عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - د. رابحة مجيد الناشئ

صفحات: [1]
2

 د. رابحة مجيد الناشئ                                                           
 ولد الشاعرعام 1926، في مدينة السليمانية، ثمَ استقرت عائلته في بغداد. وبلند الحيدري من رواد الحداثة الشعرية في العراق وفي العالَم العربي. وبالإضافة لأصالته الشعرية، لهُ مُساهمات عديدة في النقد الأدَبي وفي الرسم، وقد تُرجِمَت له عدة مجاميع شعرية الى اللغة الانجليزية، وقصائد عديدة الى لُغات عالمية أُخَر.
عاشَ بلند الحيدري محنة التَشَرُّد والاغتراب منذ ريعان شبابه... بدأ هذا الاغتراب في محيطه العائلي البرجوازي الذي لم يكن على وفاقٍ معه ، ثمَ امتدت به الغربة ليعيش المنفى الى أخر حياته، حيثُ توقفَ قلبه عن الخفقان في لندن عام 1996. 
في التسعينيات، اسهمَ بلند الحيدري في تأسيس " تَجمُع الديمقراطيين العراقيين "، وقد كانَ يحلم بعراقٍ ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية  وَتُحتَرَم فيه حُرية الإنسان وَحقه في العيش بكرامة وبسلام.                   
ترَكَ بلند الحيدري إرثاً أدبياً رائعاً، دواوين شعر، وكتب في النقد الأدبي  والمئأت من المقالات. ومن بعض مؤلفاته :
خفقة الطين- 1946، أغاني المدينة الميتة - 1951، جئتم مع الفجر- 1961، خطوات في الغربة - 1965، أغاني الحارس المتعب - 1971، حوار الأبعاد الثلاثة - 1972، زَمَن لكل الأزمنة " مقالات " -1981 إلى بيروت مع تحياتي- 1989، دروب في المنفى- 1996....
من قصائده في منفاه، اهدي للقراء قصيدته " الى مدينتي "،  التي ترجمتها في السنة الماضية الى اللغة الفرنسية  وأُعجبَ بها الفرنسيون :
الى مدينتي
يُقال :
ان بيتنا كئيب
يقال :
أن دربنا
قد أوحشت خضرته الذنوب
يقال :
ان الناس في مدينتي
قد جف في أعينها اللهيب
*
يقال :
ما اتعس ما يقال
فبيتنا كئيب
تنعب في وحشته الظلال
ودربنا غريب
قد هجرت سمرته الأطفال
يقال :
ما اتعس ما يقال
ان ليس في مدينتي رجال
*
أعرف يا مدينتي الصغيره
يا عرق الرجال في الظهيره
يا كسرة الخبز على حصيره
يا طفلة تحوك في أحلامها ضفيره
لقصة الأمير
للأميره
اعرف يا مدينتي
كم من جراح ثرة … مريره
تنزف تحت الأجنح الكسيره
لكنني
اعرف يا مدينتي
ماذا وراء بيتنا الكئيب
ماذا وراء صمته الرهيب
أي غد يلمع في الدروب
وإنني
اعرف يا مدينتي
اعرف ان أعين الرجال في مدينتي
لا ترقد
وان ملء صمتهم
مراجلا تتقد
غدا
إذا ما انفجرت
سينحني لها الغد
سلاماً لذكراه، سلاماً لروحه الطاهرة، سلاماً لميراثه الأدبي والإنساني.

3

الشاعر الفرنسي جان كلود مارتا
Le poète français Jean Claude Martin
د. رابحة مجيد الناشئ
    شاعر قصيدة النثر، جان كلود مارتا، من مواليد 1947 في مونتمورو- شارونت، ولكن منذ عقود وهو يعيش ويعمل في مدينة ﭘواتيه. عمل كأمين عام لمكتبة جامعة بواتيه، من عام  1975  والى التقاعد في عام 2007 . 
    بدأ جان كلود مارتا بكتابة الشعر في وقتٍ مُبَكِر من حياته، ونشرَ في العديد من المجلات الفرنسية والاجنبية، وله  20 كتاباً، الغالبية منها دواوين شعر، ولكن هناك ايضا، القصص والمسرحيات.
    مُنِحَ شعر جان كلود مارتا، واعماله الأدبية الأُخرى، عدة جوائز، منها جائزة مدينة ليون، وَجائزة الكُتّاب- ﭘواتو- شارونت، وجائزة لويس غويَّم للشعرِ والنثر.
    تُرجمَت بعض مؤلفاته الى لُغات اخرى، منها كتابه الصادر في عام  2009 تحت عنوان : " اقلب الصفحة "، الذي تُرجِمَ الى اللغة العربية، واللغة الإسبانية.

    جان كلود مارتا، هو كذلك رئيس بيت الشعر لمدينة ﭘواتيه، منذ تأسيس هذا البيت عام  2006  والى حد الآن.
    فيما يلي، الترجمة العربية لمقاطع شعرية، اخترتها من بعض دواوينه :

لَستَ إلا قطرةً في المحيط، ذرةَ رَملٍ فوق الكثيب،
رأسَ دبوسٍ بينَ الحَشدِ. نساكَ الله، لَن تكُن أَبداً
القارِبَ فوقَ البحر، مُتسلقَ قمة جبال الأَلب
ولا الدكتاتور على منصته، 
أنتَ تمقتُ  نَفسكَ وتُضيعُها... لا تَمُت
دونَ مَعرِفة أن المحيطَ قد تكَوَّنَ مِن قطراتٍ،
التلَ من حَباتِ الرمل الصَلبَة،
وبأَنَ وَجهكَ من ضمنِ وجوهٍ أُخرى
 بإِمكانهِ أن يُغيرَ وَجهَ الطاغيَة.
*****
  نَحنُ نَقول " حَياتي"، " كَلبي "، " سَيارَتي "، " مِهنَتي" - بَل نَقولُ :
" قِطاري" وَ" أسفاري". وَلا نَقول " سَمائي "   وَلا " مُحيطي"   (وَلِهذا السَبب أحبها أنا، لأَنها للجَميع -- - او بالأحرى ليس لأحد )، وَحتى مِن خِلال  نافِذَة في غُرفَتي ، ( مَن أراها هيَ ليسَت سَمائي ). إنهُ الأمَل فَقَط بِسَماءٍ أكبَر، سَماء تَتَحوَّل مِنَ اللون الرَمادي الى اللون ألأزرَق وَتستأجِرُ شُرفَةً في الشَمس. هذا هوَ المُبَرِر لِحَياتي في هذا الصَباح.
*****
في كُلِ صَباح، عُصفوري يُغَني. ( ليسَ هُناكَ مِن تَضمينٍ فاحِش، فالأمر يَتَعَلَق بِعصفورٍ حَقيقي في شَجَرَةٍ حَقيقيَّة.) لَم أتَوَصَل لِرؤيَتهِ، وَلا أعرِف إن كانَ هُوَ نَفسَه في كُلِ صَباح.
مَن هُوَ ؟ ماذا يَقول ؟ وَهَل يُغَني للغَد ؟                                                       
كُلَ صَباحٍ، في شَجَرَةٍ أمامَ نافِذَة غُرفَة نومي، عُصفورٌ يُغَني. صَديقٌ مَجهولٌ، شُكراً.

لأَنَ العُصفورَ غيرَ مَرئيٍ كانَ غِناءَه َ جَميلاً .
إنَ مِنَ العَبَثِ مُحاوَلَة مَعرِفَةِ ماذا وَلِماذا يُغني العُصفور،
هَل هُوَ سَعيد، حَزين، هَل يُريد حِيازَةَ إعجاب عُصفورَةٍ ما،
هَل يُريدُ الغِناءَ بِصوتٍ أعلى مِن صَوتِ أصدِقائه ؟
هُناكَ العَديدُ مِن العصافير في الغابة. مِن دونَ قائِدَ جَوقَةٍ موسيقية، من
دونَ تَقسيم. وَهذا هُوَ الوَضعُ المِثالي، بَل نستطيع القول بأنَ أوراقِ الشَجَر
هيَ مَن يُغَني، ما دُمنا لا نَعلَم بِوِجودِ العَصافير، والصوت آتٍ مِنَ الأَوراق.
فَإذاً اليوم، الأحَد 23 آيار، مَن يُغني هيَ الأشجار، وهذا هُوَ المُدهشُ في الأمر.
*****
قُل بأنَ الثلجَ قَد سقَط، بأن لَم يَعُد هُناك
شيئاً ظاهراً غيرَ عروق الأشجار. وبأنَ الحدود
ما بينَ الأرض والسماء لَم تَعُد موجودة- وأن
هُناكَ المزيد منَ الأُفق، يسمح للطيور بالمجيء...قُل
بأنَ الجو جميل وبارِد- مُعتِم وَمُضيء. بأننا سنذهبُ
للنوم- وَننسى الأَلَم والأمَل.                       
*****
انها تَثلِجُ هذا المساء وَلَن يُدَمِر المشهد المثالي أحَد. الرجال
مُعتَكفينَ في مَنازلِهِم، الأطفالُ يُراقِبونَ خَلفَ الزُجاج : وَحدَها العيون
تَكونُ مهمة، آذان وأفواه مُغلَقة. ضوء خَفيف يَكتَسِحُ الغُرفة، كَمثلِ
يَدٍ مُداعِبة. وَنَنامُ نَحنُ دونَ حلمٍ وَبدونَ خوف، ما دامَت تَثلِجُ عندَ الرقاد.
*****
لو عرفنا ان نفكر بين حينٍ وآخَر، لأدركنا
بأنَ هُناكَ أشياء جميلة تُحيطُ بنا، مُذهِلة،
مثل النهار، الليل، الصباح، المساء. المروج،
الحقول، الحدائِق، وَ مرعى السماء الكبير...
*****
لَيسَ هُناكَ ما هُوَ أحلى مِن صَباحِ يومٍ رَبيعي، حينَ يَكون الفجرَ قِطعَةَ قِماشٍ نَدِيَّةٍ على الوجهِ، لِباساً جَديداً. ان يَكن الطُموحَ غيرَ مؤَكَدٍ، لبَعدِ ظُهرٍ عقيمٍ لا طائلَ فيه. الغد سَيَكون فُرصَةً أُخرى، مَكاناً آخَر. وَليسَ هُناكَ ما هُوَ أحلى مِن وِلادَةٍ جَديدة.
*****
        الطبيعة والمشاهد اليومية والذكريات، تتكرر في القصائد النثرية لجان كلود مارتا، وقصائده قصيرة، مُختصَرة وَموجَزة. طلبنا من الشاعر الحديث عن مراجعه الشعرية وعن موضوعاته المفضلة، وعن رأيه في الشعر، فأَجاب :

‹‹ أحاولُ أن أضعَ في بضعةِ أسطر قصائد نثرية، لا تتعدى ابدأ الصفحة  الواحدة   ، لقاءات، أوقات، إضاءات، انفجارات، عواطف، أشياء صغيرة مَنظورة،  وأشياءَ كبيرة تُستَشَف : ماء، سَماء، طائرات، بَشَر، الزمن الذي يمضي، مشاعر، قصص تبدأ " او لا تبدأ "، اشياء ممكن ان تكونَ رموزاً، شيئاً آخَر ″ او لا شيء ″. كأنها مُفكرة  ″ دونَ ان تكون كذلك ″. انها خلق جديد لبعض الأوقات من حياتي، واتمنى ان تمسَ ايضا بعض اللحظات من حياتكم ››.

4
 
الشاعرة الفرنسية أَستَل فَنزي
 La poète Française Estelle Fenzy

د. رابحة مجيد الناشئ
الشاعرة الفرنسية أستل فَنزي من مواليد عام 1969، بعدَ أن عاشَت بالقرب من مدينة ليون، ثُمَ في بريست، تعيش الآن في مدينة آرل، حيثُ تَعمَل كَمُدرسة للغة الفرنسية، وتهتَم بتدريس الأدَب للأطفال من  11 الى 15 سنة.
دَخلَت الشاعرة أستل ميدان الكتابة والنشر في وقتٍ مُتأخر، حيثُ كانت البدايات عام 2013، وهي تَكتُب قَصائد وَنصوص قَصيرة، على إيقاع الحياة، في الحياة، وفي اغلب الأحيان، تكون هذه النصوص حولَ موضوع يَمسُ مَشاعرها، حواسها، وجودها وَمسيرتها الحياتية " مرض والدها وموته، مأساة المهاجرين، تَحطُم طائرة، العاطفة والامومة...". ولكن أياً كانَ الشكل والموضوع الذي تكتُب عنه أَستَل، فإنها تعمل في التجريد، مُبتعدةً عن الإفراط في الكلام الزائد عن اللزوم وعن التأثير السطحي الزائد الذي يبتعد عن الأساسي.

الشاعرة استل فَنزي كثيرة النشر في المجلات الفرنسية، ولها العديد من المجموعات الشعرية المنشورة، منها هاتين المجموعتين:
- Mère أُم -  en 2017.
                                                 - Par là  مِن هُنا -  en 2018.

حصلَت الشاعرة على جائزة " رينيه
لاينود "، عن مجموعتها الشعرية " أُم "، في عام 2018.  من هذه المجموعة الشعرية الجميلة، ارتأيتُ ان اترجم للقارئ، قصيدتها التالية:
في مُنتَصَف الليل الطفلُ يبكي
وَ يَقول
لا أُريد أن أكبر بعدَ الآن. اذا استمَرَ نموِّي، سوفَ تَصبحينَ شائِخة. وَتموتين. انا لا أُريدُ ذلك.

أَقولُ
هذهِ هيَ الحَياة. إنها تَتَوقَف. الحُبُ، لا. الغائِبونَ عَنّا يولِجونَ كَلِمات في قَبضاتنا المُغلَقة. إذا فَتحتَ يَديكَ، سَتَنطَلِقُ أَنفاسها في الريح. هُناكَ يَكونُ مَصيرُنا مَكتوباً.

عِندَما سيَنبضُ قَلبي مُتأخراً جداً، عَيناكَ سوفَ تَعزِفُ الموسيقى. سَتَعيشُ فرحتي في زُرقَتِهِما. سَأَكونُ فيهما ذلكَ الظِل الراقِص الذي لا تستَطيع الشمس أن تَمحيه أبداً.
أَنا أُم.

في هذه المجموعة تتحدَث الشاعرة استل فَنزي عن حياتها كإمرأة وكأُم، باسلوبٍ جميل يجعَل من كل قَصيدة رِحلة مُدهشة. حياة كاملة، أُمٌ، تَنهضُ في أوَل الفَجر، تَحضِن، تُغَذي، تَستَمِع، تَشك، تَرتَجِف، تُعاني، تُرَتِّق، تُعَمِّر...تَمنَح الحُب الكَبير الذي يَعرِف الغُفران جيداً.
أستَل فَنزي، أُمٌ مثلَ كُل الأمهات...وهَل هُناكَ أجمَل مِن الأُمهات ؟



9

احتفاء بالأعمال الشعرية لأوديل كارادَك
Hommage à l’œuvre poétique
d’Odile CARADEC
                 
د. رابحة مجيد الناشئ

  " ،  La Maison de la poésie de Poitiers    أقامَ بيت الشعر لمدينة ﭘﻭاتيه - ″   
في الخامس من آيار الجاري، احتفالا زاهيا  بالأعمال الشعرية  للموسيقية والشاعرة   
، وَبحضور الشاعرة.Odile CARADEC  الفرنسية الكبيرة أوديل كارادَك -
 

    بدأت الامسية بالترحيب بالشاعرة و بالضيوف الذين حضروا من ﭘﻭاتيه ومن مدن فرنسية اخرى، من قبل رئيس بيت الشعر جان كلود مارتا، ثم بدأ الرسام والشاعر ﭘيَّر ﭬينود،  بتقديم الشاعرة  واستعراض دواوينها الواحد بعد الآخر بنقدٍ رائع وباسلوبٍ جميلٍ وشيِّق.  وقرأت الشاعرتان، أليزابيث ﭘيلوكا، وكرستين سرجو، الكثير من قصائدها والتي راقت للجمهور الغفير الذي حضر هذه الأُمسية.  كما صاحب التقديم وقراءة القصائد، الموسيقي وعازف اﻠﭬﻳﻭلونسيل مارك بن يحيى.
     ولدت الشاعرة المُحتفى بها، أُوديل كارادَك، في بريست عام  1925، وقضَت طفولتها وصباها في كاماريه، وقبل اكثر من اربعين سنة جاءَت الى مدينة ﭘﻭاتيه، وعملت كموثقة للكتب في احدى ثانويات هذه المدينة لمدة  22 سنة، اي الى حد سن التقاعد، وهي للآن تعيش في هذه المدينة.
 

    أوديل كارادَك، موسيقية ايضا، وهي تعزف على " اﻠﭬﻳﻭلونسيل "، الذي بدأت دراسته والتمرن عليه منذ سن السابعة، وهو شغف ورثته عن والدتها.
    أما الشعر، فقد التقت به في سن الخامسة عشر ولم تتركه ابدا، ومنذ ذلك الوقت  وهي تزرع الولادة دون انقطاع.
    عن بداياتها الشعرية تتحدث لنا أوديل : ‹‹ كُنت اعيشُ في بريست التي ضُربَت بالقنابل في بداية الحرب العالمية الثانية من قبل الألمان، واهلي وضعوني عند الراهبات، وهناكَ اكتشفتُ شجرة كستناء رائعة، لقد سحرتني بجمالها واحببتها كثيرا، فكتبتُ قصيدة لهذه الشجرة، ومنذ  ذلك الوقت رافقني الشعر طيلة حياتي ››.
    نشرَت أوديل كارادَك  27 ديواناً شعرياً، أغلبها مترجمة الى اللغة الألمانية، حيث أنها مختصة باللغة والثقافة الألمانية. وقد نُشرَ ديوانها الأوَل عام   1969، وتحت عنوان : " جَناح القمر ″.   و الآن وهي في الرابعة والتسعين من عمرها، ولا تزال معطاءة، ويشغل الشعر كل حياتها، وكل واحد من دواوينها، هو لقاء جديد مع الحياة. وعن الشعر، تقول شاعرتنا : ‹‹ الشعر يأتي في ايةِ لحظة، في أي مَكان، وحولَ اي شيء أو اي انسان...، لأنَ الشاعر في حالةِ تأهب، في حالةِ يقظة دائمة  :
كُل الأقلام،
 كل أقلام الرصاص
في تيَقُّظ
والأصابع التي تمسك بها
تتابع مَجرى الدَم
والنَسغ والأحلام
    وهي تقولُ ايضا : ‹‹ هناك ايام ملائمة لإزالة التجمد عن القصيدة، وهناكَ ساعات ملائمة، حين تصفر الريح في الأشجار، الأشجار المجنونة بالشعر، كل الأشجار، ولكن على الخصوص ″ الصنوبريات ″، التي هي الأكثر اثارة على الأرض ››، وهكذا نجد ان موضوع الاشجار يتكرر في دواوين اوديل كارادَك. ومن موضوعاتها الأخرى المتكررة في دواوينها، موضوع الموت ، حيث تقول : ‹‹ الموت قيثارة متوَحِدة وعليَّ أن أعزفها في يومٍ من الأيام ››.
    أما الشيخوخة، والتي تسميها أوديل " االعمر الفوسفوري "، فقد أفردت لها الشاعرة الكثير من القصائد التي كتبت غالبيتها بأسلوب  النكتة والفكاهة الذي تتميز به، فبالرغم من قساوة هذه الموضوعات، نجد ان حدتها تخف في شعر اوديل، وذلك بالمواجهة مع الدعابة التي تولج شيئاً فشيئاً بين الكلمات والأسطر، من أجلِ ازعاج السكون والعبودية والعزلة والألم، وطرد عذابات الشيخوخة، جاعلة منها مرحلة شبه لذيذة :

« Cinq heures du soir  »

الخامسة مَساءً، هي ساعة غلق النهار لأَبوابه
حَيثُ لاشيءَ يصبحُ ملموساً
نقتَرِبُ مِنَ الجدار، نتلمَسُ طريقَنا، بأَيادٍ شاحبةٍ
ننطوي، أمواتاً بعض الشيء
الخامسة مَساءً، هي ساعةُ تموضع الألم
القلبُ يَزِنُ عَشرةَ أَطنان في جسَدٍ شفاف
الخطوات تصبَحُ أخفافاً، والكفوف قفازات
   لكنَ حيوية هذه المرأة المبدعة والمعطاءة تجعلها تنادي بصوتٍ عالٍ في اكمال قصيدتها :   
لا، نحنُ غيرَ متسمرين في الأسرة
في المنازِل، وفي التوابيت
نحنُ كَبارٌ جداً
مَقاساتنا  لا حدود لها.
    في قصيدة اخرى تقول :
Dents provisoires

أسنانٌ مؤقتة

أيها الشعر  !
يجب أن لا يلحظ المستمعونَ
بأن لي أسنان كاذِبة
حيث يمكنهم الاستنتاج
بأن قصيدتي غير مُكتملة
وتفتقِدُ لنعومة الطبيعة الفطرية
والتوابل السحرية
الخالقة للقصائد الحقيقية
قَصيدة بدون كل أَسنانها
قَصيدة عَرجاء
ولكنني واثقه ما دمتم بشر
فإنكم تعرفون جيداً
بأَنَ جميع الأَسنان وَقتية

        وفي قصيدة اخرى عن هشاشة العظام، المرض الذي يصيب الكثيرين من المسنين تقول اوديل :

Chant d’ostéoporose

أُغنية هشاشة العظام
القطار يعبر المحطة مفرقعا للفضاء
وأنا أضغط على ما بقيَّ من روحٍ
بين اللحمِ والعظم الشائِخ

لم أَعُد إِلا طيراً شائخا
لا يحط في أي مكان
طائراً أَسوداً منذراً بالشؤم

لكنَ أَعماقي تحوي لؤلؤة متوهِجة
عامِل منجمٍ قَد يأتي يبحثُ عنها
هذه الماسة، هذه اللؤلؤة، هي قصيدتي
ما قبلَ الأَخيرة
وإن لم يأتِ أَحد، ستقتحم الممر
الى تحويطات جسدي
عاملةً على إِظهار التشخيص:
هيكل عظمي برائحة هشاشة العظام

    اوديل كارادَك، لا تتوقَف عن كتابة الشعر، فقد صدر لها ديوان شعري باللغتين الفرنسية والألمانية، في نهاية عام   2017، والآن لها مشروع آخر.ومن من ديوانها الأخير، اخترت للقاريء هذه  القصيدة بعنوان :  انه عالم سائل " :
قلبي يختَلِج
الحياةُ نابضة
فَظيعة وَرائعة
نمتلكُ فرحة الزهور

والقوة الهائلة للبحَر
أكثَرَ قوةً من الفٍ من فُرسان الوحي
ذات عضلاتٍ كَخمسةِ آلافِ شيطان.












       الشاعرة أوديل كارادَك تَكتب بحيويةٍ وَبصراحةٍ جميلة، انها تستطيع أن تقول كل شيء دون أن تجعل قارئها  يُصاب بالأسى أو يفقد الأمَل، بل انها تجعله مفتوناً بسحرِ وإنصاف الكلمة والنغم والصورة. شعرها يتميز بالطرافة والأصالة، فبشعرها تنشد العالَم والمشاعر الانسانية، وجمال الكلمات، وتبتهج بطعم الأرض والشجر، كما أنَ الشيخوخة والموت، حاضران دائما في شعر أوديل ، مع البساطة والاناقة الممتزجة في الغالب بالنكتة والدعابة.

     امسية جميلة جداً، جمهور الأمسية كان سعيداً وفخوراً بحضور هذه الأمسية الرائعة بفضل الشاعر والرسام، ﭘيَّر ﭬينود للتقديم، والشاعرتين اليزابيث ﭘيلوكا، وكرستين سرجو، لقراءة القصائد، والمساهمة الموسيقية الجميلة لعازف اﻠﭬﻳﻭلونسيل ، مارك بن يحيى، وبالحضور الرائع لنجمة هذه السهرة الشاعرة الكبيرة أوديل كارادَك.

 

Une très belle soirée poétique, le publique de la soirée était ravi et fière d’assister à cette soirée magnifique, grâce aux, le poète Pierre VIGNAUD pour la présentation, les deux poètes poitevines , Elisabeth PELLOQUIN et Christine SERGENT pour la lecture, et à la participation exceptionnelle de Marc BENYAHIA-KOUIDER  , Violoniste, et la présence chaleureuse de la vedette de la soirée, la grande  poète poitevine,   Odile CARADEC.





11
الصَمَم ليسَ إعاقة
نحنُ  نتَكَلَمُ بأيدينا، وَ نَسمَعُ بِأعينَنا
د. رابحة مجيد الناشئ
La surdité n’est pas  un   handicap, Nous parlons avec nos mains,
Nous entendons avec nos yeux

ستة أشخاص، ولدوا لا يسمعون، يسردونَ رِحلاتِهِم الفريدة في أولِ كتابٍ يُتَرجَم من لُغةِ الإشارة الى اللغة الفرنسية بِعنوان :
كَلام الصّم
اكتشافٌ لِثَقافةٍ أُخرى
Paroles de Sourds,
à la découverte d’une autre culture
    مؤلفو هذا الكتاب، ﭘﺎتريك بَلَسون وخمسة صُم آخرين، أرادوا بهذا الكتاب، كَسرَ اللامُبالاة المُحيطة بِهِم، والوضع المُقلِق بالنسبة لَهُم في فرنسا. يقول ﭘﺎتريك بلَسون :  ‹‹ هُناكَ دول أُخرى لا تعتَبر ضِعاف السمع او فاقديه، مُعَوَقين، بَل كبشَرٍ بشكلٍ كامِل، وموهوبينَ بِلُغَةٍ أخرى فريدة، هي لُغة الإشارة، وبالتالي بِثَقافةٍ خاصةٍ بهم ››.

 في فرنسا وبالرغمِ مِن بعض التَقَدُم الخَجول، الأمرُ ليسَ كما يَجِب، ففي الميدان الطبي يسود عدم الاعتراف بِلُغة وَثَقافة الصُم، وفي
الميدان التعليمي، صفوف ازدواج اللغة للأطفال الصُم او قليلو السمع، تَبقى قليلة جداً،  كما أنَ التَعليم الذي يُقَدم لهُم، يكون في الغالِب تعليم بسيط ، والنتائِج كارِثية نتيجةً لِهيمنة العِلاجات الشفوية. بل لا يزال معظم الناس الذين يسمعون، يجهلونَ وغير مدركين للمعاناة والمثبطات الناجمة عن زرع قوقعة... في آذان الصّم من اجل ان يتكلموا مثلهُم، بلغةٍ فرنسيةٍ شفوية، والتي لن يتقنها الصّم ابداً. كما أنهم يجهلون بنفس القدر ، حقيقة ان لغة الاشارة بالنسبة للأشخاص المُصابين بالصّمَم، هي الطريق الأمثَل للتواصل مع الآخرين، للسامعين منهم وغير السامعين.

    هذه بعض اللمحات من هذا الكتاب، من هذا العمل الاستثنائي، ثمرة عمل عدة سنوات، سرد لحياة  6 من الصُم البالغين، جُمِعَت وَسُجِلَت بلُغة الاشارة، ثم تُرجِمَت الى اللغة الفرنسية، وكل واحد منهم يتَحَدث بفخرٍ عن تَعلمه واتقانه للغة الاشارة.

    هؤلاء المؤلفون، يشكلونَ جزءً من جماعة ، نظمَت في عام   2013 ، " مَسيرَة القَرن للصّم "، حيث سارَت هذه المجموعة على الأقدام  اكثر من الف كيلو متر، من باريس الى ميلان، لأجل المطالبة بالاعتراف بلغتِهِم، لغة الاشارة، وبالثقافة الخاصة بهم.
    هذه المجموعة المؤلفة لهذا الكتاب هُم :
 
Patrick BELISSEN -    ﭘﺎتريك بَلَسون

Philippe ANGELE  -  فيليݒ أنجَل

Nadia Chemoun  -  نادية شَمعون

Ode PUNSOLA  -  أُود بونسولا

Jacques SANGLA  -  جاك سانغلا

Jeanine VERGES  -  جَنين ﭬﻳﺮجَس

يُطالب مؤلِفو هذا الكتاب بالاعتراف بلغتِهِم وبثقافتهم، وبعَدَم وضعهم على هامش عالَم السامعين. ومن خلال هذه المسارات المتنوعة الجميلة، بدى لنا بأنهم يشتركونَ بِحُلمٍ واحد : ان يُعتَرَف بهم كما هُم، في حقهم في العيش والحياة باختلافهِم، بلُغَتِهِم وبثقافتِهِم.....فهل هذا بالكثير ؟
A travers ces parcours, aussi divers qu’attachants, les auteurs de ce livre,  affirment le même espoir : Celui d’être reconnus dans leur normalité, dans leur droit à vivre avec leur différence, avec leur langue et leur culture… est que c’est trop ?

12
الشاعرة كوليت كلاين وَ الشاعرة كلارا ريجي
في بيت الشعر لمدينة بواتيه
Les  poètes , Colette KLEIN et Clara REGY dans د.
رابحة مجيد الناشئ
       
la Maison de poésie de Poitiers                         
     في جوٍ من البهجةِ، استقبل بيت الشعر لمدينة ﭙﻭاتيه  الشاعرتين الفرنسيتين ، كوليت كَلاين، وَ كلارا ريجي ، وقد غصت قاعة بيت الشعر بالحاضرين من الشاعرات والشعراء ومن مُحبي الأدب والشعر الذين قدموا  للترحيب بهاتين الشاعرتين والاستِماع اليهِما.


    كوليت كلاين، شاعرة ورسامة ومن مواليد عام  1950  في مدينة ﭙﺎريس. تحدثت الشاعرة عن حياتها وعن سنوات الحرب ومآسيها والتي اثرَت وما زالت تؤثر على حياتها الشخصية والفنية، كما تحدثَت عن بداياتها الابداعية، وَ كَشَفَت للجمهور الحاضر عن طبيعتها المزدَوَجة كَشاعرة وَكَرسامة بقولها :
    ‹‹ بَدأتُ بكتابة الشعر عندما اقتربتُ من اللوحة، حيث بدا لي على الفور، ان لا مفَرَ من التكامل بينهما. الكتابة تستدعي الفكر، لكن الرسم جَسَدي ويتطَلَب التزامات جسدية واهتزازات لاستخدام الألوان لأجل خلق الكمال الكُلي الذي يولد للحياة ››.
    كوليت كلاين، لها  15 مؤَلَف في الشعر والنثر والمسرح والقصص، ومن هذه المؤلفات اخترتُ للقراء المؤلفات التالية :
- La neige sur la mer ne dure pas plus que la mort- 1997.
- Les jardins de l’invisible – 2002.
- Le silence du monde- 2003
- La Guerre, et après…-2015.
    حصَلت كوليت كلاين على جوائز كثيرة، منها ″ جائزة الزهرة الذهبية ″، ومن شعرها اخترت ان اترجم للقارئ القصيدتين التاليتين :

 ″Il sera dit ″
سوفَ يُقال

سوفَ يُقال بأنَ الليلَ
أعطى معنى
لِخَطَواتِنا في الصَحراء.

لكنني ولدتُ بينَ الأعشاب،
تحتَ الرَماد،
معَ الحربِ بِداخلِ الدَم.

وَدَمي
لا يَخدِمُ
الّا الصَمت
والمُداهنة
بالحُلمِ،

وَ كُل الزهور التي سَتولَد
منَ الصَقيع
سَتُصابُ كذلك بالتَشوِّش.

من  " إنها الأرض التي تَسيرُ تحتَ أقدامنا "


 " Apprenti du désastre"
المُتَمَرِّن على الكارِثة،

أحسِب الأيام التي تَفصلَني عن ظِلكَ.
أَلتَقِطُ الكَلِمات التي تَسقُط مِنَ العُتمة،

أنا الوسيط الذي يَسهَرُ عليكَ
والذي يَتَدَخَل ما بينَ الضوءِ والجِدار،
في إصغاءٍ للدَم
الذي سَيفرِجُ عني.
من " إنها الأرض التي تَسيرُ تحتَ أقدامنا "
     
    كوليت كلاين عضوة في الجمعية العامة للكتاب ونادي الفنانين الفرنسي، ابداعاتها في الشعر وفي الرسم تستحضر الكون الحالِم، وهي تعرض لوحاتها في صالات العرض وفي المسارح والمكتبات والمقاهي.

   الشاعرة كلارا ريجي،  من مواليد 1959  في مدينة أُونجه وهي تعيش الآن  في بروتان.
      بدأت الشاعرة  بالحديث عن طفولتها وعن بداياتها، وكيف كانت تخترع القصص وهي تلميذة في الابتدائية ، وتنشرها في صحيفة المدرسة ، وفي سن المراهقة بدأت بكتابة الشعر لتعبر به عن الحياة القاسية التي كانت تعيشها، لكنها بعد ذلك اعتزلت الكتابة واصبحت تكتفي بقراءة الشعر وحضور القراءات الشعرية فقط، وظلت على هذه الحال الى ان هزها الحزن بوفاة والدتها فشعرت بالحاجة للعودة الى الشعر لأجل التعبير عن حزنها ، وهذا ما جعلها تستمر في الكتابة ولا تستطيع الابتعاد عنها.
       كتبت كلارا ريجي الكثير من الشعر، لكنها لم تفكر في النشر الّا مؤخرا ، قبل بضعة اعوام، ومن كتبها اخترت للقارئ ما يلي :
- Ourlets- 2015.
- Furet -2015.
- Vingt ( ½ )- 2017.
    المجموعة الشعرية الاولى لكلارا  ريجي احتوت على  12 قصيدة وكل قصيدة في صفحة، تسرد فيها لحظات خاصة من الحياة . اما في المجموعة الثانية ″ فوريت ″ ، فهي تروي طفولتها والحياة الشاقة في مزرعة بمساحة  20 فدان، حيث يتكرر هذا الرقم في العديد من قصائد هذه المجموعة،و بصدور هذه المجموعة حصلت كلارا ريجي على جائزتين، جائزة تروفرس، وجائزة مدينة تُوكيه.
   قرأت كلارا ريجي العديد من القصائد اخترت ان اترجم للقارئ بعضاً منها :
20 fois
عشرونَ مرة
كِفاحٌ ضد الريح

ننحَني كُلَ يوم
مُمتَصينَ من قِبَل التُربة
التي تُعيدُ لنا
الطفولة

لكِنَ
الوِحدة
تنغَمِرُ
في جوفِ
بطوننا

هيَ
لَم تَنقُذكِ

والريحُ
اكثرَ قوَةً
…………
Que restera-t-il
ماذا تَبقى
من دَفتَر العالَم الكَبير

العُقعق
بِلِباسِ يوم الأحَد
في المَطبخِ
خائفاً

يَهرب الطِفلُ
مُرتاعاً
وعلى شاطئ الطيور

بعض الريشِ
وَكَلِمات

    تعمَل كلارا في مجلةٍ الكترونية عنوانها : " أرضٌ لسماء ″، ويتميز اسلوبها الشعري بالدقة والنعومة ، وبمنصَةٍ مُتَنَقِلةٍ حية، تَعرِف كلارا  كيفَ تستحضِر، شظايا من طفولتِها القاسية والمُذهلة، مشاهداً احتَفَظَت بها في صندوق ذاكرتِها لتجعلها تحيا من جَديد.




[/url][/img]

    جمهور بيت الشعر كان سعيدا ومبتهجاً بالتعرف الى هاتين الشاعرتين وبسماع قصائدهما. لقد كانت أُمسية رائعة بفضل الحضور الجميل لهاتين الشاعرتين الرائعتين كوليت كَلاين، وَ كلارا ريجي.
     Le public de la Maison de la poésie de Poitiers était ravi de cette soirée et de faire la connaissance de ces deux poètes et d’entendre leurs poésies. C’était une soirée exceptionnelle, grâce à la belle présence de ces  deux poètes exceptionnelles, Colette KLEIN et Clara REGY.

13

8 آذار... اليوم العالمي للاحتفاء       
بنضال النساء     


                   

د.رابحة مجيد الناشئ
Le 8 Mars...La Journée internationale
de fêter la lutte des femmes











    يَطلُ علينا هذا اليوم التاريخي " 8 آذار ″، الحافِل بالنضال وبالتضحيات، ويدعونا لاستحضار رائدات النضال الأُوَّل، عاملات الغَزِل والنسيج في امريكا، واحتجاجهنَ على ظروف العمَل الجائرة ومُطالبتهنَ برفع الاجور عام 1857.
 
    كما يدعونا هذا اليوم الى التذكير بما قامت بهِ الصحفية الألمانية " كلارا زﯾﺘﮕن " ( التي كانت تُحَرِر مجلة  مُساواة  المُختصة بالنضال الثوري لأجل
 انتزاع الحقوق )، خلال المؤتمر الثاني العالمي للمرأة الاشتراكية في  كوبنهاﮔن عام 1910 والذي كانَ مُكرساً لحقوق المرأة، وحضرته مئات النساء من 17 بلد... في ذلك المؤتمَر، أطلقَت  كلارا زﯾﺘﮕن نداءً لأَجل تخصيص يوم خاص للمرأة يحثها على مواصلة النضال، وعلى الفور، لاقى هذا النداء تَرحيباً كبيراً وتبنتهُ النساء المؤتَمِرات بالإجماع.
    حفزَ نداء كلارا هذا النساء على ابتكار أساليب جديدة للنضال في العديد من الدول لأجل الحصول على حقوقهن الإنسانية المشروعة، ولم تكُن طرق النضال واحدة، الّا ان جوهرها واحد : التحرُر والمساواة والعدالة الاجتماعية.

كل هذه المواقف وغيرها ساهمَت وبدرجاتٍ مختَلفة في تحريك الضمير العالمي، وحفزَت الأُمم المتحدة على زيادة الإهتمام بقضايا المرأة، ودعوة الدول في عام  1977، لأجل إقرار يوم 8 آذار من كل عام، يوم خاص للمرأة، وكعيدٍ يُحتَفَل به دوليا... وحازت هذه الدعوة على ترحيبٍ كبير وتبنتها العديد من الدول، ليصبح هذا التاريخ " 8 آذار ″ عيدا عالميا للمرأة ورمزاً للنضال وللإنتصار.

    يحِقُ لنا في هذا اليوم أن نحتَفِل، بل أن نزهو وأن نفتخِر بالمكتسبات وبالتَقَدُم الذي أحرزتهُ النساء في العديد من الدول، بنضالهنَ وبتضحياتهنَ المستمرة، وبمساندة ودعم قوى اليسار والتقدُم في العالَم.  لكنَ هذا اليوم هوَ ايضا الفرصة المُثلى للتَفكير بكيفية إيجاد السبل والحلول الملائمة لتذليل المصاعب والتحديات التي  تتعرض لها النساء، من  ظلُمٍ  واضطهادٍ  واستغلالٍ واغتصابٍ  جسدي ومعنوي.  نحتَفِلُ بيومنا هذا  وما زالَت المرأة تُقتَلُ " غسلاً للعار " لمجَرَدِ شُبهة تحومُ حولها، و ما زالَت القوانين التي تسمَح بضرب الزوجة ل ″ تأديبها " فاعلةً، وقوانينَ أُخرى تتساهل مع مرتكبي مثل هذه الجرائم، وهناكَ مَن يتَكرَم بتزويج الصغيرات في سن التاسعة او حتى دونها ... دونَ أي رادِع اخلاقي  او قانوني.

    وَيَطِلُ علينا هذا اليوم التاريخي  8 آذار، رمز التضحيات  ورمز الانتصار،  والمرأة تُهَجَّرُ قسراً، وتتَعرَضُ لأَشدِ المُعاناة قَسوَة، اقتصاديا واجتماعياً وصحيا . ويمرُ علينا هذا اليوم، ونساء الأقليات كالمسيحيات والأزيديات والشبكيات والمندائيات... يتعرضنَ في مجتمعاتنا ( المتبجحة بالحرية والديمقراطية )، الى اضطهادٍ مُزدَوَج : مَرةً كَنِساء، وأُخرى لأنهن ينتمين الى أقليات لها ايمانها وقناعاتها الخاصة...ولهذا يصبحنَ عرضة  للإجبار على تَرك الدين واعتناق دين آخَر، وللتَعذيب والاغتصاب، بَل للاستعباد وللبيع في سوق النخاسة، كما حصلَ للأزيديات في العراق، والذي يُشَكلُ عاراً وجريمة نَكراء بحَق الإنسانية والمعايير الأخلاقية الدولية.

    إنَ المعركة مِن أَجِل المساواة، لَم تنتهِ بَعد، وَقَد تطول، فحتى في الدول ذات النظُم الديمقراطية، لَم تَحصَل النساء على المُساواة الكاملة فيها، فبالرغم من وجود القوانين الكثيرة التي تمنَع التمييز على أساس الجنس، ما يزال التطبيق ناقصاً، وما زال التَمييز بين الجنسين حديث الساعة، حاضراً ومُطَبقاً في العديد من هذه البلدان.

    ففي فرنسا على سبيل المثال، برغم القوانين المانعة، لا توجد مساواة بين الجنسين، لا في طبيعة العمَل ولا في الاجور، ولا زال النضال مستَمراً للحصول على أجرٍ متساوٍ بين النساء ونظرائهن من الرجال لنفس العمل، حيثُ يصل
 .25,7%  الفارق في المتوسط الى اقل من
    وهناكَ ايضاً عدم التكافؤ في التمثيل السياسي وفي مجال صُنع القرار، وفي توزيع المَهام المنزلية والتقاسُم والمُشاركة في الحيز العام (  المقهى، الشارع، السينما...).

    انَ سَن القوانين، لا يكفي للقضاء على عدم المساواة وَإحلال العدالة، بل يجب العمل على تَغيير الأفكار السائدة والنظرة النمطية للمرأة ″ أنثى ″، وسيلة لإنجاب الأطفال ولمُلازَمة المطبخ فقط، وليسَ مُشاركاً حَقيقياً في الإبداع والبناء والتطوير.

    إنَ قضية المرأة، هي قضية المجتمع بأكمله، ولا يتعلَق الأمر بالمرأة لوَحدِها، إنها مسألة تغيير جذري في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية والسياسية في المجتمع، ونضال النساء في سبيل الحصول على حقوقهن، يرتبط ارتباطا وثيقا مع كافة اشكال النضال، ضد أي  اغتصاب لحقوق الانسان، لأنَ قضايا النضال مُترابطة و لا تنفصل الواحدة عن الأُخرى.

    إنَ قراءَة الواقع الذي تعيشه النساء في ايامنا هذه، لا تَعني التشاؤُم، فلا يمكن لهذه الوضعية الاستمرار، بل ستخضَع حتماً لديالكتيكية الحياة والتطور، ولابدَ للفكر الرجعي المُسَيَّس ان ينزاحَ ويترك المكان للفكر التقدمي المؤمِن بالديمقراطية الحقة وبحقوق المواطنة، وحق المرأة في حياةٍ كريمة مُنتجة وبناءة. ويحضرني هُنا قول روزا لوكسمبورغ :

‹‹ الذي لا يتحَرَك لا يَشعر بِقيوده ››.
‹‹ Celui qui ne bouge pas, ne sent pas ses chaînes ››
  ″ Roza Luxemburg "
نعم، النضال مستمِر، لأَنَ الحقوق لا تُمنَح بل تُنتَزَع




15
   
أطيب الأُمنيات للعام الجديد-2018

Meilleurs Vœux pour le nouvel an2018
د. رابحة مجيد الناشئ 
لِكُلِ أولئكَ الذينَ لَم تسعدهم الحياة
لجميع أولئكَ الذينَ فقدوا عزيزا
او شيئا لا يُعوَّض عام 2017 ،
أنضَمُ اليكُم دونَ أَدنى تَحَفُّظ،
عسى أن يجلبَ لكُم عام 2018
ما كُنتُم تسعون لتحقيقه.

لهؤلاء الناس الذينَ يَعيشونَ المآسي،
أُوجه لَكُم كل تَعاطفي وَموَدَتي،
تبقى الحياة حياة، على أي شكلٍ تَكون،
لكنَّ كُلَ حياةٍ تستَحِقُ أن تكون مَكتوبة.

تُحَلِقُ أفكاري نَحوَ المحرومين،
المَنكوبين ظُلماً بالجوعِ والعنفِ والتهجير.
حبٌ بلا حدود، دونَ حَواجِز
ولتَكُن الأنانية مَحظورة الى الأبَد.

في هذه الايام الأوَلى للسنَةِ الجديدة
اليكُنَّ وَاليكُم جميعاً أحبتي : صِحة وسعادة وَحُب
عسى أن تكون هذه الأماني لَكُم مُستَجابة.

16
الأخ العزيز امير المالح المحترم
                                                                           تحية طيبة
                                                       بمناسبة قدوم العام الجديد 2018
                                                       لك اجمل الاماني بسنة سعيدة مليئة بالافراح
                                                        والصحة والسعادة وتحقيق الاماني
 
                                                       وارسل لك هذه المقالة راجية نشرها
                                                       في موقع عين كاوة مع كل شكري وامتناني
                                                                          تحياتي واعتزازي
                                                                         
                                                                        د. رابحة مجيد الناشئ   


18
التحديات التي تتعرض لها اللغة العربية في دول المهجر
وضعية اللغة العربية في فرنسا كَمثال
د. رابحة مجيد الناشئ
     ان مشاكل المهاجرين في بداية هجرتهم تنتج بشكل اساسي من الانقطاع المفاجيء مع اللغة الأُم، حيث يجدون انفسهم مجبرين على التحدث بلغة البلد المستقبِل والتكيف مع البيئة الجديدة، وهذا بالطبع لا يحدث دائما بغير تصادم، حيث ان لكل مجتمع ثقافته وقيمه وانماط حياته التي قد تختلف أحياناً، بل قد تصل الى حد التناقض مع غيرها...وهذ الامر مشترك عند المهاجرين ومنهم المهاجرين من اصولٍ عربية. فالكلمات والتعابير اللغوية التي قد تكون مرغوبة ومحل تقدير عند شعبٍ من الشعوب، لربما تُعَد منبوذة او انحرافا عن المعيار عند شعوب اخرى. هذه الوضعية تدفع المهاجرين في الغالب لإعادة النظر في سلوكياتهم، وبضمنها بالطبع السلوك اللغوي، لكي يحققوا اندماجهم في المجتمعات الجديدة، وهذا لا يحدث دون صراع وتضحية وتبعات ومشاكل سايكولوجية تؤثر في نفسية هؤلاء المهاجرين وتنعكس على شخصياتهم.
اللغة هذه الوسيلة الانسانية للتواصل، هي ايضاً كالناس تولَد وتنمو وتتطور وتتغير وتشيخ، وقد يدركها الموت لتحل محلها لغات أُخرى اذا تغيرت الظروف الموضوعية لوجودها، كما حدث للغة اللاتينية القديمة، واللغة القبطية وغيرها من اللغات. فاللغة لا يمكن ان تصبح وسيلة للتواصل إ لّا اذا انتقلت عبر الاجيال. وعلى كل حال فإنَ لُغات المهاجرين في دول استقبالهم تكون في الغالب موضوعا للسياسات التي تقودها الى الاختفاء.
ومن اجل فهم وضعية المهاجرين من اصل عربي وموقفهم من لغتهم ومن اللغات الأُخرى، يجب الأخذ في الاعتبار طبيعة التغير الذي تخضع له هذه اللغات المفصولة عن وسطها الأصلي وخاضعة للاحتكاك مع لغة او لُغات أًخرى أكثرَ تقييماً واعتباراً من قبَل المجتمع ومن قبل العوائل المهاجرة نفسها.
لقد اظهرَ البحث الاحصائي  للمعهد الوطني للإحصاء في فرنسا لعام 1999 ، والذي يُعتبَر اول احصاء مهم فيما يتعلق بالممارسات اللغوية للأقليات ، عدم الاحتفاظ بميراث لغوي للمهاجرين. فالبرتغالية والايطالية والاسبانية والعربية...كلها تراجعَت من جيلٍ الى جيل وأُزيحَت بواسطة اللغة الفرنسية، وبأنَ لُغات الأقليات منقولة أو مُحوِّلة بشكلٍ أقَل فأقَل :
1/5 من المبحوثين " البالغين ″ يستعمل في الوقت الحاضر في حديثه مع أقاربه من وقتٍ لآخر، لغة أخرى غير الفرنسية، 3/4 من هؤلاء كانوا يتكلمون الفرنسية فقط مع عوائلهم عندما كانوا في عمر خمس سنوات... وهكذا فان المهاجرين حين تطول اقامتهم، يستخدمون الفرنسية فقط في داخل العائلة وبالتالي لا تصبح العائلة إطاراً لتحويل اللغات.
فيما يتعلق باللغة العربية، أظهر هذا الإحصاء عدم نقل وتحويل هذه اللغة ، وفقدانها الكثير من قِبَل ثلاث جاليات مغربية : فنسبة الفقدان بالنسبة للجالية  الجزائرية  65 % ، للتونسية  60 %، وللمغربية  30%. لقد تطابقت هذه النتائج تماماً مع نتائج  بحثي الميداني الذي اجريته في فرنسا عام  2006 والموسوم ″ مكانة اللغة العربية في فرنسا " والذي كانَ جزءاً من اطروحتي للدكتوراه، حيثُ اظهر هذا البحث أنَ الغالبية من الأطفال والشباب المنحدرين من اصول عربية وعلى الأخص من اصلٍ مغربي    " من الذين خضعوا للبحث ″، يستخدمون اللغة الفرنسية فقط في حياتهم اليومية ولا يشعرون بالحاجة لدراسة اللغة العربية، لا من اجل التواصل، ولا من اجل النجاح والارتقاء الاجتماعي. ان هذه الوضعية اللغوية للمهاجرين تَنوَجِد في باقي دول المهجر، كما أنها تنطبق على المهاجرين من دول عربية اخرى كالعراق وسوريا ومصر والاردن... وهي تختلف بالدرجة لا بالنوع. اما التركيز على المغاربة هنا ، فهو يعود الى انهم  يشكلون اكبر الجاليات العربية في فرنسا، وأَنَ خاصية هجرة هؤلاء الى فرنسا تختلفُ عن غيرهم من الجاليات العربية ، وفي الحقيقة هم الاغلبية من الاجانب الذين يترددون على المؤسسات المدرسية الفرنسية، وفي الغالب النقاشات تدور حولهم. المغاربة يُظهرون تجمعا واضحا لثلاثة دول عربية ″الجزائر، المغرب و تونس "، وهي قريبة التجانُس من حيث الجوار والظروف المشتركة للهجرة والتشابه الحضاري والمشاعر الدينية...، وللثلاثة وضعيتهم الخاصة المرتبطة بالعامل التاريخي والسياسي، حيث ترتبط وضعيتهم اللغوية بالعلاقة مع الاستعمار وسيطرة اللغة الفرنسية بمواجهة لغتهم الام، اللغة العربية. أما الجماعات العربية الأُخرى، فأسباب وجودها مختلفة وليست بالضرورة لسببٍ اقتصادي او لعلاقةٍ تاريخية، فمنهم الطلاب ومنهم اصحاب الشركات ومنه طلبة اللجوء السياسي واللاجئين الذين أُجبروا على تركِ بلدانهم هرباً من الأخطار، كالحروب والاضطهاد والمجاعة والتمييز الديني والطائفي والكوارث الطبيعية وغيرها.
       إنَ اللغة العربية تجتاز اليوم وضعية صعبة في دول المهجر، بسبب علاقات القوة ما بين اللغات المتواجدة في هذه البلدان، وبسبب الصورة المُقولَبة والتي لا تستند الى أُسسٍ موضوعية عن هذه اللغة. فاللغة العربية لا تجد استقبالا حاراً في الوسط المدرسي الفرنسي، ويُترَك التكفُل بتعليمها في الغالب للمنظمات التابعة للمهاجرين فقط، وهذا ما يُساهم في عُزلتها وفي تهميشِها والحكمِ عليها بعدَم النفع للمستقبَل الدراسي والمهني، ليس من قبل بلد الهجرة فحسب، بل من قبل العوائل المهاجرة نفسها. وكل هذا يقود الكثير من أبناء  المهاجرين الى استدخال عدم التقييم للغة العربية، لغة الآباء والاجداد ولغة البلد الأصلي لهم، ومُحاولة البحث عن وسيلة للتخلص من هوية غير مُقَيَّمة، بتصريحهِ مثلا بأن اللغة الفرنسية هي لغته الأُم وليس العربية،  كما اظهرت ذلك جلياً  نتائج بحثنا الميداني. وفي نفسِ هذا السياق اظهرت نتائج هذا البحث، بأنَ الكثير من هؤلاء الأطفال لا يتردَد بإخفاء اسمه الحقيقي ويصرح باسم آخَر، وحين يُسأل عن السبب يعطي اسبابا لذلك، ومن هذه الاسباب على سبيل المثال ″ من أجل الحصول على اصدقاء ،  من أجل الشعور بأنه طفل سوي كالآخرين، من اجل ان يكون محترما ،  من اجل الحصول على وضيفة في المستقبل وغير ذلك من الأسباب والتي توضح الحالة النفسية لهؤلاء المبحوثين الذين يشعرون جيدا بعدم التقييم للغتهم ، اللغة العربية.   وهكذا تصبح نادية " نادَج ″، وليد يصبحَ وِلي، مُراد يصبحَ موس ، ومنعِم يصبحَ ميشَل، وكريمة تصبحَ  كرستين...الخ.  ولتوضيح الصورة اكثر طرحنا بعض الاسئلة على  آباء هؤلاء الأطفال والشباب الذين خضعوا للبحث ، منها :
- اذا استُحدثَ صف لتدريس اللغة العربية في مدرسة ابناءك، هل تفضل ان يدرس اللغة العربية كلغة ثانية او ثالثة، ام تفضل ان يدرس لغات أُخَرى ؟
      أظهرَ الآباء بأجوبتهم  مشاعر مزدوجة، فهم يتمنون ان يتكلم معهم ابنائهم اللغة العربية  ولكنهم بنفس الوقت لا يرغبون باختيارها، ويتحدثون عن ذلك بمرارة بالغة، وفيما يلي بعض اجوبة الآباء :
- أُريدُ لأولادي النجاح في حياتهم ، اختيار العربية لا يجلب النجاح في هذا البلد.
- نحنُ مجبرون على اختيار لغات اخرى لمستقبلهم  فلسنا في بلدنا.
- نحب ان يتكلم اولادنا العربية ولكن نخاف عليهم من الفشل في الدراسة.
- احب ان يختار اولادي لغات عالمية تنفعهم .
- العربية جيدة للعطل حتى يتحدثوا مع اجدادهم، للمستقبل لا...لا.
- جئتُ الى فرنسا حتى يكون لأولادي مستقبل وليس لدراسة العربية.
- دراسة العربية لا تنفع اولادنا، لا هنا في فرنسا، ولا في أوربا ولا حتى في البلد.
هذه بعض الأجوبة... فاذا كان المهاجرون انفسهم وابنائهم، يشعرون بعدم التقييم للغتهم العربية، واذا كانت الممارسة للغة الفرنسية تتميز بالاستعمال الواسع في داخل وفي خارج المحيط العائلي، وأنَ المهاجرين العرب لا يختارون دراستها حتى وأن وُجدَت ضمن لُغات اخرى في المدرسة...فكيف يكون الرد الحاسم على مستقبل هذه اللغة،  واذا كانت وضعيتها تبدو الآن هكذا، فعلى اي شكل سوف تكون في المستقبَل ؟
هؤلاء الأطفال والشباب ابناء المهاجرين، هل يستطيعون نقل وتحويل هذه اللغة الى الجيل او الاجيال القادمة ؟
أعتقدُ بأنَ الجواب على هذه الأسئلة سيكون فيه الكثير من الإحراج. فمثل هذه المعطيات ستؤثر حتما على مستقبل هذه اللغة، اللغة العربية، وتضعف وجودها، حيثُ لا يمكن لأية لغة أن تحيا وتستمر إلّا اذا مارسها واستمر على ممارستها كلاماً وقراءةً وكتابة الشعب الذي اختارها لغة له.
 اكتفي بهذا القدر من التوضيح لوضعية اللغة العربية في دول المهجر واترك المجال للمختصين في هذا المجال.

   



19
الشاعِر الروائي التشادي نَمرود ضيف بيت الشعر لمدينة بواتيه
Le poète romancier Tchadien Nimrod est L’Hôte
de la Maison de la  poésie de Poitiers



د. رابحة مجيد الناشئ 
يستمر بيت الشعر لمدينة بواتيه  بالاحتفاء بالشعراء، الفرنسيين والاجانب في دائرة أماسيه الشعرية، وهكذا كرسَ أُمسيته لشهرِ تشرين الثاني من هذا العام   .Nimrod نمرود -  للاحتفاء بالشاعر الروائي التشادي
بدأ الشاعر الأُمسية بالحديث عن طفولته، عن النهر، عن الرمل الصلصالي وعن الخشب العائم على النهر في بلدهِ تشاد. هذه المناظر الخلابة عاشها الشاعر وتعلَقَ بها وهوَ صغير فأصبحَت جزءا منه وطبعَت مسيرة حياته، يحملها معه أينما حَطَت خُطاه.

وُلدَ نمرود عام 1959 في تشاد، واسمه الكامل ″ نمرود بينا دانغَرانغ ″ وهوَ ابن لقسٍ لوثري.
تنقلَ الشاعر نمرود ما بين باريس وكوت ديفوار والولايات المتحدة للدراسة وللعمل وهو يستقر الآن في فرنسا بالقربِ من مدينة آميان.

في رواياته وفي دواوينه الشعرية غالبا ما يستحضر نمرود  الحرب وويلاتها ، ولكن ايضا المنفى وألَم الابتعاد عن أرض الوطن.
في كتابهِ " بابل بابيلون " تُهيمن فكرة العودة الى أرض الوطن وحيث ما زالت عائلته تسكن هُناك، ويهيمن عليه شعور بالحداد، ما دامَ مَنفاهُ يفرض عليه الشعور بكونه أجنبي في بلده، وحيث أنَ وضع القدم على ارض طفولته يضعه في خطر الموت.
كتابات نمرود مليئة بالتواضع العميق، يتساءَل فيها عن الفروقات التي يفرضها التأريخ على البشر باختلاسٍ وبخيانةٍ للأحداث.
حصلَ شاعرنا على جوائز عديدة، منها جائزة لويس لابه، وجائزة احمد كورما وجائزة ماكس يعقوب. ومن كتبه العديدة اخترت للقارئ  منها :

- ناس الضباب - 2017  .
- Gens de brume – 2017
 أودُ ان يكونَ لي مملكة بعوامات خشبية - 2017. –
- j’aurais un royaume en bois flottés – 2017.
- شُرفة على الجزائر الكبيرة " رواية "- 2013 .
- Un balcon sur l’Algérois, " Roman ″- 2013.
من مجموعاته الشعرية العديدة، ارتأيتُ ان اترجمَ للقارئ بعضاً من قصائد هذه المجاميع الشعرية :
Ma Véranda
شُرفَتي
أَنا الرجلُ الفقير في هذه المُقاطعة
أَتَمسكُ بِتقديرٍ كَبير
لِهذا الفقر الذي
تركَ الشتاءَ يُذَكِرَني
بالراحةِ البرجوازية
جالِسٌ هُنا بالقُربِ مِن قَصيدَتي
أكتبُ قَصيدَةً
حولَ الذّهب الجاري
في العشبِ حتى
قَدَم الزيزفون الكَبير.

Paysages (extraits)
مَناظر " مُقتَطفات ″
La grenade ce fruit que j’ai connu
au fond de l’exil à quarante ans
الرمانة هذه الفاكهةُ التي عَرفتها
في اعماق المَنفى لأَربعينَ سَنة
في أوربا الحزينة في الغالِب
حُزنٌ تَعلَمتُ مِنهُ كُلَ شيء
احتَضنتُ هذه الفاكهة المُتَفَجِرة
لا اقبل باستخدامها
كَسلاحٍ للدَمار الشامِل
هذا الاسم لِفاكهة الأندَلُس
كَرستُ لَهُ قَصائدَ هُناك في الباحات
عِطرَها كَهَف للعُشاق
جَميلةٌ دَسمة وَفاتِحة للشَهية
أَثارَت الحرب الكَثيرَ مِنَ القَصائد
لكنها لم تَعرِف ابداً ان تقول المساء
روحها مرسومَةٌ بِأزرَق
ليسَ وهاجاً ولا باهتاً مُجَرَد مأوى
اللجوء لِسَحق الجمهور

وهذه قصيدة اخرى وهي عنوان لأحد كُتبه :
J’aurais un royaume tout à moi
en bois flottés.
Une rivière de diamants
en désespoir de cause.

أوَدُ أن يكونَ لي وَحدي
مَملكة بِعوامات خَشَبية                         
نَهر منَ الماسِ
كَوَسيلةٍ أخيرة
ورغم معاناته في المنفى، الشاعر والروائي الأفريقي نمرود، يتمسك بالذاكرة كأداةٍ للمستقبَل، انهُ يجبرها على إعادة اختراع مدار الزمن لأجلِ أن يكون كل يوم رحلة فرحٍ، ديكور جديد للبناء، إلهامٌ للختمِ بكلماتٍ جميلة في قصيدةٍ جديدة.



25
إِضرابٌ وَمُظاهرات في 8 آذار بدلاً من الهدايا والأزهار
Grève et manifestations le 8 Mars plutôt que des cadeaux et des fleurs

د. رابحة مجيد الناشئ
هكذا تَمَ الاحتفال بيوم المرأة العالمي في فرنسا هذا العام ، استجابةً لنداء من 35 نقابة وَمنظمة مجتمَع مَدني للنِساء بوجوب التوقف عن العمل يوم الأربعاء 8 آذار ، في الساعة   ، احتجاجاً على عدم المساواة ما بين الذكور والإناث في  " 15H40 "الثالثة وَأربعين دَقيقة  الاجور، ورفض العمل المجاني، لأن الفارق في الأجر، حسب معطياتٍ رسمية هو      25، وهو يُعادِل ثُلث يوم عَمَل.  أما الساعة المُحدَدَة لبداية الإضراب فهي تُطابِق ,7%
رَمزياً الوقت الذي يبدأ به العمل المجاني " الغير مدفوع " للنساء بالمُقارَنة مع الرجال، بالاستناد الى يوم العمل الذي يبدأ من التاسعة صباحاً الى الخامسة مساءً، مع فاصلٍ زمني لساعةٍ واحدة لأجل تناوِل الغداء، وغالِباً ما يُطرَح هذا الفارِق معَ حِساب تَمثيل كَبير للنساء في وَظائِف بعمَلٍ جُزئي، او في وَظائِف مُنخَفِضة المهارة.

وَ تلبيةً للنداء، اضربَت  النساء في فرنسا عن العمل في الساعة المحددة للإضراب وَخَرَجنَ في مُظاهرات في ﭙاريس وفي غالبية المدن الفرنسية، ومنها مدينة ﭙﻭاتيه التي شَهَدَت اضراباً واسعاً عن العمل، وخرجَت النساء فيَ مظاهرة كبيرة  بالقرب من بلدية المدينة ، وهنَ يرفعنَ الشعارات المطالبة بالمساواة في الأجِر، وَبوضعِ حَدٍ للعُنف والتمييز ضد المرأة في العمل وفي المكانات العامة وفي المنزِل، وبتحقيق سياسات استباقية ضد الصور النمطية بين الجنسين : في المدرسة، وفي وسائل الإعلام وفي الحياة العامة والخاصة.
استطلعنا آراء بعض المتظاهرات، فقالَت إحداهُنَ: ‹‹ كيفَ تُقام الاحتفالات وفي كل عام ما يقرب من "  200.000 " امرأة في فرنسا تكون ضحيةً للعُنف المنزلي، وأنَ النساء لا يُمثلنَ الّا "  %25  " من البرلمان ويكسبنَ اجراً اقل من نظرائهنَ من الرجال بنسبة
  ››. 25,7%

وقالَت مُتَظاهرة أُخرى : ‹‹ يوم  8  آذار اليوم العالمي للمرأة ليسَ فقط لتوزيع الهدايا والأزهار، بل يجب ان يكون يوم حِراكٍ ونضال من اجل المساواة التي لم تَكتَمِل بعد، فلا هوادة لنا ومستمرون في النضال، رجالاً وَنساء من اجل المزيد من المساواة والعدالة الاجتماعية››.
ان  الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي المُتأزِم في وقتِنا  الراهِن على النطاق الوطني والعالمي، وَتَنامي وَتَصاعد الأفكار المتطرِفة بأنواعها وأشكالها في العديد من بِقاع العالَم، كلها عوامل وَمؤشِرات مُثيرة للقَلَق فيما يتعَلَق بالمرأة وحقوقها وبِمكانَتِها في المجتَمع.
انَ النساء يُشكلنَ في الغالِب الضحايا الأُوَل للصراعات والحروب والعنف والإرهاب، ولكن   في نفس الوقت هُنَ من عوامِل التَغيير والقوة الدافعة لإعادة البناء ولتحقيق المساواة وبسط السلام والعدالة الاجتماعية.

30
الشاعر الفرنسي فابريس ﮐﺎراﭬﺎﮐﺎ
Le Poète français Fabrice Caravaca
د. رابحة مجيد الناشئ
  فابريس ﮐﺎراﭬﺎﮐﺎ،  شاعر فرنسي مُعاصِ،َ من مواليد عام 1977  في دوردون و يعيش الآن في ليموج ، وهوَ كذلكَ ناشِر، ويدير دارالنشر " البرقية الأخيرة “ منذ تأسيسها قبلَ عَشرَة أعوام،  وهيَ دار نشر مُختصة  بالشعر، وضمنَ برامجها، الجمع ما بين الكتاب وموضوعه ونصوصه، والتركيز على الحوار، كما ترعى هذه الدار الأصوات واللغات  المُستَخدَمة اليوم على المستوى الوطني، وتنشر نصوصاً منَ الشعر الحديث.
    يَهتَم الشاعِر بالتَفاعُلات ما بينَ اللغة والجَسَد، وَما بينَ الإنسان وَمُحيطه، في منهَجٍ يعتمِدُ خَلقَ الروابط مع الاسلوب الغنائي، وهو يكتب في العديد من المواقع ولَهُ موقع خاص. وقد نشرَ العديد من المؤلفات ومنها ما يلي :

    - La vie- 2010 .
    - Le Poulpe- 2010.
    - Un homme  seul marche – 2010.
    - Somos Cosmos, avec des dessins d’Olivier Orus et de Serge Pey – 2012.
    - La falaise – 2014.
    - Un Corps contre la terre.
- الحياة - 2010 .
- الأخطَبوط -  2010 .
- رجل وحيد يمشي- 2010 .
- سومو كوزموس ، مع رسومات اوليفية  اوروس ، وَسيرج باي - 2012 .
- الشاطئ  الصخري -  2014 .
- جَسَدٌ بِمُواجَهَة الأرض.
La Maison de la Poésie de Poitiersقَرَاَ الشاعر في بيت الشعر لمدينة ﭘواتيه   ـ      ، الذي استضافهُ، الكثير من قصائدهِ النثرية باللغة الفرنسية، ومنها القصائد التي يتضمنها هذا المقال، والتي قمتُ بترجمتها عن الفرنسية للقراء. 
حين عَلِمَ الشاعر ﮐﺎراﭬﺎﮐﺎ بأنَ بعض نصوصه ستترجَم الى العربية قالَ بالحرف الواحد : ‹‹ ان ترجمة نصوصي الى اللغة العربية سوفَ تَغمُرني  فَخراً وَزَهواً وَسَعادة ›› و فيما يلي الترجمة العربية لبعض المقاطع من نصوصه الشعرية :
 Un corps contre la terre  من كتابه الموسوم - جَسَدٌ بِمواجهة الأرض ـ
النص التالي :
- ‹‹  في البدء،
أرى الخُضرة، وأرى الشمس قزحية الألوان، العينُ مفتوحة، لا شيء يبقى على حالهِ ابداً. الحرارة ترتفع من الأرض. ارضٌ مَدروسة، ارضُ ترابٍ صَلصالي للاحتضار الهادئ.
الجَسدُ يُقاوِم. أشعرُ بأنَ الجَسَدَ في داخلي. اليَد تَتَلمَس، تَمس أعضاء الأرض بِهدوء. بِبطءٍ
أُريدُ التَواصِل، ماداً اليَد لليَد الأُخرى.
             - هُناكَ شيء ما
             - انه لا يجمعنا ولكنه هُنا.
كانَ الأمَل  بالطبع، ان يكونَ هذا اكثرَ وضوحاً، اكثرَ جَمالاً، أكثرَ واقعيَةً...ان يكونَ هذا شيء آخر غيرَ صورة في الرأس. في نهايةِ الرأس – تقريباً فوقَ قُحف الرأس- قُبة هذا الجِسد.
نَعلَم بأنَنا لا نَنامُ بِسهولة. وَرُبَما نَحنُ لا نَنامُ ابداً. هُناكَ أشياء منَ الممكِن  أن تَتَشابه. بالصدفة تُلَوِث أو تَدَفَق. اللُعاب، البُصاق في الغُبار الساخِن. سُحابةُ أرضٍ مُنتَزعة منَ الأرض، مُتَجمِعة في البلغَم.
الأصابِع، جُزئياً على الشِفاه، تقريباً في الفم. يَتبعها اللعاب، بِبطءٍ، طَريقُ الأصابِع، ينزَلِقُ بينَ الكَتائِب وَيَسيلُ على المِعصَم. ثُمَ تَنضَمُ قَطَرات بسيطة الى الأرض، الغُبار ›› .

  يتَحدَث  هذا الكتاب عن الجَسَد في كلِ أحواله. والجسَدُ في قصائد الشاعر، ليس مثالياً ، وهوَ لا يُضفي عليه تعظيماً او جَمالية ، انَهُ بسيط جداً. انهُ حيّ، ومملوء بردود الأفعال ، بالحركة وبالإفرازات " لُعاب، بُصاق...الخ “. الجَسَد شيء وثني وأساسي في شعر كارافاكا، والجسد ولأرض ، يكونان  برنامَجاً مُتَكامِلاً في هذا الكتاب الذي يحتوي على  48  مقطعا، تُشكِل وحدة شعورٍ وَتواصل، في لُحمَةٍ سَردية، وَبإيقاعٍ عام كالجوقة الموسيقية.


، ما يلي :La falaise ومن كتابه الشاطئ الصخري ـ
    - ‹‹ مَسار الرجُل الذي يلتقي بالشاطئ  الصخري. الرَجُل لا يَتَراجَع. مِن المُمكِن أن يُحاذي هذا الشاطئ  لزَمَنٍ طَويل. أو يقذِف بِنَفسهِ في الفَراغ كَاستمراريةٍ للمَسيرة. يلمَس وَ يَتَنفَس الهواء الذي يُحيطُ بالشاطئ  و الذي في  اسفله. ولكنه لا يلمَس الأرض قبلَ أن يَكونَ ثَمُلاً. ثَملاً لانغماسه في الجاذبية، محتفظا بها لِذاته. عِظام الرجُل لَم تَتَهشَم. انَهُ يَجمعها في نِظامٍ آخَر. إمكانيَةٍ أُخرى للإمساكِ بالجَسَد بِكاملهِ. وهكذا تَصبح اليد في آنٍ واحِد هيَ القدَم وهيَ الرأس. ›› .
- ‹‹ هناكَ رَجُل. انه يَمشي. وهوَ وَحيد.  يُعيدُ تَحديد مَسارهِ في كُلِ خُطوة. يَلتَقي بِمَشاهد طبيعية. إنَهُ في قَلب المَشهَد. إنَهُ في قَلب المَكان. وَهذا يَعني بأنه يرتَبِطُ بهِ حَميمياً ›› .

  ، المقاطع التالية :La vie      وَمن كتابه - الحياة - 
- ‹‹ نحنُ نَبدأ. وَنستأنِف. نَحنُ لا نَتَوقَف. نحنُ حَقاً في حالةِ سُكرٍ بالجَمال. نَمضي قُدُماً. ليسَ لَنا خَيار. هُناكَ اشجارٌ باسقة. وَتَواريخٌ في الأعلى. هُناكَ الخُضرة والألوان و قابَ قوسين هناكَ أيضاً ضياء. ما زِلنا نُريدُ كُلَ هذا،  نُريدهُ دائماً. نحنُ على قيد الحياة ››.

- ‹‹  نحنُ نَتَقدَمُ في الليل. كُل هذا أتى إلينا. غُبارٌ. عندَها اصابنا القلَق. لَم يَعُد السَواد شَديداً. نَحنُ لا نُعاني. وهذا يُشابه فراغ كَبير.
كأنَهُ أغنيّة. صَرخَةُ فَرَحٍ. إنها أيادي، مُداعبات. يَجبُ أن يَحضرنا  شيء . مُجَرَد صورة. خُطىً في الظَلام. وَ سُمرةَ الخريف وَ نبيذ الخَريف. نَتَقَدم وَ نُواصِل الطريق دونَ خوف.......››.


 -  ‹‹ في كُلِ يومٍ شعورٌ بالحياة وَتَنَفُس بِملء الرئتين. إدراكٌ للضوء والتَغذي بِهِ دونَ خَوف. التَمَدُّد ِ عارياً عندَ كُلِ صَحوٍ عابِر. الأحداث الماضية، أجسامُنا اليوم وَنعومة وَصحة جنون الأجساد المُتَجَمِعة. نحنُ نمتَلكُ الوقتَ لَنا وَنمتلكُ هيئَة شَباب. نَحنُ اكثَر مما يظهر. الأمر الآن ليسَ إلّا هَمساً. قريباً تكونُ شائعة. بعدَ قليلٍ انطلاق، نحنُ لا نستطيع أن نوقِف أنفسَنا. لا يُمكِننا عملَ شيء ضِدَ أنفُسَنا لأَنَنا هُنا منذُ آلاف السنين للانتِظار ، لِحَفر الأخاديد وَلِكَسر الحدود. لَن نَستَطيع  عَمل اي شيء ضدنا لأننا قد عانينا سَلَفاً كُلَ الأمور. لَقَد تَعلمنا الصَمت ، المَنفى. تَعَلمنا تَحَمُّل المَجازِر والخداع. نحنُ نَعرِف أن نَحلم حُلماً دونَ نِهاية. وَ تَعلمنا تَسكين الألَم. نَحنُ نَنامُ وُقوفاً. نُغَذي أنفُسَنا بِأشياء صَغيرة وَنعملُ جَسَداً معَ الشَمس وَمع السَماء بِكامِلِها. نَحنُ نَشعرُ بانتمائنا الى الأرض. ونحنُ لَسنا لِوَحدِنا حتى لو حَدَثَ لَنا التيهان أحياناً. نَحنُ نَعرِفُ قارات الروح وطرق خاصة جداً. نَحنُ إنسانية كامِلة على الطَريق. نَحنُ في كُلِ مَكان. .....››.

بنصوصه الشعرية، يفتح الشاعر فابريس ﮐﺎراﭬﺎﮐﺎ نافِذَةً للأمَل وَيدعونا للتَمَتُع بِما هوَ هُنا، وَبِما هوَ الآن :
‹‹ إنَهُ الضوء الذي نحتاجُ اليهِ على طيلةِ يومَنا. وَأشياءَ صَغيرة. يَد على القَدَح. زِر قَميصٍ مَفكوك. خصلة مِنَ الشَعَر. الى ما لا نِهاية. أشياءَ صَغيرة الى ما لا نِهاية التي تُشَكِّل الخلود. والتي هيَ خَلاصِنا...... ››.
‹‹  أنا جُزءٌ مِن جَماعة، مِن مَجموعة، انها مجموعة البَشَر وأنا قَد تَعرفتُ على نَفسي في داخلِ هذهِ الأُخوة. لأَنَ الأمر الأساسي يَتَعلَق بِهذهِ الأُخوَة، أُخوَةٌ غازية " نَحنُ سوفَ نُغَيِّر العالَم ›› .

تَفاؤل كَبير وَصَفاء رَحِب يَظهَر جَلياً مِن نصوص الشاعِر ﮐﺎراﭬﺎﮐﺎ  بدَعوَتِهِ للنِضال سِلمياً من أجل الحياة وَمِن أَجلِ الأُخوة والمَحبة...يَدعونا الشاعِر لأجِل أن نَكونَ مَجموعةً  مُتَآخية و مُتَعانِقة.
نَحنُ نَنبضُ بالحياة، وَفي كُلِ ثانيةٍ ، بَل في كُلِ لَحظة مِن حَياتِنا تَختَلِجُ قلوبنا، فَلنَجعل مِن هذا، دَعوة دائمة للمَحبة وَلِتَحقيق آمالنا في الخروج مِن لَيلٍ طالَ أمَدَه.


65

67
الفنان العراقي كريم إبراهيم يُسجل احتجاجا في مهرجان اللومانتيه في ﭙﺎريس



د. رابحة مجيد الناشئ

التقينا الفنان كريم إبراهيم في خيمة طريق الشعب المحتفلة بعيد الإنسانية، عيد جريدة اللومانتيه ( الجريدة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي ) في ﭙﺎريس، أواسط سبتمبر 2011.

ارتأت خيمة طريق الشعب هذا العام أن تكون حاضنة للمثقفين وللإبداع والمبدعين. معارض فنية جميلة تطرز جدران الخيمة... صورٌ فوتوغرافية معلقة على الجدار الأيمن للخيمة استفزتني بروعتها تمثل الصابئة المندائيين وهم يقومون بطقوسهم الدينية وبلباسهم الديني(الرستة) وهي الملابس الطقسية للصابئة والتي يجب أن تكون باللون الأبيض، رمزاً للنور والنقاء والطهارة والسلام، وأمامهم (الدرفش) وهو راية الحُب والسلام ورمز الفلسفة الصابئية
                                                 
هذه الصور الفوتوغرافية هزت مشاعري بجمالها ورمزيتها فاردت التعرف على الفنان الصابئي الذي أنجز هذا المعرض .... وكانت المفاجئة الجميلة حين قال لي مُنظمو الاحتفال:
الفنان ليس صابئياً، بل مسلماً، هو الفنان الفوتوغرافي كريم إبراهيم. وهكذا التقيت بكريم الذي كان متواجداً تحت سقف هذهِ الخيمة وأردت معرفة المزيد عن هذا المعرض وعن تجربته الإبداعية في ميدان التصوير الفوتوغرافي.

ولد المصور كريم إبراهيم في عام 1952 في مدينة العمارة جنوب العراق، وهو خريج جامعة بغداد – علوم سياسية وقانون. في بداية عام 1980 ترك العراق (مضطراً) إلى بلجيكا، وتحديداً إلى بروكسل التي يُقيم فيها لحد الآن. في بلجيكا حصل أولاً على ماجستير في مجال العالم الثالث (تنمية وتعاون)، ثم اتجه في سنة 2000 لدراسة فن التصوير الفوتوغرافي ولمدة خمسة سنوات وأنهى هذه الدراسة في عام 2005.

عاد كريم إبراهيم إلى بلده العراق عام 2004، بعد غيبة دامت 24 سنة، ثم كرر زيارته لبلدهِ في عام2005، وتمكن من التقاط الكثير من الصور... وتنوعت المواضيع التي طرحها في معارضه الفنية، إلا أن اهتمامه كان منصباً في الأساس على الإنسان ومفردات حياته اليومية. كما اهتم بالهجرة والاديان والتعدد الثقافي.

نشر في سنة 2006 كتاباً بعنوان (العراق اليوم)، وأقام عدة معارض فوتوغرافية:
♦ العراق اليوم
♦ القاهرة القديمة
♦ عمال المعادن في مدينة (بيزﻨﮕﻳن)
♦ بروكسل روح المدينة

 


وهو يعد الآن معرضاً عن الجديد في تونس بعد نجاح ثورة الياسمين في الإطاحة بنظام بن علي.

عن بدايات تعلقه بالتصوير الفوتوغرافي يحدثنا كريم بحبٍ ودفءٍ عن مدينته العمارة، وكيف كان منظر الكاميرات المعلقة في المحلات يستهويه... إلا أن الطفل المُعجَب لم يحاول آنذاك كشف سر ذلك الإعجاب.

في بلجيكا وتحديداً في عام 2000 وحين كان كريم يعاني من البطالة، عاد بذكرياته إلى العمارة وكاميراتها التي كانت تغازله وهو صغير.... فقرر دراسة فن التصوير. وهكذا بدأت رحلته الفنية، بتسجيله في أكاديمية الفنون الجميلة في (أندر ليخت)، وبدأت علاقَته مع التصوير تترسخ وتحولت هواية الأمس إلى حبٍ وشغفٍ والتحام، بتشجيع من الأهل والأصدقاء.

تأثَر كريم إبراهيم بالمدرسة الإنسانية الفرنسية وبأعمال الفوتوغرافيين الفرنسيين، هنري كارتيه بروسون، روبرت دانو و ويلي رونيس. وتأثر كذلك بالفنان البرازيلي سالكادو، الذي يرى بان الصور يجب أن تُعنى بالإنسان الذي يُقاوِم مِن أجل حُريته، ويجب ان تعطي فرصة الرؤية لِمن لا يستطيع السفر.

وعن كتابه الذي صدر في عام 2006 يقول كريم: عندما زرت بلدي بعد غيبة طويلة في عام 2004، كنت آنذاك طالباً في سنتي الأخيرة في الأكاديمية وكان عليَّ أن أقدم عملاً فوتوغرافياً لأداء الامتحان أمام لجنة من الأساتذة المختصين. وهكذا وفر لي وجودي في العراق فرصة ذهبية، فقمت بتصوير العراقيين ضمن أطيافهم المتنوعة وكانت صوراً واقعية تظهر العراقيين وهم يعيشون حياتهم اليومية رغم ظروفهم الاستثنائية، مما أثار اهتمام وربما إعجاب أساتذتي في الأكاديمية لذلك شجعوني على طبع صوري في كتاب أسميته ‹‹ العراق اليوم ››.

وعندما سألنا كريم إبراهيم عن السبب الذي دفعه لتصوير طقوس الصابئة المندائيين، إستغرق في الصمت ثم قال: من الصعب أن أفهم ما يحصل ببلادي، أُمور سيئة غريبة لا تُطاق....فكل يوم نسمع عن اضطهاد الأقليات وتهميشهم ودفعهم للهجرة والتغرُب، وكنت أسأل نفسي عن كيفية الوقوف ضد هذا الظلم والاضطهاد....وكيف يمكنني الاحتجاج؟

وهكذا وضعت مشروعي الفوتوغرافي لتصوير هذا المكوِّن العراقي الأصيل.... هذا المشروع جلب لي الراحة لأني به أسجل احتجاجي على ما يجري.

ثم أضاف كريم: عندما كنتُ في هولندا لأُصور مشاهد الطقوس المندائية كنت فرحاً بهذا اللقاء وواعٍ لخصوصيته ويمكن أن ألخصه بكلمتين: توثيق هذا الوجود الإنساني وهذه المعاناة لهذِه الطائفة، وتصوير جمالية هذِه العبادات العريقة وقدسيتها. كما أفكر بتصوير المكوّنات الأخرى للشعب العراقي كالمسيحيين واليهود والأزيديين.
                                               
لم يُصور فناننا كريم إبراهيم الطقوس المندائية لأجل توثيقها تاريخياً فحسب، بل كان ذلك لجمالية هذه الطقوس ولمضامينها الروحية ورموزها الداعية للسلام والمحبة.

تأثر الفنان بحسهِ المرهف الصادق بما يحدث للأقليات في بلده الذي يحبه والذي إعتاد على طيبة أبنائه، فانفعل بهذِه الأحداث مسجلاً احتجاجه على الظلم بصورٍ فوتوغرافية تكشف بدورها عن قيمه الإنسانية وميراثه الفكري والاجتماعي. كان كريم يتحدث عن حلمه في أن يسود التآخي والمحبة بين أبناء شعبه وأن يعم السلام والعدالة الاجتماعية وأن يكون التسامح هو الشعار السائد....كريم إبراهيم هذا مسلمٌ حقيقي بروحية وفلسفة صابئية.



 

68
مهرجان اللومانتيه، ربيع للابداع، وموعد للحب
الأممي  والتضامن
خيمة العراقيين لومانتيه مُصغرة
د. رابحة مجيد الناشئ

مهرجان الإنسانية هذا، هو التجمع الأكبر لمعارِك الحريات السياسية والاجتماعية والثقافية الذي لم يعد خاصية أو امتيازا للحزب الشيوعي الفرنسي، بل أصبحَ عيداً للإنسانية برمتها، حيث انفتح بشكلٍ واسِع على النقابات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وعلى الأحزاب والقوى السياسية الأخرى في فرنسا وفي العالم كله.
أكثر من نصف مليون زائر في مهرجان اللومانتيه لهذا العام 2011، وقد كُنا زوجي وأنا من ضمن هؤلاء الزائرين كعادتنا في كل عام، ومنذ أكثر من عقدين. صاحَبتنا هذِه السنة صديقتان إحداهما جاءَت من لندن والثانية من ألمانيا، جاءتا إلى المهرجان من أجل المشاركة في تظاهرة التضامن مع المرأة العراقية ودعماً للثقافة في العراق.
تميز احتفال اللومانتيه لهذا العام بإعلان البرنامج المشترك لجبهة اليسار الفرنسي بقيادة " جون لوك مَلونشو".     ويعتبر هذا الالتحام ما بين قوى اليسار الفرنسي، إحياءً لروحية الجبهة الشعبية لسنة 1935. ان مهرجان اللومانتيه ومنذ سنيه الأُولى طرحَ الدعوات للوحدة العمالية وإلى جبهة موحدة سُميت منذ عام 1935 بالجبهة الشعبية الموحدة.  وبتجوالنا في الخيم الفرنسية      كان هناك شعار يتردد على ألسن الفرنسيين:  << يجب تقاسٌم الثروات ما بين الشعوب وليس تقاسم الديون >> ويبدو ان هذه العبارة هي رد على ما يحدث على الساحة السياسية في عالم اليوم.
يدخل الزائر للاحتفال من بوابات لو بورجه ( منطقة الاحتفال )، ليطوف في شوارع جميلة زاهية بأعلامها وشعاراتها وبناسها، نساءً ورجالاً، أطفالاً وشباناً وشيوخاً، من كل الأديان والأعراق، ومن كل أنحاء العالم. مختلفون فيما بينهم، ولكن الحب وروحية التضامن والحلم بمجتمع يسوده السلام والعدالة الاجتماعية، هي القواسم المشتركة فيما بينهم.
أسماء شوارع اللومانتيه تُذكِّر الزائرين بالشخصيات التي تركت بصماتها على مسيرة الإنسانية وأثرت على حركة التاريخ ومجراه سياسياً واجتماعياً وثقافياً. كشارع ﺴﻠﭭﺍﺩﻭﺮ الليندي، وشارع هوشي منه وشارع أنجيلا داﭭيز وشارع تشي ﺟﯾﭭﺍﺮا وشارع ﭘاﭘلو ﭘيكاسو وشارع لويس آراﮜون ( الذي يذكرنا دائماً بعيون ألزا التي ألهمته أروع الأشعار )، وغيرها من الشوارع  التي لا يمل الزائر من التجوال فيها.... شوارع كموسوعة تاريخية وفنية لا تحتاج إلى قواميس لحل رموزها.
يصل الزائر إلى القرية العالمية التي أُنشِئَت عام 1948 خصيصاً لاستقبال أصدقاء جريدة اللومانتيه من أنحاء العالم كله، كدلالة على الأخوة والتضامن ما بين الشعوب.             في أغلب خيمات القرية العالمية تُقام الندوات والمناقشات السياسية والاجتماعية والثقافية. ويأتي المشاركون حاملين لقضايا شعوبهم ومن أجل إظهار إبداعات أوطانهم في كل المجالات.
عند الوصول إلى شارع ﺟﯾﭭﺍﺮا تجذبك الأغاني العراقية الجميلة المنطلقة من خيمة العراقيين، خيمة << طريق الشعب >> المزينة بألوان العراق.
تحت سقف هذه الخيمة إجتمع حشدٌ من العراقيين، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، ومن كل أطياف الشعب العراقي.... فنانون تعج بهم الخيمة قدموا من أنحاء فرنسا ومن دول أورﭘية عديدة، حاملين إبداعتهم  في الرسم والفن الفوتوغرافي والخط والفن الكاريكاتيري.... شعراء وأدباء وعمالقة في الغناء العراقي الجميل....والكل يغني ويرقص ويبتسم.
تميزت الخيمة هذا العام بالحضور النسوي الكثيف....عراقيات جئن من ﭘاريس ومدن فرنسا الأخرى، وأخريات جئنَ من هولندا والسويد والمانيا وإﻧﮕلترا والدانمارك لأجل  إظهار تضامنهن مع النساء العراقيات في داخل الوطن، اللواتي يُعانين من العنف ومن التمييز بكلِ أشكاله.
هدف مُنظمو الاحتفال لهذا العام تمركز حول محورين:                                 التضامن مع المرأة العراقية في داخل الوطن. التضامن مع الثقافة العراقية والمثقفين العراقيين أينما كانوا في داخل العراق أو في خارجه.
وكان الشعر حاضراً بأنواعه وبثقله وقد سمعنا منه الكثير. ومن هؤلاء الشعراء استمعنا لقصائد الشاعر ماجد مطرود الذي احتفى بالمرأة على طريقته الخاصة، سابغاً عليها كل آيات الجمال والمحبة ومنتهياُ إلى خلاصة بأن الحب هو المرأة.
أما الشاعر صلاح الحمداني فكان كعهدنا به دوماً متغزلاً بحبيبته بغداد، ممسكاً بها، يبثها لواعج قلبه وهموم غربته ويناغيها بأرق كلمات الحب، حالماً بسماء تتسع لهمومه وهموم أمثاله من المنفيين وباحثا عن مركب يوصله إلى الهدف...إلى حلمه المنشود:
أروع السَّموات
سَماء تسع تَأمُلات المنفي
وَأوحَشُ المراكب
تلك التي لا توصل الغريب اليابسة
 


تظاهرة التضامن مع المرأة العراقية




في اليوم الثالث للمهرجان، خرجت النسوة العراقيات في تظاهرة انطلقت من الخيمة العراقية وطافت في شوارع القرية العالمية بالأزياء الفلكلورية العراقية الجميلة التي ترمز إلى مختلف مناطق العراق من شماله إلى جنوبه، لعربه وأكراده، رافعات الأعلام الزاهية المختلفة الألوان والتي ترمز إلى مكونات المجتمع العراقي المتآخية، وحاملات لشعارات مكتوبة باللغتين العربية والفرنسية تدعو إلى التضامن مع المرأة العراقية البطلة في الداخل. وشعارات أخرى مُناهضة للعنف والتهميش والتمييز الممارس ضد المرأة. كما نادت المتظاهرات بالكفاح ضد الأمية في العراق. وعلى طول وعرض القرية العالمية كُنَّ يزغردنَ وَينشدنَ الأناشيد والأغاني الوطنية وأغاني الحب والجمال.
رافق هذه التظاهرة الكثير من المثقفين العراقيين، منهم من حَملَ الأعلام والشعارات ومنهم من أخذ يعزف ويغني ويدق على الدفوف.


صفقَ الجمهور الفرنسي طويلاً للمتظاهرين مُلوحاً بإشارات التضامن مع الشعوب.
كانت التظاهرة برهاناً صادقاً على مدى الترابط ما بين وضع الثقافة وبين قضايا المرأة، ولا يخفى على أحد الارتباط الجوهري والديالكتيكي ما بين القضيتين. فعندما تنتعش الثقافة ويحتل المثقفون المكانة التي يستحقونها، تنتعِش كذلك وضعية المرأة ويقل العنف والتهميش والتمييز ضدها، والعكس بالعكس.
خليط من الأفراح والبهجة والأمل والمتعة الثقافية والجلسات والعلاقات الحميمية عاشها المتواجدون تحت سقف هذهِ الخيمة العراقية. حيث لا تمييز بين الرجال والنساء، بين الأديان والطوائف والقوميات. رأينا يهودياً عراقياً في الثمانين من عمره تدمع عيناه وهو يتحدث عن عشقه للعراق، وجمهوراً يمثل كل فُسيفساء المجتمع العراقي يُصفق له بحرارة ويعتز بوجوده داخل الخيمة. ورأينا فناناً فوتوغرافيا مُسلماً فخوراً بمعرضه المعلق على جدران الخيمة عن طقوس وعادات الصابئة المندائيين وآخر يعتز بمعرضه عن  الأزيديين ....هذا هو الواقع العراقي الجميل  الذي لا يعترف به البعض، بل هناك من لا يريد النظر إلى هذا الواقع، لأنه إذا نظر، لربما سيفقد البصر.
وهذا هو مَهرجان اللومانتيه، مهرجان الإنسانية....ثلاثة أيام إحتفالية جميلة تعطي للتضامن كل معانيه... لم نَرَ فيها وجهاً عابساً ولم نشاهد دمعة على خد طفل...عُرسٌ أُممي تختلط فيه الأعراق والأديان والقوميات والحصيلة إنسان.
في نهاية الأمر نودُ أن نقول ( وعلى نفس النغمة الجميلة لساحة التحرير في بغداد ):   الما يزور اللومانتيه عُمرَه خسارة .

ملاحظة: هذه الصور الرائعة في المقال، هي للفنان الفوتوغرافي المبدع عباس علي عباس من ألمانيا. وفناننا عباس هو ابن محلة قنبر علي البغدادية.

صفحات: [1]