عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - إدمون لاسو

صفحات: [1]
1
الشماس ابرم عما
١٩٢٦- ١٩٩١
بقلم: إدمون لاسو
مدخل: أرسل الكاتب الصديق هذا المستنسخ المكتوب بخط اليد وبقي طي اوراقي لأكثر من ربع قرن، ارتأيت نشره لأهميته التوثيقية فإلى جميل ما كتبه ادمون لاسو مراد:
     ولد ابرم عما منصور حنا كوركيس (ككو) القس شمعون القس يوسف القس كوركيس القس إسرائيل القس هرمز القس إسرائيل رابا في القوش، في شهر شباط من عام ١٩٢٦ وعمذ في أوائل اذار من ذات السنة. والده هو المدراشي الماهر عما منصور ككو (١٨٩٩- ١٩٤٦) المرسوم شماساً عام ١٩١٣ والمشتهر بنظم المداريش أي (قصائد التأبين) في المتوفين.
     يقول المرحوم ابرم عما الذي وافاه الأجل عصر الجمعة ٢٦ تموز ١٩٩١، في نتفة له بعنوان (على الدرب): انه قضى سنة في مدرسة الاحتياط (أي الروضة)، ودخل الابتدائية في اواسط الثلاثينات، حيث تعلم مبادئ السريانية على يد القس فرنسيس حداد (١٨٩٢- ١٩٤٢)، وتعلم العربية ايضاً. ثم تتلمذ وتعمق في درس اللغة السريانية على يد والده الشماس عما منصور الذي كان يتقنها، بالإضافة الى العربية، وبعض التركية، علاوة على الأنغام الكنسية. كان يقول له: "يا بني، إذا تعلمت جميع العلوم ولم تتعلم لغة آبائك وأجدادك فثقافتك تكون ناقصة، لان اللغة هي الرباط الوحيد الذي يربطك بماضي أولئك الأجداد العظام" ويضيف المرحوم ابرم عما في نتفته المذكورة، انه بعد ان تقدمت به السن بدأ بالانكباب على مطالعة نتاج الادباء الكبار يعقوب، افراهاط، برديصان، ونرسي خاصة، الذي تأثر بقوة اشعاره وثورته على المتسلطين في عصره.
     بعد تخرجه من الابتدائية عام ١٩٤٢ غادر الى بغداد ليكمل الدراسة المتوسطة فيها، ولكنه لم يكملها لضعف ذات اليد. وفي ذلك العام (١٩٤٢) بدأ هناك بالنظم السرياني وعمره ١٦ سنة، وأرسل أولى قصائده الى والده في القوش لينقحها له. وفي الوقت بغداد اشتغل غلاماً ليوفر أسباب المعيشة له. وهناك تلقى نبأ وفاة والده في أواخر عام ١٩٤٦، فتأثر له وحزن حزناً شديداً، بعد ذلك رجع الى القوش، حتى تزوج عام ١٩٥١. ثم فاتحته الكنيسة بالتعليم في بعض القرى الآثورية القريبة من القوش كطفتيان وغيرها، لحسابها الخاص، فلبى الطلب مسروراً. وداوم في تعليم السريانية والعربية والأنغام الطقسية مدة سنتين. ثم اضطر الى ترك العمل ورجع الى بلدته، فما لبث ان كلف بتعليم الدين واللغة في احدى مدارسها الابتدائية حتى اثر عليه فترك التعليم نحو عام ١٩٥٤. وكان في تلك الفترة من حياته يستقبل في بيته مساءً، وبعد صلاة العصر (الرمش) كل من يرغب من الناس في تعلم اللغة السريانية والاستزادة من العلم والمعرفة. وفي هذه الفترة وسع كما يقول، من مطالعاته في التاريخ القديم خاصة بسبب ان بعض التلاميذ كانوا يحرجون بأسئلتهم العديدة المتشعبة في اللغة والتراث، حتى أصبحت المطالعة جزءاً حيوياً من عمله اليومي. بعد ذلك غادر وعائلته الى بغداد، واشتغل في مصفى النفط في الدورة في أواخر الخمسينات، كما اشتغل في تركيب البواري بعد الدوام الحكومي. حتى فصل من الخدمة واوقف لمدة أربعة أشهر في عام ١٩٦٣. ثم رجع الى الوظيفة الحكومية وعين في معمل الكبريت) في كركوك من قبل المطران كورئيل قودا (١٩٠٨- ١٩٩٢). ثم نقل الى البصرة مع بقاء عائلته في كركوك. وبعد نحو سنتين انتقل الى السليمانية، واشتغل في معمل السكائر فيها. وهناك القى مجموعة محاضرات في (النادي الثقافي الآثوري) بعنوان (من سقوط نينوى حتى اليوم). وبعد سنوات نقل الى معمل السكائر في أربيل وحتى تقاعده عام ١٩٨٤. بعد ذلك غادر وعائلته كركوك راجعاً الى بلدته الأثيرة على قلبه القوش، بعد ان ابتنى بيتاً فيها عام ١٩٨٩ وفيما توفي يوم الجمعة ٢٦ تموز ١٩٩١، وليس ٢٥ تموز، كما يرد خطأ في شاهدة قبره في مقبرة القوش، كما يرد خطأ آخر في الشاهد اذ يذكر ولادته عام ١٩٢٤، معتمدين على هويته الرسمية الخطأ. كما ان اسمه الصحيح كما يستبان من شهادته المدرسية، ووثائقه الرسمية، ووثائق أولاده وتواقيعه الكتابية هو ابرم وليس افرام كما يورده الشاهد تجاوزاً. لذلك اقتضى التنويه والتنبيه.
كان الشماس ابرم عما انساناً في منتهى الصراحة والمبدئية مع الأريحية العلمية العالية. لا يحابي ولا يداج احداً على حساب الحقيقة. وقد عانى من جراء ذلك الكثير خلال حياته المضطربة. كان رحمه الله من ذوي الشخصيات الواثقة المؤثرة علمياً واجتماعياً تسعفه في ذلك ذاكرة قوية كان يمتلكها، واخلاق جميلة كان يتحلى بها. وكان الراحل من الغيورين على تراث ابائه واجداده، يتفانى في الذود عنه والوفاء له. حتى انه رغم مرضه المتمثل في العجز الرئوي كان يستقبل في مستقره الأخير في القوش، مجاميع من الأولاد والبنات يعلمهم مبادئ اللغة السريانية واصولها. وفي مكتبته تجد مجموعة طيبة من المخطوطات السريانية، خطّ قسم منها بقلمه كمخطوطة (التحديدات الفلسفية) لميخائيل باذوقا واخرين، التي نسقها وخطها عام ١٩٨٧ عن نسخة قديمة مهلهلة كان يحتفظ بها في مكتبته.
     وكان الراحل مشغولاً في السنوات الأخيرة بتصنيف قاموس سرياني خاص سماه (تفسير الالفاظ اليونانية في ثنايا اللغة السريانية) وقد اتمه وأنجزه عام ١٩٨٨. كما صنف كتاباً اخر بعنوان (تفسير أسماء الأعشاب الطبية ولواحقها) انجزه عام ١٩٩٠. كما ترجم منذ سنوات (المحاورة بين طيماثاوس الأول البطريرك والخليفة الاموي) وجميعها موجودة في خزانته.
آثاره:
     كان المرحوم ابرم عما مقلاً في النشر لظروفه الخاصة، ولنظرته الفلسفية للحياة، حيث كان يكرس معظم وقته للخدمة العامة والتوعية المباشرة لمن يحضر مجلسه من الأصدقاء والاوفياء. وادناه قائمة بأشعاره ومقالاته المنشورة وغير المنشورة، علاوة على ما ذكرنا على ما ذكرنا أعلاه من مصنفاته المخطوطة التي تنتظر من ينتشلها من ادراجها المهمة ويتعهدها بالنشر والطبع حفاظاً وابرازاً لقيمتها العلمية، وتخليداً لذكرى صاحبها العطرة.
١ " عيد الربيع عند اجدادنا" – قصيدة بالسريانيةـ في مجلة قالا سريايا عدد ٤ (بغداد، ١٩٧٤).
٢- "الاديب الكبير نرساي " – بالسريانية- في مجلة قالا سريايا عدد ٥ (بغداد، ١٩٧٤).
٣- " لغتك أيها الآثوري" – قصيدة بالسريانية- في مجلة قالا سريايا عدد ٨ ( بغداد، ١٩٧٥) .
٤- " ايشوعياب بر بريخا الحديابي" في مجلة المثقف الاثوري عدد ٩- ١٠ (بغداد، ١٩٧٦).
٥- " شمس الحرية" – قصيدة بالسريانية- في مجلة قالا سريايا عدد ١٢ (بغداد، ١٩٧٦).
٦- "أصول اللغة الآثورية والطريقة المثلى لتعليمها والحفاظ عليها كتراث" في مجلة المثقف الاثوري عدد ١٥ (بغداد، ١٩٧٨).
٧- " الحب الصريح" – قصيدة بالسريانية- في مجلة الكاتب السرياني عدد ٧- ٨ (بغداد، ١٩٨٧).
٨- "ملاحظات حول كتاب (القوش عبر التاريخ)، لمؤلفه المطران يوسف بابانا في مجلة الثقافة عدد ٥- (مشيكان- اميركا، ١٩٨٩).
٩- " رأي في تسمية القوش" في جريدة الحدباء عدد ٧٠١ (الموصل، ١٤/ ١١/ ١٩٩٥). وفي مجلة نجم بين نهرين عدد ١١- ١٢ (دهوك، ١٩٩٥).
١٠- "السريان شعب حضاري اصيل" – مقالة غير منشورة- يرد فيها على المستشرق الروسي تسيرنيلي في مقابلته في جريدة النور عدد ٣٨١ (بغداد، ١٧/ ١/ ١٩٧٠).
     " القس اوراها شكوانا" – مقالة غير منشورة-. -11
١٢- " لتذكار مار افرام الملفان السرياني" – قصيدة سريانية غير منشورة-.
رحم الله ابرم عما الانسان النزيه والاديب النبيه
"وأنك تراب والى التراب تعود"

   
 
المرحوم ابرم عما في مقدمة التظاهرات أيام ثورة ١٤ تموز المجيدة

نعي جريدة طريق الشعب للمرحوم ابرم عما عام ١٩٩١

nabeeldamman@hotmail.com
California on January 24, 2024


2
نبي جبران يذر بقرنه
إدمون لاسو
                                                                 
اقصد بهذا العنوان المجازي مرور قرن كامل على صدور كتاب النبي للنابغة اللبناني المهجري جبران خليل جبران ( 1883- 1931 )، الذي صدر باللغة الانكليزية في نيويورك بأمريكا في ايلول 1923 م.
  وقبله بأشهر قليلة  من نفس العام صدر الكتاب النقدي المشهور لزميله في  الرابطة القلمية ميخائيل نعيمة ( الغربال )، وفيه فصل عن ( عواصف ) جبران و ( السابق ).
يعد هذا الكتاب القمة في مؤلفات جبران الانكليزية والعربية معاً. وقد طبع منذ صدوره بلغتة الانكليزية ملايين النسخ في امريكا وحدها. وترجم إلى عشرات اللغات من شرقية وغربية، ومنها العربية بالطبع لغة جبران الاولى، بعدة ترجمات، سنأتي على ذكرها بعد قليل.
انا شخصياً اعد هذا الكتاب من كتب ( اليوتوبيا ) المثالية، مثل  (جمهورية افلاطون)، و ( المدينة الفاضلة ) للفارابي، و ( يوتوبيا )  توماس مور، و ( مدينة الشمس ) لكامبانيلا، و ( اللاموجودة ) لموريس،
 و ( مدينة الله ) للقديس اوغسطين، و( اليوتبيا الحديثة  ) ل. ه. ج ويلز
و ( العالم الجريء )  لألدوس هكسلي. وقبل هؤلاء جميعاً اشعيا النبي من القرن الثامن قبل الميلاد، عندما يتكلم عن زمن الاتي بأسم الرب: (( فيسكن الذئب مع الحمل، ويربض النمر مع الجدي، ويعلف العجل والشبل معاً، وصبي صغير يسوقهما. ترعى البقرة والدب معاً، ويربض اولادهما معاً، والاسد يأكل التبن كالثور، ويلعب الرضيع على جحر الافعى، ويضع الفطيم يده في جحر الارقم )) اش 11: 6-8.
وجبران يتناول في كتابه مختلف شؤون الحياة والوجود في ( 26 ) فصلاً متتالياً منها المحبة، الزواج، العطاء، الحرية، الالم، معرفة النفس، الزمان، الصلاة، الجمال، الدين، والموت. واخر عبارة يقولها بطل جبران لجمهوره الذي يخطب فيهم قبل ان يودعهم بحسب ترجمة انطونيوس بشير هي: (( قليلاً ولا ترونني، وقليلاً وترونني، لان إمراة اخرى ستلدني )) في إشارة إلى نظرية التقمص التي كان جبران يؤمن بها. والجملة الاولى في هذه العبارة مقتبسة من كلام السيد المسيح في انجيل يوحنا 16: 16.
اما فصل المحبة فمتأثر باجواء نشيد المحبة الذي يعزفه مار بولس في رسالته الاولى إلى اهل كورنثس الاصحاح الثالث عشر بدون شك.
  اما ترجمات ( النبي ) إلى العربية فكانت الاولى للارشمندريت انطونيوس بشير عام 1926 م في القاهرة، ثم ميخائيل نعمه 1956 م، وثروت عكاشة سنة 1959 م، ويوسف الخال 1968 م، ونوئيل عبدالاحد 1993 م، وجميل العابد ¬¬2000، وسركون بولص 2008.

3
رزوق عيسى
 خردل القصة العراقية   
                           
                                                                       
بقلم: إدمون لاسو (*)
((حبة خردل... هي أصغر البزور كلها.
فإذا نمت كانت أكبر البقول،
بل صارت شجرة حتى ان طيور السماء
تأتي فتعشش في أغصانها)) السيد المسيح في مت 13: 31-32

هكذا هو رزوق عيسى وقصته (الخردلية) الرائدة (فتاة بغداد) المنشورة عام 1910 في مجلته (خردلة العلوم). وسنأتي على المجلة والقصة بعد أن نتكلم قليلاً على حياته ، معتمدين في هذا على مقالة نجله جوري رزوق عيسى((الأديب رزوق عيسى)) في مجلة بين النهرين العدد 109-110 (بغداد، 2000)، ومراجع أخرى.
أولاً: حياته:
ولد رزوق عيسى زكريا في محلة رأس القُرية، في بغداد، في 6 حزيران 1881. من أسرة موصلية المنبت. لما بلغ الثامنة من عمره ارسله والده الى (مدرسة الاتفاق الشرقي) حيث تلقى مبادئ اللغتين العربية والانكليزية والحساب، ثم تدرج فولج قسمها العالي واستمر يدرس اللغتين المذكورتين بجد واجتهاد، حتى نال رضا مديرها الخوري ميخائيل شعيا واساتذتها، فرنسيس جبران وداود صليوا. وفي سنة 1896 انتقل إلى (المدرسة الانكليزية الثانوية)، ليتلقى العلوم العصرية، ويتقن آداب العربية والانكليزية مدة اربع سنوات. حيث نال الشهادة المدرسيةعام 1900. ثم يمم شطر البصرة، وانتظم في سلك كتبة احدى الشركات، وبعد بضعة اشهر قفل راجعا الى بغداد لأن هواء البصرة أضر بصحته. وفي شهر شباط من سنة 1901 دعاه (مدير المدرسة الانكليزية) ليعلم فيها اللغتين العربية والانكليزية فلبى الدعوة وانخرط في سلك التعليم، وكان ينتهز الفرص للدرس والمطالعة ليزيد معرفته، واستمر معلما فيها إلى شهر تشرين الثاني من سنة 1914 حين تعكر جو السياسة بين الدولة العثمانية وانكلترا إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى فأغلقت ابواب المدرسة.
وفي 10 اذار 1915 اجري التحري في داره، والقت السلطات التركية القبض عليه، وزج في السجن مدة ستة اشهر بتهمة نشر دعاية مضادة للسلطنة العثمانية. إلا ان ذلك لم يثبت عليه، فاطلق سراحه في 14 أيلول من تلك السنة. اما اوراقه وبعض من تصانيفه فأخذها الاتراك لفحصها من غير اعادتها، فذهبت بذهابهم.ثم عمل رزوق معلما في بعض المدارس الأهلية، حتى دخول الانكليز بغداد عام 1917.
وعلّم اللغة العربية الفصحى أيضاً لجماعة من الانكليز قبل الحرب العالمية وبعدها.كما علّم اللغة الانكليزية لكثير من العراقيين وبعض الادباء ومنهم صديقه المؤرخ عبد الرزاق الحسني. وفي عام 1918 تزوج رزوق، ورزق بأربعة ابناء وبنتين.وفي عام 1920 انتدبته مجلة (الجمعية الملكية الشرقية) اللندنية، ليكون عضوا فيها. توفي رزوق في بغداد يوم الاثنين 23 ايلول 1940.
ثانياً: خردلة العلوم:
انشأ رزوق عيسى مجلته الاولى (خردلة العلوم) في تشرين الثاني عام 1910، ويقول:((انه لم يكن في خلده انه سيكون يوما ما صحافياً او منشئاً بيد ان اعلان الدستور في السلطنة العثمانية عام 1908 اثار عزيمته، وفك عقال نشاطه، وولد فكرة الحرية في تلافيف دماغه)).
وقد قرظ مجلته، مع صغر حجمها،إذ كانت بحجم الكف في 32 صفحة، قرظها طائفة من الصحافيين والكتاب منهم أستاذه داود صليوا (1852-1921) صاحب جريدة (صدى بابل) فقد كتب عنها في العدد 66 يقول:((هي حبة خردل من العلم زرعها صاحبها.. الاديب في روضة علوم العراق، فنتمنى لها النماء فتصير اكبر بقلة من بقلات المجلات العلمية، الادبية)).كما قرضها عدد من الشعراء والكتاب منهم عبد الرحمن البناء، والاديب عمر فهمي، الذي قال فيها:
و"خردلة" في روضة (العلم) اينعت     كمالا ومنها الغرس قد طاب مذ نما
سقاها ابن (عيسى) من مناهل فهمه     كأن قد سقـاها من نداء ابـن مريما

بيد ان البعض انتقدها منهم الأب انستاس الكرملي،إذ إنتقد مقالا ورد فيها، وذلك في مجلة (المسرة) اللبنانية. كما انتقد بعضهم أغلاطها المطبعية والنحوية مع الإشادة بها،منهم محمد صادق الاعرجي في جريدته (الرصافة) العدد (22) الصادر يوم الثلاثاء 9 تشرين الثاني 1910م بقوله:((خردلة العلوم، لصاحبها وطنينا رزوق عيسى افندي . وردنا الجزء الاول منها فتصفحناه، فرأيناه مشتملا على الفوائد العلمية والادبية والطبية.. ولم نجد فيها عيبا سوى مخالفة كلماتها لعلم العربية)). ولكن الأعرجي عاد وصرح في العدد (30) من صحيفته الصادرة يوم 7 كانون اول 1910بما يلي:((نُشر الجزء الثاني من مجلة "خردلة العلوم" فبرز يرفل ويميس بجلابيب الألفاظ العربية البديعة على المعاني الفلسفية والتأريخية والطبية، وقد اخذت المجلة المنيفة من هذا العدد، في الترقي والتقدم وما ذلك الا لحسن نية منشئها وفقه الله وحباه النجاح والفلاح)).
وبعد ان صدر من المجلة جزءان أو عددان وكان الجزء الثالث على وشك الصدور، اوقفت الحكومة العثمانية نشرها لأن صاحبها كتب مقالة في صدرها بعنوان ((نهضة البلاد العربية ومطالبتها باللامركزية)). فقامت قيامة الاتحاديين من ترك وعرب واتهموه بالمروق من الجامعة العثمانية، وإثارة الرأي العام العراقي على السلطة التركية. وقد دافع رزوق عن نفسه دفاعا ًسليماً، إذ قال: ((ان فكرة الاستقلال الداخلي للاقطار العربية نشأت اولا في الاستانة وقال بها (البرنس صباح الدين) ابن شقيقة السلطان عبد الحميد الثاني)).لذا برئت ساحته من التهمة التي نسبت اليه.
وأصدر رزوق مجلة أخرى عام 1932 باسم (المؤرخ) واستمرت مدة سنة واحدة، ثم توقفت لأسباب مالية، وقد أعاد اصدارها عام 1938-1939.
اما الكتب التي أصدرها فهي (مختصر جغرافية العراق) 1922 و(مرشد الطلاب الى قواعد لغة الاعراب) 1922 و(القراءة العربية الحديثة) مع الأب يوسف بحودة 1930.و(معجم مفردات عوام العراق) نشره في (لغة العرب) ولم يتمّه عام 1911-1914.و(تاريخ الصحافة في العراق) نشر فصوله في مجلة (الحرية) عام 1924-1926 وفي (النجم) 1934، وفي (المؤرخ) 1939، أشار فيه إلى (جورنال العراق) كأول صحيفة صدرت في العراق عام 1816 في عهد الوالي داؤد باشا.وله مؤلفات أخرى لم تطبع، منها، (حضارة بابل وآشور)،و(تاريخ العراق قديما وحديثاً)،و(تاريخ العراق الاجتماعي)، و(الفتيات العراقيات الثلاث)،و(دليل الصواب إلى بيان أغلاط الكتاب)، وغيرها.
ثالثاً: فتاة بغداد خردلة القصة العراقية:
تحتل ((فتاة بغداد)) التي ننشر نصها في (الملحق) أدناه، ثمان صفحات الأخيرة من العدد الأول من (خردلة العلوم). ومجموع كلماتها ( 1488) كلمة ، فهي إذن قصة قصيرة.
وتعد هذه القصة باكورة القصة العراقية القصيرة وخردلتها الاولى. ومن الغريب ان معظم الذين ارخوا للقصة العراقية لم يقفوا عند هذه القصة الرائدة . فها هو عبد القادر حسن امين لا ياتي على ذكرها في كتابه القصص في الادب العراقي الحديث (بغداد 1956), وكذلك جعفر الخليلي في كتابه القصة العراقية قديماً وحديثاً (بيروت1962). وكذلك عبد الإله أحمد في كتابه الواسع نشأة القصة وتطورها في العراق 1908-1939 (بغداد، 1969)، ط2 (بغداد، 1986)، مع انه يذكرها في فهرست القصة العراقية (بغداد، 1973). وهيثم بردى ايضاَ لا يذكرها في كتابه قصاصون عراقيون سريان في مسيرة القصة العراقية ط1 (أربيل، 2009)، ط2 (دمشق، 2012)، مع ان كتابه مكرس أساساً لموضوع الاسهام السرياني في القصة العراقية. أما د. عمر الطالب فيمر بـها مر الكرام في كتابيه، الرواية العربية في العراق ( النجف 1971) ص14، والقصة القصيرة الحديثة في العراق (الموصل 1979) ص30. بيد أن التاريخ يسجل للدكتور يوسف عزالدين ذكرها في كتابه القصة في العراق: جذورها وتطورها (القاهرة، 1974). اذ يقول: ((عالج الكاتب موضوعاً اجتماعياً انسانياً تظهر حدته في الشرق عندما لا يجد الغني من يرثه في أملاكه، ويحمل اسمه، وعندما يقال انه عقيم، ويزداد رعبه كلما تقدم به العمر، وفزعه كلما أحس بمرض أو اقتراب الموت. ثم ينجب بنتاً لتكون وريثته. وفكرة وراثة البنت وحمل اسم والدها فكرة غربية. فالغربي لا يكترث كثيراً بأن يخلّف بنتاً أو ولداً)). ص26. ويضيف د. عزالدين في نفس الصفحة، مع بعض التصرف : (( والقصة عمل ادبي ، على الرغم من تطوره الفني المحدود ، إذ أثرت فيه الرواسب التقليدية، وظهر فيه السجع )) .
كما نوه بها خالد حبيب الراوي في كتابه من تاريخ الصحافة العراقية (بغداد، 1978) إذ يقول: ((هي أول رواية عراقية تنشر في العصر الحديث، رغم انه ليس لها تتمة)). ص14. و(فتاة بغداد) هي قصة بل قصة قصيرة، وليست رواية. وربما انقاد الراوي إلى ما ذكر تحتها:((رواية أدبية اجتماعية لمنشئ المجلة))، أو أن الأنواع الأدبية في ذلك الوقت لم تكن واضحة ومصنفة كما هو الحال في الوقت الحاضر. أو ان رزوق عيسى كان يخطط فعلاً لأن يجعل من قصته، قصة طويلة أو رواية.إذ يذكر في الغلاف الداخلي الأخير من العدد الثاني من مجلته، بعد نشر قصة أخرى غير كاملة ليوسف رزق الله غنيمة (1885-1950)، بعنوان ((الأوهام))يذكر: ((تعتذر فتاة بغداد من قرائها الكرام لأنها على وشك الاحتجاب عنهم مؤقتاً، وستجلس على منصتها غادة حسناء لا تقل عنها طلاوة ولذة وفكاهة لناسج بردها وموشى طرزها حضرة الأديب الفاضل يوسف غنيمة الكاتب الاجتماعي المجيد، وستقضي (الفتاة) أيام احتجابها في الدرس والمطالعة، وإجتناء الفوائد من رياض المدارس العالية وتعود إليهم متسربلة بثوب العلم والأدب)).
وعن((الأوهام)) يقول خالد الراوي: ((هي ثانية الروايات العراقية الرائدة، ونشرت المجلة ما يقارب من نصفها)) ص14. هذا وليوسف غنيمة قصة أخرى طويلة ناضجة بعنوان ((غادة بابل)) نشر (8) حلقات منها في مجلة (لغة العرب) 1927-1928،ولم يتمها. وقد نوه هيثم بردى بقصتي غنيمة تينك تنويهاً فهرسياً فقط ، في كتابه الأخر  روائيون عراقيون سريان في مسيرة الرواية العراقية ( دمشق 2012 ) .
جدير بالذكر ان هناك قصة أخرى طويلة بنفس اسم قصتنا (فتاة بغداد) نشرت عام 1922، مسلسلة بعدة حلقات في مجلة (الزنبقة) لعبد الاحد حبوش ، غفل من الاسم، بيد أن
 د. يوسف عزالدين ينسبها في كتابه المار الذكر (ص55) إلى توفيق السمعاني (1904-1983).
و(فتاة بغداد) الرزوقية قصة إجتماعية ذات طابع إنساني وجداني. وهي رغم بساطة لغتها، إلا أنها سلسة الأسلوب، عفوية الحركة والإداء. ورغم أنه ليس فيها شيء من التحليل النفسي، إلا أن شخصياتها مفعمة بالانفعالات، كما ان الوصف فيها جيد مع شيء من السجع غير المتكلف. نقرأ وصف الطفلة عندما تولد: ((ورزقه المولى بإبنة آية في الجمال، لأن الطبيعة لم تبخل عليها بشيء من محاسنها، فأعطتها من الوردة حمرتها، ومن المهاة مقلتها، ومن البان قوامه، فدعاها والداها المحبة)).وعندما توشك الأم أن تموت بعد الولادة، كما حذر الطبيب زوجَها ابراهيم توصيه بالطفلة : أن ((يزرع بذار التقوى والصلاح في تربة قلبها السليم ويجعله كجنة عدن في النقاوة والطهارة، وأن يقلع الأشواك الخبيثة التي تنمو حول سياجه)). وبعد موتها نلمس شدة حزن الزوج عليها: ((ولا تسأل عن حزن ابراهيم وبكائه المر وانتحابه عند موت زوجته فلعن تلك الساعة التي قابله بها الطبيب، وكان يفضل أن يبقى بدون نسل من أن يفقد تلك الزوجة الفاضلة)).
تلك هي حبة خردل القصة العراقية التي نمت تدريجياً، فصارت بقلة، ثم شجرة تعشش في أغصانها طيور القصة العراقية، مع نمو وتطور الفن القصصي العراقي عبر قرن من الزمان.
رابعاً: الملحق:
فتاة بغداد
   كان في مدينة بغداد رجل اسمه ابراهيم عريق في الحسب والنسب وكان ساكناً في قصر على جانب الرصافة وكان ذلك القصر واسع الأرجاء أمامه المروج الخضراء حيث حفيف الأشجار وخرير الأنهار وتغريد الأطيار تطرب الناظر وتسر الخاطر ولكن هذه المناظر الأنيقة لم تكن إلا لتزيده كربة وتنغص عيشه لأنه كان قد طعن في السن وشعر بقرب الأجل ولم يكن له خليفة فأحب أن يموت مطمئن القلب بوجود من يحيي اسمه من بعده ويقوم بسياسة أملاكه الواسعة وثروته الطائلة.
   فبقي مدة من الزمان وهو على ذلك الحال مضطرب البال قلق الخاطر لا يهنأ له عيش. وكان له زوجة اسمها أديبة فكانت تلك المسكينة عندما يقع نظرها عليه وتراه كئيباً حزيناً متشرد الأفكار تجلس إلى جانبه وتأخذ بتخفيف أحزانه وأشجانه بعذوبة كلامها التي كانت تنزل على فؤاده المتصدع كمرهم شاف وكانت أيضاً تسرد على مسمعه أخباراً شتى سارة تحمله على الاعتقاد برحمة الله الواسعة. ولأنه كان يحبها محبة الآلهة كان يتظاهر كمن سرى عنه.
   وفي ذات يوم بينما هو جالس في حديقته الغناء مر به طبيب نطاسي فرأى علامات الحزن والكآبة بادية على محياه، فبعد التحية سأله قائلاً: مالي أراك أيها الشيخ الجليل مصفر اللون هزيل الجسم خائر القوى قلق البال مضطرب الأفكار وعهدي بك من الأغنياء العظماء الكبار الذين لا ينقصهم شيء من أمور هذه الدنيا.
ابراهيم- لقد نطقت بالصواب أيها الطبيب الحاذق لأن الله قد خصني بقسم كبير من حطام هذه الدنيا ولم ينقصني منها شيء سوى من يقوم بعدي ويخلد اسمي بنسله ويحييه بذريته. وبما أني شيخ كما تراني الآن وقد كادت شمس حياتي تغيب فمن جراء ذلك أذوب حزناً وغماً.
الطبيب- ولماذا لا تذهب إلى أحد الأطباء الماهرين وتعرض عليه داءك هذا لعله يجد له دواءً.
ابراهيم- اسمح لي يا حضرة الطبيب أن أقول أن دائي عضال وليس يوجد له دواء البتة وبعبارة أخرى هل يوجد يا ترى دواء للعقر والعقم؟
الطبيب- لا تيأس من رحمة الله ولا تقنط من جوده بل اصغِ لما أقول.
ابراهيم- كلي آذان صاغية لكل كلمة تخرج من فمك.
الطبيب- قد درست الطب في الأصقاع الأوربية على أحسن أساتذتها ولي مهارة تفوق التصور بهذا الفن فإذا أردت أن تحصل على ولد فتعال بكرة أنت وزوجتك إلى محل الطبابة وسترى صدق مقالي.
ابراهيم- إذا صدق فألك وصحت نبوتك فسأغمرك بالعطايا النفيسة ولن أنسى فضلك وأفضالك ما حييت.
الطبيب- ليس ذلك مرادي بل جل قصدي هو أن أفرج عنك كربتك تلك التي أضرت ضرراً بليغاً بصحتك وبعقلك ولا أريد منك سوى أجرتي العادية.
ابراهيم- هذا مما يدل على حسن طويتك واخلاصك واني أشكرك سلفاً ثم ودعه الطبيب ومضى في سبيله.
فاستحوذ على ابراهيم القلق والنصب طول ذلك النهار وأخذ يفكر في قول الطبيب تارة بصدق ما حدثه به ويعلل نفسه بالآمال ويبني القصور والعلالي، وطوراً يكذب ما سمعه منه ويهدم ما بناء ويحسب ذلك اضغاث أحلام فلما ضاق ذرعاً ولم يتمالك عن أن يضبط نفسه فاتح إمرأته بذلك الفكر الذي كان يجول في خاطره وقص عليها ما وقع له مع الطبيب وما دار بينهما من الحديث فسرت غاية السرور وحمدت الله على ذلك الذي لم تكن تتوقع أن تحصل عليه ولم تكن تحلم به أيضاً وطلبت منه تعالى أن يكمل تلك الأمنية بأسرع وقت.
فلما وافى الليل هجمت عليهما الهواجس والتخيلات فبقيا طول تلك الليلة يتجاذبان أطراف الحديث ولم تكتحل عيناهما بالنوم، فلما لاح الفجر نهضا وذهبا إلى بيت الطبيب وهناك رأياه جالساً على كرسي وأمامه مائدة فوقها كتاب كبير الحجم يقلب صفحاته. وعندما رآهما رحّب بهما وأجلسهما إلى جانبه وما زال ينثر على مسمعيهما الأقوال الحاملة على الاطمئنان والتصديق بأن سيولد لهما ولد بعونه تعالى الذي لا يعسر عليه شيء، ويسرد عليهما القصص والنوادر المضحكة ثم أمر الخادم أن يهيء الترويقة، ففعل كما أمره سيده. وبعد أن أكلوا قام وأدخلهما في غرفة خاصة وبعد الفحص والتنقيب عرف علتهما وأعطاهما دواء للشرب. ولكن قبل أن يذهبا أخذ الطبيب بيد ابراهيم وانفرد به وقال له ان زوجتك ستحمل وتلد ولكن يوجد خطر على حياتها في حبلها لأن أليافها التناسلية قد تصلبت لكبر سنها. فتظاهر ابراهيم من شدة فرحه كأنه لم يسمع انذار الطبيب وتنبيهه على مسألة تتعلق عليها حياة مالكة فؤاده. ثم أخذ زوجته ورجع مسرعاً إلى بيته حامداً الله هلى هذه النعمة السنية والعطية المجانية. ولم يمض شهر على ذلك إلا وزوجته حامل فدعى الطبيب وأسداه بعطايا سنية تليق بشأنه وأولم الولائم ودعى الأهل والأصحاب وفرح معهم فرحاً يكل عن وصفه اللسان ووزع ربع ماله على الفقراء والمساكين في ذلك اليوم ولم تكد تنتهي التسعة أشهر إلا ورزقه المولى بابنة آية في الجمال، لأن الطبيعة لم تبخل عليها بشيء من محاسنها، فأعطتها من الوردة حمرتها، ومن المهاة مقلتها، ومن البان قوامه، فدعاها والداها المحبة وأيقنا أنها ستكون فريدة عصرها ووحيدة زمانها، لما رأياه على وجهها من امارات النجابة والعفة والطهارة، فلنترك الطفلة تنمو في القامة والجمال ولنرجع إلى والدتها.
   ان تلك الوالدة المسكينة كانت قد تألمت عند الولادة من جراء تصلب ألياف الرحم كما أشار الطبيب في حينه. وبعد ذلك ببضع أسابيع اشتدت عليها وطأة المرض حتى قطع الرجاء من شفائها فلما رأى ابراهيم ذلك دعى الأطباء من وطنيين وأجانب لأجل المشاورة ووعدهم أن يعطيهم نصف أمواله إذا استطاعوا أن يجدوا لدائها دواء فيعد الفحص المدقق والوقوف التام على علتها قر رأيهم أن لا علاج لمرضها وقالوا ذلك لها ولقرينها شفاهاً فلما رأي ابراهيم أن حيل الأطباء لم تنجع معها سلم أموره إلى الله تعالى. ففي ذلك النهار دعته زوجته وأوصته لكي يعتني بالطفلة المنكودة الطالع ويلقنها منذ نعومة أظفارها الآداب الدينية والأخلاق الحسنة ويزرع بذار التقوى والصلاح في تربة قلبها السليم ويجعله كجنة عدن في النقاوة والطهارة، وأن يقلع الأشواك الخبيثة التي تنمو حول سياجه فأجابها بالإيجاب ووعدها بأنه يفعل أكثر مما طلبت وابتغت ثم قالت له لقد علمت بأنك تحبني لأنك لم تكسر وصيتي بل قبلت ما أوصيتك به فالآن أموت قريرة العين مطمئنة القلب.
   وفي اليوم الثاني عندما علمت أن منيتها قد قربت لتترك هذا العالم الفاني استدعت الطفلة وقبلتها ثم ركعت على سريرها وصلت من أجلها قائلة يا إلهي لقد قضت إرادتك الأزلية أن أفارق هذه الدنيا وابنتي صغيرة جداً ولم تسمح لي بأن أتمتع برؤيتها عندما تترعرع لكي القي عليها الإرشادات والنصائح التقوية حتى تشب على الفضيلة وتشيب عليها ولكن أسألك اللهم أن تمنح والدها العمر الطويل لكي يمكنه عوضي أن يدربها في سبيل خوف اسمك ولا يكون للشر والفساد نصيب فيها. وعزّه برحمتك لكي يستطيع أن يحتمل لوعة الفراق وأطلب من جودك أن تجمعني وإياه وطفلتنا هذه في دار البقاء حيث لا بكاء ولا حزن ولا مرض وحيث يد الموت لا تقوى على تبديد شملنا فاسمعني واستجبني لمجد اسمك القدوس.
   ثم التفتت إلى الطفلة وقبلتها ثانية والدموع تهطل من عينها وقالت لها أستودعك يا عزيزتي ومهجة قلبي بيد العناية الإلهية لكي تراقبك من المهد إلى اللحد ثم تلجلج لسانها وثقل ولم تعد قادرة على الكلام فجاء ابراهيم وأسندها بصدره فلما رأى صفرة الموت علت وجنتها، وعيناها الجميلتان غارتامن حجاجهما وفقدتا بهائهما وضعها على سريرها لكي تستريح فنامت وبعد بضع ثوانٍ فتحت عينيها السوداوين فنظرت ابراهيم واقف عند رأسها فمدت ذراعها وقبلته ثم رفعت يديها نحو السماء قائلة لتكن مشيئتك يا الله فأنا أخضع لقضائك احفظ زوجي الشيخ الحزين وابنتي الطفلة ثم ضمت ذراعيها وبعد ذلك ببضع ثوان لفظت روحها وهكذا ذهبت شهيدة الحبل والولادة.
   ولا تسأل عن حزن ابراهيم وبكائه المر وانتحابه عند موت زوجته فلعن تلك الساعة التي قابله بها الطبيب، وكان يفضل أن يبقى بدون نسل من أن يفقد تلك الزوجة الفاضلة ولكن ماذا ينفع الندم بعد ما زلت القدم وكان كلما يتذكر ما كانت عليه من الصفات الجليلة والمزايا الشريفة يزداد بالنحيب والعويل والنوح فجميع من حضر أخذ يقاسمه أحزانه ويشاطره كآبته حتى ان الجماد شاركه مصابه والدار شاطرته في رد صدى اشجانه.
فما انتشر خبر منعاها إلا وتقاطر الأهل والأصحاب وشقوا الجيوب وقرعوا الصدور على تلك البلية الدهماء والنازلة الشعواء والداهية الدهياء. فاحتشدت الجموع عقيب ذلك في دار ابراهيم لنقل الجثة فلما أتموا كل ما يلزم حملوا النعش المزين بالورود والرياحين إلى المقبرة وكانت الطرق غاصة بالناس وشرفات البيوت والشبابيك والأبواب مفتوحة لترى ذلك الموكب المحزن المشيع من الجمهور. فوقف ذلك الحشد في ساحة المقبرة العظمى ثم سار من هناك إلى المحل المعد لدفنها ورأى أن الرمس حاضر فوارى تلك الجثة الهامدة في التراب على رجاء قيامة الأجساد وأخذ الناس يستمطرون وابل الرحمة على روحها الطيبة العنصر ويطلبون من الله أن يلهم قرينها الصبر والعزاء لكي يمكنه أن يحتمل ذلك المصاب الأليم وهكذا أرفضّ الجمهور ورجع كل منهم إلى بيته يحدث ما سمع عن مزايا تلك الفاضلة ومناقبها الأثيلة وأفعالها الصالحة المجيدة تلك التي بلا شك ستكون لها خير زاد للآخرة وقصّوا كيف أبّنها بعض الكتبة وبينوا أفضالها وفضائلها وما كانت عليها من دماثة الأخلاق ولين العريكة ورقة قلبها وشفقتها على المساكين والفقراء والأخذ بساعد المظلومين وكيف بكتها الأغنياء والفقراء.
   فعاد ابراهيم إلى البيت حزين القلب مكسور الخاطر منحني الظهر والدموع تتساقط على خديه وهو لا يعي على شيء من شدة الغم والكدر فكان الناس يعزوه ويسلوه بحوادث وأقوال تشفي صدأ القلب ولكن لم تكن تلك تغني عنه فتيلاً لأنه كان قد فقد أكبر مسل وأعظم معزٍ وأعز رفيق على وجه هذه الأرض. وكان فقط يردد هذه الأبيات:
ضاق السبيل على الباكي الحزين فلا      عاد الحبيب ولا قلـب المحــب ســـلا
يهيج للحزن فــي أحشـــائــــه لـهـب      وكلما رام اخماداً لـــــــه اشتعـــــــلا
كل الجراحات يشفيها الــدواء سـوى      جرح الفؤاد فلا يشفــى وكـــم قتـــلا
****
نفذ القضــــــا من أوج ذاك المنبـــر      فاصبر على بلواك أو لا تصبــــــر
ولقد أتى ما لســــت تملـــك بعـــده      غير البكاء ولوعـــــــة المتحســــر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بحث القي في عنكاوا يوم السبت 26 \ 10 \ 2013 ضمن الحلقة الدراسية الرابعة التي اقامتها المديرية العامة للثقافة والفنون السريانية في فندق عنكاوا بلاص بعنوان                (( دور السريان في الثقافة العراقية – دورة رفائيل بطي )) . ثم نشر البحث في مجلة  سفروثا العدد 9 – 10 ( عنكاوا 2018 ). 


4
أزياؤنا هويتنا البصرية المنتمية (*)
إدمون لاسو
     يتضمن هذا الكتاب ليس المقالات التي تتناول الوصف الخارجي للملابس الاشورية القديمة، وامتداداتها السورثية المعاصرة فحسب، وانما الكتابات التي تتناول خاصة فلسفة تلك الازياء، وتجلياتها الفكرية والجمالية ((aesthetic.
     فهذا الكتاب على صغره له قيمته الفكرية الكبيرة، فهو كتلك العدسة المحدبة التي تجمع شتات الاشعة المبعثرة في بؤرتها المركزية اللاّمة.
    والازياء كما هم معروف من العلامات البصرية الفارقة لدى الشعوب، الى جانب اللغة كعلامة ذهنية ونطقية متميزة ، والميراث الثقافي كعلامة ثقافية مخزونة ومتوارثة .
     والملاحظ في ازياء نسائنا (السورثيات) محافظتها على اصالتها التاريخية، بحكم وضع المرأة الاجتماعي والوظيفي، وانزوائها البيتي، بعكس ازياء رجالنا (السوارثة) المتأثرة بمحيطها، بحكم خروج الرجل واشتغاله، واحتكاكه بوسطه الخارجي المنافس له، والطارد لوجوده القومي الاصيل في مختلف مراحله التاريخية المتعاقبة، باستثناء ازيائنا الاثورية، اذ حافظت على اصالتها بين النساء والرجال على حد سواء بحكم انزوائهم في الجبال ومحافطتهم على تقاليدهم العريقة على مر القرون وخاصة ملابسهم الاحتفالية الزاهية المعروفة بأسم ( خومالا ).
           
     وحول الارتباط بين ازيائنا القديمة والحديثة يقول الجادر والعزاوي في كتابهما الملابس والحلي عند الاشوريين )) : ان ميل الاشوريين الى الالوان القوية والعميقة، والى استخدام عدة الوان مما لم يفقد منحوتاتهم الانسجام المطلوب تحقيقه مع قوة خطوط الجسم وتقاطيع وجوه ملوكهم، المتميزه بصرامتها وقوتها.... ونجد عناصر هذا الميل بارزة حتى اليوم. فما نجده اليوم مثلا عند سكان مناطق شمال العراق من ميل خاص للملابس المزركشة والملونة بالالوان البراقة العميقة ليس الا مثلا لذلك )) ص7 .
     ويقول يوسف هرمز جمو في كتابه اثار نينوى او تاريخ تلكيف )بغداد ، 1937 ): (( ان منشأ الشروال او ( البنطلون ) الاوربي هو الشروال الذي استعمله اهل تلكيف منذ آلاف السنين، ويستعمله كذلك اهل الجبل، الاكراد والاثوريون واهل القوش وغيرهم . فكانت ملابس الرجل عند اهل تلكيف عبارة عن ثياب داخلية تتألف من قميص يشبه كتونة الاثوريين القدماء، وشروال داخلي ، وهما من الكتان، ويلبس الرجل فوق هذه ( شالية ) وهي على هيئة القباء الروماني، وتكون من الصوف الابيض)). وما يخص الزي النسائي في تلكيف يضيف جمو قائلا : (( ان المرأة المتزوجة تمتاز عن العذراء بوضع (قبع) على رأسها من يوم الزواج ، وهذا القبع عبارة عن ( طاقية ) صُفت على حواشيها قطع ذهبية فوق الجبين من ذات الدينار او اكبر ، وتشد المرأة مقرمة، او مناديل حريرية فوق تلك الطاقية . واصل القبع تاج كانت ملكات اثور يلبسنه في القديم )) ص 34 و 36 .

   وبسبب ذلك الارتباط بين قديمنا وحديثنا اخترت عنوان
( الاشورية السورثية ) لايماني العميق بتلك الحقيقة التاريخية التي اشرنا اليها والتي تقول ، باننا نحن السوارثة ( اصحاب السورث) بكل انتمائاتنا الكنسية والطائفية، وريثي تلك الحضارة الاشورية العريقة الزاهية التي رغم سقوط كيانها السياسي بشكل مهول عام  ( 612 ق . م . ) الا انها استمرت في وهجها الحضاري وعطائها الانساني حتى يومنا هذا.
   يقول المورخ الانكليزي هاري ساكز في كتابه قوة اشور ترجمة د . عامر سليمان ( بغداد 1999 ): (( فتدمير الامبراطورية الاشورية لم يمحُ سكانها، فقد كانوا غالبا من صغار الفلاحين، وطالما ضمت بلاد اشور احسن الاراضي لزراعة الحنطة في الشرق الادنى، فان احفاد الفلاحين الاشوريين قد يبنون لهم قرى جديدة كلما سنحت الفرصة على مواقع المدن القديمة ويستمرون في اعمالهم الزراعية، ويتذكرون تقاليد المدن السابقة .  وبعد سبعة او ثمانية قرون، حدثت تغييرات وتقلبات كثيرة وتنصر هؤلاء السكان. )) ص 409 .

    ويعطي مواطنه المورخ العالمي المعروف (أرنولد توينبي) وصفا رومانسيا لحقول اشور فيقول في كتابه من النيجر الى النيل : (( ترى اين رأيت حقول قمح اخضر داكن الى هذا القدر، كما اجد الان في نبط (اثيوبيا)، وحقولا متلاصقة مثل هذه الحقول ؟ آه ! نعم ! انه في حقول قمح (اشور) بعيدا فيما وراء دجلة )) . 
    جدير بالذكر ان هناك بعض المتاحف الي تحتضن نماذج متنوعة من ازيائنا الزاهية، منها متحف التراث في عنكاوا وغيره. كما ان هناك بعض الكتب المتخصصة بأزيائنا القديمة والحديثة منها، الملابس والحلي عند الاشوريين المار ذكره للدكتور وليد الجادر وضياء العزاوي (بغداد،1970 )، والازياء الاشورية للدكتور طارق مظلوم وعلي محمد مهدي ( بغداد : مديرية الاثار العامة، 1971 )، ط 2  (لندن : دار الوراق، 2009 )، ضمن كتاب الازياء العراقية القديمة،  وازياؤنا التراثية لجاندارك هوزايـــا ( اربيل، 2004 )، ط 2  (شيكاغو، 2011 ).

    كما تجدر الاشارة الى انني طعّمت الكتاب بصور عديدة مناسبة وضرورية ، بعضها مرتبطة مباشرة بمواضيع الكتاب، وبعضها متعالقة معها ، واخرى دالة عليها، بشكل او باخر.
  فإلى تلك الاشعة الملونة والصور الزاهية ادعك تتعرض، عزيزي القارئ، لتدفئ روحك القومية، وتمتع باصرتك الجسدية، بما يعمق لديك الفخر والاعتزاز بتراثك الاصيل، ويدفعك للحفاظ على ما بقي منه حياً في واقعنا المعاش، وانعاش المخفي من تجلياته الفكرية في ذاكرتنا القومية الممزقة.                                                                           القوش 1/6/2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقدمة التي صدرت بها كتابي الصادر موخرا بعنوان ازياؤونا الاشورية السورثية (نينوى 2014 ) .



5
سعيد عقل واللص التائب (*)
                                                         
إدمون لاسو

     في الامسية الادبية ليوم 5 تموز 1995 تحدث الشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل في ضيافة اتحاد ادباء العراق, بعد ان كان في اليوم السابق (4 تموز) قد شارك وتكلم في الموتمر المسيحي الثاني المنعقد في بغداد انذاك , تحدث في حدائق الاتحاد حديثا طليا وشائقا عن انطباعاته في العراق, وعن تجربته الادبية ورؤاه الفلسفية, وغيرها من متشعبات الامور التي قادته الى ان يكشف النقاب عن عزم احد مطارنة الروم الكاثوليك في لبنان باقامة كنيسة لابناء الجالية في (سان باولو) بالبرازيل بأسم كنيسة (اللص اليمين) كما سماها. وان ذلك المطران سوف يكلف سعيد عقل نفسه بوضع الحجر الاساس لها اكراما له, باعتباره المنظر الاساس لفكرة قداسة احد اللصين المصلوبين الى جانبي السيد المسيح , المذكورة توبته في انجيل لوقا دون تحديد موقعه في اليمين او اليسار. حيث آمن ذلك اللص رغم كل شيء, بالمخلص وهو مهان مكسور على خشبة الصليب ومستهزأ به من قبل اليهود والعسكر والمارة, وزميله اللص الاخر فطلب من المخلص يسوع ان : " اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك " . فبشره المسيح قائلا :" الحق اقول لك : ستكون اليوم معي في الفردوس " لوقا 23: 42- 43 . ذلك بعض ما افضى ونوه به سعيد عقل في حديثه المذكور ... 
    ورغم طرافة ووجاهة هكذا فكرة ونية في انشاء كنيسة باسم (اللص) في العالم . الا انني اود ان اسال (سعيد عقل) بما سال به (فلاديمير) زميله (استراكون ) في حوارهما المسرحي في رائعة صموئيل بيكيت العبثية (بانتظار كودو) الفصل الاول: " تصور كيف ان واحدا فقط من كتاب الاناجيل الاربعة يتحدث عن لص واحد انقذ " . وذلك الانجيلي هو (لوقا) ...حيث ان (متي) و (مرقس ) يؤكــــدان : " ان اللصين المصلوبين معه كانا يعيرانه ايضا " 27 : 44 و 15 : 32 على التوالي . بينما يسكت (يوحنا) 19 : 18 عن تحديد موقف اللصين من المسيح , او موقف المسيح منهما . ويتساءل (فلاديمير ) مرة اخرى مستغربا : " ولكن الاربعة كانوا هناك, وواحد فقط يتحدث عن لص انقذ فلماذا يصدق ولا يصــدق الاخرون؟ " استراكون : " من الذي يصدقه ؟ " فلاديمير : " كل الناس , انها النسخة الوحيدة التي يعرفونها " .
     وأرى ان من حق كل واحد منا غير مشكك في قبله وايمانه, ان يسال مع (فلاديمير) : لماذا يصدق لوقا ولا يصدق متي ومرقس وحتى يوحنا الساكت ؟ ثم من اين اتى التقليد بان اللص التائب هو لص اليمين وليس لص اليسار ؟ سؤال مطروح للمناقشة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) في 28/11/2014 توفي الشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل بعد ان خنق من عمر الزمن قرنا وسنتين محملة بعبق الشعر والفلسفة . وهنا اعيد نشر مقالة كنت قد نشرتها سابقا في عدة اماكن, احياء لذكراه وتنشيطا لذاكرة الادب والقراء الكرام.     

6

رقوش تذكارية  ...  لسعدي المالح

إدمون لاسو

عندما حل المساء
اختنق الضوء
في قارورة الدواء
فنعب البوم
وسكت العصفور
   ***   
سار الموكب الهوينا
رُش بالعطر والتراتيل
وزنابق الحقول
ثم احتضنته حقيبة الارض
***
كنتَ وهجاً طرز سارية العِلم
ولكن الغيوم امطرت اشواكاً
فوأدت المداد والقلم
***


اسستَ ثقافة السورث
          وطرزت المتحف والمكتبة
          وعقدت الندوات والحلقات
           وحررت الكتب والمجلات
وفجاة !
 حررك الموت
             وسط ذهول الزمن ومحبيك
***
احتوتك بلدتك
فكتبت ( حكايات من عنكاوا )
واحتويت عنكاوا
فكتبت ( عمكا )
***
عندما تنقلت في مطارات العالم
كتبت (مدن وحقائب)
وعندما ترقبت الحلم المرجو
كتبت ( في انتظار فرجو ) !
***

ايها الراحل في مدار الروح
من عنكاوا الى موسكو
الى ليبيا ولبنان
وابوظبي وكندا
زرعت المحبة والابداع
وكنت البسمة والشعاع
***
ايها العصفور المسافر
خلف فضاءات الزمان
تأبطت حقيبة الأسفار
ولكن نسيتَ على الرصيف
حقيبة الاحزان
معباة دمعاً وسواداً
وحداداً واشعارا


(*) القيت في اربعينية د.سعدي المالح (1951-2014)
 عنكاوا يوم الخميس 3/7/2014.

 
 


7
أدب / إيثالاها
« في: 20:10 11/03/2014  »




إيثالاها




إدمون لاسو

 
تعطرت بحنانك
شربت ضحكاتك
غصصت بدمعك حتى الثمالة
أطفأت شمعتك الثامنة
أيقونتي الجميلة إيثال
طوطمي المقدس !
حلمت بأخيك الصغير يناديني:
بابا أريد أن أنام
فبسطت له دموعي وسادة
فنام نوم الملائكة
وحلمت بالكبير يريد
حقيبته المدرسية
فرتقت له من جفوني حقيبة
يستودع بها أحلامه الضائعة
لاماسو
إيثال
أوديل
أضلاعي الموجوعة
أنبأني العرٌاف
إنكم ستعودون
يوم يختفي الثور المجنون
في برج المطر
ويقترن الجدي بضوء القمر !
آه يا أحبائي
المسلوبة إرادتكم
بجنون الكفر والإلحاد والحجر
هل يؤمن الحجر
بدرب الصليب
وجمعة الألأم
و أحد القيامة
أو يزداد جحوداً
ويندثر في المطر؟
أنبأني العرٌاف
انه يذوب في المطر !
                                        24/11/2013
 
 


8
لهذه الاسباب قدمت استقالتي
                                                                                                                            إدمون لاسو
بتاريخ 7 / 1 / 2014  قدمت استقالتي من اتحاد الادباء والكتاب السريان لاسباب اربعة ذكرتها في قرار الاستقالة . وانا هنا اذ انشر نص الاستقالة انما كي يتفاعل معها القراء من ابناء شعبنا السورثي الممزق وسط تناقضات موجعة ومؤلمة التي ما فتئ يعاني منها على مدار تاريخه الموشح بالألم والمعاناة :
    اني الموقع ادناه عضو الهيئة العامة في اتحادكم الموقر اقدم استقالتي من الاتحاد للاسباب الثلاثة نفسها التي كنت قد تقدمت بها في استقالتي السابقة المؤرخة في 19/10/2009 ، في زمن رئيس الاتحاد السابق الاديب نزار الديراني . وسأعيد ذكر تلك الاسباب ادناه ، مع اضافة سبب اخر مستجد .
    وكنت بعد فترة قصيرة من ذلك قد سحبت استقالتي تلك ، بعد ان رأيت ان اتحادكم الموقر قد شكل لجنة من ثمانية ادباء لفتح الحوار مع الاتحادات الاربعة القائمة انذاك ( والان ثلاثة )،من اجل توحيدها في اتحاد واحد والدعوة الى الانتخابات ، كما جاء في حيثيات قرار تشكيل تلك اللجنة المؤرخ في 23/10/2009 ( انظر الرابط ادناه ). فاستبشرت خيرا بتلك اللجنة ، ونشرت مقالة متفائلة في الموضوع، في موقع ( عنكاوا كوم ) الالكتروني بعنوان ((اتحاد الادباء السوارثة الامل المرتقب )) ، ( انظر الرابط مرة اخرى ) . ولكن تلك اللجنة نامت نوم اهل الكهف ، ونام معها موضوع الوحدة والتوحيد.
    وبما انني من المؤمنين بموضوع الوحدة والاتحاد كوننا شعب واحد بتسميات مذهبية انشطارية موجعة لا تمت بصلة الى جسد المسيح الواحد (( على هذه الصخرة ابني كنيستي )) متى 18:16 . قال له المجد كنيستي ولم يقل كنائسي . لذا اقدم هنا استقالتي مرة اخرى للاسباب الاتية :
1- عدم استجابة اتحاد الادباء السريان الذي انتمي اليه مذ عام 1993 للدعوات التوحيدية التي يطلقها المؤمنون بطريق الوحدة . منها ما كان يدعو اليه سابقا د. سمير خوراني في مجلة ( رديا كلدايا ) التي كان يرأس تحريرها قبل بضع سنوات . ثم الدعوات المتكررة التي ما فتئ يدعو اليها د.سعدي المالح المدير العام للثقافة والفنون السريانية في كل المناسبات ، منها نداؤه الاخير يوم 24/10/2013 اثناء افتتاح الحلقة الدراسية الرابعة في عنكاوا عندما قال: (( نأمل ونسعى الى توحيد الاتحادات الادبية القائمة في اتحاد واحد )) . والسيد روند بولص رئيس اتحاد الادباء السريان الحالي قال في اخر تصريح له في مجلة ( ديانا ) العدد 29 ( ايلول 2013 ) ما نصه : (( ان نهج الاتحاد حتما مع توحيد الجهد الثقافي لكافة التشكيلات الثقافية لابناء شعبنا )). فإذا كان هذا ايمانكم ، ويجب ان يكون هكذا ، لاننا كأدباء نشكل الطبقة المثقفة في شعبنا المسكين الممزق والمتناثر كحبات السنابل في بيادر الانقسام . اذا كان هذا ايماننا وايمانكم فلماذا اذن التلكؤ في خطوات الوحدة والتوحيد ، وعدم تفعيل اللجنة السابقة ؟؟
2-  اصرار وافتخار بعض اعضاء الهئة الادارية ، وبعض اعضاء الهيئة العامة ، بأنتمائهم الى ( اتحاد الكتاب العرب ) ، مع احترامنا الشديد لكل الاتحادات والقوميات الداخلية والخارجية . ولكن هل يعقل من ينتمي الى اتحاد ادباء يمثل السريان او ( السوارثة ) كما اسميهم ، ان ينتمي الى اتحاد قومي عربي او سواه ؟ الجواب متروك لكم . وأسألكم ، ماذا يضيف الانتماء الى ( اتحاد الكتاب العرب ) الى قاماتكم الثقافية ، اذا كنتم مثقفين فعلا ؟ في الوقت الذي لم يكن هذا الاتحاد يعترف حتى وقت قريب بـ ( الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ) . هذا الاتحاد الذي نفتخر جميعنا بالانتماء اليه كوننا نحن ( السوارثة ) بالذات عراقيين اصلاء في هذا البلد العزيز.
3- قبول اتحادكم في صفوفه الكثير من الطارئين على الادب ، بل ممن ليسوا بالادباء اطلاقا ، خاصة اذا طبقتم بحقهم بنود نظامكم الداخلي . كل ذلك من اجل الكسب العددي فقط ، تنافسا مع الاتحادات الاخرى القائمة ( رابطة الادباء الاشوريين ، واتحاد الكلدان العالمي ) . والخاسر الاكبر يكون المسار الثقافي النوعي الصحيح ، وبالتالي شعبنا المسكين الممزق بين الاطراف المتنافسة والمتصارعة على كافة الاصعدة ، ومنها الصعيد الثقافي .
4- اصرار هيئة تحرير مجلة ( سفروثا ) التي يصدرها الاتحاد على نشر مقالات جلها مسروقة للسيد نوري بطرس ، هذا الشخص الذي كتب يوما في جريدة ( بيث عنكاوا ) : (( لي الشرف بأنني انا الذي وضعت ( الواو ) بين الكلدان والاشوريين )) ، عندما كان عضوا في الجمعية الوطنية ، وفي لجنة صياغة دستور العراق في بغداد .  وما زالت تلك ( الواو ) قائمة تطل برأسها المكور ، وبذيلها الملتوي لتفرق بيننا نحن ابناء ( السورث ) . فأين ادعاؤكم بالوحدة ، وبأننا امة واحدة ، وشعب واحد ، اين ...؟
لهذه الاسباب مجتمعة اقدم استقالتي من اتحادكم دون رجعة .
   وفي الختام ادعو جميع الاعضاء المنتمين الى الاتحادات الثلاثة القائمة الى تقديم استقالاتهم الفردية او الجماعية ، اضعافا لها ، ليس كرها لها ، بل محبة بها . من اجل ان تحل نفسها بنفسها ، كما فعل مشكورا ( اتحاد الادباء الكلدان والسريان ) سابقا ، تمهيدا لتوحيدها في فترة لاحقة ، اذا كانت تؤمن بطريق الوحدة فعلا . والا فأقرأوا على مستقبلنا السلام .
(( كل بيت ينقسم على نفسه لا يثبت )) معلم البشرية في متى 25:12 .
(( ويل لامة مقسمة على نفسها ، وكل جزء يحسب نفسه فيها امة )) جبران خليل جبران .
                                                                 ودمتم
                                                     الباحث والكاتب إدمون لاسو   
                                                            7 / 1 /2014           
www.ankawa.com/forum/index.php?topic=362953.0;wap2   الرابط



9
عبد الاحد جلو وحفرياته المثيرة "
                                                                                                                    بقلم : إدمون لاسو
      يشكل الباحث عبد الاحد جلو ظاهرة ثقافية جديرة بالدرس والاهتمام لما يمثله منجزه المعرفي المخطوط في معظمه من فرادة مدهشة و تفرد مذهل كما سنرى بعد ان نتكلم قليلا ً على حياته .
أولا ً: سيرته : ولد عبد الاحد موسى داؤد جلو الذي تعود جذوره التاريخية إلى قبيلة جيلو الاشورية في شمال ما بين النهرين , ولد في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة السورية عام 1942 , درس الابتدائية والمتوسطة في مدينته وأكمل دراسته الحرة بجانب عمله , ثم نال شهادة الدبلوم متوسط في ادارة الاعمال عام 1958 , كما اكمل دراسة خاصة في دمشق , ونال شهادة الدبلوم متوسط في التاريخ عام 1961.             تعين في دوائر حكومية مختلفة حتى تقاعده عام 1986. هاجر إلى المانيا عام 1989 ومازال مقيما فيها بمدينة كيسن .
ثانياً : نشاطه الفني : للباحث عبد الاحد جلو بالاضافة إلى منجزه الثقافي نشاط فني يذكر يتمثل باقامة معارض فنية لطوابع وصور ونقود . إذ اقام في السنوات 1954-1984 عدة معارض لطوابع تذكارية في سوريا , كما اقام معرضا ً خاصا ً في (الموصل) العراقية عام 1964 واحرز المرتبة الثانية فيه . كما اقام عام 1964 معرضا ً ثقافيا ً تاريخيا ً وفنيا ً خاصا ً للأدب العربي و علاقته بالأدب السرياني في مجال الشعر والقصة و ادب الرسالة والخطبة .عام 1966 اقام معرضا ً لصور قديمة و حديثة التقطت من على صخور واحجار و كتب قديمة و حديثة لأثار سورية و عراقية ولبنانية و اردنية و تركية و نال شهادة وجائزة تقديرية . عام 1971 اقام معرضا ً للنقود القديمة والحديثة  لعدد من دول العالم ونال جائزة تقديرية.
ثالثا ً: تحليقاته الكتابية المخطوطة : للباحث عبد الاحد جلو تحليقات تاريخية مهمة لم ينشر منها سوى نتف ومقالات قليلة سنأتي على ما وقعنا عليه في الفقرة التالية .
فمن مؤلفاته المخطوطة نذكر :     
1-  الموجز في تاريخ قبائل سوريا القديمة .
2-  الموجز في تاريخ قبائل العراق القديمة .
3-  الموجز في تاريخ قبائل مدينة بازبدي .
4-  الموجز في تاريخ قبائل مدينة حلب .
5-  الموجز في تاريخ قبائل مدينة ألقوش بالعراق .
6-  الموجز في تاريخ قبائل قرية صدد ( بسورية ) .
7-  مدينة افحل و قبائلها القديمة ( بمحافظة ماردين ) .
8-  قرية أركح و قبائلها القديمة ( بمحافظة ماردين ) .
9-  قرية بيدارو و قبائلها القديمة ( بالعراق ) .
10-                     رجال في ذاكرة الزمن .
11-                     نساء في ذاكرة الزمن .
رابعا ً: بعض حفرياته المنشورة :
يعد الباحث عبد الاحد جلو من الكتاب المقلين جدا ً في النشر مما جعله في الظل من اهتمام الباحثين والدارسين و ما نشره هنا وهناك من نتف ومقالات كان بحث و تشجيع من بعض اصحاب الغيرة الفكرية و القومية .                                                                                                                   ففي عام 1997 نشر في مجلة ( حويودو ) المهجرية السويدية بحثا ً موسعا ً بعدة حلقات عن افراهاط الفارسي الحكيم . وفي عام 2000 نشر بحثا ً اخر في المجلة ذاتها عن الرائد القومي الاشوري نعوم فائق    ( 1868- 1930 ) . وفي عام 2004 نشر في ( حويودو ) ايضا ً مقالة اخرى عن شخصية اشورية ماردينية من القرن السابع عشر هي الشماس مراد يوسف قندقجي  ( 1649 – 1731 ) .                      و في عام 2005 نشر مقالة مذهلة في ( حويودو ) ايضا عن شخصية نسائية رهاوية بعيدة عن زماننا من القرن الثاني الميلادي هي ( سالومة بنت فيتئل آشور ) المتوفاة في ايلول عام 125 م . والمترجم لها هي من " بطلات الجيش الاشوري الذي كان تحت إمرة افراهاط  بن يعقوب اشخانا و مركز قيادته في مدينة الرها". يحيلنا الكاتب في ذيل المقالة على مصادره المخطوطة المذهلة هي الاخرى المحفوظة لدى بعض العشائر الاشورية و العربية و الكردية واليزيدية و التركية و الفارسية , شاهدها بأم عينيه خلال جولاته     و رحلاته في سوريا و العراق ولبنان و الاردن و تركيا و ايران مثل ( تاريخ الرها و امد و ماردين ) للشماس أداد سنحاريب ( بالسريانية ) و ( زهرة العشائر السريانية و الكردية ) لشتينو اوزال , و ( جغرافية الممالك الارامية ) للقس ميخائيل عيناداب , و مصدر مطبوع هو ( علماء الادب السرياني ) للراهب عبد النور الامدي ( ماردين 1718 ) . وفي تعقيب على المقالة لرئيس تحرير ( حويودو) الاستاذ
 ميخائيل ممو يقول مشيدا ً: " لا يسعنا في هذا المجال التوثيقي النادر الذي يسعفنا به زميلنا الباحث عبد الاحد جلو الا ان نثمن جهوده القيمة و همته العالية و دأبه الحثيث بتسليطه الضوء على أسماء نادرة لم نجد لها ذكرا ً في نتاجات أدابنا المعاصرة , وكان لها وقعها في تاريخ أبناء شعبنا في القرون الأولى بعد بزوغ فجر المسيحية".                                                                                                                      وفي عام 2006 نشر مقالة اخرى في ( حويودو ) ايضا ً عن شخصية نسائية نوهدرية ( نوهدرا – دهوك )  من القرن السابع الميلادي هي ( الشماسة هيلانة بنت شمعون اسرحدون 611 – 697 م ) . يقول الكاتب :   " عندما بلغت الرابعة عشرة من عمرها أرسلها والدها لدى خالها الملفان (آشور آل ممو ) في منطقة القوش لرقي مدارسها انذاك في علوم السريانية" . ثم يقول: " وفي ربيع عام 630 م عادت إلى منطقة سكناها في نوهدرا فشمرت عن ساعديها لتعليم ابناء قريتها علوم الادب و التاريخ . وقالت في احدى خطبها بين اهالي نوهدرا والقرى المتاخمة صباح عيد الفصح العظيم " علينا جميعا ً نحن ابناء نوهدرا ان نقدم كل ما لدينا من جهد وعطاء لاجل خدمة اطفالنا و شبيبتنا الاشورية بجميع قبائلها دون ان نضع حواجز بين فئة واخرى .   وتواصل القول في عبارة بليغة " كلنا امة واحدة , احفاد من وضع اسس دولة اشور التي دوخت العالم بالقوة و الحضارة و المعرفة ".                                                                                           وفي عام 2005 نشر مقالة مذهلة اخرى عن شاعرة القوشية مجهولة ومعمرة من القرن الرابع عشر الميلادي هي ( ايسيغا ايلاني  1350 – 1459 م ) يقول الكاتب : " هي ايسيغا بنت ميخائيل ايلاني من مواليد بلدة القوش سنة 1350 م و ان اصلها العائلي هو من قبيله اودو ( حكيم ) . ثم يقول : " بدت على ايلاني تباشير الفطنة والذكاء و العبقرية منذ نعومة اظفارها حيث انطلق لسانها وهي تتكلم عبارات مؤثرة  و كأنها شاعرة حكيمة و كاتبة جديرة بالتقدير والوقار". ثم يقول : " احرزت ايسيغا قسطا ً واسعا ً من علوم الدين من خلال دراستها الناجحة في المدارس , اضافة لإلمامها بعلوم اللغات السريانية والعربية واليونانية  والفارسية. كما ونالت قليلا ً من اللغة الروسية على ايدي آل ( خوشو ) الذي ينسبون إلى جدهم الروسي الاصل والمعروف بأسم ( ميخائيل تشرشينكو ) حيث هاجروا من روسيا إلى قرية ( آشوت ) من اعمال منطقة جيلو بالعراق وذلك سنة 141 ق.م  و في عام 311 م  نزحوا إلى بلدة القوش".                      ويقول الباحث:  " في ربيع عام 1377 ذهبت مع شقيقها ( اورنامو ) إلى مدينة نينوى ( الموصل ) ليصار إلى كسبهم مزيداً من علم اللاهوت في المدارس العليا , وبعد ستة اشهر عادا إلى منزل والديهما بالقوش".  ويقول كان لها " دورها الناشط في (جمعية نمرود الثقافية) التي أسسها الكاتب و المؤرخ ( هرمز بانيبال نعمان آل جيلو 1307 – 1396 م) من القوش " . ثم ينقل لنا الكاتب وصفا ً للمؤرخ صموئيل زيا في كتابه السرياني المخطوط ( قبائل آشور – ارام – ارفكشاد ) يصف فيه ايسيغا بالقول : " ناضلت البطلة المثقفة ايسيغا ايلاني نضال الابطال بسلاحها وقلمها إذ علمت اجيالاً من الشباب والفتيات حتى غدت مربية للشبيبة بعلمها و صمودها  و وقوفها إلى جانب حقوق المرأة في المجتمع الاشوري , فاصبحت امثولة لجميع فتيات القوش , كما ارست قواعد الفكر القومي في قلوب قبائلها " . ثم يحيلنا الكاتب إلى مصادره المخطوطة النادرة مثل مخطوطة بالسريانية للشماس بتيو يوسف آل ككا في القوش 1381 م  يقول الكاتب " شاهدتها اثناء لقائي بالمدعو خوشابا عمانوئيل بدمشق بتاريخ 30 آب 1962 " . ومخطوطة ( الكنز الكبير للقبائل الاشورية ) لدانيال هارصو عواد ( كركوك 1463 ) . كما يحيلنا الكاتب إلى مجلة نادرة مجهولة كانت تصدر في تكريت بأسم ( الشرق ) لعام 1821 م لمحررها صليبا جرير.     
     وفي عام 2004 نشر في مجلة ( رنيو حيرو ) السويدية, وجريدة ( نيشا) العراقية مقالة مهمة ايضا ً عن شخصيه صحفية مذهلة ماردينية من القرن السادس عشر هي ( سعيد حمورابي ملكي آل جوخجي 1506 – 1599 م ) . إذ يذكر بأن الناشط القومي سعيد جوخجي اصدر في عام 1530 م بماردين مجلة قومية رائدة بأسم ( بيث نهرين ) مسطرة في كتابة اليد , يساعده فيها شقيقه الملفان ارشنجال وشقيقته ايلونا باللغات السريانية و العربية والتركية . كما اصدر بعد سنتين في عام 1532 في تكريت مجلة رائدة اخرى هي  ( صوت اثور وآرام ) باللغات السريانية و العربية والفرنسية , والتي دامت سنتين و توقفت لأسباب مالية . ان ما ذكره الباحث جلو استناداً إلى مصادر خطية نادرة مثل ( السريان في طور عبدين 1400 – 1600 ) لحنو قادان و ( مذكرات ) الشماس كوريا خوشابا الحسكي يجعلنا نتوقف طويلا ً امام هاتين الصحيفتين الرائدتين إلى جانب مجلة ( الشرق ) المذكورة قبل قليل, بحيث نعيد أرخنة صحافتنا السريانية أو الاشورية أو السورثية ونؤخر ترتيب صحيفة ( زهريرا دبهرا ) الصادرة في اورمية الايرانية عام 1849م  إلى سياقها التاريخي الصحيح , والتي كانت تعد حتى هذه اللحظة باكورة صحافتنا القومية , كما ذكرت ذلك في مناسبات سابقة .                                                                                   ان صدور مطبوع في تركيا ثم في العراق في ذلك الوقت المبكر ليس بدعة أو خيال , إذ بعد اختراع المطبعة من قبل غوتنبرغ في ماينز بالمانيا عام 1445م استقبلت تركيا الطباعة في فترة مبكرة قبل غيرها من بلدان الشرق . يقول خليل صابات في كتابه ( تاريخ الطباعة في الشرق العربي ) القاهرة 1958 : "عرفت تركيا الطباعة قبل غيرها من بلاد الشرق الادنى و الاقصى و بعد اختراعها بحوالي اربعين سنة وإلى اليهود المقيمين في الأستانة يعود فضل ادخال الفن المطبعي إلى تلك المدينة " . كما يؤكد نزهت سليم في كتابه ( تاريخ الطباعة في تركيا ) نقلا عن أورام غالانتي في مؤلفه ( الاتراك و اليهود ) : " ان اليهود اتوا إلى تركيا من اسبانيا بمطبعتهم عام 1492م " . ( أنظر د.خالد عزب و احمد منصور , الكتاب العربي المطبوع , القاهرة 2009) .                                                                                    علماً أن كوريا عرفت الطباعة بالحروف المعدنية المتحركة قبل غوتنبرغ بحوالي قرنين من الزمان , كما يؤكد المصدر السابق , وايضاً مجلة ( رسالة اليونسكو ) العدد 211 ( شباط ,1979 ) .
خامساً: نتف تنشر للمرة الأولى : والأن وتتويجا ً لكل ما تقدم ننشر ادناه نتفتين ثمينتين لشخصيتين القوشيتين من القرنين الثالث والرابع الميلادي بعثهما الي االكاتب في رسالة خاصة مؤرخة في 24/3/2011 .
 
 
 
 
 
                    الشاعرة والمعلمة بابل بنت خوشو( ؟ - 298 م )
 
 
     من مواليد مدينة القوش العراقية من عشيرة ( نغو ) الآشورية, والدتها تدعى مريم من عشيرة ممو الآشورية من مدينة تكريت . كانت المترجمة لها من المعلمات النشيطات والبطلات في القوش .توفيت سنة 298م و دفنت بساحة كنيسة ماراسطيفانوس الشهيد بالقوش .(1)
تعليق : من هذه النتفة البعيدة عن زماننا نستنتج بأنه كانت هناك في القوش كنيسة بأسم ( مار اسطيفانوس الشهيد ) أي قبل قدوم مارميخا النوهدري ( 309 – 429 ) شفيع البلدة إليها عام 414 م . (لاسو) .
 
الرسام انكيدو بيل ( 308 – 418 م )
     ولد الفنان أنكيدو بن بيل من قبيلة (شكوانا) الآشورية سنة 308م في مدينة القوش الواقعة في بلاد أشور ما بين النهرين . والدته تدعى عشتار بنت خوشابا من عشيرة برحذبشبا من مدينة بابل , وزوجته تدعى لريسام من عشيرة بدي أصلاً قرية باشبيتا العراقية .
علم أنكيدو مئات من فتيات و فتيان القوش و غيرها من القرى المجاورة فن الرسم اليدوي على الحجارة    وجلود الحيوانات والنحت الحجري . وله عشرات الأعمال الفنية من نقوش جدران الكنائس والمعابد المسيحية وصور وهياكل حجرية لملوك أشور وسومر القديمة , وهياكل للعديد من آباء الكنيسة المسيحية . توفي الفنان أنكيدو سنة 418 م بالقوش . (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1      - القبائل الأشورية في بلاد مابين النهرين : ليونادم أوشيا 1311م أنطاكيا – سوريا ( مخطوط بالسريانية ) .
2      - المصدر السابق , ص 57 .
" بحث القي في الحلقة الدراسية للمديرية العامة للثقافة والفنون السريانية يوم 20 / 11 / 2012 .
ونشر في العدد 76 من مجلة نجم بيث نهرين ( دهوك , اذار 2013 ) .
 
 
 
 
     
 
 

10
من ارشيف د. جليل العطية
رسالة من ميخائيل عواد
الى صاحب الارشيف

إدمون لاسو
edmonlassu@yahoo.com                                                   
للاقدار أحكامها وللصدف مفاعيلها العجيبة. ففي 11 تموز 2013 وانا اسأل عن بيت شخص معين في احدى قرانا السورثية في سهل نينوى، وإذا بالغلط والوهم يقودانني الى بيت شخص اخر. وياللصدفة العجيبة، اذ وجدت نفسي بعد قليل من التعارف في بيت يحتفظ في احد اركانه بارشيف كامل للباحث الدكتور جليل العطية محفوظ في بعض الصناديق الكارتونية، مع بعض المطبوعات والجرائد، وقد لعب الفأر لعبته في بعضها قرضاً وقضماً وتمزيقاً. وبعد ان اطلعت سريعاً على محتويات الارشيف عرضت عليهم شراءه فقالوا لي: خذه دون مقابل بعد ان عرفوني باحثاً وكاتباً ومولعاً بالكتب. وبعد أن حملت هذا الارشيف الى بيتي قمت بفرزه وترتيبه، ورمي التالف مما خلفه الفأر اللعين الذي شاهدناه هناك ينط من احد تلك الصناديق.
يتكون الارشيف من عشرات الصور لكبار رجال الفكر والادب والسياسة العراقيين خاصة، مع مسودة بحث للاديب المعروف رفائيل بطي عن الشاعر المعروف الزهاوي، مع مسودات بحوث مختلفة للدكتور العطية خاصة عن الشاعر الرصافي، مع بعض الرسائل المتناثرة هنا وهناك. وادناه واحدة من تلك الرسائل مرسلة من الباحث المعروف المرحوم ميخائيل عواد الى الدكتور العطية ننشرها بنصها تعريفاً بالارشيف أولاً، وحفظاً لذكرى الرجلين ثانياً، وبعثاً لأدب الرسائل ثالثاً.
 
 

11
ع. ع. ع. يُقيم مارقرداخ

                                                                                                                 إدمون لاسو
                                                                                                      edmonlassu@yahoo.com
في رسالة الكترونية جميلة مؤرخة في 13 حزيران 2012 بعثها الينا د. عماد عبد السلام رؤوف العطار استاذ العثمانيات في جامعة بغداد سابقاً (وجامعة صلاح الدين حالياً)، ثمن فيها وقيم كتابنا (مار قرداخ الشهيد) الصادر في نينوى عام 2012 ، في لفتة نبيلة وكريمة. كما قيمت الكتاب السيدة حنان اويشا في عرض سلس للكتاب شغل اربع صفحات من مجلة (نجم بيث نهرين) في دهوك العدد 73ـ 74. والان واعتزازاً منا بتلك الرسالة التقيمية للدكتور عماد عبد السلام (ع.ع.) وتثميناً لمبادرته الكريمة، ننشر ادناه نصها، مشفوعة بشكرنا وامتناننا.
الاخ الكريم الاستاذ إدمون لاسو المحترم.
تسلمت بيد الامتنان كتابكم القيم(مار قرداخ الشهيد) وقضيت وقتاً ممتعاً في قراءته قراءة ممعنة، وها أنذا أسجل لكم بكل صدق إعجابي به فكرة ومنهجاً وعرضاً وصياغة، هذا فضلاً عما احتواه من وثائق مصورة. كما أعجبت بجمال إخراجه، بدءاً بلوحة الغلاف، وانتهاءً بما ازدان به من صور وخرائط دقيقة. الكتاب قيم بكل معنى الكلمة، وقد اًفدت منه كثيراً في إغناء معلوماتي عن سيرة هذا الشهيد الصالح، ومااحيط به من كرامات، وماجرى على معبده من حوادث، وماشيد على اسمه من مشاهد ومعابد، وعن تاريخ القوش، ومعالمها الاثرية المهمة. وواضح أنه قد كلفكم جهداً ووقتاً وفكراً ومالاً، فالله أرجو أن يجزيكم عنه خيراً. مع خالص محبتي واعجابي بجهودكم المستمرة في خدمة تراثنا المجيد . أخوكم د.عماد عبد السلام رؤوف.



12
قرن على مسرح السورث
                                                                                                                          إدمون لاسو

 يُعد القس (المطران) اسطيفان كجو(1883 ـ 1953) رائد المسرح الالقوشي بل مسرح السورث على الاطلاق .إذ اعد واخرج في عام 1912 مسرحية (استير ملكثا) اي( استير الملكة). ونظرا لفقدان النص فأنني أرجح أنه ترجمها عن مسرحية( استير) لجان راسين الفرنسي (1639 ـ 1699)، خاصة وان القس كجو كان يتقن الفرنسية إلى جانب التركية. حيث درسهما في استنبول في (اكليريكية القديس لويس للأباء الكبوجيين) في السنوات(1895ـ 1907)(1)
 ومسرحية استير الراسينية ذات الفصول الثلاثة مقتبسة اساسا من الكتاب المقدس(سفر استير) وملخصها كما يورده د. محمد يوسف نجم :
 ان استير فتاة يهودية تنتقل مع عمها مردخاي في المملكة البابلية ثم الفارسية، وحدث أن الملك الفارسي المجوسي احشورش طرد زوجته بسبب عصيانها أوامره، فارسل رسله في بلاد المشرق بجلب جميع البنات الأبكار ليختار منهن واحدة يتزوجها. فأخذ مردخاي ابنة اخيه استير، وأدخلها ضمن البنات على الملك فاعجبته وتزوجها وجعلها ملكة. وكان هامان وزير الملك من اظلم خلق الله، وكل الناس تجثو أمامه عدا مردخاي بسبب دينه. فاغتاظ منه هامان ونوى قتله، وحصل من الملك على أمر بذبح كل من كان يهودياً. ولكن الله أبى الا أن ينتصر مردخاي، وأن يقتل هامان بدلا ً منه، وان يؤمن الملك ويتبع الديانة اليهودية(2).
وتعد مسرحية (استير ملكثا) التي قدمها القس اسطيفان كجو(بالسورث) في القوش في تلك الفترة المبكرة ((المحاولة الاولى في تقديم مسرحية خارج الموصل)) (3).
 وأرى ان تلك المسرحية كانت جزءاً من النشاط الديني للقس كجو في ايقاف تيار الحركة الدينية الانشقاقية التي حدثت في القوش عام 1908، والمتمثلة بقيام بعض الكهنة والشمامسة بالرجوع الى المذهب النسطوري الاصلي. ولم يواصل القس كجو بعدها نشاطه المسرحي في القوش، إذ لم يبق فيها سوى ست سنوات (1909 ـ 1915).
 ومن الطريف ذكره أن دور الملكة استير في هذه المسرحية التي عرضت في فناء(كنيسة مار ميخا) مثله رجل هو ميخا منصور كادو كما يؤرشف ذلك المرحوم نوئيل قيا بلو(1934ـ 2012).(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ   
(1) اقرأ مقالتنا المفصلة عنه في مجلة بين النهرين العدد 91ـ92 (بغداد 1995).
(2) د. محمد يوسف نجم، المسرحية في الادب العربي الحديث (بيروت 1956) ص 219ـ 220.
(3) خضر جمعة حسن، حصاد المسرح في نينوى ( الموصل 1972) ص22.
(4) انظر بحثه (( مسيرة المسرح السرياني في القوش)) ـ 1ـ في مجلة بانيبال العدد2 (عنكاوا 1998).

13
ماذا لو كان دفن في القدس؟
مداخلة في المؤتمر الثاني
لمركزية مسيحيي المشرق
في عجلتون ـ لبنان 4 ـ 6/11/2011

                                                                                                                        إدمون لاسو
 
    نحن الشرقيين نبحث دائماً في النتائج ونترك الأسباب، نفتش في الغصون ونترك الجذور، نوزن الثمار وننسى البذور. الذي اريد ان اقوله، لو كان جثمان مار بطرس نقل عند استشهاده عام 67 م من روما الى القدس ودفن فيها، لأصبح مقر البابوية بل مقر المسيحية منذ ذلك اليوم، في القدس حيث مهبط الوحي وموطن الرب يسوع وقيامته. لو كان حصل هذا الأمر لكانت خريطة الشرق الأوسط غير ما كانت عليه الان، إذ ما كانت الفتوحات الاسلامية تجاوزت الجزيرة العربية الا لماماً، وعلى الارجح ما كانت حصلت الانشقاقات المذهبية في الجسد المسيحي الواحد في القرن الخامس الميلادي وما بعده. ويقيناً ما كانت حصلت (حروب الفرنجة) المعروفة لدى الفرنجة انفسهم بأسم (الحروب الصليبية) في القرون 11ـ 13 م.  ولما كنا جالسين هنا اليوم نبحث بعقم عن انحسار الوجود المسيحي في شرقنا المتألم، ونقول أن نسبتهم في لبنان 30% وفي مصر 12% وفي سوريا 4% وفي العراق 3% وفي فلسطين 1,5% وفي الأردن 0,05%. فتشوا أيها السادة عن البذور المتوارية، قبل ان تقضموا الثمار المرة، فتشوا عن الجذور العميقة قبل ان تتطلعوا الى الغصون اليابسة. اما ان نجلس اليوم ونقول ان سبب هجرة المسيحيين من أعشاشهم الشرقية الوديعة هو الاضطهاد الديني والفارق في المفهوم القيمي والأخلاقي بيننا وبينهم، فهو من باب البحث في النتائج وليس الاسباب. والسبب الرئيس كما قلنا هو تلك الغلطة التاريخية التي لا تغتفر بترك مار بطرس يدفن في روما وليس في القدس.

14
نهضة بلدة الإله سين
خاتمة (مار قرداخ) في طبعته الجديدة 2012
                                                                                                                   إدمون لاسو
  بعد أن سحتُ وإياكم، مع قرداخ المرزبان، الشهيد، الرؤيا، والشعر، وكتبت عن أثر حي قائم بيننا، دعوني الآن أتقدم بجملة من الرؤى والتصورات كما فعلت في الطبعة الأولى عام 1992، حول بعث تراث ألقوش الحضاري والتاريخي. وأوجه حديثي هنا خصيصاً إلى كتـّاب ألقوش على قلتهم، وغيرهم من المعنيين (بالألقوشيات) من الغيارى على البلدة الآشورية – المسيحية. فإن أرادوا جميعهم نهضة حقيقية لبلدتهم، فعليهم بالدرس والبحث والتنقيب والكتابة وشحذ الهمم، متحركين على المحاور الرئيسية التالية:
أولاً: تاريخ البلدة نفسها كموقع جغرافي وأثري: وهو تاريخ مهم جداً يرجع بجذوره البعيدة إلى العصور الحجرية، وبجذوره القريبة إلى الدولة الآشورية. هذه الدولة التي يقول عنها هاري ساكز في كتابه قوة آشور: ((فتدمير الامبراطورية الآشورية لم يمح سكانها، فقد كانوا غالباً من صغار الفلاحين، وطالما ضمت بلاد آشور أحسن الأراضي لزراعة الحنطة في الشرق الأدنى.... وبعد سبعة أو ثمانية قرون، حدثت تغييرات وتقلبات كثيرة وتنصر هؤلاء السكان)) ترجمة د. عامر سليمان (بغداد 1999) ص409.  
ثانياً: تاريخ بطاركة بيت أبونا: وهو تاريخ مهم يبدأ بجلوس البطريرك طيماثاوس الثاني في كرسي أربيل سنة 1318 وينتهي في مرحلته الأولى بوفاة البطريرك يوحنا الثامن هرمز في كرسي الموصل عام 1838، وفي مرحلته الثانية بوفاة البطريرك مار شمعون ايشا في نيويورك عام 1975. ويستمر تاريخهم في ألقوش نفسها (كرسي دير الربان هرمز) مدة ثلاثة قرون متتالية     (1504- 1804).  
ثالثاً: مدرسة ألقوش الأدبية ورجالاتها من كتاب وخطاطين ولغويين وكهنة: التي يعتبرها (تاريخ الأدب السرياني) لمراد كامل وجماعته شبه مدرسة أدبية من وزن مدرسة الرها، ونصيبين، وجنديسابور مقارنة.
رابعاً: المواقع الأثرية والدينية: وتشمل 1- منحوتة شيرو ملكثا        2- هيكل النبي ناحوم وأخته سارة. 3- كنيسة مار ميخا. 4- دير الربان هرمز. 5- دير السيدة. 6- مزار مار قرداخ. 7- أكواخ القديسين الأخرى وهي: مار شمعون، مارت شموني، مار سهدونا، مار يوسف، مار زديقا، ومار يوحنان. 8- مقبرة ألقوش بقسميها الآشوري، وكانت تقع في موقع (ناطور سميا) غربي البلدة. والمسيحي وهي تقع شرقي البلدة.
خامساً: الجانب اللغوي: ويشمل دراسة لهجة القوش السورثية التي تمثل نموذجاً للهجات سهل نينوى من المجموعة الجنوبية حسب تقسيم ماكلين. وكذلك التأصيل اللغوي لأسماء المواقع الجغرافية والأثرية المحيطة بالبلدة.
سادساً: الجانب الفلكلوري: ويشمل تنظيم المتاحف، والغناء الشعبي، والألعاب، والحرف، والأوابد، والأزياء، والأساطير، والخرافات، والأمثال، وغيرها من الأمور المتوارثة لدى العامة.
سابعاً: الجانب الاقتصادي: ويشمل الزراعة والصناعة والتجارة، وتربية المواشي والنحل، والسياحة وغيرها من الأمور الاستثمارية. وتأتي زراعة البطيخ في مقدمة الخضار التي تشتهر به ألقوش منذ القدم، هذا الخضار ((الموصوف بأنه خير ما تنتجه البلاد)) حسب وصف الصوفي في خطط الموصل جـ2 (1953). كما هناك مقالع الحجر والجص، ، سواء في سفوح الجبل، أو في منطقة الكنود، بل وحتى النفط الذي من الممكن استثماره اقتصادياً. كما هناك السياحة الدينية في ديرالربان هرمز، ودير السيدة، ومرقد النبي ناحوم بعد ترميمه وصيانته، وكذلك مصيف بيهندوايا حيث (شيرو ملكثا) غربي البلدة. وهناك تربية الأغنام وصناعة الجبن، وكذلك تقطير العرق الذي اندثر في العقود الأخيرة، وأيضاً الغزل والنسيج المحلي الذي اندثر هو الآخر.
ثامناً: السيكولوجية الاجتماعية للألاقشة: أي دراسة تركيبتهم     النفس ـ اجتماعية وهي تركيبة خاصة جداً لجملة عوامل لا مجال لذكرها هنا. والموضوع بكر ومهم، حيث يبرز كموشور علمي يحلل (أطياف) الألاقشة النفسية والاجتماعية إلى عناصرها وأسبابها وعلائقها. بحيث يشخص سلبياتهم وايجابياتهم، ويفرزها بوضوح كافٍ ورؤية واضحة. الأمر الذي يؤدي إلى تطوير وعيهم وتطهير نفسياتهم، وبالتالي تشكيل نسق جديد من العلاقات المغربلة النقية فيما بينهم. بما يدفع بامكاناتهم إلى التطوير والإثمار، لصالحهم هم أولاً، ولصالح المجتمع ككل ثانياً.
  هذا وقد كتب بعض الأفاضل عن قسم من هذه المحاور، ولا يزال في أعماق القارورة الوافر من العطر لمن أراد أن يتعطر. ومع أن الأمر في حاجة إلى جهد علمي ودقة ومنهجية علمية إلا أننا نذكر بعضاً من تلك الاسهامات :
  فالأب الدومنيكي جان فيي كتب عن جوانب مهمة من بلدانية ألقوش في كتابه الفرنسي (آشور المسيحية ) جـ2 عام 1965. وتوقف الرحالون الأجانب أيضاً عند مفاصل مهمة من تاريخ البلدة أثناء تطوافهم ورحلاتهم المتعاقبة على المنطقة، منهم بنيامين التطيلي، ونيبور، والمنشئ البغدادي، وفلتشر، وريج، وبادجر، والأب مارتان، ولايارد، وبيج، وويكرام، وليدي دراور، وغيرهم.  كما كتب المطران يوسف بابانا عن تاريخ البلدة عام 1979. وأنا قد كتبتُ صفحة إدارية منسية، مع بعض الحوادث التاريخية بعنوان (ألقوش الناحية) عام 1993. كما نقبتُ عن مذبح الإله سين، وألفت كتاباً عنه بعنوان (المثلث الأثري في ألقوش) عام 2003. والسيد يوسف حداد كتب في ديترويت عن بعض الحوادث الألقوشية بعنوان (مختصر تاريخ ألقوش ودير الربان هرمز) عام 1999، والسيد نوئيل قيا بلو كتب في أميركا أيضاً عن بعض الحوادث التاريخية بعنوان (حوادث مهمة في تاريخ القوش الحديث) عام 2003. أما الكاتب نبيل دمان فكتب في أميركا عن (الرئاسة في بلدة ألقوش) عام 2001، كما كتب عن بعض الحكايات التاريخية بعنوان (حكايات من بلدتي العريقة) عام 2008. وكتب السيد يوسف زرا عن (معالم القوش العمرانية والحضارية) عام 2001. أما المطران مار ايليا أبونا فكتب عن (بيته البطريركي)، بترجمة بنيامين حداد عام 2008 عن مخطوطة سريانية مصورة لعام 1927 كانت بحوزة مثلث الرحمة المطران عبد الأحد صنا. والسيدان نوئيل قيا بلو وإيليا عيسى سكماني كتبا عن (تاريخ التعليم في ألقوش) في مجلة قالا سوريايا عام 1979. كما أعددتُ كتاباً للتربوي المرحوم بطرس لاسو مراد عن مدرسة ألقوش الابتدائية الأولى للبنين عام 1994. والخوري هرمز صنا كتب عن (الكهنوت في القوش) عام 2005. أما الأب بطرس حداد فكتب عن (خطاطي أسرة هومو)، و(رابي رابا) في مجلة المجمع العلمي (السرياني) 1985، 1986. والسيد نوئيل شكوانا كتب عن (خطاطون مشارقة) عام 2008. والسيد بنيامين حداد كتب عن (سفر القوش الثقافي) عام 2001. والباحث السوري القامشلي المقيم في ألمانيا الصديق عبد الأحد جلو كتب بشكل مذهل عن بعض الشخصيات الألقوشية المجهولة منذ القرن الثالث الميلادي، في كتابيه المخطوطين (نساء في ذاكرة الزمن)، و(رجال في ذاكرة الزمن) نشر بعضها في مجلة حويودو السويدية منذ عدة سنوات. وكتب عدد من الباحثين عن (شيرو ملكثا) ابتداءً من ناصر النقشبندي عام 1944، وانتهاءً بكاتب هذه السطور عام 1998، وقد جمعت تلك المقالات في كتاب بعنوان (شيرو ملكثا أثر وأسطورة) عام 2011. والأب يوجين بوري Bore كتب بالفرنسية عن (دير الربان هرمز) في باريس عام 1843، والأب يعقوب فوستي الدومنيكي نقل بالفرنسية (كتابات الربان هرمز والسيدة حافظة الزروع) في مجلة لو موزيون Museon Le البلجيكية عام 1930، كما نقل الأب بطرس حداد الكتابات نفسها في مجلة مجمع اللغة السريانية عام 1977، والأستاذ كوركيس عواد كتب عن دير الربان هرمز عام 1934، والقس (المطران) اسطيفان بلو كتب بالفرنسية عن الرهبنة والدير أيضاً، في روما عام 1939،  والأب يوسف حبي كتب عنه أيضاً عام 1977، وأنا قد أعددت كتاباً للأب الراهب داديشوع كيخوا عن ذات الدير عام 2004. والأب يوحنان جولاغ كتب عنه أيضاً في مجلة بين النهرين 1973. وكتب الأستاذ كوركيس عواد عن (دير السيدة) في مجلة المجمع (السرياني) عام 1982. كما كتب السادة انويا كوركيس انويا وروميل اسطيفان سوره وعمر فاروق بطرس فصلاً عن الدير نفسه في بحثهم المقدم إلى قسم السياحة في كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية ببغداد عام 1998. والسيد نوئيل قيا بلو كتب عن (كنيسة مار ميخا) عام 1988. وفي مجال التراث كان السيد جورج حبيب أول من دشن الكتابة في الفلكلور الألقوشي بمقالاته في مجلة التراث الشعبي عام 1963، و1965، كما دون ذكرياته في القوش في المجلة نفسها عام 1970. كما كتب بنيامين حداد عدداً من المقالات الفلكلورية في مجلتي التراث الشعبي وقالا سوريايا. كما أكتب أنا منذ عدة سنوات حلقات متسلسلة عن (أساطيرنا وحكاياتنا الشعبية) بعضها خاصة بألقوش في مجلة بانيبال الفصلية. كما كتب السيد حبيب تومي عن (القوش دراسة انثروبولوجية اجتماعية ثقافية) عام 2003. أما الأنبا إبراهيم يوسف الياس فقد نظم متحفاً جيداً في دير السيدة عام 1972 يذكر فيشكر عليه. أما الأكاديميان في جامعة الموصل د. هاشم الجنابي وصبيح يوسف طاهر فكتبا صفحة مهمة عن النشاط التجاري والخدمي في ألقوش وقضاء تلكيف، مرفقة بخرائط مهمة، في مجلة آداب المستنصرية عام 1983و1984.  
  إن ألقوش بلدة عريقة وثرية وقد خلعت عليها ألقاب متعددة نظراً لمكانتها بين البلدان المجاورة. فدعيت بـ (مطبعة الشرق) لكثرة النساخ والخطاطين فيها، و(روما الثانية) لكثرة البطاركة والمطارنة الذين قاموا منها، وحالياً (أم الضيع) لتعصب أبنائها الديني واللغوي.  والأنسب أن تدعى ((بلدة سين)) كما دعاها بحق الكاتب يعقوب افرام منصور في جريدة العراق (28/5/1997) إثر زيارته للمنطقة في ربيع ذلك العام،  وذلك لوجود مذبح الإله سين في سفح جبلها، ووجود محلة باسم سينا فيها، ووجود أراض ٍ وقفية للإله سين في عقارها.  والأمل معقود في نهضة ألقوش، ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، على أبنائها الغيارى من الجيل الطالع ليبعثوا من رمادهم كالعنقاء ويحلقوا عالياً في فضاء الحرية والإبداع، كي يتحملوا جزءاً من مسؤولياتهم، تعبيراً عن ذواتهم أولاً، ووفاءً لذكرى أجدادهم الغابرين ثانياً.
 
edmonlassau@yahoo.com

15
الولادة الحقيقية للمسيح والألفية الثالثة
                                                   
                                                                                                                        إدمون لاسو
 
  كثر الحديث والجدل والتساؤل في الجرائد والمجلات المحلية، والعالمية في منعطف عام 1999 – 2000، حول هل دخل العالم القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة في مفتتح عام 2000 أم أن العام 2000 بكامله يعد متمماً للقرن العشرين والألفية الثانية؟
نقول باختصار إننا منذ اللحظة الأولى من يوم 1/1/2000 نكون قد دخلنا في القرن الجديد والألفية الجديدة. لأن السنة الأولى من عمر السيد المسيح تبدأ من لحظة ولادته وليس عندما أكمل السنة الأولى من عمره. أي أن السنة الأولى والعقد الأول والقرن الأول والألفية الأولى تبدأ كلها من الصفر وليس من الواحد. وهكذا ينتهي العقد الأول يوم 31/12/9 ليبدأ العقد الثاني يوم 1/1/10. أما القرن الأول فينتهي يوم 31/12/99 ليبدأ القرن الثاني يوم 1/1/100 وهكذا... إلى القرن العشرين حيث يبدأ القرن يوم 1/1/1900 لينتهي يوم 31/12/1999، ليبدأ القرن الحادي والعشرين يوم 1/1/2000 ولينتهي يوم 31/12/2099. ذلك كله حسب التاريخ الاعتباري لولادة السيد المسيح. أما لو أردنا الدقة العلمية والتاريخية لتلك الولادة المباركة، فالذي يقوله العلماء هو أن تلك الولادة حدثت تاريخياً يوم 29 أيلول عام 7 ق.م وليس سنة صفر ميلادية. فقد أثمرت جهود سلسلة من العلماء إلى تلك النتيجة الحاسمة، ابتداءً من العالم الفلكي كبلر (1571 – 1630)، ومروراً بالعالم الألماني شنابيل (1925) وانتهاءً بعلماء الرياضيات الأميركان (1973)، الذين أودعوا المعطيات التاريخية والفلكية والدينية إلى عقل ألكتروني، وأعطى النتيجة بالولادة الدقيقة للسيد المسيح في 29/9/7 ق.م، استناداً إلى قرائن ومعطيات الإنجيل والتاريخ والفلك. وخاصة ظهور النجم اللامع الذي أرشد المجوس إلى بيت لحم، حيث تبين أنه لم يكن مذنباً أو شهاباً، وإنما كان التحاماً بين السيارين المشتري وزحل في برج الحوت وظهورهما كنجم واحد براق عام 7 ق.م. بالإضافة إلى تاريخ أوغسطس قيصر، والوالي كيرينيوس، والملك اليهودي هيرودس الكبير، وغيرها من القرائن التي درسها العلماء بدقة متناهية. {انظر دراسة زبور نشأت شريف الموصلي المقيم في أمريكا، المنشورة في مجلة الفكر المسيحي العدد 211 (الموصل 1986)}.
  واستناداً إلى هكذا دراسات جادة وحاسمة ومثيرة فإن عمر السيد المسيح قد بلغ يوم 29 أيلول 2010،2017 سنة. وبناءً على ذلك فإن العالم قد دخل القرن الميلادي الجديد والألفية الجديدة منذ سبع عشرة سنة. وحبذا لو اتفقت الدوائر الفاتيكانية والأمم المتحدة والمراجع العلمية العالمية وقدمت التاريخ الميلادي (7) سنوات إلى الأمام، لتقفز البشرية وتحتفل بالولادة الصحيحة لميلاد السيد المسيح، ويعاد التاريخ إلى نصابه السليم. والأمر ليس بدعة، إذ سبق للبابا غريغوريوس الثالث عشر (1572- 1585) أن أجرى إصلاحاً في التقويم الميلادي، إذ قدم في عام 1582 التاريخ عشرة أيام فجعل يوم 5 تشرين الأول (اكتوبر)، 15 تشرين الأول منه، فاقترن التقويم الغربي باسمه فسمي (التقويم الغريغوري). هذا فضلاً عن اصلاحات أخرى سبقته في التاريخ.   
 

16
اتحاد الأدباء السوارثة
الامل المرتقب
                                                                                                     إدمون لاسو

من النافل القول ان لاقيامة لمثقفينا وادبائنا بل لامتنا، الا بوحدة الهدف والتوجه، وقبل هذا وذاك وحدة الاسم، لما يشكله الاسم في المرحلة الراهنة من مادة مفصلية في صياغة الكثير في المواد الدستورية في المركز والاقليم. وأرى ان خير اسم يوحدنا هو لفظة (السورث).
 و(السورث ) لغة عريقة متوارثة منذ العصور القديمة ، نرضعها مع حليب امهاتنا عندما نولد ونخرج الى الدنيا، ونطل على هذه الحياة المليئة بالبكاء والصراخ. وبلغة ( السورث ) هذه نسمع وننطق ونكتب وننشد ونغني في مراحلنا اللاحقة .
   يقول الاب د. يوســـف حبـــي ( 1937 – 2000 ) في مقدمـــة ترجمتــــه لمقـــــال برونــــو بـــــوازا
(( الارامية – السريانية – السورث )) في مجلة بين النهرين العدد17 ( الموصل 1977 ) :
(( اما السورث فهو اللغة المحكية لمعظم سكان بلاد ما بين النهرين وما يجاورها ، وذلك منذ حوالي القرن العاشر قبل الميلاد ، وحتى انتشار العربية في هذه البلاد ، حيث تقلص ظل ( السورث ) واقتصر على المسيحيين خاصة ... لذا فبالرغم من ان السورث اتخذ طابعا ادبيا رسميا في الفترة المتأخرة ، فان عمره قديم جداً )) .
    وجاء في الفقرة الاخيرة من توصيات البيان الختامي لمؤتمرالادب السرياني السادس الذي اقامه اتحاد الادباء والكتاب السريان في اربيل في الفترة من 30/9/2009 – 2/10/2009 مايلي:
(( وهنا يدعو المشاركون في المؤتمر جميع الادباء والكتاب السريان الى العمل على توحيد صفوفهم، وتجنب حالة التمزق والفرقة . وكبادرة حسن نية يدعو المؤتمر جميع الاطراف الى الحوار البناء، والكف عن اطلاق البيانات  والتصريحات الاعلامية التي من شانها زيادة التمزق بين الادباء، مع اتخاذ خطوات اولية لعقد مؤتمر توحيد الادباء والكتاب السريان)).
وحسناً فعلت الهيئة الادارية للاتحاد في اجتماعها المنعقد في دهوك في 23/10/2009 ، اذ اتخذت خطوة عملية في هذا الاتجاه بتشكيل لجنة من ثمانية ادباء للتحرك على الاطراف المعنية.
وجاء في حيثيات الامر الاداري  الموقع من قبل رئيس اتحاد الادباء والكتاب السريان في 26/10/2009 ، والمنشور في موقع عنكاوا كوم يوم 31/10/2009 ان:
(( قررت الهيئة الادارية في جلستها المنعقدة صباح الجمعة المصادف 23/10/2009 تشكيل لجنة من السادة المدرجة اسمائهم ادناه لفتح الحوار مع الجهات ذات العلاقة والشخصيات الثقافية والادبية بهدف توحيد جهود الادباء والكتاب تحت خيمة واحدة والدعوة الى الانتخابات)).
واعضـــــاء اللجنـــة المشـــكلة هم كل من الســــادة :
1- د.يوسف قوزي              5- نوئيل جميل
2- يوسف زرا                   6- ميخائيل بنيامين
3- روند بولس                   7- هرمز خاميس
4- وعد الله ايليا                  8- متي اسماعيل.

(( على ان تقدم اللجنة تقريرها خلال شهرين من تاريخ صدور البيان )) .





     احيي باخلاص جهود اللجنة مقدما، بالرغم من تقديم استقالتي من اتحاد الأدباء والكتاب السريان يوم 19/10/2009 لثلاثة اسباب وجيهة ذكرتها في قرار الاستقالة، منها حالة الانقسام والتشرذم التي يعيشها ادباؤنا ، وانتماء البعض الى اتحاد الادباء العرب ، وقبول بعض الطارئين على الادب في صفوف الاتحاد. وانا هنا اعلن سحب استقالتي من الاتحاد، فرحاً بهذه اللجنة وتضامنا معها ، خاصة وان رئيس الاتحاد اخبرني بانه لاتوجد فقرة ( الاستقالة ) في النظام الداخلي للأتحاد ، وهذه ثغرة سلبية يجب معالجتها في صياغة النظام الداخلي مستقبلا .
   أن جميع مؤسساتنا الثقافية والجماهيرية مدعوة الى التوحيد والتوحد والوحدة لكي نقضي على حالة الفرقة والانقسام والتشظي داخل البيت الواحد (( كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب ، وكل مدينة أو بيت ينقسم على نفسه لايثبت )) متى 25:12.
   وليس ادل على حالة الانقسام والتشرذم في مؤسساتنا الثقافية من وجود اربعة اتحادات ادبية قائمة . وجاء الكاريكاتير الساخر المنشور في مجلة ( رديا كلدايا ) العدد33 ( عنكاوا ، تشرين الاول 2009 ) معبرا عن هذه الحالة المؤلمة . اذ رسم الفنان لؤي متي كويي عجلة تسير في ( شارع الوحدة ) تجر اربعة اتحادات بأسمائها ، وفي اللوحة المستطيلة الاخيرة جاءت عبارة ( ترقبوا المزيد من الاتحادات ) لتصفعنا في صميم واقعنا الثقافي المزري والمؤلم .

احيي جهود اللجنة ثانية آملا لهـا التوفيق والنجــاح.
وكل خطوة واصحاب السورث ( السوارثة ) بخير.


17
مطار أربيل أم مطار عنكاوا؟
حول اراضي عنكاوا الزراعية
                                                                                            إدمون لاسو
..نشر السيد بطرس نباتي موضوعاً في ثلاث حلقات متسلسلة في جريدة (بيث عنكاوا) الاعداد 36، 37،38 (كانون الثاني، شباط ، اذار 2009) ، ثم في موقع عنكاوا الالكتروني ايضاًَ ، تحت عنوان (هل نحن اصحاب ارض ام ماذا..؟ )، دارت بمجملها حول اراضي عنكاوا الزراعية ، وكيفية الاستيلاء عليها من قبل النظام الصنمي السابق، باقامة معسكر للجيش عليها، ومطار عسكري، ثم من قبل حكومة الاقليم بعدالانتفاضة 1991، باقامة مطار مدني مكان العسكري . ويتظلم الكاتب من طريقة استقطاع هذه الاراضي التي تقدر بنحو ثلاثين الف دونم (30000دونم) من اصحابها، دون القيام بتعويضات مادية عادلة. وقد داخل مع موضوع السيد نباتي (الحلقة الثانية) المحامي يعكوب ابونا المقيم في الخارج بمقالين نشرهما في موقع عنكاوا الالكتروني، حيث ارشد الكاتب الى الطرق القانونية السليمة في الحصول على الحقوق المادية المستحقة بعد ان اصبحت هذه الاراضي في ذمة المصلحة العامة المتمثلة باقامة مطار باسم (مطار اربيل الدولي) عليها، كما داخل مع ذات الحلقة ايضاً احد المتضررين (لا اتذكر اسمه) بمداخلة قصيرة سارت في نفس اتجاه (التعويضات المادية) . كما داخل مع الحلقة الثالثة السيد دومنيك كندو، متسائلاً عن المسؤول عن سلب عنكاوا اراضيها التاريخية وتغيير اصولها السكانية. وانا هنا لا اريد ان اسير مع نفس الموجة، واحرث بنفس المحراث، وانما ادعو السيد نباتي مع كل اصحاب العلاقة وجميع المؤازرين من اهالي عنكاوا وممثليهم في برلمان الاقليم ، الى المطالبة بالحقوق المعنوية قبل الحقوق المادية، بل اسقاط الحقوق المادية في سبيل الحقوق المعنوية ، وفي مقدمة تلك الحقوق المعنوية المطالبة بابدال اسم (مطار اربيل الدولي) بـ ( مطار عنكاوا الدولي) . مع كل احترامنا لاسم اربيل التاريخي وثقلها السياسي الراهن كونها عاصمة الاقليم، ولكن الحق يعلو ولا يعلى عليه. والمطالبة بالحقوق من واجبات الانسان المتحضر الواعي في عصر الديمقراطيات المتلاطمة في عالمنا هذا. فعنكاوا لم تعد قصبة او بلدة او ناحية فقط، وانما غدت مدينة حضارية، بل رديفة للعاصمة اربيل، بكثرة القنصليات والمنظمات والشركات، بل سكن بعض الوزراء فيها. وحتى لو كانت قرية صغيرة فيجب عدم استصغارها هي واخواتها ، طالما ان مستحقاتها مشروعة ، ومستحقات عنكاوا في موضوعنا هذا ، هي اراضٍ زراعية واسعة تعود ملكيتها لاصحابها المتوارثين اياها اباً عن جد ، منذ الاف السنين، كما يكتب السيد نباتي في الحلقة الثالثة. وكان تشرشل الانكليزي يقول: (لو خيرت بريطانيا بين مستعمراتها الخارجية وبين شكسبير لاختارت شكسبير). في اشارة واضحة الى تفوق الامور المعنوية والفكرية على الامور المادية. فما احرانا اليوم ان نطالب بالمعنويات قبل الماديات في موضوعنا هذا. دعوة مخلصة اطلقها عسى ان تتحقق في يوم ما، وحينها كم يكون فخراً للعنكاوي في الداخل والخارج ان يسمع بمطار (او مطير) يحمل اسم بلدته العريقة (عنكاوا)!


18
مطار أربيل أم مطار عنكاوا؟
حول اراضي عنكاوا الزراعية
[/b]


إدمون لاسو
..نشر السيد بطرس نباتي موضوعاً في ثلاث حلقات متسلسلة في جريدة (بيث عنكاوا) الاعداد 36، 37،38 (كانون الثاني، شباط ، اذار 2009) ، ثم في موقع عنكاوا الالكتروني ايضاًَ ، تحت عنوان (هل نحن اصحاب ارض ام ماذا..؟ )، دارت بمجملها حول اراضي عنكاوا الزراعية ، وكيفية الاستيلاء عليها من قبل النظام الصنمي السابق، باقامة معسكر للجيش عليها، ومطار عسكري، ثم من قبل حكومة الاقليم بعدالانتفاضة 1991، باقامة مطار مدني مكان العسكري . ويتظلم الكاتب من طريقة استقطاع هذه الاراضي التي تقدر بنحو ثلاثين الف دونم (30000دونم) من اصحابها، دون القيام بتعويضات مادية عادلة. وقد داخل مع موضوع السيد نباتي (الحلقة الثانية) المحامي يعكوب ابونا المقيم في الخارج بمقالين نشرهما في موقع عنكاوا الالكتروني، حيث ارشد الكاتب الى الطرق القانونية السليمة في الحصول على الحقوق المادية المستحقة بعد ان اصبحت هذه الاراضي في ذمة المصلحة العامة المتمثلة باقامة مطار باسم (مطار اربيل الدولي) عليها، كما داخل مع ذات الحلقة ايضاً احد المتضررين (لا اتذكر اسمه) بمداخلة قصيرة سارت في نفس اتجاه (التعويضات المادية) . كما داخل مع الحلقة الثالثة السيد دومنيك كندو، متسائلاً عن المسؤول عن سلب عنكاوا اراضيها التاريخية وتغيير اصولها السكانية. وانا هنا لا اريد ان اسير مع نفس الموجة، واحرث بنفس المحراث، وانما ادعو السيد نباتي مع كل اصحاب العلاقة وجميع المؤازرين من اهالي عنكاوا وممثليهم في برلمان الاقليم ، الى المطالبة بالحقوق المعنوية قبل الحقوق المادية، بل اسقاط الحقوق المادية في سبيل الحقوق المعنوية ، وفي مقدمة تلك الحقوق المعنوية المطالبة بابدال اسم (مطار اربيل الدولي) بـ ( مطار عنكاوا الدولي) . مع كل احترامنا لاسم اربيل التاريخي وثقلها السياسي الراهن كونها عاصمة الاقليم، ولكن الحق يعلو ولا يعلى عليه. والمطالبة بالحقوق من واجبات الانسان المتحضر الواعي في عصر الديمقراطيات المتلاطمة في عالمنا هذا. فعنكاوا لم تعد قصبة او بلدة او ناحية فقط، وانما غدت مدينة حضارية، بل رديفة للعاصمة اربيل، بكثرة القنصليات والمنظمات والشركات، بل سكن بعض الوزراء فيها. وحتى لو كانت قرية صغيرة فيجب عدم استصغارها هي واخواتها ، طالما ان مستحقاتها مشروعة ، ومستحقات عنكاوا في موضوعنا هذا ، هي اراضٍ زراعية واسعة تعود ملكيتها لاصحابها المتوارثين اياها اباً عن جد ، منذ الاف السنين، كما يكتب السيد نباتي في الحلقة الثالثة. وكان تشرشل الانكليزي يقول: (لو خيرت بريطانيا بين مستعمراتها الخارجية وبين شكسبير لاختارت شكسبير). في اشارة واضحة الى تفوق الامور المعنوية والفكرية على الامور المادية. فما احرانا اليوم ان نطالب بالمعنويات قبل الماديات في موضوعنا هذا. دعوة مخلصة اطلقها عسى ان تتحقق في يوم ما، وحينها كم يكون فخراً للعنكاوي في الداخل والخارج ان يسمع بمطار (او مطير) يحمل اسم بلدته العريقة (عنكاوا)!


19
هل أستشهد المطران فرج رحو يوم 8/ آذار/ 2008 ؟
سؤال بقلم:إدمون لاسو
رغم الجهد الذي بذله الاعلامي في قناة عشتار الفضائية بدر اليعقوبي، في الكتاب الذي أعده عن اختطاف و استشهاد المطران مار بولس فرج رحو، الذي صدر في أربيل 2008 تحت عنوان (عشتار و شيخ الشهداء)، الا ان مما أحتواه الكتاب من كلمات تأبينية شعراً و نثراً و برقيات و فعاليات اخرى منوعة، لم تستوقفني سوى الكلمة التي ننشرها ادناه بقلم السيد وسام كاكو. اذ فيها معلومات مثيرة تخرج عن المألوف والمطروق من الكلمات الانشائية المعتادة. ففيها معلومات مدهشة عن الاستبصار و الشعور الجمعي، و ادراك الشيء قبل وقوعه بقياسات الكترونية تحسسية غير مفهومة بشكل واضح حتى الان. اترككم الان مع خلاصة مقالة السيد وسام كاكو لتستنتجوا معه تاريخ استشهاد المطران فرج رحو، الذي اختطف في الموصل يوم 29/2/2008 والتي اكتشفت جثته يوم 13/3/2008، خاصة وان استنتاجه بأن المطران استشهد قبل يوم الاحد 9 آذار، جاء متفقاً مع تشخيص الاطباء بان الوفاة حصلت قبل اكتشاف الجثة بنحو خمسة ايام حسب ماجاء في نجم المشرق العدد 54، 2008 ، ص209.
شهادة المطران...تفاصيل و إستنتاجات مُبكرة
... وأنا شخصياً أصبحتُ بعد ليلة الأحد 9 آذار على قناعة شبه تامة من ان المطران قد إستشهد، وقد أخبرتُ قلة قليلة جداً من المُقربين مني بأن من الأفضل أن يُهيئوا أنفسهم لقبول فكرة إن المطران قد إستشهد، ولكني فضلتُ عدم توسيع دائرة الذين يعرفون بذلك. السؤال الذي يفكر به كل مَنْ يقرأ هذا الكلام هو: كيف أني كنت مُقتنعاً من ان المطران قد إستشهد في وقت كانت المُفاوضات ما زالت جارية؟!
  في عام 1972 تم إختيار24 مدينة في أمريكا لإجراء تجربة واحدة فيها، من خلال وضع أشخاص مُعينين في كل مدينة منها مُدرَبين على خلق مشاعر خاصة جداً في أبدانهم. هذه المشاعر كانت عبارة عن مشاعر سِلمْ، خالية من أي توتر أو قلق. بدأت عملية الشعور بهذه المشاعر في نفس اللحظة لدى كل المشاركين في كل المُدن، وكان عدد من العلماء يدرسون بالتفصيل تأثير ذلك على المُجتمع في تلك المدن، فلوحظت تأثيرات مُثيرة جداً على سكان المدن المُشاركة في هذه الدراسة، فقد لوحظ إن عدد الجرائم إنخفض فيها، كما إنخفض عدد حوادث السير وعدد المنقولين الى مُستشفيات الطواريء و غيرها، وعندما توقفت هذه التجربة رجعت الأمور الى حالها الأول في كل المُدن... بعد هذا جرى تطوير هذه الدراسة بدراسة أخرى تُعتبر برأي البعض واحدة من أهم التجارب التي أُجريت في القرن العشرين، والتي برهنت على ان المدينة التي يوجد فيها مليون شخص تحتاج كحد أدنى الى 100 شخص فقط فيها لإحداث التغيير المطلوب لدى كل سكان المدينة، اي بنسبة الجذر التربيعي لـ 1% من المجموع السكاني.
  في عام 1998 اُجريت تجربة على الانترنيت على مُستوى العالم كله وشارك فيها مئات الالاف من الناس من 82 دولة، وقد طُلب من المشاركين ان يحسوا بالسلام وعدم التوتر في داخلهم واظهار شكرهم لله على هذا الاحساس بالسلام،... حصلت المشاركة هذه في الساعة السابعة مساءً، وفي اليوم التالي حدث شيء غير متوقع فقد نشرت جريدة سان فرانسسكو ان الطائرت التي كانت في طريقها لقصف العراق امرها الرئيس كلنتون بالرجوع، رغم ان ذلك كلف الكثير من الدولارات. لم يفهم احد لماذا حدث هذا الشيء ولم يعلم المشاركون في التجربة ابداً ان بعض الطائرات الامريكية كانت ستقوم بقصف العراق في اليوم التالي لا بل ان اعضاء البنتاغون الامريكي انفسهم لم يفهموا لماذا فعل الرئيس كلنتون هذا.
 في عام 1988 قامت جامعة برنستن بمشروع بحثي أسمته مشروع الوعي (أو الشعور أو الإدراك) الكونيGlobal Consciousness Project ويُعرف إختصاراً بـ GCP ، وأداره معهد باوندري Boundary Institute، وأشرف على المشروع العالمان اللامعان (دين ريدن) و( روجر نيلسن). قامت فكرة المشروع على أنه لو كان فعلاً يوجد في العالم شعور أو إدراك كوني مؤثر فإنه سيكون بالإمكان قياسه بأجهزة إلكترونية، وهذا تحدّ كبير جداً، إذ كيف يُمكن للإكترونيات أن تقيس شعور الإنسان أو الإدراك الكوني! بأختصار وُجد فعلاً إنه توجد إلكترونيات تتأثر بهذا الوعي البشري. وقد صُنع 40 جهازاً، ووضعت هذه الاجهزة في قارات العالم المُختلفة ورُبطت جميعها بحاسوب آلي كبير في جامعة برنستن، وقد كانت التوقعات تُشير الى ان أفضل وقت لقراءة أية تغييرات في الوعي البشري في العالم بواسطة هذه الأجهزة، سيكون في مناسبة الدخول الى الألفية الثالثة، وفعلاً قرأتْ أجهزة التحسس هذا التحول في الإنفعال لدى العالم، كما إنها سجلت كل التحولات الشعورية في العالم في الحوداث المفرحة او المحزنة التي حصلت في العالم. حتى العلماء لم يفهموا لماذا تحدث هذه التغييرات رغم إن القراءات كانت واضحة، وهذه الأجهزة ما زالت تعمل الى حد الآن. المُفاجأة التي لم يتوقعها العلماء حدثت نهاية يوم 9-9-2001 ، ففي هذا اليوم و في اليوم الذي يليه سجّلت هذه الأجهزة قراءات قوية جداً، تبين بشكل واضح ان شعوراً عالمياًَ واضحاً بشئ ما سيحدث، ولكن لم يحدث حتى يوم 11-9-2001 عندما تم ضرب برج التجارة و البنتاكون وغيرها بالطائرات في الحادثة التي أصبحت تُعرف عالمياً بـ 11 سبتمبر، وفي يوم12-9-2001 إنخفضت عملية تسجيل الأجهزة الى حدها الإعتيادي، هذا يكشف بشكل واضح إمكانية الشعور أو الوعي البشري، وإدراك الشيء قبل وقوعه و بشكل غير مفهوم، وكذلك إجراء التغيير في الناس .
  الآن أرجع الى أستشهاد المطران رحو لأقول، إنه منذ يوم الجمعة 29-2-2008 وهو اليوم الذي تم فيه إختطاف المطران رحو و إستشهاد رفاقه، ساهم الكثيرون في الصلاة من أجله،ولكن ذروة الوعي الجمعي المؤثر أو الشعور الجمعي الذي يؤثر في المجتمع و بنسبة تفوق كثيراً الجذر التربيعي لـ (1% ) من المجموع السكاني، حدثت يوم الاحد 9-3-2008 ، وساهمت في إحداثه النفوس التي صَلّت في أكثر دول العالم من أجل إطلاق سراح المطران، و مع هذا فإن التغيير الإيجابي لم يحدث ولم يُطلق الشهيد المطران رحو، اذن الموقف لم يحتمل الا تفسيراً واحداً -على الاقل لدي- وهو إن المطران قد إستشهد، مع إني رفضت هذا الإستنتاج في داخلي وصليت من أجل أن لا يتحقق وعللتُ نفسي احياناً بأن التجارب قد تكون خاطئة، أو على الأقل لا ينبغي أن يكون الشخص أحادياً في فهم الأمور وغيرها الكثير، ولكن مع الاسف النتيجة أثبتت ما فكرتُ فيه بموجب هذه الدراسات... كما اود ان اشير ايضا الى ان المعلومات عن هذه التجارب استقيتها من كتاب صوتي، صدر بالإنكليزية مؤخرا في أمريكا للعالم كريك برادن إسمه ( التحدث بلغة الله المفقودة).
  رحمك الله سيدنا رحو، نرجو أن تُصلي من أجلنا جميعاً، فقد كتبتَ بدمك ما لا نستطيع أبداً التعبير عنه بحبر أقلامنا.


20
مذكرات الكهف الأحمر

إدمون لاسو
edmonlassau@yahoo.com


في عام 2006 وفي الذكرى العاشرة لرحيل القائد الميداني والسياسي توما توماس (1924-1996) نشر موقع (الناس) الالكتروني al-nnas.com في الدنمارك والذي يديره ختنه السيد يونس رمو، 41 حلقة من (أوراق توما توماس) على أمل نشر بقية أوراقه ورسائله المتناثرة هنا وهناك لاحقاً.
وهذه الأوراق هي عبارة عن مذكرات سياسية تناول فيها المرحوم توما توماس ككا، حياته الشخصية وكيفية انخراطه في الحزب الشيوعي العراقي، ثم تجربته الميدانية في خلايا الأنصار وغيرها من الأمور والأحداث التي رافقت تجربته القتالية والحزبية في شمال الوطن.
وبغض النظر عن اتفاق هذا الطرف أو ذاك مع صاحب المذكرات، أو اختلافه معه فكرياً أو سياسياً، وبغض النظر عن ملاحظاتنا الشخصية في عدم دقة هذه الحادثة أو تلك تاريخياً، فإن المذكرات عموماً تشكل مادة غنية هي نضح الواقع الميداني، والرشح النضالي، بحيث لا يمكن للسياسي المهتم ، أو المؤرخ المتابع، أن يمر بها مر الكرام، أو يتجاوزها دون أن يتوقف عندها محللاً أو مجادلاً، أو متفاعلاً مع وقائعها بهذا الشكل أو ذاك.
لذلك أرى جمع هذه الأوراق والرسائل ونشرها في كتاب مستقل تحت عنوان (مذكرات الكهف الأحمر) بقلم (توما توماس)، لسبب القصة التالية، ذات الدلالة اللطيفة والطريفة، التي سأرويها لكم، ولأسباب أخرى ثانوية سنأتي على ذكرها أيضا.
حيث حدثني السيد فرج ابلحد سرسمو (تولد ألقوش 1933) انه عند حصول معركة الدواسنة (اليزيديين) في 9 نيسان 1969 وكان في حينها يعيش في بغداد، تناخى مع نفر من زملائه وذهبوا إلى البطريرك بولس شيخو (1906-1988) ليتداولوا معه أمر الهجمة اليزيدية على ألقوش ، ويستطلعوا رأيه في الموضوع، فقال لهم: لماذا انتم خائفون وقلقون، أليس عندكم الكهف الأحمر (كهفا سموقا)؟ ويستطرد السيد فرج سرسمو قائلاً: لقد فسرنا ما قصده البطريرك شيخو بالكهف الأحمر بـ (توما توماس) و لا ريب!
و (الكهف الأحمر) لمن لا يعرف منطقة ألقوش، هو عبارة عن كهف صخري واسع مقعر في نصفه الشمالي، احمر اللون، يقع في كلي دير الربان هرمز على يمين الطريق الصاعد إلى الدير، يبلغ طوله نحو 75 م وارتفاعه نحو 15 م، وعمقه من 1-5 أمتار.
وفعلاً كان القائد توما توماس هو من أنقذ ألقوش من تلك الهجمة الرعناء، عندما قدم وأزلامه من وراء الجبل وانذر المهاجمين الذين احتلوا مركز الشرطة بالتواطؤ مع الجيش والسلطة المحلية، تمهيداً لاقتحام ألقوش ، انذرهم بوخيم العواقب إن لم ينسحبوا ويتركوا البلدة سالمة، وفعلاً خرجوا منها خائبين، وتنفس الناس الصعداء بعد ثلاثة أيام من المحنة والضيق، راح ضحيتها احد الألاقشة الأبرياء هو الراعي السيد عبد المسيح عوصجي.
وهكذا ترى عزيزي القارئ إن الذي حداني ويحدوني إلى اقتراح هذا الاسم على تلك المذكرات، هو تطابق الصفة مع الموصوف تماماً. ليس لسبب تلك القصة الحقيقية فحسب مع أهميتها وأهمية الكهف الأحمر كرمز اثري ديني في ألقوش، وإنما أيضا لكون صاحب المذكرات ينتمي إلى حزب رمزه اللوني هو الأحمر، بالإضافة إلى إن بشرة الفقيد نفسه كانت حمراء اللون.
فما أغناه من عنوان، وما أغناها من مذكرات!!








صفحات: [1]