عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - محمد المفتي

صفحات: [1]
1
من أجواء جلسة الامس والحديث عن روايتي " رقصة داكنة"  في أتحاد الادباء والكتاب الكورد في دهوك.
بداية عن الدعوة الكريمة أقول:  أكتب لكم رسالة بامتنان عميق وتقدير كبير لِما حظيتُ به من كرم الضيافة وحسن التنظيم خلال الجلسة الرائعة التي أقمتموها. لقد كان شرفًا عظيمًا لي أن أكون حاضرًا بين نخبة من الكتاب والسياسيين الكورد والعرب، ممّا أثرى نقاشنا.
أودّ أن أخصّ بالشكر وبشكل خاصّ عائلة اتحاد الكتاب الكورد في دهوك وعلى رأسها السيد حسن سليفاني على جهودهم الدؤوبة وحرصهم على إنجاح الجلسة. لقد شعرتُ بالدفء والحميمية منذ لحظة وصولي، وكأنني بين أهلي وناسي
إنّ وجود أفراد عائلتي وأصدقائي الذين جاءوا من الموصل في الجلسة زاد من سعادتي وجعلها ذكرى لا تُنسى. لقد ساهموا في خلق جوّ من الودّ والراحة، ممّا سمح لي بالتعبير عن أفكاري ومشاعري بحرية.
الى ممثلي المكونات الذين حضروا الجلسة:
أتقدم بشكري لأبناء المكونات الذين شاركوا في الجلسة، وأتقدم باعتذاري العميق إنْ لامست كلماتي جروحكم التي لا تندمل.
أُدرك تماما أنّ مشاركتكم في هذه الجلسة فتح جروحكم القديمة، خاصة بعد أن تطرقنا إلى جانب الوجع الذي ألم بكم جراء وحشية تنظيم داعش.
لا أهدف أبدًا إلى إثارة أيّ مشاعر سلبية أو إحياء ذكريات مؤلمة، بل أردتُ فقط تسليط الضوء على الطرق التي استغلّ فيها التنظيم الضحايا من دون وعيهم، وكيف تم تحويل الضحايا بخطة ممنهجة إلى أدوات لنشر رسالته الإعلامية الخبيثة والتي مفادها "أنهم قساة القلب بلا رحمة ومقاتلون لا يغلبون." أمر لم ينتبه اليه أحد في وقتها. أنتبه له الغرب في فترة لاحقة فحاولوا قدر إمكانهم التعتيم على رسائلهم المسمومة. تبقى الضحية رهينة لآثار ما بعد الصدمة.
وعندما طلب مني قراءة مقطع من الرواية فكرت قليلا ثم أخترت هذا المقطع لأذكر الناس بأعداد من الأبرياء رحلوا دون وداع:
" في صباح اليوم المحدد، وصل سيف إلى المنطقة المطلوبة، وأوقف آدم سيارته خلف تلة، وجلسا طويلًا بانتظار رضوان، وعندما لم يتمكن سيف من أن يشـرح لرضوان مكان وجوده، صعد إلى التلة، وانبطح على بطنه بسرعة. أخرج منظارًا صغيرًا من جيبه، فشاهد أعلامًا سوداء ترفرف فوق سيارات في الأفق. قذفت الرياح الرمال في كل الاتجاهات، ولم ترحم عينيه. شاهد من خلال دموعه بعيدًا عنه ثمانية من جنود داعش وقد وقفوا متقاربين من بعضهم بعضًا، وسمع صرخة الأمر مع صدى يكاد لا يُسمع، لم يفهم ما قيل بالضبط، إلا أنه توقع أن يكون أمرًا بالقتل.
ثماني بنادق وجِّهت إلى الأمام، واستمر إطلاق النار طويلًا.
ثلاثة أشخاص أمام جدار بيت ذابوا على الأرض كشموع الكنائس بعد نهاية القداس، وتراكمت أجسادهم فوق بعضها بعضًا. سار أحد الجنود نحوهم بخطواتٍ تُشبه خطوات المتسكعين، وأطلق رصاصة الرحمة على كل واحد منهم مع رفسةٍ قوية بالرأس.
ارتعد سيف، وفكر في الجثث الثلاث الملقاة على الأرض، قبل قليل كانوا جزءًا من هذه الحياة، والآن تحولوا إلى جزءٍ من الماضي. ثلاثة رجال قُضي عليهم توًّا، ربما يكون هو وآدم رقم أربعة وخمسة."
وختمت حديثي مذكرا العراقيين باللحمة الوطنية العابرة لكل الحواجز:
أيها الكتاب الكورد الأعزاء، الحضور الكريم
في ختام حديثي، أودّ أن أُفاجئكم بمفاجأة غير مسبوقة في الاتحاد. فأنا أُجيد اللغة الكردية
لأنها لغتي الام الثانية.
التفتت بعد ذلك الى مقدم البرامج وتحدث باللغة الكردية  "عذرا أخي حسن سليفاني! لك ولزملائك حق بأن تعلم سبب تصرفي"
ثم أكملت حديثي باللغة العربية.
لقد تأكّدتُ اليوم من صحة ما قاله لي والدي ذات يوم، قال أبي عندما كنا نسافر إلى صلاح الدين ليلا، وتتعطل سيارتنا في عمق الليل في منطقة نائية، لم نكن نشعر بالأمان إلا عندما نرى كرديًا يحمل بندقيته على كتفه. ندرك حينها أنّ النجدة قادمة وأن هذه البندقية لن تُرفع في وجهنا، بل ستدافع عنا.
للتاريخ أقولها! منذ اتصالي بالاتحاد تعمدت عدم الحديث معهم إلا باللغة العربية، ولم ألقَ من الأخ حسن وزملائه في الاتحاد سوى الحفاوة والتقدير. لقد أثبت الأبناء اليوم كما أثبت أجدادهم  بالأمس أنّ الحسّ الإنساني في العراق لا يزال حيًّا
فهنيئًا للعراق بهذه الأخوة العابرة لكل القيود العرقية والدينية، الطائفية الفئوية ! اضع يدي على صدري احتراما لثقافة التآخي، شكرًا لكم، من القلب"


2
المنبر الحر / كان حلماً!
« في: 18:29 19/10/2022  »
كان حلماً!
محمد سيف المفتي 16.10.2022
حلمت لسنوات بأن التقي بـ هشام الذهبي وتحقق حلمي.
قررت قبل عدة اشهر تنفيذ هذا الحلم، وقلت لنفسي " سأركب الطائرة وأهبط في مطار بغداد وأبحث عنه حتى أجده، أجلس معه لساعة زمن وأعود الى المطار" وبذلك أكون قد حققت حلمي بزيارة العراق الذي أحبه ورأيت بصمة بيضاء على تاريخ أقل ما يقال عنه داكن. قرأت قبل أيام وبالصدفة  في صفحة الأخ علي الموسوي بأن منظمة " فرحة يتيم" ستستضيفه في النرويج فلم أتأخر بالاتصال به وعرضت خدماتي لرجل خدم الطفولة بدون قيد أو شرط فعلى الأقل أقدم له خدماتي كذلك بدون أي حدود نيابة عن كل من لم يستطع شكره في هذا العالم.
تأخر برامجه بسبب تعليق رحلته استقبلته أخيرا قبل أيام في داري وكم كنت سعيدا بوجوده مع أصدقائه واصدقائي الكرام، وأشعر كلمة سعيد أو أي كلمة أخرى هي كلمات خجولة و غير قادرة على وصف مشاعري لحظة وصوله، أمر أقرب للحلم منه الى الحقيقة.
سأنقل لكم بعض الاحاديث.
أولا عن الموصل!
عندما تحدثت عن الموصل ووجع المدينة وألم ابناءها، أجابني رافعا حاجبيه انبهارا وهو يقول:
-   أبناء هذه المدينة يثيرون دهشتي. تخلى عنها الجميع، بينما هم يكنسون الشوارع بصمت. حب شباب الموصل لمدينتهم لا يقارن بأي مدينة أخرى. للمعلومات لحد الآن الأنبار لم تعمر كما تم اعمار الموصل، بأيدي ابنائها.
قلت له وأنا اشعر بالغبطة.
-   عندي تواصل مع منظمة خلوها أجمل.
قاطعني
-   أعرفهم رائعين.
كم أنا فخور بكم وبتعاوني معكم يا شباب الموصل وكم أتمنى أن يكون هناك تعاون بينكم لتحقيق مشروع هشام الذهبي.. ذهبي في كل تفاصيله فهو يفكر اليوم ببناء ثمانية عشر دار يشبه داره في بغداد أي في كل محافظة من محافظات العراق.
بكل تأكيد في مثل هذا الحديث لا أنسى ذكر الرائع دكتور سعدالله وما قدمه للطفولة في الموصل... ولا أنسى العمل الإنساني والثقافي في مؤسسة بيتنا وبقية المنظمات المحلية. 
الدافع للاستمرار
وبينما كنا نحتسي الشاي في أجواء حميمية شد انتباهنا الشاب المبدع فاروق الموسوي مدير منظمة Fakkeltog  بسؤال جعلنا آذان صاغية. وقف فاروق ورفع صوته قائلا:
-   أستاذ هشام عندي سؤال.
التفت اليه واتجهت ابصارنا تجاهه.. أجابه – تفضل.
-   أنا بدأت بالعمل منذ عام 2015 وبدأت أشعر بالتعب لذلك قمت بعمل وشم بشعار منظمتي على ذراعي.
سحب كم ذراعه وأظهر وشما لشعار منظمته وعرضه أمامنا مسترسلا في حديثه.
-    بحيث كلما أكلت أتذكر بأنني يجب أن أستمر بتغذية منظمتي وأن لا أتوقف. يا ترى ما هو الدافع الذي يجعلك تستمر؟
ابتسم الذهبي وأجابه بهدوء.
-   تذكر أنني تبنيت طفلا من الشارع كان قطعة لحم واليوم أراه أمامي طبيبا ناجحا وصاحب عائلة، فهل أحتاج لدافع للعمل أكبر من هذا.
بقي صاحب المقال مشدوها للحظات وبدأ بتصفيق عفوي ومسح دمعت عنيدة قررت أن تسيل رغما عنه. 
لهذا السبب سأستمر بنشر فكر العطاء وسأعمل لزرع قيم اجتماعية عالمية ليكون للعالم مكيال واحد .. وليبقى الانسان هو القيمة العليا أين ما كان ومن أي طيف أو لون كان. 
أنتهى الحديث واستجد دافع جديد قوي للعمل والتغيير .
عند الوداع قلت له - هل تعلم أن لديك رأس مال كبير. استدار نحوي مندهشا وكأنه يقول لي من أين.
أجبته - قلبك من ذهب. أسم على مسمى ذهبي. أجابني بخجل – شكرا.

 


3
من يقتل الوعي في بلادي؟
محمد سيف المفتي
شعور بالشفقة يجتاحني  وانا أمر بشعوب  تعتقد ان الحرية والديمقراطية بضاعة توزع مجاناً في الجمعيات التعاونية، الا أن الحكومات الفاسدة لا توصلها الى ابواب البيوت.. فيقضون حياتهم كما قضى اجدادهم الحياة  بالدعاء ونشر الادعية  بان يضرب الله الظالمين بالظالمين ويخرجهم من بينهم سالمين، متواكلين على الله ومحولين انفسهم والمجتمع الى أناس سلبيين تماما تجاه المجتمع.
.. وتسألني لماذا نتخلف؟؟

الصراحة

سلوكيات المثقف العربي تثير الريبة في النفس،  إذ يحمل المثقف العربي يوميا مصباحه ويوجهه تجاه الفساد المالي والإداري و احتكار الثروات في وسائل التواصل الاجتماعي معتقدا أن ذلك كافيا لإيقاظ وعي المواطن ودفعه لبناء مجتمع ديمقراطي حر، خصوصا مع ازدياد عدد المعجبين بهذا النقد أو ذاك وناسيا او متناسيا ان هذه المنشورات لم تأت بأكلها يوما، مجرد كلام، وان الكاتب والمعجب الذي لعن الفاسدين مساء مستعد لدفع الرشوة او تقبلها صباحا. لان الرشوة لم تعد رشوة بل اسمها هدية وصفقات الفساد السياسية اسمها " تمويل العملية السياسية".
من جانب آخر فان المنددين بالفساد والفاسدين يقفون احتراما بوجه رموز الفساد في البلاد ولا يظهرون لهم اي مظهر من مظاهر الامتعاض او الانزعاج متصارعين لاخذ صورة مع هذا السارق وذاك المرتشي، ولا اطالب الناس  باحتقار الظالمين فطموحي بمستوى الواقع.
وعندما يعترف احد الفاسدين كما فعل مشعان الجبوري في برنامج تلفزيوني تراهم ينسون الرشوة ويتغزلون بشجاعته على قول الحقيقة ويعاد انتخابه مجددا، اقل ما يقال ان الشعب اصبح فاقد الاهلية.
وفي مشهد آخر تجد المثقف الذي يضع اللائمة في هذا الخراب على عاتق الدولة ويطالب بقيام الدولة بواجباتها ومن ضمنها السلطة القضائية تجده يشارك في " دكة عشائرية" لتنفيذ حكم عشائري يتضارب مع حكم المحكمة.
لذلك لا غرابة في الأمر عندما نرى المثقفين العراقيين يركزون على السياسيين الفاسدين ارضاء للعامة وفرحين بتجاوب الناس مع طروحاتهم مغلقين عيونهم عن جانب خطير ومسؤولية تاريخية، الا وهي مشاركتهم المباشرة بترسيخ اساس التخلف في مجتمعهم.

النظام التعليمي
النظام التعليمي في العراق لم يعد نظاما، فقد اخترقه الفساد من الالف الى الياء، صمت الكادر التعليمي على سقوط المؤسسة التربوية دليل على التصالح مع الانحلال، لأن هذا الخراب الذي ألم بها لم يحدث بين ليلة وضحاها بل استمر دون اي اعتراض من كل العاملين بما فيهم الرئيس والمرؤوس لعقود، اذ أن جل همهم هو استلام الراتب، المخصصات والحوافز غير منقوصة وبدون عناء.

الوعي
الوعي المجتمعي بداية التغيير، وهو كفيل بمطالبة جماعية بالتوزيع العادل للفرص، القصاص من المقصرين، والارتقاء بالسلطة القضائية الى مستوى النزاهة والدفاع عن القوانين. الديمقراطية        " كل لا يتجزأ" وفقا لمزاج فلان، أو نزولا عند رغبة الشيخ الفلاني أو السياسي العلاني، أو خوفا من الميليشيا ح أو ع.
بعد هذا يجب ان اذكر ان كثيرا من السياسيين الفاسدين وصلوا الى السلطة بأصوات حقيقة اما مدفوعة الثمن، او نتيجة ولاءات معينة قبلية، عشائرية، دينية او او.. وعليه يجب ان اقول ان الفساد يتحرك كما ترمي حجرا بعد حجر في بحيرة ساكنة حلقات تتبعها حلقات تتسمع حتى تصل الضفاف. 
وعليه لا يمكن اختزال الانظمة الديمقراطية التي تؤمن بالعدالة والحرية بمبدأ القصاص من المسؤول ومن يطالب بهذا  فهو ينسف كل مبادئ الكرامة ويرسخ لاضطهاد المواطنين.
وفي الختام
ما ذكر اعلاه لا يعني ان المجتمع مسؤول عن فساده ، بل هو ضحية انظمة ديكتاتورية واضطهاد طويل الامد بحيث اصبح المجتمع يفكر مثل القطيع ولا يجرأ احد على الانفراد بعيدا عن هذا القطيع.
والاشكالية الاكبر ان الاصلاح بحاجة الى مثقفين فاعلين في الميدان في الشوارع في الدوائر وفي المدارس يطبقون ما ينشرونه على صفحات الفيسبوك امام الناس، في مواجهة مباشرة مع اخطاء المجتمع والسلطة، وشعوبنا بحاجة لوعي يحرك الجميع ويجعلهم فاعلين في الميدان لنصل الى تغيير جذري.
وإلا فمجتمعاتنا تسير بخطى حثيثة الى حتفها. 

4
إنسانية فوق العادة!
محمد سيف المفتي
أخبر السيد م ع م الذي اتعبه السهر إمّا بوقوفه بجانب سرير زوجته السيدة ب م مجيد في المستشفى  أو لقلقه عليها وهو في بيته خلال الأيام الأخيرة، بينما كانت مستلقية أمامه علا الاريكة في صالة بيتهم.
- شراء الكلية في العراق أمر معقد، وسيكون آخر الحلول اذا طال الانتظار. قالها بصوت هامس.
نظرت في وجهه ولم تقل أكثر من " الله كريم"
كانت كليتها قد أعلنت اضرابها عن العمل، والذي ابتدأته بتخفيض فعاليتها تدريجيا خلال الأشهر الماضية. خرجت من المستشفى قبل ثلاثة ايام وجلست مع الطبيب المختص قبل مغادرتها والذي أعلمها " لا يوجد علاج سوى زراعة الكلية". لم يكن الخبر هينا على العائلة فلم يتردد السيد محسن بتقدمه كمتبرع لزوجته. إلا أن الطبيب وبصراحة الأطباء النرويجيين المعتادة قال له "لا، ربما تحتاجها لأولادك" ، فتح السيد م عينيه مستغربا إلا أن الطبيب استكمل حديثه غير مبال بدهشته قائلا: " ونحتاج أن نجد كلية فيها تطابق نسيجي مع كليتك يا سيدتي، وهذا الأمر يأخذ وقتا قد يطول وقد يقصر".
سأله السيد م باحتجاج – لكن اولادي لا يحتاجونها اليوم. اجابه الطبيب - هناك إشكالية جينية يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار.. تتركها للشباب.
أمام تصميم الزوج قال الطبيب موضحاً " لا تستعجل! في أسوأ الظروف سنلجأ الى غسل الكلية، وخرجا يرافقهما القلق المرتبط بطول مدة الانتظار.   
سقطت الثلوج في الليلة الثالثة بعد خروجها من المستشفى بكثافة ودفع الهواء نتف الثلج في كل الاتجاهات، وصوت الخشب المحترق في الموقد ملأ الصالة بالحميمية، نامت زوجته على الاريكة أمام التلفاز،  بينما رحلت أفكار السيد م بعيدا، اذ كان يحلل ما سمعه من أهله عن زراعة الكلية في العراق فيما لو احتاج اليها، أولا اللجوء الى سماسرة لا صدق لوعودهم والمبلغ الكبير الذي سيطلبونه ثم ليذهب بائع الكلية الى المحكمة ويقسم أنه متبرع لوجه الله بكليته.  بعد هذا عليه تحضير مبلغ لبقية الرسوم التي ستدفع الى دوائر الدولة المعنية والأمر لا يتم إلا بدفع الرشى، قبل الاتفاق على غرفة في المستشفى وجراح يقوم بالعملية.. سكت وهو يحسب المبلغ المطلوب الذي يفوق إمكانيات ذوي الدخول الطبيعية. ارتفع صوته عفويا وهو يتحوقل. فاستيقظت زوجته ونهضت متثاقلة وسارا معا الى غرفة النوم.
رن تلفون السيد م عند الساعة الخامسة والنصف صباحا وكانت المستشفى، وبادرت الممرضة بالسؤال عن صحة زوجته هل هي مريضة؟ مصابة بالكورونا؟ أي مضاعفات أخرى والسيد م يجيبها بـ " لا"
استيقظت زوجته وهي تسمعه يقول نعم نأخذ تاكسي ونأتي الآن. أخبرها لاحقا أنهم وجدوا لها كلية.
دارت في رأس السيد محسن أفكار مختلفة عن مصدر الكلية، هل هو شخص توفي فجأة بنوبة قلبية، حادث مؤسف، أم مات أثناء العملية وغيرها من الأفكار السوداء عن سيء الحظ هذا.
عندما وصلوا المستشفى أخبرهم الطبيب أنهم وجدوا تطابقا ممتازا بين انسجتها وانسجة المتبرع.
سأل السيد م مستعرضا كل السيناريوهات التعيسة التي دارت في رأسه عن مصدر الكلية.
هز الطبيب أخيرا رأسه نافيا كل التوقعات وقال له:  " كل ما يجب أن تعرفه هو  أنه شاب في الثلاثين من عمره وبكامل قواه العقلية وبصحة ممتازة.
وكان السيد م وزوجته سيسألان عن السبب إلا أن الطبيب أجابهما وهو يهم بالخروج – لأجل الإنسانية. بقيت عيناهما تراقباه وهو يغادر الغرفة وعند الباب التفت الطبيب وسألهما – ألا تعتقدان أن الإنسانية كافية؟
تركهما تستوعبان ما قاله وغادر الغرفة لأن نداء إنسانيا آخر كان بانتظاره.
يقول السيد م فكرت بهذا المتبرع، كيف لم يفكر أن كليته قد تنقذ عدوه أو شخص عنصري يكرهه أو أو كيف استبعد كل مفاهيم الكراهية وفكر بإنقاذ انسان من أي لو لون كان.. يقول قررت بعدها أن أتبرع لأي انسان يمكنني أن أتبرع له حتى لو كانت قطعة من جسمي. 
 


5
المنبر الحر / لقاء الحقيقة!
« في: 22:14 10/05/2021  »
لقاء الحقيقة!
محمد سيف المفتي 10.05.2021
جلس محمد على الاريكة في المقهى ومع الرشفة الثانية من القهوة والنفس الرابع من النرجيلة سأله صديقه إبراهيم الجالس على الكرسي أمامه. بينما جلس صفاء على الاريكة قريبا من صديقه يصغي السمع اليهم وسعيد بلقائهم مجددا.
-   اخبار فلسطين؟
-   أصبحت إسرائيل. حزن إبراهيم. قال صفاء كنت انتظر خبرا افضل. لم يلتفتا اليه.
-   الله ينتقم منهم. فكر إبراهيم قليلا وسأله.
-   اخبار العُراق؟
-   افتقرت وكسرت عيننها...اكلها الفساد.
-   ماذا تقول؟ سأله متفاجأ وكيف للعراق أن يفتقر.
-   نشكو همنا الى الله. اتسعت عينا صفاء وشعر بغصة في قلبه.
-   اخبار ريهام يعقوب؟
-   الشهيدة! قتلوها.. ضرب صفاء جبينه.
-   سينتقم منهم الله شر انتقام.
-   ماذا عن إيهاب الزوني؟
-   قتل اول البارحة.
-   ابث شكواي وحزني الى الله. ارتفع صوت صفاء باكيا ولم يثير بكاءه شفقتهما.
-   ألا تخبرني. ما هي قضية شعوبنا الأساسية في هذا الزمان.
-   لا قضية لنا. لنا الله، والإسلام. صاح بهم صفاء. لا ينفذ الله رغباتكم بل يأخذ بيدكم، لقد جعلتم الدين لهوا.
التفت صفاء الى مرافقيه وقال الحمد لله انتهت الاجازة اريد العودة الى مكاني.  وسلم على محمد وإبراهيم، لم يجيباه كانا منهمكان بلعبة النرد. وبينما كان في طريقه خارجا من المقهى سمع أصوات النرد التفت قائلا " العبوا فما خلقتم الا للعب. نلتقي عام 2050."
وخرج حتى وصل مكانه وودع مرافقيه واختفى خلف حجارة مكتوب عليها " صفاء سلمان مجيد فارس السراي ابن ثنوة.
مر رجلان بالقرب من القبر سأل أحدهما الآخر لمن هذا القبر.
اجابه الآخر – حقيقة لا أعرف لكن يقولون هذا أول المتهورين من رجال ساحة التحرير. خسر شبابه.. ماذا كسب.
خرج صفاء من القبر ثانية ونادى على مرافقيه وما أن التفتا ابلغهما – لا تعودا الي في عام 2050. لن أخرج ثانية حتى يوم يبعثون..

6
نبوءة العم خليل المفتي!
غادر عمي خليل العراق ١٩٦٨ بعد حكم غيابي بالإعدام صدر عليه تاركا املاكه وبيته في المدينة التي يعشق، بغداد.
كنت اسمع عنه وعن علاقاته مع شخصيات مرموقة على كافة الأصعدة الأدبية الفنية السياسية لهذا كنت اراه احد رموز المعارضة لأنه من اوائل الناس الذين اضطهدوا وحرموا من وطنهم.
التقيت به في الاردن في بداية التسعينات في حفل زفاف عائلي بعد غياب دام أكثر من عقدين. دعانا اليه الخال نزار النقيب بمناسبة زواج ابنه في عمان وكانت فرصة لألتقي بكثير من الأقارب لم أكن قد التقيتهم من قبل. في المساء كنا نجتمع وكان معنا الأقارب وكثير من الشخصيات التي كانت تأتي لزيارة العم خليل أو الخال نزار.  مهما كان الموضوع المطروح كان الحديث يعرج بنا الى مستقبل العراق، في احد الأيام ذكر عمي اسماء كثير من اهم شخوص المعارضة العراقية الذين كنت انتظر تصريحاتهم بفارغ الصبر وأؤمل النفس بأنهم سيقودون العراق الى مرفأ النجاة. 
سالت عمي - ما هي نشاطاتك مع المعارضة العراقية. ضحك عمي من سؤالي.
-   ابني اعرفهم ويزوروني جميعا، لكنني لست معهم. كانت مفاجئة كبيرة بالنسبة لي كيف يمكن لعمي المحطوم ظلما من قبل النظام البعثي لا يعمل على خلاص العراق منه.
-   كيف أنت لست معهم؟ تسرعت بالسؤال من دهشتي وخيبة أملي.
-   في يوم من الايام جاءوا مجتمعين ينوون مفاتحتي بالانضمام اليهم.
فسالتهم انضم الى من؟ اجابوني الى المعارضة العراقية.
سالتهم مستفسرا - عندما تصبحون معارضة حينها سوف انتمي اليكم.
-   ماذا نحن الان؟
-   انتم معاضضة. سالني كبيرهم لماذا؟
-   لانكم ما ان تخرجون من عندي تعودون فرادى لتنتقدوا بعضكم والموضوع الاهم  وعندما ترمى لكم عظمة من انكلترا او امريكا تقطعون بعضكم عضا فماذا ستفعلون بخيرات العراق. لهذا انتم معاضضة ولستم معارضة.
ضحكوا جميعا لأنها الحقيقة.
-   من منهم فيه امل؟
اجابني بلهجته الموصلية التي لم تغيرها سنوات الغربة " مكلبي" وضحك ساخرا من الوضع وأكمل حديثه.
-   لو لا قدر الله وحكمت هذه المجموعة العراق فسيقطعونه بأسنانهم عضا ويقطعون بعضهم بعضا فيضيع العراق وشعبه. استفسر احد الأصدقاء – لماذا لا تصلحون مسارهم؟
-   أولا الإصلاح ليس مشروعهم وليس في صالحهم، وثانيا لا يوجد الكثير ممن يقول للأسد رائحة فمك كريهة.. ضحك الحضور.
-   سيبيعون خيراته بالتجزئة لكل من يدفع حتى تنفذ فيقتلون بعد ذلك بعضهم بعضا. واتمنى أن لا أرى ذلك اليوم. كانت هذه آخر كلمات عمي التي اتذكرها في ذلك اللقاء.

صدقت يا عماه! فعلا باعوا العراق وصادروا البوصلة الوطنية فضاع الوطن وشعبه، واليوم يعضون بعضهم بعضا. 

 

7
نعم.. جيراننا مجانين
محمد سيف المفتي تاريخ النشر: السبت 14 آذار 2020
في الربيع الماضي، أقيم مؤتمر السلام الخامس والسبعين في القاهرة، بدأت السيارات الفارهة ومنذ ساعات الصباح الأولى تتوقف أمام بهو فندق ماريوت، ويتراكض المستقبلون مع العمال لاستقبال الضيوف وحمل الحقائب تلاحقهم كل مصطلحات الترحيب العربية.
 
كان الفندق يشبه المتاحف بأسقفه العالية والنقوش الرائعة وما يزيد من جماله حديقته والشرفات المطلة على النيل الخالد، ترجل الكثير من الضيوف وهم يرتدون مختلف الأزياء الشعبية العربية، وكان ممثلو معظم الدول الإسلامية حاضرين، حيث تم ابلاغهم بعد انتهاء مراسيم الاستقبال بموعد الاجتماع الأول، فوضعوا حقائبهم في الغرف وبدؤوا بالتجول في قاعات الفندق، متفحصين نقوش الأسقف واللوحات التي تجمل الجدران بعيون تتسع وتضيق والتقطوا الصور فرادا وجماعات. اجتمعوا مساءً حول موائد الطعام في حديقة الفندق الفسيحة، فتح منظر النافورة مع الموسيقى الهادئة شهية الحضور للطعام، وكان العدد الأكبر من المدعوين من العراق وسوريا.
 
حضر عبدالغني المصلاوي مع خمسة من تلامذته في كلية الامام الأعظم، وكذلك مصطفى الحديثي وبرفقته خمسٌ من أتباعه، وعدد آخر من تكريت وديالى. وحضر أيضاً حيدر الطالقاني ويصحبه رجلان من النجف، وعبدالكريم النجفي ومعه سبعٌ من طلبة الحوزة العلمية في النجف، وكان هنالك حضور من البصرة وذي قار. أجواء حميمة غيرت أمزجة من عاش الحرب طويلا، ودار الحديث بالعربية والانجليزية دون أي عوائق تذكر، مرح وضحك ومجاملات فوق العادة، وعندما تم تقديم اللحم المشوي، اقتطع الطالقاني قطعة كبيرة ونقلها إلى طبق الحديثي الجالس إلى جواره، وقال له بحرارة:
- اشتهيتها لك، أتمنى أن تتذوقها.
حاول الحديثي إعادتها إلى طبقه، إلا أنه أقسم عليه بالله أنها لن ترجع، ممسكا بيده وقال مذكرا (حب لأخيك) واغمض عينيه فأجابه ممتناً:
- عاشت ايدك! القطعة كبيرة.
ثم قام بدوره باقتطاع جزء منها ووضعها في طبق النجفي.
في ساعة متأخرة من الليل تم الاتفاق بين العراقيين على أن ينزلوا سوية في التاسعة من صباح اليوم التالي إلى صالة الإفطار، وكان الفراق حميميا جدا كما كان اللقاء. قبّلوا لحى بعضهم وتبادلوا الامنيات بليلة رائعة ونوم هانئ. نظر الحديثي في عيني الطالقاني:
- ما أجمل لمتنا، وهز رأسه وقال مذكرا (تداعى له سائر الجسد)
فهز الطالقاني رأسه مؤيداً ورد بحرارة.
- الله ينتقم ممن كان السبب.
لم يكن الاتفاق بينهما فقط، بل الحاضرون جميعهم كانوا يتحدثون بلغة ضمنية يفهمونها ويتجنبون الحديث المباشر خلالها عن الصراع الطائفي.
 
في الصباح وعند تمام الساعة التاسعة الا خمس دقائق، توافد العراقيون وسلموا على بقية المدعوين من مختلف الجنسيات، وهم في طريقهم الى المكان الذي اختاره أول الحاضرين من العراقيين بالقرب من أطباق الطعام والحلويات. تحدث المشاركون مع بعضهم البعض وتبادلوا الكثير من المجاملات، استعمل العراقيون مفردات بالتركية مع الاتراك، واستخدموا  كلمة "قرداش" مع الجميع، وكانت الإجابات موحدة وهي: "أفندم" باحترام متبادل، وكذلك بادلوا الإيرانيين ذات الاحترام، ولقبوا رجالهم بـ"آغا" ونساءهم بـ"خانم".
 
دخل شاب الى صالة الطعام في الساعة العاشرة وخمس دقائق، وطلب من الجميع التوجه الى قاعة الاجتماع، مذكّراً باحترام المواعيد. تسببت الكياسة المفرطة إلى تأخرهم في الذهاب الى القاعة فكل شخص كان يطلب من الآخر أن يتقدمه بالدخول ويشير بيده الى الامام. يقول الأول:
- عفوا تفضل أنت الأول، ويمد يده مشيرا الى الامام، مائلا بجسده لكي تصل يده لمسافة أطول، فيجيبه الآخر:
- لا والله لا يجوز، ويدفعه من ظهره برفق:
-  أنت الأول.
جلس أعضاء الوفد العراقي قريبين من بعضهم البعض، أخرج قسم منهم السواك من جيبه، وابتسم لمن مد سواكه الى فمه. بدأت الجلسة بالتعريف بالمنظمين وبدأ المحاضرة الأولى رجل دين مسلم رشيق القامة وله لحية خفيفة يرتدي بنطلوناً أسود وقميصا أبيض، كان قد جاء من هولندا، تحدث بهدوء عن التعايش السلمي غير المعتاد في بلداننا،  لم يصرخ كما يفعل كثير من أئمة الجوامع في خطبة الجمعة.
 
تحدث بعد ذلك رجل دين مسيحي جاء من أمريكا اسمه ستيفن ستيوارت، اسمر البشرة طويل القامة، أنفه مفروش فوق شفته العليا، يشير بيديه بسبب وبدونه، وكان محور حديثه التسامح، التقت نظرات عبدالغني المصلاوي بنظرات حيدر الطالقاني وترقرقت العيون بالدموع. لاحظ بقية المشاركين العراقيين ما يجري، وهمس بعضهم لنفسه "لا حول ولا قوة إلا بالله".
 
في استراحة القهوة الأولى تحدث افراد الوفد العراقي من الشيعة والسنة عن سنوات العنف الطائفي بتوجس، وكان الحديث باسم إخواننا الشيعة وإخواننا السنة، ناسين أنهم أبناء أم واحدة اسمها "العراق"، وقد كان مصطفى الحديثي مباشرا في حديثه وقال موجها كلامه للطالقاني والنجفي:
- نحن ظلمنا كثيرا و..
 
أراد الطالقاني مقاطعته، لكن أصوات المنظمين ارتفعت بالأثناء، وهم يطالبون الجميع بالدخول الى القاعة، وتم التذكير مجددا بالالتزام بوقت الاستراحة، وهكذا لم يتمكنوا من الاسترسال في الحديث. تأخر المشاركون مجددا في الدخول الى القاعة بسبب شدة التهذيب واحترام المنزلة الفقهية لمن سيدخل القاعة أولا.
 
بدأ الجلسة الثانية رجل أزهري شاب، تحدث حول موضوعة الاعتذار، نظر النجفي في عيني الموصلي وهز رأسه فرد عليه بهزة رأس مماثلة، كان عبد الكريم النجفي مهتما جدا بكتابة ملاحظاته عن السلام والتسامح والاعتذار.
 
بعدها أقيمت ورشة عمل لابتكار أساليب جديدة تؤدي  للتسامح، تم تقسيم الحضور الى مجاميع مختلفة من شتى البلدان وبعد ساعة عادوا للإصغاء الى المحاضرة الأخيرة. رحب العراقيون ببعضهم البعض وكأنهم كانوا قد تفارقوا لوقت طويل،  أما نتائج ورش العمل فقد تقرر مناقشتها في صباح اليوم التالي.
 
المحاضرة الأخيرة
بدأت عند الساعة الثالثة عصرا صعد الى المسرح رجل هندي اسمه بالاديف دانيش وآخر باكستاني يدعى عمران خان علي طرحا موضوع الشكر والامتنان للخالق، على خلقنا وابتلائنا وتوفير فرص خلاصنا، وشرحا بعد ذلك أنه يجب إظهار الامتنان للمحسن أو لصاحب الجميل. بعد انتهائهما من محاضرتهما طلبا من الحاضرين أن يقدم كلٌ منهم شكره لشخص أو لجهة تستحق الشكر.
 
جاء تسلسل الوفود تباعا، فانتصب الشيخ عبدالغني المصلاوي، وتلا بهدوء البسملة والصلاة على النبي وآل بيته، ثم قال وهو يشير بأصبعه الى الوفد السعودي القريب:
 
- أصالة عن نفسي ونيابة عن أهالي الموصل نتقدم لكم بالشكر الجزيل لما قدمتموه من دعم انساني ومادي.
 
بدأ التذمر على وجوه عدد من أفراد الوفد العراقي، ثم قال أحدهم وهو يرفع يده إلى فوق:
-لا بل ايران من تستحق الشكر...
نهض الشيخ الطالقاني عندها وقال بصوت عالٍ:
من يستحق الشكر هو الحشد الشعبي المقدس، هو من قاتل وناضل وقدم الشهداء لانقاد العراق.
 
زاد اللغط بين أعضاء الوفد العراقي، فقال بالاديف:
-  يمكنكم أن تشكروا أكثر من شخص أو جهة، ومن ناحية أخرى الموضوع لا يتعلق بالمفاضلة.
 
 وأشار بيده الى الشيخ أبو محمد من البصرة الذي كان قد رفع سبابته طالباً الكلام، نهض ببطء وتحدث بصوت عميق:
 
- أتقدم بشكري للسيد علي السيستاني على فتواه التي انقذت العراق، ولولا استجابة أبناء المذهب الشيعي لذهب العراق بما فيه، وشدد على الكلمات الأخيرة مضخماً صوته ثم جلس وعلى وجهه علامات زهو.
 
جاء دور الحديثي وكانت كل العيون مترقبة والاذان صاغية لما سيتلفظ به، حرك رقبته وكأنه يعدل عقالا على رأسه رغم أنه كان يرتدي الملابس (الافرنجية) كما يحلو له وصفها:
 
- علينا تسمية الأسماء بمسمياتها، ايران لم تساعد العراق لأجل عين العراق بينما السعودية فعلت ذلك.
 
صرخ الشيخ الطالقاني:
-  ما هذا الذي تقوله؟ كلامك غير صحيح.
 
نظر الحديثي الى الطالقاني ورفع يده في وجهه محذرا.
- انت قلت ما تريد.. دعني أقل ما أريد، تركيا من تستحق الشكر وخصوصا اردوغان.
 
قال الشيخ النجفي وهو يرتجف غضباً:
- هذا العفن يستحق الشكر؟
رفع بالاديف صوته مذكرا: نحن في جلسة سلام يا شيوخ، يا شيوخ! ليست جلسة شجار.
 
استمر العراقيون بالحديث مع بعضهم البعض، غير مبالين باصوات وطلبات المنظمين بالكف عن الشجار.
 
استرسل الحديثي بوجه محتقن:
ايران قمعتنا، وميليشياتها تأخذ منا الاتاوات.
 
وقف الطالقاني صائحا ومعترضاً:
 - كفاكم كذبا.
كرر بالاديف:
-  إن هذه جلسة سلام وبناء جسور.
لكن صوته الخافت المسالم ضاع بين الأصوات العراقية الغاضبة وأدرك أنه لم يعد بمقدوره إيقاف الجدال المحتدم بينهم.
 
صاح منظم الجلسة انتهت جلستنا لهذا اليوم، تفضلوا الى صالة الطعام، فقام المشاركون الآخرون وساروا متجاوزين العراقيين المنشغلين بشجارهم عن أحقية الشكر بين ايران، السعودية، وبين اردوغان وخامنئي.
 
اقترح رجل دين سعودي على رجل دين إيراني وهما يمران بالوفد العراقي، قائلا له:
-  ربما يتوجب علينا المصالحة بينهم.
- هذا شأن داخلي بينهم، مالنا ومالهم! وسحبه من يده لكي لا يتوقف.
 
قال السعودي ضاحكاً:
- فعلا شأن داخلي.
 
وضع شيخ تركي يده على كتف سوريٍ معممِ وسأله بالعربية الفصحى:
- ألن نتحدث اليهم؟
ضحك السوري وأجابه بلكنة أهل الشام:
- يا داخل بين البصلة...
 
غادر الجميع المكان وبقي العراقيون يختصمون فيما بينهم، وبعد نصف ساعة خرج أعضاء الوفد العراقي بعد أن فضوا مثل ديوك شجارهم، كان المدعوون قد بدؤوا بتناول الحلويات، تاركين موائد الطعام نظيفة من الملذات، غضب الوفد العراقي وهو يتفحص الموائد الخالية وتشاجروا هذه المرة مع المنظمين، لأنهم لم يضعوهم في حسبانهم. ولم ينتبهوا لغيابهم، حينها لكز إيراني جاره، مشيراً بأصبعه تجاه  العراقيين وقال ساخراً:
- يتشاجرون مجددا.
انضم اليهما ستيفن ستيوارت وتساءل:
 - ما الذي يجري بين العراقيين؟ هل حقاً يتشاجرون كما سمعت بسبب الامتنان؟
ثم رفع صوته وهو يقول:
- هل هم مجانين؟
اهتزت كروش إيرانية، سعودية وتركية من الضحك، وأيد عدد منهم:
- نعم جيراننا مجانين. تبعتها ضحكة مجلجلة زادت من تجهم وجوه العراقيين، وهم يراقبون المشاركين يسيرون مبتعدين عن موائد الحلوى الخالية، واصوات الضحكات تخفت وهم يبتعدون عن الصالة.
 

8
صدق الكلمة مع صدق المشاعر
استمعنا اليوم الاحد المصادف 15.03.2020 الى كلمة ملك النرويج من الحجر الصحي المفروض عليه، كلمة تهز المشاعر بصدقها وبساطتها وابتعادها عن الكلمات المنمقة، قال فيها.
اعزائي جميعا! نجد أنفسنا اليوم بوضع خيالي غريب ومخيف لنا جميعاً. لم نعد نستطيع التعرف على أيامنا وعلى العالم من حولنا.
خصوصا أننا لحد الآن نقف في بداية أمر لا نفهم ماهيته ولا العواقب المتربة عليه. هذا الغموض يجعلنا ضعفاء والخطورة قلقين. طبيعة هذه الأيام تجعلنا نشعر بأننا بلا حول ولا قوة. النرويج تعرضت للمرض كبقية العالم. مهمتنا الآن هي كبح جماح تطور المرض الدراماتيكي، بالالتزام بالشروط المطلوبة من قبل السلطات. يجب أن نكون ممتنين لوجود قيادات سياسية وسلطات علمية تمتلك الخبرة والعزم للوقوف بوجه هذه الظروف بكل أمانة وواقعية. عرفت النرويج بكونها مجتمع مبني على الثقة. نمر الآن بوضع خاص يستدعي أن نظهر هذه الثقة تجاه بعضنا البعض. كل شخص عليه أن يتحمل المسؤولية المناطة به لمنع انتشار العدوى لكي تتمكن السلطات من اتخاذ قرارات صائبة وحكيمة.
دعائي وقلبي معكم جميعا. عند المرضى وعند أقربائهم.
عند الكادر الصحي في كل انحاء البلاد الواقفين على رأس عملهم ليلا ونهارا. عندكم يا من تتعرضون في هذه  الفترة الى خسائر اقتصادية  وخوف من المستقبل.
عندكم يا من تقومون بالحرص على ادامة الوظائف المجتمعية بحيث تتمكن الدولة من القيام بالمهام المناطة بها.
عند كل الأطفال الذين يشعرون بالقلق خصوصا في هذه الفترة ولذلك علينا رعايتهم وحمايتهم بشكل إضافي.
عندكم يا من تشعرون بالوحدة في هذا الوقت لأن الحياة الاجتماعية المشتركة بشكل عام وخاص قد أخذت من حياتنا.
في الختام! أود أن أذكركم أننا جميعا بحاجة الى لطف إضافي في هذا الوقت العصيب.
سنقف معا في وجه المحنة، ومعا سنتمكن من اجتياز ما سنواجه أمامنا.
   
في الختام اريد التذكير بأن مدة الكلمة كانت دقيقتين وخمسة وعشرين ثانية.

9
المنبر الحر / العراق وكورونا
« في: 23:53 13/03/2020  »
العراق وكورونا
محمد سيف المفتي
الوباء
تحول وباء كورونا الى جائحة تجتاح القارات والدول بسرعة مذهلة، وسرعة تفشي المرض تدهش الكادر الصحي في كثير من الدول المتطورة البعيدة كل البعد عن دول العالم الثالث، وجعلت الناس بحالة رعب وتدافع للشراء وتخزين للمواد الغذائية.
عادة انتقد الإجراءات العراقية في كثير من الأمور المتعلقة بالبيئة والسياسة والتعامل الإنساني  خصوصا عندما اقارنها بكثير من الدول المتقدمة، ولا أذكر عدد المرات التي امتدحت فيها السياسة العراقية.
اقليم كوردستان العراق
استوقفتني الإجراءات المتخذة في إقليم كوردستان عندما قارنتها بما يتخذ من إجراءات في بقية العراق الذي تديره الحكومة المركزية أولا ومن ثم بعد ذلك مقارنتها بما يحدث في العالم. سأشير الى بعض الإجراءات المهمة.
أولا توقف الدوام الرسمي قبل كثير من الدول الأوربية، وهذه سابقة لم تحدث من قبل في بلداننا أن تكون القرارات قد اتخذت وطبقت قبل الدول المتقدمة، رافق ذلك قرار بإغلاق المقاهي والمطاعم حتى الدرجة الثالثة بالإضافة الى المسابح والقاعات الرياضية. السرعة في التطبيق كانت مهمة جدا، تأخر النرويج في إيقاف الدوام الرسمي أحرج موقف الحكومة وجعل رئيسة الوزراء تخرج بخطاب رسمي تعلن اعتذارها من الشعب لتأخر الحكومة في تطبيق القرارات، بينما كان الشعب على وشك العصيان المدني. تسبب التأخر بتطبيق القرارات لـ يومين فقط بمضاعفة عدد المصابين الى ثلاثة اضعاف.
لم تتوقف الإجراءات عند هذا الحد الذي توقفت عنده كثير من دول العالم بل صدر قرار بقطع الطريق المؤدي الى الموصل بالكامل ومن يوم غد سيتوقف التنقل بين المحافظات الثلاث في الإقليم قرار يدل على وعي عال لحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة والجهاز التنفيذي. صدر أمر بتوقف الشعائر الدينية في الجوامع ولحقت به الحكومة المركزية بسبب قرار من المرجعية.
صدر كذلك أمر بمنع نزول المواطن بنفسه لكي يملأ خزان سيارته بالبنزين في  محطات تعبئة الوقود ، لكي لا تكون ضاغطة المضخة وسيلة لانتقال العدوى بين الناس.
تقوم سيارات البلدية بتعقيم الشوارع العامة والارصفة، ورش الأشجار بالمعقمات في صباح كل يوم وتجوب الشرطة الشوارع مانعة التجمعات.
الرحلات الجوية
توقف الرحلات من مطار أربيل والسليمانية الى ايران بينما قام مطار بغداد والنجف بإعلان أوضحوا فيه " لأجل المحافظة على أرواح المواطنين"  تم إيقاف الرحلات الى والهند بناء على طلب الهند وكذلك لبنان والاردن بينما الرحلات الى ايران مستمرة والمسافرين يدخلون  العراق بحكم العلاقات مع السياسيين والصداقات والاستثناءات. مع العلم أن الهند منعت دخول المسافرين من ايران، مع العلم أنه حتى تاريخ 13 مارس سجلت الهند 60 حالة فقط. 
يتم فحص المسافرين الداخلين من المعابر الجوية والبرية وقرر الإقليم بالإضافة لذلك حجز كل المسافرين العائدين من ايران لمدة 14 يوم في فندق شيراتون وتقديم الرعاية اللازمة لهم، قامت عائلة من السليمانية بتهريب أبنائها من ايران الى العراق ولجئوا الى أقاربهم في محافظة دهوك. ابلغ المواطنون الاسايش عنهم وتم القاء القبض عليهم وادخلوا في الحجر الصحي.
الوعي الشعبي
سلوك الناس يدل على حجم الوعي والالتزام بالمصلحة العامة التي تفتقر اليها بقية محافظاتنا، تعقيم السيارات أصبح من الأمور الاعتيادية التي  يقوم بها صاحب السيارة أو الدائرة التي يعمل فيها بالإضافة الى قيام المواطنين بتعقيم المصاعد في المباني السكنية كل هذه السلوكيات تدل على تحمل المواطن للمسؤولية الملقاة على عاتقه بحكم شعور المواطنة.
كردستان إن لم تكن من افضل المناطق في إجراءاتها فهي الأفضل على الاطلاق
أقول هذا الكلام ليس اعتباطا، إن الاجراء المتخذ بخصوص الشاحنات التركية أمر في غاية الأهمية. عندما تصل الشاحنة الى معبر إبراهيم الخليل تتوقف القاطرة والمقطورة، ولا يسمح للقاطرة بدخول العراق. تستبدل بقاطرة عراقية وتعقم المقطورة قبل دخولها الى العراق.
في الختام ما يتم دراسته اليوم في إقليم كردستان ولم يتم اتخاذ القرار فيه لحد الآن يدل على تحمل الجهاز الإداري والسياسي للمسؤولية الملقاة على عاتقهم ويتشابه مع ما تفكر به الدول المتقدمة. قالت سيف يانسن رئيسة الحزب التقدمي النرويجي " يجب أن نفكر جيدا! لا يجوز أن نقضي على الفيروس ونقضي كذلك على الصناعة والتجارة النرويجية" قالت هذا الرأي بعد أن تراجعت مبيعات الشركات النرويجية وقرروا تسريح العمال ففكروا في كثير من الإجراءات لحماية هذه المشاريع من الإفلاس وهذا ما يتم التفكير فيه في إقليم كوردستان. حيث يفكرون في كوردستان بتخفيف عبأ الايجار خلال فترة المنع وربما تقديم الدعم للمؤجر عن طريق إيقاف الضريبة، وأتمنى أن تتحمل الحكومة المركزية مسؤليتها لحماية القطاع الخاص من حالة الإفلاس ايقاف العمل.
أما قرار منع التجول الذي صدر اليوم في محافظتي أربيل والسليمانية و التفكير بإعلان منع التجول في يوم عيد النوروز فهو تتويج لهذا الوعي، لحقت بهذا القرار كثير من المحافظات الجنوبية وقررت عدم الاحتفال بعيد النوورز بالرغم من قلة عدد المحتفلين بهذه المناسبة فيها.
قررت في هذا المقال أن أركز على ناحية تفوق فيها العراق على نفسه، ولن اركز على النواحي السلبية الأخرى و أكتفي بالقول. لك الله يا عراق.
 

10
.
عندما يوثق لواء الشرطة
محمد سيف المفتي
كتابه ينطق صدقا وحيادية من المقدمة الذي ابتدئها قائلا " ابتداء انا لست روائيا أو كاتبا قصصيا يضع في مخيلته احداثا ويختار بدايتها ونهاياتها"
أخذنا اللواء المتقاعد طارق متعب معه خلال جرائم كثيرة ومهام كبيرة أنيطت بالشرطة كتفتيش الدور في مدينة كاملة بحثا عن السلاح وما يتعلق بهذه المهمة الكبيرة والحساسة أولا من الناحية اللوجستية وثانيا من ناحية النسيج المجتمعي وما يرتبط بثقافة العراق من ولاءات عشائرية ومحسوبات وعلاقات و ( واسطات) على أعلى المستويات.
لم أكن أنتظر منه هذا الكم من الانصاف تجاه حكم جار عليه وظلمه وقام بعد ذلك بفصله عن عمله الذي كان يعشقه،  رغم ذلك يقدم لنا  عمل الشرطة في تلك الحقبة بطريقة مهنية ويصف لنا تدخل أصحاب المناصب والمقربين من العشيرة الحاكمة في عمل الشرطة وهكذا تتضح لنا صورة قاتمة تشرح لنا كيف كانت تدار الدولة العراقية. من جانب آخر نرى كيف أن الفساد بدأ يدخل مؤسسات الدولة ويتسلل الى السلطة التنفيذية واكتشاف شرطة فاسدين وكيفية التعامل معهم. ليس غريبا إذا تذكرنا أننا نتحدث عن فترة الحرب.
ما بين سطور هذا الكتاب نجد حقيقة تدهور العمل المؤسساتي في العراق وكشف الكثير من أسبابه كما يكشف هو شخصيا المجرمين ويقبض عليهم.
خصوصا بعد أن أصبح وطبان الحسن الأخ الغير شقيق لصدام حسين، رجل معروف بنزواته وسلوكياته المرتبطة بمزاجه المتقلب لا شيء آخر.  وكما يقول السيد طارق متعب " الجهاز التنفيذي الذي يعيش نبض الناس بصورة مباشرة هو ذاته من ينفذ أوامر وتعليمات كل المؤسسات في البلد أيضا وعلى راسها السلطة القضائية وجهازها القضائي المتمثل فيما يصدره القضاء سواء في مراحل التحقيق أو في الفصل والحكم بين الناس"
يأخذنا الكاتب بعد ذلك بلغة بسيطة سهلة عبر مشوار حياته المهني لكي نفهم معنى الخبرة المكتسبة خلال عمله منذ البداية كضابط مبتدأ وتدرجه في العمل الى القيادة وكيفيه تعامله لأحقاق الحق مع أناس في بعض الأحيان كلامهم وصداقاتهم تعني القانون ذاته.
يقول الكاتب لم يخطر ببالي أن حياتي الوظيفية ستنتهي بنهاية الشهيدة ليلى العطار، رغم قيامه بما يتوجب عليه إلا أنه عزل عن العمل لمزاجيات القيادات العراقية.
عندما ننظر الى إنجازاته المهنية وطريقة عمله نعتقد أن كل ما ينتظره هو الشكر على إنجازاته وخصوصا على طريقة عمله الريادي في زمن غير تقليدي، قامت القيادة العراقية بفصله مع كتاب شكر وامتنان.
 قبل قراءة الكتاب سمعت أن هذا الكتاب سيترجم الى اللغة الكردية فبدأت بالتساؤل عن أهمية هذا الكتاب.
بما لا يقبل الشك أن القيادات الكردية مهنية بشكل أكبر من بقية القيادات في العراق وترى التشابه ما بين السابق والحاضر ولا تريد أن تمر محافظات الإقليم الثلاثة بما تمر به بقية المحافظات العراقية، مجرد التفكير بترجمته أجدها شجاعة وخطوة نحو الامام لـ الإقليم، يا ترى هل سيدرس في كلية الشرطة في بغداد؟
وضح لنا من خلال مسيرة عمله في السليمانية كيف كانت الأحوال في المحافظات الشمالية في زمن المعارضة ونزول المقاتلين الكورد ليلا الى المدن وكيفية تعامله مع من سجن منهم ومع من أوقف عن العمل من الكورد العاملين  في جهاز الشرطة بسبب ولاءاتهم وكيفية بناء الثقة بين الشرطة التابعة لنظام تقاتله المعارضة الكردية. في الزمن الصعب كان الرجل الصحيح لحل أزمة ثم يصدر أمر نقله الى مكان بعيد عن الميدان الذي حقق فيه أكبر إنجازاته ويحدث الأمر معه لعدة مرات. أمر يوضح لنا أن العراق كان دولة مؤسسات غير حقيقية، تحكمها الرغبات والقرارات الآنية المستعجلة.
أنصح بقراءة كتاب ضحايا وخفايا بحيادية تشبه حيادية الكاتب، لكي نرى بقلوبنا قبل عيوننا ما كان يجري وراء الكواليس في عراق البارحة ونقارنه بحاضرنا، عندها نستطيع الإجابة على السؤال المهم.
- ماهي الدروس المستنبطة من كل الدروس القاسية التي مر بها العراق؟


 

11

محمد سيف المفتي- النرويج

ثلاثة أصوات تسرد لنا قصة المريض(جابر) في رواية –(ديسفيرال) لـ نوزت شمدين، الصادرة عن دار سطور في العراق سنة 2019. راوٍ عليم يمهد لرحلة الغوص العميقة في سيرة الأب (سليم) أبن المدينة الذي يحاول ولنحو عشرة أعوام كسر الحاجز الخلافي الكبير بين والده وعمه (شيخ العشيرة في القرية) بسبب النزاع على سلطة قبلية وذلك من أجل الاقتران بابنة العم(زاهدة)، وعندما تخفق كل محاولاته، يوقع عليها عقوبة النهي عن الزواج المعروفة في العراق بـ(النهوة). فتظل معلقة مثل تميمة في بيتها لعشر سنوات لا يجرؤ شخص على التقدم لخطبتها، انتهت بمقتل والدها برصاصة وقيدت الجريمة ضد مجهول. ورضخت زوجة عمه بعد انتهاء فترة الحزن على تزويجه زاهدة. ليبدأ منعطف حياتي جديد في سيرته المليئة بالتقلبات.
تبدأ الرواية بإعلان القابلة تحقق نبوءتها وان المولود ذكر، ليبدأ حفل استمرار ذرية آل سعيد في حديقة المنزل الواسعة التي اجتمع فيها فضوليو الحي وهناك يتعثر الإمام شجاع أثناء قراءته دعاء العقيقة بأحد الكبشين المذبوحين ويسقط في بركة الدماء المتجمعة، فيلعن بيت آل سعيد ومولده المشؤوم وطبع خطواته الحمر الغاضبة في طريقه للخروج. بهذا المشهد المحبوك بحرفيه يدخلك نوزت شمدين أجواء الرواية مباشرة ويتعامل بذكاء مع أدواته، فالدماء لن ترتبط فقط بحاجة المولود(جابر) وطوال حياته لكيس دم شهرياً بسبب عدم مقدرة جسمه على صناعة الدم. بل لأن الإمام شجاع ستتلوث يده بدماء الأبرياء لانتمائه لجماعة مسلحة متشددة تفرض الإتاوات وهو ذاته الذي سيقتل بعدها بسنوات صديق جابر الوحيد(وليد)، ويسلب سليم المبلغ الذي خصص لإجراء عملية زرع نخاع العظم لجابر المصاب بمرض الثلاسيميا او ما يعرف بمرض شرق البحر الابيض المتوسط، وهو وراثيٌ ينجم عن زواج الأقرباء، لا يصاب به الوالدان إنما تظهر الإصابة في مولودهما وتلازمه مدى حياته القصيرة نسبياً، إلا إذا وجد متبرعا بنخاع العظم يطابقه جينياً ١٠٠% وتجرى العملية خارج البلاد بتكلفة تصل الى نحو مئتي الف دولار.   
الأم (زاهدة) تروي جزئها من الحكاية: « لم يكتفي الثلاسيميا بتعذيب أبني والعبث بجسمه المسكين فقط، بل أضطرني للمشاركة في تعذيبه". ص ٦٤. لأنها ستكون المسؤولة عن زرقه بإبرة الـ (ديسفيرال) في بطنه لتبقى هناك بين ١٠-١٢ساعة يومياً. فالدواء هذا مهمته سحب الحديد المتراكم في الاعضاء الداخلية لجابر بسبب تزويده بالدم. وأي توقف عن إعطائه الدواء يعني موته الحتمي تماماً كالتوقف عن تزويده بدماء الآخرين.
زاهدة التي عاشت صباها تخشى النظر الى إبرة تدخل قطعة قماش، تدخلها مرغمة في جلد أبنها كل يوم. يظهر جلياً أن الكاتب تعمد هذه الرمزية، فزاهدة هي الأم – العراق- وهنا تحديداً كان لزاماً مراجعة ما فات من الرواية لنجد أن الراوي أستخدم الاسماء والأحداث بنحو رمزي كما فعل مع الأم، فالصراع بين الشقيقين آل سعيد على زعامة القبيلة يبدو واضحاً أنها إشارة الى الصراع الطائفي الدائر في العراق منذ ٢٠٠٣، ونضال سليم من أجل الاقتران بابنة عمه ينجم عنه ولدُ يحمل مرضاً مزمناً (الحكومات العراقية المتعاقبة). وهذا المولود لا يعيش إلا إذا زود بدماء (الآخرين) وحتى حلم خلاصه من المرض لن يتم إلا بحصول معجزة العثور على متبرع بالنخاع، على ان تجرى العملية (خارج) البلاد حصراً. لأن لا حل داخلي مطلقاً.
 يسرد جابر كذلك جانباً من القصة بنفسه، ويروي صراعه مع المرض ونظرة المجتمع اليه وإلى أقرانه من المرضى الآخرين الذين يعانون من إهمال الدولة، تماماً مثلما أهملت من قبل مسألة فحص ما قبل الزواج لمنع ظهور الإصابات. فلا مؤسسات صحية قادرة على إجراء عمليات لزرع النخاع، بل لا يوجد في البلاد سجل للمتبرعين به والعراق ليس عضوا في السجل الدولي لنخاع العظم. كما أن الدواء غالي الثمن لا يصل بانتظام الى المرضى الذين يظلون متشبثين بجهود جمعيات الثلاسيميا الفردية في المحافظات العراقية، وهي اصلا من تقوم بالتنسيق بين المرضى والمستشفيات في ايطاليا على سبيل المثال لإجراء العمليات بالنسبة للمحظوظين الذين يعثرون على متبرعين بالنخاع. وهكذا يموت العشرات من المرضة سنوياً بصمت، فهؤلاء لا يعمرون بحسب الاطباء أكثر من ١٧سنة إذا لم تتوفر لهم الرعاية الصحية المطلوبة ، وهي بلا شك غير متوفرة في العراق.
كما أن المرضى يشكون كذلك ي من عدم فلترة الدم، فيحفظ في المصرف المختص ويعطى للمريض كما هو دون تصفية، وهو ما يتسبب بآلام كبيرة للمرضى. مع عدم مقدرة مختبرات الفحص عن مواكبة التطور في العالم، ويحدث أن تخطيء في الفحوصات كما يحدث لجابر الذي يؤكد مختبر في العاصمة بغداد على تطابقه نسيجيا مع شقيقه (ايثار) لكن في نهاية الرواية عندما تصل العائلة الى ايطاليا بعد جهد ومشقة كبيرين، يؤكد المختبر الايطالي عدم وجود تطابق وان الفحص العراقي كان خاطئاً ليتبدد الحلم الكبير ويواصل جابر سيره نحو مصيره المحتوم.
كل هذا يطرحه نوزت شمدين بالتوازي مع مشاكل اجتماعية كثيرة يعاني منها المجتمع العراقي، (الدجل والشعوذة، الاحتلالات المتعاقبة، الفساد في المؤسسة الحكومية، الصراع الطائفي- سلفي وصوفي- سني وشيعي، ..... ) ويكون الثلاسيميا رمزاً لا يمكن الخلاص منه إلا بسلسلة معقدة جدا من العلاجات التي يجب ان تشترك بها الاسرة مجتمعة.
وتحدث الصدمة الحياتية الكبيرة لجابر، عندما يعمد المسلحون المتشددون الى قطع رأس صديقه الوحيد وليد، بسبب إمتهانه بيع السراويل الداخلية واتهموه(بالمشي فساداً في الأرض). فيتحول وليد المصاب بشلل الاطفال منذ صغره الى شخص مكتمل تلازم روحه جابراً وتسدي له النصح في شؤونه الحياتية.
 ويمد نوزت خطوة خيال واسعة أخرى عندما يجعل مع نقل الدماء الى جابر انتقال شيء من روح المتبرع اليه، فيتمكن وخلال ثلاثة الى أربعة أسابيع وهو عمر الدم المنقول من الحصول على ذكرياته ومشاعره وخبراته الحياتية، ويكون ذلك متعته الوحيدة في عالم عزلة شكله مرضه وتشدد عائلته الديني الذي منع التلفزيون وكثير من مباهج الحياة الأخرى.
 "تأخر موتي كثيراً، تجاوز أسقف توقعات الأطباء ومديات الدعية الموجهة الى الله لبقائي حياً "، يتغير السرد هنا، ففي وقت تواصل فيه زاهدة والراوي العليم سرداً متوازيا نحو النهاية، يعود جابر ليسرد من النهاية في تشابك معقد للأزمنة يدوزنها الكاتب بهدوء راسما لوحته السردية بامتياز.
"حصيلة نحو ثلاث وعشرين سنة من العيش على دماء الآخرين، تُظهر رجالاً ونساءً، ملحدين ومتدينين، مسلمين ومسيحيين، الكثير من الفقراء وقليل من الأغنياء. مرَ بشراييني متزوجون وعزاب وأرامل، سعداء وتعساء، متعلمون واميون وموظفون وعاطلون وفنانون وفلاحون ورياضيون وجنود وطلاب جامعات .....".
جسد تحول الى محطة دخلها الكثيرون خلال مسيرة حياتية حافلة بالألم قبل ان تظهر(ليان). وهي بائعة زهور، تنذر دمها وتتزود به لمصرف الدم من أجل عودة حبيب تركها لظروف عائلية، فيقطر دمها فرحاً وأملاً في جسد جابر، الذي يعرف تفصيل حياتها كلها من خلال دمائها (قطرة فقطرة) ليتمسك بالحياة ويعد ذلك عدالة من الله الذي محى بحبه ليان كل سنوات المرض الموجعة.
يبدأ بسماع الموسيقى التي تحبها ليان، ويهتم بالفن التشكيلي، ويحاول تغيير هياته التي خربها المرض. ويذهب لزيارتها في محلها التي تبيع فيه الزهور ويشتري منها العشرات من انواع الزهور ويظهر لها اهتماماته التي انتشلها في الحقيقة من ذكرياتها في داخله ليكسب إعجابها.
يسانده وليد في خطوته القلبية تلك ويذكره باستمرار أن الدماء سينتهي عمرها قريباً والدماء الجديدة التي سيأخذها سيحل صحبها محل ليان فيفقدها الى الابد إن لم يتمكن من الحصول على اعجابها بلقاءات مباشرة. وفي المرة التي أوشك فيها على البوح بحبه، يظهر حبيب ليان ليستعيدها تحت أنظار جابر الذي يعود أدراجه كسير القلب. تماماً مثلما عاد من اسرته قبل سنوات من جزيرة سردينيا بعد تأكيد عدم تمكن اجراء العملية له بسبب خطأ في فحص التطابق النسيجي.
قراءة واحدة لا تكفي لهذه الرواية المؤلفة من (٢٥٦) صفحة والتي تعد الأولى من نوعها في العالم التي تتحدث عن مرض الثلاسيميا. سرد جميل يأخذ المرء مع الجملة الأولى ولا يتركه إلا عند الجملة الاخيرة عندما يلجأ جابر الى عالمه السري الذي بناه لنفسه هربا من آلام زرقة بالإبر وإشفاق الناس من حوله. ليحتج على مرضه ويبكي هناك كما يشاء بينما جسده بين أيدي الاطباء متيبس مثل جذع شجرة لا تشعر بشيء حتى وإن دقت بألف مسمار.


12
في الساعة الرابعة وعشرين دقيقة.

محمد سيف المفتي 07.07.2019
                                          ليلة صيفية ماطرة تدعو الانسان ليحزن على الشمس الحائرة بأمرها، هكذا هو النرويج، شتاءين أحدهما أخضر والثاني ابيض. خرجت الى الشرفة عدة مرات حاولت أن أكذب على نفسي بأنني اتخيل جمال شطآن الاقيانوسي. اشعلت سيجارة بعد سيجارة، وبقي المطر يضرب بشدة على مظلة الشرفة والأشجار والأرض. شعرت بمقت تجاه السيجارة وطعمها. وغضبت من نفسي لأني أدخن بسبب الضجر وليس حبا بالتدخين. 
أعلم تماما سبب ضجري إلا انني أخاف مواجهة قسوتي من احكامي في حالات الضعف. سمعت زوجتي تناديني لأحتساء القهوة معها. دخلت وسقطت على الاريكة سقوطا مع زفير طويل. تبسمت والشك يخامرها.
-   اهناك ما يزعجك؟ نظرت اليها بوجه خالي من أي تعابير وشعرت أن نظرتي طالت، ثم هززت رأسي نافيا أنني منزعج.
أخذت رشفة من فنجانها ربما لكي تتجنب الاحراج من اجوبتي الفجة في مثل هذه المواقف، فاشد ما يزعجني شعور الاشفاق والمواساة، والناس المقربين مني لايعلمون ما يمكنهم أن يفعلوه ليساعدوني، لذلك يختار الأغلبية تجنبي. شربت قهوتي على عجل وغادرت الصالة الى غرفتي وبدأت أفكر من يمكنه مساعدتي للخروج مما أنا فيه. وجدت الشخص الصحيح.
اتصلت بصديقي نوزت شمدين. هذا رجل كان قد اغلق كتاب صداقاته عندما بلغ الأربعين إلا أنه فتحه مجددا وكتب اسمي في الصفحة الأولى.، تراسلت معه رغم علمي بأن الوقت متأخر.
-   هل أنت صاح؟
-   خير يا طير؟
تراسلت معه طويلا وسألته عن أمور لم تكن ذات أهمية بالنسبة لي وقبل ان أنهي حديثي أرسلت له.
-   عندي سؤال مهم، أنا منزعج من وضعي واشعر بالاختناق؟
-   خير قل لي بربك ما بك؟
-   نوزت! عندما تتخاصم مع الكتابة، كيف تعود صديقها؟
ارسل لي ضحكته برابط صوتي.
سألني بعد ذلك عن بعض التفاصيل المتعلقة بخصومتي مع الكتابة. وكانت نصيحته اقرأ عملين ادبيين مختلفين. أكتب عملا جديدا وعندما تعود الى عملك لا تعد اليه ككاتب بل كقارئ.  بعد انتهاء المحادثة شعرت براحة.
خرجت الى الشرفة مجددا وتناولت قهوة جديدة مع سيجارة، تحسن مذاق السيجارة في فمي. شاهدت التلفاز قليلا وأنا أفكر في الكتب الأدبية الموجودة في مكتبتي والتي لم يتسنى لي قراءتها. لم افهم شيئا من المناظر التي كانت تظهر على الشاشة الصغيرة إلا أنني أنى بقيت اتفحصها بدون أن أدرك محتوى الصور أو أفهم الحوار الدائر أمامي.
نزلت الى مكتبتي بحركات انسان آلي وبدأت اتصفح الكتب وقع نظري على مجموعة من الكتب البيضاء " فرانز كافكا. الآثار الكاملة مع تفسيراتها" حملت الكتاب بفرح غامر، بالفعل هذا ما كنت احتاج قراءته، حملت الجزء الأول لأنه يحتوي على الانمساخ وهذه الرواية هي التي قررت قراءتها مجددا، لأني تذكرت ما قيل عنها." إذا كتب كافكا ااصبح حشرة فلا يوجد شيء لا يمكن كتابته." 
طافت بذاكرتي جلسة من أجمل جلسات العمر في دهوك.  علمت انني حصلت على شهادة الترجمة العليا في صيف عام 2015 بينما كنت في العراق، دعيت أهلي واحبتي الى مطعم وطلبت من النادل المناداة على اسم زوجتي وتسليم ظرف لها كانت فيه نسخة من شهادتي، كل ما اعلمه اننا جميعا ضحكنا وبكينا في وقت واحد بينما كان الاهل حولي، قدم لي اهلي هدايا مختلفة.
شعرت أن هذه الذكرى أعادت لي الحياة، أخذت كأس الماء من المنضدة بجانبي، وشربت الماء بلهفة من تاه في الصحراء لساعات. خطر ببالي أن هذه المجموعة هي هدية أمي، بدأت أتذكر بعض الأمور.
قالت لي أمي حينها - أختر هديتك بنفسك. ولطالما مهوس أنا بالكتب اتصلت بصديقي نوزت شمدين لكي يعلمني طريق المكتبات الجيدة في محافظة دهوك، أخذني في اليوم التالي صديقه الروائي عبدالكريم يحيى الى مكتبة اشتريت منها ما تيسر لي من الطيبات وكانت هذه المجموعة من بينها لكني لست متأكد إن كانت هذه المجموعة هديتها أم كتب أخرى. اعتدلت في جلستي اشعلت الضوء الجانبي وفتحت الصفحة الأولى. ماتت البسمة على شفتي لم يكن هذا ما احتاج تذكره في هذه الليلة.
تذكرت عندما عدت بالمجموعة الى أمي فرحا بها. طلبت مني أن أكتب ما ستمليه علي إلا أنني لم أرضى إلا أن تكتب الاهداء بخط يدها فحققت لي رغبتي. الضوء مسلط على الاهداء قرئته عدة مرات.
نهضت من سريري و أنا أرى وجهها يبتسم لي، مسحت دموعي عدة مرات عندما لم أتمكن من قراءة الاحرف أمامي، كتبت هذه الخاطرة إلا انني لا أعلم إن كنت سأتصالح مع روايتي، أم سأخاصم الرواية والنوم، واتبعهما بما أقوله عند ذكر امي الى رحمة الله.

13
محمد شكري ضحية الجرأة والابداع والتفرد.
محمد سيف المفتي 23.06.2019
قال عن نفسه: في كل عصر يوجد ناس من كل العصور وأنا لا أريد أن أكون نسخة من التكرار الأبدي، أريد أن أكون وحيد نفسي وعصري وحياتي ولعنتي ورضائي وموتي وبعثي وتشبثي بما أنا وما لست أنا وما لست بعد إياه بالذي كان ولم يكن...
الخبز الحافي رواية السيد محمد شكري المغربي الامازيغي تناولت كل ما يخدش الحياء العربي الغيور كما قيل عنها. أنتقده كثير من النقاد وهاجمه كثير من المثقفين لأنه أخذنا معه صغارا وكبارا الى مواقع الرذيلة، الى سنوات طفولته التي لم يقضي ليلة فيها إلا سكرانا أو راقدا بجوار غانية أو بتفريغ رغباته الجنسية في لعبته الجنسية التي صنعها من الطبيعة. حدثنا شكري في روايته عن الحفاة الحالمين بنعل والباحثين عن فتات الخبز في زمن المجاعة. كان الروائي صريحا فيما يتعلمه أطفال الشوارع في العالم السفلي، الموجود تقريبا في معظم المدن الكبيرة. 
يتحدث كذلك الراوي عن واقعة قتل والده لأخيه ودفنه في قبر مندثر منسي في زاوية المقبرة البعيدة، حادثة لم تثني والده عن الاستمرار في شرب الخمور والتمتع بالـ "كيف" مع الأصدقاء، معتمدا على دخل ابنه القاصر الذي جعله يعمل كحمار. ويحدثنا عن فوضى المشاعر المختلجة في داخله عندما كان يسمع كيف كان ابوه يأخذ حقه الشرعي من أمه في نفس الغرفة التي يسكنون فيها جميعا، لم يكن يعلم أكثر من أن القبلات والحركات تنفخ بطن أمه لتلد بعد تسعة أشهر بائسا أو بائسة جديدة. طرح قضية عنف الرجل وأمراض الحرب النفسية بواقعية بسيطة.
حدثنا بجرأة لم نعتد عليها في عالمنا العربي عن كيفية استغلاله وهو طفل قاصر لم يبلغ الـ 18 من قبل رجل كبير السن مترهل البطن مقابل ثمن بخس، وكيف قام هو باستغلال صبي آخر ناكرا فعلته أمام اهله.
وجه للكاتب كثير من النقد وبطريقة أو بأخرى كان يدور هذا النقد حول كيف يمكن له في هذه السن المبكرة أن يتحدث عن المواخير وشراء لذة سريعة بهذه الطريقة، ونقد موجه الى طبيعة عمله الشرعي وغير الشرعي، من التهريب الى السرقة الخ الخ. اعتبر النقاد ما قدمه محمد شكري خدشا للذوق العربي وتشويها للذائقة العربية.
 الغريب في هذه الرواية أن الروائي محمد شكري حرم من فرصة تعلم اللغة حتى بلغ العشرين، وكتب روايته سنة 1972 ولم تنشر بالعربية إلا بعد أن ترجمت الى 38 لغة. أيا ترى هل بول بولز الذي ترجمها الى الإنجليزية سنة 1973 لم يخشى من تدمير الذائقة الامريكية والاوربية، على كل حال لم تنشر بالعربية إلا بعد عشرة أعوام من نشرها.
السؤال الذي يطرح نفسه. هل هي رواية اباحية؟
من وجهة نظري هذه الرواية هي مرآة المجتمع العربي، وكل من لا يتحمل النظر الى صورته في هذه المرآة هو أجبن من يلاقي واقعه. علينا أن نطرح على أنفسنا سؤالا مهما. هل ما طرحه الروائي في سيرته الذاتية قدح وتشويه من خيال أم حقيقة؟
الجواب بالأجماع (قصة واقعية) ولنفترض جدلا أن الخبز الحافي قصة خيالية، لكن هناك آلاف الحالات يعيشون مثل هذه الظروف.
لهذا السبب ارى أن النقد الموجهة لهذه الرواية ولشخص محمد شكري ابن الريف المغربي، الذي هرب منه مع عائلته باحثين عن قطعة خبز يابسة بدل أكل الحيوانات النافقة هو تهرب من الواقع. شعوبنا لا تتحدث عن العنف على انه ظاهرة يجب الوقوف عندها وتسمى بمسميات مختلفة، توجيه، تهذيب أو تربية، شعوبنا أجبن من أن تواجه واقعها المعقد، ولا تجرأ على تسميه الأسماء بمسمياتها لأنها في هذه الحالة تتطلب مواجهة وعمل جديد قد يتعارض مع اعتادت عليه شعوبنا لقرون وقرون. ذنب محمد رشدي أنه بدلا من قوله إن الشوارع كانت تعج ببائعات الهوى قال إنه كانت تعج بالـ "قحاب"، وقد اتفق مع البعض أنه كان بإمكانه نقل الحقيقة بكلمات أرق، لكنها رغم كل شيء لن تغير من صورة الواقع شيئا.
الناقد الأدبي ورجل الدين والمثقف هو الجهة التي ينظر اليها المجتمع على أنها الجهة التصحيحية للمسارات والنزعات الخاطئة في المجتمع، فاذا قاموا هم بنقد هذه الرواية وتجميل الواقع بالكلمات فنحن أمام معضلة التصحيح، هل سنستمر بتسمية االسرطان بـ
 " ذاك المرض".
أنا منحاز لـ الروائي محمد شكري.
لكوني روائي وكاتب ولي رواية ابين فيها كثير من جوانب حياة اللاجئين بطريقة واضحة أو ممكن تسميتها فاضحة فإنني اتعاطف مع المرحوم محمد شكري، لأن العالم العربي لم يدرك حتى هذا اليوم. أننا ككتاب عندما نتعرى أمام الجمهور فأننا نمنحه فرصة تعلم التشريح واكتشاف اعضائنا ورغباتنا الإنسانية، شذوذا كانت أم طبيعية. ففي المحصلة النهاية هي رغبات إنسانية، رغم أنني لست مع الكتابة الإباحية إلا أنني أرى أن الخبز الحافي هي مرآة علينا الوقوف أمامها..
 
تقول السيدة linda Noor رئيسة منظمة Minotenk  النرويجية في محاضرتها الأخيرة في أوسلو والتي تناولت الصحة الجنسية، ((لجوء الناس الى الجنس قد يكون هروب من واقع يعج بالمعاناة، فمن المهم أن يدركوا معنى الصحة الجنسية. )) هذا هو ما جعل الروائي يستجدي هلاكه بين أحضان المومسات. فكيف لو عاش الانسان في ظروف حرب، فقر، خوف وجوع دفعة واحدة كما يحدث اليوم في كثير من بلداننا. انتشار الدعارة في مجتمعاتنا العربية دليل على واقع مرير يعاني منه المواطن من أنظمة حكم الأقلية والعائلة، وعدم العدالة في توزيع الفرص والأنظمة الفاسدة البعيدة عن الديمقراطية والقائمة طويلة.
مرت على بلداننا عدة أزمات وحروب والأنظمة مستمرة بالتصحيح والتحسين بالكلام، تحسين الواقع بالكلمات يبقي الحيالة على ما هي عليه. دولنا بحاجة لتغيير فعلي وعدم تحميل المواطن البسيط جرم القيادات الاستبدادية.
وكما ختم محمد رشدي روايته عند زيارته قبر أخيه طالبا من صديقه قراءة القرآن على روحه.
" أثناء قراءته كنت أنثر الزهور والريحان على بعض القبور وعلى الأرض غير المقبرة بعد. كان مدفونا هناك. ربما تحت قدمي أو تحت قدمي عبد المالك أوفي مكان ما. فجأة فكرت. لكن لماذا هذه القراءة على قبر أخي المجهول؟ إنه لم يذنب. لم يعش سوى مرضه ثم قتله أبي. تذكرت قول الشيخ الذي دفنه: (أخوك الآن مع الملائكة).
أخي صار ملاكا وأنا؟ سأكون شيطانا، هذا لا ريب فيه. الصغار إذا ماتوا يصيرون ملائكة والكبار شياطين.
لقد فاتني أن أكون ملاكاً" 
بما لا يقبل الشك فإن كلمات محمد رشدي قد خدشت الحياء العربي فهاجمت مجتمعاتنا كلمات الرواية ونسيت الطفل الذي نشأ في الشارع ومعاناته، ومعاناة الكثير من أمثاله حتى هذا اليوم في بلداننا، أن الواقع يخدش جبين الإنسانية وهو دليل دامغ على مجتمعاتنا المريضة لا تملك إحساسا إنسانيا بمستوى مأساتنا. ناموا ولا تستيقظوا.. هنيئا نوم النعامات.

14
المنبر الحر / الموصل غضب عارم!
« في: 21:29 22/03/2019  »
الموصل غضب عارم!
محمد سيف المفتي 22.03.2019
 
غضب في الحق طال انتظاره،. سطرت الموصل بشبابها وشيبها، رجالها ونسائها مأثرة وسطورا من نور على صفحة تاريخ العراق الحديث،
خرجت الجماهير في صباح هذا اليوم تحمل جراحها وذكرى أبنائها منذ 2004 الى الآن في مسيرة طويلة الى النهر الذي جرف أبنائهم وأيقظ ضمير العراق والعالم، مقاتلين من اجل حياة الضحايا ولمستقبل أفضل لهم وللعراق. 
في وسط الدموع والقهر والحزن، يظهر فجأة المحافظ العاكوب في منطقة الغابات بين هذه الجماهير المحتشدة، معتقدا أن الأهالي سوف يقدروا حضوره بعد أن طرد من اجتماع رسمي، فأراد أن يثبت للدولة أن جماهير الموصل معه. مع أول صرخة في وجهه ركب سيارته ومع اللافتة الأولى التي وضعت على شباك سيارته قرر النفاذ بجلده. 
جنيد الفخري يا حفيد النبي
 

يظهر السيد جنيد الفخري ابن آل البيت الشريف ليسجل مأثرة ويذكر من يدعي أنه سيد من آل بيت النبي أن لقب السيد هو تكليف وليس امتيازا كما يفعل الكثير من أبناء عمومته.
تصدى للسيارة ومحركها الغاضب والمهدد لقتل المتظاهرين بصدره، عندما أرادوا ازاحته استلقى على الأرض مع سنوات عمره السبعين امام عجلات سيارة العاكوب رباعية الدفع، واوقفه مطالبا الناس بحمله ورميه في النهر قبل أن يأمر العاكوب سائقه بدهس المتظاهرين ومغادرة المكان، تاركا ورائه عدد ليس بالقليل من المتظاهرين المصابين على ارصفة الشارع.
رسالة شباب الموصل
لأول مرة يقول الشارع رسالته بهذا الوضوح " كلا كلا للفساد" فهرب العاكوب ومن معه من هتافات الجماهير الغاضبة ولافتاتهم، بينما بقي الشباب متشبثين بأملهم إزالة الفاسدين الساحة السياسية، وراكضين خلف سيارته يرجمونه ويرجمونها بالحجارة كرمي الجمرات في مكة. بعدان قال الشعب في مدينة الموصل كلمته الفصل بحق المحافظ ومن سار على نهجه وكل السياسيين السابقين في الموصل "لا نريدكم" بات على بغداد والعراق الوقوف بوجه من يدعهم في المركز واتخاذ حلول جذرية.
الوقف السني والهميم
وكعادة السياسيين ورجال الدين قرر الهميم ركوب الموجة فتوجه الى جامع رشان المكتظ بالمصلين ولم يتوقع أن تنتفض الجماهير التي كان يعتبرها ظهيره عليه، هاتفين حسبنا الله عليكم فخرج واتباعه محتقرين من قبل المصلين ومولين الادبار.
سلوك حضاري
يظهر الرئيس برهم صالح مع موكبه ويقف ليترجل ويمشي مع الجماهير الغاضبة وهم يهتفون حوله " شلع قلع كلكم حرامية" يتقبل الوضع برحابة صدر ويسير معهم حتى يصل الى السيارة. يقف شاب بوجهه يحمل لافته مكتوب عايها " كلا للفساد" فيحملها عنه ويرفعها فوق رأسه ويضعها أمام الكاميرا ويقولها صريحة أنا معكم. من المهم أن رسالة الجماهير وصلت الى السياسيين لا مكان للفاسدين بيننا بعد اليوم.
النقطة المهمة
تخلفت بعض الأحزاب السياسية عن الحضور مثل الحزب الإسلامي والسياسيين السابقين والحاليين، متربصين الفرصة المناسبة لركوب اكتاف المتظاهرين.
قال المتظاهرين في هذا اليوم كلمتهم احزان العراق صناعة محلية صنعها التعمد في الجشع والفساد وقلة الحياء منذ 2004.  ليدرك السياسيين الموجودين في السلطة واللذين غابوا عنها أن الطريق أصبح سالكا لعودتهم حاملين شعارات الإصلاح ومنتقدين الفاسدين، وصارخين من أمن العقاب أساء الادب، أن العراقيين لم يعودوا يتحملوا ظهور وجوههم من جديد على شاشات التلفاز والتشدق بالصلاح الكاذب.

15
المنبر الحر / الفساد في الرأس!
« في: 16:46 19/07/2018  »
الفساد في الرأس!
محمد سيف المفتي
استغرب من حكوماتنا عندما تقف مبهوتة أمام غليان الشعب، هذا الشعب الذي نصفه بات يعيش على العنف والنصف الآخر يموت منه. المحزن في الأمر أن الحكومة ترى في نفسها صانعة سلام بينما الشعب سبب الاقتتال. وهذا مؤشر خطير على أن الحكومة لا تفهم شعبها ولا تعطيه قدره من التفهم. 
لن أسهب في هذا الموضع لأنني سأبتعد عن الفكرة الاساسية، لكني سأجيب باختصار (لأن الحكومة لم تولد من رحم إرادة الشعب) الشعب والحكومة يدركون أن ممثلين الشعب على الاغلب وصلوا لسدة الحكم بطريقة إن كنا منصفين فنقول (لا تتسم بالأمانة).
هذا الموضوع يأخذنا في مسار جديد هو ديمقراطية النظام وشفافيته ولطالما هاتين الكلمتين لا وجود لها في قاموس السياسة العراقية، هذا ما جعل المواطن العراقي يشعر بأنه محاط بشبكة فساد من كل الجهات ومعززة بمؤسسة صناعة الرأي العام.
يدرك المجتمع العراقي اليوم أن كل المجالس التحقيقية في قضايا الفساد هي تسويف لهذه القضايا ويدرك تماما أن الفساد هو سمة من السلطات الأربعة و معها لجنة النزاهة عديمة النزاهة.
هذا الجزء قتل شعور المواطنة، وقتل إحساس المواطن العراقي بوجع العراق، وجعل المصالح الشخصية فوق كل الاعتبارات
الحكومة تستخف بالشعب بطريقة مهينة وتعتبره ساذج غبي وأعمى لكن الشعب مهما كان مغيبا يرى بأن الحرامي يكرم، والمقصر في أداء واجباته يحصل ترقية. ويسمع أن السرقة والرشوة اسمها تمويل العملية السياسية، أي تشريع لـ الحرمة.
ما يغيب عن فكر الحكومة المحدود أن مواقفها وسلوكياتها تؤثر على السلوك الشعبي العام وترفع من شأن قيم هدامة للمجتمع. بطريقة أخرى القرارات والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة ليست مجرد قرار، بل لكل قرار سياسي شأن بتغيير قيم وأخلاق مجتمعية.
تبني قيم هدامة من قبل السياسيين والأحزاب والفصائل المختلفة هو دعوة غير مباشرة لكي يتم تبنيها من قبل المجتمع، وستصبح بعد فترة قصيرة قيم جديدة ومتأصلة في المجتمع، وهذا ما جعل المجتمع يطلق تسمية " مفتح باللبن" على الحرامي والمرتشي «مرتب أموره" لأقولها بطريقة أخرى.
الكذب، الدجل، السرقة، التملق نعتبرها رذائل منذ بدأ الخليقة، تبني الحكومات ودفاعها عن مثل هذه السلوكيات يعطي الشرعية للمستغل والانتهازي، والعكس صحيح، فبإمكان الحكومة أن تنظف المجتمع لو تنظفت أمامهم.
" التفاعل بين المجتمع والسلطة ذو اتجاه واحد. الشعب لا يؤثر في طبيعة السلطة وإنما تؤثر السلطة في خصائص الشعب واخلاقياته." هذه الفكرة طرحها الفيلسوف الفرنسي هلفيتوس في القرن الثامن عشر استنتج من هذا الكلام أن السلطة مسؤولة بشكل مباشر عن محاسن المجتمع ومساوئه.
السلطة العراقية تشرع للابتزاز ويتمتع رجالها بآلاف الاستثناءات على هذا الأساس انجبت لنا نظاما فاسدا ومرتشيا في كل مفاصله. السلطة العراقية سلطة فارغة من الفكر، فكل ما قدمته لنا هو فكر فئوي، ومتعصب للمذهب والعرق والعشيرة الخ ولا وجود للعراق، ومع غياب شبه كامل للسلطة الرابعة المتمتعة بالحرية في النشر والرصد جعل المجتمع يشعر أنه محاصر بنظام فاشي
شدة التفكك الوطني في العراق لم أر ولم أسمع له مثيلا في العالم، إلا في فترات الحروب الطائفية مثل حرب البلقان.  سقطت مفاهيم المواطنة من عقل الشعب العراقي فلم يعد يرى الشعب إلا بعين الفئة.  في كثير من تجارب العالم المشابهة أعيدت اللحمة الوطنية بعد كارثة أو حرب ألمت بهم إلا العراق. كل هذه النكبات والكوارث لم توقف حملات الشتم والقدح في الفئة والمنطقة الجغرافية والشماتة تعمل على قدم وساق بينهم.
ولطالما لا يوجد رابط وطني فالشعور بالتضحية والايثار لأجل الوطن مفقود، لا يوجد استعداد للتضحية لأجل العراق لا بالوقت وبالمال ولا بالفكر، وألف عذر جاهز للتهرب من الواجبات الوطنية والإنسانية والأخلاقية.



16
عندما يأمرنا بالتقوى و ينسى نفسه.
محمد سيف المفتي 14.05.2018
أخيرا سألني احد الأصدقاء عن منشوري الأخير عشية مغادرتي مدينة الموصل بينما كنا نقوم بجولة بسيارته.
نص المنشور
 " وداعا يا وطن!
في وطني تتوقف السيارات امام المطبات الاصطناعية وتسرع غير مبالية بالسابلة
منظر يجعلني ادرك تماما ان دولتي لا تحترم مواطنيها، الا انني متشبث بنهضتك يا عراق الخير."
سألني هذا الصديق باستغراب وهو ناشط في مجال حقوق الانسان و الذي يبحث و يعمل على رفع شأن المواطن العراقي عاليا .
- قل لي بربك. ما هي علاقة السياقة بالمواطن و احترام المواطن؟ و شعورك باليأس؟
طرح سؤاله بطريقة ساخرة. نظرت اليه بارتياح وقلت له.
- أخيرا سألني شخص عن هذا الموضوع وقد سجلتها لك يا صديقي. أنت ناشط في مجال حقوق الانسان و تعمل على أن تقوم الدولة باحترام مواطنيها، صحيح أم أنا مخطأ؟
أجابني وكأنه  يمضغ ليمونة صاعقة الحموضة، و اعلم تماما أنه لا يعني سوءا لكن لنا علاقة خاصة نستفز بعضنا في بعض الأحيان بهدف الفكاهة .
- نعم صحيح، و قد عملت لسنوات طويلة في هذا المجال.
- وتتنقل بسيارتك في كل انحاء العراق لتعمل على تحقيق هدفك. هدفك بأنشاء دولة ديمقراطية عادلة تحترم مواطنيها. صحيح؟
بدأ يظهر استيائه من اسئلتي و كان واضحا من صوته. وأجابني  بسرعة و كأنه يقول خلص صبري.
-  نعم أفعل ، و اسافر في كل المدن؟ هل صدر منع سفر ضد العراقيين في داخل العراق؟
 تعالى صوت قهقهته و ضحكت معه.
سألته كيف تقود سيارتك؟ اجابني مستهجنا
-   كما يقود الناس سياراتهم. يعني كيف اقود سيارتي. كما تشاهدني الآن.. متمكن من السياقة.
ضحكت كثيرا وشعرت  بأنه تضايق من ضحكي. فسألني باستفزاز.
-   انطقها للجوهرة خليني افتهم.
-   انت تقود سيارتك مثل بقية الناس تقف امام المطب و تسرع لكي يخاف الناس من عبور الشارع.
نظر الي بريبة.
-   أكمل حديثك .. فضني. أكملت حديثي.
-   سأفضك.. انت تريد رفع قيمة المواطن و تطالب الدولة بتغير سياستها.
-   نعم بكل تأكيد.
-   اذا كان مقود السيارة بين يديك و دواسة البنزين و مكابح العجلات تحت قدميك، و لا تغير قيادتك للسيارة التي هي ملكك و تحت أمرك احتراما للأنسان، لذلك اشك بقدرتك على تغير طريقة قيادة الدولة. صمت قليلا ثم قال لي.
-   ارجو أن لا تكتب اسمي في منشورك.... والله يطيح حظي، أنت تعرف أصدقائنا راح ينشرون.. على المنارة..

17

أكبر طاقة كامنة في العالم
بقلم: سيكمون أوس / Sigmund Aas
ترجمة محمد سيف المفتي

استوقفني مقال سيكمون أوس يتحدث فيه عن يوم المرأة بلغة تحاكي وجدان الشرق الاوسط و شمال افريقيا بية فقررت ترجمة النص. أتمنى أن تستوقفنا كلماته لتصحح مسارا أو تستحدث فكرة نحن بأمس الحاجة لها.
نص المقال.
في 8 آذار سنقف ثانية امام يوم المرأة،  نحن من كنا شهودا على ممارسة المساواة في اجزاء كثيرة من العالم و شهودا في الوقت ذاته على أجزاء كثيرة من العالملا تزال تقف بعيدة كل البعد عن المساواة، لهذا فإن لهذا اليوم طعم حلو و مر في الوقت ذاته.
المذاق الحلو لاننا نشهد مدى التطور الذي وصلنا اليه في أجزاء كثيرة من العالم .اما المر لانه يذكرنا بعكس ذلك في الاجزاء المتبقية من العالم.
مر المذاق لانه يذكرنا بعكس ما يحدث في الاجزاء المتبقية من العالم .  في هذا اليوم من تاريخنا المعاصر ارى ان هناك اعتراف متزايد بان كثيرا من مشاكل المرأة في العالم قد تم حلها،  لأن هذا الأمر له  ارتباط بحل كثير من مشاكل العالم . التعليم بشكل عام والتعليم بشكل خاص للمرأة هي الاداة الاقوى للحصول على تطور امني وايجابي في عالمنا اليوم . هذه اداة سوف ستعطي العالم أمكانية ترسيخ انتشار  فعالية مبدأ  الدومينو الايجابي . النساء يشكلون نصف سكان العالم . نصف سكان العالم الذين يملكون نصف قدرات هذا العالم ايضا , نصف مواهب هذا العالم , نصف افكار هذا العالم ورؤى هذا العالم والأهم قدرته العاملة .
يمتلك نصف العالم الجزء الاكبر من القدرات الكامنة الغير مستغلة.  عالمنا اليوم يقف في  منتصف الطريق نحو المساواة،  لطالمنا ان النساء في الصومال لا تتاح لهن فرصة  التعليم والنساء في مصر ليس لديهم سبب لكي يحصلن على التعليم،  في بلد مثل هذا ترك العمل و التعليم فقط لنصف سكانه هذه دولة  تستغل نصف قدراتها في العمل. هذه الدولة لن تكون في مصاف الدول التي تطبق المساواة كثوابت في الحياة والإنسانية لكنها ستبقى تعاني و تتخبط للخروج من رمال متحركة خلقها الفقر. النرويج هي احدى اغنى دول العالم ومن اسباب هذا الغنى هو النفط من بحر الشمال،  لكن الدراسات التي قامت بها وزارة المالية الترويجية أظهرت  أن اشراك النساء في العمل  ومن الناحية الاقتصادية له قيمة اكبر من النفط.  إن ترك المرأة بدون تعليم يشبه الفوز بجائزة يانصيب وعدم تقديم البطاقة الفائزة . التعليم يجعل المرأة قادرة على المشاركة في كثير من مجالات الحياة الجديدة وإن كنت ترى  ان التعليم مكلف على الدولة، أتمنى أن تقارنها بالحرب.
 اظهرت دراسة  صدرت في عام 2014 عن Trinty college في دبلن انه لو تم اشراك النساء المحليات في مفاوضات السلام فستكون هناك احتمالية متزايدة بنسبة 24 بالمئة بأن الحرب الدائرة ستتوقف في عام واحد.
تحضر النساء عادة الى طاولة المفاوضات بخطط اكثر تكاملا لحل المشكلات الاجتماعية بدلا من التركيز فقط على اهتمامات الاطراف المتصارعة . في عالمنا الحاضر  اصبح زيادة عدد السكان المحلية تمثل  المعضلة  الاقتصادية والامنية الاكبر في العالم ومن الجدير بالذكر ان نقول ان تعليم المرأة سيؤدي الى تقليل نسبة الولادات في العالم، النتائج البحثية المقدمة من World economic Forum   من جنوب افريقيا تبين أن هناك ارتباط سببي   بين مستوى تعليم المرأة وعدد الولادات. اذا كانت هناك امرأة متعلمة مع طفلين قادرة على تعليمهم , فهذا خير لها وخير للاطفال وللعالم من امراة امية مع ست اطفال جياع.
عدد اقل من الاطفال يعني صراع اقل على الموارد الغذائية , الماء النقي , الخدمات الصحية والتعليم،  وهذا يعني انه لاحقا لن تكون هناك دوافع لخلافات مسلحة حول هذه الموارد. لايمكن اخذ التعليم من انسان حصل عليه. على العكس فإن الممتلكات المادية من الممكن ان تسرق من صاحبها وعلى هذا الاساس فإن التعليم سسيضع اساس لخلق منفاهيم ثقافية اجتماعية وتقنية وكذلك خلق خبرات مادية وتطور انساني . هذه الخبرات هي ذات الخبرات التي اخرجتنا من عهد الظلام في العصور الوسطى، هذه الخبرات ذاتها التي قامت ببناء جامع ايه صوفيا في اسطنبول وعجائب الدنيا السبع واية الحب في تاج محل. هذه الخبرات التي ارسلت الرجل الالي الى كوكب المريخ والانسان الى القمر. هذه الخبرات , البحوث و التحاليل قد اعطتنا كل الخطوات التقدمية في الجانب الطبي و العلمي والفلسفي كل هذه الخطوات حدثت بالرغم من وليس بسبب ان النساء قد عزلت عن العمل بدرجة كبيرة هذا هو الخطأ الاكبر الذي ارتكبته الانسانية على مر العصور علينا ان لانطرح السؤال هل لدينا القدرة الاقتصادية على تعليم نساء العالم بل حري بنا ان نطرح السؤال هل لدينا القدرة الاقتصادية على عدم تعليم النساء. ان تعليم المرأة من اقوى  العوامل المساعدة لتغير العالم وله كثير من المعارضيين هم ايضا معارضين لتطوير بلادهم .
يشعرون بلهفة كبيرة لايقاف هذا التطور الذي اوصلنا لفتح مدارس للفتيات يجعلهن يحملن حقائبهن على على ظهورهن و يذهبن الى المدارس. تتعرض الفتيات  في أجزاءِ كثيرة من هذا العالم لأبشع انواع العنف،  اختطفت 219 فتاة بطريقة عنيفة في شمال شرق نيجيريا ومايزد من بشاعة هذا الفعل أن الفتيات اختطفن في طريقهن الى المدارس  لتعلم القراءة والكتابة . فتيات ذهبن الى مدارسهن في ذلك اليوم بالرغم من التهديدات والعقبات، والأحكام السبقية لأنهم أدركن أن التعليم هو افضل فرصة لهن للحصول على مستقبل افضل .
شعرت طالبان انها مضطرة لمحاولة قتل ملالا يوسفزي في باكستان عندما كان عمرها 15 عاماً. بعد عامين وبتاريخ 10/12/2014 فازت بجائزة نوبل للسلام . كان لهذا النصر طعم طعم العسل  ومرارة الحنضل، في ذاته بالنسبة لنا نحن الذين نساند تعليم المرأة . حلو المذاق لان طالبان التي لم يتمكن اقوى تحالف عالمي النيل منها وسحقها أنتصرت عليها فتاة عمرها 17 عاما من اجل تعليمها. مر المذاق لانه يظهر لنا كثيرا من الجوانب المظلمة في عالمنا وأننا اضطررنا ان ضع ثقل جائزة السلام على اكتاف طفلة. و من جانب آخر على الفتيات الصغار  ان يلجأن للحرب للحصول على حقوقهن الاساسية،  هذا وضع لايشرف اي حضارة.
 نحن ندين لهن و لأنفسنا بتقديم دعم غير مشروط أما هذا التهديد الذي يسرق منهن مستقبلهن و ربيع اعمارهن.  نحن من عشنا الحرب نتمنى ان ياتي زمان لن يتذكر أي انسان قساوة و شراسة تلك الايام.  اذ أن كل تلك  القدرات و الموارد الهائلة التي استخدمت لتدمير حياة الشباب بدلا من استخدامها  تعليمهم . لقد تحدثنا طويلا عن المساواة و قد ان الاوان ان نكتب هذا الفصل الجديد  في كل قواميس العالم وكتب القانون وكتب التعليم . وعندها سيتمكن العالم ان يقفز قفزات كبيرة لكي يصل الى المكان الذي نصبو اليه. 
نحن نحتاج الى التعليم لأجل الكفاح، و التمكن من طرح اسئلة حول كل المعتقدات الدينية،  نحن نحتاج الى تعليم الجميع لأن الخبرة هي القوة . التعليم و التعليم وبأي ثمن كان ، لانه بدون التعليم لن يكون لنا طريق يؤدي بنا الى الامام.  .
أنا لا أملك أي تصورات في الوقت الحاضر. كثير من الرجال يفضلون الاستمرار بممارسة نفس الاخطاء برفقة المجتمع الذكور بدلا من اتخاذ الخيارات الصحيحة معنا. اذا كنت تعتقد ان التعليم باهض الثمن حاول ان تجرب الجهل لتتعلم تقيم الكلف بشكل صحيح. 

18
التمثال أكرم منا جميعاً!
محمد سيف المفتي 18.12.2017
في الساعة السادسة مساء  بدأت رحلتي بالطائرة  من مدينة تروندهايم عائدا الى اوسلو بعد أن قدمت محاضرة تتعلق بسلوكيات الاجئين و النازحين بعد تعرضهم للعنف و الارهاب المبرمج، كما يحدث في العراق، سوريا، السودان و اليمن و بقية دولنا التي أصبحت مفردات الحياة فيها تتسم بالارهاب،  و بمجرد جلوسي في مقعدي بجانب الشباك جلس شخص آخر في المقعد البعيد، و اغلق بعد ذلك باب الطائرة فعلمت أن المقعد الوسطي سيبقى فارغا. اتصلت بزوجتي لأبلغها ببداية الرحلة التي تأخرت لأكثر من ساعة بسبب سوء الاحوال الجوية حيث كانت الطائرة تستحم بسائل مانع الصقيع. و بمجرد أن أغلقت التلفون سألني هذا النرويجي الاشقر ذو العيون الزرقاء.
-   هل تحدثت بالعربية؟ ابتسمت و أجبت بنعم . ابتسم لأنه أصاب بتوقعه.
قال لي أنه يحب العراق و كردستان، و أن والده يعمل في قطاع النفط و قد عمل في العراق سابقا و في السنوات الاخيرة، قاطعته فرحا " أنا من العراق"  و اسهب بعد ذلك في شرح تاريخ " مهد الحضارات "، كلمة ذكرها في كل مرة ذكر فيها اسم  العراق. كنت معجب بمعلوماته الواسعة عن عراقنا، معلومات لا يعرفها الكثيرين من ابناء العراق. سألته عن سبب اهتمامه بالعراق؟
اجابني مؤكدا على كل كلمة في جملته " هذا ارثنا الثقافي و تاريخ حضارة العالم" ثم سألني
-   و أنت، من اي مدينة العراق؟
-   من الموصل.
فتح عينيه على وسعها وقال
-   نينوى ، التي غزتها الدولة الاسلامية، أمر مؤسف.
-   فعلا مؤسف، و قد كنت في العراق في فترة تحريرها، و مع الاسف الخسائر فادحة بالارواح و البنية التحتية.
ثم بدأ يشرح لي من أين جاءت كلمة نينوى، و كيف أنها مذكورة في الكتب القديمة. شرحت له بعضا من جوانب محاضرتي الاخيرة التي القيتها في محافظة Buskerud و بحضور الكادر العامل مع اللاجئين من 18 بلدية، و كان معي الحاسوب ففتحته. في البداية تناولت محاضرتي التأثير النفسي و الطرق التي استخدمتها داعش في السيطرة على الناس و كيفية تركيعهم و البطش المسرف من اجل الحصول على الطاعة المطلقة. لم يكن السيد توماس الذي يعمل في النفط على خطى ابيه مهتما بهذا الموضوع فاستعجلني بالسؤال
-   هل تحدثت عن آثار نينوى و الموصل؟
-   نعم كانت هذه هي الفقرة الرابعة من المحاضرة.
-   ارجو أن تنتقل اليها.
سألني عن الحضر فقدمت له بعض الصور عنها و عن النمرود، بدأ وجهه يحمر و يحتقن، فقال لي " حقا وحوش" في نفس هذه اللحظة ظهرت صورة الداعشي الذي يقطع الثور المجنح بـ ( الكوسرة). هنا صرح بحزن شديد
-   يا الهي ، ما أكبر خسارة العالم. هل تعلم أن كل من يجلس في الطائرة هو خاسر كبير. لقد خسر كل شخص في هذا العالم تاريخه.
أخذ منشفة و وضعها على عينيه. ثم رفعها و سألني عن الحضر؟ شرحت له أنها تفجرت و اجزاء كثيرة من آثار المنطقة أصبحت نسيا منسيا، احتقن وجهه من جديد.
-   اريد أن اسألك سؤلا مهما، ماذا حدث بالآثار الاسلامية في المتحف.
و ترقب اجابتي بشغف شديد.
-   كان لي صديق مهتم جدا بالآثار مثلك، لذلك ذهب الى متحف الموصل الذي استخدمته داعش لفترة من الزمن كديوان للحسبة مع صديق له معاملة ليعاين المتحف بنفسه، و شاهد الآثار السومرية و الآشورية المحطمة بالقرب من المدخل، فسأل أحد الدواعش. هل حطمتم كذلك الآثار الاسلامية. أجابه الداعشي بصوت أجش. " هذه تماثيل يا عبد الله" و نظر اليه بريبة . أجابه هذا الصديق " دولة الاسلام باقية و تتمدد". و بكى بعد خروجه من هناك. أعلن الطيار عن موعد هبوطنا القريب.
احتقن وجه توماس وقال بأسى
-    قاتلهم الله ، يا لقلوبهم القاسية، يقطعون التماثيل بالكوسرة و يحطمونها بالمطارق الثقيلة.
تحرك خطوتين الى الأمام ناديته
-   توماس الثماثيل بلا لحم و دم.
نظر توماس مستغربا من طرحي، فشرحت له.
-   هناك أناس شاهدوا ابائهم و ابنائهم  يقطعون و يسحقون بطريقة أسؤا من التماثيل بألف مرة.
أجابني و كان على يقين من أن إجابته ستقنعني.
-   الآثار لا يمكن بنائها من جديد.
-   كذلك الانسان لا يعوض، أنت حزين لما تعرض له التمثال، و هناك آلاف من البشر تعرضوا لما تعرض له التمثال و ببشاعة أكبر. التمثال لا يحتاج لعلاج نفسي بينما الانسان بحاجة الى الحب و التأهيل و التعويض، و لم يفكر به أحد.
سار خطوتين و التفت الي قائلا بنبرة ندم واضحة "  آسف الانسان قبل التمثال، لكن الحكومات و الصحافة و الاعلام جعلونا ننسى قيمة الانسان" أجبته " و كذلك أنا اشعر بالحسرة عندما أرى المنظمات العالمية و الحكومات تهتم بحطام الآثار أكثر مما تهتم بحطام البشر من ابناء الشعوب التي قهرها و نخرها الارهاب و الفساد.
هز رأسه موافقا " نعم .. نعم الحكومات و الصحافة و الاعلام"  و هز رأسه ثانية و قال الجميع ضحايا، إسأل المستفيد ، و لا تبحث عن شماعة أخطاء" و سار ليتركني مع هذا السؤال الكبير . من هو المستفيد، الفاسدين؟ السياسيين؟ مصادر صنع القرار؟ سمعت رجلا يحدثني بصوت خجل.. " عفوا" التفت اليه فأشار الى الامام وسألني مبتسماً " ألا تنوي الهبوط من الطائرة؟ نظرت الى طابور الناس المحصور خلفي و الطائرة خالية تماما أمامي .. سحبت حقيبتي و حملت افكاري المتضاربة، و قلت في نفسي " مسكين أنت أيها العراقي ضائع في كل مكان" التفت ثانية فوجدت الطابور يضحك فضحكت معهم.......

19
اصيبت الام بصدمة شديدة عندما وجدت ابنها في حضن رجل غريب.

محمد سيف المفتي 10.10.2017

في مستشفى الاطفال الواقعة في أتلانتا في امريكا استغل رجل الاثنا عشر سنة الاخيرة من عمره في قسم الاطفال ليجعل الحياة اسهل لآباء و أمهات الاطفال الخدج. ديفيد دوجمان هذا هو الرجل الذي اطلق عليه لقب " جد المستشفى " وهو يقول نعم أنا كذلك لقد حملت الآلاف من الاطفال في حضني خلال هذه السنوات لأخفف العبء عن أولياء امورهم.
قبل خمسة عشر سنة خرج ديفيد على التقاعد بعد أن عمل لسنوات طويلة و لديه سيرة ذاتية طويلة في مجال التسويق العالمي، لم يكن حاله يختلف عن حال كثير من المتقاعدين، شعر بعد التقاعد أن لديه أوقات فراغ طويلة لا يعرف كيف يملؤها. بدأ يأخذ محاضرات في الجامعة الواقعة في مدينته، لكنه شعر بأن هذا العمل ليس كافيا بالنسبة له.
طرقت ذات يوم رأسه فكرة أن يقوم بعمل شئ للاطفال الخدج. زار مستشفى الاطفال المحلية و سألهم
- هل لديكم حاجة لعمل تطوعي، من اي نوع كان؟
عمل في السنة الاولى في قسم الاطفال و بعد ذلك كانت هناك حاجة لخدماته في قسم الاطفال الخدج.
هذا الرجل يبلغ من العمر 82 عاما متزوج و لديه ابنتين و حفيدين. أخبرنا السيد ديفيد:
" العمل في المستشفى لم يكن فقط لمساعدة الاطفال بل عمل بارك حياتي".
-   أشعر بسعادة كبيرة عندما اقدم هذا العمل كدليل امتنان لي على الحياة، ليس فقط عندما يبكي الاطفال أو عندما اقوم بمواساتهم و هدهدتهم، فهذا الأمر أحب عمله بسعادة غامرة، و ليس لأجل الطفل الرضيع فحسب  بل لأجل الاجواء العامة في المستشفى.
يذهب ديفيد الى المستشفى ليس فقط لمساعدة الاطفال بل للوقوف ايضا بجانب اولياء امورهم. عادة ما يحتضن الآباء والامهات الذين يكونون بحاجة ماسة للمواساة و الرعاية في تلك الاوقات الصعبة.
يقول ديفيد : - انا اتحدث مع الامهات و في بعض الاحيان أمسك بيد الام لأن الأخذ بيد الأم لا يقل اهمية عن حمل الطفل و احتضانه. يشعر اولياء الامرو في مثل هذه الظروف بالتوتر فلو قال شخص ما لهم اخرجوا و تمتعوا بوجبة طعام بينما أنا ارعى طفلكم سيعني ذلك لهم الكثير. هذا الأمر مهم جدا. هذا ما أخبره ديفيد الى صحيفة people .
هذا الامر تتفهمه والدة الصغير لوغاس بشكل كامل. هذه الأم تغادر في كل مساء المستشفى لتعود ال ابنتها في البيت تاركة صغيرها في المستشفى لتعود في الصباح الباكر الى طفلها الخديج و تبقى معه بقية النهار. جاء ابنها الى العالم و عمره 25 اسبوعا و تشعر أمه بتأنيب ضمير شديد لأنها لا تستطيع قضاء تلك الايام معه.
في يوم من الايام تغير كل شئ بالنسبة لها، عندما جاءت الى المستشفى وجدت ابنها بين ذراعي ديفيد. ابتسم لها و قام بتعريف نفسه:
" مرحبا ! أنا جد المستشفى الاضافي " عندها جلست الام و أجهشت بالبكاء.
تبخر قلقها و مخاوفها، و بينما كانت تقاوم دموعها و عبراتها أخذت صورة لديفيد و ابنها لوغان. هذه الصورة نشرتها على صفحة الفيس بوك التابعة للمستشفى و حصلت هذه الصورة على آلاف التعليقات التي أثنت على ديفيد.
أما بالنسبة لـ ديفيد فهو يشعر فقط بالسعادة عندما يساعد الاطفال الخدج و أولياء امورهم خلال هذه الفترة العصيبة، ويقول كذلك عندما اتوجه صباحا الى المستشفى لا أعلم ما ينتظرني هناك. على كل حال " لو كان هناك شئ يمكنني فعله بحيث يشعر الناس أن هناك شخص مهتم بأمرهم، فهذا الشئ هو بالضبط ما ارغب بفعله.
يالك من رجل مبارك يا سيد ديفيد، عملك يصب في مصلحة الكثير من العوائل التي تمر بأصعب الاوقات و هم لا يدركون ما ستحمله الايام لفلذة اكبادهم. قم بنشر هذا الخبر ليكون ديفيد قدوة نقتدي به.

20
عراقنا بعيون النرويج
محمد سيف المفتي 28.08.2017

اليوم كان حفل ختام الاسبوع الثقافي العراقي، صفقت بحرارة بعد سماعي لكلمة وكيل وزير الخارجية السيدة ماريت برغ روسلاند. سألني أحد الاصدقاء
-  أعلم أنك تصفق لها بحرارة لأنها جميلة. ضحك و أكمل حديثه أنت  لم تصفق للآخرين كما صفقت لها و تلاعبت حواجبه أجبته مبتسما
-  نعم هي جميلة ولكن تصفيقي حقيقة  لكلماتها الرائعة. تشوق صديقي لمعرفة ما قالته و طالبني شخص ثاني و ثالث بشرح ما قالته. الحقيقة لم أتذكر كل الكلمة و بينما هم يطالبونني بإعادة ما قالته ليفهموا وجهة نظر النرويج المستقبلية بشأن العراق. مرت السيدة ماريت و هي مسؤولة الملف العراقي بجانبي في طريقها خارجة الى لقاء تلفزيوني. استوقفتها عرفتها بنفسي و طلبت منها الكلمة أجابتني بكل سرور و من ثم سألت مستشارها.
- هل أعطيه اوراقي؟  فأومأ اليها موافقا. كم كنت سعيدا و أنا اشكرها و في يدي رؤية الخارجية النرويجية للعراق الجديد.
بعدها اعتلت منصة الخطابة بنت العراق زينب السامرائي ، صاحبة الحضور المميز و الجميل، المرشحة  للبرلمان النرويجي. فتاة تحمل هموم الاقليات و تعمل على فتح آفاق جديدة لهم. تحدثت باللغة النرويجية و العربية، و قالت أنا ابنة العراق و النرويج و التي تسعى لخلق مجتمع متناغم يخدم كل الاطراف
 
. بمجرد أن انتهت من حديثها طالبني عدد ليس بالقليل لأترجم لهم ما مكتوب في الاوراق التي استلمتها من وكيل الوزير، فوعدتهم أنني سأفعل لاحقا  لأن مسرحية "الفراغ " الرائعة للفنان العراقي المبدع  شوان وحيد كانت قد بدأت ، مسرحية شدت انتباهنا منذ فتح ستارة المسرح  نقلت صوراَ تجريدية أكثر من رائعة عن واقعنا، تحدثت عن حياة التيه السياسي و الاجتماعي باسقاطات ذكية. صفقنا له و للفنانين  طويلا لأن رسائلهم التجريدية وصلت قلوبنا و تسلم السيد شوان و على غير المعتاد جائزتين تقديريتين لجهوده في الاخراج.
مع نهاية المسرحية هممت بالخروج من القاعة سمعت صوت صديقي يطالبني بترجمة الكلمة. و آخر يرفع صوته مذكراَ " وعد الحر دين".
أجبتهم وعد الحر دين و لي شرف ترجمة هذه الكلمة.
نص الكلمة
عزيزي  سفير العراق
عزيزي رئيس المهرجان،  الاعزاء في ادارة المهرجان
اعزائي الحضور جميعا
الف شكر على هذه الدعوة التي منحتني فرصة لقائكم و اتاحت لي فرصة القاء كلمة في يوم ختام مهرجان الاسبوع الثقافي العراقي.
هذا الاحتفال هو ايضا فرصة جيدة لنستذكر التقدم في معركتنا المشتركة ضد الدولة الاسلامية و لنركز على الدعم النرويجي للعراق.
دعونا نلقي نظرة الى الماضي، قبل أكثر من ثلاثة سنوات كانت الدولة الاسلامية قد غزت و سيطرت على الموصل و أعلنت تأسيس ما اسمته دولة الخلافة.
احتلت هذه المجموعة الارهابية باستمرار اراضي جديدة،  سيطرتهم و تقدمهم الوحشي أذهل العالم بأسره.
هاجمت الدولة الاسلامية في العراق و الشام بلا وازع و لا رادع الابرياء من الرجال و النساء و الاطفال.
كان اعتدائهم على السنة و الشيعة، المسيحيين و الايزيديين ، و العرب و التركمان و الاكراد، و حتى هنا في اوربا شعرنا بالاعمال الارهابية تصيبنا، اعتداءات ارهابية وحشية و جبانة من بينها عملية فرنسا و بلجيكا.
الوضع في هذا اليوم مختلف تماما عما كان عليه حين ذاك، فقط اثنان بالمئة من العراق و تسعة بالمئة من سوريا لا تزال تحت سيطرة الدولة الاسلامية. المناطق التي يتحركون فيها بحريتهم أصبحت قليلة.
في هذا الصيف و بعد حملة عسكرية تطلبت كثيرا من الوقت و الجهود تم تحرير الموصل ، و الآن تحرير تلعفر قد بدأ.
الى حد الآن تم تحرير ما يقارب خمسة ملايين انسان من سيطرة هذه المجموعة الارهابية. اثنين مليون من النازحين العراقيين عادوا الى ديارهم وذلك بالرغم من الخطورة الموجودة الى حد الآن. إلا أن قدرة هذه المجموعة على التخطيط و تنفيذ عمليات معقدة خارج معاقلهم اصبحت محدودة جدا. من ناحية ثانية توقف تدفق المقاتلين الاجانب من اوربا الى الشرق الاوسط.  الاجراءات المتخذة لخنق كل مصادر التمويل للدولة الاسلامية قد فعلت فعلها.
بالمختصر: الدولة الاسلامية قد ضُغطت من كل الاتجاهات، و بدون ادنى شك فإن الدولة الاسلامية سوف تخسر هذه المعركة.
معركة تحرير الموصل تطلبت ألكثير و بطريقة غير اعتيادية،  منذ الحرب العالمية الثانية لم يشهد العالم حرب مدن معقدة بهذا الشكل. كانت معاناة المدنيين فيها كبيرة للغاية و أخذت الحرب أرواح الكثيرين. بالرغم من ذلك علينا أن نذكر أن الامم المتحدة أمتدحت الجهود العراقية المبذولة للحفاظ على الناس المدنيين في الموصل. أنا من جهتي كذلك أريد أن أقر بجهود السلطات العراقية التي حافظت على ارواح المدنيين. احترام حقوق الانسان المتفق عليها عالميا هي الامر الحاسم لخلق حالة استقرار دائم في العراق بعد زوال الدولة الاسلامية.
اصدقائي الاعزاء
ساهمت النرويج بشكل فعال في التحالف الذي كافح الدولة الاسلامية في العراق و الشام و ذلك منذ تأسيس هذا التحالف في ايلول 2014. كان ذلك عندما طالب العراق بتقديم العون له للدفاع عن البلاد ضد هجوم الدولة الاسلامية، كانت النرويج أول من لبى نداء العراق.
المعركة ضد داعش هي جزء من الحرب العالمية ضد التطرف العنيف. قالت  رئيسة الوزارء آرنا سولبرغ و ركزت في اقوالها مرارا و تكرارا: " علينا واجب و مسؤولية اخلاقية لمكافحة الدولة الاسلامية في العراق و الشام و كذلك مكافحة التطرف".
تشارك النرويج في كل المحاور التي تتطلب جهود التحالف الدولي. لدينا مشاركة بقوات عسكرية تعمل على تدريب الاجهزة الامنية في محافظة الانبار، و سنكون الطرفالصديق و الصدوق تجاه العراق بعد زوال الدولة الاسلامية.
في هذا العام سنساهم بمبلغ 200 مليون كرونة لأجراءات تصب في تحقيق استقرار الحياة المدنية في العراق. من بين الامور التي سيسخر هذا المبلغ من اجله هو اعادة بناء العراق، الصحة و اتاحة فرص التعليم للناس المدنيين في الموصل و المناطق المحررة الاخرى.  النرويج مشارك كبير في الاعمال الانسانية في العراق. نحن ندعم الكثير من الامور من بينها ازالة الاألغام و المتفجرات من المناطق المحررة، لكي تتمكن معظم العوائل من الشعور بالأمان في بيوتهم.
ندعم كذلك الرنامج التمهيدي للشباب و العاطلين عن العمل. بحيث نشارك بمنح الشباب العراقي الامل والادوات اللازمة ليتمكنوا من بناء غد أفضل.
المعركة ضد الدولة الاسلامية لم تنتهي بعد لكننا كسبنا الكثير من الانتصارات. الآن نضع اساسا لمستقبل بلا "الدولة الاسلامية في العراق و الشام"  و بلا نوع آخر من أنواع التطرف. نضع اساسا يضم كل العراقيين ولا يعتمد على الاثنية أو العقيدة.
المستقبل العراقي يمكن أن يصنع فقط بأيدي عراقية، لكن العراق لن يكون لوحده. ستبقى النرويج الصديق الجيد للعراق، في حربه ضد الدولة الاسلامية و في عمليات اعادة بنائه للمناطق المحررة و دعمه لوضع برامج تصب في مصلحة خلق مستقبل مشرق للعراقيين.
اقولها ثانية، شكرا على هذه الدعوة و الف شكر لكل الذين يثابرون في العمل  لأجل مستقبل العراق.
بعد اسبوع يبدأ الاحتفال بعيد الاضحى. يجب أن يكون الاحتفال القادم بعيد الاضحى في
 عراق خالي من الدولة الاسلامية في العراق و الشام. 

21
فيصل القاسم، لا حاجة لنا بك


محمد سيف المفتي
 
حضرت البارحة اجتماعا تحضيريا للجالية العراقية،  لوقفة احتفالية بمناسبة النصر العراقي الكبير  في الموصل. يعني فرح، بدأت الاصوات ترتفع  منذ الدقائق الاولى و نحن نناقش التوقيت المناسب للاحتفالية.
و احتدم الوطيس عندما اردنا مناقشة من سيكتب الخطاب الذي سيقرأ في الاحتفالية.
لا تسألني كيف كان سيكون النقاش لو كنا نناقش خلافا عقائديا أو مبدئيا؟
رفعت يدي لمدة خمسة دقائق انتظر أن يعطف علي أحدهم و يسمح لي بالحديث،   عبثا ذهبت محاولاتي، ابتساماتي و رفع اليد مدها الى الامام لتكون أمام العيون، كل الخطوات كانت بلا جدوى. كنت أفكر طيلة الوقت بسؤال محدد.  هل لنا بـ فيصل القاسم حاجة ؟  هل نحن بحاجة لمتابعة برنامجه ( الرأي و الرأي الآخر ) ؟  كان الحاضرون  يقاطعون حديث بعضهم البعض بلا توقف  حتى  تدخل احد المشاركين وقال لنسمع رأي الأخ و أشار بيده إلي. شعرت بارتياح لم يدم طويلا،  بدأت بالحديث رفعوا صوتهم أعلى من صوتي .. لم تجدي كل الوسائل لكي أدلي برأي ، في النهاية رفعت صوتي على غير عادتي و طلبت الحديث؟ أصابتني عدوى الصراخ. 
بعد أن أقمت في النرويج ما يقارب ثلث عمري، و تعلمت في النرويج و درست في جامعاتها و دخلت معترك الحياة السياسية، و درست الترجمة و ترجمة الحوار. أقولها لكم صراحة  أننا لا نحتاج فيصل القاسم لكي يجعل  الصراخ لغة حوارنا.
عدت الى البيت و بدأت أفكر لماذا نصرخ عندما نريد الحديث و الاقناع في أي قضية كانت؟
ما هي دوافعنا  للصراخ؟
لماذا نحاول أن نخرس صاحب الصوت المنخفض؟ بينما في النرويج يسكت الجميع ليتمكنوا من سماع صاحب الصوت المنخفض.
قضيت الليل بمقارنات بين النرويج و العراق و الدول العربية.
اعتقد أنني كشفت هذا السر من خلال هذه المقارنة. أثبت العلم أن الجنين في الأشهر الاخيرة من الحمل يسمع الحديث الذي يدور خارج بطن أمه، و مع انتشار ظاهرة كآبة الحمل و احداث العراق الساخنة و الاجواء الحارة  فهو بالتأكيد سيسمع صراخ امه و ابيه و شجارهم. بينما يكاد الجنين النرويجي لا يسمع اي صوت سوى التمسيد و الغناء له  و الكل ينصت لسماع حركاته و متابعة ركلاته.
 لنقل أن هذا الاختلاف هو اختلاف جيني بين ابناء الاسكندنافية الباردة و أجواء العراق شديدة الحرارة.
ساعة الولادة
عند ولادة الطفل في النرويج يدخل الوالد مع زوجته الى غرفة الولادة  و هو الذي يقوم بقطع الحبل السري، و يحاول التخفيف عن زوجته عند اشتداد طلقات الولادة و يمسك بيدها و الكل يعمل بهدوء.
في بلادنا تجتمع النساء حول المرأة الحامل و يحاولون شد عزمها بالهتاف و مناشدتها للتحمل و الدفع مع قراءة الادعية بصوت عالي  و الصياح على هذا و ذاك.
بعد الولادة
مع خروج الطفل تبدأ تهليلات النساء و حركتهن المتسارعة اجلبي هذا و اتركي ذاك، و الطفل يبكي و الاصوات تتصاعد.
بينما في النرويج يصغي الجميع الى بكاء الطفل، بينما هو راقد على صدر أمه و والده يقف بجانبهم بكل هدوء ، ينتظرون الطفل حتى يهدأ. 
الدرس الاول الذي يستنبطه الطفل في بلادي ومنذ اللحظة الاولى للقائه بهذا العالم هو ( الغلبة لصاحب الصوت الاعل ).
الطهور:
يصرخ الطفل و يبكي بحرقة نتيجة الكذبة الكبيرة التي انطلت عليه ، اسبوع مضى و الرجال يقولون له (لن تشعر بالألم بتاتا )  بينما تتصاعد اصوات الرجال حوله مغطية على صراخه، في مدينتي " الموصل " يصيح الرجال بأعلى اصواتهم حتى يتراقص لسان المزمار خارج الفم. ( ورد حاق صاق ناصي هي ) لا تسألوني عن معناها يقال هي من اصول تركية، مع الردة الجماعية " هي " غير آبهين بوجع الطفل.
بينما في الدول الاسكندنافية يتم الاصغاء لوجع الطفل  باحترام و تفهم.
الدرس الثاني الذي يستنبطه الطفل في بلادي في هذا اليوم التاريخي بالنسبة له، أن ألمه لا يعني شيئا، و تبقى الغلبة لصاحب الصوت العالي.
يفطم الطفل النرويجي بهدوء إما بسبب انتهاء فترة حياة زجاجة الرضاعة أو قرار السفر  الى القمر الى آخره من الوسائل اللطيفة، بينما نفطم اطفالنا بالصراخ و عدم تفهم حاجة الطفل و علاقته بزجاجة الرضاعة . و الصراخ عليه " لقد اصبحت رجلا و تريد الرضاعة".
الطفولة:
عندما يلعب الطفل بصوت عالي يتم الصراخ عليه "  ابوك نايم لا تعللي صوتك و إلا ، لا تلم إلا نفسك " اشارة الى العقاب و الاسلحة المستخدمة لأخراسه كثيرة.
في المدرسة الغلبة لصاحب الصوت العالي، الشجار ينتهي لصاحب الصوت المرتفع العدواني، و من يرتفع صوته دائما بعدائية  ترافقه شائعة تقول ( وافق على طلبه، لأن الاخ كثير عصبي"
في النرويج من له مثل هذه الصفات يدخل مصحا نفسيا. الموضوع اختلاف حضارات و ثقافات.
أرجوك يا استاذ فيصل لسنا بحاجة للاستفزاز فنحن مستفزين مذ كنا أجنة في بطون امهاتنا،  و تعلمنا سوء الحوار منذ نعومة اظفارنا.  اتركنا بسلام. 

22
اعتذار بالقلم العريض 

محمد سيف المفتي 11.07.2017

سمعنا صوتين شاذين أحدهم ربيع الحافظ الذي عمره ما كان ربيعا لأم الربيعين ، و شاعر منسي يوسف سعدي، و بعض الامعات و الراقصين على صوت طبولهم يتهجمون على قائد نام في الدبابة و هم ينامون  في فنادق الدرجة الاولى، و عندما كانت عيونه تترقب السماء لمراقبة الطائرات بدون طيار كانت عيونهم تتابع صفحات الفيس بوك.

عذرا سيدي الساعدي  عذرا لك و لاخوتك الذين ضحوا بارواحهم لتحرير العراق من داعش و بربرية افكاره  و لم يطلبوا شهرة و لا ثمنا على بطولاتهم و تضحياتهم، بينما يطلب هذان الغرابان الناعقان بالسوء و من يمولهم الشهرة على خسة اقلامهم و نضالهم خلف اجهزة الحاسوب و حضور المؤتمرات الفاشلة، و كل ما يعرفونه هو التحريض الرخيص، رخيص بمستوى وضاعتهم و سخف تفكيرهم.

هؤلاء قوم

 إِنْ قَالَ خَيْراً فَعَنْ سَهْوٍ أَلَمَّ بِهِ * أَوْ قَالَ شَرًّا فَعَنْ قَصْدٍ وإِمْضَاءِ

والله لو كان الكلام موجها لي لما صرفت دقيقة  على الرد عليهم لأنهم في ميزان الرجولة عدم. عذرا نيابة عن نفسي و عن ابناء الحدباء




23
مشاهد على طريق الهاوية

محمد سيف المفتي  08.06.2017

خلال الفترة العصيبة التي مرت وتمر بها مدينتي الموصل الحدباء، التي حدب القهر ظهرها، عثرت بين اوراقي القديمة بالصدفة، على مقال كنت قد نشرته في صحيفة Aura  النرويجية في عام 2006 وجاء تحت عنوان" مستقبل العراق القاتم"
استندت في قراءتي على تصريحات للقادة الامريكان مثل الجنرال جورج كيسي و قوله أن الاشهر الستة القادمة ستكون حاسمة في تاريخ العراق، من جهة ثانية نوعية الخطاب السياسي بين الخصوم السياسيين في تلك الفترة، و تحذيرات السياسيين الصريحين مثل برهم صالح، بالاضافة الى التقارير العالمية و التقارير الصادرة من المنظمات المحلية.
قال برهم صالح حينها أن التجاذبات السياسية من جهة و انتشار العنف الطائفي من جهة أخرى جعل هذا الصراع هو اللعبة الاكثر شيوعا في الملعب السياسي العراقي.
استنتجت من قرائتي للتقارير المحلية التي كانت تتحدث عن تفاقم العنف الطائفي و انتشاره كظاهرة في المحافظات الجنوبية. أن هذا العنف في حقيقته لم يكن صراعا طائفيا بل صراعا سياسيا على حصة الأسد من المكاسب بين السياسيين أو الاحزاب لمصلحتهم الشخصية أو لمصلحة الدولة الساندة للشخص أو السياسي.
توقعت أن هذه الصراعات لن تتوقف عند حد معين، و لن تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة المواطن، لطالما بدأ السياسيين يستخدمون في صراعاتهم السيطرات الوهمية، و اختطافات ممنهجة مع فساد سياسي نخر المؤوسسة السياسية و الادارية، بناء على ذلك لا يوجد سقف لهذا العنف. وما حدث بعدها من اعمال ارهابية شاهد على ذلك.
 كتبت حينها ( أن معظم المؤوسسات قد تم اختراقها و توظيفها من قبل الارهابيين، و تم تهريب خيرات البلد الى دول الجوار بمباركة سياسية مثل تهريب النفط ، أو العقود الوهمية ).  وما أشبه اليوم بالبارحة، كل ماحدث أنه تم استبدال مسمى الرشوة، اصبح اسم الرشوة اليوم تمويل العملية السياسية، و تمت من جهة شرعنة الحرمنة و من جهة أخرى تم التشريع لأستخدام العصابات و المنظمات الغير شرعية لحماية هذه  الأموال القذرة.
النقطة الاسوأ هي أن هذه المنظمات و العصابات تم تشريع عملها  بمباركة الاحزاب و السياسيين و أصبحت جزءا من السلطة التنفيذية و الدفاع، و يستخدمونها لأسكات اي صوت معارض، و لشراء أو أسكات الصحافة المعارضة، و أدركت الصحافة بأنها تعمل ضمن هذه الحدود الموضوعة لها، فلم يعد للسلطة الرابعة أي تأثير سوى التوجيه الفكري مدفوع الثمن.
ايران و بقية دول الجوار وعدت العراق بحماية الحدود و دعم اي جهة ستستلم الحكم في العراق، في الوقت نفسه تم القاء القبض على كثير من الارهابيين اعترفوا بانهم تلقوا تدريبهم في دول الجوار و قاموا بتهريب السلاح عبر الحدود الى العراق. وكل الجهات تعلن برائتها من العنف (( نحن ابرياء من دم يوسف براءة الذئب)). مشكلة الحدود كانت و ما زالت معضلة كبيرة في طريق أمن العراق.
لا زلت عند رأي (الميلشيات آفة العراق).
الامريكان بدورهم ارتكبوا اخطاء متعمدة لحماية مصالحهم أو غير معتمدة بناء على مشورة مستشاريهم من العراقيين القادمين على ظهر الدبابات الامريكية و لا شأن لهم بالعراق إلا مصالح و منافع شخصية. كثير من الاستشاريين هم مستشاريين مزورين صعدوا على متن الطائرة في البلد الذي يسكنونه و هم يمتهنون الحلاقة أو القصابة و هبطت بهم الطائرة في بغداد و هم البروفسور فلان و الدكتور فلان. هؤلاء الاشخاص تولوا مناصب عالية في المؤوسسات التي كانت بحاجة الى اصلاح منذ الفترة البعثية، فكل ما حدث في هذه المؤسسات أنها انهارت الواحدة تلو الاخرى، و أكل الفساد كل اعضائها. الكارثة الحقيقية في الموضوع أن هذه المجموعة استبعدت طبقة التكنوقراط لكي لا تنفضح و اصحاب الدراسات العليا ممن فتح فمه وفضح فساد هذه المؤوسسات إما قتل أو تمكن من الهرب قبل أن يقتل. هذه هي حقيقة تصفيات اصحاب الشهادات في ذلك الوقت.
قلت بعد ذلك يتوجب على الامريكان المسك بزمام الامور و إلا لن يبقى العراق بلدا موحدا. بلد سيتحول الى مناطق صغيرة تمثل المذهب، القومية أو الحزب، أما بالنسبة لدور الاتحاد الاوربي قلت حينها  و إذا لم يتدخل الاتحاد الأوربي فسيفقد ثقله في الشرق الاوسط و الى الأبد.
 
يدرك العراقيون اليوم ما يجري وراء الكواليس، لكنهم لا يستطيعون العمل لنجدة انفسهم لأن كل مفاتيح السلطة تم تقسيمها بين الاحزاب و المذاهب. وهذا يعني أن العراق سيصبح بلدا مقسما بناءا على هذه الخارطة المذهبية و القومية و الطائفية، و أن الولاء للقومية و المذهب سيكون اساسا لهذا التقسيم و سيكون الولاء للشخوص هو السمة الاساسية لهذا التقسيم و سيبقى المواطن العراقي حبيس محافظته بسبب هذه النزاعات و التصفيات، و هكذا ستكون اليد العليا للمنظمات الارهابية.
قلت بعد ذلك لو تحقق هذا السيناريو فسيكون الرابح الاكبر في المنطقة هو ايران و ستكون شبه محتلة للعراق ، و عندها لن تهنأ امريكا بخيرات العراق، إلا بتوافقات أعمق.
الجملة الأخيرة التي كتبتها سيحن العراقيين الى زمن صدام، ليس حبا بصدام بل لأنهم شاهدوا أن الديمقراطية المزعومة قد سلمت أقدارهم بيد المتطرفين. استشهد هنا بالحوار الأخير بين عزت الشابندر و شخص من الانبار قال الشابندر في زمن داعش  ووجه كلامه للأنباري:
-   تطالبون اليوم بعودة الامريكان، و كنتم تقولون أنكم تقاتلون المحتل..  قاطعه الرجل قائلا
-   يا سيدي هذا شرف ندعيه، لكن أنتم من جئتم على ظهر الدبابات الامريكية، للإطاحة بنظام صدام.
أجابه الشابندر مقاطعا  بأسى:
-   لو كنت بهذا الوعي الذي أنا عليه اليوم لوقفت مع صدام ضد الامريكان.
.


24
اسكندنافية في الرقة


محمد سيف المفتي 
استوقفتني بعض المقالات و التحقيقات التي تناولت حياة النساء الاجنبيات الواتي سافرن الى أرض الخلافة. كيف عاشت النساء الاجنبيات في الرقة، عين من الداخل؟ أنقل لكم بعض ما قرأته في النرويج و خصوصا في الجريدة الرسمية آفتن بوستن.
قبل حوالي ثلاثة سنوات وقفت راوث يوهانسن و قد التصق ابنها ذو الاعوام الثلاثة بها، تنظر من شباك غرفتها في مستشفى قذر و متهالك، تتأمل طائرا يقف على غصن شجرة أمامها، طيران الطائر و حسرتها أعادتها الى الواقع " الرقة".
ابنة النرويج جاءت الى الرقة بصحبة اطفالها الخمسة و زوجها السوري،  التفتت و نظرت الى ابنتها الملقاة على السريرو تفحصت جدائلها السوداء، كانت شاحبة شحوب الموت، بسبب الجفاف و سوء التغذية و الاسهال المستمر، و شعرت ان ابنتها لن تحتفل بعيد ميلادها الثاني، و القت نظرة سريعة لعل الطائر قد عاد الى السطح.
مضى على اقامتها في الرقة عدة أسابيع و تسكن في بيت يحيطه الحراس من كل الجوانب، يغيب زوجها لأيام و أيام في كل مرة عندما تسأل عنه يقول لها رجل أجش الصوت (( تدريب على القتال مع الدولة الاسلامية)) و يترجم لها بعض النسوة التي يشاركنها السكن. لم تتمكن راوث أن تنسى كيف خدعها زوجها عندما قال لها أنهم في زيارة الى تركيا للقاء أمه التي لم تأت الى تركيا فقرر هو زيارتها  و البنات تجملوا للقاء الجدة و ركبوا السيارة و بعد رحلة تصفها بأنها لم تكن طويلة ظهرت أعلام سوداء و علمت أنها دخلت أرض الدولة الاسلامية في سوريا.
مضت الايام و أدركت راوث أنها في ورطة حقيقية و أيقنت أنها لن تتمكن من الهرب من الرقة بقدراتها الشخصية، و أخيرا بعدما تمرضت ابنتها سمح لها بمرافقتها الى المستشفى مع ابنها، و بقية الاطفال بقوا في البيت تحت حراسة مشددة و نساء يتحدثن الانجليزية تعرفت عليهن في ( الحرملك).
بينما كانت ابنتها تغط في نوم عميق أخذت ابنها الى الشباك ثانية، و حاولت مواساته بمنظر الطائر الذي يمارس طقوس حياته بطريقة اعتيادية، و قطع صفاء اللحظة انفجار شديد.
نادرا ما دخلت إمرأة غربية الى المنطقة و خرجت منها، تقول راوث للمرأة دور جوهري في نظام الدولة الاسلامية، هن المساندات للمجاهدين، و هن كذلك معمل تفريخ الجهاديين الجدد، و الدولة الاسلامية حريصة على تدريبهم منذ نعومة اضفارهم على كره الغير و تكفير الغير و وجوب قتل من لا يعترف بهم خليفة الله على الارض.
كان مع راوث امرأتين جاءتا الى سوريا بارادتهن، تصف احداهن و تسمي نفسها صوفيا هذا ليس اسمها الحقيقي، و هي ام و موظفة اجتماعية.
-   لو يوجد فعليا شيء أسمه الجحيم، فمن المؤكد يشبه ما تعرضنا له في الرقة. وحشية الدولة الاسلامية عصية على الفهم. كنت خائفة حد الموت من أن يأخذوا مني ابني الوحيد، أو أن أضطر للهرب من سوريا بدون أن اصحبه معي.
قالت عشت تجربة قاسية بعد أن رحلت أمي، و كنت أعمل في مركز للحالات الصعبة و هناك تعرفت على ثلاثة شباب أقنعوني بالاسلام فاعتنقته، و بدأت ابحث عن معنى أعمق للحياة و كنت أريد تحقيق القيم الانسانية السامية. رحل الشباب الثلاثة الى سوريا و استمروا بالتواصل معي و شرحوا روعة الحياة و القيم الحقيقية للبشر. حملت حقائبي و أخذت ابني و تركت زوجي الطيب في حيرة من أمره و رحلت الى الدولة الاسلامية بعد أن أقنعوني بمدى الحاجة الكبيرة لممرضة في قسم النسائية في المستشفى,
في شباط 2015 اتخذت صوفيا اخطر قرار في حياتها و أخبرت زوجها و عائلتها أنها ستعمل في دار ايتام في اسطنبول، و رحلت لتحقيق الاهداف السامية في الحياة.
بمجرد وصولها علمت ان البيت غنيمة حرب ، و لاحظت سلوكيات المقاتلين الاجانب و كيف يأخذون البضاعة من المحلات بدون دفع اثمانها و لا ينتظرون في الطابور بل يدفعون الناس بلا احترام ليقفوا في بداية الطابور. هذه الملاحظات أدخلت الريبة و الشك في نفسها.
تصف صوفيا سلوك زملائها " بعد أيام قلائل بدئوا يتحدثون بطريقة قبيحة عن المواطنين السوريين، يرفضون خروجي من البيت و يتحدثون معي بصفاقة. لحسن الحظ أن ابني صغير و إلا لأجبروني على أخذه للتدريب على القتال.
تصف تجربتها في يوم العمل الأول لها في المستشفى، قالت لزملائها أنا جئت الى هنا لكي أعمل فقرروا اصطحابها الى المستشفى.
-   لم اصدق ما شاهدته عيناي في المفرخة، كل العمليات قيصرية، الدماء قد لوثت السجاد و القيء مسكوب في كل مكان، و الذباب وحده يتراقص في كل مكان مرتاح لهذه الاجواء. هنا أيقنت أن أصدقائي قد اصبحوا اعدائي، و أنني أسيرة عندهم.
-   كم شعرت بالغضب من غبائي، و كيف سمحت لنفسي بجلب ابني معي، و كم كنت أشعر بالغضب على من خدعني و وصف لي المكان بالجنة.
تقول راوث قرررت الدولة الاسلامية نقلنا الى مضافة قيل أنها كانت بيتا لأحد الوزراء، و عندما وصلنا وجدت أن البيت ذو الطوابق الثلاثة قذر للغاية و مليء بالنساء و المسبح فارغ و قد تحول الى وعاء كبير للزبالة. يسرح النمل في ثلاجة الدار بينما الاعلام السوداء ترفرف في كل مكان. كان طعامنا البطاطة و الطماطم و البيض ولو كان لدينا نقود لتمكنا من شراء المشروبات الغازية و رقائق البطاطس من مسؤول البيت و زوجته. الحقيقة المهمة بالنسبة لي كانت هي أنني لن أتمكن من الهرب من هذا السكن المراقب على مدار الساعة.
تقول صوفيا كنا ثلاثين امرأة و حوالي عشرين طفلا، في حياتي لم أرى أطفالا بهذا المستوى من العدائية، لعبهم الضرب و الرفس و العض.
بالاضافة الى ذلك كان في البيت رقيب هي إمراة فرنسية ضخمة تحمل معها مفاتيح البيت و كلبشات، و تراقب صلاة النساء و الواجبات اليومية. 
تصف راوث تلك الايام " بدأ زوجي يغيب عني لأيام و أيام، ولم يكن بإمكاني أن أفعل شيئا أكثر من مراعاة اطفالي اللتي تمرضوا واحدا تلو الآخر، عملي أصبح تنظيف الاسهال و مسح القيء من المرتبة و قلبها على الوجه الآخر".
أصعب ما بالوضع هو الشعور بعدم الامآن على مدار الساعة، و صوت الطائرات القاصفة بين الحين و الحين.
عندما سمعت صوت الانفجار  أمام شباك غرفة ابنتها في المستشفى،  نظرت الى جهة الدخان و كان باتجاه البيت الذي بقي فيه اولاده، كانت محظوظة ولم يتعرض اطفالها للأذى، لكن الصواريخ اصابت البيت المجاور و حدثها اطفالها لاحقا كيف مات ابن جارهم الصغير.
في ذلك اليوم ركضت الى البيت ساحبة ورائي ابنتي المريضة و ابني و انتظرت عودة زوجي، كنت أقول لنفسي في الليل سأنام ان استيقظت استيقظت، و إن لم استيقظ ليكن ذلك. هذه الحادثة كانت نقطة تحول في حياتي و عندما عاد زوجي أعلمته بالأمر و أعتقد انه أدرك مدى جدية الامر بالنسبة لي. فقدم على طلب موافقة سفر من أحد قادة الدولة الاسلامية لخروجي من سوريا، و تقول أنني انسانة محظوظة  رغم كل شئ,، جاءت عائلة معها طفل عمره ثمانية سنوات، لم يكن يرغب بالذهاب الى التدريب في ساحات التندريب العسكرية و كان ملتصقا بأمه كجزء منها، لكنه اختفى في أحد الايام و تركت الأم لحسراتها الحارة التي لم تبرد تبرد يوما.
ومن الامور التي لا تنسى، يطرق الباب الخارجي و يعلن ان  المجاهد فلان قد جاء ليأخذ زوجة فيصاب البيت بالهرج و المرج، فرحين بمأساة انسانة.
تمكنت صوفيا من الاتصال بزوجها و تعاقد زوجها مع مهرب قام بتهريبها الى الحدود التركية مع ابنها على عجلة نارية، و أخيرا وصلت الى باريس لتأخذ حكما بالسجن لمدة اربعة اشهر لسفرها لمنطقة مسيطر عليها من قبل الدولة الاسلامية. صرحت للصحافة بعد اصدار الحكم.
" أكاد أختنق بأسم الدين،  أنا لست مسلمة، حياتي الآن أفضل مما كانت قبل سفري و أشكر الله أنني متماسكة الآن أكثر مما كنت عليه سابقا، أما بخصوص اصدقائيفقد فرقهم الموت  اثنان لقوا حتفهم و الثالث قد اختفى، رجال الدولة الاسلامية  خطرين يحملون حقا و حبا للثأر، أتمنى أن لا يعود احدهم الى فرنسا"
بعد أن عادت روث الى مدينتها استقبلها فريق طبي لمتابعة حالتها و حالة الاطفال، و تقول أن حياتي بدأت تعود الى مسارها الصحيح، بعض الاسابيع مشرقة و بعض الاسابيع سوداء.
سألها صحفي كيف يمكن للإنسان أن يكون بهذا المستوى من السذاجة؟
رغم كل شيء هو زوجي و لدينا خمسة اطفال، و خلال حياتنا الزوجية لم يؤذ أحدنا يوما، رجل لطيف و طيب و أثق به. لكنني لاحظت قبل سفرنا أنه يكثر من الجلوس أمام الحاسوب لساعات و ساعات  و يستمر بالتواصل على الفيسبوك و يكثر من مشاهدة افلام داعش و القاعدة، وبالمناسبة قبل سفرنا طلبت منه أن يقسم على القرآن بأنه لن يخدعني.
" اليوم هو في السجن وأخيرا  ترك أطفالي رسم صور و لا يمكن بأي شكل من الاشكال أن يرسمها طفل نرويجي. ابوهم اليوم في السجن متهم بقضية ارهاب و ممنوع من الاتصال بي و بهم".
قضية روث حركت الرأي العام و حركت الحكومة لمتابعة مثل هذه القضايا.. تمت


25
موصل اليوم جحيم بلا أمل

محمد سيف المفتي 06.03.2017
سأل رجل حكيم الزمان :
يا سيدي  اشعر بأنني انا المنفى و انا المنفي،   يسكنني المنفى و انا في وطني و بين اهلي و ناسي، و اشعر كذلك انني منفي في غربتي وراء الشمس ... هل تدلني يا حكيم زماننا اين رحل الوطن و اهلي؟
اطرق الحكيم ثم هز رأسه و رفع عينيع ة نظر الى الرجل و قال له بصوت عميق أجش :
•   انت عراقي أليس كذلك؟ اجابه الرجل
•   هو ذاك يا سيدي.. رفع الحكيم يديه الى السماء و تمتم بدعاء لم يفهمه الرجل.
•   يا رجل وطنك في مكانه لكن المنفى يسكنه و قد تغلغل النفي في قلوب الناس فاستوطنهم .. لم يعد هناك احد يجفف دمعة احد.. كان الله في عون من تعلق قلبه بالعراق .
ذكرتني كلمات حكيم الزمان بأجمل ايام العمر لكل الشباب " أيام الجامعة " معظم الفحول كانوا يعملون جاهدين على الرسوب بدل النجاح لكي يتجنبوا الموت في الجبهات، و تذكرت الهاربين في تلك الايام، لم يخطر ببالي بأنه سيأتي يوم أهرب فيه من العراق.
في التسعينات بدأ الحديث عن اللجوء فهاجر من هاجر الى اوربا، و لجأ اساتذة الجامعة الى دول عربية لتحسين الحال، و مع ذلك لم يخطر ببالي أنني سأفارق العراق و اتركه.
واستمر الحصار و  توالت الحروب حتى تبدل النظام الديكتاتوري و جاء النظام الجديد فتضاعف عدد الهاجرين، و ازداد الوضع سوءا ليقذف بالناس بين احياء المدينة و اريافها بدون دعم من الدولة أو حماية قانونية. أستمر الارهاب يستنزف مدينة الموصل حتى اصبحت من أهم جهات تمويل الارهاب في العالم، نعم كانت الموصل تمول الارهاب في العالم.
أما اليوم، يهرب الناس من المدينة تاركين جثث أهلهم تحت الركام، يركضون الى مخيمات ليست بالمخيمات و طالبين نجدة ليس لها وجود.. كيف لا يهربون و كل شيء فيها يسحق و يمحق تاريخها و حضارتها و الانسان الذي يسكنها.
وادي حجر أصبح اسم على مسمى.. حجر بجانب حجر .
ماذا فعلت المؤسسة السياسية؟
سمعنا معظم رجال الدولة من البرلمانيين و السياسيين  و المنظمات الحكوية  تخبرنا عن التحضيرات التي تمت لاستقبال النازحين. كان المتوقع 750000 نازح  كتبت تقارير تفيد بأنهم جاهزين لأستقبال 500000 نازخ، بعد نزوح 55 الف رفعت الحكومة المركزية و المحلية الراية البيضاء ليتضح أن كل التحضيرات كانت تحضيرات معظمها فضائية أدت لنوم نازحي الأيسر لفترة  في العراء، في خيام مكتوب عليها الامم المتحدة وهي من أسوأ الانواع،  تمت بعقود ربحية نفعية و كانت النتيجة خيام ينضح اليها الماء من كل صوب و الآن جاء دور الجانب الأيمن،  على ما يبدو أن السياسيين سرقوا كل النقود المقدمة من العالم و تركوا النازحين من الجانب الأيمن فعلا في العراء تحت رحمة السماء.
دور العشيرة
هناك من كان ينادي أن العشائر هو طريقنا الى النجاة. العشيرة أصبحت اداة بيد الفاسدين تعمل لمن يدفع لها و يشتري صوتها. هذا مقطع يوضح تجاوب العشائر مع هذه المأساة أخذته من مقال للكاتب نوزت شمدين.
" شيوخ العشائر ووجهاء جنوب الموصل الأفاضل هذه صفحة من صفحات الحرب على إرهاب داعش و(سقاعة) السياسيين وفسادهم، الناس يموتون بردا وجوعا في أماكن قريبة من دياركم، فهلموا لنجدتهم ومد يد العون إليهم، لقد ضاقت بهم السبل وصاروا بعد أن كانوا أعزة في بيوتهم مجلودين بذل النزوح. حتى رئيسة مجلس قضاء الموصل(بسمة بسيم) التي زارت مكانهم اليوم ألقت منديلها الأبيض مستسلمة وعاجزة عن فعل شيء، ودعت الخيرين أمثالكم للقيام بما عجزت عنه حكومة نينوى الفاسدة"
و سقطت العشيرة و هكذا سقطت المؤسسة السياسية و العشيرة و بقيت مؤسسة أخرى لا تقل أهمية عن المؤسستين السابقتين.
سلبية المؤسسة الدينية..   
المؤسسة الدينية، لم تفهم هذه المؤسسة و بمعظم شخوصها أن  إعطاء نعل قديم  لنازح حافي القدمين اعظم قدرا من الف عمامة مما يعدون..
استميحكم عذرا!  اخشى ان يسيء فهمي رجال الدين الكرام و ينجرح كبريائهم .
انا قصدت ان قيمة ما يمنحه حذاء لقدم  قدم طفل عاري اكبر قيمة من كل ما منحتنا اياه عمائمكم.
انزعوا عمائمكم و الجبب و فصلوا منها ملابس للمحتاجين  و انزلوا للشارع لا نحتاج خطبكم ولا جعجعتكم الفارغة ايام الجمع نريد ان ارى أفعالكم .
معظمكم  اصبح فعلا آفة المجتمع. تقولون ما لا تفعلون. تنصحوننا بالصدق و أنتم تكذبون و تطالبوننا بالأمانة و أنتم تسرقون..
لكني أرى أملاً يمشي أمامي على قدمين ، بعد سقوط كل المؤسسات و القيم بقي الامل بسواعد ابناء المدينة  و عشاق العراق تلك السواعد التي تعمل ليل نهار بلا مقابل سوى حب الموصل و عتيقها. أملي بمؤسسة أيديولوجية تنفخ روحا جديدة في مدينتي لينهض آشور و ينعم بالربيعين من جديد.
.

26
المنبر الحر / رسالة الى العبادي
« في: 23:02 02/02/2017  »
رسالة الى العبادي
محمد سيف المفتي  02.02.2017
 
سيدي الرئيس ، توسلات من مواطن مصلاوي (م س ي ) لا تتوهم، فأنا لست اللاعب مسي الذي بات العراقيين يعرفونه و يعرفون تاريخه أكثر من معرفتهم بتاريخ العراق. لكنني أخاف ذكر أسمي الحقيقي في زمانكم. أنا أحد ابناء فترة الحصار، أكلت  تبن الحصة التموينية بينما أبطال الخدمة الجهادية كانوا يأكلون و يشربون في أفخر المطاعم و اليوم عاد الابطال ليسقوني المر و يعطموني من الفقر و الجوع و الدم و التشريد.  اثناء فترة النظام السابق هربت من الجيش ثلاثة مرات و عدت الى الخدمة إما في فترة العفو أو لدموع أمي و بقيت أنادي " يسقط الدكتاتور"  و قبل أن يسقط النظام  هتفت في شوارع الموصل مبشرا الناس بسقوط الدكتاتورية.
أناشدك اليوم  لأنني لم افقد الأمل فيك فلا تخيب ظني،  أشكرك اولا لأنك تتعامل مع الموصل كإبن مدينة و شكرا ثانية  لأنك تحاول جمع شتاتنا. أعلم أن المهة الموكلة اليك ليست بالسهلة، و حقيقة لا يمكن أن يحسدك عليها من يريد تحمل المسؤولية بصدق.
يحتفل العراق اليوم باكاليل الغار التي تجمل الموصل و أنا يأكل رأسي الخوف و لايفسح لي مجالا للفرح.
سأشرح لك سبب خوفي و فزعي و أتمنى أن تساعدني و تهدأ من روعي.
هل تتذكر يا سيدي اسم  " الدجاجة البيضاء"؟  هذا أسم مدينتي " الموصل الحدباء" الذي بقيت محتفظة به حتى بداية عام 2004 للهدوء و السلام الذي كانت تتمتع به بعد سقوط النظام، لتتحول بعد ذلك الى واحدة من أسوأ أماكن العيش في العالم و أخطرها. كان كثير من الطيارين على الخطوط المدنية عندما يطيرون فوق الموصل يعلنون للركاب " نحن نطير فوق أخطر بقعة في العالم.
كل المؤشرات على الارض تقول أننا عائدين الى المربع الاول، تلك الفترة البائسة من حياة العراق.
الاجراءات المتخذة لها نفس الطابع فلماذا نتوقع أن تكون النتائج مختلفة؟ 
هل تتذكر ياسيدي الرئيس الحاكم رزكار أمين؟  أراه العلامة الحضارية الوحيدة في تاريخنا الحديث. صغير الجسم عظيم الشأن، بلكنته العربية الكردية و كلماته التي تقول القضاء العراقي عدالة و انصاف للجميع. كان رجلا يحترم العراق و شعبه و يحترم الحقوق.  كان سيعدم صدام بعدالة، و للشعب العراقي حق و حاجة  لكي يفهم سبب نكبته و يعلم لماذا دفع دماء ابنائه في حروب طويلة و لماذا و لماذا؟  وبقيت  ألف لماذا عالقة بأذهاننا الى حد اليوم تبحث عن جواب.
حدث ذلك  نتيجة تدخل السلطة التنفيذية و التشريعية بالضغط على الحاكم مما اضطره على الانسحاب فضل الانسحاب بدلا من التجاوز على حياديته كحاكم.. و أوكل أمر الحكم لعدو  صدام فأعدمه و سافر ليكرم في الكويت، هكذا سرقت فرحة الشعب بالاقتصاص من حاكم ظلم ، لم يستثني أحدا من ظلمه و طعنت السلطة القضائية طعنة قاتلة. ففقدالشعب ثقته في جهاز القضاء، كيف لا يفقد ثقته و هو يعلم أنه حتى  العاهرات في العالم يدعون الشرف، و أعضاء لجنة النزاهة العراقية يعترفون بالرشوة و يتفاخرون بها علنا، بلا رادع و لا خوف.   
المحصلة النهائية  ضاع العدل و ضاعت الحقائق و الحقوق، و بقي المواطن بلا مرجع عادل و نعلم جميعنا اليوم أن الشعار في القضاء العراقي قد أصبح " الرشوة أساس الملك" إلا من رحم ربي. 
لا أبكي صدام فأنا ضد سياسته، و معارض له و معارض حتى للمقارنة بين الحكومة الحالية و الحكم السابق معذرة لهذا المثل  فالأمثال تضرب ولا تقاس (( سعيد و مبارك أخوة)) و فهمكم كفاية .. لا تتصورني أبكي الدكتاتور و لكنني أبكي العدل الذي قتل على أيدي من كان حري بهم أن يحترموا القانون و يقدسوه.
لماذا أقول أننا عدنا الى المربع الأول؟
السبب في ذلك هو عمليات القتل الميداني في الموصل و الجثث مجهولة الهوية التي بدأت تظهر في الفترة الأخيرة. الجيش يقوم بقتل الدواعش في المعارك و ينتصرون عليهم و هذه بطولة نفتخر بها و نباهي الامم بمقاتلينا الابطال و نشد كذلك على سواعدهم، و أقول هؤلاء رجال تعاملوا بمستوى عالي من التضحية و الاثرة و دفعوا أرواحم و لم يلجئوا يوما لسياسة ضرب البلابل بالقنابل ، أما قتل الدواعش بعد أن يتم  اعتقالهم،  فهذا من وجهة نظر القانون جريمة  بالرغم من أننا نعلم أنهم  قتلة مأجورين، و السماح بهذه الاعدامات الميدانية  هو اعطاء ضوء أخضر للتجاوز على القانون، نريد دولة قانون تحمي حقوق القوي و الضعيف و لا تتركوا المجال لأي مؤسسة بالتجاوز على حق الظالم و أو المظلوم إلا بإرادة القضاء الحرة .. الحرة.
ارجو أن تعلم أنني لا أبكي على داعشي هذه المرة لكنني أبكي مستقبلنا، مستقبل العراق عموما و الموصل خصوصا و أنا أراه يسير في طريق جعلنا نفقد بصيرتنا. تخيل يا سيدي الرئيس أن الشعب قد فقد بصيرته، فبعد كل الذي جرى  أصبح  يبحث عن دكتاتور يحكمه بقبضة من حديد و هو يهتف للحرية و الديمقراطية. أعترف أنني خائف و لست شجاعا لأتحمل انتكاسة جديدة.
للاطلاع على مخاوفي
مع التقدير

27
المنبر الحر / انتباه
« في: 18:28 14/01/2017  »
انتباه

محمد سيف المفتي
   
الموصل في خطر فمن يحميها من هذا النوع من  البشر
#حملة_سبابة  و #حملة_قبضة
استقبال الفاسدين في الموصل بحفاوة كارثة  و أزمة اخلاقية جديدة تهدد المدينة .. حتى الابتسامة  في وجههم  تثير غضب الله.. يبدو أن الدرس لم يعلمنا شيئا.. كل هذا الدعش و الدم و المدينة المسلوبة و التفجير و التهجير  و لم ندرك أن للوطن حق علينا.. الاخلاص له.. الوفاء له.. مد يد العون له..  واجب مربوط باعناقنا  و شرط أساسي  ليصبح الوطن  لنا أما حنونة و خيمة تحمينا.
ما يحدث هو استخفاف بدماء رجال الجيش العراقي و رجال البيشمركة و رجال الحشد الشعبي و بكل الدم المسفوح على أرض الموصل.
شخصيات  تحاول تبيض وجهها و هم من ساهموا باسقاط الموصل و أهم اسباب انتكاستها.. بعد كل الذي جرى نتيجة مراهقاتهم السياسية يرحب بهم أهل الموصل و يتحدثون معهم باحترام.. أمر مخجل فعلا و معيب.
أخي العراقي  أختي العراقية
لا تكلموهم .. قاطعوهم..  فقط ارفعوا  السبابة  في وجههم و أعلنوا للعالم،  لا مكان للفاسدين  و الفئويين بيننا بعد اليوم.
فرض الله أولاً  و الوطن و الانسانية  ثانياً علينا مقاطعة الفاسدين و الظالمين. آن الاوآن ليعلموا أنهم منبوذين و لا نرغب بتسيدهم علينا، مهما فعلوا لتحسين سمعتهم. سيكون طريقهم شراء أصوات سقط المتاع، و استغلال الفقراء.
سبيل نجاة العراق بأن يصبح  دم ابنائه و عرضهم و كرامتهم واحدة. ما يُبكي الجبل يُبكي  الهور .
ارفعوا السبابة .. ارفعواها عاليا حتى تصيب أنوفهم..  أشيروا اليهم أين ما ثقفتموهم ، في الشارع، في مخيمات اللاجئين ، لا تكلموهم .. لا تكلموهم..و لا تجيبوا على اسألتهم، ليعلموا اننا نعرف تماما حجمهم  و نعرف من غدرنا و استلب حقوقنا.
#حملة_قبضة
أما قبضتك فأرفعها لنصرة العراق
سنرفع قبضات  أيدينا معلنين تأييدنا و دعمنا  للوطنيين و المقاتلين من اجل كرامة العراق و كرامة ابنائه .. للعراق رجال تقاتل تسوى معظم قياداتنا. للعراق كرامة ما تنداس بل تنباس. نعم للعراق كرامة تنباس، ما تنداس.
فدوة لعيون العراق و العراقيين.... شد حيلك يا الله و كوم

28
المنبر الحر / تحت كل خيمة دمعة
« في: 18:55 29/12/2016  »
تحت كل خيمة دمعة
محمد سيف المفتي 28.12.2016
في صباح هذا اليوم توجهت بصحبة اقاربي الذين حصلوا على دعم من بعض فاعلين الخير بتقديم مساعدات للنازحين، و كان معنا اربعة شباب من المتطوعين. توجهنا الى مخيم حسن شامي 4 المفتوح حديثا. كانت سيارة النقل بانتظارنا قرب مفرق الخازر لينظم الينا السيد جمال كيكاني ممثل شبكة منظمات نينوى، و عندما وصلنا الى السيطرة الرئيسية كانت هناك ثلاثة مدرعات حديثة و بدأت أشعر بأجواء الحرب. توقفنا هناك لأكثر من نصف ساعة لتسجيل أسماء المرافقين و كان للسيد جمال الدور الكبير بتسهيل و تسريع هذه المهمة.
توجهنا بعدها باتجاه المخيم سرنا بمحاذاة المخيمات واحد و اثنان و ثلاثة  و أخيرا أنتهى الاسفلت و بدأت السيارات تغوص في الطين لنصل أخيرا الى مدخل مخيم حسن شامي اربعة. كنت برفقة السيد جمال و الذي قال " أتوقع قريبا رقم ستة و سبعة"  اوقفتنا القوات الامنية مستفسرة عن سبب الزيارة و بعد التوضيح توقفنا في القاطع الأحدث في المخيم.
كان قسم منهم قد وصل المخيم في اليوم السابق. المشهد العام، شوارع طينية و صفوف من الخيم على مد البصر، و ناس ينتعلون احذية و نعالات بسيطة، أقدام ملطخة بالطين و ملابس خفيفة لا تناسب الجو بتاتا. تم إعلامنا أنه تم تسكين ستمائة عائلة في المخيم,
المشهد الاول:
 

ما أن توقفت السيارات حتى بدأ المتطوعون بانزال الحمولة، توجه الي طفل صغير ابيض البشرة ذو تقاطيع جميلة و سألني هل لديك ماء؟  حقيقية، لم استوعب أنه كان يعني فعلاً الماء بل تصورت أنها طريقة ليسألني فيها عن العون. رفعت نظري لأجد أمامي أمرأة تجمع من مياه الامطار المتجمعة على طرف الطريق. عندها أدركت ما كان يعنيه الطفل. دخلت سيارة في الطريق و شقت طريقها من خلال هذه المياه. توقف المرأة عن جمع الماء لدقيقتين و عادت تغرف من هذه المياه الكدرة. اعتذرت من الطفل قائلا مع الاسف الماء ليس من ضمن المواد التي سنوزعها هذا اليوم. نظر الي بنظرة عتب و قال شكرا و غادر المكان.
المشهد الثاني:
بحثت عن النازحين من الاحياء المحررة حديثا الزهور، الفلاح و المحاربين قبل أن أبحث عن غيرهم. مهمتي كانت تقديم العون المادي في المخيم، التقيت خمسة عوائل من هذه الاحياء. عائلة السيد ع من حي الفلاح جاء الى المخيم  مع زوجته و أمه و أخته و زوجها مع الاطفال. مظهرهم كان يدل على أنهم عائلة ميسورة، علامات خيبة الأمل كانت واضحة على الجميع.
 قال لي لقد هربنا خوفا من قنابر الهاون. سألته إن كان بحاجة للعون المادي؟ أجابني هذا آخر شيء أحتاجه ثم أكمل حديثه.
-  توجد في هذا القطاع اربعة عوائل في وضع يرثى له. أرجو أن تساعدهم؟
توجهت الى العوائل الاربعة  وقمت بالمطلوب، ثم عدت بعد ذلك بصحبة السيد ع الى عائلته  سألني هو و أمه إن كان بامكاني مساعدتهم في أمر ما؟
أكدت لهم أنني سأفعل كل ما في وسعي لمساعدتهم. قالت لي أمه:
-  أريد العودة الى بيتي في أسرع وقت ممكن. الجو شديد البرودة و نحن لم نحصل على ما يكفينا من الاغطية و أشارت الى نهاية الخيمة كانت هناك  اربعة بطانيات خفيقة. و التفتت الي بسرعة و كأنها تخاف أن أغيب عن المشهد قبل أن تخبرني برغبتها.
- يا اخي كنا نعتقد أننا سنتمكن من الوصول الى اربيل، لكننا وقعنا في هذا المخيم البائس. أرجوك أطلب منهم أن يساعدوننا بالعودة الى بيوتنا. عيون العائلة كانت تتوسلني بفعل شيء لهم.
وعدتها بأنني سأفعل ما بوسعي و قبل أن تستودعني قالت عددنا ليس بالقليل، هناك عدد ليس بالقليل من العوائل الراغبة بالعودة الى بيوتها. سرت و أنا أسمع صوتها تذكرني " لا تنسى أريد العودة بأسرع وقت ممكن"
المشهد الثالث:
استوقفني الكثير من الرجال و النساء لأنهم كانوا يعتقدون أنني أسجل الحالات المرضية الخاصة، رغم أنني كنت أوضح لهم أنني لست طبيبا كانوا يشرحون لي عن حالات مرضية تستوجب العلاج في المشافي، و لا تلقى الرعاية المطلوبة في المخيم و لا يتم تحويلها الى مستشفيات اربيل، إلا في حالات الطوارئ.
المشهد الرابع:
العنف العائلي وفق منظوري البسيط كان السمة العامة في التعامل، كانت الام قد ذهبت لجلب الطعام الساخن للعائلة و كانت تمشي بخطى سريعة و كان ابنها الصغير يحث الخطى للحاق بها و هو يحمل قدرا بيده. لم يكنم من السهل أن يلحق بها و هو يحمل هذا القدر. كانت تلتفت اليه بين الحين و الحين و تأمره بأن يركض و تقول له سنأكل بعد قليل، و كلما وصل اليها  تمسك القدر الذي بيدها بيد واحدة و تجر أذنه و هي تهز رأسه. و تسير لخطوتين ثم تقف و تقطع قطعة خبز تضعها في شوربة العدس تأكل قطعة و تعطعمه قطعة قبل أن تواصل المسير و تصرخ في وجهه " مفجوع من الجوع اربعة و عشرين ساعة" . عندما توقف للمرة الثالثة ممسكة بأذنه تدخلت و طلبت منها أن تأخذ عمره بنظر الاعتبار.
- أختي العزيزة لحظة من فضلك. قلت لها هو  طفل صغير بينما كنت أشير اليه مبتسماً،  دعيني أساعده بحمل القدر. شكرتني على تقديم المساعدة. دار حديث بيننا، شرحت لي أن وضع النساء الارامل و المطلقات صعب للغاية، و أوضحت لي ما لم يكن من الصعب علي فهمه. قبل أن أغادرها طلبت منها أن تعامل الطفل بحنان. قالت لي و هي تنظر الي بعتب: أنا أمه، تعال و عيش معنا يومين هنا ثم أطلب مني أن أكون أكثر حناناً، حياتنا داعشية.
المشهد الأخير:
عندما وصلت الى أحد القطاعات كان هناك جمع من الرجال و ما أن شاهدوني أحمل دفتري بيدي، حتى طلبوا مني بدون أي مقدمات.
- الخاطر الله خيمة 245.
لم أكن أعلم اي نوع من المساعدة يحتاج هذا الشخص. خرج رجل في عقده السادس من خيمته و توجه نحوي بخطى ثقيلة و له تقاطيع حزينة و عيون غارقة في أخاديد الزمن. بعد أن قدم نفسه أمسك بيدي و اقتادني باتجاه خيمته.
قال لي أخي الكريم أحتاج الى حفاظات كبار السن، احتاجها ضروري. قال جملته الاخيرة بينما كان يفتح باب الخيمة لي و طلب مني الدخول. شاهدت فتاة في عمر المراهقة تجلس في زاوية الخيمة، ما أن رأتني حتى وقفت و قفزت عدة قفزات في المكان.
وقامت بحركات غير مفهومة و اصدرت أصواتا غريبة ، أحرجت والدها. وقفت صامتا للوهلة الاولى قبل أن ألتفت اليه ثانية. قبل أن أسأله أجابني: هي ابنتي... و هي من ذوي الاحتياجات الخاصة ... و نحن هنا بوضع لا نحسد عليه.
سألته كيف يتدبر أمره معها. أجابني بيأس " لا شيء يمكن أن أفعله لها" .
سألته : هل تخرج لوحدها من الخيمة؟ أجابني و كأنه يسترعي انتباهي الى نقطة قد غابت عن ذهني.
-  لا أخي لا نسمح لها بالخروج، نحن نخاف مِن مَن لا يخاف الله. سألته مستفسراً
- وهي لا ترغب بالخروج، أم ترغب بالبقاء في داخل الخيمة. نظر عميقا في عيني و أجابني
- أخي هي مربوطة، و أشار بيده الى الحبل.
أعدت النظر اليها لأستكشف حجم الكارثة و حجم وجع هذه العائلة.
 

شعرت بقلبي يعتصر و نظرت الى الحبل الذي يلف خصرها و مربوط من الجهة الثانية بدعامة ارضية الخيمة منظر يدمي قلب الانسانية. سجلت المعلومات على عجل و دفعت له حصته من المساعدات المالية، ووعدته بفعل ما بوسعي لتوصيل حفاظات الكبار له باسرع وقن ممكن.
دخلت أول خيمة فارغة و أغلقت الباب خلفي كنت بحاجة الى أختلي بنفسي و أفكر في عمل الدولة الاغاثي و الذي لا يرتقي حتى الى مستوى الهواة في العالم.... .
 
 
 

29
المنبر الحر / موصل النكبة
« في: 19:48 22/12/2016  »
تحت رحمة المخبر الداعشي
توترت عضلات وجهه  و مشى بخطوات حثيثة   ليمسك برقبته.
-   ابن الكلب تريد تعطي احداثيات الى داعش؟
 

في الساعة السابعة من صباح ذلك اليوم الشتوي بجدارة، سماء ملبدة بالغيوم و برد غير اعتيادي، رغم كل هذه العوائق الجوية قرر فريق الاغاثة الاستمرار في مسيرته الى مدينة الموصل. تحركت القافلة في السابعة و النصف و توجهت صوب مدينة اربيل، عند مفرق اربيل - الكلك بدأت القلوب بالخفقان، اصبحت المسافة لا تزيد على ثلاثين كيلومتر عن مسقط رأس المتطوعين.
تأخرت القافلة في عدة سيطرات امنية اوقف ضابط من البيشمركة القافلة في أحد النقاط و بدأ بالتفتيش الدقيق رغم كتاب الموافقة الذي كان في يده. ثم قال باستغراب:
-    لقد قاتلت البيشمركة لمدة سنتين و لم تتبرعوا لنا و لا حتى بقنينة ماء، و اليوم تتبرعون بالقوافل، لماذا؟
أجابه صديق لي " نتبرع لهم بالماء و تبرعنا لكم بالدم" و سكت و أكمل رئيس الحملة: 
أنا تبرعت بستتة شاحنات ادوية، و أخرج من جيبه كتاب تأييد كان يحمله معه صدفة.
فقال له الضابط، المتبرع طبيب و من أنت؟
أخرج رئيس الحملة هويته من جيبه و أثبت شخصيته. ارتفع حاجبا الضابط و قال
-   انت هو ؟ طبيب و ستذهب الى الموصل؟  أومأ الطبيب برأسه و تبرعت الحملة لهم بزيت الطعام.
فقال الضابط انطلقوا على بركة الله. سارت القافلة حتى  وصلت منطقة الكوكجلي و بعدها انعطفت في الشارع الطيني و تعثرت خطى الشاحنات و سارت ببطأ شديد قبل أن تصل حي الزهراء و هنا بدأت ملاحقة القافلة بالعجلات الهوائية و الماطورات، عندما وصلت القافلة الى تقاطع المحروق كانت الشوارع قد تقشرت من الاسفلت. و سمات الدمار بدأت تلوح في الافق. كل مبنى مدمر كان يثير عواطف المتطوع زيد و عند تقاطع المحروق انهمرت دموعه حزنا من المشهد. 
هنا تم اعلام الحملة بأنه يجب أن ننحرف القافلة باتجاه القادسية، لأن قناصي الدواعش بامكانهم أستهدافهم لو ساروا في الطريق الرئيسي الى مركز شرطة الزهور الذي كان يبعد عنهم بحدود ثلاثمئة متنر، لذلك انعطفت الشاحنات باتجاه القادسية الاولى و من ثم دخلت في الشارع المؤدي الى مستوصف القادسية محطتنا الاخيرة، و الذي يبعد عن داري و ذكريات طفولتي  ليس أكثر من مئة و خمسين مترا.
يقول مدير الحملة  ما أن توقفت الشاحنات حتى أدركنا أننا قد تعرضنا لعملية سطو على طول الطريق، كان هناك من تسلق على الشاحنات و فتح الغطاء و بدأ برمي المواد الغذائية من الشاحنات على طول الطريق. وهبط شاب يحمل في يده غالون الوقود و كأنه واحد من أشرس قطاع الطرق.  لم يفلح الصياح عليهم و دعوتهم  للتوقف، لذلك حمل بعض المتطوعين العصي لأبعادهم عن الفريسة.
بالرغم من أن عبور الشارع مابين الزهور الى القادسية أو المشراق يجب أن يتم ركضا و إلا فإن القناص واقف لهم بالمرصاد. وصل الينا عدد كبير من المتطوعين لتنزيل البضاعة من الشاحنات و توزيعها.
بدأت عماية التوزيع بعد ذلك. كانت القافلة تحمل الف و مئتان سلة غذائية، و و أطنان من المواد و الادوية و كراسي ذوي الاحتياجات الخاصة الخ من المواد الاغاثية. عملوا جميعا كفريق عمل متكامل.    لاحظ الفريق عدم وجود اهالي الموصل الاصلاء بين المتجمهرين فخرج بعض المتطوعين الى حي المشراق المقابل ليلتقوا  بالعوائل التي تكاتفت فيما بينها، و قد وزعوا المهام فيما بينهم في الحي،  خبز الخبز واجب احدى العوائل و جلب الماء واجب عائلتين و هكذا ويتم العمل بينهم بشكل دوري. رغم نقص الموارد في الحي لم يفكروا بالتدافع للحصول على المساعدات. لذلك تم التخطيط لأيصال السلال المتبقية الى الاحياء البعيدة، بواسطة تراكتورات تم الاتفاق معهم من قبل وجهاء المنطقة. يقول السيد م. غ " هناك كثير من العوائل لا ترتضي الوقوف و التدافع في مثل هذه الطوابير، و هناك مرضى لا يسمح لهم وضعهم الصحي الوصول الى أماكن التوزيع"
المخبرين
يقول لي رئيس الحملة " كنت خائفا طول الطريق من الدواعش الموجودين بين الناس. منظر الناس الذين لحقوا بنا طول الطريق كان يثير الريبة, شراويل و وجوه ليس فيها نور الله  بعدما تمكننا من ابعاد السراق بالعصي و كنا مشغولين بالتوزيع وقع عيني على شخص مثير للريبة. وقف ليس بعيدا عني و بيده تلفون بسيط و سمعته يقول هم واقفين  50 متر يسار مركز الشرطة"
كلماته جعلت ناقوس الخطر يدق في رأسي، دفعت صديقي الواقف امامي مبهوتا من سلوكي و توجهت الى الواشي و أمسكته من رقبته و أخذته معي الى الداخل. لم يدافع عن نفسه لأنه كان موقنا بأنه قد أخذ بالجرم المشهود. قبل أن أسأله عن الاسباب وقعت القذيفة الاولى  خلفنا. طلبت من زميلي الاتصال بالجيش ليأتوا بسرعة لنجدتنا  لأنني شعرت أنه لم يكن وحيدا. اهتزت الارض بقذيفة هاون جديدة في الزهور. خلال اربعة دقائق كان الجيش بقربنا و نزل ضابط قد لوحته شمس الجنوب بسمرة جميلة، و لروحه حلاوة تمر العراق. شرحت له الموضوع باختصار فقال:
-    قمت بواجبك و سأقوم بواجبي. ثم قال مبتسما و مشددا
-   المعلومة وصلت اليهم، يعني راح يحتفلون بيكم بعدد من القنابل، لذلك أعتقد أن هذا المكان لم يعد آمنا بالنسبة لكم.
أفضّل أن ترحلوا من هنا. كانت اصوت سيارات الاسعاف مسموعة في المكان. فعلمنا أنه هناك مصابين من جراء القصف.
بعد التحية أخذ المشنبه به و غابت تلك الوجوه التي شاهدتها. ولم يمضي سوى دقائق حتى وقعت قذيفة على بعد خمسين مترا، عن موقعنا. شعرنا بخوف شديد و أيقننا أن المكان لم يعد آمنا. أدركنا كذلك أن الوقت ليس في صالحنا فأرتأينا خزن المواد في مخزن المستوصف و ارسالها الى الاحياء البعيدة عن طريق الوكلاء في اليوم التالي، يقول أحد المتطوعين كنت مدركا أننا سنكون في خطر لو حل الظلام و نحن لانزال في حي الزهور فطلبت من مدير الحملة الاسراع بالعودة.
 

أخذنا معنا خمسمائة رزمة ماء متبقية وزعناها في طريق العودة على النازحين المنثورين على طول الطريق و خصوصا قرب الحمدانية و بدأت رحلة العودة الى دهوك، و يقول مدير الحملة " أقولها صراحة أن ما قمنا به كان مجازفة لكنها كانت تستحق لنطلع على واقع الحال"  رحب بنا صديقنا ضابط البيشمركة و مهنئا بسلامة العودة و تحدث زيد معه و للمرة الاولى  بالكردية  لنعلم أنه كردي، ذكرنا سلوك زيد  بفسيفساء مدينة الموصل و التأخي الذي كانت  تتسم به، و لم يوقفنا الضابط طويلا في طريق العودة الى دهوك.  هذه الزيارة جعلتنا ندرك أن رواسب الدواعش الفكرية لا تزال مغروسة في عقلية المدينة.
أدرك اليوم تماما كما كنت من قبل أننا نقف أمام مشكلة ايديولوجية و لن تحل لا الطلقات و لا الطائرات و لا كل صواريخ الكون هذه المعضلة، كما فشل كل سلاح العالم من قبل في حل ايديولوجية طالبان. نحن بحاجة ماسة الى حلول ايديولوجية من جهة تخصصية  و الكف عن حلول الازمات الغير جذرية و المراهقات التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني التي وصفها السيد عصمت رجب بالشكل التالي
"الا وهي ظاهرة منظمات المجتمع المدني والتي فاق تعدادها 200 منظمة الكثير منها تسمى منظمات ( جنطة ) أي رئيس المنظمة يجوب شوارع دهوك واربيل يبحث له عن مسؤول يسترزق عليه بمبلغ من المال بحجة مساعدة النازحين ، او يحصل على عدد من كراتين تحتوي على كمية من الارز والزيت والشاي وغيرها من المواد والتي تسمى ( سلة غذائية ) و كأن النازح لايحتاج في الحياة سوى على السلة الغذائية"
 الموصل بحاجة الى حلول ايديولوجية و سياسية جذرية.
من المؤسف أن مدينة الموصل لم تدرك حتى هذا اليوم حجم مصابها ولم تدرك أنها بحاجة الى نهضة و ثورة على من تسبب في نكبتها، و لا تزال المراهقات السياسية سيدة الموقف.

30
امراء الحرب في العراق


محمد سيف الفتي  10.11.2016
 
رن الهاتف في الساعة السابعة صباحا، صديقي السياسي المحنك، زميل العمل و صديق المدرسة السياسية، فريد الافغاني عايش الازمة الافغانية بكل تفاصيلها و رافق كل الازمات العالمية من خلال عمله في المنظمات المختلفة.
بصوت واثق اتسم  بالبهجة باشر حديثه، ألم أقل لك هذا هو المشهد الأخير من فيلم " داعش " قلت لك هذا الكلام قبل شهر و نصف الشهر، مباشرة بعد توقيع عقد الغاز" ترك ستريم" بين تركيا و روسيا .. ولم تصدقني. هذه هي الساعات الأخيرة لداعش.
قالها بدون توقف أجبته:
- لم يكن بامكاني أن أصدقك و انت تخبرني بأن داعش سيختفي من الساحة خلال فترة قصيرة، كان أمراً يصعب حدوثه حتى في أفلام الخيال العلمي.
عاد ليؤكد لي أن فيلم داعش قد انتهى و فيلم أمراء الحرب قد ابتدأ، سألته عن ما يعنيه. أجابني موضحاً
- مع الأسف ستشهد المنطقة تصفية مصالح دولية، سيكون ذلك  في الأقاليم و المحافظات الجديدة، الا ترى أن داعش خرجت تاركة خنادقها و سلاحها كما خرج رباني و حكمتيار من كابول سيظهر فريادي و حقاني في العراق. 
ضحكت وقلت له -  حقّاني العراق؟ الامر ليس بهذه البساطة، ضحك بصوت عال و شعرت أن يستهزئ من سذاجتي.
فأكدت له جازما:  مازال هنالك من يقاتل من الدواعش.  قاطعني قائلا:  هؤلاء هم حطب الحرب.. سينتهون قريبا، كل ما في الأمر أنهم لم يدركوا بعد أن أسيادهم و امرائهم  قد رحلوا و تركوهم يتحملوا أوزار جرائم داعش.
واسترسل في حديثه -  ألم تسمع بالقاعدة الجنائية التي تقول عندما لا ترى الجاني إبحث عن المستفيد.  همهمت مؤكدا.
فقال : هذا الكلام ينطبق على كل التشكيلات العسكرية الجديدة، و ولاءات أمراءها، كل منهم سيبحث عن جمهوريته.
سألته: هل هي مسرحية؟
أجابني مع الاسف لم تكن كومودية، تراجيديا.
أوجع قلبي كلامه فسألته حزينا  ما ذنب الناس الابرياء الذين قتلوا  و المغدورين، النساء اللواتي ترملن و الاطفال الذين تيتموا، أي حق و  ؟
أجابني ببرود حاله حال باقي ابناء السلك السياسي.
-   مع الاسف لا يعنون شيئا في الصراع الدولي، و خصوصا عندما يتعلق الأمر بخريطة الشرق الاوسط الجديد، هناك لعنة تتعلق بدولنا إما موارد البلد أو  وموقعه الستراتيجي يسبب نكبته، و العراق يمتلك الجانبين و الأسوأ هو زمرة البلد الحاكمة، كزمرة العراق قابلة للبيع و الشراء، و هذا أسؤأ من السببين الاوليين.
سألته عن الناجين في التجربة الافغانية، سمعت حسرته الطويلة ثم قال:
-   فئة قليلة  آمنت بأن القرش لا يتمكن من الاصطياد في سرب السمك بسهولة، و المطرقة لا تكسر الاحجار الكبيرة في السندان أولاً، فأصبحوا كتلة واحدة متعاضدة.
-   هل لديك نصيحة تنجينا مما نحن فيه؟
 نصيحتي هي أن تستغل فرحة التحرير و تتخلصوا من وجوه الفساد التي رافقت المشهد السياسي العراق خلال العقد الأخير، و عليكم مساعدة السياسيين الراغبين بتوحيدكم كعراقيين.. تجمعكم المبادئ الانسانية قبل أي مبدأ آخر.
عليكم أن تبدوا الشكر و الامتنان لكل من وقف في ساحات القتال من الجيش و الحشد و الحرس الوطني و البيشمركة، و تبدوا بالقول و الفعل امتنانكم لكل من فقد عزيزاً، تبدوا بالفعل بأن  قلوبكم معهم و عطائهم و تضحيتهم و فضل  فقيدهم تاج فوق رؤوسكم، و أن العراق سيبقى يلهج بفضلهم عليه ابد الدهر.
سألته باعتقادك هل سننجح في بناء العراق و نعيش بسلام.
-   اذا أصبحتم جسدا واحدا ستنجحون حتما، و ستشرق شمس الحرية على العراق العظيم، لأنه فعلا بلد عظيم.
سألته متحمسا للحرية.
-   متى تنتهي أزمة الموصل و ينتهي الفيلم بالكامل و نعيش بحرية و سلام.
-   أجابني متحمساً الموصل لن ........
رن التلفون مجددا فحملته، و قلت : نعم فريد نعم نعم .. أنا معك الو الو.. عندها أدركت أنه المنبه..


31
المنبر الحر / دويلات في الطابور
« في: 18:24 07/10/2016  »
دويلات  في الطابور




محمد سيف المفتي
 
بدأت وسائل الاعلام و مراكز صنع القرار تمطرنا بمشاريع و توقعات لمصير الموصل و الذي يمثل مصير المنطقة بشكل عام  مع فارق بسيط.
هناك كثير من المؤشرات تخبرنا  أن المنطقة بشكل عام لن تبقى على ما كانت عليه، حتى لو بقيت من الناحية الادارية كبلد واحد.
سياسي الحكومة المحلية في الموصل  ومصالحهم تجذب المنطقة الى توافقات تضمن لهم البقاء في السلطة على حساب تنازلات ادارية لأقليم كردستان من جهة و لأجندات اجنبية من جهة أخرى، يقف أمام هذا التيار سياسي فترة المالكي الذين يريدون العودة بالعراق الى المربع الاول، و من جهة أخرى يريد أقليم كردستان ضمان مصالحه في المناطق المحررة التي تأخذ المنطقة باتجاه الاستفتاء. الصراع الآخر هو بين حدود المركزية و صلاحيات أقليم الموصل كل المشاريع المطروحة لأقليم الموصل تصب في اتجاه واحد مفاده أقليم بعدة محافظات.    طرحت في البداية على لسان الكثير من السياسيين و المؤرخين حيث وصفوا التقسيم بأنه (بعيد عن العنصرية و الطائفية و هو  بالشكل التالي سنجار لليزيدية  و سهل نينوى للمسيحيين و مخمور للأكراد و تلك للتركمان و جنوب الموصل للعرب). في الأيام الاخيرة تغير الخطاب وبدأ الحديث فقط عن التقسيمات الادارية، مع التركيز على خصوصية الموصل و أنهم مستعدين للدفاع عنها بقتال الاطراف الغير مرغوب بهم من القوات التي ستشارك في التحرير. هذا الخطاب  السياسي لا يختلف ابدا عن التحريض السابق ضد الاكراد في الانتخابات الاولى و ضد المركز في الانتخابات الثانية.
هناك حقيقة يجب أن تكون واضحة لجميع الاطراف وهي " أنه لا يوجد خيار استراتيجي على المدى القريب أو حل سحري لهذه الازمة الايديولوجية" . السياسين العراقيين فوتوا العديد  من فرص التقارب، وتسببوا في تقطيع اوصال النسيج العراقي حتى أصبح من الصعب رتقه نتيجة للأخطاء الفادحة التي ارتكبت من كافة الاطياف.
فكرة الاقليم او الاقاليم ليست فكرة جيدة وهنالك العديد من التجارب العالمية التي تم استخدام هذه المشاريع فيها. حالة العراق حالة مختلفة حيث أن سوء الظن و عدم الثقة بين المكونات أدت بالتفكير بمشاريع تفتيت و ليست ادارة مشتركة،  وهذه النتيجة هي صناعة عراقية محلية، ابتعد السياسيون العراقيون أميالا عن مشروع تقسيم بايدن، أصبح السياسيون العراقيين أمريكيين أكثر من الامريكان أنفسهم.  فكرة الاقاليم تستخدم عندما تكون هناك صراعات اثنية أو عرقية لتصل بالاطراف المتصراعة الى مائدة حوار دائرية يدار الحوار بينهم من قبل طرف محايد.
في كل تجارب التقسيم  السابقة ووفقا لكثير من الدراسات التي بحثت في تأثيرات  الصراع الاثني بين الاثنيات المختلفة " باللغة، الدين أو التاريخ" على مرحلة ما بعد الصراع، تفيد هذه الدراسات بأن العلاقة المستقبلية بين هذه الاطياف بقيت تتسم بسوء الظن و عدم الثقة و كانت  سببا لأندلاع خلافات اثنية جديدة لسبب أو لآخر تتفاوت درجة الخلاف من منطقة الى منطقة وفقا لايديولوجية البلد و ثقافته. الاشكالية الاكبر هي عندما تكون الحكومة جزء من هذا الصراع مما يدفع كل فرد الى الانتقال الى منطقته العرقية و الامثلة كثيرة على ذلك من البلقان الى اليمن و السودان و القائمة طويلة.
منطقة الموصل مثال نموذجي لهذا التقسيم الذي سينهي التعايش المشترك، وضع محافظات كما هو مخطط سيؤدي الى انتقال اليزيديين الى سنجار و المسيحيين الى سهل نينوى الخ، هذا الأمر سيؤدي الى تقويض العلاقات المستقبلية في وضع التجاذبات المحلية من جهة و الاقليمية من جهة أخرى و المصالح العالمية من جهة أخرى.
" يصعب على الاطراف التي تصارعت في السابق أن تبدأ بالتعامل مع بعضها، خصوصا عندما تكون صورة العداء لا تزال واضحة. هذا الأمر يؤدي الى طول و صعوبة أجراءات السلام بين الاطراف التي قتلت من بعضها البعض و عليهم الآن التعامل مع بعضهم البعض (Horowitz, 1985; Kaufmann, 1996).
الحل بعد داعش
داعش ليش ظاهرة عابرة ليس خسوفا أو كسوفا، بل ايديولوجية ترتكز على الدمار،  لا توجد ايديولوجية تقتل بالسلاح. لا ينهي ايديولوجية أو حالة غوغائية الا حالة عقلانية. اعادة اعمار البلاد سيتكفل بها من قصف و دمر فالدمار مدفوع الثمن و إعادة البناء مدفوعة الثمن، الاشكالية تكمن في استقرار البلد الذي بات بحاجة ماسة الى مشروع ايديولوجي يجمع جميع الاطراف، على لغة حوار مشترك و توافقات يسهل العيش معها.
أما لو تم تقسيم الموصل بهذه الطريقة التي وصفت فستلحق بها كردستان باقليمين على الاقل هما صورانسان و بهدنانستان و تكون اربيل مدينة عالمية مستقلة كما وصف دايتون القدس و كما وصف بايدن بغداد في مشروعه ، و إقليم البصرة سيكون من بين محافظاته ، محافظة الفاو و الزبير و أم قصر، و لن تسلم بقية المحافظات الجنوبية آنذاك سيتم تقسيم الارض وفقا للخريطة السياسية لأحزاب المنطقة، كحكيمستان، و صدرستان، و لا أستبعد مالكيستان، علاويستان و نجيفيستان و الكثير من "الستانات" تقف في الطابور.
بدون مشروع ايديولوجي يؤمن بالفكر قبل السلاح و العتاد،  سيبقى العراق هو الخاسر الأكبر.




 


32
المنبر الحر / ملك النرويج مهاجر
« في: 22:56 06/09/2016  »
ملك النرويج مهاجر





محمد سيف المفتي
 
 
وجه ملك النرويج هرالد وزوجته الملكة سونيا دعوة الى الف و خمسمائة ضيف و ضيفة من مختلف محافظات النرويج، الى حفلة اقامتها العائلة المالكة في حديقة القصر.
بعد أن رحب الملك بطريقته المحببة و البسيطة بالضيوف القى خطابا أخذ حيزا ضئيلاً من وقت الحفل و حيزا كبيرا في قلوب الحاضرين قال فيه أن النرويج ليست الارض بجبالها و وديانها، بل بشعبها.
سأقوم بترجمة الخطاب لكن الترجمة ليست حرفية لكي تصل الفكرة الى الثقافة العربية بسهولة، السبب في ذلك أنه ذكر اسماء لأماكن و أشخاص ترتبط أسمائهم بالثقافة النرويجية.
بعد الترحيب بالحضور قال الملك:

النرويجين هم ابناء كل المحافظات و من كل البقاع و الاطراف. النرويجين هم كذلك المهاجرين من افغانستان و باكستان و بولندا و السويد كما هم من الصومال و سوريا.
أنا شخصيا،  هاجر أجدادي من الدانمارك و انكلترا منذ  مائة  و عشرة اعوام.
ليس من السهولة علينا دائما أن نقول من أين نحن، و لا الى أي قومية ننتمي.
المكان الذي نسميه بيتنا هو المكان الذي تقطنه قلوبنا، و لا يمكننا دائماً أن نضع قلوبنا في حدود البلد.
النرويجين هم بنات يحبون البنات و اولاد يحبون الاولاد كما هم أولاد و بنات يحبون بعضهم البعض.
النرويجين هم أناس يؤمنون بالرب و يؤمنون بـ الله، منهم من يؤمنون بكل شئ و منهم من لا يؤمنون بأي شئ.
النرويجين هم شعب يحب الغناء و الموسيقى من مختلف الانواع و الاشكال.
بطريقة أخرى، يمكنني القول أن النرويج هي أنتم، و نحن معا نكون النرويج.
عندما نغني " نعم، نحن نعشق هذا البلد" * فيجب أن نتذكر أننا نغني عن انفسنا و عن بعضنا البعض، لأننا نحن من نكون هذا البلد، لذلك فأن نشيدنا الوطن هو إقرار بالحب الى الشعب النرويجي.
أقصى أمنياتي للنرويج هي: أن نتمكن من مراعاة و رعاية بعضنا البعض، أتمنى أن نتمكن من تطوير و بناء هذا الوطن بالثقة المتبادلة،  بالعمل الجماعي و الكرم.
انهى الملك كلمته بتحية بسيطة. وصلت معاني كلماته الى الكبير و الصغير، لم يتنمق في حديثه و لم يبالغ، يتسم خطابه ببساطة الكلمات مع عظيم الاثر
المقارنة لكم سادتي ما بين كلمات الرؤساء و الملوك العرب و هذه الكلمة.
* النشيد الوطني النرويجي



33
البرلمان و حرب الفاسدين
محمد سيف المفتي
 
أزاح وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي قبل أيام اللثام عن كثير من قضايا الفساد التي نالت من الاقتصاد العراقي، و أتهم كذلك رئيس البرلمان العراق سليم الجبوري و عدد من النواب باشتراكهم في قضايا رشاوي فاحشة اودت بالاقتصاد العراقي، لتنفجر كلماته كقنابل تحت مقاعد الكثيرين في داخل قبة البرلمان، جعلت الكثير من البرلمانيين يتحركون كالذرة في وعاء الفشار.
من خلال السجالات و المهاترات التي اتسم بها النقاش إتضح للشعب العراقي بما لا يقبل الشك،مصير ثروته من المليارات التي بطون الفاسدين بدلا من دخولها الى خزينة الدولة.
مثال على ذلك صفقة سيارات الهمر،لو تمت هذه الصفقة سيكون المبلغ المفقود 260 مليون دولار.  مثال آخر، الغاء استجواب في البرلمان يكلف اثنين مليون دولار.
أعترف لنا النزيه صاحب لجنة النزاهة مشعان الجبوري قبل ايام، كيف أخذ الملايين  لقاء غلق ملف فساد لكن لشدة  شرفه لم يفعل، أخذ المبلغ ولم يغلق الملف، هذا المثال يؤكد لنا تقريبا تسعيرة الغاء مجالس الاستجواب.
او صفقة املاك النظام السابق، مئة و سبعة و عشرون ملك يعود للأجهزة القمعية التابعة للنظام السابق، و الكل يعلم حجم مثل هذه المؤوسسات.
قضية وزاارة التربية و الوزير محمد اقبال، حيث تم الاتفاق مع الوزير ليمرر كل صفقات الوزارة  من خلال القيادات السياسية و كأن مقدرات الشعب العراقي هي بضاعة تباع و تشترى، بالمناسبة  قضية وزارة التربية قضية معروفة و ذكرت في عدة مجالس لكن عقلنا لم يستوعبها و توقعنا أنها مجرد قضية تسقيط.
ذاكرتنا ممتلئة بمثل هذه القصص و قد سمعنا مرارا و تكرارا عن صفقة جهاز كشف المتفجرات، كل هذه المعلومات كانت مؤشرات فساد، الا أن ما حدث تحت قبة البرلمان جعلنا نقف وجها لوجه أما بشاعة الفساد العراقي..
تغيير المسميات
اعضاء البرلمان و السياسيين العراقيين قاموا بتغير المسميات، فبدئوا يسمون الرشوة تمويلا للعملية السياسية، و تبادل الرشاوي اصبح اسمه مصالح حزبية.
هذا الامر يوضح  لنا تمويل العمليات الانتخابية التي يصرف عليها كثير من المليارات تجعل عيون المواطن العراقي و الاجنبي مفتوحة على وسعها. و بقيت كثير من الاسئلة معلقة  من أين تأتي هذه المليارات؟ هلى هناك سرقات بالمليارات؟ و كثير من الاسئلة الاخرى. تعيين الموظفين من قبل البرلمانيين هو عملية كسب اصوات انتخابية آلية العمل بها على مبدأ " نفعني و أنفعك"  هذا المبدأ هو أحد أسس الفساد المترسخة في العمل السياسي.
لقطات من الجلسة
فقدت عالية نصيف صوابها و بدأت تدق على المنضدة أمامها، و تصرخ طالبة اسكاته. أشار الكثير من النواب الى وزير الدفاع و يطلبون الغوث من رئيس البرلمان ليسكت وزير الدفاع  قبل ان ينسحب هو شخصيا من الجلسة.
رئيس البرلمان حاول التماسك قبل انسحابه و قال موجها حديثه لوزير الدفاع " تحدث بما تريد"، و لسان حاله يقول " أنا لك"
تفاهم الرجلان بالنظرات فهز الوزير رأسه بلا توقف و : و كأنه  كان يجيبه " بسيطة بسيطة".
بعد ذلك مباشرة  اتهم رئيس البرلمان بالفساد و اكمل حديثه موضحا من هم المعنيين بالفساد، و كأنه يقول " علي و على اعدائي"
رفع الجبوري صوته و أعلن أن الجميع سيذهبون الى القضاء و الى لجنة النزاهة، و رفع صوته أكثر و قال و أنا كذلك ، قالها بطريقة مسرحية متوقعا ان البرلمانيين سيصرخون طالبين بقائه  لكن كلماته لم تلهب القاعة بالتصفيق، و خرج من القاعة لا يلوي على شئ و بعد تفكير لم يستغرق الكثير من الوقت عاد الى القاعة ليتحدث موضحا أن الحرب بينهم لم تنتهي بعد.
سعدون الدليمي وزير الدفاع السابق لم يعد يستطيع الجلوس في مكانه  يركض تارة الى المنصة و يحدث رئيس الجلسة و تارة يعود الى القاعة ليحدث شخصا آخر قبل أن يختفي تماما لا يلوي على شيء.
الغريب و المحزن في الوقت ذاته  أن السيد الجبوري تبسم عندما ذكر القضاء و لجنة النزاهة،  و كل التصريحات التي جاءت من  المتهمين تقول أنهم  يريدون الذهاب الى القضاء و لجنة النزاهة.
مثبتين صحة النظرية " عندما طلبوا من الحرامي أن يقسم أنه لم يفعل، حمد الله و قال جاء الفرج.
كيف لا و لدينا لجنة النزاهة التي لا تفتقد شيئا سوى النزاهة و الحيادية.
لم أعثر على أي  برلماني عراقي في مجلس النواب، عندما كان الوزير يتحدث عن كوارث فساد حلت بالعراق، كان اعضاء المجلس يتحدثون مع بعضهم و يكتبون الرسائل التلفونية و يتبادلون التحيات و القبل، و كأن هذا الأمر الخطير يتعلق بدولة أخرى تقع على كوكب آخر.
الاغرب من ذلك عندما يذكر اسم أي شخص متهم بالفساد ينهض أعضاء كتلته / طائفته دفاعا عنه، و كأن الموضوع قضية شخصية و ليست قضية وطن استبيح.
السلطة الرابعة
دور الصحافة في هذه الازمة  و الذي تمثل في  ما جاء في وسائل الاعلام العراقية، كان دليلا على انه ليس لدينا صحافة مستقلة، و الكتل السياسية في هذه الازمة خرجت عن تحفظها بعد ان فقد الكثير من السياسيين اعصابهم و اطلقوا العنان لمؤسساتهم الاعلامية لتقول ما تشاء. مؤكدين أن السلطة الرابعة هي سلطة مسيسة و ان تظليل الشعب هو جزء من العملية السياسية، فعاد النداء بالحفاظ على المكون، و أن المكون الفلاني مستهدف الى آخره من الاتهامات، التي تدل على مدى نفعية هؤلاء السياسيين.

تقسيم العراق
 العاصفة التي خلقها العبيدي في العراق اثبتت بما لا يقبل الشك أن من قسّم العراق هم السياسيين العراقيين انفسهم.
امريكا تتعامل مع ارض الواقع لتمرير مخططاتها التي تخدم مصالحها. الذي حدث في اجتماع بريمر الاول عندما حدث الخلاف بين ممثلين الشعب هو القشة التي قصمت ظهر البعير. طلب بريمر لاحقا ممثلين عن مكونات الشعب، ووافق الحاضرين على حضور ممثلين عن المكونات و اختفى بذلك ممثلين العراق من الصورة، و في الازمة الاخيرة وقف السياسيين مع بعضهم و مع مكوناتهم، وبعد ذلك تحول العراق الى عشيرة تدافع عن ابنائها، لتختفي صور العراق كليا في هذا الصراع.
رأينا ممثلين كتل و احزاب و سياسيين يعملون على تسقيط بعضهم البعض بغض النظر عن مصلحة الوطن و أمنه، الحرب مستمرة بين الجبوري و العبيدي و استغلال من قبل الكثير من السياسيين لهذه الازمة كالصيادي و النجيفي و الكربولي و الحلبوسي للحصول على تأييد جماهيري لا يصب في مصلحة الوطن.
و يبقى عراقنا ينتظر صابرا محتسبا من يذود عنه و يدافع عن كرامته المنتهكة على يد البرلمان الذي حاز على لقب أسوأ برلمان في التاريخ و بجدارة، و لا تزال الحرب بين الفاسد و الاكبر و الفاسد الاصغر مستعرة.

34
موجوع حيل و بالجلفي


محمد سيف المفتي 05.05.2016
___________________                                           
آني ابن الكاع الطاهرة الزكية
كاره صدام و كاره بوسه الجندي للبساطيل الامريكية
عاشك و منتظر طيفكم يمر بسماي، غساي لا نتظرتكم ولا مريتم بيّ
علقم طعكم، خليتونا نتحسر على مرورة البعثية
العراقي مشروع دائم للاستشهاد، ثقفوني.. ليش يا ولد العفلقية
اجيتو و يا هلا بهل الجية، و منو ما يرحب بابطال المعارضة العراقية
عمي الف الحمد لله على السلامة، راح تخلصونا من العنجهية
اشو كمتو تكتلونا على الهوية، زين.. وين يروح اللي امه مسيحية
يا الله، وما يخالف كلنا.. خللي نخضر العراق و نسكي اشجارا  بدمانا الزكية
يا جماعة..أشو العراق ذبل و اصفرت اوراقه؟  قلتم هذولا جلاوزة البعثية
يا جماعة يا بجاه الله عليكم، العراق سداح مداح و تقطعت اوصاله، على يد الداعشية
قلتم  هذا حزب العودة.. يريد يعيد اصحاب فكرة  الانقلابية
يا عمي عدكم جيش و الف ميليشيا و الناس محتركة بنار الطائفية.
جان عدنا جيش واحد، وطن واحد، قلب واحد .. بس الحكومة دكتاتورية
صرنا بكل طرف  دكتاورية و رجعية مطبوخة بشوية مذهبية...
بجينا، و بجينا و ما برد حنين اللي بينا
يا جماعة أخاف لا سامح الله تصفية حسابات و معلومات رقمية؟
اعوذ بالله صرختم،  ليش ما تعرفنا احنا ابطال الخدمة الجهادية
و يوم القائد الشيعي و السني اختلفوا ببغداد، آلاف طاحوا .. و الكل تصيح شعليه
وبعد اسبوع تفاهمتم و كل شي انطفى، و راحو فدوتكم ولد الخايبة بالشوارع العراقي.
مولانا العراقيين بالشوارع ينذبحون، بس يريدون يخلصون من هل البلية
خير يا قائدنا شني القضية؟ لا يا مواطن.. هذا النظام السابق راد يطب عليه
الرجال ترست الشوارع من بغداد، حلة ، سماوة كربلا و البصرة.. تكلي كلهم بعثية
 والله لا أنعل ابوكم لا أبو البعث. لا ابو الجابكم عليه
ادور على شريف بتفك، اريد واحد يستقيل، ينسحب أو يعتذر.. الكل مدوره على تراب المالية.
هسا صحيتو، نواب تصيح شلع قلع، والله انتم أول السرسرية ..
لا تطولوها ما بيكم اللي بي نخوة و حمية.
عرفناكم، العراق نزع عكاله و تلثم، و يال ثارات العراق،  والف هل بهل المنية

35
المنبر الحر / حلم بعيد قريب
« في: 23:27 03/05/2016  »

حلم بعيد قريب
محمد سيف المفتي 02/05/2016   

دار الاحلام
دخل السيد اولا- مارتن  بخطى حثيثة الى مكتب عقارات " اكتيف " وهو الفرع الاكبر و الرئيسي لهم و يقع  في قلب العاصمة النرويجية اوسلو و طلب مقابلة مدير المكتب و كان متحمساً جدا.
شرح  بحماس و استعجال عن عمله الشاق لسنوات طويلة ليتسنى له شراء  بيت أحلامه، و بدأ مباشرة بوصف هذا البيت. كان مدير المكتب اذناً صاغية.
"بيت كبير" وفارق بين يديه موضحاً،"  يجلس على أحد المرتفعات"  رفع يده اليمنى. "يطل على خليج اوسلو"  مد يده باتجاه الافق، فيه كراج يسع سيارتين و فيه حديقة ممتازة.
وقال بحماس " لقد عملت خمسة عشر عاما ليلا و نهاراً كحصان لأجمع 5 ملايين كرونة اضعها بين يديك كفارق سعر بين بيتي و بيت أحلامي.
أجابه مدير المكتب  سأفعل ما بوسعي لأحقق لك حلمك و غدا سوف أذهب لمعاينه بيتك ، و بعد يومين سيكون لنا إجتماع جديد لأخبرك كم سيكلف البيت الجديد و ما هو فارق السعر بين البيتين. كان السمسار متيقناً من اولا- مارتن هو مشتري حقيقي.
 فطلب من أحد الموظفين أن يبحث عن بيوت بهذه المواصفات المطلوبة.
المعاينة

خرج مدير المكتب في اليوم التالي و عاين البيت بنفسه ولم يكن في بيت اولا- مارتن سوى زوجته التي استعجلته لتأخرها عن العمل.
عاين البيت على عجل و بقي يتأمل البيت شارداً و هو يأخذ الصورة تلو الأخرة،  ووقف أمام شباك الصالة و أخذ صورة منها للمنظر امامه.
خرج الى الحديقة و أخذ صورا جديدة و حك رأسه أكثر من مرة.
في اليوم الموعود
جاء اولا – مارتن مبتهجا و متشوقا لسماع الاخبار، ولم ينتظر بل بادر بالسؤال هل عثرت على بيت احلامي؟
اجابه مبتسماً-  لدي أكثر من خيار و لكنني احتاج لبعض الاستيضاحات.
قلت لي أنك تطلب بيتا كبيرا على مرتفع، هل هذا صحيح؟ نعم صحيح. هز السمسار برأسه و فرح اولا-مارتن. كان واقفا فطلب منه الجلوس و أحضر المدير بنفسه  كوب القهوة له. قال له اولا- مارتن  أنا مستعجل. أجابه بصوت عميق " هذا الموضوع يحتاج الى توضيح، أرجو أن تأخذ الامور بهدوء أو تأتي في يوم آخر... لديك فيه متسع من الوقت".
ضحك وقال له-  تحدث تحدث، ليس لدي يوم فيه متسع من الوقت.
أجابه مبتسماً. طيب، قلت لي يشرف على خليج اوسلو؟ نعم بالضبط بوركت يبدو أنك عثرت على ضالتي.
ضحك السمسار وقال له بمرآب لسيارتين و حديقة كبيرة. ضحك الزبون بعد أن تيقن بأن السمسار قد عثر على بيت بالمواصفات المطلوبة.
قدم السمسار صورة الى اولا- مارتن لمنظراطلالة على خليج اوسلو. و سأله مارأيك بهذا الموقع؟ أجابه و هو يكاد يطير من السعادة: - هذا هو... هذا هو.
فقال له عندي بيت بهذه المواصفات ووصف له شكل البيت. أرجوك خذني له؟ فأجابه لماذا لا تعاين بيتك أولاً. أرجوك أن تهدأ و تشاهد موقع بيتك.
انتهى الحديث بأن أبقى اولا- مارتن على بيته الذي لم يشاهده لأكثر من خمسة عشر عاما رغم أنه يسكن فيه.
تجربة اليوم
كلما زرت العراق يقولون لي لقد سمعنا الكثير عن طبيعة النرويج، هل يمكن أن تصفها لنا؟ فأصف لهم الطبيعة و ارسل لهم صورا رائعة. و اعتدت أن أقول لهم لكل طبيعة جمالها الخاص بها،  حتى الصحراء لها جماليتها.
و هناك من ينتقدني لأنني انزل صورا لمناطق رائعة من النرويج، ويقولون يشتعل القلب عندما نراها و لا يمكننا السفر اليها.
أنزلت اليوم البوم في صفحتي و نشرته في كثير من مواقع التواصل الاجتماعي، و حصلت على تعليقات رائعة و اعجاب بالنرويج و طبيعتها.
خدعة و حكمة
هذا الالبوم مكون من اربعة عشر صورة الصور الثلاثة الاولى و الاخيرة من النرويج، أما البقية فهي من محافظة دهوك.
أي من العراق ، على  بعد أميال ممن يتوقون الى جمال النرويج.
بلادنا رائعة بكل معنى الكلمة كل ما نحتاج اليه هو أن نفتح عيوننا لنراها. ولا نسمح لما يجري على أرضها يجعلنا ننتقص من ترابها.
الرابط أدناه للصور
https://www.facebook.com/mohamedsaif.almofty/media_set?set=a.1035006653233301.1073741846.100001719288484&type=3
 

36
أدب / سياسة الماخور
« في: 00:22 14/12/2015  »


37
الحلم العراقي يحتضر
محمد سيف المفتي
 

من العراق

اصابتنا الاحداث الدموية الأخيرة بالعمى التام، فلم نعد نرى اتساع الهوة تحت أقدامنا، سنسقط قريباً في هوة سحيقة ولن ينجو أحد من هذه السقطة.
ان العمل السياسي الموجه و المرتكز على تقاسمنا و تشرذمنا سيؤدي بجميع الاطراف الى جحيم يأكل الاخضر و اليابس.

لقد جاء الوقت لنجلس معا و نطرح خلافاتنا جانباً، لأجل قضية نادى بها كل السياسيين، ألا و هي العراق.
آن الاوان لنبحث عن المشتركات و النقاط التي تجمعنا كشعب واحدا. آن الاوآن لنكتفي بشراء السلاح لمقاتلة الاعداء وليس  للإقتتال العراقي العراقي، و لو وضعنا حدوداً بيننا فلا نحتاج لتعزيزها بالبغضاء.
آن الاوآن أن تثبت القيادات العراقية أنها فعلا مهتمة بالعراق و العراقيين، و هم يعنون لهم أكثر من كلمات جوفاء.

لكي لا ننسى
 
آن الأوآن لكي نفتح عيوننا و نرى بعض الحقائق المرة.
عندما هتفنا بأسم "فلسطين" قضية العروبة و الاسلام و صدحت الاصوات من كل الطوائف تنادي للدفاع عنها، تطوعنا، بكينا ،  تبرعنا و تقشفنا وقتلنا  لأجل فلسطين، و لكثرة اندفاعنا لم نرى أن فلسطين و شعبها لم يكن إلا رمزا و مرتكزا لقادة المنطقة لتبرير اضطهادنا، و لركوب موجة القيادة في المنطقة.

صرخ قائدنا في ذات يوم أحمر "والله لن يذهب دمك يافريال هدرا"
 فحصلنا على ثماني سنوات حمر،سفكت فيها دماء مليون عراقي هدرا.
لم تكن صرخة فريال كصرخة وامعتصماه.
بل دعوة داخليه في عقل القائد للحصول على لقب قائد العرب، دفع العراقيين زينة شبابهم في حرب مارس النظام فيها و ابتكر ابشع وسائل التركيع و الترهيب، من لجنة الاعدامات، و افتراس الكلاب للمعارضين أمام عيون القياديين و غيرها من اساليب التطويع.

حال قائدنا كحال كل الزعماء و الثوريون المزيفون غيروا و تلاعبوا في كل شيء ماعدا أنفسهم.
الانسان العراقي كما الانسان العربي وضع في دوامة فكرية جعلته يفقد اتجاهه، تعرض لتشويش ذهني و تشويش بصري، أصحاب اللحايا من مختلف المذاهب ينادون بالسلام و يدافعون عن الاسلام بذبح بعضهم البعض.
أصبحنا في العراق نرى التطرف في تيارات الوسط ، وفقدت العملية السياسية أخلاقها، و معظم الاحزاب بدأت تشرع للجرائم و السرقات بمختلف المسميات، تارة تسمي السرقة تمويلاً للعملية السياسية و تارة تسمى التصفيات حلول جذرية، و بينما الاعلام الموجه يقبض ثمنا باهضا لتضلينا، بحيث لم نعد ندرك أن الاحزاب الدينية التي تحكمنا بأسم الله هي ابعد ما تكون عن تعاليمه.
في ثمانينيات القرن الماضي كنا نحلم بوصول المعارضة و بزوال الكابوس المتمثل بشخص الرئيس، عقد العراقيون آمالهم بحركات المعارضين و تصريحاتهم، هرب الكثير من الجيش و عرضوا عوائلهم للويلات، و قتل الكثيرون لأجل الكلمة.

لأجل قمعنا جفت الاهوار و قطعت أشجار النخيل، وبقي الامل صامداً يستمد أنفاسه من صوت معارض يتحدث إلينا من أحد المنافي البعيدة لتبقي كلماته "الأمل" عامرة في قلوبنا.

تم اعدام الكثيرين ممن حاولوا الاتصال بكم أنتم يا من تجلسون اليوم على سدة الحكم. رغم ذلك لم يقتل الامل فينا و بقي حياً ينتظر وصولكم. كنا قد احطناكم بهالة من القدسية. كذبنا حتى رسل السماء عندما قالوا أن المعارضة تشتم بعضها لأجل الملايين التي دفعتها امريكا لدعم المعارضة العراقية، كذبنا آذاننا لنبقي الامل حيا و نظيفاً، وقلنا اشاعات مغرضة من صنع المخابرات العراقية، وبقينا جالسين على رصيف الصبر كي نبصركم.

سقط الدكتاتور

في 2003 طارت سعادتنا الى كبد السماء، ورقص الناس في الشوارع، و عاد الهاربون من المنافي البعيدة حاملين معهم الامل الذي انتظرناه لعقود مرت كحقب تاريخية طويلة،( راحت السكرة و جاءت العبرة) أول مؤشرمخيف كان عندما تحول القضاء العراقي الى عمل مسييس عندما عزل القاضي النزيه رزكار محمد امين ليستبدل بحكام يمتثلون باوامر قياداتهم السياسية، لم نفكر يومها أنكم تخططون لأن تكونوا فوق القانون، وهدد من هدد و هجر من هجر، حتى الاهوار لم تعد مكانا آمانا لأحد.
 معدلات الهجرة و النزوح في زمانكم فاقت نسبتها في زمن النظام البائد.
تحول معارضين البارحة الى اباطرة مال، و أمراء حرب، تبررون  لعمل المافيات لأجل الوصول الى السلطة و المال.

كان نظاماً شموليا و تحول الى أنظمة شمولية داخل نظام هلامي لم نعد نعلم من هو رأسه من هو قدمه.
حتى العالم إحتار في أمره. قبل اسبوع دار نقاش حامي الوطيس في النرويج بين ممثل حزب اليسار الاشتراكي و ممثل اليمين. اليمين يؤيد ارسال المدربين العسكريين للعراق و اليسار معارض تماما للفكرة.
حجة اليساري بعدم ارسال المدربين هي، أن الجيش يقترف من الفضائع تشابه ما تقترفه قوى الشر تجاه المدنيين.
أجابه ممثل اليمين بأنه متفق بهذا الخصوص، لكن ما هو العمل مع انتشار داعش بهذه الطريقة؟
أجابه:
- يجب أن يتم التصالح بين أطياف الشعب العراقي.
- هل هذا ممكن؟ هز اليساري رأسه و زفر
- لا أعلم لكن هذا هو الحل.
من الواضح أنهم لم يعودوا يروننا كشعب واحد.


أزمة أخلاقية
ما يحدث في العراق ليست حربا طائفية بل حربا أخلاقية. جعلتم العراقي يقتل أخاه وهو مغيب الفكر، أخرجتم العراق بكامله من طريق الله، المسلم الحق مهتم بترويض و كبح جماح رغباته و نزواته، و أنتم ياقيادات العراق، حبستم العراقيين في ضمن حدود الانانية و المصلحة الشخصية، بعيدا عن مفهوم الوطن و المواطنة، أنتم من بررتم أن للنضال راتب، ولسنوات المعارضة ثمن يجب على العراق أن يدفعه. تحولتم الى اباطرة مال، و أمراء حرب تتصارعون للوصول الى السلطة و المكاسب الشخصية، حتى ضاع العراق.
و ما ربطنا صحيحة بقربكم وإلا أصيبت بالجرب، لم يعد فيكم رجل سليم.

حفنة أمل
بعد اربعة ايام في العراق و اتصالات مباشرة و تلفونية مع عدة أطياف من مجتمعنا الرائع، أقولها صراحة.
 المعضلة الكبرى تكمن في آمالنا المحترقة ، في زمن صدام كان لنا أمل بأن تشرق شمس جديدة في بلادي، هذا الأمل عاش رغم كل المحن، عاش في قلب الشيعي و السني و الكردي، المسلم و المسيحي و الصابئي، و ها أنتم تشنقون آمالنا و نحن لها ناظرون. الانسان بلا أمل ليس أكثر من خرقة بالية.

علينا أن ندرك أن القتل هو القتل، وهو جرم يحاكم عليه القانون، ووجود القتلة أحرارا يشكل خطرا على المجتمع بكامله. دعونا نرى أن القانون فوق الجميع. دعونا نرى أن دم الشهيد "مصطفى" يعنيكم.
قال الدكتاتور في زمانه: "إن كل عراقي مشروع دائم للاستشهاد" و انتم تفعلون نفس الشيء.
بدون أمل لن نراهن عليكم وسنكون مذهبيين بلا وطن ولن تربطنا المواطنة، المنطقة الكردية مستثناة الى حد ما من هذا الكلام، شعورهم بالمواطنة و الانتماء دفع الكثيرين منهم للعودة من المنافي البعيدة للدفاع عن كردستان.

أرجوكم أزرعوا فينا حفنة أمل،اسمحوا لنا أن نتعلق بخيط أمل مهما كان ضعيفا، نحن شعب بلا أمل بلا مستقبل ولا يربطنا بالعراق إلا الاضطرار للبقاء فيه و لم تعد لنا همة للنهوض بالعراق "لأجل عين العراق" التي رفعها الجواهري طيلة حياته ولم يرضى بكسرها يوما و أنتم تكسرونها أمام عيوننا بكل وقاحة يوميا.
أرجوكم لا تتركونا في هذا الظلام و تطالبوننا أن نتمتع بالنور.


38
الاعلام فضيلة أم رذيلة
محمد سيف المفتي
           
 

الاعلام، منذ العقدين الاخيرين من القرن الماضي أكتشف العالم مدى قوة هذا السلاح الفتاك و فاعليته، و بات يستخدمه منهجياً و بشكل مستمر ليس فقط في المعارك الانتخابية، بل لتبرير حروب جائرة، و أفكار تدميرية.

وللإعلام ممثل دائم في كل بيت( التلفاز و الانترنيت)، يغسل أدمغتنا يوميا و يعيد ملأها من جديد، بمعلومات تتفق أحيانا مع أجندة صاحب القناة الذي نجهلُ ايديولوجيته وربما هو نفسه لا يعلم أنه جزء من عملية تضليل ممنهج تجاه شعبه، أو حسب مصلحة من اشترى الساعة الاخبارية، وهذه العملية لا تتناسب عادة مع قدرات الناس العاديين على سبيل المثال برامج سباق الانتخابات بلغت سعر الساعة الواحدة فيه ثمانين الف دولار، وشراء دعم قنوات تلفزيونية بلغ عدة ملايين من الدولارات.

وهذا الجهاز هو المسؤول الرئيسي عن تنويم الاقلام الشريفة مغناطيسيا، فنلاحظ مثلا الاقلام التي كانت تدافع عن فلسطين قبيل الحرب على غزة سكتت بعد ضرب غزة، وبات الكثير من الغربيين لسان من ليس لديهم لسان، كالطبيب النرويجي مادس كيلبرت الذي سافر الى هناك وقد جهوده ووثق قلمه معاناة الناس فيها.
سؤال يطرح نفسه، لماذا لم تكن الاقلام العربية حاضرة بقوة كهذا القلم الغربي؟
القلم العربي كان حاضرا وفق للمعطيات التي قدمت له و من ناحية أخرى تعرض لحملة تحريض جعلت لعقله الباطن تحفظات على اجراءات حماس الاحترازية، مثل حزن العتاد في مدارس الاطفال و غيرها من المواضيع المشابهه التي طرحت في مختلف القنوات و لست بصدد تلأييدها أو تفنيدها، لكنها غطت على مأساة شعب كامل وبررت لقصف البلابل بالقنابل.

الاعلام و خصوصا التلفاز وسيلة ممتازة للتغطية على مشاريع لا أخلاقية في انظمة ديمقراطية، إلى درجة أن الديمقراطية أصبحت كأميبيا تتغير أطرافها وفق الظروف.
الاعلام نظريا هو عملية مبرمجة و نظامية لجعل النظام شفافا أمام الشعب و للإعلام سلطة في السؤال و التحري و لهذا سمي بالسلطة الرابعة، أما الحقيقة فإنه شفاف في مكان بحيث يسمح لنا أن نرى الأمر من زاوية معينة و يخفي عنا جزء آخر.
يمارسون فيها بالضبط ما هو ممنوع في العدالة، يمنع المدعي أو المحامي من طرح الاسئلة الاستدلالية التي لا تقبل إلا جوابا واحدا.
من ناحية أخرى وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلتنا في متناول اليد على طول الليل و النهار، و الصفحات الخاصة و الترويج الممنهج و أختيار الشريحة المطلوبة، جعلنا أهداف منتخبة من عدة أطراف.
هكذا أصبحت حرية التعبير عن الرأي مسيطر عليها، و أصبحت عملية مسيسة و ممنهجة، تستثمر كثير من الجهات الحزبية و الدولية و المنظماتية أموالا طائلة  و موظفين دائميين و مراقبين لهذا المجال للتفاعل مع الجمهور و تحريكه باتجاه معين، بينما يعتقد الشعب أنه حر في التعبير عن رأيه و أتخاذ قراره.
يدرك المسيطرين على جهاز الاعلام تماما فاعلية سلاحهم، لذلك يتلاعبون بالشعوب بطريقة لعب الشطرنج. عندما تهدد جهة معينة يجب أن يخرج لها من يوقف هذا التهديد.

على سبيل المثال ( الطائفية) الكل يدرك الآن أنها التهديد الحقيقي لمستقبل العراق و وحدته، لكن كلما زاد تكرار كلمة
" أنا لست طائفيا" كلما انغرزت الفكرة في عقولنا بأنها موجودة و إلا لما ذكرت و كلما كثرت البرنامج و الاخبار التي تتحدث عن العنف الطائفي كلما أصبحنا متأهبين للدفاع عن أنفسنا.
المصيبة الكبرى هي أن سقف الاحقاد و الاضغان وصل الى مستوى، يجعل كل طرف يطلب العون من جهة ما ويقول "سأتحالف مع الشيطان لأنقاذ الموقف"، وبدأنا نقبل التحالف مع الشيطان و قيل سابقا التحالف مع شارون لأزاحة صدام، و الحرب الاعلامية دائرة على قدم وساق لتبرير هذا العمل و في النهاية تكون المعلومات قد تم ادخالها الى الرؤؤس المستقبلة ، و حُمّل الطرف الآخر الفكرة المضادة لها و هكذا  سمح لنفسه أن يبحث عن شيطان آخر يتحالف معه.
فقد السياسيين و الشعب بصيرتهم في أنهم يدعون الى حرب ستدور رحاها على أرض وطنهم و لم اسمع قط بحرب سلام .

لم يعد لدينا وقت لكي نتمتع بالقراءة، علينا أن نقتني مصافي للرؤية و مصافي للسمع، علينا أن نكون نقاداً في أي نص نقرأه، حتى الحب " كل الكتابات ملغومة حتى يتم تحليلها و تمحيصها".
لا مكان لحسن النية و لا حتى في الفيسبوك، تويتر أو صور النستكرام.

أنا محايد في هذا المثال الذي سأضربه و لست مع هذا أو مع ذاك، عندما فازت حماس في الانتخابات رفض معظم العالم التعامل معها. اليست ديمقراطية و حرية و الشعب هو الذي اختار حماس؟
الدول الاوربية التي تواصلت معها تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة.
أرجو عدم الوقوف عند هذا المثال فالامثلة كثيرة على الكيل بمكيالين، و الحرية حلال في مكان و محرمة في مكان آخر.

لقد آن الاوان لكي يقولها العالم صراحة، هي ليست حرية بل هي حرب مصالح مناطقية، البيادق هم الشعوب و المحركين هم الدول المستفيدة من هذا الصراع.
لقد آن الاوان لكي يقول العالم هذه حرب بلا أخلاق و لا مباديء، الحرية المنشودة هنا كذبة كبيرة و الديقراطية عملية مزاجية، و الحرب تدور حول كنوز هذه الارض أما شعوبها فهم الحرف الزائد في هذه المعادلة.

و نحن شعوب هذه المناطق أما آن لنا أن نفيق، و نستفسر لماذا نقتل في حرب لسنا طرفا فيها؟
لماذا نبلع كل هذه السموم التي تصلنا الى بيوتنا و تسمم أفكارنا؟
 لماذا نرى برامج التفرقة و الكلام الملثم، أضعاف أضعاف برامج التوحيد و الألفة؟
بعد كل الذي طرحته، يجب الاجابة على السؤال التالي، قبل الحرب على العراق كانت لدينا قناتين تلفزيونتين.
اليوم بالمئات.
كم عدد القنوات التي أسست من قبل أمريكا بعد الاحتلال؟ و كم دفعت ثمنا لتأسيس كل قناة؟
 أترك هذا السؤال لكم و الجواب عليه سهل.
الأهم أن نلاحظ ما قدمته لنا هذه القنوات من فكر،ستجدون أن معظم هذه القنوات لرجال السياسة أو المال، و كل ماقدموه لنا من فكر هو أننا طائفتين نكره بعضنا، و معظم هؤلاء السياسيين هم جزء من عملية تضليل الشعب سواءا كانوا مدركين لذلك أو غير مدركين.
أما آن الأوآن لنفتح عيوننا و نفكر.
صباح الخير يا عرب.


39
المنبر الحر / اليأس ينتاب داعش
« في: 00:24 06/05/2015  »
الحوار مترجم عن حوارين باللغة النرويجية نشرا في جريدة اوستفولد بلاد و جريدة نت أفيس:
اليأس ينتاب داعش   


يحذر محمد المفتي من الهجوم المرتقب على  الموصل مسقط راسه في العراق، ويدعو ربه من محل اقامته في النرويج بأن ينجي الموصل و أهلها.
بدأ قوله متشائما بدأ العالم يرى الدولة الاسلامية و الموصل بعين واحدة، و رفعُ سقف هذا التماثل سيجعل العالم يبتعد عن التفكير الانساني بعدد كبير من المواطنين المدنيين المغلوبين على أمرهم في صراع  ليس لهم فيه ناقة أو جمل.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

لسنا بحاجة لمزيد من السلاح، بل نحن بحاجة لعقلية جديدة. ما نعيشه اليوم هو حالة " ارهاب بلا حدود "

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

يتنبأ محمد المفتي بموجة جديدة من العنف ستجتاح المنطقة في حالة القضاء على الدولة الاسلامية بالسلاح فقط.
يقول المفتي: أنني متخوف من هذا الهجوم الموعود على الموصل،  مدينتي المحتلة لا يختلف حالها عن بقية المدن المحتلة كالرقة و غيرها، ويحذر من العودة بالمنطقة  الى سيناريو 2003.
عند التحرير، ستستعيد الموصل أسمها  الوردة البيضاء لفترة قصيرة قبل أن تستحم بالدم من جديد، كما كان الحال في عام 2003.

ووضح المفتي مقصده من هذا التحذير قائلاً:

السلاح وحده لن يحل أبداً المشاكل القائمة على الارض و خصوصا بعد أن خلق هذا العنف و التطرف عددا ليس بالقليل من أمراء الحرب، بدون عملية اندماج و تغيير للأفكار، و بدون التوصل لأيقاف العصف الفكري السائد بالمنطقة لن يكون هناك سلام، كل ما سيحدث عندها هو غياب اسم داعش و ظهور اسماء مجاميع متطرفة جديدة أكثرا تطرفاً من داعش و ربما لو بقيت داعش ستقول أن هذه مجاميع متطرفة ولا يمكن العمل معها، كما قالت القاعدة ذلك عن داعش.
" السلاح المتطور لن يعطينا سلاما جيداً بل حربا رائعة بمستوى السلاح المتطور".
عندما يعم التطرف في منطقة يوصلنا الاعلام الى هذه قناعات البطش،  بالرغم من  كبر حجم معاناة المدنيين في كل البقاع المحتلة فسيتسامح العالم مع ضميره و يوافق على العقاب و البطش  الجماعي.

اشار المفتي الى المشاركة العسكرية النرويجية في العراق و قال: من المهم جدا أن لا تكتفي الدول المانحة و المشاركة في الحرب بإرسال قوات الى العراق للتدريب العسكري، بل يجب أن يرافقهم عدد أكبر من  الكوادر القادرة على التطوير الذهني، بحيث يكون هناك توافق ما بين التدريب العسكري و بين عملية تثقيف واسعة، وهذا الجزء لا يقل أهمية عن الجانب العسكري.

الأمم المتحدة و المنظمات العالمية يجب أن تنزل الى الساحة بكل ثقلها، و لكي لا يساء فهمي ربما النموذج الامريكي أو النموذج النرويجي ليس بالحل الأمثل للعراق، لكننا بحاجة لبناة الجسور ما بين الحضارات المختلفة.

سلام العالم يتطلب هذه العملية الكبيرة و التي  يمكن أن يطلق عليها اندماج الثقافات، و كل الثقافات يجب أن تقف على أرضية راسخة من المبادئ الاساسية.


" هذه العملية أهم من كسب الجولة على الأرض، بدون هذا الجزء المهم في هذه الحرب  سنربح المعركة مؤقتا و نخسر السلام الى الأبد".
بدون عملية اندماج لأطياف الشعب العراقي،  و بدون عمل مؤسساتي للسيطرة على الايديولوجيات الفكرية السلبية المتغلغة في كل مفردات الحياة و استبدالها بايديولوجيات بناءة ، و بدون تفهم سياسي و تأهيل جماهيري لأستقبال فكرة المواطنة بطريقة ايجابية، نكون قد خسرنا السلام لعقود طويلة.

كل الاجراءات التي تتم في هذه الفترة يجب أن تسدد" الفكرة قبل الطلقة " ، وإلا  سنقوم بخلق مجاميع ارهابية جديدة و اساليب ارهابية جديدة ولا شيء غير ذلك، و خير مثال سوريا كما كانت القاعدة أولا و من ثم الجيش الحر ليتحول هذا الجيش  لعدد لا يحصى من الكتائب و الألوية و بمسميات مختلفة، كذلك سيكون  الحال مع الدولة الاسلامية، ستكون هناك كتائب و ألوية عسكرية تحمل معها فكرها التدميري حيث تشاء، حتى خارج الحدود و  بدون أن تكشفه أجهزة كشف المعادن في المطارات وهذا هو أخطر ما في الموضوع، المشكلة بالفكرة و ليس بالسلاح، مطبخ المنزل مكان كاف لصناعة القنابل و المثال على ذلك  * بريفيك، و عندها سينزل الارهاب الى كل البلدان و سيكون لكل دولة داعش يؤرق مضجعهم.

الترويع

أدخلت العمليات النوعية و الضربات الجوية المدعومة بمعلومات استخباراتية الدواعش في دوامة من الشك، مما جعلهم يزيدون من عمليات القتل بقطع الرؤؤس في الاماكن العامة و التنكيل بالمواطنين و التشديد على البرقع و جلد الرجال بسبب السجائر و الشك بحملة التلفونات النقالة بأنهم مخبرين.
لا يفرق رأي الدولة الاسلامية و بوش الابن تجاه العالم مبدأ واحد  " الذي ليس معنا فهو ضدنا".
وهكذا الحال مع الدولة الاسلامية الكل مشتبه بهم حتى تثبت برائتهم.

بالنسبة للمفتي كان واضحا لنا  أنه مهتم بأمر ايصال فكرته الى العالم " أن الموصل لا تعني داعش". 
كثير من الناس في الموصل ضد داعش لكن ليس بإمكانهم اظهار استيائهم، الجوع و التنكيل في الاماكن العامة من الذبح و الجلد و القتل، اساليب داعشية تستخدم بشكل نظامي لتركيع الناس و تطويعهم.

ووضح المفتي صعوبة خروج المواطنين من الموصل و مصاعب الطريق المتمثلة من غلاء الثمن الذي تجاوز كل التصورات و مراوغة الموت على الطريق خصوصا عندما تمر السيارات بين الجبهتين الدولة الاسلامية و قناصيها من جهة و الجيش من جهة أخرى و الطائرات في السماء و الجميع لا يفرق بين مدني و داعشي.، لذلك باتت السيارات المتفحمة على الطريق دليلا على هذا التعميم.

خرج صديق المفتي قبل شهرين من الموصل قاصدا دهوك ،المحافظة المجاورة للموصل، و التي عادة ما تستغرق الرحلة اليها حوالي خمس و اربعون دقيقة،  لكنه وصل الى دهوك بعد أن دخل الاراضي السورية و توجه الى النخيب و من ثم الى كربلاء ليصل بغداد و يأخذ الطائرة من هناك الى اربيل، وصل الى دهوك بعد 52 ساعة. حتى هذا الطريق تم اغلاقه لاحقا.
الدولة الاسلامية تعمل جاهدة لقطع كل وسائل التواصل مع المناطق الأخرى للتضيق على العمل اللوجستي في حالة هجوم على الموصل،  فنسف الجسور بات عملا منظما، بالاضافة الى أن كثير من المناطق في الموصل باتت ملغمة بالكامل، بات الكثير من الناس ما بين فكي كماشة الموت جوعا أو اظهار التعاطف مع الدولة الاسلامية، و أهل الموصل كباق البشر، و هذه الوسائل قد أثبتت جدارتها في قمع البشر على مر التاريخ، و  يجب أن نتذكر أن أعداد الانبياء على مدى التاريخ هو رقم معدود و كذلك الحال في الموصل.



سجناء الداخل
استرعى المفتي الانتباه الى "الكودات " الاجتماعية غير المعروفة للغرب جملة و تفصيلا، و التي تعني الكثير و ربما تعني كل شيء في بعض المجتمعات الشرقية و العشائرية.
على سبيل المثال الصراع العشائري من أجل الوصول الى السلطة، و كيفية التلاعب بهذه "الكودات" العشائرية و تقاليد الثأر من خلال اختطاف الاطفال من عشائر معينة تارة  أو قتل رئيس عشيرة  تارة أخرى. مرة لأجل كسر شوكة عشيرة معينة و تارة لإظهار نموذج معين  للعلن ليكون عبرة لمن يعتبر، و أحيانا تكريم بعض الاشخاص لترغيب الآخرين، وهي سياسات قمعية تركيعية يصعب الوقوف بوجهها، خصوصا في المجتمعات التي تلتزم بالقوانين غير المكتوبة أكثر من التزامها بالقانون الدستوري، و هذا الفن تجيده داعش بشكل ممتاز، كما تتقن فن الاعلام و الترويج.


أزمة ثقة

تقطعت اواصر الثقة بين شرائح المجتمع العراقي، فاصبحت حياة التيه حياتهم، على سبيل المثال الموصل لا تريد الأكراد و لا تريد عودة الجيش و لا الحشد الشعبي، هذا من جهة و من جهة ثانية لا يوجد تنسيق مع المواطنين الموجودين في الداخل.

 توجد عمليات نوعية معدودة لا ترقى الى مستوى أن يطلق عليها مقاومة، و لا يوجد تطوع في الجيش بسبب عدم الثقة بين الاطياف المختلفة، و الاطياف الاخرى لا تثق بمواطنين المنطقة، عندنا أزمة ثقة و هذا هو جوهر المعضلة.
أعاد المفتي كلامه مؤكدا على اهمية الحوار و عقب قائلا "يجب أن تكون العقلية الجديدة هي سلاحنا الحديث"، واستشهد بكلام وزير الخارجية يوناس كار ستورا عندما قال متحديا العالم الغربي (( الحوار مع حماس أمر مهم )).


جاء المفتي و زوجته الى النرويج عام 1997 و حصلا على اللجوء السياسي، زوجته خريجة ادارة و اقتصاد و هو أكمل دراسته و حصل على ماجستير في الثروة السمكية في جامعة NMBU و من ثم درس الترجمة الفورية في اوسلو.
ثم انخرط في مجال السياسة و عمل كمستشار انتخابي و مستشار شخصي.
يصفان لنا الموصل بالشكل التالي:
الموصل مدينة تعددية عاشت بتناغم لعقود طويلة رغم  كثرة الطوائف و الاقليات التي تسكنها. عندما يقف الانسان صباحا في الجانب الايمن منها، و بالضبط عند نهاية جسرها العتيق، و يتابع حركة العابرين على الجسر قادمين من النواحي و الاقضية البعيدة، يطلع الانسان على هذا الفسيفساء الجميل الذي يقطنها.

الآن انمحى هذا الفسيفساء و كانت المدينة تحمل ارث العالم و تبخر هذا الارث مع تفجير الحضر و النمرود و خورسباد .
أداء النظام الاداري و الخدمي لا يسر أحد، و الفساد يعم كل مفاصل الدولة حتى المنظمات الخيرية العاملة مع النازحين الذين هربوا من بيوتهم و أعمالهم بين ليلة و ضحاها، مغادرين كل حياتهم و متوجهين الى المجهول في رحلة لا يعرفون متى سيصلون محطتها الأخيرة.

المحزن في الأمر أنني كنت حاضرا عند اجتياح داعش للمنطقة الكردية، عندها اراد شباب الاكراد الانتقام من نازحين الموصل، لولا التدخل المباشر من الحكومة الكردية و حماية القوات الامنية لهم، عندما جاء اليزيدين هاربين من سنجار كانوا حاقدين على الموصل و اعتبروا النازحين ممثلين للدواعش ولم يختلف موقف مسيحين سهل نينوى و الشبك عن ذلك.

تمر بنا موجة كره و بغضاء عالية، يجب إعادة لحمة الموصل فكريا قبل تحريرها و إلا سنعود الى مدينة محتلة وستبقى محتلة.

قال المفتي أخيرا: ينقصنا الدافع لتحرير الموصل و أن الأوآن لكي نخلقه.

•   بريفيك: هو اندرش بهرنغ بريفيك ارهابي اوسلو الذي قام بعملية 22 يوليو 2011

صفحات: [1]