عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - ماهر طلبه

صفحات: [1]
1
أدب / مارد.. قصة قصيرة
« في: 11:11 05/09/2023  »
مارد.. قصة قصيرة
قيل لأعرابى : هل تعرف ما الموت؟.
قال : لا.
قيل له : هو شئ عكس الحياة.
ويحكى أن غنيا (غير الله)، كان يملك القصور والأراضى والنفوس.. كان يبنى ويهدم، كان يزرع ويحصد، وكان يحيى ويميت..
قيل له : فأتِ بالشمس من المغرب.
وكان يعرف أنه إن فعل ستكون القيامة، ويَضِيع القصر والأرض والمُلك والناس.. فرفض وأعلن العصيان، وتحصن بالناس فى قصره وأرضه وملكه.. فحفظت له الشمس هذا الجميل، وتركت ذكرى هذا الرفض مُعلقا فى ذيلها، يتذكره الناس – الثائرون- كلما خرجت الشمس من المشرق.
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com


2
أدب / جريمة قصة قصة قصيرة
« في: 11:15 15/06/2023  »

جريمة قصة
قصة قصيرة

ماهر طلبه

فى حادث غامض مات البطل، لم ينتبه المؤلف فى البداية إلى حالة الوفاة، فقط أمام بطء الأحداث وتوقف زمن القص والسكون التام الذى سيطر على القصة،  راجع المؤلف ما كتبه، فاصطدم أثناء المراجعة فجأة بجثة ملقاة على الأرض، لم تكن مغطاة أو مدفونة مما يؤكد أن الجانى لا يريد إخفاء جريمته، ولم يكن سلاح الجريمة ظاهرا أو موجودا مما ينفى فرضية الانتحار من البداية.. الدماء التى تركت الجثة كانت تغطى مساحة ليست بالصغيرة من القصة، حتى أن يد المؤلف كانت تقطر دما حين رفعها عن الورقة.
وقف المؤلف مذهولا فى بداية الأمر، لكنه وكمؤلف ملتزم بكل خصائص السرد الواقعى وقواعده، اضطر إلى استعمال التليفون والاتصال بالشرطة للإبلاغ عن الجريمة والجثة، سارعت الشرطة بالحضور، وأيضا كشرطة تعرف دورها وتعمل على حفظ الأمن ومنع الجريمة حتى داخل قصة قصيرة، بدأت فحص القصة من بدايتها.. كان العنوان مريب لكن الأحداث تبدو عادية من الوهلة الأولى.. موظف صغير متزوج من سيدة لا تعمل، لم يهتم المؤلف بها فلم يرسم لها صورة أو يظهرها فى قصته حتى ولو ككمبارس صامت، يسكن شقة من حجرتين وصالة، ترك الزمن بصماته القاتمة على كل ما بها.. جدران، سقف، أثاث.. حتى بلاط الأرضية لم يسلم من ضربات الزمن التى حطمت بعضه وتركت على ما بقى منه علامات سوداء..
لم يكن هناك أعداء واضحون فى السرد رغم أنه يبدو – بقراءة ما بين السطور – أن المؤلف منذ البداية لا يحبه، فقد حبسه فى سجن العادات والتقاليد.. صلاة الجمعة فى المسجد القريب من بيته الروتين والفرض الذى يجب أن يتم، العودة والجلوس أمام التلفاز لمشاهدة الشيخ الشعراوى والتثاؤب المستمر، تناول الغذاء فى موعد مبكر – لم تظهر القصة من أعده ولا من يتناوله معه استمرارا لحالة التهميش – عن المعتاد فهذا يوم الإجازة، ثم العودة للتلفاز وأكواب الشاى السوداء المتعددة – هنا أيضا لم تظهر من أعدت وجهزت وأحضرت- والتثاؤب حتى ميعاد النوم، الذهاب إلى العمل طوال أيام الأسبوع حيث يتحرك الملل والكأبة والضغائن الصغيرة فى شكل أوراق وأشخاص..
كان انسانا عاديا، يتلبسه الفقر منذ اليوم السابع بعد قبض المرتب، لا يملك ما يجعل منه محلا للحسد أو الحقد، ولا يحتل منصبا يجعله مطمعا للأخرين أو خصما لهم يستحق القتل.. لم يمارس أى نشاط يثير الشك أو يخلق العداء - للأمن وحراسه-  تأكد من هذا ضابط الشرطة.
لم يفهم الضابط الذى يقوم بالتحريات.. لماذا وأنا أملك القدرة على الخلق لا أحقق طموحى الذاتى؟!.. لماذا لا أخلق المناصب العالية والسيارات الفارهة والقصور التى تحيط بها الحدائق والأشجار والأسوار، تحرسها الكلاب - من كل نوع-  من كل جانب؟!..  لماذا أخلق شخصية عادية يسعى يومه للحصول على طعام بينما يمكننى أن امد مطبخى بالخدم وأصناف الطعام التى نراها على موائد الأسياد واللئام؟!!.
توقف وكيل النيابة أمام هذه الجزئية باستغراب.. "لماذا يكون مثله بطلا لقصة؟!.. لابد أن المؤلف يخفى شيئا ما فى داخله.. ربما يكون هذا نوعا من المرض النفسى".. من هنا تحرك شك وكيل النيابة – الذى تدعمه تحريات ضابط المباحث وشكوكه- نحو المؤلف.. خاصة أنه لم يكن هناك فى الأساس أى شخصية أخرى بجانب البطل.. اختار المؤلف منذ البداية آدم دون حواء.. شخصا واحدا فى قصة عادية، وقد أحاط قصته منذ البداية بحائط - من الكلمات والنقاط- لم يجد وكيل النيابة ثغرة به  يمكن لأحد آخر أن يتسلقه أو يتسلل من خلاله ليدخل القصة، ويقوم بعملية القتل مع انتفاء الهدف والسبب.. لذلك وفى نهاية يوم طويل اضطر وكيل النيابة إلى الأمر بالتحفظ على المؤلف – ذلك القرار الذى أدخل السعادة إلى قلب الضابط – وتشميع القصة بالشمع الأحمر والتحفظ عليها لحين انتهاء التحقيقات.

mahertolba@yahoo.com

3
أدب / عبودية – قصتان قصيرتان
« في: 19:53 24/11/2022  »
عبودية – قصتان قصيرتان
عبودية
قيل فى الأثر.. أن رجلا أعمى سُئل يوما.. أين الطريق؟.. فأشار إلى قلبه، وصمت.
ويحكى.. أن فارسا عربيا قديما، خطفت محبوبته من قبل جيش من العبيد –فى زمن غَلَبَ فيه العبيد- فتخفى فى صورة عبد "أبق"، وسار فى البلدان والأمصار يسأل ويتلصص، حتى علم أنها فى حصة قائدهم، فسأل عن بيته أو خيمته واهتدى إليه، وطلب أن يبارزه رجل لرجل – فى زمن قَلّت فيه الرجولة والرجال-، لكنه – خدعة التاريخ- هزم ووقع فى الأسر، ومازال حتى الآن يخدم فى بيت محبوبته أو خيمتها.. حيث عليه أن يملأ لها الحمام بالماء الساخن كل صباح لتتخلص من أثر اشتباك كل ليلٍ.

سيرة قبيلة
قيل فى الأثر.. أن الندل إذا شبع أكل – حتى- قلب حبيبته.
ويحكى .. أن أبناء يعقوب، كان منهم النبى، والمخادع، والقاتل، والكاذب، والندل، ..... إلى إحدى عشرة من الصفات.. حتى أن إسرائيل كان حين يريد الخداع، يرسل المخادع.. وحين يريد القتل، يرسل القاتل.. وحين يريد أن تستمر حياة القبيلة أو يشتريها، يرسل الكاذب.. لكنه لم يستعمل أبدا النبى –لذلك سافر إلى مصر فوجد هناك رغد العيش وفرصة العمل- ولم يستغن أبدا عن الندل.

ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com


4
نهار / محاولة للتفسير
قصة قصيرة
نهار غريب.. صحيت أنا م النوم  لقيته واقف فى البلكونة على السور بيضحك.. مرات قليلة قوى، يمكن مرتين أو ثلاثة إللى قابلت فيها نهار بيضحك.. "مرة لما عيسى قدر يهرب م اليهود وطلع لفوق،  ومرة لما قابلت البنت إللى حَاوَلت تعدل حياتى وانتحرت لما فشلت،  والمرة الثالثة.. مش فاكر، بدأت أنسى حتى حالات النهار المضحكة..  " أغلب نهاراتى راسمة على وشها بألوان باهتة رسم غريب..  يمكن حزن، يمكن أسى، يمكن حيرة، بل حتى يمكن غيظ من إللى بيحصل حوالينا ومش قادرين نغيره.. . كنت بقعد طول النهار- لحد ما الليل يشوف تعبى وحيرتى فاصعب عليه ويقول لى قوم نام - أحاول أعرف أيه المرسوم دا.. وبالليل أحلم وأحلم وأحلم.. يمكن ساعات أقدر أدْخُل حلم سعيد وأضحك، ويمكن ساعات ماقدرش أَدخّل الضحكة بقى فافضل طول الليل مكشر.. رميت البطانية بسرعة، وقمت أسحب أحاول أمسكه قبل ما يطير أو يقع فى الشارع، لكن لما قربت منه لقيت حواليه بركة ميه.. ماكانش بيضحك.. لكن كان راسم نفس الرسم المحير على وشه.. أنا رجعت براحة، وقعدت على طرف  السرير، وجبت الورقة والقلم، وبدأت أكتب علشان أقدر أفسر حالة النهار.
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com




5
أدب / الرجل والحب – قصة قصيرة
« في: 18:25 15/09/2022  »
الرجل والحب – قصة قصيرة
قيل فى الآثر : " يظل الرجل الرجل حتى يقابل المرآة المرآة  ويحبها .. "
ويحكى أن عنترة اصطدم يوما بحائط اليأس من وصل عبلة، فأخذ سيفه وفرسه وحزنه وأسرع فى الصحراء، لم يُعدّ النُهُر التى ظهر فى نهايتها القمر، ولا الليالى التى غابت فى بدايتها الشمس.. لكنه فجأة استشعر الجوع والعطش لجسد عبلة وقلبها، فنزل عن فرسه وألقى بسيفه على الأرض وبكى كما لم يبكِ يوما رجل، أو كما لم يبكِ يوما فارس، حتى توقف مطر قلبه وجفت عيونه، فصحب حزنه وعاد إلى خيام القبيلة فارسا من جديد
لكن التاريخ يحفظ لنا – فى قلب الصحراء ورمالها- ذكرى ذاك اليوم البعيد.. عين ماء صافية رائقة كأنها عين من عيون الجنة.. كلما نزل عليها مسافر - أو مر بالقرب منها - اشتاق وحن حتى يتشقق قلبه ولو لم يكن محبا أو صاحب طريق.
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com


6
أدب / فروسية قصة قصيرة
« في: 14:02 06/08/2022  »

فروسية
 

قصة قصيرة
ماهر طلبة

لم يسبق لى أن امتطيت خيلا ولا تعلمت الفروسية، ولا رأيت فارسا فى الحقيقة رغم مقابلتى لكثير من الخيول بحكم تواجد الخيل فى الشوارع والأزقة مصاحبة لعربات الكارو والحنطور فى بعض الأحيان، لكننى كنت دائما كلما وجدت "أحمد مظهر" فوق حصانه يسابق الريح ويعبر فوق الحواجز كالطيور فى أفلامه أشاركه التجوال والمصاحبة فى مغامراته وقفز الحواجز.. وأتذكر أنى ربما فى مرة أو أكثر قد هزمته وعبرت حواجز وعقبات أكبر مما واجهته وتواجهنى.. إحداها كانت "إنجى"* - التى تبحث دائما عن فارس-   تشاهد من شرفتها  المطلة على حلبة السباق المنافسة.. وربما كان هذا هو الحافز الأساسى لى كى أحقق نصرى.
لكن "إنجى" - والتى تبحث دائما عن فارس- فى النهاية اختارت "على"* وظللت أنا و"أحمد مظهر" فى سباق إلى يوم الدين.
أقول هذا لأنى هذا الصباح – دون سبب واضح – ذهبت إلى نادى الفروسية.. كانت الخيل تتريض فى المضمار، تسير الهوينا.. اقتربت وملستوا بيدى فوق جسد إحدها، حتى رق ولان لى، لكنى لم أملك الحق ولا الشجاعة للصعود فوق ظهره، لكنها هى "إنجى" أمتطته دون سرج، أخذت تعدو به حتى كادت أن  تلمس السماء وعادت من جديد إلى نقطة إلتقائنا دون أن تشير لى أو تنتبه لوجودى فقد كان "على" مازال فى خلفية الحلم يحجب عن "إنجى" الرؤيا.. برغم فشله الدائم فى تحقيق أى حلم لها.


*على وإنجى شخصيات فيلم رد قلبى

7
أدب / أغنية طائر
« في: 21:11 16/12/2021  »
أغنية طائر

عرض عليه بائع العصافير عصفورا صغيرا، كان يردد – بشكل دائم-  أغنية وحيدة مليئة بالنشاز، تتحدث عن طائر غادر عشه ذات صباح على أن  يعود لعشه - كما هى عادته - فى نهاية اليوم.. لكنه لم يعد.. انتظره فى العش – أياما كثيرة-  عصفور صغير كان مايزال بيضة حين فارقه ولم يعد.. لذلك خرج من البيضة ولم يجد من يردد على مسامعه أغانى العصافير الصغيرة، ليحفظها بدوره ويرددها ككل عصافير الغابة.. فتعود أن يسمع أصوات الطبيعة ويقلدها.. فجعل نفسه رعدا، وهسيس ريح، وخرير ماء، ونقيق ضفدع وعواء ذئب ونقرات مطر على أوراق شجر... حتى ملت الطيور أفعاله وأصواته فطردته حتى أخر حدود الدنيا/ الغابة، وهناك عاش وحيدا يردد أغنيته الوحيدة الحزينة عن الطائر الذى خرج.. حتى ألقته الأيام فى شبكة الصياد، فأتى به – لبائع العصافير- فى قفص حديد ليزيد لحنه حزنا يتشربه السامعين رغم النشاز.

ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com

http://mahertolba62.blogspot.com


8
المنبر الحر / ولا هُم يحزنون
« في: 21:10 23/09/2021  »
ولا هُم يحزنون
وكان .. أن الرجل الطيب أخذ المرأة الطيبة وذهبا لزيارة أولياء الله الصالحين، لعلهم يحققون لهما حلم العمر.. الطفل الذي يحمل اسم الأب، ويحمى الأم من غدر الزمان.. ملسا، وبكيا ودَعَوا.. ونذرا كل ما فى أيديهم من أجل أولياء الله الصالحين ومن يقف خلفهم إن تحقق حلمهما.. ورغم أن ما في اليد لم يكن كثيرا.. لكن الأمل في الطمع والرغبات الدفينة جعلت أملهما كبيرا فى تحقيق حلمهما..
في نهاية اليوم.. أمسك الرجل الطيب بالمرأة الطيبة من يدها ودعاها إلى عبور الطريق في بداية رحلة العودة للبيت.. السيارات المسرعة لم تسمع نذرهما.. لم تحلم حلمهما.. لم تر الدموع والدعوات.. لذلك لم تتوقف طويلا أمام جثة الرجل الطيب التي ارتفعت إلى السماء ثم ارتطمت بالأرض كمثل كل الطيبين في رحلة العودة.. أما المرأة الطيبة فمازال الشهيق والزفير يخرج من صدرها مصحوبا بقطرات الدم.. 
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com


9
أدب / تفاصيل غير مهمة
« في: 19:38 03/01/2021  »


تفاصيل غير مهمة  - قصص قصيرة جدا

احمد ماهر طلبة

مقدمة تاريخية
الصالة التى كانت تزهو بالألوان صارت قاتمة، والساعة التى كانت تملأ البيت حركة وضوضاء ماتت ودفنت على الجدار.. كل شئ أصابته القتامة.. حتى هو الذى اعتاد أن يفتح شباكه كل صباح لتدخل إليه حرارة الشمس وأنغام الطيور ونسمات الهواء المغمسة بالندى.. انعكست فجأة صورته على مرآته، ثم على حائطه والأثاث شبحا لشيخ  مهدم.. فصار غير قادر على الحركة وسط هذا الزحام الخانق من الصور والتزم الفراش.   

تفاصيل غير مهمة
دخل الرجل يوما الغابة.. فشاهد الأسد أسدا، وشاهد الفأر فأرا.. رغم أنه فى الحالتين كان يقف أمام المرآة.

شمس  جديدة
يوما..  أرادت أن تسبق النهار، فخرجت إلى الدنيا عارية..
قالت أمها يومها.. أن السماء قد شقها ضوؤها فصارت طريقا منبسطا لعبور دعوات الأهل والأصدقاء، وأن الأرض قد زلزلت فانهارت جبال من الحزن كانت فى داخل أبيها.. أما هى – أمها- فالدهشة التى تملكتها – لحظة الميلاد وعند الرؤية- منعت صراخات الميلاد، فظلت داخلها حبيسة طوال عمرها، تُخرجها أنغاما مع كل موقف تخشى عليها فيه من غدر الزمن والصحاب.

سبب كافى
لأنى أحب أحلامى –الكبيرة- كثيرا، أنام عميقا.. حتى أن أمى قالت أنى لم استيقظ حين ولدت فاضطر الطبيب إلى قلبى رأسا على عقب وضربى بكف يده الغليطة على ...

خبيئة
فى محاولة منها لاقناعه أنه حبها الأول والأخير.. اخرجت أمامه قلبها وفتحته ليفتش داخله بنفسه...  كان القلب خاليا بالفعل، لكنه لاحظ آثار أقدام تذهب به إلى الطرف القصى فى قلبها.. هناك.. اكتشف سردابا صغيرا.. قاده إلى حجرة صغيرة مخبئة جيدا فى الرئة، حيث يخرج منها النّفَسُ الذى يجعل القلب ينبض. 

أثر حادث أليم
فى اللحظات القليلة التى كان يستفيق فيها من غيبوبته، كان يراها هناك فى أخر الحجرة -فى ركنها الضيق- مستندة على الحائط برأسها تبكى "قلقا عليه"، فيشير إليها أن تقترب.. "ولم تقترب" .. ويشير إليها أن تتوقف عن البكاء.. "ولم تتوقف عن البكاء".. فيشير إلى أقرب الواقفين حول سريره طالبا منه أن يأتى بها، أن يمنع دموعها.. لكن الآخرين ما كانوا ليروها فى قبرها الضيق.

المجهول
مطر الشارع يعرفنى، أنا الرجل الجالس على ناصية الشارع، احتل الرصيف المواجه لمحل الموبيليا  الشهير الذى تأتيه دائما العربات الفارهة، تختار الأثاث المناسب للقصور التى يسكنونها...  يتركون يدى المعلقة فى الهواء فارغة، بينما تمتلئ عربات النقل خلفهم بالأثاث. 

حالة أرق
حين فتحت صندوق أحلامها ووجدته فارغا تملكها القلق، طار النوم من عينيها، حط على الشجرة المقابلة لبيتها وسكن هناك، فظلت الليالى الطوال تراقبه من نافذة حجرة نومها – لعله يطير عائدا لعشه – دون أن يغمض لها جفن.
غسل عار
حين تعرت أمام المرآة، ندهت لها أباها، فى البداية كان شعاع ضوء مغمس بالدم فقط هو من نقل الخبر، لكن بعد قليل توصل التراب إلى الحقيقة، هنا تسكن جثتها، ثم نقلت الخبر ديدان الأرض إلى فئران الغيط حتى وصل إلى الصحف المسائية -خبز طازج- مانشتات باللون الأحمر مع إغلاق القضية دون متهم أو جناة.
عقوق
لإنها مسمعتش كلام أمها من صغرها، واتعودت ترمى كل أحلامها الكبيرة والقديمة من دولابها، صابها الخرس لما قابلته، انسحبت لأوضتها ساكتة.. فتحت دولابها تدور عليه فى أحلامها  المتعلقة، ملقتهوش ولا لقت قصة حبهم، اللى كانت متأكدة إنها عاشتها فى حلم قديم زى فيلم سيما أبيض وأسود.
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com

10
المنبر الحر / سيدة تشعل حريقا
« في: 10:19 26/07/2019  »


دخلت سيدة مسرعة إلى المطبخ، ترتدى قميص نوم أزرق بالكاد يغطى أعلى فخذيها.. اخرجت طبق لحم من الثلاجة.. غسلتها بماء فاتر، ثم ألقتها فى حلة وأشعلت عليها البوتاجاز، مدت يدها لسبت البصل وانتقت بصلة كبيرة، نزعت عنها القشرة وغسلتها، ثم قطعتها حلقات وعرت حلة اللحمة، مررت بداخلها المعلقة مقلبة إياها، ثم القت بالبصلة عليها وغطتها من جديد..

رفع الأستاذ سيد يده عن الورقة، ترك القلم، خلع نظارته، ثم ترك جسمه يتحرك كيفما شاء.. أغلق عيناه لثوانى ثم فتحهما وعاد للورق..

أعطت للبوتاجاز ظهرها وبدأت فى تنظيف الخضار وتجهيزه وهى تدندن مع صوت  نجاة الصغيرة يأتى عبر نافذة المطبخ وحيدة منسية من يومى منسية.. استدارت إلى حلة اللحمة، رفعت عنها الغطاء، أدارت بها المعلقة، ثم غطتها من جديد بعد إضافة الفلفل الأسود والقليل من المياه إليها وعادت للخضار والغناء.

طفل سيدة ربط على ساقها وأشار لها فى إتجاه الصالة.. سيدة المتعجلة لم تهتم، لكن الإلحاح الطفولى أجبرها على ترك ما فى يدها والذهاب فى أثره..

توقف الأستاذ سيد عن الكتابة وأمسك الورقة ليراجع الجزء الأخير من قصته، وشعر بأن شيئا ما فى هذا الجزء يدعو للقلق.. أشعل سيجارة  وسحب نفسا عميقا منها وترك للدخان الزمن الكافى كى يصل إلى أبعد جزء من رئته قبل أن يطرده خارجها.

فى الصالة، كانت القطة الفزعة تقف فى المنتصف مهددة من يقترب.. سيدة أصابها الفزع.. "من ترك الباب مفتوحا لتدخل؟!!".. سيدة أسرعت للمطبخ وأحضرت المقشة، فتحت باب الشقة واستعدت للمعركة القادمة.

أمام هذا الجزء المشتعل من القصة، ترك الأستاذ سيد الورقة والقلم وذهب إلى المطبخ ليعد فنجان قهوة  فى محاولة منه لتجديد نشاطه وإعادة ترتيب أفكاره.. تذكر أن سيدة  تركت الحلة على النار وأنه ربما يكون هذا ما سبّب له القلق وجعله يتوقف، فإنتهى بسرعة من إعداد فنجان القهوة وخرج مسرعا لعله يستطيع تنبيه سيدة إلى حلتها المشتعلة تحتها النار.

حين عاد الأستاذ سيد إلى الورق كانت صالة سيدة قد تحولت إلى ساحة معركة حقيقية.. فالقطة هربت واختبأت تحت الكنبة، رفعت سيدة بياضة الكنبة وانحنت  للبحث عنها

(حين انحنت سيدة اكتشف الأستاذ سيد لأول مرة أن معه فى الحجرة أنثى، الأستاذ سيد لم يعرف الأنثى إلا خلسة أو من خلف حجاب، لكنه والآن فقط يرى الأنثى كما لم يرها من قبل...).

شعر الأستاذ سيد أن ماء باردا يتسرب عبر مسام جلده كله، أن جسده يكاد يشتعل وأن أنفاسه تهرب منه..  فأخرج منديلا ومسح وجهه

نجحت سيدة فى أخرج القطة من بين الكراكيب المخزنة تحت الكنبة، لكن القطة أسرعت بالانتقال أسفل قطعة، فقطعة، فقطعة أخرى من الأثاث.. وسيدة فى أثرها.. تَرفع هنا وتُحرك هنا...

توقف الأستاذ سيد وأعاد مسح وجهه بالمنديل وشفط من فنجان قهوته شفطة لعله يستعيد أنفاسه وأفكاره التى تهرب منه.. (يجب أن تتوقف سيدة عن الإنحناء).

"كيف تَخْرُجُ القطة من البيت؟!!.. سيدة بمفردها، الصالة ممتلئة بالأثاث.. وتحت كل قطعة منْه علب وكراتين وكراكيب لا تحصى..  يجب أن يتوافر عنصر أخر.. لكن زوج سيدة لم يعد بعد من العمل، وطفل سيدة اعتبر ما يحدث لعبة يشارك فيها بالضحك فقط "..

نظرت سيدة تجاه الصغير الذى يضحك واحتارت هل تغضب منه أم أن الموقف فعلا يستحق أن نضحك له..   "والجيران غرباء غير مصرح لها بادخالهم الشقة.. ثم إنى لم أتعرف بعد على جيران سيدة مما يجعل من ادخال أحدهم كمنقذ لها خطأ بيّن فى البناء القصصى.. يجب أن يكون هناك حل،  استراتيجية لطرد القطة  للخروج من هذا المشهد العبثى والعودة من جديد إلى مجرى الأحداث الطبيعية، حيث المطبخ والبوتاجاز والحلة وسيدة المتعجلة لإنهاء الطعام"..

عند هذه المرحلة... توقفت سيدة مرهقة.. رفعت طرف قميصها ومسحت به وجهها....

(مرة أخرى يصطدم الأستاذ سيد بحقيقة الأنثى التى لم يراها من قبل، البياض المشرب بالحَمَار.. يشد منديله من جيبه، ويمسح حبات العرق المتسرب ويدير وجهه عن الصورة التى تقتله ويحاول أن ينشغل بالورق)

رغم تعب سيدة وارهاقها ويأسها من نجاح محاولة طرد القطة كلما طال الوقت إلا أنها تلمح السعادة على وجه الصغير فتشاركه اللعب كلما اقتربت منه.. أنزلت مخدات الكنب ومسانده  على الأرض لتصنع منها حواجز تعوق حركة القطة  وتحدد لها مسارا باتجاه الباب المفتوح، لعلها تجبرها على الخروج من الشقة.

وصل إلى أنفه رائحة لحم يحترق.. انحنت سيدة تضع المسند الأخير ..إنْتَبَهَ.."سيدة  تشعل البيت دون أن تنتبه" ..

 سيدة منهمكة تماما فى المطاردة.. حتى أن سحابة الدخان الأسود التى كادت أن تصطدم برأسها لم تلفت نظرها، ورائحة الشواء التى عبرت أمامها وأعاقت حركتها فاضطرتها إلى القفز من فوقها لم توقفها

ترك الأستاذ سيد الورقة والقلم وإتجه إلى النافذة، فتحها لعل أحدا من المارة يشم رائحة اللحم المحترق أو يلمح سحابة الدخان المتسللة عبر المطبخ والتى بدأت فى التكاثر، وهو يفكر فى مأزقه ومأزق سيدة التى تصنع حريقا وتفقد الغداء... سحب نفسا من الهواء النقى وفكر .. "يجب أن ينبهها أحد ولو مارٍ بالصدفة من أمام النافذة المفتوحة الآن.. يجب أن تتوقف عن الانحناء".. قال وأخرج رأسه من النافذة - يطرد الصورة المتجسدة أمامه.

ماهر طلبه

mahertolba@yahoo.com

 

11
أدب / حديث الليل
« في: 10:25 30/05/2019  »

حديث الليل

ماهر طلبة

 - فمن هى؟!.. ومن هو؟!.. ولم اجتمعا فى هذا الليل يا شهرزاد؟.
-  إنهما أنا وأنتَ.
-  أنا وأنتِ.. كيف؟!.
-  لقد عبرنا باب الحكايات فصرت أنا هى وأنتَ هو.. هل تذكر  يا مولاى حديث الليل.
-  ماذا به يا شهرزاد؟!.
-  يومها دخلت حكاياتى.. صرت جزءا منها، تُحْدث ويَحْدُث لك، لكنك لم تر يا مولاى بسبب هذه الأسوار، لذلك حين دخلت السرداب وعبرت وجدتنى يا مولاى على صورتى تلك، ووجدتك يا مولاى كما فى صورتى هذه .
-  ما أصعبك على الفهم اليوم يا شهرزاد.. لكن ليكن.. أنا وأنتِ..  فلم الليل يا شهرزاد؟!.
-  لأنك مازلت فى القصر يا مولاى،  انظر إلى خارج أسوار الحديقة، هل ترى الشعاع الذى يندفع خارجها؟.. إنه الحياة يا مولاى.. هل تفعل؟.
-  أين مسرور؟.. أين مسرور؟.
-  أمر مولاى.
- هل ترى يا مولاى، ها هو مسرور مختبئ خلف الشجرة، حتى فى حلمك مسرور خلف الشجرة يحمل سيفا، قل لى يا مولاى.. ألم تسمع قصتى بعد؟.. ألم ترددها عليك جدران القصر؟..
(كنت سيدة فى قصر.. يوما ما دخل إلى القصر تاجر غريب يحمل سلة صغيرة.. تفاحة صغيرة أهداها لى.. "قطمة" صغيرة وغياب كبير.. حملنى فى سلته ووضعنى فوق عربة اليد وهتف فى الأسواق.. من يشترى هذه بتلك؟ وأشار إلى كيس نقوده.. وباعنى. اشترانى هو.. كم دفع ليس يهم، لكنه وضعنى فوق سرير رمادى اللون فى قصر خالى من الحياة وسألنى أن أحكى أو أفقد الرأس..).. فماذا أفعل يا مولاى؟ ماذا أقول؟!!.. أحكى؟.. إذن فاسمع يا مولاى.. كانت تحبه قبل أن تراه ولم يحبها حتى رأها، زرعا شجرة فى وسط أرض جرداء وانتظرا الصيف يليه شتاءا حتى جاء الربيع.. ماذا فى ربيعك يا مولاى؟.. هذا ابنى الأول منك.. هل تذكره؟..
(كان مسرور يراقب )
- كفِ عن المراوغة.. لما اجتمعا يا شهرزاد؟!.
- للحب يا مولاى.
- فى خارج القصر؟!
- هل ترى فى داخل القصر حبا يا مولاى ..هل وَلَدَتْ القصور حبا من قبل.
توجد إشارات غامضة فى القصة على أن سيفا ما كان يتحرك فى عشوائية مخططة مقتربا من رقبة فوقها رأس به فم ينطق.. فلأصحو...
كوكو كوكو ...
مولاى...
 فإلى يوم آخر يا شهرزاد .

ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com/



12
أدب / ليلة خميس- قصة قصيرة
« في: 17:58 26/01/2019  »


ليلة خميس- قصة قصيرة

ماهر طلبة

عكس ما هو متوقع، دخل من باب شقته، ليجد الصمت مركونا إلى جانب الحائط، نظيفا تماما – مثل كل البيت-  كأنه قد خرج من علبته الآن فقط، كسره بأن رمى صوته فى الشقة باسمها، استعاد الصمت رونقه وأينع ، انتابه يأس وحيرة، وسقطت كل خيالات اليوم من رأسه..  الشموع الموقدة، التورتة المحتلة منتصف الطاولة، هى فى قميص نومها الجديد الذى اشتراه لها ومازال لم يغادر حقيبته بعد.. وضع البطيخة التى يحملها على الطاولة الفارغة واتجه إلى حجرة نومها.. طرق الباب وانتظر.. عندما لم يتلقَ ردا،  فتح الباب بهدوء ونظر.. كانت الحجرة مرتبة كما يراها كل يوم لم يتغير بها شئ.. اغلقها ودار على باقى حجرات البيت.. لم يجدها.. عند حجرة نومه المفتوحة الباب دخل وتوقف بحثه.. تخلص من بنطاله وقميصه وارتدى ملابس البيت، ورقد على سريره ونام.
الأنوار كانت تغرق الصالة.. التورتة تحتل منتصف الطاولة والشموع تنتظر أن تُشعل.. هذا عيد الزواج الثالث.. ربما الرابع.. بل الخامس، يتذكر لأنها ترتدى هذا الفستان الذى اشتراه لها لمناسبتها هذه.. كانت مشرقة كأنها عروس فى ليلة العرس.. منّى نفسه بيوم مثير يستعيد فيه حرارة شهره الأول معها.. انطلقت من الغرفة  موسيقى هادئة، لف يده حول جسدها - ذلك الذى كان يعشقه فى الشهور الأولى وصار يطلبه مجاملة لها فى باقى الأيام والشهور والسنوات كلما شعر بميلها للفعل- .. تحركت بخفة فى يده، كأنها ريشة تحركها نسمات هواء صيفية على شاطئ نهر، مستعيدا هذا الاحساس الممتع الذى ملأ حياته فى شهورهم الأولى.. استمرت الموسيقى واستمرت الحركة واستمرت سعادته ونشوته فى التصاعد حتى بعد أن بدأت الشموع فى الإنطفاء، لم يتوقف ولم تتوقف..
فجأة..  كسر صوت غليظ شاذ اللحن الموسيقى، باب يغلق بعنف،  صوت أقدام أتية باتجاه حجرته  مما جعله يستفيق تماما ويترك حلمه وموسيقاه.. كانت هى هناك – فى الطرقة الفاصلة بين حجرته وحجرتها - تنزع عباءة سوداء وتتحرك فى طريقها إلى حجرة نومه حيث يرقد على السرير لتنظره.. نظر إليها فى حركتها.. ابتعد الخيال كثيرا كثيرا.. القت العباءة السوداء على كرسى أمامه.. كانت شبه عارية.. لكن المسافة ما بين الحقيقة والحلم كانت بعيدة مما جعله يرجع بظهره إلى الخلف فاصطدم بحائط كاد يشج رأسه وكبت شهوته.. استعاد توازنه، غطى وجهه وهو يسألها ..
-        كنت فين؟
لم يكن ينتظر إجابة، ولم تكن على استعداد لأن تجيب فهى مرهقة، متعبة، بحاجة لأن تسرع لإنهاء الغداء.. لذلك مر السؤال مرور الحلم. 



 

13
أدب / فأر وامرأة ورجل قصة قصيرة
« في: 19:55 06/12/2018  »


فأر وامرأة ورجل

قصة قصيرة

ماهر طلبه

فأر على الحبل، امرأة فى ناقذة تنشر غسيلا، رجل فى جلباب ممزق يقف تحت النافذة بعربة يد لبيع الخُضر.
يتحرك الفأر ببطء مميت فهو يخشى الحركة المضادة على الحبل، تنحنى المرأة كفرع شجرة تهزه الريح لترفع قطعة قماش من طبق بلاستك، يتململ الرجل فى وقفته تحت النافذة لعدم وجود الشارى ويلقى بنظره إليها فى الأعلى.
الفأر يتملكه الفزع فيتوقف تماما لكن رغبته فى العبور لم تتغير، المرأة ترفع قطعة القماش تنفضها فى الهواء لطرد الماء، تمسك بالمشابك فى يدها وتضع قطعة القماش على الحبل وتثبتها، وتنحنى فى اتجاه طبقها البلاستك من جديد،  الرجل يخرج من جيب جلبابه علبة سجائره، يشعل إحداها وينظر فى اتجاه قطرات الماء المتساقطة منتظرا النداء وينفخ دخانه فيصعد لأعلى.
يرى الفأر فى قطعة القماش المعلقة والتى يحركها الهواء كيفما شاء عدو قديم فيغلب خوفه حذره، يسرع فى محاولة يأسة عبر الحبل للوصول إلى حد النافذة الأخر حيث جحره، ترفع المرأة وجهها عن طبقها البلاستك في اللحظة غير المناسبة لها وللفأر، تفزع من هرولته فتلقى بقطعة القماش من يدها في اتجاهه، تأخذه قطعة القماش في طريقها للأسفل متدثرا بها.. تُخْرج قطعة القماش الساقطة فوق العربة  الرجل الغارق ما بين ذكرياته ولحظات الملل من شروده.. يتحرك في اتجاهها ويمسكها فى يده، تتحرك قطعة القماش بين يديه فيفزع ويرتد بجسده إلى الخلف بعد إن يرمى بها إلى الأمام.. تتحرك العربة تحت ثقل جسده الملقى عليها فتلقي بخضارها على الأرض.. صوت المرأة المفزوعة يصل أخيرا إلى أرضية الشارع ويسكن بجانب خضروات العربة.. البائع يوزن حركته، ويستعيد هدوءه فيستغفر ربه الذي جعل يومه يبدأ هكذا، ويبدأ في إيقاف العربة ولم الخضراوات.. المرأة من النافذة تحاول أن تحصل على قطعة قماشها الساقطة أرضا بجانب صرختها... الفأر يستغل حالة الإرتباك التي عليها الجميع ويلجأ إلى شق في حائط قريب منتظرا أن تهدأ الحركة، بينما يفكر في الجهة الأخرى من الحبل حيث جحره وأطفاله.












14
أدب / مجرد موضوع
« في: 14:36 09/07/2018  »
مجرد موضوع
بدأ الموضوع ببوسة على الخد، وانتهى بالنوم على السرير، فى المنتصف كان فيه حشو كتير.. منه.. إنها قابلت راجل قدر يعمل شقة قبلى فاحتمت بظل الراجل وسابت حيطتى المايلة، ومنه.. إنها خلفت ولد سمته على اسمى، وإن ابنها فى يوم من الأيام سألها مستغرب عن معنى اسمه، وزاد كُرْه له لما عرف معناه.. وإنها نصحتنى بالجواز لما لقتنى لسه باحلم، ونشطت فى البحث عن عروسة، لكن دائما كانت بترفض كل اللى يقع فى الطريق قُدّامها لأنها مش شبهها، ومش هتقدر تتعامل مع رومانسيتى من وجهة نظرها، ومنه..  إنى قابلت ابنها فى يوم ولما عرف إن اسمى يشبه اسمه اتشائم وخاف ليكون مستقبله زى مستقبلى.. فحزنت، لكن قدرت امنع الحزن يدخل قلبى وفضلت شايله فى عيونى دموع، كانت دائما بتخلى عينى تلمع كل ما المحها.. ومنه.. إنها جابت بنت تشبه قوى جوزها، فرفضت أحبها رغم إنها حتة منها، ورغم إنى ممكن أكون شاركت فى تكوينها ولو حتى بالخيال، ومنه..  إن العربية - اللى خبطتها وخلتها تنام على السرير النومة دى، وإدتها  بعد فترة قصيرة لقب المرحومة رغم صغر سنها وعيالها اللى بيدوروا عليها وينادوها فى احلامهم لحد النهارده-  اسرعت هاربة وقُيدت الحادثة ضد مجهول.
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com


15
أدب / إنذار حريق
« في: 18:17 22/04/2017  »


إنذار حريق

ماهر طلبه

رنين الهاتف أيقظَه، حرَّكَ سماعة أذنِه لالتقاط صوتها البعيد، كانت تحدِّثه مِن منطقة بعيدة في قلبِه، أنصَت صامتًا بعد أن تحكّمتْ في لسانه، فلم يعُد يستطيع النطق أمام حبال كلماتها التي كبَّلَته والتي يبدو أنها قد أعدّتها وجهّزتها لِتُتم بها جريمتها التي تَحدث الآن.. هذا لا يمنع مِن أن عقله كان يعمل بمنتهى السرعة لينقِذ نفسه مِن ورطته تلك وحصارِه هذا، لذلك فقدْ أسرع في محاولة  يَائسة لمنع إتمام الجريمة بإغلاق باب قلبه الداخلى – لمنع خروجها-  بمفتاح حبِّه، ثم شَد الباب الحديدي الخارجي – لقلبها-  والذي كان قد اشتراه ودَفع تكاليف تركيبه في مكانه بعد ملاحظته أن بعض العيون تتلصص عليها وتحاول التسلل إليه في الفترات الطويلة التي كان يضطر بسبب كلماتها الحارقة الحادة إلى الابتعاد عنه تارِكَه لها وحدَها..
الآن..  تقول له.. إنها لن تستطيع البقاء.. صَمَتَ..  إنها قد فتحت الأبواب في غيابه.. أطرق برأسه..  إن هناك مَن دخل دون أن.. أدري أو أنتبِه..  وإنه أدار قلبها في اتجاه آخر مما جعل قلبها يفقِد إشارات قلبه، فلم تعُد تتلقى كلماتِه ولمساته على قناة الحُب التي كانا يلتقيان عليها مِن قبل ويشاهدان حياتهما مِن خلالها.. فرّت الدمعة الأولى منه.. ثم تركت سماعة أذنِه مفتوحة في العراء لتصل إلى سمْعه ضوضاءُ عالية مصحوبة بصافرة طويلة حادة كأنها إنذار بأن شيئًا ما يشتعل، لم يكن أمامَه الكثير من الوقت ليفكر في فِعل ما يجب لإنقاذ الموقف ومنْع امتداد الحريق، لكن في محاولة منه لإطفاء النيران المشتعلة داخله وإيقاف هذه الصافرة الممتدة  والتي تمزق طبلة أذنِه الداخلية.. ألقى بنفسه المشتعلة في نهر الدموع الذي كان يتجمّع تحت قدميه واستسلم تمامًا لمياهِه الراكدة وأسماكِه الحية / ذكرياته  التي كانت – مثلَه- تشكو الجوع!
 


 


16
أدب / جلب الحبيب
« في: 20:51 22/02/2017  »
جلب الحبيب
قال يعقوب ليوسف: أخفِ حُلمَك حتى لا يَقتلك.
 لكن إخوة يوسف كانوا دائمي التفتيش في ذاكرته ومذكراته وموبايله حتى عثروا بالصدفة أو بلعبة القدر الغادرة والتي يمارسها دائمًا الآلهة على الحُلم الجنين؛ فألقِيَ يوسف في البئر حتى يَغرق حُلمه.
***
أَخرجَ السقا يوسفَ من البئر ونسى حُلمَه فيه، وذهبَ به إلى عزيز مصر عارضًا بضاعتَه عليه، فضَمّه عزيز مصر إلى قصره خادمًا أمينًا.
***
ما كان يوسف دونَ حُلمِه ليصير خازن مصر، ولا كانت لتطمع فيه زليخة وتُقطَّع الأيدي من أجْله، لذلك كان دائمًا ما يذهب إلى بئره المذكور في القرآن كل صباح، يَنظر جثة حلمِه الملقاة في قاع البئر أمامَه، يسأل كل مَن يُلقي دلوَه فيه أن يساعده على انتشاله.. لكن مَن يرغب في الحصول على جثةٍ في بداية نهاره؟. لذلك كان لا يَلتفِت إليه أحد، ولذلك ظَل يوسف على جدار البئر مرسومًا تمثالا للحزن والآسى والأمل.
***
محصورًا ما بين الجنة والنار وقفَ يوسف.. "إنْ لم يفعل لأفعلن به".. احتار يوسف لكنه وجد الحل في المَعنى الساقط مِن عبارة أبيه عليه  "أخفِ حُلمَك".. فذهب إلى السجن بقدميه.
***
منذ أن اختفى يوسف وهى تَبحث، ليس في المكان والجغرافيا، لكن في الوجوه.. تحاول أن تجده ولو في نظرة عين، ابتسامةِ وجْه، لونِ  بشرة، اسودادِ شَعر، أو حتى في قامته الفارعة وهذا الجسد الذى أضاع برودتَها وأثار شهوتَها.. "لماذا تختفي كل هذه العلامات مِن أجساد الرجال الآخرين؟!.  لماذا خَصّه إله أبيه يعقوب بما لم يَنلْه رَجل في كل بَر مصر؟!".. الشهوة لم تنقطع، لكن غياب يوسف شغل البالَ عنها.. حتى ما عادت تستطيع أن تصِل إليه برغم بحثِها في كل ذكرياتها القديمة وفي الجثث الملقاة ليلَ نهار فوق سريرها البارد.
***
اليوم جاءه مَن حَلُمَ.. كانت الطيور تأكل مِن رأسه.. لم يَحزن يوسف.. هو يحِب الطيور، يعرف أنها المُسالِم الوحيد في هذا الكون، أنها ما كانت لتسرق الحُلمَ لولا الجوع.. لذلك تَعلَّق بها منذ صغره..
قال له: لكن ألَمَ النقرِ كان فظيعًا..
يَعرف يوسف.. ليس كاشفًا للغيب كيعقوب.. لكن فقط متذكرًا تلك المَخالب التي تعلقت بقميصه.. الجِلد وهو يُمزق ويَخْرج مخلبُها بالدم.. ذكرى الدم أنقذته مِن تخيلاته.. حين فاجَأه الآخر بأنه يعصر النبيذَ ويسقي منه.. تشاءمَ يوسف وندم أنه يعبر الرؤى.
***
"لولا أن رأى برهان ربه" مَزقتها العبارة، وضعَتها في مواجهةٍ مباشرة مع البرهان،  لو تأخر قليلا، لو أحكمت الجارية إغلاقَ الأبواب ، لو امتطته كما كانت تجيد امتطاء العبيد والجياد.. لكنه حَظّها العاثِر، والرب الذي عاد فجأة دون ميعاده اليومي.. كل شئ كان ضدها يومَها.. القميص المنفلِت مِن بين أظافرها.. هذه الرواية التي تَبنّاها الراوي وجعل منها قصة ليوسفَ ولها، الحُلم الذي ضرب رأس الملك فألزمها باعتراف سبَق أن روَّجت له مع كل مفردات الطبيعة، والجسد المُشْتَهِي والمُشتهَى.. كل شئ كان ضدها حتى النسوة اللاتي قَطّعن الأيدي فنزفت دماء الغَيرة من قلبها حتى جف وصار الارتواء هو أمله الأخير ليعود ينبض  بالحياة.
***
أكلت الطيور الرأسَ، ومر الشراب من فم ليَخْرج ماءً مالحًا.
**
ما كان بحاجة لأن يطلبها للشهادة، هى أنبأت الطرُقَ والحجارة، النهرَ والأشجار، الهواءَ العابر لحدود مصر والأزهارَ أنها عاشقة، وأن الغياب مثل الحضور وسيلة عذابٍ وشهوة وشوق.. لم يفاجئها حضورُه أمامَها ولا سؤالهم المفاجئ.. كانت تعلم أن شوقها وحبها سيتجسد في نهاية عذابها بشرًا سويًا، وأنها ستعيده كما فعلت مَن سبَقَتها وجمعتْ أجزاءَ حبيبها ومليكِها التي قُطّعت جثته – كما هى العادة - ووزِّعت في كل بَر مصر.. لذلك حين سُئلتْ أجابت.. حين اتهمت لم تبحث عن البراءة بل اشتاقت إلى الذنب مِن جديد... خرجت تجر مشاعرَها خلفها.. مختلطة، متناقضة كأنها تَخرج من قلوب متعددة وعقول عدة  لكنها تشتاق لجسدٍ واحد..
***
مَن مِنّا يملك الفأس كى يَقطع الرأس؟؟ الجوع الذي يضرب الأرض، الجفاف الذي يحلق بالسحاب.. الحُلم الذي كنت أظن أنِّي انتشلتُه من قاع البئر، فإذا بي أجففه وأقتله بالجلوس على الكرسي..
***
غابت عن الوعى منذ الظهور.. في المعبد، أمام محراب الآلهة، حيث الصدق التام والنقاء التام والأمان التام والحُب الذي ليس بعدَه حُب، حاولت أن تُخرِج هذه الفكرة المسيطرة، هذه الشهوةَ الجامحة القاتلة.. بكت كما لم تَبك حتى في غيابه.. ظنوا حين لمحوا الدموعَ أنها تَقَربٌ للآلهة، قربان للآلهة..  لكنهم واهِمون.. هى الآلهة فقط، ولآنها آلهة فقط  أدركت أنها دموع شوقٍ ورغبة، ولأنها آلهة فقط تركتها تبكي حتى تجف الدموع لكنها لم تُهْدِه إليها أبدًا..
***
وصلت العائلة إلى مصر.. نزل معها الغدر والخيانة يصاحبها كمصاحبة الدود للجثث المتعفنة.. "أنزلتهم مكانًا عليًا.. ركعت لي الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا.. نسيتُ أن أسأل أبي.. كيف خانت الإلهَ القدرةُ على الإشارة؟!!.. كيف للنجم المضئ أن يكون مَصدرًا لكل هذا الغدر والحقد الأسود؟!!".. لا بدّ أن الإله كان يقصد شيئًا آخر وأن يعقوب أخطأ تفسيرَ الحُلم.
***
عادت شابةً لم يمسسها بشرٌ سوِي، دماء الرغبة تجري في عروقها   كأنها نهر لا تجف مياهه.. تبحث عنه كحلمٍ في الكتب الصفراء، في الآيات البيّنات، في التاريخ الغابر، في الجثة التي جمَعتها في أحشائها وأخرجتها دون روح.. كيف عادت شابةً رغم كل هذا العفن، رغم كل هذا الحقد.. إنها إرادة الحياة، إرادة الإله.
***
صار كهلا، يبست الدماءُ في عروقه، تفرقت القبيلة بين قاتلٍ ومأجور، دُفِن يعقوب في مدافن الدماء.. الجوع الذي أجلسه على الكرسي زاد ولم يَقِل، لم يؤمِن القادمون أنه الأمل فانهار بنيان الكذب... وسقطت الكواكب والنجوم هامدة..!

ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com.eg/





17
أدب / مهاجر شرعى قصص قصيرة جدا
« في: 19:53 03/11/2016  »


مهاجر شرعى
قصص قصيرة جدا

ماهر طلبه

حب خالد
رسمتْ قصة حبها له هرما أكبر، ظنت أنه سيصير خالدا، كما معجزات العالم السبع، وحكت له ضاحكة.. فصمت حزنا.. حيث ورد على باله مقولة شيخه.. "إن الهرم بيت كفر يجب هدمه.."، فأخذ قصتها وانصرف بمعوله.

إرهاب مقدس   
سكروا من رحيق الكلمات المقدسة، فتحولوا إلى حشرات للدغ.

تأويل
لأنه سمع من شيخه، أنه قد جُعل الليل لباسا، حاول قدر استطاعته أن يطلق فى الكون طاقة من نور.. عندها استدعاها من ذاكرته.. أدارها كما كان يفعل دائما لتواجه الحائط.. ثم أنزله لها متأملا، متمهلا.. فتفجرت فى أرجاء الكون أنوار الشهوة.

الشيخ
نطق كلمة حق؛ ذهب للوضوء.

مهاجر شرعى
لأنه لم يكن له عشيقة أبدا، ولم يتزوج زواج صالونات حتى الآن.. ظل محروما من العودة إلى موطنه الأصلى بين الفخذين.

قُصر نظر
فقيران ... تحابا...
قال: ضعى فقرك فوق فقرى نبنى لنا قصرا نسكنه وحدنا.
وافقت.. لكنهما لم يجدا له بابا.

مقايضة
ذهب إلى أبيها يطلب يدها، فطلب أبوها منه أن يملأ يدها – له- ذهبا.

حياة .. زوجية
ضمته عتبته؛ أحس بالوحدة.

سجين
أعرف رجلا كان إذا نام تخطفته الكوابيس.. لم يكن هذا يقلقه فقد اعتاده، ما كان يقلقه ويجعله يصحو فزعا كل ليل هى تلك الأصوات التى تصدر منه فى لحظات الفزع داخل كوابيسه،  والتى كانت فى الغالب تشبه صوت أنثى تلد.. صراخ مصحوب باسترحام واستعطاف وانكسار.. لكنه فى أحلامى لم يكن مصحوبا بالأمل الجديد.

صورة للحقيقة
لأن ليلى وقيس صورة منى ومنها، علقتها على الحيطة فى مسمار مصدى، فكانت الحشرات إللى معششة فى حياتى ومصاحبانى، تقضى طول الليل تنقل من حلاوة ليلى لعشها، لحد ما فى يوم صحيت من نومى على صورة لقيس واقف وحيد فى صحرا بيطارده حلم/ شبح قبيح  أعرف صاحْبته.





18
أدب / انتقام .. صورة
« في: 17:11 14/07/2016  »


انتقام .. صورة

ماهر طلبة



لسبب ما علق البطل صورة لحبيبته التي هجرته على الحائط المقابل، ولسبب ما حاول كثيرا أن يصل إلى  أو يتعرف على تاجر أسلحة ليحصل منه على سلاح، ولسبب ما حاول حين تمكن ذات يوم من امتلاك مسدس نصف آلى ذى حركة زناد مزدوجة الحركة الأولى للتعمير والحركة الثانية للإطلاق من نوع   "بريتا"  عيار 9مم أن يتدرب عليه على يد متخصص في هذا النوع من الأسلحة، ونجح في ذلك دون أن نفهم السبب....
والآن.. أخذ صورة حبيبته من على الحائط، وألبسها في كيس بلاستيك أسود اللون، وضع مسدسه في جرابه وعلقه بكتفه، وارتدى فوقه ما يخفيه، واتجه بها إلى عمق الصحراء..
وهناك.. علقها على صليب خشبى في وضع مسيحي خالص، ثم حفر تحتها قبرها، ورجاها أن تعترف أمامه بكل ما ارتكبته من خيانات لتتخلص من خطاياها وتبرأ... لكنها ظلت صامتة راسمة نفس النظرة البلهاء التي دائما ما ترتسم على وجه صورة متهمة بالخيانة، فرجع بظهره مسافة كافية كي لا تطاله خيوط الدم -المندفعة منها- حين تنطلق الرصاصات، ثم اطلقها كلها، لم يحتفظ لزمنه القادم بأى رصاصة، انقلبت بصليبها في قبرها.. أهال الرمال عليها، اخفى بقايا الدم المتناثرة حول قبرها بالرمال.. ثم أعاد مسدسه الفارغ إلى مكمنه، وعاد إلى حائطه منتصرا.
 
 

19
أدب / الإطار – قصص قصيرة جدا
« في: 16:09 06/06/2016  »

الإطار – قصص قصيرة جدا

ماهر طلبة


حلم الطفولة

كانت كلما غلبتها مشاعر واحاسيس الطفولة، اشتاقت لزمن حضن الأم وثديها؛ ذهبت باتجاه مرآتها.. نزعت بهدوء ذهبها الذى يقيدها.. اذنها، فمعصمها، واخيرا سلاسل رقبتها.. ثم واصلت نزع ملابسها قطعة قطعة حتى تصير عارية كلحظة الميلاد.. عندها تلتصق بالمرأة.. تتلمس الثدى البارز بأناملها المرتعشة.. تمرر عليه اليد برفق وحنو الطفولة، تحرك الحلمة فى اتجاه فمها و تكمل زمن الطفولة بها.

صورة نجم
كانت صورته تحتل الحائط الرئيسى فى حجرتها، حين لمحته ذات مساء - كانت فيه تمارس عادتها اليومية فى استعادة لحظة ميلادها الأولى – يتأمل تفاصيل جسدها العارى، ويتحسس بأصابع مرتعشة ظلها الساقط عليه، فضحكت لأنها ادركت أن حبسها له فى الإطار أنقذها من جنون رغبته.

إطار فارغ

الإطار  الفارغ على الحائط اشار إلى الحادث بقوة.. كانت غارقة فى نومها، حين احست فجأة بعين تتلمس المساحة العارية من جسدها وتكمل رحلة التعرية،  استدارت – مستدفأة بالنوم-  معطية نافذة حجرتها المفتوحة ظهرها.. جذب انتباهها الإطار الفارغ – لصورته- الذى يواجهها.. اسرعت بقايا النوم هاربة.. صرخت باعلى صوتها.. أفزعه الصوت، فألقى بنفسه من نافذتها.. طار كما تطير كل الأوراق، وما يزال لم يلمس الأرض بعد.






20
أدب / ذات ليلى ..
« في: 20:24 29/04/2016  »


ذات ليلى ..

ماهر طلبه

ذاتَ ليلة، انتابت ليلى حالة غريبة .. تشكل فيها الليل رجلا والنجوم نساء تطارده، ثم انشق الليل عن قمر ، فانبثقت من وسط النجوم شمسا.. وكان زفافا ، وكانت دخلة .. وكان أن بكت الشمس دماءً لأنها لم تشعر بالمتعة، بينما قام القمر سعيدا منتشيا ..
ليلة سوف يتناولها الكاتب فيما بعد ليشرح للقراء أنه هكذا شعرت ليلى حين غادرها ابن ورد -بعد ليلتها الأولى فى خيمته- يغتسل من ماء البئر ، بينما ظلت عيناها معلقتان بسماء الخيمة حيث شِعرابن الملوح – السابح فى فضاء الخيمة- يطاردها ويمنع عنها المتعة.   




21
أدب / محاولة أخيرة لقهر الزمن
« في: 23:57 10/03/2016  »


محاولة أخيرة لقهر الزمن

ماهر طلبه

ليلته الثالثة قضاها جالسا أمامها، لم يسرقه منها النوم  مثلما سرقها منه الموت.. يتذكر أنها قبل أن تفارق بدقائق قليلة أشارت إلى الصورة القديمة المعلقة على الحائط المتأكل  وقالت:
-   لقد غيرني الزمن كثيرا
في الحقيقة لم يدرك هو الفارق إلا حين أشارت هي، لكنه الآن في جلسته يحاول أن يستحضرها من جديد بالصورة التي دائما ما كان يراها  عليها واحتفظ بها محاطة بالبرواز بعد أن جدد زجاجها المحطم حتى لا يصيبها الزمن من جديد فيغيرها.




22
أدب / الذبيحة
« في: 19:13 21/01/2016  »

الذبيحة

ماهر طلبه
[/color][/u]


صحوت من النوم اليوم حزينا جدا؛ فقد حلمت أن أحدهم قد أكل حمامتي البيضاء.. هذه ليست نكتة.. فأنا أقتني بالفعل حمامة بيضاء، أترك لها عادة "الحبل على الغارب" كما يقال لكي تذهب أينما تشاء وقتما تشاء فى فضاء الله الواسع، تطير كثيرا، وتبتعد كثيرا لكنها دائما ما تعود لعشها من جديد تهدل في بلكونتي أناشيد الهوى للذكر الذى تهوى، وترقد في سلام تحت ظل حمايتي..
في حلمي، قص أحدهم عليّ ما حدث.. كيف استغل الذابح براءتها.. اقترب دون أن يثير في قلبها القلق، داعبها في حنو أبوي.. حتى اعتقدت أنه مثلنا، فقط يهوى البراءة المرسومة على ريشها...  ثم تمكن من رقبتها.. جرها من ريش رأسها على الأرض وذهب بها.. الباقي وصل اليّ صورا متفرقة، ومشاهد قصيرة لفيديوهات عن عملية الذبح.. تساقطت بين يدي واحدة بعد الأخرى أثر مقابلات مع أفراد أعرف بعضهم.. جيران وأصدقاء، وآخرون محض خيالات ظل لم أتحقق من أشخاصهم أبدا في حلمي،  وأخيرا بعض الدماء التى اضطرَّ لمسحها بعد أن أتم الذبح.. قال أحدهم إنه نبهه أن هذه حمامتي، لكنه لم يلتفت له، ولم يعرني أنا اهتماما... يبدو أن جوعه كان شديدا، ويبدو أيضا أنه كان يفتقد لحم الحمام الذى يحب طعمه في فمه.. أحاول أن أتناسى الصور الكثيرة التى وصلت إليّ منذ رفعت رأسي عن مخدتي وخرجت إلى كابوسي.
الآن.. أستعيد صور الذبح – التي تتكرر في أحلامي-  كلما نظرت إلى عشها الفارغ من هديلها بعد أن اختفت منذ زمن بعيد.
 




23
أدب / فقط.. أمل - قصة قصيرة
« في: 19:52 26/12/2015  »

فقط.. أمل

ماهر طلبه

لن تصدقني يا سيدي حين أقول لك إن هذه ليست جلستي الأولى على شط هذا النهر، وإن ليلى ليست أول امرأة قد خانت قيسا، هو دائما ما يفتح الصفحة الخطأ من الكتاب غير المقصود.. لذلك تصادفه –عادة- حكايات ليس له مكان فيها، إنه دائما ما يكون الرقم ما بعد الليلة الأولى في الألف الثانية، الليلة ما بعد الأخيرة، ذلك فقط هو ما جعله يهرب بجلده من كل كتب الحواديت، يتشظى في كل الحكايات ويختفي خلف ستار الحكي، أنا الآن أنظر إلى ماء النهر الجاري وأحسب عدد المرات التي أحصيت فيها أمواجه وأخذتنى دواماته في جلساتي تلك…
صدقني يا سيدي ليست هذه هي مرتي الأولى هنا، وليست ليلى هي المرأة الأولى، ولكن قيسا كان يأمل أن تكون ـ هذه المرة ـ صفحته الأخيرة.. فقط كان يأمل..


 

24
أدب / بصيرة – قصص قصيرة جدا
« في: 15:11 06/10/2015  »

بصيرة – قصص قصيرة جدا


ماهر طلبة

مشروع مستقبلي
في ألف ليلة وليلة ... رمى القدر بالخيانة في حجر شهريار؛ فقرر الانتقام من كل الخائنات في كل كتب الحواديت حتى من كانت منهن ما تزال مشروعًا لم يتحقق بعد

بصيرة
لمحت في حلمي ليلى تراود قيسًا عن قصيدته، يلقيها في هواء الصحراء لتتلقفها أذن ابن ورد؛ فأخفيت قصيدتي في قلبي.

قصة الخلق
عندما أراد الخالق بدء الكون، فكر في ثلاثة أشكال، الرجل والمرأة والشيطان، لكنه حين  قابل وجهك – الباسم الجميل- اكتشف أنه أوجد الرجل  والمرأة الشيطان.

طيران حر
نشر غضبه – الجاهز دائمًا – على حبل أيامها، وقال لها مهددا ..
-   أنتِ حرة .
فاستنشقت عبير الحرية وفردت جناحاها طائرة من فوق سطح بيته.

محاولة هروب
كان دائمًا ما يضع على وجهه "ماسك " من المهابة؛ اتقاء لحرارة النظرات.

تبادل منافع
حاول أن يدعم العلاقة بينهما، فمد لها حبلًا من الود، فاستخدمته في صنع سلّم من الشوك لقلبه.

حسن ظن
دخل الوزير على الخليفة الأموي الأخير وهو محاصر في قصره وقال له مشجعا:
- إني أرى زبالة ضوء في نهاية نفق الظلمة
فصاح مرعوبًا، إنهن الجواري من تركنه فاذهب وأطفئه.

دعوة صالحة
تناوله.. "بالسم"... فمات شبعانًا.

لبؤة
كان أسد "الحلو"* صغيرًا حين تبناه، نقله من الغابة إلى بيته حيث الحياة هناك أسهل وأنظف وأكثر رقيًا.. أنس له وظنه ابنه.. لكن الأسد لم ينس – كما يبدو – الغابة يومًا، لهذا افترسه – دون سبب واضح- أتذكر قصتهما الآن وأنتِ تنهين – دون سبب واضح – مكالمتنا الأخيرة.

*محمد الحلو  كان مدرب أسود في السيرك القومي المصري.




25
أدب / حدث ظهرا
« في: 10:46 15/09/2015  »
حدث ظهرا

الشمس كانت حارقة، الجو خانق، الأتوبيس مزدحم، وهي كانت واقفة تنز ماء من مسام جلدها، حين وفجأة وقف خلفها هو، حاله كان كحالها تماما، الماء ينز منه ويندفع.. رغم الزحام لم يحاول أن يلتصق بها رغم الشيطان الذى يوسوس له، ورغم انتظارها الذى كان يبدو واضحا من تأهبها لرد الصاع صاعين.. ربما تكون رائحة العرق هي ما منعه، وربما تكون "الخنقة" المحيطة بالجميع والتي لم يكن واحدا منهما في حاجة لزيادتها.. لكن هذا لم يمنعه أو يحرمه من أن يلاحظ قطرات العرق التي تندفع من فروة رأسها سالكة طريقا عبر عمودها الفقري تاركة بصماتها على بلوزتها الصفراء، حتى وصلت إلى بنطالها الأسود وهناك اختفت في الشقوق والأحافير، فتوقف ولم يترك لخياله مجالا لتتبع باقي الطريق، لكنه لاحظ أن ما يشبه سرسوبًا من المياه يندفع عبر عموده الفقري هو الآخر، وأنه وصل بسرعة إلى قدمه وغادرها إلى أرضية الأتوبيس.. فتنبأ بأن ماءها هو الآخر يتبع نفس المسار، وأنه  الآن ربما يكون مفارقا لها، ملتصقا بأرض الأتوبيس، فانحنى برأسه سامحا لجسمه بخلق المسافة الكافية كي يرى أرضية الأتوبيس، فابتعدت –هي- بحركة مفاجئة بوسطها للخلف، خالقة دائرة من الفراغ تشبه بطن الحامل، عندها اندفع ماؤه مسرعا فى اتجاه مائها.
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com.eg/


26
أدب / عن عنترة
« في: 16:44 09/09/2015  »


عن عنترة

ماهر طلبة
[/color][/u]

1
حين أنهى معركته الأخيرة لتحرير عبلة، رجع إلى سيده سعيدا ..
2
صبأ عبد شداد فقد خرج من ِعبودية القبيلة إلى عبوديتها.
3
حين سمع مالك بحبه لعبلة، لم يغضب كثيرا، لأنه كان يعلم أن حب العبيد مثل العبيد يمكن أن يباع.
4
عندما حاول أن يخفى حبه لعبلة عن القبيلة اخفاه فى لون وجهه الصادم.
5
"فضلنى ربى".. "فالعبد الأسود أفضل من العبد الأبيض".. لا تظنوا به السوء، فلونه يحرره من مراقبة سيده له ليلا، مما سمح له بالتلصص  على عبلة
6
طلبت عبلة أن يبارزها واستلت السيف.. فاظهر "سيفه"، فأخفت وجهها وقالت ليس عدلا.. فاخفى "سيفه"، فضحكت وقالت.. ليس عدلا.. فاحتار فى بحثه عن العدل. 
7
من تقبل النوق مهرا لها، تطلب العبد ليسوق هودجها.. لكنه لم يدرك الخدعة.
8
ذهب إلى عمه يسحب خلفه النوق، كان يظن أنها حل لعقدته، لكنه لم يكن يدرك أنه بهذا يرسخ عادات القبيلة ويعود بعبلة إلى زمن الهودج القبيح .
9
ذهب مع الرعاة عبد أسود.. فلما مرت على النوق الحمر لم تر رمحه المشرع.
10
كم مرة حررها والقبيلة من العبودية بالسيف، فلماذا بخُلت عليه بالحرية من سجن عينيها.
11
ذبح كل اعدائها حتى عقله، ولم ترض
12
خرج الحزن من بيتها وسكن قلبه منذ حدد أبوها ثمنها بالنوق الحمر.
13
سألته كم ناقة – ترى – أساوى ؟
فلمح فى قول أبيها " حب العبيد مثل العبيد ... " الجواب.
14
هَزَم كل أعدائه فى معاركه الطويلة حتى كاد أن يصبح الحُر، لكنه هُزم فى معركته الأخيرة أمام قلبه، فظل عبدا لها ولهم.



27
المنبر الحر / جرافيتى
« في: 13:43 01/08/2015  »
جرافيتى

حين شعرت أن النهاية على الأبواب، قررت أن أترك  للتاريخ بعض تفاصيل حياتى.. حتى لا تضيع  كما ضاع الكثير من أحداث زماننا الهامة. 
ولدت في بيت عادي لم يكن به إلا نافذة واحدة تطل على شارع ضيق جدا بالكاد كنت أستطيع - حين كبرت- أن أعبره بالنظر لأسقطه على صدر بنت الجيران - طائرا جارحا-  والتي أبدا لم ترني رغم قرب المسافة وحرارة النظرات.
كانت  مدرستي الأولى قريبة من بيتنا، في يومي الدراسي الأول تعرفت على صديقي الأول،  كنا نشترك في خصال كثيرة، المريلة التي بالكاد تخفي الجسد، الحذاء الذي تعبره الأصابع بلا خجل، والدموع التي ترفض ترك حضن الأم، جاءت جلستي بجانبه كأن القدر كان يعدنا لذلك الأمر الهام الذى حدث، لكني في حينها لم أنتبه، رغم ذكائي المتقد وعبقريتي التي تفجرت منذ اليوم الأسود الذي انفصلت فيه عن حبل أمي السري، وجدت على وجهه نفس الدموع فشاركته بأن جعلت  صوتي مصاحبا لدموعه، وانتصرنا معا على المدرسة - أو هكذا اعتقدنا- فذهبنا إلى  البيت عند انتهاء اليوم الدراسي.
لا تحمل الذاكرة حوادث كثيرة في تلك المرحلة..  فقط..  صفعة على الوجه من مدرس كرد فعل على إجابة خاطئة، عصا أو اثنتان وربما ثلاثة من مدرس لتأخري عن بداية اليوم الدراسي، "تزنيب" من ناظر لأنى لم أسدد المصروفات، ولم أحصل في الوقت المناسب على شهادة الفقر، وضحكات مصحوبة بسخرية مُرة من الأصدقاء لأني تبولت على نفسي في حصة الدين،  حين عجزت عن تسميع آيات من الذكر الحكيم، تفنن يومها مدرس الدين في إظهار عذاب رب العالمين.. ولعنات كانت تتخبط في حوائط الفصل لتعود – دائما- تصطدم بوجهي حتى أنني حين غادرت المرحلة الابتدائية كانت قد غطت براءة الطفولة المرسومة على وجهي بعض الغرز والندوب التى لم تفارقه وروحي  حتى متّ.. ويبقى فقط، أني في هذه المرحلة لمحتها صورة للبراءة فأحببتها، وحكيت عنها في ليلي، وصرت أغضب من نفسي ولنفسي  كلما وجدتها وهي التي تشاغلني طوال الليل في نومي   تلاعب الآخرين وتهملني طوال النهار في يقظتي،  وفقط.. انسحبت من خيالي فجأة وحل مكانها فراغ كبير..  قد تستغرب حين تعرف أني حتى الآن أضحك من نفسي وأندم وأتمنى أن يتحقق المستحيل ونتعارف من جديد.
اليوم  الذي وقعت فيه الواقعة

لبعض الأيام رائحة خاصة.. يومي كان من هذه الأيام.. لم أحبه ولم أحب رائحته.. حين فتحت عيني كانت الشمس تغازلني عبر النافذة الضيقة.. أنا أرفض هذا النوع من الغزل لذلك أغلقت النافذة في وجهها وحاولت أن أستعيد النوم.. لكنه يبدو كمن هرب من نافذتي المفتوحة.. لذلك لم أجد بدا من أن أبدأ يومي.. "لبعض الأيام رائحة خاصة".. لكني في حينها لم أربط بين هذه الرائحة وما سوف يحدث... فقط بعدها بسنوات وأنا أجالس الوحدة والخوف والظلام المحيط تذكرت هذا اليوم وهذه الرائحة فأسفت لأني لم أكن أملك قدرة رؤية كتاب الغيب وصفحاته، ذلك الكتاب الذى ردد دائما اسمه مدرس الدين حين كان يمارس لعبته المفضلة في قرأته علينا.. لنعلم أى مصير أسود سيكون لنا في مستقبلنا البعيد.. فقط خرجت من البيت كما اعتدت أن أفعل آلاف المرات.. سرت في طريقي الذى أحفظه ويحفظني.. مررت بكل من كنت أمر بهم وبه  من قبل.. الجديد فقط في هذه المرة هو أن الشوارع كانت مزدحمة بالسكينة.. هدوء لم أره ولم أعتده في الشوارع.. لكني من كثرة ما قابلت في حياتي لم أتعجب وسرت.. فجأة انتبهت على ضجيج وأصوات صاخبة قادمة من بعيد.. "ربما هو ضجيج الشارع المعتاد واشتباكاته المعتادة تعود إليه".. قلت لنفسي وسرت.. حتى وصلت إليهم أو وصلوا إليّ.. لم أحبهم يوما، ولم يطمئن قلبي لخطواتهم يوما.. لذلك كنت دائما ما أترك لهم منتصف الطريق وأكتفي بالاحتماء بالحائط والتسلل هربا عبر شقوقه.. لكني في يومي هذا لم أجد منفذا أو حائطا فتوقفت والتفت خلفي.. كانت الشوارع ماتزال فارغة.. هل أعود من حيث جئت؟.. هل أكتفي بهذا القدر من يومي وأغادره في انتظار غد آخر ويوم جديد؟.. لم يمهلني القدر .. فقد لمحت الجانب الآخر وهو يمتلئ فجأة.. كأنهم هبطوا من السماء.. لم يكونوا ملائكة بثياب بيضاء وأجنحة، ولم يكن لهم سلوك وتصرفات الشياطين وعبثهم.. لكنهم تواجهوا.. كنت أنا  الأقرب فحاولت الفرار مما توقعت حدوثه.. لكن المنفذ كان مغلقا والقدر يعد للأمر عدته.. "لا مهرب لك اليوم".. "لامهرب لكم".. وبدأ الاشتباك.
يوم من تاريخ موازِ
تذكر أنه لم يكن له أب ليعرفه.. أنه تربى في حضن أم لا تجد طعامهما بسهولة.. تذكر أنه حقق معه وهو بعد طفل.. وأنها اشارت إليه.. فلم يجد بُدا وهو بعد الرضيع من أن يقول لهم:
-   لم أفعل، ولكني أحمل الأسف في داخلي شعلة أبدا لا تنطفئ..
ضُرب وسُحل وعُلق على صليب الأيام حتى نزف كرامته وكرامتها.. شرفه وشرفها.. لكنه في النهاية أوصلها إلى قبرها وصعد إلى سمائه حيث كان يظن الأمان.
الواقعة
كانت الفوضى.. كأنه يوم القيامة والكل يبحث عن النجاة.. "لا منفذ لك".. "لا منفذ لكم".. تصاف الفريقان.. أنا المحايد بينهما..  تمنيت فقط أن أغادر هذا الموقف سالما مسالما.. الحجر الأول فقط هو ما لمحته..  قنبلة الدخان الأولى فقط هى ما رأيتها.. قادتني خطواتي  العمياء إلى التخبط والوقوع أكثر من مرة.. وال...
وصف سابق للحادث
"ويكون أن الهارب من صوت الرعب يسقط في الحفرة، والصاعد من وسط الحفرة يؤخذ بالفخ، لأن ميازيب من العلاء انفتحت، وأسس الأرض تزلزلت، انسحقت الأرض انسحاقا، تشققت الأرض تشققا، تزعزعت الأرض تزعزعا، ترنحت الأرض ترنحا كالسكران، وتدلدلت كالعرزال، وثقل عليها ذنبها فسقطت ولا تعود تقوم"*
عودة للواقعة
هناك عاودني الحلم القديم، هى بفستانها الأبيض الذي دائما ما حلمت بها داخله، ضحكتها التي تفيض كالنهار فتدهن الدنيا وتبقيها ناصعة، خطواتها التي تدغدغ وجه الأرض فتنشر البهجة في أرجائها.. أراها تمد لي اليد، تشدني، تدفعني بعيدا عن الغمام الزاحف، كانت قدرتي على تحريك الجسد معدومة، رفعتني على يديها وسارت، كانت رائحتها تملأ أنفي وتطرد روائح الغازات والدخان.. أسندت رأسي على صدرها وانتشيت.
يوم موازِ
ارتطم وجهه بشئ ما.. كان هو يبكي.. تذكره وهو يقطع طريق الآلام مسحوقا بالوحدة.. ليس الألم هو الوصف الصحيح، فليس هذا ألما، وليس هذا هو العذاب.. خُلعت ملابسه، مُزقت أمامه، ضربات السياط حولت الجلد لقطع من القماش مُزق أمامه، اللحم المفروم - كأن سياراتهم مرت عليه - سكاكينهم أخذت منه ما يكفي كي يكون طعاما لكلابهم، الصليب على كتفه أثقل من ذنوبه، السباب يتناثر كذباب حول طبق أصبح خاليا من الطعام، ليس الاسم مواكبا للوصف..  "كنت أتمنى أن ينتهي الطريق، لكني أعلم أن في نهايته سيبدأ على الصليب عذابي الحقيقي وموتي الذى لا يأتي أبدا".
عودة للواقعة
رغم أني لم استطع أن أرفع الوجه لأعلى إلا أني لمحت القادم إليّ – عسكري هزيل مزقته الأيام كما مزقتني من قبل-  يرفع عصاته ويهبط بها باتجاهي، لا أعرف لماذا استعدت صورته  الآن  بهذه  المريلة التي بالكاد تخفي الجسد، الحذاء الذي تعبره الأصابع بلا خجل.. استعدت فجأة قدرتي على الحركة.. فأبعدت الرأس عن العصا.. لكنها اصطدمت بالذراع  فشعرت كأن سكينا قد قطعته، فصلته عن الجسد، وترنحت تحت تأثير الضربة، فاصطدمت من جديد بالأرض، هذه المرة لم أر وجه من ضربني من جديد.. ولم أحاول أن أرفع الرأس.. فقد غلبني ضعفي واستسلمت للضربات.. فقط شعرت أني أقف من جديد أمام مدرس الدين، وأني من جديد أستعيد سنوات تمنيت أن لا أعيشها وأن تنتهي..
يوم موازٍ
بدأت المسامير في اختراق الجلد واللحم والعظام، وصلت حتى سُمع دقاتها في الخشب، فقدت يده القدرة على الحركة، لم يعد الصليب سوى جزء لا ينفصل من الجسد المعلق.. الألم لا يمكن أن يكون هو الوصف الصحيح لما يشعر به.. إن جهنم تخرج من كفّتى يديه، من قدميه.. الشوك المرشوق في الرأس يصرخ بصوت عالٍ، يرمي طبلة الأذن بآلاف من الحجارة تنتقل كلها إلى عقله كلمات..
عودة للواقعة
حين استعدت وعيي من جديد كنت ملقى فوق القمامة.. وجهي مغطى بالدم، لم أعرف هل هو من إصابة فيّ، أم من الجثث التي تثقل على بدني وأشعر بدفئها عليه، حاولت أن أحرك جسدي ونجحت لكني في محاولتي أسقطت العديد من الجثامين الساكنة فوقي... استطعت أن أنقلب على وجهي فلمحت نصف سماء فقط وبعض الوجوه البعيدة تختفي خلفها تنظر لي  وتشير  أن أستعد للصعود..  هززت الرأس، فتساقطت الوجوه واستعدت جزءا جديدا من الوعى  مصحوبا بجزء جديد من القدرة على الحركة وجزء محدود من الألم.. حاولت الجلوس لكني فشلت.. هذه المرة تفجر الألم من جسدي.. شعرت بالعظام تغوص في لحمي..  فتوقفت عن المحاولة تماما، وعدت من جديد إلى غيبوبتي.
يوم موازٍ
نَظر إلى من يجاوره على الصليب.. لصان جريمتهما قادتهما إلى هذا المصير، أما هو فقد كان ما كتب عليه هو ما قاده إلى صليبه.. لذلك حين أشار أحدهما باتجاهه وطالبه بالفعل.. صمت.. "هو في الأعلى يَرى ويَسمع ويُقدر ويَعرف متى يكون الفعل.. أما أنا فمجرد حجر أَلقى به على الأرض ولا يستطيع الارتفاع إلا باختلال القانون".. صَرخ فيه..  "أنْ افعل.." لكنه للحظة ظن أنه مثله مُعلقا هو الآخر على صليب كتابه المحفوظ، وأنه لا مهرب لهُ .. لا مهرب لي.. فاستسلم للقدر وصرخ فأتى ليل أشد سوادا من ليل صاحبه الملقى فوق القمامة.
عودة إلى الواقعة
حين فتحت عيني هذه المرة لم أر.. كان الهدوء من حولي يسود.. الهواء له رائحة مختلفة، وطعم مختلف.. حاولت تحريك يدي.. فشلت.. شعرت أنى معلق على صليب.. اخرجت صوتي صارخا.. انتبه منْ حولي للصوت المبحوح.. مد يده – شخص ما – إلى يدي... مسدها بهدوء.. واقترب من أذني التي مازالت مغلقة بالحجارة.. "حمد الله على سلامتك"..

*- اشعيا

ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com/




28
من حكايات الفارس الأصفر ذي الأذنين الطويلتين
...  ويحكى أنه في زمن الحروب الكبيرة والطويلة التي دارت في منطقتنا ظهر هذا الفارس فجأة، تلبس أو لبس زي الفارس في حفلة عامة حضرها كل رؤساء الدول العربية عدا واحدة، وقف في وسط القاعة، ركع الجميع أمامه  عدا  –ربما- واحدة.. (هكذا بدت الصورة للعامة الجالسين أمام شاشة التلفاز، لكن المتأمل في حقيقة الجلسة كان سيلاحظ أن فارسنا ذا الأذنين  الطويلتين هو الآخر كان راكعا بدوره لشبح يجلس في الخلفية).. ردد الجميع خلفه قسمه الذي كتبه له ولهم – خصوصا- الشبح الجالس خلفه، الراكب فوقه، المحيط بهم من كل جانب.. وبدأت طقوس الإغارة..
عاد به الزمن إلى الماضى "المجيد"، حيث كان مازال يحاول أن يتعلم كيف يقطع طريق المسافرين بالجمال، ينهب منهم الماعز والخيول، يقتل الرجال ويسبي النساء والأطفال، ويعود في نهاية المساء سعيدا يمتطي النساء والأطفال والعبيد .. زمن يتذكره كلما دخل قصره ولمح صورة الشبح الخفية الظاهرة، المحتلة جنبات القصر وعقول الحرس والخدم المحيطين به.. لا ينسى أبدا فضله فهو من علمه أن سرقة الماعز والخيول قد تشبع لكنها لا تغني.. وأن في العالم ما يمكن أن يركب غير النساء والأطفال والعبيد، هو من أخذه من يده وسافر به عبر الزمن والحلم.. أركبه الطائرة للمرة الأولى، أراه ما هو أعلى وأعظم وأضخم وأمتن من الجبال.. رأى أن العالم مختلف وأن الرمال والحجارة السوداء الصماء ليست نهاية التاريخ ولا هي الحدود القصوى للعالم، فخلف هذه الجبال مدن تنمو مثل الزرع الأخضر تُخرج  نفوسا وأرواحا حية ليست مثل هذه النفوس والأرواح التى أنتجتها وتنتجها الصحراء منذ وجدت.. منذ زرعت فيها أول حبة رمل لتقتل أي نبتة خضراء ولو كانت محض فكرة، هو لا ينسى فضله أبدا، لذلك يتقبل ويقبل منه ما لا يقبله أو يتحمله من الآخرين...
شبحه بدوره لا يغادره، يتابعه أينما سار، يضع يده ورأسه في مخيلته - لأنه كان يدرك أن الصحراء العقيم لا يمكن أن تخلق الخيال والأبداع-  وخلفيته ليوضح له ويرسم له ما لا يستطيع أن يراه..
هو يجلس الآن فوق سريره  المغطى بالحرير في قصره المنيف – الذى بناه له شبحه بحجارة من ذهب وفضة أتى بها من بلاد بعيدة يعمل بها الناس ليل نهار لعلهم يذقون الطعام - يشاهد عبر شاشات خلقها له شبحه ما يفعله في الآخرين بطيوره الأبابيل.. لم يعد الآن بحاجة إلى مصاحبة الخيول والجمال كما كان يفعل في الماضى "المجيد" ليرى فعل يديه، ليروي عطشه من الدماء المسالة، ليشبع عينيه وفؤاده من عذاب الضحية وصراخها وهي تُقطّع وتُمزّق من خلاف، أراحه شبحه من هذا الماضي "المجيد" المرهق.. السقيم.. فعبر شاشاته ها هي الدماء تغطي بلاط قصره، تسيل على سريره، تلون ثيابه وحريره بالأحمر القاني، لونه المفضل من بين كل الألون، ها هي أصوات الأنين والآلام تتخبط في جنبات القصر.. يطربه الصوت.. يسعده.. يشرح صدره فيردد.. "إنا شرحنا لك صدرك " ويُصدّق بآمين.. يُنير حياته لون الدم المسال وآلام الأطفال والنساء المذبوحين.. فقط لو كانت لشاشته القدرة على سبيهم ونقلهم إلى سريره حيث ماضيه العتيد في الفتح والركوب.. وعده شبحه أنه، في مستقبله القريب، قد يوفر له هذه الخدمة، لكنه الآن وفي محاولة منه لسد حاجات فارسنا  الملحة، يكتفي بأن يرسل له مجندات شقراوات يجاهدن في قصره، ويعدن إلى بلادهن حاملات رائحة الزيت وخزائن المال وذكرى مؤلمة، لذلك الذي لا يشبع ولا يرتوي حتى تسيل الدماء...
هو الآن يشاهد أُمّا تجري خلف صغير يظن أن ما ألقته طائراته أو طائرات شبحه  لعبة لطفل.. يحملها بيديه.. امه تستصرخه..
-   القها..
يسعده (هو المراقب عبر الشاشات) ما يحدث.. يعشق في حروبه –التي لم يخضها-  المفاجآت.. اللقطات غير المعدة من قبل.. هذه لحظة كان جدير بالكاميرا أن تسجلها ليحتفظ بها على حائط قصره مع باقى تذكاراته: رأس مقطوع لرجل خرج على حكمه ذات مساء، كبد لمقاتل نسي أن الزعامة في هذا البيت فأُخْرجت كبده ولم تعد بعد للجسد.. وغيرها.. الانفجار والدماء المتناثرة على وجه الأم والتي رمت بها –الأيام-  مسافة   بعيدة قبل أن تفيق من غيبوبتها لتبكي صغيرها تعيد إليه تاريخه المجيد دفعة واحدة.. ذكريات الحائط/ فخر العائلة.. صورة الجد التي تنخر الرأس – المقطوعة بعد منع الماء- بالسيف.. والجد الذي سلخ الشاة وهدم البيت وأباح المدينة.. والجدة وهي تلوك الكبد بعد استخراجه بخنجر الغل.. يبعده تاريخه " المجيد" عن شاشاته حيث حاضره – والدماء المسالة-  الذي يسجل خلاله تذكارات سوف يعلقها عما قريب هو وأبناؤه وأحفاده من بعده على حوائط قصورهم.. يحلم أن تكون هذه فقط مجرد بدايات لتاريخ جديد، أمجاد جديدة يتغنى بها شعراء يعرف كيف يستخرج من أحشائهم قصائد المجد والفخر.. يغمض عينيه على حلمه ويتركه ينمو.. ويعود من حلمه – فجأة-  على صورة شبحه وصوت طائراته التي تعبر الآن فوق القصر في طريقها إلى حيث تقف الأم الذاهلة منتظرة هي الآخرى من طائراته دورها في "لعبة للأمهات".
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
mahertolba62.blogspot.com


29
الأميرة والمرايات
زمان..  زمان قوى.. كان فيه قصر  كبير.. كبير جدا،  مصنوع كله من المرايات، بيبانه وحيطانه، سقفه وأرضياته، حتى شبابيكه وبلكوناته كانت برضه مصنوعة من المرايات، اللى  دائما كانت بتعكس شكل وروح اللى ساكنينه أو حتى بيدخلوه ولو مجرد ضيوف.. القصر دا، كانت سكناه أميرة صغيرة وجميلة.. معاها أمها وأبوها واخواتها، صبيان وبنات وعندها خدمها وحشمها ، سواقينها وبوابينها ، وليها صاحباتها الأميرات وزميلاتها من الدراسة وبعدها من الشغل.. لكن رغم كل الزحمة ده اللى كانت مالية حياتها وقصرها، كانت حاسة دائما فى دنيتها بالغربة وعمر ما مرايات القصر عكست على وشها الدفا أو حسستها بيه..
الأميرة ماكانتش زى أميرات الحواديت والحكايات - اللى دايما كانت بتحكى لنا عنهم جداتنا الطيبات واحنا ملمومين تحت سما الصيف  أو نايمين تحت بطاطين الشتا وإلحفته- طيبة..  لكن كمان ماكانتش شريرة أو على الأقل اللى كان بينعكس من هيئتها وروحها على مرايات القصر كصور مش شر خالص/ نقى.. لكن متعاص براءة ويمكن رحمة كمان.. فى الحقيقة مرايات القصر كانت خالقة لها مشكلة جواها وجوانا، هى ماكانتش بتحب تشوف الجزء من روحها اللى مش طيب "ولا احنا بالقطع"، واللى دايما كان بينعكس وبيبقى واضح كل ما تعدى من قدام حيطة أو تدوس على أرضية أو تخبط عينيها فى سقف غير سما ربنا وهى جوا القصر.. هى ماكانتش عارفه هل حتة الشر ده جواها والمرايات بس بتظهرها يعنى مجرد وسيط ولا هى أصلا من خلق المرايات وصنعها، فكانت دائما تحاول تهرب من قصرها أبو المرايات وحتة الشر اللى جواها أو جواه لجنينة صغيرة جدا بالنسبة لقصر مرمية  على طرفه فى مساحة صغيرة جدا  برا  القصرالكبير.. هناك كانت بتظهر أكتر وبتغلب عليها الحتة الطيبة اللى ربنا فى لحظة رضا -عليها أو على البشر- زرعها  فيها أو احنا كنا بنحاول نصدق دا، كانت بتقدر تمحى أو تخفى جزءها الشرير اللى المرايات بتظهره أو بتخلقه وتدهن وشها وتصرفاتها بيه جوا القصر.. خاصة لما تشوف صاحبتها الأميرات لابسين فساتين جديدة أو لما زميلاتها فى الشغل يقدموا مقترحات مفيدة أو لما تناقش مع أمها تفاصيل تخص ترتيبات داخل القصر هيكون لها دور – ولو صغير- فى تنفيذ بعضها ، الأمر  اللى بدأ يلاحظه كل سكان القصر وزواره وخدمه وحشمه وبدأ يعمل لها مشكلة كبيرة..
فى الجنينة كانت بتحاول تسيب نفسها  حرة يمكن تبقى جزء من الطبيعة ده، تجرى بين الأشجار، تلعب وسط الأزهار والخضرة "فى الحقيقة الجنينة هنا كانت محرومة ومحرم عليها دخول الطيور لذلك مش هتظهر فى حكايتنا ولا هتشاغل أميرتنا بألوانها وأصواتها "، وهناك تقابل فراشاتها اللى تقريبا بقت عارفاهم بالاسم، وعارفاهم بالشكل، واللى دايما كانوا بيستنوها فى الجنينة كل يوم فى ميعاد خروجها علشان يلعبوا معاها ألعاب تناسب فراشات وأميرة... ودا كان بيبسطها جدا ويسبب لها سعادة كبيرة تغطى مساحة مش قليلة من الحزن اللى مدهونة بيه دنيتها..
الحياة كانت ماشية طبيعية زى أى حياة رغم القصر والمرايات، وهادية زى أى حياة رغم الشر اللى بيهرب غصب عنها من جواها وينعكس صور فى المرايات، وفيها شوية متعة زى أى حياة بتعيشها أميرة عندها خدمها وحشمها... لكن فى يوم – مش فاكرين بالظبط هى كانت فى الجنينة ولا فى القصر- جالها الشيطان فى صورة فكرة، فقالت لنفسها:
يا ترى هيكون إيه شكل الجنينة لو ظهرت من خلال مرايه؟!.. إيه اللى مزروع جوا الأشجار والأزهار والفراشات؟.. يا ترى هى كمان ساكنها شر مانع ظهوره عدم وجود مرايات؟..  ولا الجنينة من غير شر أصلا لأنها طول عمرها ماتعرفش يعنى إيه  حيطان؟ يعنى إيه أسوار؟
الفكرة خدتها لبعيد، فأصبح عندها خطة، قررت تنفذ وتشوف اللى هيحصل
-        اللى ماسبقش إنه اتصور من النفوس والأرواح والأجساد لازم تعكسه مرايه.
فى اليوم دا.. هى صحيت الصبح بدرى.. خلعت أول باب قابلها فى طريقها اللى هو فى الحقيقة كان مرايه كبيرة تعكس كون كامل.. وشالته واتحركت بيه، ماتعرفش ليه ساعتها لما انعكست صورتها فى المرايه شافت شكل للشر أسوأ من كل شر قابلته قبل كدا، يمكن لأنها كانت عارفه إن اللى هيحصل هيغير كل اللى فى الجنينة ويموّت نفوس، ويمكن كمان لأنها كانت عايزة تكشف للفراشات والأزهار والأشجار إن هما كمان جواهم شر فتستريح من شرها ويعذروها لو يوم اكتشفوا نقطة الضعف ده عندها.. المهم .. اتحركت بالباب.. عشرات المرايات اللى عكست الصورة استغربوا.. عشرات الأبواب اللى فتحتهم وقفلتهم وراها وهى بتعدى استعجبوا.. لكن آخر باب مش بس استعجب لكن كمان نطق وقال لها..
-        استنى انتِ رايحة فين؟!!.. دا باب فى قصر.. مش مفروض يطلع لجنينة، كدا دنيتك هتتلخبط ، كدا مش هتعرفى الصورة من الأصل.. كدا انتِ بتخلقى الفوضى وتضيّعى المرايات..
  كان الإحساس دا عندها واضح.. الكلام فاهماه،  نفس المنطق كان مسيطر عليها ومصدقاه.. عارفه إنها بتخلط عالمين مش لازم ومش ممكن يتعايشوا لو اختلطوا.. لكن الرغبة، الشهوة، غواية التجربة، ويمكن وسوسة الشيطان.. كل دا كان بيدفعها ويسوق رجليها.. علشان كدا..  سدت ودانها عن كلامه.. بعدت عينيها عن طريقه وزقته بالرجل وعدت..
الباب (المظلوم) بهرته الشمس.. اللى وصله نورودفا منها غير أى نورأو دفا صناعى قابله فى حياته.. بهرته الخضرة.. اللى كانت حية ونضرة أكتر من أى حياة أو نضارة قابلهم فى حياته.. حتى الهوا فى الجنينة كان له ريحة وطعم غير أى هوا شمه أو داقه باب فى قصر.. لذلك بدأ يعكس كل اللى قابله بصورة مبهرة، أضواء وألوان، حركة ونشاط.... كل التفاصيل حتى اللى منها كان وهو باب فى قصر مش ممكن ومش محتمل ومش منطقى إنه يعكسه..
الجنينة كلها استغربت جدا وتاه عقلها لما شافت الصورة المعكوسة، الأشجار والأزهار  اللى عمرها ما اتخيلت أو اتصورت  تشوف نفسها، اتمايلت وانحنت واتحركت، كان ناقص تقوم تمشى، تتخلى عن جذورها علشان تتابع صورها اللى ماشية -من غير جذور- فى المرايه، الفراشات اتلمت حوالين الباب.. كأنه شمعة  من اللى تملّى تتحرق بنارها ، اتجننت وهى بتشوف توائم لها بتتخلق وتتولد فجأة وتظهر للوجود من غير تعب ولا شرانق.. فاندفعت بكل قوتها باتجاه توائمها تتخبط وتقع قتيلة نور...  الوضع كان أكتر من خرافى.. كان أكتر من أسطورى.. كان أكتر من جنون وجنان..  أشجار وأزهار بتتخلى عن جذورها أو بتحاول، ودم فراشات مغطى مساحة ضيقة جدا جوا قصر كانت من شوية بس جنينة بتشغى بالحياة والفرح والبهجة.
معلش استنوا عليّا شوية.. الصور هنا كانت ملتبسة، الحالة كانت كابوسية، اللخبطة والدهشة والألوان اللى بتتداخل وتختلط،  و العوالم اللى بتتخلّق وتختفى كانت أكبر من إن أى عقل حتى عقلى أنا يستحملها أو يتصورها أو حتى يحلم بيها.. علشان كدا أنا نَفْسى اللى كنت بحاول أخلق الصورة أو أرسمها  أو بشكل أكتر دقة أفهم الصورة ده وأنقلها، عندى حيرة شديدة، محتار ومتلخبط زى الباب، زى الفراشات، زى الجنينة بأشجارها وأزهارها حتى بنور شمسها الدافى، ويمكن كمان زى القصر اللى بقى هو كمان ناقص باب أو ناقص مرايه.. لكن المهم إن وسط كل دا، هى كانت واقفة وبتراقب، ملاحظة ومش مندهشة ومش مستغربة ومش حزينة أو سعيدة.. لكن النشوة والرغبة لسه غلباها، فكانت صورتها اللى منعكسة فى المرايه بتعكس حالة من الشر أنا بس اللى كنت عارف من يوم ما اتولدت  إن هى ده الصورة الحقيقية للأميرة واللى هتقدر تشوفها بقلبك – اللى بيعشق فى كل الحكايات الأميرة واللى بيحلم فى كل الحكايات بالأميرة-  حتى من غير المرايات.
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
mahertolba62.blogspot.com
 



30
أدب / السيدة - قصة قصيرة
« في: 20:29 02/03/2015  »


السيدة

ماهر طلبة


سيدة  تعشق الحكايات، ترتاد مقاهى المشردين والتائهين فى صحراء الدنيا، تجمع ما تناثر من رواياتهم وتحاول قدر استطاعتها هدايتهم إلى خيام المضيفين.. حيث الغذاء والدفء والسمر الليلى والحكايات.. سيدة  ليست هى التلميذة التى تسند كتبها إلى صدرها لتحميه من نظرات المفترسين المشتهين، ولا هى المرأة التى حين تظلّم عليها الدنيا مساءً تكون سريراً لرجل واحد أبداً لا يتغير.. سيدة  تفكر دائما فى المشردين والتائهين فى الصحراء.. منذ تخلّفت عن الركب ذات مرة، وصارت وحيدة تشارك ذرات الرمال ضياع الصحراء وعطشها..  يومها، مر فارسها، ركب خلفها أو أركبها أمامه، وأوصلها لشط الأمان، يومها ذهبت سيدة إلى خيمة أبيها.. نَشَرت فى الأفق حكايات عنه.. هو النقي، التقي، الورع.. هو الصديق، هو الوفي، هو الكريم،  هو الشجاع، هو زير النساء، هو الخصى...
تحاول سيدة أن ترسم المتشابه فى المختلف، أن توحد بين ذاته وبين حلمها، لكنها تخفى خلف رؤيتها  نظرات تطاردها وتطارده، لمزات تحاصره وتحاصرها..  سيدة تكره النظرات، تفهم اللمزات، لذلك استترت فى ليلها بالرجال وفى نهارها بالنقاب.
سيدة ليست امرأة عادية، ليقول عنها التاريخ إنها كانت هنا ورحلت، فآثار سيدة وبصماتها فوق جسد كل رجل مرت من أمامه ، رمت عيونها تجاهه، تركت كلمة أو صوتا أو لونا أو طَعما من فمها على شفاهه، لذلك فتح لها التاريخ صفحة أبدا لا تنغلق..  ليست هذه هى حكايتها الوحيدة ، هى فقط ما استطاع التاريخ أن يضع إصبعه عليه من حكاياتها، لكن لسيدة قصة فى الطفولة قبل أن تغادر دار أبيها وتغادرها، تذكر أنها كانت معها عروستها، تُجلسها على حجرها تهدهدها  كطفلها الذى لن تلده أبدا، تُسمعها حكاية من حكايات الرمل .. الدمع الذى يسقط لوأد النساء، فيجمع فى البئر ليشربه ناس القبيلة والعابرون،  وحوش الصحراء وطيورها..  كانت عروسة سيدة حزينة، لكن ليست مثل سيدة، أتت يومها أمها، أخذتها من يدها، ألبستها ما خلعه عنها آخر لتصير عروسة..  سيدة تترك للتاريخ صفحة مهمة لا تنسى ولا تنغلق – منذ ذلك اليوم-  هى مثل الدمع يسقط من العين، تتلقفه الأرض – الحزينة – تتشربه ، فيخرج نبت أخضر لتأكله بهائم الأرض دون أن تشعر أن هنا دمعاً وألماً..




31
أدب / عشيقة وزير – قصص قصيرة جدا
« في: 13:25 26/02/2015  »
عشيقة وزير – قصص قصيرة جدا
أزمة مرورية
منذ اللحظة التى اقتربت فيها من باب قلبى وبدأت الدق، وأنا مشغول البال بهؤلاء المتسولين الذين دائما ما يطرقون الأبواب حتى تحن لهم و تبسط اليد فيأخذون ما يستطيعون طمعا، وينصرفون تاركين  الدعاء – والحزن- عقبة دون المرور.
لحظة رومانسية
لأنها كانت نايمة وهو كان صاحى، اختار مكانا يصلح للقاء رومانسى، اختار الحيز المتاح بين الشعور واللا شعور وبعت لها رسالة على تليفونها تحمل بصمته.. "بحبك قوى يا بنت.... " .. و استنى واقف قلقان برا الحلم.
حية
ارتدت عباءتها وذهبت إلى سوق المتعة لتلدغ، فاصطادتها موسيقى الحاوى.
قانون السوق
لم تقابل فى السوق – الموجودة به - سوى بضاعة، فلم تعترض حين عرض العجوز الغنى – على أبيها – ثمنها بيضا.
عشيقة وزير
لأن حارسه الخاص كان يقف كلما مرت من أمامه إلى مكتب سيادته، كانت دائما ما تحمل فى يدها مناديل الكلينكس .
اولويز
لأنها لا تستطيع أن تبتعد عنه كل هذه المسافة، كانت دائما ما تستخدمها – عندما تنزف شوقا -  لتسد جوعها
فضول
لأن للأحلام أبوابا كثيرة، لا نعرف المخبأ خلفها، خرجت من الحلم الذي أرغبه – بإرادتي – إلى الحلم الذي يرغبني فوجدت نفسي معلقا على صليب.
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com


32
أدب / خواطر قيسية 7
« في: 15:45 19/01/2015  »
خواطر قيسية 7

أسأله.. " ... هل قبلت فاها؟!...." .. مجنون.. فقد رأيته بأم عينى يعبر الحدود فوقها.
****
لم تكن الأيام بأرحم من ابن ورد علىَّ، فقد تركت لى صورتها– شعرا- عارية  مع ابن ورد  فى ألف كتاب.
***
ذهبتُ إلى البئر اغتسل للصلاة، وذهبتْ إلى البئر تغتسل من الذنب، بينما نام ابن ورد بعد مجهود الليل تاركا فى البئر ماء.
***
"غيرتى ليلى من المها"... فماذا أقول أنا، ورياح خيمتك تعبر الصحراء بالتأوهات.
***
منذ عبرتْ بوابات الطفولة لم تعد قصائد الحب تكفيها، فهى فى حاجة إلى من تستظل تحته من حر جسدها الفائر.
***
قالوا لها: هو شاعر.
قالت وأنا فرس لا أبحث عن الكلمات، ماذا تفيد الكلمات إذا صهل الجسد، اذا فح يطلب الراكب.
***
سألتها: لما ينصاع الفرس لراكبه، لا  لمن يهديه بصوته للطريق؟!!!
قالت: لكل فعل زمانه.. وصهلت بالشباب.
***
قلت لها: أعبدك.
قالت: وأنا مثلك.. أعبده.. واشارت باتجاه ابن ورد... فركعت فى صلاة للالم.
***
نادانى جملها ليلا.. قال: انتبه، فخلف ابن ورد ألف ابن ورد.. فلماذا تكتب قصائدك على الرمال.
***
فى حلمى ناديت ليلى باسمائها ال 99، فاجابنى من قال لى الاسم الاعظم، فتحت صفحة الغيب فوجدته "الخائنة".

ماهر طلبه
http://mahertolba62.blogspot.com/
mahertolba@yahoo.com

 

33
أدب / لحظة فارقة – قصص قصيرة جدا
« في: 15:02 10/01/2015  »


لحظة فارقة – قصص قصيرة جدا

ماهر طلبه
 
لحظة فارقة
راودها عن نفسها، فغادرتها نفسها بعد أن استسلمت له

عشيقة 1

دخلت حجرته بالفستان الأبيض – على أمل – فتركها – بعد أن مزقه- وهى تنزف.
 
سفير سابق
اعتاد التنقل بين الدول وسكن السفارات ، فلم يزرع فى وطنه – حين عاد- إلا الغربة.
 
عشيقة 2
كانت تجرب عليه دائما قمصان نومها ، لكن لم يكن يناسبه – ابدا- إلا لونها الأسود.
 
السر الاعظم
فى حلمى ناديت ليلى باسمائها ال 99 ، فاجابنى من قال لى الاسم الاعظم ، فتحت صفحة الغيب فوجدته "الخائنة".

تشابه تام

تذكرها .. الآن!! .. لماذا؟!!.. ربما لأن خارطة جسد التى تتلوى أمامه عارية تماما، تشبهها حتى فى ملمس جلدها الثعبانى.
 
 
سؤال فلسفى
لماذا كلما وُجِدتْ المرأة والمرايا وجد باب خلفى للخيانة.
 
 
 
عربة الركاب
نهرته لأنه يضغط على جسدها – بنظراته – بينما أمامه الطريق مفتوح للعبور.
 
الغانية 1
لانها تهوى الرجال دونه ، التحقت - مثلهن-  بالقطار
 
غانية 2
عادت – للدنيا- بعد أن خسرت ميزان حسناتها، فعاشت – بها – ما تبقى من عمرها دون "كف".
 
نصيحة لها
أرجوكِ لا تسعدى كثيرا، فالطائرة عادة ما تطير ألاف الأميال، تحط فى مختلف المطارات الرحبة، قبل أن تصطدم بالصاروخ – الذى دائما ما ينتظرها-  فيحطم قلبها ويدمرها.
 

http://mahertolba62.blogspot.com/
 


34
أدب / دليل دامغ قصص قصيرة جدا
« في: 16:45 27/12/2014  »
دليل دامغ قصص قصيرة جدا

دليل دامغ
تحداها أن تثبت له أنها ليلى مثلما اثبت لها أنه قيس، فأرسلت له صورتها عارية وهى فى حضن ابن ورد.

فى تحقيق رسمى
سأله وكيل النيابة – محاولا أن يفهم كيف انتهت علاقتهما هكذا- : ما دليل خيانتها ؟
قال له: انظر فى مرآتها سوف تجد أن صورة الخيانة ملتصقة بها لا تغادرها قط.

محمول جديد
لأن الآخر يهوى صورها العارية، عملت – دائما – على تحديث كاميراتها.

عنتيل
كان كهلا.. لكنها تجاوبت معه باللفتة، ثم بالنظرة، ثم باللفظ، ثم بالصورة، ففتح لها ملفا فى ارشيف حياته تحت اسم إعادة شباب.

تاريخ متكرر
لأنها أحبت (أو هكذا اعتقدت) حبا أكبر من سعة المدينة، كرهت هذه الأسوار التى تحاصرها، فسلمت المدينة لأول غازى حاول هدم أسوارها ليذبحها بحبها.

محاولة لاعادة مشهد سينمائى
أرادت أن تتمثل الحالة فوضعت فى رقبتها السلسلة ونزعت ملابسها كلها ونامت أمامه، ودعته لان يرسم لها صورتها الخالدة قبل أن تغرقها المياه المندفعة من بين فخذيه.


تصريف ثالث للفعل
قالوا.. أنى أحبك معناها اننا عاشقان.. وأنى أحبك تعنى أننا زوجان سعيدان.. لكنى اكتشفت حين وجدتك عارية فى سرير الآخر.. أنك قاتلتى.

ثقب أسود
فى قلبى ثقب أسود، خلقته أفعالك.. كلما اقتربت ذكراكِ من عقلى، اجتذبت – تجاهك – الكره المعلق فى كل الكون إليه.
ماهر طلبه
http://mahertolba62.blogspot.com/


35
أدب / للقصة أصل - قصص قصيرة جدا
« في: 19:03 13/05/2014  »



للقصة أصل - قصص قصيرة جدا


ماهر طلبة


صورة فوتوغرافية
الواقف بجانبها هو ، النائم على صدرها أنا ، قال لها يومها .. دعيه هنا خارج الإطار مادام نائما .. لكنها رفضت النصيحة ، فاحتفظت لى بالصورة الوحيدة التى تجمعنا معا حتى فى الذاكرة .

سيرة لحياة صوفى
كان أبى سكيرا عتيدا ، كان إذا شرب يسجد لليل ويغنى للجسد ، حتى كتب عند الناس زنديقا .... وتوفى فورثت عنه سيرته وكأسه واغنية لجسد لم التصق به أبدا ...

حكم الزمن
وجدها حزينة ، فاستند إلى الارض – الجافة – أمامها ، وقال لها .. احك لى .. اتخذينى أخا..
فقالت له .. بكم ؟؟

للقصة أصل
طلبت منه أن يتبادلا الأدوار .. ففرح وتلبس ثوبها لعله يستطيع ان يمنع الخيانة والغدر ، لكنه لاحظ -فى منتصف المسرحية / الحياة- أنها لا ترتدى دوره كاملا .. فقط ترتدى منه ما يثبت – عليه – الجنون حتى تحظى بعطف ابن ورد.


وجوه للشيطان
اتخذ من الورد رسولا ، وبعث إليها قرأنه ، فقرأته من فاتحته حتى ختمته و"صدقت" ، لكنها فى مساء نفس اليوم .. قابلت أبا لهب يركب سيارته الفارهة ، فأهداها الشيطان صورته الأخرى .. "تلك الغرانيق العلى ... ".

رحلة بحث
فى محاولة جدية منه لمعرفة الحقيقة ... استسلم للشك

هجرة
قال لها :أحبك
طالبته بالدليل، قدم لها لسانه –هدية – كلمات تعلقها فى رقبتها زينة للناظرين، اعتاد الناس مظهرها؛ فهجرته إلى لسان مبين.



mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com




36
الجريمة الكاملة
"كلانا مظهرٌ للناس بغضاً / وكل عند صاحبه مكين "*
فى ليل مثل هذا الليل ، خرجت ليلى من خيمتها، كانت ترتدى النقاب، لكن قيسا -الذى يراقب الخيمة كل ليل-  عرفها رغم نقابها.. انتظر حتى مرت من أمامه وعبرته، ثم تابعها بنظره حتى اختفت، وأسرع خلفها..
سأله المحقق: لما أسرعت خلفها؟!
قال قيس: لأعلم ..
***
استمر قيس فى تتبع خطوات ليلى التى تتركها على رمال الصحراء، كانت تبتعد عن خيامهم.. ربما لم يلاحظها القمر لذلك لم يتبعها، لكن قيسا سار على خطوها.. كان شكه كما يبدو فى محله.. فليلى تقترب بالخطوات من خيمة بن ورد..
سأله المحقق: من أين لك بخطوات ليلى حتى تدعى أن هذه الآثار لها..؟!
قال قيس: أعرفها
***
على باب الخيمة فقدت  خطوات  ليلى انتظامها، ربما لأنها فى لحظة اللقاء بابن ورد لم تصل لصدره لتلقى عليه ثقل الجسد فخرجت مشاعرها المضطربة عبر الخطوات..  قيس تفحص الأثر، ثم نظر إلى القمر الغافل عنها.. كان كل ما يريده شاهدا.. لعل العالم من بعده يعرف سرهما
سأله المحقق: كيف...؟!
قال قيس: بالكلمات ..
***
اقترب من الخيمة ، كان الصمت يلف الصحراء، كأنه متواطئ ، مشارك فى جريمة لا يعرف بها إلا قيس.. قطع الصمت فجأة ضحكة تعالت حتى أنها دهنت صمت الصحراء بالبهجة, رمل الصحراء بالأخضر، فلفتت نظر القمر الغافل فالتفت ناحيتها، ضوؤه المرمى على خيمة بن ورد عكس ظلين متقابلين عاريين كانا على وشك أن يبوح أحدهما بسره للآخر.. رأى قيس الضوء ولمح من خلاله الشبحين.. وتنبأ بالسر الذى سوف يباح به.. لكنه لم يتحرك.. كأنه أصيب بالشلل.. فترك نفسه ليسقط على الرمال وانتظر..
سأله المحقق: ماذا كنت تنتظر؟!
قال قيس: معجزة..
***
تحركت الظلال المتقابلة.. لم يعودا ظلين.. فقد اجتمعت معهما شياطين الجن والإنس.. امتلأت الخيمة بالحركة... بالرياح العاصفة.. الأنات التى تشبه صوت ريح الصحراء.. بالأنفاس اللاهبة الحارقة... وصل صهدها إلى وجه قيس.. فأخفى عينيه بيده وحاول ألا يستعيد المشهد مرة أخرى.. لكنه فى داخله كان يريد أن يتأكد من شئ واحد.. أن ما سيفعله سيحفظه التاريخ.. فرفع وجهه إلى القمر.. كان القمر غارقا فى بحر الاشتهاء والتمنى،  تتقاذفه أمواج الرغبة الجامحة؛  فبدا بوجهه الأحمر كأنه يشتعل... حزن قيس وتمنى فى داخله اختفاء الشاهد؛ لعله يمحو من داخله صورة – سيحفظها التاريخ - ليلى العارية المنعكسة ظلالا على جدران الخيمة..
كان المحقق ينتظر ..
وكان قيس صامتا ..
***
لم يجد قيس بدا من التحرك، فالشاهد لم يعد شاهد عدل.. ربما أغوته هو الآخر شفتا ليلى.. تحرك فى اتجاه الباب  مقاوما ذلك الإحساس الذى يحاول أن يهزمه.. "إنها ليلى.. الحب والحياة.. الشعر والكلمات.. السعادة المقتنصة والفرصة الضائعة "... على الباب توقف ليتأكد أن القمر مازال حاضرا.. أن الضوء المتسلل للخيمة ليس وهما من خياله.. أن الأصوات مازالت تتوالد وتتكاثر فى داخلها.. أنه حى لم يقتله بعد ما شاهده مرسوما على صفحة الكون،على قماش الخيمة.. اندفع داخلا.. الرمل حجز قدميه لحظات كانت كافية  كى يرى المشهد ملء العين.. يتأمله وينقله لعقله الغافل الساهى المغيب.. غيره كان سيصاب بالجنون،  لكنه فى لحظتها تواردت على رأسه أبيات الشعر وموسيقاه تعزف ألحانا تصلح لأبيات تسكنها الخيانة..  لم يكن يملك الورقة والقلم.. ولم يكن عنده الوقت ليكتب كما اعتاد دائما على رمال الصحراء..  فهجم على ليلى.. أخرج الفزع بن ورد عن حاله.. فأسرع بجلده هاربا.. كان قيس يحاول أن يعبر القصيدة التى تطارده الآن.. "عرضت على قلبى العزاء فقال لى / من الآن فايأس لا أعزك من صبر"** ..  كان يحاول أن يحولها لواقع، فيضغط بقبضته التى تنطق الحروف على رقبة ليلى .. فتخرج الأنفاس منها بحار شعر وقوافى تكمل له قصيدته.. حتى وصل بيته الأخير.. "إذا بان من تهوى وأصبح نائيا / فلا شئ أجدى من حلولك فى القبر"**.. الأنفاس تتلاحق وتتوقف.. يسابق ليلى وتسابقه... توقفت الحركة.. انكفأ بجانبها.. لم يتح للقمر أن يرى وجه ليلى، ولا أن يلمح ظلها  لأنه كان منشغلا بهذا الفار عاريا كأنه خارج لتوه من رحم أمه.. مغطى بفضلات الميلاد.

*- البيت لليلى
** البيتان لقيس
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com/


37
أدب / الزعيم ... قصص قصيرة جدا
« في: 19:30 22/01/2014  »

الزعيم ... قصص قصيرة جدا

ماهر طلبه


الزعيم/سبحانه..
 مات أبى في الثلاثين من عمره، بينما غلبته أنا باثنتين وثلاثين، وفاقنا ابني بالأربعة والثلاثين، ومازال الأحفاد المتساقطون واحدا خلف الآخر يتحدثون عن سورة الزعيم التي لا تغادر موقعها على الحائط منذ اعتلى كرسي السلطة قبل بدء الخليقة.
الجنة
لأنه لم يرتدها يوما إلا الملائكة لم تُزين حوائطها –القاحلة- أبدا إبداعات الشياطين.
العذراء ِ
ذهبت إلى الطبيب تشكو آلام القدم، قال لها الطبيب :
-        علقيها إلى السماء  أطول فترة ممكنة.
بعد شهور قليلة أطلقت عليها القرية مريم العذراء.
سُنّه
لمحها عارية فهرول إلى الشارع يرتجف، حتى قابله ظله هدّأه...  في المساء تسلل إلى خيمتها روحا صافية واتحد بالجسد، فخرج من بين الصلب والترائب أبناء للشيطان.
وأد
دائما كان يتسلل ليلا لحلمها، حتى لمحته أمها ذات ليلة، فأيقظت أباها الذي فتش سريرها جيدا،  وحين عجز عن العثور عليه – ولو في شكل رائحة – ليقتله، عاوده الخوف من تسلله الليلي، فاضطر لدفنها في النقاب حية.
Off- line
تحركت في الفضاء الإلكتروني بأوامر الشيخ، فصنعت لنفسها أصدقاء دردشة "للتسلية"، لكنها كانت دائما ما تحدثهم من وراء "حجاب".
نصيب
قامت السلطة – كما هي العادة – بتقسيم الوطن وتوزيعه على المواطنين، فكان نصيبي – أنا- مستشفى للأمراض العقلية.
 



mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com/
 


38
أدب / حواء - قصص قصيرة جدا
« في: 20:45 28/12/2013  »

حواء - قصص قصيرة جدا


ماهر طلبه

حواء
بكى وقال لها : أمي ماتت .
فضمته إلى صدرها وقالت : أنا أمك .
وأخرجت ثديها وأرضعته حتى غفي .
.. بكى وقال لها : مات أبى .
فضربته على وجهه وقالت له : كن رجلا واذهب لتحمل نعشه .
في المساء دخلت غرفته عارية ..

هيلين
حين أظهر في وجهها السيف، كشفت له عن ترسها، فاندفع لطعنها حتى نزفت حممه الساخنة فاستسلمت على صرخاتها المدينة.

أُمّيّة
دعاها إلى منزله لتقضى السهرة معه..
فأمضت ساعتها الأخيرة قبل اللقاء أمام مرآتها عارية .. تتجمل وتتزين وتمحو كل ذكرياتها السابقة عن جسدها ، حتى صار ورقة بيضاء لامعة تصلح للكتابة. لكنها اكتشفت حين فتح الباب لها في نهاية الأمسية مودعا.. أنه لا يملك قلما يخط به على جسدها حروفه .

حل مؤقت
لأنه لم يقابلها إلا في الخيال، ولم يراها إلا وصفا، دقق كثيرا في ملامحها المغطاة بالغيب، وجرب عليها كثيرا من الملابس المحفوظة دائما على رفوف عقله، ليقترب..  وكلما ضاقت بزيها   الجديد أو ضاق به هو، نزعه عنها وتركها حرة كما خلقها ربها.. عندها كانت تتجسد له زجاجة مغلقة.


صوت الباب
تناهى إلى سمعه أن الباب يصدر صوتا كالأنين، فذهب من فوره إلى صديقه النجار.. حدثه كثيرا عن الإشاعات المنتشرة في البلدة،  عن الأحزان التي تقتل قبل الأوان، عن الألم الذي يسببه الفراق، والأبواب التي تغلق ولا نستطيع فتحها.. وتذكر امرأته في مدفنها.. فقال له: "بابي يصدر أنينا"

مكاشفة
كانا منفردين
قال لها: أنا عضو في تنظيم سرى
قالت له : و أنا عضو
لم يفهم المغزى السياسي، فانصرف



mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com/


39
أدب / خواطر قيسية 3
« في: 14:19 24/07/2013  »


خواطر قيسية 3


ماهر طلبه

أنا قيس، فهل تستطيعين أن تواجهي القبيلة يا ليلى باسمك.
***
"لعلى أجد على النار هدى".. فلماذا تشعلين فى قلبى نارا للشك.
***
لماذا كلما دعوتك فى حلمى إلى خيمتى استعذتِ منى بشيطان الحلال.
***
ملعون بن ورد مثل إبليس، أغوى آدم بالشجرة، لكنه أكل ليلى قبلى.
***
حبيبتى تخوننى حتى فى حلمى.
***
حلمى صار كابوسا، صورة مكررة لابن ورد يقطف وردة، فيخرج دمى ويسيل وأجن.
***
لم يخلق الله لى أعداء قبل بن ورد.
***
عرى سرى، كشف عن جواهره المكنونة، استدفأ بنار جوانحه المشتعلة، ثم قام ليغتسل ويتطهر.. ملعون بن ورد.
***
لم أفارقك لحظة فى حلمى، ولم يفارقك بن ورد لحظة فى الحقيقة..  فمن الرابح؟ ولمن الجنون؟
***
أنا العاشق وأنت المعشوق، فكيف لا نستطيع "التعشق".
***
رمل الصحراء تشرب دمعى، أما دمى الذى أرقتيه فى خيمة بن ورد فمازال يرفضه رملك.
***
خرجت من حلمى على حقيقة واحدة، هى بن ورد.



mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com/

40
أدب / موسى - قصة قصيرة جدا
« في: 10:21 27/05/2013  »
موسى

تعاهدا؛ فبدأ رحلة صعود الجبل/الاكتناز..  كانت شروط الأهل قاسية.. تحمل مشاق السفر والغربة وسوء المعاملة... حتى أتم أيام غربته وزادها عشرة..
ذهب إلى بيتها وطرق الباب.. فتح له "عجل من ذهب".. تعجب، وأشار.. فأظهرت له الحقيقة.. إنها لم تكن لتطيق صبرا.
ماهر طلبه

http://Mahertolba62.blogspot.com


41
أدب / الحمامة - قصة قصيرة جدا
« في: 21:28 19/03/2013  »


الحمامة


ماهر طلبه

فى طيرانها، مرت  فوق عشها القديم.. راودها حلم سبق أن عاشته، هو هناك.. يهدل ويلقى فى فمها الطعام، ويترك حبات قلبه على فمها فيخرج من بيضها الصغار..
يوما ما طاردته رصاصة، لم ينج.. تهدم العش.. غادرته مجبرة..
هى الآن تعايش غيره.. تسمع هديله، يلقمها حبوبه، ويترك حبات قلبه على فمها فيخرج صغاره من بيضها.. تطير معه فتعبر فوق عشها القديم فتأتيها رياح الذكرى قوية تلقى بها بعيدا حيث عشها الجديد.

http://mahertolba62.blogspot.com
 

42
أدب / هذا ما حدث بالفعل
« في: 16:13 13/01/2013  »
هذا ما حدث بالفعل

خرج سيد من بيته مبكرا، حاملا شبكة الصيد على كتفيه.. اعترضته الكثير من المصاعب والعراقيل فى الطريق.. حجر ألقى به ولد صغير، مياه غسيل أو مسح أو صرف صحى تسربت للطريق من شقة أرضية أو بيت او بالوعة، حفرة لإصلاح ماسورة مياه منفجرة، وأخرى لخطوط الكهرباء، وثالثة للغاز.. وغيرها.. عبرها كلها دون تذمر أو تأفف أو احساس أو تصنع للغضب ودون أن تهتز الشبكة على كتفيه حتى وصل إلى النهر الذى رحب به ودعاه للجلوس على شاطئه.. لكن سيد لم يأت للزيارة ولا للتنزه لكن للعمل، لذلك اعتذر بأدب واتجه إلى قاربه الصغير، أوسع لشبكته مكانا به وألقى بها من فوق كتفيه واتجه إلى المجدافين... سيد يجيد دائما استعمال مجدافيه، فاسرع قاربه فى اتجاه منتصف النهر – الذى لم يكن عميقا ولا عريضا كما هى دائما الأنهار– توقف قارب سيد فى المنتصف، استعد سيد لإلقاء شبكته وجمع الرزق، أدار شبكته فى الهواء وتركها، فحرك سقوطها فى سطح النهر الجارى موجة أثر موجة ونزلت الشبكة ببطئ إلى القاع.. تحرك قارب سيد بفعل حركة النهر وبدأ سيد فى جمع شبكته... عروس النهر لم تكن هى الصيد الوحيد العالق فى الشبكة.. كانت هناك أسماك البلطى والقراميط والشيلان... سعد بها سيد كثيرا، لكنها خيرته بينها وبين سر يمكن أن يغنيه الباقى من عمره... سيد كان يعلم –أو يظن– أنها فى النهاية عروس نهر، وأنها لن تقبل أن تعاشر أو تعايش بشرا بعد أن اختارت و أختارها النهر زوجا، لكنه أيضا كان يراها –ربما فى حلمه- فى قلبه جالسة.. للوقت هنا ثمنه.. فرمى بقلبه فى الماء أمامها واختار السر.. نظرت له وحزنت لاختياره، ولكنها قالت له..
- خذ شبكتك إلى منتصف النهر من جديد والقى بها، ثم شدها إليك يخرج لك فيها كتاب الحكايات.. فك شفرته لا تشقى بعدها أبدا..
سيد أخرجها من شبكته، فاسرعت إلى الماء.. فقط انتظر حتى غابت عن عينيه بقلبه وألقى بالشبكة.. بالبلطى والقراميط ... ... والكتاب خرجت.. لم يزد على ذلك وحمد ربه واكتفى.. عاد بقاربه إلى الشاطئ.. أعاد تسكينه عليه وأخرج رزقه منه بعد أن وضع الكتاب منفردا فى كيس من القماش حمله على ظهره واستدار للنهر بعد أن ألقى عليه تحية الوداع ومضى فى طريقه.
فى السوق باع سمكه واشترى ما يحتاجه يومه من طعام وشراب وعاد إلى بيته.
فى البيت أتى بلمبة الجاز، اشعلها.. وضعها فوق الطبلية فى منتصف غرفته، وجلس.. أخرج الكتاب من كيسه.. ألقاه أمامه على "الطبلية" وبدأ فى فتح صفحاته وتذكر أنه خسر قلبه مقابله، فانتابته حسرة.. وسأل نفسه... "لماذا لم أعط نفسى مساحة كى أفكر ربما تغير عندها الاختيار؟.."..  لكنه ألقى بحسرته جانبا.. فهو يعرف نفسه ويعرف أن الحسرة لن تنتهى حتى لو عاد إلى النهر واستخرج قلبه.. فالحسرة الآن تسكن روحه.
ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba.maktoobblog.com


43
السيرة الذاتية لحامد بن اسماعيل

أنا "حامد بن اسماعيل العاقب  بن إبراهيم الصادق بن العاصي" ولدت عام الفيل،  ربما قبله بقليل، ربما بعده بكثير،  لكني بالتأكيد ولدت في عام الفيل.. لا أتذكر الكثير عن طفولتي ولا من طفولتي،  لكني ولدت في بيت لاباب له يدخله من يشاء وقتما يشاء.. كان أبي دائما في انتظار الزائرين،  لذلك تجده كان في انتظاري حين ولدت.. رحب بى.. مد لي سفرة الطعام وقدم لي مايقدم للمسافر والضيف.. أمي هى الآخرة كانت مشغولة  عني بأمور الأسرة ونظافة وترتيب البيت لذلك لم أجدها كثيرا في طفولتي ولم أجدها مطلقا في كبري.. الأخوات والإخوان حين ولدت لم يكن أيّا منهم بعد قد شاهد وجه الدنيا أو شاهدته،  فأنا البكرى من فُديت بعشرة من الأبل وخنزير لم ير العرب له شبيه سوى في أساطير قبائل لم يصل إليها بعد أحد.. أكلت من سفرة أبي مع كل غريب وسمعت حكايات السفر والمسافرين.. رضعت الشعر والقصة والرواية وسيرة بنى فلان حتى تشربت روح الأدب وطعمه.. أقتصد فأقول رحل أبي عن وجه الدنيا ذات مساء -لم ألمحه- فخرجت فيه أفتش في خيام العرب الآخرين عن بيت يأوي يتيما.. كان لي خال في قريتي البعيدة، كان قريبا لأمي من بعيد، وربما لم يعرفها قط.. لكنه رحب بي، فتح داره وقلبه وقال
: عش حتى تكره الدنيا أو تكرهك، لن يرغمك شئ على مغادرة الدار..
صدقت خالي وزرعت في داره شجرة من الأمل، صاحبت أطفاله، رعيت صغيرهم.. صار أقربهم إلى قلبي.. احببته، كان فيه صفاء السماء ونقاء قلب لم تغدر به بعد حبيبته.. صاحبني في حفلات التأمل.. دنيتي /حلمي. ارهقني طهره، حتى أني كنت أستند إليه حين أحتاج إلى التطهر.. لاحظ خالي ميلي إلى طفله النقى، وميل طفله النقى إلى ّ.. أطمأن قلبه وسعى في صحرائه ينمي أمواله.. قلت له
: يا خالي، أريد أن أرى الدنيا وتراني.
قال : مازلت صغيرا على الهجرة والسفر وغربته.. "كان خالي يخشى بأس الأيام وقسوتها وخيانة أهل المدن البعيدة وغدرهم.. منذ أنبأه فنجان قهوة كان قد شربه مع مسافر أني والطاهر مابيننا سيف وصليب ينتظرنا في المدن البعيدة إيانا يصل أولا .. لذلك ظن أن زمن الهجرة والسفر لم يأتيا بعد وأن خروجي يقتل الأمل ويضيع طفله البرئ".. فانظر أيامك وتأملها حتى تبلغ الكبر..
في بيت خالي حرمت القصص والأساطير والشعر والاستئناس بالمسافر.. لم يبق لي سوى خيالي الذي يتبعني أينما رحلت فرعيته حتى يكبر و رعيت خالي وبيته كنت أذهب كل صباح إلى الخلاء أجلس فوق الصخرة "سميت في الزمن الأخير صخرة التنبؤ والتأمل والفكر الرصين لكنها الآن مجرد صخرة"  وأطلق أغنام أفكاري ترعى في هذا الفضاء الفسيح.. كان ابن خالي يجاورني.. يشاركني لعبتي المفضلة.. يصمت حتى أنطق، يسمع حين أنطق بالكلمات ويرددها.. ويتابع أفكاري ككلاب الصيد ولا يسأم الصمت الثقيل ولا الكلمات الكبيرة.. خالي كان يتعجب من غيابي عن البيت.. "ربما كان يقلقه غياب الصغير" يسألني دائما أين أذهب؟.. أتأمل سؤاله طويلا.. لكني لم أملك في يوم ما إجابة له.. فمن منا يدرك أو يعلم أين يذهب حتى يجيب على سؤال  مثل هذا، فأتركه مبتعدا، اعتاد خالي على سلوكي فصار يدعني لحالي ويحاول أن يتواصل مع صغيره،  لكنه ما كان يبوح ألا بما قلت له.. يسأله خالي فيصمت ويشير إلى البعيد، خالي يدرك البعيد، لكنه يسأله ماذا تفعلان؟، فيصمت ويشير إلى قلبه، لم يفهم خالي أن هذا هو الجواب -فالخلاء يريح القلب وينقيه ويطهره ويخرج زرعه الأخضر-.. لذلك يلح، فيتركه الصغير متبعا خطاى..
في ترحالي ما بين بيت خالي وصخرتي.. أراها.. كانت مثل النهار غامضة لا تبوح ألا بالنور والضياء، في البدء تابعت خطواتي بالنظرات، ثم باللفتات، ثم بالكلمات.. القت التحية فرجعت لها.. ثم بالتساؤل فكان الجواب.. ثم أشرت إلى بيتها وذهب خالي ذاهلا مذهولا.. وانتقلت إلى بيتها.. عز علىّ فراق الصغير وعز عليه فراقي..
في بيتها تغيرت الأمور.. صرت سيدا لي سلطة الأمر والنهى،  أتوسط الدار نهار كل يوم أحسب وأعد ما ربحت تجارتي / تجارتها وأوزع الهبات والمنح وأشير ليوم السفر ويوم الإياب.. كانت مليحة حلوة المعشر والمقام.. نسيت الدنيا ونسيت الصخرة.. وكنت من قبلها قد نسيت الأدب شعرا وقصة وسيرا.. لكني كنت المحه صباح كل يوم في ميعاد جولتنا التأملية يأتي إلى باب الدار يجلس في الجهة المقابلة يلاحظني وأنا أُعد النقود.. أُحاسب العمال والتجار.. عينه تقول لي شئ لم يقوله باللسان.. أعرفه.. هو يشتاق للرعى.. لأن يرى مرة آخرى أفكاري ترعى أمامه.. أُلاحظه طويلا في جلسته التي أبدا لا يملها.. لا ألتفت إليه كثيرا.. لكن مشهده لا يغيب أبدا عن بالي..
يوما ما قالت لي أني سوف أصبح أب.. يوما ما انتفخت بطنها.. يوما ما سمعت في الدار ضوضاء وصريخ.. وسعادة بالطفل الجديد.. كانت تشبهه في براءته.. فنظرت له في مشهده الصامت.. وخرجت له.. اخذته من يده وسرنا.. كأن الأيام لم تغيرنا.. كأني أنا أنا.. وهو هو.. وصلنا إلى الصخرة.. كانت السماء غيرها.. والهواء غيره.. لكن الصخرة بقيت صامتة صامدة.. جلست وسألت كيف دارت بنا الأيام حتى تغير كل شئ وبقت الصخرة وأنت لم تتغيرا؟!!!.. نظر للسؤال وتركه يرعى فيما حول الصخرة.. حتى أرتد إلينا عشرات الأسئلة.. أخذنا الوقت حتى أظلمت علينا الدنيا.. لم ندرك الظلام ألا حين خرج إلينا النور من جديد عندها.. أمسكت يده وعدنا.. كان سعيدا يشع نورا كأنه شمس.. في البيت كانت ترضع الصغيرة.. كانت تحمل براءته ووسامة أمها، وربما كانت عند الكبر تحمل عقلي وقلبي.. "تمنيت".. ألقيت عليها السلام وجلست،  أخرجت ثديها من فم الصغيرة.. ألقت بها بين يدي، رفعتها وقبلتها وتمنيت أن تدوم سعادتي.. ألا أحرم الجلسة فوق الصخرة والنوم في حضنها..
اعتادت جولاتي اليومية وغيابي معظم الأوقات عن البيت وعنها.. ابتعدت كثيرا عن تجارتها.. لم تمتعض، فقط كانت تلقي لي بنظرات تشبه تلك التي كثيرا ما كان يقابلني بها خالي البعيد..  تعلمت الصغيرة المشى الهوينا.. لم الاحظ هذا ألا الآن وهى تأتي إلىّ بخطوات متعثرة.. ابتسمت لها فابتسمت الصغيرة واشارت لي، كأنها تفهم وتحس بما أتمنى.. ضحكت لها وقبلتها من جديد..
تتكرر الأيام.. الصغيرة تنمو.. والصغيرة تولد من جديد.. وهى أم الأبناء ترعى البيت، لم يعد يقلقها الغياب الطويل.. اختفت حتى عن عينيها ومنها نظرات الشك والتساؤل.. وانتهى القلق مادمت في النهاية أعود إلى حضنها مشتاقا..  عادت الحياة للصخرة بعودتي إليها يصحبني هو.. لكنه كان عابثا هذا اليوم.. فاتحه أبوه أنه قد  كبر.. وأنه بلغ سن السفر.. أن التجوال حول الصخرة لن يطعمه.. وعليه من اليوم أن يلاحق القوافل.. كان حزين لأنه سيخرج من الحلم.. مرّرت يدي على رأسه قبلته وقلت له
:  يمكن للأفكار أن ترعى في أى مرعى، وأنت تسافر عبر الصحراء ستجد هناك مراعى أغنى من صخرتنا هذه.. ستكبر أفكارك وتسمن لا تقلق.. ربما يأتي زمن ونعود إلى الجلوس هنا تبادلني الفكرة بالفكرة... يومها طال جلوسنا.. طال تأملنا وصمتنا.. حتى انتابنا اليأس من الصمت فتحركنا في اتجاه الدار وافترقنا..
غادر بعدها بأيام مع قافلته الأولى.. افتقدته في الصباح حين فتحت الباب ولم أجده في جلسته أمامه ينتظر.. ذهبت إلى صخرتي وجلست.. كان فكري مشغولا به.. لكني سريعا ما غفوت.. وفي غفوتي هبط طائر من السماء.. أبيض كما شعر عجوز.. لم يكن قريبا حتى ألمسه ولا بعيدا حتى اتحاشا ما أثاره جناحاه من عاصفة ترابية.. هبط ووقف على الأرض أمامي.. مد لي جناحه.. لم أفهم.. اقترب.. وأعاد فرد الجناح.. ماذا تريد؟ لم أفهم.. خبطني بريشَهٌ في ذراعي.. فسرت في جسدي رعشة لبرودة غريبة مست حتى النجاع داخل عظامي.. وكأني كنت انتظر لمسته لأفهم.. مددت يدي لجناحه.. انتزعت ريشة منه.. وبدأت الرسم على رمال الأرض.. لم أكن من قبل قد مارست المهنة.. لكن ما أرسمه كان متقنا.. كان رجل وامرأة.. وكان خلاء.. وكان شيطان مريدا.. وكان طرد من جنة أو إلى الأرض.. وكان أن قتل رجل الرجل وفر هاربا.. وكان أن مرض رجل وحملته امرأة باعت عليه كل ما تملك حتى شعرها.. وكان أن عبر رجل البحر بهم وكان عجلا يتبعه.. وكان أن عُلق  الرجل على صليب ولم يمت.. وكان وباء وكان موت وكان فيل يهدم بيت..   وكان أن صحوت من النوم فجأة مع اقترابه.. أخذني خوفي وبردي إليها.. فزعت حين وجدتني على صورتي تلك.. ألقت بأخر الصغار إلى الأرض وضمتني إلى صدرها.. سارت بي حتى أوصلتني إلى السرير.. وهناك أرقدتني.. رمت علىَّ غطاءها وجلست تمسد رأسي وجسدي.. حتى سرت في جسدي حرارة يدها وعواطفها.. أغلقت عيني ونمت.. في نومي زارني.. كان فوق الصخرة يعيد تشكيل الرسومات، يدهنها بألوان من الذهب الصافي أو الفضة البراقة وحين انتهى أشار لي أن أكمل.. لم تكن معي الريشة فقد أضعتها عند الصخرة.. صرخ في وجهي وطار مبتعدا.. صحوت فزعا.. كانت ماتزال جالسة بالقرب من رأسي.. قالت أن نومتي طالت..  إني هكذا منذ ثلاثة أيام.. وأنها قلقت إلى درجة الموت حتى أنها استدعت الطبيب فأكد أني سأقوم من رقدتي لا خوف وسأسترد صحتي عما قليل.. لكنه نصحها بأن أبتعد عن الصخرة بعض الأيام.. تحركت من السرير صامتا.. نظرت تجاه الصغيرات الجالسات على الأرض.. وأشرت إليها.. أكبرهن.. وقلت لها
: أفتقده.. ألقت بنفسها في حضني وابتسمت، فعرفت أنها قد فتحت صفحة الغيب في كتابها وعرفت أنه لها وأنها له..
لم أطق صبرا.. خرجت من فوري إلى الصخرة.. كانت الرمال كما هى.. أين ذهبت الرسومات؟!!.. ماذا تعني؟.. تناومت لعله يهبط من جديد.. تغافلت لعله يستغل الغفلة ويلقي لي بريشة.. لكن الليل سحب حبل النهار ولم يظهر..
في الدار وجدت رسالته الأولى منذ سفره.. حدثني عن عالم بغير رمال.. تربة سوداء وزرع أخضر.. عن نيل وعن أهرامات وأنواع من الكتابات تشبه... لم يجد الوصف فترك المكان فارغا.. لكني فهمت.. رأيت وعرفت.. سعدت كثيرا لرسالته وابعدت عن رأسي طائري وريشته وأملت في مستقبلي القريب أن أذهب إلى هناك.. حيث الرسالة كاملة.. والوصف الكامل.
ماهر طلبه
http://mahertolba.maktoobblog.com
mahertolb@yahoo.com
 



44
أدب / حلمى وصديقى - قصة قصيرة
« في: 15:20 04/10/2012  »
حلمى وصديقى  - قصة قصيرة
فى حلمى كنت أنا وصديقى تحت دش نغتسل، ونتبادل أحاديث تجرى كالماء، وتشاركه المصير.. فجأة شعرت كأن شيئا ما يثقل صدرى.. ثم ارتفع إلى حلقى.. حتى صار غصة فيه.. حاولت أن ألفظها مرارا.. القيت بها على الأرض.. لكنها كانت ما تزال ممتدة بشبكة من الخيوط لجوفى.. حاولت قطع شبكة الخيوط بيدى وأسنانى.. لكنى فشلت.. لفّتُها حول كفى مرات عدة و جذبتها للخارج بكل قوتى.. فانتُزعت خارجى..
قلت لصديقى : هل يعقل أن يكون بداخلى مثل هذا..؟!.
 ارتسمت على وجهه علامة استعجاب مصحوبة برعب.. احسست بشئ ما يتجمع فى فمى.. قذفت به، كانت دماء متجمعة.. انتابنى هاجس أنى ربما أنزف فى داخلى.. ملأت فمى بالماء وواصلت قذفه للخارج حتى خرج دون دماء،  فاطمأنت نفسى.. وصحوت أو ربما.. لكنى غادرت  سريرى.. سرت إلى مكتبى.. فتحت درج اسرارى واخرجت منه صورة حديثة لعاشقين.. تأملتها –هى "كانت" وصديقى العزيز- ثم قذفت بآخر  نقاط الدم التى تجمعت فى فمى –من جديد- ناحيتها.
ماهر طلبه
http://mahertolba.maktoobblog.com
mahertolba@yahoo.com



45
أبرهة يطارده الغزال

الفيل فيله.. البيت بيته.. الصحراء ملك لمن يغزو ومن يعبر.. الشمس فقط لم يكن له عليها الحكم لذلك سلطت عليه أشعتها النارية وهو يعبر هذه الصحراء فى رحلته المقدسة.. لن يقطعها كمن سبقه على حمار ولن يقطعها مثل لاحقه على جمل.. فيله تحته.. يدب الخطو على الأرض فتسمع كل خيول القبائل خطوه.. آه لو تحقق الحلم.. لو صار "القليس" كعبة للعرب لانفتحت أمامه خزائن الأرض.. استقدمت كل قبائلهم أصنامهم.. صار إلهه حامى آلهة الغير.. تبدلت المعادلة... وصار الله إلى جانبه.. الصحراء فسيحة.. والشمس لا تعرف صديقا.. لا تعرف ملكا.. لا تعرف الهدف النبيل من رحلته تلك المقدسة لذلك تُفْرغ هذه  النيران فوق رأسه لا يمنعها عن الوصول ما وضع فوق رأسه من قماش وجلد..  ولا يمنع حرها الهواء الطائر من مراوح العبيد الذين لا يتخلفون خطوة ولا يتقدمون.. شارد هو، مشغول البال ببيته الجميل.. زينه كما لم تزين امرأة.. لونه كما لم تلون وردة، وكساه كما لم تكتس فى يوم كعبة قريش وانتظر مكافأة الدهر.. الحج.. "ولكم منافع فيه".. الأموال المنهمرة.. التجارة.. العبيد والإماء "حور العين" والصبية الصغار "الدر المكنون"..  لكن هذا البيت اللعين المكى يسرق أموالى.. أموال بيتى.. انتبه من سرحته حين أشار جنوده إلى غزال شارد ينظره عن بعد.. يشير له إشارات لم يفهم معناها.. يخرج من بين  صفوف جيشه عددا من الجنود فى اتجاهه.. المطاردة حامية.. هم لا يقتربون أبدا منه.. لكنه أبدا لا يبتعد.. تتسع  دائرة المطاردة.. يندفع المزيد من الجند إلى اللعب /المطاردة.. تتسع الدائرة كلما بلعت مزيدا من الجند.. المشهد المثير الغريب يشد نظر الجميع، يتوقف الجيش عن التقدم.. حتى فيلى يدير وجهه للغزال.. كأنه هو الآخر ينتظر الإذن بالمشاركة فى المطاردة.. لكن الأمر لا يصدر له..  تسرى حالة من الفوضى فى الصفوف ..  تضطرب خطوط الجيش.. تتفكك.. الغزال يسرع إلى الصحراء.. يدور فى دوائر متسعة يتلوى كثعبان.. يطير  كنسر،  لكنه لا يغيب أبدا عن نظرهُ ولا يغيبه عن نظرهِ.. يتعجب.. يقترب منه وزيره، مستشاره فى أدق أموره وأمور مملكته.
-   هل ترى ما يحدث يا مولاى؟.. إن هذا غير طبيعى.. إنها رسالة الإله لك.. تحرسك وتؤيدك فى خطوك.
 .. أبرهة ينتبه لما حدث فى جيشه.. لو كانت هذه الرحلة المقدسة غزوة حقيقية... لنال منه العدو الآن.. وأغلبية الجيش قد خرج فى مطاردة غزال.. يعود أبرهة أبرهة..  يتوقف العسكر عن المطاردة والقنص.. يعود الجيش إلى الانضباط.. تنتظم الصفوف.. فقط أبرهة يشرد فى متابعة الغزال الذى اطمأن الآن إلى انتهاء المطاردة فاقترب من الجيش وسار بخطوه يراقبه..
****
يومه الثانى فى الصحراء.. أحلام الليل كوابيس تطارده.. فيه شاهد سماء سوداء.. طيورا لم ير مثلها من قبل.. تأتى من قبل الشرق .. تسير فوق الجيش ساعات الليل والنهار.. تلقى أمامه حبات ذرة.. تنبت الحبات.. ترتفع على المدى الحقول.. يضيع الجيش وأثره داخل الحقول.. كان وفيله فى قلب المتاهة.. الذرة فى كل مكان.. ألف حقل وألف متر.. ولا طريق.. انتبه حين رأى أن سماءه قد تغير لونها.. المبهج فى الأمر.. أن فيله تحته.. لكنه قلّب وجهه لجهة اليمن.. كلما أداره إلى مكة استدار لكن توقف عن المضى فى الطريق.. فجأة اختفت الذرة وظهر الجيش بلا رؤوس.. حتى فيله اختفت رأسه.. فقط رأسه هو كانت ماتزال على كتفه.. لا يذكر هل كان اليمين أم اليسار.. لكن الطيور تنهشه وتنهش جنوده... جرى.. أسرع وأسرع.. استجار بالآلهة.. ذكّرهم ببيته المزين المبهج الجميل.. "آلهة لا تعرف الجميل ولا ترده"..
يومه الثانى فى الصحراء.. الغزال طوال الليل لم يبتعد رغم عواء الذئاب الذى لم ينقطع.. حين خرج من خيمته فى الصباح أشار له نفس الإشارات.. لم يفهم.. لكنه أصدر أمرا أبرهيا بعدم  التعرض للغزال.. القنص ممنوع، نحن منذ الآن فى رحلة حج لهدم بيت مكة، للتقرب من باقى الآلهة.
 يتحرك الجيش.. خطوطه لا اعوجاج فيها ولا نقص.. الصباح الجميل يطرد كوابيس الليل.. يعود أبرهة أبرهة من جديد.. يمر الجيش برعاة إبل وبعيروأغنام و... يتوقف..  يسأل لمن هذه الأموال.. لأى القبائل.. هو لم يأت للغنائم، هذه رحلة مقدسة.. لذلك لا يلتفت كثيرا لما يمكن أن يكون ملكه الآن.. فغدا سوف يرث الأرض ومن عليها.. الشمس تعاود حركتها الغادرة.. تشعل المكان من حوله.. لو اتسع ملكه يوما إلى المغرب حيث مسكنها.. سوف يحاسب الشمس على أيامه هذه، وفعلتها تلك.. سيجعلها عبرة.. سيحبسها فى مكمنها أياما وأياما دون ماء، دون طعام.. حتى تعترف به سلطان أو ملكا.. ينتبه على اقتراب الغزال.. اختراقه صفوف الجيش.. تقدمه دون وجل.. المرور أمامه دون انحناء.. والإشارات المجهولة بالنسبة له.. ثم الخروج من جديد.. مبتعدا عن صفوف الجيش.. يقترب الوزير.. يشير ويؤكد من جديد .
-    الأمر  معجز يا مولاى.. رسالة الإله واضحة.. دعمه لا يغيب..
 .. أبرهة لا يثق كثيرا فى رسائل الآلهة.. لكنه يؤمن أن الغزال يحمل سرا ما.. رسالة ما حقيقية.. وأن وجوده له هدف.. ربما يكون هذا الوجود مرتبطا بحلم الليل،  تفسيره،  الإشارات.
****
يومه الثالث فى الصحراء .. كالعادة غلبه حلم الليل .. ظهر له ليل مبهج .. فيه اقترب من حلمه .. كانت الكعبة على مرمى نظر .. على بعد حجر .. من هنا كان يمكنه أن يقذفها بالمنجنيق .. لا عائق .. لا جيش .. لا حراسة .. فجأة .. ظهر على البعد سواد قاتم قادم من جهتها .. لم يكن واضحا ما نوعه فى بداية الحلم .. لكنه كلما اقترب – ربما – الحلم من نهايته  .. ظهر نوعه .. إنها حشرات صغيرة .. لا تزيد عن حبات الملح والعدس.. لها لون الليل الحالك السواد.. تتحرك فى سرعة مخيفة.. لتدهن وجه الدنيا.. تدمر الأخضر واليابس فى طريقها.. كانت تمر على الجند فلا يبقى إلا العظام.. رعب الدنيا تملكه.. أسرع مبتعدا.. كان فيله يسبقه.. رغم أنه فوقه.. لكن ملح الأرض.. حشراته أحاطت بفيله ابتلعته.. حتى العظام لم تتركها.. فقط ظل أبرهة واقفا ينتظر المصير، يحيطه السواد الحالك.. فجأة تغير المشهد ظهر وزيره إلى جانبه.. وجهه الذى يعرفه.. فغادره المنام...
اخبره وزيره أن هناك من يريد لقاءه.. إنه قائد مكة وزعيمها.. لم يهتم.. سأله عن الغزال هل مازال يتبع الجيش؟..
-   نعم.
تعجب من أمر هذا الإله الذى يرسل الإشارات عبر الغزلان.. تحرك فى خيمته.. ربما معها تفسير حلمه.. ارتدى ملابسه مسرعا.. غادر الخيمة.. نبهه وزيره إلى زعيم مكة المنتظر.. لم يلتفت له.. سار على قدميه متخذا من الغزال قبلته.. تبعه حرسه الخاص.. أشار لهم فتوقفوا.. واصل المسير.. مبتعدا عن الجيش.. حافظ الغزال من جهته على المسافة الفاصلة بينهما.. تعب من المسير.. فتوقف.. عندها أشار الغزال  من جديد.. لم يفهم.. لكنه الآن على يقين من أنه يحمل خبرا ما له.. وأن هناك رسالة يجب أن يتلقاها.. وعليه الصبر، فتابع المسير.. الشمس الآن فوقه بالضبط.. تكاد تلمس شعره.. تحط  على رأسه كطائر العقاب.. "أين العبيد؟!"..  لا يظهر له جيش.. ولم يعد يلمح الفيل..   هل ابتعد لهذه الدرجة.. ماذا عليه أن يفعل الآن؟.. هل يواصل تتبع خطا الغزال أم يعود ويرتد لرحلته المقدسة.. على أية حال هو الآن بحاجة فقط إلى قليل من الراحة قبل أن يحدد ماذا سيفعل.. على الجانب المظلل لتل  من الرمال قليل الارتفاع ألقى بنفسه واختبأ من عيون الشمس وسهامها..
وجه وزيره نخذه كالعادة.. زعيم مكة مازال فى الانتظار.. خرج له.. "على وجهه سيماء تقربه إلى القلب.. تحببه إلى النفس".. مد له بساطه.. أجلسه إلى جانبه.. لم يفعلها مع من قابله قبله من زعماء القبائل "ربما يسترضى هذا إله هذا البيت فيقبل أن ينتقل إلى بيتى.. حيث البناء أعلى وأضخم وأجمل وأبهى وأرقى وأعظم وأفخم  -يمكننى أن أعد حتى تسع وتسعين من الصفات-  مما يسكنه الآن".. تباسط معه فى الحديث.. ثم دعاه إلى مائدته وقرب له طعامه ليذوق ما يمكن أن يناله ربه لو شاء وانحاز له.. لم يمد عبد المطلب اليد فى الطعام.. سأله..
-   ما الأمر؟! .
قال..  جئت لك فى طلب..
رفع أبرهة يده عن الطعام ونظر فى اتجاه الغزال.. كان يدور فى المكان.. يرسم دائرة تكمل  دائرة.. ربما مثلث يقطع مثلثا.. بل ربما خط مستقيم يقطع خطا مستقيما.. لم يفهم.. "لو ينطق" لكنه كان يلح فى الإشارة لعله يفهم.. عاد بنظره إلى زعيم مكة..
-   ما الأمر؟.
-   جئت أحدثك عن أغنامى وإبلى و..
-   وبيت ربك؟!!!.
-   أنا رب لهذه الأغنام والإبل.. أما البيت فله رب سيحميه.
-   ألن تقاتل؟!!.. ألن تدافع عنه؟!!.. فلما يظل فى أرضك؟!!..
-   أنا رب لهذه الأغنام والإبل.
تعجب أبرهة.. لم يعد بنظره إليه من جديد، فقد خف وزنه فى الميزان.. بل رماه فى اتجاه الغزال الذى كان يلح على رسم الأشكال.. دائرة تكمل دائرة.. ربما مثلث يقطع مثلثا.. بل ربما خط مستقيم يقطع خطا مستقيما..
رد عليه غنمه وإبله.. ووهبه الزمن الكافى كي يفر هو وأتباعه عن مكان شيغشاه بجيشه ويدمره عما قريب ..
انصرف عبد المطلب .. عاد إلى متابعة الغزال ..
رسمه على الأرض يتواصل.. هب من رقدته خلف التل أسرع إلى حيث تَوَاصل رسمه.. كان هناك بناء غير مكتمل تنقصه لبنة.. وكانت هناك دائرة تكمل دوائر.. وكان هناك مثلث يقطع مثلثا.. وكان هناك خط مستقيم يقطع خطا مستقيما.. وكان هناك كتاب بالغ القدم، كأنه كتب قبل الخليقة أو هو الخليقة.. فتح صفحاته.. فإذا به..
 "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ،  أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ".
.. فرفع نظره إليه والسؤال فى رأسه.. ألم تر؟!!!!!!.

ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba.maktoobblog.com





46
أدب / سندريلا و البؤس
« في: 13:53 24/07/2012  »
سندريلا و البؤس

قتلها البؤس، الحزن ضرب بابها، الفقر أكل كل ما فيها حتى ثيابها، خرجت من بيتها تدُورعلى بيوت القرية لعل هناك من يمد اليد.
الأمير يسكن دائما على أطراف القرية، يجرى دائما بحصانه فى الحقول، يسبقه كلبه مرة، ويسبقه بحصانه مرة..
الآن هو يجاور سندريلا، يستوقفه حزنها، بؤسها، ثيابها المتأكلة.. يتوقف كلبه عن السباق، ويساير خطوات سندريلا.. الأمير يخرج من دهشته بسؤال..
-        من أنت؟!.. لم أقابلك من قبل فى حواديتى؟! ..
سندريلا لا تجيب.. فقط تضع يدها على الجزء المتأكل والذى ينفلت منه ثديها.. الأمير تتملكه دهشته، فلا ينظر إليها كأنثى لهذا لا يتوقف طويلا أمام الثدى المتدلى، العين الكسيرة، الشفاه المرتعشة بردا وجوعا..
-        من أنت؟!..
يسابق السؤال الجواب، كسباق الكلب الحصان.. الأمير لا يطيب له السير الهوينا.. الأمير أمير لأنه يسابق الريح، لأن حصانه يسابق كلبه.. لهذا يتخطى بسرعة دهشته، سؤاله المعلق بلا جواب ويسرع الخطى فى اتجاه أطراف القرية حيث القصر الذى لا يرى ساكنه سوى حدائقه الغنّاء..
 الأمير فى القصر يسترجع يومه كما اعتاد، يستوقفه مشهد الحقل، الفتاة ذات الثياب، الآن فقط وهو فى جلسته تلك والأشجار ترمى ظلها على حجرته، والأزهار تقذف ناحيته روائح الياسمين والفل والنرجس وآلاف الأسماء، يتخطى ذهنه كل هذا ليصطدم بعريها، بالثدى المتمرد على الثوب الممزق، الأمير يعرف طعم لحم الفقراء.. "من أين أتت؟!".. "لم أرها فى الجوار من قبل".. الأمير يحسم أمره.. "الصباح رباح" ..
-        يا حاجب هذا القصر، غدا الحفل الكبير.. أدبح وأدعو كل من يحيط بالقصر للحضور.
فى عقل الأمير فكرة، فى رأس الأمير خيال، صورة لثدى متدل ... غدا حفل كبير.
***
الأمير يرتدى ثياب الحفلات، وجه الحفلات، روح الحفلات، يتقمص شخصية السعيد لأن أهل اقطاعيته يجاورنه.. يفتح باب حجرته ويهتف 
-        هل حضر الجميع؟.
الجواب.. نعم.. يرسل الأمير خياله ليحلق فى أجواء القصر.. سيجدها بالتأكيد فى زاوية، تجلس على الأرض، تلم الثدى الهارب من حصار الثوب المتأكل إلى الفضاء كطائر أبدا لا يستكين إلى القفص، الأمير يعرف خجل الفقراء من العرى، يثيره مشهد جسد لا يجد الثوب الذى يحتويه، لا يعرف متى استطاب لحم الفقراء، لكنه يعترف أنه لم يجد متعة ما عندما تذوق لحم الأميرات، أن كل لحظات حياته السعيدة فى هذا الجانب قضاها فى لحم فقيرة، الأمير يخرج من ذكرياته على دعوة للنزول .. الأمير يتهيأ، الأمير يتحرك.. القصر يسكن فى انتظار حركة الأمير.
***
الأمير يدور فى جنابات القصر.. الحديقة.. يفتش فى الوجوه.. هو لا يرحب، فقط يدع يده تصطدم بالشفاه فهذا غاية المراد بالنسبة لهم، ومصدر السعادة بالنسبة له.. أن يلمسوا.. أن يقبلوا.. حجر أسود هو بالنسبة لهم.. يعبر الوجوه سريعا.. "فى رأس الأمير خيال".. تشابه عليه الأمر... "فى عقل الأمير فكرة".. هو يستعيد الآن صورة الخيال.. الثدى المتدلى، الفقر الذى يعرف طعمه فى العيون، لونه فى الشفاه، وبؤسه فى الثياب والقلوب.. الأمير يمنى النفس بليلته تلك..  "ستكون جزيرتى التى ألقى عليها مرساتى اليوم، أنا البحار العابر لبحار الفقر على الأجساد الفقيرة".. الأمير يقلقه أنه حتى الآن لم تصطدم عيناه بها، لم تخطف يده قبلاتها.. الحلم يتأخر، والآمير -الذى لم يعتاد الصبر حين يمر الخاطر بالبال- ينتابه القلق.. تتسرب إلى نفسه لحظات ألم.. الأمير لا يستطيب الحياة بهذه المشاعر، لذلك يسارع بعبور الوجوه، لكن الوجوه تتكرر.. "هل تشابه عليه الأمر؟!" .. "هل مر عليها ولم ينتبه؟!".. يشير إلى خدم القصر.. تقترب العيون والآذان..
-        أين باقى سكان القرية؟!.. اخرجوا.. دوروا فى الجنبات.. ابحثوا.. ليست هذه هى الوجوه.. ليست هذه هى الهدف..
: الأمارة يا أمير.. دليل العثور عليها..
الأمير يفكر.. "فى رأس الأمير خيال" هو يستعيده الآن، الثدى المتدلى، الشفاه المرتعشة..  يعمل خيال الأمير بهمة ونشاط.. يشير على بطانته.
-        لا أذكر سوى الثوب المتأكل، والثدى المتدلى..
يأتى رسام القصر، يدخل رأس الأمير بألوانه وينقل خيال الأمير إلى الورق.
-        وزعها على كل من فى القصر..
من رأى هذه الثياب، من رأى هذا الثدى ليتقدم للأمير.. الوجوه تحار، لم نر هذا الثوب، هذا البؤس.. رغم تشابهه مع بؤس العيون والوجوه والقلوب لأغلب سكان القرية.. الأمير يحار.. يهرب من حفله، يسارع إلى الحقل حيث الخيال.. هناك لمحها شجرة فى أرض، ترمى أوراقها حول جذعها لتخفى الثدى.. ذهل الأمير..
-        لماذا لم تأتى الحفل؟
اشارت إلى ثيابها.. "ما له الثوب.. هو مبتغاى".. استدعى الأمير ساحرته العجوز من حدودته.. أمرها أن تقنع سندريلا بالحضور، تعدها بالهناء والسرور... لم تلبسها فستانا جديدا، لم تضع فى قدميها حذاء ذهبيا فالأمير يشتهى ثوب البؤس بقدر اشتهائه لحمها، فقط اسمعتها معسول الكلام.. سندريلا مسلوبة العقل ذهبت إلى الحفل.. زادت الأضواء.. زادت البهجة.. انتشى الأمير.. غلبه فرحه فنام.. عندها بدت سندريلا فى صورته حزينة،  شجرة دون أوراق.
ماهر طلبه
http://mahertolba.maktoobblog.com


47
أدب / سندريلة الزمن الأخير
« في: 22:34 24/06/2012  »
سندريلة الزمن الأخير

انتبه الأمير الفحل من نومه .. تقلب فى سريره الحريرى ، لفت انتباهه أن الجهة الآخرى من السرير فارغة .. سأل نفسه .. " تُراها أين ذهبت ؟! " .. مد يده يتحسس مكانها .. كان الدفء وبقايا لقاء الأمس تشعل المكان ، واصل رحلة البحث بيده .. تحت "المخدة"  وجده .. كان قد تعمد أمس حين تخلصت من القطعة الأخيرة  من ملابسها أن يدسها بيده تحت " المخدة " ... أطمأن قلبه بعض الشئ ، فلا يمكن أن تكون قد ذهبت دون هذا .. ربما هى الآن فى مكان ما فى القصر ، تفتش حجراته ، تلهو عبر ممراته ، تتريض فى حدائقه .. عاد إلى جسده الكسل الجميل ، تسللت إلى أنفه رائحة الأمس .. عطرها الفواح ، الماء المتدفق من مجاهل التاريخ يحمل ذكرى " كن " الأولى والكون الأول .. انتعش داخله بأمل تكرار ما حدث ليلا .. الحياة التى نبضت فجأة .. تقلب فانزاح الغطاء عنه .. ظهر عريه .. قطعة لحم بلا ملامح أو تفاصيل .. عاهة كل أمير .. غادر الفراش متكاسلا وهو يهتف باسمها " المجهول " .. الصمت يرمى غطاءه على المكان ، يقهر ضوء الشمس الواصل إليه عبر نافذة الحجرة ، يتسلل كأنه ثعبان يقرص الأمل النابض فى القلب ، الرغبة المتدفقة فى العثور عليها .. تأكد مما فى يده .. " لابد من أن تكون هنا .. " .. " كيف تنصرف دونه ؟! " .. تحرك مبتعدا عن سريره .. نظر صورته فى المرآة .. لعن فى سره عاهة كل أمير .. فتح باب الحجرة وتحرك خارجها .. لا صوت ينبئ بوجود حياة فى هذا القصر الذى كان ينتشر الموت فى حجراته وممراته وحدائقه حتى مساء الأمس حين طارده صوتها الجميل حتى فى بوحها بلحظات الألم اللذيذ .. كان سيجن .. لم يكن يعلم أن الحياة يمكن أن تتفجر هكذا من خلال الجسد البشرى ، أن كل هذه الضوضاء توجد بين العظام واللحم .. " أين ذهبت ؟!" .. تأكد مما فى يده .. لم يخدعه الحلم .. له ملمس جسدها .. رائحته رائحتها .. فتح باب الحجرة الأخيرة فى القصر .. رمى اليأس عليه ثوبه .. غادرته حتى الرائحة ..
 فتح الباب وهتف باسم البواب .. سأله .. متى غادرت ؟ .. هل تركت له رسالة ؟ .. هل قالت أنها ستعود ومتى ؟ .. لم تريحه إجابة البواب .. لم ير .. خارجا أو داخلا منذ جلس ، لم يُفتح الباب منذ دخل هو أمس ، لم يطرق الباب رائح أو غاد .. الموت مازال يفترش المكان .. تركه وأغلق الباب .. تأمل ما فى يده  من جديد  .. الملمس والرائحة .. هى كائن حى ، ليس حلم ليل .. ليحسم الأمر  أرتدى ملابسه ، وضعه فى جيبه الداخلى .. تأكد مرة أخرى من الملمس والرائحة ، سيعيد رحلة الأمس من بدايتها .. سيزور كل مكان وصل إليه أمس ، يتشمم كل الروائح لعله يهتدى  ، سيرفع عن كل من يقابلهن الثياب حتى يتأكد أن هذا ليس لها ، وأن هذه ليست هى .. لن يدعها تفر هذه المرة ، لن يدع الضوضاء والصرخات المبحوحة تغادره هو أو قصره .. شد الباب خلفه فى عزم ، انغلق الباب محدثا صوتا مفزعا .. انتبه .. انتبه الأمير الفحل من نومه .
ماهر طلبه
http://mahertolba.maktoobblog.com


48
سندريلا و زمن الحواديت- قصة قصيرة

سندريلا .. خيبك الله .. هل نسيت زمن الحواديت حتى تخرجين بدون حذاء ، تذهبين لقصر الأمير بدون فستانك الذهبى ، تلمحين الساعة تعبر عقاربها الثانية عشر ولا تسرعين هاربة .. ماذا ستفعل الساحرة العجوز الجالسة على فرع الشجرة الذابلة فى انتظار الهروب الكبير ، الفستان الذهبى والحذاء "المسحور" المفقود ؟ !!..  أنت قد جردتيها من قدرتها على تحقيق المعجزة .. أن تلصق صورتك بصورة هذا الفحل الأمير .. مضى زمن الحواديت ..الساحرة العجوز لمن يريد أن يرى الآن صورتها .. شابة صغيرة تنام على فروع الأشجار الذابلة فتعود إليها خضرة الحياة وتثمر ، تفتقد قدرتها  "السحرية"  على ربط الغنى بالفقير .. الفحل الأمير يجلس فى قصره يمسك فردتى الحذاء يقيس بهما الدنيا ، وينقش على حائط قصره صورة لفتاة فقيرة " أو هو يظن هذا " .. ترتدى فستان ذهبى " أو هو يتمنى هذا " .. تسرع الخطى هاربة مع دقات انتصاف الليل " أو ليتها فعلت هذا " .. تتعثر فى هروبها ، فتهرب من قدمها فردة الحذاء "المسحور" .. الأمير يحلم برحلة البحث ، بدهشة العثور ، بدمعة اللقاء وفرحته .. لكنه الآن يمسك بفردتى الحذاء يلطم بهما وجه العالم  وينوح .. سندريلا خيبك الله .. فقد اضعت بدلا من الحذاء "المسحور"  .. زمن الحواديت حين ذهبت للأمير غانية .
ماهر طلبه
http://mahertolba.maktoobblog.com

49
أدب / لقطات زوجية - قصة قصيرة
« في: 13:42 28/04/2012  »


لقطات زوجية - قصة قصيرة



ماهر طلبه

فى يومها الأول ، طلبت مهلة ربع ساعة ، لكنه بعد أن مل الانتظار ، طرق عليها الباب .. فأجابت وكأنها لا تعرف  من بالخارج  .. ثم ظهرت متوارية فى الخجل .
***
فى يومها الثالث .. مرت من أمامه شبه عارية .. فتذكر وزفر بصوت عال وضحك .. فنظرت وتذكرت وضحكت .. لكن لحظة الخجل العابرة على عينيها كانت كافية كى يذهب بها إلى السرير .
***
فى خروجها الأول ، حين وقفت أمام المرآة تنظر حسنها ، خلفها وقف .. ضمها إلى صدره ، وهمس فى أذنها .. فرمت ببسمة صغيرة على أرضية الحجرة العارية قبل أن تواجهه وتترك على شفتيه قبلة وتسرع خارجة .
***
لم ينهِ طعامه البارد اليوم .. انفرد بالحجرة .. لم ينتظرها ...
متعب .... قال
العمل .... قال
واسند رأسه إلى مخدته ونام ، بينما ظلت عيناها معلقة بالشاشة البيضاء التى تنقل مشهدا ساخنا .
***
اصطدم بها فجأة وهى خارجة من الحمام .. سقطت من عليها الفوطة .. غطاؤها الآخير .. أو ربما تعمدت هى اسقاطها لتستعيد صورة جسدها فى عينيه .. لكنه كان منشغلا عنها بمطاردة أوراق الجريدة - التى انفلتت  أوراقها منه - قبل أن تلمس الأرض المبلولة بماء "الحموم "
***
هاتفها من خارج المنزل ، سأتأخر قليلا ..
صمتت .. وانشغلت بالسؤال الدائم
"هل ملنى " ..
وأُغْلق  الخط على سؤالها فظل معلقا فى السلك البارد بلا رد .
***
اليوم احتفلا بعيد زواجهما الأول ..
عاد من عمله متأخرا .
انهت عملها فى المطبخ قبل وصوله بقليل .
لم تجد سببا لدخولها الحمام .
لم يجد سببا لشرائه شمعة .
فاكتفى بأن يقبلها قبل أن ينام واكتفت .
***
هاتفته من خارج المنزل ... أخبرته أنها راحلة
صَمَت
قالت أنها ستحمل له صورة ستضعها على طاولة - فى مخيلتها – بعد أن تحيطها بإطار مذهب يضفى على ألوانها – الباهتة – بعض من التألق والبهاء
صَمَت .




50
أدب / سندريلا - قصص قصيرة جدا
« في: 11:44 23/03/2012  »
سندريلا - قصص قصيرة جدا
1- سندريلا

أسرعت هاربة فى اتجاه الباب .. أسرع خلفها .." الحذاء" .. صرخت ، ولم تملك الوقت للعودة ... فى يده .. تحول الحذاء إلى ثعبان يطاردها .

2-  سندريلا والرمل

ظنها حين تركت آثار خطواتها على الرمال سندريلا فلاحقها ، متتبعا الخطوات .. لكن مياه البحر -التى كثيرا ما تغسل الدنس - كانت تمحو الآثر وتتركها للشمس رمال بيضاء

3-  أمير الخفاء

فقط لأنه  حين وقف أمام مرآته فى الصباح - وهو يحمل الحذاء المسحور - تشابهت عليه الصور .. ظن أنه المخفى ، فنزل سوق المدينة مطاردا للنساء .. يهتف على كل امرأة باسمها .. " سندريلا ".

ماهر طلبه
mahertolba@yahoo.com   
http://mahertolba.maktoobblog.com


51


ما بين النتيجة وبينى

ماهر طلبه


ورقة 1
 أزهرت أوراق النتيجة تعلن حلول الربيع .. كانت الطبيعة تبتسم تبدأ مهرجان ألوانها وتنتظر الوليد .. فى داخلى كان اللون الرمادى مازال يضرب جدران حياتى وسماء الرؤيا غيم وسحب القلب تملؤ طرقاته ، تزيد من مساحة الإظلام توحل حياتى بالأمطار وتسد نوافذ القلب عندها بحثت فى نتيجتى الخاصة كان فصل الشتاء مازال فى رونقه .
ورقة 2
أتت النتيجة بالبحر يطارد الأوحال ويغسل الهموم ، يفتح نافذة للطرق البرية ، يرى منها القلب الحياة .. كانت الشمس تخلق الحياة وتميتها .. تخلقها وتميتها .. ورقة .. فورقة .. فورقة .. " كانت ورقة القلب ذابلة كأنها لا ترى الحياة " ... بنفسى ألقيت فى البحر لعله يغسل الوحل المتجمع فى الشرايين يفتح نافذة قلبية للحياة .. كانت المياه تتدفق وتتدفق .. تذيب وتذيب .. تعيد وتعيد فتح النوافذ القلبية .. عندها بحثت فى نتيجتى الخاصة كان الشتاء يقاوم السقوط  .. لولا حرارة الشمس لما أوصدت نوافذى القلبية ، لما أوصدتها قط .. ولقبلت الحياة .
ورقة 3
دهنت النتيجة الحياة بلون كئيب .. تساقطت أوراق الأشجار مثلما تساقطت أوراق النتيجة وتجمعت فى سلة مهملات الزمن .. عندها سعدت فلونها الكابى يناسب لونى الداخلى .. توحدت مع الحياة .. توحدت حتى صرت شجرة أوراقها على قارعة الطريق تداس بالأقدام
ورقة 4
أوحلت النتيجة الطرق حتى صارت كحياتى .. زاد وجه الكآبة .. زاد ما بينى وبينها من تشابه .. احتضنت الحياة .. اجتزت الطرقات .. أخلط ما بين وحلى ووحلها .. أتوحد كلما طال الزمن التصق وحل الطريق بوحلى حتى صار الانفصال محالا يومها نزعوا الورقة الأخيرة من النتيجة وألقوا بها على قارعة الطريق ، فسقطت جثة هامدة على جثة هامدة تدفئها.

 
http://mahertolba.maktoobblog.com

صفحات: [1]