عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - دانيال سليفو

صفحات: [1]
1
(الثقافات العظيمة المؤسسِة للحضارات تنثر بذورها، وتتدحرج ثمارها عبر الزمن، وتُخّلد في الحاضر بأزهى الصور وأرقاها).
اليزيدية
عيدهم المسمى ( سه رسالي- رأس السنة)̤ يقع في أول أربعاء من نيسان من التقويم الشرقي̤ ويسبقه بيوم بقطف ورد نيسان الأحمر ( ورد الربيع)، ويعلقونه مع قشور البيض المسلوق الملون، وأنواع من الحشائش على المرقاد الأعلى لأبواب البيت. كان الاحتفال الأيزيدي البنچة  له علاقة حقيقية بعيد الأكيتو ويقع في بداية شهر نيسان. ومن الجدير بالذكر ان معبد الأيزيد كان أحد اهم المعابد القديمة والمهمة في ممارسة مهرجانات الأكيتو. ومثلما يقوم الآشوريون المسيحيين في العراق، بتناول طعام الذكرى( الدخرانة) من أجل أقرباء الميت والقديسيين ، كذلك يصاحب عيد الربيع لدى اليزيديين في نيسان تناول وجبات طعام طقسية على أرواح الموتى.
 وأستمر ارتباط الايزيديين مع التراث الآشوري منطلقاً مع الرسول أداي( عدي) الذي من المحتمل انه واضع كتاب الجلوه . وَفي كتاب عَبَدة أَبليس لنوري بَك والي الموصل ،إِنَ واضع الجَلوة هو راهب نسطوري قَد هَرَب من دير أَلقوش وانتشر الدين الجديد في جميع أنحاء سوريا حتى اللحظة التي ظهر فيها شيخ عادي على الساحة. تلقى هذا الأخير يومًا ما وحيًا إلهيًا نصحه بالذهاب إلى دير مسيحي واحتلاله. ولكنه  ذهب بعيداً ولجأ الى كهف.
وباختصار فأن أعياد الصابئة والأيزيديين ونوروز الزرادشتي الفارسي والكردي مرتبطة جميعها بعيد رأس السنة الآشوري- البابلي ( الأكيتو).
الاسلام
من متابعة توقيت شهر الصوم في رمضان، نستنتج بان إرتباطها برؤية الهلال يتزامن مع اقتراب كوكب الزُهرة والمريخ معه وهو كوكب المنقذ. فقد شرّع كتاب مسلمون آخرون هذه الممارسة، وتم تسجيل أحاديث (أقوال أو قصص النبي محمد)، التي تدعي أن محمد قبل هدية عيد النوروز وبارك اليوم. قال نبي الأسلام : ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه. وبعد ان يأس سيدنا يونس من إجابة دعوته وضاق بهم ذرعاً رحل عنهم مغاضباً لهم يائساً من إيمانهم و رحل عن نينوى، وبدأت بعد ذلك علامات العذاب وأماراته تطلع على قومه.
حديث آخر منسوب إلى الإمام السادس من التقليد الشيعي، جعفر الصادق، يصف النوروز بأنه اليوم الذي جعل الله فيه شروق الشمس، وهبوب الرياح، وازدهار الأرض؛ يوم أخذ الله ميثاق البشرية أن لا يعبدوا إلا الله؛ ويوم وصلت سفينة نوح إلى الشاطئ. كما يعتبر النص أن عيد النوروز هو اليوم الذي أرسل فيه الله الملاك جبريل إلى النبي محمد، وهو اليوم الذي دمر فيه محمد أصنام مكة، ويوم بعث الله الموتى. ونتيجة لهذه الشرعية في التقاليد الإسلامية، كان عيد النوروز سابقاً مناسبة مهمة بين المسلمين الشيعة، بما في ذلك الشيعة الإثني عشرية والإسماعيلية والعلويين.
استخدم المنجمون والفلاسفة في العصور الوسطى مفهوم العالم المصغر للتعبير عن هذه الفكرة: أي أن الكون كله، في عالم مصغر، موجود داخل الإنسان؛ وفي المقابل، شوهدت أنماط النجوم في السماء على أنها الرجل الكبير أو الرجل الكوني. يمكن رؤية مثال على هذا النوع من الارتباط في مقارنة ذرة واحدة بنظامنا الشمسي. الذرة هي صورة مصغرة للنظام الشمسي الكبير. وهذا المفهوم نفسه أطلق عليه الشعراء الميتافيزيقيون الإنجليز اسم "مبدأ المراسلات". والشيء المهم في هذا النهج هو أنه من خلال دراسة الدورات والأنماط في الكل الأكبر (الكواكب)، يمكننا التعرف على الدورات والأنماط داخل الإنسان نفسه.

حقيقة التنجيم بين العلم والشعوذة
في طيات الحديث والبحث عن مهرجان الأكيتو وتزامنه مع الاعتدال الربيعي وحركة الكواكب، نعثر على أمورٍ عديدة تؤدي بنا حتماً ً الى الولوج مرغمين الى عالم التنبؤ وقراءة الطالع ومراقبة صُدقية پندورة العرافيين!.
مع ذلك، يعتبر العلماء التنجيم من العلوم الزائفة أو الخرافات، حيث أنه يعتمد على افتراضات غير مثبتة علميًا ولا تستند إلى دليل علمي قوي، و يُعَدّ التنجيم جزءًا من التراث الثقافي وقد أثر في تشكيل الثقافة وعلم الفلك الأول، لكنه لم يعد يستخدم بنفس الشكل في العصر الحديث.
في الختام، يجب أن نفصل بين التنجيم وعلم الفلك، حيث يعتبر الأخير دراسة الأجرام الفلكية والظواهر الكونية بشكل علمي دون الاعتماد على الأفكار الخرافية. ولكنها ومع ذلك تقر بحقيقة وجود طاقات منتشرة وتحيط بالكون ومنها الجاذبية والمد والجزر، والكهرومغناطيسية وضوء الشموس وحراراتها، وحتى قوى الظلام الكوني الغامض لحد اليوم.
علامات الأبراج كأنماط للطاقة العناصر الأربعة لعلم التنجيم (النار، الأرض، الهواء، والماء) هي اللبنات الأساسية لجميع الهياكل المادية والكليات العضوية. يمثل كل عنصر نوعًا أساسيًا من الطاقة والوعي الذي يعمل داخل كل واحد منا. وكما أظهرت الفيزياء الحديثة أن الطاقة مادة، فإن هذه العناصر الأربعة تتشابك وتتحد لتشكل كل المادة. عندما تغادر شرارة الحياة جسد الإنسان عند الموت، تنفصل العناصر الأربعة جميعها وتعود إلى حالتها الأولية.
ويمكن القول أيضًا أنها تمثل الاحتياجات الأساسية الأربعة لأي كائن حي متقدم: الهواء والماء والأرض (أو الطعام) والنار (الدفء). لكن هذا وحده لا يبدأ في الكشف عن المعنى الحقيقي للعناصر، كما كتب مانلي ب. هول في كتيبه (قوى جينسين، 'العناصر الأربعة هي الأساس، وكذلك الحياة التي تكمن وراء العناصر المادية الأربعة - الأرض والنار والهواء والماء."

المراجع و الصور التوضيحية:-
-T
he Babylonian Akitu Festival:  Benjamin D.Sommer.
-The New Year Ceremonies In Ancient Babylon: J.A.Black.
- Elements Of Astrology: By L.D. Broughton. M.D.
- Enuma Elish: The Epic Of Creation Translated: By L.W.King.
- Ištar and the Motif of the Cosmological Warrior: C. L. Crouch
-The Religion Of The Yezidis By: Giuseppe Furlani.
- Bardaisan's Paradise on the Top of the Ziggurat: Amar Annus
- Astrology, Psychology, and The Four Elements: Stephen Arroyo


- أصول الصابئة المندائيين: عزيز سباهي.
- مدخل الى نصوص الشرق القديم: فراس السواح.
- الصابئة المندائيون: الليدي دراووّر.
- الزرادشتية واليزيدية تقابل أم تدابر؟ : محمد ظاهر
لقراءة الجزء الأول إنقر:
https://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,1056378.0.html
والجزء الثاني إنقر:
https://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,1056408.0.html
لقراءة الجزء الثالث إنقر:
https://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,1056461.0.html

2
(الثقافات العظيمة المؤسسِة للحضارات تنثر بذورها، وتتدحرج ثمارها عبر الزمن، وتُخّلد في الحاضر بأزهى الصور وأرقاها).
جيم):- النجمة والهلال :-
 من الألواح الآثارية المكتوبة بالمسمارية، تم العثور على نقوش تُمثل صوراً للهلال والنجمة. ومنها انتقل هذا النقش الى إمارة الرها المسيحية الشرقية جنوب تركيا الحالية ( الأسروهون- الاشور والهون وهم التتر او الأتراك). وكانت الرها ( أورهاي) تأسست منذ 132 م أو قبله، وأول ملكهم ( ابجر أريو) أتخذ شعارا مستمداً من حران الأشورية وهو الهلال والنجم، وسكه على النقود. وأصبح هذا الشعار حالياً مرسوماً على علم تركيا والعديد من الدول الأسلامية كالجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وباكستان ودول إسلامية أخرى، مع وضع الهلال على قمة مآذن المساجد. ويمثل هذا الرسم القمر وقد ذهب جزء كبير منه بسبب البرج المائي ( الحوت) مع نجمة الزهرة ( عشتار).
دال):- أصل فكرة النبي يونان من الأبراج :
 الخبرة المُلهمة للكهنة أثناء مراقبة وتسجيل حركة الشمس والقمر والكواكب ، جعلتهم يعكسون ويمثلون حركة الكون على الأرض، وبالنتيجة الايمان بتأثير نشاط الأبراج والطوالع على مصير الأنسان والتنبؤ بالمستقبل، باعتبار ان شكل الأبراج ومواقعها وتحركاتها جاءت باراده الالهة ورغباتها لتقرر مصير الإنسان، حيث يبرز الكهنة الواح القدر المقدسة، وفيها قوانين مُرسله من السماء!. وكانت الملوك تعتمد على إستشارة المنجمين في الخطط السياسية ومواقيت الحروب والمشاريع الزراعية ( وألاعشاب الطبية)، والأروائية وبناء المدن وغير ذلك من أمور.
وليس مستبعداً، ان انتشار الإمبراطورية الآشورية غربأً نحو البحر الأبيض جاء بعد نصائح الكهنة المنجمين ( المجوس والكلدان) وأُعتبرت كأراضي موعودة من قبل السماء ، تطبيقاً لحركة النجوم واستعارتها من السماء نحو الأرض ( في رأس السنة أكيتو والتي تم ذكرها فيما سبق  آذار الحوت ونيسان الحمل المُنقذ ومايس الجوزاء). لذا وعند مشاهدة خارطة التوسع الآشوري حوالي القرن السابع والثامن قبل الميلاد، يظهر انها شملت ما يُعرف اليوم بالهلال الخصيب وإنتهاءاً بثلاث مواقع جغرافية تحيط بالبحر الأبيض المتوسط من الشمال والشرق والجنوب في مصر، بشكل يشبه فم الحوت المنفرج على جزيرة قبرص والتي من المحتمل انها أُعتبرت مقام يونان ( برج الحمل!). لذا أصبح واضحاً مصدر أسم يونن والذي تنطبق حروفه ( فلكياً وتنجيمياً) مع أسم ننوى وان كانت القراءة تتم بصورة معكوسة. ( ܝܘܢܢ- ܢܢܘܝ ).

فخ الأسماء وخديعة المعاني وحبائل سوء الفهم، حيث نقع أحياناً كثيرة ضحية المصطلحات  والكلمات الغريبة عن ثقافتنا لغتنا المتداولة ، مثال :--
1- من العموم الى الخصوص.
بسبب الغزوات والحروب وتغير مسار الأنهُر وقحط الأراضي، إنتقلت الأساطير عبر مساحات شاسعة وشعوب عديدة. فعًممت بعض الأسماء والكلمات وخرجت عن إطارها الأصلي الموضوع عند البداية. ومثال ذلك إن الإسم بابل ، أصلها بحسب البحوث الرصينة هو (باب إيل)، بمعنى ان كل معبد يعُبد فيه الإله أيل يُسمى باب إيل ( بابل). وكذلك معبد الإيشاگيل ( الواحد المتعالي)، ونلاحظ ونسمع كثيراً ما يُطلق على مراكز العبادة ( بيوت الله). وفي ضوء هذا توصلت الأبحاث العلمية الأركيولوجية الى حقيقة ظهور النبي إبراهيم في ( اور كشديم) الناصرية، وفي حران في الشمال وفي أورهاي ( إديسا) جنوب تركيا، ثم سوريا وفلسطين ومصر. ومن جانب آخر دلت الأبحاث الإخيرة بأن برج بابل كان في آشور وإن الملك الكلداني الأخير نابونئيد كان يُسمي نفسه ملك آشور بكل سلاسة وأريحية .
 و نستلخص بان الأساطير والمفاهيم المقدسة، عبرت وتجاوزت الحدود ( ان كانت هناك حدود)، ولم تعد تُمسي لشعب معين من الشعوب.

1- أكيتو تعني السنة.
رغم ورود كلمة أكيتو منذ العهد السومري، الا ان علماء التاريخ لم يتوصلوا الى حقيقة معنى الأسم، مما يجعلنا في موقف البحث فيما هو دارج في التراث الأشوري واللغة السوريانية واتباع المنهج المقارنة بين الكلمات منذ سومر وأكد، مروراً ببابل وآشور وصولاً الى الآرامية ( السوريانية).
الاكيتو أو أخيتو كلمة تُعبر عن بداية سنة، ونعني بذلك كلمة شيتا أو شيتو وهي الأقرب الى أكيتو. والتحولات في الاسماء ما بين الأحرف ( ك- خ- ش ) وما يقابلها بالانكليزية ليس مُستغرباً، وعند ملاحظة تغيير الأسم ميكائيلMichael.  الى ميخائيل  Mikhael والى ميشيل بالفرنسية وما يقاربها.
 و( إيش+ اتا التأنيث) تعني السنة، كما تعني الشهر الأول أو البداية وبالسوريانية ( ܐ̄ܫܢܬܐ)).  ويظل هذا الفهم لكلمة الأكيتو صحيحاً الى أن يُثبت العكس.
2- مردوخ: وقد يعني واهب الحياة ( مارا د خيي). ومن كتاب أستير في التوراة، نجد إقتران مردخاي ابن عم إستير الذي رباها منذ الصغر في تناسق واضح بين عشتار ( الزُهرة ) و الاله مردوخ كوكب  مارس .

إنعكاس مهرجان الأكيتو على تراث الشعوب
من الواضح ان الشعوب جميعها كانت تحتفل بالاعتدال الربيعي ومواسم الزراعة والحصاد بشكل أو لآخر، ولكن حضارة بيت نهرين من سومر وبابل وآشور، إنفردت بإنها أرخت وصوّرت قدسية هذه الممارسات على الألواح الحجرية، ونقلت صوراً دقيقة عن هذه المهرجانات.
الفرس والاكراد
كان الهدف من الاحتفال بعيد نوروز هو نفس الهدف من الاحتفال بعيد الاكيتو ، وأتُخذت شعوب ميزوبوتاميا الاحتفال بيوم نوروز طابعاً قوميّاً بالإشارة إلى بداية الرّبيع، وأصبح العيد قوميّاً مقدّساً عندهم وهو الشّعب الكرديّ والفارسي، وتتحدث الأسطورة عن ان  الميد أحد أسلاف الكرد كانوا خاضعين لحكم الدّولة الآشورية التي تحوّلت إلى أقوى امبراطورية في ذلك الوقت، وقد حاول أحد زعماء الكرد الميد تحقيق هدف التحرر بتوحيد صفوف الميديين أوّلا والبحث عن تحالفات لمواجهة جيش آشور القويّ. فالضحاك( الملك الطاغية) بحسب الشاهنامة، هو مثال العداوة بين الإيرانيين والآشوريين ثم الكلدانيين، ويوافق هذا ما يذكر في الكتب العربية من ان الضحاك كان من الملوك الكلدان النبط. وما في نزهة الأمم من ان بابل كانت دار ملك نمرود والضحاك، وكان نمرود والياً من قبل الضحاك ( وهذ لم يتم اثباته بالبحوث الاركيولوجية). وبعد ان قضى عليه كاوة الحداد، اشعُلت النار على الجبال كعلامة على الأنتصار.
ظهر نقش بارز يصور الاحتفال بعيد النوروز في مدينة برسيبوليس القديمة الإيرانية، ويصوّر النقش كبار الشخصيات وهم يحملون هدايا إلى داريوس الأول (الأسرة الأخمينية) ربما بمناسبة عيد النوروز، في القرن الخامس قبل الميلاد؛ وذلك في قاعة أبادانا، برسبوليس، إيران، والمعلوم ان نقوش مدينة برسيبولس تمت من قبل الفنانين النحاتين الآشوريين. وأبرز ما نحته على الجدران كان الاله آشور الذي أصبح أهورمزدا، إذ كان الزردشتيون او الزردشترا ( زرعا دعشتار)  اتباع أهورمزدا ( أشور- الحكيم) يعبدون العناصر الأربعة مثل الشمس النارية وضوءها، والماء ( دجلة والفرات) والأرض( التراب) والرياح ( هواء). وتدوير هذه العناصر على مدار العام منذ بداية الاعتدال الربيعي، مما يحقق التطابق مع عيد الأكيتو الآشوري- البابلي.

الصابئة
يرتبط أسم الصابئة (صبأ) بالتعميد أي الإرتماس والغطس في الماء الجاري، مستخدمين لغتهم المندائية ( الآرامية السوريانية الجنوبية )، وتعني الشبع في الماء ( ܣܒܼܝܥܐ- سبيعا ثم صبعا وصبّا )، كما تعود أصل كلمة مندائي من المعرفة ( ܝܕܥܬܐ- معرفة) و ( ܝܕܘܥܬܐ).
وتنظر الصابئية الى عشتار- الزهرة بكل ود وتقدير. ويأتي في كتاب ( كنزه ربه) فقرة تصف مطهراً (مطراثه)، فيه أولئك الذين يذهبون الى بيت تموز.
من العادات الدينية الموروثة لدى الصابئة في العيد الكبير( دهوة ربا) أو عيد ملك الأنوار، أو عيد نوروز ربا ويكون في اليوم السابع من آب من كل سنة مندائية، وتُعلق على مداخل بيوتهم أكاليل من الآس أو الصفاف لتجلب لأهلها الخصب والسلامة. وفي الكتاب المقدس ( كنزا ربا) يتم مراراً ذكر الاله شمش ونابو وبيل وعنصر الماء الحي المقدس (يردنا)  وعنصر الهواء ( نشمتا ) وعنصر النار والحرارة الحية.
وفي الفترة الآشورية- البابلية، مثلما كان عيد رأس السنة في نيسان مرتبطاً بالأكيتو كما يفعل الكهان البابليون، استمر الصابئيون الكهان في استطلاع طالع الشعوب والأفراد. وهي فترة إمتناع الصابئين من الخروج من البيت خلال رأس السنة, تقديراً لذكرى انحباس تموز تحت الأرض( في العالم السفلى)، الى أن ينبغث ويعود الى الوجود.
 ( يُتبع).......
لقراءة الجزء الأول إنقر:
https://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,1056378.0.html
والجزء الثاني إنقر:
https://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,1056408.0.html

3
(الثقافات العظيمة المؤسسِة للحضارات تنثر بذورها، وتتدحرج ثمارها عبر الزمن، وتُخّلد في الحاضر بأزهى الصور وأرقاها).

محاولة لعصرنة فهم الأكيتو ..مفاهيم ودروس وعبر اجتهادية آشورية .
لوضع الخطوط الرئيسية في مقارنة الحاضر مع ممارسات الماضي نجد:

1- ممارسة الديمقراطية وتواضع الحاكم: في أزهى المظاهر الراقية التي تنسجم مع الديمقراطية بحسب المفهوم المعاصر، نجد انه عندما يصل (الملك) لحضور المهرجان ، يغادر الكاهن الأكبر وينزع عنه تاج المُلك والصولجان والحلقة والعصا وهي من دلائل الشرعية. ثم يجمعهم ويضعهم على قاعدة أمام الآله بيل وكوكبة  المشتري.
ويصفع خد الملك.ويجره من إذنه خلفه ويحضره أمام بيل.ويجبره على الركوع على الأرض.
ويرد الملك: أنا لم أخطئ يا رب كل الأراضي! أنا لم أهمل ألوهيتك! أنا لم أدمر بابل! ولم آمر بحلها! واحترمت معبد الايشاگيل! ولم أنس طقوسها! ولم أضرب خد من تحت حمايتي! . . ولم أقلل من شأنهم! وحميت أسوار بابل! ولم أهدم تحصيناتها الخارجية..
وبعد هذه الطقوس، اذا ذرفت دموع الملك التائب ، فان الالهة راضية عنه. وإذا لم تتدفق الدموع، يكون بيل غاضبًا. بالتالي تقع الدولة تحت تهديد اعتداءات العدو والتنبؤ بسقوط الملك. وبالنهاية يتم تثبيت الشرعية الملكية ومباركتها من قبل الكهنة وأمام أعين الشعب. وبعد أن يلقي (رئيس الكهنة) كلمته، يحفظ الملك كرامته.  ليستعيد  الصولجان والتاج ويعود الى العرش.
ويشترك في حملات الحصاد مع عامة الشعب. لتنتهي الاحتفالات باستكمال وتكريس  النظام في القصر والمعابد الرئيسية مثل بوابة عشتار والأكيتو والايشگالا والإيزيدا.
وهناك أمر أخر، وهو لا يزال مدار الدراسات والبحوث من قبل علماء الأديان المقارنة والمؤرخين الدينيين، الذين يميلون إلى مقارنة طقوس عيد أكيتو والنصوص الاسطورية الأخرى المتعلقة بتموز وبمردوخ وابن الواحد ( آشور)، حيث تنزل إلى العالم السفلي وتتعرض لمعاملة سيئة من قبل القوى الشريرة هناك قبل أن يعود إلى الحياة مرة أخرى، وتتحول من ضحية مغضوب عليها وحاملةً الذنوب الى مُخلّص يظهر لمحاربة الفوضى وقوى الطلام . قام الباحث لويجي كاجني بجمع روايات عن جميع النظريات التي قدمها العلماء فيما يتعلق بتفسير هذه الوثيقة المثيرة للاهتمام للغاية، والتي أطلق عليها اسم "الموت" و"قيامة تموز ومردوخ المفترض". فهل هذا هو وصف طقس يمكن مقارنته بموت المسيح وقيامته، ولو من بعيد؟ ام انها كانت بإرادة الخالق لاظهار الدلائل الأولى الممهدة للعقل البشري للإيمان والاقرار بمجئ المسيح المُخلّص!؟.

2- العلاقة المنتظمة بين الدين بالسياسة:  يمكن وبدقة ملاحظة التماسك والارتباط العضوي بل الاندماج بين المؤسسة الدينية والسلطة الحاكمة وبين ما يمكننا اعتباره بمؤسسة الدولة. ولنا ان نستفيد من هذه الحقيقة ونزيل الجمود والحواجز الوهمية بين كنائسنا والكهنة عن ما هو متفاعل قومياً وتنظيمياً، والسير نحو ما هو مفيد ومثمر وذلك بتنظيم العلاقة فيما بينها، وعدم أحتكار العمل القومي وعزله تماماً عن المؤسسة الدينية التي نجحت الى حد بعيد في إدارة مجتمعاتنا في الداخل والمهجر، وبالتالي ينبغي على دعاة العمل القومي والوطني السياسي نبذ كل ما هو يسئ الى الكهنة والمؤمنين من الاسراف في إلاساءه المبالغ بها وبدون معنى أحياناً أي مجرد رمي الأحجار والتنفيس عن الذات النرجسية والسادية. ومن الأفضل ان لا نقع ضحايا تحت تأثيرالكره والحُب والمواقف المُسبقة، ونعتمد على الفهم والادراك بالحصول على المعلومة الكاملة لاتخاذ القرار والتصرف الصائب.
وذلك إعتماداً على حقيقتين لا يمكن التغافل عنهما بحسب الماضي القريب:
الأولى ان الكثير ممن زاولوا العمل القومي كانوا أعضاءاً نشطين في اللجان الشبابية للكنائس قبل ان يتحولوا الى ممارسة العمل القومي الاجتماعي المؤسساتي او الحزبي. والثانية هي ان الاغلب من كهنة الكنائس، هم من المؤمنين بهويتنا القومية وحقوقنا المسلوبة، وهم أيضاً من المهتمين بالحفاظ على معتقدنا الديني واللغة والوجود، ويمتلكون اسلوبهم في التعبير والأبلاغ، وليس من المفترض ان تتطابق تماماً مع السياسيين القوميين، ومن غير المنصف ان نتدخل في شؤونهم ونحدد لهم طبيعة عملهم وبالتفاصيل، ما دامت لا تتعدى الخطوط الحمراء التي تضّر المصالح القومية والإجتماعية.وينبغي ان لا يؤدي الاختلاف الى خلاف من خلال التواصل الدائم، والتنسيق.
وأخيراً وللعلم فأن التراث الإيماني لكنيستنا المشرقية لا يتناقض أبداً مع التراث الحضاري لحضارة العراق النهرينية منذ سومر مروراً بأكد وبابل وصولاً الى آشور. بمعنى ان هويتنا القومية تنسجم وتتلاقح مع الهوية الدينية، اذ اوجد الله بوادر وتباشير وأدلة أمام العقل والوجدان القديم تمهيداً وتحضيراً وإٍستعداداً للآتي من دعوات دينية وعقائد وممارسات أيمانية، وينبغي أيجاد لغة مشتركة لتنظيم العلاقة وليس الإلغاء والابعاد. وما أعظم ان يتفاعل وينسجم الجسد القومي مع الروح الايمانية إيجابياً وبلغة مشتركة فصيحة، مستلهمين من سيّر عظماء ما بعد المسيحية مثل برديصان وططيانوس والملفان افرام وغيرهم، وسيرة كنيستنا المشرقية وقصص الشهداء والكفاح من أجل البقاء والوجود، فهل يمكن التصدي لهذه المهمة؟

- نحو عملية الفهم الذاتي لتراثنا الكوني عموماً والاكيتو على وجه الخصوص.

ألف)- مهمات وأدوار الأبراج الفلكية في المعتقد والتنبؤات:-
  لقد قسم الفلاسفة والمنجمون القدماء كل ما في الأرض إلى أربعة أقسام، أطلقوا عليها العناصر أو الجواهر، وأسموها النار والأرض والهواء والماء؛ كما قاموا بتقسيم الأجرام السماوية إلى تلك العناصر أو الجواهر، وخاصة الأبراج، والكواكب، والشمس، والقمر. وكانت علامات البروج تسمى المثلثات أو الثلاثيات. والأبراج النارية هي برج الحمل، والأسد، والقوس. والأبراج الترابية هي برج الثور والعذراء والجدي. الأبراج الهوائية هي الجوزاء والميزان والدلو، والأبراج المائية هي السرطان والعقرب والحوت.
وهكذا تتناوب العناصر الأربعة والابراج، وتأثيرها عبر العام لثلاث مرات دورياً خلال الأشهر الأثناعشر. مما أدى الى أيمان الكهنة بأهمية الدعاء الى القوى الكامنة في هذه العناصر الساكنة في أبراج السماء، وشهور السنة لتبارك وتحرس المدن المهمة مثل نينوي وأشور وكالخو وأربأيلو، ويتم محاكاة صورة أبراج السماء في الأرض من خلال مهرجان الأكيتو بايامه الاثنى عشر، و التأكيد على التطهير برش الماء، و إستخدام النار باستخدام المباخر والمشاعل، والقفز من فوق النار من أجل تطهير الروح من الذنوب، وممارسة التضحية بالثيران والخرفان الممثلة لعنصر أو البرج الترابي ، ويدل دماء الأضاحي المسفوك على الحياة وأُعتبر عنصراً خامساً.

باء)- الأكيتو والعناصر الأساسية:-
يمثل مهرجان (ريش شيتو) أكيتو بحسب التقويم البابلي – الآشوري، الاحتفال بمشاركة العناصر ( الماء والنار والتراب والهواء)  للأشهر الثلاث وأبراجها ( الحوت والحمل والثور و الجوزاء) والتي تتحكم بمصائر البشر في الأشهر:
* آذار:  وهو الشهر الأخير من العام المنصرم ويمثل برج الحوت المائي الذي يحاول منع قدوم العام الجديد لتستمر الفوضى والقحط والظلام.! بحسب الأسطورة.
* نيسان:  وهو الشهر الأول من العام الجديد، ويمثله برج الحمل الناري، ومجئ المنقذ الإلهي والبشري التموزي ومردوخ وآشور السماوي، ويمثله على الأرض ابن الاله وهو الملك، والذي بممارسات الاكيتو ودعوات الكهنة وجموع الشعب، يتم أنقاذ الحمل المُخلِص من جوف حوت العام الماضي. ليتم ترتيب الكون ومصائر البشر في العام الجديد.
* مايس: وهو الشهر الثاني من العام الآشوري الجديد، ويمثل الثور الترابي أي الأرض، حيث يستقر عليه تموز ويهدأ بعد خلاصه من خطر حوت العام المنصرم والفوضى، لتستقر الأمور وتبدأ الحياة الجديدة.
* حزيران:  وهو شهر الجوزاء الهوائي، حيث بتأثيره تعود الأنسام ( نشما ) ويتم الحصاد الجماعي .

( يُتبع).......
لقراءة الجزء الأول إنقر:
https://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,1056378.0.html

4
السنة الآشورية الأكيتو إنعكاس لصورة الكون على الأرض

(الثقافات العظيمة المؤسسِة للحضارات تنثر بذورها، وتتدحرج ثمارها عبر الزمن، وتُخّلد في الحاضر بأزهى الصور وأرقاها).

مدخل الموضوع :-

تتعزز قيمة الهوية الاصيلة لعراق بيت النهرين، بامتلاكها أعظم تراث كوني يتم ممارسة تفاصيله الاحتفالية سنوياً، حيث يعد مهرجان أكيتو أقدم احتفال برأس السنة الجديدة في العالم. ويتمكن للإنسان العراقي عموماً والآشوري على وجه الخصوص، المنتمى شعورياً ووجدانياً بالأصول الحضارية، من استثمار نقاط الضوء للابداع الحضاري المتميز لبناء الشخصية المنتجة للمستقبل. ومن خلال الاطلاع على التراث الديني والثقافي والتاريخي للشرائح و ( المكونات) العراقية المختلفة، نكتشف على العموم بانها جميعاً ورثت الحضارات العراقية القديمة من سومر وأكد وبابل وآشور بشكل أو بآخر.
 وكآشوريين لازلنا نعاني من الغربة والإعياء عند البحث عن فهم حقيقة معاني الأصول الحقيقية لمناسباتنا التراثية، ولكن هناك أيضًا مشكلة كبيرة تتمثل في أن التاريخ الآشوري الجديد - مثل تاريخ الشرق الأدنى القديم بشكل عام - لا يزال يُنظر إليه على نطاق واسع من خلال العدسات الغربية ومغلفًا في المصطلحات الغربية.
. وأغلب الدراسات تعتمد على المصادر التقليدية الكلاسيكية والتي هي الأخرى بحاجة الى المراجعة والتحليل إعتماداً على الذات في الدراسة والبحث وفي محركات البحث في الأنترنيت والذكاء الاصطناعي، للإحاطة على كل الجهود وبمختلف اللغات.
كان مهرجان أكيتو عند الآشوريين والبابليين يقام في الربيع، إيذانًا بولادة الطبيعة من جديد، وتوكيد الشرعية الملكية بدعم السلطة الإلهية، وتأمين حياة ومصير الشعب للسنة القادمة مع الإيقاع الزراعي السنوي المتزامن مع  التحضير وحراثة التربة والزراعة. يبدأ المهرجان في اليوم الأول من شهر نيسان ( نيسانو) الذي يتزامن مع شهر أبريل ويستمر لمدة 12 يومًا على عدد الأشهر الشمسية للسنة، وعدد أبراج السماء( أبراج الحظ )، ويمثل تقليديًا بداية العام لأنه يتبع الاعتدال الربيعي.

بوابة الاكيتو: بوابة الدخول الى العام الجديد الأخضر. وصراع الحوت والحمل

يبدأ الأكيتو (الفرح بقدوم عام جديد) في 21 آذار ويستمر الى الأول من نيسان، حيث تُقدم القرابين والنذور، وتُسّير المواكب الأحتفالية. ويبدأ الشعب الاحتفال بقدوم الربيع بالأناشيد المتداولة المتوارثة ، وكان عيداً للسومريين والبابليين وصولا للآشوريين، بل الى شعوب العالم أجمع حينذاك، حيث يُعلّق الأجداد (وبعض المعاصرين أيضاَ) في اليوم التاسع والعاشر، باقات الورود وعشب سنابل القمح الأخضر على الأبواب لتتعرف عليهم الآلهة وقواها الخيّرة في تجوالها حول المدن والقرى لتجزيهم في العام الجديد، وتُعاقب المتلكئين عن الاحتفال والغير مؤمنين بها، ممن لم يحتفلوا ويعلقوا الباقة (دقنا دنيسن) على الأبواب!.
وفي استعارة متطابقة مع الرواية الأسطورية للصراع أو بالأحرى دورها في تحديد المصائر والمقادير، تم تشبيه خسوف القمر المُستمر زهاء الثلاث ساعات، بمحاولات الحوت ابتلاع القمر وحجز نوره، من أجل إهلاك المُنقذ المُخّلص للبشرية والذي أتخذ أسماءاً عديدة مثل (الحمل وتموز ومردوخ، وأشور ونينورتا وأسماء أخرى عديدة للآلهة والملوك الذين نذروا أنفسهم للحرية ولخير الشعوب.
وعند فترة الخطر المُحيط بالمُنقذ المتزامن بالخسوف، تخرج الشعوب الجزعة والقلقة على مصير الملك الحاكم المُخلص، بالدق على الأدوات والاوعية المنزلية المعدنية لتصُدر أصواتاً مزعجة عالية لإخافة الحوت حسب معتقداتهم الذي يُشكل هلالاً بهيئة الفم المفتوح، مرددين بما معناه (حوته يا منحوته.. هدّي گمرنا العالي!)، ويزداد منحى القلق والجزع تصاعدياً، حينما يدخل القمر الى الأفق (ظل الأرض)، حاملاً معه جروح المُنقذ ، ويتحول لونه الى الأحمر المصفر (لون الدم). ليبتعد الحوت مرعوباً (عند نهاية الخسوف)، ويتوقف عن محاولة ابتلاع والتهام الملك الذي يخرج من العالم السفلي ويُنقذ من أيدي تيامات آلهة الجحيم، بمساعدة عشتار (نجمة الصبح الزهرة- فينوس) ، التي تقترب من الهلال لتخليص تموز ( او يونان بالسرد التوراتي) من فوهة الحوت!  ليعود الفرح والاحتفال والرخاء ويعم الخير والازدهار.

المهرجانات الدينية بين الدين والسياسة

 نظرًا لعدم وجود مفهوم واضح للفصل بين الدين والسياسة في الدولة الآشورية، خدمت المهرجانات أغراضًا سياسية ومجتمعية ( قومية) في توحيد رعايا الملك عند  تكريم إلالهة، وفي حالة مهرجان أكيتو، تم إضفاء الشرعية على حكم الملك من خلال مظاهر عامة يشترك فيها الجميع لموافقة الإله الراعي من حكمه. يتم الاحتفال بالمهرجانات على مدار العام لعدة أسباب منها: السنة الجديدة وأعياد ميلاد الآلهة والاحداث التي تحدد مصيرهم ومصير الملك والعامة.
ووفقًا لذلك، حصل مردوخ على رصيد متفوق خاص خلال مهرجان أكيتو. كان يُنظر إلى ميلاد العام الجديد نفسه على أنه مرتبط طقوسيًا بالخلق الأصلي للكون وأعادة النجوم الى مواقعها الاصلية على يد مردوخ الذي يعطي لوحة الأقدار الرمزية للملك، الذي جعله من جديد كسلطة عليا في بابل حيث حددت الآلهة مصير العالم كله والبشرية. وتميز أحد أيام المهرجان بقراءة احتفالية لإنوما إليش. من الممكن أيضًا إعادة تمثيل هذه الملحمة بشكل رمزي في أداء طقسي. في مرحلة معينة من المهرجان، يدخل الملك معبد مردوخ المعروف باسم إيساكيلا ( أيش گال- الواحد المتعالي)، وهو برج بابل المبني من قبل الآلهة، اذ يناطح ذروته السحاب بحسب ما هو مُعتقد قديماً ، لذا فإن الحديث عن ولادة الطبيعة من جديد في نيسان، مباشرة بعد الحصاد، هو أمر مسؤول وعميق في الوجدان الجمعي للشعب، وممارسة عقائدية راسخة مهمة، حيث  ترمز المواكب إلى مشاركة المجتمع في النصر الذي يحدث في الطبيعة، ويجدد تدمير مردوخ للفوضى وسيطرة الظلام والشر. ليتم  تحديد مصير المملكة والملك والشعب. على سبيل المثال، جورج رو، وصفه بعبارات أكثردقة، حيث يتساءل، هل موت الإله وقيامته وكفاحه بالطريقة الدراميتيكية هذه يوازي كفاحه ضد القوى الفوضوية الكونية وانتصاره عليها ؟ والجواب نعم بالتأكيد.

لعبت ملحمة الخلق البابلية، المعروفة باسم إينوما إليش، دورًا مهمًا خلال مهرجان أكيتو.  تصف ملحمة الخلق البابلية، إينوما إليش، كيف وضع مردوخ الكون كله في الحركة وحدد إيقاع التقويم تم تذكر عقيدة الكون ونشأة الكون أيضًا من خلال تلاوة Enuma Elish، التي تحكي قصة الأحداث البدائية.  - أي أنهم يرون أن أكيتو هو مهرجان للخصوبة يتعلق بالعبادة و الحداد الجماعي (وتمثل طقوس الإله تموز) ونزوله الى العالم السفلي عالم الموت ، وما يترتب عليه من بكاء ونحيب واللطم على الرؤوس والخدود ونثر الرماد وتمزيق الملابس الى جد العربدة الجماعية وغيرها من عادات يُراد منها التوسل والدعاء لإنقاذ الاله المخلص من الجحيم، لان بعودته وبدماءه المسكوبة في الأرجاء بشكل ازهار حمراء ( شقائق النعمان)، تُحيى البشرية ويتحسن الناتج الزراعي.

وكانت الممارسات الاحتفالية تجري في المعابد المقامة على عقيدة تؤمن بسيطرة وتحّكم الثالوث الإلهي المُعبر عن العناصر الأساسية ( الهواء والأرض والماء ) وهي آنـو وأنليل وإنكي على التوالي ونبذ العنصر الرابع النار( تيامات- ܬܝܡܐ - الموت)، إضافة الى أختها عشتار- إنانّا،  وهذه الاحتفالات هي بين أقدم الطقوس التي أظهرت شخصية الإله الذي يموت ويحيى ( تموز)، والتي يعرفها العلماء اليوم بطقوس الحداد الاحتفالية التي يموت فيها الإله ويعود إلى الحياة، مما يضمن الخصوبة والازدهار. منذ ان أقام البابليون دولتهم بدأ ميل يظهر نحو التوحيد، وتم النظر بأجلال الى الثالوث . وهناك ثالوث آخر يتمثل: سن اله القمر وشامش اله الشمس وعشتار الهة كوكب الزهرة وهي الأم الكبرى ومصدر الحياة.
( يُتبع).......

5
بعد الانتهاء من المشاهد المحزنة للحرب الضروس وبالاسلحة الثقيلة والخفيفة ، بين العشائر في الناصرية والعمارة، وبعد سماع اخبار الفساد وجفاف الأنهار والتصحر والكوارث في الصناعة والزراعة والممتدة الى نخاع الجسد العراقي. كان لا بد من البحث عن موقع او فيديو ينقل رأي المثقف العراقي الباحث عن الحل ، فكان الدخول في موقع المجلس الثقافي العراقي .. حيث وجدنا أنفسنا وسط أجواءاً من الرتابة والخطوط النمطية المملة تشبه خط القلب الضعيف المتهالك في شاشات أجهزة القلب في العناية المركزة. وجدنا أفكاراً تعاني من الموت السريري! وكأنها لم تستفد من تجارب الماضي، ولم تجاري التحديث في اطوار الحياة، تستخدم الشهادة الجامعية لاظهار مواقف يقينية مستمدة من مصادر المنتصرين، من أجل الترويج لكم هائل من المعلومات المتراكمة كجواز مرور فوق عقولنا المتعبة، وهذا لا يليق بمن يبحث عن الامانة، والتي تسعى دون كلل بضرب التعددية الاثنية والثقافية، ذلك التنوع الذي كان على مدى قرون وقرون مصدراً للاثراء والاغناء للبناء الوطني العراقي في بين النهرين (بيت نهرين- ميسوبيتاميا) .  وبات واضحاً بان السادة المتحدثين في الندوة لا زالوا يغترفون من الأفكار والمواقف القديمة التي عفى عنها الزمن، فمواقفها اتجاه الآثوريين هي محاولة لتمزيق النسيج الوطني العراقي المهترئ أساساً!، وعقلية (النُخب)هذه،  كانت ولا تزال هي المشكلة والمصيبة والعائق ، اذ لا يمكن للافكار الشمولية –السطحية والسرابية ان تروي ظمأ العطشى وتنقذ سفينة العراق المتجهة نحو منحدرات المجهول . في هذا العصر لا يمكن إخفاء الحقائق، ونحن بحاجة الى التجرد من المواقف المُسبقة. ولكن ولحسن حظنا نشاهد الارتقاء في وعي الجيل الجديد المتجرد من العُقد السابقة، أي من الانتماءات الجزئية كالعشائرية والمذهبية والعنصرية نحو فضاءات عراقية حضارية مترابطة وواسعة كالسومرية والبابلية والآشورية.
تتمثل أزمة المثقف العراقي بصورة عامة بفقدانه للبوصلة الوطنية والمشاعر الوطنية الحقيقية، نتيجة الوسط الموبوء بالعواصف والزلازل السياسية والاقتصادية، وباتت نفوس مُدعي الثقافة وباجتهاداتهم الكمية والتراكمية الأنشائية ، ضحية الازدواجية المتأرجحة بين بقايا مشاعر البداوة والتعصب والحقد من جهة، ومن عبارات كمالية ( اكسسوارات) وكليشهات التحضر من جهة اخرى ( كما تم شرحها من الدكتور علي الوردي)، وأسيرة التناقض بين ماهو واقع فعلاً في الماضي القريب وبين الامنيات التفتيتية الضيقة. والجميع يزعم بنبذ العشائرية والمذهبية  والفساد لكنه يسقط فيها في اول فرصة وأول امتحان. اما الحديث عن التعايش السلمي والاقرار بحق الآخر في الحياة، فهي مجرد شعارات وزخارف ممنقة تلائم موضة العصر، يستر فيها  عورة الجهل وعشق التشفي والتنكيل، ويعتقد بنفسه البطولة والانتصار، ولا يدرك بانه غارق في الخيبة والفشل والهزيمة.
نبذة عن ما ورد من أفكار ( سايكوباتية عدائية ) في الندوة التي أقامها المجلس الثقافي العراقي في موقعه الالكتروني والردود عليها  :-
*- الادعاء بان الآثوريين غرباء عن العراق، وجاءوا الى مناطق نفوذ ( الدولة الفارسية) خلال انقسام الكنائس في الغرب. ومن مناطق هكاري الى العراق.
وجود الآثوريين( الآشوريين) كان مستقراً وآمناً الى حد ما في هكاري ( أكارا- فلاح)  قبل المجازر ومذابح التطهير العرقي الشوفيني التي مارسته تركيا العثمانية وبمساعدة بعض العشائر الكردية. وتزامنت هجرتهم من أراضيهم مع انطلاق عصر نهوض الفكر القومي في اوربا أواسط القرن التاسع عشر ونشوء عمليات التطهير العرقي، فتم استعارة هذه السياسات من قبل ( تركيا الفتاة) ومارستها ضد من أعتبرتهم ألأعداء الكفار الغرباء! والمشركين النجس! من المسيحيين الآثوريين والأرمن واليونانيين. وأعادت مفهوم الفتح والغزو والقتل والنهب من غياهب التاريخ، وأعادت لشكيل صياغتها والاستيلاء على الأراضي والنساء والمغانم، وعلى دربهم سارت العسكرتاريا العراقية المتخرجة من المدارس العسكرية في الاستانة ومنهم المجرم بكر صدقي ورشيد عالي الگيلاني. وآمن الكثير منهم بالطورانية وانعكاساتها على العروبة المطُعمة شعبوياً بالإسلام السياسي المكبوت في الدواخل العميقة للشخصية .
عن موقع ويكيبيديا نقتبس : ((مجازر بدرخان بيك كانت عدة مجازر قام بها أميرا حكاري وبوهتان، نور الله وبدر خان، بسكان منطقة حكاري و تياري و تخوما من الآشوريين في النصف الأول من أربعينيات القرن التاسع عشر، ولقي أكثر من 10000 مسيحي حتفهم خلال المجازر.  كانت المذابح مقدمة للغارات العثمانية اللاحقة التي أنهت الوضع شبه المستقل الذي كانت تتمتع به القبائل الآشورية في المناطق الجبلية، وكذلك الوضع الذي كان يتمتع به الاكراد. رأى العثمانيون في الصراع الطائفي فرصة للإطاحة بالإمارات الكردية شبه المستقلة في عام 1847، وإقامة سيطرة مباشرة على المنطقة بأكملها. أدت هذه العمليات التي حصلت على يد القوات العثمانية وبعض القبائل الكردية، إلى مقتل مئات الآلاف من الآشوريين/السريان/الكلدان كما نزح آخرون من مناطق سكناهم الأصلية بجنوب شرق تركيا الحالية وشمال غرب إيران. اُعتبرت عمليات ترحيل وذبح المسيحيين في الأراضي العثمانية والمناطق المجاورة من بلاد فارس بمثابة إبادة جماعية من قبل العديد من العلماء والباحثين، وحدثت بالتزامن مع الإبادة الجماعية للأرمن واليونانين.)) انتهى الاقتباس.
واستمرت فتاوى الجهاد تصدر ضد ( المسيحيين الكفرة !) منذ 1847 وعام 1895 في منطقة هكاري وماردين والقرى المحيطة، والى المذابح التي سميت ب( سيفو- سيف) 1915 والى سميل 1933 . ومن المعتقد ان التبرير او الغطاء الديني كان أساسه السرقة والنهب والاستيلاء على الأراضي، فلولا السرقة ما كانت هناك حاجة للقتل !. وتكونت تركيا من مساحات شاسعة تعود لليونانيين في الغرب والارمن في الشمال الشرقي ومن الآثوريين- السوريان في الجنوب الشرفي. ولا زالت جذوة المطالب تركيا مستمرة ( بعد لوازان) باراضي أخرى مثل الموصل وكركوك واربيل وحلب، وقبرص والقرم!. وتم توثيق العديد من المجازر والاحداث بدقة بالتواريخ والمناطق والأشخاص في كتاب ( القصارى في نكبات النصارى ) بقلم شاهد عيان العلامة الاب إسحق أرملة، عدا عشرات الكتب والمصادر المتعلقة بتلك الاحداث من شهود عيان.
رغم إبادة ونزوح اكثر من نصف مليون انسان آشوري، ومليون ونصف ارمني ويوناني، ورغم مشاهد القتل والصلب والتمثيل بالجثث الموثقة من قبل المصورين الالمان ، الا ان الاتراك ينكرون تلك العمليات المشينة التي تركت جروحاً دامية في نفوس احفاد الضحايا!. ولكن الساحة السياسية والدبلوماسية والإنسانية شهدت أعتراف العديد من الدول بهذه المجازر بما في ذلك الولايات المتحدة  .. ولكن في ندوة المجلس الثقافي العراقي يدعي السيد الونداوي بان الاثوريين هم من قتل الاتراك والاكراد بمساعدة الروس، هكذا بدون تقديم أية وثيقة او دليل!. وينظم اليه السيد سيار متبرعاً على تأييد فكرة ان قوات الليفي الآثورية الغرباء! عن العراق مارست اعمال هولاكو!#!! ومن سياق النقاش ( ذو الاتجاه الواحد) كان من المتوقع في نهاية الندوة، ان يطالب الحاضرون من الاتراك والاكراد تقديم طلب التعويضات بسبب الأراضي التي اغتصبها الاثوريين والأرمن واليونانيين!، من الاتراك والاكراد المساكين وعلى الجواري والعبيد والضحايا والخسائر الأخرى.!!!
واستمرت عمليات التطهير العرقي من قبل الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة بعد قيام الدولة العراقية والتي كانت من نتاج الدولة العثمانية، بمعنى استمرار السياسات الفاشية منذ فترة السلاطين والتطهير العرقي وصولاً الى مذبحة سميل في سياق متصل متسلسل، مع غض نظر بريطاني التي كانت ممتعضة من الاستقالات الجماعية والخروج من الليفي الآشوري. وارادت بريطانيا وضع قوات الليفي في الفخ من جهة والتاكيد على حاجة العراق الى الانتداب البريطاني بسبب الاحداث الداخلية المروعة. فان كان البعض لا يفهم ويهظم عمليات التهجير والتجاوز على القرى والمدن الآشورية، فان التاريخ يعيد نفسه في الوقت الراهن حيث نشهد عمليات التجاوز على بيوت المسيحيين ومصالحهم والتغير الديمغرافي خصوصاً في مناطق سهل نينوى، وإلغاء دورهم وتمثيلهم الحزبي والاجتماعي والتشريعي والتنفيذي الحقيقي.
*- الحديث عن إنكار الأصول الآشورية للآثورين مفضّلين
 اطلاق كلمة مسيحيين او نساطرة أو أريوسية أو تيارية عليهم.
الاشوريون هم اصل العراق، وينحدرون من سكان  بلاد ما بين النهرين العليا قبل الإسلام. واُعُتمدت اللغة الآرامية القديمة او السُريانية من قبل سكان الإمبراطورية الآشورية الحديثة، حوالي القرن الثامن قبل الميلاد، وظلت هذه اللهجات الشرقية مستخدمة على نطاق واسع في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين العليا خلال الفترتين الفارسية والرومانية حتى اليوم.
خلال الفترة الآشورية، سُميت دهوك بيت  نوهادرا، واستقلت شبه استقلال خلال الحكم الفرثي الساساني في آشور (من 160 قبل الميلاد إلى 250 م). وأمتدت الممالك الآشورية  بعد سقوط الدولة ودخول المسيحية الشرقية وانتشارها، على طول جغرافية العراق ( بيت نهرين)، وشملت أربيل (أربيأيلو- حدياب) وبيت جارماي( كركوك) والحيرة والمدائن والكوفة وميشان( ميسان) والى البصرة والاحواز، وأمتد الوجود الآشوري المسيحي داخل ما تسمُى حاليا تركيا والى منابع نهري دجلة والفرات وصولا الى جبل ارارات في أرمينيا. 
لو كتبنا اسم ( آثور) مقابل ( آشور) ومقابل ( آسور) ستنتج كلمات تتناغم لفظياً، وعملية ترادف الأحرف (الثاء والشين والسين) في الأسماء ظاهرة معاشة ومشاعة عند المقارنه والمقاربة ما بين السوريانية والعربية، فالشمس هي شمشا واسم الورد سوسن هو شوشن وكلمة سلام هو شلاما وهكذا.  والسوريانية هي لغة آدم و لغة الجنة ومصدر الخط الكوفي والمدلول الحقيقي الدقيق لمعاني العديد من الالفاظ في القرآن.
 ولتبسيط الموضوع بالعربية نستعير كلمة تعال. فهي بالسورياني-الآرامي – الآشوري تتغير تبعاً الى اللهجات المتداولة في المدن والقرى: من (ثا) واحيانا عند البعض الآخر (شـا)، وعند البعض الآخر فهي (سـا). لذا لا توجد لدينا أية عقدة من استخدام جميع هذه الالفاظ، سواءاً أكانت (آثورية أو آشورية أو سوريانية)، فمهما تغيرت العناوين والاسماء، فالمحتوى واحد، والمدلول واحد ان كان يؤكد الهوية والوجود وينصب في الإقرار بمشروعية الحقوق الوطنية والمساواة في المشاركة السياسية والتي هي تماماً الحقوق القومية ( فالاشورية كحضارة تندمج وتنغمس تماماً في الأمة العراقية). ولما كانت المؤسسات والمنابر الدولية والحكومات تستخدم اللغة الانگليزية، وتستعمل Assyrian  كما استعملتها الحكومة العراقية في مراسلاتها في العهود السابقة، فمن المفيد وضع هذه الكلمة في البحث.

Assyrian according to Google Translate:    اسم الاشوري بحسب موقع گوگل:                 
العربي :آشوري/ - العبري: آشوري/ فارسي: آشوري/ تركي: Asur  وتُلفظ آسوش./  ويلفظ الأخوة في سوريا كلمة آشوري بانسيابية ودون تردد.
وقد كتب احد أشهر المؤرخين اليونانيين عن اسم الآشورين بانهم اطلقوا عليهم أسريان لعدم وجود حرف الشين في لغتهم. أما أطلاق اسم الجزء وهي العشيرة ( التيارية) على الكل! او اسم ( الأريوسية) بدلاً من الآشورية!، فحاله مثل الذي يطلق على أعضاء نادي الصيد بالصياديين!. والمفروض ان نكون اكبر من هذه  الركاكات والهزالة، فالمسؤولية كبيرة.
اما الادعاء بان المبشرين إخترعوا اسم الآثوريين!. فحقائق التاريخ والدين والمنطق تنفي هذا الأدعاء. فعلى سبيل المثال وخلال فترة المجازر التركية ورغم اضطرار الاثوريين المهددين بالقتل طلب مساعدة روسيا، لم تنظم الكنيسة الاشورية الى الأرثذوكسية، ولم تنظم الكنيسة أيضاً الى كنيسة المبشريين الإنكليز رغم الحاجة الماسة اليهم من أجل الخلاص. فمن غير المعقول ان يختاروا اسم الآثوري المقدم منهم! ويرفضون الانظمام الى كنائسهم الجميلة وبمغرياتها!.  وعبارة ( ارض اثور) مكررة بكثرة في كتب كتاب التاريخ من المسلمين، وفي التاريخ الكنسي لابن العبري وميخائيل الكبير واسد رستم. واليوم يتربع الدكتور سيمو بربولا وتلامذته على رأس من قرأوا وأنصفوا الهوية القومية للآشوريين.
*- اعتبار قوات الليفي قوة من المرتزقة تمارس أساليب هولاكو!. وتقتل الأبرياء!.
نسأل المتحدثين في المجلس الثقافي العراقي: ماذا تنتظرون من ضحايا المجازر والمذابح بعد خسارة أراضيهم وممتلكاتهم وأُسُرهم، غير قبول طوق النجاة من أي كان، لذا وفي ارض بعيداً عن مناطق سكناهم، قبلوا التجنيد مضطرين في قوات الليفي على أمل الرجوع الى قراهم وممتلكاتهم التي فقدوها. لكننا لم نسمع شيئاً في الندوة عن العرب والاكراد الذين انظموا الى الليفي أيضاً لان التاريخ يكتبه الاقوياء، وتبقى الحاجة الملحة أكبر عند الأشوريين اللذين لا ظهير لهم ولا سند. ومن غير الانصاف ان توصف بعض المشاحنات التي حدثت في الاسواق بين الليفي والسكان والضحايا الذين لا يتعدون أصابع اليد في او مع عشيرة أو عشيرتين بانها اعمال المغول وهولاكو!.  فهل خلُصت نوايا المتحدثين؟، وهل يمكنهم اجراء مقارنه بين الاحداث التي جرت وتجري بين العشائر العربية في الوسط والجنوب ( والتي بدأنا بذكرها في بداية المقال) او العشائر الكردية في الشمال في تلك السنوات وبين ما جرى مع قوات الليفي من (عركات)؟. المطلوب من المتحدثين في الندوة تقديم أسماء القرى والضحايا في المناطق الكردية والتركية التي هجرها الليفي الآثوري( حسب زعمكم)  ليتم دفع التعويضات لهم!!، وبالمقابل يتم تقديم اسماء البلدات والقرى الآثورية المنكوبة مع الصور الموثقة للاحداث، منذ مذابح بدرخان وسيفو وسميل، ليتم تدويل الجرائم في الجنائية الدولية والأمم المتحدة والحكومات جميعها لاقرار ما هو ضروري لضمان الحماية والحياة الحرة الكريمة . باعتبار الآثوريين من المواطنين أو السكان الأصليين، وليتم ضمان وحماية حقوقهم وأراضيهم المتجاوز عليها، دستورياً.
ومن ابرز ما قامت قوات الليفي هو محاربة وافشال حركة المسؤول عن مذبحة سميل رئيس الوزراء رشيد عالي الگيلاني ذو الميول النازية والذي انتهى به المطاف باللجوء الى برلين، والذي كلف الفريق بكر صدقي ذو الميول الطورانية في القيام بمجزرة سميل. فان كان البعض يبارك تحركات صدقي ضد الأشوريين، فعليهم ان يباركوا أيضاً تحركاته وقمعه ضد العشائر العراقية في الفرات الأوسط وفق مبدأ العدالة والمساواة!!. وباختصار كانت مشاعر الانتماء والهوية العراقية مفقودة بين الاتجاه البريطاني المتمثل بحكم المملكة والاتجاه التركي المتساوق المانياً، مع ملحقات ضعيفة خارجة عن التحّضر، والمتمثلة بالعشيرة والمذهب والاقطاع المستغِل والفلاح المُستغَل!.
*- زيارة المار شمعون الى العراق. والاندهاش من الاستقبال الحار له!.
خرج وزير الداخلية سعدون غيدان مستقبلاً الجماهير الآثورية الغفيرة في استقبال قداسة المار شمعون قائلاً في مستهل كلمته : يا احفاد آشور وبابل.. واستمعت الجماهير للخطاب التي بُثت  من الإذاعة والتلفزيون ونُشرت في الصفحة الأولى من جريدة الثورة، وسمعها وقرأها الألوف بل الملايين، ولكن الوحيد الذي لم يسمع ولم يقرأ كان المتحدث في المجلس الثقافي العراقي السيد الونداوي! الذي ابدى يقينه التام بعدم  سماعه لكلمة اثوريين او آشوريين تنطق من الحكومة!.  ونحيله الى قرار مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 16/4/1972  بمنح الحقوق الثقافية للمواطنين الناطقين باللغة السريانية من الاثوريين والكلدان والسريان.  كما ابدى استغرابه من زيارة المار شمعون وأستقباله في مكان من محيط القصر الرئاسي لا يدخله الا ( المبشرين بالجنة)، كونه ضابط أو عنصر في أمن الكرخ وقريب من مصادر القرار بشكل او بآخر!. ونقول للسيد الونداوي، الم تكن تعلم وانت في وسط المعمة بان ثورتكم، ثورة البعث كانت فتية ورسمت سياسة التقارب مع الجميع وتحسين الصورة بدون إستثناء؟ وان المسيحيين لا خوف منهم او عليهم ولا هم يحزنون؟ وان حكومة البكر تثق بهم لانهم لا ينون السيطرة والانقلاب على الحكم وليس مثل العديد من العراقيين الاخرين الذين لن يتركو فرصه الا ويتم استغلالها للقضاء على الحكم بدافع مذهبي او عشائري او بتحريض خارجي. كما ان المسيرات كانت منظمة بأسلوب راقي ومهذب وسلمي ولم تحدث فيها أي مشكلة او عائق يستحق الذكر. ولعلمك سيد الونداوي فان المطلب الرئيسي لحكومة البعث كانت هي المطالبة من قداسته تشجيع تأسيس جيش او قوات من الآثوريين لمناوئة الاكراد مستقبلاً في المنطقة الشمالية، فرفضها المار شمعون باعتباره رجل دين وسلام!. وتم قبول الفكرة من البعض من تنظيمات المهجر وتبرعوا بتنفيذها، ولكن لم تلق الفكرة أصداءاً أيجابية من الأغلبية ووضعت القضية على الرف .
لما رأى الآثوريون عدم مصداقية السياسة البريطانية في حماية الوجود المسيحي الاثوري، قرر أتباع المار شمعون والمجندين في الليفي  تقديم استقالاتهم، والتحول الى قوات تتمركز في المنطقة الواقعة بين مدينتي دهوك والعمادية. ورفضت الأغلبية الاستجابة لدعوة الإنكليز بالعودة، فاضطرت السلطات البريطانية إلى جلب الفوج الأول من مصر ليحل محل المستقيلين. وطالب قداسة المار شمعون بعد التشاور مع قادة آشوريين في العمادية من الحكومة العراقية وعصبة الأمم! الاعتراف بالآشوريين كقومية (ملـّـة) وطائفة لها خصوصية دينية، وإعادة ترسيم الحدود مع تركيا ، تظّم منطقة حكاري والعمادية وزاخـو ودهوك والموصل ، وكانت للمطالب هذه تأثيراً مهماً في تكوين وترسيم حدود العراق الشمالية.
*- مشكلة إسكان المهجرين الآشوريين في مناطق متفرقة في العراق.
في ندوة المجلس الثقافي العراقي، تمت الإشارة الى نشوء مشكلة واجهها نوري السعيد  وهي إسكان الاثوريين، ومن قناة الغمز واللمز، تم انتقاد تواجد الآشوريين في الدورة والحبانية وكركوك والبصرة وبعض مناطق بغداد، وبعض مناطق سهل نينوى. والتجربة أثبتت ان الجيل الأول والثاني المهاجر الى هذا المناطق، كانوا من قوات الليفي وأتباع المار شمعون وأغا بطرس والمالك ياقو، وسرعان ما اثبتوا الكفاءة والاتقان والأمانة والأخلاص في جميع المهن المتوفرة حينذاك إضافة الى الفن والرياضة، بعد ان تمتعوا بالأمان والاستقرار. ونشأت علاقات مثالية بين الآشوريين في بيئتهم الجديدة مع العرب والاكراد، هذه العلاقات إنقرضت في العراق الحالي، وتحول العراق الى صحراء كبيرة وفيها واحات متناثرة أُنُشئت على أسس مذهبية وطائفية وعشائرية مرتعبة وقلقه على مصيرها.
 

 

6
2) كان الهدف هو التركيز على التفاصيل الأساسية لفهم النبوة الآشورية كظاهرة دينية وربطت المدونات  الآشورية بالظواهر ذات الصلة، وخاصة الزارداسترا ونبوءة العهد القديم، والغنوصية المسيانية ، والتصوف اليهودي والتلموذ البابلي. بمعنى أن كلا من اليهودية والمسيحية يشتركان في العديد من المفاهيم والسمات المتعددة الآلهة مع الديانة الآشورية ( بحسب سيمو بربولا). لا بد أن الملكة إستير عهدت لعزرا ( النبي العزير من بابل) بالكتاب الذي كتبه مردخاي ، والذي سيُطلق عليه كتاب إستير عشتار). وبالمثل فأن تأثير إستير على  الملك أرتحشستا ، يمكن أن يفسر رد فعله المفاجئ على الإحسان بناءً على طلب عزرا: كان ناسخًا ومطلعًا على شريعة موسى التي أعطاها يهوه إله إسرائيل.
ويقول فلافيا روياني في كتابه دراسات سريانية، (مع صعود كنيسة المشرق السريانية العالمية تمكنت النخب والقادة الكنسيين المشاركة في مؤسسات الإمبراطورية الزرادشتية باعتبارها مسيحيين ، وتهدف النصوص الجدلية إلى تحديد العلاقات بين المسيحيين والزرادشتيين في السياق السياسي الشامل لزيادة التعاون بين الأديان. وهذه فترات حرجة وانتقالية فترة تطور وتبلور الأديان.
3) يقول جيوفري باريندر في كتابه: الزرادشتية، ان نبوءة ( هستاسبن) ذكرها المؤلفون المسيحيون، تم التعرف اليها باعتبارها نبوءة الاله شمش (ميثرا) تتوقع قدوم الاله في نهاية العالم ليدمر الأشرار بالنار وينقذ الصالحين. وتوجد عدد من النصب الرومانية تصور مولده، كما يذكر عدد من النصوص المسيحية من القرن الخامس الميلادي وجود اسطورة ميترانية قديمة تنبأ بظهور نجم في السماء سوف يقود المجوس الى مكان مولد المُخلص. كما تتم المشاركة في تجربة هذه الهبة السماوية الأولى من خلال وجبة جماعية مشتركة فيها الخبز والخمر حيث يمثل الكاهن الاله ميترا ( اله الشمس). وأصبح ميترا نبي الديانة الميترانية وقد انتشرت في القرن الثاني الميلادي غرباً حتى وصلت الى بريطانيا، وقد رمز الى الشمس المنيعة. وحسب الروايات الاسطورية انه ولد في مغارة حيث قدسه الرعاة، وقام ببعض المعجزات في سن البلوغ وصعد الى السماء. وأستمرت الميثرانية الشمسية متناسقة مع المسيحية حتى قمعت في القرن الرابع بعد ان أصبحت المسيحية هي الدين الرسمي للامبراطورية الرومانية. وقد آمن الزرادشتيون واليهود والمسيحيون والمسلمين بيوم الدينونة، وآمن النبي زرادشت ان روح الميت تنتظر بعد الموت ثلاث ليالٍ لتواجه الحساب.
وتم ذكر اسم زرادشت في كتاب مختصرتاريخ الدول لأبن العبري (ص 83) في عهد ابن كورش :(( في هذا الزمان كان زرادشت معلم المجوسية وأصله من بلد أذربيجان. وقيل: من بلاد آثور. وقيل أنه من تلامذه الياً النبي. وهو عّرف الفرس بظهور السيد المسيح وأمرهم بحمل القرابين اليه واخبرهم ان في آخر الزمان بكراً تحبل بجنين من غير ان يمسها رجل وعند ولادته يظهر كوكب يضيء بالنهار. ويُرى في وسطه صبية عذراء. وأنتم يا اولادي قبل كل الأمم تحسّون بظهوره. فاذا شاهدتم الكوكب امضوا حيث يهديكم واسجدوا لذلك المولود وقرّبوا قرابينكم فهو الكلمة مقيمة السماء )).
وفي فترات انتقالية، من الاساطير القديمة والى الزارادشتية واليهودية والمانوية، عبر السنوات والعقود ظهر أتباع النبي ماني (مار ماني - ماني الحي ) ولد 216 م في بابل، وأخذ المانويين يقدمون أنفسهم في أيام الجور والظلم والاضطهاد كمسيحيين أو زرادشتيين. وأدعى ماني بانه حقق كل ما صبا اليه كل من زرادشت وبوذا ويسوع، وحينما يخاطب المسيحيين يدّعي بانه المخلص يسوع، وعندما يخاطب الزرادشتيين فان الانسان الأول هو أهورمزدا ( آشورمازدا). تمكن ماني من الجمع بين الأساطير القديمة مروراً بالزرادشتية، وأتبع المسيحية وآمن بكونه الفارقليط المُمهد والمُبشر بالمسيح. سافر ماني نفسه كثيرًا و شارك في النشاط التبشيري. أرسل المبشرين شرقا وغربا للتبشير.
وإنتشرت المانوية في جميع الشعوب التي تبنت الزرادشتية، من بابل وميشان ( ميسان والبصرة ) وخوزستان الأحواز والى الهند وبختريا ( أفغانستان)، وأربيل ونينوى وحتى أواسط أوربا واليونان ورومية ، وأورميا ومحيطها التي كانت أهم مراكز الزرادشتية. يعتقد الباحث عن المانوية غاردنر، أن الجذور الأساسية للمانوية يجب أن تكون في المسيحية الشرقية، وخاصة المجموعات اليهودية المسيحية والغنوصية. وقد ظهرت هذه البوادر عند مرقيون وبرديسان، وكذلك القديس أوغسطين الذي تحوّل عنها وانتقدها، وكذلك مار أفرام السورياني ( كنارا دروخا)، الذي انتقدها بشدة وأبتعد عنها في رسائله وميامره. كما يمكن أيجاد مفردات عديدة  من التراث الآشوري وباسم الزرادشتية والمانوية في الديانيتين اليزيدية ( الدسانية ) والمندائية.
الخلاصة: البحث عن التراث الحضاري الآشوري العراقي، عملية ليست باليسيرة، وتتطلب الكثير من الجهود المضنية. خصوصاً ان ثقافات الشعوب لم تكن معزولة، بل بالعكس التواصل والاتصال بين الشعوب كان سبباً مباشراً للتطور والتقدم والانفتاح. وعملية البحث عن الذات والتعرف على ماهيتها وحقيقتها، من الأمور المهمة ما دمنا نمارس حركات تطالب بالحقوق وأثبات الوجود والقدرات في خضم التفاعل الوطني والقومي الإنساني، ومقاومة الإلغاء والتهميش وتزيف التاريخ وتزوير الهوية. وهذه دعوة مخلصة للمهتمين بهذا الشأن، والعمل الجدي في تجميع الصور الصغيرة وترتيبها مع بعضها البعض لأكمال الصورة الكبيرة الشاملة للحقيقة، مثل لعبة اللغـز Puzzle، والأفكار والآراء قابلة للنقاش والنفي والإثبات.
وبالمختصر: تتمحور هذه الدراسة حول أصول الزرادشتية وجذورها. وتوّضحت الأمور من خلالها بان شعب بين النهرين كانوا يؤمنون بانهم أبناء عشتار ( زاراتشترا - بر زرعا دعشتار)، والاله أشور- الحكيم ( أهورمازدا) حاكماً على الأرض، مع الايمان بوجود اله خالق في السماء مهيب وغامض، متخذاً اسم الواحد ـ أي آشـا بالترقيم الآشوري. والغاية من هذا البحث تبيان وكشف الحقائق الموروثة المتعلقة والضائعة بالذات القومية  والارتباط الأصيل بارض العراق. 
المراجع:
- ZOROASTER - PROPHET OF ANCIENT IRAN, WILLIAMS JACKSON.
- The Chaldean Oracles of Zoroaster.
- Queen Esther wife of Xerxes Chronological , Gérard GERTOUX.
- THE Cologne Mani Codex And Life Of Zarathushtra, Albert De Jong.
- Zoroastrian influence upon Jewish Afterlife : Valts Apinis.
- ZOROASTRIANS AND CHRISTIANS IN SASANIAN IRAN: A.V. WILLIAMS.
- Zoroastrians: Religious Beliefs and Practices, ROUTLEDGE & KEGAN PAUL.
- A HISTORY OF ZOROASTRIANISM, MARY BOYCE.
- Ištar of Arbela, Martti Nissinen.
- AHURA Mazda  Armaiti, Heaven And Earth, In The Old Avesta. Harvard   University .

- موسوعة تاريخ الأديان، فراس السواح- الزرادشتية: جيوفري بارندر.
- تاريخ مختصر الدول_ ابن العبري.
اقرأ الاجزاء 1 و2 3 بالنقر:
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1039308.0.html
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1039375.0.html
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1039432.0.html


7
في آشور ، تم رسم ونحت العربة التي كانت تحمل صورة Assure في أيام الأعياد بواسطة الخيول البيضاء ، وتم إرسال الخيول البيضاء لسحب عربة عشتار في المناسبات، ويبدو أن قرص الشمس المجنح يعتبر رمزًا للقوة والملكية. ويظهر تطور الرمز في آشور شخصية بشرية مع القرص، ويمسك قوسًا في يده بينما يرفع الأخرى في التحية. وتم استنساخ القرص المجنح لآشور الى أشورمازدا في مدينة بيرسيبولس الفارسية. تماثيل الحراسة وقاعة الجمهور، على الرغم من أن (مقابر باسارجادي) شبه خالية من الزخرفة ، إلا أن هناك بقايا منحوتات غنية على جدران البوابة والقصر. يبدو أن المدخلين الرئيسيين للأول كانا محاطين بالوحوش المجنحة ذات الإلهام الآشوري ، الحماة التقليديين لقصور الملوك. ويبقى هناك على دعامة الباب منحوتة مهيبة لشخصية ملتح بأربعة أجنحة ، مشتقة في نهاية المطاف من التماثيل النبيلة المنحوتة في بوابات القصر الآشوري.
النقوش التي كانت تزين مداخل قاعة الحضور موجودة ، ومن الواضح أن اثنتين منها ، مثل تمثال البوابة ، مشتقة من النماذج الآشورية. وعلى الرغم من بقاء الأجزاء السفلية فقط من المنحوتات ، فقد تم التعرف عليها بمساعدة المنحوتات الآشورية على أنها تمثل محاربًا يرتدي سترة قصيرة ، وأسدًا ، وعبقرية في عباءة من جلد السمكة ، ورجل ثور. يُعتقد أن هذه الأشكال مرة أخرى هي شخصيات متفرقة. جودة الصنعة جيدة جدًا ،  في العصر الأخميني كان هناك أساسًا معرفة باللغة الآرامية المكتوبة. تم استدعاء الناسخ باسم هجين فارسي-أكادي، ويبدو أن الميديين بدورهم قد تبنوا عناصر مختلفة من الحضارة الآشورية من أورارتو ، وقد نقلوها في الوقت المناسب إلى الفرس. وكان قد سبق اعتماد الزرادشتية في غرب إيران ؛ وأن تكون العادة الفارسية ، التي لا تزال سارية ، المتمثلة في الاحتفال باليوم الأخير من عيد رأس السنة الجديدة (الثالث عشر) من بقايا الاحتفال البابلي – الآشوري لرأس السنة أكيتو akitu.
ثالثاً ): النبي زاراداسترا  Zarathustra - زرعا دعشتار

1) نظرًا لأن زرادشت هو أحد أعظم المعلمين الدينيين في الشرق ، فإن بقاء الدين لفترة طويلة وعملها وامتداداتها، يستحقان دراسة معمقة لتبيان أهميتها وسطوعها على بقية العقائد والمذاهب. يجب جمع معلوماتنا المتعلقة بحياته من الكتب المقدسة الزرادشتية ، وكتابات الأفستا والبهلوية. ونتيجة هذا الانتشار، تعددت الصيغة اللفظية لاسم زرادشت. ومنها: (Zartust ، Zardust ، Zarduhast ، Zardtust ، Zardtuhast ، Zaraduhast ، Zarahust) كل هذه أشكال مختلفة بشكل أو آخر عن أقرب الصيغ وأصحها (Zarathustra ) أي زاراتشترا.
أرتبط اسم الزاراتشترا، وأصبح مرادفاً ومقروناً للملوك الآشوريين الأسطوريين نمرود ونينوس ومع سميرأميس. وفي عظات المعلم كليمنتين، يتم التعرف على زرادشت مع نمرود، ولكن يستلم المُنقذ زرادشت السلطة الدينية بعد نهاية نمرود، وهكذا يتوالى مجيء المُنقذين كل ما يقارب مئة عام وباسماء مشتركة ( أبناء عشتار- برزرعا دعشتار)، والى أشهر زرادشت في 660 قبل الميلاد، وأُعتبر أباً مقدساً لأولئك الحكماء المجوس من الشرق الذين أتوا وانحنوا أمام نور العالم الوليد في المهد . ومن هنا نستنتج ان زارادشت  نفخ في البوق، و صاح صيحة صاخبة للإصلاح والتوحيد والوعد المسياني قبل أيام السبي البابلي. وتظهر قصة الطوفان ، التي تم تكييفها بشكل غريب مع أسطورة قديمة  في الزرادشتية ، وهي دليل صارخ على تفاعل الأفكار الإيرانية وبلاد ما بين النهرين. يمكننا تمييز بعض العناصر والإشارات الزرادشتية الموجودة في الكتاب المقدس العبري (كتاب إستير ، حزقيال ، دانيال ، يشعيا ، أيوب) ، متبوعًا بملف مزيف (على سبيل المثال ، توبيت) وأدب زائف (على سبيل المثال ، إشعياء 2). وتنقل الالواح الآشورية أن نينوس غزا وقتل الساحر المتمرد زرادشت باختريا (أفغانستان)، وهناك توحيد عام بين الكتابات الشرقية التي تطرق إلى الموضوع في تحديد مكان مشهد ظهور زرادشت في غرب إيران في أذربيجان أو في ميديا ومدينة أورمي ( أوروميا) ، أو منطقة أو حتى على وجه التحديد الحي المحيط ببحيرة أوروميا. بحر قيسيستا هو جليل الزرادشتية، أي وجود مجاميع سكانية متباينة.
2) موطن زاراتشترا: يحصل أحياناً التباس وخلط بين الشكل العبري والسورياني والعربي لاسم إرميا النبي مع أورميا، وأورميا الموطن الأصلي المفترض لزرادشت، السريانية والعربية التي تربط اسمه بإرميا (أو حتى بعزرا) والتي تجعل من زرادشت تلميذًا لإرميا ليس له من دلالة مؤكدة وان كان شائعاً شفاهياً حينذاك. قد ذكرت التلميحات العربية والسريانية إلى موطن زرادشت ، والتي تكاد تكون بالإجماع في ذكر أذربيجان. يعتقد المجوس أن سيدهم زارادشت جاء من هناك ، تقع بحيرة Urumiyah أورميا  في أذربيجان أيران. في تلك الأيام (لكورش وقمبيز) كان زارادشت  زعيم طائفة المجوس ، بمولد أدربيجان ، أو كما يقول البعض ، في المؤلفات لـ(آشور)!. يقال أنه كان من تلاميذ إيليا ، وأبلغ الفرس بعلامة ولادة المسيح وأن عليهم أن يقدموا له الهدايا. وفي هذه الجزئية ومن النقاط المثيرة وذات دلالة: استجابة الآشوريين وأبناء بلاد بين النهرين لدعوة المجوس لرسالة المسيح، وعدم انصياع الفرس الأيرانيين والهنود لهذه الدعوة!؟.
وتؤكد الكتب الزارادشتية البهلوية الفارسية والهندية على أهمية محيط بحيرة أورميا الأشورية في حفظ بذور زرادشت بمعجزة، ومن هذه البذور نشأ اسم مصدره باللغة السوريانية ( برزرعا- دعشتار) أي من نسل عشتار (الزاراتشترا). في تماثل واضح لزربابل في التوراة ويعني نسل بابل. وأعُتبرت بحيرة أورمية حاملة لبذور (أشور- مازدا) المتساقطة مع الأمطار في البحيرة ليتم تقديس عذراء محظوظة باخصابها.( بحسب الأسطورة).
رابعاً): أهمية المظهر الأمومي لعشتار في آشور  و الزاراتشترا
1) نالت عشتار قدسية كبيرة في حضارات بلاد بين النهرين، ولما كان الجميع يتخوف ويرتعب من ذكر أسماء الالهة، وعلى رأسها الاسم الأساس الواحد المؤسس للكون (آشـا )، فقد لُقبت عشتار بالأسم العالي ( شما راما) أو شميرام، كما يعني أسمها أيضاً ( الرحم- أُم الجميع) أيضاً ، وتم متابعة حركتها ومتابعة تعليماتها وأوامرها من خلال مراقبة كوكبها ( الزهرة – فينوس ) وأفردويت عند اليونان، ويسميها العرب اللات، ويسميها الفرس أناهيت (آنو ايتو-الله موجود) وقد تكون مصدراً لمدينتي عانة وهيت غرب العراق. واستوعب المجوس الفارسيون المعرفة البابلية حول الكوكب، وانتقلت الى اللاتينية وتحّول أسمها مصدراً لاسم ستار (نجم) في الانكليزية. واعتادوا على تبجيل الكوكب اللامع الزهرة ، سواء في الصباح أو في المساء. وقد أعتبرت الأدعية والصلوات والاناشيد حولها من قبل الملوك والأمراء والشعب المتجهة الى عشتار باعتبارها أم ووالدة للبشر. كانت مدينة أربيلا مركزًا دينيًا واقتصاديًا بارزًا في العصر الآشوري الحديث. جنبا إلى جنب مع آشور ونينوى وكالح، يُطلق على مدينة أربيلا "مسكن الإلهة عشتار" تُظهر أن عشتار أربيلا ، دائمًا مع عشتار نينوى ، تنتمي إلى الآلهة الرئيسية للآلهة الآشورية . وعندما يتعلق الأمر بأشور وعشتار نينوى وعشتار أربيلا في هذه الفترة ، لا يمكن لأي ملك أن يتجاهل هذه الآلهة ومزاراتها وأعيادها. يتم التعبير عن علاقة عشتار بأشوربانيبال من خلال الصور الأمومية الصريحة. ويقول النشيد مخاطباً آشوربانيبال: وقفتَ امام عشتار، وكلمتك مثل الأم التي ولدتك ، لقد أحمتك في أحضانها اللطيفة ، لقد قامت بحماية جسدك بالكامل. يقول أشوربانيبال: "سيدة نينوى ، الأم التي ولدتني ، أعطتني ملكية لا مثيل لها ، أمرت سيدة أربيلا ، خالقي ، بالحياة الأبدية (بالنسبة لي).  كانت عشتار من اربيلا على علاقة حميمة بشكل استثنائي مع الملك باعتبارها خالقته ومرضعته وداعمته ، وكمصدر للحب الإلهي والشرعية. كان سبباً للموقع المرتفع لمعبدها ولمدينة أربيلا في هذه الفترة. وتبرز عشتار كإلهة تقف بجانب إسرحدون / أشوربانيبال طوال حياته. كانت هناك مع آلهة أخرى عندما ولد الملك ، كانت قابلة ومرضعة عندما كان رضيعًا ، تحميه في قصر الخلافة كولي للعهد ، وتؤكد ملكيته للأم الملكة. كما وتقول عشتار: هذا هو الابن الذي سيخلفني. وأنتقلت عقيدة اسطورة عشتار الى مناطق بحيرة أورميا في أذربيجان أيران ومنها الى الزاردشتية. واستفاد الهندوأيرانيين من فكرة ( إمتزاج هويتا أشور وعشتار بطريقة صريحة ولكن مُحيرة وغير متوقعة، أي الام والأبن!. اذ تقول عشتار للملك: هذا هو الابن الذي سيخلفني، وإستمرهذه الاعتبارات المتعلقة بها كعقيدة لدى الشعوب. (وصولاً إلى القرن الأول قبل الميلاد)، استعداداً للدخول في المسيحية.
يتبع...
لقراءة الجزء الاول والثاني انقر:-
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1039308.0.html
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1039375.0.html


8
) الجذر الآشوري للزارادشتية: يبدو أن الكتابة كانت غير معروفة للإيرانيين قبل دخولهم إلى أراضيهم الجديدة. ولكن من الممكن أن يكون استخدام الكتابة المسمارية قد حصل عليها الميديون في وقت مبكر من مملكة أورارتو. وتم استخدام الآرامية، كلغة مكتوبة مشتركة للشرق الأدنى في القرن السابع. ويبدو أن الميديين بدورهم قد تبنوا عناصر مختلفة من الحضارة الآشورية من أورارتو.
كان الإيرانيون الغربيون ورثة متساوين لهذا التقليد المستوحى من بابل وآشور. وقد تم استخلاصها بكميات ضئيلة من النصوص المسمارية الآشورية من القرنين التاسع إلى السابع قبل الميلاد ، وبشكل أكثر وفرة من الألواح المسمارية العيلامية في بيرسيبوليس أيران ، ومن السجلات المسمارية البابلية والكتابات الآرامية. والتجارة الآشورية والمشاركة العسكرية قد شجعت على انتشار معتقدات بلاد ما بين النهرين. ومع ذلك ، سيكون من الغريب أن يتمكن الميديون والفرس من البقاء بمنأى عن جميع التأثيرات الدينية من الحضارات القديمة والرائعة التي كانوا على اتصال بها في أراضيهم الجديد. الزرادشتية هي أقدم ديانات العالم السماوية، وربما كان لها التأثير الأكبر على البشرية ، بشكل مباشر وغير مباشر ، أكثر من أي دين آخر. إن إيران الفارسية احتفظت بهويتها عبر القرون منذ العصور القديمة باعتبارها حضارة بلاد ما بين النهرين.
الفرس الذين خلفوا الآشوريين في المناطق الغربية لأيران، إستعاروا بجيش من العمال لتقطيع الأحجار ونحاتون من آشور وبابل وبنوا مدينتهم التاريخية برسيبوليس والتي مُلئت بتماثيل وكتابات ونقوش مسمارية وآرامية والواح حجرية تماثل ما موجود في العواصم الاشورية نينوى وآشور وبابل، وأهمها القرص المجنح لاله آشور والتي تم تحويره لاحقاً ليمثل نبي المجوس زرادشت ( زاراتشترا - زرعا دعشتار). ومن المهم والجدير ذكره ان أبو التاريخ هيرودوت لم يذكر برسيبوليس كعاصمة فارسية، بسبب تراثها النهريني، بل ان من اهم المدن الفارسية كانت سوزا ( سوسة- الشوش).
ومن الأشارات والعلامات الموروثة منذ الزاراتشترا والتي شكلت طبيعتنا الايمانية كان الرجاء القديم يبشر بوضوح في المخلص الوحيد، الذي سيولد من نسل مقدس (محفوظ بأعجوبة) في بحيرة أورمية وأم عذراء ، والتي ستظهر في نهاية العالم. وعلى سبيل المثال ، تُعتبر كنيسة المشرق النسطورية ، أحد الأشكال الرئيسية للمسيحية في إيران (الكنيسة الإيرانية في بلاد ما بين النهرين)، على الرغم من إهمالها إلى حد كبير من قبل الدراسات التاريخية واعتبارها مهرطقة من قبل الكنيسة الرومانية، واعتبرت الكنيسة ناقلة للعديد من الكتب الملفقة (النصوص المكتوبة في السريانية والصغديانية التي تحمل عناصر زرادشتية مميزة)، من أجل توضيح التأثير الزرادشتي على اليهودية، من الضروري إجراء دراسة منهجية (مقارنة) لكل من الأنظمة الأخروية الزرادشتية واليهودية والمسيحية في تراثها الشعبي، ومن الواضح أن اليهودية قد أثرت بخمسة قرون من الاتصال بالزرادشتية. وبحسب العالم المؤرخ سيمو بربولا: ))الكنيسة المسيحية كانت مبنية على أُسُس وضعها آشور، على الرغم من وجود العديد من الإدعاءات والمظاهر المبنية على عكس ذلك. بل إن إستمرارية الأفكار الآشورية في المسيحية يجب أن تؤخذ على محمل الجد منذ فترة نهاية الطوفان في ملحمة گلگامش حيث تهبط أو ترسي سفينة أوتنابيشتيم على قمة جبل عالي جبل النسور( نيسير) بعد ستة أيام من إنحسار المياه. ((

ثانياً): من عبادة الآشـا الى عبادة الواحد !.
الأرقام الآشورية:   أش=1     مِن=2       إيش=3    لّمِو=4       إي اويا=5        آش=6
1) أشـا :الرقم واحد: وبالآشورية أش :- ܐܸܣܵـܐ  او ܐܵܫܐ ( أُس – أساس – يؤسس )، عبّرَ وكوّن إسماً مُقدساً وبالغ السرية والعظمة للخالق في السماء، ولم يُطلق في الماضي على أحد من المخلوقات وبضمنهم الملوك، بل أُستُعيضت عنه باسماء أخرى، وقد ساد هذا الرقم ( آشا) مستعيضاً عن اسم الله الأعظم ( بحسب المفهوم القديم) وتم تداوله والايمان به في التراث الزارادشتي بكثرة. ووصِف الاشا بخالق الكون ومُنظم حركة الاجرام ودوران وحركة الشمس عبر السماء وتنظيم الفصول وفق الآشـا. ولديه الألوهية والقوة والحق، والبِر، ولديه الأنبياء والرسل والأوصياء، وله صفات الكمال مثل النعمة والمجد والشجاعة والنصر والعدل وهي صفات توزعت لاحقاً في سجل سر الحكمة والحياة ( فصول شجرة الحياة – القابالاه)، ومنها يتم ترشيد الأنبياء والاوصياء الى العقيدة الزراردشتية من خلال الاله آشا. ومن أضافة الالف للكلمة تحولت آش الى أشا ثم أيشا، وبأضافة الواو أنتجت أيشو (asho- Ishyo ) وهو المالك للحياة والموت. والأوامر الإلهية ( أديشا) والتي قد تكون أصل كلمة قديشا !.
أن تجسيد آشا والنزول الى الأرض كان بشكل آشورمزدا ( أهورمزدا) بدعوة من زرادشت النبي، وظهر المجد على الأرض في صورة انسان، وآشا الأكبر الشمس ( شمش) ، التي يعتمد صعودها وتكوينها على قوة آشا. وكذلك حركة النجوم والترتيب الكوني . فأن الاله أشا هو الخالق الذي أقام بحزم كلاً من الأرض من الأسفل والسماء من فوق ، (لمنعهم) من السقوط ، الذي" جعل النير السريع للريح والغيوم "، الذي" خلق النور والظلام معًا . وبدأت الشمس تتحرك عبر السماء وتنظم الفصول وفق الآشا . كما ان بيده الخلود في الجنة المسكن الموعود،  ويعلن ذلك لمن يسمع. ولكن الذي لا يسمع عليه أن يختار ما إذا كان سيقاتل بالفكر والكلمة و الفعل الى جانب Asa من أجل قوى تقوية الحياة ، أو سينال الضياع.
لذلك يبدو أن زرادشت كان يطّور أفكارًا كانت وثنية بالأساس ومعقدة للغاية عندما أطلق على الخلق الجيد "عالم آشا"  يتم استدعاء Asha الذي أعلنه بنفسه على أنه إله في كتاب المجوس (غاتكاس )، وعندما يتم استدعاء هذه تم تسمية اثنين من أعظم الخالدين معًا ، وغالبًا ما يكون آسا هو الأول ، ويبدو أن المفاهيم الوثنية ، لـ asha،  لعبت دورًا في تصور خمسة من بين الخالدين العظماء الحاملين لاسم زارداسترا ( زارادشت) .
2) الاشورا والأهورا: بينما كانت البهلوية تلفظ كلمة أهورا- مازدا، كانت اللغة السنسكريتية الهندية تلفظها أسورا مازدا ومعناها ( أسورا الحكيم)، ولكن Asura أو الرب الذي يظهر في عدد قليل من مقاطع كتاب ( فيدا) وهي نصوص بالسنسكريتية الهندية ككائن أعلى . يوصف بأنه ( أبانا الأسورا الذي يرش المياه) . وإلى ميترا الشمس ، يقول "أنتما تجعل السماء تمطر من خلال القوة السحرية (مايد) لأسورا ؛ أنتما تحميان مياهك (فراتا) من خلال القوة السحرية لأسورا ؛ من خلال الحقيقة  أنت تحكم الكون. وهكذا يظهر Asura مرفوعاً ومتبادلاً للأدوار مع الاله شمش. بمعنى أوضح، كلمة أهورا هي نفسها آسورا في الفيدية الهندية التي تعني الرب أو السيد، وكان اسماً هندو أوربياً يحمله الآلهة البارزون .
3) ومن الضروري دراسة الفرق والتماثل بين الحروف س- ش- ه وكذلك بين H و S وSH  في السنسكريتية  وكيف تّحولت كلمة He الى She  بعد إضافة حرف Sفي تشابه كبير مع كلمتي ( Ah-ura و Ash-ura)، وهذه المفارقات التي نشأت في الحروف ما بين السنسكريتية والبهلوية واللاتينية، زرعت الشكوك والتشويش في الوصول الى المصادر الحقيقية لمعرفة اصل الأسماء ومعانيها في الوقت الحالي. يمكننا الاعتقاد بان الاسم المتوارث لدى شعبنا (هرمزد) أصله أهورمزدا وبالتالي ( أشورمزد)!؟.
في آشور ، تم رسم ونحت العربة التي كانت تحمل صورة Assure في أيام الأعياد بواسطة الخيول البيضاء ، وتم إرسال الخيول البيضاء لسحب عربة عشتار في المناسبات، ويبدو أن قرص الشمس المجنح يعتبر رمزًا للقوة والملكية. ويظهر تطور الرمز في آشور شخصية بشرية مع القرص، ويمسك قوسًا في يده بينما يرفع الأخرى في التحية. وتم استنساخ القرص المجنح لآشور الى أشورمازدا في مدينة بيرسيبولس الفارسية. تماثيل الحراسة وقاعة الجمهور، على الرغم من أن (مقابر باسارجادي) شبه خالية من الزخرفة ، إلا أن هناك بقايا منحوتات غنية على جدران البوابة والقصر. يبدو أن المدخلين الرئيسيين للأول كانا محاطين بالوحوش المجنحة ذات الإلهام الآشوري ، الحماة التقليديين لقصور الملوك. ويبقى هناك على دعامة الباب منحوتة مهيبة لشخصية ملتح بأربعة أجنحة ، مشتقة في نهاية المطاف من التماثيل النبيلة المنحوتة في بوابات القصر الآشوري.
يتبع ...
لقراءة ج)1 انقر:
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1039308.0.html


9
مدخل:
من اجل احتواء وإعادة كتابة التاريخ المديد للامبراطورية الأشورية، تم تقسيمه من قبل الباحثين الى ثلاث فترات،  استنادًا إلى الأحداث السياسية والتغيرات التدريجية في اللغة ، إلى الآشورية المبكرة (2600-2025 قبل الميلاد) ، الآشورية القديمة ، أي منذ العصر البرونزي (هي فترة تاريخية، من حوالي 3300 قبل الميلاد إلى 1200 قبل الميلاد) لوجود سمات مبكرة للحضارة الحضرية من كتابات بدائية.
بعد سقوط الدولة الأشورية 612 ق.م، وحينما جف المحيط الحضاري المؤسس لابجديات الحضارة الإنسانية وانتقالها الى شعوب بدائية (بحسب توصيف الباحثين). من الطبيعي ان تظهر بقع أومجاميع بشرية ناشئة ورثت مشاعل نور الابداع الحضاري بعد تواري ولجوء أصحابها في جميع انحاء المعمورة. شعوب عديدة وأغلبها بدائية متناثرة على امتداد  جغرافي واسع على الارض وممتدة من الشرق الى الغرب استفادت من الموروث وان كان بشكل غنائم، وظهرت شعوب عديدة من الصين الى اسبانيا ومن مختلف المستويات الحضارية انعمت وتنّورت، وشكلت تلك ( الغنائم) بما يناسب لغاتها وعاداتها، استعارت المفردات والتقدم الحضاري لابناء النهرين في مجالات متنوعة من الكتابة والزراعة والري وغير ذلك.
من جانب آخر، عملية انتقال وتبادل الطاقات الحضارية والثقافات والمشاركة في مفرداتها، من شعب الى آخر من سنن الحياة، لا بل ان المشاركة والعلاقات الحضارية بين الشعوب  من الظواهر الإيجابية، اذ لا يمكن ان تنعزل الشعوب عن بعضها وتعيق النشاط الاقتصادي التجاري والمصالح الأخرى!. لكن الثمار المستحصلة ونتائج التفاعل ومستقبل المجتمعات هو الحكم للتقييم، لذا من المنطقي ان ترتبط الدولة الأشورية بمناطق الشمال الجغرافي كأرمينيا وبحر قزوين واليونان ومناطق الجنوب بسومر وأكد وبابل ونحو الشرق كالهند والصين وأفغانستان وايران وحتى شواطئ البحر الأبيض، وبالنتيجة، كان التوسع الجغرافي والامتداد الزمني الطويل للآشوريين  لأكثر من ستة الآف عام مهد لها بأن تكون مؤسسة للجذور ومبدعة في تفاصيل حضارية عديدة. عملية البحث عن حقيقة الذات الآشورية واحتوائها، تستوجب مراجعة ما قدمه السلف للإنسانية، من خلال السير وسبر أغوار التاريخ لايجاد الحقائق وبعض الظواهر التي لا تزال مخبوءة وجمرات خافتة في الذات المعاصرة لابناء شعبنا. وبسبب الضعف والإرهاق الذي أصاب وجداننا القومي، نقف مشدوهين ومصدومين وغير مصدقين بما نكتشفه من بعض الحقائق، لانها لا تتوائم مع حالتنا المنكسرة. وفي هذا السياق، لنتابع الأرث المنسي  من التأثيرات الآشورية في العديد من الثقافات العقائدية الدينية والتاريخية منها، أو المادية في الطب والزراعة والفلك وغيرها. مبتدأين بالزارادشتية الفارسية.

اولاً): كيف ورث الهنود- الايرانين الزراداشتية ؟ وعلاقتها بالآشورية.
الملك الآشوري الآسطوري نمرود ، تداخلت وتزامنت شهرته مع بدايات زارادشت، حيث يسقط برق المذنب ( مذنب شالمو- هالي) من السماء لينافس نمرود ، وبالتالي يظهر لقب زرادشت على تيار من الكهنة والمنجمين المراقبين لحركة النجوم . ومن المُستغرب ان اسم زارادشت لم يتم ذكره في النقوش الفارسية القديمة لانه لم يكن بذات الأهمية لدى الإيرانيين حينذاك. لكنه تم ذكر اشارات عديدة الى زرادشت في الادب الآشوري وبالتالي السورياني والعربي تحت مظاهر مختلفة، وبقيت سجلات عديدة لوكلاء زرداشت ( المجوس) أي الكهنة المنجمين الكلدان.
وبحسب البحوث التاريخية، لم يكن لدى الإيرانيين ولا الهنود القدامى أي نظام كرونولوجي ( سجل الأحداث بدءًا من الأقدم وترتيب ما يحدث لاحقاً )، أو وسيلة للتأريخ المطلق. لذلك لم يتمكنوا من إنشاء سجلات تاريخية (بخلاف الاحتفال بالإنجازات البطولية ، وقوائم الملوك ، وكتالوجات الذاكرة للأحداث العظيمة). خلود أدبهم الديني يخلق ارتباكًا أكبر مع الأفستا ( كتاب الزرادشتين  مقارنة بالفيدا الهندية)، لأن الفيدا أصبح قانونًا مغلقًا في وقت مبكر نسبيًا ، وبالتالي تم نقله شفهيًا ولكن في شكل ثابت كما لو تم تكريسه في الكتب. في إيران ، تم حفظ كلمات زرادشت نفسه شفاهياً.
1) الهند- الإيرانيين: في الأزمنة البعيدة، في العصر البرونزي، كان أسلاف كل من الإيرانيين والهنود شعبًا واحدًا، تم تحديدهم على أنهم الإيرانيين الهنود البدائيين. كانوا فرعا من عائلة الأمم الهندو أوروبية، يعيشون، كما يُعتقد، كرعاة في سهول جنوب روسيا، إلى الشرق من نهر الفولغا. كانوا غير مستقرين، يرعون ماشيتهم وأغنامهم وماعزهم في مناطق محدودة سيرًا على الأقدام بمساعدة الكلاب (لأن الحصان لم يكن ترويضه بعد).  انجرف الهندو- الإيرانيون بعيداً عن بعضهم البعض، ليصبحوا قابلين للتعريف عن طريق الكلام كشعبين متميزين، الهنود والإيرانيون. كانوا لا يزالون رعاة. وكان لديهم اتصال، من خلال التجارة على الأرجح، مع الشعوب المستقرة في جنوبهم. تعلموا من بلاد ما بين النهرين استخدام العربات الخشبية التي تجرها الثيران أولاً، ثم العربة الحربية . لرسم هذه العربات، قاموا بترويض الخيول البرية في السهوب. ويبدو أن عبادة النار المشتعلة كانت منتشرة على نطاق واسع بين الهندو-أوروبيين، الذين رأوا إلههم في ألسنة اللهب. . يجب أن يتم تكريم هذه الآلهة الخاصة لأجيال لا حصر لها من قبل الهندو إيرانيين في أيامهم البدوية حتى نجت طوائفهم بهذه الطريقة بعد فترة طويلة من انفصال الشعبين وشقوا طرقهم البطيئة إلى اراضي جديدة ومختلفة للغاية، وأختلطت المواد الوثنية للهندو-ايرانين مع ثقافة بين النهرين وتوراتها على مدى الآف السنين، وصولاً الى عتبة العصر الحديث. من المدهش أن أول إشارة موثقة إلى وجود الآريين على الهضبة الإيرانية تأتي من الجنوب الغربي للأرض ؛ في بابل حوالي 1760 قبل الميلاد.
2) الجذر الآشوري للزارادشتية: يبدو أن الكتابة كانت غير معروفة للإيرانيين قبل دخولهم إلى أراضيهم الجديدة. ولكن من الممكن أن يكون استخدام الكتابة المسمارية قد حصل عليها الميديون في وقت مبكر من مملكة أورارتو. وتم استخدام الآرامية، كلغة مكتوبة مشتركة للشرق الأدنى في القرن السابع. ويبدو أن الميديين بدورهم قد تبنوا عناصر مختلفة من الحضارة الآشورية من أورارتو.

يتبع....

10
عزيزي رفيق الدرب ريمون.. افتقدناك كثيراً.. يا أنقى فؤاد وأصفى وجدان.
حينما سمعنا برحيلك.. أصاب الجرح عمق النفس، واشتعلت فيها جمرات بلا لهب، ولكن بأنوار مضيئة بذكريات من الماضي.
لم تكن تعرف الحقد ولا الكره ولا الغيبة لاحد ً، وكانت موجات العيون تشع بآيات المُحبة والابتسامات المخفية، تكفي ليعيد الأخرون حساباتهم.. فلولا وجود السيئين ما كنا عرفنا قيمة الطيبين المضحيين. أما الأشرار المُسيئين جميعاً، لفظهم الزمن، وتحولوا الى قشة منجرفة نحو المياه الأسنة! وتعرف تماماً ماذا أقصد..
تحيط بي ذكريات من الغرف الضيقة في الامن العامة، حيث لا زلتُ أراك واقفاً بعز وأنفة. وتأبى حتى من أخذ استحقاقك من وجبات الغذاء المتواضعة وحتى نوبات النوم لتتبرع بها للرفاق المحتجزين معك في غرف (السردين) تلك.. تلك الغرف البائسة التي، أضحت الى معاني وجدانية لا تقل في قدسيتها عن رحم الأم.
لأنك ومسوقاً بقلبك الكبير والمرفرف كجناحي فراشة، تفرح مع فرح الناس وتواسي المُعذبين رغم كونك منهم، وقلبك اتسع للجميع.. وفيه فاضت معاني نموذجية راقية للأخلاق وللروح الرفاقية والتضحية ونكران الذات، ولكنك ترجلت سريعاً نحو عالم الخلود.. دار البقاء، لأننا نؤمن بان ((كل من يعمل لأمته، حتى وان رحل عن عالمنا، تبقى ذكراه متداوله من جيل الى جيل)).
ترجلك عن المسيرة، مسيرة الحياة القومية. تركت أرواحنا في وحشة جرداء.. وجعلتنا نركن الى الذكريات الجميلة، الجميلة في مفردات المعاناة اليومية. اذ ان المعيشة معكم كانت متعة، فالمتعة كانت في الألم احياناً. وأصبح التألم الواعي عندنا من الضروريات! لان الوعي والأيمان كان دافعاً لاجتراح طاقة للعمل من أجل قضيتنا، قضية الحياة.
واليوم.. القلم يتحرك ذاتياً ليكتب ويجسد المشاعر فيما بين السطور، ويُسطّر العواطف الجريحة في الرثاء بحبر الوفاء والإخلاص. من والى جدران الملاحم، ملاحمنا على الأقل.. وأيماننا يظل مُتقداً وكأنك لا زلت معنا.

11
التردي والانقسام المجتمعي الحاد والمرتبط بالوضع العراقي والمنطقة، يضعان مصاعب أمام الحراك الآشوري العراقي، ونعتقد ان قمة المأساة تتمثل في العقلية التي لا تعتبر العراق وطناً، بل غنيمة وجائزة تستحق التكالب والتناحر والغلبة، والشاطر من يأخذ ويُفرهد غنيمته وبحصة أكبر. وهذا الواقع لهو دليل دامغ وتشخيص واضح على علة خطيرة في مفهوم شرف الانتماء والتخاذل، والبُعد عن الاصالة، مع فقدان الهوية العراقية الحضارية ان كانت موجودة أصلاً لديهم! هذه الإخفاقات أدت بالنتيجة الى ظهور مطبّات وعراقيل كبيرة وصعبة أمام الآمال العريضة والاهداف المشروعة لأبناء العراق.. فالعراق الحقيقي هو حصيلة الفترات التاريخية والحضارية المتعاقبة عليها منذ قرون، أحفاد سومر وبابل وآشور. لذا ينبغي وضع صيغ وطنية محددة وواضحة لفضح (ابطال) الفساد وسارقي الوطن من عيون العراقيين الاصلاء، وهكذا نجد كل الفئات العراقية وبكل شرائحها الاجتماعية والحضارية ضحية الانحدار والسقوط الحر نحو الهاوية. وبالتالي الحصول على وطن مشّوه، مسخ، معوق، لا فائدة منه ولا رجاء. ولا ضوء في نهاية النفق.
أستطيع الزعم، وبلا تردد ان الحراك القومي الآشوري، وبكل طموحاته وآماله وأهدافه، هي نفسها الأهداف الحقيقية للعراق، كوطن، وكحضارة ومهد للبشرية. وكل محاولات الإلغاء والإبعاد وهضم الحقوق وسرقة التمثيل الحقيقي لهذه الشريحة الأصيلة او الأصلية هي عملية واهية تستطيع التأخير وليس الإلغاء! وتتمظهر بطولات! القيادات العراقية في سلب الإرادة والرأي الحر الآشوري، في السيطرة على التمثيل الحقيقي لشعبنا بسرقة (الكوتة) في وضح النهار! رغم ان تراث سومر وبابل وآشور الساكن في (جينات العراقيين)، يتفاعل إيجابيا مع المكان والزمان، ويحفظ سير الأحداث وتاريخ الابطال اللذين أصبحوا يعيشون في الذاكرة كأيقونات ومصادر مُلهمة، لتوضع في المستوى المساوي لوعي الفرد العادي، ولا تتضاد مع الحاضر ولا مع المستقبل مهما كان شكله، والا سنعود لماضي من الدوامات والانكسارات والقيود التي تكبل طاقاتنا، والتي نكاد نخاف من الانطلاق والتحرر منها بسبب طغيان اليأس والنكوص. فكل عمليات العودة والاستفادة من الماضي الحضاري تنشد وتصب في عملية بناء الانسان العراقي الجديد.
ومن الجانب الآخر، المطلوب هو الانتماء الحقيقي والانخراط ضمن تنظيمات الحركة الآشورية الديمقراطية وعملها الملتصق بالماضي الحضاري، من أجل المساهمة إبراز الهوية الوطنية للأمة العراقية، وذلك بالمزيد من العمل والتضحية ونكران الذات، وتصحيح مسار الخط القومي وتقويمه بشكل دائم، ونجاح هذا الامر يُجترح ومستمد من قوة جماهيريتها، اذ ينبغي قيادة الجماهير على الخط الصحيح، والا سيؤدي المسار الخاطئ والحسابات المغلوطة الى كوارث نحن في غنى عنها!. واليوم ونحن على بُعد خطوات قليلة من المؤتمر العام لزوعا في الوطن، نلاحظ نشوء بعض الأمور التي تستحق التوقف عندها، نذكرها كمساهمة متواضعة: 
•   عزوف أغلب أبناء شعبنا اسوة بالعراقيين عن المشاركة في التنظيمات السياسية، والابتعاد عن الحزبية، بسبب الفشل الذريع لأغلب الكتل السياسية المشاركة في السلطة، وذلك لان اغلبها شاركت في السلطة ونفذت المقومات والمناهج والمفاهيم القديمة الموجبة لوجودها. لذا من الأفضل تقليص الاعداد الكمية وحصر التكليف الى الكفاءات النوعية الواعية المسؤولة. مع إبعاد العناصر الركيكة والسطحية، وان أدى الأمر الى تقليص أو أغلاق بعض الهياكل الزائدة عن الحاجة اذا تطلب الأمر، وخصوصاً في دول المهجر، وتحويلها الى مكاتب علاقات بعدد محدود من الأعضاء، تهتم بالمؤازرين والأصدقاء. وتساند المؤسسات القومية الاجتماعية.
•   توسيع ساحة العمل القومي وجعله متساوقاً تماماً مع العمل الوطني، وجعل العراق (الوريث الشرعي لحضارات سومر وبابل وآشور) ومن زاخو الى الفاو ساحة العمل المشروعة، والتوجه أكثر بمخاطبة جميع العراقيين. وإن تطلب الأمر فتح المكاتب أو مؤسسات المجتمع المدني على كل شبر من العراق والمهجر، لإنضاج الوعي بالهوية التاريخية والوطنية، باستخدام لغة راقية ومستحدثة تلائم العصر، فقضيتنا تقع على عاتق العراقيين جميعاً، ومسؤولية الدولة والسلطة والكتل الكبيرة ان ارادت الخير للعراق.
•   إنهاض ومعاضده دور المرأة الآشورية العراقية، ففقدان دورها (عدا في بعض الأمور البسيطة دون مستوى الطموح)، كلّفنا الكثير من الخسائر، فموقعها المناسب هو في الصفوف الامامية، ومن المؤمل ان تكون الاعداد المشاركة منها في العمل القومي مساوياً او مُقارباً لعدد للرفاق، ناهيك عما هو مُنتظر منها في مؤسسات المجتمع المدني. (وكان دورها ومشاعرها الجياشة مشهوداً ومدعاة للفخر في احتفالات أكيتو العام الحالي 6772 حول العالم، وننتظر منها المزيد).
•   ونحن في العقد الثاني من القرن الوحد والعشرين، وبسبب التطور الهائل في التكنولوجيا والمعلومات والمفاهيم، من الممكن ان نضع اللبنة الأولى لتأسيس كياناً موازياً لتصحيح الكثير من المواد والمواقف والمواضع واشهارها لأبناء الوطن جميعاً، فمن غير المعقول ان نستقبل كل الأخطاء والافتراءات الموضوعة ضدنا وكأننا غير موجودين، أو كضحايا يلعنون الحظ والقدر! وليتم وضع بصمتنا القومية والوطنية عليها، فعلى سبيل المثال لا الحصر: - التعريف بحقيقة الانتماء القومي لشعبنا وتراثه ولغته ودينه، - تصحيح كتابة التاريخ الحقيقي لحضارتنا منذ الماضي السحيق ولحد العصر الحديث. – إيضاح موقفنا الذاتي الواضح كأبناء الوطن الاصلاء في المواقف والارهاصات المرتبطة بسياسية البلد وحتى الاستراتيجيات المهمة، وأمور أخرى. وهذا العمل الكبير يستوجب تأسيس مراكز بحثية ودراسات ومؤسسات مختصة بكل شأن من الشؤون، وهذا العمل يعزز العمل الجماعي، والالف ميل تبدأ بخطوة. امنياتنا القلبية الخالصة بنجاح المؤتمر.

12
 
شجرة الحياة والمعرفة الآشورية كمصدر للقاپالاه اليهودية
من تأملات في القاپالاه ((كل الأشجار، كما هي، تتكلم مع بعضها البعض؛ كل الاشجار كما هي تخاطب البشر. كل الأشجار خُلقت للرفقة البشرية. مدراش رباح، تكوين 13: 2) والكلمة المستخدمة للشجرة في تكوين 13: 2 هي "سياه" والتي تعني أيضًا المحادثة والعشب. لا نحتاج أبدًا إلى الشعور بالوحدة في هذا العالم إذا خرجنا وتحدثنا إلى الأشجار. إذا تمسكنا بهذه الشجرة في هذا العالم سنجد الحياة الأبدية في العالم الآتي.)) أنتهى الاقتباس.
مصدر كلمة الـقابالاه في لغة (الأشوريت- أسوريت) هي كلمة ܩܸܦܠܵܐܹ او من عبارة ܩܸܦܠܵܐܹ ܕ ܚܟܼܡܬܵܐ. وتعني أسرار الحكمة والفصول وأبواب الحكمة. وبالتالي فصل الكتاب ܩܹܦܵܠܹܐܘܿܢ وهذا الأقرب الى المعنى، ونجد ايضاً كذلك كلمة ܩܘܼܒܸܠܬܵܐ وتعني اتجاه الصلاة (القِبلة). وفي العبرية تُكتب القابالاه بـ(קבלה – ك. ب. ل. ه).
حينها وفي الماضي البعيد، لم تكن هناك حدوداً وعُقد بين معتقدي الطرق الإيمانية، بالخصوص بين المسيحية المشرقية واليهودية (اليهو-مسيحية)، وظهرت مشتركات أيمانية عديدة بين الشعوب. وانتشرت بدون أنانية ولا احتكار!، الى أن أستغُلت واستُخدمت لمصلحة رجال الحُكم والسياسة وصارت وسيلة واداة رخيصة للسيطرة والاحتلال، باستخدام الشعارات والرايات وشحن الغِل والكره بين الشعوب باسم الدفاع عن الايمان، وأصبحت تُعرف بما يمكن تسميته اليوم الديانات! ونشأت كيانات ومؤسسات دينية صارمة، وانحدرت الى مستويات قياسية من الهبوط، وقد يتذكر الجميع الحروب وممارسات القهر والابادة الجماعية، وأخطرها بين أصحاب الإيمان المفترض يكون واحدا، ((وعلى العكس من ذلك، نجد في التاريخ بسهولة مشتركات أساسية تدعو للمعايشة بين الشعوب وإقامة العلاقات الطبيعية مع بني البشر، أصحاب الهم الواحد. هم البقاء والأمان والحياة الكريمة. مثل الزرادشتية والميثرانية والمانوية مع اليهو-مسيحية المتفاعلة حينذاك في أورها- اديسا وخدياب- أربيل وحران ونصيبين -أيزلا وأنطاكية، نزولاً الى نوهدرا وكركوك- بيت جرماي والى ساليق- قطسيفون وكوخي والى ميشان- ܡܝܫܵـܢ (المدينة المنّورة حينذاك) والى البصرة. وظلت الديانات مسالمة الى ان جاء الملوك والسلاطين، واضطهدوا رجال الدين ثم سيطروا عليهم وعلى الهياكل الدينية ومؤسساتهم ـ وغّيروا المسارات بدورة كاملة نحو عوالم الشر والقهر والإبادة (والحديث يطول!).
وجوهر تلك المشتركات المؤثرة بين الشعوب وأعظمها في الماضي السحيق كانت شجرة الحياة التي صيغت بطرق ولهجات عديدة بحسب الاقوام والمناطق، ورسمت الشجرة مراراً على شكل أيقونة مقدسة في بلاد ما بين النهرين على اللواح الحجرية العملاقة وتمتد جذور الشجرة (شجرة النخيل) في العالم السفلي الأرض وباطنها، ثم صعوداً الى أعالي السماء، حيث عرش الاله آنـو. إذ أحتل الاله آنو وآشور التجلي الأول (سفيروت القمة). Sefirot. وكما يقول الپرفيسور المبدع الدكتور سيمو پرپولا تحت عنوان: ((تصنيف أرقام الالهة في الرسم البياني للشجرة: بالنظر إلى الرسم التخطيطي المعاد بناؤه عن كثب، يلاحظ المرء أن جميع الآلهة العظيمة للإلهة البابلية- الآشورية موجودة فيه، وبعضهم يحتل نفس المكان لأنهم كانوا متكافئين من الناحية اللاهوتية. ويفتقد إله رئيسي واحد فقط، وهو Assur، الذي لم يشهد له أي رقم صوفي. يشير هذا بقوة إلى أن هذا الإله المهم يجب أن يُعرف بالقرص المجنح فوق الشجرة الآشورية التي ينبثق منها التيار الإلهي، وبالتالي فهو متطابق مع الإله المتعالي للقبالة، (وكلمة) إن سوف. يمكن ترجمة Ein Sof كـ "لا نهاية له")).
ويمكن تفسير الالفاظ والتهجئة المختلفة لأسم آشور على إنها تُعبر عن فكرة الاله الواحد أو الوحيد أو المنتشر عالمياً باعتباره يحتل السفيروت أو التجلي الأول، والأهم من ذلك أن اسم اشور مشتق أصلاً من الرقم الأول بالأعداد الآشورية، آش- ܐܵܫ-ܒܼܪܐ. (الاُس – الابن).
والمعرفة الواعية الكاملة للشجرة الآشورية والقابالاه وآثارها في اليهو-مسيحية لا بد أن تحدث تغييراً إيجابياً في فهمنا للدين وفلسفة بلاد ما بين النهرين لان شجرة الحياة في التراث الحضاري الآشوري البابلي السومري ومن خلال الالواح والتماثيل العملاقة، لا تختلف كثيراُ في الخطوط الرئيسية العامة عن التصوف اليهودي (القابالاه). والقابالاه رمز متعدد الطبقات، ويشبه الى حد بعيد شكل المصابيح المدورّة التي تُزيّن شجرة رأس السنة، والدوائر عشرة ومرقمة من الواحد الى العشرة. باعتبارها قوى وتجليات صفات الله من رحمة وعدالة والمعرفة وتُسمى السفيروت. انظر الشكل.
وامتد ذكر مفهوم شجرة الحياة في الكتب المقدسة ونقتبس من التوراة ما يلي: ((أنبت الرب الاله من الأرض كل شجرة شهية للنظر، وجيدة للأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة الخير والشر. تكوين: 2و9. ((أوصى الرب الاله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، أما شجرة معرفة الخير والشر، فلا تأكلا منها لأنك موتاً تموت)) تكوين:2، 16 و17. وفي اليهودية تم وضع أسماء ملوك بني إسرائيل في دوائر التجلي (السفيروت) من قبل الحاخامات بحسب الترتيب المذكور في التوراة.
(تطور مفاهيم شجرة الحياة القابالاه دلالة على بدايات عقيدة التوحيد)
العقائد المختلفة المرتبطة بشجرة الحياة المقدسة، (شجرة معرفة الخير والشر)، اعتبرت الامتداد العظيم لها من الأرض الى السماء، من الجذور الى الاغصان، كصورة للكون وقوانينه، وأهمها النظام والإيمان بالقوة الإلهية، والرضوخ للأنظمة والقوانين الموضوعة من ممثل الاله على الأرض، وهو آشور المتجسد بصورة الملوك العظماء المتألهين بمستوى الملائكة. ونجد في المنحوتات والجداريات الآشورية الضخمة نحت الشجرة المقدسة الملك الآشوري (إنسان متأله) وسط قرصاً مجنحاً لنسر يحوم فوق الشجرة. وهذا نموذج للقاء الانسان المثالي الضعيف الزائل نتيجة الموت بالكون الكبير، وضرورة إتباعه للخطوات المرسومة بالتجليات (دوائر السفيروت) وهي صفات الله وقواه الإلهية، وتتضمن الحكمة- ܚܟ݂ܡܬܐ والمعرفة- ܝ݂ܕܥܬܵܐ والايمان-ܗܝܡܵܢܘܬܵܐ والجمال- ܫܘܦܪܐ وصولاً الى النصر- ܙܟ݂ܘܬܵܐ والمجد-ܫܘ݂ܒ݂ܚܐ في الحياة وصولاً الى الملكوت-ܡܠܟܘ݂ܬܵܐ في المركز الأخير العاشر، حيث يسير نحو تحرير الروح من قيود الجسد ليتحد مع الخالق في المركز الأول التاج- ܬܵܓ݂ܵـܐ.
(حروف الأبجدية الـ 22 ومواقعها كروابط بين التجليات الإلهية)
((في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والله هو الكلمة)). ططيانوس. من حروف السوريانية (أسوريت- سوريايا) تكونت الكلمات وخُلق كل شيء. انتشرت وبكثرة صور لترتيب كلمات شجرة الحياة (القبالاه) باللغة العبرية، وقيل ان عزرا النبي (عزير ومرقده في ميسان)، هو الذي حمل الى فلسطين الاحرف السريانية- الآرامية المربعة الشكل المعروفة بالخط الآشوري المربع هي التي مهدت الى نشوء الابجدية العبرانية، مع ملاحظة ان لهجة لغة ولهجة التخاطب بين النساطرة الآشوريين واليهود العراقيين القاطنين معهم كانت مشتركة. لذا وبالاستعانة بالقابالاه اليهودية أمكننا من وضع الأحرف السوريانية بدلاً عن العبرية للوصول الى شكل جديد لا يختلف بالمحتوى والمعني عن المستخدم لدى المتصوفة من رجال الدين اليهود.  وفي الأبجديات العبرية والسوريانية والمندائية والعربية تشابه ومشتركات لا يمكن تجاوزها، ولا يمكن نكرانها.
ويقول أحد الحاخامات المختصين بمعاني القابالاه: (( قال الحاخام إسماعيل: قال لي ميتاترون  الملاك ، أمير الوجود: تعال وانظر الحروف التي بها خُلقت السماء والأرض ، الحروف التي بها خلقت الجبال والتلال ، الحروف التي خلقت بها البحار والأنهار ، الحروف التي بها خلقت الأشجار والأعشاب الحروف التي خلقت بها الكواكب والأبراج ، الحروف التي بها خلقنا كرة القمر وكرة الشمس ،وجميع النجوم المختلفة فيم ".الحروف التي بها خُلق عرش المجد وعجلات الكابالا مركبة الحروف التي بها خلقت ضرورات العالمين.الحروف التي بها خلقت الحكمة والفهم والمعرفة والحصافة ، الوداعة ، والبر الذي به يدعم العالم كله. “. مشيت بجانبه وأخذني بيده ورفعني على جناحيه وأظهر لي تلك الحروف، جميعها، منقوشة بأسلوب ملتهب على عرش المجد)).

المراجع: -
- THE ASSYRIAN TREE OF LIFE:  SIMO PARPOLA
-Kabbalah Meditation from Torah to Self-improvement to Prophecy.
-   فراس السواح: مدخل الى نصوص الشرق القديم.
-   يوسف رزق الله: نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق.
-   الاب سهيل قاشا: بابل والتوراة.

Danyal Slifo

13

العلاقة الوثيقة والعضوية بين الإنسان والنبات بحسب اسطورة إنانا أو عشتار
حينما كانت تعشق عشتار. وحينما تفور طاقات الحب في جوانحها وفي خلجاتها الداخلية وعناصر قواتها المخفية عن البشر! يعمُ الحب وينتشر الحنان والألفة والتفاؤل والأمان بين بني البشر، وتفيض الأنهار العذبة بطعم العسل، ويندمج الانسان ويتفاعل مع ألوان الطبيعة البهيّة الزاهية، ومع خيراتها وغلاتها الوفيرة. حينها تتعطل نشاطات وطاقات الآلهة جميعاً الى حين، وتستكين قوى الشر وجنّياتها، خائبة مهزومة بلا حول ولا قوة. حينها يبدأ الانسان الضعيف المستكين يُردد جملة واحدة ولا يعرف غيرها مُساقاً بالحب والفرح المتفوق الى المستوى الآلهي: ها قد جاءت عشتار. ها قد جاء الخير.
تتكلم عشتار باسم عذريتها المتسامية مع الطبيعة والكون بشكل روحي غيبي بالمطلق، فهي الاله والانسان، الكون والأرض، المكان والزمان، الهواء والماء، الزرع والضرع. وتتكلم بالحب العائم فوق جميع الموجودات، وليس بالغرائز العليلة المكبوتة والرخيصة كما قد تتصور الروح المكبوتة والمريضة بقوى الشر.. ينشد الشعب لعشتار ليعزيها بتموز، وينهمر الغيث بتناغم من السماء والجبال والوديان، ويصدح سقف الفضاء بصدى الأصوات المؤمنة بأناشيد وادعية ومزامير، مُرددةً معها بالروح: -
ها قد جاء بي، قد جاء بي ... الى البستان، دموزي جاء بي
تمشيت معه بين الأشجار، قرفصت بالوضع المناسب ... وامام دموزي القادم بالنشيد
دفقتُ الزرع من رحمي، وضعت الزرع أمامه ... دفقتُ الزرع أمامه
وضعت الحبوب أمامه، دفقتُ الحبوب أمامه..
يبدو ان المفاهيم الحياتية حول العلاقة الزوجية والعمل الزراعي انطلقت الى آفاق كونية، وتقع على عاتق القوى الإلهية الميتافيزيقية، فأسطورة الزواج الإلهي المقدس بين عشتار وتموز، يُحرّض الدافع الجنسي لدى الافراد ويضمن خصوبة الأرض والحيوانات. فبينما كان تتوجه أنظار العالم القديم نحو السماء وتنتظر مياه الامطار المقدسة لتخصيب الأرض وزيادة المنتجات الزراعية في علاقة حميمة بين السماء والأرض، كان المعابد تمتلئ بالمصلين والعابدين، هكذا نفهم من أناشيد عشتار كأن علاقة الزواج تتماثل مع الحراثة والزراعة ومع علاقة السماء بالأرض.

بوابة الاكيتو: بوابة الدخول الى العام الجديد الأخضر.
وصراع الحوت والحمل
يبدأ الأكيتو (الفرح بقدوم عام جديد) في 21 آذار ويستمر الى الأول من نيسان، حيث تُقدم القرابين والنذور، وتُسّير مواكب احتفالية. ويبدأ الشعب الاحتفال بقدوم الأكيتو بالأناشيد بقدوم الربيع، (ܪܹܫܵܐ ܕܫܲܢ̃ܬܵܐ ܐܵܫܘ݂ܪܝܬܵܐ)، وكان عيداً للسومريين والبابليين وصولا للآشوريين، بل الى شعوب العالم أجمع حينذاك، حيث يُعلّق الأجداد (وبعض المعاصرين أيضاَ) في اليوم التاسع والعاشر، باقات الورود وعشب سنابل القمح الأخضر على الأبواب لتتعرف عليهم الالهة وقواها الخيّرة في تجوالها حول المدن والقرى لتجزيهم في العام الجديد، وتُعاقب المتلكئين من عن الاحتفال والغير مؤمنين بها ممن لم يعلقوا الباقة (البوكيه) على الأبواب!
ومن فكرة الصراع بين الماضي الآفل الزائل مع الحاضر والمستقبل الآتي، تم تشبيه دورات السنين وتعاقبها في المسيرة الزمنية للحياة. فالماضي يتشبث بالقادم الجديد ولا ينوي الرحيل، ليترك بصماته على الأجيال الجديدة وليكبح تقدمها. فالشهر الأخير من العام مُمثلاً بالحوت (برج الحوت)، يحاول جاهداً الإمساك بالشهر الأول من العام الجديد مُمثلاً بالحمل (برج الحمل) لإيقاف الزمن! وفي استعارة متطابقة مع الرواية الأسطورية للصراع بين الأبراج، تم تشبيه خسوف القمر المُستمر زهاء الثلاث ساعات، بمحاولات الحوت إبتلاع القمر ومنع قدوم العام الجديد!، وذلك بقتل المُنقذ المُخّلص للبشرية والذي أخذ أسماءاً عديدة مثل (الحمل وتموز ومردوخ، واسماءاً أخرى عديدة للآلهة والملوك الذين نذروا أنفسهم للحرية ولخير الشعوب.
وفترة الخطر المُحيط بالمُنقذ المرتبط بالخسوف، تخرج الشعوب القلقة على مصير المملكة، بالدق على المواد المعدنية لتصدر أصواتاً مزعجة عالية لإخافة الحوت الذي يُشكل هلالاً بهيئة الفم المفتوح، مرددين بما معناه (حوته يا منحوته.. هدّي گمرنا العالي!). ليبتعد الحوت (عند نهاية الخسوف)، ويتوقف عن محاولة ابتلاع والتهام الملك الذي يخرج من العالم السفلي بمساعدة عشتار! ليعود الرخاء ويعم والخير والازدهار. ويلبس العالم عباءة خضراء بألوان زاهية، وليُقدس النقط المنثورة من القطرات الحمراء (شقائق النعمان- ܟܲܠܘܢܬܵܐ) من دم المُنقذ (تمـوز) على ارجاء سجادة خضراء ممتدة على السهول والجبال على طول حدود البصر، وتتعزى الشعوب بالمُضحي بدمه من أجل خير البشرية! ثم ليحكم الشعب وينشر الفرح، ويقرر مصائر الشعوب والمحتفلين به من الشعوب والأراضي التابعة.
أيام اكيتـو والمواكب المتنوعة للشعوب
أكثر الأيام فرحاً يبدأ من اليوم الثامن، حيث مواكب الكهنة وموكب إنانا(عشتار)، وفيه تُتلى الأدعية والصلوات بانتظار خروج المُنقذ من العالم السفلي (عالم الموت) وقيامته، وتبدأ أيضاً طقوس الحب العُذري الروحي والزواج المقدس، والواجب ان نحاول فهم هذه الاعتبارات بمعايير الماضي السحيق وليس بما عايشناه اليوم من معاني سطحية ورخيصة وإيقاد للغرائز. وبنفس السياق الأسطوري وعلى المستوى الكوني العابر لمستوى المشاعر والأدراك البشري الا لمجموعة العارفين من الكهنة والمؤمنين، تنشدُ إنانا بصوت الاله والانسان والأرض قائلةً:
فرجي قرني الهلال، قارب السماء ... مليئة بالرغبة كالقمر الجديد
أرضي متروكة بلا حرث، فمن لي بمن يحرث أرضي
من لي بمن يفلح لي حقلي؟، من لي بمن يفلح لي أرضي الرطبة؟
أي سيدتي العظيمة، أنا دموزي الملك، سأحرث لك فرجكِ
إذن احرث فرجي يا رجل قلبي ... احرث لي فرجي
في حضن الملك ارتفع الأرز سامقاً، ومن حولهما تدافع القمح عالياً ... وازدهر كل بستان.
وفي لُغتنا السريانية العريقة نجد هذه المفردات وما يماثلها من موروثات حضارية، وفيها بؤر مضيئة ومنبثقة من التراث العالمي العظيم بما يُعاصره اليوم عن علاقة الانسان بالنبات. اذ لا زلنا نُطلق على البذور الزراعية بـ ܒܲܪ ܙܲܪܥܵܐ. بتناسق واضح مع كلمة الزرع للنسل (الأبناء والاحفاد) ܙܲܪܥܵܐ.
الالهة أيل وآنو وأصل كلمة الشجرة أيلانو (أيلانـا- ܐܝܼܠܢܵܐ).
* أيل: انتشرت عبادة الآلهة النهرينية المعروفة باسم أيل (ܐܝܠ) أو ألـ، الالهة الأعلى منذ فجر السلالات في بلاد النهرين. والمُلاحظ ان أسماء الملائكة جميعها ارتبطت أسماءها بأيل كمقطع يضيف القدسية لها. مثل: (كبير-أيل: جبرائيل) وميخائيل واسرافيل، وأضيفت أيضاً الى أسماء الأنبياء أحياناً مثل: يعقوب-أيل ويوسف- أيل، وكذلك أسماء بعض الملوك من منطقة الحضر والمناذرة (النساطرة المنذورين! – ܢܙܝܼܪ̇ܐ) والذين عرفوا بـ(آل لخم)، وبـ (آل النعمان)، وبـ (آل عدي). ويبدو ان الـ التعريف في اللغة العربية مصدرها اسم الاله أيل!، وبدونها تصبح الأسماء نكره. وكذلك استخدامات الضمائر في اللغة السريانية لـ: ܐ̄ܝܠܐ- ܐܝܠܗ قد تكون مُشتقة من أيل (موجود).
*آنـو: هو الاله الأكبر ويقع في المرتبة الأولى في سلسلة الالهة (بحسب الأساطير) في حضارة بلاد النهرين، وتم تسميته بأبي الالهة، ومقره (عرشه) في السماء العليا، والاسم الأول (في أعلى شجرة الحياة الآشورية. ومن المحتمل ان اسم الاله أنـو مصدر كلمة انا- ܐ̇̇ܢ̇̇ܐ. ومن هنا وكاحتمال أعتقد بأننا: عندما نتطّير من رأي أو حادث، نلجأ الى الدق على الخشب لأيقاظ الاله (أيل وآنـو) المُخبئين في الأشجار (الخشب)! ليطردوا الشر والحسد.
*وكما يمكن ملاحظة التبادل والتناسق في المعاني وبشكل متوازي بين المصدر النباتي (الخبز) والمصدر الاحيائي أي (اللحم)، وانعكاس ذلك في اللاهوت المسيحي. مثل سر التناول أو القربان المقدس ويحتفل بها جماعة المؤمنين، الاحتفال يكون بصيغة تناول قطعة صغيرة ورقيقة من الخبز (تعرف بالـبرشان والتي تمثل جسد يسوع وتُغمس قطعة الخبز في القليل من الخمر الذي يمثل دم يسوع.) وقد نحتاج الى المزيد من الدراسة والبحث لاكتشاف الترادف الواضح في الكلمات بين العربية والسريانية وحتى بين اللغات الأخرى، مثل كلمتي لحم العربية ولخما السريانية (لحم - بشر- ܒܣܪ̇ܐ وكذلك الخبز ولخما - ܠܚܡ̇̇ܐ)، فهاتان الكلمتان لهما دلالات ايمانية واضحة. فهل ان طبيعة العقائد تُشكل صياغة الكلمات أم العكس هو الصحيح؟ والأرجح وجود بون واسع بين الشعوب المؤسسة للعقائد والاساطير، والتي تجد سلاسة وإنسيابية في الربط بين الكلمة ومعناه الروحي، وبين المُستقبلة لها من الشعوب التي تستورد العقيدة وكلماتها ككل لا يتجزأ، ولا يمكنها فهم عُمق المعنى بالدقة التي أرادها المؤسسون الأوائل من أبناء سومر وبابل وآشور. وهذا كان سبباً في وجود اختلافات وخلافات بين الشعوب وظهور المذاهب والاجتهادات العديدة، واستغلت سياسياً من القوى الطامعة الغالبة، ممن كتبوا التاريخ وفسروه على هواهم، ولمصالحهم.( يُتبع....)

Danyal Slifo

14
تجربة حياتية: شجرة الأقانيم الثلاث للشخص
[/b]
  بمتابعة التحولات في الوعي وطبيعة الانتماء الآشوري العراقي المرتبط بالتقدم في العمر، نتلمس تراكم تجارب ثقافية وصور عديدة ومواقف لا تُنسى. ففي الشخصية الأولى، أي الفتوة العشرينية، كان الشخص مثل المعدن المشحون بالعاطفة الجياشة والفنتازيا الجاذبة بقوة الى جمع المعلومات والمعارف عن كل ما هو مرتبط بأوليات الثقافة القومية والوطنية والعقائد والروحانيات أيضاً، كعناوين وخطوط رئيسية بلا تفاصيل، لتوضع في الذهن والذاكرة بعشوائية وفوضى، ويتم استعارتها وتناولها في كل مناسبة أو غير مناسبة، لمجرد التبليغ والاستلام والتسليم السريع للرسائل وان كانت مبهمة ومفتوحة النهايات. وهذه الشخصية متحولة من موقف الى أخر دون عوائق، بحسب الاستجابات المستجدة.
 وفي الشخصية الثانية، فترة الشباب، تمت استعارة وإبراز المعلومة والموقف أمام الأخرين دون تردد مع إضافة وتطوير واجتهاد، وعدم الاهتمام الكافي بالمراجعة والتحقيق الكافيين. مسوقين بالحماسة والطاقة الإيجابية للدخول في مضمار العمل والمجابهة، بعد بروز الهوية والانتماء، مع محاولات لترتيب التحولات نحو تشكيل الأسلوب والتنظيم المؤسساتي، وكذلك في البحث الدؤوب للسبل والطرق الكفيلة للوصول الى الأهداف المرسومة والتي يتم صقلها وتهذيبها لكي تستقبل المقبولية والرضى والتأييد. مع ازدياد الاهتمام بالمواهب والهوايات الشخصية كالفن، والادب، والعلوم، والسياسة.
أما الأقنوم الحياتي الثالث المُعبّر عن فترة الكبر والشيخوخة، فالصفة الجامعة لأفرادها هو الشعور الطاغي بالقناعة التي تكاد تكون تامة بالحصيلة والحصاد، مع الإصرار على المواقف، وسد الأبواب أمام الآراء والاجتهادات الشابة الجديدة لعدم وجود مساحة  شاغرة لها، وبسبب الكم الكبير للملفات المتراكمة والمُخّزنة فيها، والمؤسف له هو عدم إمكانية مسح وإزالة بعض المواضيع والمواقف القديمة منها رغم سوؤها لفوات الآوان، مع تراكم الڨيروسات المعنوية القديمة فيها كالعشائرية المقيتة والتعصب الفارغ للانتماء الكنسي، وعشق الجدالات العقيمة المكررة برتابة الى حد الغثيان، وان كان بشكل نسبي من شخص الى آخر. هذه الانتماءات الضيقة أُريد منها التعويض عن الانتماء الحقيقي الواسع والشامل. باختصار وكأن الفرد الواحد يعيش ثلاث أقانيم وطبائع وشخصيات، مختلفة في القدرة على الاستيعاب والفهم والتبليغ من خلال الانتقال من فترة الفتوة الى الشباب والى الشيخوخة، مع الطرح جانباً التأثيرات المتعلقة بالحالة المادية، وعلاقات الصداقة، والبيئة السياسية، والأمنية.
وحدة الوجود وعلاقة مستقبل الإنسان والنبات كموجودات مترابطة
وحدة الوجود مذهب صوفي يقول بأن الله والمخلوق والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الخالق هو واجب الوجود الحق، أما مجموع المظاهر الروحية- المادية فهي تجليات تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود حقيقي خالد وأبدي قائم بذاته.
 ففكرة أو مذهب وحدة الوجود، هي فكرة قديمة أعاد إحيائها بعض المتصوفة والذين تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة وفلسفة الرواقيين. ولقد نادى بوحدة الوجود بعض فلاسفة الغرب من أمثال سبينوزا وهيگل وهؤلاء قدموا فهم للكون ومكان الفرد البشري فيه.
اليوم، يعتقد أغلب علماء الفيزياء وأطباء الكم quantum theory بأننا جميعًا مرتبطون من خلال جزيئات الطاقة لدينا. وكل شيء على كوكبنا هو جزء من هذه الجزيئات بما في ذلك ذكائنا... لذا يمكنا دراسة ومتابعة تنظيم علاقة الموجودات (الانسان والنبات) مع بعضها بالاستعارة من الحضارة العراقية الأشورية والبابلية والسومرية كحضارات رائدة في هذا المجال وكتمهيد لمعرفة حقيقة الوجود، وأن كان تحقيق ذلك لا يتم في المستقبل المنظور! فحضارتنا جديرة وذات كفاءة وخزان ثقافي غزير لمحاولة حل لغز الوجود ومعنى الخلود والحياة على كوكب الأرض، وإيجاد السبل الإيجابية لحماية الأرض من التحديات والعيش في بيئة صحية ونظيفة وأمينة. فالتدهور البيئيّ يهدد بدوره كلاً من صحة الحيوانات، والبشر، والنباتات على المدى الطويل بفعل بعض الأنشطة البشريّة غير المسؤولة، والصراع على الموارد والهيمنة.
فيلم أڨيتار Avatar مثالاً
محور الفيلم يتعلق بالحقيقة الواضحة للجميع حول الجشع وعدم الاهتمام بالحياة البشرية وقدسية جميع أشكال الحياة في الكوكب والكون. هذا الفيلم يدور حول ترابط كل الحياة مع بعضها البعض، ووجود تحديات تستهدف الجميع، وضرورة الاتحاد لمجابهة المخاطر. يعرف العلماء اليوم أننا جميعًا جزء من قوة طاقة موجودة في كل مكان طوال الوقت. وان كوكب الأرض والكون وبكل ذراتها المهتزة وجزيئاتها لها تواصل سري عجيب مشترك عضوياً.
ثم تتواصل احداث رواية الفيـلم وتُسلط الضوء على أهمية الارتباط الروحي للكائنات مع الشجرة العملاقة المخلوقة من قوة الهية Eywa والتي تخفي تحت جذورها مواداً ثمينة. وتتواصل الشجرة العملاقة المقدسة Home tree جسدياً ووجدانياً بكل شيء وكشبكة مشحونة بالطاقة الإيجابية لكيانات Pandora (المخلوقات الساكنة في ذلك الكوكب). تلك الكائنات المرتبطة ببعضها ومع الشجرة بنسيج متناغم مع نسيج الكون، إذ تتواصل الشجرة مادياً وروحياً مع جميع الكائنات، وكان مغزى القصة أن الخير يسود دائمًا. وتستمر الرواية في سرد محاولات قوى الشر المُحتلة والقادمة من الأرض في القضاء على شجرة الحياة في الكوكب، بعد ان قضت على كوكب الأرض. وطاقة إرادة الحياة الإيجابية هي الأقوى دائماً من طاقة الشر السلبية. إذا فكرنا في أنفسنا بشكل أفضل، فسنكون دائمًا في طاقة الخير. في طاقة الخير، سنعلم أن أرضنا توّفر الوفرة للجميع. ( يُتبع)........

15
      
هل كان الله مختفياً قبل ظهور الديانات؟
مقدمة
نفترض إن پروفيسوراً في مجال الفيزياء الكمية، استهل مشواره المهني بتدريس طلبة المرحلة الابتدائية لخطأ في التعينات، فمن المؤكد ان الطلاب سيجن جنونهم ويقفزون من فوق المقاعد نحو الشبابيك بسبب المناهج التعليمية التعجيزية الصعبة التي تُلقى على رؤوسهم الصغيرة وكأنها الصواعق، وبالنتيجة النهائية، سترى التلاميذ وقد أصابهم الهلع، وقاوموا حالة الصداع والارتباك بالفرار والهروب الى كل زوايا الأرض! تاركين الأستاذ قابعاً في زوايا الإهمال!
وغالباً ان الشعوب من السلف المؤمن بالسحر والشعوذة والتعويذ قبل الالفية الثالثة قبل الميلاد، كانوا سيستقبلون كاهناً حاصلاً على الدكتوراه في اللاهوت بالحجارة والفؤوس ان أراد تفسير الحياة والايمان بطريقة عصرية متناسقة مع نظرية الانفجار الكبير واصل الأنواع، وبالتالي سيحققون أمنيته بالانتحار بشكل سريع!
صورة الله المتغيرة وحاجات الانسان الثابتة
الله لم يتوار ولم يترك البشرية بدون شواهد، وكان موجوداً منذ الأزل ولم يترك الكون يسير بدون قوانين وتوازن. كما لم يكن مخادعاً لبني البشر الذين خلقهم على صورته لكي يختفي ويتفرج على معاناتهم!، لذا من العبث والصبيانية ان نتهم الأجداد بالكفر والوثنية بالمطلق بإهمال بؤر الضوء والاشعاع الروحي والمادي الملائم لذلك العصر، مع التفهم وفهم الأسس الإيمانية المتوارثة مع الأجيال وقادت الانسان الى ما هو عليه اليوم. لذا كانت صورة الله متغيرة ومُدعَمة ومتأثرة بتحولات وإجتهادات متعددة تلائم الخصائص العقلية القديمة، ومختلفة احياناً ومتطابقة أحياناً كثيرة أخرى مع الشعوب والقبائل بتأثير السياسة والاقتصاد ونتائج الحروب. لذا ويبدو ان انتقال الشعوب بأجيالها من حالة تطورية الى أخرى ارتبط عضوياً بحتمية التطور وبتقدم المفاهيم الروحية والمادية التجريبية نتيجة التراكمات الكمية والنوعية حينذاك.
أما حاجات الانسان فهي ثابته ومرتبطة بالمصير والحياة والموت، والخوف من الجوع والمرض والسكن غير الآمن. ولما كانت الأرض تحمل الكثير من التحديات والأهوال والكوارث، أخذت عيون البشر ترنوا الى السماء، ووجدت السماء الزرقاء الشاسعة واطمئنت الى الشمس والقمر والنجوم الى حد التقديس باعتبارها صور لقوى الخير، ولكنها جزعت من الفيضانات والطوفانات والعواصف والرعد والبرق ووجدتها كامنة في قوى للشر، ولكنها وبالتالي نظمت الحياة ووجدت هناك إجابات مناسبة لمعضلات عديدة.
لذا لا نجد فرقاً وجدانياً وأيمانياً، بين إمرأة نهرينية تصلي وتبكي بخشوع وبدموع وبنيات صادقة في هيكل (أيش-گال) أو (أيزدا) أو (باب-أيل) من أجل زوجها أو أحد أبناءها وبناتها، فتشعل الشموع وتقدم البخور والنذور، من إمرأه حالية تقوم بنفس العمل في أحد الكنائس أو بيوت العبادة! هل الأولى كافرة ووثنية لأنها لا تعرف الله وتعبد الاصنام؟ وما هو ذنبها؟ كما وجدت الحفريات الآثارية شواخصاً لمعابد آشورية وسومرية وبابلية تحت أنقاض مراكز العبادة القديمة كالجوامع والكنائس والمزارات، في دلالة واضحة على التحول الحاصل في الولاء الإيماني لدى الشعوب من مُعتقد الى آخر.
من التراث الشفاهي، نذكر رواية النبي الذي رأى من خلال جولاته التبشيرية شخصاً ساجداً أمام حجراً صلداً، فأخذ يشق ويمزق ملابسه طالباً من ذلك الشخص ترك الكفر والتوجه الى عبادة الله الموجود في السماء. وعندما بحلق الى السماء ولم ير شيئاً، فر الى الصحراء متوارياً! ثم عاتب الله بالإيحاء ذلك النبي قائلا له: اتركه يعبد الحجر باسمي وسيصل لي، وهذا خيرٌ من ان يسمع عني بدون استعداد وفهم كافي.!
المشترك الإيماني بين الماضي والحاضر
المبادئ الغريزية الفطرية الأولى، مثل حب الخير والمسالمة والمودة للغير، والتمسك بالمقدس ومناوئة المدنس، والتوجه نحو العدالة والحق في المعاملة وكراهية الظلم والباطل، هي روابط تجتاز مثل السهم خارقاً للزملكان ويتوجه نحونا، لذا غالباً ان البذور الإيمانية الأولى في ضمير الانسان القديم، هي التي تطورت ونمت وأثمرت ووصلت الينا، والالهة القديمة كانت جميعها موالية وتابعة لأوامر الرب الأعلى المتأله الخالق وكان شمش وآنو في الغالب وأنليل ونينورتا وأشور ومردوخ اللذين كانوا آلهة أحياناً وأبناء الالهة وان بنفس القدرات الإلهية أحياناً ، وان تغيرت الأسماء، ولكن الصفات والقدرات كانت مشتركة. 
الرواسب الأولية المؤسِسة للمفاهيم الدينية انطلقت بشكل كبير من حضارات سومر وبابل وآشور، وقد أعترف العديد من العلماء خصوصاً منذ النصف الأول من القرن العشرين بتأثير بلاد بيت النهرين على الديانات القديمة المتأخرة.
هل زار الوحي الملك القانوني الخالد خمورابي ليكتب مسلته القانونية، ويُسطّر في إحدى فقراتها (العين بالعين والسن بالسن) لتنتقل الى التوراة والإنجيل وحتى القرآن؟ ومع العديد من الفقرات القانونية الأخرى؟ وهل كتب أخيقار الحكيم أمثاله بروح القدس؟ تلك الأمثال التي نجد العديد منها في المزامير، والجامعة، والأمثال، والتوراة؟ كما وأنه وتحّول الى لقمان الحكيم في كتب إخوتنا المسلمين؟
هل نستطيع نكران ما نجده من تطابق في التلموذ البابلي من موارد متعلقة بالحالات الاجتماعية الشرعية والأمور الزراعية مع ما يماثلها في حضارة سومر وبابل وآشور؟ وهل ما نجده من محتويات في التوراة (كما في حزقيال وإشعيا ودانيال) من تشابه وترابط مع حضارة الآشوريين خصوصاً وبيت نهرين عموماً جاء صدفةً أم هو مسار إنساني متطابق ومتحول بموضوعية.
بين الدين والقومية الحقيقة المُرّة
البعض منّا (مع الاحترام لأصحاب النيات الطيبة) وعلى طريقة المستعجل الذي لا يلوي على شيء وله في كل حادث حديث ولكل مقام مقال، يتصرف وكأنه كمن يجلس على جمرة فوق غصن شجرة، فيحاول نشر (قص) الغصن من موقع تفرعه والتقاءه بالجذع!، أو قص الجذور ومحو وإلغاء روابط الطاقة الحضارية والمرجعيات الفكرية والتي هي مصدر قوتنا؟
الا يُشرف تاريخنا الديني أن نكون بعض الفترات قضيب غضب الله؟، الا يعني أن الله كان متيقناً من أيمان الآشوريين ليجعلهم أداته وفأسه لتلمذة الشعوب العاصية؟ كما هو مذكور في سفر إشعيا من التوراة.
ونحن نعيش أجواء (صوم نينوى) حالياً، الا يكفينا بأن نكون الامة الوحيدة المذكورة والتي ذكرها مسحينا الممجد يقوله: (رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان ههنا). مت 12:41.
نموذج صلاة الملك الاشوري اشور بانيبال الى الاله الشمس (شمش)، جاء فيها:
يا نور الالهة العظام، يا نور الارض ويا مضيء اقاليم العالم
ايها القاضي الاعظم، المبجل في السماء والارض
يا من لا تنفك عن الوحي، فتقرر اقدار السماء والارض كل يوم
شروقك نار وهاجة تحتجب بسناها نجوم السماء
انت متفرد بسناك فلا يضارعك فيه إله من الالهة
انت وابوك سين (الاله القمر) تعقدان محكمة العدل وتصدران الاقضية
لا يعقد الاله انو والاله انليل قراراً دون رضاك
انت معتمد الاله ايا، مقرر الاحكام في الاعماق
الكهنة المعوذون يسجدون اليك ليدرؤوا نذر الشر
واليك يتوجه كهنة التنبؤ ليتسلموا النبوءات
انا عبدك (اشور بانيبال) الذي قدرت له الملوكية في الرؤى
انا الذي يلهج بعظمتك وبمجدك امام الخلق.

مشروع ميلامو
أنشأ بعض العلماء المهتمين بحضارة بلاد ما بين النهرين(ميسوپوتاميا) مشروعاً للبحث عن تأثير حضارة سومر وبابل وآشور على المعتقدات الدينية، ويبحث المشروع المُسمى (ميلامو) في استمرارية وتحول وانتشار ثقافة بلاد ما بين النهرين والشرق الأدنى القديم من الألفية الثالثة قبل الميلاد عبر العالم القديم حتى العصور الإسلامية. وهي تقوم بذلك من خلال تنظيم المؤتمرات وتوفير الموارد ذات الصلة بالمشروع على موقعها على الإنترنت.
Welcome to the Website of the Melammu Project
The Heritage of Mesopotamia and the Ancient Near East


دانيال سليفـو


16
شهدائنا أحياء يتسامون في القلوب والضمائر
ياليتنا كنتم معنا
في الذكرى السابعة والثلاثون لرحيل رفاقنا الشهداء
موضوع الشهداء الخوالد يوبرت يوسف يوخنا، أصبح تاريخاً وكفاحاً مدوّناً بسطور ملهمة بطعم التضحية والكفاح ونكران الذات وترتبط بالحضارة العريقة التي ضحّوا من أجلها ومن أجل حقوقنا القومية والإنسانية، الاعتقالات والمطاردات وعمليات التعذيب التي مورست ضد ابناء شعبنا عام 1984 من قبل النظام البائد، دفعت ضريبتها بحصيلة أكبر مجموعة شبابية واعية مؤمنة بانتمائها الوطني والقومي وأفراد أُسرها وأقربائها، وتوجت تلك الممارسات الهمجية باعتقال مجموعة خيرة من الرفاق الأوائل وباستشهاد الرفاق يوبرت ويوسف ويوخنا في زنزانات التعذيب والأعدام. وارادت السلطة من خلال تلك الانتهاكات صد ووقف الانبعاث والوعي القومي المنظم من خلال الحركة الديمقراطية الآشورية.
في سياق متصل وموروث من الحضارة البابلية – الآشورية نستلهم معاني عظيمة وعميقة من مفاهيم الحياة والموت منذ أسطورة كلكامش وانبعاث تموز ومكابدات عشتار وعذاباتها، ومنها ايضاً نكتشف المقاربة والعلاقة الأزلية بين الفصول ودورة الحياة وتأثراتها على الطبيعة والانسان، وحق الانسان بالكفاح والتسامي (الى حد الاستشهاد) من أجل الخلود والسعادة ونيل الحقوق المؤدية الى ذلك. كان تموز (دموزي) جسد معنى الاستشهاد وقيامته وانبعاثه مع بداية فصل الربيع حيث تتناثر قطرات دماءه الممثلة بشقائق النعمان على المساحات الخضراء من الأرض، لتتبارك الأرض الام والانسان الابن بالولادة وتجدد الحياة ووفرة الخير والمحاصيل والثروات الحيوانية ليبدأ مفهوم الأمان والخير والطمأنينة.
من عملية استشهاد الثالوث القومي يوبرت ويوسف ويوخنا نتعلم وندرك بأن مفهوم الاستشهاد يحمل نفس المعاني السامية منذ ذلك الزمن الموغل في القدم والى الآن، وبأن شهداءنا من ضحايا الانتماء القومي من ضحايا هكاري و سيفو وسميل وصوريا والشهداء الأحياء النازحين من مدنهم وقراهم , ضحايا الإرهاب والتطرف والعصبية والمغالاة , وضحايا الانتماء القومي المسيحي مروراً بشهداء المقاومة المسلحة منذ بدايات القرن الماضي وصولاً الى الرفاق جميل وشيبا وشهداء الزوعا الآخرين فترة الكفاح والمسلح وما بعد سقوط النظام السابق تؤشر بأن تاريخ شعبنا الكلدوآشوري هو بحقيقته تاريخ الاستشهاد . فالشهادة الحقيقية ليست ساكنة في ظرف طارئ يطرق ابواب الكارهين له والمنسّلين منه، أو كعارض يزول ويتماهى مع زوال حادث الموت، بل هو ممارسة وأيمان ومسيرة تنير طريق الشعوب كمبدأ واستعداد وإسلوب حياتي متكامل في كل التفاصيل وإن اختلف في شكل الممارسة.
كان الشهيد يوبرت وبوجه الباسم، يحمل تحت ابطه نسخاً من بهرا الوليدة الجديدة وفي راحة يديه حمل روحه ودماءه كمشروع سخي من أجل القضية الآشورية، مدفوعاً بإيمانه ويقينه بالانتصار، وكان يكرر بأن الخوف من الموت يؤدي الى الرضوخ والسكون والضعف أمام الانتهاكات وإبقاء الحال على نفس المنوال، ويقول مراراً بأن القضية لكي تعيش تستوجب بان يضحي أبناءها (الثورة تأكل أبناءها).
اما الشهيد يوسف فكان هدوءه يحمل الكثير من الحكمة والوعي وكان مهتماً بأنشاء مشروعاً فكرياً قومياً كبناء مؤسس للوعي والتنظيم، واهتم بقصص الشهداء وحركة الشعوب نحو الانعتاق، وكان ينصح بان يتم تأجيل الحديث عن الشهادة الى أن تتوفر مستلزمات الشهادة وتتكامل من وعي وايمان واستعداد وتضحية ولان الشهادة تأتي في المراتب العليا من الوعي القومي والسياسي، وإنها ستأتي بعد نضوج المفردات التنظيمية والثقافية.
وكان الشهيد يوخنا يعيش معاني الشهادة في حياته ويدرك تماما همجية النظام وأسلوبه القمعي، ولكنه كان يتمنى أن تتاح له فترة أطول ليقدم المزيد من العمل لصالح القضية،
شهداءنا ساروا بخطى واثقة في طريق التضحية، وكانوا يعلمون بأن ذكراهم ستظل حية في القلوب وبأنها ستظل ذخراً هادياً وخميراً حيّاً لرفاقهم وشعبهم، وكانوا على حق، إذ ظلت المسيرة قائمة وساروا آخرون على خطاهم، ونالوا اكليل الشهادة على خطى الحركة القومية الآشورية، فأصبحوا نجوماً متلألئة في سماء الأمـة.
هنيئاً لكم ما نلتموه من وسام المحبة والتعظيم، فمسيرتكم ما زالت بأيدي أمينة من الآلاف الذين رخّصوا حياتهم للدفاع عن الوجود وعن المستقبل ضد العنجهية والظلامية. ولتسكن أرواحكم ولتهدا النفوس فأن طواغيت الماضي قد اخزاهم الله بفناء أبدي، وهو المصير ذاته الذي ينتظر جهلة اليوم.

17
يؤكد المختصون بالشأن الحضاري والتاريخ، تميُّز الفرد النهريني العراقي منذ بداية وجودهُ بالإبتكار، وبأنه أول من أنتج طاقة إيجابية إنسانية خلاّقة تتصدى للتساؤلات والتأملات الناتجة عن التحديات التي تجابه الحياة وإشكالاتها، وعن الاسرار المحيطة بالإنسان والمخلوقات من كل جانب وعن أصل الكون والخالق والحياة والموت والبعث والخلود، ولم يقف العراقي الوارث لحضارة سومر وبابل وآشور أمام ظواهر الطبيعة راضخاً أو مستسلماً، بل إنطلق مُبتكراً ومُخترعاً ومُكتشفاً ومؤسساً قواعداً رصينة ومثمرة لا زالت متفاعلة ومؤثرة تقرر والى حد بعيد مصير الإنسان ومستقبله من أجل حياة أمينة ومستقرة وسعيدة لبنى البشر. ولما كانت الحضارة تُشبّه بالطاقة الإنسانية، فإن طاقة حضارة العراق لا تُفنى ولا تُستحدث من العدم، ولكنها تتحّول وتتغيّر وتنتشر ويشع نورها بحسب المكان والزمان، ومن الممكن متابعتها ورسم مساراتها الحقيقية، وإكتشاف وتسجيل ما لم يتم تدوينه. ولكن كل ما نحتاجة هو إرتداء عباءة التجرُد الواقيّة من المواقف التقليدية البالية الجامدة السرطانية المُقيّدة لأعضاء المجتمع، ثم الإنطلاق وبشجاعة لحمل سيف الحقيقة ومشعل النور.
1) أسرار الأعداد والأرقام
منذ البواكير الأولى لنشوء الوعي عند التجمعات البشرية الأولى، وبداية الأبجدية وعلم الحساب، إعتاد الكهنة ورجال الدين والمعتقدات الغيبية على التفاعل والتعامل مع اسرار الأعداد والإرقام وعلاقاتها العضوية بالحروف والكلمات، وتم ذلك من خلال مراقبة وتدوين جداول لحركة النجوم والأبراج لخلق مفاهيم دينية وثقافية فكرية، وذلك بإمتداد الحضارات المتعاقبة على أرض عراق بيت نهرين ( سومر وبابل وآشور). فتم تدوين العبارات والأسماء والروايات بما ينسجم ويتناظر مع مرادفاتها من القيم العددية والرقمية ، وذلك وفق منهج تراتبي متفق عليه فلكياً ومحدود التداول لسريتهُ ( أسرار السماء )، فتم تحديد الأوقات المناسبة للحرب والسلم والبناء والزراعة والري للحفاظ وتطوير التنمية والرخاء، وعلى الأمن والسلامة ومصير شعوبها، فتم تداوله بين الخاصة فقط من ( الكهنة والسحرة والمُنجمين ) وأصبحت من أهم مهماتهم ومهنهم. فإذا كانت الكتابة شكلت ثورة في الوعي الإنساني، فانها تحولت بعد زمن من أداة بإيدي النُخب الملكية والكهنوتية والحاكمة الى كل الشرائح ومنها البسيطة، وبعدها من جيل الى آخر. ونشأت علاقة تأسيسية وثيقة بين الأرقام والأحرف وتم وضع لكل حرف من الأبجدية الأرامية- السوريانية والعبرية وبعدها العربية (حساب الجُمل ) قيمة عددية بحسب موقعها في الأبجدية :
ܐ – 1    ܒ- 2    ܓ- 3    ܕ- 4    ܗ- 5    ܘ- 6 ... وهكذا. ومن الأرامية أُبتكر إسم مُقدس للكهنة يساوي الرقم الكامل 60 في النظام الستيني. وإختير إسماً مقدساً للكهنة المُنجمين مثلاً : كلدو ܟ+ ܠ+ ܕ + ܘ = 20+30+ 4+ 6 = 60
وإعتقد القدماء بأن حصيلة عملية جمع أعداد الإسم  دلالة على مصير ومستقبل صاحب الإسم و إختيار قدرهُ بين الخير والشر !. بعد ( تبصير الطالع ) وكشف المعاني الخفيّة المقترنة مع الكلمات عددياً لِسبر أسرار الكون وحركة النجوم والأبراج وخواصها ، وصفات ومعنى الخلق والخالق والتواصل معه والإستماع الى وصاياه وأوامرة ونواهيه. وتقول مرگريت روتن في كتابها : تاريخ بابل – ص 112 ( قدم لنا الملك سرگون في خرسباد الإشارة التالية: جعلت طول السور 16283 ذراعاً كبيراً وهذا العدد هو قيمة إسمي العددية ). إنتهى. وهذا العدد لسور دورشروكين كان من أسرار الدولة التي ينبغي ان يبقى سرياً ولا يتم نشره وتعميمه والإفصاح عنه لئلا يصل الى الأعداء فيستخدموه كثغرة ونقطة ضعف !، بحسب مفاهيم ومتطلبات تلك العصور المؤسسة للحضارت والعقائد الإنسانية اللاحقة، فظهر تأثيرها على جميع العقائد الوضعية والسماوية.
إذا عدنا إلى سفر الرؤيا 13 من الكتاب المقدس، نجد الرسول يوخنا مُستخدماُ الارقام أو الأعداد بدلاً من الإسم فيذكر وحشاً يصنع آيات ليضلّ الساكنين على الأرض. ويقول: “لا يقدر أحدٌ أن يشتري أو يبيع إلا مَن له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه” (رؤيا 13: 17). ويضيف قائلاً: “هنا الحكمة: مَن له فهمٌ فليحسب عدد الوحش، فإنه عدد إنسان، وعدده ستمئة وستة وستون 666” (رؤيا 17:18 ). ومن الجدير ذكره إن الحديث هنا يدور عن القصص والحقائق والعِبر التاريخية والمادية وليس عن المروّيات والنصوص المقدسة ولا عن المواقف الإيمانية اللاهوتية.
2) القاعدة أوالنظام العددي الستيني والنظام العُشري
ܛܲܟ݂ܣܵܐ ܥܸܣܪܢܵܝܵܐ ܘ݂ ܐܸܫܬܝ݂ܢܵܝܵܐ
كان النظام المُعتمد في العد عند السومريين والبابلين والآشوريين يُسمى بالنظام الستيني, ويُعبر عن أجزاء الرقم 60 ومضاعفاته، وهي أرقام صحيحة عند إجراء العمليات الحسابية. والنظام الستيني يشكل أول بناء رياضي إنطلق منه الكهنة والمنجمين وأهل الإختصاص حينذاك في تفسير وفهم الكون والحياة ومعانى القيم الروحية وحاجات الناس وتنظيم شؤونهم . وسُميّ أيضاُ بالنظام العُشري الستيني، بإعتبار العشرات هي من أجزاءه، فالرقم الكامل الستون يتألف في حقيقته من ستة عشرات وهكذا.
والنظام العددي الثاني المعروف على شكل أوسع هو النظام العُشري، ويعتمد إبتداءاً على إستخدام أصابع اليد لدى الجميع لبساطتها وإرتباطها باليدين عند إجراء العمليات الحسابية الرياضية لدى الإنسان الأول والشعوب البدائية جميعها. ومن الجدير بالمُلاحظه هو بقاء إستخدام النظامين ( الستيني والعشري) في الأطوال والمسافات وغيرها كالإنج في النظام الستيني والسنتمتر في النظام العُشري. وكذلك في الألعاب وأدوات اللهو ذات الأصول القديمة. وكتابات وأحرف الالعاب السحرية.
3) إقتفاء أثر الأعداد في الأسماء والكلمات والآيات المقدسة
النظام العددي العُشري
يمكن متابعة ورصد أسم الخالق وعلاقته باللفظ المتداول منذ عصر التدوين لغوياً وعلاقته بالأرقام، من خلال قراءة التوراة والإنجيل. إذ نقرأ قي سفر إشعيا : أنا هو. أنا الأول والأخر، وفي سفر الرؤيا يقول ربنا السيد يسوع المسيح : أنا هو الألف والياء، الأول والآخر، البداية والنهاية . ويكرر هذا عدة مرات . ونلاحظ إن إسم سيدنا المسيح يبدأ بالحرفين الألف والياء أو الرقمين 1 و 10 ( الأول والآخر- البداية والنهاية ) بحسب النظام العددي العُشري، فيُكتب إيشو-ع وبالسُريانية ( ܐܝ݂ܫܘ̇ܥ )، ويبدو ان يسوع وعيسى إشتُق منها. ).. كما إننا نستخدم كلمة ( قدامايا- ܩܲܕ̄ܡܵܝܵܐ ) بمعنى الأول والقديم ورئيس القوم (العالم )، بمفهوم يربط الماضي مع المستقبل والأول بالآخر والقديم بالجديد !.
الرقم 1 (الواحد ): وكما هو معلوم في الاعداد أو الأرقام هو الاول، وبالسوريانية ( ܚܕ̄ܐ – خدا ) وهو واحد مفرد. والياء هو الرقم10 (عشرة )، ( عسرا- ܥܸܣܪܵܐ ). بمعنى ان الياء (ܝ - يود ) في النظام العُشري إستُعمل كالآخر أو النهاية كالآخرة بالنسبة لمصير للبشرية طبعاً. ومن جانب آخر نجد المسلمين إستخدموا كلمة الواحد للدلالة على الله، وكلمة (أحد ) في الإسلام من المحتمل إن يكون أصلها السُرياني ( اْخيد- ܐܲܚܝ݂ܕ ) والتي تعني ضابط الكل والمتولي. ونسمع ما يشابهها عند الأكراد والفُرث ( الفرس ) خُدا – خُدايا، وحتى السيخ يطلقون على على سلسلة أنبيائهم المعصومين كلمة (واهي گورو- ها ) القريبة من  ( واحد كبير أو گوورا – ܓܲܒܼܪܵܐ ).
النظام العددي الستيني
بناء القاعدة الستينية ( وبمعانيها وخصائصها الفكرية المتنوعة) يُعّد أول نظام رياضي توصل اليها الإنسان الرافديني وتفوُق في الأهمية على النظام العُشري. ولما كان الرقم 1 و 10 في النظام العشري يمثل الأول والآخر، فان الواحد 1 و الـ60 في الأرقام القديمة من النظام الستيني في سومر وبابل وآشور إختصر المفهوم بكلمة واحدة للرقم 1 وهو: أش (رقم متكامل ) وهو متناغم ومتساوق مع الأعداد 3 أيش و 6 آش ، وهذه الأرقام مع الرقم 9 ( إيلي- مو- ܐܝܠܝ - الموجود ) ومرادفاتها من الأسماء هي الأرقام المعتمدة والمُطبقة في تفسير تأسيس ونشوء الكون بحسب المفاهيم الأسطورية القديمة، وأحياناً كثيرة تتبادل الأدوار ويتضائل دور وقوة بعض الالهة الصغار وتسقط ، مثل إيل (ܐܝܠܗ- ܐܝܠܐ ) وان كان مصدراً لله الا إن معناه شاع وإرتبط بالملائكة، مثل (گورائيل- ميخائيل- عزرائيل)، بحسب المكان والزمان وصراع الشعوب وثقافاتها ولغاتها، إضافة الى قناعات الكهنة والحكام والظروف السياسية والعسكرية والإقتصادية والتغيرات الديمغرافية.
الرقم 1واحد: أش :- ܐܸܣܵـܐ  او ܐܵܫܫ ( أُس – أساس – يؤسس )، عبّرَ وكوّن إسماً مُقدساً وبالغ السرية والعظمة للخالق في السماء، ولم يُطلق في الماضي على أحد من المخلوقات وبضمنهم الملوك، بل أُستُعيضت عنه باسماء تُمثل أرقاماً من أجزاء الرقم 60 . فآنو يحمل الرقم 60 وأنليل: 50 وأيا: 40 وعشتار إبنة آنو: 15 وهكذا، وهذه آلهة نزلت وخاطبت وتعاملت مع البشر بالمباشر، ودونت قصصها كأساطير تُتلى في العبادات والشعائر الدينية. ولكن ملوك بيت نهرين لم يكونوا آلهه، بل كانوا أنصاف الآلهه خصوصاً ما قبل الطوفان، وكانوا أبناءاً لله وممثليه ومخلوقين وصادرين عنه في مهمات خلاصّية معلومة!. ولم تُعرض الإدعاءات بالإلوهية من قبل ملوك سومر وبابل وآشور مثلما فعل فراعنة مصـر. وبالتالي فأن أسماء ملوك آشور إشتُقت من إسم وعدد الواحد الخالق: أش وإرتبط به إيمانياً، وصادراً إنه كعصا ويد الله الموثوقة لتلمذّة الشعوب. وكما في الكتب المقدسة، إرتقى أبناء نينوى الى درجة إيمانية أعلى في التوراة ( سفر إشعيا )، وكذلك بعد الإيمان بالرسالة الآلهية ليونان النبي في التوراة وقيامهم بالصلاة والصوم والتوبة. إضافة الى إعتبارهم مثالاً يُحتذى به في الإنجيل: متى 12:41 رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان. وقبل كل ذلك كان الملك آشوربانيبال يقول في صلاته الى الالهة شمش وفيها التواضع والخشوع :- أنا آشوربانيبال عبدك الذي أمرت بتعينه ملكاً لدى ظهورك في حلم .. انت نورالآلهة العظام، نورالأرض الذي يضيئ أقطار العالم. 
الرقم 3 ثلاثة: أيش :- بإضافة حرف الألف ܐ في نهاية اسم الرقم ( أيش- ا)  ܐܝܫܐ كما في أغلب الأسماء، كانت النتيجة ( أيشا )، وهذا حسب اللغة الآرامية- السوريانية الشرقية في العراق. أما إذا أضفنا حرف الواو ܘ ( أيش- و)، كانت النتيجة (أيشو ) ܐܝܫܘ-ܥ كما في أغلب الأسماء باللهجة السوريانية الغربية في سوريا ولبنان. وهذا الإسم أيشو- مشيخا وكما هو معلوم إسم الله المتجسد ( أقنوم الإبن- عيسى المسيح ). كما إن أيش تعني إنسان (مخلوق ).
الرقم 6 سته: آش:- ܐܵܫ : الفرق الضئيل والطفيف جداً بين كلمة الواحد والثلاثة والستة (أش و أيش وآش ) في النظام الستيني، يدل على تشابه الخصائص والمعاني بين كلمات الأرقام، فالخالق الواحد 1 السرمدي أنشأ وفوّض المعاني والمُميزات العظيمة للكلمات والمعاني لأسماء الأرقام الأخرى (3- 6- 9 ).
لذا فإن مصدر إسم آشور هو ناتج إضافة ( الواحد أش + إبنه أو خليفته المخلوق على الأرض ). فمن خلال تتبُع قصة أبونا إبراهيم وخروجه من أور الكلدانيين (اور الكسديم في بعض المصادر ). نحصل على إجوبة مُقنعة وحازمة. فإسم إبراهيم ( أوراهيم بالسوريانية- ܐܒ݂ܪ- ܗܝܡ) تتألف من مقطعين وهما: (أورا- هيم). وتعني ابن الرحيم. وفي دراسات عديدة للأديان كانت لكلمة الرحمن ( ܪܚܡܵܢܵܐ ) مدىً واسع من الإنتشار. وكان المعنى الحقيقي لإسم أشور كإله هو خليفة الله وعصاه والمحكوم بأوامره، وهو (أش- برا) أي  أشورا و ( ܐܫ- ܒ݂ܪܐ ) وبالتالي أشور ( ܐܫܘܪ).   
المراجع :
1-   تاريخ بابل : مرگريت روتن.
2-   قصة الأرقام عبر حضارات الشرق القديم: موسى ديب الخوري.
3-    الكتاب المقدس: سفرإشعيا ورؤيا يوخنا اللاهوتي.
4-   الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور: جورج كونتينو.
5-    قراءات لأفكار العالم الكبير نيكولا تيسلا.               Nikola Tesla: The secret behind the numbers 3, 6 and 9 revealed
 
 
Danyal Slifo

18
مقدمة : هذا مقال مثير من قبل الناشط في مجال لغة ( الأراميت – أشوريت – أسوريت ) الدكتور يعقوب معوز يلقي الضوء لأول مرة عن طبيعة الموقف الثقافي والديني لدى اليهود ( بني قاريوا ) ليهودي من زاخو – العراق بيت نهرين بما يتعلق بباعوثا دنينوايي، وفيه الكثير مما ينبغي معرفته كما أعتقد، لذا أرتأيت نشره لتعم الفائدة. / دانيال سليفو
مثل النبي يونان
السفير الإسرائيلي القديم في أرض آشور
الپرفيسور : د. يعقوب معوز
في عام 1985 ، أقامت بلدية تل أبيب - يافا تمثالاً للفنان إيلانا غور باسم "الحوت المبتسم" بالقرب من ميناء مدينة يافا القديمة (يافا). منذ ذلك الحين ، أصبح تمثال الحوت جزءًا لا يتجزأ من المظاهر الطبيعية للمدينة ولتذكير السكان والزائرين عن الدراما التوراتية القديمة التي تربط مصير الأمة الآشورية بنظيرتها اليهودية. أُرسل يونان النبي بأمر من الله لينقذ نينوى ، عاصمة الإمبراطورية الأشورية: "قوموا انطلقوا إلى نينوى تلك المدينة العظيمة ونادوا بها" (يونان 1: 2). وهكذا شرع في هذه الرحلة الملحمية من ميناء يافا إلى المدينة ، والتي غير اسمها من قبل الفاتحين الإسلاميين إلى الموصل في عراق اليوم. على الرغم من أن يونان حاول التهرب من المهمة ، إلا أن الله (كما الله وحده) وجد طرقًا لإعادته إلى طريق النبوة. إذ كانت مهمة إنقاذ نينوى أكثر أهمية من سلامة النبي اليهودي المعذب.
بعد آلاف السنين من هذه الحادثة الفريدة ، في نهاية تشرين الثاني 2019 ، وقفت مجموعة من القادة الآشوريين من جميع أنحاء العالم ، والعديد من الإسرائيليين الآخرين ، بجانب تمثال الحوت في يافا. ورووا قصة النبي يونان والصلة بين الشعبين وكانت الرسالة واضحة. مثلما حشدت الأمة اليهودية لإنقاذ الأمة الآشورية في العصور القديمة ، كذلك يجب على دولة إسرائيل الحديثة أن تفعل اليوم. تنتشر الأمة الآشورية بين شعوب العالم بعد سلسلة طويلة من الاضطهاد الوحشي للغاية ، بدءاً من الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأتراك والأكراد في 1895-1925 ، واستمرار حكم الديكتاتور العراقي صدام حسين وانتهاءً بتنظيم داعش الإرهابي.
كما هو معروف ، فإن أقدس يوم لليهود في التقويم العبري هو يوم كيبور. إنه يوم صيام يستمر حوالي خمس وعشرين ساعة ، وفي أغلب الأحيان ، نصلي لإنقاذ أنفسنا من الدينونة التي يجلبها الله على كل مخلوقات العالم. ولتوضيح إمكانية الخلاص ، وصف الحكماء اليهود القدماء قراءة سفر يونان في منتصف يوم كيبور. في كل عام ، في أقدس يوم ، يتم تذكيرنا برسالة النبي اليهودي لإنقاذ الشعب الآشوري. هذه الظاهرة لا مثيل لها في الدين اليهودي كله.
يلفت الحاخام شلومو اسحق انتباهنا إلى حقيقة أن "نينوى كانت مدينة عظيمة لله" (يونان 3: 3). ويوضح أن المدينة نالت هذه المكانة الخاصة لأن أهلها "كانوا يخشون الله منذ العصور الأولى ، ويوضح أنها في نظر الله كانت مدينة كبيرة وغالية حتى يدمرها !... ولو لم يكونوا رجال إن الله منذ البدء ما أرسل لهم الرسول ، وهنا رأينا أنهم عادوا في توبة كاملة لا مثيل لها ( يونان 1: 2). يعلم كل من يعرف الكتاب المقدس أنه لا توجد مدينة أخرى مهمة لله غير أورشليم. لكن هنا ، نينوى تحتل مكانة مهمة بجانب القدس. أهل نينوى هم شعب الله ، وبالتالي فإن مدينة نينوى مهمة جدًا عند الله. وبالتالي ، إذا كانت نينوى مهمة لإله إسرائيل ، فيجب أن تكون مهمة أيضًا لشعب إسرائيل.
يقدم لنا الحاخام ديفيد كيمخي حجة أخرى: "لماذا يهتم إله إسرائيل بالشعوب الأخرى؟ ويريد الله تبارك أن يكون العالم على ما يرام؟ " ( يونان 1: 2). يريد إله إسرائيل أن يعيش سكان العالم بأسره في سلام وأمان ، لذلك أنزعج النبي يونان أن يذهب إلى أبعد الحدود وينقذ أمة أخرى. كما ذكرنا ، لم يرغب يونان في القيام بهذه المهمة. لا يشرح سفر يونان سبب رفضه قبول المهمة. شرح الحكماء ذلك بالقول إن يونان كان يعلم مسبقًا أن مملكة أشور ستستخدم كأداة من قبل الله ضد إسرائيل ، "سوط الرب الغاضب لإسقاط إسرائيل الذين تمردوا على الله ... وعندما علم يونان ذلك من هذه الرسالة سينمو الشر لإسرائيل ، لذلك اعتقد أنه لن يذهب لتنفيذ المهمة "( يونان 1: 2 ). انظر أيضًا أورشليم تلمود ، سنهدرين 56 ب ).
في تلك المناسبة ، قال الحاخام مئير ويزر بأروع شيء: "أراد الله أن يُظهر أن آشور لها حق أعظم من إسرائيل. أن الآشوريين سمعوا كلام النبي وتابوا ،ولكن إسرائيل تشددوا ( وأداروا  أعناقهم ولم يسمعوا "(مالبيم ، المرجع نفسه. انظر أيضًا شموت رباح ، 45 أ). ولما كان الأمر كذلك ، فإن الأشوريين في هذه الحالة هم النموذج والمثل الذي يجب أن تحذو حذوه إسرائيل. إذا قاموا بهذه التوبة ، فسنقوم نحن أيضًا بنفس الشيء. لا يوجد مثال آخر في الكتاب المقدس بأكمله حيث يخدم شعب آخر نموذجًا جديرًا لسلوك إسرائيل. علاوة على ذلك ، فإن التوراة تحذرنا في مناسبات عديدة "لا تفعلوا. ولا تسلكون في فرائضهم "(لاويين 18: 3) وفي مكان آخر يقول" هوذا شعب يسكن وحده ولا يحسب بين الأمم "(عدد 23: 9). لكن هذه القاعدة ربما لها استثناء أيضًا
الاستثناء هو أهل نينوى والآشوريون. ولعل هذا ما قصده التوراة بالقول " لمن أعلى الصخور أراه، ومن الآكام أبصره" (في العبرية، "لنرى" هو أيضا آشور ). لذا نحن جميعا مأمورون بالنظر مباشرة إلى آشور..
مكانة نينوى السامية في نظر الله وفي عيون إسرائيل ينعكس أيضًا في تقليد القابالا.
كتب الحاخام مناحيم مندل شنيرسون يجب أن تعلم أن يونان هو سر الملكوت ، وأن نينوى هي سر الملكوت ، وبالتالي تسمى نينوى" المدينة العظيمة " لذلك كانت خطاياهم تعتمد على التوبة عند خمسين بابًا للحكمة. وهكذا فإن يونان هو نينوى ، لأن التوبة في بنا "(كتاب ليكوتيم ، يونان 1). يعرف أي شخص على دراية بشجرة حياة الكابالا (إيلان هافروث) أن البينا ، التي تمثل نينوى ، هي واحدة من أفضل ثلاث ( سفيروت- إنبثاق). ومن ثم فإن أحد أعظم قادة اليهودية الحسيدية يمنح "المدينة العظيمة" عاصمة مملكة آشور، مكانة عالية في النظام .
ونهاية القصة معلومة: " قام يونان وذهب إلى نينوى حسب قول الرب ... وابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم ، فنادى وقال: أربعون يومًا بعد ، وتنقلب نينوى. فآمن اهل نينوى بالله. ونادوا بصوم ولبسوا المسوح من كبيرهم الى صغيرهم ... ورأى الله اعمالهم انهم ارتدوا عن طريقهم الرديء. وتاب الله عن الشر الذي قال انه يصنع بهم. وهو لم يفعل "(يونان 3: 3-10). كما ترسخت قصة النبي يونان في التقليد الآشوري. مع تشابه كبير مع اليهود ، يحتفل الآشوريون أيضًا بباعوثا دنينوى كل عام في الصوم والصلاة التي تستمر ثلاثة أيام. هذا مثال آخر يمكن من خلاله التعرف على التقارب الهائل بين الثقافتين. لكن قبل كل شيء ، جاءت قصة النبي يونان وإنقاذ نينوى لتعليم نموذج الضمان المتبادل بين الشعبين ، وهو ما أوصينا به حتى اليوم. تعتبر لجنة إحياء لغة أراميت- أشوريت في إسرائيل نفسها السفيرة الإسرائيلية الحديثة للأمة الآشورية. خيا اشور ، خيا إسرائيل.

د. يعقوب معوز هو رئيس لجنة إحياء اللغة الآشورية الآرامية في إسرائيل وناشط في تعزيز العلاقات الآشورية الإسرائيلية. ومحاضر في الفلسفة اليهودية

19

ثلاث مناظر من مسرح الحياة
المنظر الأول - تمرنتُ على تحسين خطي بمساعدة كراس لتعليم الخط العربي للخطاط المشهور محمد حسني. وكنت اكتب العديد من العبارات والأسماء والجمل وكل ما يخطر في بالي لإسقطها على الورق وتتحول الى لوحات من الخطوط الفنية الجميلة، ومن خلال مراجعتها، أقيس تقدمي وتطوري في هذا الفن. ولم أكن أعلم بأن العبارات ستُدل بشكل أو بآخر عن ما يتلجلج في داخلي لا أرادياً. وحينما أراد أحد الأصدقاء الإطلاع على تجاربي في الخط، وبدأ قراءة النماذج من الكلمات والجمُل، صعقني بصوته المذعور وهو ينظر من النافذة الى الخارج بقلق : ما هذا ؟ ماذا تعني بالجيش الآثوري المقاتل !. ( لا أدري ان كان هناك جيش غير مُقاتل !.) وأجبته بصوت مباشر وصارم : مجرد تمرين على الخط ولا أقصد شيئ !. ولكنه وبعد دقائق من الشرود، إستفاق من ذعره وإستقرت وإنتظمت موجات الوعي لديه وتوجه نحوي قائلاً : أنا معكم، سجلني !. وختمت جوابي له بعد ان استنفذت مني السُبل لإزالة هذا الإبتلاء : صدقني لا يوجد هكذا جيش.. على كل حال الله كريم، لنحصل على السلاح اولاً !. ولكنه هّز رأسه يميناً وشمالاً وبنظرات من الشك مستنكراً نكراني وخرج مُسرعاً . وبعد أيام ألتقى بي وأكد هامساً في إذني بان عدد من الأصدقاء يودّون الإنضمام إلينا، ولم يدر في خلدي يوماً أن أسجل هذا ( المنجز ) في ديوان حسناتي ومناقبي!. . ومرت السنون وعلمتُ بأن هناك عدد من القوميين المندفعين مسوقين بالحماس والفنتازيا خلقوا تنظيمات بسابق من الوعي والترصد بعناوين براقة دنكوشيتية فارغة من المضامين، وكنت أعتقد بأنه هذه تجارب وقتية إنزوت وتوارت بعيداً في زوايا الإهمال من ذاكرة التاريخ، ولكني فوجئت بأنني أتعايش مع منتوجات تسير في أطلال تلك الأيام ، تم إعادة تركيب وجمع قطعها المتناثرة، لتباع في سوق الأحد بأسعار زهيدة أو مجانية ليجعلوا هذه العناوين البراقة فتاشات تشعل الفتايل النفطية الدخانية ! ليتم إستخدامها كمادة للتفاخر والتسلق وتسجيل النقاط وبناء مجد زائف !، وكذلك من أجل تجييش العواطف الملتهبة نحو شخوصهم التي لا تعرف بأنها لا تعرف معنى الكفاح والعمل التنظيري والتنظيمي المتصل بالواقع المُعاش والمُمارس تحت الشمس. هذه الإندفاعات المنفلته تضيع في عوالم إفتراضية، وكأنها شخابيط على سطح المياه الآسنة، ولا علاقة لها بالعمل القومي- الوطني الحقيقي لا من بعيد ولا من قريب، ولكنها وللمصيبة ولحظنا العاثر، شحنت العديد من الأفراد الى الحد الاقصى وخلقت أمامهم غمامات ضبابية، منعتهم من الرؤية الواضحة لحقيقة المأساة وحجم القضية وأُطرها وحدودها،لانها تطالبهم بما هو غير مُستطاع وتضع أمامهم خطط إعجازية سرابية تجعلهم يصدمون ببعضهم البعض ويتراوحون في مكانهم أمام الجدران الوهمية العالية وينزون بعيداً، بعد أن فقدوا البوصلة وخط المسير، فيعزف الضحايا عن المشاركة ويلعنون اليوم الذي عرفوا هذا الخط والعمل القومي- الوطني فينالهم السُبات، وينضمون الى ضحايا آخرين.
المنظر الثاني - عموماً وليس تعميماً، البعض ممن اراد الإنخراط في العمل التنظيمي القومي الوطني في خدمة الأمة وقضيتها، جاءوا حاملين معهم رواسب من  الاساليب والكليشيهات التي عفى عنها الزمن وتعفنت، فتراهم يجتهدون ويفتّون ويجادلون في الأمور ولا يصغون ولا يسمعون، ويتصرف الواحد منهم بما لا يملك من صلاحيات، ولكنه يبدأ كلامه النرجسي المعطوب مع الآخرين وكأنهم يعملون عنده ومتفضل عليهم  بـ( قررنا أو نريد منكم أو يجب عليكم وماذا نعمل لكم أكثر ! ). وحينما يقع في المطبات فاما أن يتشّدد ويصّر على رأيه، أو يلوم التنظيم وقيادته التي لا تفهم مثله أو بإنها  لم  تعلّمهُ !. هذا البعض يخلط أحياناً بين العمل القومي التنظيمي السياسي والطيبة الإيمانية الكهنوتية، فلا تحصل منه لا على حق ولا باطل، كما يخلط بين الإنتماء للسبط ( العشيرة ) والإنتماء الى الأمة، لا بل الأسوأ فهو ينخرط مع البعض من أبناء عشيرته للسيطرة على التنظيم وفرض قيمها البالية وفرضها على إسلوب العمل وبنائه التنظيمي والعلاقاتي مؤدياً الى إبتعاد أبناء العشائر الأخرى عن العمل القومي وحتى عن التواصل الإجتماعي معهم.. أما علاقته مع الكنيسة !، فحدث ولا حرج، تراه شاهراً سيفة ضد هذه الكنيسة أو تلك مبتدأً من البطريرك مروراً بالمطارنه والقساوسة وأبناء الأبرشية، فهذه الكنيسة عميلة للخارج وتلك للحكومة والأخرى تقويمها خطأ ولا يجوز حضور قداسها الا من باب الإضطرار ولقاء الأصدقاء!.
المنظر الثالث – التواصل الحقيقي والطبيعي بين البشر لا يقتصر على حركة الرأس واليدين والكتفين فقط، بل يتعدى ذلك الى تعابير الوجه وطبقة الصوت ونغمته، وأهمها لغة العيون والتي نستشف منها الصدق والفرح والحزن والعاطفة وغير ذلك. التواصل الطبيعي بين البشر وهذا يؤدي الى إختراق الرأى الآخر وأيصال النقد والتقييم الى الهدف بشفافية وتأثير، ولكن عند وجود خلل ما أوعيب في الجسد أو في الفكر يضطر صاحبة الى التخفي ولبس القناع والإنبطاح تحت إسم مستعار للتعبير والتشفي والمبارزة في المواقع الألكترونية على طريقة الزورو. ولكن هذا الرجل المقنع أو تلك المُقنعّة التي تكتب بإسم الذكور، يضعون إحدى أقدامهم على العتبة والقدم الأخرى متأخرة الى الوراء وجاهزة للفرار في أية لحظة. ويفسرون كل شئ بنظرية المؤامرة ويشيعون الشك والوسوسة حول كل شخص وحول كل نظام وتنطيم، ويحتاطون بشدة وحذر، ويعيشون في كهوفهم المظلمة متعلقين بسقوفها. وقد لا يعلم هؤلاء المقنعين الأشباح إن إسلوب اللص الظريف إن كان ملائماً في الماضي فهو اليوم قد ولّى، ومن يمارسه عليه أن يراجع طبيب نفسي ويشكي من حالته والتي تُشخّص بأنه ( يعيش الحاضر بعقلية الماضي )!. وسيرى كل رعاية ودعم وترحيب وإحترام الى أن يعبر المرحلة، فهو أخ  وابن البيت القومي، وموقعة المناسب لا يزال شاغراً وينتظر عودته والظهور بوجهه الجميل وأسمه الصريح المُعبر عن ذاته المخفية أسلوبه هذا لن يعفيه من المسؤولية. وليُشمّر هؤلاء عن سواعدهم للعمل مع الجميع بكل شجاعة و ثقة وإحترام للذات، لإنتاج كل ما هو خيّر وتقدم وإزدهار الأمة والوطن. فالقضية ليست حكراً على أحد. ولكن الخائفون لا يصنعون الأمجاد.

20

مسيرة وأحداث 1984 لشعبنا وللحركة الديمقراطية الآشورية
•   الايام والساعات الثقيلة التي كانت تمر هباءاً، جعلت نبض المشاعر الإنسانية المُعطلة كالحب والكره والأمل والإشتياق لدى السجناء تتراكض بعيداً في مدار الغليان المكبوت حيناً، والى الداخل نحو مدار الإنجماد المكتوم حيناً آخر، ولكنها تحترق وتتلاشى جميعها في النهاية!. وحالات القلق السائدة هذه، جعلت البعض من النفوس الضعيفة المُستسلمة تنهار وتتجه نحو الوقوع في فخ التعامل وتقديم الخدمات لإدارة أمن السجن.. وكان ضابط أمن السجن طالب منّا المساعدة والعمل كوكلاء لهم مقابل بعض قطع الخبز المضاف فوق الوجبة المعتادة، وإجابتنا لهم تلخصت بالقول: نحن لا نفيدكم، فإن كان هذا ملائماً لنا ومقبولاً، فالفرصة كانت سانحة سابقاً ولما كنا هنا كنزلاء في السجن!، أما مجرد وجود فكرة القيام بمراقبة بعضنا البعض أو نزلاء السجن، فهي مزحة سمجة وقبيحة لا تستسيغها الإذن البشرية السوّية بتاتاً. 
•   من الأمور الغريبة والطريفة أيضاً، هو توقعّنا يوم وتاريخ تحررنا من السجن، وذلك بإستخدام الحسابات الفلكية الغيبية  والنظام العددي الستيني النهريني، ومراقبة الفلك بالإمكانات والمعلومات المتوفرة، وإجراء عملية حسابية بسيطة والأخذ بالحسبان إقتراب المذنب المنقذ هالي ( شالمو- شلاما ) من الأرض، وكذلك قراءة ومراجعة رؤيا يوحنا اللأهوتي حول رقم إسم الوحش. حددنا تاريخ خروجنا، بذلك قبل الموعد بأكثر من إسبوع تقريباً عام 1986، وهو ما تم بالضبط، حيث صُدر قرار العفو ثم الخروج بعد انقضاء 666 يوماً وهو العدد المشؤوم بحسب الفلكيين من الكهنة الكلدان قديماً ، ومعروف عند المتابعين للحضارات القديمة السومرية والبابلية والأشورية.
•   خرج المئات من أبناء شعبنا في دول المهجر أمام السفارات والقناصل تضامناً مع الأحداث التي جرت لشعبنا في الوطن. كما أقيمت الندوات والمحاضرات التعريفية بمسيرة الزوعا وأخبار الوطن، والتي حضر البعض منها قياديون من الحركة، وبدأت النواة الأولى لتأسيس تنظيمات من المؤازرين لمُساندة فعاليات الحركة الديمقراطية الآشورية في الوطن، واللجان الخيرية والنسوية والشبابية والطلابية والفعاليات المختلفة في الوطن.
مُدان ومجرم الى يوم القيامة!.
•   بعد أشهر من خروجي من السجن، لم تستكن دائرة أمن الأنبار عن الإستمرار في المتابعات والتحقيقات عن أفراد العائلة والأقارب والبحث عن تنظيم الحركة في الأنبار.. أُستدعيت الى دائرة أمن الأنبار، وتم فتح إضبارة جديدة وإعادة التحقيق من قبل معاون مدير الأمن. ثم قُدّم المحضر الى مدير الأمن في الغرفة المجاورة الذي فتح الباب بقدمه بقوة، ثم رمى الإضبارة في وجهي قائلاً :
- الى متى تكذب ؟. يا ... ( كلام بذئ وشتائم )، بسببك صارت الأنبار منطقة محسوبة ضمن دائرة ونفوذ حركتكم الرجعية المرتبطة بالأجنبي !!. أتعتقدون بإنكم تستطيعون إسقاط نظام القائد صدام حسين.؟ لا أنتم ولا غيركم، وللعلم نحن نعلم أسماء التنظيم واحداً واحد، ونراقبهم على مدار الساعة من قبل عناصرنا، وأي تحرك مشبوه منهم يميناً أو يساراً، سنقوم بإعدامهم أمام السينما ( دائرة الأمن في الرمادي مجاورة لمبنى دار السينما ).
هذه الأساليب أعادتني الى أجواء أيام المحنة  في الأمن العامة وسجن أبو غريب. أجبتهُ بهدوء محاولاً إطفاء فورة الغضب والعنجهية لديه :
- ما دمت تعرف أسماء التنظيم وتراقبهم، فما المطلوب منّي ؟!. وتعلم جيداً بأنه قضيت مدةً بحسب الحكم الصادر من محكمة الثورة وخرجت منها بعفو، فإن كنتُ ما زلت متهماً فلماذا أطلقوا سراحي ؟. أجابني بعاصفة قوية من الكلمات المختلطة بالسباب واللعن والعصبية المنفلتة من عقالها :
- أنت كنت ولا تزال متهماً ومداناً، وسنتعقبك الى يوم القيامة، ولن نقفل ملفك الا في حالة واحده وهي فرصة أخيرة نعطيها لك إن تعاونت معنا وساعدتنا في مراقبة الاعضاء والمتورطين من المُغرر بهم.
- وكيف تثقون بي وأنا لا زلت متهماً ؟ أيعني هذا بأنكم ستراقبون سكناتي وحركاتي إسوة بباقي المشبوهين!؟. كما إني ومن جانبي إن رأيت أي حالة لا تعجبكم، فأني سأتعاون معكم في حلها بالنصائح والدعوة بالكف عن الأمور التي تضرهم قبل غيرهم ! لكي لا يقعوا بمصيبة لا تُحمد عقباها دون الحاجة بأن أكون وكيلاً مُسجلاً لديكم . سمعت قهقه قويّة بنغمة السخرية من معاون مديرالأمن الذي كان واقفاً خلفي قرب الباب. وبحدقات واسعة مفتوحة ترشقُ شرراً  إقترب منّي :
- ساغلق الملف، واُرسل كتاباً الى بغداد بأنك متعاون!. خذ هذا الظرف وأفتحه في البيت. إخرج من أمام عيوني. وفي البيت وجدت مائة دينار في الظرف، ( أدركت حينها بأن كُلفة إغلاق الملف مئة دينار تُعطى لي !.)
•   اثناء محاكمة رموز النظام البعثي بعد السقوط، صرخ سيئ الصيت حاكم محكمة الثورة عواد البندر: الله أكبر أين العدالة في محكمتكم؟!. أنظروا مَن يتكلم !. إنه ( حفيد حمورابي )! الحمل الوديع، خبير العدالة والإنسانية! تم إعدامه مرّة واحدة، بينما جرائمه وقرارات الإعدام التي أصدرها بالآلاف، وهذا ما جنته يداه إن كان يكفي، ليس تشفياً بل رغبةً وأمنيةً صعبة المنال يحتاجها العراق بإلحاح، بأن يتم إشاعة ثقافة حقوق الإنسان الضرورية للجميع، لدى الحاكم والمحكوم وتغليب قوة القانون والعدالة في المستقبل.
 
قصة القسوة والتحدي، تُستحضَر وتُكتب بالحروف والكلمات بأدوات جامدة لا روح فيها، كالقلم ولوحة مفاتيح الحاسوب، ولكنها قد تستطيع نقل خلجات القلوب والمشاعرالحّية حينما يتم التقمّص والتسلل في عمق الحالات، لمعايشة الأشخاص الذين تحولوا الى مجرد شواخص وأشكال مهاجرة ونازحة داخل وطنهم، كائنات مسلوبة المقومات الحياتية الضرورية، مع توّفر نفحات روحية وجدانية نعيش معها وبها متنقلين بين السطور والعبارات، وكذلك بالإستعانه بالروح القومية والوطنية وأمنيات التحرر والغد الأفضل.  فالمعاناة والجهد والتحدي والمقاومة كانت متفاعلة ومُعاشة لدى الرفاق الذين ورثوا الأصالة الرافدينية بالفطرة أولاً ثم بالوعي المكتسب ثانياً. فقضية العراق من سومر وبابل وآشور كطائر العنقاء، تتراوح بين النهوض والسقوط  والإحتراق والبعث ما بين الرماد.
ولا يزال هناك موقعاً شاغراً جاهزاً في كل زمان ومكان تحت إسم ( البطولة ) لمن يريد أن يحتله، بأن يتسلق بنفسه نحو القمم دون الحاجة الى أن يسحب الآخرين نحو القاع ليتساوى معهم !. وجميعنا بإنتظار هذا البطل المُنقذ الذي له خارطة طريق ويحمل في جبينه وشم الجدارة ونكران الذات، وما علينا الا أن نتبع  خطواته بلا تردد، على ان يتجاوز الأنا والظواهر الصوتية المصحوبة بالروائح الكريهة التي تزكم الأُنوف، والتركيز على الأفكار والمبادئ والثمار وليس الشخوص والأشكال!.
•   هذا ما شاهدته ونقلته وأعتقدته، وهو نداء لعله يكون مفيداً لجيلنا الجديد الموعود، أو كل ما أستطيع نقله في هذه المرحلة ما دام الذهن لا يزال متوقداً. ( إنتهى ).

https://ankawa.com/forum/index.php/topic,999062.0.html
 الجزء الثاني إنقر :
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,999317.0.html
الجزء الثالث إنقر :
3 ) سرديات/ التَوق الى قمم الجبال من وراء الأبواب الموصدة (ankawa.com)
الجزء الرابع إنقر :
4) سرديات/ مسح الغبار عن الصور من الحياة اليومية في المعتقل (ankawa.com)

21
مسيرة وأحداث 1984 لشعبنا وللحركة الديمقراطية الآشورية
•   بدأنا نشهد بعض المظاهر ومحاولات الهيمنة الحزبية للمنتمين الى الإسلام السياسي  بحجة تطبيق الشرائع الدينية وفرضها بالخصوص من المتعصبين منهم، وفيها الكثير من المبالغة والتصنّع والنفاق والتظاهر أمام الآخر المختلف. وبتنا نعاني من الإزدحامات في الحمامات والمغاسل خصوصاً فترات الوضوء لتأدية الصلاوات، مع الخوف والهاجس الهستيري ( وسواس قهري ) لدى بعض السجناء من الإقتراب منّا وملامستنا ( ليبقى طاهراً ولا تبطُل صلاته ) كما يعتقد. وفي فجرأحد الصباحات وقد نهظت كالعادة على صوت المؤذن عبر المكبرات وهو يدعو الى الصلاة، لاحظت ان السجين الجالس قرب إحدى السماعات يحاول العودة الى النوم، قلت له مازحاً : الجميع ذهب الى الصلاة عداك، أنت باق اليوم بدون صلاة ؟. ضحك مجيباً : آني مو مسلم يا إبن الخالة. أجبته مستفسراً : يا إبن الخالة ؟! ماذا تقصد ؟. رد قائلاً: أنا من جماعة يحيى إبن خالة المسيح، مندائي يعني صُّبي وإسمي نهاد وأريد أنصحكم لأن ظروفكم ستكون صعبة في هذه الأوضاع لا محالة. صادقت نهاد خرجنا عدة مرات، وإعطاني الكثير من التفاصيل وبالخصوص عن السجناء المؤثرين والمتحكمين على حركة الآخرين، وأخبرني بأن أهم الشخصيات المتحكمة والمحترمة من قبل الجميع هو حجة الإسلام الشيخ علي الحُـر. وبعد عدة أيام، طلبت من أبو صابر ( إحدى الشخصيات المؤثرة في وسط الشيعة ) لقاء الشيخ، وكان رده إيجابياً مشترطاً أن تكون سرية وبعيدة عن أنظار إدارة السجن والمتعاملين معهم من الوكلاء.
•   ذهبت الى قسم الجملون الثاني لمقابلة الشيخ، وإندهشت للعدد الكبير من السجناء أغلبهم أعضاء الأحزاب الإسلامية، وهم في حركة دؤوبة واحاديث من سرير الى آخر. مع نقاشات يتخللها صياح وضحك تشعرك وكأنك في سوق وبازار كبير وكأن لسان حالهم يقول ( حشرٌ مع الجماعة عيدٌ ). كان الشيخ حينذاك أحدب الظهر ويقارب الثمانين من العمر كما يبدو وقد يكون شكله هذا نتيجة التعذيب !. وله زاوية خاصة للجلوس ومقابلة الأتباع والذين  يخدمونه ويهتموا بشؤونه، وأمامه سجادة ممتدة متوسطة القياس. نهض من مكانه من وسط ثلاث وسادات ليسلم عليّ. وبعد أن إنتهى من الأسئلة الروتينية قال لندخل في الموضوع.. ودار بيننا الحوار التالي وبالفصحى أحياناً :
-   هل أنتم تنظيم الجيش المريمي كما نقل لي أولادي في السجن ؟!.
-   لا ابداً.. نحن أعضاء الحركة الديمقراطية الآشورية.
-   ها .. تنظيم جديدة ؟
-   نعم تنظيم جديد لقضية قديمة. وأخذ يُحدق بسقف الجملون كأنه يتمم مع نفسه سأل:
-   ما موقفكم من الدين ؟ عَلمانيين ؟
-   ليس بالضبط، نحن أهملنا وتجاوزنا المصطلحات ومعانيها لكي لا نقع في دوائرها وشبائكها المهلهلة.
-   كما تعلم فإن المجاهدين في حزب الدعوة، يجاهدون من أجل الوعد الإلهي وحكم لله وشريعته السمحاء والعدالة. وكأنه فتح شهيتي للحديث :
-   الحمدلله، ما دام الله عادل، سنرى عدالته في مواقفكم ومعاملاتكم معنا كأتباع لدين وإثنية عراقية مختلفة. وبالخصوص في قضايا النجاسة والطهارة التي يراد منها أذيتنا وعزلنا، وكأننا لسنا عراقيين ومنتهكين من النظام، و بما لا يتوافق مع الوحدة المنشودة في عمل المعارضة العراقية!. بدت على الشيخ علامات الإرتياح لأهمية الموضوع وإسترسل شارحاً الإشكالات والملابسات والأصول الدينية لها والتي يرعاها المسلم الملتزم, والتي إنبثق منها ما يحسها الإخوة المسلمين الشيعة من المسيحيين، ومن المذاهب الأخرى وإختتم قائلاً :
-   بدون زعل، نحن لا نجامل في الدين. انتم تعتبرون النبي عيسى إبن لله وهذا كفر. ونختلف في قول إنجيلكم المحرف! ( من ضربك على خدك إعط له الأخرى ) لأن هذا ينافي عقيدة الولاء والبراء والجهاد. شعرتُ حينذاك بأنني حُشرت في مساحات ساخنة، لم تكن من أهدافي قط الولوج فيها :
-   إنجيلنا لا يقول عيسى المسيح إبن الله فقط بل جميعنا أبناء الله وحتى سماحتك. وهي تسمية لاهوتية يتحكم في تفسيرها روح القدس .. روح الله ( كما يعتقد الشيعة ). الا تتذكر سؤالك لي في بداية الحديث : هل أنتم تنظيم الجيش المريمي كما نقل لي أولادي في السجن ؟!. هل هم أولادك حقاً، ام ان حبك الشديد لهم وإرتباطك الروحي الإيماني بهم جعلك تسميهم أولاداً، والولادة كلمة أشنع وأصعب وأخطر من البنوة التي تعني المُلكية بمعناها العام، كأن يقول العراقي أبو البيت أو أبو الشربت وابو التكسي ، وهذه عبارات لا تعني الأبوة الحقيقية لأنها تتنافى مع الواقع والمنطق وكذلك حينما نقول: هذه من بنات أفكاري!. كما وأن القرآن يقول بأن ( الإنسان خليفة الله على الأرض )، وكأنه يقول إبن الله على الأرض،  وكما هو متداول من العبارات الشائعة والمتكررة عند الجميع حينما يقولون ( شنو خلّف فلان أو خير خلف لخير سلف ) ويقصدون أبنائهم. دفع الشيخ هواءاً ساخناً من رئتيه، أعقبها بحسرة طويلة وشهيق عميق. وبعد لقائي الثاني به وبعد حوار طويل, نهض وبظهرة المحدودب، وعانقني بحرارة  مع دموع تجري في أخاديد العمر من على وجهه، وكانت دموعه غالية عندي، وتمنيت لو كان الجميع مثله. وعلمت لاحقاً بأنه من أتباع المرجع الديني الشيعي ابو القاسم الخوئي، ونظرتهم الى النجاسة والطهارة أكثر إنفتاحاً وتفهماً.
-    كيف نناديك بأي لقب . أجبته بدون تردد:
-   ينادوني أبو مريم .. وهكذا إستحدثتُ إسماً حركياً جديداً عند التعامل مع أعضاء حزب الدعوة في السجن، هو أبو مريم. وبإختصار كانت نتيجة الحوارات إنها تركت أثراً إيجابياً لطبيعة العلاقة، وتحولت الى صداقة وإحترام بين أعضاء الحركة مع السجناء الإسلاميين في المعتقل. وعشنا بسلام وهدوء أكبر. خصوصاُ بإن علاقتنا مع الأعداد المحدودة من أعضاء الأحزاب الكردية والشيوعيين والسنية كانت طبيعية وبدون أية إشكالات.
•   رغم محاولاتنا التوازن في العلاقة ما بين الإسلامين من جهة وبين الشيوعيين والحزب الإسلامي السني والأحزاب الكردية، الا ان تفاعل الشحنات السلبية فيما بينهم والإصدامات، جعلتنا نقيس الإمور بدقة أكبر. ففي أحد الأيام هجم بعض المتعصبين نحونا ومحاولة القيام بالإعتداء على أحد زملائنا، بسبب ما وِرد لديهم من معلومة تشير الى قيام أحد الشيوعيين بإهانة الفكر الشيعي بوجود زميلنا مرافقاً له في ذلك الظرف. مما جعلنا نقف موحدين للدفاع عن زميلنا برد كلماتهم الحادة والمناقشات والصياح بما يقابلها بالمثل، وتم حل الموضوع بتدخل الشيخ علي الحُـر.
•   العلاقات الإيجابية كانت السائدة، وإستمرت مع جميع السجناء وبمختلف مرجعياتهم الإيدلوجية، فالمعاناة والجوع والتوق الى الحرية، أذابت التعصب والمجادلات العقيمة، وإتخذ الجميع من حيث يعلمون أو لا يعلمون، هويتهم وعنوانهم الأساسي الا وهو الإنتماء الى الجنس البشري والإنساني. وإستمر الروتين والملل والقلق والبحث عن المصير، ينخر رويداً في خلايانا وآمالنا وطموحاتنا، لولا إنشغالنا بإمور البيع والشراء مع العدد المحدود من السجناء، وذلك من خلال البسطية ( بطانية أو ملاءة متوسطة الحجم )، نضع عليها معروضات للبيع تهم السجين، مثل خيوط الغزل  وصنارات للحياكة والمسابح وقواعد بلاستيكية لأحذية الگيوه, وإقمشة ملونة وأصماغ لصناعة علب الهدايا والمجوهرات، ولا زالت العديد من العوائل والإصدقاء تحتفظ  في بيوتها وعلى الجدران بمحافظ نسائية ولوحات تم عليها حياكة شعار النجم الآشوري وايقونات ورموز دينية  وشعار الحركة الديمقراطية الآشورية وخارطة العراق. وهذه المنتوجات كانت مصدر للإشارة والتذكير بالزمن الصعب وأيام المحنة، لمجموعة أرسلت رسالتها للعالم : لن تستقيم أحوال البشر إن بقيّ هناك فرد أو مجموعة إنتُهكت حقوقها. ( يُتبع ).
لقراءة الجزء الاول إنقر :
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,999062.0.html
 الجزء الثاني إنقر :
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,999317.0.html
الجزء الثالث إنقر :
3 ) سرديات/ التَوق الى قمم الجبال من وراء الأبواب الموصدة (ankawa.com)

22

مسيرة وأحداث 1984 لشعبنا وللحركة الديمقراطية الآشورية
في قسم الأحكام الخاصة، وضِعنا في قاعة كانت تُسمى المطعم الثاني، وعند دخولنا لأول مرّة، ساد صمت مطبق على السجناء، وقف الجميع عن الحركة، وأخذوا يُحدقون بنا، بعيون متساءلة تُدقق في تفاصيل وجوهنا وأجسادنا لعلهم أرادوا معرفة  قضيتنا.! تنفسنا الصعداء، أخيراً إنتهت ملحمة الكوميديا السوداء في محكمة التهريج الثورة مع الثنائي عواد وعبود، مع خسائر لا بد منها لمن لا يريد أن يعيش أبد الدهر بين الحفر.  وبدأت ساعة الشروع للإنطلاقة الجديدة لملحمة شعب تواق للتحرر والعيش بأمان في الثُلث الأخير من القرن العشرين. وتفرّغ الجميع للمراجعة والتقييم ونقد الأخطاء لتوفرالوقت وعدم الإنشغال بمسؤوليات الحياة اليومية المُلحة. وكانت أحلامنا وأمانينا تكبر وتجتاز جدران المعتقل الى فضاءات أرحب. وبسبب ملابسات إختلاف الدين وإشكالية المعتقد مع الأغلبية الشيعية، تم تخصيص موقع منعزل في نهاية القاعة، ولكنه كان الأفضل ما فيها، ويتكون من أرضية خشبية مرتفعة بمتر تقريباً عن الأرضية الكونكريتية للقاعة، وتجري تحته الجرذان والصراصير بحرية وينتعش فوقه القمل وأُرُضة الخشب وحشرات الأِسِرة والبطانيات، وكان هدفنا في الشهورالأولى التعريف بقضيتنا لزملائنا السجناء من الشيعة وأغلبهم من حزب الدعوة الإسلامية والحزب الإسلامي ( الإخواني ) وللشيوعيين وللأكراد من جميع قاعات وأقسام السجن ( الأحكام الخاصة ). كانت المواجهة الأولى, من قبل الأهل والأقارب والأصدقاء، بمثابة مهرجان مملوء أجواءه بالعواطف والمشاعر النقيّة الأصيلة غمرت الجميع. وأغلبهم من المساندين والعاملين والداعمين للحركة، وسميتهم حينذاك ( العاملون في الخطوط والخنادق الخلفية ) لأنهم أوصلوا لنا آخر أخبار الحركة والمواقف الإيجابية للعديد من النشطاء القوميين وحتى العاديين الذين يعيشون حياتهم بنمطية وروتين، وحينما فارقونا في المواجهة الأولى بقلوب تتنهد من الحزن، رجعنا الى أماكنا مخذولين من الم الإفتراق .. جلستُ وأغلقت عيوني، ووجدت نفسي مُعيداً صور وتفاصيل اللقاء بالأهل والأصدقاء ومتساءلاً عن الغائبين عن المواجهة، ومع ألأخبار الإيجابية للحركة الديمقراطية الآشورية التي وصلتنا أخيراً ، ووجدت نفسي مُحلقاً ومستعيراً لحظات من زمن الحرية، عشتُ لحن بيتهوفن بسمفونيته التاسعة الرائعة إنشودة الفرح والتي معناها :
يا أصدقاء .. ليلحق بنا كل من لديه روح البهجة للحن جديد
من أي مكان حول الأرض
وليخسأ كل من حاد عن الطريق، ليبتعد مذموماً عن تجمعنا.

بعودة الروح، والشعور بنبض الحياة من جديد
بعد ما يقارب الشهر إلتحق بنا ( نابليون وأبلحد وروبرت ) وهم رفاق حملوا السلاح لحماية قرانا من الأعمال المنفلتة. وتم إطلاقهم من زنازين الإعدام نحو المؤبد، ونقلوا تفاصيل مثيرة عن ما كان يجري هناك. وكانت أخبار المآسي والكوارث والضحايا المرتبطة بالمعارك مع إيران تطغى دوماً على الإهتمامات الأُخرى، وكنا نسمع الكثير من التفاصيل الكارثية المعاشة من الزوار، ونتبادل المعلومات والأخبار مع السجناء الآخرين، وكثيراً ما قيل لنا : أنتم محظوظون لبقائكم في السجن في هذه الظروف الصعبة، لأنكم بعيدون عن خطر المعارك !. ولكن لم يكن هذا ما نبحث عنه، لان الحرية أثمن من أي شئ آخر. وفي مناسبة أخرى، تحدث مدير السجن الذي شاهدناه لأول مرة عن حزنه وحنقه من بقاءنا أحياءاً متنعمين بينما الطيبين البعثين ! والمخلصين يموتون في جبهات القتال مع إيران. وبعدها تبين إن صدام ( لم يُكذب الخبر)!، إذ أصدر قراراً بالعفو العام عن المسجونين من السياسيين، وذلك وسط غمرة الإحتفالات بعيد ميلاده في نيسان 1986، وتم إخراج الوجبات تباعاً. وبعد خروجي، واخذت إجازة لثلاث أيام قبل الإلتحاق الى أفواج مهمات خاصة بالمسجونين، وبعد أقل من شهر من التدريبات العسكرية المُركزة، سُيقت الى الخطوط الأمامية الساقطة عسكرياً وسط الألغام شمال نهر جاسم، وهذا القاطع كان مُستهدفاً من قبل الجيشين العراقي والإيراني على حد سواء. وقُتل العديد من السجناء من الفوج الذي كنت أنتمي اليه خلال المعارك التي أُشُركت فيها مرغماً ومنهم من كانوا زملاء في السجن. وبالنتيجة لم يكن أمامي من سبيل سوى محاولة الإلتحاق بمقرات الزوعا في قرانا شمال العراق. ولكن المراقبة المستمرة للعائلة، والزيارات الغير مُرحب من عناصر الأمن حالت دون ذلك، مع مراجعات مستمرة لهم في كل إجازة، وتم وضع أسماءنا في السيطرات على طول الطريق نحو كركوك والموصل مما جعل الأمر صعباً. لذا وضعت ملابس مدنية في حقيبتي محاولاً الإلتحاق بالمعارضة والحركة الديمقراطية الآشورية في أورمية في ايران. ( سيتم تفصيل ذلك لاحقاً ).
مسح الغبار عن الصور والذكريات من الحياة اليومية في المعتقل 
                                                   
•   بعد أن تفرقنا الى غرفتين من زنزانات الأمن العامة، إكتشفنا طريقة مبتكرة للتواصل بعضنا مع البعض عبر الجدار الفاصل. كتبنا بالحفر الأبجدية السوريانية  ܐ ܒ ܓ ܕ ܗ ܘ ܙ  على صابونة الرقي المكعبة، ووضعنا أمام كل حرف رمز محدد له, ܐ : خط واحد و ܒ : خطين ، ثم ثلاثة وبعدها نقطة واحدة ونقطتين وهكذا .. وكنا نُسمع رفاق الغرفة المجاورة بالخط على الجدار أو الدق بحسب الحرف لتتكون الكلمات، ثم تأتينا الإجابة بالمثل. الا أن صوت الحك والدق على الحائط كان يخترق هدوء الليل، وكشفَنا ضابط الخفر بمتابعة الصوت الذي يخرج من غرفتنا في ويشق صمت الزنزانات والممرات، مد الضابط رأسه من المنفذ الصغير للغرفة ورآني ( بالجرم المشهود ) وبيدي الصابونة، وسأل عن مصدرالصوت، وأجبناه : صحيح نحن أيضاً سمعنا أصواتاً ولا نستطيع أن ننام، لا ندري ليست من عندنا، وتظاهرت بالنهوض قائلاً : أقوم أدخل أسبح !.
•   بعد المحاكمة ووصولنا الى سجن ابو غريب، أدخلونا الى المحجر قبل أن يهيئوا لنا موقعاً في القاعة، وهي غرفة صغيرة فيها عدد كبير من السجناء. وجلسنا جميعاً مُنهكين من صدمة قرارات المحكمة مع شعورعام بألم في الركبة، وحينما جاءت الوجبة الغذائية ووقفنا في الدور، جاء أحد المسجونين وبصلافة حاول تجاوز دوري. سحبته بقوة من قميصه الى الوراء فسقط على ظهره وهو يصيح : انا محكوم سبع سنوات، ويجب أن أكون الأول في الدور !. مسكته من يده وأمرته ان يجلس قرب الباب لأنه سيخرج غداً !. ( گوم أُگعد يم الباب إنت باچر طالع، لأن إحنا محكومين بالمؤبد يا أبن !.).. هذه كانت رسالة للحاضرين من جهة، ومؤشرعلى ما قد نعانيه من مصاعب مستقبلاً من هكذا نماذج من جهة أخرى.
•   بعد أن استقر الوضع بنا في قاعة ( المطعم الثاني )، أستلمنا ملابس السجن الجديدة الجوزية اللون، وجمعنا ملابسنا الوسخة للغسل، وفي فترة الخروج اليومي، لاحظت ملابسنا مكوّمَة بعيداً عن ملابس السجناء الآخريين، أقتربت من الشخص الذي سيقوم بالغسل والجالس أمام طشت كبير، وخاطبتهُ قائلاً: أخي أرجوك إغسل ملابسنا على حدة ولا تخلطها مع الملابس الأخرى، لأننا نريدها طاهرة بحسب ديننا !. وبدا لي إنه فهم رسالتي بإبتسامة ساخرة مخفيّة.
•   إضافة الى الأهل والأقارب، زارنا العديد من الناشطين القوميين والمثقفين وكان بينهم رابي منصور روئيل، وهو مثقف وناشط في النادي الثقافي الآثوري، ونقل لنا رسالة أبوية من قيادات كنسية تعهدت بالدفاع عنّا وإخراجنا بشرط البراءة من الحركة ( إن وافقنا على ذلك ). وكانت إجابتنا : وماذا عن المحكومين بالإعدام ؟. ثم إن دخولنا الى السجن من أجل حقوق قومية ووطنية مشروعة، ولن نخرج حتى لو فتحوا لنا أبواب السجن دون ذلك !.
•   عايشنا الألم والمعاناة ولكن مع مظاهر الإباء والعزيمة المبدأية الواضحة عند الرفيق روميل بنيامين بعد فقدانه لشقيقه يوبرت، وكذلك الرفيق رعد إيشايا وشقيقته السيدة مي إسحاق لفقدانها زوجها ورفيقها، ولمست المبدأية العميقة والشجاعة لشقيقة الشهيد يوسف توما زميلة الدراسة والوعي القومي السيدة أميرة، وما سمعناه عنهم لاحقاً من مواقف صلبة بعد تنفيذ الحكم، ومصيبتهم كانت مزدوجة بسبب أولاد الخالة الشهيدين يوسف ويوخنا. ( يُتبع )
لقراءة الجزء الاول إنقر :
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,999062.0.html
لقراءة الجزء الثاني إنقر :
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,999317.0.html

23
مسيرة وأحداث 1984 لشعبنا وللحركة الديمقراطية الآشورية
بعد نقلي مُكبل اليدين الى الأمن العامة في بغداد، تم ربط قيودي بانابيب مقامة أفقياً على طول الجدران في ممرات الدائرة مع رفاق آخرين من الحركة الديمقراطية الآشورية، ممن أُلقي القبض عليهم من مختلف المدن والمحافظات العراقية. وخلال التحقيق من قبل نقيب الأمن إدوار تم الضرب بالقابلوات الكهربائية والعصى واللكمات والصفع على الرقبة من الخلف والصعقات بشرارة قوية بيضاء بالعصا الكهربائية والتي تصيب الجهاز العصبي بأكملة وتؤدي الى دوار وخمول وفقدان عن الوعي لثوان، وكان منحى الأساليب الوحشية يتصاعد طردياً مع كل صمود ومجابهة و زوغان والإنفلات عن الأجابة التي يبغونها. وأنكر الشهيد يوبرت معرفته بأي إسم لعضو من أعضاء منظمة الأنبار وكان مُحقاً في ذلك . وأكثر ما أفقد أعصاب المحقق النقيب إدوار هو عدم إعترافي بأسماء منظمة الأنبار، وحتى الأسماء الأربعة الذين ذكرتهم بعد معاناة كانت من البعثين والمتعاونين مع دائرة الأمن والذين يستطيعون من الخروج من التهمة ببساطة، وأحدهم كان عربياً مسلماً والآخر مقتول في حرب العراق وإيران دون أن أعلم, وحينما جابهني المحقق بالمعلومات المغلوطة بعد أيام، وأخبرته بأنه هو من طلب أسماء أصدقائي، وهولاء الذين ذكرت هم أصدقائي وأنكرت معرفتي بوجود منظمة للحركة، ولست مسؤولاً عنها، سحبني من القيد المحيط بيدي اليسرى بمساعدة أحد العناصر الذي أخذ يصيح بهستيرية مع مسبات وسخة تدل على تربيته الراقية!. وسحبني من يدي نحو الأعلى ليربطها بأعمدة مقامة متحركة مقامة على سقف الغرفة، مؤدياُ بذلك الى جرح ودماء على رسغ يدي اليسرى. حينها أدركتُ في داخلي بأن المحقق لا يبحث عن إجابات كما يدعّي، بل مجرد التنفيس عن الساديّة والولع بالتعذيب. لأن الإسلوب الوحشي القمعي والبذاءة ستؤدي الى مردورعكسي تماماً وصعوبة عملية التحقيق، فالعناد والإصرار على الموقف سيزداد حتماً، وهذا ما حصل، وقلت له بتعبير آخر: إنت تريد الإنتقام والسلام. فجرّني من إذني نحو المقعد مع صفعة من الخلف. وبادرته بالحديث عن تهمة قراءة البهرا بانها لا تعني الإنتماء، فالعشرات قرأوا جريدة بهرا ولست وحدي لأنها توزع كمنشورات أمام باحات البيوت والحدائق الخلفية كما سمعت!. صرخ : إسكت انا الذي أسأل. ولم يكن الوجِع والألم والقليل من الدماء  يحز في نفسي، بل الإهانه والتسقيط والألم النفسي هو الأشد تأثيراً وضرراً. ولكن ورغم عدم وجود أدلة مادية ولا إعترافات ولا مستمسكات ضدي، الا إنه تم زجي في غرفة لا تزيد عن ثلاثة أمتار في أربعة، مع مجموعة من رفاق الحركة المُنهكيَن من الأساليب الوضيعة هذه من تنظيمات بغداد وكركوك والموصل الذين أنهوا التحقيقات أيضاً، وكانت الغرفة تشمل على مرافق مفتوحة وبعرض 80 سم، وبسبب الإزدحام، تم تقسيم الموجودين الى وجبتين، الوجبة الأولى تظل واقفة عدة ساعات الى أن تنهض الوجبة الثانية من النوم أو من الجلوس! وهكذا .. وكانت أجساد النائمين تلامس بعضها البعض والرؤوس تستخدم أقدام الآخرين كوسادات للنوم بسبب ضيق مساحة الغرفة. وبسبب الحرارة والرطوبة, ظل الجميع مجردينَ من ملابسهم والبقاء بالملابس الداخلية، وإستنشاق الهواء النقي على الدور من المنفذ الصغير على الباب الحديدي، وأحياناً كانت تُشغّل أجهزة التبريد المركزي ويضطر الجميع الى التغطي بأوراق صحيفة الثورة خصوصاً في الشهرين العاشر والحادي عشر، والأحساس بالبرد القارص إزداد سوءاً وشدةً بسبب الجوع وقلة المناعة، حيث كانت الوجبات الغذائية تتكون من صحن بلاستيكي من شوربة العدس وقطعة صغيرة من الخبز تُقدم مرتين في اليوم. وهذا لمدة تقارب الاسبوع، وبعد إنتهاء التحقيقات تم تقسيمنا الى غرفتين متجاورتين وبذلك حصلنا مساحات أكبر للجلوس ومد وإطلاق أرجلنا عند الجلوس والنوم .
أمام محكمة الثورة وعواد البندر.. أمام من كان الخصمُ والحكمُ
تم إرسالنا الى محكمة الثورة سيئة الصيت بداية الثلث الآخير من تشرين الثاني ( نوفمبر ). ودخلنا قاعتها المغطاة جدرانها والأثاث بخشب الصاج العازل، ووقفنا أمام هيئة المحكمة بملابسهم الزيتونية بصفين، وجلس القاضي ( الحاكم ) عواد البندرفي الوسط وعلى جانبيه بمسافة المدعي العام وكاتب المحضر، وقرأ المدعي العام لائحة الإتهام بصورة جماعية ضد الموجودين من أعضاء الحركة الديمقراطية الآشورية، وشرح رجعية الحركة وعمالتها للأجنبي وللعصاة والخارجين عن القانون وخيانتها للوطن!. وطالب بأقصى العقوبات.  ودخل المحامي عبود الموّكل من قبل المحكمة بعد إنتهاء قراءة الإتهام مسرعاً ومقتحماً القاعة، مرتدياً عبائته السوداء بطريقة عبثية. ورغم إننا لم نكن قد إلتقينا بهذا العبود، إلا إنه وافق فحوى الإتهام المنسوب إلينا مع إضافة بسيطة وهي إن الثورة والقائد قلبهم كبير ورجاء إعطائنا فرصة أخيرة للعودة الى الصف الوطني والرجوع والتوبة لاننا ( مُغرّر بنا )!.                           
بدأ الحاكم بسؤال الأعضاء وبحسب الدور وبالترتيب, فالحُكم كان جاهزاً وليس على الحاكم سوى قرائته. :هل أنت مذنب أم برئ ؟ وكانت الإجابات متفقة على محور مشترك، وهو من حقنا المساعدة والدفاع عن وجودنا وصمود وبقاء شعبنا في قراه بسبب الظروف العسكرية والخسائر في الأرواح وكذلك النزوح بسبب الدمار وهدم البيوت وأماكن العبادة التاريخية نتيجة الخوف والجوع وتحطيم المنازل، وبما لا يتناقض من سياسة الدولة في إستتباب الأمن، وليست هذه الاعمال مناوئة بأي شكل أو آخر ضد السلطة الحاكمة. وحينما جاء دوري, سألني الحاكم عواد : وأنت الهارب من العسكرية، هل أنت مذنب أم برئ ؟ أجبتهُ : أنا برئ ولست هارباً بل العكس فقد أُعُتقلت خلال إدائي خدمتي العسكرية، ونحن نقوم في خدمة أبناء شعبنا في الشمال وإنقاذهم من الأعمال المنفلته عن القانون ودعمهم للصمود والبقاء، وهذه الإجابة أزعجته فصرخ بعصبية وبصوت عالٍ : أُسكت!.
الـدم أقسى شاهد على المبادئ والحقوق

كانت المحاكمة سريعة، وتم تلاوة قرارالحكم والمتضمن الحكم بالإعدام شنقاً غيابياً على من أسمتهم بالمتهميَن الهاربيَن ( يونادم كنا و كيوركيس رشو )، وبعدها قرار الإعدام على مسؤولي تنظيمات بغداد وكركوك ونينوى، والمؤبد ومصادرة الأموال المنقولة والغير المنقولة على أغلبية الأعضاء، وبعض ألاحكام الأقل على البعض الآخر. وكان لسماعنا قرار الإعدام بحق رفاقنا ( يوبرت بنيامين ويوسف توما ويوخنا أيشو ) صدمة شديدة أصمّت آذاننا عن سماع بقية الأحكام التي صدرت ضدنا حينذاك. وبعدها تم نقلنا بمركبة للأمن على شكل حاوية مغلقة، بإتجاه سجن أبو غريب، حيث تم فصل الرفاق يوبرت ويوسف ويوخنا عن البقية، وأقتيدوا الى زنزانات الإعدام، حيث أودعناهم بنظرات الموآساة والحزن بكلمات وأصوات مكتومة وضعيفة تُعبّرعن أملنا ورجاءنا بأن لا يتم تطبيق الحكم، وتجسدت أمامنا سخرية الأقدار، تلك الأقدار التي تجعل الجلاوزة وأولاد حارات بغداد وعصابات ( حُنين ) تحكم بالموت على أبرياء لم يكن ذنبهم سوى المطالبة بحقوق آشورية وعراقية مشروعة. تم بعدها نُقلنا نحو سجن ابو غريب قسم الأحكام الخاصة. ولم تنقطع أخبار الرفاق من زنزانات الأعدام، إذ كنا على تواصل مع أخبارهم من خلال السجناء الذين كانوا يُرسلون لتنظيف الأقسام الثقيلة والإعدامات. ولكن وفي الأيام العشرة قبل تنفيذ الجريمة ضدهم، لم نكن قد سمعنا شيئاً عنهم لعدم تواجد سجناء من قسمنا ( الأحكام الخاصة في تلك الفترة ) للتنظيف في زنزانات الإعدامات, ولكننا سمعنا من قبل الأقارب الزوار الذين جاءوا للمواجهة. وحينذاك غلب الغضب على الحزن، ووصلنا الى طريق اللا رجعة تماماً. وأعتبرناها خسارة جولة، ولن تكون الأخيرة.. موضوع الشهداء الخوالد اصبح تاريخاً وكفاحاً مدوّناً بسطور ملهمة بطعم التضحية والكفاح ونكران الذات، وتصاعد مستوى الشعور بالألم من مجرد رفاق عايشناهم وعرفناهم في حياتنا الى ما هو أكبر، وهو قمع الأصوات وأنتهاك الأعراض وتدمير المجتمعات، والمطالبات بحياة حرة كريمة، وبالنتيجة تجسيد لمكابدات الأنسان العراقي إبن سومر وبابل وآشور. كما يرتبط الموضوع بقضية متصلة بشكل أو بآخر بأقوى الحضارات المستقلة الأصيلة التي حكمت أرض بلاد ما بين النهرين، الا وهي الامبراطورية الآشورية. وعندها أدركنا بان قضيتنا كبيرة جداً، وينبغي أن نكون بحجم المسؤولية.  كان الشهيد يوسف في هدوءه يحمل الكثير من الحكمة والوعي بقصص الشهداء وحركة الشعوب نحو الانعتاق، وكان ينصح بتأجيل الحديث عن الشهادة الى أن تتوفر مستلزمات الشهادة وتتكامل عن وعي وايمان واستعداد وتضحية لان الشهادة تأتي في المراتب العليا من الوعي القومي والسياسي، وإنها ستأتي بعد نضوج ومعايشة المفردات التنظيمية والثقافية. وكان الشهيد يوخنا يعيش معاني الشهادة في التفاصيل اليومية لحياته، ويدرك تماما همجية النظام وإسلوبه القمعي، ولكنه كان يتمنى أن تتاح له فترة أطول ليقدم المزيد من العمل لصالح القضية.. شهداءنا ساروا بخطى واثقة في طريق التضحية، مدركين تماماً مقدار الثمن المطلوب دفعه، وكانوا يعلمون بأن ذكراهم ستظل حية في القلوب وبأنها ستظل ذخراً هادياً وخميراً حيّاً لرفاقهم وشعبهم، وكانوا على حق، إذ ظلت المسيرة قائمة وساروا أخرون على خطاهم . وكانت دماءهم ومعاناة المعتقلين أحد أهم القوى الوجدانية المُغذية الدافعة لقضيتنا نحو حقوقها، وذلك بإندفاع رفاقهم وإصرارهم على المداومة في العمل القومي والإخلاص ونكران الذات، وكان إلتحاق عشرات الشباب الشهداء بمسيرة الألم خير مصداق على ذلك، ونعتبر هذا واجباً لا يُناقش وهو أيمان ذاتي نجد أنفسنا فيه ونجدها فينا, وليس فضل ولا منّة على أحد، الا إذا أراد معاداتنا، وهذا لم يحصل الا من أشباح ضعيفة تسبح في أفق الفنتازيا، سقطت سهامهم عند أقدام المُخلصين وذابت، بل التراجع والإنكفاء والقفز من القافلة في وسط الطريق هو الشاذ في حساباتنا.(يُتبع).
لقراءة الجزء الاول إنقر :

https://ankawa.com/forum/index.php/topic,999062.0.html

24

مسيرة وأحداث 1984 لشعبنا وللحركة الديمقراطية الآشورية
من الأخير أتعهد :
(( لوعادت بنا آلة الزمن الى عام 1980, لأخترنا وبدون تردد نفس الطريق الصعب الذي سلكناه )).
 إشتركت في تأسيس منظمات المدن والاقضية للحركة الديمقراطية الآشورية منذ بداية الثمانينات وكان عملي مُنصّباً على محافظة الأنبار, وتكوّنت خيوط تنظيمية من مدن الحبانية والخالدية والرمادي, وكان جُل إهتمامنا هو السرية في العمل وأخذ كل الإحتياطات اللازمة للإبتعاد عن كل ما قد يفضح التنظيم, وذلك حرصاً على سلامة الرفاق ومستقبلهم ومصيرعوائلهم , وإن كان الجميع يشك بشكل أو بآخر بأن هناك عملٌ قومي يجري, بالخصوص إن أغلب أعضاء الحركة كانوا من المستقلين وهم مُراقبَون حتماً , والى أن يتم  زيادة الوعي والتحصين القومي- الوطني وإتقان الممارسة التنظيمية الضرورية وزيادة قوة الإصرار والتصدي لديهم, إرتأينا الأخذ بكل مقومات السرية والتقيُّد بالسبل الممكنة لإبعاد الشبهة وإخفاء التحرك مرحلياً فترة التأسيس مدركين تماماً بأننا عاجلاً أم آجلاً ستتم الخطوة العلنية الضرورية للإنتشار والتي لا بد منها لاحقاً. لذا وفي البداية كان الإرتباط خيطياً على أمل أن يتحول الى تنظيم هيكلي مستقبلاً, وكان التنسيق يتم مع منظمة بغداد ومسؤوله الشهيد يوبرت بنيامين نتيجة البعُد الجغرافي, وخصوصاً إيصال الإشتراكات وإستلام المنهاج والتعليمات الصادرة والنشرات الدورية ونشرة البهرا التي تم توزيعها لعدة عناصر قومية موثوقة, وتكونت لنا علاقات ممتازه مع الكنيسة التي لم تتردد في الوقوف معنا من خلال القس واللجنة الفرعية ولو من بعيد, ولم نكن نرغب في توريطها في الأمور الحزبية, لعلمنا جيداً بكونها مكشوفة لدى الأجهزة الحزبية والأمنية. كما كانت لنا إتصالات مع المساندين والمؤازرين ومع الذين يحملون مشاعر وآمال قومية ووطنية. كما أنُشئت علاقات ودّية مع بعض كوادر الأحزاب الإسلامية ( الشيعية والسنية) المعارضة وبعض الأصدقاء البعثيين الناقمين على السياسات المتهورة لصدام وتحويله الحزب الى دوائر قمعية للأمن والمخابرات والتي من خلالهم أصبحنا متواصلين مع الحدث العراقي ومتغيراته.
مطاردة وإعتقال في الشوارع والبيوت
مع إستمرار العمل التنظيمي, تصاعدت شدة المراقبة والمتابعة من أزلام النظام لتنظيمات المدن والمساندين لها, وكذلك ملاحقة العديد من الأعضاء والمؤازرين والنشطاء في المؤسسات والنوادي والجمعيات والكنائس, خصوصاً بعد توارد أخبار عن الكفاح المسلح المقاوم من قبل أعضاء الحركة الديمقراطية الآشورية في مدن وقرى شمال العراق. أخذت أجهزة النظام تعهدات خطّية من العديد من الناشطين بعدم مناوئة حكومة الثورة وأمينها العام صدام!, وكانت المقاومة المسلحة للشهداء الأوائل للحركة الصديق والرفيق جميل متى وشيبا هومي في قرية هيجركي والذين سقطوا في إشتباك مسلح ضد قوات النظام,  أدت الى شحن وتوتر أكبر لدى سلطة النظام . وفي نيسان من عام 1984, عُقد إجتماع لتنظيمي بغداد والأنبار لدراسة موضوع الشهداء الأوائل واخذ العِبر منه والخطوات الوقائية والدفاعية اللازمة الضرورية لعبور تلك المرحلة بعد, وإنتهى الإجتماع برفض التوقف عن العمل القومي- الوطني وتحّمُل ضغوط المراقبة من أجل إدامة المسيرة, لأن المبدأ الحقيقي والأخلاص لدماء الشهيدين جميل وشيبا يدعونا للإستمرار رغم زيادة الإعباء, وكان الشهيد يوبرت يقول : التهديدات هي  مجرد إمتحان لإلتزاماتنا بالقضية والتنظيم, وإذا تم الإعتقال فهذا سيؤدي حتماً الى الإعلان الرسمي عن وجود مسألة وحركة آشورية أمام العراقيين والعالم. وكان الشهيد يوبرت مستعداً للشهادة مدفوعاً بعمق إيمانه بالقضية , وكان يكرر بأن الخوف من الموت يؤدي الى الرضوخ والسكون والضعف أمام الانتهاكات وإبقاء الحال على نفس المنوال , ويردد مراراً بأن القضية لكي تعيش تستوجب بان يضحي أبناءها ( الثورة تأكل أبناءها ) . وتم إلقاء القبض على الرفيق يوبرت في سوق الآثوريين في الدورة عند تسليمه لنسخ من صحيفة ( نشرة ) بهرا للمُندس النكرة شموئيل جيري , وذلك في أواسط تموز 1984, وجرت تحركات ونشاطات عديدة من قبل الأعضاء والمؤازرين وعوائل الرفاق لإخفاء المناشير والمواد الإعلامية, وقام آخرون بالتخفي والإبتعاد عن المدن الرئيسية. وتم وضع نقاط أمنية وحزبية لمراقبة المساكن وتقاطع الطرق في مناطق سكن المُراقبين والمشبوهين ! إضافة الى إستدعاء البعض منهم الى الدوائر الأمنية. ومن جانبي أعلمتُ رفاقي في منظمة الأنبار بأن عملنا سيتوقف مرحلياً والى إشعار آخر وبأنني الوحيد الذي يعلم بإنتمائهم وليست عندي أية أدلة مكتوبة أو مستندات تُدين أحداً, ولهم الحرية في الإبتعاد أو البقاء . وواظبت على الدوام كسعكري في قاعدة تموز الجوية, ولم أرغب طبعاً نقض إتفاقي في إجتماعنا الأخير والمتضمن رغبتنا في مواجهة السلطة وإعلان إسم حركتنا أمام الملئ. وبعد عدة أيام من إعتقال الشهيد يوبرت, تم إستداعي لمقر الإستخبارات وإبلاغي بأنني مطلوب في الإستخبارات العامة في بغداد للأجابة على بعض الأسئلة ( العادية )!. وعند وصولي وانا معصوب العينين بقطعة من القماش, بدأ عنصران من قوى الإستخبارات بضربي بعصا على ظهري والركل والصفع والآخر بمجموعة كبيرة من المفاتيح المرتبطة بحلقة حديدية للزنزانات على رأسي. ويبدو إن مهمة ضابط الإستخبارات كانت محددة وهي تسليمي الى الأمن العامة, لانه سأل عدة مرات عن طبيعة التهمة الموجهه لي !. ثم أُودعت في غرفة وسخة مساحتها مترين ونصف بمترين, وفي اليوم الثاني أُرسلت الى مديرية الأمن العامة في الشعبة الخامسة والمختصة بمن سَموا بالرجعية , وفي قاعة كبيرة شاهدت مجموعة كبيرة من المعتقلين وفيهم مَن إتهموا بجرائم مخله بالشرف والمخدرات والسرقات.
نقيب إدوار من الحرس القومي البعثي الى ضابط أمن !.
المعروف إنه في الستينات تشكلت مجاميع من الشباب القومي البعثي تحت عنوان الحرس القومي السيئ الصيت, وإشترك معهم المدعو كامل العلي سليمان, وكان يحمل مسدساً ويتجول ( صائعاً متسعكاً ) مع شلة من المراهقين! العروبيين بلباس عسكري ومسدسات في شوارع الحبانية وتعلّم الآثورية كعادة عرب واكراد الحبانية, وتحدث بها بطلاقة, وكانت مهمتة في الأمن العامة التعامل مع القضايا المتعلقة بالقضية الآشورية والمسيحية, بعد أن إتخذ لنفسه إسم ( النقيب إدوار ) كعنصر أمني, لينال ثقة المتهمين والمراجعين لدائرة الأمن. ومن جانب آخر أراد إدوار الإستفادة من علاقاته مع الوسط البعثي من أبناء شعبنا واللامنتمين الى مبدأ وفكر لمتابعة الطاقات القومية النشطة, ومع البعض الذين نسميهم وبدون تردد بالسُذج المرعوبين من السلطة وأجهزتها القمعية وكان على رأسهم المدعو شموّيل جيري الجبان الرعديد, الذي قادته ضحالته الى التعاون مع الأمن لإعتقال الشهيد يوبرت في الوقت المناسب وبحوزته جريده بهرا كدليل. ( يُتبع).

25
إجتهادات من خارج الصندوق: التاريخ ذكر كل شئ ما عدا الحقيقة
آشوريات عراقية
في قيظ الحبانية اللاهب, فتحتُ باب البيت رداً على دقات خفيفة سمعتها يصعوبة. وهالني منظر شخص صغير العيون وكأن النعاس قد نال منه , سلمني كتاب صغير للانجيل وتوارى مبتعداً , علمت لاحقاً بأنه كان مبشرٌ كورياً.  فتحت الكتاب المقدس بدون تردد وبدأت القراءة, وكانت الكلمات من آواخر رسالة الرسول بطرس الشيخ ( شمعون) الأولى من الإصحاح الخامس : 13- كنيسة بابل, وهي مثلكم مختارة من الله , تسلم عليكم.  ܒܝܗܒܼܐ ܝܠܐ ܫܠܡܐ ܐܠܘܟܼܠܘܢ ܥܕܬܐܓܘܒܝܬܐ ܕܓܘ ܒܒܼܠ ܘܡܪܩܘܣ ܒܪܘܢܝܼ . وبعد سنوات أخذت أشعر حينذاك ونتيجة هذه الآية بأننا شعبٌ مختار تابعين لكنيسة مختارة !. الى أن كانت المفاجأة المحبطة حينما قال قس كنيستنا بأن بابل تعني روما ! وكان ردي بعناد بابل تعني بابل . ولم أفهم كيف يكون المقصود مدح كنيسة روما بتشبيهها ببابل الساقطة والمرذولة ؟!. كما إن الكثير من المصادر التاريخية الكنسية تشير الى أن الرسول شمعون كيبا لم يذهب الى روما أصلاً. وبالمقابل ولتعظيم كنيستنا لمار شمعون الرسول حمل بطاركتنا الأجلاء اسم شمعون وأحياناً سُميت بالكنيسة الشمعونية, وتابعة الى بابل ( المدائن).
 إستمرت رحلة المعاناة وهواية البحث لمدة قاربت النصف قرن في محيط التراث الديني والتاريخي لحضارة العراق منذ سومر وبابل وآشور ، وكانت عملية صعبة ومهمة تبدو مستحيلة وكأنها البحث عن إبرة وسط كومة القش , واليوم وبسبب التطور التكنولوجي يمكن جلب الإبرة بقليل من المعاناة والكثير من الذكاء والوعي , شرط أن يُرفع غبار الكسل والطمأنينة والنمطية الفارغة والإغفاء والتوسد بأريحية بما هو موجود . ورحلة البحث هذه ليست مستحيلة إن تم مسك رأس الخيط وسحبه بعيداً عن كرة خيوط النسيج المتشابكة, وإيجاد الطريق العلمي الأكاديمي الأمثل للبحث, آخذين بنظر الإعتبار إن التاريخ كتبه المنتصرون لغايات ونوايا شريرة, فسرقوا تاريخنا وقسموه بينهم , فالجميع كتب تاريخنا والتفاصيل الدقيقة إلا نحن !. والحضارت الإنسانية العظيمة لها من يظهرها ويبرزها للبشرية لوجود من يدعمها من قوى ودول وسلطات, فحضارات الصين ومصر واليونان والرومان لها من يدافع عنها ويقدمها للعالم وتاريخ حضارتنا ليس لها معين ولا مساند, مما يستوجب بان يكون جهدنا مضاعفاً وبعملية مستديمة يكملها الجيل القادم والذي بعده . وإتخذتُ في فهمي للتاريخ  منهج الفصل بين الإيمان وحقائق التاريخ, فالدين رسالة الهية أخلاقية مهمة للإنسان, بينما التاريخ هو عمل بشري يتاثر بالحروب والمجاعات والأمراض والكوارث وفيه النادر من الحقائق المُغلفة بتفسيرات مبهمة وركيكة والكثير من الأوهام وروايات وحكايات شعبية متوارثة شفاهياً لا قيمة لها. وهناك مظاهر عديدة وإشكاليات جمة تقف أمام الباحث المتصدي لهذه المهمة, تجعله يضيع في دوامة وزوبعة من الأكاذيب والخطأ.. ولكني بالتجربة وبما يتعلق بتاريخ سومر وبابل وآشور, وجدتُ ان المفتاح الرئيسي لفتح الابواب الحديدية الموصدة الصلدة للتاريخ هو اللغة السوريانية ( السورث ), فمنها يمكن فهم معاني الكلمات والمقاصد الفكرية والحضارية لما يقال في التراث الآشوري العراقي والهلال الخصيب بل وحتى الأوربي, وعلاقة ذلك بالأديان وحركة الشعوب الى حد بعيد.. والمفتاح المهم الثاني لفهم التاريخ الحضاري, هو الإطلاع على كيفية إبتكار ونشوء الأسماء من مصادرها الأولى, وهو علاقة الارقام بالحروف ( حساب الجمل ) بحسب النظام الرقمي الستيني ( السومري البابلي الآشوري) والتي يتم من خلالها فتح الطلاسم وأحياناً الفلكية المخبوءة لمعنى أسماء المدن والأشخاص والمعتقدات الغيبية.
 ومن أهم الإشكالات الكبيرة التي وقفت عثرة أمام البحوث الجدية :
أولاً : إشكالية تشابه أسماء المدن والإشخاص وتكرارها في مناطق مختلفة وبلغات مختلفة كاليونانية ( الكريكية- الكيوركيسية ) والفارسية والعربية, مما يضع الباحث أمام جدران من الصعوبات والعوائق لا يمكن القفز والدوران حولها, فتأثير اللغة ينقل القصة والرواية الى نكهة وطعم وروح مشابهة للغة المنطوقة أو المكتوب بها, وكثيراً ما كنا نحس بالغربة أمام المعروضات المقدمة بلغات أخرى.
ثانياً : بسبب الحروب والجفاف والقحط وتغيير مسارات الأنهر , إندثرت مدن عديدة  كانت عامرة في الماضي ولها الدور المؤثر للأحداث التاريخية والحضارية, وبغيابها إنتقلت موروثاتها الى مدن أخرى وأصبحت الجديدة هي الصاحب الشرعي لها !. وبالتالي الغرق في دوامة العجز واللافهم ثم العزوف عن المتابعة.
ثالثاً: إشكالية غياب الربط المنطقي الصحيح بين الأساطير القديمة المؤسسة والحضارات والمفاهيم اللاحقة, وإطلاق اسماء جديدة لابطال الملاحم, وتحويل وتشويه الغايات الحقيقية لتلك الاساطير, مع الحرص الى حد الهستيريا من مس المقدس والتراث المنقول شفاهيا من الأباء والأجداد. 
رابعاً: إشكالية في عدم إمكانية إستيعاب وفهم الفترات الإنتقالية في الحضارات والدول, من سومر الى أكد وبابل وآشوروسيطرة الكهنة الكلدان وتأسيس أول دولة دينية يحكمها رجال الدين وتابعة بشكل وآخر الى الفرس, وبعدها الميثرانية الى الزرادشتية المجوسية والى الغنوصية والمانوية ( المسيحية) والمندعية الصابئية ( الناذرين – الناصورائيي - النصارى) والمسيحية الشرقية في المدائن وحدياب وأورهاي, والى الإسلام الأموي والعباسي وهكذا .
خامساً: إشكالية ندرة المصادر والمخطوطات المتعلقة بتاريخنا, وعمليات الحرق والتدمير والنبذ والإهمال التي قامت بها الإحتلالات المتعددة, إضافة الى بعض رجال الدين من جميع المذاهب والأديان الذين إعتبروا هذا التراث يتعلق بالأجداد ( الكفرة)!, الذين عبدوا ملكهم الذي حوّله الله الى ثور مجنح !.
سادساً: إشكالية العديد من الأسماء والعناوين العامة المشتركة والمنتشرة على نطاق جغرافي وزماني كبيروالتي تستخدم بشكل موسع على أشخاص وشعوب مختلفة , مما يجعل الباحث يخلط فيما بينها ولا يمكنه الفصل بينها الا بعد شق الانفس.
ومن المهم البحث عن خارطة طريق للوصول الى معرفة الذات العراقية من الإرث العظيم في سومر وبابل وآشور, من خلال إكتشاف حقائق التاريخ لفهم الحاضر للإنطلاق الى المستقبل وهذه تخدم الإنسانية, فالحضارات جميعها مُلك للبشرية جمعاء.

26
جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي التي أصابت  صميم وجودنا   منذ قرون هي ضمن سياق عام واحد ينبغي تناولها كوحدة واحدة وأخذ العبرة من نتائجها , كون الضحية هي نفسها في جميع الحقب الا وهم أبناء امتنا . ويمكن تصويرها كمسلسل واحد ذو حلقات عديدة وأحداث ومعاني الهمجية وشريعة الغاب .. والأهم هو أخذ العبرة والدروس من  السرد التاريخي الذاتي وقصص المعاناة والإباء والقتل على الهوية ,  وليس كما يصفها الأعداء بضروب مهينة من الإنكار , وكذلك التعايش الفعال مع الحاضر ومتابعة النتائج الكارثية والسلبية ونبض أحفاد الضحايا وحياتهم  التي تؤشر بوضوح على حقيقة  إن غيوم الشر والإجرام والإبادة لا تزال حاضرة فوق الرؤوس وتهدد الجميع وتنتظر الوقت المناسب حسب الإصطفافات والمصالح للقوى الكبرى والإقليمية وحتى المحلية , ونتيجة الأطماع التوسعية المنتظر تحقيقها بعد نهاية فعالية معاهدة لوزان عام 2023  , ومظاهرها والتحضيرات والتحرك التركي الذي بدأ واضحاً للعيان في بعشيقة وجبل حمرين وسنجار وشمال دهوك وصولاً الى حلب السورية .
صراع المحور والحلفاء (الألماني – البريطاني ) وضحاياه
الوجه الآخر لحقيقة المجرم بكر صدقي ( خريج المدرسة العثمانية الحربية ) إنه كان رقماً سالباً قبيحاً ضمن الجانب العثماني ومؤثراً في الوضع العراقي الوليد حينذاك وبالتالي في الوضع المتأزم بين النازية الألمانية وربيبتها الطورانية العثمانية من جانب ومع بريطانيا والولايات المتحدة لاحقاً من الجانب الآخر والتأثير الكارثي للوضع العراقي العام  , حيث تناغمت أعمال بكر صدقي الإجرامية مع رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني ذو الميول الألمانية ( دول المحور )  ولكنه كان أكثر تطرفاً , وكان إنقلابه أول إنقلاب عسكري في المنطقة العربية  واصبح رئيساً لاركان الجيش عام 1936  وقُتل قبل ذهابه الى تركيا , وكانت حركته الإنقلابية  تمهيداً أو محاولةً  أُكملها الكيلاني عام 1941 بسيطرته غلى الحكم في حركة مايس المدعومة المانياً  ضد النفوذ البريطاني , وبالتالي هروب الحكم الملكي الى البصرة .
الضحايا سقطوا وليس من مُعزي ولا مُنقذ
في أواسط القرن التاسع عشر بدأت المرحلة الجديدة لمسلسل الإبادة لشعبنا مع الإخوة الأرمن من قبل بدرخان بك في هكاري وبمعاونة بعض أغوات الأكراد , وإستمرت وبعلم تام من الألمان الذين ساعدوا الأتراك لإبادة الأرمن والقضاء عليهم لخلق خطر تركي في أرمينيا . ووثقوا العمليات الإرهابية ضد شعبنا مع الأرمن  ( راجع كتاب قتل أمة ) وكذلك ( القصارى في مذابح النصارى ) , الى مذابح السوريان والموارنه  في ( سيفو ) وسفر برلك , وفاقت الإعداد أو قاربت ضحايا الأرمن الذين أُذيعت قضيتهم للعالم والحكومات والمجتمع الدولي بدعم دولة أرمينيا على أعتاب الحرب العالمية الأولى وراح ضحيتها ما يقارب 250 الف ضحية . ولم يفُرّق الجلاد بين الضحايا سواءاً أكان على المذهب اليعقوبي السورياني أو الكاثوليكي الكلداني ولا النسطوري المشرقي الآثوري !. ومن العبث الإعتماد على تسويق مفهوم إسم معين للضحية و تجزئة الموضوع . وللعلم فإن إسرائيل  إستخدمت  موضوع الهولكوست لصالحها ولم تتوقف فيما إذا كانوا الضحايا يهوداُ أم اسرائيلين أم هل هم أشكناز أم سفرديم !. وبعد سيفو ومجازر 1915 إستمرت حملات الإبادة في  سميل في عهد وزارة الكيلاني عام 1933 والتي أباد فيها 63 قرية . وبعد المجزرة  , وجه بكر صدقي تهديداً ضد بلدة القوش التي إلتجئ اليها الآف النازحين بأنها ستلقي مصير سميل ما لم يتم تسليم النازحين , غير إن تدخل بطريرك الكنيسة الكلدانية عمانوئيل الثالث توما في بغداد أدى الى العدول عن القرار وإنسحاب الجيش . وللجدير بالذكر وللإشارة الى عدم الفهم و فقدان الروح الوطنية المسؤولة  وعطب الفكر الجمعي , إن الروح العثمانية الطورانية كانت بشكل أو بآخر متفاعلة في بعض المناطق العراقية , حيث نُصبت أقواس النصر لإستقبال الجيش في الموصل التي كانت تحت تأثير تركيا  في ظل هتافات تشيد بالمسلحين و بأتاتورك . وبعدها إستمر مسلسل المذابح الجماعية في صورية عام 1969 وأصابت أبناء شعبنا من المذهب الكاثوليكي الكلداني , ثم عمليات الإبادة الإنفالية عام 1988 والتي تم فيها تدمير 31 قرية وصولاً الى إنتهاكات داعش والتغيرات الديموغرافية . لذا من الأجدر على القوى القومية – الوطنية تأسيس مؤسسات ومنظمات مختصة ومهنية تهتم بموضوع الإبادة والتطهير العرقي كوحدة واحدة لجميع المذاهب والأسماء والدورات الزمنية والمكانية والإستفادة من التجربة الأرمنية واليونانية , وفهم معاني الاستشهاد  بإسم الدين المسيحي ( كاور بلغة الجلاد ) ومعنى الإبادة العرقية وإغتصاب الأراضي التاريخية !.  بدلاً من تبديد الطاقات في عناوين عامة  لأحزاب ومنظمات حديدة لا تسمن ولا تغني عن جوع .
الإبادة الجماعية ( الجينوسايد ) مصطلح مستوفي الشروط في قضية معاناة شعبنا , وتقول  الإحصاءات التي تناولت الحربين العالميتين ( الأولى والثانية ) إن نسبة السوريان الآشوريين والأرمن كانت جاوزت 30% ولكنه ونتيجة عمليات الإبادة تقلصت الى 0.1 % .
قضية المجازر العثمانية ضد شعبنا هي قضية عراقية تتعلق بجزء أصيل من المجتمع العراقي , و ينبغي ان تُراعى من الدولة العراقية ويتم أخذها بمحمل الجد ليتم طرحها أمام مؤسسات المجتمع الدولي لإنصاف الضحايا وإرجاع الحقوق التي لا تسقط بالتقادم , وخصوصاً إن العراقيين جميعاً في دائرة الخطر من أعداء متعددين وأهمها حوادث القتل والإرهاب والفساد و صدامات العشائر والعصابات المنفلتة .
وأخيراً : رغم كل عمليات القطع والتجريف التي نالت أغصان وأوراق ثالوث شجرة الحياة العراقية منذ سومر وبابل والجزء الأخير آشور , فإن الجذور الممتدة الى أعماق الأرض والى حميع الحضارات والثقافات المتعايشة  , لا يمكن إزالتها لو إجتمعت عليها كل قوى الشر والهمجية جميعها .

27
أزمة الحركة القومية والوطنية الآشورية مرتبطة بأزمة المجتمع العراقي
التردي والإنقسام المجتمعي الحاد والمرتبط بالوضع العراقي العام  والمنطقة يضعان مصاعب أمام  الحراك  الآشوري العراقي , ولكنها لن تستطيع  الحركة من ذاتها كتنظيم تاريخي أن تفقد قدراتها  وإمكانياتها حتى لو أرادت !. لأن الأعضاء الملتزمون بالحقوق لا يمكنهم أن يغُيّروا ما بأنفسهم , لأن طريقهم مُعبّد بدماء شهداءها وجهود مناضليها وداعميها , ولأنها ليست تنظيماً سياسياً فقط , بل هي مؤسسة قومية ووطنية ترسخت ونمت وتطورت في داخل النفوس عبر ما يقارب النصف قرن , وقوتها مستمدة من جماهيريتها , سواءاً الأعضاء أو من قبل مسانديها ومؤآزريها من خلال المؤسسات والنشاطات المدعومة منها كاللجنة الخيرية التي سُجلت في مؤسسات المنظمات الدولية و كذلك إلاتحادات الطلابية المُشاركة في مهرجانات ومناسبات دولية وعالمية و النشاطات النسوية في الأتحاد النسائي و كذلك التعليم بلغة الأم والتي قاومت المصاعب و التحديات والصعوبات الكبيرة  خصوصاً من الجانب المالي وتحولت الى مؤسسة معتبرة في الدولة العراقية , وكذلك تأسيس القوة والافواج العسكرية الدفاعية  والحمايات .
ما هي حقيقة التحديات التي تجابه الحركة كفصيل عراقي متقدم نوعياً وأصيل ؟.
بعد سقوط النظام البائد 2003 , إنتقلت  الحركة الديمقراطية الآشورية كممثل للحراك الآشوري العراقي  الى مرحلة و تحديات جديدة , ودخلت  معترك معقد ومتشابك من حاجات ومتطلبات ملحة وأشكال مستحدثة من التعبئة الجماهيرية والتنظيمية والحاجة الى كوادر ومساندين حقيقيين وكفاءات تلبي حاجات المرحلة الجديدة .. وجوهر الموضوع يتمثل في إنتقال الكفاح والإستعداد النفسي من تنظيم معارض للسلطة الى معارض من موقع المشارك في السلطة الجديدة وهذه حالة غريبة وصعبة في آن واحد , وعمل مع أحزاب شحيحة الخبرة والكفاءة في إدارة الحكم ومؤسساته و التي لا تزال تفكر بعقلية المعارضة , تستمرء الطروحات القديمة , وتجتر المعروض السياسي والفكري  وأدبياتها القديمة والتنظيمية و لم توائم  الوضع الجديد وغير مطمئنة الى بقاءها . ولكي تُضمن إمتيازاتها تعاملت بإبتزاز ومحاصصة وتقسيم المقسوم  فيما بينها. وتأسست منظومة الفساد والمحسوبية, وهذه مظاهر أصبحت معروفة للجميع .
مناقشات بيزنطة وسط الأخطار المحيطة بالعراق
من المؤسف حقاً أن يغرق البعض منّا في النقاشات والجدالات التي لا طائل منها في الوقت التي تحيط بنا الإخطار من كل جانب . ولو تم التركيز عليها ستبدد كل المعارك الوهمية , فالى جانب منظومة الفساد والدولة العميقة وفقدان التعليم والصحة والزراعة والصناعة وهدر المليارات وسيطرة أصحاب القوى الغيبية , لا زلنا غارقين في  أجواء فاسدة موبوءة من آراء ونقاشات  تزكم الأنوف .. فهل نخطأ ونُتهم باننا خرجنا من السرب إن أعٍرنا بعض الإهتمام للإخطار ومنها الطموح العثماني مثلاً , أم  نعمل كما عمل أبناء بيزنطة حينما جائتهم القوات العثمانية وإستمروا في مناقشاتهم عن أصل الملائكة غير عابئين بقوات العدو ( ثم رأوا الملائكة بعيونهم ) ؟!. أم نسترجع بعض القوة من تاريخنا وحضارتنا العراقية العظيمة الأصيلة في سومر وبابل وآشور ونستنبط منها بعض الحلول لمواجهة هذه الكارثة ؟!. الحلم العثماني المتربص لشمال العراق يتمثل في سلب الموصل وكركوك وأربيل و إلحاقها بتركيا وإعادة الامبراطورية الحثية وقبائل الهون الى الوجود من جديد !. وذلك بعد نفاذ مدة معاهدة لوزان عام 2023 والتي ستجعل تركيا  أقوى دولة في أوربا والمنطقة , وأرسلت برقيتها الى العالم من خلال تحويل متحف أيا صوفيا الى جامع وإعتلاء إمام الجامع المنبر حاملاً السيف , وقد بدأت تركيا بتنفيذ مشروعها  فعلاً في العراق وسورية وليبيا وعينها على مصر ( ولها خبرة منذ العهد العصملي في إستحمار الشعوب ! ) . ومن الجانب الآخر بدت بلداننا  و دولنا وبسلطاتها ( التعبانة ) خاوية وساقطة و مسلوبة الإرادة  ولا حول لها ولا قوة .. وترحب بأي دولة تحمل راية الإسلام السياسي أو الإخواني وتقاوم بشدة الإستعمار الغربي الكافر !. ومن الجانب الشرقي فلايران طموحات قديمة في النفوذ والإستحواذ على ديالى والنجف وكربلاء وسامراء , ليتم بعدها إرسالنا الى الجزيرة العربية على الجمال – النوق ( كما صرّح أحد قادتهم ) ويحلمون أيضاَ باعادة سيطرة الساسانيين الفرس الى أرض العراق , وكأن معركة جالديران  1514  بين الصفوين والسلاجقة لا تزال حيّة ليتم تصفيتها ( في الدور النهائي ) على أرض العراق ,  وضريبتها المزيد من القهر والتخلف والمرض .
   وبينما نعيش أزمة تلوا الأُخرى , وأغلبها مزمنة ومستديمة , غزانا كوبيد التاسع عشر ليخلط الأوراق ويقلب الطاولة على رؤوس الجميع , ويجعلنا شذراً مذر . وإن نجى أحداً , فالأكيد سيكون الأصيل الحريص على مستقبل العراق وإزدهاره  صاحب الفكر النّير المتطور مع تطور الوعي والحضارة الإنسانية والعلوم . وإن غداً لناظره قريب .

28
بصوت جهوري حاد صرخ أحد الأشخاص في جلسة مع الاصدقاء حول طاولة لعب الكونكان : هل تعلمون إن روسيا نصبت صواريخ سرية تصل الى منتصف الأراضي الأمريكية ؟! وكانت الإجابة بتنهيدة وحسرة من الأكبر عمراً من الموجودين : ألعن أبو أمريكا اللي ما تعرف بالصواريخ , وخالو ( فلان ) يعرف .!. هكذا تجري الأمور عند الكثير منّا , فنحن لا نريد بل نستنكف ان نعترف بأننا لا نعرف , وكل الأسرار تجدها عندنا , وكأننا ورثنا المعرفة والإطلاع  مباشرة عن كلكامش ومن إسطورة الطوفان والتي ضمن  شعارها ( الذي رأى كل شئ ) . والمصيبة ان هذا البعض ينتظر ساعة الكارثة ولو لسنوات فقط ليظهر مواهبه التشائمية ليقول ( ها .. ألم أقل لكم ؟!. ). : نعم سمعناك .. وبعدين ؟
    بنصف ما نملك من الحقائق , ترانا نصول ونجول ونفتي ونُحلل ونُصّرح ( وماخذيها فلاحة وملاجة ) , وفي الأخير نراوح أمام  جدران الصد العالية , فنبقى نجتر المُجتر ونُفسر المُفسَر ونستهلك المُستهلك , وبالتالي تسقط  أدمغتنا في الرتابة والنعاس والخمول الفكري وبعدها في الزهايمر لا محالة  ,  لكننا لا نعلم باننا  لا زلنا في نطاق تعريف ووصف ذيل الفيل , أما الفيل .. هل هناك فيل ؟ !. كما إن الزمان والمكان والظروف الموضوعية السياسية وعلاقة الدين بالتراث الحضاري وعلاقة الثقافة بالسياسة  والحقوق القومية بالمواقف الوطنية فهي في خبر كان , وهي من الأمور التي لا ندركها ولا نصلها  ولو بعد قرن !. لأننا بصراحة لم نهظم فكرة إن عمر الشعوب لا يُقارن بعمر الإنسان , والحاجات والخطط الشخصية ومتطلباتها شيْ , والأهداف والحاجات القومية شيْ آخر , فالقضية القومية وبكل إرهاصاتها وتفاصيلها لا تُثمر خلال سنة أو عشرة ولا مئة , لانها ليست مثل معاملة الحصول على جواز أو هوية أو التخرج من الجامعة !. ولن نرى النتائج ولن تتحق الأماني في فترة حياتنا !. فالكفاح والكد والعمل الدؤوب في الدرب الصحيح لا يمكن ان يُثمر غداً أو بعد غد , فالذي يحفر ويزرع ويروي ويسهر يتميز بالصبر وطول البال والنفس لأنه يدرك عمق ومصاعب العمل , ليس مثل الذي يأتي فقط ( ببدلة ورباط وميكرفون ) ويبشرنا بالآتي عن طريق وردي , وينوي الحصاد بسرعة !.

الحركة الآشورية العراقية لم تنزل من السماء ولها أخطاءها وأن كانت تتطلع الى الأعلى !

بحسب الخبرة والمشاهدة , الذي يضحي ويعمل بصمت , لا يحتاج الى الكلام والتبرير والدفاع عن النفس , وأعضاء الحركة الآشورية العراقية هم من أبناء الأمة , ويتصفون بكل ما هو موجود لدى شعبنا سواءاً الصالح أو الطالح , والذي يعمل  يخطأ , وهناك فرق بين الخطأ والخطيئة , وبين الخلاف والإختلاف ,  ولكن الحصيلة العامة هي القدرة في الحكم والتقييم للمنصف ولمن يتجرد من نخبويته ونرجسيته و فوقيته وبرجه العاجي ,ومنهم من لا يعجبه  العجب العجاب !. وكثير منهم نصب نفسه حاكماً ومرجعاً !. وأرتضى بالنتيجة وإن صار منبوذاً غير منتجاً , ( لأنه في دواخله يعتقد بان الناس لا تعرف قيمته ) . فكم من ساعات وأيام كنا ندخل من منطلق الواجب والطيبة  في نقاش تحليلي للنتائج وتفكيك الأوليات مع أصدقاء وأفراد كنا نحسبهم مُجدّين في النقاش ويصدّعون رؤوسنا بالتفاصيل المملة , ويظهر لاحقاً ومن سيرتهم الذاتية أنهم كانوا في الماضي ( من أصدقاءالريّس ) ويلبسون الزيتوني ويتمنطقون بحزام لمسدس الطارق  في وقت متزامن مع  أعزاء إستشهدوا وآخرين سُجنوا في أبو غريب وعوائل إنفُلت وعانت ما عانت , ولكن  صاحبنا ( بعيد عنكم ) كان ( متريش و  مبربع ) يفطر يوميا مع صوت  فيروز , وفي الليل يخدم ويشارك جلسات السمر والشُرب مع عناصرالسلطة  والحزب , ولا نقصد البعثين حميعاً بل البعض منهم وخصوصاً المستسلمين والمنبطحين والمصابين بـ ( البعثفوبيا ) , وترى هذا البعض , ناكراً وبلا حس قومي أبناء أمتهُ من المُعذبين و المُطاردين وأهاليهم الى الدرجة السابعة من المراقبة والتضيق والتوقيف والطرد من الوظائف . فإن كان من حق البعض أن يُسمَع صوته ويمارس حريته في التعبير والنقد والتقييم , فمن حق الحركة القومية والوطنية عموماً أيضاً أن تسأل عن سيرتهم الذاتية , وماذا قدّموا وأين كانوا ؟. فقبل أن ينتقد التجربة التنظيمية فليراجع أولياته , وهل نفّذ واجبه القومي والوطني  ولو على قدر إلاستطاعة والإمكانية  ؟ لأن الإنتماء الى الحركة الآشورية العراقية  بماضيه السومري البابلي الآشوري  يتطلب العمل والتضحية  , وليس النفخ في البالونات الهوائية المفرقعة !, عند ذاك  من الواجب الرد على سؤالهم  السرمدي ( ماذا قدمت الحركة الوطنية الآشورية ) , لكي يكون الجواب ملائماً مع النيّة . سواءاً الطيبة أو المُبيته  !.وليست الغاية  إنتظار المدح والتقدير على واجبات ليست  فضلاً ولا منّة على أحد , ولكن المُعيب  أكل لحم الأحياء بعد أن أنهينا على الرموز القومية السابقة التي لم تسلم منّا أيضاً هي الأُخرى .

الحركة ليست تنظيما فحسب بل مؤسسة قومية .. ليس المهم ان تحبها أو تكرهها بل تفهمها .

 مواقف مسبقة هي التي تؤدي الى الوقوع في المطبات و عدم الفهم , فالبعض ينطلق من تربية عشائرية ( سُبطية –ܫܲܒܼܛܢܝܘܼܬܵܐ ) وتراه مرتاحاً ومنسجماً مع  عشيرته  ومذهبه وداعماً لهم ( ظالمين أو مظلومين ) ,او من خلال خبرة قومية متواضعة وتجارب محدودة كعضويته في لجان الكنائس او الأخويات فيحمل الحالات والأخلاق الكهنوتية والمذهبية ويصبها في تنظيمات الحركة , وهذه الحالات لا تناسب بالضرورة مع التعامل والتواصل مع تنظيم قومي ووطني سياسي . والبعض الآخر ينطلق في فهمه ومواقفة من قلة المعلومات والتي يستعيرها من مصادر غير موثوقة كمواقع التواصل الألكتروني وهواة التنقيص والتجريح ..  فمن جهة يتم إتهام الحركة بأنها تعمل للأكراد و في غيرها يتهمها بأنها تعمل للأحزاب الإسلامية !.وأخرى مع الشيوعيين وهكذا ..!. ومن تجربة العمل القومي المنظم , يمكن الحصول على ما يشبه المسطرة المعنوية التي تقيس المواقف والمآخذات المتعلقة بأصحاب الطروحات والرؤى والنصائح المجانية , وتُمكِننا من خلالها الى حد ما معرفة جديّة البعض وعقم اراء البعض الآخر , وبالنتيجة يمكن التعامل مع الأغلب الأعم منها , ولكن الكارثة التي تنزل فوقنا كالصاعقة بدون سابق إنذار هي الصادرة ممن لا يعرف ماذا يريد !. وهم لا يملكون أبعاد فكرية منتظمة يمكن قياسها ( بالمسطرة المعنوية السالفة الذكر ) وعندهم تتوقف لغة الأرقام والمنطِق والبديهيات , فهم اشبه بالحجر الذي لا ابعاد له من طول وعرض  ولا يقاس حجمه  الا بعد ان تغمره في  حوض ماء وتقيس الفرق بين مستوى الماء المُزاح ( من الإزاحة ) !.  وهم من القئة الرابعة التي قصدهم وزير الملك سنحاريب  أخيقار الحكيم بقوله : لا يعرفون ولا يعرفون بأنهم لا يعرفون !.

29
     
على ضوء مثل الأب والأبناء والعصي

مشاهد عديدة تُستحضَر وتُستل بدون ميعاد من الماضي حينما تتم أستثارة مكامنها الدفينة داخل الذاكرة  و الوعي  وذلك بتأثير كتاب أو مقال أو برنامج أو حديث معين , وتعيدك تلك الصور الى ما كنت تعتقد بانهُ مُسح ولا سبيل الى إعادته , ولكنها تبقى عملية مهمة في عملية التحصيل المعرفي التراكمي . ومما تم إستعارته أخيراً من صفحات الماضي من الزمن الجميل ما جرى قبل عقود وفي فترات محددة . إذ كنت أمارس مرغماً لعُبة التخفي والإختباء مع جارنا ( عمو يوسف الحلاق ) الذي كان يترصدني حينما أخرج الى الشارع , فيقفز أمامي فجأةً  من أمام الباب وكأنه ُصي ينتظرني لينهال بصليّة من الأسئلة العشوائية ليمتحن معلوماتي عن انبياء قصص الكتاب المقدس وشخصياته مثل الملك داود وسليمان والمزامير وغيرها . وكان يهز برأسه يميناً ويساراً حزيناً ممتعضاً من إجاباتي ومعلوماتي المتواضعة الشحيحة !.
وأكثر القصص التي كان يعيدها على مسامعي وحفظتها على ظهر قلب مثل الإناشيد الصباحية  في مدرسة النبراس في الحبانية , قصة الأب الذي أراد تعليم أبناءه أهمية الوحدة , فدعا كل ولد من أولاده الثلاث الى جلب عصا , ثم لمّها وجعلها حزمة واحده ولم يستطع أحداً منهم كسرها ولكنها ( العصي ) أصبحت سهلة الكسر بعد تفريقها واحدة عن الأخرى !. ويبدو ان المثل هذا يلائم ظروف الحرب الآنية والمعارك  من أجل التعبئة والصولات ومجابهة الغزوات . وأظنُ  ان وحدة العمل والتنسيق والإحتفاظ بالرؤى والمواقف بين الأطراف هي أهم من الإتحاد والإندماج والإنصهرار فيما بينهم .
كنت اشعر بوجود نوع من المثالية المفرطة ( الكئيبة ) في هذا المثل , ولسان حالي يقول ( إنشاءالله عمرهم ما يتحدوا ! ) . وبعد عقود من التجارب الحياتية وبالذات في الحقل القومي – الوطني , لملمتُ العديد من ( الملفات ) وخزنتها عندي كأحداث ورؤى كباقة  مقطوفة من الأيام وسنوات الهدوء والإستقرار حيناً والشقاء  أحياناً , لتتكون لديّ حزمة كبيرة من المعايير والقياسات الواقعية التي جعلتني في موضع القادر على النقد والتقييم الكافيين لأفهم المعنى الحقيقي لهذا المثل , والإسلوب الأمثل والأنسب لتطبيقه  حسب إدراكي الحسي والتجريبي الذاتي طبعاً .
أكاد أُجزم بأن الجميع سمع بقصة الأب هذا وأبناءه الذين أصبحوا ضائعين ولو الى حين  ! , والجميع يعلم أهمية الوحدة القومية والوطنية , وضرورة تجميع القوى والرؤى من أجل تكوين وتعبئة شعب قوي وفعال ومتحصن وسليم .. إذن أين الخلل ؟!.
هل الخلل في الأب ( رب العمل ) بكل ما يملكه من تراث سومري وبابلي وآشوري عريق وعظمة  ألإنجازات الإنسانية ؟.  أم إن هذا مستحيل , لأن ما قدمه غذى وأسس حضارات لاقوام وشعوب كثيرة على مستوى طول الكرة الأرضية وعرضها !. أم  الخلل في الأبناء ( العمال الفاعلون ) الذين لم يفهموا ميراث الأب وإرادته ولم يدركوا قيمة العمل ولا يملكون زمام الامر ولا خطة فعاله أو خارطة للطريق ولا يعيرون أهمية للماضي ( رغم كونه لا يزال معنا ) ؟!. أم إن الخلل ( كل الخلل ) في أدوات العمل وطبيعتها وكفاءتها ( العصي ) ؟!. وهل نلوم قلة الأدوات وعطبها وركاكة مفعولها ؟. أم نلوم قلة  كفاءتنا وخبرتنا ؟. لكن  تبقى رغبة الأب وهدفه من الثوابت و تبقى الأدوات من المتغيرات . وقد يكون الخلل ونقطة الضعف  القاتل في خطأ إختيارنا للأدوات ( العصي ) والخلط بين أنواعها وقوّتها ,  وضعف في اختيار الزمان والمكان  المناسبين , أي بين الستراتيجية ومتطلبات المرحلة .
من عصيّهُم تعرفونهم !
*- البعض من العاملين يمتاز بالنوعية النادره  الممتازة ,  يختار بوعي ومبدأية ونكران ذات العصى الصلبة كـ ( السنديان أو الزان  ) القوية ليبني مواقفه , وترى ثماره في الساحة القومية والوطنية بوضوح . ويتميز بالإلتزام والإخلاص للعمل المنظم  الإجتماعي والمؤسساتي والحزبي كذلك , و ملتصق بالإنتماء الحقيقي الواقعي المنفتح على كل الآراء والآجتهادات المطروحة في الساحة , ويحرص على الوحدة القومية والوطنية , ويتجنب  الوقوع في مستنقع الأسماء والسبطيّة ( العشائرية )  والطائفية والإنتماء الديني والمذهبي , وهاجزه مستقبل الأمة والعراق أمام الأخطار الحالية والقادمة , كما إنه لا يلين ولا يهتز أمام رشقات الحجارة والتشويه والتسقيط . وهذه الفئة يمثلها المثقف القومي والسياسي والفنان والشاعر والأديب واللغوي المبدع ومنهم العديد ممن أصبحوا أيقونات حاضرة في ضمير الأجيال .
**- البعض الآخر من الأبناء يختار عصا لينه  كـ ( الصنوبر والجام  ) , ويمتاز بديكورية المواقف والشكل الجميل ولكن بمضمون سفسطائي مُحيّر وفنتازي ,  وتراهم مزدوجي المواقف بتأثير مناخ الحدث وتأثير شخصياته , وتظل هواجزه وآماله منصبة نحو المواقع والمناصب الكبيرة المهمة ,  ويعزف بسرعة فائقة عن المشاركة الفعالة  حينما يفقد إمتيازاته  ومصالحة . وهو سطحي ويحوّل الثقافة الى سخافة والنباهة القومية الى تفاهة , ويمسك العصي اللينة من الوسط متأرجحاً بين عشيرته وإنتماءه الحزبي التنظيمي . وهذه الفئة تشبه الطبقة الوسطى القلقة في المجتمعات والتي قد تقفز لمسافات غير مُعدة ولا مدروسه , مقامراً بالمصير دون هوادة  فاما غالب أو مغلوب , وأحياناً يتقدم خطوة  ويتراجع خطوتين ! , ولكنه بالنتيجة هو ضحية التاريخ والسياسة والمجتمع .
***- والفئة الثالثة إختارت ان لا تختار , فأصبحت هي وعصاها  من النوع الصناعي ,  أي تجمُع طبقات عديدة من طبقات النشاره والخشب التالف من مختلف الانواع ويتم تماسكه  بالصمغ القوي !. وقد يُغطى أحيانا بالنوع الجيد من الخشب من أجل البهرجة فقط , وهذه الفئة تهتز يميناً وشمالاً مع حرارة الحدث وبرودته , وهي مبدعة في التسقيط والتشهير والدجل والوصولية والتسلق , ولها قابلية عجيبة في ممارسة الأخطاء , وبسببها تُصاب قضيتنا بالفيروسات والأمراض القومية الخبيثة , كاليأس والإنحناء والقنوط والإستسلام . وهذه الفئة تبقى مشروعاً دائماً للإرتماء في حضن الغير وخدمة أهدافه والعمالة والخيانة .
 كما إن هذه الفئة الأخيرة هي التي كان قد قصدها (جاري العم يوسف ) من حيث لا يدري حينما خرج   مهموماً و منزعجاً لظروف خاصة به في أحد الأيام قائلاً : ( ذنب الكلب وضع في قالب لمدة اربعين يوماً ولم يتعدل !. ) وكان جوابي : عمي .. الوضع الطبيعي لذنب الكلب ان يكون أعوجاً ! وترانا متعايشين مع الكلاب رغم ذيولها العوجاء , هكذا خُلقت , فلا تتعب نفسك . فكانت إبتسامته الأخيرة قبل أن يرحل الى ملكوت السماء بأشهر .   

30
في أحد أفلام الخيال العلمي الهوليودية  توجهت مركبة  فضائية نحو إحدى المجرات البعيدة , وصرح قائد المركبة لزملاءه بأنه سيُعلن لمخلوقات المجرات الأخرى بأنه يُمثل أروع حضارة من كوكب الأرض بدأت من سومر في  ميسوبتاميا !. إنتظرت لأرى وأسمع جواب المخلوقات حول تصريح قائد المركبة هذا , ولكن لم تتحق الأمنية بسبب مشاكل تقنية أجبرت المركبة على التراجع . هذه اللقطة أشرت بشكل أو بآخر ليس الى مكانة العراق فقط , بل الى أن الحضارات الأرضية جميعها مُلك البشرية والإنسانية , و تعني أيضاً بان حضارة سومر ونتائجها وما تلاها من حضارات متعاقبة في بابل وآشور والديانات الإبراهيمية الثلاث وتوسعها الأيماني الروحي وحتى المادي وتواصلها في نفسية العراقي , إخترقت وبكل تفاصيلها العالم , وأدت فحوى رسالتها بإتقان ووصلت الى مستوى الكونية بعد ان انهت عالميتها وإصبحت مفخرة البشر جميعاً ,  في ظل ظهور مدنية عالمية إنسانية عابرة للدول عبر المواصلات السريعة والتجارة الحرة والتطور التكنولوجي  والتواصل الالكتروني , وهذا لا يعني الدعوة الى الإستغراق في المثاليات وأحلام اليقضة , فالإنسانية كلمة فضفاضة لا يمكننا من خلالها لجم المصالح والمنافع للدول والمجتمعات والشركات العابرة للحدود , ولا يمكنها ( الإنسانية ) من تمثيلنا إن لم نكن مستعدين للتعبير عن حاجاتنا وحقوقنا أو بصورة أدق عن هويتنا .
من هذه الحقيقة قد نفهم ضرورة مسح الغبار المتراكم حول قضيتنا الوطنية وحتى القومية كسكان أصيليّين والتعامل الإيجابي مع الجميع بغض النظر عن الدين والقومية والمذهب في الوطن وخارجه  , والتعامل إلمُثمر مع بوادر ثقافية وفهم حضاري جديد لقضية الإنسان القريب والبعيد , وأن نستفاد من الحضارات القديمة التي إشتركت وأغنت حضارة الانسان على وجه الارض من أجل معرفة الذات . ولا نعني بذلك إعادة الإستنساخ وإستعارة كل التفاصيل , فحكم الزمن والجغرافية والتغيير الديمغرافي مؤثر قوي وواضح , بل وضع إعتبار جديد وتفسير خّلاق عابر للنظرة المتوارثة الضيقة . والعبور بقفزات مبتكرة ودقيقة لعبور الزمن والوقت الذي فقدناه واللحاق بالمسيرة الإنسانية , في ظل عجز الكثير من الحكومات في السيطرة التامة على الأمور وفقدان السيادة خصوصاً في بلداننا , وظهور إمكانيات جديدة  مضافة الى قدرات الشعوب في التواصل والتطور والتعبير بدون عائق . وهذا بحد ذاته خيار الشعوب , ولا مناص من الإنسجام والتوجه مع ضرورات التطور والتحديث  والدخول في نادي الإنسانية وليس الوقوف والجمود و إستقبال الصدمات  ثم القيام وبتثاقل لرد الافعال ! , والدفاع عن النفس ! , والتكيف مع دور الضحية , ومن خلال هذه السلبية لن ينبذنا العالم فقط  بل حتى الجيل الجديد سيتخطانا غير مأسوف علينا !. لان التحديات الجديدة ليست أهون مما مضى .
العودة الى الذات - رجال فوق صفيح ساخن
نعني بالعودة الى الذات , هي العودة الى المخبوء في الضمير والوجدان , والذي يظهر كميراث وتفاعل بين العراقيين , وهي عملية تشبه بالطاقة الحضارية – التاريخية والتي لا تفنُى ولكنها تتحول من جيل الى جيل بعامل الزمن . العراقيون تغربوا عن هويتهم وذواتهم الحقيقية منذ قرون , والسبب عموماً كان بتأثير الإحتلالات والحكام المنبوذين ووعاظ السلاطين الذين يتمسحون بهم ويحمدون الله لهم ليل نهار . ولكننا أصبحنا مثل الذي يهرب من ظله , ويرجم الماضي بحجر وفيه كل العيوب . ومذ عقود  كان الإنسان العادي مغترباً عن ذاته بلا وعي كاف , فبعض المثقفين إغتربوا عن دراية ووعي وسوداوية حينما قدسوا كل الآراء التي سُطرت لهم , بلا نقد ولا تقييم ولا البحث عن الجزء المملوء من الكأس . والغربة عن الذات  دعت بولص ( ܦܘܠܘܣ )  الفترة السبعينية من القرن الماضي يرجو من المعلم  بعد نهاية كل درس باللغة الآشورية ( السوريانية )  ان يُدعي ( بول ) , لأن أصدقاءه وصديقاته يدعونه بهذا الإسم !. كما إن ( جون ) الذي وِلد كيوخنا ( ܝܘܚܢܢ ) إنصدم وأصابته الكآبة بعد ان  سمع أحدهم  يدعوه  يحيى كما هو جاري لدى الإخوة العرب !.  ومن الجانب الآخر لن يصدق صديقنا المسلم حينما يعلم  ان عبد من عبدالله أصلها بالسورياني ( يفعل – يخلف ) ܥܒܕ  وليس العبودية تماماً والتي جاءت كتحصيل حاصل , وكإن بضاعتنا رُدت الينا دون أن نعلم وحسبناها خارج مدى الإستهلاك !, بعد إكتشاف الحقائق ,  أما البعض من مثقفينا ممن ارتحلت افكارهم ومشاعرهم نحو أوربا لتنهل من علماءها معرفة وإكتشاف الذات , أخذت تفكر بالفرنسية أو الانكليزية وتستعير بالمنظور الأوربي كله أو من كتب مترجمة للعربية وبأخطاءها المطبعية حتى , فأصبحت نيشن تعني الأمة بدون مراجعة ولا إعادة نظر . مع الإعجاب الشديد والوله بارنست رينان ودومنيك سادلر وبكل ما يخرج من أفواهمها  المباركة ! , فرينان الذي شرح موضوع الأمة لدى الغربيين , يقول (( الغرب هو جنس أصحاب العمل , والشرق جنس الفعلة )). أما المفكر دومنيك سوريل إقترح بأن يتم إشعار الشرقي بأنه مرفوض , ليظل في تبعية ممسكاً بتلاليب الغرب من أجل الإنقاذ . ولم يجهد البعض أنفسهم ليقوموا بمقارنة بسيطة مع ما يعرف من مفردات وكلمات سوريانية أوعربية في معنى الإصطلاحات والعبارات الواردة في كتب المفكرين والمؤرخين للوصول  الى أفكار جديدة مفيدة تنبع من وجداننا وحقيقتنا الموروثة , فهولاء أهملوا كل العلوم الطبية  والادوية و العلوم الرياضية والزراعة والري  وبعلماءها ومراكزها , ليلصقوا ثقافة الكنيسة الشرقية وبعدها الإسلام بالثقافة الهيلينية , وهذا ظلم  وإجحاف , لأن التعامل مع الثقافات بايجابية شئ والتبعية شئ آخر . ومحصلة ما يريده  بعض الغرب هو جعل الإنسان الشرقي بلا تاريخ وبأنه مرفوض ولا قيمة له . وهذه رؤى مؤسسة غالباً على المصلحة ومبدأ الكسب  وخدمة السياسات .
                                         السوريانية كمفتاح وأداة لسبر الأغوار المجهولة !.
لا يمكن إنكار ضرورة دراسة ومطالعة كل ما يصدر عن الغرب من دراسات أنسانية حول الأمم والشعوب والعقائد والأديان , على أن تكون أُمتنا ومشاعرنا  الوطنية حاضرة ومؤثرة للمقارنة عند إستقبال المفاهيم تلك , وأهمها وأولها التراث اللغوي الثر , وكذلك الإستفادة من مساهمات مفكرينا ومؤرخينا , وإعادة فهم التاريخ بتسجيل ما لم يتم تسجيله وما أكثره  ! وإن كان تاريخنا هو تاريخ الكنيسة والأديرة والشهداء , لكن النظرة الثاقبة للأمور تزيل الضبابية وتوضح الصورة بكل أركانها , وأبدع المؤرخ هرمز أبونا في ذلك الى حد كبير . ولن نهمل مصابيح الوعي والإبداع أمثال ابن خلدون وعلي الوردي وعلي جواد ومحمد أركون وخزعل الماجدي  ورشيد خيون وسليم مطر وغيرهم الكثير  . ولنا اساتذة مبدعين في المجال اللغوي ( مع حفظ الالقاب ) أمثال ميخائيل ممو وادوار اوديشو ويؤارش هيدو واوديشو ملكو وغيرهم لا يسع المجال لذكرهم , وهم الأكثر في فهم المعاني ودلالاتها  بما يتعلق بموضوع الامة والوطن , وعلى سبيل المثال لا الحصر :
 Nation والتي هي قريبة من  ( ناشى ) ܐ̄ܢܫ̈ܐ ( بالجمع ) ، ليست بالضرورة أمة
ففي لغتنا أومتا وأَمتا وعمّا ( ܐܘܡܬܐ ، ܐܡܬܐ ، ܥܡܐ ) جميعها تعني أمة وشعب , وكذلك الأُم ( ܐܡܐ ، ܝܡܐ ) . وكلمة  قومية ( ܩܘܡܐ ) تعني شعب. وبالمقابل فإن كلمة وطن هي ( ܐܬܪܐ )  وأثر وآثار , والوطني هو ( ܐܬܪܝܐ ) وهي قريبة جداً بالاسم آثوري ! ومدلولها مؤشر على إن  اسم الآثوري بحد ذاته يعني وطني ,  ومن الجانب الآخر يمكن للسوريانية إضافة الكثير من المعاني الجديدة للقرآن والأحاديث بإعادة المفردات الى أصولها وهذا موضوع تصدى له الكثير من المختصون  , والتجربة أثبتت بلا مجال للشك بأن موضوع مقارنة اللغة السوريانية بما نسمع ونقرأ  في الحياة اليومية مهم جداً . فبعد أن نُنهي رحلتنا وغربتنا في اوطان الغربة , ونطلّع على ما كتبوه  في ساحتهم  الفكرية  الجميلة , ينبغي وبعد العودة , ان نستريح على صدر الأم ونسمع آهاتها وشهيقها وشهقاتها وسرديتها لحكاية التراث والحضارة من روضة اللغة والتاريخ , وننهل منها وقبل فوات الآوان بكل ما هو بالمستطاع !..
للتواصل بالفيس بوك :
Danyal Slifo


31
يبدو ان عدم الإستقرار هو الشعار الثابت والإستراتيجية النافذة والفعالة للعراق والمنطقة منذ عقود , فمن كارثة الى أخرى اكبر , باتت شعوبنا تسير دون بوصلة ولا مرفأ , وبالتالي طُعماً سائغاً للقوى الكبرى والى ادواتها من عصابات وجماعات ارهابية . ومن جهة أخرى نرى ان شراسة الارهاب هي شراسة من يدافع عن نفسه الى حد الرعب , مُعتبرا العالم بأكمله عدواً والخوف أمام ظواهر التطور والتحديث والعلمانية والليبرالية وتحديث الفهم الديني , وهذا صفة الخاسرين , وبالتالي الرغبة الجامحة والهيستيريا في تدمير الآخرين لتستوي الأمور نحو دمار شامل للجميع !.
                                                        هوية العراقي
تُعرف الهويّة في اللغة ( من المصادر ) بأنّها مُصطلحٌ مُشتقٌّ من الضّمير هو ؛ وتحمل في معناها حقيقة الإنسان وخلجاته ، ومميزات الشخصية الفردية المندمجة مع الوعي العام ومسيرة الجماعة, ومجموع كل ذلك يكّون طبيعة الدولة وشكلها المنصهر في آمال الجمهور وتطلعاته. وبالتالي تشعر الجماعة أهمية الإندماج مع بعضها البعض ومع القوانين المنظمة للسلطة والمعنى الحقيقي والمثمر للواجبات والحقوق.وهذه الخصائص متحققه عند الإنسان العراقي .
                                           عودة الذاكرة العراقية هدف مُلح
العراق يمر حالياً بنفق مظلم قد يؤدي به الى الزوال , وهذا يلزم الجميع الى الأخذ باسباب النهوض من أجل البقاء وتكملة مسيرة الحياة , فأمم عديدة  تقدمت واستخدمت الزمن لصالحها , وبقى العراق مراوحاُ في مكانه ولم يستطع مواكبة الركب الإنساني ولم يساير مقتضيات الحضارة والتقدم الإجتماعي والعلمي والتقني والسياسي والأمني الذي وصلت اليه الأمم والشعوب . ومهمتنا كعراقيين أُصلاء تحرير العقل الفردي والجمعي بالإنتماء الحقيقي بالأصل الحضاري المؤسس المنبثق من أرض الرافدين ( بين النهرين ) , والذي خدم العالم والإنسانية , فكم بالحري أبناءه !؟. لذا قد نحتاج الى جهود وعقود عديدة من الزمن لبناء الانسان الجديد الذي يفهم الانتماء الديني التاريخي الإنساني وجدانياً ومدركاً لمفاهيم المواطنة والديمقراطية والرأي والرأي الآخر , وأعتبار التعليم مركز الاهتمام لخلق جيل متعلم ومتحصن , وكذلك إزالة مشاعر الكره والبغض للأخر المختلف وروح الانتقام والثأر , وذلك بوضع مصلحة العراق مقياساً للفصل بين جميع الإشكالات والمعرقلات , وهذه مهمات ليست بالمستحيلة , إن بدأنا بداية صحيحة ومن إيمان حقيقي بقضية العراق , فلن تستطع أية قوة مضادة من إيقاف المسيرة , والتاريخ يشهد على ذلك. وعلى الباحثين والمهتمين بالشأن العراقي الاستفاضة في هذا الموضوع لانه ينصب في عملية البحث عن الذات والهوية الوطنية العراقية أما الأدوات والوسائل متوفرة بكثرة في كل مكان , سواءاً أكانت في اللغة أو الآثار والثراث ( الديني والإجتماعي والتاريخي ) أو في الفن والعلوم وغير ذلك.
إنقطع العراقيون عن أصالتهم الحضارية وذاكرتهم كأُمة بسبب الإحتلالات العديدة وآخرها الإحتلال المغولي المدمر والعثماني الطوراني العنصري , وبالنتيجة قُطعت عنهم سبل التواصل الحي مع هويتهم الإنسانية كشعب واحد و هوية واحدة , وأدى هذا بالنتيجة الى ضمور الشعور واليقين العقلي المتواصل مع الماضي لينطلق منه الى المستقبل . وساد الإنحدار الفكري والعقائدي الإيدلوجي في الثقافة والدين والأخلاق والسياسة , ولم تستطع بؤر النور والإصالة من الظهور على السطح تحت ظل هذا الواقع , وهذه مهمة العراقي الجديد للتعامل مع الواقع بكل تفاصيله ومعانيه للوقوف بقوة وبسالة أمام تيارات التعصب والإنعزالية والجمود , قبل ان يجرفنا الزمن نحو العدم والزوال في ظرف زمني منظور !.
                                       موجز للعراق بين السياسة والدين والسلطة
 القراءة المتأنية لتاريخ العراق تكشف انه قد أُحتل من كيانات وقبائل أقل حضارة منهُ , وهذه سنة الخليقة والصراع البشري على الأراضي والمياه ومصادر المعيشة الى مدى يمتد الى البدايات الأولى لظهور التجمعات السكانية الأولى , ولكن مما لا يمكن التسامح به  والتغاضي عنه أبداً ان نجد بين ظهرانينا من يقوم بخدمة القوى الخارجية الطامعة بإسم القومية والمذهب والعشيرة , فأرض العراق وحضارته أسمى من كل العناوين والإنتماءات الجزئية . والأخطر هو قيام تنظيمات سياسية تقنن العمالة للآخر وتعبئ شرائح معينة بإتجاه خدمة الطامع والحالم للإستحواذ على أجزاء من الوطن والحضارة والبشر!. ويعلم الجميع إن أوربا بعد تحررها من قيود سلطة الكنيسة في القرون الوسطى , إستطاعت الوقوف على قدميها نحو التقدم والتطور . ومن أجل إحترام السلطة الدينية وتقدير مهمتها ودورها في غرز المشاعر الإنسانية الأخلاقية الراقية  وجب إبعادها عن السياسة
 ظلت الأحزاب الرئيسية الحاكمة تعمل بعقلية المعارضة , وظلت تجتر شعارات مهلهلة باهتة مستهلكة من كثرة التكرار , وإنتقلت من شعارات حرية العقيدة  والتقدم والشورى الى التزمت والتخوين والمحاصصة والتحالفات على أُسس هيلامية مصلحية وقتية بحجة الخطر الداهم المتربص والمؤامرة !, لتبرير قمعها وطغيانها. ونمت وتطورت مفاهيم غريبة تجعل العراق غنيمة يجوز تقاسمها والاستئثار والإستحواذ عليها وتقسيمها بين المتنفذين , وتحولت الثورة الى ثروة وتحول المقاوم الى مقاول , وهذا أدى الى سيطرة الدولة العميقة القابضة بشراسة على مصادر الاموال الرئيسية وقامت بالدعس على الدولة بمؤسساتها الراسخة , تحت أقدام البرامج الحزبية والإنتماءات المذهبية والعشائرية بل والعائلية الضيقة , ومن هؤلاء البعض الذي شرعن وقنن الفساد بمقولة (( ان أموال الدولة والبنوك والشركات الحكومية , مجهولة المالك وبالتالي هي مشاعة للجميع , ويحق التصرف بها بحرية . )).
والأنكى من ذلك, إستخدام النصوص الدينية والمذهبية الى فلسفة ركيكة لبناء الدولة , فالإسلام السياسي الذي ينوي التمسك بالسلطة يأي ثمن , تاه ما بين دولة الخلافة وولاية الفقيه وطاعة ولي الأمر وبين الحكم الديني ( العصري ) المُحدث والمُطعّم في قشوره بالمدنية والتنوير والحداثة وحرية الفرد.! وبين إبعاد الدين عن السياسة والحفاظ على المقدس عن هوى وعبث السياسيين ومن الوقوع في الزوايا المظلمة للسياسة وطرقها ومسالكها الموبوءة , وبالنتيجة لا الدين شرعن السياسة , ولا السياسية حفظت قدسية الدين , لان الشعائر والتعبد شأن إنساني وجداني وروحي يشد أبناء المذهب والدين الواحد روحياً بعضهم ببعض . والسياسة شأن حياتي يتعلق بالحياة اليومية للأفراد وحاجات الناس للمعيشة والخدمات, وتدير التنوع الإجتماعي والإثني في ظل قانون يحفظ الحقوق وينظم الواجبات بين مختلف الإنتماءات والقوميات والمذاهب , وهذا ما جعل العراقيين تنفر من الدين المُسّيس ورجاله, وتعزف عن المشاركة الإيجابية من القضايا السياسية .

للمزيد راجع :
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,973386.0.html
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,971146.0.html
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,970422.0.html
لمشاهدة الفيديو إنقر على :
https://youtu.be/udU5vYudcjc


32
واجه العراقيون إشكالاً عديدة من إنظمة حكم وسيطرة احزاب وتيارات فكرية متباينة وجلبت أغلبها الكوارث والمأسي, دفع ثمنها العراقي البسيط . وافظع ما عملته تلك الأحزاب من كوارث هو تغريب وتشويه ذاكرة العراقي وإبعاده عن هويته وأصالته , من خلال الطروحات الجزئية عن الصورة الكاملة والإطار التاريخي , فالاحزاب العربية إنسلخت عن هويتها وإنتماءها الوطني العراقي , بتفضيلها مصالح العرب والعلاقات مع الدول العربية على حساب مصالح العراقيين , كما نفضت الأحزاب الإسلامية أيديها عن عراقيتها ومن خلال مرجعياتها , وأصبحت موالية بكل ما تحملة الكلمة من معنى الى خارج الحدود , سواءاً أكانت طهران أو الرياض أو إسطنبول !. كما لم ( تُقصر) التنظيمات اليسارية والشيوعية في تقديسها لموسكو وهافانا , مع أطنان من التبريرات والشعارات المعُلبة حول الوطنية وحق الشعوب في التحرر وغير ذلك !.
وظل أبن العراق شريداً في العراء وطريداً ومهجراً ونازحاً ومسلوباً , كما نُزعت عنه الكرامة والتعليم والحقوق الإنسانية البسيطة كحق السكن والتعليم والعمل والتعبير الحر. والأقسى والأمّر وكنيجة لما سبق , إنتمى الكثير ممن فقدوا إنتمائهم الحضاري الأصيل من المقهورين نتيجة سياسات التعسف والتشريد , ومن الذين لم تحضنهم كياناتهم المذهبية بالشكل اللائق والمُقنع الى الإنحدار وترك شيخ الدين الى شيخ العشيرة , ليضمنوا بقاءهم وإستمرار  حياتهم وحياة أُسرهم وأحفادهم !. ولكن ظلت ( جذوة العراقية ) تشتعل في دواخلهم وتحتاج فقط الى المؤمنين بها من القادة والسياسيين والمفكرين لأعادة تلك الجذور ورفعها فوق منارة الوعي لتنير طريق الجميع  , وما هو حاصل في المظاهرات الا دليل على إن العراقي ( يمُهل ولا يهمل !. ) . 
يتفاعل تراث سومر وبابل وآشور الساكن في ( جينات العراقيين ) , أيجابياً مع المكان والزمان، حيث يحفظ سير الأحداث وتاريخ الابطال اللذين أصبحوا يعيشون في الذاكرة كأيقونات ومصادر مُلهمة وإن دون القداسة والعصمة, لتوضع في المستوى المساوي لوعي الفرد العادي, ولا تتضاد مع الحاضر ولا مع المستقبل مهما كان شكله , والا سنعود لماضي من الدوامات والانكسارات والقيود التي تكبل طاقاتنا والتي نكاد نخاف من الانطلاق والتحرر منها بسبب طغيان اليأس والنكوص. فكل عمليات العودة والاستفادة من الماضي الحضاري تنشد وتصب في عملية بناء الانسان العراقي الجديد . وأحياء النفوس في الآن ذاته، ومن هنا فإن للأمة العراقية سموَّاً على مختلف التصنيفات الأخرى، كما أن لها قدسيتها في نفوس أبنائها، فهي جامعة لهم ، وهي التي تعطي لأبنائها شعوراً بالفخر بأن لهم ماضياً عريقاً ، وظهراً قوياً يحميهم إذا ما نزلت بهم نوازل الدهر والأيام المؤدية الى الفوضى والضياع كما هو حاصل حالياً، وهذا لا ينتقص بأي حال من الأحوال من مكانة المواطنة النمطية الكلاسيكية الانشائية المعاشة ، بل تحّول الشعارات الى واقع فأرض العراق وبمدنيتها وحضارتها المؤسسة, تستوعب حضارتها وخيراتها أُناس من شتى الثقافات ، ومن مختلف الملل والديانات، وهي التي بصون حقوقها وخصوصياتها وحفظها يستتب الأمن، ويعم الخير والأمان والاستقرار بين الناس , وذلك بالتوكيد على أهمية الانتماء إلى الأمة العراقية وإعتبارها فوق كل الإنتماءات الأخرى, كالعشائرية والمذهبية والمناطقية والقومية والطبقية. العراقيون جماعة متواصلة ومتجانسة, ترتبط بالتاريخ المشترك والحضارة ( الكونية ) المؤسسة للإنسان فوق الإرض 
                                              العراق للعراقيين
والعراق هو حصيلة الفترات التاريخية والحضارية المتعاقبة عليها منذ قرون .. ومن هذا لا ينبغي وضع صيغة محددة مستلة من فترة معينه ومن سياقها لتطويعها لمزاج وقريحة من لا حظ لهم الا بزرع الضغينة والفتنة من اجل ترسيخ الفساد ، لان ذلك سيمثل جزء من المحتوى وليس مجمله وحتماً ستتناقض مع المفردات الحضارية الأخرى, وحتماً ليس من الجائز إطلاق الجزء على الكل! ، وهكذا ستجد كل الفئات العراقية وبكل مرجعياتها الاجتماعية والحضارية تجد شيئاً من صورتها وجزءاً من تاريخها لتندمج مع الكل الباقي .. كما إن مرور هذه الفترة الطويلة منذ تشكيل كيان دولة العراق سياسياً ، وتفاعل القوميات والاديان الممثلة للشعب العراقي ايجابياً مع هذا الاسم يجعله يحمل الصفات التي تجمع ابناء العراق مع الاحتفاظ بالخصوصيات القومية والدينية والاجتماعية والتي ينبغي ان تصب في مصلحة العراق ووحدته، والتجارب الماضية أثبتت ان العراقيين تواصلوا بالعيش معاً دون تفريق ، وتشهد الكثير من المدن العراقية هذا التواصل قبل مجئ الطبقات الحاكمة بعقلية القبائل والصحراء والتي أخذت تطبق سياسة القتل والتشتبث بالسلطة وتعاملها مع العراق كغنيمة حرب وإستحواذ ، وبهذا العمل ارادت السلطة القضاء على الهوية الوطنية العراقية  وحولته من شعب الى ( جمهور ) والنتيجة لم تكن كما أرادت, إذ إنطلقت العنقاء العراقية من الرماد, وعاد الإبن ( الضال ) الى حضن الآب نادماً. على الأقل من خلال الوعي والتجربة ! وبعد أن يتم رسم خارطة للطريق لمستقبل واضح المعالم , سيشعر الجميع بالأمان والإنتماء الحقيقي وسينبذ الأبناء من مخيلتهم عقلية الأمة المهزومة والمقهورة والتي لا رجاء فيها, الى أمة موعودة وخالدة بخلود حضارتها وتاريخها, من خلال جهود الخيرين الوطنيين التنويرين.


                                         

33
من الطبيعي والمعقول جداً أن يرث الشعب العراقي وبجميع قومياته وأديانه جزءأ لا يستهان به من الحضارة والمقومات المؤسسة للحضارة النهرينية العريقة في بابل وأشور إنطلاقاً من سومر وأكد ، كما أن كشف تفاصيل ذلك الميراث في خضم الحالات الاجتماعية والاعتقادية والأيدلوجيات والمرجعيات المتفاعلة حالياً في داخل النفس العراقي لا يقلل من شأن هذه الشريحة او تلك الا اذا ارادت لوي الحقائق تحت ذريعة ( الشعب المختار ) و ( خير أُمة ) والخصوصية والفردانية الضيقة والمقيتة الواهية .. فالحقيقة الحضارية التي يمكن لحواس العراقي الأصيل ادراك تفاصيلها لن تخيف احداً، بل بالعكس فانها تُضيف وتثُري جميع الشرائح والمكونات الإجتماعية, بل ان الغنى والثراء الحضاري العراقي, يضيف لجميع المرجعيات القومية والدينية والمذهبية ما لم ولن يكون في تصورها إن بحثت بتجرد وحيادية مخلصة عن عراقيتها وعن كينونتها المتجذرة فيها , اذا انطلقت بشفافية وتجرد من المفاهيم المسبقة والكليشيهات الجاهزة في بحثها عن هويتها الحضارية الناصعة عبر الدهور . كما إن الغاية المتوخاة من عملية البحث عن الذات, ان لم تكن مرتبطة بالمستقبل المضئ للعراق الحديث القادم, او لايجاد الحلول لمشاكلنا وأزماتنا، فانها ستتحول الى عمل بحثي نخبوي بائس وعقيم يضاف الى مجموعة الكتب الراكدة في الادراج وعلى الرفوف والى الندوات والمحاضرات للتنفيس عن النفس, أو كرسالة وطنية سياسية باهته تخاطب نخبتها الموالية من أجل رفع العتب وإملاء فراغات المنهاج والنظام الداخلي لكتلها !, وستصبح حتماً معزولة عن نبض النسيج الإجتماعي الشعبي للغالبية .. فلنسأل أنفسنا عن ماهية الأمة العراقية أولاً , ثم عن أفضل السبل للوصول اليها وأحياءها وكشف الغطاء عنها, وعن الوظيفة التي ستتحق منها والغاية المتوخاة من ذلك كاهداف متساوقة مع المظاهر والاماني الوطنية.
الأمة العراقية ..هو انتماء حضاري ووجداني موروث في عمق الشخصية العراقية عبر الآف السنين, والكثير من تفاصيلها مكبوتة ومخبئة في اللاوعي الجمعي, وتظهر بصيعة عادات ومفردات غير مُكتشفة , وتخرج الى العلن بقوة مساوية لمدى الاستعداد والقابلية لفهمها واستيعابها لماضي العراق الحضاري مقارنة بما هو متفاعل في الراهن , من  نبذ وكره الفساد والمحسوبية والمحاصصة والموالات للأجنبي , وبالتالي  تصبح العملية مماثلة لعودة ( الإبن الضال ) الى حضن الأرض الأُم لإحياءها والإرتواء من جديد من حليبها الأصيل , والقبول  بهويتها ليستمد منها طاقته وشحنته الموجبة للبناء والتقدم والتطور. ليكون قوياً وخارقاً  كإنسان جديد خلاّق . ثم يبدأ يشعر بانتمائه وولائه إلى أمة ودولة وشعب  ، وولائه اليها تجعله يستمد منها كرامته وإحترامه قبل الإنطلاق للتعامل مع  الشعوب والأُمم القريبة والبعيدة ومع ما هو خارجي وغريب عن جسد الأمة ، فهوية الإنسان ونمط تفكيره مستمد بالضرورة من أمته التي ينتمي إليها.
 وحين العودة الى مصدر كلمة الأمة في اللغة الآرامية السامّية ( لغة الديانات الإبراهيمية و لغة السيد المسيح ) التي سبقت و كوّنت ( السوريانية والعبرية والعربية ) نجدها تعني ( الوطن والدولة والشعب ) , وعلى أنها مجموعة من الناس الذين يرتبطون فيما بينهم بجامع مشترك أو عدة جوامع ، والأصل المشترك ، والدين ، والتاريخ ، وما إلى ذلك ، وهو مشروع حضاري متكامل , ينسجم مع نفسية العراقي ويتفاعل إيجابياً مع الخارطة الجيوسياسية للمنطقة الى حد كبير , وعلينا في الراهن وبعد سلسلة من الكوارث المحيطة بالوطن ان نهظم الدرس ونتعلم وندرك بان المطلوب رؤى ومواقف جديدة , متسلحة بالعلم والتكنولوجيا لفهم التراث الديني والاجتماعي- الوطني ومراحل تطور اللغة والمفاهيم المرتبطة بها ومصادرها وتاثيراتها المشتركة , وكذلك ايجاد التاريخ الحقيقي والذي تم تحويره وتزويره من قبل الأخرين وسحبه الى ما يحقق مصالحها. وهي عملية ليست بالصعبة ان توفرت الارادة الحرة المستقلة , وحب الأرض والأنسان مهما كانت عناوينه و مسمياته وانتماءاته .
وأخيراً .. لن نغالي إن قلنا إن العقائد والمذاهب الفكرية المتفاعلة داخل العراق , لن تقدر على فهم حقيقة مرجعياتها الفكرية , الا من خلال جعل إنتمائها الى عراق سومر وبابل وآشور , وجعلها  كالبوصلة والمرآة و ( الباندورا ) الدقيقة لإستعارة عظمة مفاهيمها من خلال فهم الحضارات المتعاقبة على أرض العراق منذ فجر التاريخ والى اليوم , وكأننا نقول بتعبير آخر : مستقبل العراق الحقيقي يرتبط جدلياً بالعودة الى ماضيه الحضاري العريق !. بنظرة جديدة وتفسير جديد , لإيجاد خطة عمل وخارطة طريق مبتكرة ودقيقة للولوج الى المستقبل الواعد .

نُشر الموضوع في جريدة المعارضة العراقية ( المؤتمر) عام 2002 مع بعض التعديل.



34
في كلمة رئيس مجلس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي الى الشعب العراقي, تطرق في برنامجه الى الكثير مما يتساوق مع مطالب المتظاهرين المنتشرين على الساحات العراقية على طول جغرافية العراق وعرضه. فمن الأمور التي عاهد بها السيد الكاظمي العراقيين هو موضوع الإنطلاق من القرار المستقل السيادي وبأن يكون هذا القرار بيد أبناءه , فالعراق للعراقيين , وهذا شعار كاد يختفي من ذاكرة الأحزاب الحاكمة والتي كانت تنادي به ( بحرقة وطنية جياشة ) فترة المعارضة قبل سقوط النظام السابق !. ويكمل : العراق بلد عريق ليس تابعاً , فالعراقي سليل الحضارات وقوته في أعتزازه بوطنيته . ويستمر الرئيس المكلف : نحن وأنتم إرث سومر وبابل وآشور وهذه المسميات تسري في عروق العراقيين . والبداية بهوية عراقية حقيقية هو المنهاج الامثل لإنجاح التجربة ( والتي لا تزال ضمن التجربة)!.
كلمات السيد الكاظمي تحمل في طياتها الكثير من المشاعر الوطنية الحقة  , وتضع على عاتق الجميع مسؤولية وطنية وأخلاقية كبيرة , وهي لا تتناقض مع الشعارات التي تنادي بها  الكتل السياسية الأصيلة المنتمية قلباً وقالباً للعراق المبتلى منذ عقود , وكذلك مؤسسات المجتمع المدني , والمثقفين وحتى البسطاء التي علمتهم المحن , وذلك بوضعها في موضع التنفيذ لأنها هي الضامن الوحيد لإنقاذ العراق والخلاص من الجور والهمجية والتعصب والمحاصصة على أساس المكونات !.
ونحن كعراقيين منتمين الى جذر العراق سواءاً بالأصل أو بالمشاعر الوطنية , علمتنا التجارب والمحن الكبيرة أن لا نُسرع بالإرتماء الى ما قيل هنا أو هناك , رغم إحترامنا للسيد الكاظمي , فقد يكون خالص النيّة والإيمان , ولكن لا تهب رياح مصالح الجيران في الإتجاه الصحيح دائماً كما تشتهي سفينة العراق. فقد يلعب هاجس الشك بعقولنا وقلوبنا حينما نرى ( نزول الوحي ) في هداية أغلب  الكتل واصحاب القرار من كل الإتجاهات بالتوافق والتضامن على شخص السيد الكاظمي ! فهل مصالحهم ومصالح مرجعياتهم مصانة ومحفوظة وموضوعة وراء الأكمة ؟!. وهل يستطيع السيد الكاظمي من قلع أشواك الفساد والمحسوبية والمحاصصة من أرض العراق , أم ستبقى تلك الأشواك قنابلا و مفخخاتا في طريق العراقيين تمسح يومياً عن وجوههم الأمل والبسمة والأمنيات الى الأبد ؟. وعهدنا وقناعتنا بالسيد الكاظمي ( بإعتباره رجل مخابرات ورجل سياسة متمرس ) بأنه يعلم أكثر من غيره حقيقة الأوضاع , ويعرف تماماً من أين يبدأ في البحث عن الإبرة وسط كومة قش الفوضى والإنحدار المتسارع للعراق . وقد يكون إيمانه بشعار العراق للعراقيين وبأننا جميعاً ورثنا حضارات سومر وبابل وآشور , البداية الصحيحة وخط الشروع الصحيح للقضاء على كل المساؤى ( ولنقل المهازل ) الكابحة لعجلة العراق نحو الأمام . و أخيراً لابد أن نسمع صوت المتظاهرين لحسم موضوع رئيس الوزراء المكلف السيد مصطفى الكاظمي.

35

قضية عظيمة لشعب ضعيف
عند التعمق في تأمل مسيرة التأريخ , بما يتعلق يماضينا القومي والوطني, نكاد نكتشف إنه في معظمه مزوّر ولا علاقة له البته بحقيقة الوجود القومي الحضاري المتفاعل بقوة مع مسار الحركة الإنسانية المتواجده حينذاك. واضحى من المستحيل أو من الصعوبة بمكان الإمساك بتلاليب الحقائق والتفاعلات البشرية التي أدت الى ما نحن فيه حالياً.
يقول الفيلسوف هيكل: تعلمنا من التأريخ بأن أحداً لم يتعلم منه !. بمعنى آخر إننا لا زلنا في ما قبل خط البداية في فهم تأريخنا وفهم  ما تم تسطيره لنا من روايات وتفسيرات مدونة لحركة التأريخ بعيدة كل البعد عن ما هو واقع فعلاً وبالأخص فيما يتعلق بنا كأمة وقومية وتجمعات بشرية متآلفة ومتحدة في الفكر والإعتقادات والمصير.
وعند البحث الدؤوب والجدي عن الهوية والوجود من التأريخ , نكون كمن يسير حاملاً طبق كبير من الخزف الرقيق وفيه بقع مائية وسوائل مختلفة الألوان من الأمم والشعوب والقبائل, ونبغي ببساطة ان نفك الإشتباك فيما بينها ونضع كل منها في مكانها المناسب, وهي مهمة مستعصيه وصعبة. لأن الشعوب إختلطت وتجاورت وتفاعلت  وتغيرت وإرتحلت بحسب الجغرافيا المتغيرة والحروب والغايات الإقتصادية المتلبسة أحياناً بالمعتقدات والأديان والسياسات, ويقول هيكل عن التاريخ : (( حركة جدلية وسلسلة من الثورات يستخدم فيها المطلق الشعوب أثر شعوب والعباقرة أثر عباقرة ... وتجعل من التغيير مبدأ الحياة الأساسي )) . وأدت بنا النتيجة  أن نكون جزء من هذا التفاعل أحياناً وضحاياه أحياناً كثيرة , رغم كوننا جزء أصيل ومهم  منها  , وهذا لا يعطينا الحق في أن نحتكرها لأنفسنا فقط , بل من حق البشرية والإنسانية جمعاء أن تنهل وتغرف من كنوزه لأنها ليست حكراً لأحد , وهذا ما هو حاصل فعلاً على أي حال . والإستثناء الوحيد يكمن في حقيقة إننا الأقرب الى الأصالة والأقدر في فهم الماضي , ونبحث في أن نؤدي دورنا الطبيعي وتنوير الآخريين بحقائق لم يدركوها , بل فهموها خطأً بما نملك من حقائق ومقومات وأصول وعناصر ترتبط بالماضي التليد عضوياً , ومن واجبنا ان نعلنها للجميع بلا فضل ولا منّة .
مأساتنا تكمن بأن الجميع حضر وكتب تأريخ المنطقة وتأريخنا, وكنا كالحاضر الغائب , وحينما إستفقنا شعرنا بالصداع والغربة من ذاتنا ومن سيرتنا لأننا عُّبرت بأحرف عربية ويونانية وفارسية وتركية ثم بالفرنسية والإنكليزية. ( كلمن يبكي على ليلاه ). وبتنا نتخاطب فيما بيننا بوسائل وثقافات وأدوات الآخرين ( أغلبها عربية حالياً ).  والبحث عن الذات لم يرتق  الى المستوى المأمول لقلة الكفاءات والمختصين المتفرغين , والأوضاع الصعبة, وبسبب الولاءات العشائرية ( السبطية ) والكنسية , وحتى البقع المنيرة والأنوار الجميلة  في تاريخنا, وجدها لنا علماء وباحثين من أمم أخرى, ولا فضلٌ لنا عليها, بل بتنا نلتهم بشراسة ونهظم حتى أخطائهم ونواياهم , وأصبحنا نتكلم بلغتهم وبما طرحوه , ( فلنترجل من الفرس ونعترف بالحقيقة )!.
وقفنا مشدوهين أمام لوحة الماضي الجميل التي لم نفهمها جيداً بسبب غريزة الحب الشديد لأجزاء منها والكره الشديد لأجزاء أخرى, وأصبح هاجزنا المُلح وجدالنا العقيم حول إختيار الإسم المناسب ولون الإطار, ضاربين عرض الحائط المحتوى الإنساني والحضاري لتفاصيل اللوحة !. لأنها ببساطة أكبر من مستوى عقولنا ( مع الإعتذار ) . ولكن الحقائق ستتكلم عن نفسها غداً سواءاً أكنا موجودين كشهود أو لا . بل إن الحقائق تكلمت على مستوى العالم ولكننا لم نسمع !. لأننا ما زلنا في النفق.
من صيرورة التاريخ عموماً نفهم بأن الحضارة الإنسانية الأولى بدأت من سومر وأمتدت الى أكد وإنتقلت الى بابل ومنها الى آشور, واليوم العراق ( سواءاً أكان الإسم من العراقة أو من أوروك ), وكلها اسماء عزيزة ومهمة ومتكاملة ومن العبث التلاعب العقيم والهزء بأي عنوان منها لأنها تمثل عضو مهم من جسمنا القومي والأممي.
فنحن وقد دُفعنا مرغمين على إعتاب العام الجديد 6770 , أدركنا ( ولا أقول جميعاً ) بأن شكل الحضارات وبما تحمله من خصوصيات جغرافية ولغوية وإعتقادية إنتهت . ووقفنا أمام التحدي الجديد هو ظهور عالم حديث إنساني عابر للحدود عبر التكنلوجيا الجديدة من تواصل إجتماعي ومواصلات سريعة وبالتالي الى مفاهيم عصرية يحملها شبابنا , ولا يمكننا البته الزوغان منها, فهل نستطيع أن نعّبر بفعالية عن حقيقة  ذواتنا بما نحمله من ثراء حضاري أصيل مؤسس منذ سومر مروراً بأكد وبايل وآشور, أم نقول للغريب لمن يجابهنا ويظهر من الطرف الآخر من جهاز الحاسوب- الكمبيوتر أو لمن يرى أفكارنا ومدراكنا بسرعة مهولة بأنه : لا علاقة لنا بحضارة شومير ( سومر ) ولا بأكد ولا .. ولا !!.وبأننا إنقسمنا كالأميبا الى أجزاء وأجزاء .
(( أدرك تماماً بأن البعض المختلف في الرأي المطروح , سيترك محتوى المقال ويلتصق بالكلمة الأولى من المقال  لماذا آثوري  ؟, وليس تسمية أخرى ؟ )) , والجواب العام اليوم هو : انني أبحث عن أُمةً تعيش في وطن , وتعبت الى حد الإنهاك من التيه والتشرد في ليل غابة عاصفة وسيول وزمهرير !. باحثاً عن ملجأ أستقر فيه وسقف وجدران تحمي عظامي ولحمي المتجمد , ولا يهمني إن كنت قد وجدت لي :  بيثا أو بيشا أو بيتا أو بيسا !. ولن أعترض أبداً . المهم ان يكون ملجأً ومأوى .

36
في العراق القديم وفي مدينة سومر بالذات , تصاعد الهياج والضجيج من قبل الأجيجي والانسان المعدل وراثياُ ( حسب الإسطورة ) , بسبب الإعمال الشاقة التي كانوا يقومون بها في المناجم والبناء والزراعة , وإنتشر التمرد والعصيان في أرجاء المعمورة , مما أزعج الالهة الخالقة الأنوناكي وقض مضاجعهم في السماء , فقرر أنليل القضاء على سكان الأرض من خلال الطوفانات والصواعق وغيرها من طرق التدمير.
وبعدها عاد العداد  الزمني لسكان الأرض من الصفر , وفقدت البشرية ذاكرتها عن حوادث ما قبل الطوفان الا القليل , فوقفنا مشدوهين ومتسائلين عن حقيقة  الحضارات الغابرة كالاهرامات وبرج بابل والجنائن المعلقة وحضارة المايا , وعاجزين عن فهم الأعمال الخلاقة التي جرت حينذاك. ولكن ولحسن الطالع ورث العراقيون أبناء سومر وأكد وبابل وآشور  المفتاح الرئيسي لفهم العالم والبداية من جديد بما ورثه من آثار و لوحات حجرية مسمارية ثمينة كقصة الخلق ( الإينوماليش) وكلكامش وأوتونابشتم وقوانين حمورابي ونرامسين و الربع مليون لوحة حجرية من مكتبة آشور بانيبال , وتحمل هذه اللوحات الخميرة الأصلية المؤسسة لكل المفاهيم الدينية اللاحقة . ومن الأمور الإيجابية التي لا يمكن إنكارها ان هذه اللوحات لا يمكن تحريفها ولا تقبل الإضافة والتغيير , مهما  أبيد الإنسان والمخلوقات وعادت الدورات الحياتية الى الصفر .
واليوم ومنذ تبلبل ! الألسنة وإختلاف النوايا والمفاهيم الجيوسياسية بعد سقوط ابراج بابل ( مركز التجارة في نيويورك ) في سبتمبر 2001 وسقوط الدول والأنظمة في العراق وافغانستان وسورية واليمن , وتصاعد أنين البشر الى السماء بسبب القتل والإغتصاب والتهجير بعد سيطرة المسوخ البشرية كداعش والنصرة ودور الحكومات والدول العميقة والمراكز الإعلامية المرتبطة بالمخابرات واصحاب المصالح والمستفيدين من الدمار , أخذ أصحاب المصالح يكنزون لجيوبهم أرقاماً خيالية من الفوائد , والأنكى بأن هذه الشعوب المبتلية والمظلومة أصابتهم أعراض مضاعفة كالفقر والتخلف والنفاق والإزدواجية, حيث نرى هذه الشعوب تدمن المؤامرة والوسوسة والريبة من كل شئ , ففي الصباح يخرجون بشعارات رنانة سواءاً ضد السلطات أو ضد القوى الكبرى ولكنها تعود لتنتخب من كانت تكره وتطالب الدول الكبرى والمجتمع الدولي للتدخل وحل الأمور !.
واليوم إضيف العالم بأكمله الى بؤر الأزمات المعهودة ,  وتم تأجيل موعد الوليمة النهائية , وتحول العالم بسبب الوباء الى مستنقع من الأزمات والخوف والمصائب على طول الكرة الأرضية وعرضها , وأصاب الفزع والهستيريا الجميع , الظالم والمظلوم , والضحية والجلاد ,  ووقف الفيروس وحيداً في الطرق والأسواق والساحات وأمام الأبواب , منتظراً خروجنا وكأنه ينقل لنا رسالة جديدة من الأنوناكي مضمونها : وصل صوت أنينكم وتمردكم الى السماء , إسكتوا وإلاّ .. 

37
في المقابلة التي اجرتها المذيعة الناجحة سحر جميل في برنامج القرار لكم مع العلامة المفكر عبد اللطيف الهميم التي تطرق فيها الى عدة مواضيع مهمة تتعلق بمصير ومستقبل العراق, حركت آراءه الافكار والمشاعر الراكدة في الذاكرة والنفس والعين الغائرة المتعبة واليائسة والبائسة من المستقبل القادم . استنبطتُ منها ( المقابلة) امور عديدة تتناسق مع الاراء المطروحة إذ حذّر الشيخ الهميم من عدم استثمار المزاج العراقي الراهن استثمارا صحيحاً للوقوف والاستعداد بوجه عاصفة الجيل الخامس الآتي لا محالة . والمزاج العراقي غادر التعصب الطائفي وظهر هذا في احتفال رأس السنة , فالبلد يجب ان يُبنى على المواطنة بلا تهميش ولا اقصاء ولا استئصال. ووضع الهميم اصبعه على الجرح حينما ذكر مصطلح ( المفاصلة الشعورية ) والتي تعني بأن نعيش معاً ونعيش سوية ولكن نضع الفواصل والجدران فيما بيننا وننعزل بحسب المذهب او الدين او القومية, وبأن لا نتشارك في المشاعر كالأفراح والأحزان !.  مما يؤدي الى انحدار المواطنة والقانون والدولة الى الحضيض والالتجاء الى المذهب والعشيرة والطائفة. وبهذا يتحول تفسير الفقه الحضاري للعراقيين ( كما يصفه الدكتور الهميم ) الى فقه بدوي صحراوي غريب . ويبدو من كلام الشيخ الهميم ان الجيل الخامس القادم سيكون مدمراً ومُهلكاً بوتيرة أعلى لوجود هذا الطاقم ( العُلمائي ) المريض بالخوف, الخوف مما يجهله وهو كثير , فالخوف الى درجة الرعب والوسوسة يُذهب ذو اللب عقله ( كما يقال ), ويحوله الى وحش لا يعرف غير العنف بحجة الدفاع ضد الخطر الوهمي المحدق . وهذا جعلهم يفتون الى عدم جواز المشاركة في احتفالات المسيحيين ( النصارى ), بتعظيم كتب ابو القيم الجوزيه وابن التيميه وهي كتب  اعتمد عليها المتشددون. واستبعاد القرآن وكتب السيرة.  أن تهنئة  المسيحيين ( وليس النصارى ) في أعيادهم هو من باب "البر" الذي تأمر به الشريعة الإسلامية.  ونبذ فتاوى المتشددين التي تحرم ذلك,  والحاجة شديدة لنشر المزيد من المودة والرحمة والتآلف بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والمسيحيين لمواجهة محاولات ومؤامرات نشر الفتن. ففي مصر قال مفتى الجمهورية : إن هذا الفعل يندرج تحت باب الإحسان الذي أمرنا الله عز وجل به مع الناس جميعا دون تفريق مذكرة بقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ ، وقوله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾.
واستند فضيلة المفتي إلى النص القرآني الصريح الذي يؤكد أن الله تبارك وتعالى لم ينهَنا عن بر غير المسلمين ، ووصلهم ، وإهدائهم ، وقبول الهدية منهم ، وما إلى ذلك من أشكال البر بهم، وهو قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾. هذا في مصر التي يحافظ رجال الدين فيها على الوحدة الوطنية والسلم الاهلي والأمن القومي. أما في العراق فحدث ولا حرج . وأكاد أجزم بأن الدافع الحقيقي المخفي لهكذا مواقف وفتاوى ليس الدفاع عن بيضة الاسلام كما يعتقد الكثير من المقهورين والمأسورين بأصفاد التعصب والفكر المتخشب البدوي الصحراوي , بل من أجل الغنائم والجواري (الفرهود ) التي تمكنهم من الحصول عليها بعد ان يهاجر المسيحيون بيوتهم وإعمالهم . أليست مفارقة تدعو الى الرثاء ؟.
الديانات الابراهيمية الثلاث ( اليهودية والمسيحية والإسلام ) مصدرها واحد ولكن شرائعها مختلفة ( كما يقول الشيخ عبد اللطيف الهميم ) . أما التظاهر بالغباء وعدم المعرفة والإطلاع بالمسيحيين العراقيين يؤكد ما ذكرناه من النوايا المريضة , والسيرة الذاتية لبعض شيوخ التكفير تؤكد ذلك. وكمسيحي عشت حياتي مع الجميع في المحلة والزقاق ثم المدرسة والعسكرية , ولم أسال عن الدين ولا المذهب ولا القومية , بل العكس كان الاختلاف في اللغة والعادات والتراث والدين ممتعاً وجميلاً , وهو إثراء وغنى ورصيد مثمر ومتراكم ومهم للمستقل لو أحسنا جميعاً في استثماره , وكنت راضياً عن الجميع وان لم يتبعوا ملتي !!. ولا يجوز الخلط بين المسيحي وبين النصراني المغضوب عليه , فالنصارى اُعتبروا هراطقة وكانوا طائفة  متزّمة وملتزمة بالغُسل والتطهير وتبعهم البعض من المسيحيين وليس جميعهم حينذاك . اما الاقوال القادمة من ( الفضاء الخارجي ) ومنها صوت من خلال مقطع فيديو متداول إن المسيحيين يرتكبون جميع الرذائل في ذكرى مولد السيد المسيح.  اليس هذا خطاب الكراهية وازدراء الأديان الغير مقبول في القانون ؟. وهل صحيح ان المسيحيين يمارسون الرذيلة ؟! هل من غباء اشد من هذا ؟ وهل انتهت ايام السنة ليتم ممارسة الرذيلة في راس السنة ؟ أم الغاية هو تخويف السذج من الناس بهذه الكذبة ؟ أين القضاء واين البرلمان ؟ وماذا كانت النتيجة ؟ ألم يتصاعد العدد المشارك في الاحتفال .  الاحتفال برأس السنة هي المناسبة الوحيدة التي تجمع المسيحي والمسلم ( السني والشيعي ) والكردي والعربي والكلدوآشوري بل العالم اجمعه , فلندع القلق ونبدأ الحياة بدون عُقد .

38
من حيث المبدأ ينبغي ان ندرك حقيقة ان الحركات والتنظيمات السياسية وحتى الإجتماعية الفعالة لا بد ان تمر في مسارات و دروب عديدة بسبب تباين التحديات ومنشأها وقيمها وقوتها وتأثيرها , منها المسارات المستقيمة الطبيعية ومنها المتعرج يميناً وشمالاً وصعوداً ونزولاً , ومنها من يُراد منها الرجوع الى المربع الصفر الأول وهكذا .. وقد نكذب عندما نقول ان الحركة الديمقراطية الآشورية لم تمر بمصاعب ومطبات أدت الى الى تغيرات في الوجوه والمواقع والمسؤليات , وظهور كفاءات متباينة فعدا الكفوءة المضحية , فيها الركيك والوصولي والإنتهازي , الا أن عربات القاطرة القومية للزوعا إتسعت للجميع وكانت تكفي وتلم الأصيل والطارئ والمثقف المتنورالمنتج والمتخشب في فكره وإنتماءه الطائفي , والمنتمي للأصل الحضاري العريق والآخر المنتمي للسبط والفخذ والبيتوتات !. كل هذا يحدث ونحن نعيش وضعاً قومياً ووطنياً ودينياً بائساً , وكنا نحاول مع البعض من الخيرين ان نديم عمل محرك ماكنة العمل ليستمر المسار رغم العقبات والمطبات والمعرقلات والتي جاء البعض منها من الداخل من قبل بعض المنتمين اليها والذين أرادوا سحبها ووضع العصى والأحجار أمامها , ونجحوا أحياناً عن دراية أو من غير دراية والنتيجة واحدة كما هو معلوم , وكانت الضرورة تستدعي أحياناً التجديد والبدأ من جديد وتحقق ذلك حيناً وأُثُبط هذا المسعى أحياناً عديدة .
كانت لذة العمل القومي في السبعينات والثمانينات والتسعينات والى 2003 بعد سقوط النظام السابق , لدى أصحاب المبادئ تكمن في الألم والقلق والمعاناة , وجمال الكفاح حينذاك يكمن في سريته وصعوبة إجتماعات التنظيمات بعيداً عن الأعين المتربصة من الأمن والمخابرات ووكلائهم في كل زاوية وزقاق . رغم ذلك لم تستكن الطاقات المؤسسة لتنظيمات الحركة من الظهور في التجمعات والمناسبات , والقيام بجمع التبرعات وبعض الأسلحة وكسب المناصرين والمؤيدين ودعم رفاقها في القرى والجبال , ولم يكن احداً يجرأ حتى بالتفكير بالمناصب والمواقع لانها كانت تكليفية وليست تشريفية , لان المسؤولية تليق بمن كان الأكثر إستعداداً للتضحية وتحمل العواقب أمام سلطة لا تعرف الرحمة ولا تفهم القانون .
واليوم أصبح الوضع التنظيمي معكوساً لارتباطه عضوياً بالواقع المُر الذي يعيشه شعبنا إسوة بالشعب العراقي عموماً ودول الجوار , وبات أكثر تعقيداً , وأحكمت الفوضى طوقها في العديد من المفاصل , وظهرت الطحالب في المياه الراكدة والآخذة بالجمود والجفاف . فالمسؤول في الوضع الراهن هو الأقل عملاً وموقعه أضحى تشريفاً وليس تكليفاً , وهو أول من يستفيد ويبحث عن الشهرة والوجاهة ليصبح مادة للتداول وحديث الناس , ويكفيه ان يلبس البدلة وربطة العنق ( لوازم العمل ) لينشر صوره ونشاطاته في المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي مبتسماً مع شخصيات إجتماعية أو سياسية أو دينية أو في مآدب تذكارات القديسين !., وليس مجبراً عن القول عن ماذا توصل وماذا إتفق وعن الفائدة المرجوه من تحركاته ( الميمونة ) , ولكن وحينما تأتي ساعة المصارحة والتقييم ترى النعاس في عينيه الغائرتين و ( المحدقة نحو المجهول )!!. ولن تلقي منه لا خير ولا شر ولا حق ولا باطل فهو يكفيه ما سطر له سجل الخالدين من بطولات .
بعد سقوط النظام وتدافع وتزاحم العدد الغير قليل ممن فقدوا بوصلة العمل القومي وإنتظموا في صفوف الحركة منساقين بالعواطف والمشاعر القومية ( الرقيقة ), وطفا على السطح البعض ممن لم يألوا جهداً من طرح إجتهاداتهم وأفكارهم ( النيّرة ) , وكثيراً ما عانينا من تلك الترهات والتصرفات العقيمة التي لا تمثل منهاج ولا منطلقات ولا تاريخ الحركة بأي شكل من الإشكال , وبالنتيجة أخذنا ندفع ثمنها وأصبحنا في موقع المتهم أمام المتصيدين والمترهلين امام أجهزة الكمبيوتر , والحركة لا ناقة لها ولا جمل . ومثال على ذلك :  قبل سنوات وأبان ازمة الأسقف المعزول من الكنيسة الآشورية , إنبرت إحدى الرفيقات من شيكاغو وبتصرف شخصي بحت للدفاع عنه بغباء أهوج وسذاجة , بعيداً عن منهاج الزوعا الداعي عدم التدخل في شؤون الكنيسة . وبالنتيجة جعل العديد يعتقد بأن الحركة تلتزم بطرف ضد طرف آخر , والعكس هو الصحيح ,فأنه ليس من مصلحة الكنيسة ولا الحركة حدوث إنشقاق كنسي مضاف الى الأجزاء الموجودة , فالوحدة الكنسية تدعم وحدتنا القومية , لأن الحركة تدعو مخلصةً الى الوحدة ونبذ الفرقة في كنائسنا التي لا تختلف في شيئ في طقوسها . ولن نستطيع نسيان المندفعين والخارجين عن عقالهم في غرف المحادثة والفيس بوك والمواقع الالكترونية ممن لم يتخمر النضال والكفاح في عقولهم ومخيلتهم ولم يسمعوا بشيء إسمه المنهاج ولا بالدورات الحزبية والثقافية والتنظيمية !.
بعد عقد أو من عقود من العمل القيادي في الزوعا , وبعد المشاركة الفاعلة في صياغة قرراته , شعر البعض بانه لا يمكنه الإستمرار .. وهنا لا بد أن نتوقف ونسأل : هل كانت مشكلتهم قديمة ولم يستطيعوا حلها , اذا لماذا لم يغادروا حينذاك ؟ أليسوا مسؤلين عن تلك الأخطاء والترسبات التي عايشوها ساكتين عنها ؟. أما إذا كانت المشكلة حديثة , وبحسن نية نفترض بأن لا علاقة لها بالمناصب والكراسي , فعليهم التحلي بالصبر والالتجاء الى الأساليب التنظيمية ( التي ساهموا في ترسيخها )!. وشخصياً ولكوني خبرت العمل مع رئيس الجمعية الخيرية الآشورية والنائب السابق للسكرتير العام ورأيت اعمالهم على الأقل في كندا , فاني احملهم مسؤولية الوضع البائس للقاطع وما قاموا به وأدى الى ذوبان وإضحملال القاطع واللجنة الخيرية  وتحولها الى أطلال تسكنها الأشباح .. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا القيادة .

ملاحظة المُضطر :- لا أحد كامل وكل إنسان معرض للأخطاء . ومن مصلحتنا التجديد وإصلاح الخلل , ولا مصلحة شخصية لي في الموضوع ولا احسن التزلف والتسلق , ولا أنتظر من القيادة مساعدتها في الحصول على حقوقي باعتباري سجين سابق !.

39
بعد تصاعد الدخان الأسود للانتخابات .. متى يظهر الدخان الأبيض ؟ بعد قرن ؟! .

( بعد حرق صناديق الانتخابات , خرج الدخان الاسود معلنا رفض الوجدان العراقي وضميره الأسماء الفائزة زوراً )

المأساة المستديمة والحرب القائمة على الديمقراطية وباسم الديمقراطية أخذت تسير بسفينة العراق نحو بحر متلاطم وأمواج هائلة وعواصف ومآسي ما تنتهي احداها إلا لتعقبها أخرى لا افق منظور لها , وكان آخرها الجفاف والتصحر والأجواء المغبرة والحارة إضافةً الى فقدان الامن والأمان والفقر والنزوح والطائفية المقيتة وتسلُح العشائر والمناوشات والتوتر الدائم فيما بينها لأتفه الاسباب , عدا سيطرة الفساد السياسي والإداري على مفاصل العراق . وجاءت الإنتخابات الأخيرة لتضع العراق امام مصيره المجهول المظلم , ولم يكن أمام  قادتنا وسياسيينا الاشاوس سوى تأجيل هذا المصير وليس تجنيب الفقراء والنازحين من دوره المحتوم .   وللعودة الى ماضي العراق وتأريخه , نلاحظ ان السيادة الحقيقية لأرض عراق بين النهرين ( ميسوبيتاميا ) وهويته الرصينة ورفاهيته وإبداع ابناءه تبلورت في الفترة المؤسسة للحضارات في سومر وأكد وبابل وآشور , وبعده أصبح العراق  ملغوماً وجريحاً وملعوناً وملعباً للغير !, وما كان أن يستقر حيناً حتى تهب عليه رياح الشؤم والظلام لترمي به كريشة في مساحات مستباحات , وتُصيّره الأهواء بإشكال هلامية غريبة لا تُعبر عن حقيقته الحضارية الأصيلة مطلقاً , و تُسرق منه كنوزه الحضارية والمادية والتي لا زالت مواداً دسمة ومغرية لأطماع الغير من دول الجوار والإقليم ومن قارات ومناطق نائية من المسكونة . والتاريخ الحقيقي بات تاريخ المجازر والمذابح والإبادة وسيرة الشهداء والهجرة , وصراع الدول والقوميات والمذاهب المختلفة وكذلك صراع الأمراء والخلفاء على الخلافة والغنائم والسبايا , وتفشي القوانين القرقوشية  القاسية المنتهكة لأبسط مستلزمات العيش , وبالتالي ترك الملايين من أبناء أمتنا حينذاك انتماءاتهم القومية والدينية , وأنظم الجلادون الى الضحايا بعد الإطلالة المشئومة للمغول والتي حرقت الاخضر واليابس وأسقطتنا في دهاليز السبات الطويل الممتد لقرون عديدة ماضية .

أين الخلل ؟.

 حينما تهدأ النفس وتنطوي بعيداً عن الضجيج وتأخذ بالتفكر عن عموم الحالة وعن السبب الذي يؤدي بإنسان بمستوى وزير عراقي أو مسئولا كبيراً في الحكومة العراقية اللجوء الى الفساد والرشوة والمحسوبية , وعن سبب التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات السابقة والأخيرة , لن تجد جواباً سوى مراجعة علم الاجتماع والاستعانة بأهم ما كتب الدكتور علي الوردي عن ازدواجية وطبيعة الفرد العراقي وصراع البداوة والحضارة . فالغوص في افكار الدكتور الوردي وتحليلاته المبدعة يزيل العجب والاندهاش . فعشق المناصب والمسؤولية والتحكم بمصائر الغير تراث طويل في النفسية العراقية , ويليها غياب الشعور بالمواطنة ومصلحة الامة والشعب ثم الاستعداد العالي للاقتتال من أجل مصلحة الطائفة والعشيرة , وكل شيء غير ذلك فهو حلال وبطولة وفروسية وشجاعة يفتخر بها أمام أبناء الطائفة والعشيرة اللتان تقومان مقام الدولة لأنهما توفران الأمن والضمان والرعاية !. ومهما حاولت  محاربة هؤلاء وإبعادهم عن المسؤولية فهناك الآلاف ممن ينتظر ليسقط بنفس الآفة ويسير على ذات الدرب بعد تسنح له الفرصة الذهبية ويرى نفسه وقد أصبح مسؤولاً رفيعاً , لذا تراه متأففاً ومستنكراً و منتقداً الديمقراطية التي لم تؤدي به الى الإثراء السريع والحمايات واللعب بالأموال وقد يخرج في الصف الأول من المظاهرات والإعتصامات وفي قراره نفسه يقول : لا أحد غيري يستحق المناصب والمزايا وستروني كيف أنتقم لأهلي وعشيرتي ! ( وهي غير دايمة لأحد ) ( انطوني شهر واحد يكفي )!. , والمفارقة الأدهى ان أساطين وقباطنة الطائفية نزعوا ثوبهم ( بل أثوابهم ) وأخذوا يدعون الى المواطنة وعبور المحاصصة والطائفية المقيتة , ليصبح المواطن العادي حاملاً حقوقه معه وحائراً الى أي اتجاه يذهب وهو يرى الجلاد أصبح حكماً والداء تحّول الى دواء !. العراقي يتلذذ بالسياسة ويعشقها , ويقضي أوقاته في النقاش والتحليل وسرد المواقف والأخبار والحديث عن بيع الأصوات الانتخابية والتزوير وبيع المناصب بملايين الدولارات , وأخيراً الأخبار العاجلة والمتداعية عن الدخان الأسود في الرصافة إثر حرق صناديق الانتخابات وحواسيب المراقبة والجداول , هذا الاهتمام جعل البعض وهم ليسوا قلة لا حول لهم ولا قوة  , خارج الزمان والمكان لحد ما , وفاقدين الإحساس الكافي وابسط المشاعر الإنسانية الضرورية . فبعد ان يشتكي الجميع ويتألمون من أجل اللذين سقطت البيوت عليهم  في مدينة الصدر والتفجيرات الصغيرة هنا وهناك وقبلها جرائم داعش وسبايكر والتي أصبحت عادية ,  ينتهي الجميع بعبارة معروفة : الله يرحمهم !. والجميع متيقن بأن دم العراقي أصبح رخيصاً , والشاطر من يقفز من السفينة قبل أن تغرق تماماً .

الكوتة وجـرة العسل

كان الدب الروسي في افلام الكارتون يسرق العسل من أحد البيوت الى ان شاهدته بنت الدار يوماً وهو يلحس أصابعه , فصاحت على أمها مشتكية من الدب , وتحرج الدب وإنكسف وأحمر وجهه وولى هارباً !. فنصحتها أمها بأن تخفي جرة العسل . الا ان البنت أجابت : لا مكان في البيت يمكن إخفاء العسل فيه . وهذا تماماً قصة الكوتا الذي لا مكان لنا لنخفيه عن الدببة والتي تلحس علناً ولا يحمر وجوهها وهي تملك اطناناً من العسل في بيوتها ! , وسيأتي اليوم الذي سنرى ممثلينا في الكوته من الأحزاب الشقيقة الكردية والعربية , ( مشكورين جزيل الشكر )! , مستميتين الدفاع عن وجودنا وحقوقنا , بل سنستغرب كثيراً إذا لم يشاركوا معنا ( ويحملوا العبء ) ..  وبدلاً من أن نلعن الظلاميين وأذنابهم والمستفادين القُربي والبعاد , وكما وبدلاً من أن نلوم أحزابنا العاملة في الوطن , علينا أن نلوم أنفسنا في المهجر ولنا عمل كبير وكثير وحقيقي إن كنا نريد , وليس بالمزايدات والعواطف الإنشائية واللوم والنقد الهدام . 

40
مقدمة
بعد انقلاب تموز عام 1968 بدأ النظام السابق بتسوية العلاقات وترميمها وتنظيفها من رواسب وأدران الماضي مع الأحزاب الوطنية والكردية واليسارية وحتى مع الطبقات الاجتماعية والدينية والعشائرية , ولكنه كان يقوم بالخفاء يخطط ويوثق حالات المعارضين والأسماء المناوئة لحكمه من أجل اصطيادها وإيقاعها في الكمين في الفرصة المناسبة , ودعا جميع القوى السياسية حينذاك للانخراط في الجبهة الوطنية التقدمية , ولكنه وبعد سنوات ( العسل ) إنقلب عليهم وأخذ ينكل بهم ( تمسكن النظام حتى تمكن ) . وفي ضوء تلك السياسة دعا النظام الرمزين التاريخين المرحوم البطريرك مار أيشاي شمعون ومالك يعقوب وخروج الالاف في الاستقبال الاحتفالي الذي تم في مطار بغداد والكنائس في العديد من المدن العراقية  ولا ننسى ان جيل هجرات مذابح هكاري وسميل والثورة الكردية كان لا زال يعيش بيننا متفاعلاً مع الرموز القومية القادمة وسارداً تفاصيل المعاناة والمذابح والهجرات التي حصلت والآمال المعقودة على عودة الرمزين في ظاهرة لم يشهدها شعبنا مسبقاً . تنامى الوعي القومي عند مختلف شرائح شعبنا , وأصبح هاجساً يومياً ومادة للتداول والنقاش في أغلب المناسبات , وتحولت تلك النهضة الى صور ولغة ورموز تشكيلية فنية وأشعار وأغاني ومسرحيات تحت رعاية الجمعيات والمراكز الثقافية والرياضية والاجتماعية , والبعض الأخر أخذ يبحث عن طريقة لتأطير انتماءه وخصوصيته القومية من خلال الانضواء تحت لواء الأحزاب الوطنية والكردستانية , وسرعان ما تراجع البعض منهم بعد ان تلمس اهتمام تلك الأحزاب بمصالحها ( وهي غير مُلامة على ذلك ) والتي لا يتطابق الكثير منها مع رؤى وأماني ابناء شعبنا , والأمّر من ذلك ان بعض تلك المفاهيم والطروحات الرئيسية كانت تتناقض وتحمل سوء فهم اتجاه قضيتنا !.   
الخطوة الأولى للتأسيس
تصاعدت الرغبة بتشكيل تنظيم قومي ووطني لدى القيادة المؤسسة للحركة الديمقراطية الآشورية ليتصدى للمهمة القومية ويلبي طموحات شعبنا ويخاطب العديد من التجمعات الشبابية في المراكز الاجتماعية والدينية بعد تصاعد الاهتمام بالسياسة والفكر واللغة والإعلام , وحصلت لقاءات عديدة واتصالات بين الكتل والأفراد ذوو الإتجاه القومي من بغداد وكركوك والموصل لتشكيل تنظيم  يلّم القوى ويجمعها ويستثمر الجهود وينطق باسمها أمام الوضع الوطني والعالمي , ويكشف حقيقة المعاناة والمآسي التي المّت بشعبنا , والمشاركة والشراكة في القرار السياسي الوطني انطلاقا من أصالة شعبناً ومشروعية قضيته التي هي قضية العراق بشكل أو بآخر , والتي تنسجم وتتوافق مع حق المواطنة عموماً وحقوق المذاهب والقوميات التي لا تتناقض مع مصلحة العراق و مستقبله  لفتح جسور وقنوات الحوار والتآخي مع جميع العراقيين . تجمعت الكوادر والكتل والتجمعات من أجل تأسيس وولادة تنظيم , وتم إنجاز التأسيس في 12 نيسان من عام 1979 وتأسيس تنظيمات المدن في المحافظات في ظروف  وطنية تبدو مستقره في ظاهرها ولكنها تحمل العديد من الكمائن والجمرات في بواطنها , حيث تصاعد التوتر مع الاكراد و شيعة الجنوب ولم يكمل العام الأول من ولادة الحركة الا وكانت القوات العراقية والإيرانية قد بدأت القتال وعمليات القصف والدمار التي امتدت لاحقاً الى المدن والقرى العراقية , وغابت بذلك خيرة الشباب والكفاءات التي كان من الممكن ان تساهم في دعم وتعضيد العمل القومي , وعانى شعبنا في ظل الحرب أيضاً من فوضى مصادرة الحريات جميعها بحجة ظروف الحرب ومتطلبات المرحلة . كما أن مناورات السلطة الحاكمة السياسية والشعارات الوطنية الجوفاء كانت تنقشع من أمام الأنظار بسرعة أمام حرارة التنكيل والقمع وفساد الاجهزة الأمنية والتقارير الجاهزة لرفاق البعث . بدأت نشاطات أعضاء الحركة منذ البداية في شمال الوطن بزيارة القرى والقصبات للتعريف بالتنظيم وكذلك عقد لقاءات مع احزاب المعارضة الكردية والعراقية من أجل التنسيق والعمل المشترك داخلياً وخارجياً . كما أن الاعضاء المؤسسون من تنظيمات الداخل شرعوا في نسخ نشرات وبيانات الحركة وجريدتها المركزية ( بهرا ) وتوزيعها للأعضاء والمؤازرين والى أبناء شعبنا جميعاً دون التوقف عند عشيرة أو مذهب معين أو تسمية والتي لم تكن معروفة ومتداولة حينذاك أصلاً .
دانيال سليفو

41
كان الرفاق الاوائل يشعرون بمراقبة السلطات الأمنية لنشاطاتهم التنظيمية بداية الثمانينات من القرن الماضي , وقد تم مناقشة الموضوع في اجتماع تنظيم بغداد ( الدورة ) في الشهر الرابع من عام 1984 بحضور الشهيد الخالد يوبرت الذي تحدث عن كونه متأكد من المراقبة وبالخصوص بعد مطالبة الجهة الأمنية في الشركة التي يعمل فيها التعهد بان لا يعمل في أي جهة تعمل ضد الحزب والثورة !. وقال مبتسماً : يريدون إلزامنا بالتوقف عن نشاطنا في إنقاذ وجودنا وصمودنا في المدن والقرى !. كان الشهيد يوبرت مستعداً للشهادة مدفوعاً بإيمانه بالقضية ، وكان يكرر بأن الخوف من الموت يؤدي الى الرضوخ والسكون والضعف أمام الانتهاكات وإبقاء الحال على نفس المنوال ، ويقول مراراً بأن القضية لكي تعيش تستوجب بان يضحي أبناءها "الثورة تأكل أبنائها " . وخلُص الإجتماع الى أن استشهاد رفاقنا جميل وشيبا قبل شهرين من ذلك الاجتماع يرفع درجات الاصرار بالاستمرار بالمسيرة وفاءاً لهم ولمبادئ ونهج الحركة وبأن السلطة تنوي من خلال تشديد مراقبتها وخنق انفاس اعضاء الحركة ومؤازريها بان يتم إطفاء شعلتها لتنسحب من النشاط التنظيمي القومي والوطني . وأهم ما أتفق عليه المجتمعون هو ان الاعتقالات والمطاردات وعمليات التهديد والوعيد والتي طالت عددا من الكفاءات والنخب القومية والثقافية ستؤدي الى رفع نسبة التعريف بعدالة قضيتنا المنسية الى مستوى أرفع وأعلى والتوكيد على طبيعة النظام البعثي القمعي العراقي للمجتمع الدولي والى دول ومنابر عالمية وأممية معتبرة ومؤثرة حول العالم .. وهذا ما حصل فعلاً  في اواسط تموز 1984 . إذ أدت تلك الممارسات الهمجية باعتقال مجموعة خيرة من الرفاق الأوائل ووضعهم في زنازين الامن العامة وتعذيبهم بالقابلات والصعق بالكهرباء والتعليق والتهديد بالشرف والعرض ايضاً , ثم محاكمتهم في محاكمة صورية سريعة في تشرين ثاني 1984 وعزل المحكومين بالإعدام عن المحكومين بالمؤبد في زنازين مختلفة . وظلت أخبار الشهداء المحكومين تصل الينا اسبوعياً من خلال الجنود والحراس الأمنيين وموزعي الارزاق والمنظفين السجناء الى انقطع التواصل فجأة في الاسبوع الاخير قبل عملية الاعدام والتي تمت في 3 شباط 1985, وجاء الخبر الصاعقة من ذوي الشهداء وأقاربهم في زيارات السجن ( المواجهة ) الذين شرحوا عمليات التعذيب الاخيرة التي تمت بأجسادهم الطاهرة. مما صعّد لدينا درجة الغضب والإصرار على الصمود وتحّمل المشقات وكانت إجاباتنا لمن أراد إخراجنا من المعتقل من ذوي النوايا الحسنة بأننا لن نخرج حتى لو فتحوا ابواب السجن أمامنا لأننا أصحاب قضية وخروجنا يعني تنازلنا عن مبادئنا وعن دم الشهداء .   
 الشهيد يوسف توما يتصف بالهدوء والأخلاق الرفيعة وكان يحمل الكثير من الحكمة والوعي بقصص الشهداء وحركة الشعوب نحو الانعتاق .. وحينما كنت اتحدث عن الشهادة والاحكام الجائرة التي تنتظرنا , كان ينصحني  بان يتم تأجيل الحديث عن الشهادة الى أن تتوفر مستلزماتها لدى الجميع وتتكامل عن وعي عميق واستعداد وتضحية ولان الشهادة تأتي في المراتب العليا من الوعي القومي والسياسي ، وإنها ستأتي بعد نضوج المفردات التنظيمية والثقافية. وكان الشهيد يوخنا يعيش معاني الشهادة في حياته ويدرك تماما همجية النظام وإسلوبه القمعي ، ويحلل الأمور بلغة المنطق والواقع الذي لا يعرف المفاصلة والمداهنة حينما يتعلق الأمر بالمصير , ولكنه كان يتمنى أن تتاح له فترة أطول ليقدم المزيد من العمل لصالح القضية لأننا ما زلنا في بداية الطريق وأمامنا الكثير لكي نعمله .
شهداءنا ساروا بخطى واثقة في طريق التضحية ، وكانوا يعلمون بأن ذكراهم ستظل حية في القلوب  وبأنها ستظل ذخراً هادياً وخميراً حيّاً  لرفاقهم وشعبهم ، وكانوا على حق ، إذ ظلت المسيرة قائمة وساروا آخرون على خطاهم . مبروك لكم ما نلتوه من وسام المحبة والتعظيم ، فمسيرتكم ما زالت بأيدي أمينة من الآلاف الذين رخصوا حياتهم للدفاع عن الوجود وعن المستقبل ضد العنجهية والظلامية . ولتسكن أرواحكم ولتهدا النفوس فأن طواغيت الماضي قد اخزاهم الله بفناء أبدي ، وهو ذات المصير الذي ينتظر جهلة اليوم .
دانيال سليفو




































































































































































 

صفحات: [1]