحة مبنية على أسس انسانية تغرس في نفوس الناشئة القيم والمبادىء النبيلةكالمحبة والرحمة والإيثار والصدق والاخلاص والعدالة ، داخل الاسرة أو في المدرسة على حدٍ سواء ، كل ذلك كفيلبتنمية وتعزيز تلك البذرة الثمينة التي يزرعها الأله في اعماق كل فردٍ ، ذلك الصوت الذي يخبرنا أي الأشياء هيصحيحة اخلاقياً فنتمسك بها ، وايها خاطئة فنتجنبها ، ويجعلنا قادرين على التمييز بين الخير والشر فنسعىالى الخير ونبتعد عن الشر .