عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - سلمان بارودو

صفحات: [1]
1
الكرد والاعتدال الديني
سلمان بارودو
بعد دخول الكرد واعتناقهم الدين الإسلامي طوعاً نتيجة تطابق هذا الدين الذي كان يدعو الناس إلى العدل والمساواة والتسامح مع التكوين القبلي الكردي آنذاك، فدخلوا الكرد طواعية إلى هذا الدين غير مكرهين أو مرغمين كغيرهم من الأقوام، حيث لعب الكرد دوراً بارزاً منذ دخولهم الإسلام وحتى الآن ضد التطرف والتشدد الديني، وأخذ الجانب المضيء منه وجعله صلة الوصل بين جميع المكونات وأغفل جانبه المظلم. وقدم خدمات جليلة للدين الإسلامي وللغة العربية وآدابها وثقافتها المتنوعة، حيث بات للدين الإسلامي ومبادئه تأثيراً كبيراً على المجتمع الكردي بالنظر إلى سواه من الأقوام والشعوب الأخرى.
لذلك، لا يمكن إنكار دور رجال الدين الكرد الذين قدموا خدمات كثيرة في ميادين عدة للدين الإسلامي، فحدث ولا حرج، من قادة عسكريين وإداريين وشيوخ دين ومؤرخين ورجال علم وأدب وثقافة، وظل الكردي متمسكاً صادقاً بأهداب الدين، وحريصاً كل الحرص على أداء فرائضه على أكمل وجه، وعبروا عن ما في الإسلام من ثقافة ومعرفة وفكر ناصع، وأغنوا بأطروحاتهم ومؤلفاتهم مختلف ميادين ساحة العلم والثقافة، ومدوا جسور التواصل والمحبة، غير متجاوزين الثوابت الأساسية لهذا الطرف أو ذاك، مؤكدين بأن الحوار هو السبيل الوحيد المؤدي إلى حل كافة القضايا الخلافية، وأن خطابهم الديني لا يخلو من مناشدة الناس بأن الحياة والعيش يجب أن يبنى على أساس من العدل والمساواة وصيانة الكرامة وحفظ الحقوق، لذلك نالوا إعجاب بني البشر على اختلاف ألوانهم ومشاربهم، وجاهدوا في كثير من الميادين من أجل نصرة وإعلاء راية الإسلام، حتى وصل بهم الأمر إلى حمل السلاح دفاعاً عن الخلافة الإسلامية، وعند الحديث عن أفضال الكرد على الاسلام والمسلمين، يحضرنا القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية. 
ولدى التمعن والنظر إلى المناطق الكردية مقارنة مع بعض مناطق الأقوام الأخرى، نرى بأن معظم مناطق تواجد الكرد متمسكة أكثر من غيرها بتعاليم الدين الإسلامي، حيث لا تكاد تخلو قرية كردية من مسجد، وفي كل مسجد "ملا" مؤذن، يدعو الناس إلى الصلاة، وهذا الملا ذو تأثير وسلطة اجتماعية لدى أهل القرية لما يقوم بالحكم بين الناس عند حصول أي خلاف أو نزاع، أي بمثابة قاض يحل محل المحاكم المدنية، وأيضاً يعقد عقود الزواج، ويدرَس طلاب القرية لتلقينهم مبادئ القراءة والكتابة، وتربيتهم على الأخلاق الإسلامية السمحة، ويتسلم مقابل ذلك مبالغ عينية أو نقدية من أولياء التلاميذ، كان مادته المعتمدة في تعليم التلاميذ هو القرآن الكريم، وكان يلقن التلاميذ بشكل نغمي حركات الحروف الهجائية، مثلاً: [ اَ ، اِ، اُ ، بَ ، بِ ، بُ ...]، ويستخدم الملا أساليب قاسية مع طلابه كالفلقة وضربهم بالعصا على اليدين في حال عدم حفظهم لدروسهم أو غيابهم عن المدرسة.
ومن ثم انتشرت المدارس الدينية رويداً رويداً لتصل إلى المناطق والبلدات الكردية، وكانت يدرَس فيها الفقه وأصوله والحديث والتفسير واللغة العربية وبعض العلوم الأخرى، وكان معظم شعراء الكرد وأدباؤهم من خريجي تلك المدارس والتكَايا الدينية التي كانت مناهل العلم الوحيدة في مناطق تواجد الكرد، ومن هؤلاء الشعراء والأدباء نذكر منهم: "فقي طيران, أحمدي خاني، ملاي جزيري, ملا نالي، رضا طالباني، حاجي قادري كويي،... وصولاً إلى الشاعر الكبير جكرخوين"، فمعظم هؤلاء الشعراء حملوا رايتهم القومية ودافعوا عن وجودهم وأصولهم الكردية، فدعا الكثيرون منهم إلى التحرر ووحدة الصف الكردي، حيث أنشأ أحمدي خاني في بلدته بايزيد مدرسة كلاسيكية إسلامية، وقام بوضع مناهج مكتوبة باللغة الكردية لتدريسها، كما قام ملا محمود بايزيدي ترجمة كتاب "شرفنامة" إلى الكردية, وقام أيضاً بكتابة تاريخ الكرد بلغته الأم (تاريخ جديد كردستان)، ودوَن في رسالته القيمة (عادات الأكراد وتقاليدهم).
حتى بات رجال الدين في المجتمع الكردي بشكل عام المصدر الوحيد والمرجع الأساسي للناس في كافة أمورهم الدينية والدنيوية على حد سواء، فقد أغنى العديد من رجال الكرد المكتبة الاسلامية والعربية بكتاباتهم الخالدة في خدمة الفكر والثقافة، نذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر: ابن خلكان وابن الأثير وابن الصلاح الشهرزوري، وابن الحاجب والشيخ عبدالقادر الكيلاني وخالد النقشبندي وعبدالرحمن الكواكبي وأحمد شوقي وآل الحيدري وعباس محمود العقاد وصولاً إلى محرر القدس القائد الكبير صلاح الدين الأيوبي ... والقائمة تطول وتطول. وبالرغم من كل ذلك كان نصيبهم على مر التاريخ الظلم والتجاهل والتعسف من قبل حكام العرب المسلمين، حتى وصل بهم الأمر إلى أن مرروا أفكارهم ونفذوا برامجهم وتوجهاتهم السياسية بحق الكرد عن طريق خطابهم الديني، كونهم كانوا يتعاملون مع الدين لأجل مصالحهم، وكان تدينهم عادة وليس عبادة، حيث أن الكثيرين منهم أنكروا أصولهم الكردية مدعياً انهم من طائفة الجن، وما قصة مؤسس الدولة العباسية أبو مسلم الخرساني "كردي الأصل" الذي استطاع القضاء على الدولة الأموية، حيث كان نصيبه القتل غدراً على يد الخليفة أبو جعفر المنصور، وفي هذا الصدد يقول الشاعر أبو دلامة:
أبا مسلم ما غير الله نعمة                      على عبده حتى يغيرها العبد
أفي دولة المنصور حاولت غدره             ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
لكن مع ظهور التيارات الإسلامية التكفيرية والجهادية مؤخراً والتي حاربت كل من يخالفها الرأي والتوجهات السياسية، إذ قامت بنشر الرعب والخوف في نفوسها، واعتبر الكثير من رجال الفكر والمعرفة أن مأزق الواقع العربي والإسلامي يرتبط بالثقافة قبل كل شيء، ويحضرنا هنا قول الشاعر العربي المعروف نزار القباني:
ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل            نعيش بمنطق المفتاح والقفل
نلف نساءنا بالقطن                            ندفنهن في الرّمل 
مما دفع بالكرد أخذ الحيطة والحذر من هكذا ثقافة وتوجهات خطيرة، وبدأوا رويداً رويداً اعلان موقفهم الرافض لهذه التيارات الإسلاموية العروبية والتي كانت تقف على طول الخط حجرة عثرة ضد الوجود القومي الكردي وهويته.
 ومع بروز الوعي القومي لدى الكرد وتبلور الهوية القومية الكردية، بدأ القوميون الكرد يهتمون بقضاياهم ومصالحهم القومية الخاصة، ولم يعروا أي اهتمام مثل ذي قبل للإسلام، وهذا كان أول انعطاف واضح عند الكرد لرفضهم أن يكونوا وقوداً للآخرين في معاركهم واستغلالهم من أجل تمرير أجنداتهم ومصالحهم.
وإن جميع تجارب العالم المتحضر وأصحاب الفكر والمعرفة أكدت بأن الحياة الاجتماعية لكي تسير في مسارها الصحيح والسليم، لابد من ايجاد حالة من التوافق والاحترام المتبادل بين كافة مكونات المجتمع على اختلاف أنواعها، لذلك تقتضي المصلحة العامة باجتناب كافة مظاهر التصادم والتنافر بين هذه المكونات المتعايشة مع بعضها البعض منذ زمن بعيد.
وعند النظر إلى واقع الكرد في عموم كردستان من الناحية الدينية نرى بأن كرد سوريا، أكثر من غيرهم اعتدالاً وتحرراً من التبعية للإسلام. لهذا، نستطيع أن نقول بأن كرد سوريا لا يقبلون التشدد الديني ولا الإسلام السياسي، لذلك عرف معظم رجال الدين الكرد في سوريا باعتدالهم الديني وفكرهم المتنور وخطابهم الوطني، ويعود هذا الفضل للحركة السياسية الكردية التي كانت تنبذ التشدد والتطرف الديني، ودائماً كان سياسيو الكرد يبدون مخاوفهم علناً من خطورة ظهور تنظيمات إسلامية متطرفة في الوسط الكردي، واتهامهم للدين بأنه سبب التخلف والويلات التي حصلت لهم.
 ومعروف لدى القاصي والداني، بأن الكرد من أكثر الأقوام الإسلامية انفتاحاً على المرأة، حيث يصف فاسيلي  نيكيتين في كتابه "رحلة في بلاد الشجعان" المرأة الكردية بأنها رمز المساواة والصلابة والجمال، يقول ما نصه: "ولم يسعني الا الإعجاب بالنساء الكورديات بمشيتهن المنتصبة وأقدامهن الثابتة الفخورة"،  كما يقول المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي في كتابه (الأكراد، ملاحظات وانطباعات): "إن الكرد هم أكثر تسامحاً من جميع الشعوب الإسلامية الأخرى المجاورة تجاه المرأة"...وبذلك فالكرد أكثر تقبلاً لحرية المرأة ومكانتها قياساً بالأقوام الإسلامية (الترك والفرس والعرب)، التي بدت لمينورسكي غير متسامحة مع المرأة.
والمهم في ذلك كله، لم يشهد التاريخ بأن الكرد في يوم من الأيام جعل من الدين الإسلامي تياراً سياسياً لفرض تعاليمه ومبادئه على الناس بالقوة، أو لاستحواذه على السلطة، بل كان خطابه الديني يركز على الاعتدال والتسامح والارشاد بدلاً من التطرف والتحريض والعنف، كما كان يرى بأن التدين يشكل الصلة بين الله وعبده، ولا يجوز استغلاله تحت أي مسمى آخر.

2
المنبر الحر / ملحمة 12 آذار 2004
« في: 23:55 14/03/2017  »
ملحمة 12 آذار 2004
سلمان بارودو
لا يخفى على أحد الملحمة البطولية التي سطرها شعبنا الكردي بصدور عارية إثر أحداث القامشلي في  12 آذار 2004 الذي ارتكب النظام البعثي وعبر اجهزته الأمنية أكبر مجزرة بحق شعبنا التواق إلى الحرية والمساواة، وذلك وفق خطة مدروسة ومفتعلة من قبل النظام أثناء المباراة الودية بين فريق نادي الفتوة القادم من دير الزور وفريق نادي الجهاد في القامشلي، وتم إطلاق  الشتائم والسباب والنعوت بحق الكرد ورموزهم من قبل جمهور نادي الفتوة في ملعب القامشلي، الأمر الذي أدى إلى انحياز الأجهزة الأمنية في قامشلي إلى جانب جمهور نادي الفتوة برعاية وإشراف مباشرين من قبل محافظ الحسكة سليم كبول السيء الصيت، الذي أوعز بدوره الأمر إلى الأجهزة الأمنية بإطلاق الرصاص الحي على جمهور نادي الجهاد، والتي راح ضحيتها الكثير من الشهداء بالإضافة إلى مئات الجرحى وآلاف المعتقلين، وانتفض الشعب الكردي في جميع مناطق تواجده في وجه النظام الشوفيني، وبذلك حطم جدار الخوف الذي سعى النظام زرعه بين أبناء شعبنا الكردي على أكثر من أربعة عقود، حاول النظام بكل السبل والوسائل أن يخضع كافة مناطق التواجد الكردي تحت سيطرته، حتى منعت وسائل الإعلام بالتوجه إلى تلك المناطق الكردية المنتفضة لكي لا تنكشف حقيقة ما يجري من قتل واعتقالات وانتهاكات، سوى التلفزيون السوري الرسمي الذي صور هذا الحدث وفق ديباجته القديمة الجديدة المعتادة: " إنها مؤامرة خارجية، يريدون اقتطاع جزء من أراضي سوريا وإلحاقها بدولة أجنبية و..."، حتى الصور التي كانت تبث من قناة تلفزيوني العربية والجزيرة وقتئذ، كانت مصورة من مدينة نصيبين المحاذية لمدينة القامشلي شمالاً، وكانت تلقف من إعلام النظام، كل ذلك من أجل تشويه صورة الحدث والتعتيم عليه، بهدف اصطفاف الجميع إلى جانب السلطة، وشاهدنا جميعاً كيف كان النظام ينتقم من الشعب الكردي عبر توجيهاته الأمنية وإصدار مراسيمه للحد من أي تطور في مناطقهم، وما الحصار الذي فرض عليهم اقتصادياً ومنعهم من أية مشاريع تنموية أو حتى خدمية، معتمداً في ذلك سياسة الإهمال والتشويه، كل ذلك بهدف تفريغ المناطق الكردية من سكانها وتغيير ديموغرافيتها، وتمرير المزيد من السياسات والمشاريع الشوفينية بحق شعبنا الكردي وحركته الوطنية.
وهنا لا بد من التذكير بأن الحركة الكردية بمجموع أحزابها عملت على تهدئة الأوضاع ووقف القمع الذي كان يتعرض له أبناء شعبنا الكردي رغم الاستفزازات التي قامت بها ميليشيا حزب البعث وأجهزته الأمنية، وناشدت جميع القوى الوطنية والديموقراطية في البلاد برفع صوت الاحتجاج والاستنكار والقيام بواجبها تجاه ما يتعرض له شعبنا الكردي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية هذه الأحداث، وحل القضية الكردية وكافة القضايا عن طريق الحوار والتفاهم المشترك.
ننحني اجلالاً واكباراً لأرواح ودماء شهداء شعبنا الكردي.
الخزي والعار للأيادي الآثمة التي تلطخت بدماء شهداء شعبنا.
المجد والخلود لشهداء آذار.

3
التسوية السياسية المتعلقة بالموصل أصعب من تحريرها؟!!
سلمان بارودو
بات معروفاً للجميع أن دحر تنظيم داعش الإرهابي والقضاء عليه هو مطلب ملح وضروري لجميع دول العالم، وجميع محبي السلم والحرية في كل مكان، إذ لا يوجد أي خلاف بين كافة الدول حول القضاء على هذا التنظيم التكفيري، وبالأخص من ناحية الحسم العسكري والقضاء عليه واجتثاثه، ولكن يبدو هناك تباطء وعدم الجدية من قبل بعض القوى الفاعلة والمؤثرة بخصوص القضاء على هذا التنظيم الإرهابي التفجيري، واتكال المهمة حصراً على كل من أمريكا ورسيا لمحاربته في كل من سوريا والعراق، وأن معركة الموصل بدأت ضد هذا التنظيم منذ عدة أيام، وأن جميع المؤشرات تقول بأن المعركة ستحسم لعدة أسابيع من رجس داعش، لذلك أن ضرب داعش في الموصل ودحره سوف يجعل القضاء عليه سهلاً في سوريا، وذلك حسب رؤية الكثير من المحللين والمراكز الاستراتيجية والبحثية في شؤون السياسية والعسكرية.         لذلك، لم يعد خافياً أن المعركة المعلنة في موصل ستحسم خلال أسابيع، إلا أن التسوية السياسية المتعلقة بالموصل سوف تكون أصعب من تحريرها، وإن التعقيدات التي ستبرز على السطح بعد تحرير معركة الموصل ستظهر حروب مستترة لصب المزيد من الزيت على النار لعدم وجود توافق دولي وإقليمي حول التسويات السياسية وحلها توافقياً، وسوف تخلق أزمات جديدة ضمن المشاكل والنزاعات التي لا تنتهي في المنطقة، وخاصة من ناحية نزوح الكثير من سكان الموصل ومسلحين باتجاه سوريا والمنطقة، لاسيما أن موصل سوف تكون متهيئة لخلق المزيد من النزاعات والخلافات لتنوعها الطائفي والاثني والعرقي، ولتداخل الكثير من الاجندات والمصالح الدولية والاقليمية، وذلك بالتوازي مع بزوغ صراع سياسي حول تقاسم تركة تنظيم داعش وإعادة تقسيم النفوذ بين القوى الإقليمية في كل من الدولتين الجارتين المتداخلتين من حيث المصالح والمرامي كل من تركيا وإيران، فإيران لا تريد من تركيا أن تكون شريكاً في قرار ومستقبل العراق، كون إيران تطمع في استعادة طريق التواصل البري مع سوريا، وذلك من خلال السيطرة على تلعفر ذات الأكثرية التركمانية، وهذا ما لا تريده تركيا لا بل ومتخوفة منه، فتركيا تصر على مشاركتها في معركة الموصل ليس مثلما تدعي هي من أجل محاربة داعش وحماية التركمان، بل من أجل إخراج حزب العمال الكردستاني من سنجار وبالتالي إضعافه، وإخضاع المنطقة لسيطرة قوات محلية موالية لتركيا للحد من تمدد الكرد فيها وإدارة شؤونهم وتقرير مصيرهم، وأيضاً الحد من دخول الحشد الشعبي في الموصل ونفوذ ميليشيات الإيرانية في العراق بقيادة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وقطع طريق تواصل إيران مع سوريا، رغم إعطاء واشنطن لأنقرة ضمانات لعدم السماح لحشد الشعبي من الدخول في قلب الموصل، وفي خطاب لأردوغان أمام رؤساء البلديات في مقر إقامته قال أردوغان عن معركة الموصل: “لن نصمت على الخطر الذي يطرق بابنا حتى يصل إلى أعناقنا ولن ننتظر التنظيمات الإرهابية كي تأتي إلينا وتهاجمنا”، وذلك في إشارة إلى المقاتلين الكرد في سوريا والعراق المثلث الحدودي والمنتمين إلى حزب العمال الكردستاني، المصنف لدى أنقرة كتنظيم إرهابي.   
 من جانبها، نقلت صحيفة "الحياة"، عن الناطق باسم التحالف الدولي الجنرال الأميركي جاري فولسكي، أن "بعض قادة التنظيم الذي يقدر عدد مسلحيه داخل المدينة بين خمسة آلاف وستة آلاف، غادروها، من دون أن يحدد وجهتهم، لكن كل المؤشرات تؤكد انتقالهم إلى سوريا".
حيث بدأت أرتال تنظيم داعش بالانسحاب من موصل متجهة صوب سوريا، كما كان مرسوماً له من قبل التحالف الدولي بقيادة أمريكا، كونه المنفذ الوحيد المفتوح من الجهة الغربية على الحدود مع سوريا، والتي سبق وإن مهدت له واشنطن لاستكمال تحقيق هدفها المتمثل لاستنزاف خصومها، وتشير بعض المعلومات بأن داعش أرسل قسماً من معداته وأجهزته وعتاده إلى محافظة دير الزور جنوب نهر الفرات، لكون هذه المناطق أكثر أمناً بالنسبة لداعش، وخاصة من ناحية احتمال مهاجمتهم براً من قبل وحدات حماية الشعب الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية.
إن هدف أمريكا من فتح ممر باتجاه سوريا من قبل تنظيم داعش هو لأجل دفع داعش لإشعال حرب استنزاف ضد روسيا والنظام السوري، للضغط على روسيا ومنافستها المتصاعد في سوريا وخاصة معركة حلب التي ترى ليست سوى قرين لمعركة موصل، سواء حسمت أم لم تحسم.   


4
علـم الاقتصـاد السيـاسـي

سلمان بارودو

لم يتفق علماء الاقتصاد على تعريف واحد لعلمهم، حيث أن كلا منهم يركز على ناحية معينة، فقد كان آدم سميث وجون ستيوارت ميل وغيرهما يعتبر أن علم الاقتصاد هو علم الذي يدرس قوانين زيادة الثروة، في حين يعرفه الاقتصادي الانكليزي الفرد مارشال بانه "من ناحية دراسة الثروة، ومن ناحية أخرى أكثر أهمية، هو جزء من دراسة الإنسان" فالاقتصاد عند جون ستيوارت ميل إذن هو دراسة للسلوك الإنساني في محيط الجماعة ولكن من أجل الحصول على الثروة، بينما يرى آخرون أن الاقتصاد السياسي هو العلم الذي يدرس الرفاه الاقتصادي ( (Le Bien-eteeويعرف الاستاذ بيغو "Pigou" الرفاه الاقتصادي بأنه جزء من الرفاه العام يمكن قياسه مباشرة (عدد الوحدات) أو عن طريق غير مباشر (بالمقياس النقدي) ولكنه يشكل أساس الرفاه العام، بحيث أن الرفاه الإنساني يزيد أو ينقص بزيادة أو نقص الرفاه الاقتصادي وبالنسبة نفسها.

ويرى آخرون بأن الاقتصاد السياسي هو علم دراسة السلوك الإنساني كعلاقة بين أهداف وبين وسائل نادرة ذات استعمالات مختلفة، وبمعنى آخر فأن الاقتصاد السياسي عند هؤلاء هو علم الاختيار في ضوء الموارد المتاحة، بحسب هؤلاء فأن " الاقتصاد هو دراسة تأثير الندرة على السلوك الإنساني في ظل الظروف التي يكون للأفراد والجماعات فيها حرية الاختيار في تخصيص الموارد النادرة ذات الاستعمالات البديلة وبين الأهداف المتعددة والمتنافسة".

ولقد طور كارل ماركس مفهوم الاقتصاد السياسي في كتابه "نقد الاقتصاد السياسي" ليحوله إلى علم دراسة قوانين تطور المجتمع، ذلك أنه بتطبيق قوانين المادية الجدلية على حركة التاريخ صاغ قانونية تطور المجتمعات من نظام اقتصادي إلى آخر فيكون علم الاقتصاد السياسي قد انتقل على يد ماركس إلى علم القوانين الاجتماعية التي تحكم انتاج السلع والخدمات وتوزيعها على المستهلكين، أي أولئك الذين يستخدمون السلع لإشباع حاجاتهم الفردية أو الجماعية، وبكلام آخر فأن الاقتصاد السياسي كما يقول عنه أوسكار لانج: " هو علم قوانين النشاط الاقتصادي الاجتماعية".

وفي ضوء ما سبق يمكننا القول إن هناك اتجاهين في تعريف الاقتصاد السياسي:

الاتجاه الأول: وينظر إلى الاقتصاد السياسي كعلم يبحث في سلوك الإنسان الاقتصادي بصرف النظر عن الشروط التاريخية والاجتماعية التي تحيط بهذا السلوك، ويرى أنصار هذا الاتجاه بأن السلوك الاقتصادي يخضع لقوانين عامة وواحدة في جميع المجتمعات.

إنهم ينظرون إلى الاقتصاد السياسي كعلم مجرد عن الشروط المحيطية وكتقنية اجتماعية مهمتها زيادة الرفاه الاقتصادي.

الاتجاه الثاني: يعتبر الاقتصاد السياسي علم دراسة الظواهر والعلاقات الاقتصادية باعتبارها ظواهر وعلاقات ذات طبيعة تاريخية واجتماعية، وبمعنى آخر فإن علم الاقتصاد السياسي كتقنية اجتماعية يتغير من نظام اقتصادي اجتماعي إلى آخر.

ونعتقد أن التطورات التي لحقت بمفهوم الاقتصاد السياسي كعلم تجعل بالإمكان، في إطار التفريق بين النظرية والمذهب: "فالنظرية هي عبارة عن تصنيف وترتيب الظواهر وتحديد القوانين فيما بينها أنها عبارة عما هو كائن وليس عما يجب أن يكون، وبمعنى آخر فإن النظرية لا تكون "ملتزمة"، بينما يكون المذهب عكس ذلك أي عبارة عن مجموعة مبادئ التي يجب تطبيقها لحقيق أهداف معينة، أي أن المذهب هو عبارة عما يجب أن يكون، مع ملاحظة أن المذهب قد يقود إلى نشوء نظرية أو نظريات جديدة.

إذن، الاقتصاد السياسي هو علم تحديد الاختيارات المطبقة لتعظيم الدخل الحقيقي في إطار توزيع هذا الدخل وفقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية.

وقد يعترض أحدهم فيقول إن هذا التعريف يتفق مع أسس النظام الاقتصادي الرأسمالي ولكنه لا يتفق مع مبادئ الاقتصاد الاشتراكي، غير أن التحليل العلمي الدقيق والمعمق للمنهج الذي أتبعه كارل ماركس في التحليل الاقتصادي وتبيان مرحلية الأنظمة ما قبل النظام الاشتراكي يؤكد أن ما كان يقصده ماركس في التناقض بين علاقات الانتاج ومستوى تطور القوى المنتجة ما هو إلا العقبة التي تقف في طريق تعظيم الدخل الحقيقي، وإنه عالج مسألة التوزيع كعلاقة تبعية لتلاقي حدوث الازمات الاقتصادية التي تؤدي إلى عرقلة نمو القوى المنتجة.

إننا نعتقد أن هذا التعرف يتفق تماماً مع المفهوم الماركسي للاقتصاد السياسي على أنه علم اكتشاف قوانين تطور المجتمع لأنه تعظيم الدخل الحقيقي يستوجب بالضرورة تحقيق التوافق بين علاقات الانتاج ومستوى تطور القوى المنتجة الذي يشكل فقدانه السبب الرئيسي في تهديم النظام الاقتصادي الاجتماعي.

5
تـصـــــريــح
كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات والمطالبات والنداءات التي تصدر بخصوص توحيد الموقف والخطاب الكرديين، حيث تأتي هذه الدعوات في الوقت الذي يتم فيه إقصاء ممثلي الشعب الكردي وتجاهل وجوده وحقوقه القومية في مباحثات جنيف3، نحن في التحالف الوطني الكردي في سوريا(HEVBENDI )، نؤيد ونتضامن مع كافة الدعوات والنداءات ونخص بالذكر نداء الاستاذ عبدالحميد درويش سكرتير حزب التقدمي، وكذلك دعوات الشباب الكرد ومطالبتهم بالخروج في مظاهرات من أجل الضغط على أحزاب الحركة الكردية لوحدة مواقفها وخطابها.
ندرك تماماً بأن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق ما لم نملك إرادتنا وقرارنا، ونقوم بخطوات عملية لتهيئة أرضية مناسبة، ولكي تتكلل هذه الجهود بالنجاح لا بد أن تعقد لقاءات وحوارات في المناطق الكردية السورية، لكي تتحمل الحركة الكردية مسؤوليتها التاريخية.
   29/3/2016
رئيس التحالف الوطني الكردي في سوريا (HEVBENDI )
                                     مصطفى مشايخ

6
الإهانة والحقد في ثقافة المفكر عبدالرزاق عيد...؟!
                                                                               
سلمان بارودو
    إن قضية الشعب الكردي تعتبر من أهم القضايا سخونة في الشرق الأوسط يجب أن تجد لها حلولاً منصفة وذلك وفق العهود والمواثيق الدولية، والتي نالت للأسف تجاهلاً دولياً واهتماماً قليلاً جداً من قبل الباحثين والمفكرين والمثقفين وخاصة من إخوتنا العرب، الذين شغلتهم قضايا اخرى أقل أهمية من القضية الكردية، مما أدى الى نشوء حالة من الجهل أو بالأحرى تجاهل كبير لقضية الشعب الكردي عندهم، وأعتقد أن القسم الأعظم من هؤلاء كان جهلهم متعمداً، وكانوا يحلمون بأن يستفيقوا يوماً فلم يجدوا الكرد على وجه البسيطة. 
    حقيقة، إنني صدمت بكثير من الألم عندما قرأت ما كتبه الدكتور عبدالرزاق عيد بحق الشعب الكردي ليعبر عما يكتنف بداخله من حقد دفين تجاه الكرد، حيث كتب ما يلي: " أما الكردية السياسية البككية فهي بتهديدها بتفكيك سوريا إنما تبتز الشعور الوطني للشعب السوري، وانفصالها لا يخسر الشعب السوري إلا جيش من العاطلين عن العمل في قطاع الخدمات والسياحة ...أي في المطاعم والمقاهي والملاهي وصالونات تنظيف الأحذية"، لم أكن أتوقع أن يبدر هذا التوصيف العجيب من الدكتور عبدالرزاق عيد على أساس أنه المدافع عن حقوق الإنسان وخياراته في العيش الكريم، ليس كمثل ما نسمعه من بعض المطبلين والمزمرين والغوغائيين، الذين لا يفقهون شيئاً سوى ارضاء لأسيادهم المستبدين، كما أحسست أيضاً بالمرارة كيف أرتضى الدكتور عبدالرزاق عيد لنفسه أن يصل إلى هذا المستوى من الحقد والكراهية تجاه شريك اساسي وهام في هذه الظروف البالغة الخطورة، فكان الأولى به أن يكون عامل وحدة وتآلف، لا عامل تمزق وتباعد.
   يبدو أن هناك البون وانقلاباً شاسعين بين أقواله وأفكاره، الراهنة والسابقة، لذلك لا بد لي أن أبين له وللقراء بعض الحقائق التي قد تكون أغفلت عنوة! حيث كتب اثناء أحداث "قامشلي" 12 آذار بتاريخ 26 نيسان 2004، في جريدة النهار اللبنانية، تحت عنوان: "مشكلة الأكراد...الخاسر الوحيد سوريا": إذ يقول: "إن ما حدث في "الجزيرة السورية" يؤشر إلى بداية التشقق في بنية العمارة السلطوية الشمولية التي بنت جمهورية "الخوف والصمت" في سوريا..... كان الأكراد يلجأون إلى أشقائهم المثقفين العرب (كتابا ومفكرين وفنانين ) ليضموا صوتهم معهم في سبيل مطالبهم العادلة، لكن المثقف العربي المبهظ بإفلاس مشروعه القومي والمثخن الوجدان بجراحات الهزيمة، كان في طور مراجعة منظومته الفكرية القومية التي قادته إلى كل هذا الحطام، هذا المثقف العربي المطعون بشرفه القومي لم يكن في وضع ثقافي وعقلي- بعد أن يئس من طغاته قادة احلامه القومية- ليصغي ويتفاعل مع الهموم القومية للآخر حتى ولو كان الشقيق الكردي في الوطن الواحد ..."، ماذا جرى لك أيها المفكر لتتغيير مائة وثمانين درجة، سبحان مغير الاحوال؟ هل المصلحة والمنصب والمادة جعلك تتغيير وتتراجع بهذا الشكل المرعب عن كتاباتك ومواقفك السابقة! وهل كل ما كنت تكتبه في الماضي عن حقوق المظلومين والدفاع عن آرائهم أصبح في خبر كان؟!
   كانت الحركة السياسية الكردية تدعو في نضالها إلى دعم جهود إخوتنا من المثقفين العرب لحقوق شعبنا الكردي، لكن كما يبدو لنا للأسف أن أغلبهم يشترط أن كل شيء ستفقد شرعيتها وتبدو في نظرهم لقيطة ما لم تنتسب للعروبة، ويختلفون في كل شيء إلا في جفائهم للكرد ولقضيتهم العادلة! ولم يعترفوا حتى الآن بشكل صريح وواضح بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، وبوجود مسألة قومية في سورية، إنها وصاية وغطرسة قومية بدون مبرر، ليس هذا فحسب بل إن الدكتور عيد يؤسس نظير غيره من منظري تغريدة: الأرض تتكلم عربي؟! أي أنه هنالك رهاب (فوبيا) عام يشترك فيه جميع منظري العروبة تحقيق الكرد لحقوقهم القومية؟!. لكن يبدو هذا الخوف يتعلق ببنيتهم الثقافية والفكرية والسياسية وبسلوكهم المتوارث والمتحجر منذ مئات السنين، هذا أصبح أوضح من الشمس في رابعة النهار؟.
    لذلك، أدهشني كثيراً، واستوقفني أكثر بما سطر قلمه بحق الكرد، بحيث جعلنا نترحم على نظام البعثي العروبي العفلقي لأنه لم يبلغ إلى هذا الحد من الشوفينية والضغينة، فوضع نفسه في مستوِ يشرب من منهل الغلاة الشوفينيين. 
     لم أكن أتصور هذه الكراهية المقيتة الدفينة بداخله التي خدشت شعور الآخرين (الكرد)، ولكن أظهر عقله الباطني الجامع لفكره وقناعاته في فلتات قلمه! ألم يبين التاريخ أن المبررات اذا لم توجد فإنها تخلق!.
    لذلك، إن ما كتبه الدكتور كان أشبه بسيناريوهات الشوفينيين البعثيين في توليف وتركيب التلفيقات والادعاءات الباطلة بحق الكرد، كنا نتأمل من مفكر ما ركسي بقامة عبدالرزاق عيد غير هذا؟!
   كان عليه أن يواجه بجرأة وحزم استحقاقات المرحلة بكل ما تطرحه من تحديات وصعوبات، وأن يضطلع بمهامه الأساسية في الدفاع عن الكرد وتمتعهم بحقهم في الحرية وتقرير مصيرهم أسوة بجميع شعوب المعمورة، كون الكرد كانوا من أشد المتضررين من نظام البعث الشوفيني، ويسعى لبناء دولة الحق والقانون وإصلاح ما أفسده المفسدون، وأهمس في أذنه: هل هذا هو منطق الإصلاح والتغيير الذي كنت تنادي به وتنتمي إليه يا دكتور؟ أهذا يخدم وحدة الصف الوطني؟ وهل من حرية الرأي في شيء أن تقرر مصير الآخرين وترغمهم في نمط معين من العيش؟
    فنحن الشعب الكردي لسنا بحاجة بأن نقدم كشف حساباتنا لأي كان، وعن محبتنا ودفاعنا عن وطننا سوريا العزيزة، لأنه هذا مثبت في أفكارنا وتاريخنا وأقلامنا التي لم تهدأ يوماً من الأيام لأجل مستقبل مشرق ومزدهر لبلدنا سوريا، نحن الكرد استخدمنا ومازلنا نستخدم لغة الحوار والتواصل مع جميع الاتجاهات والتيارات الوطنية طالما تصب في خدمة الوطن والمواطن، ونتمسك بشعار الأخوة العربية الكردية. 
    إننا من منطلق مسؤوليتنا التاريخية الملقاة على عاتقنا نؤكد للقاصي والداني عن مواصلتنا بلا هوادة لنضالنا المشروع والعادل في سبيل حقوقنا القومية والوطنية والديمقراطية، وأيضاً تمسكنا بنهجنا الديمقراطي السلمي حتى تحقيق أهدافنا في الحرية والعيش الكريم، والتحرر من الظلم والغبن والإقصاء، وإقامة نظام برلماني تعددي حر دون إلغاء أو تمييز.
وختاماً، آمل أن يعيد النظر فيما قاله وكتبه عن الكرد، وأعلم أن له أصدقاء عديدين من بين شعبنا الكردي، على هذه الزلة والذي لا يليق به كمفكر وباحث عن الحقيقة، كما يقال: الحق لا يخاف لومة لائم.




7
الاتفاق التركي ــ السعودي والدور المحوري ؟!

سلمان بارودو         
إن العلاقة الحميمة التي نشأت في الآونة الأخيرة بين تركيا والسعودية تتعدى علاقات التعاون الطبيعية بين دولتين من أجل خدمة ومصالح شعوبهم ومجتمعاتهم بعيداً عن تشكيل أي خطر أو على حساب مضرة وإساءة الآخرين، لكننا لاحظنا أن هذه العلاقة تطورت إلى درجة تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي بين الدولتين المذكورتين، ويبدو أن لكل منهما أسبابها ومصالحها، فأن حكومة أردوغان دوماً وعلى طول الخط لها معيار وبُعد كردي لجميع حساباتها ومقاييسها أي عدائها الواضح والصريح ضد طموحات وحقوق الشعب الكردي أينما وجدت، لقد صرح أردوغان أكثر من مرة مقولته المشهورة: «لا قضية كردية في تركيا بل قضية إرهاب»، بينما السعودية فهمها الرئيس وشغلها الشاغل هو إضعاف إيران ومشروعها التوسعي الشيعي في المنطقة، وبالتالي فأن كلاهما ينطلقان من معادلة توازن القوى السنية في المنطقة وخاصة في سورية والعراق المنهمكتين في أزمتيهما.
لذلك رأينا أن السعودية عرفت تماماً التوقيت المناسب لإنشاء وتأسيس هذه العلاقة الاستراتيجية مع تركيا كونها أتت في أوج التوتر التركي ــ الروسي بعد إسقاط تركيا المقاتلة الروسية مع حرص السعودية لعدم تصعيد أو إثارة أي خلاف مع روسيا، كون روسيا أيضاً تعهدت للسعودية بعدم التدخل في اليمن ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع صالح، لذلك مهما أختلف الرياض مع موسكو في الشأن السوري أو الإيراني فالسعودية تبقى ملتزمة بالحفاظ على تلك العلاقة بسبب تحالفها ضد الحوثيين وصالح، كما أن روسيا أيضاً تريد الحفاظ على هذه العلاقة طالما السعودية لا تريد منها فك ارتباطها وتحالفها مع إيران وسوريا، لوجود مصالح مشتركة ومتبادلة مع بعضهما البعض.
 بينما تركيا وشخص أردوغان وحزبه يرى بأن التحالف الدولي وروسيا يدعمان مقاتلي الكرد في إطار الحرب على حلفاء أردوغان من داعش وجبهة النصرة والقاعدة، وكل تنظيم يتعاون مع هذه المجاميع الإرهابية، ويضربان احتجاجات أردوغان عرض الحائط بخصوص دعم مقاتلي الكرد ضد حلفائه الإرهابيين، لذلك أن أردوغان يشكك حتى في دول حلف الأطلسي "ناتو" بقدر ما يشكك في التحالف الغربي الذي يقوده أمريكا والتدخل الروسي في سوريا عندما الأمر يتعلق بالكرد وقضيتهم القومية العادلة.
لقد رأينا الكثير من التناقضات والتخبطات في خطابات أردوغان ورئيس حكومته داوود أغلو حيث صرح أردغان قبل فترة أن تدخل قواتنا العسكرية في العراق هو من أجل ضمان أمنها ومصالحها، حيث قال: " ... هنا يوجد عرب سنّة، ويوجد تركمان سنّة، ويوجد أكراد سنّة، فمن الذي سيحفظ أمن هؤلاء؟، هم بحاجة لحماية أنفسهم عبر برنامج التدريب الحالي، وكل الخطوات التي نقوم بها هي في هذا الاتجاه..."، أن انتهاك سيادة العراق ليس خرقاً من وجهة نظر أردوغان وحكومته، بينما تجاوز الطائرة الروسية بضع ثوان الأجواء التركية هو انتهاك وخرق فاضح لسيادة أردوغان وحزبه، هنا نسأل: لماذا في تلك الفترة لم يحافظ أردوغان على أمن وسلامة ومصالح العراق ولم يحارب داعش، واضح وضوح الشمس مدى تخبط أردوغان وهو يفقد بوصلته وبالأخص في خطواته الخارجية الأخيرة ففي العراق مثلاً لم يواجه تنظيم داعش ولم يحرك ساكناً للدفاع عنها عندما غزا داعش العراق، مع العلم أن داعش سيطر على مساحات واسعة من أراضي العراق أمام مرئى ومسمع أردوغان وحكومته، أن تصريحات أردوغان المذهبية ونعراته الطائفية لم نرى هكذا تصريحات وبهذا الشكل العدائي الصارخ وبهذه العنجهية الفظة لا في عهد الامبراطورية العثمانية ولا في عهد السلطان سليم الأول، لا بل وصل الأمر به عندما وقع أكثر من ألف أكاديمي تركي وأجنبي على عريضة ضد قمعه للكرد في كردستان الشمالية، حيث قال أردوغان بالحرف: «ليسوا متنورين بل ظلاميون وجهلة».
 إذاً، فإن فكرة إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي الأعلى تخدم البلدين في هذه اللحظة من التحديات والصعوبات التي يواجهانها، لكن لكل حسب رؤيته.




8
تدخل روسيا المباشر في سوريا
سلمان بارودو
إن تدخل روسيا المباشر في سوريا بأنظمة صواريخها وطائراتها بحراً وجواً وبشكل علني ومشاركتها في ضرب التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش الإرهابي التكفيري، ليس إلا لحظة تغير موازين القوى في مسار الحرب الدائرة في سوريا وعلى سوريا، لتصبح سوريا ميدان عراك وتصارع دولي قبل أن تكون ساحة تصارع سياسي من أجل وضع حلول سياسية للأزمتها الداخلية، وقد يبدو للمتابع من اللحظة الأولى بأن هذا التدخل ليس بمعزل عن وجود اتفاق وتفاهم ومصاهرة مسبقة بين الروس والأمريكان على عموميات الوضع السوري مع بعض الاختلاف في تفاصيله، وما نشاهده اليوم من هذا التدخل هو تحقيق لأهداف ومصالح روسية وأميركية ولكن بسواعد روسية، كما يفهم من التدخل الروسي والتوافق بين الطرفين " الروس والأمريكان"، بعد أن شعرت أمريكا بعدم مقدرتها على إدارة شؤون المنطقة لوحدها وقدرتها على السيطرة حتى مع حلفائها، لذلك رضخت لموازين القوى وأُجبرت على قبولها بالتدخل الروسي العسكري في سوريا، مع العلم أن روسيا استخدمت كافة أوراقها الممكنة لإطالة وجودها في سوريا من دعم النظام السوري بكافة الاحتياجات العسكرية واللوجستية وصولاً إلى استخدام حق النقض " الفيتو " في المحافل الدولية، وذلك لدفع ما يجري في سوريا باتجاه الحوار والمفاوضات.     
حيث أن الكثير من المراقبين والمختصين السياسيين والعسكريين ينظرون أن هذا التدخل جاء متأخراً إلى حد ما، لكنها كانت ضرورية واستراتيجية بالنسبة لمصالح روسيا وخاصة في المياه الدافئة، حيث تريد روسيا استعادة دورها وأمجادها في المنطقة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية في أوائل تسعينات القرن الماضي، كما أن سوريا بالنسبة لروسيا هي معركة حضور ووجود القوة الروسية في العالم وهي حرب استباقية لتخوفها من العد العكسي لانتقال نشاط الإرهابيين من سوريا إلى داخلها في حال انتهاء الحرب وسقوط النظام السوري عبر جارتها الجنوبية تركيا كونها راعية وممولة لتلك الجماعات الإرهابية المتشددة، بالرغم من علاقات واتصالات روسيا مع كافة الفرقاء المتصارعة في سوريا، من معارضة ونظام، طبعاً، عدا التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في سوريا مثل داعش وأخواتها، أن تدخل روسيا في سوريا صعَب من الموقف التركي تجاه الأزمة السورية وما يزيد من هذه الصعوبة وهو عدم ثقة تركيا بجدية الإدارة الأمريكية بخصوص الأزمة السورية، وتشكل هذا التدخل قبل كل شيء أكبر خسارة لتركيا كونها أي "تركيا" أصبحت جارتها الشمالية والجنوبية أي بين فكي كماشة روسيا، حيث تكمن هذه الصعوبة والخسارة في عدم إقامة تركيا منطقة عازلة في سوريا، ومنطقة حظر طيران فوق أراضيها، وباتت في مواجهة مباشرة مع الروس، كما أن هذا التدخل قد يعطي ضوء أخضر لتقدم قوات الحماية الكردية باتجاه مارع وجرابلس وصولاً إلى عفرين لاكتمال الأقليم الكردي في سوريا، حيث كان يعلم القاصي والداني بأن تركيا كانت معبراً للإرهابيين إلى سوريا عبر أراضيها وحدودها المتاخمة لسوريا، وكانت تستقدمهم من جميع أنحاء العالم وتقدم لهم كافة التسهيلات المطلوبة، إلا أن تركيا تصرفت بكل كراهية وحقد تجاه الكرد في سوريا وخاصة عندما أعلن حزب الاتحاد الديمقراطيPYD"" الإدارة الذاتية في المناطق الكردية في سوريا، وعندما صرح صالح مسلم الرئيس المشترك لـ PYD حول التدخل الروسي في سوريا إذ قال: "سوف نقاتل إلى جانب كل من يحارب داعش"، والانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب YPG و YPJ على أرض الواقع وسيطرتها على طول مساحة 600 كيلو متر على الحدود مع الجارة تركيا، جعلت معظم القوى الدولية تساندها في محاربتها ضد  (داعش) وجميع التنظيمات الإرهابية، وتعتبرها القوة العسكرية الرئيسية الوحيدة في المناطق الكردية يجب دعمها في حربها ضد هذه القوى الإرهابية عموماً، حيث بلغت الكراهية لدى نظام أنقرة ذروتها عندما صرح رئيس وزراء تركيا داوود أغلو بخصوص تفجيرات أنقرة بالحرف: "انها من تنفيذ وتحريض خمس جهات هي: داعش وحزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب الكردية وجبهة التحرير الشعبي الثوري والمخابرات السورية"، وأيضاً عند استدعاء وزير خارجيتها للسفيرين الأمريكي والروسي في أنقرة لاحتجاجه على تلقي وحدات حماية الشعب YPG وYPJ مساعدات عسكرية من بلديهما أي "روسيا وأمريكا"، فقد تخبط أردوغان كثيراً عندما أعلن  كانتون كوباني تل أبيض جزءاً من إدارتها الذاتية حيث قال: "إن تركيا لن تسمح بسيطرة الأكراد على شمال سوريا"، لذلك أن تدخل روسيا في سوريا سوف تسقط مطامع تركيا في سوريا وخاصة إضعاف الكرد في سوريا ومن خلفهم الكرد في تركيا، وهذا التدخل أيضاً سوف ترسم  حدود ومعادلات وتوازنات قد ينتج خرائط سياسية وجغرافية جديدة في سوريا وفي المنطقة. 


9
السياسة التي تنتهجها تركيا تجاه القضية الكرد
سلمان بارودو
إن مطامع وازدواجية سياسات الحكومة التركية بينت نواياها وخفاياها للقاصي والداني، وخاصة المذكرة التي وافق عليها البرلمان التركي في تشرين الأول عام 2014، هذه المذكرة التي كانت تمنح الحكومة التركية جواز إرسال قوات عسكرية خارج الأراضي التركية، وذلك لمواجهة التهديدات التي قد تتعرض لها تركيا – هذا حسب ما تضمنت تلك المذكرة – حيث كان تصريحات المسؤولين الأتراك أنذاك كانت تتجه وتترجم مضمون تللك المذكرة، وخاصة عندما كانت تركيا تصر على إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، ليس هذا فقط بل إنما أبدت استعدادها لتولي حماية تلك المنطقة بمفردها، وحسب ما تتطلب مصالحها وأهدافها.
إن هذه النوايا والسيناريوهات من قبل الحكومة التركية تضعها في مصاف الدول التي تتدخل في الشؤون الداخلية للغير، دون أخذ أي اعتبار لغطاء أو شرعية دولية تعطيها هذا الحق إن جاز التعبير.
إذ أن تركيا كانت معروفة من حيث دعمها القوي واللامحدود لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي " داعش "، حيث منعت الشبان الكرد من الذهاب إلى كوباني لمقاتلة هذا التنظيم الإرهابي وذلك للدفاع عن أرضهم وعرضهم في وجه أكبر قوة عالمية إرهابية في تاريخ البشرية المعاصر.
إن المتابع للوضع التركي وخاصة منذ وقف عملية إطلاق النار من قبل حزب العمال الكردستاني وحتى هذه اللحظة لاتزال ذهنية الحكومة التركية قائمة على قاعدة إنكار الهوية الكردية والتهرب من استحقاقات المرحلة الراهنة والمستقبلية، ولم تصل الجانبان إلى نتائج عملية ملموسة تخدم الطرفين، رغم اغداق الحكومة التركية الكثير من الوعود ولكنها لم تترجم أي من هذه الوعود على أرض الواقع بشكل عملي وتطبيقي، لذا فإن الجهود لحل المسألة الكردية تعتريها الكثير من العقبات والعراقيل من قبل الحكومة التركية. 
لا بل زادت حساسية ومخاوف الحكومة التركية أكثر فأكثر عندما قامت قوات التحالف الدولية حماية المناطق الكردية في كل من سوريا والعراق بطريقة عملية وعلنية، ودعم مقاتليها في وجه تنظيم داعش الإرهابي، وإصرار التحالف الدولي على تقديم وارسال كافة انواع الدعم اللازم لمقاتلي الكرد في كوباني، هؤلاء المقاتلين الذين نجحوا في كسر اسطورة داعش وكسب الرأي العام العالمي إلى جانبهم، خلافاً لإرادة الحكومة التركية، يعتبر هذا الدعم مكسباً كبيراً في الحرب ضد الإرهاب، وفي الوقوف إلى جانب الشعب الكردي الذي يتعرض لأشرس هجمة إرهابية .
إن مقولة أردوغان الذي يتكرر في كثير من المناسبات من أنه لا توجد مشكلة كردية في تركيا، ان هذا الكلام يثير الكثير من التساؤل وعلامات الاستفهام، لا بل يطفئ مناخ وأرضية التواصل والتفاؤل الذي ساد بين الطرفين منذ فترة، لا بل ذهب أكثر من ذلك عندما صرح قائلاً: أنا ضد قيام كيان كردي حتى لو كان في افريقيا.
لذلك من مصلحة تركيا أن تنأى بنفسها عن التدخل والتورط في شؤون جيرانها الداخلية، وأن تتركهم في رسم مستقبلهم وتقرير مصيرهم بنفسهم وإرادتهم.
لذا على تركيا الإقدام والمبادرة بكل جرأة وشجاعة الاعتراف الدستوري بالهوية الكردية كاملة دون انتقاص، وذلك للوصول إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية، دولة لكل مواطنيها.



10
الدور التركي تجاه القضية الكردية
سلمان بارودو
إن المسؤولين الأتراك والأحزاب التركية التي توالت على الحكم في تركيا جميعها أبدت مخاوفها من التطورات التي تجري على الساحة والمناطق الكردية إن كان في كردستان الشمالية أو روج آفا، ولقد أغدقت الحكومة التركية الكثير من الوعود بخصوص عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني ومع زعيمه عبدالله أوجلان المعتقل في سجن إمرالي، ولكنها لم تترجم في خطة عملية وتطبيقية، حيث كانت تركيا دائماً تضع في حساباتها أن ظهور أي كيان كردي سوف يكون سبباً للحرب، أي أن تركيا ومنذ زمن بعيد مصابة برهاب اسمه فوبيا الكردية، لذلك كانت تعاملها مع الفدرالية التي أقرت في كردستان العراق محل امتعاض ورفض تركيا.
 وهكذا كانت تعاملها مع حزب العمال الكردستاني على أنه تنظيم إرهابي انفصالي لا يمكن التعاطي معه إلا بالقمع والعنف، متجاهلة أنه يمثل أكبر شريحة في كردستان الشمالية، وهذا ما أثبتته نتائج الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت في المناطق الكردية، والآن تركيا تدفع ثمن فوبيا الكردية نتيجة عدم مشاركتها في التحالف الدولي ضد الارهاب وتقديمها تسهيلات لتنظيم داعش الارهابي التكفيري، ومراهنتها على سقوط كوباني، لأن أهداف تركيا الاستراتيجي تتقاطع مع أهداف داعش في المناطق الكردية والمنطقة، وهذا ما أكده الكثير من المسؤولين الامريكيين لتركيا بخصوص مساعدتها لتنظيم داعش الإرهابي، لكن تركيا هاجسها وتخوفها الوحيد من نشؤ كيان كردي في شمال سوريا بعدما سيطرت مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي في جميع المناطق الكردية، هذا مما أدى إلى إعلان تركيا وإلحاحها بالتدخل العسكري في سوريا، ليس من أجل سواد عيون السوريين بل من أجل منع نشؤ أي واقع أو كيان كردي في سوريا، وإذا شاركت تركيا الحرب على داعش في التحالف الدولي هذا يعني انها تخوض الحرب جنباً إلى جنب مع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا في منتهى الخطورة بالنسبة للقوميين الاتراك، يجب على تركيا أن تعيد النظر في سياستها التي تتجه نحو العزلة والعداء لأي تطور في الوضع الكردي، جميعنا نتذكر ما أدلى به رئيس الحكومة التركية داوود أوغلو لـ بي بي سي البريطانية عندما قال هناك ثلاثة أعداء لتركيا هم تنظيم داعش والنظام السوري وحزب العمال الكردستاني، وأيضاً سبقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما اعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه ارهابي مثله مثل حزب العمال الكردستاني، وقد تحدى الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو عندما أعلن أنه يجب دعم المدافعين الأكراد عن كوباني بالسلاح وإنهم ليسوا إرهابيين هذا ما قاله باراك اوباما بعد يوم واحد من وصف رجب طيب أردوغان للحزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهابيين، بل ذهب باراك اوباما أكثر من ذلك عندما أمر بفتح ممر لنجدة كوباني بالمقاتلين من البشمركة تحديداً، وبهذا أكد أوباما لا يمكن لتركيا أن تعترض لقرارات الإدارة الامريكية وهذه ضربة لطروحات التركية بخصوص المسألة الكردية، كما أن القوة التي سوف تعتمدها أمريكا مستقبلاً في الحرب ضد داعش هي القوات الكردية تحديداً،لأن هذه القوات أثبتت بأنها القوة الوحيدة التي استطاعت أن تهزم أكبر قوة إرهابية على وجه الأرض.
غير أن الحكومة التركية وجدت نفسها في وضع غاية الارتباك والحرج سواء في تعاملها مع ملف كوباني او علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مشهد القوات الكردية أي البيشمركة التي عبرت الأراضي التركية لتساعد أعداء تركيا كان مشهداً سوريالياً بكل المعايير، غير أن نتائج هذه الساسة العنصرية والشوفينية تجاه الكرد انقلبت وبالاً على تركيا فعجزت عن تحقيق أهدافها العدوانية تجاه شعبنا الكردي المسالم.
ولا شك أن مسار الذي العلاقة بين تركيا والكرد ترك حفراً عميقاً في الجسد الكردي ليس من السهل إزالتها وخاصة بسبب أحداث كوباني، وما الشروط التي طرحها المسؤولون الاتراك على رئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم التخلي عن فكرة الإدارة الذاتية للمناطق الكردية في سوريا، وبالطبع رفض مسلم الشرط التركي.
غير أن الرياح لم تجر كما تشتهي سفينة الحكومة التركية، ومن الصعب بما ستؤول إليه مسار المرحلة والتطورات الجارية في المنطقة، لكن أي تطور يحصل مستقبلاً سواء كان عسكرياً أو غيره لن يخسر الكرد شيئاً لأن جعبتهم بالأساس خالية الوفاض، إنما عبارة عن بعض الضحايا الإضافيين وهذا لن يؤثر في واقعهم العدمي.


11
الإنسان هو الأساس والمحور لأي عملية....؟!
سلمان بارودو
إن جميع الأديان السماوية والنظريات المختلفة قديماً وحديثاً ركزت على بناء الإنسان كون الإنسان هو العمود الفقري وأساس التقدم والتطور لأي مجتمع أو دولة، لذلك أن بناء الإنسان أصعب بكثير من بعض المباني الجميلة التصميم والشاهقة الطول، فلا يتخيل التطور إن لم يكن الإنسان نفسه متطور ومتقدم وقابل لتطوير قدراته وتنميتها، ولا يمكن أن نتصورتغييراً في أي مجتمع إن لم يقابله تغييراً في العقل والفكر، لأن الإنسان محور كل تقدم حقيقي مستمر مهما أقمنا من ناطحات السحاب وإلى ما شابه ذلك.
فالإنسان هو الفاعل والمحرك الذي يصنع التغيير ويدون التاريخ ويحرك الأحداث، سواء في اتجاه الشر، أو في اتجاه الخير. لذلك فان المقدمات الصحيحة لأي فعل حضاري لن تتحقق إلا من خلال العمل المتواصل والاستثمار في بناء الإنسان المنتج والفاعل، والمفعم بالقيم الانسانية النبيلة، ليكون بذرة فاعلة في البناء الإنساني الصحيح، والقائم على أساس الاعتراف بالآخر، لأجل أن يسود السلام والأمن والتقدم على وجه المعمورة.
والإنسان هو الركن الأساس الذي يبنى عليه بناء الحضارة، وهو الركيزة الأساسية في بناء المعمورة. إننا اليوم بحاجة إلى إنسان ذو مواصفات حسنة نجد في شخصيته المدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان وحرياته في العيش بسلام وأمان.
لذلك إن الكثير من الشعوب نجحت في مساعيها فاستطاعت الوصول إلى مراحل متقدمة في هذا الشأن ليس فقط عبر بناء الإنسان بل عبر تهيئة البيئة التنظيمية والحقوقية التي تتيح لذلك الإنسان أن يصبح منتجاً ومنافساً. فرفع الشأن وبناء الانسان يستوجب فهم و وتدارك لجميع الامور المحيطه بالواقع من جميع اتجاهاته.
وعندما يفقد الإنسان قيمة العلم والثقافة والمعرفة، فلن يكون في استطاعته المشاركة في بناء مجتمعه والسعي به إلى مصاف المجتمعات المتطورة والمتقدمة اجتماعياً وحضارياً.
لدينا قصوروفوبيا واضحين في كثير من المفاهيم مثل ادراك واستيعاب تطوير الذات، ونشر الوعي السياسي والثقافي وغيرها من المفاهيم، وما نشاهده اليوم من الهجرة وترك الاوطان وما يصنعه العنف والقتل والدمار والحروب وآثارها على الشعوب، ما هو إلاّ انعكاسات سلبية على الاجيال القادمة وايضا فلتان وتسيب واضحين قوميا ووطنيا للجيل النشئ وغيرها، لذا لا بد من الوقوف بجدية وحزم وبروح مسؤولية تجاه ما يجري بحق العباد والبلاد.
لذا، أثبتت جميع تجارب الشعوب والأمم أن الإنسان هو الأساس في كل نجاح وأن الأوطان تبنى بالإنسان الواعي المتسلح بالعلم والمعرفة والمدرك لقضايا الشعوب والأمم.


12
كيف تعاملت تركيا مع الأزمة السورية؟!

سلمان بارودو
إن الأزمة السورية كشفت الكثير من نقاط الضعف في تركيا، التي اعتمدت عليها أمريكا ودول الغرب وذلك من أجل دعم المعارضة السورية، ومساعدتها لإسقاط النظام في سوريا، وإعطائها الضوء الأخضر لتسهيل مد المعارضة بكل العناصر البشرية واللوجستية، وبهذا الشكل أصبحت تركيا كحاضنة للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، ومخزناً للسلاح، وبنك المال الخليجي المتدفق إليها، ومركز إيواء الجماعات الإسلامية والجهادية المتطرفة القادمين من جميع أصقاع المعمورة، ولم يخطر ببال الغرب بأن الأجواء التركية مليئة بالمخاطر السياسية الموقوتة، مع العلم بأن كبار السياسيين الاستراتيجيين الأتراك تنبهوا على احتمالات تطور وإطالة الأزمة السورية، بعدما شاهدوا صمود النظام السوري في دحر المعارضة المسلحة، كون تركيا كانت ترى في إسقاط النظام السوري عدة مكاسب منها سياسية عبر مساعدة ودعم الإخوان المسلمين مما يزيد نفوذها السياسي في المنطقة، ومكاسب اقتصادية أي يتم وضع يدها على الاقتصاد السوري لكي تكون معبر وبوابة لبضائعها إلى المنطقة، فضلاً عن قيامها للعب في تصدير الغاز إلى الدول الأوربية وغيرها.
لكن المخاطر التي واجهت تركيا بالدرجة الأولى هي أن يتمتع الأكراد في سوريا بنوع من الحكم الذاتي كما حصل في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ونجاح النظام السوري في إدارة الأزمة، والنزاع الدائر بينها وبين حزب العمال الكردستاني في تركيا، وهذه الأمور جميعها سوف تؤثر على أمن تركيا وسلامة أراضيها – طبعاً هذا من وجهة نظر كبار ساسة الأتراك -، لذلك ترى تركيا بأن المسألة الكردية هي المحور الرئيسي لسياستها الخارجية والداخلية بالنسبة للتعامل مع الأزمة السورية، فتركيا التي كانت دائماً تعطي الأولوية للمحافظة على النهوض باقتصادها ومسار عملية التنمية فيها، لا تريد إدخال نفسها في معركة خاسرة تؤثر على اقتصادها وزعزعة أمنها، وهي عرفت أيضاً ومن خلال تجربتها الطويلة واجتياحها لجزيرة قبرص عام 1974، وعملياتها العسكرية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني، لم تحصد شيئاً سوى الفشل العسكري والاستياء الشعبي والانهيار الاقتصادي، لذلك دخلت تركيا في شراكة وإقامة علاقات مع إقليم كردستان العراق، وخاصة في مجال إقامة مشاريع البنية التحتية، والعمل في ربط سكة حديد بين اسطنبول وأربيل، فضلاً عن عقود اتفاقات النفط، والخطوط الجوية بين الجانبين، بعدما كانت حذرة من إعلان دولة كردية، ورفضها لضم كركوك إلى إقليم كردستان العراق، لقناعتها بأن مثل هذا الضم سوف يمهد الطريق لإعلان دولة كردية، إلا أن الساسة الكرد في الإقليم تعاملت مع هكذا وضع بحكمة وعقلانية، حيث طمأنت بغداد ودول الجوار العراقي بأنهم حريصون على توطيد العلاقة واحترام إرادة شعوبهم، إلى جانب مساهمة الإدارة الأمريكية في مساندة وحماية الإقليم من أي تدخلات خارجية، هذه الرسالة فهمتها تركيا جيداً، كما أن الإقليم رأت في العلاقة مع تركيا مدخلاً إلى تعزيز العلاقة مع الغرب وأمريكا، لذلك عملت تركيا وفق سياستها البراغماتية ومن دون تردد إلى إقامة أفضل العلاقات مع بغداد وأربيل، وخاصة من ناحية منع مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من المناطق الحدودية المشتركة معقلا لهم، ونقطة انطلاق لشن الهجمات العسكرية على الجيش التركي، وصولاً إلى إيجاد حل سلمي للقضية الكردية لديها.     


13
اللاعنف أعظم ما أبدعه الإنسان
سلمان بارودو
إن وجود وانتشار العنف في كثير من المجتمعات أصبح أمراً واضحاً ومخيفاً يهدد حياتها ومستقبلها ، رغم رفض هذه الظاهرة الخطيرة على الأقل بشكل نظري من قبل أوساط مجتمعية واسعة .
عندما نتحدث عن العنف والظلم، نتذكر فوراً شخصيات حقيقية ليست من نسيج الخيال، بل من العصر الحديث كشخصية هتلر وستالين وصدام وميلوزوفيتش ومعمر القذافي ، على سبيل المثال لا الحصر، لأن هؤلاء اتسم تاريخهم بالعنف والطغيان والدموية، وكذلك يتبادر إلى أذهاننا ونتذكرهم بإجلال أصحاب ثقافة ومبدأ اللاعنف في نضال الشعوب والمضطَّهَدين لأجل الانعتاق من الاستبداد ونيل الحرية وتأمين الحقوق العادلة ،  كشخصية الزعيم الهندي المشهور المهاتما غاندي، وقائد النضال السلمي في الولايات المتحدة الأمريكية مارتن لوثر كنج، والقائد الأفريقي نيلسون مانديلا، وكذلك تجربة النضال ضد العنصرية في أمريكا.
إن التخلص من ثقافة العنف والعنف المضاد واجتثاثها من عقلية وذهنية الأفراد والجماعات ليس بالأمر السهل، بل يحتاج لجهود سلمية وتوعوية ثقافية وسياسية اجتماعية كبيرة ، وإيجاد حلول ناجعة لكافة المعضلات تخلق بيئة سليمة يتكوّن فيها الإنسان العاقل السوي المحب لأخيه الإنسان ، وهذا لا يعني المسامحة غير المشروطة تجاه المعتدين على حقوق المجتمع.
إذ قال غاندي : ( العين بالعين تجعل العالم بأكمله أعمى )، أي أن مواجهة العنف بالعنف تعني تسميم الحياة وطمس أسس العيش المشترك وتقويض السلم الأهلي .
لذا أصبح واضحاً للعيان بأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش بسلام وازدهار دون تبني سياسة السلم وقبول الآخر المختلف واحترام رأيه مهما كانت ميوله واتجاهاته السياسية والفكرية، لذلك من واجب جميع المهتمين والمتخصصين إيجاد أدوات وآليات مناسبة لنشر ثقافة ومبدأ اللاعنف وأسسه وكيفية العمل به ، يقول المهاتما غاندي لدى مطالبته للشعب الهندي باعتماد مبدأ اللاعنف: ( اللاعنف هو القوة العظمى لدى الإنسان وهو أعظم ما أبدعه الإنسان من أكثر الأسلحة قدرة على التدمير ). مع الأسف، ما زالت فيروسات العنف تعمل في ثقافتنا بشكل عام  وتجد لها البيئة الخصبة ، لم يتم معالجتها بشكل صحيح ومدروس، ويبدو أننا مقبلون على مآسي وويلات وكوارث لا تحمد عقباها .
العنف لا يحل المشكلات، بل يزيدها تعقيداً، كما أنه لا يحرر المجتمع، بل يقيده ويأسره، كون العنف يعتمد على منطق القوة وليس قوة المنطق.
إن التغيير الديمقراطي وبناء الدولة المدنية الحديثة لا يتحقق بتغيير النظام أو السلطة وشخوصها، بل بتغيير العقول والنفوس والبنية الفكرية والثقافية والتنظيمية للدولة والمجتمع نحو قبول التعدد والآخر وصون الحقوق خدمةً لكل فردٍ إنسان – مواطن .
لذا أرى أنه يترتب على كافة السياسيين والإعلاميين والكتاب والمثقفين أن يقدموا لمجتمعاتهم نموذجاً لثقافة اللاعنف من خلال برامجهم وكتاباتهم ونضالاتهم المستمرة بين الجماهير، لأنه لا يمكن أن نتصور مجتمعاً تعمُّ فيه ثقافة اللاعنف إذا كان قادته وسياسيوه وإعلاميوه ومثقفوه يمارسون العنف والإقصاء أو الإرهاب بأشكال مختلفة. وهنا لا بد من الإشادة بمواقف وسياسة حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا بخصوص انتهاجه ثقافة اللاعنف وترويجها من خلال عمله النضالي والسياسي وأدبياته ومواقفه المنشورة. إن هكذا سياسة وثقافة لا بد أن تنتصر في النهاية، لأنها تبغي التسامح والمحبة والسلام وتأمين حقوق الإنسان والشعوب وخلق الثقة وتعزيزها بين جميع مكونات المجتمع، من أجل الانتقال إلى غد أفضل لا مكان فيه للعنف والعسف والاضطهاد.



14
الأنظمة الاستبدادية والحراك السياسي المطلوب
سلمان بارودو
إن رياح التغيير التي هبت على منطقتنا والتي انطلقت شرارتها الأولى من أرض تونس البوعزيزي، لتبلغ أصدائها دول عديدة ... هذا بعد طول انتظار الشباب لحلم تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي وبناء مستقبلٍ زاهر لأبناء وبنات أوطانهم ولتتوج نضالات عقود مديدة في صون الكرامة ونيل الحريّة وبالتالي بناء دولة الحق والقانون وفرض سلطة الشعب والمؤسساتية المدنية.
فيبدو جلياً للقاصي والداني، أن الأنظمة الاستبدادية التي تصرّ على إسكات الأصوات المطالبة بالحرية والديمقراطية والمساواة ليس لديها سوى العقل المؤامراتي والحل الأمني لأزماتها البنيوية رافضة في الوقت ذاته الحلول السياسية الضرورية الناجعة لوقف دوامة العنف وإراقة الدماء، بالمقابل فإن الشعوب بكافة قواها السياسية وفعالياتها المجتمعية تناضل وتطالب بإنهاء تلك الأنظمة التي باتت تفقد شرعيتها الدستورية والشعبية والإتيان بأنظمة عصرية تعددية ديمقراطية قادرة على استيعاب استحقاقات ومتطلبات المرحلة الراهنة والمستقبل الواعد .
وبسبب اشتداد الأزمة وتغول الأنظمة في ممارساتها العنجهية وتصلب أركانها والخصومة السياسية مع المعارضة وإقصائها وعدم تلبية المطالب الشعبية المحقة، فهي تواجه صعوبة في وقف العنف ومد جسور المصالحة والحوار مع خصومها والقيام بالإصلاحات الحقيقية مع ضمان حفظ ماء الوجه، كونها تخشى أن تؤدي هذه الإصلاحات والتنازلات إلى مزيد من الضغط الشعبي وإلى رفع وتيرة وسقف المطالب، وهذا هو مأزق الأنظمة التي لا تريد الانصياع لمطالب شعوبها وتراوغ وتماطل في تأخير أو منع إدخال بلدانها إلى مرحلة الحداثة السياسية والتحول الديمقراطي الحقيقي المنشود.
إن التغيير الديمقراطي السلمي بات أمراً عاجلاً وملحاً ، ويتطلب ذلك رفع القبضة الحديدية والتخلي عن استخدام العنف ومنطق القوة وإلغاء الحل الأمني، وتحرير الإعلام والفن والثقافة من التبعية والوصاية والاستفراد وخدمة سياسات الحزب الواحد، وكذلك قبول منطق السياسة الذي هو منطق التفاوض والاعتراف بالآخر وبرأيه وبشرعية احتجاجه، وأيضاً الصدق والصراحة في التعامل، والحوار البناء والشفاف في القضايا التي يتم تناولها وطرحها من قبل الجميع، وإلغاء كل ما يعيق تقدم الدول والشعوب بحيث تخرج من مآزقها وتزيح العقبات التي تعترض طريق ازدهارها وتطورها الديمقراطي، في وقتٍ لم يعد الرجوع إلى الوراء أمراً مقبولاً أو ممكناً .
وقد أفرز الحراك المجتمعي الحالي في هذه البلدان قوى وأطر شعبية وسياسية محلية ووطنية تتبوأ الصدارة، وشكلت فيما بينها روابط وشبكة علاقات تتلاءم مع واقعها وخصوصياتها، وكأنها منظمات موحدة متماسكة لها أفعالها الملموسة ، وتهدف إلى عزل الأنظمة القائمة وإرغامها على فتح المجال أمام كافة القوى والفعاليات لتمارس دورها الكامل في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لتحقيق نقلة نوعية نحو الديمقراطية ومن ثم المساهمة في تنمية القدرات المحلية اللازمة وبناء البنية التحتية الضرورية.
بيد أن تحقيق ما تصبوا إليها الشعوب تخضع لظروف كل بلد، تستدعي وجود برامج وأجندات واضحة أيضاً تسمح بتعبئة القوى وحل كافة الإشكالات الموجودة على أرض الواقع وتهيئة الطريق نحو الانتقال السلمي الديمقراطي في تداول السلطة .
في سوريا، لا يمكن تحقيق ذلك من دون إشراك جميع الفعاليات المجتمعية والقوى السياسية المعارضة على مختلف ألوانها وتشكيلاتها في النقاش الوطني العام، وصولاً إلى عقد مؤتمر وطني شامل تضع وتحدد أسس وآليات بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، دولة لجميع الموطنين دون استثناء.
من هنا لا بد أن يكون النصر والنجاح من نصيب الشعوب المنتفضة، لأنها وبمنطق التاريخ تطالب بالمساواة والعدالة الاجتماعية وترسيخ قيم الحق والحريات الأساسية للمواطنين على اختلاف انتماءاتهم، وهي تواقة دائماً وأبداً للديمقراطية ولحياة مدنية حرة، وأساس هذه الديمقراطية هو سيادة الشعب ومن ثم سيادة الدولة ورفع شأن قرارها الوطني المستقل المعبر عن إرادته.






15
التغيير يجتاح الأنظمة المستبدة

سلمان بارودو

لقد عانت شعوب منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص الشعوب العربية من الاستبداد والظلم، وكل أنواع القمع والاضطهاد التي مورست بحقها من قبل أنظمتها الحاكمة عبر عقود طويلة من الزمن، ولكن رياح التغيير قد بدأ يعصف على المنطقة بشكل دراماتيكي سريع الإيقاع .
لم يعرف صاحب ثورة الياسمين البطل التونسي محمد البوعزيزي حينما قام بإحراق نفسه بأنه سيلهب المنطقة بأسرها، وأنه سوف يشعل رياح التغيير فيها، ويحطم جدار الخوف في نفوس وقلوب الشعوب التي بات الخوف مسيطراً عليها منذ تحررها من نير الاستعمار، فثارت على أنظمتها ضد الظلم والقهر، حتى جعلت الدول الحامية لتلك الأنظمة مجبرة بالتبرؤ منها والمطالبة برحيلها، والتي أدركت أيضاً على وجه السرعة أن مصالحها أصبحت مرتبطة مع مصالح الشعوب وليس ضدها، لأن إرادة الشعوب التي باتت تفرض مطالبها بجدارة هي أقوى من إرادة الأنظمة المستبدة . 
ان سياسة الاضطهاد والقمع لم تعد تخيف أو ترهب الشعوب التي تطالب بالحرية والديمقراطية والمساواة، فهي تتمرد على واقعها المرير وعلى أزماتها، ولم يعد الخبز همها الأول والأخير، لقد سئمت من أنظمة جاءت عبر الانقلابات وحولت مواطنيها إلى مجرد أدوات لممارساتها وشعاراتها، لذا بدأت تطالب برحيلها.
لقد انتفضت الشعوب العربية ضد مضطهديها مطالبة بالتحول الجذري في مسار هذه الشعوب ليرفع سقف مطالبها من الحق في الحصول على السكن والعمل والرعاية الصحية والحق في التعليم وحرية الرأي والتعبير إلى رحيل أنظمتها المستبدة.
ولكن الحركات السياسية العربية عبر تاريخها السياسي الطويل تعرضت إلى شتى أنواع التنكيل والقمع ومن ثم السجن والملاحقة والمنع، وهناك بعض الحركات السياسية من تحالفت مع أنظمتها، ووجدت صيغة للمصالح المتبادلة والتعايش وأصبحت مرتبطة بها، وشريكة في جميع قرارات وتدابير االحكم أو مصفقة لها، سواء أكانت إيجابية أم سلبية، وقد أصبحت معظم أطياف المعارضة مجرد هياكل غير مؤثرة، لم تعد تستطع أن تؤثر في الرأي العام الوطني أو العالمي، ولا هي قادرة أن تغير من سياسة أنظمتها الحاكمة قيد أنملة، مما أضعفت ثقة الجماهير بها، وابتعادها عنها، هذا الفراغ دفع جموع الشباب إلى العمل والبحث عن بدائل أخرى، وذلك عبر المواقع الكترونية الفيس بوك واليوتيوب والتويتر... وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي للتنسيق فيما بينهم للتظاهر والاحتجاج ضد الأنظمة المستبدة، ومن ثم قيادة حركة الجماهير من اجل رفع الظلم واسترداد الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية ... وغيرها، لذلك لا توجد حركة سياسية تستطيع أن تقول أنها هي من قادت أو حركت الشارع، إذاً لا بد لها أن تعترف بأخطائها وتجري مراجعة نقديةلمواقفها وأدائها النضالي، وأن تتحرر من النرجسية التي تعيش فيها وتنزل قياداتها من بروجها العاجية إلى وسط الجماهير، وتتفاعل مع همومها ومعاناتها ومشاكلها، وتبتعد عن الشعارات البراقة، فالجماهير التي تطالب وتعبر عن آرائها ومواقفها بشكل سلمي وحضاري لن تنطلي عليها هذه الشعارات، لأنها ليست كالأمس فهي مدركة فيما تحصل من تغييرات وتطورات على الساحتين الإقليمية والعالمية، وهي مثقفة ومتعلمة، وتستطيع أن تميز ما بين الصالح والطالح، وهذه الجماهير تدرك تماماً ماذا تريد، وإذا انتفضت سوف تصبح كالتسونامي تجرف كل من يقف في دربها، وعلى هذه القوى والحركات السياسية أن تغير أسلوب عملها ونضالها اليومي بين الجماهير لكي تعيد ثقة تلك الجماهير بها وتكون أكثر التصاقاً وقرباً وملبية لآمال وطموحات وأماني شعوبها.
 ما يحصل الآن في المنطقة العربية من رياح التغيير ومن ثورات شعبية شبابية عارمة فالنسميها ما شئنا، فهي بالتالي ثورة ضد الظلم والاضطهاد السياسي والاجتماعي أنها ثورة يراد منها تغيير الواقع نحو غداً أفضل للأجيال القادمة، ويبدو أن رياح التغيير سوف تجتاح العديد من الدول العربية التي تقف ضد طموحات ومستقبل شعوبها وأن طريق التغيير والتحول الديمقراطي السلمي آت لا محال.



16
إرادة الشعوب أقوى من جبروت الأنظمة المستبدة

سلمان بارودو
إن شرارة التغيير التي أصابت المنطقة كانت من دولة عربية صغيرة ( تونس )، ومن المواطن التونسي الشهيد: ( البوعزيزي )، الذي أحرق نفسه إحباطاً من الظروف والواقع الذي كان لعقود سيئاً.... لكن هذه الشرارة سرعان ما قادت إلى احتجاجات جماهيرية متضامنة تدعو إلى إسقاط نظام زين العابدين بن علي الذي كان يمارس القمع والتنكيل والفساد بحق مواطنه.
 يبدو أن ما جرى لتونس كان تحضيراً وتمهيداً لإشعال لهيب الثورة في مصر وليبيا واليمن على غرار ما جرى في أوربا الشرقية للتحرر من سيطرة ووصايا الحزب الواحد والأنظمة الشمولية والدكتاتورية.
 ويبدو جلياً للعيان أن الجماهير المنتفضة والمسيطرة على المشهد والواقع الحالي هم الشباب من دون تأطير أو تجمع سياسي منظم ومسبق الصنع، بل شباب اتخذ من " الفيسبوك والتويتر واليوتوب" أداة رئيسية للتغيير والتواصل من دون أن يعرفوا بالضرورة بعضهم بعضاً إلا بالكلمة والصورة والصوت من بعيد، تلاقوا في ثورة عفوية يرتقي فيها الوعي إلى درجة عالية من المسؤولية في طبيعة التحرك السلمي، وفي نوع الشعارات والمطالب التي تحدد بدقة الهدف المبتغى من التحرك، وهذا الارتقاء في الوعي هو الذي استطاع أن يحبط كل المحاولات التي لجأ إليها المستبدين والقمعيين.
 كما يبدو من المشهد في كل من مصر وتونس وليبيا أن المعارضة مجرد مكون عادي تطالب بالتغيير دون أن تكون هي القوى المحركة والمسيطرة في تلك البلدان، بل أن تلك المعارضة قدمت استعدادها لإنجاح التغيير المنشود وعدم الالتفاف على ثورة الشباب وهذا ما بدا واضحاً من تصريحات الغنوشي بعدم ترشيحه للرئاسة، وأيضاً إعلان جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعدم شغل أي مسؤولية أو منصب في الحكومة الانتقالية.
وإن مطالب هذه التظاهرات والاحتجاجات جميعها كان يركز على الحرية ومحاربة الفساد والبطالة وإرساء المؤسسات الديمقراطية وإصلاحها، أي أنها كانت تخلو من الشعارات الدينية والقومية, لكن طريقة التعامل مع تلك التظاهرات مورست من قبل أنظمتها بالقمع وسقوط قتلى وجرحى لتتصاعد المظاهرات وتتمسك المتظاهرين في مطالبهم.
فعندما كتب صموئيل هانتغنتون في كتابه الشهير " الموجة الثالثة" كان منتقداً بشكل لاذع للمنطقة العربية، حيث اعتبرها بأنها أكثر المناطق جموداً وعدم قبول التغيير ويصعب تحولها للديمقراطية، إلا أن الحقائق التي كشفتها لنا الأحداث والتداعيات بأن المنطقة العربية ليست كما قيل عنها في نظر المراقبين والمحللين والمتابعين وحتى مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أنها عصية على التغيير والإصلاح السياسي، بل أنها تواقة للحرية والديمقراطية.
وأثبتت هذه الأحداث للقاصي والداني بأن الشعوب ليست ضعيفة أمام أنظمتها، بل أن الأنظمة هي ضعيفة أمام إرادة شعوبها، وسوف يحاسب تلك الأنظمة من قبل شعوبها  ويتحول المسؤولين بين عشية وضحاها إلى لاجئين ومطاردين قضائياً.

17
لماذا يقتل المكون المسيحي في بلدان الأكثرية الإسلامية... ؟!!

سلمان بارودو
إن المكون المسيحي هو أحد المكونات الدينية والقومية وهو ذو تاريخ وحضارة عريقة لا يمكن لأي جهة إلغائه وتهميشه أو تغيير واقعه المشهود. 
إن مشكلة هذا المكون كان قديما مع بلدانها أي بلدان الشرق الأوسط في ظل الأكثرية الإسلامية والأنظمة القومية العربية العنصرية التي تحرم أبناء كافة القوميات الأخرى من حقوقها الطبيعية كانت مشكلة حقوق أما اليوم فهي أصبحت مشكلة بقاء ووجود، لأن هذه الدول عاجزة عن تأمين حقوقهم الطبيعية، وتوفير الحماية الكافية لهم لما يتعرض له هذا الطيف الجميل والعاشق للسلام والمحبة والوئام من اعتداءات ومخططات جماعة القاعدة والمتطرفين الحاقدين ضد أمكانية فتح وتوسيع الحوار وقبول الآخر على اختلافه.
لأن هذه الجماعة تربت على الحقد والكراهية التي اختزنتها ثقافتهم المعادية لكل عمل إنساني خير بفعل منابر دينية متطرفة دأبت على الدعاء على الديانات الأخرى، وكان أئمة بعض المساجد الإسلامية يبتهلون الدعاء الانتقامي "اللهم عليك بهم، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، اللهم يتم أطفالهم ورمل نساءهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم".
إن هذه المواقف الدينية المتطرفة والمتشددة والتي تسود البيئة المجتمعية، وذلك عبر صنع فتاوى واستيراد أقوال فقهية متطرفة من أزمان غابرة عفا عليها الزمن، واستنطاق نصوص دينية جاهزة في غير معناها الصحيح، نوع من عوامل التشدد والشحن ضد الأقليات الدينية الأخرى، صحيح أن هناك اجتهادات فقهية مستنيرة لا ترى بأساً في تهنئة النصارى ومشاركتهم الاحتفالات استدلالاً بقوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوا من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين".
إذا كان فعلا هؤلاء المتطرفين يؤمنون بنبيهم محمد عليه السلام ألم يصم محمد عاشوراء عندما قدم المدينة ورأى اليهود تصوم في يوم عاشوراء فسأل ما هذا؟ قالوا هذا يوم صالح نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال الرسول: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه.
إن هذه الاعتداءات والاستهدافات للإخوة المسيحيين إضافة إلى محاولات تأجيج وإثارة الصراعات والنعرات الطائفية والاثنية بين أبناء الشعب الواحد في الوطن الواحد، واستغلال بعض المشاكل الأخرى التي تعاني منها هذه الشعوب والمجتمعات، كما حدث من محاولات لإثارة الفتنة والفرقة في العراق بين المسلمين السنة وإخوتهم المسلمين الشيعة وبين العرب وإخوتهم الكرد فان هذا العمل يصب في الإطار نفسه وهو إثارة الفتنة، وتحطيم الأسس الثقافية التي يقوم عليها المجتمع المعني.
إن هدف هؤلاء الإرهابيين والقتلة هو القضاء ليس على الأخوة المسيحيين فقط ، إنما على كل أشكال التنوع القومي والديني والثقافي، وأن هذه الاعتداءات التي تطالهم لا تأتي عن عبث ولكن نتيجة حتمية لفراغ سياسي مخيف في أوطانهم، وعجز كامل لحكوماتهم وأجهزتها الأمنية في فرض الأمن والاستقرار، وتوفير الحماية الكافية لهم من أعمال القتل والإبادة التي يتعرضون لها.
لذلك، ينبغي على المجتمع الدولي الضغط على تلك الحكومات، ودفعها للقيام بمسؤولياتها السياسية والقانونية لاتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة لتوفير الحماية للإخوة المسيحيين وذلك على قاعدة التفاهم والعيش المشترك مع كافة شركائهم في الوطن الواحد من أجل إتاحة المجال لمساحة واسعة من التعددية السياسية والفكرية والاجتماعية الكفيلة جميعها بنقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة.



18
المنبر الحر / بيئة الثقافة
« في: 17:39 18/09/2010  »
بيئة الثقافة
سلمان بارودو
الثقافة نتاج مجتمعي يبدعه الأفراد فهي تتطور باستمرار، وهي ممارسة فاعلة وسلوك معرفي وحضاري نابع من منظومة القيم والأفكار المتوارثة، وهي مزيج من أمجاد الماضي وإرهاصات الحاضر أي أنها متجذرة في الواقع والتاريخ.
تخطى الإنسان صيرورته التاريخية من وضع "طبيعي" شيئاً فشيئاً إلى أن توصل إلى هذا الوضع الاجتماعي المعقد والمتقدم، وبينما كانت قوى الطبيعية العمياء والموضوعية تمارس ضرورتها مباشرة وبصورة مادية على الإنسان فان الشروط الاجتماعية التي يخضع لها الإنسان في بيئته هي من نوع معنوي وسيكولوجي مباشر، أو غير مباشر، وتنتج له انعكاسات متنوعة لتتصرف، وخيارات تكاد تكون حرة بالنسبة له.
من هذا الموقف بالذات تنشأ الحاجة إلى الثقافة وهو في الوقت نفسه شرط الحقيقي للثقافة، علماً أن الثقافة الإنسانية تزداد تعقيداً ورقياً كلما ازدادت شروط بيئته الاجتماعية رقياً وتقدماً.
إن الحرية والثقافة هي من بين الحقوق الإنسانية الحقوق التي يبدو الارتباط فيما بينها أكثر بروزاً، فكل منهما يفترض اختياراً وبالتالي إمكانية للرفض، فهما لا يقبلان التقيد بالشكليات, سواء أكان الاختيار سياسياً أو دينياً أو إيديولوجياً أو اقتصادياً بعض الشيء.
وإن الشيء الذي لا مراء فيه هو أن الثقافة يجب أن تمثل مستوى معيناً من المعارف لتستحق تسميتها " ثقافة "، كما أنه لا شك في أن هذا المستوى يجب أن يقود إلى التميز عن الآخرين.
على أنه من المؤكد أن في هذه الدرجة العليا من الثقافة توجد بعض أجزاء من ظلال وبعض أجزاء من نور: فالرجل المثقف، باعتباره قد بلغ مستوى أعلى من المستوى المتوسط لا يسطع الإشعاع في جميع مجالات الفكر.
وان المثقف هو الذي يشعر بالارتياح في جميع الموضوعات التي تعترضه، ويتجنب أن يؤخذ على حين غرة إذا كان أحد هذه الموضوعات غريباً عنه بعض الشيء، ومن الطبيعي بلا ريب أن تكون لدى الإنسان المثقف نقاط قوة ونقاط ضعف، كون العلم والمعرفة والتعليم, وبدرجة أدنى التربية والتأهيل, هي شروط ضرورية للثقافة، لكنها شروط غير كافية إطلاقا.
كما يجب عليه أن يحتفظ بهامش من التواضع المناسب، هذا التواضع الذي يقع تحت تجربة قاسية في العالم الحديث المتعطش " للشهرة " أو " نصف الشهرة ".
فالمقولة القديمة تحتفظ مع هذا بقوتها وهي أن الإنسان يجب أن تكون له أفكار واضحة حول كل شيء، أو كما قال ( باسكال ) في كتابه " الأفكار " : " إنه لمن الأجمل والأفضل أن نعرف بعض الشيء عن كل شيء من أن تعرف كل شيء عن شيء واحد ".
فالإنسان وحده يمتلك الصفات الأولى التي تجعل منه كائناً قادراً على أن يتجاوز ذاته، وبالتالي أن يثقف نفسه، وهذه هي مفاتيح الأشكال العليا لتطوره، وعلى هذا، فهو لن يبق سلبياً وإنما فاعلاً إيجابياً ومصمماً على الارتقاء بالثقافة أكثر من ارتقائه من أجلها، فسيستعمل في سبيل ذلك مواهبه الشخصية، مساهماً بهذه الصورة وبشكل حاسم في استخلاص أفضل النتائج مما اكتسبه.
 



19
احترام التنوع الثقافي بين الشعوب


سلمان بارودو 

إن للثقافة بعدين،أحدهما المجتمع الذي تشكل ثقافته، وماهية وشخصية تلك الثقافة. واحترام الثقافة يعني احترام حق المجتمع بثقافته، واحترام ماهية تلك الثقافة وشخصيتها. ولكل من صيغتي الاحترام أسس مختلفة، إذ يتوجب علينا احترام حق المجتمع بثقافته لأن للبشر الحرية في تقرير طريقة حياتهم، ولأن ثقافتهم مرتبطة بتاريخهم وهويتهم، ولأنها تعني الكثير بالنسبة لهم، ولأسباب أخرى عديدة، من هذه الناحية لكل مجتمع حق متساو في تبني ثقافته، وليس ثمة أسس منطقية لعدم التساوي.
إن النظرة الأحادية والموقف المتكبر يرفضان الاعتراف بثقافة الآخر وشخصيته وحضارته...،‏ وأن عدم الاعتراف بالآخر وبثقافته يفضي إلي إقصاءه و تهميشه‏,‏ وهذا شكل من أشكال التمييز التي تؤجج مشاعر الكراهية التي هي فتيل للصراع والصدام‏.‏ فالتعالي والتكبر السياسي والثقافي والحضاري، هو الدافع إلى النزاع والصراع بين الحضارات، والصدام بين الثقافات وزعزعة أمن واستقرار المجتمعات الإنسانية‏، ولذلك كان الاعتراف بثقافة الآخر‏,‏ الخطوة الأولى نحو تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات‏,‏ تمهيدا لإقامة جسور التواصل فيما بينها‏، وهذا هو الهدف النبيل الذي تعمل من أجله الأمم المتحدة‏,‏ وتسعي في سبيله المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام بقضايا الحوار بين الحضارات والثقافات‏.
يجادل بعض الكتاب في أن كل البشر متجذرون ثقافياً ولهم حق التمتع بثقافتهم الخاصة، وبالتالي يشكل التنوع الثقافي نتيجة حتمية وشرعية لممارسة ذلك الحق، لذلك لا يكفي منح الأفراد الحق الرسمي بثقافتهم، بل يتوجب على المجتمع خلق الظروف المساعدة على ممارسة ذلك الحق، كتقبل واحترام الاختلافات، وتنمية ثقة الأقليات بنفسها، وتوفير الموارد الإضافية للمحتاجين. ولا يود المجتمع الأعم أن يتكبد أعباء التكاليف التي يقتضيها ذلك، أو تقبل التغييرات الضرورية في مؤسساته عن طيب خاطر، أو كبت نزعته التمثيلية، ما لم يتم إقناعه بأن التنوع الثقافي يصب في مصلحته أو أنه قيمة تستحق التمسك بها ورعايتها.
 وإن التنوع الثقافي هو مصدر من مصادر إثراء للثقافات، وتعزيز لقدراتها، وإعطاءها أبعاداً إنسانية، وإطلاق العنان لآفاقها الإبداعية الخلاقة.
إذ ليس للثقافة سلطة عدا تلك المستمدة من ولاء أبنائها ورغبتهم بالانتماء إليها، لذلك يستحيل الحفاظ على أية ثقافة بالقوة أو اللجوء إلى وسائل وأساليب اصطناعية.
أما بالنسبة للثقافة ذاتها فإن احترامنا لها يعتمد على تقييمنا لماهيتها أو نوعية الحياة التي توفرها لأفرادها، ولأن كل ثقافة تعطي استقرارا ومعنى للحياة الإنسانية، وتضم أفرادها معاً في مجتمع متماسك، وتبرز طاقات إنسانية خلاقة، وما إلى ذلك، فإن كلا منها تستحق الاحترام، ولكن بعد دراستها من الداخل بشفافية وتعاطف. قد نستنتج أن نوعية الحياة العامة التي توفرها لأبنائها تفتقر إلى الكثير، ويحق لنا الاعتقاد بعد ذلك أننا لا نستطيع منحها قدرا من الاحترام يوازي احترامنا للثقافات الأخرى التي تتفوق عليها في هذه النواحي.
وان قبول ثقافة الآخر المختلف لا يعني بالضرورة الاقتناع بها، إنما هو إقرار بوجود الاختلاف معها وبوجود هذه الثقافة وقبولها من قبل الآخر، شرط أن لا تكون تلك الثقافة مبنية على حساب حقوق الأخر أو وجوده، كما ويجب النظر إلى الآخر المختلف من دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو القومية أو الخلفية الاجتماعية أو الاتجاه السياسي أو أي سبب آخر، وطالما أن الاختلاف لا يكون على حساب وجود الآخر أو حياته، فالآخر هو فرد مواطن، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، فيجب احترام هذا الاختلاف والعمل على تعزيز قبول ثقافة الآخر المختلف مهما بلغت درجة الاختلاف، وتفعيلها بشكل طبيعي بما تنسجم مع واقعنا ومتطلباته.
إن احترام الآخرين يتضمن حكما احترام استقلاليتهم الذاتية، بما فيها حقهم في إدارة شؤون حياتهم بالطريقة التي يفضلون، مع أن ذلك لا يمنعنا من تقييم وانتقاد خياراتهم وطرق حياتهم. ويبدو جليا أن أحكامنا يجب أن تنبنى على تفهم ودي يتعاطف مع عالمهم ويتفهمه من الداخل، وإلا ظلمناهم وأسأنا الحكم على تلك الخيارات.
أما إذا استمعنا إلى دفاعهم عن وجهات نظرهم، ومنحناهم ما يكفي من الاهتمام والدراسة المتأنية، ووجدنا بعد ذلك أن خياراتهم مخطئة أو مشينة أو غير مقبولة، فلا يترتب علينا واجب احترامها بل واجب عدم احترامها.
وبرغم أن لكل الثقافات قيمة وتستحق قدراً من الاحترام الأساسي، فليس لها جميعا قيمة متساوية، ولا تستحق جميعها احتراما متساويا، وكما أسلفنا، يتوجب توخي الحذر في إطلاق أحكامنا على الثقافات الأخرى كي لا نحولها إلى نسخة عنا.
وبدون أدنى شك أن الحوار الثقافي بين الدول والشعوب هو بديل عن وسائل العنف والتطرف، فليس هناك من وجه مقارنة بين حوار السلاح وحوار العقول.
بشكل عام، إذا احترم مجتمع ثقافي ما الكرامة الإنسانية وقيمة الإنسان، وصان حقوقه ومصالحه ضمن حدود الموارد المتاحة، ولم يشكل خطراً على محيطه الخارجي، وحظي بولاء معظم أبنائه، وبالتالي وفر الشروط الأساسية للحياة الكريمة، فإنه مجتمع يستحق الاحترام ويستأهل أن يتمتع باستقلاليته.
   

20
هل باستطاعة أحد اجتثاث السياسة من الحياة؟!.


سلمان بارودو
إن السياسة فاعلية في خدمة الجماعة، فأنها كذلك في خدمة الإنسان والسياسة ليست الغاية النهائية للتطلعات الإنسانية، من هذا الفهم يؤكد أفلاطون بأن الولاء السياسي هو جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، ويعرف السياسة على أنها فن تربية الأفراد، وبدون السياسة لا وجود للمجتمع ولا للدولة الناجحة. وهي أيضا لا تتمتع من هذه الناحية بأي امتياز بالنسبة للفعاليات الأخرى، اقتصادية كانت أم فنية ، أخلاقية أو علمية، بل ترتبط فيها بالعكس، بعلاقة ثابتة وتفاعيل مستمر، وهي ملازمة لعملية الإنتاج الاجتماعي التي تحدد على نحو واضح مواقع الأفراد والفئات والطبقات الاجتماعية وأدوارهم وأساليب مشاركتهم في الحياة العامة.
وهي أيضاً أي السياسة ظاهر مرتبطة بالإنسان وتستمر معه منذ نشأته وحتى وفاته، من هذا المعنى يصف الفيلسوف أرسطو الإنسان بأنه "حيوان سياسي" ويعرف السياسة على أنها علم السلوك الجماعي, لذلك علينا أن نقر وبدون أدنى شك بأن السياسة هي علم وفن وإدارة وتعامل مع الآخر المختلف, فحينما يعلن رجل سياسي عزمه على مقاومة الظلم والفساد ينبغي أن نصدقه ونثق به ولو لم ينجح كلياً أو جزئياً في برنامجه, لأن النفور من السياسي يعني عدم الثقة بالمستقبل ولا بالإنسان, انه ازدراء للإنسانية, لذلك ان نضال السياسي محفوف دائماً بالمخاطر والصعوبات, ودائماً في مواجهة الأخطار التي تواجهه وتواجه المجتمع.
وهنا يجب أن نتوقف بعض الشيء عند مفهوم السياسة كصفة، لا شك أن كل فعل سياسي ينطلق من تصورات معينة عند فاعله، فهو فعل إرادي له هدف يستند إلى رؤية بشأن أهمية الهدف أياً كان، غير أن السياسة الواقعية لا تعتمد على هذا وحده، فالفعل السياسي فعل مركب، ينطوي على تقدير الظروف المواتية وغير المواتية، والتحالفات الممكنة، والخصوم الذين يمكن تحييدهم، ولهذا فالسياسة ليست وصفة، وإنما هي أقرب لتوجه عام نحو أهداف معينة مرتبطة بطبيعة النظام السياسي المعني، ووضعه داخل خريطة سياسية عامة ومتغيرات اجتماعية.
وبالطبع يتضمن كل مجتمع مفكرين سياسيين ملتزمين بتنظيمات سياسية، يقومون ببلورة التوجهات وصياغتها في أفكار عامة، والدفاع عنها، كما يوجد مفكرون خارجها تكون رؤيتهم عادة نقدية للوضع القائم بمجمله.
 لأنه ما من تنظيم أو مؤسسة كاملة حتى ولا هي مسيرة في طريق الكمال ولا بد لأفضل المؤسسات من أن يعتريها التلف والتدني, إلا انه يجب الوثوق بالرجل السياسي شرطية ألا يكون مؤرخاً, لان القيام بعمل يستهدف خدمة الجماعة يعني تجاوز الحاضرة لمواجهة الدوام والبقاء.
إن المراقب للوضع والأحداث السياسية بشكل عام يلاحظ بأنه هناك ركود وسكون نتيجة الوضع الاقتصادي المزري بشكل عام واتساع دائرة الفقر والفساد المستشري بشكل مخيف ومرعب في كافة مفاصل الإدارات والمؤسسات, ولعل أخطر أنواع الفساد هو فساد التربية والتعليم، (يوم اجتاح نابليون ألمانيا، كان فيختة الفيلسوف الألماني الشهير يقول: لقد خسرنا كل شيء، ولكن تبقى لنا التربية).
إن اغلب السياسات اليوم تنطلق من مقولة ((لا توجد قيم دائمة, ولا صداقات دائمة، وإنما هناك مصالح دائمة)) لذلك لا بد من التأكيد, بأن كل عمل سياسي يراهن على الخوف, ويعبث بالمصالح, ولكنه أيضاً خدمة شرف وتبعث على التفاني والإخلاص، فالمصلحة في نظر هذه السياسة هي الأصل، فعلى المصالح تلتقي الدول ومن أجلها تتصارع، ولعل من أهم ما يميز السياسة أنها صراع دائم بين المصالح المتضاربة، وبمعنى آخر إذا لم يكن هناك اختلاف فلن تكون هناك سياسة، ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن السياسة هي علم وفن التعامل مع الاختلافات بالأساليب التي تحقق الأهداف المنشودة.
إذ إن حقل السياسة وميدانها أو موضوعها هو حياة الناس وإدارة شؤون المجتمع من أجل تحقيق الاستقرار والأمن في كافة المجالات التي ينشدها الإنسان وعلى مختلف الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والعملية, ومن ثم تحقيق الرفاهية للمجتمع.
ولذلك فان فن التحليل السياسي بشكل عام لا يختلف من حيث المبدأ النظري عن أي علم تحليلي آخر, فكما يقوم الطبيب بتحليل المرض وذلك من خلال التشخيص وسؤال المريض عما يشكو منه من أعراض جانبية ثم يقول بفحصه بمختلف الوسائل التكنولوجية الحديثة المتوفرة, ومن ثم يختار الدواء المناسب أو ربما القريب لذلك المرض في محاولة منه لتخفيف الألم أو تسكينه, فكذلك المحلل السياسي الناضج الذي يقوم بنفس التشخيص, ولكن بطريقة مهنية خاصة تكمن في مجال اختصاصه السياسي وذلك بدارسة الظواهر السياسية المعنية وتحليلها, لتحقيق الترابط ضمن رؤية معينة وصولا لرأي أو نتيجة.
إن النزاعات والمجادلات والحوارات واللقاءات والتسويات والمصالحات تحكمها مشكلة مرعبة تزري بجميع المشكلات الأخرى، وهي مشكلة لا يحلها إلا القرار السياسي وحده وان كانت من صنع العلم والتقنية، إن السلاح النووي هو الآن من القوة بحيث يستطيع تدمير العالم والقضاء على الإنسانية، فإذا كانت السياسة هي الشر حقاً فلماذا وضعنا هذه الأداة بين يديها؟ لا شيء أكثر من ذلك يستطيع أن يشعرنا بوزن السياسي وتأثيره في مصير كوكبنا الأرضي، حتى ولو تهيأ لملاحي الفضاء غزو الكواكب الأخرى، إن هذه الكارثة المحتملة الوقوع لا تطرح مسألة الحرب والسلام بقدر ما تطرح الضرورة لإيجاد حل داخل السياسي نفسه، لأنه لا شيء يدلنا أفضل من ذلك على أن السلام لن يكون سوى مسألة سياسية محضة. 
إذاً، بد من الإسراع بتوفير العقول المثقفة والمدربة على استخلاص ووضع التحليلات المناسبة والدراسات المعنية بكل ما من شانه توفير الأسس الصحيحة والعلمية لاتخاذ القرارات السياسية السليمة، وخصوصا في ظل المتغيرات الدولية الراهنة, والتي بات العالم من خلالها حقل صغير يتأثر بكل شاردة وواردة, وإلا فان النهاية ستكون عالم من الفوضى لا يدرك فيه الاستقرار والأمان.



21
العمل من أجل ممارسة الديمقراطية قولاً وعملاً
سلمان بارودو

ما أجمل كلمة الديمقراطية ومعانيها ومفاعلها ومدلولاتها عندما يتم الحديث عنها وتداولها بين الناس وخاصة من قبل الفئة المثقفة والواعية، لكننا نفتقر إلى تطبيقها ومذاقها حتى الآن في ممارساتنا وأفعالنا اليومية إلا في حدود معاني الكلمات أو في حدود المعنى المجرد، ومعلوم لدى الجميع أن التعريف المتداول للديمقراطية هو حكم الشعب نفسه بنفسه، وأن تكون السلطة في أيدي مكونات المجتمع، دون إقصاء أحد، وأن يكون الهدف هو لخير الشعب ورفاهيته، وأن يباشر جميع المواطنين كافة أمور السيادة المتعلقة بالدولة 0
فالديمقراطية، إذاً تهدف إلى تحقيق الحرية السياسية أي إلى حكم الشعب، والمساواة في الحقوق السياسية، لذلك لا يمكن أن تقوم بشكل سليم وصحيح إلا بوجود أحزاب سياسية ونقابات مهنية ومؤسسات مجتمعية، وبالتالي يتم تطويرها عن طريق نشر ثقافة إنسانية سليمة تقوم على التعددية الحقيقية، ورفع مستوى الوعي الثقافي للشعب.
كذلك تهدف الديمقراطية إلى تحقيق المساواة بين جميع المواطنين أي المساواة التامة أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو الأصل.
 وهنا لا بد من الإشارة إلى رأي رئيس وزراء السويد الأسبق الراحل (أولف بالمه) حين قال في السياسة: إنها ((فن ممارسة الإرادة)). فإذا كانت هناك إرادة في العمل وممارسة الديمقراطية في المجتمع، فإنه سيفعل الناس أكثر بكثير من حدود الممكن. وربما هذا المفهوم يتطابق مع مقولة العالم الفيزيائي آينشتاين بأنه لو أستطاع الإنسان أن يوظف قدرته العقلية خمسة بالمائة لصنع المعجزات، ولكننا لا نوظف قدرتنا العقلية إلا في حلقة مغلقة أحياناً وكأننا، كما قال الفيلسوف أفلاطون، في مغارة مظلمة نحجب عن أعيينا ضوء الشمس، فنخاف من الضوء، ونخاف من بعضنا البعض، دون أن نرى أحداً، لأن عصابة سوداء مشدودة على أعيننا، طبقاً لمفهوم أفلاطون تحجم عنا الحقائق، فلا نرى إلا أنفسنا، ونخاف من الآخر ولا نجد وسيلة إلا قتله.
ومعروف لدى القاصي والداني إن المنظمات والأحزاب الداعية إلى ممارسة الديمقراطية،  هي نفسها ما زالت تعاني من إشكاليات وخلافات جادة وعميقة في ما بينها، كما إن العملية الديمقراطية ذاتها تعاني من معوقات وعوائق غير قليلة وعسيرة في ظل الأجواء والممارسات التي نحن فيها.
وإن ألد أعداء الديمقراطية هو جهل والتخلف وكذلك الأنظمة الاستبدادية والشوفينية والدكتاتورية التي تحارب الديمقراطية في كل مكان، وذلك من أجل إفشالها وعدم تحقيقها، لتتسنى لهذه الأنظمة إطالة بقاءها عن طريق تشويه معنى ومغزى الديمقراطية بواسطة بعض أبواقها ودعاياتها الإعلامية بأشكال عدة، والعمل بكافة الوسائل والطرق على إسكات المفكرين والكتاب والمثقفين المطالبين بالديمقراطية.
وليس ثمة من يمكن أن يستفيد من ثقافة التطرف والإقصاء والكراهية سوى أعداء الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية وأعداء المستقبل، وليس ثمة من يعادي المستقبل سوى أولئك الذين لا يثقون بأنهم قادرون على الإسهام في صناعته وإيجاد مكان يتسع لهم فيه. 
لذا أن من واجب كل مثقف أينما كان موقعه هو زرع ثقافة الديمقراطية وتهيئة الأرضية المناسبة لها وتنوير المجتمع بأهمية الديمقراطية وبالمناداة بتطبيقها والمطالبة بنقابات مهنية فعلية تعبر عن مصالح منتسبيها دون خوف أو وصاية من أحد، وأيضاً المطالبة بمؤسسات المجتمع المدني باعتبارها أرقى ما توصلت إليه المجتمعات في مجال حقوق الإنسان وكرامته وحريته وهو المفتاح لقيام ديمقراطية سليمة.
 وكما هو معلوم للكثيرين ممن يتابعون أحوال المجتمعات والشعوب في عالمنا هذا يرون بدون أدنى شك إن البلدان التي تكون فيها المؤسسات المنبثقة عن إرادة وممارسة ديمقراطية حقيقية تتمتع باستقرار سياسي واجتماعي وبسلام ووئام.
أن جميع المآسي والويلات التي تحصل هنا وهناك سببها الأساسي والرئيسي هو غياب الديمقراطية وعدم إشراك الجميع في أتخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات.
لذلك، ما أحوجنا في هذه الظروف الصعبة والعصيبة التي نمر بها جميعاً إلى إشراك كافة الأحزاب السياسية والنقابات المهنية وجميع مؤسسات المجتمع المدني في رسم مستقبل آمن ومشرق للأجيال القادمة، لأن ثقافة الشعوب ووعيها هي وسيلة هامة من أجل تحقيق الرغبة في تطبيق الديمقراطية بشكل صحيح في المجتمعات.
ولا بد من التذكير بأن ممارسة إقصاء أي مكون من العملية السياسية أو عدم إشراكه في صنع القرار هو صناعة إنتاج ممارسات قديمة ومتخلفة عفا عليها الزمن وشرب، وغالبا مما أدت هذه الممارسات إلى تفرقة ونزاعات سلبية وكانت نتائجها المزيد من التخلف والانقسامات داخل المجتمع الواحد، حيث أن التجربة التاريخية والحياتية أثبتت وبما لا يقـبـل مجالاً للشك أن الإقصاء وشطب الآخر هو الأشد إيلاما وتخريباً في المجتمعات بشكل عام، وإن هـذه الظاهرة تتضاعف وتتسع بصورة غير مقبولة وخاصة في وقت الأزمات السياسية وتتفاقم أيضاً في ظل الأنانية والفردية والمركزية، وإذا أمعنا النظر ولو قليلا بأن هذا العمل يؤدي إلى المزيد من التفرقة وإشعال النار وانتشار حرائقها على الأخضر واليابس لا أحد مستفيد سوى أعداء الحرية والديمقراطية.
وهنا أود الإشارة إلى أن العمل والنضال من أجل غد أفضل للجميع هو مسؤولية الفئة الواعية والمثقفة
وفي فضاء الحرية والتعددية، سيكون المجتمع بدون شك قوياً متماسكاً وتسود سلطة القانون لا قانون السلطة، وهذا يوفر الجهود لمجابهة التحديات الراهنة والمستقبلية، ويعطي دوراً أقوى للدولة في قيادة تنمية عقلانية وعادلة، وإلى تقوية الوحدة الوطنية من جهة أخرى.

لقد آن الأوان أن نتصالح مع أنفسنا، وأن نحتكم إلى العقل، ونقبل بعضنا بعضاُ، ونعيش بسلام وننعم بالاستقرار في مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية، إن الحد الفاصل في عالم اليوم لجميع الأنظمة والمجتمعات هو تبني الديمقراطية بكافة مفرداتها ومضامينها  وممارساتها من عدمها لان الأشياء تعرف بأضدادها أو نقائضها
لذلك إن العمل الحقيقي والممارسة الفعلية والعملية على بث ثقافة الديمقراطية في المجتمعات تساعد على التضامن السياسي والاجتماعي وأيضاً الزيادة في التماسك الاجتماعي وتقوية مشاعر الوحدة الوطنية لأنها تعامل الجميع كسواسية وترسي قيم مدنية إنسانية لأجل مستقبل مزدهر ومشرق للجميع، وتزيل أي فكر أو ملامح للتطرف والاستعلاء وهذه من أعظم سمات الديمقراطية والتي ترسي مشاعر القبول والرضى الاجتماعي والسياسي للجميع بدون استثناء.


22
ثقافة التسامح وقبول الآخر المختلف


سلمان بارودو
بات من المؤكد والضروري أن نشر ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر المختلف حاجة أساسية وملحة وخاصة في ظل هذه الظروف الحساسة والحرجة التي نمر بها من كافة النواحي التي نحن فيها، ويجب زرع هذه الثقافة في نفوس وعقول الجيل النشء، لأنها تساهم بشكل فعال في خلق جيل واع قادر على تحمل أعباء المسؤولية وقيادة المرحلة القادمة بشكل ايجابي وسليم، لأن مثل هذه الثقافة تشكل ترسيخاً قوياً لمعالم الوحدة الوطنية التي ينبغي بناؤها على أساس من الثقة وبعيداً عن الهواجس وحسابات الربح والخسارة.
لأن الثقافة بشكل عام هي ثقافة إنسانية، لذلك لا توجد ثقافة عديمة القيمة كلياً، أو ثقافة كاملة مكملة تحتكر الحقيقة الإنسانية وتختزل ثراء الوجود وتمتلك حق فرض معاييرها وايديولوجيتها وأجندتها السياسية على الآخرين ، بما في ذلك الليبرالية التي تعيش أبهى أيامها وأكبر انتصاراتها. لذلك نرى بأن السبب الكامن وراء الاستقرار النسبي والغنى الثقافي لمعظم المجتمعات الغربية يعود بالضبط إلى حقيقة أنها لا تعتمد على عقيدة سياسية وحيدة أو وجهة نظر واحدة للعالم.
ولا يتحقق التسامح وقبول الآخر، إلا بالحوار والتواصل، والمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار، لأن إقامة حوار بناء، وخلق فضاء للنقد والفكر المستقل يسود المجتمع حالة من الاستقرار والسلام والتعايش مهما اختلفت أعراق ومعتقدات أبنائه.
وإن الحوار والتواصل دائماً وأبداً هو الطريق الصحيح لحل كافة القضايا العالقة، وهو  البديل الصحيح عن فرض الرأي بالقوة، وبالحوار نحافظ على التواصل والمحبة والسلام، ونعمق معاني الديمقراطية والتعاون، ولا يكفي لنجاح الحوار مجرد الدعوة إليه دون اتخاذ خطوات عملية تترجم ما اتفق عليه من قبل الأطراف المتحاورة على أرض الواقع، وتنمي الثقة بين المتحاورين، فإذا لم يطمئن المتحاورين إلى المصداقية في إجراء الحوار، وإذا لم تستبعد العوائق والموانع فيصبح الحوار بدون غاية أو هدف، أو مجرد حوار من أجل الحوار.
إن المجتمع المتجانس ثقافياً يتمتع بقوة مميزة خاصة به، ويخلق مناخاً تشترك فيه الثقافات المختلفة لحوار مثمر يعود بالنفع على الجميع، ويساعد على إقامة حس مجتمعي تكافلي، وبذلك يسهل عملية التواصل الداخلي بين أبناءه، ويغذي ثقافة كثيفة متماسكة ويمدها بأسباب الحياة.
وإن قبول ثقافة الآخر المختلف لا يعني بالضرورة الاقتناع بها، إنما هو إقرار بوجود الاختلاف معها وبوجود هذه الثقافة وقبولها من قبل الآخر، شرط أن لا تكون تلك الثقافة مبنية على حساب حقوق الآخر أو وجوده، كما ويجب النظر إلى الآخر المختلف من دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو القومية أو الخلفية الاجتماعية أو الاتجاه السياسي أو أي سبب آخر، وطالما أن الاختلاف لا يكون على حساب وجود الآخر أو حياته، فالآخر هو فرد مواطن، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، فيجب احترام هذا الاختلاف والعمل على تعزيز قبول ثقافة الآخر المختلف مهما بلغت درجة الاختلاف، وتفعيلها بشكل طبيعي بما تنسجم مع واقعنا ومتطلباته.
وإن التسامح والديمقراطية لهما اتجاهان أي اخذ وعطاء وتفاعل ايجابي مع قيم إنسانية جديدة بعيدة عن روح التعصب والكراهية وشطب الآخر المختلف.
حيث إن غياب الديمقراطية تنعدم إمكانية تكافؤ الفرص في التعبير عن الرأي, وإن غياب العدالة السياسية تنقطع فرص الحوار والتواصل بين مكونات المجتمع, وإن غياب سلطة القانون يقع الضرر على الجميع بدون استثناء.
هنا أود أن أشير إلى مسألة جد مهمة وهي: قضية الحجاب عندما أثير من قبل الحكومة الفرنسية العلمانية، فتح باب الحوار واسعاً أثنائها على مصراعيه بين جميع مكونات المجتمع الفرنسي، فقد كان باستطاعة الفرنسي أن يقول إن الحجاب يستفز مشاعره الدينية أو مزاجه الشخصي، وبالتالي يقف بدون تحفظ ضد الحجاب ويطالب بمنعه، ولكن وجود دستور معترف به من قبل الجميع وهذا الدستور يحترم لكل إنسان حقوقه الشخصية جعل المنع صعباً.
وفي المجتمعات الغربية توجد مئات من المجلات والكتب والجمعيات والهيئات والمواقع التي تمارس النقد المعرفي للدين، ويتقبلها الوسط الثقافي والاجتماعي الغربي برحابة صدر، دون أن يضيق بها أحد أو يدعو إلى الحد من حريتها، أما في مجتمعاتنا فيواجه النقد المعرفي للدين بالرفض والاستهجان، بل وبالدعوة إلى محاكمة من يمارسه بحجة إهانة (للمشاعر الدينية وللمقدس).. لأننا لم نصل بعد إلى أمر هام وهو أنه في النقد المعرفي لا توجد مقدسات تعلو على النقد.
إن مثل هذه الثقافة مفهومة، لأنها رد الفعل الطبيعي لمن لم يتعلم بعد ثقافة الاختلاف والتعددية الفكرية، ولم يعتد على قبول الآخر المختلف، ولذلك من الطبيعي أن نسمع من يصف النقد المعرفي للإسلام وبنيته الفكرية بأنه إهانة للمقدسات.
ولكن غياب ثقافة التسامح وقبول الآخر المختلف هو من أكثر عوامل الواقع الذي يعاني منه مجتمعنا في الوقت الحاضر، وهذا يمثل مسؤولية يجب أن يضطلع بها الجميع من قوى سياسية ومنظمات مجتمعية ومؤسسات ثقافية وحتى علماء دين، ولكن بعض ما تم ذكرها هو فاقد لما عليه أن يعطيه للمجتمع، وحيث أن فاقد الشيء لا يعطيه بأي حال من الأحوال.
وإن الاعتراف والإقرار بثقافة التسامح وقبول الآخر والاعتراف به هو أمر جيد ومقبول نظرياً ولكن يجب العمل والنضال من أجل ترسيخ قيمة هذه الثقافة وتطبيقها في الحياة اليومية بشكل يعود بالفائدة على الجميع دون استثناء.
من أجل العمل على نشر هذه الثقافة لا بد من اتخاذ بعض الخطوات العملية في هذا المجال ألا وهي:
#- تبني برامج علمية وذلك لتنمية وعي مجتمعي...
#- وضع مناهج تعليمية جديدة لإعداد جيل واع قادر على تحمل أعباء المرحلة...
#- إيجاد أدوات إعلامية متطورة على جميع الأصعدة...
#- نبذ كل أشكال التطرف والتخلف والتشدد في المجتمع عن طريق إقامة دورات تعليمية وندوات تثقيفية...
إن فكرة التسامح وقبول الآخر، واللجوء إلى الحوار وإلغاء فكرة شطب الآخر والثأر وإناطتها بالقانون، يعتمد على استعداد الأطراف التي تريد بناء مستقبلها على أساس تغليب المصلحة العامة على الخلافات الشخصية والمشاعر الدفينة البعيدة عن التعقل والتروي في نتائجها.
وهنا لا بد من الإشادة إلى بعض الشخصيات التاريخية المتسامحة:
#- المهاتما غاندي: صاحب سياسة المقاومة السلمية (فلسفة اللاعنف) وتسامحه ومن أقواله:
"أين يتواجد الحب تتواجد الحياة."
"إن اللاعنف هو القوة العظمى لدى الإنسان. وهو أعظم من ما أبدعه الإنسان من أكثر الأسلحة قدرة على التدمير."
توفي مقتولاً برصاص شخص هندوسي متعصّب لم ترق له عظمة التسامح الغاندية.
#- القائد الكردي الخالد مصطفى البرزاني صاحب الشخصية الكارزمية والمعروف بتسامحه وتعامله الإنساني مع الأسرى، فعبر ذات مرة بصريح العبارة عن إستراتيجيته العسكرية قائلاً: ( إن عقيدتي هي تحقيق مطالب شعبي وأن أفدي روحي في سبيل قضيتي .... وان حزبنا ليس ضد العرب ولا ضد أي قومية أخرى، ولا نشارك في ثورة من أجل اسم أو شهرة، إن العرب والأكراد أخوة، ولا يجوز التفرقة بين الأخوة، إننا لم نهاجم أحداً بل ندافع عن حقوق شعبنا الكردي ).
#- بابا الفاتيكان والكاثوليك المسيحيين في العالم يوحنا بولص الثاني:  تعرض لحادثة اغتيال عام 1981 من قبل تركي متعصب يدعى (علي أقجا ) فخرج على أثرها بجروح بالغة، وادخل المستشفى واخضع لعمليات جراحية كادت تودي بحياته، لكنه بالرغم من ذلك التقى بقاتله وعفا عنه وأخلى سبيله بكل رحابة صدر !!!
وبالرغم هذا وذاك نلاحظ أن هناك تصميماً واضحاً لدى كافة المهتمين والغيورين على حرية الإنسان وحقوقه المشروعة في الاستمرار بالعمل والنضال الدؤوب وبالوسائل المتاحة والممكنة في نشر هذه الثقافة مهما كانت الضريبة، وبفضل العولمة والتقنية الحديثة، لا يمكن لأي مجتمع اليوم عزل نفسه عن المؤثرات الخارجية، خصوصاً مع انتقال رأس المال والتكنولوجيا والقوى العاملة والأفكار وما إلى ذلك بحرية عبر الحدود الإقليمية وبالتالي إنتاج صيغ جديدة للتفكير والحياة.


صفحات: [1]