عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - مصطفى سعيد

صفحات: [1]
1
أدب / أصدقاءُ الماء
« في: 15:46 05/11/2013  »

أصدقاءُ الماء


مصطفى سعيد

يسألني الأصدقاء
لا سيما اللدودين
عن جدوى دواويني
حبري المهدور
في ظل شهـيـدٍ
خرج مقتفياً أثر الخلود, ربما لن يعود   
يسألون بشغفٍ عن بناتي
السابحات على ملء ياسمينهن
في هذا العرش النحس
يسألون عن القيامة
حين أرضعت جبهتي
درس الشتات
يسألون عن قصيدةٍ
لن تكتب بعد عقدين
أو التي انتدبتُ إلى يدها
لأدلق فيها غيمة كبت
مع قطعةٍ صغيرةٍ من حلوى الموتِ

يسألني الأصدقاء
لا سيما الصادقين
سبب تأخري عن تسديد القسط المريح لكيمياء الموت
يتبارز الرماة أمامي
يتقاذفون عدمي البارز
بقبعاتٍ حريريةٍ  حمراء
كيف أجرؤ لأردَّ على سؤالهم بسؤالٍ
ما الذي فعلهُ الإسكافي حين دبغ  وشم سلالاتكم
هل نسي مسمار الضمير الصغير لجلودكم العظمى,
في فم أممٍ متحدة
أنا ظل الظمأ
سوريٌ كرديٌ أقف أمامكم بزيٍ شعبي,
يَـجمعُ ردائه أربعة عشرَ زراً ذهبياً
حيك على كتف ماء
أنا الماء
أنا دين لغتي
للزيتون خلاصة اخضراري
أنا الشام يا أبتِ
الله ثم السلام أكبر همي
أنا عفرين يا أمي عاصمة دمي
من صمت الشمس اسمعوا حكاياتي
حين أضعتُ تفاحة حبٍّ أزرق,
تلك التي تعيد صقل آلهة الأرض

يسألني الأصدقاء   
لاسيما الأموات
هل تكفيكم إجابتي يا أشجار العائلةِ
لا أعرف من اختطف تفاحتي
حين كانت يدُ الغريب تنبشُ فداحة فديتي
البر والبحر متكالبان أمام خيمتي
كيف أقنع أبي حين بترت أصابعه في مصنع الزيت
أن القصيدة سيدة الطبابة
لكنها لا تعيد له أصابع يده
كيف أقنع فجر العيد
حين أدار عمي لنا ظهره
أنه لن يرانا كل عيدٍ
أو ذات مقبرة
ماذا سيفعل إن أخبرتهُ
أن قصيدتي تصيبني بكل الأمراض حتى تلفظ اسمه
هل سيفهم أعدائي
ليس لفقدان الحب أي سببٍ
سوى الخيانة
يا أصدقائي .


20 /10 / 2013





2
أدب / ومضات
« في: 23:53 10/01/2013  »
ومضات

مصطفى سعيد



{1}
أحـلامُـنا الشـفافـة
هـي الـسـماءُ إذاً.



{2}
الفضاءُ
طاقة الله لـتدفق الموت
ماذا عـن هدير الـمحركـات؟



{3}
الأجسادُ المموّهة
شـوهـتـنا.



{4}
الطيارُ الذي لم نُـفكـر يوماً أن نصنعَ له قـلـبـاً
يـنـتـقـم مـن قـلوبـنـا.



{5}
فتاةٌ مـكـوَّرَةٌ
إنها الأرض.



{6}
دمٌ أحمرَ
ليس شمعاً أحمرَ
لوجوهكم.



{7}
الحياة ممكنة
بغـير جـداً.



{8}
اللحمُ والشامواه
كـل ما يعـنـيـنا من الغزالة.



{9}
قـبل الـنوم
أتجرعُ كأسين من الجنون.



{10}
لستُ قاسياً
إنها قساوة وجعي.



{11}
أنـا أسـيـرُكِ
بـادلـيـني بـكِ.



{12}
خارجكِ
أتساقطُ ثلجاً وأتجمد.   




•   من ديوان ( ألف ومضة وومضة ) لم يصدر بعد.

•   فوتغراف: بعدستي 2011 / دمشق القديمة.




.



3
أدب / ومضات حديثة
« في: 21:05 30/12/2012  »
ومضات حديثة



• منذ مدة دعا الشاعر العراقي المخضرم أسعد الجبوري بعض الشعراء في دمشق لاطلاق مشروع شعري يسمى بقصائد النانو التي تكون فيها القصائد مكثفة للغاية ولا تتعدى القصيدة أكثر من 6 إلى 7 كلمات, وقتها كان لدي مشروع لم أتجرأ على طرحه وفيه القصيدة لا تتعدى 3 كلمات لأني أعدُ حديث العهد بالشعر ومن غير الممكن تبني مثل هذا الأمر, وكنتُ قد أرسلت بعضاً من تلك الومضات لصديقي الشاعر مروان خورشيد قبل طرح المشروع بمدة واستعرض وقرأ من تلك الومضات في أمسية أقيمت في النادي الأدبي من خلال دراسة أعدها عن قصيدة الومضة, تحية للنيزك الذي أضاء سماء الشام الشاعر أسعد جبوري, وأياً كان المهم في النهاية أن ينتصر الشعر..


• أعيد نشر بعض القصائد التي نشرتها مؤخراً.


{ 1 }
جَـفافي يُـناجي هُطولكِ.


{ 2 }
غـداً سأزورُ فجرَالأمسِ.


{ 3 }
لا تَـبكي
فالله أبكى الجميع.


{ 4 }
أنـتِ دِثَـارٌ موخز.


{ 5 }
سَافرنا لِجسدينا
فعُدنا متأخرين.


{ 6 }
اللـيلُ أصيبَ في ركبتهِ.


{ 7 }
يَحتفي الحفاةُ بالحُلم.


{ 8 }
سقيتُ حُـلمي عرقاً.


{ 9 }
رفَـع يدهُ
سحبَ السماءَ واقعاً.


{10}
أحذية الجنود المستعملة
تباعُ بكثرةٍ في البالة.


{11}
أفقي مسدودٌ
في كـعـبكِ.


{12}
لن ألـعَنَ الغيابَ
فأنتِ الآن مَعه.


{13}
أٌقدامُكَ السُفنُ
أينما حللتَ
ماءٌ..ماء


{ 14}
رحيلي أجلٌ مسمومٌ.


{ 15}
اللقمةُ الأخيرة, عَجرفها.


{ 16}
رائحتُكِ مرفأ.


{ 17}
تُداريني بغيابٍ.


{ 18}
لا تهجريني إليَّ.


{ 19}
الموتُ قلقٌ مزمن.


{20}
فمي مغارةٌ مردومةٌ.


{21}
أوهبني لمتن الظن.


{22}
تكفيني صورة لأسقط.


{ 23}
إلهي, كم أكفرُ بي.


{ 24}
يجدرُ بك, اللّحاقَ بك.


{25}
قشور الليل, كآبةٌ تُؤكل.


{ 26 }
حظُكِ المتعثّر, أوقعني.


{ 27}
أرتديكِ حلماً, فأخلعُكِ.


{ 28 }
افتحي عيـنَـكِ لأخرُج.


{ 29 }
وداعاً أيتها المكفهرةُ بي.


{ 30 }
لحظاتُكِ لازالت ترتجُ.


{ 31 }
خزانة ملابسي مرتبةٌ بفوضاي.


{ 32}
أنا ضائعٌ في بيتي.


{33}
الإسرافُ, أهلكَ أكتافي.


{ 34}
الكوخ كئيبٌ بلا دُخان.


{ 35}
أنا, اختزالكُ المفتوح.


{ 36 }
أهلاً بي, قبل مغيبي.


{ 37 }
لن أشرق مُجدداً.


{ 38 }
إنها تُمطر,سأفتحُ وجهي.


{ 39 }
الماءُ أخمدني, أنا هشيم.


{ 40 }
البحرُ سماءٌ أفقية.


{ 41 }
ما أجمل الحدبةُ
في عين السلحفاة..


{ 42 }
لرجفتكِ رنينٌ..



{ 43 }
مـاذا بهـا ؟
لو خلقتني
جيداً..


{ 44 }
للـمعـنى اصطكاكٌ مـزدوج..



{ 45 }
قبورٌ متحركة
تلك القطارات المسافرة..


{ 46 }
عليكِ الطمأنينة..


{ 47 }
عـلـقـيـني قـنـديـلاً..


{ 48 }
أخافُ رصاصات الضوء
شزرٌ من عينيك..


{ 49}
رمـيتُ نـفسي مـن عـلـيائـي..


{ 50 }
لـكمتُ وجهيَّ بلساني..


{ 51 }
أحاول فك فمي المشدودِ
على ذكرها..


{ 52 }
خلفُ الصخور
ثمة معابد..


{ 53 }
سقطتُ منكِ..


{ 54 }
يداكِ, بيوتٌ نحيلة..


{ 55}
لا تسرفي الضوء في انهماركِ..


{ 56}
داخل كل سرٍ نيزك..


{ 57 }
أنتِ ساندي بل
وأنا طفلٌ كبير.


{ 58 }
حينَ توقـف
انـكـسَرَ.


{ 59}
في البكاءِ وليمة.


{60}
مصباحٌ واحد يضيئ الكون
غيابُـكِ يطفئهُ.



{61}
ثـمـرٌ أحـمر
موتـنـا


{62}
وجدتُ في فم الموت
كرزة..


{ 63}
النقيض زنديق..


{64}
اللـعـنةُ عـلى عـدو ربـك..


{65}
نهايتنا ليلُ بدايتنا.


{66}
دعوني أكمل حزني
بخشوع.


{67}
كَـتَـبَ عـلى وجـهـه
كـلمة وعلامة استفهام.


{68}
سرقتُ وجودك
رميـتـني غيهباً..


{69}
عقلي في عطلة
قلبي في دوامك الرسمي..


{70}
عُـنقها بين يـدي
لـتعلن انتحارها البطيئ.


{71}
منفضة السجائر
هـلـوكستٌ دائـم.


{72}
فقدتُ حُـزن ضحكتي.


{73}
هـناك شيءٌ انكسر وتصفح انـكسارهُ..


{74}
شعرتُ بـبردٍ قـارس
فتحتُ الشباك لأشعرَ بدفئ الوطن..


{75}
أحبُ مادة الفيزياء
لأنها تذكرني بقصص الأنبياء.


{76}
قريباً سأتبرعُ منك..


{77}
الحـريـةُ
بوفيه مفتوح..


{78}
كانوا يقولون لنا أن البيوت لا تطير
كنا نغـادرها ونطـيـر..


{79}
كـل ضجـيجٍ ريـاحٌ مـؤجـلة.


{80}
تجاعيدنا جراحٌ
لن تندمل.


{81}
للخداع أسنانُ عجوز.


{82}
لا تخافي
خـريفـكِ شمالٌ.


{83}
وجعي طلب صداقتي
قبلتُ طلبهُ
فأصبحنا أنا ووجعي أصدقاء.


{84}
نـَدوسُ عـلى مـن يُـقـبـلنا
نُـقـبلُ حِـذاء مـن يَـدوسـنا.


{85}
أنا أجواؤكِ المريضة
عالجيني..


{86}
اكرهيني بملئ حبكِ.


{87}
حُـلمي يَـقَـظـتُـكِ.


{88}
لاطاقة لي
في جدران روحكِ.


{89}
الضمةُ الظاهرةُ على آخركِ.


{90}
عـمـري الـذي قستهُ برائحـة إحـدى عشرة إمرأةً
ضاع في قمحكِ المنثور على أحَـدَ عَشَرَ كوكباً.


{91}
أُسـقِـطُـك نـيـزكـاً.


{92}
أجملُ مافيَّ أنكِ تحبيني.


{93}
إقـلـع عـيـنـي بمعـول العَملِ.


{94}
جنونكِ لا يـمثلني.


{95}
مُـتشـدقٌ لِـشهـيـقِ دِمـشـق.


{96}
إحصدني
زرعـاً.

{97}
أمهلني الوقت
لأضيع جيداً
ثم ألقاني..


{98}
كانت الكهوفُ مسكونة
تقيأتنا


{99}
صعبٌ جداً أن تمرر خيطاً في إبرة جاهل..


{100}
هل ستسمحُ لي أن لا أكرهك..


{101}
أنا ونفرتيتي
تمشينا في ساحة التحرير
أهديتها طوق الياسمين
أهدتني الوطن
طار الياسمينُ
أصبحنا حمامتين..


{102}
تـلك الـحبال الـتي لا تُـرى,
عـلقـت السماء
ذاتُها
عـلقـتـني بكِ


{103}
أغـلق الباب
حـين لا تـأتي




4
أدب / سماءُ الماء..
« في: 13:20 09/11/2012  »
 

سماءُ الماء..


مصطفى سعيد



1
جَـفافي يُـناجي هُطولكِ.

 2
غـداً سأزورُ فجرَالأمسِ.

 3
لا تَـبكي
فالله أبكى الجميع.

 4
أنـتِ دِثَـارٌ موخز.

 5
سَافرنا لِجسدينا
فعُدنا متأخرين.

 6
اللـيلُ أصيبَ في ركبتهِ.

7
يَحتفي الحفاةُ بالحُلم.

 8
سقيتُ حُـلمي عرقاً.

 9
رفَـع يدهُ
سحبَ السماءَ واقعاً.

10
أحذية الجنود المستعملة
تباعُ بكثرةٍ في البالة.

11
أفقي مسدودٌ
في كـعـبكِ.

12
لن ألـعَنَ الغيابَ
فأنتِ الآن مَعه.

13
أٌقدامُكَ السُفنُ
أينما حللتَ
ماءٌ..ماء




Mustafa.saeed1976@gmail.com
30/10/2012



•نشرت في جريدة " القلم الجديد - PЀNÛSA NÛ " العدد السادس
جريدة أدبية ثقافية شاملة باللغتين الكوردية والعربية
تصدرها رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا




5
المنبر الحر / كوابيس ثورية
« في: 15:15 08/10/2012  »
كوابيس ثورية

مصطفى سعيد

شاهدتُ ليلة البارحة بعض الكوابيس, كان جدي يوصيني أن لا أقص رؤياي على أحد, وأخذتُ بنصيحته لكني أردت أن أفرغ هذه الشحنات السلبية على الورق وكانت الكوابيس كالتالي:

•   يتمّ الآن التعامل مع معظم أقطاب المعارضة والثورة كما كان تعامل النظام مع أعوانه من خلال بث الفساد ولكن هذه المرة الأدوات مختلفة والهدف واحد.
•   ستؤدي هذه المناوشات إلى زيادة التوتر بين كل أطراف المعارضة ويلتهي كل معارض بتصفية الحساب مع منافسه وخصمه وينسى النظام وأبو النظام.
•   ستتكاثر بشكلٍ مضحك المؤسسات والهيئات والتنسيقيات والكتائب وسنصل أحياناً إلى هيئةٍ، عدد أعضائها ثلاثة أشخاص لكلٍ هدفه المختلف عن الآخر, وضد الآخر.
•   ستستمر قطر في التظاهر على أنها تدعم الثورة وحريصة على تجميع المعارضة ولكن في الواقع هي حريصة على تنفيذ أجندة اسرائيل بالتعاون مع النظام السوري والمقابل في المستقبل هو مدينة صناعية ومدينة إنتاج إعلامي في سوريا تحت الوصاية القطرية.
•   سيصل عدد مؤسسات الإغاثة إلى نحو خمسمئة مؤسسة مقسمة بين لبنان وتركيا والأردن وأوروبا  والخليج, وسيجد القائمون عليها لذّةً في هذا العمل الإنساني الراقي ثم سنجد حتى النجار والفنان والحداد يعملون في الإغاثة, لأن أرباحها سريعة.. عفواً قصدت مساعداتها سريعة وجليلة.
•   ستساهم هذه المؤسسات بشكلٍ مباشر وغير مباشر لإطالة عمر الثورة, وليس من خلال دعم الداخل بل من خلال دعم كل متواجدٍ في الخارج ليشعر بالراحة ويسحب من تبقى من باقي أفراد أسرته خارجاً, وتبدأ عملية الملل من الثورة بشكل تدريجي.
•   ستبقى الثورة على حالها حتى سنةٍ أخرى, يومياً قتلى ويومياً اشتباكات دون أن يتحرك شيء وتكون هذه الفترة ليرى المجتمع الدولي حجم التشدد الموجود في سوريا وستكون فترة كافية ليطفو فيها كل شيء بشكلٍ جلي على السطح.
•   سيبقى الوضع والحصار على ماهو عليه كما حدث في العراق وستظل سوريا تحت القصف والحصار وبذلك يتم قتل الشعب الذي لديه أحلام وآمال وتطلعات نحو المستقبل من خلال يد إسرائيل المتمثلة بقوات النظام إذ أنّ الأولى لو احتلت سوريا حتماً لن تقوم بذلك البطش من خلال قواتها وتزيد حقد العالم تجاهها, فهناك من ينفذ كل مخططاتها وأكثر من ذلك بكثير.
•   ستظهر خلافاتٌ حادة بين القوات المسلحة المؤيدة للثورة نتيجة التبعية والأجندات والتجاذبات.
•   سيُمَرّر المزيد من السلاحُ للداخل وبالقدر الذي يسمحون به ويُمّكنهم من السيطرة عليه.
•   ستحدثُ مناوشات بين حزب الله والجيش الحر وسيمتدُ الصراعُ ليشمل بعض مناطق لبنان.
•   بتخطيطٍ مسبق سيتم الاعتداء على بعض الأراضي الإسرائيلية مما يمنحها الحجة للتقدم إلى الأمام.
•   ستحدث مسرحية كبيرة وتدخل قوات إيرانية لسوريا, ستتصدى لها قوات دولية.
•   ستسيطر تركياعلى الحدود السورية وتبدأ عملية التطهير التي تنشدها.
•   ستبقى مناطق كثيرة من سوريا هي مناطق نزاع خالية من السكان لسنواتٍ عدة.
•   سيبقى الفقير والمُعدَم والمجبور والموالي فقط في سوريا.
•   هذه الفترة كافية لإهلاك الثوار في الداخل ووصولهم إلى حالة اليأس والبحث عن مخرجٍ آمن.
•   سيصل عدد السوريين في مصر إلى 2مليون, نصفهم سيخطط للبقاء, وبعضهم ارتبط وتزوج وبعضهم لازال يخطط لذلك وستصبح مصر بمقاهيها هي الوطن البديل.
•   سيتم دعم جهات الإغاثة هذه حتى يعيش المواطن السوري في منطقة الأمان ويصبح حلم السوري كما الفلسطيني هو العودة إلى حدود 2012
•   جزءٌ كبير من المناطق الكردية ستبقى هادئة وآمنة بما أنها لا تشكل خطراً على أمن إسرائيل وستكون بمثابة هدنة بين حزب العمالي الكردستاني و تركيا على الأقل لعقودٍ قادمة.
•   يساهم في هذه المؤامرة على سوريا شريحةٌ كبيرة من المعارضة أولاً ثم النظام ثانياً ثم إيران ثالثاً وحليفتها إسرائيل بمساهمة قطرية وبرعاية أمريكية مباركة.
•   في عام 2032 ستعود الحياة إلى طبيعتها في سوريا وستكون كل عائلة فقدت كل مابناه الأجداد وستبدأ مرحلة بناء جديدة وسيكون شكل نظام الحكم فيها فيدرالي.

وتصبحون على وطن..

07/10/2012

6
أدب / أكتافٌ بِـرَسم القـضمِ
« في: 13:40 08/09/2012  »



أكتافٌ بِـرَسم القـضمِ




مصطفى سعيد


{ 1 }
أمـمٌ مـتحـدة
أمـمٌ متباعدة
أممٌ متناحرة
الموتُ
أممٌ
أمم..

{ 2 }
حملةُ إغاثة
أوصلت بعض القُـبل
أشرطة أسبرين
وحفنة أكاذيب.

{ 3 }
حديثُ الأسد:
ترجمة وعـوده مـتأخرة ولـيس لـها صـلة بالواقع
ترجمة أفعاله لا أرضية لها ولا تـعرف الواقع
ترجمة خطابه في قطيعـة دائمة مع الواقع.

{ 4 }
لاوجود لمظاهر القتل
حالاتٌ فردية
يقتلعون جلدة رأسه
ينتفون ريشهُ
يرشون بعض البارود
ثم يأكلون وجوده.

{ 5 }
 ( طفلٌ في المخيمات )
-   لماذا الجدران قُماشية؟
يجيبُ نفسه:
-   القصفُ لن يُدمرها.

{ 6 }
في بيروت
يخبؤون الرصاصة
تحت لسان اليأس
ينثرون المواعظ
والجَوادُ المركوبُ لا يَـجُـودُ.

{ 7 }
في بغداد
الحرب لازالت جائعة  
يخشونَ
رضاعة الأطفال للحليب
عبر أنابيب النفط.

{ 8 }
في القاهرة
لازال هناك معارضان
لم يشكلا تكتلاً
مؤخراً تشكلا ثم تكتلا فتناحرا.

{ 9 }
في أنقرة
سيُعلموننا القرآن بالتركية
ونعلمهم البيان.

{ 10 }
( النظرة الأخيرة )
كُـلَ مُـحاولاته لإشـعـال الـسِراج
بـاءت بالـفشـل
فـأشعل قـلبه ومـضى..

{ 11 }
يسندُ رأسه على الركام
يُحدقُ عالياً ليرى أين يختبئُ الله.

{ 12 }
حبةُ زيتون أكلتها اليوم
في الغد سآكلُ جذع الشجرة.

{ 13 }
لانرى وجهاً للالتفاتة
أصبحت الوجوه شفافة
لامرئية..

{ 14 }
مات حمزة
وحيثما يستدير حنظلة.



مصطفى سعيد
Mustafa.saeed1976@gmai.com


7
الشاعرة آخين ولات والروائي مصطفى سعيد في أسبوع الثقافة السورية في الأقصر.


برعاية الدكتور عزت سعد محافظ الأقصر واتحاد كتاب مصر، افتتحت في الأسبوع الماضي فعاليات مهرجان ليالي الجنوب الرمضانية والتى أقيمت في ساحة ميدان أبوالحجاج بالأقصر واستمرت لمدة عشرة أيام وتضمنت الفعاليات معرضاً للفنون والحرف البيئية وأمسيات غنائية موسيقية لفرقة الأقصر للموسيقى العربية وعروضاً شعبية كما شارك المحافظ فى فعاليات أسبوع الثقافة السورية والتى احتضنتها ساحة ميدان أبو الحجاج، وتضمنت معرضاً للصور تسجل أهم أحداث الثورة السورية وجرائم النظام السوري بحق الأطفال والشعب، وصوراً لضحايا التعذيب والقتل، وأغاني من الفلكلور وندوات وأمسيات ثقافية وشعرية وموائد مستديرة عن الثورات العربية، ومستقبل الثورة السورية. خلال كلمته رحب محافظ الأقصر بالمشاركين فى الفعاليات من الأشقاء السوريين وعلى رأسهم الناشط محمد برو والإعلامي فرحان مطر والشاعرة سرى علوش والشاعرة آخين ولات والروائي مصطفى سعيد.

كما أثنى المحافظ على جهود فرع اتحاد كتاب مصر بالأقصر بالتعاون مع فرع الثقافة بالمحافظة وأكد على دعمه الدائم لمختلف الفعاليات في المحافظة التى تساهم فى إثراء الحركة الثقافية مقدماً باسم أبناء الأقصر التحية لأشقائنا السوريين على نضالهم، آملاً أن يسود سوريا الأمن والاستقرار وأن ينعم شعبها بالحرية حتى يقوموا ببناء سوريا جديدة ينعم فيها كل مواطن بحقوقه فى إطار من القانون وتداول السلطة, وتم تخصيص اليوم قبل الآخير عن المكون الكردي في الثورة السورية ممثلاً بالشاعرة الكردية آخين ولات والروائي مصطفى سعيد إضافةً إلى قراءتهما لبعض القصائد التي بدأتها الشاعرة عن الشهيد حمزة الخطيب وقصيدتها المعروفة ( عصير الكيوي )  وقراءة قصائد ومقتطفات من رواية أسياد بلا جياد حيث كان التفاعل جيداً مع الموضوع من خلال مناقشة أهمية وجود الكرد التاريخي ومساهمتهم في إغناء الحضارة الإسلامية حتى وقتنا الراهن.



8
أدب / نردٌ من زبدٍ وحصى
« في: 14:36 20/05/2012  »


نردٌ من زبدٍ وحصى



مصطفى سعيد



سأحرثُ هذا الليلِ بمعولٍ من ماءٍ
لأسكب هذا العقل المعتقل لدى الأوفياء الذين لم يعد لهم أيّ وجود..
سأتظاهر بالكبرياء وأتقنُ الجفاء..
سأزيل اسمها من كلمة السرّ في حسابي الذي كان وفياً للصفرِ أكثر منها..
وبريدي الذي لفظ اسمها أكثر منا..
سأنام مرات وأفيقُ من كلِّ الممراتِ
لأسعُلَ وأتذكرَ التبغ والماء وطرفاً من نهدها
سأمشي بعد أن أتقبل التهانيَّ مِنَ البحرِ
سأفوزُ بلعبتي من النرد مع الحصى والزبدِ
سأراهنه على حُبها المحبوكِ بلهاثي..
سأتكبرُ على البحرِ والماءِ والناسِ
سأنظر خلفي لأبقي جارتي في وهمها
سأظلُ أتهربُ وأبرر لها..
بأني مُنشغِلٌ بهتكِ الياسمين
سأجهّزُ نفسي لموعدي وأتقيحُ كلَّ هيبتي..
سأحضر قبلها بنصف ساعة كعادتي..
سأروض أوردتي وكريات دمي..والمكان..
سأطلب من النادلِ قطعة خبز وقهوة
سأكون بلا طعامٍ منذ أيامٍ وليالٍ
سأجهز لها ألفَ قصيدة لغتها بسيطةكما تحبها..
سألقاها وألتزم الصمتَ والموتَ
سغتاليني رويداً .. رويداً..
ستلتفت ذات اليمين وذات الشمالِ
كساعةٍ كونية
سأبكي ولم يتسنَّ لي البكاءُ
سأخبرها أني راهنتُ البحر
وفزتُ بنردٍ من الحصى..
سأطلب من النادلِ أن يهجر مدينتنا
لنصنعَ معاً عصيراً من جسدين وشمعة
سأرى الرجلَ الذي هزمني وهزم البحر بنرده..
سأحدّقُ في وجهه الذي يشرق كلمعة الياقوتِ
سأخشعُ كهدير التوبة الشاخصة
تحت أكوام الشواهدِ..
سأرتشف العتمة وأتثاءب الغمَّ
ستثقلني كلماتي وأتثاقلُ بلفظها..
سأعودُ للبحر خائباً
لأقولَ له ما حاجتي بكَ دون الزرقَةَ
سأعرفُ بأنكِ لم ولن تأتي..







Mustafa.saeed1976@gmail.com

من ديوان ( كيمياء الحب ) صدر عن دار رشادبرس 2010 – بيروت


9
أدب / ظلٌ وقِرميد
« في: 22:39 03/05/2012  »

ظلٌ وقِرميد


مصطفى سعيد


جهز بناتكِ لوأدهن قرب الجنة
لتَمُوء الأفكارُ وحيدةً بعيدةً لا رجعةَ فيها
سماءٌ مؤقتة لا تروي عطش حقولنا
الأرض الجافةُ متراميةٌ قربها
لاشيء سوى الخرائِطُ النارية
تأتيكَ من عتبةِ المعنى
راحوا يتسلقون المناجم
باتجاه التراب المكتومِ منهم
الصدعُ يسند جدار الصوتِ
كلّ حائطٍ مال على أهدابي
 صار شفاهاً
جلستُ معهم في حفرتهم الترابية
خافني الموتُ وخفتُ من خوفه
لو يقتلع الأرض ويجعلها على عقبها
تفرخ المعاني لازدياد سعةِ النسيم
الحذقُ يبيع إحدى أقدامه
أصابعه العشر, أو العشرين, لأجل الكازولين الذي نذرِ للطيرانِ ..
للاحتراقِ
فبالشعر فقط لا تخلق سماءٌ جديدة
وأرضٌ فريدة وأناسٌ فضلاء
بالشعر نجعل شمال المنفى غرب السدول
بالشعر تُصنعُ أمماً وتمحى أممٌ وأبٌ واحد
بالشعر تشيدُ مدنٌ
أسوارها أوراق الدفاتر
عملتها الحكمة.. بيوتها السحبُ
تسيل عن وجوههم أناشيد الجزرِ
أمام شهيقِ حوتٍ
يتأملون الأقحوان بلون عظامهم
بذرة الهيجان تقفُ حائلاً بينهم وبين المواخير
بعد أن يبسَ ثدي الجدي
يهيّئ بعض الحليب من جبينه
شذَّ عن الرُّؤى التي عصفت بحقيبته
حتى قفز من داخله لداخله
ليشكلَ قافيةً مالحة من زبدٍ وزنجبيلٍ
غامضٌ مالحٌ كملحٍ كالح على صخرةٍ رطبة
المُهيَّأ لموتٍ
سيأتيه في يومٍ بعد يوم الأمس
لكنه ليس اليوم
أصابعه المستحيةُ
حتى نصف النقص تقصف
وبقى من النقصانِ قصفة
ليصفقَ وقام ليقتنصَ الصفير
مع بذورِ اليقطين
تصطفيهِ
لتوقدَ على بابه
نواقيساً من ذهبٍ وهلام..

مصطفى سعيد
Mustafa.saeed1976@gmail.com
من ديوان كيماء الحب صدر في 2010 عن دار رشادبرس – بيروت
مدونة الديوان: http://00kemya00.blogspot.com/


10
أدب / الغريب
« في: 17:55 29/04/2012  »
الغريب

مصطفى سعيد


كان الشتاء حاضراً بصرامة, رياحٌ ثقيلة تهز المصاريع وتنثر كل ما يصادف طريقها, تتقاذف بها في السماء كأنها تراقصها رقصة إجبارية صاخبة على موسيقى الطبيعة والرياح..

حمل الرجل ابنته الصغيرة وخرج من البيت بائساً يلتحف بمعطفٍ رماديٍ داكن تغطي أقدامه جزمة سوداء مرتفعة حتى قبل ركبتيه, البخار يخرج من أنفه وأحياناً من فمه كأنما يدخن لفافةً موسمية لا تنطفئ إلا بانطفاء الشتاء..

كانت ابنته المسكينة بين يديه ترتعد ولم يفطن وهو يخرج مسرعاً أن يغلف رأسها الصغير بقبعة تحميها من حنق الرياح الباردة... يمضي في طريقه والغم لا يبارح هيئة وجهه, يتذكر الحديث الذي دار بينه وبين زوجته الجديدة التي رفضت أن تربي ابنته الوحيدة, يومها أدرك مصيبته وحينها أدرك الفاجعة بعدما سجل البيت الوحيد الذي يملكه باسمها عندما طلبها للزواج إذعاناً لشرطها...

 يتذكر وهو ماضٍ في طريقه زوجته الأولى, لم تكن يوماً تذكر له أي شيءٍ من هذا القبيل, ولم تكن تطالبه يوماً بما يقرب المستحيل, ماتت قبل شهورٍ عدة بعد صراعٍ مرير مع السل, لم يبق لابنته الوحيدة في الدنيا إلا هو وعمتها في مدينة بعيدة... يومها دخل البيت ليجد زوجته تنهال على المسكينة بالضرب وهي لم تكمل العامين من عمرها ويدها الصغيرة عليها علامات الحرق تشير إليها وتصرخ...

كاد أن يبكي لكنه حبس دمعته أمام زوجته التي طالما أرادت أن تهينه, عندما أبصر ابنته الصاغرة بتلك العينين العسليتين وهي تستنجد وقتما دخل قادماً من عمله, تهشم قلبه عندما شاهد يدها محترقة, كان يعرف لكنه يغالط نفسه, ويدرك أن زوجته كذبت عليه, وليست هذه المرة الأولى, قالت له أنها مدت يدها على المدفأة فحرقتها, لكنه تأكد من موضع الحرق أنه مفتعل وعلامة المكواة الكهربائية برأسها المدبب ظاهرةٌ على يد الصغيرة, لكن أين المفر من قلب الزوجة الأسود الصلد وحقدها يمكنهما أن يفعلا أكثر من ذلك..

عندما اقترب نحوها وخلصها من يدها الظالمة ظلت الصغيرة المسكينة متمسكة بلباس والدها محتضنةً يده كي لا يتركها وحدها مع ظلم زوجة الأب لها...

كل ذلك وهو يمضي... والفتاة ترتعد بين يديه, يكمل حديثه مع نفسه :

- حتماً سيكون ملجأ الأيتام أفضل من ظلمها...

ياه ... ما هذه الدنيا البائسة... لا يقدر المرء أن يفاوض القدر المتربص ليحتفظ بفلذة كبده تحت سماء الله ... مئة مرة قلت لها ... لم يرزقك الله بالأولاد بعد, أشرفي على تربيتها حتى تكبر وتترعرع ثم يبعث الله نصيبها... لا يقدر أن ينسى كيف كانت تجيبه وهي تصرخ :

- لن أكون خادمة لابنتك وابنة زوجتك الأولى... حتماً كنت تحبها ولا تقدر على نسيانها, لتبقى هذه الفتاة الذكرى الحية من خليلة قلبك...

وصل الرجل أمام الملجأ وتجمد للحظات, أيقظ شروده رجفة ابنته بين يديه طالبةً الدفء, كاد أن يكومها بين معطفه لكن في الوقت ذاته يدها المحترقة مشرعة للهواء ولا تقدر ضمها من شدة الألم...

دخل المبنى والعتمة تعلن هيمنتها على المكان, وضع الفتاة عند مدخل الباب, صارت الابنة تبكي وتصرخ, كانت تتشبث بلباسه بأظافرها الناعمة وهي تصرخ.. بابا.. بابا.. احتضنها.. وبكى.. واحتضنته هي وتوقف بكاؤها معتقدةً بفطرتها الطفولية أنه أعادها إلى حضنه ولن يستغني عنها...

فجأةً... وكأنه يريد الخلاص, كتب ورقة صغيرة وضعها على المقبض عليها اسمها الأول وتاريخ ميلادها, رمى بها أمام الباب وقرع الجرس ثم أدار ظهره ورحل, عندها صار البكاء والصراخ يصدح بالمكان, ذلك ما دفعه قبل أن يغيب ليختبئ خلف السور, سمع المشرفة في الملجأ متذمرة عندما استلمتها توبخها وتنهرها طالبةً منها السكوت...وظلت الطفلة تصرخ بحرقة...

بابا... بابا...
مرت السنون مسرعة, كان الرجل قد تعاقد للعمل في بلدٍ آخر, عاد بعد أن غطى الشيب رأسه, زوجته الظالمة أصابها مرضٌ أقعدها على كرسي متحرك ولم يرزقها الله بولد...إنها حكمة الحكيم الجبار...

لكنه ظل يحتمل سخطها وحقدها من أجل البقاء تحت سقف بيته, كي لا ترميه في الشارع كما كانت تردد عليه تلك الجملة مراراً, لم يخلص من مهاتراتها حتى بعدما قصد الغربة ليتخلص من بغضها, لم تغير  تلك السنون من حالها ولم تجعل قلبها يلين إلا بعدما بعث الله الشلل النصفي لجسدها, فقبلت وفي عينها نظرة ندم, وفي نحيبها نبرة حزن, وفي دعائها رضوخٌ وذل..

كانت الأيام التي قضاها في غربته جديرةً أن تنسيه ابنته, لكن الحنان والدم لا يغدو ماءً مهما طال الزمان, ظل يتذكرها كلما مر من مكانٍ كانت وهي صغيرة تلهو وتعدو فيه, كان ثمة حقيبة صغيرة فيها فستان لها من الحرير المزركش, حاكته الأم قبل رحيلها ولم تكمله, كان يفتحه كل يوم ويحرك الفستان ويتفحصه, ويبكي على زوجته المرحومة كلما مر من شوارع كنستها أقدامه وأقدامها التي غدت عظاماً منذ زمن ...

في يوم ٍمن الأيام كان جالساً في المقهى مع رفاقه القدماء يشاهد برنامجاً عن الناجحين, رأى السيدة التي أكرموها فيها شيء أضرم الحنان في قلبه وظل يحدث نفسه ويقول, ربما ابنتي أصبحت الآن بعمرها, كاد أن يسقط مغشياً عليه وقتما علم أنها دون أهل تخرجت من ملجأ الأيتام, وعندما كانت تتحرك شاهد الحرق الذي ظل مكانه ظاهراً على يدها...

أوصله أصدقاؤه لبيته بعدما ذبل الرجل أمامهم, ظل حبيس الفراش لشهورٍ عدة, وبدأت الأحداث الصارمة تتقاذف على رأسه, خسر آخر ما يدخره في تجارةٍ فاشلة, وتوفيت زوجته الظالمة وهي تنطق بعينيها أن يبحث عن ابنته ويطلب العفو منها, وغدا الرجل غارقاً بالديون بعدما رهن بيته الذي لا يملك غيره حتى يصرف على علاجه وعلاج زوجته الراحلة...

لم يرَ بداً من أن يجد نفسه ذات صباح أمام الملجأ ذاته, لكن كل شيء تغير وتبدل, حتى المشرفات, ومديرة المركز, لكنه استطاع أن يصل عن طريق السجلات بالتاريخ والاسم الذي تركه في تلك الليلة إلى العائلة التي تبنت ابنته الحبيبة, أمضى شهوراً في البحث والسفر حتى مثل أمام مكانٍ قالوا أن ابنته وزوجها يديرونه ويشغلونه في مجال التعليم, وتلك الحقيبة الصغيرة التي تضم فستانها الصغير بيده, كاد قلبه أن يهبط من بين ضلوعه وهو يدخل المكان والجميع يذكر اسم ابنته أنها صاحبة المكان الفاخر, وأنها كافحت وشقت طريقها في الصخر حتى صارت من أشهر المحاضرات والكاتبات المدافعات عن حقوق المرأة و الإنسان...

طرق باب مكتبها, كانت جالسة خلف طاولة منشغلة بأوراقها, وزوجها يتشاور معها, دخل الرجل وفمه يرتعش, كانت الخطا ثقيلة واللسان أيضاً, لكنه استطاع أن يستنطق كلمة لا غيرها..

ابنتي...

نظرت السيدة نحوه والدمع يملأ وجهها, لكنها كابرت وظلت مدفونة بمكانها لا تبارحه, سأله الزوج متعجباً : ما بك ياعم ... ؟

هل تحتاج للمساعدة؟ نظر بتعجب نحو ابنته وقال :

لا ... أريد أن ألقي التحية على ابنتي... أخرج الفستان الصغير ليضعه أمام ابنته ويقول بنبرة تصاحب البكاء, كانت أمك فرحة بكِ, أمضت كثيراً من الوقت وهي تحيك لكِ هذا الفستان, قالت إنه يناسب معلمة المستقبل, لقد أصاب ظنها وكان بمحله, وأنا خاب ظني عندما أبديت نفسي عليكِ... لا أريدكِ سوى أن تسامحيني...

وقف الزوج وحدق متعجباً, كانت السيدة مثلما كانت تكابر وتتحايل على الدمع أن لا يسيل, لكن الزوج بعد أن عرفه تقدم نحوه وضمه واحتضنه وربت على ظهره وهو يقول:
 
أين كنت يا عم كل هذه السنين, بحثنا عنك ولم نجد لك أثراً, كانت تريد دعوتك إلى عرسها لا غير...وكانت تريد أن تخرس عيون الناس التي كانت تظن أنها بنت بلا أصل, اخترتها من بين كل النساء لأني أعرف أنها نقية وصافية كالماء الزلال...

عندها صاحت السيدة من خلف مكتبها.... لا..!

أنا لا أب لي, كنت أبحث عنه لأجد الإجابة عن سؤالي...؟

كيف يترك رجلٌ ابنته أكثر من عشرين سنة, كنت أرى خيالك كل صباح أن تأتي عند الملجأ وتقول لهم إنني ابنتك, كان قلبي يرتعد وينقبض كلما جاء يوم الزيارة ويمضي دون أن يذكر اسمي, وأرى البنات حولي فرحين بمن أحاط بهم من أقارب وزوار, فقط لو ذكرت لهم أني صبيتك ولم تعد بعدها... فقط لو وضعتني على خانتك أمام الناس ولم تعد بعدها...

وقفت السيدة وهي تمسح دموعها التي سبحت على وجهها...لن أستطيع أن أنسى طيلة حياتي ابني عندما دخل البيت وهو يبكي لأن الناس قالوا عن أمه... يعني أنا... إنني بنت حرام ...وهذا هو الواقع المرير الذي تعايشت معه, أنا لا أب لي ولا أم, أشارت بيدها صوب زوجها, صار هذا أبي وأمي وكل شيء في حياتي..
تدخل الزوج بينهما, وأصلح شرخ الحال, وأقنع زوجته جاهداً أنه ليس من خيارٍ آخر كان الأب يمتلكه...

رضي الأب أن يعيش مع ابنته في ملحق بيتها في غرفة صغيرة خصصت للخدم, وبقى يقضي معظم وقته بين الخضرة و الأحفاد, لكن قلبه كان يتمزق كل صباح عندما كان يشاهد نظراتها التي ترجم اللوم لا ترحم...

وفي صباحٍ بارد مثل ذاك الصباح الذي أوصل به ابنته لملجأ الأيتام, أفاق الرجل مشحوناً بالهم على صوت الخادمة وهي تعطيه دثاراً ثقيلاً مهترئاً ومغلفاً فيه مبلغٌ من المال وورقة من ابنته كتب عليها...

لن ولم أقل لك أبي...

ليتك لم تأتِ ...

كلما نظرت نحوك وأنت تلاعب أبنائي تغمرني الليالي الفجيعة رغماً عني, حاولت لكن لم أقدر, بقيت أتظاهر بحبك لكنه بدا للجميع أنه مزيف, كما أنك لم تحبني وتحنّ لي يوماً, لا أستطيع أن أنسى أنك كنت قادراً على الحضور لساعاتٍ بعد عودتك من السفر, أو قبل رحيلك للمهجر, فقط لتسأل سؤالاً واحداً عني, ألا وهو... هل هي حية أم ماتت بعدما تركتها...؟

من السهل القول أنك كنت تشعر بتأنيب الضمير لذلك لم تعد...

سأجيبك, ماذا تريدني أن أشعر الآن, بعد هذه السنين, خسرت كل شيء وجئت تفسد عليَّ حياتي...
 
ربما تقول أنك لا تفسدها, وربما تتساءل في قرارة نفسك أنك طلبت السكن في غرفةٍ منعزلة, وأن حضورك وانصرافك خفيف الظل مثل وجودك, لكن... أيها الغريب ... ليتك لم تأتِ...!

لا أستطيع أن أتظاهر أمام أبنائي الصغار الذين يقنعهم الضحك البلاستيكي المقنع الآن, لكن إن كبروا وعرفوا وتذكروا كيف كنت أعاملك, وكيف كنت أشعر نحوك, كل ذلك رغماً عني, لا أريد لأبنائي أن يشعروا قدر ذرة أن أمهم كانت ظالمة مجحفة تجاه والدها, وإن حصل شيء لا أريده أمام أعينهم ربما يبدر مني يوماً رغماً عني...
كان لك دينٌ عندي أن آويتني لسنتين, أوفيت لك دينك وقضيت عندنا السنتين وأكثر...

اتصلت بالمحامي لينهي أوراقك ويعجل بدخولك لدار العجزة...

     وداعاً دون أن أراك أيها الغريب...



Mustafa.saeed1976@gmail.com
من مجموعة الظالمون ج1 صدرت عن دار الكفاح 2007

11
أدب / مشنقة الرحمة
« في: 15:15 09/04/2012  »
مشنقة الرحمة


مصطفى سعيد


مسح القاضي وجهه بمنديله, أعاده لجيبه, الهيبة تهيمن على منصته, صار يُقلب في جمع الأوراق أمامه, أخذ قلمه ببطء ثم أشار للمأمور ليستدعي متهم القضية التالية..

دخل المتهم قاعة المحكمة, سيق إلى وراء القضبان, جلس حيث سمع القاضي يتحدث إليه :

- أرسلت للمحكمة أكثر من مئة خطاب خلال فترة سجنك, تُطالب فيها النظر بقضيتك مجدداً, عجيبٌ قولك, كيف أنك بريء وتطالب المحكمة بإعدامك, لم نكن لنذعن لطلبك إلا في خطابك الأخير, هددت المحكمة وحملتها المسؤولية أنك ستنتحر إن لم نعقد جلسة للنظر بقضيتك مجدداً, لو أنك غير محكومٍ بالمؤبد لصدر بحقك حكمٌ آخر, لأن هيئة المحكمة وقضاتها لا يُهددون, رفضت فوق ذلك واحداً من المحامين المتطوعين للترافع عنك, بما أنك المتهم فأنت معني بالدفاع عن نفسك, اسمع ما توصلنا له  نحن هيئة المستشارين والقضاء, دون سرد التفاصيل أمام الملأ لأن قضيتك منتهية..

- بما أن قضيتك مر عليها اثنتا عشرة سنة, لا يحق لنا ولك النظر بها مجدداً كما ينص الدستور, وإن أحضرت استثناءً من وزير العدل لإعادة فتح ملفك, فاعلم أن الحكم الصادر في قضيتك كان قراراً غير قابلاً للطعن, صدر وأفهم علناً, لكني عدت وأخرجت ملفك من الأرشيف, اطلعت عليه كما يحتم عليَّ واجبي الأخلاقي قبل المهني, لا شيء فيه ولا أمل لك, الدلائل والشهود كلهم ضدك, لذلك وفر عليك وعلى هيئة المحكمة الوقت وارجع لزنزانتك أعانك الله عليها, لو أرسلت بخطاباتك لرئيس الدولة حتى يصدر عفواً جمهوريّاً لكان أفضل  من أن تهدر أوراقك المرسلة لنا...
أغلق الملف ونطق الكلمات التالية:

- رُفعت الجلسة.. أعيدوه لسجنه وشددوا المراقبة عليه..

قام الناس, قام وكيل النيابة, صاح القاضي على المأمور ليدخل عليه القضية التالية, لكنه سمع دوي صراخٍ من المتهم يهز الأرجاء..

لا يعلم القاضي ما الذي دفع به ليأمر جنود المحكمة بإعادة المتهم, وجده باكياً متألماً يصرخ بأعلى صوته, لما هدأ مسح دموعه بلوعةٍ وقال :

- اثنتا عشرة سنة من السجن على جريمةٍ لم أرتكبها, اثنتا عشرة سنة أراسل لأتظلم عند هيئة المحكمة, أنا لا أطلب الحرية منكم إنما أطالبكم بإعدامي, إن الألم الذي ألقاه لا يمكن لآدمي قبوله, وبعد أن أحسست بالفرج لا تدعني   يا حضرة القاضي أدافع حتى عن نفسي..
- صاح وكيل النيابة بعدما قام عن مقعده: لمَ سنسمعه إن كانت القضية منتهية؟ ثم يا حضرة القاضي إن بدأ بالدفاع عن نفسه فذلك يعني لهيئة المحكمة أن القضية فُتحت من جديد..

قال القاضي بعد أن تلبسه الارتباك والحيرة:

- لن نفتح ملف القضية من جديد, سنعتبره حديثاً جانبيّاً, ليتحدث المتهم وسنسمعه, لنـرَ ما عنده..

وقف المتهم من خلف القضبان, مسح وجهه براحة يده, صار يتلو بشفتيه دون أن يسمعه الحضور, كأنه يستحضر الدعاء, صمت قليلاً, حدق بالأرض, عاد ومسح براحة يديه المثنى ساحة وجهه, ثم رفع بسبابته عالياً كأنه يخطب:

- أتمنى يا حضرة القاضي أن تسمعوني ويسمعني الحضور, حتى آخر رمق تمتلكونه, لربما قصتي طويلة, لكني جاهداً سأحاول اختصارها..

كنت مراهقاً يا حضرة القاضي, كأي مراهق ٍ, لكني كنت أكثرهم حظّاً على هذه الأرض, أبي لا يحرمني حتى من المحرمات, بعلمه أو بغض بصره, لا فرق بين الاثنتين, يقول لأمي دائماً: إن لم يفعل ابننا هذا من الذي سيفعل, له الحرية في كل شيء, بل كنت أرى الدعم منه حتى على الخطأ, لذلك استوحش الشر بداخلي ولم أقدر على قبول ما أُحرم منه بطيات عقلي.. كل ما أريده أحصل عليه وبمباركة المسؤولين..

أحببت فتاةً, نعم أحببتها بكل جوارحي, كأن الشمس تسطع في السماء وتغيب لأجلها, لم يكن للحياة أي معنى دونها, هاج هذياني نحوها, راكضاً وراء ظلي الدافئ الذي ألتمسه في آفاقها, حتى حسبت هيامي يوماً محض جنونٍ, هزني كبرياؤها, ربما لأنها رفضتني في البدء ذلك ما دفع أحاسيسي المتمردة بداخلي على الإلحاح فيها, لكني انجرفت في نهرها ولم أنكب في بحر حبها, قالتها بصراحة: لا يتناسب أحدنا مع الآخر, وشكرتني بكل تهذيب ودَعت لي أن ألاقي الفتاة التي أحبها وتحبني..

لم يكن ذلك الإيمان الذي عرفته الآن من الهبات التي أمتلكها, لأقول إن الدنيا ما هي إلا قسمة ولكلٍّ منا نصيبٌ فيها, بقيت من بعيد أتابع أخبارها ولا أقدر على الوصول لها, ما جعلني أثور على كل من حولي أنها أحبت قريبها, لم يبقَ في قلبي بعد الذي سمعته قطرةُ مرح..

نعم ابن خالها أصبح خلها, ذلك الهزيل صاحب النظارة السميكة الذي لا تبارح عيناه كتب التعليم, تعلمون يا حضرة القاضي كم هو صعبٌ على الرجل أن يحب امرأة ثم تحب هي واحداً غيره, بل ما هو الأشد أنه أقل شأناً منه, لم أتقبل ذلك بخلايا عقلي, ولم يكن سهلاً على قلبي سماع ذلك, كنت مستعدّاً لتدمير العالم كله من أجلها, مستعدّاً لأموت تحت قدميها..

وها أنذا أموت كل يومٍ بين ندمي وطيش نظراتها الأخيرة, أموت, لكن دون احتضار..

جلس المتهم على كرسيه بعد أن كلّ الوقوف, عاد ليكمل وهو يبكي :
 
- أنا بريء من جريمتي يا حضرة القاضي, أقسم بالله العظيم أني بريء, لكني سُجنت على كل حال, لذلك سأعترف بجرائم أخرى ارتكبتها, لكن, لم تصل للقتل العمد, أقسم بالله لم أقتلها, كيف أقتلها وأنا من كان يعبدها..

جاءتني تقول بملء فمها, بعدما تهربت مراراً من ملاقاتي: إنها ستتزوج من قريبها, جاءت لتحدث عطباً على هذا القلب المضرج بالألم, ثم رحلت يا حضرة القاضي كأن شيئاً لم يكن, نعم.. حطمت فؤادي ثم قالت بأنها ستتزوج وعليَّ تركها وشأنها لتلتفت لزوجها..

ضاق العالم الواسع على صدري, أصبح كل شيء قاب قوسين من الزوال, ليس للعالم كما ذكرت يا حضرة القاضي معنى دونها, لذلك بحثت عن السُبل كلها, حتى أوجدت ما هو أقذُرها, لأبعد الحبيب الجديد عن ساحتي, تدبرت أحد السجناء, معلومٌ لديكم, ملفه في السوابق قيد شبر, حكم مؤخراً بالمؤبد مثلي, أصبحت الآن معه في طابورٍ واحد لاستلام وجبة الطعام, محكوم بالمؤبد لكنه ليس محكوماً بجريمة قتلٍ مثلي أنا الوضيع,  ذكر إبان اعتقاله في سرد التحقيق أن حبيبها هو الذي كان يُورد لهم الدولارات المزورة, ألقوا القبض على خلها المظلوم وسجنوه بعدما نجحت بتسريب حزمةٍ من الدولارات إلى خزانته, كان لدى والدي الكثير منها, أحياناً أبيعها بنصف قيمتها, لم يكن أبي يهتم لسرقتها أو فقدانها, لربما هو من كان شريكاً في طبعها وتهريبها, أنتم من يعمل على مثل هذه القضايا يا حضرة القاضي وتعلمون ماذا تعني, استدعي كل أفراد عائلته للتحقيق, تحطمت آمال الأسرة المحافظة وشاع صيتهم على كل الألسنة وطلق صهرهم ابنتهم وللأحداث بقية..

حسبتُ بعد ذلك أن الساحة خلت لي من أي منافس, عدت لأتقدم لها, لكنها كانت ذكية بما يفوق الخيال, علمت أنني أنا الدنيء وراء كل ذلك, طردني والدها من البيت, خرجت من عندهم وأنا مستعدٌّ لإبادة العائلة بأكملها.. هكذا, كيف لأمثالهم فعل ذلك فيَّ وأنا من تلهث أجمل النساء خلف حذائه, كان أبي ضابطاً يا حضرة القاضي, نعم.. ضابطاً كأغلب ضباط ومسؤولي هذا الوقت, يستغلون مناصبهم ومراكزهم لاضطهاد الناس, لأن اتصالاتي حثيثة مع كل من دبت بهم شهامة الوشاية, تدبرت أمر تقريرٍ أعد لأمن الدولة, أن والدها عضوٌ في حزبٍ محظور, تعلمون ماذا يعني ذلك في بلداننا العربية, وما أسهل تدبير مثل تلك الأمور, سُحب الرجل من تلابيبه لا يعلم المنجمون والعرافون أين مكمنه, عاد الجو نقيّاً كما ظننت لي وحدي, دخلت يوماً بيتهم, وسائق سيارتي قد أفزع الحارة بوقوفه, السلاح يزين خصره, مستنداً على السيارة بالنمرة الاستخباراتية, حددت لها مهلة أن تقبلني وتتزوج بي...

قبل انتهاء المهلة يا حضرة القاضي, حضرت إلى مكتبي, كان في عينيها خوفٌ يستعصي على التفسير, كانت ترتجف وتهذي يا حضرة القاضي, أول ما سألت عنه سلاحي, لم يخطر أي شيءٍ على بالي, حتماً لن تجسر على قتلي على ما ظننت, تعلمون يا حضرة القاضي ماذا يعني قتل ابن ضابط له مركزه في أوكار المدينة, لذلك لن تُضيع مستقبل أسرتها, خوفها عليهم يحيلها عن فعل ذلك, ثم قالت يا حضرة القاضي أن آتي إلى مكانٍ عام حددته, طلبت مني أن أحضر سلاحي, قالت مبررة: إنها تريد أن تتباهى بصحبتي, لو أنها طلبت مني إحضار كتيبة من الجيش لأحضرتهم بضباطهم ومدرعاتهم, وماذا تفعل جيوشنا سوى التباهي باستعراضاتها العسكرية ؟..

ذهبت لموعدي, كان مكان جلوسنا مكشوفاً أمام الرصيف, بعدما نقر فمها عدة كلمات, عادت وطلبت مني مجدداً أن أُخرج سلاحي, تظاهرت بإعجابها الشديد به, قالت: إنها تريد أن يهابها كل من يراها برفقتي, طلبت مني تلقيمه, سحبتُ ظهر السلاح حتى اندرجت الطلقة لبيت النار, طلبت مني متحديةً شجاعتي سحب مطرقة بيت النار, ما هذا المطلب من فتاتي؟.. لو طلبت أن أكون الطلقة في بيت النار حينها لفعلت, رفعتها, سألتني إن كان السلاح جاهزاً لإطلاق النار, أجبتها: نعم, نظرت في وجهي, نعم ...لن أنسى نظرتها تلك, حدقت, بانت دموعها كنبع ٍ صافٍ لا يعكره أمثالي, ضعت للحظاتٍ في نظرة عينها, السلاح ما زال بيدي, سألتني كيف يطلقون النار, طلبت مني وضع إصبعي على الزناد, وضعتها وأنا ضائعٌ أمام عينيها, قفزت من أمامي, لا أعلم ما حصل, استغرق الوقت برهة, حتى تضغط على يدي وإصبعي على الزناد لتخرج الطلقة في وجهها, تناثرت دماؤها على وجهي ويدي بل حتى على الطاولات القريبة منا, بقيت أحدق حاملاً سلاحي لا أعرف ماذا حصل, تجمع الناس, حضرت الشرطة لتجد الجثة مهشمة الرأس ملقاةً على الأرض والسلاح ما زال بيدي, الشهود والحشود أكثر من الحاضرين في قاعة هذه المحكمة, ما أثبت التهمة عليّ,كما تعلم يا حضرة القاضي, لأنك اطلعت على ملفي, أنها كتبت رسالة قبل مجيئها بخط يدها, قائلةً فيها: إنني هددتها بالقتل إن لم تتزوجني, وإني كنت وراء سجن الأب والخطيب, نعم يا حضرة القاضي خرجت  الطلقة من فوهة مسدسي نحوها, هي من عصرت يدي لتفعلها, كتبت رسالتها حتى تكون كل الأدلة مصوبة نحوي, لكني بعد هذه السنين, أدركت أن النعمة لا تدوم, تعلمون أن أبي غدا متقاعداً لا يعترف به الآن شرطي مرور, بعد هذه السنين أقسم لكم أني لم أفعلها, هي من قتلت نفسها بسلاحي, وبإصبعي, قتلت نفسها حتى تفهمني أن الحب لا يؤخذ بالقوة..

لذلك أطالبكم بالرجوع للتهم الباقية وإصدار حكم الإعدام بهذا الرأس الذي ركله الشيطان إلى ملعب الشر..

وأطالبكم يا حضرة القاضي, أمام الله, أن يمثل وزير الداخلية أمام هيئة المحكمة, لأنه يعلم كل خفايا أجهزته, عداك يا حضرة القاضي, وإني سأوافيكم بأسماء الضباط الذين من المفروض أن يشاركوا في بناء البلاد, هم من يروجون المخدرات والنقود المزورة, ويديرون أكبر شبكات الدعارة..

نظر القاضي إلى المتهم, كان يريد أن يتحدث معه لكنه صمت, فجأة سمع وكيل النيابة يقوم ويدوي صوته في قاعة المحكمة..

- أطالب يا سيادة القاضي بإعادة فتح ملف المتهم..

تأمل القاضي مجدداً الأوراق التي أمامه ثم قال:
 
- تُحال أوراق المتهم إلى المفتي العام..

- يُعاد النظر في القضايا التي ذكرها ليمثل أمام قاعة المحكمة كل من شاركه في مؤامراته, للمتضررين الحق في طلب تعويضاتهم المقررة في الدستور ليعود الحق لأصحابه..

قاطع سرد القاضي لحديثه المتهم وهو يصرخ..

- الآن حكمتم بالعدل, والآن سيقول الشعب: يحيا العدل, يحيا العدل..



من مجموعة ( الظالمون) ج2 صدرت عن دار الكفاح 2007
مدونة المجموعة: http://alzalemon.blogspot.com/



12
أدب / الرسول
« في: 23:02 02/04/2012  »


الرسول



  مصطفى سعيد


تجمع الناس في السوق المكتظ يشاهدون رجلاً كهلاً   بين يدي رجلٍ طاف عن الثلاثين من عمره بقليل, تعجب الناس وتناثر الصراخ بعدما صُفع العجوز على وجهه وانقلب من أثرها على الأرض, كان الشاب يهم للانقضاض عليه مجدداً لولا أن الناس تدخلوا وأنقذوا العجوز من بين يديه المفتريتين...

كان المشهد مؤثراً حتى في قلوب أكثر الناس قسوةً, مظهر العجوز المنقلب على الأرض والناس تحيطه, والرجل الثائر الذي وقف أمامه كأنه لم يكتفِ, حتى استطاع الناس أن يردوه, حضرت الشرطة ووثبوا على الرجل الذي بدا أمام الجميع مجرماً لا يملك أدنى صفات الإنسانية ولا أقل إحساسٍ بالمروءة...
انقاد الرجلان ووقفا أمام الضابط في قسم الشرطة, وأكثر من شخص يريد أن يشهد على الواقعة الوضيعة, لأن ما شاهدوه يتنافى مع القيم والأخلاق ولم يشهدوا كتلك الحادثة حتى الساعة...

تكلم المجني عليه والضابط ورجال الشرطة والشهود يسمعون بإصغاء, أما المتهم ظل واقفاً بمكانه لا يحرك ساكناً:

كنت أمشي في السوق بحثاً عن أبخس البضائع لأستر جسدي المتهالك, سمعت الرجل ينادي من خلفي بأعلى صوته...

- أستاذ رياض .... أستاذ رياض ...

نظرت خلفي لأرى من الذي يصيح باسم ٍ كنت على وشك نسيانه بعدما تقاعدت من الوظيفة منذ سنواتٍ خلت, رأيته واقفاً أمامي يلهث... ثم فجأة سألني وأدهشني, هل أنت الأستاذ رياض...؟

- أجبته يا حضرة الضابط, نعم أنا هو... لكن لا تخمن أني باقٍ مثلما كنت, ها أنت ترى أمامك عجوزاً أضرم العجز بطقوسه العديدة على رأسه، وانحناء الظهر غدا صديقاً لهذا الجسد...

- من أنت ...؟

كل ما أذكره أني سألته هذا السؤال قبل أن أجده يصفعني على وجهي, وقعت على الأرض وأنا لا أرى أمامي, دارت الدنيا بي كأني أتأرجح على جسرٍ معلق وأقدامي لا تلامس الأرض, عندما أفقت أبصرت الناس الخيرة من حولي... وهذا اللئيم واقفاً كما كان قد زادت معالمه شراسة, كأنه لم يكتفِ بالأولى حتى يتجهز للثانية لولا ستر الله وبر الناس الطيبة لكنت فقدت اليوم ما بقي من فتات عقلٍ في رأسي...

كان الضابط يسمع بتأثر, والشهود تزيد على كلامه ليوَثق بالصدق, لكن المتهم ظل واقفاً جامداً كأنه هو المجني عليه, طلب من الضابط السماح له بإشعال سيجارة فأضرمها وشهق بها عميقاً حتى نفخ ملء رئتيه ليعود ويراقب كثافة الدخان المتصاعد للأعلى كأن شيئاً لم يكن ...

ضجر الضابط وصاح به, سمحنا لك بالتدخين حتى يهدأ بالك وتحكي لنا ما جرى ونسمع من الطرفين, ولولا ضرورة تدوين أقوالك لزججت بك في السجن الانفرادي شهوراً ترتجي بعدها الصفح من هذا العجوز, والخلاص من السجن المظلم الذي سيأكل بدنك..

هيا ... ارمِ اللفافة التي بيدك, ثم قف على أقدامك لتمثُل أمام الناس وتحكي لهم ما جرى معك, على الرغم من علمنا بما جرى لكننا نريد أن نسمع منك حتى أمنحك أقصى ما تستحق من عقاب..

بقي المتهم ماكثاً على كرسيه, ومدّ بقدميه أمامه, وعاد ليكمل سيجارته وهو ينظر في سقف الغرفة المتآكلة...

كان صمته وبرودة أعصابه غريباً, حسب الناس بعدما صاح به الضابط أنه سيتكلم ويتحدث, لكنه ظل صامتاً يكمل لفافته ببرودة..

كاد الضابط يفقد أعصابه, وعاد وصرخ به : هنا ليس مقهى يا معتوه, إنك قد تواجه عقوبة السجن من ثلاثة إلى أربعة شهور وتبقى صامتاً ... على العموم ابقَ كما أنت, ضرب الجرس المختبئ تحت الطاولة, دخل الحارس عليه ملقياً التحية ضارباً بقدمه أصقاع الأرض مُحدثاً هزة, قال له سيده, خذوه للسجن حتى يجف عظمه, وإن ارتجاكم لا تأبهوا له إلى أن أشاء بنفسي وأخرجه وقتما أريد ليعلم أن القانون يمشي عليه وليس هو من يمشي بحذائه فوق القوانين والأعراف...

أمسك الشرطي ببنيته الضخمة بساعده وقاده إلى سجنه, نظر قبل أن يرحل للعجوز دون أن ينطق بكلمة, بقيت الحيرة تعوم على وجه العجوز والشهود والضابط المحقق بالواقعة, وخرج الجميع على أمل جلسةٍ أخرى بعد عشرة أيام بالحضور والوجوه الشاهدة نفسها...

في اليوم المحدد حضر الجميع وسط ذهول الجميع, وكان الضابط غائباً ثم عاد ليُحضر المتهم بنفسه يسوقه دون أغلال على مهله, بدا كأنه عائد من معركة, أكرموه في سجنه بالضرب والرفس حتى عجبوا من صمته غير العادي, وعدم نطقه أي كلمة منذ حضوره, سوى طلبه الماء والتبغ... أعادوه لزنزانته بعد أن سئم الجميع وتجادل الشهود أنه ربما مختل عقلياً, لكن الضابط أكد لهم بأنه ليس مختلاً ولا مهلوساً, بل أنه يفهم بقدر ما يفهم الحضور جمعاً..

مر شهرٌ على هذا الحال, يخرج للجميع, يحدق بالعجوز ثم يعود حيثما كان, حتى أشفق العجوز عليه آخر مرة وقال :

إني يا سيادة المحقق أتنازل عن حقي, وهاهو قضى أكثر من شهر باستضافتكم لعلها أرجعت لعقله الصواب, لقد سئم الشهود والجنود, وسئمت أنت بنفسك وأنا أكثر منك... سامحه الله, عله لن يفعلها مجدداً أن يضرب عجوزاً في عرض الطريق دون ذنبٍ أو سبب...

حينها نظر المتهم نحو العجوز نظرة كأن العيون لو خرجت من محجرها لقذفته حقداً, لكنه في آخر المطاف بدا صوته المتحشرج بحلقه يبدأ بالعمل بعدما كان في نقاهةٍ شبه أبدية...

أشار بيده صوب الرجل العجوز وقال:

أنت الأستاذ رياض...

أجابه العجوز ونفس العجب يكسوه, نعم ... أجبتك بذلك وصفعتني, وتعلم الجواب لتعود مرة أخرى وتسألني...

أشار نحو الضابط وأصابعه كأنها تعلن إشارة النصر, لكنه كان يقصد الحصول على لفافة تبغ مرةً أخرى...
عندها ملّ الضابط والحضور والجمع ممّا يفعله المتهم, وقال الضابط متعجباً, هل ستعود للدور الذي بدأته..! ونبدأ من جديد! الرجل يتنازل عن حقه, سننهي أوراقك لتخرج لبيتك وأولادك لعلهم قلقون عليك لغيابك حتى يومك...

وبطريقة باردة انزلقت من فم المتهم تلك الكلمات:

تنازل العجوز عن حقه... ثم ضحك ضحكة ً كأنها صرخة تبعثرت أصداؤها في المكان وقال :
 
تنازل عن حقه... هكذا بكل بساطة, من أجل صفعة تحتجزونني أكثر من شهر...لو كان هنالك عدل على هذه الأرض اللعينة لكان حقي الآن بين يدي, أنت أيها المحقق, كنت حريصاً على أخذ حق العجوز مني من أجل صفعة, هل ستحكم بالعدل إن سمعت مني باقي القصة...

قال الضابط والملل يغمر وجهه, وعندما لاحظ تكشيرته الفاقعة سكت وكأنه استيأس, لكن الضابط صلح من لهجته ونحت تقاسيم وجهه بملامح البهجة المصطنعة وقال له... أتعبتنا يا هذا, نحن هنا لنسمع منك, لقد سمعنا من الطرف الأول, وبقي أن نسمعك حتى نكتب ما ورد في المحضر ...

أرجو أن تسمعوني يا سادة, يا من دبت بكم الشهامة على عجوزٍ لا تعلمون أصل شيب رأسه من أين كان...

كما أتعشم أن تبلغ حراسك يا سيادة المحقق أن يغلقوا الأبواب, إني ما أريده أن تسمعوني, طالما كان سكوتي, هو الشيء الذي حيركم وطالما تدعون العدالة ورجالاً حريصة على حقوق المستضعفين...


منذ ثلاثٍ وعشرين سنة... حينها اندهش الجمع وكأن صوت التذمر طغى على حديثه...لكنه أكمل عندما صار صوته فصيحاً خارجاً من كبته, كنت طفلاً يا سيادة الضابط, أسابق الجميع بانتصاراتي وأهزم الجموع بكبريائي ولدت وسط عائلة كأن الشيء الوحيد الذي يربطني بهم هو اسمي, أمٌ تعمل في البيت جاهدة مسؤولة عن سبعة رؤوس وأبٌ يجول مع عناصر الجمارك لا يحضر البيت إلا كل أسبوعٍ مرة, كنت محبوباً وسط الطلاب والمدرسين لأني كنت أسبق سنوات عمري بكثير, هكذا كان يقول لي مدرس التاريخ, وفي يومٍ حضر هذا الرجل, وأشار بيده صوب العجوز... وعرفنا أنه أستاذ الرياضة, لكن لا يخفى على حضرتكم أنه كان الساعد الأيمن لكل المدرسات الضيفات اللواتي لا يقدرن على قمع تلاميذهن, حتى صار سيطه شائعاً بين المدرسين والإداريين, وفي يومٍ دخل الفصل, كان بمقدار حجمه الآن مرتين, أكتافه تسد الباب ورقبته لا تقدر على مسكها إن أردت ذبحه, عروق وجهه تنبض بالحياة والحقد ضربة واحدة...

كان العجوز سيتكلم ليجيبه, لكن الضابط رفع يده كي لا يقاطعه, ثم أشار برحابة كفه إليه حتى يكمل... صمت الرجل ثم بدأ من حيث وقف بعد أن أضرم سيجارةً أخرى...

حضر الرجل وأبلغ الجميع بتوحيد لباس الرياضة كل شعبةٍ بلون, وأعطى مهلة أسبوعاً على الأكثر وتوعد للجميع بالعقاب الفظيع إذا أخل أحدٌ بمطالبه المفروضة...

لا أعلم كيف مر الأسبوع, ولم أعطِ للأمر أي اكتراث لأني أعلم أن المهلة ستمتد أسبوعاً آخر, حتى يحضر الأب الذي لا تقبل طيات عقله أن يشتري ابنه لباساً رياضياً من أجل اللهو, والأم التي لم تكن تعرف عن ولدها سوى أنه ذكي وشاطر يلجأ له أولاد الجيران كلما استعصت على أذهانهم أية مسألة...

ولأن الرياضة لم تكن شاغلتي, ولأنهم كعصاباتهم المروضة لا تحبذ أن تلتهي الأجيال إلا بالأناشيد التي تغنى لتمجد رذائلهم  أو أن يلهوهم عن نتاجهم العلمي والثقافي بالرياضة وغيرها, ولأن مجوفي الرؤوس وعديمي الجدوى هم الأغلبية حضر في ذلك اليوم الجميع بلباسه, إلا أنا وابن أخ مدرب التربية العسكرية, أشار له بيده ليصرفه هذا الحقود... وأنا أشار بيده لأتوجه صوب باب المدرسة الخلفي, كنت أرتعد لأنها أول مرة منذ بدء العام الدراسي سأنال عقاباً على شيء لا يستحق, بعد جلوسي أكثر من نصف ساعة أراقب الطلاب منقسمين لعدة فرق رياضية منذ الصباح, ولأن المدرسة تحيطها الباحة والردهة الخلفية القريبة من ذاك الباب الأسود الكبير, حضر هذا الكلب...

كان العجوز يسمع بدهشة, وكاد أن يرد عليه, لكن الضابط عاد وأصدر من فمه إشارة الصمت...
- صه...
حضر هذا العجوز الكلب, وجنته تشع احمراراً, كان قد شرب كأس الشاي وأنهى فطوره المحمس فوق المدفأة مع الأساتذة الآخرين, يحمل عصا غليظة من شاهدها وشاهد حماسه واندفاعه سيظن أنه سيحرر بها القدس...لكنه كان قادماً صوبي, جاء ليعبر عن كل معاني الرجولة بنظره على رأسي أنا, الطفل الذي بدأ بتعلم الأبجدية, خمنت أني سآكل عدة ضربات وسيكتفي...

لكن ...

صار المتهم يبكي كالأطفال, الشهود مشدوهة والضابط مشدود لحديثه والعجوز يدق بأنظاره صوب الأرض, ثم عاد بعد أن مسح دموعه وأشعل لفافة تبغٍ أخرى...

ضربني يا حضرة الضابط وأنا ابن الأعوام التسع, وانبطحت أرضاً, والله لو قلت أنه أمطر على جسدي ومؤخرتي وأقدامي الحافية في صباح ٍ بارد قارص أكثر من مئة ضربة لما صدقني أحد, كنت أريد ساعتها فقط أن يتوقف للحظات لألتقط أنفاسي ثم يعود, وهيهات لو يفعل, وأكبر مطلبٍ وأمنية لي حينها أن أقدر الإمساك بيده ليتوقف لحظات, كانت أنفاسه تلهث كأنه كلب ووقعت الفريسة بين يديه, وقعت على الأرض وكاد يغمى علي, أذكر تماماً أن الدموع لم تكن تعرف طريقاً من شدة الحرقة والفزع والألم حينها, وكله من أجل ماذا؟ ... من أجل توصياته وتوصيات قيادته العليا ولا يخفى عليكم أن الجميع كان يهابه للسبب نفسه, أنه عضوٌ عامل في الحزب الحاكم, لذلك كانت هذه طريقته بالضرب والعنف ولا يقدر على ردعها أحد, بل أنها طابت للجميع, وعندما حضر مدرس التاريخ ذُهل مما رآه ولم يقدر على الكلام, فقط قال له عني, إنه تلميذ مجد عندي, أجابه هذا الكلب, لم يحضر لباسه الرياضي غير ذلك أني وجدته يكيل بنظراته العجيبة على مدرسة الفرنسي... لم أعلم عن ماذا كان يتحدث, لكني حللت ما دار بينهم بعد أيام, وعرفت أنه برر ضربه غير الإنساني بسببٍ أخلاقي...

حضرة الضابط...طُرحت بالفراش أكثر من أسبوع, لم أقدر على لمس مؤخرتي وأقدامي, ولم تطلب مني أمي الكشف عنهما, لأن ذلك لا يهمها, كنت أنتظر مثول أبي من سفره حتى أعلمه عمّا جرى معي, لكنه أخرسني بكلمة, أن الأستاذ لا يضرب دون سبب...

تهشمت يا سيادة الضابط بعد تلك الحادثة, وصرت أبول كل ليلة في لباسي, ينتشر عبق البول في الصف من بعدما كنت أطارح الجميع بهندامي, بعد ما كانت درجاتي في الفصل الأول على صفي, صرت ترتيباً ربما العاشر واندهش التلاميذ والأساتذة من انكماشي وانطوائي على ذاتي, وأكملت المرحلة الإعدادية بالعافية بعدما صارت الدراسة عندي في آنية واحدة مع وجه هذا القبيح, لازمتني طيلة حياتي إلى يومك, بعدما تغلبت على عادة التبول اللاإرادي خلقت عندي صفة عدم الثقة بالنفس والخوف من العتمة والبكاء إن مكثت لوحدي, أنا الآن يا حضرة الضابط أتمزق في داخلي كلما صادفت طلاب الجامعة وكم أتحسر لأني لم أكمل تعليمي, لكني أيضاً تجاوزت محنتي, وها أنذا خريج الإعدادية أُدرس طلاب الثانوية دون الكشف عن ماضيّ, وألفت أكثر من كتابين, وقنعت بحياتي العادية الرتيبة والندم يغمرني, لأني لو أتممت تعليمي لكنت الآن أساوم على منصب وزيرٍ ولا أرضى به...

حتى صادفني هذا الكهل الكلب الذي أمامك في السوق, علمت أن حتى الجبلين يمكنهم أن يلتقوا بإرادة الله لو وضع المهندس الجبار بينهم جسر القدر والصدفة, ولم أقدر إلا أن أهجم عليه وأصفعه..

والآن بعدما سمعت يا حضرة الضابط, هل لي أن أسألك؟
هل صفعة مقابل عمرٍ بأكمله كافية؟ ...

بدا الشحوب والتعاطف على كل الحضور, تنهد الضابط واستنشق نفساً عميقاً وقال للمتهم...

- هل لديك أقوالٌ أخرى ...

- لا يا سيدي...

- هل تريد أن تدعي عليه؟

...لا يا سيدي ...إنما أدعو الله أن يستدعيه في أقرب يوم ليلاقي هذا الرسول الزنديق ما ينتظره..
" بعض الرسل تُهدي شعوباً وبعضهم يسخر من الإنسان, لتضمحل بهم العقول " ..

يا حضرة الضابط..


من مجموعة الظالمون ج 1 صدرت عن دار الكفاح 2007

13
أدب / ما رمَيتَ
« في: 13:36 27/03/2012  »

ما رمَيتَ

مصطفى سعيد



الليلة التي قبل ليلة سقوط بغداد, جنود الجيش في أهبة الاستعداد, والوجوه مبهورةٌ مغمورة بانتظار الآتي, بعضٌ من عناصر الحرس الجمهوري يجوبون المكان بخفة ويتمتمون مع القائد المسؤول ثم يغيبون ليأتي الأعلى منهم مرتبة وهو يوصي القائد في الجناح الشرقي للعاصمة بغداد أن يهاجموا عند استلام إشارة البدء.
سماء العاصمة تضيء تارةً بصوت وتارةً أخرى بلا صوتٍ أو حراك, منهم من تكاد البهجة تملأ وجهه بعد لمعة القنابل المضيئة حتى لا يستطيع كتمها, بأن الخلاص قريبٌ, وغيرهم تناثر حول المكان وسلاحه بأحضانه لا يدرى بأي شيءٍ يفكرون, كثيرةً كانت الحفر, والسلاح منتشر, كان الجميع يعلم النهاية لكنهم يستمرون في العمل المضني, في الجهة القريبة بعض السيارات تفرغ حمولتها من الذخيرة, وعددٌ من الجنود في الجهة الغربية ينظفون سلاحهم بعجلة وكأن المشهد لا يتكافأ مع المظهر العام الطاغي بصرامة..
كان مقداد من الجنود المغلوبين على أمرهم, يقضي خدمته الإلزامية التي طالت وطابت لمن حوله, يحدث نفسه في تنهد وحسرة لا محدودة, تسربت إلى عقله ذكريات أيامه الماضية فمنذ أن بدأ بالنهوض والقمع والقتل والسجن يلاحق كل أفراد أسرته, لم يسلم الهاربون من طغيان الغربة وملاحقة الاستخبارات لهم, ولا الباقون الخانعون داخل العراق سلموا من البطش أو الهلاك, لا خروج عن الخط المعهود فكما أن ثمة إلهاً واحداً للعالم كله في الأفق, كذلك إله واحد حاكم على أرضهم لا غيره, ومن يقول أو يفكر بغير ذلك, تطبق شريعة الفتك عليه وعلى أهله, لا يستطيع نسيان بيت أم عباس, تلك المرأة التي طافت عن الأربعين من عمرها لا يعلم عنها أحد أي شيء منذ غاب زوجها إبان حرب العراق الأولى...
يتذكر كيف تسرب لآذانه من جلسة الأب مع عمه قبل اعتقالهم عندما كان مغموراً بدراسته وعزلته, استرق السمع عندما حضر الذي كان يحمل أخبارهم من السجن وهو يحكي لهم شبه مخبول, ولم ينسَ تلك الكلمات حتى حينها...
علمت أنهم جردوا المرأة من لباسها أمام زوجها, ليجبروه على الاعتراف والإدلاء بالمعلومات التي بحوزته, لكنه كان يصرخ بأنه لا يعلم أكثر مما صرح به خلال التحقيق... لكمه المحقق وبصق في وجهه وقال :
- لا تأبه لعرضك يا قواد, فكيف ستكون وفيّاً لوطنك, ثم صاح على رجلٍ آخر ملثم شبه عارٍ, وقال لأبي عباس: ما رأيك ... إن هذا الرجل أتي به من الجبهة الصحراوية, لم يرَ النساء ولم يشتم لهن رائحة منذ ستة أشهر... هل ستعترف...؟ حينها صرخ بأعلى من الصوت الذي سبقه... أقسم بالله لا أعلم أكثر مما قلته... اتركوا زوجتي, عندي ثلاث بنات وابني يخدم بجيشكم, كيف يهون عليكم أن تشردوا عائلة وتهدموا بيتها..
ضربه المأمور بالكرباج على وجهه وجسده, كان أبو عباس لا يحدث حراكاً كأن الجسد تآلف مع الألم ولم يعد أي شيء يؤلمه بعد الذي شاهده... حينها كان يصيح المحقق فيه وهو يضربه, والكلمات تخرج من فمه متقطعة لأنها تنطق مع عزم الضرب المبرح :
- يبدو أننا سنحضر بناتك ليُغتصبن أمامك حتى تتكلم ..
كان أبو عباس شبه غائب عن الوعي والدم ينـزف من أنفه وجبينه, لكن المحقق أمسك بالكرسي الحديدي الذي كان يسند به قدمه وضربه على رأسه...انتفض يافوخه للخلف وصرخ الرجل وامرأته العارية تصرخ بأعلى منه... رفس المحقق وجه الزوجة وعاد ليمسكه من شعره, لكن الرأس بدأ يتلاعب بين يديه... لو استطاع لفعلها، أن يشق الوريد المتدفق لقلبه حتى يعرف إن كان ثمة معلومات لم يذكرها ...قال المأمور في الجهة الثانية.. سيدي ... إنه ينـزف من أذنه... لعله نزيف...
- يا ابن الكواويد, أكنتم تلعبون معه, إن مات ماتت معه أسراره ...حسابي معكم بعد حين, أحضروا الكهرباء وأوصلوها بخصيتيه...تزاحم الحراس حوله وأوصلوا الأسلاك ببدنه, وانتفض أبو عباس من غيبوبته صائحاً...
حينها ركل المحقق الحراس حوله وهو يصيح بهم: إذا لم يعترف بعد نصف ساعة فسيموت, ربما بعدها ستسجنون كلكم يا كلاب...أحضروا السيخ بسرعة...
 جيء بالسيخ المعدني, أمسكه وقال للمأمور: زجه في دبر امرأته وأوصله بالكهرباء لنرى هل سيغار ويخاف على عرضه ويتكلم أم لا؟... تردد المأمور فتناول المحقق السيخ من يده وضرب به على كتفه: هيا يا كلب... كنت أقول ألاّ يحضروا المخانيث عندي...
قطع شرود مقداد صوت انفجارٍ قريب, مسح دموعه وبقي في مكانه  متأهباً كما كان, لكن زميله القريب لاحظ دموعه وسأله متعجباً :
- هل تبكي..؟
- لا فقط تذكرت أبي... لا أعلم متى سيخرج من سجنه؟
      قال له زميله: قريباً إن شاء الله كلهم يخرجون لو كان باقياً منهم حي..انتفض مقداد واستلقى على ظهره وسط الحفرة, وعاد يحدثه: ماذا تقصد؟
- لا شيء, لا أريد أن أثبط من معنوياتك وأنت أمامك معركة شرسة مع أعداء الله كما يسمونهم, إذاً ماذا نسمي ذلك الضابط.... وأشار إلى قائدهم المقدم المختبئ خلف الأكياس في المقدمة.
رد عليه مقداد متعجباً... ماذا حصل لك يا مجنون في هذه الساعة...ماذا تقول...؟
فأجاب زميله وهو يخفض من صوته قليلاً: ماذا تسمي ذلك الذي كان يصرخ بنا في الاجتماع الصباحي... رضيت لكم بالبعث ديناً..
إني أرى الانفراج يلوح ويلمع بالأفق كما تضيء هذه القنابل فوقنا, لا تحزن...الله يرحم  والدك ويرحم أمواتنا, حتى أمواتنا رخيصون مثل شعوبنا لا يحظون أحياناً حتى بقبر يواري أجسادهم, وإن كانوا أحياء الله يفك أسرهم رغم الأمل الضئيل الذي نعيش عليه...
- ما الذي بدل حالك في هذه الليلة, وما الذي جعلك شبه يائس بعدما كنت أول المتفائلين...
- كنت فقط هكذا... أتكلم أمام الناس حولي... لكني أعلم مصيبتك وأعلم أي وجع قابعٌ بداخلك... نحن في الهم سواسية يا مقداد..
أخرج من جيبه كيس التبغ العربي ولف له لفافة بسرية دون أن يراه أحد, أشعلها بعد أن غطى الشعلة بخوذته الحديدية, ثم تنهد نافخاً بدخانه صوب الحفرة وقال بحرقة: سأخبرك بحادثة رواها لي قريـبي كان رفيقاً حزبيّاً, لكن تكتم عليها...
- كان هنالك رجل كردي له سمعة بين عشيرته أنه واصل وله علاقاته ومعارفه مع مسؤولي العاصمة, يحضر كل شهر من كركوك إلى بغداد ليسأل عن أربعة سجناء برفقة ذويهم, كشف لي قريـبي أنهم أعدموا ولم يُبلغوا أهاليهم, بقوا أكثر من سنتين يجيئون للعاصمة على أمل فك أسرهم, لكن... تعلم الباقي... الكارثة التي تثبت أن البشر تخطوا كل شيء هي أن الرجل ذاته الذي كان يرافقهم ويوهمهم أنه حريصٌ عليهم وعلى أبنائهم هو من سلم ورقة بيده فيها قائمة بأسمائهم... لذلك لا تنتظر من لسان أي أحد فرجاً, عش الواقع المر وأقنع نفسك أن أباك وأخي ماتا... نظر له مقداد حتى كاد يهجم عليه...
- إنه الواقع, لا تزعل من كلامي, إن كان ميتاً أو أعدموه... رحمه الله, أقنع نفسك بهذه الحقيقة, وإن عاد خيرٌ على مرارة... وليس خيراً على خير.. لأننا لم نعد نلامس الخير يا صاح...
 
مرت تلك الليلة وقد لا يقال على خير, حتى جاءت الليلة الأخرى التي سقطت بها العاصمة, كانت القذائف تمطر فوق سماء بغداد, والجنود مطمورون في الخنادق, التراب يكسو الوجوه, الفوضى أكثر من عارمة, كان الضابط المقدم المسؤول عنهم يصيح من خلف الأكياس الترابية على الجنود لكن الصوت لا يُسمع, لا يعرف مقداد أين اختفت الحشود التي خلفه, ولا يعلم كيف تضاءل العدد حتى صار معدوداً, اختار مقداد المكوث بمكانه ولم يجد آمن منه..
ظلت صفارات الإنذار تدوي بالمكان ولا أحد يعلم ماذا يفعل, الكل يركض, والقذائف تسقط هنا وهناك, تذكر مقداد فجأة وسط المعمعة تلك أن القصف يمكن أن يطال الخنادق أكثر من أي مكانٍ آخر, وبحركة فجائية كان يريد النهوض لكن جسده مثل المخدر بعد انتظار وتأهب طيلة النهار, عندما تحرك من مكانه مكابراً انزلقت يده والبندقية كانت ملقمة والقوات معبأة في أتم الاستعداد حينها كما كانت تعليمات القيادة تنص, وقف مقداد شبه مشنج, لا يعلم تحديداً ماذا حصل, لكنه رأى الدخان ينبعث من من فوهة بندقيته ..
خرجت طلقة وكأنها من مسدس لعب الأطفال دون صوتٍ يُسمع بسبب ما يحيط بهم من انفجارات وتبادلٍ لإطلاق النار, عندما تمكن من جسده وعتاده خرج من الخندق, رأى أمامه الضابط المقدم ينظر لخلفه والدم ينـزف من كتفه, تحقق أن الطلقة التي خرجت من بندقيته هي التي أصابته, كانت الخوذة تغطي عينيه, والدم يسيل على الأكياس, رفع المقدم الخوذة بصعوبة ونظر إليه, وبقي مقداد يحدق به من بعيد, نظر حوله, لا أحد يراه ولن يقدر أحد أن يراه, الفوضى كأنها القيامة, والناس بعثوا من مراقدهم بزيٍّ عسكري, هكذا تراءى له, تذكر المقدم وأيامه السوداء معه، لا يقل عن المحقق في طغيانه, تذكر يوم حرمه من إجازته قبل أن يعتقل والده, تذكره يوم رفسه على وجهه لأنه رفض النـزول في حفرة البراز يوم عقابه, مرت صور أبي عباس وأم عباس وهما يركبان الدراجة النارية والفرحة تغمرهما عند عودتهما من السوق, تذكر جاره أبا باسم الرفيق الحزبي الذي كان يخيف الصغير والكبير, مشاهد كثيرة مرت من أمامه كأن مشهد الحرب أمامه ومشهد سقوط بغداد صار فيلماً, القوي يأكل الضعيف, الصغير يركع للكبير, كادت الدموع تخنقه عندما حضر المشهد الماضي ومثل أمامه حين أتى الجنود ورموا بجثة خاله كأنه نعجة وطالبوهم بثمن الرصاصات التي أعدم بها, تذكر كلام زميله, رحمة الله على والدك, هل سيتكرر المشهد ثانية, لكن هذه المرة جثة والده التقي الذي كان لا يفك يمينه عن شماله إلا مع مثول الفجر..
ظهر بعض الجنود في الجهة الثانية من ساحة القتال, بدا من لباسهم أنهم أمريكان, فكر أن يصوب بندقيته نحوهم, لكنه استدار عنهم وصار وجهه مقابل وجه الضابط المقدم, كان الضابط ينظر إليه ويشير بيده نحوه, نظراته يقرأ بها الترجي...
لكن...
ركن مقداد أخمص البندقية إلى جذع كتفه,وأغمض عيناً وفتح أخرى وضغط على الزناد طلقة أصابت المقدم في بطنه... كرر المشهد..
- هذه طلقة عن خالي... جاءت في صدره...
- هذه طلقة عن أبي عباس وأم عباس...أصابت كتفه الثاني, عندها همد الضابط وصارت رقبته متدلية على بطنه...
كان مقداد يراقبه وهو متعجب من سخافة المشهد عندما يطلق النار على أحد عن قرب, اهتزازه يبعث على الرأفة والضحك معاً, لم يكتفِ مقداد, عاد ولقم سلاحه ووضعه على وضعية الرش ..
- هذه عن أبي... رشقات أمطرت على جثة المقدم بكل ما تبقى في السلاح من ذخيرة أصابت معظمها حول رأسه وكل جسده...
كان يردد وهو يطلق النار على الضابط: لم أرمِ عليك الطلقة الأولى ولم أكن البادئ... لقد بدأ الله معك ليُعجّل في حسابك...
وظل يردد..: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكنَّ الله رَمَى
قام مقداد من مكانه, رمى بندقيته صوب الخندق, رفع يديه عالياً, استطاع أن يلتقط كيساً يتقاذفه الهواء كأقرب مستمسكٍ له كعلامة استسلام, توجه نحو الجنود وجثا على ركبتيه, وهو يدمدم في سره..
تعالوا واقبضوا عليَّ, تعالوا يا من طال غيابكم, وإن قتلتموني... وكم قتل الذين قبلكم وسفكوا دماء أهلي...
إنه والله وقع القتل والظلم من الأخ أشد من وقعه من الغريب...
وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكنَّ الله رَمَى..
 
 
كتبت القصة بعد سقوط بغداد بيوم
________________________________________
من مجموعة الظالمون ج2 صدرت لدى دار الكفاح للنشر والتوزيع في 2007 م

مدونة المجموعة
http://alzalmon2.blogspot.com/


الموقع الخاص لمصطفى سعيد
www.0ms0.com

14
أدب / ملامح
« في: 12:29 28/05/2011  »
ملامح

مصطفى سعيد

(1)
.. صفقوا..
قسماتُكم رائحةُ أصفاد
على ظهورِكم..
علامة X
إخس..

 (2)
.. صفقوا..
يحيّون انشباك أياديكم
خلف ظهوركم
ليهبوكم الوحدةَ
يُفرجون عن أياديكم..
لحظة التصفيق..
إخس..

 (3)
.. صفقوا..
يتلون عليكم بيان الوحدةِ
يدٌ واحدة لا تصفق..
يدٌ واحدة تصفع..
إخس..

 (4)
.. صفقوا..
يختارون المختارَ
والوزيرَ
حـارس الفُرنِ
والقبرِ
وقـائد الفيلقِ والعـسـكرِ
إخس..

(5)
.. صفقوا..
يعوضون عن هزائمكم
فـي بـاب الــحارة
وباب الوطن
مصـدوعٌ
مخـلوعٌ
ومن خلفه مفجوعٌ
إخس..

 (6)
.. صفقوا..
يعبؤون الجيوشَ
يناضلونكم.. يدٌ واحدة لا تصفق
بإصبعتين..
إشارة النصر ترفع..
وإن بقت إصبعٌ وحيدة
أية واحدة.. فللمفاد تنفع..
إخس..

 (7)
.. صفقوا..
يدٌ واحدة لا تصفق
.. صفقوا..
أفئدتكم دماً تبصُق
.. صفقوا..
وجوهكم متاحفُ كآبة
.. صفقوا..
جيوبكم هواتف عملة
.. صفقوا..
عناوين بواسِلكم مجهولة
إخس..

(8)
.. صفقوا..
يدٌ واحدة لا تصفق
يدٌ واحدة تصفع..
تكتب, تؤرخ, ترسم, تلون, تُدون, تلوح..
بعد كلّ هذا..
ما حاجتكم للتصفيق..
إخس..

 (9)
.. صفقوا..
يدٌ واحدة لا تصفق
يدٌ واحدة تصفع..
تتوسل, تتسول, تقمعُ, تُعذب, لسان الزناد تُداعب..
بعد كلِّ هذا..
ما حاجتكم للتصفيق..
إخس..

(10)
.. صفقوا..
يدٌ واحدة لا تصفق
يدٌ واحدة تصفع..
تباً لكم..
* إلى الجحيم
ألم تشبعوا تصفيقاً بعد..

*  المقطع من ديوان ( شرق عدن غرب الله ) محمد الماغوط


من ديوان ( كيمياء الحب ) الصادر عن دار رشاد برس – بيروت 2010
معظم القصائد التي نشرت مؤخراً تحكي عن الفترة الراهنة رغم أن الديوان طبع منذ سنة

لزيارة مدونة ديوان كيمياء الحب




15
إلى الدكتور بشار: الأزمة تُعالج بكلمتين: رجل الأمن

منذُ ولادتنا وحتى يومنا، ورجل الأمن ضيفٌ مقيت في حياتنا؛ أيُ موظفٍ في سورية لرجلِ الأمنِ يدٌ في توظيفه، فَصلُ أي موظفٍ لرجل الأمن يدٌ في فصلِه، ترقية أي موظف لرجل الأمن يدٌ في ترقيته، أي مسؤولٍ في الدولة لرجل الأمن يدٌ في تزكيته، كل عضوٍ في مجلس الشعب لفروع الأمن فضلٌ في عضويته، أعضاء ومدراء الأندية الرياضية والعمالية والطلائع والشبيبة معظمهم يتم اختيارهم من قبل رجل الأمن، معظم شوارع الوطن أصبحت محلات تجارية مخالفة بدعم رجل الأمن، كل مخالفة بناءٍ عشوائي تتم بحماية رجل الأمن، معظم بسطات الدخان والبضائع المهربة والأكشاك المنتشرة والمظاهر غير الحضارية بحماية رجل الأمن، معظم الجمعيات السكنية والقروض البنكية تيسّرُ بأيدي رجل الأمن، كل قادمٍ وخارجٍ من وإلى الوطن يمر جيبه بكفِ رجل الأمن، كل معتدلٍ يتعاطى بإيجابية مع النظام أصبح معارضاً شرساً والفضل لممارسات رجل الأمن، كل شيوعي أو علماني يصبح سلفياً وعميلاً فقط في تقرير رجل الأمن، كلُ متطرفٍ يُصبح مقاوماً بطلاً بمباركة رجل الأمن، كل شريف وغيور على الوطن يصبح خائناً فقط في تقرير رجل الأمن، استخراج شهادة ميلاد، هوية، جواز سفر يحتاج موافقة رجل الأمن، الزواج وإحياء حفلة تحتاج موافقة الأمن، عرضٌ مسرحي، سينمائي، أمسية شعرية، محاضرة علمية، طباعة وتوزيع كتاب، صحيفة، حتى خبر نعوة، تحتاج  لموافقة رجل الأمن، بيع وشراء الأراضي لبعض الناس تحتاج موافقة الأمن، حفر بئر ليروي الفلاح أرضه يحتاج لموافقة الأمن، فقط الهواء والماء لا يحتاجان لموافقة رجل الأمن، لو كان ذلك ممكناً لكان الهواء والماء قطع عن المواطن أيضاً منذ ألف سنة، رجل الأمن الوحيد الذي يشهر سلاحه ويقتل دون أن يُحاسب، يُهدد، يشتم، يُرعب الناس، يخالف أنظمة المرور، يقود سيارته بعكس السير، يخاطب نخبة الوطن وطلاب الجامعات بكلماته الشهيرة: (حيوان – قرد – عميل). رجل الأمن لا يمكن له أن يعيش خارج سورية لدقيقة، لذلك تجده يدافع عن نفسه ومكانه باستماتة، فلا عجب إن وجدنا كل رجل أمن حوله ألف مواطن أو أكثر يتباركون ويتمسحون بهباته وعطاءاته ويشدون من أزره ويقدمون الطاعة على بابه، ولا عجب أيضاً أن نرى أن نصف سكان العالم أصبحوا يتمنون أن يصبحوا رجال أمن.
فهل هذا هو  (رجلُ أمن)  أم  (رجلٌ ضد الأمن) !؟.
في النهاية، أنا أيقن أن أمور البلاد ربما ستسير نحو الهدوء في حال القيام بأول خطوة قامت بها البلاد التي نجحت فيها الثورات مثل تونس ومصر، بحل أجهزة الأمن، وتشكيل لجنة تتلقى دعاوى من مواطنين ضد رجال أمن سابقين تضرروا منهم بشكل أو بآخر، لكن ما أخشاه، بما أن عدد سكان سورية اثنان وعشرون مليوناً، لو أن كل قضية أخذت سنة، ربما سنحتاج إلى اثنين وعشرين مليون سنة حتى ننهي هذه القضايا.
 
 
 
مصطفى سعيد
كاتب سوري كردي
wwwstrip5@yahoo.com

16

إلى وزيرالداخلية السوري
إليكَ تفاصيل اعتقالي..


مصطفى سعيد
15/04/2011

كلمة ( أمن ) في معناها أن أشعر بالأمان, وأن رجل الأمن مصدر أمنٍ للمواطن, لا مصدر ترهيب, فكيف أصبحت هذه الكلمة المشتقة من مفردة مسالمة تثير الرعب في داخل كل مواطن, أقسمُ بأنني خلال كتابة هذه التفاصيل ولمجرد تذكرها أرتجف, فما هو حال المعتقلين ياترى؟

بعد عصر يوم السبت في الثاني من أبريل اقتحم نحو خمسة عشرة عنصراً البيت الذي كنت أتواجد فيه مع بعض الأصدقاء, من رأى هيأتهم والأسلحة والأصفاد التي معهم سيقول على الفور:

- أي إجرام وأي إرهابٍ يدورُ في هذا البيت.

كان معي الصديقة الشاعرة ( جلنار) والدكتور( أحمد) طبيب نفسي, وصديق صاحب البيت (جان) لأن الأخير عسكري لم يتم توجيه أي كلمة له, في البدء حدث عراكاً غير عادي بين عدة عناصر والدكتور أحمد وذلك لأنه طلب بكل بساطة الكشف عن هوياتهم, لأنه طالب بأبسط حقوقه كمواطن, أوسعوه ضرباً وأوقعوه ووضعوا الأصفاد في يديه بالقوة أما أنا كنت كعادتي صامت لم أتفوه بأية كلمة طلبوا مني أن أجثو على ركبتي بعد أن وضعوا الأصفاد في يدي وخلف ظهري, والشاعرة جلنارأجلسوها في باحة البيت أمام التواليت, طلبوا مني بعد قليل أن أحصي أغراضي وطلبوا الإفصاح عن المال الذي معي وبعد أن تأكدوا أن المبلغ تافه كرروا علي  إن كنت أملك مالاً غيره, فأجبتهم لا, وأحصوا أغراضي عدد 2 كاميرا مع كمبيوتر شخصي وعدد 3 فلاشات, ساعة يد, كتب, دفاتر وأشياء أخرى, المضحك المبكي أنهم كانوا يسألون إن كنت أملك أية فلاشات أخرى مخبئة في أي مكان, كنت أجيب لا, مع أن "الهارد ديسك" الخارجي سعة 1 تيرا كان أمامهم على الطاولة , لم يسألوا عنه, ظنوا أنه محول كهربائي ربما, ولم يحصوه مع الإغراض, كان التفتيش بشكلٍ لا يمكن وصفه, يفتشوا جيوب الملابس ومن ثم لا تعاد لمكانها, ترمى على الأرض ويداس عليها وهكذا, كل شيء في البيت انقلب رأساً على عقب, كان هناك المسؤول عنهم يشرف على تسجيل الإغراض علمت فيما بعد أنه برتبة (مقدم)  ولم أعرف اسمه, تبادر لذهني أن يكون الأفهم والأوعى فوجهت له كلامي بينما أنا أتألم على الأرض قائلاً:
- أنا منذ ثلاثة شهور أراجع في فرع الأمن العسكري في حلب عند العقيد وفيق وأحياناً صبح مساء من أجل موضوع منعي من السفر ولم يتم التعامل معي على هذا النحو, ماذا فعلنا حتى نضرب بهذا الشكل.
كان رده بعد أن قال:

- صوتك عالي يا حيوان

بعدها بدأت الصفعات تتوالى على خلفية رأسي ( لن أنساها طيلة حياتي) وعلى وجهي من كل حدب وصوب ومن كل عنصر كان يقف بالقرب منه, كلما يتعب أحدهم أو يشعر بألم في يده يكمل الآخر عنه.

للتفنن في الإذلال جلس بعض العناصر أمام جلنار وبدأوا بالتدخين ووضع قدم فوق قدم, وفتح شتى أنواع الحديث وأنا والدكتور أحمد أمام التواليت وجوهنا للحائط والصفعات والكلمات النابية لا تنقطع منهم. ( طبعاً أختصر الكثير من التفاصيل المؤلمة) طلبوا منا عند مغادرة البيت أن نلتزم بالهدوء التام, المضحك المبكي مرة أخرى أن الزعران ( البلطجية ) الذين يزينون الزوايا ويشاكسون الناس ينظرون لنا بتعالي, اقتادونا أمام الجيران ووضعونا في سيارة "فان" مغلقة والشاعرة جلنار في السيارة الأخرى, خلال الطريق كان هناك عنصر يجلس أمامي مباشرة والسلاح الرشاش بيده موجه صوب أقدامي, ويده على الزناد, كانت الأصفاد ضيقة فحركت جسدي قليلاً بلا شعور, أوسعني الذي بجانبي ضرباً وبدأ نفسي يضيق لا أقدر على التنفس, وأيضاً خلال الطريق بدأ الكل يدلو بدلوه بشتى أنواع الكلام البذيء وبكل أنواع المسبات التي مرت في التاريخ.
- حتى الآن ماذا فعلنا, لماذا اعتقلنا, لماذا نضرب ونهان لا أحد يعرف, ولا حتى هم أنفسهم ربما لا يعرفون. ولكن ربما التهمة هي أنني اتعاطى الكتابة – أحمد دكتور – جلنار شاعرة. أهكذا يُعامل المثقف عندنا.

عند وصولنا للفرع, كانت أبشع الساعات التي لا تنسى أبداً, ولن أنساها طيلة حياتي, إلا أن يحاكم كل العناصر الذين كانوا في تلك الدورية محاكمة عادلة, خلال نزولنا, بدأ الضرب بشكل إن قيل عنه وحشي فسيكون قليلاً جداً, باستثناء جلنار, منذ نزولنا وحتى مسافة طويلة, رؤوسنا منحنية تجاه الأرض وأيدينا في الأصفاد والضربات تتوالى بوحشية علينا مع ترديد العبارات التالية من بعض العناصر:

- عم تسبوا على بشار الأسد.. عم تسبوا على بشار الأسد..

( هنا أود أن أوضح, ان لا أحد شتم , ولا أحد نطق بحرف, كأن في طريقة ضربهم الوحشية لا مبرر لها إلا أننا شتمنا بشار) وهذا عار عن الصحة, وإن كان هناك من سبب سيجعلنا نشتمه فهو طريقتهم الوحشية في التعامل معنا, وإن كل ما يحصل في سورية سببه هذه الطريقة في التعامل مع المواطن وأحمل أجهزة الأمن مسؤولية كل ما يحدث ).

لا أقدر على تذكر تلك اللحظات بشكل مفصل, ولكننا أوسعنا ضرباً حتى صار الصراخ والرجاء لا يجدي نفعاً منا, عندما تعبت أياديهم في نهاية المطاف, بدأ الرفس, وجه أحدهم رفسة تجاه صدري, انحنيت ومسكت بصدري متألماً, ثم من الخلف رفسني أحدهم رفسة وحشية على مؤخرتي أوقعتني أرضاً, لم أستطع بعدها الحراك, لم أعد أشعر بأقدامي, ظننت أن الشلل أصابني, كانت ضربة محكمة ومؤلمة للغاية تركزت على أسفل العمود الفقري, أكملوا الضرب طالبين مني أن أقف, عندما وجدوا أن الأمر جاد وأني فعلاً لا أستطيع القيام ولا أتحكم بأقدامي, ساندني البعض وأدخلوني شبه سحب إلى أقرب غرفة وطلبوا مني أن أصمت, عندما هدأت كل ما أتذكره أن العناصر التموا على الدكتور أحمد طالبين منه جواز السفر الثاني, وكانت هذه العبارات تتردد بصوت عالٍ:
- وين جوازك التاني, عطينا جوازك التاني ونحن رح نكون معك كتير محترمين, أقسملك بالله لسى ما شفت شي, من هون لبين ما تدخل لجوى, أكتر من تلاتين واحد في الطريق كل واحد رفسة وبوكس بتصير متل صاحبك, يقصد أنا.
قال لهم أحمد أقسم لكم أنا سوري ولا أملك جواز سفر آخر, اسألوا كل أهلي أنا عايش في سورية... إلخ..
هنا كان بالي مشغول على جلنار, لازالت شبه طفلة, عمرها 20 سنة ربما, كانت زيارتها لي للاطلاع على شِعرها والنقاش في بعض المواضيع الأدبية, حملت ذنب توريطها في أمر قذر أنا نفسي لا أعرف لماذا حصل كل هذا معنا.

أدخلونا للداخل أنا وأحمد وطلبوا منا أن نخلع ملابسنا مثلما ولدتنا أمهاتنا, طلب مني العنصر أن أجلس جاثياً بعد خلع ملابسي, ذكرت له أنني لا أستطيع, قلت له أشعر بألم هنا, كان باستطاعته أن يرى ظهري أفضل مني, على ما بدا أنه شاهد احمراراً والتورم كان ظاهراً في نهاية الظهر, قال لي اذهب إلى الزاوية ووجهك للحائط, غاب قليلاً وثم عاد وقال لنا البسوا ملابسكم.. وكما حللت ماحدث, ربما, اتصل على أحدهم وقال أن مكان الضرب ظاهر, وأرادوا أن يلفلفوها خشية من أن يتطور الأمر أكثر من ذلك, جاء عنصر وطلب من المكتب الذي استلم أغراضنا والنقود أن يسلمه الأغراض, وقال بعجالة امشو معي, كنت لا أقدر على المشي وكان يلح في أن أستعجل, قلت له لا أقدر لازم يفحصني دكتور, كابرت على نفسي وثم وصلنا إلى المصعد وأدخلونا على العقيد, كان أمام العقيد أوراق مطبوعة منذ دخولي البلاد وكل حرف أكتبه في الفيس بوك والانترنيت, قال لي ماذا تعني بدرعا, بلون أسود, قلت له درعا وأنا كأي مواطن سوري حزين على الشهداء, بعد أخذ ورد مطول طلب مني أن أجلس, قلت له لا أقدر على الجلوس ضربوني بشدة وأسفل ظهري يؤلمني.. قال لي ببساطة: - شايفين وضع البلد, ونحن نعتذر منكن...

( يا سلام.. نعتذر)

أحالوني إلى ضابط آخر, سجل أقوالي, وحقق معي لساعات ووقعني وبصمني على عدة تعهدات لم أعرف ما هي, وسلمني أغراضي بعد أن فحصوا كل الأجهزة فحصاً دقيقاً, سألته عن جلنار, قال: أفرجنا عنها قبل قليل, أوصلوني للباب الخارجي وهكذا أفرج عنا بكل بساطة في ساعة متأخرة من الليل, وخرجت من الفرع حي ولكن بدون كرامة. في صباح اليوم التالي حزمت أغراضي وتوجهت إلى قريتي منعزلاً عن الدنيا عدة أيام حتى حصلت على جوازي وأقرب حجز الى خارج البلد.

مصطفى سعيد
كاتب كردي من سورية
wwwstrip5@yahoo.com

صفحات: [1]