عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - سمير عادل

صفحات: [1]
1
للبلطجة عناوين أخرى
حول ضربة إيران لإسرائيل
سمير عادل
 
 التاريخ (لا) يكتبه المنتصرون مثلما تعودنا سماعها، إنما التاريخ يكتبه في أحد أوجهه البلطجية. هذا ما فعلتها الضربة الإيرانية على إسرائيل.
لن يجرع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية الهزيمة في مكانين وفي توقيت واحد. فكل ما قدمه الى نظام كييف ورئيسه زيلنسكي الذي بات أكبر من حجمه، بسبب النفخ فيه من قبل الغرب وتقديم الدعم له من سلاح ومال وآلة دعائية وإعلامية ضخمة وعدد ليس قليل من المرتزقة، إلا أنَّ كل ذلك لم يسعف قواته أمام روسيا التي باتت قواتها تتقدم وتلحق الهزائم بالقوات الأوكرانية في دونباس.
الرد الغربي على رد فعل ايران ــ إزاء قتل قادتها من الحرس الثوري من الصف الأول في سوريا من قبل إسرائيل، وفي نطاق سفارتها وقنصليتها ــ يكشف أبعد مما كشفته هشاشة الدعاية الحربية الإيرانية وآلاتها العسكرية، فالمسألة لم تكن أبدا ــ وبعكس كل الادعاءات الكاذبة والزائفة ــ بأن ايران تحاول جر المنطقة الى الفوضى والحرب، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا تحديدا، وهم من خلقوا أرضية لجر منطقة الشرق الأوسط الى حرب إقليمية عبر عسكرة البحار، وعن طريق غض الطرف عن وحشية الالة العسكرية الإسرائيلية التي قتلت الى الآن وفي ظرف ستة اشهر أكثر من ثلاثة وثلاثين ألف ضحية من الفلسطينيين نصفهم من الأطفال، إذ حولوا غزة بحق، إلى اكبر مقبرة لأطفال في التاريخ والعالم.
إنَّ الغرب لم ينبس بينت شفة لإدانة واحدة تجاه ما أقدمت عليه إسرائيل بالدوس على "قانونهم الدولي" عندما وجهت ضربة عسكرية (لسيادة) إيران في سورية، في حين يتبجحون بكل صلافة أن إيران خرقت القانون الدولي. وابعد من ذلك فإننا نراهم يعزفون على وتر واحد من ماكرون فرنسا وبايدن أمريكا وكاميرون بريطانيا، حيث حذر الجميع نظام طهران من أي عمل عسكري تجاه إسرائيل، مثلما عزفوا على وتر اجتياح القوات الروسية الحدود الأوكرانية.
وبعكس كل ما قيل وكتب وملئت مواقع التواصل الاجتماعي من سخرية واستهزاء وتنفس الصعداء عن فشل الضربة العسكرية الإيرانية ، وإعلان بايدن انتصار إسرائيل، فالجميع يعرف بما فيها قادة الغرب، أن الضربة الإيرانية كانت لها رسالة سياسية، وغير معنية بالحاق الأضرار المادية بإسرائيل، وقد حققت هدفها وهو الجسارة على ضرب إسرائيل بالرغم من وجود الحلفاء الغربين وقادتهم العسكريين الذين لعبوا دورا في إفشال الضربة العسكرية عن طريق تهديداتها وتحذيراتها واستخباراتها وأجهزتها العسكرية والمساهمة العملياتية بإسقاطها للصواريخ والمسيرات الإيرانية.
بيد انه على البعد الآخر، كشفت محدودية الضربة الإيرانية عن أنَّ جميع ادعاءات نظام طهران حول غزة والقضية الفلسطينية وتحرير القدس، ليس إلا فقاعات إعلامية للاختباء تحتها، وإخفاء تمددها القومي ونفوذها السياسي في المنطقة. فغزة وأطفال غزة والأقصى ليسوا إلا عناوين لإغراق ما تبقى من الحمقى في الأوهام. فالاستراتيجية السياسية الإيرانية هي الاستثمار في الدول الفاشلة. والدول الفاشلة لن تستطع تأمين لقمة عيش وأمان بالحدود الدنيا لمواطنيها، فكيف بإمكانها تحرير فلسطين وإنقاذ أطفال ونساء وشباب وشيوخ غزة من براثن دولة إسرائيل الفاشية. فكل تصريحات القادة الإيرانيين للناي بنفسها عن أية حرب قادمة بدءا من وزير الخارجية اللهيان ومرورا بقائد الحرس الثوري وانتهاء بأصغر موظف في السفارة الكويتية يعلنون تباعا بأنها اكتفت بالضربة التي وجهتها، أمّا وحدة الساحات التي أصموا آذاننا بها فإنَّها لن تغادر الجعجعة الإعلامية.
 
في خضم هذا الصراع، وتصاعد حدة العسكرتاريا في المنطقة، ليس هناك مكان لإدانة هذا الطرف أو ذاك، إنَّما الإدانة والشجب للصراع القائم الذي له عنوان واحد خادع وهو القضية الفلسطينية، لكن من ناحية المحتوى فإنَّ الصراع هو صراع جيو سياسي، يدفع الشعب الفلسطيني ثمنه من دمائهم وحريتهم ومصيرهم ومستقبلهم. لقد نجح نتنياهو والحكومة النازية الإسرائيلية في كسر عزلتها وطمس حقيقة جرائمها في غزة، كما نجحت إيران في إعادة الثقة لحلفائها في المنطقة والإيفاء بالقليل من وعودها بالرد على انتهاكات إسرائيل لأمنها وإعادة بعض الماء الوجه لها وتنفيس الغضب الذي كان يعتصر مناصريها وصف من المتوهمين بها بحجة محاربة (الإمبريالية).
لكن بعد ما حدث فهناك مسألتين ستطفو على السطح، الأولى هي أنَّ السياسة الغربية في المنطقة ستأخذ منحى آخر، وان الضربة الإيرانية سواء كانت فقاعة إعلامية أو لم تكن، فهي سترتب اصطفافات سياسية جديدة وتصوغ معادلات جديدة، أمّا المسالة الثانية فأن القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا والسعودية والامارات لن تبتلع ما أقدمت عليها إيران بسهولة.
الضربة الإيرانية على إسرائيل قامت بالتشويش على جرائم إسرائيل وحربها في غزة، وحرفت الأنظار عنها بدعم الآلة الدعائية الغربية، وبالرغم أنَّ ذلك لن تدوم طويلا، لكن إسرائيل تحاول شراء الوقت باي ثمن لإطالة أمد وحشيتها في غزة والضفة الغربية في المنطقة.
وأمام هذا الغبار الذي أحدثه احتدام هذا الصراع الرجعي في المنطقة، يجب ألا يغيب عن بالنا أنَّ حل القضية الفلسطينية وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة وعبر دعم القوى التحررية في العالم هو خطوة نحو سحب البساط من تحدت أقدام المزايدين على القضية الفلسطينية أو رافعي لواء الحرب على الإرهاب، وأيضا جزء من استراتيجية إبعاد منطقتنا من العسكرتارية والتهديدات والحروب.
 
 

2
طواحين الهواء تعود من جديد بعباءة بعثية
لماذا هذا الهلع من البعثيين!!
سمير عادل
 
أكثر من عشرين عاما على اسقاط النظام البعثي على أثر الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، وما زالت الشلة الإسلامية، التي جاءت تحت حراب المارينز ودبابات ابرامز وطائرات أباتشي ليتم تنصيبها على رقاب جماهير العراق، ترتعب من اسم البعث والبعثيين.
أكثر من عشرين عاماً من تنصيب الأحزاب الإسلامية الشيعية وتياراتها في السلطة، حيث شكلت مليشيات مختلفة، أخرها كان (الحشد الشعبي) عندما فشلت في تأسيس "الدولة" بالمعنى الأمني والعسكري، وعقيدة ذات هوية وبغض النظر عن محتواها، إذ تبخرت "الدولة" أمام ٢٠٠ عنصر من عصابات داعش في حزيران من عام ٢٠١٤، تاركة ورائها ما لذَّ وطاب من آلة القمع العسكرية التي أنفق عليها المليارات من الدولارات من قبل الأمين العام للحزب الدعوة الإسلامية ورئيس الوزراء نوري المالكي والوكيل الحصري للاطار التنسيقي الحالي(تحالف من الأحزاب الإسلامية والمليشيات التابعة لولاية الفقيه).
أكثر من عشرين عاما وما زال شبح البعث يطاردهم في منامهم وأحلامهم ويقظتهم، و يرتعبون من صورة للنظام البعثي على الموبايل أو يحملها شخص أو يرسمها شخص ما، بل وانهم ومن شد ما ينتابهم من (البعث فوبيا) يتخيلون طواحين الهواء بعثيين، مثلما كان يتخيله دون كيشوت الذي جاء في رواية ميغيل سرفانتس.
ومصدر هذا الهلع والخوف من البعث ليست جرائمه، بحقهم، وبحق المعارضين الذي كان في مقدمتهم الشيوعيين، منذ أن نظموا لهم حفلة عرس الدم في انقلاب ٨ شباط، ١٩٦٣، وفتحت بيوت اجداد قسم ممن هم اليوم في السلطة، مقبرة للشيوعيين مثل محمد مهدي الخالصي وغيره، محتميا بفتوى محسن الحكيم (الشيوعية كفر والحاد) الذي كان يشغل منصب المرجع الشيعي الأعلى حينها،  وبدعم المخابرات والبريطانية والأمريكية. وليس مصدر ذلك الهلع أيضا عقدة الشعور بالذنب تجاه البعث، عندما شرعوا القوانين مثل "اجتثاث البعث"، وبموجبه قطعت أرزاق آلاف من الذين أرغموا بدخول حزب البعث للحصول على وظيفة، أو ذريعة لإبعاد المخالفين وتصفيتهم سياسيا.
إنَّ الهلع من البعث، وبعد أكثر من عقدين من الزمن يكشف دون أي لبس ولا مواربة، تلك الهشاشة السياسية والمكانة الاجتماعية لهذه الجماعات وسلطتها المليشياتية الجائرة والفاسدة. والحق يقال أنَّ هذه الجماعات لم تذخر جهدا أو مسعى لتجذير تيارها وترسيخه في ارض المجتمع العراقي، فقد قامت بعمليات القتل والتصفيات الجسدية وشراء الذمم والزبائنية، والتطهير الديموغرافي، وتفتق خيالهم في سن القوانين أو تسخيرها في خلق الذرائع للترويج لأفكارها وعقيدتها مثل معاقبة أصحاب "الفيديوهات الهابطة" دون أي مسوغ قانوني واي معيار، ومحاكمة كل من يستخدم مصطلح "الجندر" والمثلية"، أو الأنفاق الهائل على المواكب الدينية واستغلال مناسباتها، ومحاولة لخلق تحريك مشاعر شعبوية حول مسألة حرق القرآن، وغير ذلك، لكن المعطيات الواقعية تثبت بأن تلك الجماعات فشلت في احتلال مكانة ما داخل المجتمع وفي صفوف الجماهير. ولذلك نجد أنَّها مرتعبة ليس من البعث وحسب بل من أي راي معارض.
ولا يمكن تحليل هذا الرعب، من (بعبع البعث) الذي يجتاح صدور هذه الجماعات من منطلق نفسي وانتقامي، أو في أفضل الأحوال بأن هذه الجماعات تحاول إشغال الجماهير وجرها الى مكان آخر للتغطية على فسادها ونهبها وجرائمها بحق جماهير العراق. نعم هذا التحليل يمكن الوصول إليه كتحصيل حاصل، ولكن لا يمكنه فك لغز ذلك الرعب، اذ يسقط أي ذاك التحليل في السطحية والابتذال، وبالتالي لا يمكن البناء عليه، ومن ثم لا يمكن وعي الأرضية السياسية والاجتماعية التي نقف عليها لطي صفحة أكثر حثالات المجتمع سياسية واجتماعية وكنسها من التاريخ.
ثلاثة مسائل تجعل سلطة الإسلام السياسي الشيعي الحاكم ترتعب من البعث، الأولى أنَّها تدرك بشكل واعي بأن من اسقط النظام البعثي يمكنه من جديد إسقاطها، فاذا كان الأول تيار سياسي اجتماعي ومتجذر وممثلا للتيار القومي العروبي في العراق والمنطقة، ومع هذا دفن في مكان ما من التاريخ، فإنَّ الإسلام السياسي الشيعي الذي لم يستطع أن يتحول الى تيار معتبر اجتماعياً، بالرغم من سيطرته على السلطة وله بعد إقليمي وداعم له وهو الجمهورية الإسلامية في ايران، يخشى من ذات المصير، واكثر ما زاد من درجة ومساحة هذا الرعب هو شبح إعادة طالبان الى السلطة بعد عشرون عام من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، فالخوف كل الخوف من إعادة نفس السيناريو في العراق، وخاصة بعد حرب إسرائيل على غزة والمساعي لإعادة صياغة معادلات سياسية في المنطقة. وهذا يثبت صحة ما نذهب إليه وهي هشاشة المكانة السياسية والاجتماعية لهذا الجماعات التي لن تستطيع أن تحكم ليوم واحد دون دعم دول لها والتفنن باستخدام آلة القمع.
بيد ان هذا ليس كل اللوحة، فما يعزز هذا الشعور أو يرفع من درجة (البعث فوبيا) عند هذا الجماعات، والذي يعد العامل الثاني هي كابوس انتفاضة أكتوبر، على الرغم من إشراف مستشاري الحرس الثوري الإيراني على قمع الانتفاضة عبر قناصة المليشيات الموالية لها، من أعلى أسطح البنايات، إلا أنَّ العشرات من مقرات الأحزاب الإسلامية حرقت في قلاع هذه الجماعات ومخابرات الجمهورية الإسلامية، والجميع ولوا هاربين إلى ما وراء الحدود باتجاه حدود (البوابة الشرقية للامة العربية). الم تكن هذه البوابة نقطة مواجهة دموية بين التيار القومي البعثي الذي قاده صدام حسين والتيار الإسلامي الذي تزعمه الخميني! وكل ما دار من حلقات سياسة وأمنية وعسكرية وعمليات التصفية للقادة والضباط الجيش والبعثيين بعد احتلال العراق من قبل المخابرات الإيرانية، وكان يخبأ الغرض الرئيسي منه وهو تصفية ذلك التيار القومي باي شكل وباي ثمن، لان الجماعات المنتمية الى تيار الخميني، يدركون أنَّ منافسهم هو التيار القومي العروبي ومن الممكن له أن يزيحهم في أي لحظة كانت، وبنفس السيناريو الذي تم إزاحة غريمهم الأول.
أمّا العامل الثالث، فهو فشل هذه الجماعات من قلع جذور المدنية والتحضر من عمق تاريخ المجتمع العراقي، بالرغم من أنها قد صبت كل مساعيها في تحويل العراق الى مكب لنفايات الأفكار الرجعية والعفنة والمنفصل عن التاريخ الإنساني، فهي لا تؤمن سوى بالغيبيات ومحاولة لاسر مخيلة المجتمع بانتظار الخلاص الأبدي والذي يسمونه (مهدي المنتظر)، للحيلولة دون أن تمتد يد الجماهير الى سلطتها وانتزاعها منها ومحاسبتها على كل فسادها ونهبها، بنفس القدر تدرك أنَّ مأثرها  وخلال عشرون عاما من سلطتهم لم تقل إجراما عنما فعله النظام البعثي، فاذا كان البعث (طب ساكت) كما يقول اللهجة المصرية، فان سلطة هذه الجماعات لن تكن في افضل حال منه، وهي ما تدركه جيدا.
 
 

3
الخيار بين المشروع الإيراني والمشروع الأمريكي في العراق والمنطقة
سمير عادل
 
ان الخيار بين المشروع الإيراني والمشروع الأمريكي في المنطقة وخاصة في العراق، هو الخيار بين الكوليرا والطاعون، عندما وصفنا الخيار بين ترامب وهيلاري كلينتون في الانتخابات الأمريكية عام ٢٠١٥.
المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي تحدث قبل أيام؛ بأن إيران أفشلت المخطط او المشروع الأمريكي في المنطقة، وكان يقصد بشكل خبيث كي تتسيد البرجوازية القومية الإيرانية المنطقة ولكن ما هو المشروع الإيراني البديل الذي أحله خامنئي محل المشروع الأمريكي؟
الحرب الوحشية المستعرة والتي تقودها إسرائيل في غزة اسقطت الرتوش ومزقت الأقنعة التي كان يلبسها الجميع في مسرحية طالت مشاهدها وفصولها، وظلوا يرسمون صورة كاذبة ومخادعة عن وجودهم بعناوين سياسية مختلفة، واحدة كانت باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والثانية باسم المقاومة والممانعة او مقارعة الاستكبار العالمي او الامبريالية، والناتج الحاصل بينهما هو الحروب والاغتيالات والفقر والجوع والسجون والمعتقلات والتهجير.
 
الصراع بين المشروعين الإيراني والامريكي في المنطقة هو صراع رجعي بامتياز، صراع من أجل الهيمنة الاقتصادية والسياسية، وكانت وما زالت تلعب إسرائيل رأس حربة أمريكا في المنطقة كما تمثل المليشيات الممولة من إيران ذراعا ضاربة لها.
الولايات المتحدة الأمريكية فضلا على عسكرتاريتها، فهي تستخدم أدواتها الأخرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات مجلس الأمن والأمم المتحدة وسيطرتها على المفاصل المالية والاقتصادية في العالم، من أجل اخضاع منافسيها لسيطرتها السياسية، بينما لا تملك إيران غير الاستثمار السياسي والعسكري في الدول الفاشلة، كما نراها في العراق ولبنان واليمن وسورية.
العناوين السياسية التي يستخدمها المشروع الإيراني او المشروع الأمريكي هي عناوين للتضليل واخفاء ماهية هيمنتها الاقتصادية والسياسية، وما يحدث اليوم في المنطقة بين زيف تلك العناوين.
 
بينت التجربة العملية وعلى ارض الواقع، ان المشروع الأمريكي في المنطقة، لم يكن ابدا مشروع من أجل تأسيس أي نظام علماني وديمقراطي في أي بلد، وعلى العكس تماما، ان المشروع الأمريكي خلف نهوض وتقوية كل التيارات الإسلامية والرجعية في المنطقة، بدءا بتعويم الخميني ودعمه والالتفاف على الثورة الإيرانية عام  ١٩٧٩ ونقله الى طهران من باريس على متن الخطوط الجوية الفرنسية وفتح القنوات الاذاعية لخطبه مثل صوت أمريكا والبي بي سي ومونتكارلو، ومرورا بتجنيد الشباب في المنطقة وارسالهم الى القتال في صفوف المعارضين الأفغان للاحتلال السوفيتي عام ١٩٧٩ تحت عنوان محاربة الإلحاد الشيوعي والكفر، وتحول السفير الأمريكي في القاهرة في الثمانينات من القرن المنصرم إلى أكبر داعية للتجنيد في المنطقة، وانتهاءا بتنصيب الأحزاب الإسلامية على السلطة في العراق بعد غزوه واحتلاله والذين يتبجحون اليوم بكل صلافة بعنوان المقاومة والممانعة، الى جانب دعم الاخوان المسلمين في مصر وتونس وكل الجماعات الإسلامية بعد ما سمي بالربيع العربي في سورية والمنطقة، وكان بما فيها عقد الجلسات والاجتماعات بين ممثلي الكونغرس الأمريكي وعلى رأسهم المرشح الرئاسي جون مكين في سوريا عام ٢٠١٢  مع أبو بكر البغدادي وقادة داعش التي اغتالتهم القوات الامريكية للالتفاف أيضا على الثورتين التونسية والمصرية والتصدي لهبوب نسيمهما في المنطقة.
 
وقد بينت انتفاضة أكتوبر عام ٢٠١٩ في العراق، أن السياسة الغربية بما فيها أمريكا لم تبال لكل عمليات التصفيات والاغتيالات التي ارتكبت بحق المتظاهرين السلميين الذين بلغ عددهم اكثر من ٨٠٠ شابة وشاب إضافة إلى اكثر من ٢٠ ألف جريح، فهي لم تحرك ساكنا عبر فرض العقوبات الاقتصادية على قادة المليشيات وحكومة عادل عبد المهدي التي لقبت بحكومة القناصين الملطخة اياديها بدماء المتظاهرين  بل على العكس تماما ساعدت الأحزاب الإسلامية سياسيا ومعنويا في عبور الأزمة التي أحدثتها انتفاضة أكتوبر في السلطة السياسية،  في حين تكشف حرب غزة نفاق السياسة الامريكية، فعندما تتعرض قواعدها للقصف او تصل أسلحة الى حزب الله عبر شركة (فلاي بغداد) على سبيل المثال تفرض العقوبات الاقتصادية عليها وعلى قادة تلك المليشيات.
 
اما المشروع الإيراني كما تحدثنا هو الاستثمار في الدول الفاشلة او في البلدان التي تنعدم فيها أي أسس للدولة بالمعنى القانوني و الهوياتي والأمني والسياسي، وإذا كانت الحرب هي تعبير مكثف عن الاقتصاد، فإيران دولة غير قادرة على المنافسة الاقتصادية في السوق الرأسمالية في المنطقة دون مليشيات وقوة عسكرية. أي لا تملك الأموال بسبب العقوبات الغربية عليها ولا تملك التكنولوجيا الصناعية التي تؤهلها للمنافسة الاقتصادية.
 وعليه على سبيل المثال لا الحصر، ليس هناك منافسة اقتصادية عادلة بين السلع التركية والإيرانية في السوق العراقية، فالأولى تتفوق على الأخيرة بكل المعايير إلا ان الثانية تهيمن على السوق العراقية في المدن الجنوبية وبغداد، وهذا يتم عن طريق المليشيات التابعة لإيران حيث تلوي عنق الأسواق المحلية او تدوير رؤوس أموالها التي تهرب من العراق عبر ادواتها الى إيران او إعادة تدوير رؤوس الأموال التي تمول ميليشياتها.
وهكذا بالنسبة للتحرش الحوثي وإبراز القوة في البحر الأحمر، فليس له علاقة لا من بعيد ولا من قريب بـ"نصرة الشعب الفلسطيني"، انما هو بعث عدة رسائل أولها يجب الاعتراف بالحوثيين كقوة موجودة في المعادلة السياسية اليمنية والتفاوض معها وليس مع الحكومة التي لها مقعد في الأمم المتحدة وتعترف بها حكومات العالم، والثانية طمس كل الأوضاع المأساوية التي تمر بها الجماهير الواقعة تحت سلطة الحوثيين من الفقر وقمع الحريات والفساد. وكتحصيل حاصل تستفيد إيران بأن تقول أنها تستطيع التحكم بجزء من عصب الاقتصاد العالمي عبر الحوثيين.
وبنفس السياق يقصف الحرس الثوري مدينة أربيل، فعندما فشلت المليشيات التابعة لها في العراق من ردع القوات الامريكية في العراق او ما ستذهب اليها في المنطقة، قامت بضرب مدينة أربيل لاستعراض القوة، وجاءت بعد هجمات القوات البريطانية الامريكية على الحوثيين.
أي بمعنى آخر أن التضامن مع الشعب الفلسطيني هو يافطة تختبئ المليشيات المجرمة تحتها، والجدير بالذكر ان انضمام مليشيات الحشد الشعبي  في العراق الى "محور المقاومة والممانعة" او تعليق يافطتها في قنواتها الفضائية وعلى جدران مقراتها جاء متأخرا جدا وتحديدا خلال أيام انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩ عندما طالب الملايين من المنتفضين بمحاكمة الفاسدين في الأحزاب الإسلامية وضمان بطالة وفرص عمل وتوفير الخدمات وتحقيق المساواة، وكي تبرر تلك المليشيات حملتها الوحشية للقضاء على الانتفاضة وإضفاء الشرعية على قتل المتظاهرين بدم بارد رفعت يافطة محور المقاومة والممانعة على دكاكينها الممولة من سرقة ونهب ثروات جماهير العراق.
 
ان النقطة الجوهرية التي نود الإشارة اليها، هي الأوهام التي تنشرها القوى المؤيدة لأمريكا او المتوهمين حقا بالسياسة الامريكية، وهي ان انسحاب أمريكا من العراق يعني سيحل محلها الاحتلال الإيراني، وفي الحقيقة هو جزء من الوهم والعزف على الوتر القومي المشروخ وبشكل أحادي. والسؤال الذي يجب أن نطرحه ماذا جنت جماهير العراق من الوجود الأمريكي في العراق؟ ان القوميين الذين يحملون نزعة معادية لما يسمى بالعدو الفارسي هم من يروجون لهذه الأوهام، واستغلت أمريكا تلك الاوهام لإدامة حرب ضروس دامت ثمان سنوات ١٩٨٠-١٩٨٨ الحرب العراقية-الإيرانية، والتي قتل فيها أكثر من مليون شخص إضافة الى تدمير مقدرات المجتمع، وتحت عنوان حماية البوابة الشرقية للأمة العربية.
وخلال كل الوجود الأمريكي سواء كان على شكل غزو واحتلال العراق او على شكل تواجده بعد اجتياح داعش لثلث مساحة العراق، كانت السياسة الأمريكية فعالة من أجل تقوية نفوذ الجمهورية الإسلامية. وكان كلا المشروعين دعامة صلبة لإدارة ازمة السلطة السياسية في العراق.
ان كل عمليات الفساد والإجرام والفقر والاغتيالات والسجون السرية وقانون مادة أربعة إرهاب وقوانين رجعية أخرى مناهضة للنساء وحقوق الإنسان وتحويل العراق الى حديقة خلفية للجمهورية الإسلامية تجري و تترسخ عبر دعم السياسة الأمريكية. لان ما يهم مصالح الولايات المتحدة الامريكية ان يكون العراق سوق للعمالة الرخيصة ويسن فيه قوانين استثمار لها جاذبية في جلب رأس المال، وحماية مكانة العراق كمنتج للنفط في السوق الرأسمالية العالمية، وان لا تؤثر على ازعاج صفو حركة الرأسمال في المنطقة، وأي شيء غير ذلك فهو هراء من وجهة نظر المصالح الامريكية. وبالنسبة لإيران تبحث لها من خلال هذه الأوضاع عن مكانة لها، وما عدا ذلك فلا شأن لها بها.
 
وأخيرا ان حرب غزة بينت ان جماهير المنطقة ليس امامها إذا ارادت ان تعيش في بر الأمان والحصول على قوتها وقوت اطفالها والعيش في ظل الحرية والتمتع بثرواتها، الا افشال المشروعين في المنطقة او مكافحة الكوليرا والطاعون.
 
 

4
في الذكرى المئوية لرحيل لينين
ما يحدث اليوم في منطقتنا
سمير عادل
 
تمر الذكرى المئوية لرحيل لينين (٢٢ نيسان ١٨٧٠-٢١ كانون الثاني ١٩٢٤) عن العالم، ومازالت الإنسانية مدينة بالمكتسبات التي حققتها أعظم ثورة في تاريخ البشرية، قادها لينين، و أثبت بشكل عملي أن عالم أفضل ممكن، وان نضال الإنسان المتواصل من أجل السلام والأمان والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية هو مسعى واقعي ويمكن تحقيقه.
 
ما نشهده اليوم من صراع بين الأقطاب الامبريالية العالمية والدول التابعة لها، وتحت عناوين كاذبة وخادعة، عناوين "الديمقراطية" التي رفعها الغرب من أجل هيمنته على العالم، وأثبتت حرب إسرائيل الوحشية على غزة كم أي عنوان الديمقراطية هو تعبير صارخ عن النفاق السياسي، والعنوان الآخر هو القانون الدولي و"عالم متعدد الأقطاب أكثر عدالة" الذي تتبجح به روسيا والصين وتختبئ تحت مظلتها دول استبدادية مثل إيران وكوريا الشمالية بامتياز التي إما ان تضرب القانون الدولي بعرض الحائط مثل ما يحدث اليوم في أوكرانيا أو الاستثمار العسكري والسياسي في الدول الفاشلة متجاوزة "السيادة الوطنية" و"القانون الدولي" مثلما يجيده بجدارة نظام ملالي طهران في لبنان وسورية والعراق واليمن.
ان هذا الصراع يعود بنا الى لينين بٌعَيدَ اسقاط النظام القيصري والحكومة المؤقتة في روسيا وفتح خزائنها والكشف عن الاتفاقيات والوثائق الموقعة بين فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية للاستحواذ على العالم وتقسيمه فيما بينهم، وقد أحدثت ضجة كبرى في العالم، وبينت الاطماع الامبريالية وأسباب الحرب العالمية الأولى.
ومن الجدير بالذكر، أن رفع شعار (عالم متعدد الأقطاب أكثر عدالة) هو من أكثر العبارات المظللة، فالعدالة هنا لمن، هل للطبقة العاملة وعموم محرومي المجتمع الذي وقف لينين باسمهم وليمزق جميع وثائق الاتفاقيات لتقاسم العالم بين الأقطاب الامبريالية العالمية آنذاك، حيث "كان متعدد الأقطاب"، ام أكثر عدالة للطبقات البرجوازية القومية التي تكافح من أجل احتلال موطئ قدم ومكانة لها في مزاحمتها للأقطاب الامبريالية العالمية الأخرى.
ومن هنا ينبع كراهية فلاديمير بوتين الرئيس الروسي الحالي لإرث لينين ومحاولاته لاستئصاله من التاريخ الروسي، وعبر عنها بمناسبات مختلفة اثناء حربه على أوكرانيا وما زال، ولكنها مغلفة بلغة دبلوماسية، حيث وجه نقده لتنازل لينين عن مليون كيلومتر مربع من أراضي الإمبراطورية الروسية لألمانيا والدول الأوروبية الأخرى من أجل خروج روسيا من الحرب العالمية الأولى وتحقيق السلام وحقن دماء الملايين من زجوا كذبا وافتراء في حرب لصوصية كما وصف لينين الحرب العالمية، بأنها حرب بين اللصوص. تلك الكراهية نابعة عن تناقض افقين، الأفق الاشتراكي-الإنساني الذي مثله لينين، والأفق الامبريالي التوسيعي لبوتين، وأثبت لينين من الناحية العملية أن كل ادعاءات الدفاع عن الوطن والقومية الروسية هي محض هراء، وانها شعارات وايديولوجية من اجل الاستحواذ على أراضي الغير، بغير وجه حق، واستثمار إنسانية من يعيشون عليها لمصلحة حفنة من الطبقة البرجوازية التي تسخر مواطنيها عبر خداعهم والكذب عليهم وتحميقهم وزجهم في معاركها وحروبها التي اشعلت الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما نشهده اليوم من حروب وآخرها حرب غزة هو معطيات مادية تثبت صحة ما ذهب إليه لينين.
 
ان الصراع بين الأقطاب الامبريالية والدول التابعة لها هو ظاهرة ملازمة للنظام الرأسمالي، الا أن تغليف الصراع لتبريره وتضليل الجماهير لتعبئتها وزجها في ذلك الصراع يختلف من عصر الى عصر آخر. فإذا كانت مقولات "الوطن" و"الدفاع عن الوطن" هي عناوين تلك المرحلة، فاليوم تحمل عناوين أخرى، فعلى سبيل المثال وفي منطقتنا تحديدا لا تأتي عناوين "القانون الدولي" و"نشر الديمقراطية" اوكلها، فنجدها تتغير بقدرة قادر الى يافطات أخرى، فمثلا  إسرائيل ترفع شعار "الحرب على الإرهاب" لتبرير ظلمها القومي السافر على الفلسطينيين و تشاطرهم الولايات المتحدة الأمريكية وعموم الغرب الذي استخدم اليافطة أعلاه ايضا بعد انتهاء الحرب الباردة لفرض هيمنته السياسية والعسكرية والاقتصادية على العالم، في حين الدول التابعة للقطب الامبريالي الآخر ونقصد روسيا والصين، مثل إيران رفعت شعار "المقاومة والممانعة" بعد أن بات شعار الثورة الإسلامية لا يستهوي أحدا ولا يمكن من خلاله خداع وتضليل الجماهير لإخفاء التمدد القومي الفارسي في المنطقة.
 
وإذا ما عدنا الى الموضوع نفسه، فإن ما يجمع بين الامبريالية الغربية والإمبريالية الروسية والدول التابعة لها او التي تدور في فلكها هو عدائها للينين وكره إرثه السياسي والاجتماعي، وهو ما يفسر إجماع ٢١ دولة حينها على إسقاط سلطة البلاشفة بعد ثورة أكتوبر ١٩١٧، بدءا من أنصار القيصر "والمدافعين عن الوطن الروسي-الاقطاع، الليبراليين، الاشتراكيين الشوفينيين-" ومرورا بألمانيا التي حاربت روسيا القيصرية اثناء الحرب وانتهاءا بكل امراء وملوك وجمهوريات اوربا. ان ماهية تلك الكراهية تكمن في ان لينين فضح كل ادعاءات الأقطاب الامبريالية وشعاراتها القومية وأطماعها وعدائها لشعوب العالم، وكذلك عدائها السافر للطبقة العاملة التي تجاسرت بقيادة لينين في إزاحة البرجوازية من على السلطة في روسيا لتكون نبراسا لكل العمال في اوربا وترفع راية السلام والحرية والمساواة.
 
لقد رفع البلاشفة بقيادة لينين شعار (الأرض - الخبز- السلام) الذي تحول كالنار في هشيم يلف ليس العمال وحدهم في روسيا فحسب بل الفلاحين وهم الطبقة الأكبر اجتماعيا حينها في روسيا والجنود وجميع الأقسام الاجتماعية في المجتمع الروسي الذي دفعه نظام القيصر الى حربه الامبريالية التوسعية من أجل ملء خزائنها على حساب حرمانه أي المجتمع الروسي، ويحرس الهة الحرمان دولاب القمع والاستبداد القيصري.
ويجدر بنا تفكيك الشعار أعلاه ومقارنته بما يحدث اليوم، ونقصد صراع الأقطاب الامبريالية أعلاه على النفوذ الاقتصادي والسياسي الذي أشرنا إليه. فمقولة (الأرض) في الشعار الذي رفعه لينين او البلاشفة، لا تتجسد فقط في تأميم الأراضي الاقطاعية وتوزيعها على الفلاحين فحسب بل أيضا في المرسوم الذي أطلقه؛ وهو من حق شعوب الامبراطورية الروسية ان تستقل او تنفصل عن الإمبراطورية الروسية. أي أن مقولة الاستحواذ على الأراضي سواء في الحدود الجغرافية التي نعيش عليها او التي تستولي عليها طبقتنا البرجوازية خارج تلك الحدود ، وتزج الجماهير العمالية والكادحة في حروبها التوسعية سواء في الدفاع من اجل الاحتفاظ بتلك الأراضي عبر تحضير الأرواح من التاريخ، او شعارات المقاومة والممانعة او الحرب على الإرهاب او باسم حماية القانون الدولي كما نشهده اليوم في الظلم القومي السافر الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين من تهجيرهم والاستيلاء على أراضيهم من قبل المستوطنين تحت عنوان أرض اليهود التاريخية، أو إعادة دونباس والقرم الى روسيا او المطامع البولندية في الاراضي الأوكرانية، وهلم جرا. والوجه الآخر للأرض، هو من خلال إشاعة الأوهام حول حقانية الملكية الخاصة لها سواء من قبل الاقطاع الذي كان يستحوذ على الأراضي ويفرض على المزارعين والفلاحين الضرائب العينية او يقوم بجلدهم او طردهم منها، او من قبل الشركات الخاصة كما هو على سبيل المثال وليس الحصر شركة الفواكه المتحدة التي تستولي على أراضي شاسعة في دول أمريكا اللاتينية، و تدخلت في تدبير انقلابات عسكرية فيها في القرن الماضي لتنصيب حكام وأنظمة تبيح استثماراتها والاستثمار المطلق للإنسان. بمعنى اخر نقول ان الاستيلاء على الأراضي بالمعنى المطلق لا تجد لها أي أثر في قاموس لينين ولا البلاشفة. وهذا ما يعذب بوتين ويقض مضاجعه ويحاول استعادة ما منحه لينين للشعوب والفلاحين من اجل تحريرهم من العبودية عبر نفخ الروح بالقومية الروسية والتقاليد الرجعية الروسية والدين الأرثودوكسي الروسي.
اما القسم الاخر من الشعار وهو (الخبز، والسلام)، فأرقام الأمم المتحدة الحالية تخبرنا بأن اكثر من مليار ومائة مليون انسان في العالم يعيشون في خط الفقر، في حين تخصص دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية ثلاثة أرباع ترليون دولار من موازنتها السنوية للإنفاق في مجال التسلح والدفاع، وتخصص دول حلف الناتو ٢٪ من ناتجها القومي للتسلح الذي يضم الدول الصناعية الستة وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الامريكية وكندا وبريطانيا إضافة الى ٢٥ دولة اوربية أخرى.
 
ان ما يدور اليوم في العالم، هو نفس ما فضحه لينين في تلك الفترة، فبدلا من بذخ المليارات من الدولارات على العسكرتارية والحروب الامبريالية التوسعية، فيمكن إنفاقها على تعميم السلام والصحة والتعليم والبيئة وإنهاء الفقر.
أن مكتسبات ثورة أكتوبر من حق التعليم والصحة المجانية والضمان الاجتماعي والحصول على سكن ملائم وغيره اجتاحت اوربا، وكان خوف الطبقات الحاكمة في الغرب من الطبقة العاملة في بلدانها والاحتذاء بما ذهب إليه رفاقهم العمال في روسيا القيصرية، دفعها من تقديم التنازلات من أرباحها للطبقة العاملة ومحرومي المجتمع مثل الضمان الاجتماعي والضمان الصحي وتوسيع رقعة التعليم. وهذا يقودنا الى تصفح بعض أوراق التاريخ  وتأثير ثورة أكتوبر، ونقرأ بعد الكساد الكبير او كما يسموه بعض الاقتصاديين الانكماش الكبير في عام ١٩٢٩ يجتاح البلدان الرأسمالية، فذهبت إدارة فرانكلين روزفلت في الولايات المتحدة الامريكية بين أعوام ١٩٣٣-١٩٣٨ بحث الكونغرس الأمريكي للإقرار على جملة من القوانين؛ قانون الضمان الاجتماعي وقانون معايير العمل العادل الذي وضع ساعات الحد الأقصى للعمل والحد الأدنى للأجور وقانون تعزيز عمل النقابات العمالية وقانون توفير 500 مليون دولار -بقيمة تلك الفترة-  بتخصيص مطاعم الفقراء ولأموال الإعانات، وبرامج جديدة لمساعدة المزارعين المستأجرين والعمال المهاجرين و إنشاء هيئة إسكان بالولايات المتحدة.
ما نريد ان نقوله ان الخوف من شخص مثل لينين ليس لأنه أرسى دولة "استبدادية" شيوعية كما روج له الإعلام البرجوازي العالمي في الوقت الذي فرخ نفس النظام البرجوازي عشرات المستبدين والفاشيين مثل هتلر وموسوليني و بينو شيت وسوهارتو والخميني وصدام حسين وبن لادن والزرقاوي ونتنياهو وبوش الاب والابن، بل لأنه تجاسر طبقيا وانتزع السلطة من الطبقة البرجوازية وارسى عالما يسود فيه السلام ويمكن تحقيق فيه المساواة بين البشر ويمنع فيه استثمار الإنسان. لقد عبر عن ذلك؛ القائد الشيوعي الراحل منصور حكمت عندما حطم تمثال لينين في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث قال انهم فعلوا ذلك لأنه كان يمثل رمز الجسارة الطبقية.
أن الشغل الشاغل لمراكز الدراسات البرجوازية في العالم والمجمعات الصناعية للأسلحة ولوي عنق التطور التكنولوجي هو من أجل الحفاظ على عالم منقسم طبقيا، عبر تحميق البشر بالخرافات القومية والدينية والتفوق العرقي واشعال الحروب، وهكذا من ضمن أعمال تلك المراكز هي محو من الذاكرة التاريخية ما أقدم عليه لينين او تشويه كأضعف الإيمان. فلا قائم يقوم للبرجوازية وسلطتها الطبقية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والهيمنة الفكرية دون الحفاظ على عالم اللامساواة، عالم ينقسم الى طبقتين، عالم يقبحه الاتجار بالجسد والأعضاء البشرية والمخدرات والتمييز الجنسي والعرقي والقومي والاثني، عالم فيه اقلية طفيلية تعيش على حساب الأغلبية الساحقة من الجماهير العمالية والكادحة، عالم يموت فيه مع كل شهيق وزفير طفل في العالم، عالم تموت فيه (أم) في كل ساعة في غزة حسب تقديرات الأمم المتحدة، وبدون هذا العالم، فرأس المال ليس امامه الا الانتحار، ومعه ستنتحر البرجوازية. وهذا ما يؤرق دائما الطبقة البرجوازية وتقاتل بضراوة وشراسة كما اشرنا عبر أدواتها من أجل الحفاظ على عالمها، وظهر لينين ليحطم ذلك العالم ويبني مكانه عالم جديد يصوره المغني البريطاني جون لينون في اغنيته الشهيرة تخيل (Imagine) نورد منها مقاطع: تخيل لا وجود للجنة، ولا جحيم تحتنا، تخيل ليست هناك دول و بلدان، لا شيء يستحق من اجله القتال أو تضحية، كذلك لا وجود للدين، تخيل كل الناس يعيشون الحياة في السلام و الهدوء، تخيل ليست هناك ممتلكات، لا حاجة لجشع أو لجوع، بل الأخوة بين البشر، تخيل كل الناس تشارك كل في العالم.
 
 
 

5
البطل في انتخابات مجالس المحافظات
سمير عادل
 
مسألتان تبعث على السخرية والاستهجان في مهزلة الانتخابات التي نظمت في ١٨ كانون الأول ٢٠٢٣.
الاولى هو البحث عن البطل في هذه الانتخابات، وليست معرفة من هو المنتصر فيها ومن هو الرابح، لأنه في جميع الانتخابات التي أجريت وصُدعت بها رؤوس الاحياء في العراق خلال ما يقارب عقدين من الزمن، كان الرابح والمنتصر معروف سلفا حتى قبل اجراء الانتخابات، والحمقى وحدهم كانوا ينتظرون فتح صناديق الانتخابات، وبعكس جميع الانتخابات التي تجري في بلدان العالم، فمن يشكل الحكومة سواء كانت مركزية او محلية، ليس صناديق الانتخابات ولا الرابح ولا الخاسر، إنما من يسرع في فتح تلك الصناديق. 
وهنا لابد الكشف عن اسم البطل، ليس حزب تقدم الذي تمثله جماعة الحلبوسي ولا دولة القانون المتمثلة بجماعة المالكي او قائمة جماعة هادي العامري التي تتقاسم السلطة والثروات فيما بينها، إنما البطل هو المفوضية المستقلة للانتخابات، فهي من أعلنت ان نسبة المشاركة ٤١٪، ولن يكترث أحد لما تشير ارقام أخرى أن نسب المشاركة لا تتجاوز ١٧٪ وأطراف أخرى تشير أن نسبة المشاركة لا تتجاوز ٩٪، فمن يمنح الشرعية هي النسب التي تعلنها المفوضية للفائزين والخاسرين وكل العملية الانتخابية.
وبمنطق بسيط إذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في ٢٠١٨ و٢٠٢١ لم تتجاوز عتبة ١٢٪ وباعتراف مراقبي الاتحاد الأوروبي حينها الذين عبروا عن أسفهم عن عزوف الجماهير عن الانتخابات، وفي هذه الانتخابات قاطعها التيار الصدري والجماعات القومية مثل اياد علاوي وغيرهم، إضافة لم تحدث اية تغييرات لصالح الجماهير بعد تلك الانتخابات كي يتجدد عندها الامل بالتغير عبر الية الانتخاب، فكيف تمت مشاركة ٤١٪ من جماهير العراق في هذه الانتخابات، فبالتأكيد العلم عند المفوضية!
اذن ان وظيفة المفوضية غير المستقلة للانتخابات ليس فقط الاشراف على الانتخابات فحسب، بل وظيفتها الاصلية هي إخفاء حقيقة نسبة المشاركة، وبهذا تعتبر بطل هذه الانتخابات بامتياز دون أي منافس آخر.
ان اجراء هذه الانتخابات وبغض النظر عن عدم شرعيتها بسبب قرار مسبق للبرلمان على المصادقة على برنامج حكومة السوداني في إجراء انتخابات مبكرة خلال سنة، هو عملية التسابق مع الزمن، ومسعى من المساعي لطي صفحة الصراعات التي ألقت بظلها على المشهد السياسي منذ انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩ وحتى نتائج انتخابات ٢٠٢١ والتي أقصى فيها الرابح الأكبر وهو التيار الصدري وتوج الخاسر الأكبر وهو تحالف الأحزاب والمليشيات الإسلامية الموالية لإيران لتشكيل الحكومة. 
وهنا تأتي المسالة الثانية، او المهزلة او السخرية الأخرى في هذه الانتخابات، فتحالف الأحزاب والمليشيات الإسلامية المتجمعة بالاطار التنسيقي، بدأت تتفاوض او تتحاور لا مع الأطراف الفائزة في الانتخابات بل مع التيار الصدري الذي قاطع الانتخابات، وتحاول استمالته عبر إبقاء المحافظين او رؤساء الحكومات المحلية الذين ينتمون الى التيار الصدري مثل النجف والعمارة وغيرها من التي تحتفظ بحصة الأسد في مجالس المحافظات، للحيلولة دون تعكير صفو خطتها في تصفية آثار انتفاضة أكتوبر، واثبات مصداقيتها واهليتها أمام تنفيذ مشاريع المؤسسات الدولية سواء المالية منها او السياسية. وهذا يثبت ما ذهبنا اليه ان الانتخابات هي عملية شكلية لطمأنة المؤسسات الدولية من جهة، ومن جهة أخرى مسعى لترسيخ سلطة هذه الجماعات. وتعكس هذه المساعي ان المشاركة في الانتخابات ليس هدفها تحقيق برنامج سياسي وخدمي للجماهير بل هو محاولة لتوسيع مساحة السرقة والنهب على صعيد الحكومات المحلية بعد أن استتب أمرها في الحكومة المركزية.
 
وعلى الجانب الاخر هناك محاولة حثيثة لوضع جماهير العراق في دوامة سياسية، كان لها اول، عندما تم غزو واحتلال العراق وتنصيب هذه الجماعات عليها، ولكن ليس لها اخر، عبر المسرحيات الانتخابية التي تنظمها بين الفينة والأخرى، وانتزاع اية إرادة ثورية بالتغيير عبر أسرها في إطار بديلها. 
الا ان (الحقيقة المرة) في المقاطعة العظيمة للجماهير في هذه الانتخابات، بالنسبة للنخب التي تتباهى بثقافتها وتضع نفسها بخانة المثقفين وتصنف نفسها بالليبراليين والمدنيين والديمقراطيين، فشلت بجر الجماهير الى بحر اوهامها الغارقة فيها هي قبل غيرها، وفشلت في جرها أيضا الى مستنقع العملية السياسية ولعبتها الهزيلة التي تسمى بالانتخابات، وفي نفس الوقت وبموازاتها فشلت الماكنة الدعائية والإعلامية والمليشياتية لجماعات الإسلام السياسي التي نظمت المناسبات الدينية وأنفقت على فضائياتها وكل إعلامها بنشر الخرافات والخزعبلات في المجتمع، والجماعات القومية في خداع جماهير العراق مرة أخرى كي تكون جزء من مشاريعها الطائفية والقومية، وبنفس القدر فشل المشروع الذي وضع عليه يافطة كبيرة وهو "الديمقراطية" التي اختبرتها جماهير العراق بانها ليست أكثر من لعبة لإدامة استمرار سلطة نفس الجماعات. 
ان مسالة التغيير جزء من مسعى الانسان، وأن كل ما تفعله هذه القوى الطائفية والقومية المقيتة، وما تنظمه من مسرحيات مختلفة سواء كانت انتخابات او إطلاق العنان لميليشياتها أو رفع الرايات المزورة حول تحرير فلسطين او نشر الأكاذيب والتضليل حول تخفيض الدولار، لن تستطيع ان تسكت او تقف امام عجلة ذلك المسعى، فمن أشعل فتيل انتفاضة أكتوبر، بإمكانه اشعال شرارة عملية التغيير الجذرية، وهي ليست الا مسألة وقت.
 

6

المكيافيلية في العقيدة السياسية للبرجوازية
حماس وإسرائيل نموذجا
سمير عادل
لا يحتاج المرء إلى أي عناء لإثبات ان دولة إسرائيل هي دولة احتلال، دولة إرهاب بالمعيار الذي وضعتها الأمم المتحدة وإسرائيل عضوا فيها، دولة ابارتيد بامتياز، دولة نازية بالمنطق الذي يبررون به كل المسؤولين الإسرائيليين في مقاربتهم للهولوكوست، وأصبح وجودها كدولة، عليها علامة استفهام كبيرة، وفقدت كل المعايير الأخلاقية للدفاع عن شرعيتها.
في مقابل كل ما فعلته وتفعله إسرائيل من جرائم ضد الإنسانية ومنذ أكثر من سبعة عقود وليس منذ السابع من أكتوبر من عام ٢٠٢٣، ماذا فعلت حماس، وكيف حولت الدمار الذي لحق بقطاع غزة وقتل ما يقارب ١٥ ألف انسان وأكثر من ٦ الاف منهم أطفال الى انتصار عبر مقايضة بائسة وخائبة يتم فيها إطلاق سراح ٣٠٠ سجين فلسطيني مقابل ٥٠ محتجز إسرائيلي، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل تستحق كل هذه المأساة ثمن المقايضة الذي دفعته جماهير غزة؟
كل الاعلام الذي يسمي نفسه بــ "المقاومة والممانعة" يشرب نخب انتصارها المزعوم، انتصار ثمنه هدنة لوقف الحرب لمدة ٤ أيام وقد تتمدد أكثر، وليس مهما ماذا سيحدث يوم غد، المهم هو "الهدنة" ويضيف إليها قادة حماس أنها فرضت شروطها، التي سوقتها لنا على انها انتصار عظيم حققته حركة المقاومة الفلسطينية.
وليس جديدا على الإعلام القومي والإسلامي العربي بالقدرة على تحويل الهزائم والانكسارات الى انتصارات عبر استخدام المدافع الإعلامية العملاقة التي يتفردون بها في العالم وإطلاق الآلاف من الجمل الانشائية والطنانة لرسم صور خادعة ومزيفة لحجب الحقيقة المرة عن جماهيرها بالدرجة الأولى وبعد ذلك عموم المجتمع، تلك الحقيقة هي ممارستها السياسة المكيافيلية لتحقيق أهدافها.
تلك السياسة تطبقها إسرائيل بحذافيرها، التي تسميها قانون هانيبال في حربها، وهو القانون الذي يبيح التضحية بمواطنيها وجنودها إذا كانت تحقق مصلحة أمنها القومي سواء الاستراتيجي او التكتيكي ونقصد أمن نخبتها وطبقتها ودولتها العميقة، وفي نفس السياق تطبق حماس نفسها القانون عينه، عندما حصرت كل معركتها وحربها على إسرائيل في السابع من أكتوبر بصفقة بينها وبين إسرائيل سميت بتبادل الرهائن أو المحتجزين او الاسرى لدى الجانبين وبغض النظر عن المسميات، فثمنها الموت والدمار والدم الذي يخيم على كل شبر من قطاع غزة.
وبعيدا عن كل الجعجعات الإعلامية والطبول الدعائية للطرفين، فإن ما كشفتها صفقة تبادل الرهائن والاسرى عن زيف العقيدة السياسية لدى الطرفين، وأن اخر ما يهمهم هو الانسان، حيث يتبجح نتانياهو بحق دفاع إسرائيل عن نفسها وامن مواطنيها، في حين يعلن حماس انها ما قامت بها هو الانتقام من ما يقترف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والاقصى، وكلاهما مستعدين بحرق الأخضر واليابس، لا من أجل ما يعلنون عنه، بل من أجل تغيير توازنات المعادلة السياسية وتحسين حظوظهم في المشهد السياسي، وان الانتصار المزعوم سواء كان يعلنه نتنياهو بأنه يقترب من هدفه عبر تدمير غزة او سواء الذي يعلنه قادة حماس بالوصول الى هدنة "بشروطها" ليس أكثر من كذبة كبيرة يحاول كل طرف لملمة جراحه، ولكن من يدفع الثمن هم جماهير فلسطين في الضفة الغربية وغزة.
من حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واتخاذ اية أساليب مناسبة لإنهاء ذلك الاحتلال البغيض الذي يمارس ظلما قوميا بكل انواعه، ولكن يجب ان يبقى الانسان المحور الذي يتم النضال من اجل تحرره وتمتعه بحياة حرة وآمنة وكريمة. الا ان بتسويق صفقة تبادل عدد من الرهائن وهدنة إيقاف الحرب لمدة ٤ أيام على انه انتصار عظيم في مقابل سقوط الالاف المؤلفة من الأبرياء، أي إطلاق سراح ٣٠٠ شخص من السجون الإسرائيلية مقابل موت ١٥ ألف انسان، هو كذبة واضحة. فأي معيار يمكن ان يطبق على هذه المعادلة!! وهل هؤلاء الــ ٣٠٠ شخص يكونون سعداء بنيل حريتهم عندما يخرجون من السجون ويجدون كل شيء مدمر وقد فقدوا ذويهم أو حتى لم يجدوا من يستقبلهم من أعزاءهم أو بيت يأويهم؟
ما نريد ان نقوله انهم يكذبون على العالم، وقد يطول عمر كذبتهم، بيد انها لن تصمد الى الأبد، فها هي اسرائيل قد فضح امرها وبينت كم هي دولة كريهة وعنصرية بالرغم من تسويق مظلوميتها بحرفية عالية طوال ثلاثة ارباع قرن، واما حماس وعندما تحط الحرب أوزارها، فستعرف الجماهير ان ثمن تحرير ٣٠٠ سجين فلسطيني لا يستحق موت عشرات الالاف منهم وتدمير أكثر من ٢٠٠ ألف وحدة سكنية. بيد أنه بالنسبة لها أي حماس فأن دخولها الى المعادلة السياسية أو إزاحة منافسيها هو الانتصار الذي سيسوق بأنه انتصار الشعب الفلسطيني وصموده وحركة المقاومة، وسيعزف المطبلون من الأقلام المأجورة التي ترفع الشعار الذي فضحته وحشية إسرائيل على غزة "وحدة ساحات المقاومة" بأنها مرغت كرامة الشيطان الأكبر والاصغر بالتراب، وهي تعرف انه انتصار وهمي وبأمس الحاجة لها كي تغطي أو تطمس ماهية سياستها غير الإنسانية من اجل تحقيق أهدافها السياسية.
إيقاف الحرب على غزة فورا هو قضية تمسك بخناق الإنسانية، وأن الهدنة التي حدثت، والتي عنوانها تبادل الاسرى، وهو العنوان الذي تختبئ الأطراف المتحاربة تحته، الا ان الماهية الحقيقية ان الطرفين استنزفوا البعض، وكل ما يقال على أنه انتصار، هو ضربا من السخافات والترهات، ومن فرض الهدنة لا اسرائيل ولا حماس بشروطها، بل التظاهرات والاحتجاجات العظيمة التي تجتاح العالم وخاصة البلدان الغربية، وارغمت ساستها المنافقين والكذابين و المتباكين على حقوق الانسان من رفع صوتها ضد جرائم دولة إسرائيل الفاشية، انها الجماهير التحررية و المتمدنة التي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، هي من فرضت الهدنة على الطرفين، وهي القادرة على انهاء الحرب، وكذلك إحلال السلام عبر دعم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة تنهي عقود من الظلم القومي السافر وسياسة الابارتهايد.
 
 

7
تعويم قضية الرهائن وإدخال المساعدات على
 مشاهد الحرب الوحشية

 
سمير عادل
ماذا لو أطلقت حماس الرهائن، وتم دخول المساعدات الانسانية الى غزة بشكل انسيابي ومستمر، هل ستوقف إسرائيل دولابها الدموي وتكف عن قصف اهالي القطاع بالقنابل الاهتزازية والفسفورية واللدغة الحديدية!!!
 دون أدنى شك، ان حياة الإنسان لها قيمة عليا، ولا يعلو عليها اية قيمة، وبغض النظر عن انتمائه الفكري والسياسي والديني والعقائدي والقومي والجنسي والعرقي.
إلا ان هذه الحرب الدموية والرجعية التي تقودها إسرائيل ضد أهالي غزة، صنفت الانسان إلى قسمين، الأول ينتمي الى إسرائيل وحلفائها وهذا له الأولوية لإنقاذه، والثاني أعداء إسرائيل، فانتزعت منه الصفة الإنسانية وجردته من اية قيمة تذكر سوى تصنيفه الى أرقام.
وهكذا يصطف قادة حلفاء اسرائيل بالطابور بدءا من بايدن ومرورا بسوناك وشولتس وانتهاءً بماكرون، للحجيج إلى مخدع نتنياهو رئيس الوزراء، وينزلون بطائراتهم الخاصة، لتقديم الدعم له، ويقدمون العزاء له ويتمسحون به ويجبرون خاطره، ويعتبر نتنياهو هو الأكثر شهرة في العالم، واكثر شخص متورط بالفساد في تاريخ إسرائيل. وإذا ما اخذنا معيار أولئك القادة، الذين حكموا على بوتين بسبب حربه على اوكرانيا من خلال الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فبالمعيار نفسه، فإن نتنياهو متورط  بتنظيم عملية ممنهجة في ابادة الفلسطينيين، بقدر تورط هتلر بعمليات إبادة اليهود أيام الحكم النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وهذا ليس وصفنا لأننا ننتمي الى جغرافية سميت بالشرق الأوسط، بل حسب قول المنتمين الى الجالية اليهودية في تورنتو ونيويورك ولندن وباقي المدن الغربية التي رفعت شعار: لا تقترف باسمنا  الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
يتم تعويم قضية "الرهائن" وخاصة مزدوجي الجنسية على كل ما تخلفها الالة العسكرية الإسرائيلية المهولة من الاف الضحايا ونصفهم من الأطفال. وتتسابق الدول من اجل انقاذ مواطنيها، وحتى روسيا تستغل علاقتها بحماس لإنقاذ من يحملون جنسيتها بعيدا عن مواطني بقية الدول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وهذا يذكرنا بأيام تفشي وباء كورونا عندما كانت نفس الدول تسرق لقاحات كورونا من بعضها او تحتكرها لنفسها وتحرم بقية مواطني الدول الأخرى منها.
فتركيا وقطر يعلنان عن تقدم إيجابي في مباحثاتهما مع حماس بقضية الرهائن، وبايدن يحث إسرائيل بتأجيل غزوها البري حتى تحل قضية الرهائن، وروسيا تعلن بأنها كانت تبحث مع حماس قضية الرهائن في ردها على اتهام إسرائيل لها بأنها تدعم الإرهاب عندما استقبلت في موسكو وفدا من حماس، بينما تدك إسرائيل بالصواريخ والقنابل على رؤوس من بقوا أحياء في غزة، وبموازاته تقتل وتعتقل الفلسطينيين في الضفة الغربية وتهدم بيوتهم ويطلق المستوطنون النار على الفلسطينيين المارين دون أي تردد وبعيدا عن أعين الاعلام وصمت من يدعمون إسرائيل.
والأدهى من كل ذلك ليست هناك مقايضة بين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل وقف الحرب على أهالي غزة، بل إطلاق سراح الرهائن مقابل تأجيل الهجوم البربري الإسرائيلي إذا صح التعبير، وليس البري على قطاع غزة.
وبموازاة قضية الرهائن التي ليس لها اية علاقة بين ما أقدمت او ستقدم عليه إسرائيل، اختزلت الحرب على العُزَّل في غزة الى "ادخال المساعدات من عدم إدخالها الى قطاع غزة"، في الوقت الذي صرح مدير منظمة الصحة العالمية؛ ليس هناك مكان آمن في غزة، او على حد وصف (منظمة أطباء بلا حدود) للقصف الإسرائيلي بانه بلغ اوج الوحشية. 
وفي أروقة الأمم المتحدة، عندما تُصوت ١٢٠ دولة على قرار لصالح إيقاف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية اليها، تضرب إسرائيل القرار بعرض الحائط وبدعم ١٤ دولة من ضمنها؛ الدول التي دقت الطبول والدفوف ونفخت بالأبواق الدعائية والاعلامية عندما صوتت نفس المؤسسة على ادانة روسيا وطالبتها بإيقاف الحرب، وامتلأت شاشات القنوات التلفزيونية بمحلليها وسياسييها وكتابها ليتحدثوا لنا، بأن اغلبية العالم تدين روسيا، وعليها ان تذعن للقرار الدولي، في حين لا تكتفي اليوم بالصمت بل تنضم لتأييد استمرار جرائم إسرائيل. بمعنى اخر تبقى قضية إيقاف الحرب بعيدة عن دائرة حسابات الأطراف الدولية والاقليمية، ولا بأس من ادخال المساعدات، طالما يريح ضمير حكام تلك الأطراف، ويبقى سكان غزة ممن بقي حيا منهم لأيام أخرى بانتظار أن تطحن رؤوسهم الماكنة العسكرية الإسرائيلية.
في خضم هذه الأوضاع التراجيدية والمأساوية، تكشف التقارير الإعلامية القادمة من إسرائيل، بأن هناك احباط كبير في صفوف الإسرائيليين جراء ما يشاهدونه من اتساع دائرة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والغضب العارم الذي يجتاح العالم جراء الحرب الدموية التي أعلنتها دولتهم وحكومتهم على سكان غزة، وبالرغم من تأييد الغرب الرسمي لهم، في حين تتقوض دائرة التضامن الجماهيري معهم، وكشفت استطلاعات أخيرة  أيضا من داخل إسرائيل ان ١٢٪ من الشعب الإسرائيلي معارض للغزو البري لقطاع غزة، في حين لم تكن هذه الحالة موجودة في بداية عملية حماس، وهذا يبين بشكل لا لبس فيه ان الجبهة الإنسانية و التحررية والتقدمية التي تقود الغضب العالمي ضد سياسات إسرائيل وداعميها من تلك الدول هي وراء هذه الحالة وهي التي بإمكانها تضع حدا لنهاية الحرب والظلم القومي على الشعب الفلسطيني. 
 
 

8

الجميع متورطون وسردية الرواية الإسرائيلية تدير دفة الأوضاع
سمير عادل

لحين هذه اللحظة، حققت حركة حماس هدفيها، الأول تصدرت المشهد السياسي الفلسطيني بعد شعورها بالتهميش خلال كل الفترة التي مضت، والثانية إعادة تحريك القضية الفلسطينية وانتشالها من الركود أو بالأحرى إنقاذها من محاولات تفريغها من محتواها وتحويلها الى مجموعة من الصفقات السياسية وتقديم الإغراءات الاقتصادية الى هذا الطرف أو ذاك، التي كانت صفقة القرن واتفاقيات إبراهام تتويجا لها. بيد أن النجاح الذي حققته حركة حماس يعتريه مخاطر جدية قد يكون ثمنها هو وجودها السياسي.
ومن الجانب الإقليمي والدولي، سواء كانت ايران متورطة في عملية حماس في السابع من أكتوبر أو لم تكن متورطة، فان ما تشهده منطقتنا بوقوفها على حافة الهاوية يٌعدّ أمر لا مفر منه، وهو ليس بسبب ايران أو كما يسمونه في الأعلام الغربي والإسرائيلي بحلف الشر أو في بعض الإعلام القومي والعربي بخط المقاومة، بل لان ما جرى، إنَّما يحدث في ظل إعادة تقسيم العالم وصياغة معادلات سياسية جديدة، وللشرق الأوسط حصة كبيرة فيها، وكما تحدثنا من قبل فإنَّ ما نشهده اليوم من إرسال البوارج الحربية الأمريكية والفرنسية والإيطالية والبريطانية هو انعكاس مباشر لتداعيات الحرب الأوكرانية أو امتدادا لها.
إن تفسير ما فعلتها حماس هو من أجل الحيلولة دون إتمام عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، هو في الحقيقة تحليل سطحي لا يميط اللثام عن مجمل الصراع الجاري اليوم في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت فإنَّ حصر كل ما يجري من حرب دموية ورجعية بأن إيران هي من خططت لذلك، فهو محاولة من اجل طمس عدالة القضية الفلسطينية وإنكار وجود شعب يعاني في كل لحظة ظلم قومي سافر قل نظيره في التاريخ الحديث.
إنَّ جميع الأطراف الإقليمية والدولية تورطت مسبقاً، بما فعلته حماس، وأن خطورة الأوضاع سواء توسعت رقعة الحرب أو ظلت في إطارها الحالي، تكمن في انفلات عقال الرجعية في المنطقة سواء كانت الإسلامية أو تمدد السياسة الهيمنة الأمريكية المشهود لها بمعاداتها؛ حتى النخاع لأماني ونضال الجماهير من أجل حياة أفضل، وقد عشنا وما زلنا نعيش فصولها في العراق.
لا تستطيع الأطراف الفاعلة، والتي تشعر أن الأرض تتحرك تحت أقدامها، أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يحدث الآن في غزة، وذرائع جميع تلك الأطراف ــ التي تذرف الدموع الساخنة بحق ــ ليس هو بسبب أعمال القتل اليومية والدمار بحق أهالي غزة، ولا الحصار الوحشي المفروض عليها، مثلما فعلوا بنا في العراق لمدة ثلاثة عشر عاما، وكل ما نراها من تلك الدموع الغزيرة التي تذرف من عيون عبد الله لهيان وزير الخارجية الإيراني وقادة حزب الله وبايدن وبلينكن وزير خارجية أمريكا وماكرون رئيس فرنسا وسوناك رئيس وزراء بريطانيا، فهي ليست من اجل أهالي غزة، وإنما بسبب تورط كل واحد من أولئك الذين يمثلون حكوماتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات لجميع حقوق الإنسان بإشكال مختلفة سواء في ايران أو في العراق أو لبنان أو فلسطين أو في أوكرانيا أو في أفريقيا، إنَّ تلك الدموع الساخنة، تنزل لِما ستؤول إليه الأوضاع، وان وضع هؤلاء يشبه وضع ذاك الشخص الذي داس على لغم بالصدفة وشعر به، فهو لا يستطيع التراجع ولا يستطيع التقدم ولا يمكن الوقوف عليه الى ما لا نهاية، فنتائج الضغط الذي يمارس على إسرائيل من قبل تركيا ومصر والأردن وقطر والسعودية للحيلولة دون القيام بالهجوم البري على غزة، يعني بالنسبة لإسرائيل، تقويض مكانتها في المنطقة، وفي النهاية يكون وضعها مثل ذاك التاجر المفلس فقد مصداقيته في السوق نتيجة صفقاته الخاسرة ليمضي في سبيل حاله ويعيش بخبز يومه،  هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإنَّ عدم دخول حزب الله الذي هو الوكيل الحصري لإيران في الحرب في حال شنت إسرائيل الهجوم البري على غزة، فإنَّ ذلك يعني أن وضع حزب الله على الساحة اللبنانية والمنطقة سيقزّم في المعادلة التي يراد صياغتها، على أنَّ وضع حزب الله لا يحسد عليه، فهو محاصر بنقمة شعبية من سكان لبنان حيث تشير أصابع الاتهام إليه بانه هو سبب الأزمة الاقتصادية الخانقة والأزمة السياسية العاصفة، وفي نفس الوقت فإنَّ إسرائيل تبدو وكأنها تزحف الى أبوابه. فالخيار بين دخول الحرب من عدمه هو خيار صعب لأنَّ أحلاهم مر.
وفي نفس الوقت سيؤدي تدمير حماس وتحييد حزب الله إلى تراجع مكانة إيران، وخاصة بعد إعادة الحديث حول تفعيل بقية أجزاء اتفاقيات إبراهام. هذا على الصعيد الإقليمي
أمّا على الصعيد الدولي فإنَّ حلف الناتو بقيادة أمريكا الذي يتواجد أبرز ممثليه العسكريين في المنطقة هو الآخر، سيعاني من أوجاع ضربة جديدة لو لم تقوم إسرائيل بحملتها العسكرية على غزة، ليعزز تراجعه بعد ما فشل في تحقيقه نصراً ملموساً في أوكرانيا.
وإذا ما نظرنا الى اللوحة السياسية من زاوية اخرى، فان مشروع بايدن أو كما سمي (طريق بايدن) الذي طرح مؤخرا في اجتماع دول العشرين الصناعية الكبرى في الهند، بحاجة الى تغيير المعادلة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وهو المشروع الذي ينافس طريق الحرير أو (الطريق والحزام) للصين، وان ما يحدث اليوم من عرض العسكرتاريا في المنطقة هو جزء من مشروع أكبر لاحتواء النفوذ الصيني والروسي ولجم حلفائها الإقليميين في المنطقة. ولذلك نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية بجميع مؤسساتها البحثية (انظروا سلسلة من المقالات التي طرحت خلال أسبوع بعد السابع من أكتوبر في مجلة فورين أفيرز) والسياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية والدعائية تؤيد ما ذهبت إليه (إدارة بايدن) بالإعلان عن الدعم المطلق لدولة إسرائيل للجم إيران وحزب الله، وإرسال أكبر حاملات لطائراتها للمنطقة وغير مكترثة أن تكون قواعدها العسكرية المنتشرة في الشرق الأوسط أهدافاً عسكريةً للمليشيات التابعة لإيران.
 
سردية الرواية الإسرائيلية:
 
"من ليس معنا فهو ضدنا"، هذا ما قاله جورج بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول من عام ٢٠٠١ على اثر تفجير البرجين في مدينة نيويورك الذي أوقع ٥٠٠٠ قتيل من الأبرياء المدنيين، ولم يكتف بوش بذلك بل راح ليعلن بأنه "يقود حرب صليبية" ضد معارضي سياسة الإدارة الأمريكية والتي وضع اسم حركي لها وهو الإرهاب. وعلى انغام تلك السردية لرواية واشنطن، القيت آلاف من أطنان القنابل على أفغانستان، والعراق التي جاءت بعد حصار اقتصادي قاسي ثم غزوهما واحتلالهما، وحينها أيضا نسج الحديث كما ينسج اليوم من حكايات ومقالات وأحاديث وأقاويل عن فشل الأجهزة المخابرات الأمريكية ومؤسساتها الأمنية في حماية الولايات المتحدة الامركية، وهو شبيه لما ينسج اليوم عن (آلة دولة إسرائيل وأجهزتها الأمنية)، وقيل حينها كما يقال اليوم عن هيبة دولة إسرائيل بأنها تمرغت بالوحل، إلا أنَّ الحقيقة هي أنَّ من يمسك بزمام كتابة الرواية وطريقة سردها، هو من يصوغ الحقانية، حقانية الرواية التي سيسردها و يعبئ الرأي العالمي حولها، على ضوء مصالحه. فأمريكا صاغت "حقانيتها" الزائفة والخادعة والكاذبة عبر روايتها بأن قيادتها للعالم  أعلنت الحرب على الإرهاب وستجلب السلام والديمقراطية وعبر فرض عالم أحادي القطب، واليوم تصيغ إسرائيل روايتها لمسح وجود شعبا بأكمله وطمس كل حقوقه، والنهوض من جديد من ركام ما أحدثته عملية حماس لفرض معادلتها في المنطقة كما سماها بنيامين نتنياهو صياغة شرق أوسط جديد في كلمته الأخيرة بعد إعلان حربه على سكان غزة.
 وعلى الرغم من أنَّ عالم اليوم أصبح أصغر ما يمكن بسبب تطور شبكة الأنترنت ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم لا يمكن لأحد حجب الحقائق الى ما لانهاية، أو كما يقول المثل القائل أنَّ حبل الكذب قصير، إلا أنه هناك من يحاول تسويق رواية واحدة حسب ما تقتضيه مصالحه عبر تشديد قبضته على العالم الذي يقولون عنه افتراضي، وقد بينت الحرب الروسية على أوكرانيا كم أن ذلك العالم الافتراضي بالإمكان حجبه، وتسويق رواية واحدة فقط  ومن جانب واحد، ولن يسمح لرواية أخرى أن تجد طريقها الى الآخرين ليدركوا ما يدور حولهم.
وعلى الرغم من تبجح الغرب بالديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، إلا أنَّه في الأزمة الأوكرانية تم حجب كلما هو روسي، وتم تسويق رواية واحدة، وهي رواية حلف الناتو عن الصراع الدائر بين روسيا من جهة وأمريكا وحلفائها من جهة أخرى، واكثر من ذلك تم تزييف العديد من الحقائق على الأرض من أجل الابتزاز العاطفي والوجداني لمواطني حلف دول الناتو كي يتم الاستحواذ على الضرائب التي يدفعونها أو تحميلهم تكاليف ارتفاع الأسعار الطاقة والتضخم نتيجة تلك الحرب، وبالتالي دفعها على شكل فاتورة لتمويل الحرب بالوكالة في أوكرانيا.
المسلسل يتكرر، وبنفس السيناريو الأوكراني، للرواية الإسرائيلية في حربها الدموية على أهالي غزة، بحجة الانتقام من حماس التي شنت عملية عسكرية عليها في السابع من أكتوبر.
وسائل الأعلام الغربية التقليدية لا تسوق الرواية الإسرائيلية عما حدث فحسب، بل الوسائل غير التقليدية مثل الفيسبوك والإنستغرام التي أخطر وأكثر انتشاراً وتأثيراً على الراي العام هي الأخرى، حجبت كلما ما يفند الرواية الإسرائيلية أو حتى يبدي التعاطف مع أهالي غزة أو يعلن عن غضبه وشجبه لارتكاب جرائم حرب في غزة ويتجاوز حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها.
 
ما وراء سردية رواية إسرائيل بمساواة حماس بداعش:
 
لم يأت عبثا أبداً سقوط كملة (داعش) في الخطاب السياسي والدعائي الرسمي لدولة إسرائيل، وتبني نفس الخطاب من قبل البيت الأبيض وإدارة بايدن لوصف عملية حماس في إسرائيل. وفي الحقيقة فإنَّ تكرارا كلمة (داعش) على لسان جميع المسؤولين الرسميين وغير الرسميين من المحللين الإسرائيليين، تم إنتاجه بعناية فائقة وهو جزء من سياسة مقصودة لتحقيق ثلاثة أغراض، الأول التغطية على فشل الالة العسكرية الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية على الأقل أمام الرأي العام الداخل الإسرائيلي، والثانية لتعبئة الرأي العالمي من أجل تنظيم حملة عسكرية دولية تساندها في الحرب التي تحتاج إليها إسرائيل والثالثة للتعمية على ظلمها القومي السافر على الشعب الفلسطيني.
والحقيقة تقال إن حماس ليست داعش، لان حماس تستند على نفس الأرضية التي تستند عليها دولة إسرائيل. فاذا كانت حماس اختطفت مدنيين من المستوطنات في غلاف غزة، فدولة إسرائيل تعتقل أكثر من ٧٠٠٠ شخص وغالبيتهم محكوم عليهم بمئات السنين بالسجن لأنهم ألقوا بحجارة على قوات الاحتلال، أو لأنَّهم عبروا بأشكال معينة  دون استخدام العنف المسلح عن رفضهم لسياسة الاحتلال، والسؤال هو: أوليس هؤلاء السجناء رهائن مدنيين؟، أما اذا افترضنا أنَّ حماس قتلت بدم بارد مستوطنين، فأن نفس دولة إسرائيل تقتل يوميا الفلسطينيين في مناطق ومخيمات الضفة الغربية، بل وتعمل على هدم بيوت الأسر التي ينتمي إليها كل شخص يقوم بعملية ما ضد المستوطنين أو قوات الاحتلال.
وبالتأكيد نحن لا نؤيد سياسة حماسة في قتل المدنيين، ولكن إذا ما تم وصف حماس بداعش فعلينا وصف دولة إسرائيل بنفس الوصف، وأن رواية إسرائيل عن حماس وسرديتها تساوي رواية حماس عن دولة إسرائيل، والطرفان يبرران قتل المدنيين عبر حقانية سردية روايتهما المظللة.
وبالنسبة للإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين استهوتهم رواية إسرائيل حول حماس، فهرعت دون تردد بتبني تلك الرواية الإسرائيلية من أجل تبرير تعبئتها العسكرية والدعائية لأرسال جيوشها إلى المنطقة، فكما فعلت في تحالفها الدولي لمحاربة الإرهاب أو محاربة داعش، تفعل اليوم، ومثلما جاء على لسان بايدن: يجب تدمير حماس، أو تدمير داعش. لان روايته أي التحالف الغربي عن القانون الدولي والسيادة التي جاءت في حلفها ضد روسيا في أوكرانيا لا تؤتي أوكلها في الحرب الدموية بين إسرائيل وغزة، فإسرائيل هي التي لا تحترم القانون الدولي ولا تلتزم بقواعد الحرب وحكمت على كل غزاوي بالإعدام بتهمة انتمائه لحماس أو يحتضن حماس أو شارك في انتخابات عام ٢٠٠٦ عندما فازت حماس - تابعوا غالبية من استضافتهم (I24 News Arabic) من العسكريين والمحللين الإسرائيليين أو العديد من القنوات العربية-.
وهكذا فإن الغرب الرسمي بحكوماته ومؤسساته الإعلامية لا يسمح لغير سردية رواية إسرائيل أن تجد مكاناً لها في الوسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، لتبرير تدخلها العسكري في المنطقة ودعمها غير المشروط لدولة إسرائيل كما فعلت في أوكرانيا.
 
براءة القضية الفلسطينية وعدالتها:
إنَّ عدالة القضية الفلسطينية، بريئة من جميع الجرائم بحق الإنسانية التي ترتكب باسم الشعب الفلسطيني، وبريئة عن الجرائم التي تودي بحياة المدنيين الإسرائيليين الذين في صفوفهم من يؤيدون حق الشعب الفلسطيني بحريته واستقلاله، وفي تأسيس دولته المستقلة، وهم أيضا جزء من جبهة إنسانية عالمية تقف بوجه بربرية دولة إسرائيل وداعميها. ولكن للأسف أن روايتهم أي رواية أولئك الإسرائيليين بدفاعهم عن عدالة القضية الفلسطينية هي جزء من روايتنا الإنسانية التي تحجبها ليس فقط إعلام الغرب بل أيضا الذي يصطادون في المياه الآسنة للكراهية والعنصرية، فبغير تلك المياه سيقطع الهواء عن يتامى القوميين الذين سلموا بنادقهم للإسلاميين، ومع تجفيف تلك المياه لن تقوم لهم قائم. فكما فعل صدام حسين ومعمر القذافي والأسد بفتح زنازينهم ومعتقلاتهم لمعارضيه تحت عنوان الدفاع عن فلسطين تمضي التيارات الإسلامية سواء في السلطة كما في إيران ولبنان والعراق أو في المعارضة يحذون حذو سلفهم من القوميين.
إنَّ تأسيس دولة فلسطين مستقلة وإنهاء الظلم القومي وإحلال الأمن والأمان ينعم فيه جماهير المنطقة، بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى الى تيار آخر وجبهة أخرى تقف بوجه جميع الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية في غزة وتوقف الحرب الدموية الرجعية بين إسرائيل وحماس.
 

9
أوكرانيا جديدة في أفريقيا
سمير عادل
 
هل تستسيغ فرنسا ما حدث لنفوذها في أفريقيا، كما فعلت بريطانيا على مضض بعد منتصف القرن الماضي بتقويض مكانتها في الشرق الأوسط، لتحل محلها الولايات المتحدة الامريكية؟، بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية، كما يحدث اليوم، وبنفس الآليات ونفس الشعارات وبنفس الخطاب السياسي، عن الاستعمار ونهب الخيرات في البلدان الافريقية، وخاصة  بعد أن راحت أي فرنسا تلملم أشلاءها من مالي وبوركينا فاسو وافريقيا الوسطى، وجمعت قواها في آخر معاقلها في النيجر، لتسدد لها ضربة أقرب الى قاصمة الظهر، عبر الانقلاب العسكري الذي اطيح بسلطة محمد بازوم وهو حليف مطيع لفرنسا والغرب عموما.
ما يقارب من ثلاثة أسابيع انقضتْ على الانقلاب العسكري في النيجر، ومازال الغبار الإعلامي الغربي الذي احدثه الانقلاب يتصاعد بطمس ماهية الصراع وتضارب المصالح بين فرنسا بشكل أساسي والولايات المتحدة الامريكية وعموم الغرب وبين الطبقة السياسية الجديدة التي يقودها العسكر وتقف خلفها روسيا والصين والقوى الإقليمية الجديدة الصاعدة مثل تركيا والجزائر.
الذرائع السياسية للتدخل العسكري لإعادة عقارب الساعة الى الوراء في النيجر تتكرر وبشكل ممل ومقزز كما حدث في أوكرانيا، ولكن مع فارق واحد هو التفنن بالنفاق السياسي وباحترافية عالية من قبل جميع الأطراف المتصارعة. ففرنسا والغرب الذي أيد الانقلاب العسكري في تشاد، وقبل ذلك في ٢٠١٤ في أوكرانيا. وفي حديث عن الانقلابات العسكرية، كان القرن الماضي؛ لم يؤيد الغرب الانقلابات العسكرية فحسب التي حدثت في إيران والعراق وإندونيسيا وتشيلي وفي الارجنتين والبرازيل، بل كانت اغلبها أما من تدبير، او دعم الوكالات المخابرات المركزية الامريكية، إلا إنهم اليوم يتباكون على الديمقراطية في النيجر، لان الحكومة التي اطيح بها هي حكومة تحقق مصالح فرنسا بالدرجة الأولى. ويجب الإشارة هنا، ان الدوس على "سيادة" النيجر عبر التدخل العسكري المحتمل من قبل مجموعة حكومات ايكواس، بتحريض من فرنسا والاتحاد الأوربي، لا يدخل بالقاموس الدعائي والأيديولوجي الغربي، مثلما يقصفوننا إعلاميا بشكل يومي من قبل الإعلام الغربي بالعويل والبكاء على سيادة أوكرانيا وانتهاك القانون الدولي من قبل روسيا.
 
إنه الاقتصاد السياسي يا أحمق*:
 
الدعاية الروسية لا تقل نفاقا ولا فضاضة عن الإعلام الغربي، عندما تعلن عن رفضها التدخل العسكري ويحذر منه، في حين حركت ماكنتها العسكرية المهولة لتجتاح أوكرانيا وتعلن حربها بحجة الدفاع عن شعب دونباس والأمن القومي الروسي. وليس هذا فحسب، بل ان جوقة محللي الكرملين يسوقون للعالم بأن الدب الروسي هو السوبرمان الجديد لإنقاذ افريقيا، وان روسيا تملك موارد كبيرة ولا تحتاج من النيجر أي شيء، لكنها تفعل مجانا، مثلما كان وما زال المهللون للديمقراطية الامريكية، سوقوا ويسوقون لنا بأنها جاءت لتحرير العراق من الدكتاتورية وان رسالة الولايات المتحدة الامريكية، للعالم، هي نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان عبر قاذفات بي ٥٢ وصواريخ كروز وحراب المارينز ومعتقلات مثل أبو غريب والبوكا في العراق و غوانتانامو في كوبا وعشرات من المعتقلات السرية المنتشرة في أنحاء العالم، وكما هي أمريكا وروسيا تقدم خدماتهم بشكل مجاني لنشر قيمهم في العالم.
بيد ان الحقيقة في النيجر بدأت تتكشف على الرغم من كل محاولات التعمية عليها، وهي أن الصراع على النيجر لا يقل عن الأهمية الاستراتيجية عن الصراع في أوكرانيا. 
النيجر تمد أوروبا باليورانيوم بنسبة ٢٥٪ لتشغيل مفاعلاتها النووية، منها ١٧٪ تزود مفاعل فرنسا التي بدورها تزود أوروبا بالطاقة الكهربائية، وان فرنسا تحصل على ذلك اليورانيوم باقل من ٢٠٠ ضعف من سعرها مقارنة بالأسعار التي تبيعها كندا على الاقل، ومع هذا يتبجح عدد من مناصري الدفاع عن "الرئيس الشرعي" الذي اطيح به في الفضائيات ووسائل الاعلام الأخرى، ان فرنسا لا تأخذ اليورانيوم مجانا بل تدفع مقابلها أموال!
أي بمعنى آخر أن سعر اليورانيوم سيرتفع بعد الانقلاب العسكري، إذ سيباع حسب سعر السوق العالمي، هذا إذا لم توقف الإمداد به لفرنسا، ويعني بالمطاف الأخير سترتفع تكاليف الطاقة في اوروبا، لتزيد الطين بلة، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
بيد أنه على الصعيد الاستراتيجي لا يقف موضوع الصراع على النيجر عند هذه الحدود، فإذا ما بقينا في سوق اليورانيوم، فإن روسيا ستكون اللاعب الرئيسي في افريقيا بالتحكم بسوق اليورانيوم، إذ ان ٤٥٪ من معدن اليورانيوم في السوق العالمي يجري تحويله وتخصيبه من قبل روسيا، واذا ما اضفنا اليه أي روسيا انها تحتل المركز السادس عالميا في إمداد العالم باليورانيوم والبقية تأتي بنسبة ٥٠٪ من كازخستان واوزبكستان، وهما حلفاء روسيا، مع إضافة النيجر التي تحتل المركز الخامس بالأمداد العالمي بنسبة ٥٪، فيعني أن روسيا ستتحكم بنسبة ٧٠٪ من سوق اليورانيوم العالمي، والجدير بالذكر ان ثلث تمويل مفاعل الطاقة الامريكية من اليورانيوم يأتي من روسيا، ويصفه الخبراء الأمريكيين هذا الوضع بالضعف الاستراتيجي.
ولا تنتهي القصة عند اليورانيوم، بل ان جميع خطط اوروبا الاستراتيجية لإيجاد بديل الغاز الروسي ، جاء الانقلاب العسكري لتقويضها إذا ما قلنا يزلزلها، فتزويد أوروبا بالغاز من نيجيريا  ليقطع الصحراء وعبر الجزائر ثم البحر المتوسط  و اوربا ويبلغ مقدار ٣٠ مليار متر مكعب يمر عبر النيجر، هذا ناهيك ان النيجر سادس اكبر منتج للذهب في العالم، وانه الملاذ الامن كما يصفه الاقتصاديون، اذ تلجأ إليه الدول لتأمين احتياطاته المالية، فيعني بالمطاف الأخير تسديد ضربة استراتيجية لفرنسا وكل المشروع الأوربي، الذي وضع كل سلته بتزويد أوكرانيا بالمال والسلاح لتحجيم روسيا مقابل الاستثمار السياسي والمالي في افريقيا.
 
البديل الفرنسي والأوروبي في النيجر:
 
في الأدبيات الماركسية؛ الحرب هو امتداد للسياسة لكن بوسائل عنف، والأخيرة أي السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد، ولكن هل فرنسا والاتحاد الأوروبي المتضرر الأول من الانقلاب العسكري وسقوط البلدان الافريقية التي تحت النفوذ الفرنسي مثل أحجار الدومينو واحدة تلو الاخر، أمام خيار الحرب، او في أسوأ الأحوال إعادة استراتيجية الحرب بالوكالة عبر حلفائها في مجموعة ايكواس؟
عدد ليس قليل من المراقبين السياسيين في الطرف الفرنسي وحتى القريبة من الطبقة الحاكمة في الاليزية، يصفون الأوضاع بالحساسة والخطيرة، وأن الحرب العالمية الثالثة اذا ما اشتعلت فستكون في النيجر، وهذا يكشف عن احتدام الصراع بين الأقطاب الامبريالية العالمية، وبغض النظر بأن هناك حرب عالمية أو حرب الوكالة، ستنشب او لا. والوقائع الحالية تبين بان خطر نشوب الحرب ابتعد قليلا على المدى المنظور من طرف التدخل العسكري لقادة مجموعة ايكواس، إذ هناك خلافات عميقة في تعاطي كل بلد من تلك البلدان من المنظومة مع ما حدث في النيجر.
وبالنسبة لفرنسا وهي تعرف جيدا، ان الحرب لن تعيد الأوضاع الى سابق عهدها، الا في حالة واحدة، هو حرق الأخضر مع اليابس، حيث لن يكون لها هناك في افريقيا شيء تخسره، وعسى ولعل عن طريق تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة الامريكية لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندليزا رايس، من الممكن الحصول على شيء بالكاد يذكر. فالوجود العسكري الروسي عن طريق قوات فاغنر، والوعود بتزويد عشرات البلدان الافريقية بالحبوب وقسم منها بشكل مجاني، وتزويدها بالسلاح، الى جانب الاستثمارات الصينية، كلها تؤشر، ان الأقطاب الامبريالية الأخرى المنافسة لفرنسا لها أوراق عديدة وقوية، وبان الحرب بالنسبة لفرنسا لن تعيد محمد بازوم الى السلطة، ولن ترمم نفوذها بهذه البساطة  في تلك المنطقة، وخاصة اذا وضعنا في الحساب تصاعد الأصوات في فرنسا سواء من قبل المعارضة في البرلمان او من القوى التقدمية تطالب الاليزية ورئيسها ماركون برفع اليد عن افريقيا والكف عن سياستها الاستعمارية.
وهكذا فما خسرتها فرنسا والاتحاد الأوروبي في الحرب الروسية في أوكرانيا، تخسرها اليوم في افريقيا عموما وبشكل خاص في النيجر. وكل الآمال التي بنت سواء من قبل فرنسا او الاتحاد الأوروبي لتعويض خسائرها من الطاقة الرخيصة في روسيا تتبدد، وسوف تزيد من محنتها، ومن المحتمل قد تكون طريق لانهاء الحرب في أوكرانيا.
بيد انه ما يجدر الإشارة اليه، ان فرنسا والقوى الغربية تملك ورقة حيوية التي يسمونها (الحرب على الإرهاب) ، وهي غض الطرف او فتح المجال وحتى تقديم الدعم بشكل غير مباشر للعصابات الإسلامية مثل بوكو حرام وداعش والقاعدة ووصولا لحركة الشباب، لتقويض الأمن وتهديد السلطة في عموم البلدان الافريقية التي خرجت عن عصا النفوذ الفرنسي والغربي، وخاصة في المثلث الحدودي الذي يسموه بمثلث الموت بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، فها هو يتكرر سيناريو سورية الذي أعلنت عصابات داعش بالهجوم على قافلة للجيش، وقتلت ما يقارب ٢٠ جنديا سوريا، وهذه المرة في النيجر، حيث قتل اكثر من ٢٠ جندي وجرح العشرات بهجوم من قبل تلك الجماعات الإسلامية.
 
مساعي بالتعمية على سياسة النهب في القارة الافريقية:
 
ان محاولات تصوير الانقلاب العسكري الذي حدث في النيجر من قبل الإعلام الرسمي لقصر الاليزية، بأن روسيا وقوات فاغنر ورائها، وحتى التخبط بالتصريحات الإعلامية من قبل المسؤولين الفرنسيين مثل ماكرون ووزير دفاعه، أحدهم يقول لا مؤشرات على وجود روسيا وراء الانقلاب العسكري، والأخر يقول هناك ادلة على وقوف قوات فاغنر وراء ذلك الانقلاب، نقول بان هذه التصريحات هي من أجل التغطية على سياسات النهب التي كانت تمارسها فرنسا في أفريقيا. وبغض النظر عن المحتوى الطبقي للعسكر، فهناك ظلم اقتصادي سافر وعملية سرقة ونهب فاضح لخيرات البلدان الافريقية من قبل الدول الأوروبية التي توالتْ على استعمارها منذ العصر الحديث والذي دشن في القرن الثامن عشر مثل البرتغال وإسبانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا.
 
ان ما يحدث اليوم من انقلابات عسكرية في البلدان الأفريقية مثلما حدث في مالي وبوركينا فاسو واليوم في النيجر، ويتوقع ستجتاح رياح الانقلابات العسكرية بلدان أخرى مثل موريتانيا وغيرها، و التي ترفع شعار (طرد الاستعمار الغربي)، تلقى تعاطف كبير من قبل شعوب تلك البلدان بسبب التاريخ الاستعماري الوحشي للبلدان الأوروبية بكل أشكاله في القارة الافريقية. والانقلابات الجارية، تكشف على أن البلدان الافريقية، وان تأخرت باللحاق ما يقارب أكثر من نصف قرن عن اقرانها في اسيا، بصعود ما سمي بـ البرجوازيات الوطنية والاستقلال الوطني والسيادة الوطنية في القسم المقابل من العالم، الا ان لديها فرصة لتحسين حظوظها بالحصول على سهم وحصة أكبر في التقسيم الإنتاج الرأسمالي العالمي، إذا لم تكن أفضل، فعلى الأقل مساوية مع اقرانها.
لكن هل أن الطبقة العاملة و كادحي ومحرومي تلك البلدان الافريقية سيكون لهم نصيب من خيرات بلدانهم وحياة أفضل عبر شعارات العسكر؟ فالجواب بينته تجارب مشاريع البرجوازية الوطنية، ففي منطقتنا التي اختبرناها وعشنا فيها وذقنا طعم معتقلاتها و سجونها و تنعمنا بأدوات تعذيبها، فتحت عنوان او الشعار الذي رفعه العسكر "تحرير فلسطين طريق لتحرير الامة العربية" او بالعكس "تحرير الامة العربية طريق لتحرير فلسطين"، كانت المعتقلات والسجون والفقر والعوز والبطالة واللجوء والتشرد، هو ما حصلت الجماهير عليها من الانقلابات العسكرية، مثلما حدث في مصر وليبيا والسودان والعراق وسورية واليمن، وعندما انتهت حقبة الحرب الباردة، كان مصاصو الدماء، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك باريس وصندوق التنمية الامريكية ومشاريعهم الاقتصادية (السياسة الليبرالية الجديد) تقف على الأبواب لنهب ما يمكن نهبه من جهد الطبقة العاملة والكادحين، كما نعيش تداعياتها هذه الأيام.
ما نريد ان نقوله ان الشعوب الافريقية مثل شعوب آسيا، هي ضحية خداع و ديماغوجية برجوازيها التي يقودها اليوم العسكر.
وأخيرا، هكذا ستسير الأمور، الانقسام الأيديولوجي والسياسي بين الأقطاب الامبريالية المتصارعة، فمن سيعترف بالحكّام الجدد الذي جلبتهم الانقلابات العسكرية، فهو وطني ومناضل من أجل التخلص من الحقبة الاستعمارية كما هو الحال في خطاب الكرملين وحلفائه، في حين يكون من قام بالانقلاب العسكري هو متمرد ومجرم ومعادي لحقوق الإنسان والديمقراطية والدستورية كما نسمعه في الخطاب الفرنسي و الامريكي والغربي عموما.
غير أن الحقيقة التي يحاول كل طرف طمسه من اجل التغطية على المطامع والمصالح الامبريالية، هو ان ما حدث وما سيحدث في أفريقيا هو، غضب عارم ضد نظام القسمة والحصص الذي يديره الغرب بشكل عام في افريقيا، وروسيا تحديدا تحاول تغيير ذلك النظام أي نظام القسمة القديم للحصول هي الأخرى على حصة فيها وتحت عنوان مضلل ومغرض: "عالم متعدد الأقطاب هو عالم أكثر امانا وأكثر عدلا" كما جاء على لسان وزير الدفاع الصيني في منتدى الجيش الدولي الذي يقام حاليا في مقاطعة موسكو في روسيا.
 
 
* (إنه الاقتصاد، يا غبي) هي عبارة استخدمت على نطاق واسع خلال الحملة الانتخابية لبيل كلينتون ضد جورج بوش الأب عام 1992.
 
 
 
 

10
الهجمة على النساء عنوان مستجدات الوضع السياسي في العراق
سمير عادل
في مقال لمايكل نايتس في أيار الماضي في مجلة (فورين افيرز- Foreign Affairs) الصادرة عن الوزارة الخارجية الامريكية، وصف حكومة السوداني، بانها حكومة دمية بيد مليشيات الإسلام السياسي او تحالف التنسيقي الذي يقوده نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامي ورئيس الوزراء السابق الذي سلم ثلث مساحة العراق في حزيران من عام ٢٠١٤ الى عصابات داعش بطيب خاطر، بالرغم الإشادة بالحكومة من قبل الادارة الامريكية وفرنسا وألمانيا.
الجميع يعرف بالعالم، ان العراق أسوأ بلد في تقديم الخدمات الى مواطنيه، وأن جواز سفره هو اسوء ثالث جواز في العالم الى جانب سورية وافغانستان، ويتقدم في سلم الفساد الى المراتب المتقدمة في العالم حسب مرصد منظمة الشفافية الدولية اذ يحتل مركز ١٤٩ من أصل ١٦٣ دولة في العالم، وتعتبر من الدول الفاشلة في العالم، حسب تعريف (الدولة) في الأدبيات السياسية للنظام الرأسمالي العالمي والقاموس البرجوازي، وتعني (بالدولة الفاشلة) بأنها غير قادرة على حماية مواطنيها. أما البطالة تتجاوز ٢٧٪ حسب ارقام وزارة التخطيط، في حين يصف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصول نسبة البطالة في أي بلد الى أكثر من ٦٪ يعني ان "السلم المجتمعي" يهدده خطر حقيقي. وفي خضم هذه الأرقام وهذه الأوضاع، تقف حكومة السوداني موقف المتفرج " المحايد" الذي ليس له القدرة على التصفيق لتشجيع أي طرف في الصراع الدائر بين مليشيات التيار الصدري وتحالف المليشيات الذي اسمه السياسي او الحركي الإطار التنسيقي، فالاستعراض العسكري للمليشيات وحرق السفارة السويدية وتعميم الفوضى وضرب ابراج الكهرباء كي يقطع التيار الكهربائي لأيام على غالبية مدن العراق حيث تتراوح درجات الحرارة بين ٤٨-٥٢ مئوية، هو المشهد الذي يلقي بظلاله على المجتمع.
بيد ان لهذا الصراع وكي يحسم لصالح طرف معين؛ كلا الطرفين يدركان ان مكانتهم الاجتماعية في حضيض، أي مكانة أيديولوجيتهم وانتمائهم السياسي إلى جماعات الإسلام السياسي، وفي نفس الوقت يعلمان بأنهما غير قادرين على انهاء الاخر او حسم السلطة بشكل نهائي،  لذلك يتبارزان على المنافسة في إخفاء هويتهما وماهيتهما المتعفنة والرجعية والفاسدة من جهة، ومن جهة يحاولان وبنفس الآليات لتصدر المشهد عبر خنق الحريات والهجمة على النساء والمدنية في المجتمع.
وبعد الانتهاء من حملة (المحتوى الهابط)، أعلنت هذه المرة مسابقة جديدة وهي التطبيل والتزمير الأخير حول خطورة (الجندر) على المجتمع العراقي، وجاء إطلاق صافرة بدء المباراة في جامعة البصرة وهي تابعة لوزارة التعليم العالي التي تستوزرها مليشيات عصائب اهل الحق الذي يرأسها قيس الخزعلي، وبعد ذلك لتجتاح مثل وباء كورونا وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ثم ظهور جماعات نكرة بأسماء مختلفة تابعة للمليشيات لتطلق تهديداتها ضد النساء، ثم القيام بالاستعراض العسكري للمليشيات، وقبل تلك الحملة كان التيار الصدري يحرق السفارة السويدية ويستعرض قوته ولكن تحت عنوان قريب لانتمائهم الأيديولوجي وهو "حرق القرآن".
إن خلط الأوراق هو تكتيك سياسي لهذه الجماعات من خلال افتعال قضايا ثانوية وتحويلها الى أوهام مشكلة اجتماعية كبيرة غير موجودة بالأساس مثل "الجندر" وقبله كان حرق القرآن والعلم العراقي، وهو تكتيك لتصدر المشهد السياسي وإعادة الإنتاج الاجتماعي لهذه الجماعات تحت يافطة الدفاع عن التقاليد الإسلامية وتقاليد المجتمع والأخلاق، وبالتالي إعادة البريق عبر القوة والقمع الى نفوذهم السياسي وسلطتهم المتأرجحة والحيلولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اسلمة المجتمع.
الهجمة على النساء كانت دائما جزء اصلي من هوية جماعات الإسلام السياسي، واينما تحررت المرأة فلا مكان لتلك الجماعات، او كما يقول علماء البيئة وقد عبرنا عنها في مناسبات عديدة، عندما تجد نحل في مكان معين يعني ان نسبة التلوث في ذلك المكان قليلة او لا توجد بالمرة فهو بيئة نقية.
وفي العراق تتقدم حركة النساء ومنذ انتفاضة أكتوبر، ولذلك، بالرغم من الصراع الدائر بين التيار الصدري وجماعة الاطار التنسيقي على الانفراد بالسلطة من اجل النهب والسرقة، إلا أن استراتيجيتهما تتطابق، ففي الانتفاضة طالب مقتدى الصدر بالفصل بين النساء والرجال ونظم حملة أخلاقية ضد النساء والتشهير بهن في ساحات الانتفاضة، وفي نفس الوقت كانت المليشيات التابعة لإيران التي تقف اليوم خلف حكومة السوداني تخطف النساء وتغتالهن.
أنهما يكرهان النساء، ولهما الحق، فثورة النساء تنجح حينما تبدء بكنس هذه الجماعات، وتدرك جيدا هذه الحقيقة، لذلك يتبارزان بالتنافس على مذبح النساء.
حكومة السوداني تقف حائرة أمام كل هذه الأوضاع، وهي التي تؤيد جميع المواثيق الدولية التي تحرم العنف ضد النساء، و بوصلتها ضائعة، وهي تعكس حال المعادلة السياسية في العراق وتوازن القوى، فهي نشطة إعلاميا بـ التبجح حول حقوق الانسان ومكافحة الفساد والقضاء على المليشيات، في حين تقف خائرة القوى أمام المليشيات التي تهدد النساء بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.
أي بعبارة أخرى، ما يحدث اليوم في العراق من هجمة شرسة على النساء وتحت عنوان "الجندر" يعكس واقع الازمة السياسية المتفاقمة في العراق، وقد تحدثنا مفصلا في مقال قبل ذلك عن (الوضع السياسي في العراق في مرآة قانون الموازنة) وتحاول القوى الإسلامية بسلطتها ومعارضيها، عن طريق هذه الهجمة  بحرف الأنظار عن ازمتها السياسية وتسويق تصوير خادع وكاذب لطمس الصراع المتفاقم بين أجنحة العملية السياسية وخاصة بين اطراف الإسلام السياسي الشيعي، وعلى الصعيد الإقليمي تشعر هذه الجماعات بتهديد حقيقي على نفوذها، فالتموضع الأمريكي الجديد الذي بدأ يحاول اخذ زمام المبادرة بنشر قوات جديدة في منطقة الخليج وزيادة عديد قواته في المنطقة تحت يافطة حماية أمن الخليج من الإرهاب الإيراني، وتشكيل قوة ميليشياتية جديدة في سورية من العشائر وقسد للحيلولة دون تأهيل نظام بشار الأسد المدعوم بقوات عسكرية على الأرض من إيران وروسيا، وفرض عقوبات على ١٢ بنك عراقي بتهمة غسيل الأموال وتهريبها الى ايران وتنامي الدور الإقليمي السعودي.
وكذلك الهجمة على النساء لا يقتصر على العراق، بل تزامن أيضا في لبنان وفي اليمن، وفي ايران بدأت تطلق الحكومة الإيرانية تهديداتها من جديد ضد النساء غير المحجبات بعد ان خرستْ وبلعت لسانها ولجمت ميليشياتها على اثر الهبة الجماهيرية جراء قتل (مهسا اميني) ورفع شعار (المرأة، الحياة، الحرية)، أي ما يجري في العراق جزء من حملة منظمة إقليميا وتعكس حال مكانة الإسلام السياسي الشيعي ووضعها السياسي، إلا أنه في العراق يأخذ طابعا اخر كما اشرنا بسبب أوضاعه السياسية.
 
في العراق، فجماعات الإسلام السياسي الشيعي والنسي، الجعفري والقاعدة وداعش، لها تجربة مريرة مع المجتمع لإرساء مشروعهم، فمنذ غزو واحتلال العراق وتسليمه الى الأحزاب والقوى الإسلامية التي تربعت على السلطة منذ ذلك اليوم، وقبله كانت هناك حملة ايمانية لنظام صدام حسين، فشل الإسلام السياسي من تحويل المجتمع العراقي الى قندهار طالبان، بالرغم من كل عمليات القتل والتصفيات الجسدية والصيحات في المساجد والجوامع وتهديدات المليشيات وتخصيص فضائيات لتأليه وتخليد دونية المرأة، واستغلال المناسبات الدينية لتحميق المجتمع وتشريع وسن القوانين المعادية للنساء، إلا أن الحركة التحررية في المجتمع تضرب جذورها في عمق الأرض وفي التاريخ الحديث للنشوء الدولة العراقية الحديثة.
وأخيرا علينا كتحرريين وتقدمين أن نفضح تكتيكات وسياسات هذه الجماعات ونكشف الحقيقة امام المجتمع، وعليهم ان يفهموا ان الإسلام السياسي كمشروع سياسي اصبح منتهي الصلاحية او كما تكتب على علب المواد الغذائية (Expire)، وان كل هذه الأعمال التي يقومون بها هي من أجل نفخ الروح في جسد ليس فيه روح، وكما يُقال، إن إكرام الميت دفنه.
 

11
المزايدة السياسية بالتباكي على حرق القرآن والعلم العراقي
سمير عادل
بعيداً عن قضية حرق القرآن مع حرق العلم العراقي من قبل طرف أو شخص معين في السويد، بأنها مسألة تعبر عن حرية التعبير أو انتهاك للمقدسات، وبعيدا عن إن الذي قام به هو شخص مجنون أو يبحث عن الشهرة كما يروج له الاعلام، فإن حرق السفارة السويدية في بغداد كرد فعل وانتقام لعملية الحرق، ليس له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالدفاع عن المقدسات، سواءً كانت دينية أو قومية.
فإيران قلعة الإسلام السياسي، التي أفتى زعيمها الخميني في نهاية العقد الثامن من القرن المنصرم، بهدر دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي بسبب روايته (آيات شيطانية)، والتي (إيران) تقف أيضا خلف التحالف الميليشياتي الذي شكل حكومة السوداني، لم يكن رد فعلها مثلما حدث في العراق، كما ان السعودية التي ما زالت تتمسك بقيادتها لمشاعر المتدينين من المسلمين بسبب وجود الكعبة ومهد نزول القرآن فيها، لم تذهب اكثر من اعلان احتجاجها وغضبها بشكل دبلوماسي أمام البعثة السويدية في الرياض.
 انها المزايدة السياسية التي تقف خلف الفوضى او الخرق الأمني كما تسميها حكومة السوداني، لتحقيق أجندات سياسية، ومحاولة لدخول كل طرف في ذلك السوق، سوق المزايدة السياسية بالدفاع عن المقدسات، لإعادة إنتاج مشهد سياسي او رفع الستار عنه بعدما اسدل عليه منذ فشل التيار الصدري في قلب المعادلة السياسية وتشكيل حكومة الأغلبية تسيطر عليه وتقصي التحالف المليشياتي الشيعي عن السلطة، اثناء اقتحامه للمنطقة الخضراء واحتلاله للبرلمان بدعم ومساندة او تواطئ حكومة الكاظمي آنذاك.   
 وفي العراق، اذا تحدثنا عن الانتهاكات للمقدسات، فانه ينتهك كل يوم، بل وفي كل لحظة، وفي كل شهيق وزفير، القيم الإنسانية، وتدوس عليها بأحذية نفس الذين حرقوا السفارة السويدية وعبثوا بالأمن والفوضى،  أو الذين جعجعوا بالأعلام من رئيس دولة القانون ورئيس البرلمان ورئيس التيار الصدري، حيث يعيش آلاف من أطفالنا على التقاط طعامهم اما من المزابل وتلال النفايات او من التسول في شوارع المدن، او حصولهم على ما ترمي لهم من فتات من قبل العصابات التي تستغلهم وسلبتهم طفولتهم، هذا ناهيك عن كل أنواع السرقات واللصوصية وكل أشكال الفساد التي تمارسها كل اطراف العملية السياسية التي شكلت الحكومات السابقة والحالية، الى جانب عملهم الاصلي وهو العمالة لدول المنطقة، في حين يعيش أكثر من ٤٠ بالمائة من سكان العراق تحت خط الفقر وفي بلد يشكل العاطلون فيه جيش عرمرم يقدر بأكثر من ١٢ مليون عاطل.
لقد لعب التيار الصدري دورا كبيرا في تأليب الأوضاع كالعادة، والسعي لتصدير المشهد السياسي، وهو محاولة للتذكير، بأنه أي التيار الصدري، ليس غائب عن المشهد السياسي رغم اقصائه عن الحكومة، وانه قادر على خلق الفوضى وخلط الأوراق وتلطيخ سمعة واعتبار الحكومة التي جاءت عن طريق غريمه من تحالف المليشيات الموالي لإيران. 
وقد دفع حركة التيار الصدري هذه، الأطراف الأخرى مثل المالكي رئيس دولة القانون والحلبوسي رئيس البرلمان وغيرهم للدخول مجبورين وليس مخيرين في ذلك السوق أي سوق المزايدة السياسية حول حرق القرآن وعلم العراق، للحيلولة دون منح فرصة مجانية للتيار الصدري بتصدر المشهد السياسي وقيادته بالدفاع عن الإسلام والوطن.
وهنا لا بد من الإشارة ان ما حدث في بغداد من حرق السفارة السويدية بيد مليشيات التيار الصدري، يمزق القناع الزائف الذي حاول السوداني وحكومته الفاشلة بارتدائه، وبأنه ماضي في بناء "الدولة" وبغض النظر عن المحتوى السياسي والأمني والقانوني لتلك الدولة، ويفض المشهد الذي خلقه التيار الصدري، أي بعبارة أخرى ان الاستقرار الأمني والسياسي الذي يطفو على السطح هو خداع وعبارة عن فقاعة دعائية ليس اكثر، ان انفجارها ليس إلا مسالة وقت.
وأخيرا ان ما يضيف سخونة على سخرية المشهد الإعلامي والسياسي في العراق، تكمن بظهور جوقة من  ما يسمون انفسهم من محللين سياسيين ورؤساء مراكز الدراسات المدفوعة الأجر من الأموال المسروقة بالانخراط في ذلك السوق، بأن دولة فاشلة مثل العراق لا تستطيع: لا حماية مواطنيها، ولا توفير لقمة عيش لائقة لهم، تصور نفسها سوبرمان او بطل الدفاع عن مقدسات ملياري مسلم في العالم كما يدعون.
وهذا يثبت بشكل قاطع حيثما تسيطر المليشيات ويعم الفساد والفوضى والفقر والعوز وتغيب الدولة بالمعنى توفير الحد الأدنى للعيش الإنساني، و بالمعنى القانوني والأمني، اذ تزدهر أسواق المزايدة على المقدسات الدينية والقومية والوطنية، ويظهر ابطال ملوثين بكل أشكال الفساد، ويحاولون تطهير أنفسهم عبر رفع عقيرتهم في ذلك السوق، لا للتكفير عن ذنوبهم التي لا تغتفر ابدا الا امام المحاكم العلنية الجماهيرية للقصاص منهم، إنما لطمس تلك الذنوب وحرف الأنظار عما اقترفوا من جرائم بحق جماهير العراق.
 

12
الوضع السياسي في العراق في مرآة قانون الموازنة
سمير عادل
أخيرا نشر قانون الموازنة في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية)، وقد استغرق الجدال والصراع والتجاذبات حوله بين القوى السياسية مدة أكثر من ثلاثة اشهر، حيث يعكس الوضع السياسي او لنقل مستجدات الوضع السياسي في العراق بعد اقصاء التيار الصدري وعودة أحزاب الإسلام السياسي وميلشياتها الموالية لإيران إلى السلطة، مع وضع  نصب أعينها على التداعيات المرة لانتفاضة أكتوبر التي أطاحت بحكومتها التي ترأسها عادل عبد المهدي، ومنحت الفرصة للإدارة الامريكية بتصفية عرابيها الإقليمي والمحلي على حدٍ سواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
ان المعضلة الاصلية في قانون الموازنة ليس كما يراها او يصفها عدد من المحللين السياسيين والخبراء الاقتصاديين والمؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي، بأنه اكبر موازنة في تاريخ العراق الذي بلغ (١٩٨,٩١٠,٣٤٣,٥٩٠) ترليون دينار أي ما يعادل ١٥٣ مليار دولار بسعر صرف ١٣٠٠٠٠ دينار، بينما ينخرها عجز بمقدار ( ٦٤,٥٣٧,٤٢٤,٥٢٧ ) تريليون دينار أي ما يعادل ٤٩ مليار و٥٠٠ مليون دولار، وينفق ما يقارب منها مقدار ٥٧ مليار دولار على دفع المعاشات والأجور في القطاع العام، انما الحقيقة التي يتم التعمية عليها في هذه الموازنة وبشكل مخطط ومدروس على الأقل بالنسبة للمؤسسات المالية الامريكية والسفيرة الامريكية في بغداد التي تمثل إدارة جون بايدن، بأن الأحزاب الإسلامية الميليشياتية الحاكمة تعمل بشكل حثيث لحسم مسالة السلطة السياسية وتصفية جميع المعارضين والمخالفين اما عبر ترسيخ وبناء مؤسسة قمعية ستبينه لاحقا او عن طريق منح الامتيازات وشراء الذمم على جميع الأصعدة.
 وأول الغيث في قانون الموازنة، هو تصفية الحسابات القديمة المؤجلة من قبل بغداد مع سلطة الأحزاب القومية الكردية في كردستان، ووسعت بغداد الهوة بين الحزبين القوميين الحاكمين، وبدأت لها اليد الطولى على أربيل، حيث أجبرتها بالقبول على مضض بدفع أموال ٤٠٠ ألف برميل من النفط الى الحكومة المركزية وقسم من واردات المنافذ الحدودية بعد ان كانت تماطل كل هذه السنوات، ولم تقف عند هذا الحد بل يشرف على التدقيق المالي شركة اجنبية، وعلى كردستان تقديم فواتيرها إضافة الى تصفية الحسابات الختامية طوال السنوات المنصرمة. أي بمعنى اخر ان مكانة الأحزاب القومية الكردية في كردستان كما يقول المثل المصري (طب ساكت) أي هوت على الأرض دون أن يسمع لها صوت، وها هي تعيش احلك ايامها على الأقل خلال المدى المنظور، ولكن لا يعني أن هذه الأوضاع ستكون مستقرة وثابته، ففي العراق والشرق الأوسط وحتى العالم، دائما هناك مفاجآت ومنعطفات سياسية، تغيير من موازين القوى، مثل الثورتين المصرية والتونسية التي قلبت كل المعادلات السياسية في المنطقة، وإعلان تأسيس دولة الخلافة الإسلامية في ثلث مساحة العراق أي صعود نجم داعش، واشتعال شرارة انتفاضة تشرين-أكتوبر في العراق، والحرب الروسية على اوكرانيا، واندلاع الانتفاضة في ايران التي مازالت جمرتها مشتعلة تحت الرماد...الخ
ان ما هو أخطر في قانون الموازنة ويكشف عن ماهية الحكومة الحالية التي يقودها السوداني،  هو زيادة ميزانية (الحشد الشعبي) التي تجند ١٢٢ الف عنصر كما هو مدون في القانون،  من ٢ مليار ونصف الى ٣ مليار و٥٠٠ مليون دولار، مع إضافة ميزانية الى ما يسمى ب(الفرقة الخاصة) التي لم نسمع بها، وعدد عناصرها ١٢ الف عنصر، ويضاف الى كل تلك الأجهزة الأمنية جهاز مكافحة الإرهاب ووزارة الداخلية ومجلس الامن الوطني وجهاز المخابرات وهيئة المنافذ الحدودية، وبموازاتها خصصت أموال تقدر بمليون و٥٠٠ الف دولار لنقابة الصحفيين التي من المفترض ان تكون مستقلة، أي تخصيص ميزانية لشراء ذمم الصحفيين وتجميل صورة النظام السياسي في العراق عبر تجنيد صف من الأقلام المأجورة، وما يثير السخرية أيضا خصصت أيضا مليون ونصف مليون دولار (لهيئة الحج)، ويبدو انها من اجل التكفير عن الذنوب عند كل عملية سرقة ونهب جديدة من هذه الموازنة مثلما حدث في (صفقة القرن)*، التي أدرجت أي ميزانية هيئة الحج مع ميزانية نقابة الصحفيين في حقل خاص سمي بالنشاط العام للدولة.
ما نريد أن نقوله في هذا المضمار ان ما يسمى بالإطار التنسيقي الذي يلف الأحزاب والمليشياتية الإسلامية الموالية لإيران يسعى الى بناء مؤسسة قمعية تسمى بالحشد الشعبي وعن طريقها تعمل على  تقوية بقية المؤسسات الأمنية على غرار الحرس الثوري الإيراني، الذي طالما استقتلوا على بقائها بوجه حكومة العبادي وبعدها حكومة الكاظمي بحجة الدفاع عن الوطن وتضحياته بالتصدي لداعش، فها هو قانون الموازنة يبين ان ميزانية الحشد الشعبي والفرقة الخاصة التي بالتأكيد هي "الفرقة الناجية" تستحوذ على ميزانية هي نصف ميزانية وزارة الدفاع.
انما كل هذه اللوحة القاتمة لا تراها المؤسسات المالية الامريكية، انما ترى فقط بل وتستفزها معاشات العاملين في القطاع العام الى جانب توظيف عدد من العاطلين لا يتجاوز ٢٥٠ الف شخص بعيد عن مبالغات وتهويل المؤسسات المالية العالمية وخبرائها الاقتصاديين، وتم توظيفهم بعقود وبراتب شهري هو ٣٠٠ ألف دينار أي ما يعادل ٢٠٠ دولار، الذي لا يسد تكاليف النقل والاتصالات وبدلات الايجار ومعيشة اسرة من فردين او ثلاثة أفراد مدة أسبوع في اقصى حالته، في حين يبلغ عدد العاطلين في العراق ١٢ مليون عاطل، ولا تفكر المؤسسات المالية بمصير أولئك العاطلين، لا نريد ان نخوض في هذا المجال لأننا كتبنا عنه في مكان آخر.
وكي تكتمل اللوحة السياسية من خلال قانون الموازنة، فإن العجز الحاصل، يسدد من خلال القروض التي افردت لها ٧ صفحات مع الفوائد، الى جانب وضع الضرائب على الدخل والاتصالات والنقل والكهرباء والماء والخدمات وأصحاب المطاعم حتى الدرجة الثانية وأصحاب المحلات. وهذا يعني بقدر زيادة مساحة الفقر والعوز، وبقدر اشتعال غضب الجماهير واستيائهم وامتعاضهم من الموازنة، بنفس القدر هناك مؤسسة قمعية تعيد الجماهير الى رشدها وتفرض عليها الاستكانة والخنوع والرضوخ كما هو حاصل في إيران. أي من سيدفع تكاليف العجز هم الغالبية العظمى من سكان العراق وهم العمال والموظفين والعاطلين عن العمل والشرائح الاجتماعية الكادحة التي بالكاد تؤمن لقمة عيشها من اجل البقاء على قيد الحياة.
الرخاء الاقتصادي السعودي و العسكرتاريا الإيرانية:
منذ تسليم نوري المالكي عندما كان رئيسا للسلطة التنفيذية ثلث مساحة العراق الى داعش ومرورا بالعبادي وعادل عبد المهدي وانتهاء بالكاظمي، فلأول مرة يفتح المجال لعودة تحالف الأحزاب الإسلامية وميليشياتها الى السلطة والاستحواذ على ما يمكن استحواذه دون أي رادع، فعلى الصعيد الاقتصادي يعمل على التناغم بقدر الإمكان مع المؤسسات المالية الامريكية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعدم استفزاها، حيث خصصت أقل من ١٪ من الموازنة لميزانية وزارة الصناعة التي تشرف على ٢٠٠ مصنع ومعمل من اجل البدء بعملية تصفيتها وبيعها، وكذلك لم توظف كما اشرنا أكثر من ربع مليون شخص بعقود ومحرومين من كل حقوقهم بالضمان الاجتماعي والتقاعد وغلاء المعيشة..الخ، كما انها استغلت فرصة التهدئة بين السعودية وإيران التي نتجت عنها إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
 وهنا نتوقف قليلا كي نشير الى احد عوامل التي تقف وراء مثل هذا النوع من قانون الموازنة، وهو الاعتماد على توقعات واستمرار التهدئة وهبوب رياح الاستقرار في المنطقة، تقودها السعودية بسبب مشروعها الإقليمي الذي يغديه رخائها الاقتصادي بسبب تدفق أموال النفط على اثر ارتفاع أسعار النفط، وان عملية تجميد الأموال بحد ذاته خسارة، ولذلك تسعى السعودية بتوظيف أموالها، والقانون الأساسي الذي يحكم رأس المال ويجذبه ويشجعه لتفريخ رؤوس أموال جديدة هو الامن والأمان الذين يولدان الاستقرار، وهذا العامل أي المشروع الإقليمي لسعودية وراء التعجيل والقبول على المصالحة أي السعودية مع تركيا، وهو نفس العامل وراء إعادة العلاقات الدبلوماسية مع ايران، وإعادة سورية الى الجامعة العربية وتأهيل نظام بشار الأسد من جديد، وكذلك بذل المساعي في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ان هذا الوضع الإقليمي انعكس في قانون الموازنة على صعيد حجم الموازنة، وعلى صعيد زيادة الانفاق على مليشيات الحشد الشعبي بشكل خاص والمؤسسة الأمنية بشكل عام، وعلى صعيد التوقعات باستمرار الاستقرار السياسي في العراق وفي استمرار ارتفاع أسعار النفط.
بيد ان المسالة المهمة التي يجب الإشارة اليها، هي ان الاستقرار السياسي النسبي في العراق بعد تشكيل حكومة السوداني، ويعود، ان نفس تحالف المليشيات التي كانت تعبث بأمن المجتمع من اجل العودة الى دفة إدارة السلطة، حصلت على مرادها في تشكيل الحكومة، نقول الاستقرار السياسي معرض لهزة عنيفة ودون أي سابق انذار، اذ ان العامل الإقليمي يلعب دورا في ذلك.
ان الجمهورية الإسلامية في ايران التي وافقت على مضض بسبب أزمتها الداخلية اثر الانتفاضة الجماهيرية ووضعها الاقتصادي، غير قادرة على الأقل منافسة السعودية وتركيا في المنطقة، وان بسط نفوذها السياسي ليس انعكاس لوضعها الاقتصادي سواء على صعيد تصدير واستثمار رؤوس الأموال او على صعيد قدرة بنيتها الصناعية بالمنافسة في أسواق المنطقة، بل عن طريق عسكرتاريتها وتمددها العسكري عبر المليشيات التي شكلتها، ولا تملك غير تلك الاستراتيجية التي أطرت بعناوين مرة (تصدير الثورة) وبعدها غيرت يافطتها الى (المقاومة والممانعة)، ولذلك ان انهيار الاستقرار الأمني في المنطقة والعراق من ضمنها او عودة الأوضاع الى ما قبل على الأقل بين السعودية وإيران هو مسألة وقت، وخاصة اذا أدخلنا في التحليل الدور الأمريكي الذي تهب رياح التغيير على المنقطة الذي تقودها السعودية بغير صالحها، ولن تقف أي أمريكا مكتوفة الأيدي تجاه ما يحدث.
وبالرغم ان السعودية تلعب دورا في إعادة العراق الى ما يسمى الى (الحضن العربي) او المحيط العربي وقيادة المجموعة العربية عبر الجامعة العربية، إلا أن نجاحها في مواجهة ايران في العراق او في لبنان او اليمن وخلق حالة الاستقرار ليس سهلا، للأسباب التي أشرنا إليها. وفي المقابل لا تملك إيران غير استراتيجية العسكرتاريا في فرض نفوذها السياسي على المنطقة.
ويجدر الإشارة إلى ما جاء في مقال مايك نايتس وهو احد المستشارين السياسيين للطبقة الحاكمة الامريكية في مجلة فورين افيرز (Foreign Affairs ) التابعة لوزارة الخارجية الامريكية في ٥ حزيران المنصرم بتركيزه على (شركة المهندس العامة) التابعة للحشد الشعبي واستيلائه على مليون و٢٠٠ ألف هكتار على الأراضي بين السعودية والعراق، والتي حاولت السعودية استثمارها الا ان المالكي والخزعلي رفضوا العرض السعودي ووصفهما بالاستعمار الجديد. ويذهب نايتس بمخاوفه لدق ناقوس الخطر أمام نفوذ أمريكا في العراق والمنطقة، إلى أن تلك الشركة هو استنساخ للتجربة الحرس الثوري الإيراني الذي أسس شركة خاتم الأنبياء واستولت على كل المقدرات الاقتصادية لإيران، لتوظيفها في خدمة الحرس.
ما نريد ان نقوله ان هذا المشهد جزء من لوحة اكبر يميط اللثام اجلا او عاجلا عن صراع إقليمي مرتقب ينعكس على الوضع السياسي واستقراره في العراق، وخاصة ان السعودية هي الأخرى تملك أدواتها السياسية او هناك من اطرف ستستفيد من ذلك الصراع لصالحه وأهمها التيار الصدري الذي يجر اذيال هزيمته أثر اقصائه من السلطة.
بعبارة أخرى أن قانون الموازنة هو انعكاس للمكانة الجديدة التي احتلها تحالف الإسلام السياسي الشيعي على السلطة وتنفسه الصعداء، بيد أن العامل الذي يقض مضجعهم هو عدم قدرته على كسر صخرة الاحتجاجات والاعتراضات الجماهيرية، وكان اخرها التظاهرات التي اجتاحت عمال مصافي النفط وخاصة في مدينتي الناصرية والبصرة التي أرغمت الطبقة السياسية الحاكمة في إسقاط مادة ٤٢ من مسودة قانون الموازنة ومفادها رفع سعر إنتاج البرميل من النفط من ١١ ألف دينار إلى ٢٢ ألف دينار. إن هذا المشهد سيكبر بفعل عدم قدرة هذه الطبقة لا من الاكتفاء بفسادها او تقويض دائرته، ولا في حل مشكلة الفقر والعوز التي تتوسع مساحتها بفضل قانون الموازنة، حيث يعيش ٤٠٪ من سكان العراق تحت خط الفقر، ولا بقدرة فصل نفسها عن الأقطاب الإقليمية والدولية والكف عن العمل في موقع الذيل السياسي لهذا القطب او ذاك، ولا بامتلاكه الأفق السياسي ووضع استراتيجية عليها سوى العيش بخبز يومها والاعتماد على القمع وتحميق المجتمع، وأكثر من كل ذلك، فما زالت أيام انتفاضة أكتوبر شاخصا امامهم وتبث الرعب في صفوفهم.
 
*سرقت ما يقارب ٢ مليار ونصف مليار دولار من هيئة الضرائب، واطلق سراح المتهم الاول بالسرقة وهو نور زهير قبل شهرين الذي غادر العراق، وكشفت صحيفة الغارديان البريطانية بأن من يقف ورائها هادي العامري رئيس مليشيا منظمة بدر العضو القيادي في الإطار التنسيقي وهو عنوان تحالف الاحزاب والمليشيات الموالية الايران.

13
الدين سلاح ماضي في الصراع الطبقي، العراق نموذجا
                                                                                                                     
سمير عادل
يتم تسخين الدين وتحضيره عند كل ضرورة سياسية  بالنسبة للطبقة البرجوازية الحاكمة، وحتى في البلدان التي كانت في يوم ما يقف الدين امام تطورها الاقتصادي، واضطرت بالتخلص من على كاهلها، فمثلا عند اجتياح اللاجئين حدود البلدان الأوربية، راح يصرخ الرئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بأنه يجب الحفاظ على الهوية المسيحية لأوروبا، فهو من جهة حاول التنصل من مسؤولية بريطانيا-فرنسا-ألمانيا في دعم الجماعات الاسلامية وجرائمها في سورية والعراق في حربها الوكالة في الشرق الأوسط  بعد ما سمي بالربيع العربي، ومن جهة اخرى تقوية النزعة العنصرية ضد اللاجئين وتحريف أنظار الطبقة العاملة وعموم المجتمع عن سياستها الاقتصادية، بأن البطالة والتضخم سببه اللاجئين وليس السياسات الاقتصادية للطبقة البرجوازية الحاكمة. وليس هذا فحسب بل إن دعم الجماعات الاسلامية الارهابية في منطقتنا وتقوية شوكة الدين وفتح منابر المساجد والجوامع في البلدان الأوروبية المشارة إليها لتجنيد الشباب وإرسالهم الى سورية والعراق عبر التنسيق المخابراتي مع دول المنطقة، كانت جزء من استراتيجية البرجوازية العالمية بالتصدي إلى هبوب نسيم الحرية والمساواة والرفاه التي قدمت من مصر وتونس في ٢٠١١،  فقد قتل وهجر ودمر سلاح الدين الذي دعمتها البرجوازية العالمية جيلا كامل من البشر، وسقط المئات من الابرياء في كل بقاع العالم، لقد  كان بحق سلاحا فتاكا لا ينافسه غير السلاح النووي التكتيكي الذي طفى على سطح الخطاب السياسي والدعائي للحرب الوكالة الجديدة في أوكرانيا. 
وفي منطقتنا، يحتفظ الدين اليوم، بمكانة قانونية وسياسية بالنسبة في المجتمع، ويتم تسخينه وتحضيره، ويتمتع بامتيازات اقتصادية وسياسية، وتحول الى صناعة ومؤسسة سياسية وتديرها وزارة الأوقاف وصفّ من الملالي واصحاب العمائم وعدد ليس قليل من حراس الدين، وتخصص لها ميزانية رسمية من موازنة الدولة تقدر في بلد مثل العراق اكثر من مليار دولار ونصف مليار دولار.
وتستمد عشرات قوانين الاخضاع الطبقي من هذه المؤسسة شرعيتها ورسميتها، فمثلا يتم تقديم مسودة من الأحزاب الإسلامية  الى البرلمان، وهي مسودة قانون العطل الرسمية التي يصل عدد ايامها الى ١٥٢ يوم واكثر من ٩٠٪ منها مناسبات دينية، او احياء المناسبات الدينية وبضخ الأموال على المواكب الحسينية بالملايين من الدولارات واحاطتها بالتضخيم الدعائي والإعلامي، ، وكل ذلك من اجل اعادة إنتاج السردية التاريخية المظلومية الشيعية، لطمس أسباب فقر وعوز وحرمان هذه الجماهير المشاركة بالمناسبات الدينية من الخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل وضمان البطالة، وبالتالي لإدامة السلطة الطبقية السافرة للطبقة البرجوازية الحاكمة التي تمثلها الأحزاب الإسلامية.
وإذا ما انتقلنا إلى مكان اخر، فمثلا المادة ٥٧ التي تحرم المرأة من حضانة طفلها وتنقلها الى الاب، فهذه المادة القانونية هي اخضاع طبقي للمرأة، وتعني سلب المرأة حقها في الاختيار، وحقها في الانفصال، وبالتالي ارغامها العيش بكنف رجل لا تطيقه، والذي يعني سلب ارادتها بالتغيير وتعميم السلطة والفكر الذكوري الذي تعبر عنها الطبقة الحاكمة على المجتمع. ان كل هذه المواد القانونية تستند على المؤسسة الدينية المذكورة المرتبطة بالدولة، ويضفي الدستور الشرعية عليها.
ويجدر بالذكر هناك إعادة إنتاج ظاهرة الاسلمة الشيعية في العراق، بعد غياب ليس قصير اثر ضربات انتفاضة أكتوبر للبنية الاجتماعية للسلطة المليشياتية للإسلام السياسي الشيعي الحاكم في العراق، فمؤخرا نشطت المرجعية الدينية الرسمية في العراق في النجف وكربلاء والموصل بفعاليات ومهرجانات لبس الأطفال البنات من بلغوا عمرهم تسع سنوات الحجاب والذي يسمى بلغة الأدب الشيعي "سن التكليف الشرعي"، وبموازاته ظهرت جماعات تابعة لمقتدى الصدر تنظم المناسبات مفادها ان الصدر هو المهدي المنتظر أو حل مكان علي بن ابي طالب، وجماعة أخرى ينظمون القرعة فيما بينهم ليختاروا اسما لقتله و يقدم قربان الى مقتدى الصدر مثلما يذبح الشاة في مناسبات العيد الأضحى، وبين هذا وذاك اتحفنا قيس الخزعلي زعيم ميلشيا عصائب اهل الحق، بالكشف عن حقيقة ظلت مخفية لعقود من الزمن، بأن من قتل علي بن ابي طالب هو الموساد الإسرائيلي.
في خضم نقاش مع عدد من الأصدقاء، قال احدهم ان المجتمع العراقي متخلف، وان أغلبيته تؤمن بالخرافات والغيبيات والدين، وقلت له اعطني مجتمعا تسوده الحرية بالمعنى المطلق، وفيه فرص عمل او ضمان بطالة بما يتناسب مع القدرة الشرائية للسوق، حينها قل لي هل سيبقى تصورك على المجتمع العراقي نفسه. 
وفي التحليل الأخير، فان شخص مثل قيس الخزعلي الذي لا يتمتع باية موهبة من أي نوع، نجده يتحدث دون أي احترام لعقله قبل عقل مستمعيه، وفي العقد الثاني من الالفية الثانية الذي بات الذكاء الصناعي يزيح البشر من أعمالهم، ويهدد حتى بوجودهم، يقول الخزعلي بأن من قتل علي بن ابي طالب وهو الخليفة الرابع هو الموساد الإسرائيلي، فهو يحاول الربط بين السردية التاريخية لمظلومية الشيعة وهويته المزورة (المقاومة والممانعة)، من أجل تجديد انتاجه السياسي والبقاء عائما على المشهد السياسي العراقي.
ان إعادة إنتاج السردية التاريخية المظلومية الشيعية، وإعادة انتاج الطقوس "الشيعية الدينية" هي حاجة الحركات السياسية في خضم صراعها الطبقي مع الطبقة العاملة لإرغام الأخيرة للخضوع لها والحيلولة دون المطالبة بحقوقها وتحسين وضعها والذي يعني بالأخير استقطاع جزء من أرباح الطبقة البرجوازية التي تعبر عنها تلك الحركات السياسية. إن الطبقة الحاكمة تستمد سلطتها وشرعيتها المزيفة والخادعة من محي الصفة الطبقية والإنسانية عن المجتمع، ومن صالحها تقسيم العمال على أساس شيعي وسني ومسلم وغير مسلم وعربي وكردي وتركماني واشوري، كي تستطيع زجهم في حروبها الدينية والطائفية والقومية، والتعمية على عدائها السافر للطبقة العاملة بغض النظر عن اللغة التي تتحدث بها او تنتمي لها، لقد شرعت هذه الطبقة النتنة بتقديم التسهيلات تحت عنوان قانوني سمي (جولة التراخيص في القطاع النفطي) من اجل مص عرق عمال العراق من قبل الشركات الامريكية والفرنسية والإيطالية والصينية والروسية والبريطانية والكورية، في حين تدعي بأنها جاءت لتخليص ( الشيعة) من مظلوميتها التاريخية.
ان البرجوازية تصور للمجتمع بأن الصراع الجاري في المجتمع بين افكارك وافكاري وافكار الغالبية التي تتحدث عنهم بأنه صراع فوقي، وصراع بين الخير والشر، وليس له اية علاقة بين الحاجات البشر الاقتصادية التي تعبر عنها الصراع الطبقي، وبالمناسبة ان مثقفينا الليبراليين ينطلقون من التصورات الانفة الذكر حول الظاهرة الدينية في العراق على سبيل المثال، والذي تنتج عنها أجواء من الإحباط واليأس والاستسلامية وإشاعة الفردية واللاجدوى في صفوف المجتمع، وتفضي بالأخير سلب الارادة الثورية وثلم نصال النضال الثوري للطبقة العاملة والقوى الثورية والتحررية في المجتمع من أجل التغيير، وتكون النتيجة النهائية لهذا التصور هو الغلبة لاستمرار البرجوازية في السلطة.
ان التحليل الأخلاقي لانتشار اية ظاهرة دينية أو الخرافات او الغيبيات ليس هو نتاج أفكار البشر بل هو نتيجة منطقية للأوضاع الاقتصادية، فالحصار الاقتصادي الذي دمر البنية التحتية للمجتمع وثلاثة حروب واحتلال والإفقار الممنهج والعوز والفاقة بشكل مدروس ومخطط من قبل الطبقة البرجوازية الحاكمة المتمثلة بالأحزاب الإسلامية، هي وراء المشاركة الواسعة للجماهير في المناسبات الدينية، وليس بسبب انتماءاتهم الدينية أو معتقداتهم كما يحلو للمثقفين البرجوازية تصويرها (ولهذا ليس الموضوع مسالة تثقيف، بل مسالة القدرة الاجتماعية لهذه الظواهر، وموضوعة نجاعتها وسعيها للتطابق مع صراع الطبقات وميزتها للمجتمع الراهن. ولهذا، فان اشياء مثل القومية، الدين، الليبرالية، التمييز على أساس الجنس، العنصرية، الشوفينية والذكورية وغيرها، بالنسبة لنا، ليست ظواهر جاءت من ذات الانسان أو حصيلة تاريخ الانسان. نعم! انها حصيلة تاريخ الانسان، كل شيء حتى الملابس التي نرتديها عليها صبغة الملابس التي ارتديناها في التاريخ. بيد أنها اليوم سلعة تنتج وتباع، ولأننا نشتريها، فإنهم ينتجونها اليوم ويبيعوها. ان هذا يوفر لنا الفرصة لنرى الطبقة الحاكمة التي خلفها. ان الدين وأمثاله ظواهر راهنة. انه يسمح لنا برؤية الطبقة الحاكمة التي خلفها، لا الطبقات الهامشية، ولا التواريخ المزيفة التي يدونها لنا) منصور حكمت-الندوة الثانية-مجلة (المد-العدد ١١). ويؤكد ماركس في الأيديولوجية الالمانية (وانه لا يمكن بصورة اعم للبشر أن يتحرروا ما داموا لا يتمكنون من الحصول بصورة كلية على المأكل والمشرب والمسكن والملبس بنوعية وكمية متناسبتين) أن ((التحرر)) هو فعل تاريخي وليس فعلا ذهنيا، وهو يتحقق بفضل شروط تاريخية).
 
 

14
تسخين الحضن العربي على حطام عالم القطب الواحد
ونجاح المقايضة
سمير عادل
 
عقد قمة الجامعة العربية في مدينة جدة السعودية تعكس عدة مشاهد إقليمية ودولية، وتفصح أيضا عن تحولات سياسية كبيرة تجري في المنطقة، مفادها إسدال ستار عن مرحلة وتفتح صفحة أخرى لمرحلة تمر بمخاض عسير، وتباشيرها، أفول عالم القطب الواحد وبزوغ فجر عالم متعدد الأقطاب.
البيان الختامي لمؤتمر القمة، أكد على نقطة جاءت في كلمتي محمد بن سلمان وبشار الأسد وهي عدم السماح للتدخلات الخارجية بالشأن الداخلي العربي، فكل واحد منهما اكتوى بنار التدخل الأمريكي ولكن بدرجات مختلفة، لذلك تزامنت في ورود كلمتيهما بعدم التدخل أو عدم السماح بتحول المنطقة الى ساحة للصراعات كما جاء على لسان الأمير محمد بن سلمان، فبشار الأسد خاض حربا أهلية بالوكالة مدة اثنتي عشر عام، بينما لسعت تداعيات تقطيع أوصال الصحفي السعودي المعارض لسياسات بن سلمان جمال الخاشقجي على يد المخابرات في القنصلية السعودية في إسطنبول الى هيبته واعتبار العائلة المالكة عبر وعيد وتهديد جون بايدن اثناء حملته الانتخابية ووعد بتحويل المملكة الى بلد او دولة منبوذة.
ابطال مشهد القمة العربية، ثلاثة لا رابع لهم، بشار الأسد الذي كان حتى قبل يوم واحد من الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، فهو جزار ومجرم حرب في أعين فضائيات الجزيرة القطرية والعربية السعودية والى حد قريب في سكاي نيوز الاماراتية، ويجب محاكمته بتهمة قتل شعبه لاستخدامه البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والاعدامات، وكان الاعلام المذكور يعقد اللقاءات والمقابلات مع اقطاب ثوار الكونترا* السوريين طوال اكثر من عقد الزمن، ولم تكتف عند تلك الحدود الإعلامية وتلميع شخصيات المعارضة الغارقة في مستنقعات المخابرات الغربية أمام الراي العام العربي والعالمي، بل كانت تمول تلك الدول بلا حدود  كل العصابات الإسلامية من كل حدب وصوب، وبجرة قلم على كل ذلك الزمن، يتحول الأسد الى نجم اجتماع القمة العربية دون اية مقدمات، وكلا الطرفين سواءً الأسد أو أبن سلمان تجنبا فتح صفحة الماضي ومحاسبة من هو وراء قتل الاف من الشعب السوري، ومن يتحمل مسؤولية تهجير الملايين، ومن كان السبب بتحويل سورية الى منتجع لكل الاطراف الإرهابية كدول وكجماعات.
اما الثاني كان الرئيس الروسي بوتين بالرغم من عدم حضوره وعدم قراءة كلمته الى المؤتمر، فيعود الفضل له بلعب دور كبيرا في نسف أسس عالم القطب الواحد وتأهيل بشار الأسد ونظامه من جديد وتعويمه على المشهد السياسي في المنطقة، بل ويعود الفضل له في تغيير المعادلات السياسية في المنطقة منذ دخوله حرب مباشرة في أيلول ٢٠١٥ في قصف المعارضة الإسلامية وداعش في سورية. والصدق يقال؛ لو لا تدخل روسيا في سوريا لكان داعش واحرار الشام وغيرهم من المجموعات التي تشبه طالبان أفغانستان يحكمون بلاد الشام والعراق.
أما البطل الآخر فهو محمد بن سلمان الذي حول السعودية الى لاعب إقليمي ودولي دون منازع، وهو قد قرأ أو تنبأ مبكرا بأفول القطب الواحد، فراح يبيع النفط الى الصين باليوان -عملة الصين الوطنية، واتفق مع روسيا في تخفيض انتاج النفط بالرغم من توسل الإدارة الامريكية إليه، وفتح الباب لدخول الصين الى الشرق الأوسط من أوسع ابوابه واعطى الفرصة لتحقيق المصالحة مع عدو السعودية اللدود ،إيران، وتحت المظلة الصينية، ويحاول الآن تصفير المشاكل في المنطقة، ولكن كم ينجح في مساعيه هذه، فهو مبحث آخر.   
وأكثر المشاهد الدرامية التي صاحبت مؤتمر القمة العربية هي حضور الرئيس الأوكراني فوليديمر زيلنسكي، فحلَّ ضيفا ثقيلاً على المؤتمر، ولم يستسغ أحد من "الاخوة العرب" خطابه، ولكن حضوره الى المؤتمر الذي لا يجمعه اية "رابط دم او لغة او جغرافية  او دين او تاريخ مع العرب"، الأسس التي قامت عليها الجامعة العربية، إلا أنه ضربة معلم من قبل بن سلمان بالرغم من الحملة الإعلامية التي شنتها الصحف الجزائرية عليه بأنه لم ينسق ولم يبلغ بن تبون الرئيس الجزائري والرئيس السابق للمؤتمر الأخير لقمة الجامعة العربية، و بأنه أي أبن سلمان لاعب عابر للحدود الإقليمية وإنه  يعد العد لاحتلال السعودية مكانة في العالم الجديد، عالم متعدد الأقطاب.
عقد مؤتمر القمة العربية في جدة يشكل منعطف أيضا في تاريخ الصراع الأيديولوجي الطائفي الذي اجتاح المنطقة في العقدين الأخيرين بعد غزو واحتلال العراق وما سميت بالربيع العربي، ذلك الصراع الأيديولوجي الذي تم تحضير ارواحه وزجها في الصراع السياسي لتبرير الحروب الاهلية والعمليات الإرهابية التي كانت تعصف بالعراق ولبنان واليمن وليبيا، أي بعبارة أخرى نقولها سقطت كل الأوراق الطائفية وأوراق البديل الإسلامي، السياسي للبرجوازية العربية والمدعومة بشكل خاص من قبل الإدارة الامريكية سواءً أكان جمهوريا أو ديمقراطيا.
وأخيرا وبعيد عن الطبول الإعلامية والفذلكات الكلامية والخطب الرنانة حول العرب والعمل العربي المشترك وكل ما هو من تلك العبارات والخطب العصماء، فقرارات مؤتمر القمة العربية لن تختلف عن بقية المؤتمرات التي تعقدها، الا انها تعبر عن  شيء أساسي بالنسبة لجماهير المنطقة، فمؤتمر جدة هو طي مرحلة "الربيع العربي" وتداعياتها على المنظومة السياسية في المنطقة، وعادت الأنظمة القومية تحكم بالحديد والنار، وأن عملية المقايضة التي عرضت على الجماهير المحرومة من الحرية والكرامة والرفاه التي خرجت في الثورتين المصرية والتونسية، وهبت نسيمهما على المنطقة، نقول مقايضة الأمان مقابل الخنوع والخضوع،  نجحت في ذلك، ومؤتمر القمة العربية أضافت الشرعية الرسمية على ذلك النجاح.
 
*بعد صعود حركة ساندينيستا الى السلطة في نيكاراغوا عام ١٩٧٩ وهو تيار يساري ، شكلت المخابرات الامريكية بأوامر من الرئيس الأمريكي رونالد ريغان آنذاك بعد انتخابه في عام ١٩٨١ لتمويل جماعة معارضة  في نيكاراكوا للإطاحة بالحكومة اليسارية، وقدمت كل أشكال الدعم لها وسميت حينها بثوار الكونترا، وراحت تختار مصطلح الأهداف الرخوة لقصفها وتدميرها من قبل تلك الجماعة او العصابة المدعومة بشكل مباشر وعلني من المخابرات المركزية الامريكية، مثل المستشفيات والمدارس ورياض الأطفال. الخ.
 

15
الظلم القومي على الفلسطينيين وسياسة الشيوعية العمالية
سمير عادل
ظلت المسألة الفلسطينية احدى القضايا العالقة منذ الحرب الباردة، ورغم انتهاء تلك الحقبة إلا إنها لم تصفى مثلما تم تصفية قضايا اخرى.
الظلم القومي هو مثل بقية المظالم الأخرى المرتبطة بالنظام الرأسمالي، ولا يمكن تصور عالم خالٍ من الظلم سواء أكان اقتصاديا او سياسيا واو اجتماعيا او جنسيا او عرقيا او قوميا او دينيا بوجود العلاقات الرأسمالية. فالأسس التي يقوم عليها النظام الرأسمالي والعلاقات الإنتاج الرأسمالية هي الظلم بالمعنى المطلق للمقولة، وبدونه لا يمكن ادامة حياة ذلك النظام، والذي هو انعكاس تارة بشكل مباشر وأخرى بغير مباشر للصراع الطبقي.
الظلم القومي على الفلسطينيين هو قضية موضوعية، وقل نظيره بالتاريخ الحديث والمتمدن للبشرية، وهو ظلم سافر يندى له جبين الإنسانية، ويرتقي الى مصاف الظلم الذي تعرض له اليهود على يد النازية بالحرب العالمية الثانية، والمعروفة بالهولوكوست.
ان ما يميز الظلم القومي على الفلسطينيين عن بقية المظالم القومية الاخرى، السعي المتواصل في انتاج ذلك الظلم والمتاجرة به ليس الان فقط بل أيضا منذ عهد الاستعمار الحديث وتوج رايته اثناء مرحلة الحرب الباردة.
وفي ادامة هذا الظلم السافر الى يومنا هذا، تكمن مصالح سياسية وطبقية، وكل الأطراف المتورطة بإدامة هذا الظلم لها مصالح في استمراره، ودونه أي دون ذلك الظلم ينتفي وجودها السياسي او على الأقل تصبح هامشية في المعادلات السياسية سواءً المحلية او في المنطقة.
القضية الفلسطينية وفق مصالح التيارات والقوى السياسية:
لا شك ان بريق القضية الفلسطينية خفت الان مقارنة بمرحلة الحرب الباردة، وما يحدث اليوم من عمليات القتل الوحشي وهدم البيوت والحملات الاجرامية للجيش الإسرائيلي وحرمان الالاف من العمل والاستحواذ على الاراضي دون أي وجه حق والاحكام الصادرة بحق المعتقلين من النشطاء الفلسطينيين بالسجن المؤبد وغيرها من كل اشكال الظلم، والتي تتلخص ببلطجة سافرة ضد الشعب الفلسطيني وبشكل يومي، يجري على قدم وساق امام انظار العالم ، وخاصة امام العالم الغربي الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها، وليس على لسانه غير مقولات (حقوق الانسان)، واصم آذان العالم واعمى عيونها، باحتلال روسيا للأراضي الأوكرانية، بينما تشاهد كل يوم ومنذ عقود وعقود كيف تمارس دولة إسرائيل سياستها الوحشية تجاه شعب لا يريد غير الحرية والعيش بكرامة وبعيدة عن تطاولات الدولة الفاشية في اسرائيل.
وفقدان القضية الفلسطينية باستثناء أيام رشق الصواريخ وإعلان الحرب من قبل الأطراف المتصارعة في فلسطين وإسرائيل، لبريقها اليوم في المحافل الدولية وفي الاعلام سواء العربي او الدولي، وانفلات الحكومات الإسرائيلية بممارسة هذا الظلم دون أي تردد وخوف من ان تردع، غير مرتبط بفقدان القضية الفلسطينية لحقانيتها وعدالتها، انما مرتبط بانتفاء حاجة الأنظمة السياسية الحاكمة والتيارات والقوى السياسية للقضية الفلسطينية، والتي كانت قبلة لها وجزء من هويتها وتجديد وجودها.
نستطيع ان نقول، طويت صفحة القضية الفلسطينية وخفت بريقها وعدم الاكتراث لها، على الأقل في المنطقة التي توصف بالعربية بعد ما سمي بالربيع العربي، وبات من يحمل راية القضية الفلسطينية حثالة اكثر اجنحة البرجوازية العربية تخلفا ورجعية وهو الإسلام السياسي الذي استطاع ان يحتل مكان في المعادلة السياسية، بعد ثلم نصال الحركة القومية العربية وخرجت من الميدان دون ان تحقق لا تحرير فلسطين ولا الوحدة العربية، وباتت "الامة العربية" يبحث كل جزء منها عن مصالحها القطرية وتحاول لململة اشلائها للحاق بالعالم الجديد الذي يسمى بمتعدد الأقطاب، ولا تجد تلك الامة الممزقة اليوم اكثر من ذي قبل المزايدة بالقضية الفلسطينية اكثر نفعا واستفادة منها مثلما كان يحدث في الأيام الخوالي، وعندما  كانت اغلبية الانظمة القومية العربية التي جاءت بالانقلابات العسكرية بحاجة لترسيخ أنظمتها وأركان حكمها عبر الحديد والنار، عبر تشييد المعتقلات والسجون وتأسيس أجهزة قمعية مهولة واستيراد أجهزة تعذيب غربية من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وتساعدها الكتلة الشرقية لقمع أي صوت معارض، واصطياد أي حلم بالحرية وتحت عنوان عريض وكبير؛ كل شيء من اجل تحرير فلسطين.
ان تفتق عقل الحركة القومية العربية الذي وصل الى حد الابداع باكتشافه للقضية الفلسطينية وتحويلها الى هويتها السياسية وقبلتها بالتحرك لتعبئة الجماهير وقطع أي لسان او تهشيم اية ايادي تطالب بالحرية والرفاه، نقول ان هذا الابداع يصل الى درجة اكتشاف البنسلين، فالحركة القومية العربية استطاع عبر اكتشاف القضية الفلسطينية بترسيخ حكمها دون منازع بينما اكتشاف البنسلين انقد حياة الملايين من البشرية.
اليوم لا حاجة للقضية الفلسطينية، والحركة القومية العربية تحررت بلدانها من الاستعمار، وأصبحت تقبل بقسمتها في سوق الرأسمالية العالمي، وكل واحدة منها تحاول ان تتحول الى رقما او على الأقل لا تحذف من المعادلات الجديدة، وان اكثر الأنظمة التي كانت تتاجر بالقضية الفلسطينية والظلم القومي على الفلسطينيين تتسابق بنفس سرعة إسرائيل للتطبيع العلاقات وإقامة عهد جديد لتحقيق مصالح مشتركة في مجال الاقتصاد والتكنلوجيا والسياحة.. الخ.
اما الإسلام السياسي فهو الاخر فشل في ادامة ما مضت اليها الحركة القومية العربية، فها هو يتلقى الضربات في عقر داره في ايران ، وبعكس القومية العربية لم تستطع من تعبئة الجماهير وتعميتها الى ابد الابدين عبر احياء كل عام بيوم القدس، بينما تسرق الأموال وتنهب من عرق العمال وثروات المجتمع لتوسيع الإمبراطورية الإيرانية تحت يافطة الإسلام وتحرير فلسطين، وشهدت ايران قبل أسبوعين اكبر إضرابات عمالية في تاريخها حيث ضربت اكثر من ٨٥ مركز صناعيا حيويا ومهما مثل النفط والغاز والبتروكيمياويات، وامام هذه الأوضاع تحاول الجمهورية الإسلامية عبر التنازلات امام السعودية وتخفيض لهجتها في المزايدة السياسية من عقد الصفقات من اجل تخفيض الضغط السياسي والاقتصادي عليها من الخارج بعد ان اصبح شبح الثورة يلاحقها في الداخل، بينما حزب الله الزم نفسه باتفاقية مع إسرائيل حول حقول غاز القانا، واخرج نفسه من الحرب على الأقل في المدى القريب والمنظور من المزايدة على القضية الفلسطينية، والاكتفاء بالرشقات الإعلامية، في حين ان حماس صاحبة القضية الفلسطينية للمرة الثانية لم تنخرط بالحرب مع إسرائيل والنأي بالنفس، لان تكلفة المزايدة السياسية هي غالية ولا ضير ان يحارب الجهاد نيابة عنها على الأقل لحفظ ماء الوجه.
بينما اكثر الذين بحاجة الى جبر خواطرهم هو اليسار القومي والمعادي للإمبريالية، الذي يمكن ان نسميهم حاملين ارث الحركة القومية العربية ان لم يكونوا ايتامها، وهم ما زال توقيتهم مرتبط بأيام الحرب الباردة، ولم يكلفوا انفسهم القليل من العناء كي يغيروها. وينقسموا الى قسمين، احدهم معادي للإسلام السياسي ونقطة انطلاقهم في كل ما يحدث من مجابهات بين إسرائيل والفلسطينيين هو ادانة حماس او جهاد او حزب الله، بينما الجناح الاخر لليسار يؤيد كل ما تذهب اليه حماس وجهاد او أي طرف اخر في ضرب اسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر. وان اكثر ما يبعث السخرية لهذا القسم انهم ملكيين اكثر من الملك نفسه، فمزايدتهم على القضية الفلسطينية والادعاء بعدم الاعتراف بإسرائيل هم اكثر من حماس نفسها وفتح الذين يطالبون جميعهم بعقد السلام مع إسرائيل وتأسيس دولة فلسطين مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
ان ادامة الظلم القومي على الفلسطينيين مرتبط بالمصالح السياسية لجناح من الطبقة البرجوازية الحاكمة في إسرائيل الذي يهيمن على المشهد السياسي منذ عقود من الزمن، ومرتبط ايضا بالمصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وبغض النظر عن نوع الإدارة، كانت ديمقراطية او جمهورية في البيت الأبيض، وان الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة يعني نهاية حقبة ذلك الجناح في إسرائيل ومن جهة أخرى تغير بوصلة الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة الى غير الشرق الأوسط ،و خاصة في خضم تصاعد المنافسة بين قطب روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة أخرى.
ان تحقيق انهاء الظلم القومي على الفلسطينيين وتأسيس دولة فلسطين مستقلة من قبل أي طرف كان ومن اية جهة هو خطوة مهمة نحو طي كل صفحات المزايدات السياسية والإعلامية والدعائية حول القضية الفلسطينية، وانهاء اكثر صفحات بشاعة في تأريخ الإنسانية.
وأخيرا يكتسب نضال الشيوعيين في هذا الميدان، ميدان النضال لإنهاء الظلم القومي على الفلسطينيين، أهمية حيوية وكبيرة ومن شانه أن يسحب البساط من تحت اقدام الإسلاميين وذلك النوع من اليسار الذي لم يبق منه الا التبجح من اجل تضخيم الذات والإبقاء على قيد الحياة.
 

16
صراع العسكر على مذبح الانتفاضة في السودان
سمير عادل
 
الصراع الدموي المحتدم بين العسكر في السودان، تدفع ثمنه الانتفاضة الجماهيرية التي أطاحت بنظام البشير المدعوم من الإخوان المسلمين، وانهت عمر الحكم المزدوج القومي-الإسلامي الذي وظف كل مقدرات المجتمع من أجل فرض السيطرة على السلطة عبر الحروب والمعتقلات والسجون وبيوت الاشباح وافقار الغالبية العظمى من جماهير السودان.
 
المعضلة الاصلية في المشهد السياسي في السودان، ليس مرده إقامة سلطة مدنية، وان تحققت لكن يبقى اساسها خاويا، كما شاهدنا في ٢٥ أكتوبر عام ٢٠٢١ الذي نقل ابطال المشهد المدني او السلطة المدنية الى المعتقلات، ومن حالفه الحظ فُرضت عليه الإقامة الجبرية كما حصل لعبد الله حمدوك رئيس الوزراء المدني، انما المعضلة تكمن في البنية السياسية للطبقة البرجوازية، حالها حال العديد من بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا واسيا، التي تحل أزماتها السياسية والاقتصادية عبر ترحيلها عن طريق الانقلابات العسكرية.
وتعتبر المؤسسة العسكرية وهو الجهاز القمعي للبرجوازية هي الممثلة السياسية لتلك الطبقة التي تتدخل كلما لزم الأمر من معضلات اقتصادية وسياسية التي تواجه مجتمعاتها.
واذا استطاعت البرجوازية من تحقيق الاستقرار السياسي في العديد من البلدان، وأصبحت الانقلابات العسكرية لا ترد على معضلة البرجوازية وازماتها، مثل الأرجنتين والبرازيل وتشيلي واندونيسيا والفلبين وتركيا التي عاشت في حقبة الحرب الباردة  ابان القرن الماضي على سبيل المثال، وباتت المؤسسة العسكرية خارج المعادلة السياسية، الا أنها  أي تلك المؤسسة احتفظت في بلدان أخرى بنفس الجاذبية القديمة، وأدغمت بالمؤسسة السياسية، وهي تأخذ زمام المبادرة في احتواء الازمات الثورية مثلما حدثت في مصر وتونس واليمن والسودان بعد ما سمي عنوة بالربيع العربي، او في عدد من البلدان الافريقية.
جميع الاجنحة المتصارعة داخل الطبقة البرجوازية في السودان، سواءً الذين يمثلون المدنيين من (قوى الحرية والتغيير) او المؤسسة العسكرية تغط في ازمة عميقة، ولم يملك أي طرف من هذه الاطراف، البديل السياسي أو حل أو أية رؤية سياسية، وبالرغم أن المؤسسات المالية الغربية حاولت مساعدة العسكر وإنقاذ سلطتها عبر منحها القروض طبعا بشروطها، إلا أن الطرفين لم يثقوا ببعضهما، وخاصة أن المؤسسة العسكرية، بقيادة عبد الفتاح البرهان أراد حسم مصير السلطة السياسية بالانقلاب العسكري، وإعادة سيناريو مصر، بيد أنها منيت بفشل كبير، وهي ما عمقت من الازمة داخل ذلك الجناح، أي الجناح العسكري، و دفعت هذه المرة قوات الرد السريع وتعتبر مليشيات الجنجويد العمود الفقري لها، بالمحاولة لاسترداد زمام المبادرة، واستغلال السمعة السيئة والجرائم التي ارتكبها الجيش بقيادة البرهان ضد السلطة المدنية، ورفع شعار إعادة السلطة الى المدنيين والانتفاضة او الثورة السودانية، والمعروفة ان تلك القوات قتلت المئات من الجماهير السودانية بُعيد الإطاحة بالبشير ورمت بجثثهم في نهر النيل، وكانت أداة فعالة في تصفية خصوم نظام عمر البشير.
أي بعبارة أخرى ان عدم قدرة الجيش السوداني بإلحاق الهزيمة بالانتفاضة بشكل نهائي وحسم مصير السلطة السياسية، هو وراء انشقاق المؤسسة العسكرية ونشوب حرب ضارية بين أطرافها. وتشير المعطيات المادية من خلال المشهد السياسي ان أمد الحرب الطاحنة سيستمر، حيث ان اغلب الدول التي لها نفوذ في السودان مثل الصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا وتركيا بدأت بإجلاء رعاياها، وان السفارة الامريكية أغلقت أبوابها بعد اخلائها من جميع الدبلوماسيين الذي يقدر عددهم بمائة شخص، وهذا يعني ان رياح سموم ساخنة ستهب على السودان وأن أياما حالكة ستمر على الجماهير السودانية التي قدمت التضحيات من اجل رغيف خبز وقدر من الحرية والكرامة الإنسانية.
وعندما تتحول (الدولة) بالمعنى المطلق للمقولة الى (دولة فاشلة)، ستتحول الجغرافية التي تحميها وتمثلها الى منطقة حرة ولكن ليس بالمعنى الاقتصادي والتجاري ، إنما بالمعنى السياسي والعسكري الى منطقة تتنافس عليها الأقطاب الدولية.
وفي داخل السودان أو في الدول التي تحيطها هناك قواعد عسكرية مثل الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا في جيبوتي وروسيا والصين في دارفور وهناك اليابان..الخ. وكل واحدة من تلك الدول ستدعم جماعة ما بحثا عن النفوذ والمصالح السياسية، وخاصة تشهد القارة الافريقية صراع محتدم بين روسيا وأمريكا والصين وفرنسا. والمشهد الاولى يبين بقدر ان الجيش السوداني مدعوم من مصر وأمريكا وفرنسا، بنفس القدر إن قوات الرد السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي مدعوم من قوات فاغنر الروسية ودولة الإمارات. وهذا يكشف الصفحات الأولى التي ستنعكس على المشهد السياسي والعسكري خلال الأيام المقبلة.
ان سيناريو اليمن وليبيا وسورية يعاد من جديد في السودان، وهذه هي البرجوازية التي اختبرت وتعلمت الدرس، فعندما تتأخر الطبقة العاملة والقوى الثورية التي كانت لها تمثيل في جبهة قوى الحرية والتغيير وفي (لجان المقاومة)، بعدم مد اليد الى السلطة، فعليها إعداد نفسها لسوقها  عنوة الى المقصلة والمسالخ التي تعدها لهم البرجوازية للإطاحة برأس الانتفاضة، وعملية المقايضة تطل براسها من جديد، حيث تقايض البرجوازية الجماهير بالأمن والأمان مقابل الخنوع والخضوع لسلطة استبدادية والعيش بالفقر والعوز مع ابقائها على قيد الحياة.
انها درس البرجوازية في التاريخ الحديث، وعلى الحركات الثورية وخاصة العمال الذين هم اول الأطراف تدفع ثمن هزائم الانتفاضات والثورات باهظا ان تتعلم ذلك الدرس.
 

17
الثالوث الجهنمي لحكومة السوداني؛
الافقار وقمع الحريات وأسلمة المجتمع
سمير عادل
نشر الأوهام بأنه بطل تخفيض الدولار، وإشاعة أجواء قمع الحريات الذي دشن بزوبعة إعلامية كبيرة حول القاء القبض على أصحاب "الفيديوهات الهابطة" وتفعيل قانون منع او حظر بيع واستيراد المشروبات الكحولية، وضرب المتقاعدين المسنين في تظاهرات طالبوا بزيادة معاشاتهم، وانتهاء بتحويل شهر رمضان الى فرصة لإعادة انتاج أسلمة وافقار المجتمع، هو الإيقاع الذي تسير عليها فتوحات حكومة محمد شياع السوداني.
تبدء فتوحات السوداني بإعلانه تخفيض سعر صرف الدولار امام الدينار العراقي ليكون ١٣٢٠، الا ان الوقائع تبدد الأوهام التي تنشرها الحكومة، فسعر صرف الدولار ظل يتراوح بين ١٥٥-١٦٠ الف دينار مقابل كل ١٠٠ دولار. وكي يحبك السوداني، ذره للرماد في عيون الجماهير المحرومة في العراق التي اكتوت بنار التضخم جراء ازمة النظام الرأسمالي العالمي والحرب الأوكرانية الى جانب انخفاض قيمة الدينار بقرار حكومي، راح يروج بأنه يبيع الدولار بالسعر الرسمي المعلن للمسافرين العراقيين، وكان حال العراقيين من اليسر والرفاهية الى الحد الذي يمكنهم بالاستجمام خارج بلادهم، وليس ما تبينه حياتهم وأرقام وزارة التخطيط والمنظمات الدولية بان ما يقارب من نصف سكان العراق يعيشون في خط الفقر، فهل هناك مشهد يثير السخرية اكثر من هذا، ويعتبر السوداني بطل هذه الكوميديا السوداوية. 
ان السؤال البسيط الذي يُطرح هنا، لماذا لم تنخفض قيمة الدولار بعد كل هذه الزوبعة الإعلامية واطلاق الدعايات الكاذبة، بأن الوفد العراقي يجتمع مع ممثلي الخزانة الامريكية في إسطنبول، وان الوفد العراقي غادر للقاء ممثلي الخزانة الأمريكية في واشنطن، وبان الإدارة الامريكية راضية على أداء الحكومة العراقية بمكافحة تهريب العملة.. الخ من تلك الترهات، والنتيجة ان سعر صرف الدولار بقي على حاله في الأسواق، وفقدت رواتب ومعاشات العمال والموظفين اكثر من ٤٠٪   من قدرتها الشرائية وقيمتها السوقية.
وهنا لا بد من التأكيد، ان تخفيض سعر قيمة الدينار العراقي غير مرتبط بتهريب العملة الى ايران، انما مرتبط بقرار المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي وقع العراق معها لأجراء "إصلاحات" اقتصادية بما تتلاءم مع مستلزمات ربط العراق بالسوق الرأسمالية العالمية، وأولها جلب الاستثمارات الرأسمالية العالمية الى السوق العراقية يقابله دفع معاشات ورواتب واجور زهيدة للعاملين في الميادين التي تستثمر فيها تلك الأموال، مستفيدة من عامل فرق العملة.
وكان من المفترض رفع سعر صرف الدولار الى١٦٠٠ لكل دينار في عهد حكومة الكاظمي، الا انه ارجٍأ القرار الى الحكومة التي تأتي بعدها كي لا تثير غضب وسخط الجماهير.
اما الفتوحات الأخرى لحكومة السوداني، فهي على صعيد الحريات و يجدر التذكير بها، فأولها هي تدشين عهد حكومته بالضجة الدعائية المفتعلة عن القاء القبض على مروجي ما يسمى ب(الفيديوهات الهابطة)، وعلى الرغم من ان محكمة التمييز نقضت الاحكام الصادرة بحق المتهمين المذكورين التي وصلت حكمها مدة سنيتن بالسجن بعد الحملة السياسية التي نظمت ضد تلك الاحكام الجائرة، الا ان نفس الموضوع  بقدر انه يكشف عن الوجه القمعي لكل المنظومة السياسية الحاكمة في العراق بما فيها ذراعها التنفيذي، حكومة السوداني، بنفس القدر ان اختلاق موضوعة نشر "الفيديوهات الهابطة" تعبير عن سياسة قديمة روج لها النظام البعثي الاستبدادي في العراق وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي من اجل الهاء الجماهير وتحريف انظارها عن السلطة البعثية التي جاءت عبر الانقلاب العسكري التي كانت بحاجة الى ترسيخها وتثبيتها، فمرة ذهبت الى افتعال ازمة فقدان البيض في الأسواق وأخرى افتعلت ازمة الدجاج ومرة الزجاجيات... الخ وبموازاتها افتعلت قضية (أبو طبر) الشهيرة لنشر الخوف والهلع في المجتمع، و تعتبر قضية "الفيديوهات" الهابطة هي إعادة للسيناريو النظام البعثي السابق.
 ويتغير شكل القمع الا ان استراتيجيته تبقى نفسها، وهي ترسيخ تلك السلطة المليشياتية التي تهاوت على اثر ضربات انتفاضة اكتوبر، فتظاهرة للمتقاعدين تقمع بهراوات الشرطة ومكافحة الشغب ويضرب متقاعدين مٌسَنّين وصلت اعمار بعضهم الى ٧٠ عام، ولتكتمل حلقة الاحكام والاقفال على ذهن الجماهير، كي لا تحلق بعيدا وتفضي الى نتيجة مفادها ان حكومة السوداني وكل العملية السياسية عليها بشد رحالها، ذهبت الى تفعيل قانون حظر بيع واستيراد المشروبات الكحولية الذي صوت عليه البرلمان عام ٢٠١٦ في عهد حكومة حيدر العبادي، لتوجه ضربة أخرى للحريات الفردية.
بيد ان كل هذا المسار سواءً على الصعيد الاقتصادي او على الصعيد الاجتماعي يبقى ناقصا دون أيديولوجية تخلق الذرائع في فرض هيمنة هذه السلطة الميليشياتية التي تسمى بحكومة السوداني لترسيخ مكانتها، "فكل شيء من اجل معركتها"، فشهر رمضان فرصة مناسبة لإعادة انتاج الأسلمة على المجتمع العراقي. فهي لم تكتف بتعطيل الحياة بالمناسبات الدينية طوال السنة، وغلق الشوارع وسرقة ما في جيوبنا نحن العمال والكادحين سواءً على شكل ضرائب او تخصيص موازنات لوزارة الأوقاف والشؤون الدينة التي تتجاوز اكثر من ٢ مليار دولار سنويا وسرقة أموال الخدمات، فبعد قضية "الفيديوهات الهابطة"  تأتي اطلاق يد وزارة الداخلية لاعتقال أي شخص يمسك سيجارته بيده او حتى عامل بناء يأكل  اثناء عمله كما نشرت في فيدويهات على شبكات التواصل الاجتماعي،  ففرض الالتزام بالطقوس الدينية ومن لون واحد ضاربة بعرض الحائط كل الانتماءات الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية لأفراد المجتمع وممارسة حقوقهم بحجة شهر رمضان هو مساعي سافرة لإعادة سيناريو البعث الذي كان يفرض نفس السياسات القمعية منذ نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي.  الا ان هذه المساعي لا تقف عند هذا الحد، وكي تنشر الفقر بما يتلاءم مع سلاح الدين للمسك بخناق المجتمع، ذهبت الحكومة الديمقراطية الموقرة بقيادة السوداني وعلى خطى البعث، بغلق المطاعم والمقاهي وكل ما له صلة بالطعام، راميا الاف من العمال في سوق البطالة، وكان العراق ينقصه اعداد من العاطلين عن العمل. وهكذا فان الفقر والحرمان مرتبط بالاسلمة، فدونهما لا يقوم أي قائم للأحزاب الإسلامية والأحزاب القومية التي تتعكز على الدين.
وأخيرا اذا ما جردنا السوداني القادم من حزب الدعوة الاسلامي ومرشح المليشيات وقتلة المتظاهرين من الهالة الإعلامية التي يحيط نفسه بها، ونخرس الابواق الدعائية التي تعزف لصولاته وجولاته في باريس وبرلين وإسطنبول، والمقابلات التي يجريها مع وسائل الاعلام المختلفة لتسويق زمجرته بمكافحته للفساد، فأنه لا يحمل في جعبته اكثر مما حمل جعبة كل حكومات المليشيات التي تشكلت منذ غزو واحتلال العراق.


18
في ذكرى الحرب واحتلال العراق
مساعي جديدة لتكرار سيناريوهات مظلمة في المنطقة
سمير عادل
لا شيء جديد اكثر مما قيل من قبل عن جرائم أمريكا وحلفائها في العراق، ولا شيء جديد يحكى عن تحويل العراق الى بلد فاشل ودولة فاشلة بالمعنى المطلق للكلمة، ولا شيء جديد نضيف الى الذكر من عمليات نهب وفساد وسرقة التي دشنها الرئيس المدني للاحتلال بول بريمر في مقابلة مع احدى القنوات الامريكية ، عندما سئل عن اختفاء ١٢ مليار دولار في الاشهر الأولى من استلامه لوظيفته في العراق، وجاء جوابه بشكل غاضب، لا اعرف (I don’t know)، ولا إضافة لنا اذا قلنا وعلى لسان الاحياء المخضرمين او الذين لم يكونوا في مكان خطأ وزمن خاطئ كي تقتنصهم حروب الامة العربية او مقاصل الاعدامات، ان العراق في ظل الدولة البعثية الفاشية والاستبدادية هو اقل سوءا مما نعيشه اليوم وليس كما يروج له اعلام الأحزاب الإسلامية التي وصلت الى السلطة في غفلة من الزمن وبفضل الغزو والاحتلال، بأن العراق يعيش في واحة الديمقراطية، والتي قولبت كل معاني الحياة في العراق بصناديق الاقتراع، وهي من تفتتحها وهي من تغلقها، وعندما يتم التحقيق عن التزوير فيها، تقوم بحرقها، وفضلا على كل ذلك تٌحَمَلَنّا منة بأنها سليلة الحسب والنسب للديمقراطية، واكثر ما تعني في فلسفتهم ونظريتهم في الحكم، التداول السلمي لعمليات النهب والسلب ومحاولة لقمع كل اشكال الحريات مثلما حدث تحت يافطات نشر "الفديوهات الهابطة" ومنع المشروبات الكحولية وتغليفها بهالة من العناوين الفارغة من المحتوى التي انتهت موضتها مثل خدش الحياء والذوق العام وتقاليد المجتمع، لطمس ماهيتها الاستبدادية، ولكن بشكلها الناعم!!!  ويجدر بالذكر أن حيائها لا يُخدش عندما تروج لنظريتها أي نظرية الأحزاب الإسلامية لتبريرها لكل سنوات السلب والنهب، بأنه من الحلال (سرقة الأرض، ما فوقها من عقارات، وما فيها من موارد طبيعية، فهي مشاعة ولا حق لاحد فيها)، اما المواطن العادي فله قسمته بالأرض كما يقرر له الله وليس من حقه الشكوى والتذمر والغضب، واجره في السماء، والله لا يحب الا المحسنيّن أي الصامتين والخانعين وكل من لا يفكر بانتزاع رغيف الخبز الذي سرق من فمه وفم أسرته.
تلك النظرية الجهنمية هي من تستند عليها الأحزاب الإسلامية التي استحوذت على السلطة السياسية كي تغتني وتنتفخ جيوبها وبطونها، وتمول ميليشياتها كي تحميها، فإذا كانت تلك النظرية هي جزء من نضالها الفكري بالاعتناء وتشكيل أكثر الأجنحة الطبقة البرجوازية حثالة في المجتمع، فعلى الصعيد السياسي ابتكرت عنوان جديد لها وهو محور المقاومة، والنضال ضد الاستعمار وسن القرارات ضد التطبيع مع إسرائيل، وكل من خرج للمطالبة بالحرية والمساواة، اتهم بأنه أولاد السفارات وعميل أمريكا لتقتنصها ميليشياتها من اعلى البنايات أيام انتفاضة اكتوبر، في حين هي من كانت مطية أمريكا بامتياز، وهي من كانت تستجدي أمام أبواب السفارات الغربية عشية غزو واحتلال العراق كي تنال رضى الإدارة الامريكية، وهي من كانت تتوسل للحصول على مباركة مهندسي احتلال العراق بوش وتشيني ورامسفيلد، وتتملق لزلماي خليل زادة كي يشكلوا اقطاعيتهم في العراق.
 
في ذكرى غزو واحتلال العراق، لابد من القول والتذكير بان ما حدث للعراق جراء السياسة الامريكية لم يكن محض صدفة، ولم يكن خطأ أمريكا وساساتها بأنهم لم يفهموا بتاريخ العراق، أو اخطأوا بحل الجيش العراقي كما روج ويروج له عرابو الاحتلال المحليين امثال اياد علاوي ولفيف من العروبيين الذين تنكروا بالزي الطائفي، كي يحصلوا على مقعد في مجلس الحكم او السلطة، فاذا لم تسنح لهم الفرصة لهم بدراسة المجتمع العراقي، والتتلمذ على يد علي الوردي الباحث في علم الاجتماع وهو قبلة المثقفين الليبراليين الجدد الذين ظهروا بعد الغزو، وهم لا يمكنهم ان يروا اكثر من وقع اقدامهم، فما هو تفسير ما حدث في أفغانستان بعد عشرين عام من الاحتلال، الم يكن لديهم (علي وردي بشتوني) كي لا يفهموا بتاريخ المجتمع الافغاني وبالتالي ليتم تسليم نساء أفغانستان على طبق من ذهب الى الطالبان، الوحوش الذين قدموا من خارج التاريخ الانساني؟
ان تسليم العراق الى الأحزاب الإسلامية التي تحكم العراق اليوم، وكتابة دستور مشوه لا يمكن أن يفسره إلا اولي الالباب وحسب توازن القوى في الصراعات السياسية على السلطة، وأحيانا يتم التفسير أي بنود الدستور على أساس قواعد (المعنى بقلب الشاعر)، ثم بعد ذلك عندما مالت كفة تلك الأحزاب الى خارج الفلك الأمريكي، صنعوا عصابات داعش وسلموا لهم ثلث مساحة العراق بفضل الأسس التي بنيت عليها السلطة في العراق، لكي يتأدب المختفين وراء أبواب المنطقة الخضراء، ويتعلموا قبل كل شيء آداب المائدة، ويأخذوا درسا بالتاريخ بأنهم ليسوا اكثر جماعات ليس لها جذر اجتماعي يمكن لها الصمود إلا بالسلطة والمال الذي نهبوها.
فما حدث في أفغانستان أعد له في العراق عندما كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي في عام ٢٠٠٣ بعد غزو العراق في لقاء مع صحيفة روسية، ان إيصال الأحزاب الإسلامية ومنها الموالية لإيران الى السلطة هي من مصلحة الأمن القومي الأمريكي.
وما يحدث اليوم في أوكرانيا، هي امتداد لسياسة أمريكا، فبعد تكسير عظام الأوكرانيين وتحويلها الى وقود لوقف التمدد الروسي الامبريالي في اوروبا، سيتخلى البيت الأبيض اجلا او عاجلا عن زيلنسكي وجوقته الفاسدة، ويسلم اوكرانيا الى روسيا على طبق اقل من ثمن تقديم طبق أفغانستان الى طالبان، بعد اذلال شعبه وتحطيم معنوياته وارادته بالحرب والدمار ونهب ثرواته، كما عشنا واختبرنا سنوات السياسة الامريكية في نشر الديمقراطية والرفاه في العراق.
ولن تتوقف السياسة الامريكية عند حدود تلك البلدان، فها هي تعد نفس السيناريو لإيران، كما أعدته من قبل مع حلفائها الغربيين أثناء اندلاع ثورة ١٩٧٩، فوأد الثورة في إيران هي من أولويات مراكز الدراسات وصناع القرار في العمق الأمريكي، فالرياح القادمة من ايران، ستعصف بكل الأسس التي تستند عليها السياسة الامريكية والغربية، وهي تقلع جذور الإسلام السياسي او على الأقل تدفعه الى الانزواء، وتصبح السياسة الامريكية حينها عارية وليس لها من مطية او عراب او بلطجي لتمرير قرارات مؤسساتها الاقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أنها أي تلك الرياح ستغير وجه العالم، وتحاول أمريكا جاهدة الوقوف بوجهها وتفريغها من محتواها الثوري والتحرري.
في ذكرى غزو واحتلال العراق، على المتوهمين بالسياسة الأمريكية بعد، الاستيقاظ من اوهامهم، فالوهم لا يضلل المتورطين به فحسب ويضيع بوصلتهم، ففي الكثير من الأحيان يقتلهم.

19
مكانة 8 مارس عند الاشتراكيين والتحررين
سمير عادل
كما هو معروف إن الثامن من آذار أو 8 مارس هو يوم المرأة العالمي، إنه يوم ليس لتوزيع الهدايا والورود وكلمات الغزل المعسولة التي لا تنطق الا في هذا اليوم من قبل الرجال الى النساء، واطلاقهم  التهاني ، وان كان هذا كله ليس فيه ضير، الا انه عندما يختزل كل الظلم الجنسي السافر والمنظم والممنهج بحق المرأة وطمسه، واخفاء بشاعة وجه ذلك الظلم في كل ميادين الحياة ومحاولة لتجميله او غض النظر عنه، عندها يجب الوقوف ونطرح سؤالا على انفسنا كحاملي الهوية الإنسانية، قبل ان نكون اشتراكيين، هل اننا نعيش إنسانية كاملة في هذا المجتمع، هل نستطيع مزاولة حياتنا بشكل يومي وهناك ظلم جنسي منظم، شأنه شان أي ظلم في هذا العالم، مثل الظلم القومي المدروس والمخطط الواقع على الفلسطينيين، او الظلم العرقي بحق السود كما يكشف عن وجه ويطل برأسه بين الحين والأخر في الولايات المتحدة الامريكية، او الظلم الذي وقع على السكان الأصليين في كندا وامريكا.. ولا نريد ان نحدث اية مقارنة بين أنواع الظلم، بيد إن المسالة التي نريد التنويه اليها، في عالم لا يمكن الوقوف على رأسه بشكل مقلوب، لا يمكن له الاستمرار، دون تغذية تلك المظالم الواقع على الإنسانية.
 
ان المرأة تتعرض الى ظلم ممنهج في كل العالم، ولكن درجة ذلك الظلم تختلف من مكان الى اخر، وحسب قوة الحركة المساواتية والتحررية في المجتمع، واذا ما حصلت النساء في الغرب على حقوق بما لا يقارن ابدا ببلدان الشرق الأوسط على سبيل المثال، فهذا هو ثمرة نضال ضروس للحركات التحررية في تلك المجتمعات وفي مقدمتهم الاشتراكيين.
 
وليس كما يقول أولئك الذين تعفنت ادمغتهم وتآكلت عقولهم بسبب ذلك العفن، عندما يصفون الحقوق والحريات الإنسانية وخاصة حقوق النساء، هي  نتيجة السقوط الأخلاقي في الغرب، وهنا يجدر الإشارة ان المعيار الأخلاقي بالنسبة لهذه الحفنة، هو كم مقدار او حجم او كمية استعباد المرأة وتحقيرها، وحيث ينعدم بشكل كلي المعيار الإنساني، لانهم تجردوا من الهوية الإنسانية  بمحض ارادتهم لتحقيق مصالحهما كما سنبينها لاحقا، وانهم لا ينظرون الى سير التاريخ الإنساني، او لم يقرئوا عنه على الأقل في الغرب "الساقط أخلاقيا" كما يدعون، عندما كان اقرانهم في الكنيسة القروسطية، يغلفون الجهاز التناسلي للنساء بقطعة حديدية سميت بحزام العفة، في حال ذهب الرجال الى القتال والحروب والسفر، او عندما كانت الكنيسة تغرس الابر بأجساد  النساء اللواتي ترتفع اصواتهن من اجل الحرية، فاذ ما نزفت دما فتكون تلك المرأة لا يسكنها شيطان، واذا لا، فيسكنها الشيطان فيحكم عليها بالموت، وفي كلتا الحالتين هي في حكم الموت ، او كانت توثق اياديها واقدامها وتلقى بحوض ماء، فاذا طافت فيعني ان الشيطان لم يسكنها، او لا، فيعني هناك شيطان يسكنها، وأيضا في كلتا الحالتين هي ترحيلها عن الحياة.
   
هذه المنهجية تداوم بنفسها اليوم في العراق، ولكن بسيناريو مختلف، وما يحدث للنساء اقل ما يوصف بأنه إبادة جماعية.
ان ما تتعرض له النساء في العراق وفي ظل سلطة ميلشياتيه بهوية إسلامية، ليس مرده السلوك الفردي للرجال، ولا هو سببه كما يحاول بعض الحمقى من الليبراليين وصفه بالذكورية واختزاله بتصرفات شخصية، واطلاق بعض المواعظ الأخلاقية لإصلاح سلوك الرجال الذين يمارسون العنف ضد النساء، او كما يحلو لترديد العبارات والمقولات التي يروجها النظام السياسي الحاكم؛ ان المرأة ضد المرأة او ان المرأة هي التي يجب تثور، وبالتالي تصب كل تلك التصورات والحلول بالنوازع الأخلاقية والبطولات الفردية التي لا نشاهدها الا في أفلام الهوليوود، فليس تسويق تصور المرأة ضد المرأة ، الا تسويق ذكوري من اجل حرف الأنظار عن النظام والتصرفات التي تعكس اخلاق ذلك النظام الحاكم، والذي يتم الترويج لها عبر الدعايات والأفلام والقوانين. الخ.
تلك الآراء والتصورات لا تريد ان ترى ان الذكورية بأنها نظام سياسي-اجتماعي-اقتصادي، وان استمرار الذكورية في المجتمع وتغذيتها يتم عبر التقاليد العشائرية والأفكار الدينية وقولبتها بمجموعة من القوانين في ميدان الأحوال الشخصية والجنائية، لأنه بالتحليل النهائي لا يمكن القضاء بشكل نهائي على الذكورية واستئصالها من المجتمع دون هدم أركانها القانونية واسسها الاجتماعية والسياسية.
 
النظام الذكوري الذي نتحدث عنه من مصلحته، إبقاء النساء في البيوت، ويستفيد منه بشكل مطلق على جبهتين، الأولى ان المرأة في البيت تعد القوى العاملة، الرجل العامل، او صاحب العمل المنتج في ميادين المجتمع، وهي تقوم بالعمل المنزلي والرعائي بشكل مجاني لتربية الرجال العمال المستقبل، دون ان تتقاضى أي معاش او راتب او اجر على عملها. أي ان النظام الذكوري القائم على الاقتصاد الرأسمالي يدير عجلته الاقتصادية بشكل مجاني، ولذلك لا يتحمل بسهولة اعتبار العمل المنزلي والرعائي مدفوع الاجر، او على الأقل يدفع بدل بطالة لكل أولئك النساء التي فرضت عليها البقاء في البيوت،  وفي نفس الوقت ان المرأة تعتبر بالنسبة لذلك النظام القائم على استثمار الانسان، القوى الاحتياطية المنافسة للرجال في ميدان العمل، فهي تستخدم للعمل الرخيص أي تعمل في نفس حقول التي يعمل فيها الرجال، لكنها تتقاضى رواتب ومعاشات اقل، وفي نفس الوقت عندما يدخل الاقتصاد الرأسمالي مرحلة النمو، ويكون بحاجة الى ايدي عاملة، يقوم النظام بإخراج النساء من البيوت لسد العجز في القوى العاملة، اما على الصعيد الجبهة الثانية، فإبقاء النساء في البيوت يعني عزل قوى اجتماعية كبيرة يقدر بنصف او اكثر من نصف المجتمع، او بشكل اخر نقول تحييد النساء في عملية التغيير الثوري في المجتمع.
 
وكما يقول لنا لينين ان مقدار ثورية المرأة هو الضِعف، مرة لأنها عاملة وتتعرض لظلم النظام الرأسمالي، ومرة لأنها امرأة تتعرض الى الظلم الجنسي بسبب النظام الرأسمالي، وان هذه الصفة الثورية للمرأة يعيها النظام الذكوري، تعيها التيارات الإسلامية وتدرك خطورة انخراط النساء في العمل السياسي، ولذلك ابتكرت العشرات من الأساليب ل"تحييد المرأة" ان صح التعبير. فمثلا ابتكرت منذ ثورة يناير في مصر ٢٠١١ التحرش الجنسي في ميادين الثورة، وعملت على تطوير اساليبها من قبل الاخوان المسلمين، وكذلك مثلما حدث في انتفاضة أكتوبر في العراق عندما طلب مقتدى الصدر بفصل الذكور عن الاناث، او حملة الاغتيالات التي حدثت في صفوف المنتفضات او التسقيط الأخلاقي المنظم الذي قادته التيارات الإسلامية خلال أيام الانتفاضة دون استثناء، ان المشترك هو الرعب من حضور النساء في ميدان الثورة والانتفاضة، وان كعب اخيل هذه  الثورة بالنسبة للقوى الإسلامية هو المرأة، وهكذا تحول التحرش الجنسي الى ظاهرة اتسعت مدياتها وتحولت الى عقلية في المجتمع، ولم تكتف القوى الإسلامية بتلك الأساليب، بل راحت تنظر وتضع الأطر السياسية والاجتماعية لتبرير التحرش الجنسي، على سبيل المثال ان المرأة هي من تعرض مفاتنها، وان المرأة يجب ملازمة البيت، وان المرأة المحترمة لا تدخل في مناطق مزدحمة وان المرأة يجب الانتباه لأطفالها واسرتها بدل من الانخراط في سلك الثورة.. الخ من تلك الترهات التي طُبل لها. ومن هذه الزاوية أيضا تسن القوانين مثل قانون ٥٧ التي تحرم المرأة من اطفالها في حال انفصلت عن زوجها. فهذا القانون بالمحصلة النهائية هو سلب المرأة لإرادتها وحصر همومها ومشغلتها اما البقاء في كنف رجل احمق يمارس العنف عليها او يغتصبها كل يوم، او حرمانها من اطفالها لتدمى من الداخل وتعيش جرحا عميقا طوال حياتها وتكون أسيرة لذلك العذاب المستمر. انه قانون ينظم استعباد المرأة بشكل او بآخر، مثلما فعلت وحوش أنظمة النظام الرأسمالي عندما اجتمع الكل في وأد الثورتين المصرية والتونسية وهبوب نسيمهما على المنطقة، عبر العبث بأمن الجماهير في مصر وتونس وفي سورية وليبيا والعراق واليمن ومقايضتنا، اما عدم الشعور بالأمان عبر اطلاق العصابات الإسلامية أمثال داعش والنصرة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مقابل الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة التي نادينا بها، او منحنا الأمان مقابل السكوت والخضوع على الاستعباد.
بعبارة أخرى ان التحرش الجنسي وقانون ٥٧ وقانون ١٢٨ لتأديب الزوجة وقانون ٤٠٩على سبيل المثال هو أوجه مختلفة لحقيقة واحدة.
بمعنى اخر هناك مصالح مادية للطبقة السياسية الحاكمة وراء هذه القوانين، سواءً على الصعيد الاقتصادي التي تعني مزيد من سرقة ما نستحقه من ثروات المجتمع، وعلى الصعيد السياسي إبقاء المجتمع خانعا وذليلا عبر تحييد نصفه.
 
لننظر الى حكومة السوداني وكل الحكومات السابقة، هل تحدث أي واحد منها في برنامجها الحكومي وضع حد لما تتعرض لها النساء في العراق؟ انهم فقط وفقط يتحدثون عن الفساد، ولكنهم لا يتحدثون عن الجرائم التي ترتكب بحق اكثر من نصف المجتمع، وحديثهم عن الفساد يأتي عبر تصفية الخصوم السياسيين، او محاولة لذر الرماد في العيون والتغطية على الجماعات التي تحتمي تحت ظل الحكومة الجديدة، ولكن يطرح سؤال بسيط، ايهما اكثر بشاعة، تصفية النساء التي تجري على قدم وساق مثلما حدث لطيبة وغيرها، ام السرقة وادامتها؟ الجواب على هذا السؤال ليس بأحداث المقارنة، لان هناك ترابط عضوي بين المسالتين، فدون اخضاع النساء وسيطرة كل التقاليد والقوانين المتعفنة، فلن يتمكنوا باستمرار سرقتهم وفسادهم، فالمجتمع الحر، المجتمع حيث تكون المرأة حرة، المجتمع الذي يعتبر تحرر المرأة هو معيار لتحرره، فلن تستطيع رؤوس الفساد ان تبقى كثيرا على رقاب أصحابها.
 
هذه الصورة التي نقدمها هي تحليلية لما وراء الظلم الواقع على المرأة، والتي تحاول البرجوازية اما تلطيفه او طمسه او تحويله الى سلوك أخلاقي مرتبط بالممارسات الفردية للأشخاص، كي تبعد نصال نضال الحركة الثورية عنها، وتكون بعيدة عن تصويبها لتلك الطبقة الفاسدة ونظامها المجرم.
 
وهذه المهمة الأولى للاشتراكيين والتحرريين في تبيان حقيقة الظلم السافر الواقع على المرأة، والكشف عن جذره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تبيان حقيقة، ان الثامن من اذار هو يوم صرخة كل القوى التي تسمي نفسها بقوى ثورية وتحررية ضد الظلم الجنسي على النساء.
 
المسالة الثانية علينا نحن الاشتراكيين في تبيان ماذا يعني يوم المرأة، فقضية المرأة ليس قضية المرأة لوحدها، مثلما ان قضية النضال من اجل انهاء الظلم العرقي ضد السود ليس قضية السود،  او الظلم القومي على الفلسطينيين ليس قضية الذي يعيش فقط في جغرافية فلسطين، انها قضية الاشتراكيين بالدرجة الأولى.
 
ان السلطة السياسية المليشياتيه الحاكمة هي في اضعف اوقاتها ومليئة بالتناقضات سنكتب عنها، ولكن بما يرتبط بهذا الموضوع، فهي مرعوبة منذ أيام انتفاضة أكتوبر، وفي نفس الوقت ان التحولات الثورية في ايران ترعب هذه السلطة والقوى التي تقف ورائها، ان هبوب رياح هذه التحولات سيكون العراق احد الأماكن التي وجهتها، وعلينا الاستعداد لها كما تحدثنا.
اما المسالة الأخيرة، فهي مثلما استعباد المرأة وتحقيرها هو جزء من الهوية الاسلامية، علينا ان نكون نحن ند وخصم عنيد يصارع هذه القوى، وان نبرز المساواة التامة للمرأة مع الرجل جزء من هويتنا، ونصرخ عاليا ان تحرر المرأة هو معيار لتحرر المجتمع، فلا مجتمع حر مهما بلغ من تطوره التكنلوجي والعلمي دون ان تكون المرأة حرة.
وكلمة أخيرا نقولها، اذ نؤكد من جديد من الوهم كل الوهم ان نتصور ان بأماكننا احداث أي تغير ثوري في المجتمع دون مشاركة النساء، فتحييد نصف المجتمع يعني تسليم راس الثورة الى مقصلة الطبقة السياسية الحاكمة وسلطتها الميليشياتية الإسلامية.
 

20
محاولة لوي عنق الماركسية بين البرغماتية والانتهازية
سمير عادل
في مقالنا السابق (الماركسية والترف الفكري) أشرنا بشكل سريع ومقتضب الى أنَّ الماركسية هي الراية النظرية للتيار الشيوعي، وهو أحد التيارات الأصيلة داخل الطبقة العاملة، فذلك التيار لم يقفز بالمظلة من السماء، مثلما قفزت التيارات القومية والإسلامية، التي أقحمت نفسها وفرضت تصوراتها على الطبقة العاملة، بفعل سيطرتها على السلطة السياسية.، فكما يقول ماركس ان الثقافة السائدة في المجتمع هي ثقافة الطبقة السائدة او المسيطرة على السلطة.
ولا شك أنَّ الجميع يعلم أنَّ الدين والطائفية والقومية والليبرالية على سبيل المثال غريبة عن الطبقة العاملة، إلا أنَّ غياب الشيوعية كواحدة من البدائل أو الخيارات السياسية في المجتمع، فسحت المجال كي تطأ أقدام تلك التيارات صفوف الطبقة العاملة، بحيث عملت وللأسف على قولبة كل شيِ في المجتمع بما فيها الاحتجاجات العمالية، بقالبها السياسي والاجتماعي. 
ولكي نوضح أكثر، وعلى سبيل المثال فقط، نرى أنَّ العامل في شركة النفط في البصرة أو الموانئ، أو العاطلين عن العمل الذين يقدر عددهم بأكثر من ١٢-١٣ مليون شخص حسب إحصائيات وزارة التخطيط، يمضون سيراً على الأقدام لمدة ٥ أيام أو اكثر، في مناسبة عاشوراء للوصول الى كربلاء، بالمقابل تستثمر تيارات الإسلام السياسي الشيعي (الأحزاب الشيعية) في مشاهد المشي أو المشاركة في عاشوراء، وتستثمر في تسويق فكرة مفادها أنَّ الشيعة أكثرية ولهم الحق بإدارة السلطة السياسية مثلما طبل وزمر كل المأجورين في التحالف الشيعي الذي يحرك من قم-طهران لتشكيل حكومة السوداني، وتنفق تلك التيارات المليارات من الدنانير المسروقة من جيوبنا ومن عرق أولئك العمال والكادحين السائرين الى كربلاء، لتمرير الفكرة الخادعة والمضللة بأنَّ الخلاص يأتي عبر استلام (الشيعة) السلطة السياسية، في حين برهنت سنوات حكمهم فيما يقارب من العقدين من الزمن، هي أكثر الأوضاع مأساوية من حيث القتل والخطف والفقر والعوز وانهيار الخدمات وتفشي الأمية والبطالة والأمراض والفوضى السياسية والأمنية، هي تلك التي شهدتها الجماهير المصنفة بالشيعة قبل غيرها.
 
من جانب آخر، فإنَّ كل تصورات التي يروجون لها ما يسمون أنفسهم (بالديمقراطيين والليبراليين)، والتي تقول بأنَّ الأمية والتخلف والفقر هو نقطة قوة للتيارات الإسلامية التي تستثمر فيها اعتماداً على تغييب الوعي عند تلك الجماهير المليونية، وهذا في جانب منها صحيح وكتحصيل حاصل، ولكن ليس هو كل اللوحة ، إذ تمضي تلك التصورات أكثر من ذلك، لدرجة أنَّها تردد وبجوقة واحدة بـأنَّه لا أمل في هذه الجماهير، ولا أمل بالتغيير، ويبصمون بالعشرة مؤيدين ما ذهب إليه بعض الكتاب أمثال علي الوردي وغيره، بأنَّ الشعب العراقي ذو وجهين ولديه ازدواجية بالشخصية، والأدهى من ذلك يشاركهم قسم من المثقفين الذين يجدون في الماركسية ترف فكري، متجنبين إنفاق بعض السعرات الحرارية في محاولة استخدام عقولهم للتفكير، إن أمثال هؤلاء يمكن الرد عليهم بشكل بسيط وبسؤال اعتراضي، ــ من دون فذلكات فكرية أو لغوية: ــ أنَّه لو كان أولئك العاطلين عن العمل لديهم فرصة عمل، ولو كان لديهم ما يسد رمقهم ورمق أطفالهم وأسرهم، ولو كان لديهم سكن لائق، ولو كانت هناك مناهج تربوية وتدريسية تعطي الأولوية للإنسان وقيمته الحقيقية، ولو توفرت لهم خدمات صحية تنقذهم من تفشي أمراض السرطان وغيرها من الأوبئة، هل استطاعت الأحزاب والقوى الإسلامية الشيعية التي تسخر سلطتها للنهب والسرقة والتحميق الاستثمار في المناسبات الدينية؟! والجواب على هذا السؤال يقود أي أمرئ بسيط لإماطة اللثام عن سر استماتة سلطة الأحزاب الإسلامية في إبقاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجماهير كما هي عليها الان.
إنَّ تلك التصورات والأفكار آنفة الذكر، لا تصب إلا في خدمة الطبقة السياسية الحاكمة التي تديرها الأحزاب والميلشيات التابعة لها، ومن ثمّ تقوم بتمهيد الأرضية لحزمة من التبريرات الواهية، كي ترتفع أصوات وتنظيرات هي أقرب الى الترهات منها الى السفسطة، لتؤكد بأنَّ المجتمع العراقي غير ناضج وإنَّ الأغلبية فيه متخلفة، وإنَّ عليهم التنازل أمام الجماهير والقبول بكل طقوسها، بل وأكثر من ذلك المشاركة فيها ورفع الشعارات الدينية والطائفية، بحجة احترامها وعدم القفز عليها، ويسمون كل ذلك ب"البرغماتية" في عالم السياسة، ولا يقف أصحاب تلك التصورات عند تلك الحدود، بل يذهبون الى عقد الصفقات والتحالفات السياسية مع القوى الإسلامية، ويخرجون لنا بأطروحات نظرية واهية، كي يبرروا تلك "البرغماتية" وبمسميات تثير السخرية مثل مقولة "الكتلة التاريخية"* التي سوَّقها الذين يحسبون أنفسهم على اليسار والماركسيين، وكانت قبل ذلك لهم أيضا صفقات مع القوميين العرب، وصف من الذين يعرّفون انفسهم ضمن البيت السني الطائفي وجماعات رجعية أخرى مثل العشائر، لخوص انتخابات ٢٠١٠، ولم يتجاوز برنامجهم الاقتصادي والسياسي حدود برنامج حكومة الكاظمي التي زادت من مساحة الفقر والعوز والبطالة والمعاداة السافرة للمرأة والتي نشهد سحق انسانيتها اليوم، وكذلك في ظل حكومة السوداني.
 
ومؤكد أنَّه لا يعنينا نحن الشيوعيون لا من قريب ولا من بعيد، تلك التحالفات والصفقات السياسية وتأسيس الجبهات بين الأحزاب والقوى البرجوازية ــ بما فيهم حاملي اسم (الشيوعية) ــ فهذا شأن خاص بهم، وإنَّ الوقوف بوجهها أو فضحها سياسيا، وتعريتها أمام الجماهير العمالية والكادحة، يأتي فقط، في حالة سعي تلك التحالفات تسويق نفسها بأنَّها وجدت لصالح الطبقة العاملة والكادحين، ومحاولتها تمرير أجندتها السياسية وجر الجماهير تحت مظلتها لانتزاع بصمتها وإضفاء الشرعية على كل سياستها المعادية للجماهير.
والمسالة الأخرى التي يجب الإشارة إليها، هي أنَّه عندما تعقد الصفقات والتحالف بين القوى البرجوازية باسم الماركسية والشيوعية وتحت عناوين البرغماتية، أو كما يدعون بأنَّ "السياسة فن الممكنات"، وهي مقولة لينين، التي قلبتها وحرفت معناها الأحزاب الشيوعية التقليدية وفرغتها من محتواها، لتبرير تحالفاتها وتعاونها مع القوى الرجعية، عندئذ، علينا فضح تلك السياسات، وتوضيح كنهها بصبر وثبات وتأني، لأنَّ تلك الصفقات والتحالفات تصطدم وتتعارض مع مصالح الجماهير العمالية والكادحة.
وبالعودة قليلا الى التأريخ نجد أنَّه في عام ١٩٥٩ وبمناسبة الأول من أيار، نُظّمتْ احتفالية في مقر الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، والقى حينها، عبد الكريم قاسم الذي قاد الانقلاب العسكري ضد النظام الملكي، خطاباً طلب فيه من العمال التعاون مع البرجوازية صيانة للجمهورية، حينها رد رئيس الاتحاد صادق الفلاحي على كلمة قاسم، بأن البرجوازية لم تتعاون يوما مع العامل، ولم تزيد من أجرته، فلماذا اليوم تطلبون منه التعاون مع البرجوازية، ورداً على الفلاحي، وبعد أن اشتاط قاسم غضبا وخرج من القاعة، اغلق في اليوم الثاني مقر الاتحاد العام واعتقل عشرات القادة وفعالي العمال.
 ما ذهب اليه رئيس الاتحاد بشكل صائب بالرد على قاسم ممثل الطبقة البرجوازية حينها، هو تعبير قاطع بالدفاع عن المصالح المستقلة للطبقة العاملة في الميدان الاقتصادي، وهذا يجر أيضا على ميدان السياسة، والذي حاول قاسم بخداع العمال عبر السياسة عندما اراد اقناع ممثليه، بأن العدو الحالي هو الاستعمار ويجب رص الصفوف، أي زيادة تراكم راس المال الطبقة البرجوازية الحاكمة المتمثلة بالعسكر الذي يقودها عبد الكريم قاسم، على حساب العمال.
بمعنى آخر نقول، يجب علينا عدم المساومة تحت عنوان "البرغماتية" مع الطبقة البرجوازية، وعلى الشيوعيين الذي يحملون راية ماركس، أن يكونوا أكثر الأطراف حزما بعدم المساومة مع البرجوازية في الميدان النظري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
إنَّ ترويض مقولة "السياسة فن الممكنات" في وجهها الآخر ــ وبحسب مؤيدي البرغماتية ــ، هي فن الانتهازية والانتهازيين المحسوبين على الشيوعيين والماركسيين، وانهم يبغون من تلك السياسة جر العمال والكادحين وعموم المجتمع تحت رايتهم.
إنَّ السياسة الشيوعية التي تعتبر الماركسية رايتها كما أشرنا، لا تنبع من ضعف الحركة العمالية أو قوتها، ولا من قوة تيارها الشيوعي المتحزب أو من ضعفه، ولا من توازنات القوى السياسية، بل تنبع من الدفاع المبدئي عن استقلالية الطبقة العاملة في الميدان الأيديولوجي والسياسي، حالها حال الطبقة البرجوازية التي تحاول الحفاظ على استقلاليتها، عن طريق ماجوريها من المفكرين والاكاديميين، لأقناع المجتمع ببدائلها السياسية من الفاشية والطائفية والدينية وحروبها وبرامجها الاقتصادية، وعندما تفشل، فإنها ستستخدم أموالنا المسروقة من عرق جبيننا والمنهوبة من جيوبنا، لتشييد السجون والمحاكم وتمويل المليشيات والأجهزة الأمنية، وتستورد أجهزة التعذيب الغربية لنا لترويضنا نحن العمال والقبول بأبدية سلطتها والتنازل أمام نظامها وعالمها المقلوب.
 
وفي نفس الوقت إذا وجد الشيوعيين هناك من يوقع معهم من التيارات البرجوازية على وثيقة، تقر على سبيل المثال؛ فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم أو المساواة التامة بين المرأة والرجل، أو سن دستور علماني أو أن تكون هوية الدولة علمانية، أو سن قانون ضمان بطالة للإناث والذكور، أو حق التمتع بسكن لائق لكل مواطن، أو تحقيق الحرية السياسية بدون قيد أو شرط، أو حل المليشيات او زيادة الأجور والمعاشات.. الخ، عندئذ سينظر المجتمع إلى الشيوعيين بإيجابية كون هذه الوثيقة من صالح الطبقة العاملة وعموم المجتمع، وإنَّ مثل هذا النوع من العمل المشترك سيحقق الحرية والرفاه للمجتمع، عندها وعندها فقط، تدرك الطبقة العاملة بأنَّه لا يمكن التلاعب بمصيرها ولا التلاعب بمصير المجتمع برمته.
 
وأخيرا عندما يسألوننا لماذا أنتم الشيوعيين لا تجلسوا مع الأحزاب القومية أو ما تسمى بـ (الوطنية)؟ أليست "السياسة فن الممكنات"، أولا تؤمنوا بالبرغماتية؟ ليتم بعد هذه الأسئلة وصفنا بأننا جماعات منعزلة، إلا أنَّ ردنا عليهم، هو أنَّ الجلوس مع قادة الأحزاب البرجوازية من أجل التقاط الصور ونشرها في الإعلام، أو من اجل تحسين حظوظنا للحصول على سهم في السلطة أو امتيازات معينة، وبعد ذلك نصدر تقريراً صحفياً، ــ مثلما تفعل الأحزاب التي تصنف نفسها تارة بالليبرالية وأخرى الديمقراطية التي تشكلت بعد انتفاضة أكتوبر أو بالشيوعية التي ترغم نفسها بالتمسك بالاسم فقط ، لتضخيم مكانتها في حين لا ترى في طبقتها حول أو قوة ــ فهذا السلوك ليس من تقليدنا، ولا شأن لطبقتنا العاملة بهذه الخدع والترهات.
إنَّ ماركسية ماركس المبدئية عملت على نفي صاحبها عدة مرت، وحرمته من العمل الاكاديمي، لأنَّه فقط دافع عن النقاء الفكري والسياسي والاستقلال الطبقي للعمال بوجه الطبقة البرجوازية والأرستقراطية الإقطاعية، أي بمعنى آخر أنَّ ماركسية ماركس تعلمنا بأنَّ البرغماتية والانتهازية، هي عناوين يعمل تحتها المثقف البرجوازي والبرجوازي الصغير للوي عنق الماركسية بما يخدم أجندته الجهنمية لتحقيق الامتيازات المعنوية والمادية التي لا تمت بأية صلة لمصالح الغالبية العظمى من المجتمع وهم العمال والنساء والكادحين.
 
 
 
*كتابات فارس كمال نظمي لتبرير التحالف بين الكتلة الصدرية والحزب الشيوعي العراقي.
 
 
 
 

21
الماركسية والترف الفكري
سمير عادل
 
انهى ماركس عمر الفلسفة بعبارته الشهيرة:" فسر الفلاسفة العالم بطرق وأشكال مختلفة، ولكنَّ المهمة تكمن في تغييره".
أي كان فكر ماركس وإسهاماته الفكرية والسياسية والاقتصادية، ثوريا بالمعنى المطلق، وكان نقده ثوريا بامتياز الى فلسفة هيغل ومادية فيورباخ، واستطاع ان يرسخ نظرية مادية في تغيير المجتمع وإعادة القيمة إلى الإنسان التي عبر عنها بجملته المعروفة،" الإنسان هو أثمن رأسمال".
 تحويل ماركس الى أكاديمي وفيلسوف، هو محض عمل صرف للطبقة البرجوازية منذ ان حول لينين النظرية الماركسية على الصعيد الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي الى واقع مادي ملموس، عندما بين ان السلطة ممكنة بيد الطبقة العاملة، وأن الثورة الوحيدة في عصر ما بعد الرأسمالية هي الثورة العمالية وتحت افاق الاشتراكية، وكل بخلاف ذلك، هي اما ثورات مرتدة لإعادة الأوضاع الى سابق عهدها، او ثورات ديمقراطية تحسن وضع تيارات الطبقة البرجوازية على صعيد السلطة والمعادلة السياسية على حساب الجماهير العمالية والكادحة، ولا يمكن نفي بأن وفي ظل أوضاع محددة، وضمن توازن القوى، يتحسن وضع الأخيرة وبشكل نسبي وبدرجات، وهي نفس الأوضاع قد يمهد او يفرض على أحزاب برجوازية تقديم التنازلات السياسية من أجل الحفاظ على سلطتها الطبقية.
هذه هي حقيقة ماركس والفكر الماركسي، فلم يكن ماركس فيلسوفا، وقد سدد ماركس ضربة قاصمة الى الفلاسفة، عندما صور تحلق مخيلتهم في تفسير العالم مع انجلز في كتابهما (الأيديولوجية الألمانية)، مثل ذاك الذي يحلق بخياله في عملية الاستمناء أو ما تسمى بالعادة السرية.
أي بشكل آخر نقول، كان ماركس اخطر قائد ثوري، يقض مضاجع البرجوازية والاقطاع وكل القوى الرجعية في اوروبا، والتي سماه في البيان الشيوعي الحلف المقدس. ولأنه كان كذلك، فقد منع من التدريس في الجامعات، وحظر دخوله او العيش في العديد من البلدان الاوربية.
ان الأقلام المأجورة و المفكرين البرجوازيين، لم يكن امامهم خيار في الحيلولة دون ظهور لينين جديد، يعلم الطبقة العاملة الطريق الى السلطة السياسية إضافة الى كل أساليب القمع السياسي والفكري وإشاعة التحميق والجهل، نقول لم يكن أمامهم سوى العمل بتحويل الفكر الماركسي الى منظومة اكاديمية معزولة، تدور اما في الجامعات او في ذهن لفيف من مثقفي الطبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، في حين منع صاحبه كما اشرنا من وضع أقدامه في تلك الجامعات.
إن المنطق المتماسك للفكر الماركسي، وتفسيره المادي لكل العلل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هو احدى العوامل في تبني أولئك المثقفين، الفكر الماركسي، ولكن منزوع الثورية، مثل حليب منزوع الدسم، وفضلا على ذلك أن رقي الفكر الماركسي بالنسبة لهم وتبني كل منجزات العلم والتطور الانساني، هو مبعث راحة ضمير عندما يجلسون خلف مكاتبهم ، بأبداء النصح والغوص في التحليلات على أساس الماركسية، التي هي محل اعجاب طيف واسع من الجمهور.
ومثلما ابدعت البرجوازية من اجل الربح، ابتكار وسائل للترفيه والاستجمام، ابدعت أيضا في تحويل الفكر الماركسي الى ترف فكري يتمتع بالمنتجعات الفكرية مثل المنتجعات السياحية، مثل مراكز الدراسات والجامعات والصالونات، ويحضر إليها شلة من الناس الذين يسمون أنفسهم بالنخبة بالاستجمام الفكري، وينظرون من برجهم العاجي المحصّن من ضربات منجنيق القرون الوسطى، الى الطبقة العاملة والمحرومين وكل أشكال الظلم القومي والعرقي والجنسي وعملية التجهيل المنظمة من قبل الطبقة البرجوازية الحاكمة، وشيوع الخرافات الدينية، بأنهم أي الجماهير العاملة والكادحة، لم ينضجوا بعد، ولم يفكوا بعد شفرة طلاسم الديمقراطية، بينما هم أي النخبة، تمتلك اكسير الترف الفكري.
إن احدى السمات الإيجابية لانتفاضة أكتوبر في العراق أي انتفاضة تشرين ٢٠١٩، هي انتشار الفكر الاشتراكي بشكل نسبي، وتبني الفكر الماركسي في أوساط اجتماعية عديدة، وقد تحدثنا عنها في وقتها، الا ان ما نريد الإشارة إليه في هذه المساحة، هو سيادة التقاليد النخبوية للبرجوازية الصغيرة على هذه الأوساط، وتنظر الى الفكر الاشتراكي وحتى الحلقات الاشتراكية او التجمعات التي تبلورت حول هذا الفكر، بأن الفكر الاشتراكي هو فكر نخبوي، هو فكر صف من المثقفين الذين ينحدرون من البرجوازية الصغيرة، هو فكر ليس له علاقة بالتغيير، ولا بالتدخل في الحركات الاجتماعية، ولا تعترف بدوره بالتغييرات السياسية والاجتماعية في المجتمع.
وبموازاة ذلك أيضا يعزل الفكر الماركسي عن الفكر الاشتراكي، وكأن الفكر الماركسي هو فكر تحليلي وفلسفي، بينما الفكر الاشتراكي هو فكر نخبة من الناس المحترمين وطيبي القلب والنيات، ولديهم مستوى من الثقافة والفكر النير حول العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات.
هذا العزل، او وضع جدار بين الفكر الماركسي والاشتراكي هو من صنع البرجوازية الصغيرة، ويلتقي أصحابهما في نقطة اللاعمل، وحصر كل شيء بالثقافة وتنوير الناس، حتى ظهور "المهدي المنتظر" ولكن ليس نسخته الشيعية، انما بنسخته الاشتراكية ويقود التغيير.
وان هذا المشهد الكاريكاتوري في أوساط المثقفين الذين يتبنون الفكر الماركسي والفكر الاشتراكي، يمتد الى العديد من المدن، وخاصة بعد انتفاضة أكتوبر.
إذا لم يمض الفكر الماركسي نحو التغيير الثوري في المجتمع، وانهاء علاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة على استثمار الانسان، وبناء المجتمع الاشتراكي، فهو فكر له علاقة بكل شيء ولكن ليس له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بماركس ومنهجيته بالتغيير الثوري، اما الفكر الاشتراكي دون مد يده الى الماركسية كعلم التغيير او كما يصفه منصور حكمت بأنها علم تحرر الطبقة العاملة والذي بالضرورة علم تحرر المجتمع، مثل بقية العلوم الأخرى، يتحول دعاته الى انبياء لا حول لهم ولا قوة، حيث يفتقرون الى المعجزات كي يتبعهم الاخرين.
 وكما ان التصورات والأفكار الليبرالية والديمقراطية والقومية والفاشية تمثل تيارات داخل الطبقة البرجوازية، فان التصورات والأفكار الاشتراكية و الشيوعية والفوضوية والنقابية، تعبر عن ميول وتيارات داخل الطبقة العاملة، ويعتبر الفكر الماركسي هو علم ذلك التيار في الحركة الاشتراكية داخل الطبقة العاملة مثلما يعلمنا منصور حكمت قائد ومفكر الشيوعية العمالية.
أي ما نريد ان نقوله، بأنه لا مكان للأفكار والتصورات خارج حدود الطبقات، وعليه ان الفكر الماركسي هو الراية النظرية لتيار محدد في الحركة الاشتراكية وهو التيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة، وليس راية لكل الطبقة العاملة، شأن التيارات البرجوازية الانفة الذكر، التي تبغي كل واحد منها جر الطبقة البرجوازية تحت رايتها.
 ولكن ماذا فعلت البرجوازية بالفكر الماركسي، فقد فصلته أو بالأحرى ودقيق العبارة انتزعته من طبقته، وحولته إلى راية سياسية للشرائح الاجتماعية المتذمرة والساخطة ضد الاستعمار والامبريالية والرأسمال العالمي وضد الاستبداد والدكتاتورية داخل الطبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة مع تفريغه من محتواه الفكري والسياسي، وعندما انتفت الحاجة اليه، حولته الى مكتب فكري لترفيه المثقفين من تلك الطبقات.
 بمعنى اخر ان الفكر الماركسي هو راية التيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة، ولا معنى للفكر الماركسي خارج طبقته، وكل ما يقال بخلاف ذلك هو محض هراء وفبركة برجوازية، لإبعاد هذا السلاح النظري من يد الطبقة العاملة في نقد الرأسمالية ونظامها الجائر والعمل على قلبه. وليس هذا فحسب فالفكر الماركسي دون تحزبه، دون تنظيم الفصيل الثوري الذي يعبر عنه التيار الشيوعي، دون العمل على سيادة افاقه الفكرية والسياسية والاجتماعية على الطبقة العاملة، فلا يتجاوز فلك البرجوازية ومكاتبها الفكرية، التي ترتعب من ظهور لينين آخر يٌمَكَنّه من تبنيه، و يسلحه بالجسارة الثورية لمد يديه إلى السلطة.
 

22
حكومة السوداني والتعمية على سياستها النقدية الجهنمية
سمير عادل
قيمة العملة المحلية العراقية، بدأت بالانخفاض التدريجي امام سعر صرف الدولار الأمريكي، وكل ذلك في ظل حكومة محمد شياع السوداني، وادى الانخفاض المذكور الى ارتفاع الأسعار وخاصة المواد الغذائية، حيث وصل سعر صرف الدولار امام الدينار العراقي اكثر من ١٦٥ الف دينار لحد كتابة هذا المقال.
حكومة السوداني تغض الطرف عما يحدث في الأسواق، وليس هذا فحسب، بل انها تتلذذ وتستمع بسماع اخبار وتسريبات، بأن سبب ارتفاع سعر صرف الدولار هو تهريب العملة إلى ايران، وتحميل الاحزاب والمليشيات الإسلامية الموالية لإيران مسؤولية ذلك، وليس هذا فحسب بل استغل السوداني، تسمية بطولة الخليج لكرة القدم في البصرة، ب"الخليج العربي"، وأكد ما قاله في مقابلة مع قناة (دويتشه فيله) التابعة للحكومة الألمانية (DW) على تسمية الخليج بالعربي، ردا على غضب المسؤولين الإيرانيين على تلك التسمية ودفاعهم على أن الخليج هو "فارسي"، نقول خدمت تصريحات السوداني على تقوية وتأكيد الأوهام في المجتمع بأن سبب انخفاض قيمة العملة المحلية العراقية (الدينار) هو تهريبها الى ايران، وليس مرده السياسة النقدية لحكومة السوداني التي نشرحها هنا، التي تحاول التنصل منها والتعمية عليها وطمس الماهية الحقيقة المعادية لمصالح الغالبية المرحومة من جماهير العراق.
طبعا لابد من التنويه، ان الاعلام المعادي للنفوذ الإيراني هو الاخر روج لتلك الفكرة او الوهم، سواءً بشكل مقالات او تصريحات او تقارير عن عمليات تهريب العملة او مثلما جاء في برنامج (كلام نديم) الذي يعرض من يوم الاثنين-الخميس في الساعة الحادية عشرة ليلا على (سكاي نيوز العربية)، التي ذهبت بنفس الاتجاه، سواءً لتقوية النزعة المعادية للنفوذ الإيراني في العراق والمنطقة او بشكل متقصد، لطمس حقيقة السياسة النقدية لحكومة السوداني المتطابقة مع السياسات المالية لصندوق النقد الدولي.
والحق يقال، ان قصة التهريب الى ايران من قبل المليشيات والأحزاب الإسلامية الموالية لإيران، لا تنحصر في حدود تهريب العملة، بل يتعدى الى تهريب منظم للنفط الى ايران، وهناك أيضا ارصفة للتحميل والتفريغ في موانئ البصرة مقسمة على المليشيات والأحزاب الإسلامية في السلطة، حيث تذهب نسبة من الأموال المستحصلة منها إلى ايران، وعلاوة على ذلك، أن النقاط الحدودية تسيطر عليها نفس الأحزاب والمليشيات، وأيضا يذهب قسم من أموال التعريفة الكمركية التي تقدر بأربعة مليار دولار سنويا المفروضة على السلع الى ايران.
 أي ان تلك المليشيات واحزابها، تهرب كل مقدرات المجتمع العراقي الى ايران خلال كل تلك السنوات، في مقابلها، تحصل قادة الأحزاب الإسلامية والمليشيات على امتيازات سياسية  وحصانة امنية ودبلوماسية من النظام الإسلامي الحاكم في ايران، ويجدر بالذكر كانت حصة قاسم سليماني رئيس عمليات فيلق القدس الذي اغتالته القوات الامريكية قبل عامين من النفط العراقي ٢٠٠ الف برميل يوميا، ومع كل هذه السرقات وعمليات النهب والتهريب، لم تضعف من قيمة الدينار العراقي بالذي حدده البنك المركزي ب ١١٦ الف دينار مقابل كل ١٠٠ دولار امريكي، في مزاد عملة البنك المركزي العراقي.
 صحيح ان عمليات تهريب العملة تؤثر بشكل او بأخر على سوق تداول العملات، ولكن يكون محدودا وطفيفا، وليس من شأنه ترك اثار كبيرة على مجمل ارتفاع أسعار السلع والتأثير على الأسواق مثلما نراه اليوم في الأسواق العراقية، وهذا لا يعني أيضا إنه لا يؤثر على الاقتصاد ولكنه كتحصيل حاصل. أي ان عمليات تهريب العملة موجودة في كل بلد، بيد أنها تتراوح في كميتها حسب وجود الدولة أو من عدمها مثلما يحدث في العراق.
وعليه ان تهريب الدولار من العراق الى ايران ليس جديدا، فمنذ تسليم العراق الى الأحزاب الإسلامية الموالية لإيران وبفضل الاحتلال الأمريكي، أي منذ تشكيل اول حكومة وهي حكومة إبراهيم الجعفري في عام ٢٠٠٥، والدولار يهرب بشكل منظم الى ايران، وبعد ذلك تم تنظيم التهريب عبر إنشاء البنوك والمصارف التابعة للمليشيات والأحزاب الإسلامية، ومع هذا وخلال عقد ونصف أي بين عام ٢٠٠٥-٢٠٢٠ ظل سعر صرف ١٠٠ الدولار يساوي ١٢٠ ألف دينار في الاسواق، وكان من المقرر ان يصل أي سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي  في عهد باقر صولاغ الذي شغل منصب وزير المالية في حكومة المالكي الثانية إلى  ١٠٠ ألف دينار.
بشكل اخر نقول، كان وما زال يجري تهريب العملة الى ايران، على قدم وساق منذ سنوات، وحتى في ظل انخفاض أسعار النفط الى دون ٣٠ دولار للبرميل في الأسواق العالمية في عهد حكومة العبادي، وسيطرت داعش على ثلث مساحة العراق عام ٢٠١٤، وتسليم خزانة خالية من الأموال من قبل حكومة المالكي الى سلفها حكومة العبادي، وإعلان سياسة التقشف من قبل الاخيرة، لم يتغير سعر صرف الدولار امام الدينار كما نشهده الان، حيث كان يباع ١٠٠ دولار في مزاد العملة للبنك المركزي بقيمة ١١٦ الف بدينار، ويصل الى السوق بسعر ١٢٠ الف.
في حين استلمت حكومة السوداني ميزانية بقيمة ١١٥ مليار دولار وهي من عوائد مبيعات النفط لعام ٢٠٢٢، ومع كل هذا نجد تدهور القدرة الشرائية للفرد العراقي بفعل انخفاض قيمة العملة المحلية.
البرنامج الاقتصادي لحكومة السوداني، هو امتداد لبرنامج حكومة الكاظمي، ويتلخص بتحميل الأزمة الاقتصادية العالمية والمحلية على كاهل العمال والموظفين، والجدير بالذكر بموازاة البرنامج الاقتصادي، سنت الحكومة قانون ٦٢ لمجلس الوزراء بمنع الحريات التنظيمية في صفوف العمال، وعدم الاعتراف بأية منظمة عمالية مستقلة، سوى بالاتحاد الموالي للحكومة وهو الاتحاد العام لنقابات عمال العراق التي يقبع رئيسه في السجن وهو من التيار الصدري بسبب عمليات الفساد والسرقة، وهذا يدل ان حكومة السوداني ماضية عبر التجويع والإفقار وقمع الحريات تمرير برنامجها الاقتصادي.
وهكذا يتناغم بانسجام تام مواقف القوى التشريعية والتنفيذية والميليشياتية، تجاه تخفيض قيمة الدينار، فرئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي رفض طلب من قبل خمسين نائبا بعقد اجتماع للبرلمان لمناقشة انخفاض العملة المحلية، كما ان السوداني عقد اجتماع قبل اسبوعين مع مسؤولي البنك المركزي ولم يتطرق او يدرج في جدول اعمال الاجتماع أي موضوع حول انخفاض العملة المحلية، وبموازاة ذلك أدلى هادي العامري بتصريحات مائية وليس نارية، بأنه وجماعته عليهم مقاومة الاستعمار في رده على انخفاض العملة، لتكتمل مشاهد المسرحية التي أقل ما يوصف بـ الهزلية السمجة، بين الممثلين البارزين، رئيس البرلمان ورئيس الحكومة وأبرز زعماء المليشيات الإسلامية الموالية لإيران والداعمة الرئيسية لحكومة السوداني، لطمس حقيقة السياسة النقدية التي تنتهجها الحكومة.
*****
ان الازمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي تعصف بجميع الدول، وان العراق لم يقفز من المريخ كي يكون بعيدا عن تلك الازمة، أي ان العراق جزء من النظام الرأسمالي العالمي الذي يمر بأزمة خانقة، ويضاف اليه أن جميع الأطراف السياسية وخاصة الإسلام السياسي الشيعي الحاكم مرعوبة من الشارع، وخاصة، لديها تجربة مريرة مع انتفاضة أكتوبر، لذلك ليس امامها الا بمحاولات امتصاص نقمة العمال والموظفين والكادحين والعاطلين عن العمل وكسب عامل الوقت، وخاصة تجد نفسها محاصرة في العراق بعد اجتياح الغضب الشعبي المدن الإيرانية، وهي أي قوى الإسلام السياسي ترى بأم عينها، ذلك الغضب يستوي على نار هادئة لتتحول رويدا رويدا الى ثورة تقلع نظام الملالي من جذوره ورميه في مزبلة التاريخ، وان الطبقة الحاكمة في العراق تدرك هذه الحقيقة، فهي تلجأ عبر الاستفادة من تخفيض العملة المحلية أمام سعر صرف الدولار الذي تتقاضاه من مبيعات النفط، بتحقيق بعض المطالب السطحية التي سنأتي على ذكرها.
ولابد من التنويه، أن انخفاض قيمة الدينار امام سعر صرف الدولار، أدى الى انخفاض القدرة الشرائية للمعاشات والرواتب بنسبة تصل الى ٢٥٪، هذا ناهيك عن ارتفاع أسعار السلع بسبب سعر صرف الدولار، حيث يضاف الى تلك النسبة، ويضاف أيضا أن نسبة التضخم الحاصل في السوق الرأسمالية العالمية، لتصل تآكل المعاشات والرواتب والأجور الى نسبة تصل ٤٠-٥٠٪.
عبر عملية تخفيض العملة المحلية، تحاول حكومة السوداني، ضرب عصفورين بحجر، فمن جهة، ترضية المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تطالب بتخفيض قيمة العملة المحلية كي يصبح العراق سوق مغرية للاستثمار الرأسمالي، وربطه بالأسواق الرأسمالية العالمية، ومن جهة أخرى، تذر الرماد في العيون، وتسوق نفسها بأنها عازمة على حل مشكلة البطالة عبر توظيف بضعة آلاف من العاطلين الذين يقدر عددهم اكثر من ١٢ مليون شخص من الاناث والذكور، وتمنحها فتات من حاصل فرق العملة التي خفضت قيمتها أمام سعر صرف الدولار، أي لا تعطي حتى ما يسد رمق الجوع والعوز، علما ليس هناك أية زيادة في المعاشات والحد الأدنى للأجور. 
ان الرد على هجمة حكومة السوداني وايقافها، يجب أن يقابلها رفع ثلاث مطالب رئيسية وحشد القوى من العمال والموظفين والعاطلين عن العمل حولها، وهي، زيادة الأجور والمعاشات والرواتب بما يتناسب مع القدرة الشرائية في الأسواق، رفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع نسبة التضخم وانخفاض قيمة الدينار العراقي، وثالثا ضمان بطالة لجميع العاطلين من الذكور والاناث لمن بلغ من العمر ١٦ عام او فرصة عمل مناسبة.
 

23

ميلاد زعيم ونهضة أمة "لا"

ذكرى ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر ليس موعد لفرد بل هو إعادة استرجاع تاريخ لأمة عربية حاولت صناعة النهضة والتقدم في الواقع العالمي من جديد ضمن أوضاع انتقالية كانت تعيشها المنطقة آنذاك لما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث جائت هذه الشخصية القيادية العربية وهي تحمل مشروع وفكرة واهداف ساعية للحياة والحركة في خط التطبيق.
ان جمال عبد الناصر هو المشروع وهو المحاولة التي عاشها العرب.... كل العرب لكي نعود من جديد للحالة الحضارية القديمة من انتاج الابداع الفردي والمجتمعي في الثقافة والتصنيع وبناء اقتصاد صناعي حقيقي تجاري يخدم الناس ولا يستغلهم وفيه تكون الدولة راعية للمواطن وحافظة له في التعليم والسكن والمواصلات والامن الغذائي.
ان ذكرى الميلاد لهذه الشخصية العربية التي عاشت "هم الامة" وقلق إعادة صناعة الانسان العربي هو ما نتذكره مع ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر والذي قدم تجربة صادقة مخلصة تستحق الدراسة والتحليل والنقد وقراءتها في سلبياتها وايجابياتها بعيدا عن شيطنتها بخباثة شريرة تريد اسقاط كل التجربة وصناعة ثقافة الهزيمة والخنوع لمن هم "غرباء" عنا ولمن يريدون ان يكون العرب بعيدين عن الاستقلال، بدون إرادة وبدون خطط حقيقية تخدم مصالحهم.
ان جمال عبد الناصر ليس "ملاكا" وفي نفس الوقت ليس هو الشيطان، هو انسان عربي اصيل أراد التغيير وتم اسقاط تجربته بالضربة العسكرية المباشرة وعندها أعلن مسئوليته وتنازل عن الموقع الأول في السلطة، يكفيه فخرا بعدها إعادة الثقة به وبمشروعه مرة أخرى من جموع شعبنا العربي، لأنهم أرادوا استمرار المشروع ولم تكن المسألة "شخص" او فرد او عبادة شخصية.
لقد شاهد شعبنا العربي "الاستقلال" واحسوه من خلال الموقف الحقيقي في إعادة قناة السويس لأصحابها، وتحرك الموظفين في البناء والعمل في التصنيع والمشاريع الضخمة والخطط الخمسية وزيادة الدخل وارقام التنمية السنوية المتراكمة ومجانية التعليم والإصلاح الزراعي وطرد الأجانب من المؤسسات المالية والبنكية والمواقع الاستثمارية وإعادة توظيف أبناء شعبنا العربي فيها فهذا وطنهم وبلدهم وهم الاحق فيها وليس "الغرباء".
واقع جمال عبد الناصر الذي يكرهه "الغرباء" انه كان حركيا في اتجاه الحضارة والامتداد على خطوط اقتصادية وثقافية وامنية وعسكرية بعيدا عنهم وعن مصالح ومنافع الأجانب فمصلحة العرب هي الحاكمة وقرارهم في أيديهم ولا عودة للعبودية والاستعباد والاملاءات من الخارج.
هي ذكرى ميلاد امة عاشت مع جمال عبد الناصر الأدراك والمعرفة واليقين اننا نستطيع ان ننهض إذا أردنا ومتى ما استخدمنا مواقع قوتنا لكي نستطيع ان نقول "لا".

د.عادل رضا

طبيب باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

24

الإسلام السياسي وضياع حلم الدولة في العراق

سمير عادل
تعتبر حكومة السوداني، محطة حرجة وخطيرة في عمر الإسلام السياسي لبقائه في السلطة، منذ تسويقه وتعويمه وتنصيبه من قبل الاحتلال، وبقائه في السلطة مرهون بالقضاء على التشرذم السياسي داخل الطبقة الحاكمة والفوز بآلة الدولة، آلة القمع الأساسية من الجيش والشرطة والامن الوطني والمخابرات والقضاء، وحسم مصير الهوية السياسية للدولة، أي الهوية الإسلامية بنسخة جعفرية على غرار النظام الإسلامي في إيران.
تشكيل حكومة السوداني من قبل الجناح الموالي لإيران، لا يعني ابدا انتهاء ازمة الإسلام السياسي على صعيد السلطة وعلى الصعيد الاجتماعي، ولذلك لم يتنفس أي واحد من ممثليه الصعداء مثل الخزعلي والمالكي والعامري والفياض، بالرغم من اطلاقهم عشرات الفقاعات الإعلامية، بتسجيل اول انتصار لهم منذ الإطاحة بحكومة عبد المهدي والعودة الى السلطة التنفيذية.
 ان معضلة الإسلام السياسي الحالية في العراق ليس مرده لفظ الجماهير له، كما اثبتتها انتفاضة أكتوبر-تشرين الأول فحسب، بل ان القوى التي تمثل الإسلام السياسي مرتبط ببعد عقائدي وسياسي واقتصادي بالنظام الإسلامي الحاكم في ايران، وان النظام المذكور يئن من ضربات الجماهير في ايران منذ اشهر، وأقل ما يوصف يعيش أحلك أيامه.   
من عاصر ثورة ١٩٧٩ في إيران، قبل اختطافها من قبل الملالي بدعم الغرب، او على الأقل قرأ فصولها التاريخية، يتذكر جيدا ان مرحلة سقوط نظام الشاه استغرق عامين، أي بدأت تباشير الثورة تلوح قبل عامين، وهذا ما يحدث اليوم في ايران، لكن بسيناريو مختلف على صعيد المسرح الدولي، او على صعيد التجربة النضالية التي تمتلكها جماهير ايران، او على صعيد آلة القمع الرهيبة التي تملكها الجمهورية الإسلامية تتجاوز آلة القمع التي امتلكها نظام الشاه.
اللعب بالنار من أجل البقاء في السلطة:
الركود السياسي الذي يخيم على العراق، منذ تشكيل حكومة السوداني، والذي مر بردا وسلاما على الأحزاب الإسلامية وميلشياتها، لديه عنوان آخر وهو الهدوء قبل العاصفة.
حكومة السوداني، وبدعم البيت الإسلامي الشيعي المتهرئ، المتكون من القتلة و المليشيات والأحزاب الإسلامية وشخصياتها، تحاول امتصاص نقمة الجماهير، مستغلة فائض الميزانية التي جنتها على اثر ارتفاع أسعار النفط والذي يقدر بأكثر من ١١٥ مليار دولار في عام ٢٠٢٢، حيث تعمل على توزيع قسم منه على برامج تمويل تثبيت العمال والموظفين العقود في قطاعات الكهرباء والبلديات والموارد المائية والمحاضرين، او استحداث درجات وظيفية  للعاطلين عن العمل من الخريجين، وبالرغم ان هذه الخطوة، ليس أكثر من محاولة فاشلة في نزع فتيل انفجار اجتماعي جديد او انتفاضة أخرى، الا أنها في نفس الوقت تضع الاقتصاد العراقي في تناقض مع السياسة الليبرالية الجديدة التي وقعت عليها الطبقة الحاكمة بتلافيفها القومية والإسلامية والديمقراطية، وكانت الورقة البيضاء هي المظلة التي اجتمع الجميع تحتها، واعطوا الضوء الأخضر لحكومة الكاظمي بتحويلها إلى سياسات عملية، والتي أول  ما نتج عنها هي تخفيض العملة المحلية مقابل الدولار، هذا ناهيك ان اتفاقيات أبرمت بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي برفع الحكومة يدها على توفير الخدمات وتوظيف العاطلين عن العمل في القطاعات الحكومية.
أي بعبارة أخرى ان عدم ايفاء الحكومة العراقية بالتزاماتها تجاه المؤسسات المالية المذكورة، سترفع الأخير الغطاء الاقتصادي عليها وبالتالي سينتج عنها رفع الغطاء السياسي عنها أيضا.
وتدرك تلك القوى الإسلامية خطورة الأوضاع التي تمر بها، لذلك لم يستعر هادي العامري زعيم ميليشيا بدر واحد المتورطين الأساسيين في قتل متظاهري أكتوبر، والمتهم الرئيسي في سرقة القرن التي تقدر بأكثر من ٢ مليار دولار للأموال الضريبية كما أشارت صحيفة غارديان البريطانية، وأوساط أخرى تقدرها ب ١٥-٢٥ مليار دولار، نقول لم يستعر العامري طاقية جيفارا وحذاء كاسترو، الا ليظهر في حفلة تنكرية اعلامية، ويتحدث لنا عن "الاستعمار" كما يتحدث بوتين روسيا هذه الأيام في خضم حربه ضد الغرب، ويضيف العامري، بأنه يجب التصدي والنضال ضد الاستعمار في العراق، أي النضال ضد المؤسسات المالية المذكورة التي ستحول ملف العراق الى المفتي الأمريكي، وقد شاهدنا اول فصولها قبل شهر عندما فرضت الخزانة الامريكية عقوبات اقتصادية على اربعة مصارف عراقية لتورطها بغسيل الأموال وتحويلها الى دعم نظام الملالي في ايران، مما أدى الى تدهور العملة العراقية.
 ولا بد الإشارة الى مسألتين أساسيتين، تمسك بخناق مشروع الإسلام السياسي في العراق، الاولى هي، أن القوى الإسلامية الأساسية في العملية السياسية تعتبر نفسها امتداد عقائدي وسياسي للنظام الإسلامي في طهران، ولذلك ليس لديها أي مشروع سياسي في العراق، سوى تحويل العراق الى سوق اقتصادية لإيران ومنبع لتهريب الأموال والنفط، ومصدر لوجستي للتأثير على المعادلة السياسية في المنطقة لصالح نفوذ النظام في ايران، ولذلك نجد جميع شخصيات ورموز الإسلام السياسي الشيعي، مثل العامري والخزعلي والفياض والمالكي، تلعب دور المندوب السامي وكموظفين من الدرجة الأولى لوزارة الخارجية الإيرانية، ويعملون بجد لا يشوبه اخلاصهم العقائدي شائبة في ولائهم الى ولاية الفقيه.
 
أما المسالة الثانية، هي ان نفس الإسلام السياسي وبسبب غياب أي مشروع سياسي لبناء الدولة في العراق، كما اشرنا، فقد استطاعت عصابات داعش من ملاحقة جيش المالكي حتى مشارف بغداد خلال أيام، ومع هذا يتبجحون علينا بأنهم كانوا وراء الانتصارات على داعش، في حين كان المالكي الذي يتحدث اليوم مع رفاقه العامري وغيرهم عن الاستعمار، هرع الى الإدارة الامريكية ويطالبها بتفعيل الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية، قبل وصول داعش الى بوابة المنطقة الخضراء.
أي ما نريد قوله في هذا المضمار، ان النظام الإسلامي في إيران ومنذ اكثر من اربعة عقود من سيطرتها على السلطة لم يستطع ترسيخ جذوره، وفشل فشلاً ذريعا في تحويل الهوية الإسلامية الى هوية اجتماعية للجماهير ايران، وبعد مقتل مهسا اميني، تمزقت تلك الهوية، لتحل محلها في كل مكان هوية جديدة (مرأة، حرية، حياة)، وتعترف بها الجمهورية الإسلامية عبر حلها لشرطة الأخلاق التي قتلت اميني، فكيف للسلطة الميليشياتية الحاكمة في العراق، الذي فشل في فرض الهوية الإسلامية على المجتمع وفشل بالفوز بآلة الدولة والتي لا تملك منها سوى مليشيات الحشد الشعبي غير المنسجمة ومتعددة الرؤوس والولاءات، ويضاف اليها تربص الإدارة الامريكية لها استخباراتيا وماليا، كيف لهذه السلطة تأمين بقائها!
واكثر ما يضيف على اللوحة قتامة بالنسبة للإسلام السياسي الحاكم في العراق، هي ان قواه السياسية ستواجه مصيرها بشكل منفرد، فهناك نقطة يجدر التوقف عندها، فالموقع الالكتروني لروسيا اليوم ( RT ) نشرت تقرير لإحدى الصحف الامريكية، مفاده ان المسؤولين الإيرانيين يبحثون في عدد من البلدان مثل فنزويلا عن إمكانية الحصول على اللجوء السياسي إذا ما انهار النظام، والمعروف ان روسيا هي من الداعمين الدوليين للنظام الحاكم في ايران، وعندما تنشر مواقعها الرسمية الإخبارية مثل تلك التقارير، يعني ان شيء ما سيحدث للنظام الإسلامي يلوح بالأفق، و اذا اضفنا اليه العقوبات الغربية الجديدة على إيران وخاصة الاوربية، هو مؤشر آخر، أن دول العالم تضع الخطوات وتعد نفسها لمرحلة ما بعد سقوط النظام الإسلامي، وحتى يمكن الإشارة أن فتور الإدارة الأمريكية حول التوقيع على  الاتفاقية النووية او عدم مبالاتها مقارنة بقبل أربعة أشهر على الأقل، بسعيها المتواصل والإسراع بالوصول إلى صيغة نهائية للاتفاقية، هي معطيات أخرى، تكشف على عصرا جديدا سيفتح في ايران والمنطقة والعالم.
بالعودة إلى موضوعنا، فان ما يجري في ايران، هو وراء هذا الركود السياسي الذي يخيم على الوضع السياسي في العراق، وهو الذي أيضا اعطى جرعة من الجرأة لأكثر انتهازي سياسي العصر محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي، بالحديث ولأول مرة امام الاعلام، وفي مقابلة خاصة عن التطهير الطائفي والتغيير الديموغرافي الذي حصل في منطقة (جرف الصخر) التابعة لمحافظة بابل جنوب بغداد منذ أيام داعش، فالحلبوسي وجماعته التي تسمى بـ التحالف السني، يشدون ترحالهم لمغادرة خندقهم الموالي لإيران، والانتقال الى خندق جديد، بعد تغيير اتجاه الرياح، وهكذا بالنسبة للصدر وتياره الذي يخيم عليهم الصمت، والقوى التي تسمي نفسه سنية والقوى القومية الكردية، جميعهم يجلسون في قاعة الانتظار وعلى ناره الموجعة، وأياديهم تمسك بقبعاتهم خوفا من الرياح القادمة من الشرق.
بالتحليل الأخير، أن الإسلام السياسي في العراق موجود كسلطة ميلشياتية، وليس كنظام سياسي ودولة وهوية سياسية، وضاعت فرصتها وللابد في بناء دولتها، وهي تعاني من ازمة بنيوية سواءً فكرية أو سياسية كانت أو طرح بديل اقتصادي.
 وإذا غضضنا النظر عن إيران الذي فشل النظام الإسلامي في الاندماج مع العالم الرأسمالي المعاصر، ففي العراق فأقصى ما ذهب اليه الاسلام السياسي من إنتاج فكري وسياسي هو ما جاء من منظرهم الوحيد محمد باقر الصدر في مؤلفاته (فلسفتنا واقتصادنا واخلاقنا)، وهذه الاخيرة تعاني من ارتباك وتشوش، وخليط غير منسجم، وكتب في عصر كمحاولة من أجل التصدي للهيمنة الفكرية والبديل الاقتصادي لماركس والتيار الاشتراكي على صعيد العالم.
 
أي بشكل آخر نقول أن وضع الإسلام السياسي والحكومة التي جاءت بها أكثر، من هش على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، وستتحول قريبا رايات المقاومة والممانعة والعنوان الجديد "الاستعمار" الى راية المهادنة والسلام وحسن الجوار والسلم المجتمعي..الخ من سوق الترهات التي يمتهن التبضع بها رموز الإسلام السياسي.
وفي مقابل ذلك ان الاسراع بتعجيل رحيلهم، رحيل كابوس الاسلام السياسي، مرهون ايضا بتصعيد العمل النضالي ضد ذيول النظام الاسلامي في العراق.


25
رسالة مفتوحة الى مؤتمر الاتحادات والمنظمات العمالية في العراق
حول التضامن مع احتجاجات عمال ايران
الاخوات والاخوة الأعزاء في مؤتمر الاتحادات والمنظمات العمالية
تحية طيبة..
عبر هذه الرسالة، نوجه انظاركم الى الاحتجاجات والاضرابات العمالية، التي تجتاح ايران، من اجل تحقيق الحرية والمساواة، ليس للعمال فحسب بل لعموم جماهير إيران.
كما تعلمون، ان الداعم والمساند الرئيسي للعمال ونضالاتهم في العالم هم العمال أنفسهم بالدرجة الأولى، وأن الخندق الذي تقفون فيه اليوم بالعراق، بوجه كل سياسات الحكومة الحالية المعادية للعمال، سواءً في فرض اتحاد عمالي واحد وصفراء، او في تقييد الحريات النقابية، او في فرض سياسة الاستقطاعات وتخفيض العملة المحلية عبر تنفيذ الورقة البيضاء، او عدم التوظيف، او تنصل الدولة والحكومة التي تمثلها، من مسؤولياتها تجاه العمال، هو نفس الخندق الذي يقف فيه عمال إيران.
 ايتها الاخوات والاخوة
ان اعلان دعمكم و تضامنكم مع عمال ايران، الذي ينظمون الاحتجاجات والاضرابات، في القطاعات المختلفة، مثل النفط والبتروكيماويات والفولاذ والسكر وغيرها، ومنذ أسابيع، سيعمل على رفع عزيمة عمال إيران لمواصلة نضالهم وانتصارهم، كما من شأنه سيفوت الفرصة في دق اسفين في صفوف الجبهة العمالية الممتدة على مستوى العالم.
إننا نود اعلامكم، ان الميليشيات المتورطة في قتل محتجي انتفاضة تشرين أكتوبر، ترسل عناصرها إلى ايران لقمع الاحتجاجات وفك الإضرابات سواءً الجماهيرية او العمالية وإعادة نفس السيناريو الدموي الذي حدث في ساحات الحبوبي في الناصرية والتحرير في بغداد وام بروم في البصرة والصدرين في النجف..الخ، أي بعبارة أخرى أن احتجاجكم على تلك الميليشيات او تقديم كل اشكال الدعم العمالي لعمال ايران، ستساهم في عرقلة سياسات تلك المليشيات لقمع احتجاجات عمال إيران وجماهيرها الكادحة.
وبهذه المناسبة نستذكر وبإشادة عالية، بما ذهب اليه مؤتمر الاتحادات العمالية في عام ٢٠٢٠، عندما وقف الى جانب عمال وكادحي كردستان، حينما استمر تنصل الحكومة في بغداد في ارسال رواتب ومعاشات العمال والموظفين إلى كردستان، ولم يتوهم او ينجر أي مؤتمر الاتحادات الى الصراعات القومية المفتعلة سواءً في أربيل او في بغداد، وكان موقفه تعبير عن واجبها العمالي الاممي في دعم عمال وكادحي كردستان.
كما اننا نشيد بموقف بعض الاتحادات المنضوية في صفوف المؤتمر، الذي ناصر نضالات عمال ايران منذ الايام الأولى، مثل الاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق، واننا كجبهة عمالية واحدة نطمح بالمزيد من التضامن، ونأمل في رص جبهتنا لنتضامن مع عمال منطقتنا والعالم ونقوي هذه الجبهة.
مرة أخرى ان عيون عمال ايران متوجهة الى دعم عمال العالم وعمال المنطقة وخاصة عمال العراق، وان المسؤوليات الأممية لمؤتمر الاتحادات العمالية يحتم عليها اتخاذ ما يلزم وما يتطابق مع الهوية الاجتماعية والسياسية الإنسانية للطبقة العاملة.
مرة أخرى نكرر تحياتنا
 سمير عادل
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي
٢٢ كانون الأول ٢٠٢٢
 

26
نحو حركة طلابية ثورية مقتدرة

 
سمير عادل
 
حاول البعث منذ استيلائه على السلطة السياسية في تموز عام ١٩٦٨، في اقصاء او احتواء كل حركة ثورية في العراق، سواءً عن طريق التصفيات الجسدية لقادتها و نشطائها وشخصياتها، أو عن طريق احتواء الحركة بتفريغها من محتواها وخلق كيانات امنية اكثر بواجهات سياسية، او بأدق العبارة كيانات امنية تلعب دورا سياسيا وغطاء لمنظمات كانت تمثل بشكل أو بآخر الحركات الثورية كالحركة الطلابية والحركة النسوية والعمالية، ومن هذه الكيانات مثل اتحاد الطلبة واتحاد نساء العراق والاتحاد العام للنقابات ونقابات المعلمين والمحامين ...الخ.
بمعنى آخر استطاع البعث من توجيه ضربة قاصمة لأية حركة ثورية، والتي بالضرورة والنتيجة ستكون مناهضة له ولا بد ان تضع في أجندتها مسالة اسقاط سلطته.
ان انفراد البعث بالسلطة ومنع أي شكل من الاشكال التنظيمية المستقلة، كان واحد من العوامل التي ساهمت في شيوع النزعة ضد التنظيم في الاحتجاجات والتظاهرات التي اندلعت في العراق، وكان اخرها انتفاضة أكتوبر، والحق يقال، ان الجيل الذي فجر انتفاضة أكتوبر، من العاطلين عن العمل والطلبة والنساء وعمال العقود والأجور، وطيف واسع من الشباب التواق للحرية ومتمردا على الطائفية والمناطقية، التي حاولت الأحزاب الإسلامية اسرهم في دائرتها للحفاظ على امتيازاتها ونفوذها وفساده وبالتالي سلطتها، هذه الجيل لم يختبر العمل التنظيمي والسياسي، وقد فتح عينه على الاحتلال وتدميره للبنية التحتية للمجتمع، والحرب الطائفية الاهلية في شباط من عام ٢٠٠٦، وحرب داعش في حزيران عام ٢٠١٤، لترغمه، الظروف الاقتصادية السياسية، للانخراط في انتفاضة أكتوبر، هذا، اضفنا إليه وجود الفاصل التاريخي او الانقطاع التاريخي النضالي بين ماضي الحركات الثورية وبين حاضرها، أي لم ينتقل الإرث الثوري والخبرة النضالية الى الجيل الحالي، ليدخل مجردا من أي سلاح، وخاصة التنظيمي في معركة غير متكافئة، مع التيارات البرجوازية الأخرى، سواءً الأحزاب والمليشيات الإسلامية الحاكمة او التيارات القومية-الإسلامية ذات البعد الإقليمي مثل التيار الصدري وتيار الكاظمي وتيار العبادي الذي كانت تمثله نقابة المحامين ونقابة المعلمين -حزب الدعوة جناح العبادي، أي في الوقت الذي كانت التيارات البرجوازية منظمة من قمة راسها حتى اخمص قدميها، كان تيارنا الذي مثله العاطلين عن العمل والنساء والطلبة والعمال مجردا من سلاح التنظيم.
انتفاضة أكتوبر وروحٍ جديدة:
تحدثنا في عدة مناسبات عن الروح الجديدة التي خلقتها انتفاضة أكتوبر، هذه الروح هي روح التمرد، ورفض الواقع المفروض من قبل السلطة الميليشياتية للأحزاب الإسلامية، رفض كل مساعي التيارات الإسلامية عن طريق إرهاب ميليشياتها وخلق الفوضى الأمنية وسياسة التطهير الطائفي والتغيير الديموغرافي، لفرض الاذعان والخنوع على المجتمع العراقي عموما، والانفراد بالسلطة دون اية مواجهة وردع من قبل الجماهير الثورية، هذه الروح التي ولدت في انتفاضة أكتوبر، وهي سابقة تاريخية على الأقل منذ ما يقارب نصف القرن الأخير من عمر المجتمع العراقي.
صحيح ان الانتفاضة لم تصل الى مكانها، ولم تحقق مطالبها، وبهذه المناسبة، نود التأكيد، بأننا لا ننظر اليها بشكل أولئك الرومانسيين الذين يتباكون على اطلالة انتفاضة أكتوبر، وكما يعلمنا ماركس اذ نستمد من منهجيته في تقييم انتفاضة اكتوبر ( اما الثورات البروليتاريا كتلك التي تحدث في القرن التاسع العشر، فهي، بالعكس، تنتقد ذاتها على الدوام، وتقاطع نفسها بصورة متواصلة أثناء سيرها، وتعود ثانية الى ما بدأ انها أنجزته لتبدأ من جديد، وتسخر من نواقص محاولاتها الأولى ونقاط ضعفها وتفاهتها باستقصاء لا رحمة فيه، ويبدو أنها تطرح عدوها ارضا لا لشيء الا ليتمكن من أن يستمد قوة جديدة من الأرض وينهض ثانية امامها وهو أشد عتوا...-الثامن عشر من برومير).
بيد ان الروح التي خلقتها انتفاضة أكتوبر ما زالت حية في المجتمع، وتخيم كالكابوس على صدور سلطة الإسلام السياسي وميليشياتها المجرمة، التي تحاول ان تعطي تصور انها انتصرت بشكل نهائي على انتفاضة أكتوبر، وأن تشكيلها حكومة السوداني هي رسالة الى القوى الثورية التي فجرت الانتفاضة، إلا أن حقيقة الحال، هي مرعوبة من الداخل، والسلام السائد في صفوفها هش، وتدرك أنها لن تستطيع إعادة عقارب ساعة المجتمع العراقي الى ما قبل انتفاضة أكتوبر، وخاصة عندما تزامن معها، هبوب إعصار مهسا اميني على ايران التي كما قلنا عنها، ان وجهتها الأولى ستكون العراق قبل ان تتجه الى بلدان المنطقة و العالم.
هذه الروح الجديدة هي التي تدفع صف من النشطاء والفعالين في عدة حركات احتجاجية ومنها في ميدان الطلبة بالبحث والتفكير لتنظيم صفوفها وتطرح سؤال مهم ما العمل؟
مكانة الحركة الطلابية في الحركة الثورية:
 تتمتع الحركة الطلابية بأهمية خاصة ومكانة حيوية في الحركة الثورية في المجتمع.
 فالظرف الموضوعي للطلبة مثل عدم تحمل المسؤولية مثل العامل الذي يعيل اسرته وأهله، وتفرغه النسبي للقراءة والاطلاع والعمل السياسي، يمكنهم من اكتساب وعي معين، في حين لم تتوفر تلك الظروف بالنسبة للعامل. وعليه نجد الطلبة اكثر انخراطا بالعمل السياسي من بقية الشرائح الاجتماعية الأخرى، وفضلا على ذلك، أن إحدى المصادر او الينابيع المهمة للوعي التقدمي و الاشتراكي هو في الجامعات والمعاهد، وهذا يفسر ان الأنظمة الاستبدادية والرجعية ترتعب من طلبة الجامعات والمعاهد، فمثلا في ايران وبعد استيلاء نظام الملالي على السلطة بدعم الغرب للوهلة الأولى عام ١٩٨٠، أوقف او عطل الدراسة في الجامعات لمدة ثلاث سنوات ونظم تصفية سياسية وجسدية في صفوف الطلبة والأساتذة وعمل على تغيير و المناهج الدراسية ،وتنطبق هذه الحالة،  بشكل آخر على النظام البعثي، حيث فرض مؤسسة امنية على  أماكن الدراسة باسم اتحاد الطلبة والأمن الجامعي، وعلى نفس المنوال سارت تجربة الإخوان المسلمين في مصر في زمن السادات، حيث اعطى الأخير أي السادات، الضوء الأخضر الى الإخوان المسلمين، لقمع الطلبة التقدميين والاشتراكيين في الجامعات، وقد تعرضت عدة جامعات مثل أسيوط والقاهرة وغيرها الى هجمات من قبل عصابات الأخوان المسلمين في وضح النهار، وتحت أعين السلطة وغض النظر عن كل الممارسات الوحشية التي قادتها جماعات الإخوان.
وفي التجربة الطلابية في فرنسا توضح أيضا كيف لعبت الحركة الطلابية دورا في المجتمع الفرنسي وأصبحت ملهمة للطلبة على صعيد العام في مايس ١٩٦٨، وقد استطاعت الحركة الطلابية التي اجتاحت الجامعات ومواجهات عنيفة بينها وبين الشرطة الى جر المجتمع برمته، فتضامنت الاتحادات العمالية مع الطلبة وحركتهم، حيث اعلن عن إضراب ١٣ مليون عامل في فرنسا، كما انضمت الى الاضرابات والاحتجاجات آلاف من النساء، لقد غيرت حركة الاحتجاجات التي سميت مايو ١٩٦٨ وجه فرنسا، الى حد أدت الى تغيير اجتماعي كبير على صعيد تحسين أجور العمال وحقوق النساء وإطلاق الحريات، وكانت من أبرز مطالب الاحتجاجات التي فجرها الطلبة في اذار من نفس العام في( جامعة هانتير) على اثر تنظيم حركة ضد حرب الفيتنام، (إيقاف عنف وقمع الدولة، وفسح المجال لإقامة جامعة نقدية وشعبية، وإلغاء البيروقراطية، والنأي عن عمليات التضليل السياسي والنقابي، علاوة على تحرير الابداع وتحديث أشكال التعليمي)، ومن الشعارات التي رفعت ((منع الممنوع)) و((لا تعط حريتي.. سأتولى الأمر بنفسي)) و ((الانتخابات..فخ الحمقى)).
ويجمع المؤرخون والمراقبون والمشاركون في تلك الاحتجاجات من الاحياء، على ان احتجاجات مايو ١٩٦٨ أثرت بشكل عميق على المجتمع الفرنسي الحديث، بالرغم من قدرة الطبقة البرجوازية الحاكمة من احتوائها والالتفاف عليها، وهذا يفسر تصريح نيكولاي ساركوزي في بداية عهده عندما اصبح رئيسا للوزراء فرنسا، حيث قال، يجب القضاء على إرث حركة مايو ١٩٦٨.
ما نريد ان نقوله بأن الحركة الطلابية تلعب دورا حساسا وحيويا في الحركة الثورية في المجتمع، وكما شاهدنا في الحركة الطلابية التي اجتاحت الجامعات الإيرانية في ٢٠٠٩ ضد النظام الإسلامي بالرغم من كل حملات التحميق والقمع وغسل الادمغة والعقول وتنظيم التصفيات الجسدية بحق نشطاء الطلبة، كما ان نفس الحركة رفعت راسها من جديد، بعد مقتل مهسا اميني، و تلعب اليوم دورا كبيرا في عدم إفساح المجال للسلطات الإسلامية من قمع الاحتجاجات في المدن المستعرة لحد لحظة كتابة هذا الموضوع.
في العراق، كانت هناك حركة طلابية منذ عقد الاربعينات من القرن الماضي، وكانت حركة سياسية صرفة أكثر مما هي كانت حركة مطلبية، وكانت موجهة ضد الاستعمار، وقد تنافست الأحزاب السياسية في تلك الفترة على الحصول موطئ قدم داخل هذه الحركة، وكانت انتخابات اتحاد الطلبة في الجامعات العراقية، تشهد تنافسا محموما بين القوميين والبعثيين والشيوعيين، وكما اشرنا عندما استولى البعث على السلطة، تحولت الجامعات إلى ثكنات امنية، وتراقب تحركات الطلبة الاجهزة الأمنية المتمثلة باتحاد الطلبة.
حركة مطلبية أم حركة سياسية:
ان خصيصة الطلبة وحركتها لا يمكنها البقاء في إطارها المطلبي، واي كانت الأشكال التنظيمية التي تتخللها، فان المطالب بحد ذاتها تكتسب اطارا سياسيا بشكل خارج عن إرادة نشطائها وفعاليها وقادتها، فمثلا الوقوف بوجه خصخصة الجامعات التي تجري على قدم وساق وبشكل غير مباشر عبر سياسة فرض الانحطاط على التعليم الحكومي، فهي مرتبطة بسياسة الليبرالية الجديدة التي شرعها الاحتلال منذ بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال، وإهمال الأقسام الداخلية من خلال عدم تزويدها بأية خدمات، وعدم إعطاء المنح الدراسية لطلبة الأقسام الداخلية، ومحاولة فصل الذكور عن الاناث، وعملية فرض لبس معين على الطالبات، ومنع حفلات التخرج، كلها تلبس ثوبا سياسيا، ولا يمكن مواجهة تلك الممارسات دون فضح السياسات السلطة السياسية الحاكمة التي تقف ورائها، والتي بالتالي لا تعني أكثر من فرض الأسلمة على الجامعات مع سياسة الليبرالية الجديدة، أي بعبارة اخرى فرض الأسلمة والافقار على المجتمع.
وعلى الصعيد الاخر، أن طلبة الجامعات لم يقفزوا من السماء، فإن غالبيتهم هم من أبناء الطبقة العاملة والكادحة، أي أنها تتأثر بشكل مباشر بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها سلطة الإسلام السياسي، وهذا يحتم عليهم بجرهم الى التدخل في عالم السياسة، و بمعزل عن كل تفاهات وترهات الإسلام السياسي، التي تتبجح دائما وبكل وقاحة بعدم السماح بتسيس الجامعات والمعاهد، في حين هي تمارس على قدم وساق بالتدخل السياسي عبر الممارسات الانفة الذكر، مستغلة سيطرتها على السلطة السياسية.
أي بشكل اخر نقول، لا يمكن تأسيس حركة طلابية ثورية بمعزل عن التدخل السياسي، وفي نفس الوقت ان الظروف الموضوعية الاقتصادية التي تعاني منها مختلف الشرائح الاجتماعية، وخاصة الطبقة العاملة بسبب السياسات الاقتصادية للسلطة الإسلامية البرجوازية، هي الأخرى تحتم عليها ان تكون في نفس الوقت حركة مطلبية.
 أي أن أية حركة طلابية ثورية في المجتمع، تضع أمامها مطالب تحسين أوضاع الطلبة على جميع الاصعدة وسياسية في نفس الوقت، وهي مفروغا منها، فهي مترابطة بشكل موضوعي ولا يمكن الفصل بينها.
 
حركة طلابية ثورية مستقلة:
مع إسدال الستار على انتفاضة أكتوبر، وضعت جميع الأقسام الاجتماعية المشاركة في الانتفاضة، مثل العمال العقود والأجور والنساء والطلبة والشباب والعاطلين عن العمل، على طاولاتها وفي جدول أعمالها أسئلة عديدة، وهي، لماذا لم تحقق انتفاضة أكتوبر مطالبها، اين اخفقنا، وما هي الدروس التي تعلمنا منها، وما العمل؟
تكشف انتفاضة أكتوبر، أن دخول الطلبة الى الانتفاضة والانخراط في يومياتها، كانت بشكل عام مثل سائر الأقسام الاجتماعية الاخرى، ولم ترفع شعارات توضح مطالبها عدى الشعار المشتق من "نريد وطن"، وهو، ليس هناك وطن.. ليس هناك دراسة، او باللهجة العامية التي سادت في الانتفاضة "ماكو وطن.. ماكو دوام"، وهذا يوضح لنا سيادة الأفق القومي المحلي والذي يسمى بالوطني على الطلبة مثل بقية الأقسام الأخرى، او على عموم الانتفاضة، حيث تُوج الكاظمي ممثل التيار (الوطني) المدعوم من التيار الصدري والعبادي، لرئاسة الحكومة بعد الإطاحة بحكومة عبد المهدي المدعومة بشكل مباشر من قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، ومليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران.
اليوم وبعد انتفاضة أكتوبر، ما العمل، من أجل النهوض بحركة طلابية مقتدرة تساهم في رفد الحركة الثورية وتعمل على تغيير المجتمع، وعلى أقل التقدير أن تكون مستعدة في تقوية تلك الحركة.
إن السعي لخلق حركة طلابية مقتدرة ومستقلة وثورية، مرهون بالدرجة الأولى بدور الشيوعيين والماركسيين والاشتراكيين في تحقيق هذه المهمة، أي مهمة تحمل مسؤولياتهم والمهام الملقاة على عاتقهم، ودونهم أو دون دورهم من الصعب تأسيس حركة طلابية بالأفق الذي نتحدث عنه.
وكما أشرنا قبل قليل، لم يتجاوز افق الحركة الطلابية، الأفق المعادي للاستعمار في منتصف العقد المنصرم، وكانت الحركة الطلابية أسوةً بالحركات السياسية الاخرى جزء من حركة البرجوازية الوطنية الصاعدة المناهضة للاستعمار.
أي أن الحركة الطلابية على الأقل في العراق تقاسمت الأحزاب القومية والبعثية والشيوعية التقليدية النفوذ فيها، ولم يتجاوز افق الحركة الطلابية افاق تلك الأحزاب، التي كانت في المحصلة النهائية، أحزاب الطبقة البرجوازية الوطنية وتمثل تياراتها اليمينية واليسارية.
اليوم وفي العراق، توضع على عاتق الحركة الطلابية مهام عديدة منها مطلبية ومنها سياسية، بيد ان النقطة المهمة في استراتيجية هذه الحركة هو أن تكون جزء من حركة مناهضة للإسلام السياسي، وحاملة مشعل العلمانية وفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، و مدافعة شرسة عن المساواة بين المرأة والرجل، وانهاء كل اشكال التمييز الطائفي والقومي والديني والمناطقي، وتناضل دون هوادة من اجل انهاء سياسة الليبرالية الجديدة في خصخصة التعليم وافقار الطبقة العاملة والكادحين في المجتمع.
إن أولى الخطوات في هذا المضمار، هي شن حملة دعائية وسياسية في الجامعات والمعاهد حول ضرورة واهمية الحركة الطلابية في المجتمع، وتوضيحها وشرحها دون كلل وبتأني، لأكبر صف واسع من الطلبة، وشرح اهمية تأسيس اشكال تنظيمية مختلفة، وعبر كتابة المقالات وتنظيم الندوات والتجمعات، وإصدار نشرات طلابية او إيجاد صفحات طلابية على شبكات التواصل الاجتماعي، وطرح المطالب الطلابية والسياسية.
بعد ذلك، العمل على تنظيم لقاء واسع، يدعو له ممثلو تلك التنظيمات او الاشكال التنظيمية، وتضع في جدول اعمالها ضرورة التنظيم، وان يطرح منشورها المطلبي والسياسي كي تكون نقطة جذب وانخراط أكبر عدد ممكن من الطلبة في صفوفها.
وأخيرا ان شروق شمس نهوض حركة طلابية ثورية ومستقلة هي ضرورة، فرضتها تجربتنا في انتفاضة أكتوبر، وأن دور الحركة الطلابية سيساهم في دك أسس الإسلام السياسي وسلطته الميليشياتية المتعسفة، و برنامجها الاقتصادي الموافق لأجندة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الجائرة، وسيكون لها أي للحركة الطلابية، دورا حيويا الى جانب دور الحركات الثورية الأخرى مثل الحركة العمالية والنسوية، والحركات الداعية للتحرر والمساواة في بناء مستقبل أفضل لعموم جماهير العراق.
 

27
سر التزامن بين حملة التيار الصدري على المثليين، وإعصار مهسا أميني
سمير عادل
 
يسعى الصدر بعد دخوله لحالة الرهبنة على اثر هزيمته السياسية والعسكرية في المنطقة الخضراء، وإعلان انسحابه من العملية السياسية، الزحف مجددا نحو الواجهة السياسية، ولكن هذه المرة عبر رفع لواء الحرب على المثليين، مبررا زحفه بان هناك قضايا مجتمعية يجب التصدي لها.
 
أنَّ قضية المثليين لا تمثل أية درجة في سلم أولويات المجتمع العراقي- هذا اذا افترضنا جدلا، انها تهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع كما تدعي العقول العفنة-  الذي يعيش اكثر من ٣٤٪ من سكانه تحت خط الفقر، حسب الإحصائيات الرسمية الحكومية الأخيرة قبل أيام، بالرغم من اعتقادنا بأنَّ هذا الرقم هو أقل بكثير عن النسبة الحقيقية، إذ أنَّ أرقام صندوق النقد الدولي لعام ٢٠١٧ تشير إلى أنَّ نسبة من يعيشون من سكان العراق تحت خط الفقر تبلغ ٤٠٪، وهذا يعني، ومقارنة بالأوضاع الاقتصادية الحالية التي تمر بالمجتمع العراقي، بعد تخفيض العملة المحلية من قبل حكومة الكاظمي، وتداعيات وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية التي رفعت من معدلات التضخم، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وانعدام أية آفاق أمام حكومة السوداني لتوفير فرص العمل حيث بلغت نسبة البطالة اكثر من ٣١٪ حسب نفس الإحصائيات، بسبب عدم الاستقرار السياسي، ناهيك عن عمليات السرقة والنهب المنظم من قبل المليشيات التي تدير دفة المؤسسات الحكومية، وغياب الخدمات وانحطاط التعليم وتدهور الوضع الصحي والخدمات الصحية، الى جانب التغيير المناخي، الذي لا يمكن وصفه بأقل من كارثة تعصف بالعراق على الصعيد البيئي وأثرها على الثروة الزراعية والحيوانية والحياة عموما، حيث انخفاض منسوب الأنهار الى حد جفاف الأنهار مما أدى الى نفوق الأسماك والماشية في مناطق الأهوار في جنوب العراق، وعلى هامش تلك المصائب هناك قصف يومي من قبل القوات التركية والإيرانية على سكان مدن كردستان.
غرد وزير القائد لمقتدى الصدر مجددا على التويتر، بعد أن ضاقت به أمور الدنيا والسياسة، والخوف من تهميشه وعزله سياسيا بشكل نهائي، ليعلن هذه المرة بدء حربٍ على المثليين، واغرق تياره شوارع مدينة الناصرية التي تقع على بعد ٣٣٠ كلم من جنوب بغداد ببوسترات معادية للمثليين، وبتوقيع (الحوزة الناطقة- العنوان الذي كان يستخدمه ويذيل به بياناته إبّان التطهير الطائفي الذي كان يخوضه جيش المهدي التابع له، وتستعمل تسمية الناطقة نكاية بحوزة النجف -السيستاني الذي كان يصفها مقتدى الصدر حينها بالحوزة الصامتة).
وقبل حملته على المثليين بأسابيع، أصدر الصدر عبر وزير القائد أيضا، بياناً يدافع عن الإسلام وتعاليمه، ليتراجع قليلا عن خطابه الشعبوي-القومي او الوطني، الذي غرر به عدد من القوى السياسية التي تحصنت في الخندق الليبرالي والديمقراطي أبّان تواجد اتباعه في بناية البرلمان، لتعود تلك القوى من جديد بخفي حنين.
 
الفشل السياسي وانعدام الأفق عند التيار الصدري وزعيمه، والانتفاضة الجماهيرية العارمة التي تهز عرش الجمهورية الإسلامية وتدك قلاع الإسلام السياسي، وتجتاح نيرانها كل هويته الفكرية والسياسية والاجتماعية، هي وراء مساعي الصدر لاستماتته بحماية هوية الإسلام السياسي التي تعتبر حملته على المثليين ركن أساسي في استراتيجيته الجديدة.
المثليون لا حول لهم ولا قوة في العراق، وهم من أكثر الشرائح الاجتماعية التي تتعرض الى التهميش والتحقير والإهانة، وليس لديهم أي سند سياسي أو حتى اجتماعي يستندون عليه، وتحاول القوى الإسلامية والرجعية، الإبقاء على حالة المثليين بحصرها في دائرة النوازع الأخلاقية والرغبات الشخصية، وإبعاد صلتها بالعلم، معزين بالتالي، المثلية الجنسية بانحراف أخلاقي، الذي هو في الحقيقة انحراف عقول الذين لا يريدون على الأقل فتح نقاش علمي حول قضيتهم، ويجدر بالذكر أنَّ منظمة الصحة العالمية أخرجت المثلية من خانة المرض النفسي والشذوذ الجنسي منذ عام ١٩٩٠، كما أنَّ المثليين لا يختلفون عن (اللاجنسيين) الذين ليس لديهم انجذاب لأي جنس، إلا ان هؤلاء بعيدين لحد الآن عن أهداف الإسلام السياسي، أي بعبارة أخرى ان المثلية لا تتعلق برغبة الشخص واختياراته، إنَّما هي مرتبطة بمسالة بيولوجية خارجة عن خيارات البشر وإرادتهم، بيد أن القوى الإسلامية تعتز بجهلها وأميّتها وتجاهلها للحقائق العلمية لأنَّها تنال من وجودها الفكري والسياسي، الذي مصدره الأمية والجهل، وكما هو واضح في أعضاء البرلمان العراقي الحائزين على شهادات إما مزورة أو صادرة من جامعات خارج السجل العلمي العالمي وغير معترف بها.
هذه ليست المرة الأولى يتعرض التيار الصدري فيها الى المثليين، وإنَّ موقف مقتدى الصدر من المثلية لا يختلف عن مواقفه التي تعتريها التخبطات السياسية، فبعد هزيمة جيش المهدي في صولة الفرسان في ربيع عام ٢٠٠٨ على يد المالكي عندما شعل منصب رئاسة الوزراء، بدء جيش المهدي أو لنقل اتباع الصدر بتنظيم حملة على  (الايمو) متهمين إياهم بالمثليين، وخاصة في مدينة الثورة وقاموا بتهشيم رؤوس عدد من الشباب بالبلوكات الإسمنتية، وقبل ستة سنوات ادلى الصدر أي في اب من عام ٢٠١٦ بتصريحات مفادها ( عدم استخدام العنف ضد المثليين والاكتفاء بمقاطعتهم)، وقد أشادت منظمة (هيومان رايتس وتش) بموقف الصدر حول المثليين، واليوم وبعد هزيمة كل صولاته وجولاته للانفراد بالسلطة السياسية تحت يافطة تشكيل حكومة الأغلبية، واشتعال شرارة الانتفاضة في ايران ضد كل ما هو إسلامي، عاد الصدر من جديد ليعلن حملته السياسية على المثليين عبر تغريدته بأنَّه يناصب العداء للمثليين، والذي يتزامن مع تقديم مسودة قانون في البرلمان تجرم المثلية في العراق من قبل القوى الإسلامية التي تشترك بهوية فكرية وسياسية واجتماعية واحدة مع التيار الصدري.
ان التيار الصدري وعموم تيارات الإسلام السياسي في العراق وفي المنطقة بل وحتى العالم تعيش احلك أيامها إزاء ما يحدث في ايران، ويحاول التيار الصدري إعادة إنتاج وجوده، من خلال إعادة إنتاج عناصر الأسلمة في المجتمع، من خلال العداء لأكثر الشرائح الاجتماعية تهميشا وضعفا في المجتمع، لأنه فشل في مقارعة منافسيه على السلطة والذين يملكون السلاح وعناصر اكثر من المليشيات، بينما المثليين ليس لديهم مليشيات مثل عصائب اهل الحق والخرساني وحزب الله وبدر والقائمة تطول في عراق المليشيات، وتُعدّ ومن جهة أخرى بالنسبة للتيار الصدري فرصة للعودة الى المشهد السياسي، والحفاظ على ماء وجهه بعد فشله بتقويض نفوذ اخوته التوائم في بيته الشيعي، وانزواء تياره، اثر تشكيل حكومة السوداني رغما على إرادته.
إنَّ أقل ما يقال عن الصدر والبرلمان العراقي انهم حقا يستحقون الشفقة، وإنّهم لا يحسدون على حالهم بسبب ما يحدث في إيران، فإعصار (مهسا اميني) بعد ضربه لإيران، فإن وجهته الجديدة ستكون العراق وكما ستضرب بقوة المنطقة و حتى العالم.
وفي واقع الحال فإنَّه ليس أمام الإسلام السياسي سوى خيارين أمّا تخفيض راسه أمام ذلك الإعصار حتى انكسار رقابه، أو مقاومة التغيير كما يفعل الصدر وعائلته الطائفية في بيت الإسلام السياسي الشيعي في البرلمان، وكل ذلك دون جدوى.
 

28
مساعي لعسكرة الانتفاضة في إيران
ومسؤوليتنا لإفشالها
سمير عادل
 
ليس امام المسؤولين في إيران لمواجهة الانتفاضة الجماهيرية التي تعم معظم المدن الإيرانية، والحيلولة دون تحولها الى ثورة تقلع النظام الإسلامي من الجذور، سوى سيناريو واحد، الا وهو عسكرة الانتفاضة، بعد فشل كل اليات القمع التي تستخدمها بكل وحشية سافرة.
ومن هذه الزاوية يجب النظر الى القصف المتواصل من قبل القوات الإيرانية على قرى ومدن كردستان العراق، بحجة وجود جماعات مسلحة ومدعومة من إسرائيل وامريكا، اضافة الى محاولات النظام الإسلامي في ايران لتقديم شكوى الى مجلس الأمن قبل أيام يطالب فيها بإدانة الجماعات المسلحة القومية الكردية والوقوف بوجهها، بذريعة تورطها بالقيام بعمليات ارهابية في ايران، وانها تقف خلف الاحتجاجات، وما هذه المحاولات سوى جزء من استراتيجية قمع الانتفاضة، عبر خلط الأوراق، والعمل دون اتساع حجم التضامن العالمي مع نضالات جماهير ايران من اجل الحرية والمساواة، وبموازاة ذلك وفي نفس السياق أيضا، ان الإعلان عن رفع تخصيب اليورانيوم الى ٦٠٪ وبغض النظر عن صدقيته (حيث شكك به البيت الأبيض) ورفع التصعيد مع الوكالة الطاقة الذرية، هو عملية أخرى لتحريف الأنظار وخاصة الاعلام العالمي عن ما يدور في ايران، للانفراد بممارسة القمع دون وصول اصدائها الى العالم.
 
بمعنى اخر ان النظام الإسلامي في إيران يحاول إعادة إنتاج سيناريو سورية، لخلق الذرائع والارضية المناسبة لعسكرة المجتمع وبالتالي كي تسنح الفرصة لها لقمع الانتفاضة، ولا يهمه حجم الخسائر البشرية وعدد القتلى في صفوف جماهير إيران، لكن المهمة الاصلية هو الاحتفاظ بالسلطة.
 
بوصلة السياسة الغربية والانتفاضة:
 
ان بوصلة السياسة الغربية، لا تشير لحد الان الى دعم اسقاط النظام الإسلامي في ايران، حيث ان  كل العقوبات التي صدرت سواء من الإدارة الأمريكية او من الاتحاد الأوربي، او اصدار قرار تشكيل لجنة تقصي الحقائق من قبل مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تصب في اتجاهين متعاكسين، الأول محاولة ابتزاز النظام الإسلامي وجره للتوقيع على الاتفاقية النووية وتقليم أظافره في المنطقة وتقويض نفوذه، أما الاتجاه الآخر هو  رسم خط رجعة له، في حال تحولت الانتفاضة في إيران إلى ثورة  تنهي وجود النظام الاسلامي، ويسمح له بالتدخل في رسم سيناريو لتشكيل سلطة موالية لها تحت عنوان الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
 
وفي كلا الحالتين لا تتجاوز السياسة الغربية دائرة الانتهازية، ولا تهمها مصالح جماهير إيران بنيلها الحرية والمساواة والكرامة والتخلص من كابوس الجمهورية الإسلامية ووحوشها الكاسرة، وتبين التجارب التاريخية وخاصة مع السياسة الامريكية واقعية ما نشير اليه، وأقرب مثال لنا هو تسليم أفغانستان الى طالبان على طبق من ذهب، او تعويم الأحزاب الإسلامية في العراق بعد احتلاله ووضعها على دفة السلطة السياسية.
 
بشكل آخر نقول، أن السياسة الغربية وتدخلها بأشكال مختلفة، لا تخدم الانتفاضة في إيران ولا تدعم نضال الجماهير، بل ان تلك السياسة من شأنها أن تطلق ايادي وحوش الجمهورية الإسلامية للتنكيل المطلق، وتحت يافطتها المهترئة مثل تدخلات الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية والشيطان الأكبر.. الخ من تلك الترهات، مثلما بينتها أبواق المأجورين فيما يسمى بـ “المقاومة والممانعة"، تتحدث بأن الغرب يحاول منذ الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه بأسقاط الجمهورية الإسلامية، متناسين بكل صلافة ووقاحة، هو ان الغرب نفسه الذي أوصل الخميني الى السلطة وعلى متن الخطوط الجوية الفرنسية ليحط في طهران، وحوله الى نجم في سماء الثورة لمواجهة مد اليسار العمالي والاشتراكي في ثورة ١٩٧٩.
إذا أراد الغرب المتمثل بالإدارة الامريكية والاتحاد الأوربي تقديم أي شكل للعون لجماهير إيران ونضالاتها الجسورة، عليه بالكف عن التدخل في شؤون إيران، فالجماهير لم تنتظر صافرة الانطلاق من الغرب لبدء الانتفاضة، ونساء إيران لم تنتظر ايعازا من الغرب لترفع شعار (المرأة-الحياة-الحرية) وتجر كل المجتمع إليها.
 
وفي هذا المضمار أن التدخل الغربي في شؤون الانتفاضة، من الممكن ان يشارك أيضا في اعادة انتاج سيناريو سورية في إيران، والذي كان طرفا فعالا ونشطاً على الصعيد السياسي والدعائي والدعم العسكري لكل العصابات الإسلامية وغيرها في سورية. أي ليس ببعيد عندما  يحين النظام الإسلامي في إيران الى السقوط وتهرع حلفاء إيران مثل روسيا والصين بالتدخل لإنقاذ النظام، يلجا الغرب أيضا بنفس السياسة التي قامت فيها في سورية، أي أن كل الاحتمالات قائمة وحاضرة في ذهن صناع السياسة الغربية في المنطقة.
 
على الصعيد الاخر حاولت الأحزاب القومية الكردية الإيرانية، ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة بٌعيْدَ قتل مهسا اميني، إضفاء الطابع القومي على الانتفاضة، وتأطير الانتفاضة بأطار قومي، وتعريف (مهسا اميني) بأنها مناضلة كردية من مدينة (سقز) الواقعة في كردستان إيران، إلا ان الانتفاضة وروحها كانت أكبر من مخططات وامنيات واحلام الأحزاب القومية، لتصل الى جميع المحافظات والمدن الإيرانية، ويرفع الشعار المذكور (المرأة-الحياة-الحرية) لتلتف حوله كل جماهير إيران .
 
ان هذه الأحزاب القومية، لن تتورع هي الأخرى التي فشلت لحد الآن بإيجاد موطأ قدم لها في الانتفاضة، كما هو حال القوميين الاخرين الفرس او الموالين لشاه، هذه الجماعات القومية الكردية لن تتردد هي الأخرى عن  عسكرة الانتفاضة، وان أي سيناريو اسود للوضع السياسي في إيران من صالحها وتستمد وجودها من تلك الأوضاع.
 
ان كل أعمال هذه الجماعات واستراتيجيتها السياسية تصب بالفصل بين نضال جماهير كردستان ونضال جماهير إيران، فهي تجد سهم لها في مستقبل التحولات السياسية في إيران ومعادلة السلطة في الصراعات القومية، وليس من صالحها أي نضال موحد لجماهير إيران، كما هو الحال في العراق وعمليته السياسية المقيتة.
 
إن إحدى الخصائص المميزة والبارزة في الاحتجاجات الإيرانية، هي الجسارة الثورية، الى جانب نزعتها التحررية والتقدمية وتجاوزها لكل النزعات القومية والمحلية والمناطقية، وفضلا على ذلك سيادة روح التضامن بين جماهير ايران والشرائح الاجتماعية المختلفة، فلقد تضامنت الجماهير في عشرات المناطق والمحلات في طهران علاوة على المدن الأخرى مع جماهير مهاباد التي طوقها الباسدران ورجال الأمن ونكلوا بها، وان التفاف جماهير ايران حول الشعار (المرأة-الحياة-الحرية) مع شعار الموت لخامنئي، الموت للديكتاتور، هو تأكيد على عدم قدرة القوى القومية في دك اسفين او فصل نضال  جماهير احواز عن كردستان عن بلوشستان عن طهران واصفهان عن مشهد حتى عن قم قلعة الملالي وعمائهم العفنة.
هذه الخصائص ترعب القوى القومية المحلية في إيران، وتنال من السياسة الغربية التي تحاول ان تكون محافظة وحتى رجعية، وتبطل فتيلها، وهي أي تلك الخصائص، بقدر ما هي نقطة قوة لصالح افشال كل مخططات عسكرة الانتفاضة، بنفس القدر ترعب كل القوى سواء النظام الإسلامي او القومية او السياسة الغربية لوأد الثورة في إيران.
 
ان انتصار الانتفاضة في إيران عبر تحولها الى ثورة تحررية بالمعنى المطلق، تقلع كل جذور الجمهورية الإسلامية، مرهون ليس بوعي جماهير إيران للأخطار المحدقة بها، مثل عسكرتها وفصل افاقها عن سياسات تلك القوى المذكورة فحسب، بل أيضا مرهون بنا، بتقوية التضامن معها، وفضح السياسة الغربية ومكائدها، وممارسة الضغط السياسي والدعائي على القوى القومية في إيران، وجر جماهير العراق والمنطقة العربية الى تقديم كل اشكال الدعم لها.
 
للأسف الى حد هذه اللحظة، لم يرتق دعم الانتفاضة الى ايران في منطقتنا الى مستوى يمكن يشكل ضغط إعلاميا وسياسيا حتى على ذيول النظام الإسلامي في العراق والمنطقة، والتي تشير تقارير، بأن مليشيات عراقية مثل عصائب اهل الحق وحزب الله اللبناني وغيرها، بدأت بأرسال عناصرها لقمع الانتفاضة في ايران.
ان الغالبية العظمى من المنظمات والاتحادات العمالية والأحزاب والقوى السياسية في العراق والمنطقة العربية تقف الى الان موقف المتفرج مما يدور في ايران، وكأن الذين يذبحون في ايران لا يمتون بصلة إنسانية او طبقية بهم.
ان النظام الإسلامي في ايران لديه حلفاء بدأوا ينزلون الى الساحة لنجدته، فسقوط النظام الإسلامي سيقلب المعادلة السياسية لا على صعيد ايران والمنطقة بل على صعيد العالم، وسيعود الإسلام السياسي وجلاوزته ووحوشه صاغرين الى الكهوف خلف التاريخ، وهذا ما تتخشاه ذيول ايران في المنطقة، بيد ان جماهير ايران ليس لديها حلفاء، للانتصار على اكبر قوة وحشية جاءت عبر التاريخ، سوى الجماهير التي فجرت انتفاضة أكتوبر في العراق والثورتين المصرية والتونسية والسودانية، والسترات الصفر والقوى التحررية والإنسانية في العالم.
ان التخلص من كابوس الإسلام السياسي هو نقطة على طريق الأمان والحرية والمساواة، ليس لجماهير ايران فحسب بل لجماهير المنطقة وحتى العالم برمته، فعلينا ان نعي معنى التضامن مع الانتفاضة في ايران وانتصارها النهائي، وهو احدى الوسائل  للوقوف بوجه تلك الذيول التي تسعى لعسكرة الانتفاضة مع القوى الامنية وقمعها.
 
 

29
حكومة السوداني والانتقام من أعداء الإسلام السياسي الشيعي
سمير عادل
 
حكومة الأغلبية ليس في صالح المحاصصة الطائفية والقومية السياسية، أي ليس في صالح جميع القوى السياسية المتواجدة في العملية السياسية، وخاصة عندما تحولت مقولة "المكونات" الى مقدس في الأدبيات السياسية للطبقة الحاكمة في العراق، وتكتسب معطى سياسي مادي حسب توازن القوى في المعادلة السياسية، وعلى سبيل المثال، لو لم يحصل التيار الصدري على اغلبية المقاعد في الانتخابات الأخيرة لعام ٢٠٢٢، فكان الان يحتل موقع في الركب المؤمن في المحاصصة، أسوة ببقية الانتخابات السابقة، ولتحول الى رافع مشعل المكون الأكبر (الشيعي)، كما هو الوضع الان في حالة المالكي وتحالف المليشيات الموالي لولاية الفقيه.
وكما تعودنا على مشاهد دراما الوضع السياسي العراق، فأن اكثر المشاهد الدرامية هي ان الخاسرين في الانتخابات- بغض النظر عن نزاهتها ومهزلتها- يشكلون حكومة، وهذا يعني ان "الديمقراطية" بلغت من النضج عندنا، لا يمكن مقارنتها مع اية دولة ديمقراطية عريقة مثل بريطانيا او الولايات المتحدة الامريكية، فالفائزون في الانتخابات يحترمون الخاسرين، ويشكرونهم على المشاركة في الانتخابات، ويقفون اجلالا لهم، ويمنحون لهم حق تشكيل الحكومة، لانهم كما يقول المثل؛ ليس المهم الفوز انما روح المشاركة، وهكذا تقديرا لمشاركتهم بالانتخابات منحوا حق تشكيل الحكومة، أليست هذه الديمقراطية فريدة من نوعها!
 ويا ليت تقف ديمقراطيتنا عند هذه الحدود، بل ان من شطبت عليه انتفاضة أكتوبر، ووضعت علامة ضرب على صورته، وقالت الجماهير عنه انه ممثل القتلة والفاسدين، وهو الرئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني، يعود اليوم كي يتوج رئيسا للوزراء.
أي ان الخاسرين في الانتخابات يشكلون الحكومة، والمرفوض من قبل الجماهير يترأس تلك الحكومة، هل هناك مشهد سياسي درامي اكثر مما نشاهده في العراق.
وعندما تكون مرشح لرئيس الوزراء، من قبل جهة سمي بالطرف الثالث، الذي ما زالت يديه ملطخة بدماء المئات من شباب انتفاضة أكتوبر، والى الان طليقة، وعندما يدافع عنك ممثل الطرف الثالث مثل نوري المالكي بشكل شرس كي تتسلم سدة الحكم، فلا يحتاج المرء، لا الخبرة ولا الذكاء، ولا يحتاج ان يكتب تحت اسمه في حوارات الفضائيات رئيس مركز دراسات ما، ولا بحاجة انتحال صفة "دكتور" التي في أغلب الأحيان اما دمج* او حواسم**، نقول لا يحتاج الى كل تلك الشهادات والألقاب كي يعرف ان حكومتك القادمة لن تقل سوءا من سابقتها. 
مسألتان في سلم أولويات حكومة السوداني التي ستعلن عن تشكيلها خلال الأيام القليلة القادمة، الأولى توزيع المناصب الاستراتيجية لاسترداد زمام المبادرة السياسية من قبل التيار الموالي لإيران، او تيار الإسلام السياسي الشيعي، والثاني هو الاستعداد لترسيخ الاستبداد وتصفية الحساب مع انتفاضة أكتوبر التي مازالت هناك القليل من الجمرة مشتعلة تحت رماد الانتفاضة. 
وما يحدث اليوم في البصرة من ملاحقة قضائية لفعالي ونشطاء انتفاضة أكتوبر، بذريعة حرق مقرات المليشيات الإسلامية الموالية لإيران مثل ثار الله و العصائب وغيرها، وتتزامن مع تشكيل حكومة السوداني، حيث تمثل معطيات مادية على ان المليشيات التابعة للأحزاب والقوى الإسلامية الموالية لإيران تعيد ترتيب بيتها الذي تهاوى بفعل ضربات انتفاضة أكتوبر، والإعداد للمرحلة القادمة، بدءا من مدينة البصرة، لقربها من ايران وتمويلها لمافيا المليشيات التابعة لإيران عبر عمليات تهريب النفط، ومركز حيويا واستراتيجيا لنقطة انطلاق وتمركز المخابرات الإيرانية وتغلغلها في العراق، فمحافظة البصرة تغذي ٩٠٪ من اقتصاد العراق.
الا ان الطريق ليس سالكا أمام حكومة السوداني ولا إمام داعميها، فهناك عوامل تلعب دورها في عدم تحقيق اجندة جناح ايران الذي يمثله المالكي، وهي عدم الانسجام السياسي للطبقة الحاكمة، فكل واحدة من الاجنحة التي تساهم في تشكيل الحكومة لها برنامجها الخاص سواءً المحلية او المرتبطة بمصالح الدول الإقليمية، وثانيا الاحتجاجات التي تضرب جذور السلطة الحاكمة في ايران و ستجد صداها في العراق في القريب العاجل، وثالثا تربص التيار الصدري للانقضاض على الحكومة في فترة أقصاها ثلاثة أشهر- بعد أن يلملم صفوفه اثر الحماقات السياسية التي ارتكبتها- بحجة الثورة ضد الفساد والفاسدين، وأنهم أي التيار الصدري أعطوا فرصة للقوى السياسية الأخرى كي لا يكونوا حجر عثرة في استقرار العراق، ورابعا أن الاحتجاجات الجماهيرية سيشتد ساعدها ضد الفقر والعوز والبطالة والفساد الذي اشعل فتيل شرارة انتفاضة أكتوبر،  حيث ان حكومة السوداني لا شيء في جعبتها كي تقدمه، واكثر ما تستطيع المناورة به لامتصاص امتعاض الجماهير وغضبها من اختيار شخص السوداني رئيسا للوزراء، هو إعادة رفع قيمة العملة المحلية امام الدولار او اعادتها الى سابق عهدها، مستفيدة من الفائض في الميزانية الذي بلغ أكثر من ٧٠ مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط، بيد ان هذه المناورة ترتطم بسياسات صندوق النقد الدولي، فمدى إمكانية حكومة السوداني مواجهتها؟
محمد شياع السوداني لن يكون اكثر من رأس لا حول له ولا قوة، لحكومة يقف ورائها صف من اللصوص والقتلة والفاسدين، ولن يكٌن افضل من حكومة الكاظمي التي أصمت آذاننا وأعمت عيوننا بقرع طبولها الإعلامية في القضاء على الفساد ومحاكمة قتلة المتظاهرين عبر اللجان التحقيقية الوهمية التي شكلها، وكل ما وعد به السوداني، في محاربة الفقر والفساد، يدحضه الصراع الذي حدث في ما يسمى بالبيت الشيعي، وتحديدا بين جناح المالكي وجناح العامري على وزارة النفط والداخلية والمالية، فالصراع المذكور يكشف على انه صراع على اقتسام المغانم في حكومة السوداني، وآلة القمع المتمثلة بالداخلية لترسيخ كل واحد منهم لسلطته.
المهم في كل هذه اللوحة، ان الأيام القادمة لن تكون أفضل من سابقتها إذا لم نقل اسوء، وأكثر ما ترعب هذه القوى هو بماذا تخبئ الجماهير لها في العراق، صحيح ان الإسلام السياسي الشيعي الجناح الموالي لإيران استرد زمام المبادرة من جديد، واستطاع بمعية الكاظمي والتيار الصدري من الانقضاض على الانتفاضة، ولكن الصحيح أيضا ان عاصفة ثورية هبت في ايران، وباتت تعصف بقلاع الإسلام السياسي في قم-طهران، وستجتاح الحدود العراقية وحدود كل المنطقة اجلا او عاجلا، فهل يختار عملائهم في العراق مسك قبعاتهم او الاختباء عند الحائط؟ وفي كلا الحالتين لن يفيدهم بشيء.
 
 
*قرار دمج مليشيات بدر وغيرها التي قدمت من ايران بعد الاحتلال بالجيش ومنح لهم رتب عسكرية.
** استيلاء الأحزاب والقوى التي جاءت على يد الاحتلال على مباني ومؤسسات الدولة.

30
الانتفاضة في إيران وسياسة الغرب
سمير عادل
ان الخامنئي يعرف أكثر من غيره ان الاحتجاجات التي تجتاح المدن الإيرانية ليست لها علاقة بأمريكا وإسرائيل، كما يدعي بأنهما يقفان ورائها، وكلا الطرفين سواءً الطبقة السياسية في طهران او الطبقة السياسية الحاكمة في أمريكا وإسرائيل، بحاجة الى بعضهما، لإعادة انتاج الابتزاز السياسي والاقتصادي لبلدان المنطقة كتحصيل حاصل في صراعهم على النفوذ.
لا جديد في الامر، اذ قلنا سابقاً أن أمريكا وحلفائها الغربيين يمتهنون النفاق السياسي بحرفية عالية، فمقارنة بين ما فعلوه في أيام الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ وبين ما يحدث اليوم، كشف عن وجه سياستها المنافقة، اما الجديد فهو انهم يراهنون دائما على ضعف الذاكرة او على (نعمة النسيان) كما في عنوان اغنية المطربة ( ميادة حناوي) ، وبهذه المناسبة نود الإشارة الى ان تحول الإسلام السياسي الى غول يجثم على صدور الجماهير في بلدان الشرق الاوسط هو بفضل سياسات الأنظمة الغربية، وما تصدر من مواقف من البيت الابيض وقصر اليزيه وداون ستريت وبروكسل في دعمها للاحتجاجات العظيمة التي تجتاح مدن ايران، فهو ليس الا نفاق سياسي محض ومحاولة فاشلة لغسل ذنوبها وتبرئة نفسها من هذا النظام المستبد والرجعي والاجرامي.
عندما كان العالم خارج الانترنيت في عام ١٩٧٩،  كانت إذاعات (مونتي كارلو) و(صوت أمريكا) و(بي بي سي) تذيع خطب الخميني الى الشعب الايراني، وكانت رحلة من رحلات الخطوط الجوية الفرنسية توظب اغراضها لتحط في طهران، وينزل من على متنها الشخص الذي صنعه الإعلام الغربي، وسوّقه الى الثورة ليتم تعويمه بعد ذلك، ووكلت إليه وظيفة وأد النزعة العمالية واليسارية والتحررية، والمعادية للإمبريالية السائدة على الثورة الايرانية، لقد حول العالم الغربي و بسياسات جهنمية ومخطط لها ، شخص مثل الخميني الى قائد للثورة الإيرانية،  والحق يقال كانت عملية ناجحة في اختطاف سافر للثورة وفي وضح النهار. كما  فعل الساسة الغربيون أنفسهم تجاه الثورتين المصرية والتونسية عام ٢٠١١، حيث قاموا بشكل فعال في تعبيد الطريق امام جماعة (الإخوان المسلمين) للالتفاف على الثورة وتفريغها من محتواها ودعمها سياسيا وماليا لوصولها الى السلطة- تقديم ادارة أوباما ٣٠٠ مليون دولار لدعم انتخاب محمد مرسي- على سبيل المثال وليس الحصر، او في افضل الأحوال مقايضة الجماهير أمنها وسلامتها في مقابل استمرار الفقر والسلب والنهب وسلب الحريات وامتهان الكرامة الانسانية او فتح الاقفاص لإطلاق الوحوش الكاسرة من الجماعات الإسلامية لنشر الفوضى والحرب الاهلية والعبث بحياة الناس ووضع مستقبلهم في مصير مجهول  كما حدث في سورية والعراق وليبيا واليمن.
ان الغرب عموما والولايات المتحدة الامريكية خاصة، ليس هدفها ولا سياستها الحالية اسقاط النظام في ايران، ولم تكن تدعم يوما أية انتفاضات من أجل الحرية والمساواة في أي مكان في العالم، فهي تجد في احتجاجات ايران سوقا لتسويق بضاعتها وتجديد إنتاج مفاهيم "حقوق الإنسان"، وهي ادواتها الايديولوجية في صراعها مع الأقطاب المنافسة لها او التي لا تدور في فلكها مثل روسيا والصين والدول التي تستند عليهما، وإيجاد المبررات للتدخل في شؤونها لابتزازها سياسيا واقتصاديا، وهذا ما يحدث اليوم بالضبط في ايران، فإعلان العقوبات على وزارة الداخلية وشرطة الأخلاق ومسؤولين إيرانيين من قبل الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا وامريكا، هو محض هراء ولا يغير أي شيء من السياسات القمعية لنظام الملالي في ايران، بل ان العقوبات على المسؤولين الإيرانيين ، بقدر ما هو ضحك على الذقون، هو بنفس القدر تحريك للمياه الآسنة التي تطفو عليها مفاهيم "حقوق الإنسان"، ونشدد على (حقوق الإنسان) لأنها المقولة او اليافطة التي تحتها تتدخل أمريكا وحلفائها في شؤون العالم وتعمل على تغيير أنظمتها السياسية إذا ما حاولت الدوران خارج فلكها.
ان مشكلة الغرب مع النظام الملالي في إيران ليست حقوق الانسان، ولا الماكنة القمعية للأخيرة التي تطحن المنتفضين، ولا لأنها تقمع النساء، ان مشكلته هي مع الطموح السياسي والاقتصادي الذي تمتلكه الطبقة السياسية الحاكمة في إيران المتمثلة بالملالي، لإيجاد موقع لها في المنطقة والاعتراف بحضورها السياسي والقبول باقتسام النفوذ مع الأقطاب الإقليمية الأخرى مثل السعودية والامارات وتركيا وإسرائيل.
 ان الغرب لم ولن يدعم أي قوة تحررية وثورية وعلمانية في الشرق، فهو من صنع الإسلام السياسي، وإذا ما أقدم على أعادته الى عمق التاريخ، أي اذا ذهبت ابعد من سياسته الحالية في اسقاط الجمهورية الإسلامية، فهو بمثابة من يطلق النار على قدميه، فالدين في الشرق كان ابدا سلاحا ماضيا بيد الغرب يستخدمه في صراعه مع أية قوة ثورية وتحررية تحاول الإفلات من قبضته، وسعيها الى دك معاقل شركاته ومصالحه الاقتصادية والسياسية، وقد افشى المستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبغنيو برجنسكي السر الى صحيفة روسية بعيد احتلال العراق عام ٢٠٠٣، اذ قال ان من مصلحة أمريكا أن تصل الأحزاب الإسلامية الى السلطة في العراق.
ما نريد ان نقوله هو انه من الوهم كل الوهم، انتظار الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بتشدقها حول حقوق الانسان، وأنها ستدعم تغيير كبير في إيران، الا إذا كان ذلك التغيير يحقق مصالحها، مثلما حدث بما سمتها بالثورات الملونة في البلدان التي كانت منضوية في الكتلة الشرقية في نهاية القرن المنصرم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. 
 انها أي الولايات المتحدة الامريكية تريد ابتزاز نظام الملالي وترويضه ليس أكثر، فسقوط الجمهورية الإسلامية يعني وصول دويها الى اقصى بقاع العالم، وستتغير كل المعادلات السياسية والتوازنات الدولية في النظام الرأسمالي العالمي الذي يئن بسبب حرب الطاقة إثر تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا الى جانب أزمته البنيوية. انها وبريطانيا وفرنسا من صنعت نجما سمته الخميني ليقف سدا منيعا بوجه اليسار والاشتراكية والشيوعية في إيران، وسيبقي هذا النظام الجائر يجثم على الافئدة طالما لا يشكل نظام الملالي في إيران خطرا سياسيا وأيديولوجيا عليها.
 ان قلع جذور الإسلام السياسي مرهون بنضالنا، سواءً في إيران اوفي العراق أو في عموم المنطقة، انه مرهون بنضال كل التحررين والثوريين. لقد آن الأوان لنُعِد العدة لكنس الإسلام السياسي وإنهاء تطاولاته على النساء والعمال والموظفين، لقد رفعت نساء إيران مشعل التغيير، وها هم طلبة الجامعات والاعداديات، اضافة وعمال البتروكيمياويات والنفط والمئات الاف من الجماهير في المدن يلتحقون بها.
 لقد أزفت ساعة أفول الإسلام السياسي.
 

31
تداعيات شعار (المرأة، الحياة، الحرية)
على الإسلام السياسي
سمير عادل
 
المرأة-الحياة-الحرية، يكاد أن يكون الشعار المحوري او المركزي  أو يتصدر الشعارات المرفوعة في الانتفاضة التي اشعلتها النساء في ايران احتجاجا على موت مهسا اميني تحت تعذيب ما يسمى (شرطة اللاأخلاقية) التابعة للجمهورية الإسلامية.
في كل كلمة من كلمات الشعار (المرأة، الحياة، الحرية) تُنسف فلسفة وجود الإسلام السياسي كنظام قروسطي، ومنظومة فكرية وسياسية واخلاقية واجتماعية.
ويكتسب الشعار أعلاه مكانة أكثر أهمية في عالمنا المصنف بالعربي لابتلائه بالإسلام السياسي بكل مفاهيمه وترهاته وخزعبلاته وجرائمه وتحقيره للإنسان وماهية وجوده، فتلك المنظومة قائمة على تخليد الحط من قيمة المرأة، وتحت مبررات سخيفة وواهية للإثبات ضحالة تنظيراتها، فهي تصور بأن الرجل المسلم يسخر كل حياته ويبرر وجوده الفيزيقي ورسالته الدنيوية في اشباع رغباته الجنسية، كما تضيف اليها بأن الرجل عبارة عن عضو ذكري، لا شغل له ولا شاغل سوى الفوز بامرأة تشبع رغباته مشروطة بأن تكون ملفوفة من قمة راسها حتى اخمص قدميها لتحقيق هدفين، الأول حق التملك او حيازته للمرأة، والثاني للحيلولة دون اثارة الرغبة الجنسية واشعالها في المجتمع من الممكن الاستحواذ عليها من قبل رجل ليس لديه وثيقة الحيازة. ولا تنتهي رسالة الرجل المسلم عند هذا الحد، بل "المناضلين" منهم يفجرون انفسهم او يقومون بأية عملية إرهابية من اجل الفوز بالحوريات في الآخرة -انظر (الميثولوجية الجنسية في الإسلام-الحوار المتمدن وغيرها).
فأذن كما تحدثنا سابقا وفي مناسبات أخرى، ان تقديس دونية المرأة جزء من هوية الإسلام السياسي، وبأعلاء قيمة المرأة كما في الشعار المذكور هو تمزيق لتلك الهوية.
اما كلمة الحياة، فهي الرد على احتقار الانسان وقيمته في فلسفة وفكر الاسلام السياسي، سواءً أكان شيعيا او سنيا، فلا يأتي الانسان الى هذا العالم في فقه وفلسفة وفكر الإسلام السياسي، الا ان يمارس دوره كعبد مطيع له اله في السماء، و ممثلون له في الأرض، وأولئك الممثلون هم ثلة ممن يسمون انفسهم برجال الدين، ويميزون انفسهم عن بقية افراد المجتمع، بعمامة بيضاء او سوداء حسب المنزلة الدينية والأصل والنسب، ونصبوا انفسهم أولياء على البشر "العبيد" الذين عليهم السمع والطاعة، ومهمتهم أي العبيد العمل على تدوير عجلة الإنتاج الاقتصادي كي تدر أموالا تنفخ جيوب أولئك الطفيليين من رجال الدين، ممثلو اكثر التيارات البرجوازية انحطاطا وتخلفا في جميع المستويات والميادين، وتوكل اليهم مهمة  اعداد "العبيد" حسب حاجة السوق المحلية وتمدده عبر الحدود القومية، من خلال نشر الحماقة والجهل ونفث السموم الطائفية والدينية في عقولهم، وزجهم كوقود في محرقة صراعهم على السلطة مع الاجنحة السياسية المختلفة، وكل ذلك من اجل تطبيق شرع الله او حكمه على الأرض كما يدعون والقضاء على الفساد بكل انواعه، وهم اكثر الجماعات التي عاثت فسادا في العالم بسرقتهم ونهبهم واغتيالاتهم ودجلهم وفتاويهم، والنموذج العراقي الذي عشنا فصوله ما زال جاريا، اما النموذج الإيراني قلعة الإسلام السياسي، فهو القاعدة الأرضية لانطلاق كل الجماعات الإرهابية من المليشيات الشيعية والقاعدة واخواتها لفرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية على البلدان التي تجد البرجوازية الايرانية أرضية وفرصة بالاستثمار فيها عبر شرع الله وحكمه، وتحت ستار المقاومة والممانعة.
أما مقولة (الحرية) فلا مكان لها في عرف الإسلام السياسي، فبقدر ما هو عدو للإنسان وتحقير حياته، بنفس القدر الاسلام السياسي هو عدو للحرية بالمعنى المطلق.
وهي الحرية اكثر المقولات او الكلمات التي ترعب الاسلام السياسي، حيث تعني دحض كل خرافاته وترهاته الفكرية والسياسية وتنظيراته الفلسفية دون أي عناء او حتى أنفاق سعرة واحدة من الجهد الفكري. ولذلك نجد مقولات مثل الإعدام والرجم بالحجارة والجلد والذبح والتصفية الجسدية والاغتيال وتهشيم الجمجمة مثلما حدث لمهسا امييني تحتل حيزا واسعا في قاموس فقه وفلسفة وتاريخ وفكر الإسلام السياسي، اما الحرية فهي بدعة غريبة عن المنظومة الإسلامية وهي غربية المنشأ وتم تصديره الى الشرق من قبل الاستعمار لغزوها.
 
و بتسلسل منطقي للشعار (المرأة-الحياة-الحرية)، يستنتج المرء بأنه المعول الذي يهدم كل اركان الإسلام السياسي وينسف جبروته و الحقانية المزيفة باسم الاله او الرب الذي فرضه بالحديد والنار على المجتمع، فتخيل عندما تجد في أي مكان او أية زاوية في العالم، تتمتع فيها المرأة بشكل مطلق بالحقوق المتساوية مع الرجل، لتلمس بالتالي درجة رقي المجتمع على صعيد حقوق الانسان والحريات الإنسانية، وتشعر بمعنى (الحياة) التي يحاول الإسلام السياسي سلبها من البشر.
يخبرنا علماء البيئة، عندما تجد النحل في اية مكان، فهذه دلالات على عدم تلوث الهواء او البيئة التي يعيش فيها النحل. أي بعبارة أخرى عندما تجد المرأة حرة في أي مكان ومتساوية بالحقوق الإنسانية مع الرجل، فنجد لا مكان للإسلام السياسي ومنظومته الفكرية والسياسية في نفس المكان او بالكاد يجر أنفاسه.
وأخيرا نقول ان نضال المرأة في ايران ليس نضالا محليا، انه يكتسب بعدا عالميا، فحقوق المرأة ليس حقوق نسبية، كما روج لها الغرب، عندما حاول ان يغض الطرف عن كل جرائم الإسلام السياسي في ايران وعموم الشرق الأوسط وحتى بين صفوف الجاليات الشرق الاوسطية في عقر دارها، وبأن امتهان قيمة المرأة وحقوقها هو جزء من تقاليد المجتمعات العربية والشرق الأوسطية، فهو يحترمها ولا يتدخل فيها، بينما تدخل بشكل سافر في تغيير الأنظمة السياسية المعادية لمصالحها وتحت يافطة حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية- سنعرج عليه في مقال آخر.
ان انتصار المرأة والحرية، انتصار جماهير ايران هو خطوة عظيمة في إسدال الستار على فصول الإسلام السياسي، بيد ان هذا النضال بحاجة الى تشديد نضالنا نحن في العراق وكل العالم العربي ضد الإسلام السياسي، بحاجة الى الوقوف الى جانب نضال المرأة في ايران، نضال العمال والطلبة وعموم جماهير ايران التي تقارع كل الالة القمعية  المهولة للجمهورية الاسلامية، بحاجة ان نقف بوجه المليشيات الداعمة التي ترسل عناصرها سواءً من العراق او من عناصر حزب الله اللبناني لمساعدة حرس الخميني بقمع الانتفاضة، بقمع شعار (المرأة-الحياة-الحرية).
ويجدر بالذكر أن انتفاضة الجماهير في ايران اسقطت ورقة التوت عن هذه المليشيات، فبينت انها فصائل المقاومة والممانعة ليس لإسرائيل ولا لأمريكا، بل لشعار (المرأة-الحياة-الحرية).
 

32
"التهاوش" على ذكرى انتفاضة تشرين
سمير عادل
الصدريون والرومانسيون الوطنيون والباحثون عن التوظيف عند أحزاب العملية السياسية أو الذين يحاولون بشق الأنفس اللحاق بالطريق الى العملية السياسية، يتعاركون من أجل الحصول على ميدالية انتفاضة تشرين/ أكتوبر، وخاصة هذا العام إذ تمر الذكرى الثالثة عليها.
شاشات الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، تمتلئ بالمزايدات السياسية، لسرقة روح انتفاضة تشرين، فالضجيج الإعلامي والسياسي حول الذكرى الثالثة لانتفاضة أكتوبر لهذا العام، ليس التعلم من دروس الانتفاضة، ولا استخلاص العبر منها، ولا التساؤل حول عدم وصول الانتفاضة إلى محطتها النهائية، ولا كيف وأين تمت المقايضة بين التيار الصدري وميليشياته في تقديم رأس الانتفاضة الى اخوته التوائم في سلطة الإسلام السياسي الموالية لإيران مقابل تنصيب مصطفى الكاظمي الموالي للصدر سدة رئاسة الوزراء؟ 
بمعنى آخر هناك (تهاوش) على ذكرى انتفاضة أكتوبر بين القوى السياسية لتجيير مطالبها والتضحيات العظيمة التي قدمتها من أرواح المئات من الشباب، في الوقت، الذي لم يكن أحد من تلك القوى على علاقة لا من قريب ولا من بعيد بأهداف انتفاضة أكتوبر ولا بالقوى الاجتماعية التي أشعلتها.
وعبر المزايدة السياسية على ذكرى انتفاضة أكتوبر، هناك مساعي حثيثة تكمن في محاولة تعبيد الطرق من أجل الاستعداد لسيناريو حل البرلمان والانتخابات المبكرة، وكل واحدة من تلك القوى تحاول جر أكبر قدر من الجمهور لها، عبر خداعها وذر الرماد في عيونها، مثلما فعلت إشراقة كانون، وحركة امتداد، وشخصيات مثل (باسم الخشان) الذين كانوا بمجموعهم ظلا مخادعا وانتهازيا بامتياز، ومتملقاً لجماعة المالكي والتيار الصدري والكاظمي والمرجعية الدينية وغيرها، وكل واحد من أولئك الذين شدوا رحالهم وحطوا في أحضان سلطة المليشيات ليرفع من سعره، كان يجر بتلابيب الانتفاضة.
وأكثر التصريحات التي تثير السخرية ممن يلقبون أنفسهم (بالمستقلين) هو ما أدلى به (علاء الركابي) عندما كان رئيسا (لحركة امتداد) حيث قال انه مستعد للتعاون مع الفاسدين إذا كان ذلك في مصلحة العراق، فهل هناك تصريح أكثر سخرية ممن قاله الركابي!
وهنا يعلو اسم (العراق) الذي أصبح أكثر السلع رواجا بالمزايدة عليها في سوق الدعاية السياسية، وهو عنوان لكل من أراد أن يسرق من جغرافية العراق، ويعقد الصفقات السياسية التي تدر أرباحاً مالية كبيرة مع حكومات المنطقة، وهو يعرض عمالته السافرة لها، ويغض الطرف عن كل عمليات القصف والحملات العسكرية التي يدفع ثمنها الأبرياء من المدنيين.
والرومانسيون الوطنيون الذين يخرون خاشعين عندما يسمعون باسم العراق، ونصبوا خيامهم باسم العراق، ويملئون الفضائيات العراقية وشبكات التواصل الاجتماعي بأنهم عراقيون وطنيون، ولا يشغل بالهم كما يدعون سوى العراق ومصلحة العراق، ويتبادلون التخوين فيما بينهم، وينشرون غسيل بعضهم، سواء كان نظيفا أو قذرا على الملأ، لإثبات وطنية أو خيانة  بعضهم البعض للعراق، نقول هؤلاء هم أكثر الجماعات الذين ضاعت بوصلتهم، وأكثر الذين ينثرون الرماد في عيون الجماهير عبر تنقلهم بين خنادق القوى السياسية في العملية السياسية، أو بتحولهم إلى أبواق لها.
إن معضلة هؤلاء الرومانسيين الوطنيين الحالمين بـ (جنة وطنية سماوية)، يقدسون الانتماء الى أنفسهم، والى أذهانهم والى عبادة نرجسيتهم ومزاجيتهم، ولا يؤمنون إلا بقدراتهم ــ غير الخارقة ــ وتجربتهم الفقيرة الخالية الدسم. وهم دائما كانوا ــ ليس في انتفاضة أكتوبر فحسب بل في كل الثورات والانتفاضات على صعيد العالم ــ يلعبون دورا في تخريب الثورات والانتفاضات، بمعنى آخر انهم أمّا أن يكونوا ذخيرة حية ووقود للتيار الشعبوي في المجتمع، مثلما ذهب قسم منهم خلف التيار الصدري ليتواجد معه في المنطقة الخضراء، وبلع الطعم من جديد لأن التيار خدعهم بتبني شعارات (وطنية) في حين تمثّل القسم الآخر، بأحزاب برجوازية صغيرة أو أفراد، يتبنون نثر الأوهام في المجتمع.
 
ليس في قاموسنا تقديس للانتفاضات والثورات، ويجب القول بأنَّ انتفاضة أكتوبر لم تصل إلى محطتها النهائية، ومن الوهم أن نتصور بأنَّها من الممكن أن تعاد بنفس السيناريو والشخوص والأحداث التي تسلسلت في عام 2019 إلا بشكله الهزلي كما يقول ماركس.
أن اندلاع شرارة الثورات والانتفاضات خارجة عن الإرادة الفردية للبشر، ولكن دفعها للوصول الى تحقيق أهدافها هي من صنع  صراع الطبقات الاجتماعية والحركات الاجتماعية وأحزابها السياسية، وإن ما أحدثته انتفاضة أكتوبر كان بمثابة زلزال كبير هزَّ المفاهيم الاجتماعية والسياسية، واسدل الستار عن فصل تاريخي في حياة المجتمع العراقي، إذ وخلال أكثر من ثلاثة أرباع القرن، لم تمر أية عاصفة ثورية وبقوة مثلما مرّت عاصفة انتفاضة أكتوبر بالعراق، وأسقطت واحدة من أكثر الحكومات رجعيةً وإجراماً، مدعومة بكل قوة من قبل الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات المدججة بالسلاح والممولة من سرقة ثروات العمال والكادحين عبر عمليات النهب والسلب والفساد.
إن انتفاضة أكتوبر تركت أثرا اجتماعيا وسياسيا في عمق وجدان المجتمع العراقي، غيرت من روحيته، كما و ستتعمق تلك الآثار بشكلها الإيجابي مع السنوات، وان كل التهليل والتطبيل بإحياء مناسبة المناسبات الدينية مثل أربعينية الحسين، وبالتعاون والتنسيق بين السلطة وكل قوى الإسلام السياسي (بمالكيه وعامريه وخزعليه وفياضه وحكيمه وصدريه)، وبذخ الأموال المنهوبة من جيوبنا نحن العمال والموظفين والعاطلين عن العمل، على هذه المناسبة، والمبالغة بأرقام المشاركين الى حد التزوير والكذب بأن ٢١ مليون شخص شارك فيها، كانت محاولة فاشلة لإعادة عقارب المجتمع العراقي الى الوراء، الى ما قبل انتفاضة أكتوبر.
لقد وضعت قوى الإسلام السياسي المتصارعة على السلطة خلافاتها جانبا، وعملت بجهد على تسويق تصور عن المجتمع العراقي عبر إحياء مناسبة الأربعينية على سبيل المثال، بأن الشيعة هم الأكثرية، ولهم الحق في السلطة، ــ وإنَّ كل ما مزقته الانتفاضة لصورة الإسلام السياسي التي أكدت على أنَّ المدنية والعلمانية والتحضر واليسار بشكل عام متجذرة في أعماق المجتمع في العراق، والإعلان عن سقوط كل أوراق الطائفية والدينية ــ ليس لها أي أساس.
وفي الوقت ذاته أعادت انتفاضة أكتوبر الاقتدار إلى الفرد بنفس القدر والاقتدار والثقة الى المجموع، وأسقط الخوف والرعب الذي حاولت مليشيات الإسلام السياسي ترسيخه في بنية المجتمع، فمن عاش او شارك أو شاهد من على شاشات الفضائيات مواجهة قناصة المليشيات وهراواتهم وسكاكينهم بصدور عارية، يدرك أية روحية خلقتها الانتفاضة في صفوف جماهير العراق.
هذه الروحية التي سادت في انتفاضة أكتوبر هي التي ترعب سلطة الإسلام السياسي، وهي وراء مقاطعة النسبة العظيمة من جماهير العراق لانتخابات أكتوبر عام 2021 التي حاولت حكومة الكاظمي ومن ورائها التيار الصدري باختزال الانتفاضة بالانتخابات المبكرة والقفز على كل مطالبها العادلة، وهذا بالضبط ما يحاول التيار الصدري اللعب على أوتارها، إلى جانب قوى أخرى أبدت ندمها على مقاطعتها للانتخابات، والاستفادة من الوقت الضائع عبر المزايدة السياسية على الانتفاضة للحاق بالركب (المؤمن) في العملية السياسية.
إن الدرس الآخر الذي يجب على الجماهير أنَّ تتعلمه، من انتفاضة أكتوبر، هو البناء على الروحية التي خلقتها انتفاضة أكتوبر، وهو الجسارة الثورية وأن تمد يدها للسلطة السياسية، وعدم الانخداع والتوهم بالترهات التي ينثرها الرومانسيون الوطنيون هنا وهناك، وجر الجماهير دائما الى خندق القوى الرجعية المعادية لتطلعات العمال والنساء والطلبة والعاطلين عن العمل في تحقيق الحرية والمساواة والرفاه.



33
انتفاضة النساء في إيران والهوية الإسلامية
سمير عادل

سواء كان الحجاب جزء من (الشريعة الإسلامية) أو غريب عنها، أو سواء كان الحجاب مقتصراً فقط على نساء (النبي)، المعزز بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، أو أنه أحد أركان الشريعة ويطبق على النساء جميعهن، وبغض النظر عن المكان والزمان، فإن الحجاب الإسلامي، اليوم، هو جزء من هوية الإسلام السياسي.
إن استعباد المرأة ومعاملتها بشكل دوني، والنظر لها كونها تمثل سلعة جنسية يجب الحفاظ على نضارتها ونقائها، هو الحلقة المركزية في المنظومة السياسية والاجتماعية للإسلام السياسي.
وتختلف درجة معاملة المرأة بشكل دوني من جماعة إسلامية الى أخرى حسب التبعية لفقه معين، وحسب توازن القوى في المجتمع، فالمرأة في منظومة طالبان وداعش أقل حظا مما عليها في منظومة ولاية الفقيه أو المجموعات الإسلامية الشيعية، لكن الجميع، يجمعون على أن المرأة هي سلعة جنسية وتثير غرائز الرجل ويجب تغليفها بالحجاب أو النقاب أو البرقع أو العباءة لمنع الشرور في المجتمع.
وعليه أن أية جماعة إسلامية، بمجرد أن تسنح لها الفرصة، وبغض النظر عن نوع هذه الفرصة سواء فرضت سلطتها أو أتيحت لها بالتحدث علنا من على منابر الجوامع والمساجد والفضائيات المدفوعة الأجر، فإن أول شيء تروج له هو التهجم على النساء، وإلقاء اللوم، بأنَّ سبب مصائب المجتمع من الفقر والعوز والجريمة المنظمة والتحرش الجنسي والاغتصاب، يعود الى عدم فرض الحجاب على النساء وعدم التزامهم بقواعد الشريعة الإسلامية، هذه الضحالة الفكرية والسياسية والاجتماعية هي محتوى هوية الإسلام السياسي، فتخيل بدون هذه الضحالة ماذا يبقى لديه للتحدث الى المجتمع.؟
ما يحدث اليوم في إيران من تنظيم تجمعات لاحتفاء بعمليات حرق آلاف من النساء لحجابها، احتجاجا على موت (مهسى أميني) تحت تعذيب "شرطة الأخلاق" بسبب مخالفتها لقواعد الحجاب، هو تحدي سافر للجمهورية الإسلامية بكل جلاوزتها وأجهزتها القمعية وأعرافها وفقها وكل منظومتها الأخلاقية المتهرئة، ويعني أن نساء إيران بعد خمسة عقود من سلطة الإسلام السياسي يتجاسرن على تمزيق هوية الجمهورية الإسلامية، أو هوية الإسلام السياسي، ويعني أيضا كسر هيبة وسطوة وجبروت الإسلام السياسي ليس على صعيد إيران فحسب بل على صعيد المنطقة التي ابتلت بالإسلام السياسي.
إن تنظيم مراسيم ارتداء الحجاب لآلاف من الأطفال الإناث اللواتي بلغن سن ما يسمى بـ "التكليف الشرعي" من قبل الجماعات الإسلامية، كما حدث قبل أشهر في محافظتي دهوك وحلبجة في كردستان العراق لأكثر من (5) آلاف طفلة بلغْنَّ من العمر (9) سنوات، مستغلين أوضاع أسرهم الاقتصادية بتقديم المساعدات المادية لهم، يبين بشكل واضح على رمزية الحجاب وقداسته بالنسبة لهذه الجماعات. 
بعبارة أخرى إن ارتداء الحجاب من عدمه ليس مرتبط بالحرية الشخصية، كما يحاول عدد ممن يصفون أنفسهم بالليبراليين والديمقراطيين التنظير له وهم لا يرون أكثر من وقع أقدامهم، فالحجاب بات عنوانا بارزا لفرض سطوة الإسلام السياسي على المجتمع، وإن هذه المسالة مرتبطة بالتعامل الدوني مع المرأة، ويدلل بشكل واضح أن الإسلام السياسي ليس أكثر من منظومة ذكورية تلبي رغبات الرجل في العالم الرأسمالي ولكن بشكله المنحط.
إن انتفاضة نساء إيران سواء انتصرت في إسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران أو لم تنتصر، فأن الدرس البليغ الذي يجب التعلم منه، هو الجسارة الثورية للمرأة في إيران بتحدي كل منظومة الإرهاب والقمع، وأنها تتقدم النضال لتهدم بالمعاول صرح كل الترهات التي أرسيت خلال خمسة عقود من الزمن والقائلة: بأن المجتمع الإيراني هو مجتمع إسلامي، وعلى وقع تلك الجسارة سيدفع الملالي ومنظومتهم السياسية ثمن اختطافهم للثورة الإيرانية.
وفي نفس الوقت تفتح الانتفاضة صفحة جديدة على عمر الإسلام السياسي في إيران والمنطقة، بأنَّه آفل لا محال، وأنَّه قد آن الأوان لشد الرحال والعودة الى كهوف العصر الحجري.



34

١-٢
النزعة الوطنية المشروخة و النزعة المعادية للإسلام السياسي

سمير عادل
 
العقلية القومية في إيران، كما هي العقلية القومية في تركيا، لا يمكنها التمدد في المنطقة وفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية، في خضم تنافس محتدم بين الاقطاب الاقليمية الاخرى مثل السعودية والإمارات وإسرائيل، دون تغليفها بأيديولوجية قادرة على النفاذ والتغلغل في بلدان المنطقة.
أن تغليف القومية البرجوازية التركية أو القومية البرجوازية الايرانية بالإيديولوجية الإسلامية، هو الوسيلة الناجعة لتحقيق استراتيجية فرض النفوذ الاقتصادي والسياسي، وتشكيل جماعات وقوى سياسية محلية تتناسب وتتفق مع مشاريع تحقيق استراتيجيات تلك البرجوازيات، التركية والإيرانية في المنطقة.
ومن اجل توضيح ذلك أكثر، على سبيل المثال إن الهيمنة السياسية الإيرانية في لبنان لا يمكن إيجاد ارضية سياسية واجتماعية لها دون تغليفها بالإسلام، كما هو الحال ايضا في اليمن والعراق وسوريا، بغض النظر عن العناوين على الغلاف، مثل المقاومة والممانعة أو الحرب على الإرهاب. ويصح نفس الشي وبقدر متساوي على التمدد التركي في العراق أو في بلدان كانت جزء من الإمبراطورية العثمانية. 
أي أنه لا يمكن مواجهة النزعة القومية المحلية في تلك البلدان من قبل التمدد القومي التركي أو الإيراني، الا بأيديولوجية اكبر منها، والا يطرح سؤال على حزب الله اللبناني وتحالف المليشيات العراقي المتمثل بالإطار التنسيقي وجماعة الحوثي في اليمن ومجموعة الحلبوسي- خميس الخنجر في العراق وآخرين، من أين يستمدون حقانيتهم كي يمثلوا جزء من نفوذ تلك القومية البرجوازية التركية والايرانية في بلدانهم أو مناطق انتماءاتهم؟، كيف يردون على توغل النفوذ القومي الإيراني والتركي في العراق وبقية البلدان؟، كيف يستطيع حزب الله و الإطار التنسيقي الدفاع عن النفوذ القوي الإيراني في العراق او في لبنان؟، أو كيف يستطيع تحالف الحلبوسي-خميس الخنجر تبرئة تركيا من قصف قواتها المجمع السياحي في دهوك وقتل وجرح أكثر من ٤٠ شخص مدني؟، كيف يقومون  بتبرير النفوذ التركي في العراق والذي يمتلك ٥ قواعد عسكرية فيه وأكثر من ١٠٠ نقطة عسكرية في شمال العراق، وتركيا تصول وتجول كما تشاء دون اي رقيب أو رادع؟!
بعبارة أخرى، أن الحيلولة دون المواجهة السافرة مع النزعة الوطنية المحلية، يفسّر سرّ تمسك البرجوازية القومية في إيران بنشر التشيع وتفسيرها للتاريخ الإسلامي ومروياته وفق رواية الإسلام السياسي الشيعي، وأيضاً يكشف عن سر استماتة تركيا بالدفاع عن الإخوان المسلمين، وهو الاسلام السياسي السني، ومحاولة إحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية، حيث كانت تركيا وما زالت تقدم الدعم المالي والسياسي والعسكري والأمني لكل الجماعات والعصابات الإسلامية المنتمية والمنشقة والتي خرجت من تحت عباءة الإخوان المسلمين، من كل حدب وصوب في سوريا ومصر وليبيا وتونس، وأكثر من ذلك كانت راعية لداعش ودولته الإجرامية بشكل غير مباشر قبل انتفاء مقتضيات المصلحة، وتحت الراية الإسلامية أسست عشرات الجوامع والمساجد في مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية، لتحويلها إلى مراكز الانطلاق السياسي والهيمنة الاقتصادية، والتأثير على مراكز صنع القرارات في عواصم العديد من البلدان مثل البوسنة والهرسك وأذربيجان وألبانيا وأوكرانيا وحتى في بلدان مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا..الخ.
لقد قامت البرجوازية القومية التركية باستغلال كِلا الثورتين المصرية والتونسية وهبوب نسيمهما على المنطقة لتكون جزء من المعادلة السياسية الجديدة، وترتيب دورها ومكانتها من خلال تقديم نفسها كعرابٍ للإسلام السياسي السني ومشروعه الإخواني في المنطقة، وبنفس القدر لعبت القومية البرجوازية الايرانية نفس الدور، حيث وصف علي الخامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية "الثورات العربية" بأنها صحوة اسلامية، وقامت إيران  بتقديم كل الدعم للمليشيات والعصابات التي شكلتها في بلدان المنطقة. 
إذا ما حددنا حديثنا عن العراق، فإن النزعة الوطنية التي تمثل القومية المحلية والتي لا يمكن فصلها عن النزعة القومية العروبية، توجه اليوم سياط نقدها وتصب جام غضبها على النفوذ الإيراني في العراق، وقد نجح الممثل السياسي للنزعة الوطنية بتصوير العراق كأسير للنفوذ الإيراني من زاوية قومية صرفة، وان سبب الفقر والعوز والفساد وغياب الدولة والقانون وكل الفوضى السياسية والامنية هو بسبب إيران، ولذلك نجد أن عدد من الشعارات التي رفعت في انتفاضة أكتوبر وفي احتجاجات الصدر الأخيرة، وفي التظاهرات التي سُميت بتظاهرات "المدنيين" في بغداد، وهي النسخة المعدلة والمظللة للتيار الصدري، ( إيران برّه برّه ، بغداد تبقى حرّة)، في حين لا رقيب ولا حساسية مفرطة لنفس النزعة الوطنية ولا حديث بحرقة قلب على تغلغل الرأسمال التركي والشركات التركية بحراب القوات التركية المنتشرة على مساحة كبيرة في كردستان العراق، وقصفها المتواصل على القرى والاقضية وقتل المدنيين، والجدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري مع العراق وصل إلى أكثر من ٢٠ مليار دولار في عام ٢٠٢٠ وتسعى تركيا لزيادتها الى ٥٠ مليار دولار، وتشكل العلامات التجارية التركية ٩٠٪ في الاسواق العراقية (حسب رئيس غرفة الصناعيين ورجال الأعمال نواف قليج في تركيا والعراق) ، وهو الأكبر بما لا يقارن مقارنة مع حجم العلامة التجارية والتبادل التجاري الايراني.
إن هذا التصوير المخادع والمشوّه والمغرض والمخطط له بعناية سياسية فائقة من قبل الممثلين السياسيين للنزعة الوطنية، هو محاولة لطمس ماهية الصراع السياسي على السلطة بين جناحين في نفس العائلة الاسلامية السياسية الشيعية من جهة، ومن جهة أخرى هو مسعى لإبعاد المشروع الإسلامي من النقد، كواحد من المشاريع السياسية لأكثر أجنحة الطبقة البرجوازية تخلفا وانحطاطا وغرقاً بالرجعية حتى النخاع، والذي اثبت فشله الذريع وتناقضه مع التطور الإنساني الذي وصل إليه في المجال العلمي والمدني وحقوق الإنسان، علاوة على ذلك كشف عن تناقضه الصارخ مع تطلعات الإنسان في الحرية والمساواة.
وتختلف التجارب الإسلامية الفاشلة بدرجات في معيار رجعيتها واجرامها في كل بلد، حسب توازن القوى في المجتمع، إلا أنها متساوية من ناحية المحتوى، سواءً أكان إسلام سياسي شيعي أو سني، والامثلة كثيرة مثل إيران الملالي والدول الفاشلة التي تدور في فلكها مثل لبنان والعراق وسورية واليمن، والإسلام السياسي السني في تركيا والمغرب وتونس ومصر وأفغانستان طالبان...الخ.
إن هذه النزعة الوطنية تجد ارضية اجتماعية سياسية خصبة لها في العراق، فعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من حكم نظام البعث القومي للعراق، تم فرض الهيمنة القومية العروبية في المنطقة، ودون التعبئة الايديولوجية القومية وترسيخها في المجتمع، لم يكن بإمكانه خوض حرب ثمان سنوات مع إيران تحت لافتة حماية البوابة الشرقية للأمة العربية، و تبرير احتلال الكويت، وتحميل أعباء الحصار الاقتصادي الوحشي على كاهل الاغلبية المطلقة لجماهير العراق، واخيراً غزو واحتلال العراق.
صحيح أن التيار القومي العروبي والوطني تراجع سياسيا بعد غزو واحتلال العراق بسبب سقوط سلطته السياسية، إلا أنه على الصعيد الاجتماعي أصبح أكثر قوة وتوسعت جذوره في عمق الوعي الاجتماعي.
وعلى أقل تقدير، خلال أكثر من عقد من الزمن، لم يكن للنزعة الوطنية أو القومية المحلية الممزوجة مع القومية العروبية أي تمثيل سياسي لها في السلطة السياسية، وكل القوى العروبية والوطنية مثل جماعة اياد علاوي والحزب الشيوعي العراقي ارتبطت صورهم بشكل مباشر وغير مباشر بالاحتلال، حيث كان اياد علاوي احد عرّابي احتلال العراق منذ مؤتمر لندن عشية الحرب وغزو العراق، والحزب الشيوعي أصبح عضوا في مجلس الحكم الذي شكله بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال، وكجزء من حصة الشيعة في المجلس عبر سكرتيره حميد مجيد موسى، وصورة كليهما تتناقض مع وصف الوطنية وتعريف الوطنية، والتي إحدى خصائصها في القاموس السياسي للبرجوازية عدم المهادنة مع الاحتلال وسياساته.
بمعنى آخر، لقد غاب بشكل كلي ممثل النزعة الوطنية والعروبية في التمثيل السياسي في السلطة منذ عام ٢٠٠٣ أي عام الغزو.
تحايل النزعة الوطنية على النزعة المعادية للإسلام السياسي:
في انتفاضة أكتوبر عام ٢٠١٩، رفعت النزعة الوطنية والقومية العروبية رأسها ولأول مرة، وكانت احد اكبر التيارات الاجتماعية قوة على صعيد النزعة السياسية، وصدرت لها صحيفة باسم (التكتك)، وفي غضون ذلك، تم حرق عشرات المقار للأحزاب والقوى والمليشيات الإسلامية، وتم تمزيق صور رموز عرّابي الإسلام السياسي الشيعي في المدن الجنوبية مثل الخامنئي والخميني، إلا أن كل تلك الأعمال وقعت تحت الأفق القومي المعادي لإيران، وليس على خلفية معادية للإسلام السياسي.
بيد أن الجانب الآخر من اللوحة يحاول ممثلي النزعة الوطنية طمسه، فهناك نزعة معادية ملموسة للإسلام السياسي، لكن تم توجيها، اي توجيه غضب الجماهير ضد القوى الموالية لإيران، والمحاولة لتفريغها سياسيا، وابقاء اذكاء نيرانها بالحدود القومية، للحيلولة دون وصولها الى حرق كل منظومة الإسلام السياسي الحاكمة في العراق.
 ويمكن رؤية هذه النزعة المعادية للإسلام السياسي في صفوف جماهير العراق بشكل مادي وقاطع دون اي عناء، فمن تابع او عاش او شارك ايام تظاهرات تموز ٢٠١٥  في بغداد والتي رفعت شعارا (باسم الدين باكونا الحرامية) او شعار (من دخل بيها ابو العمامة صار البوك للهامة) وانتشر كلا الشعارين، كالنار في الهشيم، ليصبح شعارا واحدا مركزيا في كل تظاهرات مدن العراق، و ثم تظاهرات ٢٠١٨  في تموز ايضا حيث طرد المتظاهرون مقتدى الصدر وحيدر العبادي الذي كان حينها رئيسا للوزراء من احتجاجات البصرة، وكانت زيارتهما المتفاوتة في التوقيت، هي محاولة لامتصاص غضب الجماهير الثائرة ضد سلطة الاحزاب الاسلامية الفاسدة، وفي غضون ذلك تم حرق مبنى مجلس محافظة البصرة وهرب جميع أعضاء مجلس المحافظة بما فيهم المحافظ الحالي اسعد العيداني، كما سبقتهم بالهروب، المليشيات الاسلامية، وحرق معها عشرات المقرات التابعة للأحزاب الاسلامية، وفي انتفاضة أكتوبر وخلالها رفعت شعارات معادية لمقتدى الصدر وتياره السياسي  (شلع قلع واللي كايله وياهم) من قبل الاف من النساء والتحرريين من الرجال ردا على تصريحات الصدر بفصل الذكور عن الإناث، وكان اسقاط حكومة عادل عبد المهدي اول ضربة موجعة لمنظومة الاسلام السياسي وفقدان السلطة التنفيذية، وبين هذا وذاك، قاطع اكثر من ٨٢٪ من جماهير العراق انتخابات ايار ٢٠١٨ و اكثر من ذلك الرقم في انتخابات تشرين الاول ٢٠٢١، كل هذه المعطيات تبين ان النزعة المعادية للإسلام السياسي على الصعيد الاجتماعي بالرغم من قوتها وتجذرها يوما بعد يوم، افتقدت إلى راية سياسية وتمثيل سياسي، بعيدا عن التيار الوطني والقومي العروبي الذي تتحرك بوصلته باتجاه معاداة إيران ونفوذها في العراق، وليس لديه اية مشكلة مع الاسلام السياسي، في حين أن جذر المشكلة، الذي عبرت عنه الاغلبية المطلقة من جماهير العراق، في جميع الاحتجاجات الغاضبة، وفي الانتخابات المذكورة وقبلها اسقاط الحكومة، يعود إلى رفض سلطة الإسلام السياسي كسلطة حاكمة في العراق، و كواحد من اجنحة الطبقة البرجوازية التي ليس لديها اي خلاف من حيث البرنامج الاقتصادي مع السياسة الليبرالية التي يشرف على تنفيذها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
 
٢-٢
النزعة الوطنية المشروخة و النزعة المعادية للإسلام السياسي
 
أن جميع أجنحة الإسلام السياسي حاولت بدهاء ملئ الفراغ السياسي الذي تركه التيار القومي والمحلي الوطني، صاحب راية مواجهة "الرأسمال الأجنبي" بغضّ النظر عن مصدره و نفوذه الاقتصادي والسياسي، لترفع شعارات من شأنها أن تكون قادرة على تعبئة المجتمع، فنجد القومية الايرانية المغلفة بالإسلام وحلفاؤها في المنطقة ترفع راية "المقاومة والممانعة" في مواجهة الأقطاب الدولية الغربية والإقليمية المنافسة لها لترسيخ مواطئ أقدامها في العراق، بينما الطرف الآخر الموالي للغرب والمحيط العربي، رفع شعار التخلص من الهيمنة الإيرانية، عبر التغني بالرومانسية الوطنية التي وصلت ذروتها في انتفاضة أكتوبر.
 
التيار الصدري ولي عنق النزعة الوطنية:
وعلى هذه الارضية استغل التيار الصدري الفراغ الذي تركه التمثيل السياسي للنزعة الوطنية، وحاول  ملأه، فمن جهة تملك النزعة الوطنية وتيارها رأسمال اجتماعي كبير، وبالإمكان لي عنقها وركوبها، واستخدامها كسلاح ضد منافسيه على السلطة السياسية، وهم ممثلو المشروع القومي الايراني في العراق، ومن جهة أخرى الحفاظ وإنقاذ الإسلام كأيديولوجية ومنهجية وهوية سياسية من أي نقد ومواجهة اجتماعية في المجتمع، وخاصة احتواء وكسر اعتبار النزعة العظيمة المعادية للإسلام السياسي في المجتمع العراقي.
ومن يتابع المنحى السياسي للتيار الصدري منذ عام ٢٠٠٣ وحتى  احتجاجات تموز ٢٠١٥، يرى انه كان جزء من تأسيس المشروع الإسلامي الشيعي في العراق، وقام زعيمه مقتدى الصدر باتخاذ مدينة (قم) مركزاً له لإدارة مشروعه السياسي، وحصل من نظام الملالي كل الدعم العسكري والمالي واللوجستي والاستخباراتي، كما تم الإشراف على تدريب ميليشياته (جيش المهدي)، ومن خلال ذلك الدعم فرض القوانين الإسلامية في مناطق نفوذ جيش المهدي، و فرض الحجاب على النساء ومنع كل أشكال الموسيقى والغناء فيها، وقام بحملة منظمة من الهجمات على مراكز بيع أقراص الاغاني ومحلات بيع المشروبات الكحولية وتم تصفية العشرات من العمال الأبرياء في تلك المحلات عبر عمليات القتل وزرع العبوات الناسفة وتفجيرها، كما تم تنظيم حملة منظمة في تهشيم رؤوس المثليين بالبلوكات الاسمنتية، وصولا الى ما بعد الحملة العسكرية في ربيع ٢٠٠٨، التي سميت (صولة الفرسان) التي قادها المالكي وبدعم كبير من القوات الأمريكية، وتم تصفية عدد ليس قليل من عناصر جيش المهدي اضافة الى اعتقال المئات منهم.
واستمرت عملية محاولة أسلمة المجتمع من قبل التيار الصدري على قدم وساق، ولم تقف ولو لحظة واحدة، وبعد عام ٢٠٠٩ أسس التيار الصدري، مجموعة (المهدويين) والتي أعلنت بأنها ستقوم بدراسة الفقه والفلسفة والتاريخ الإسلامي لمواجهة العلمانية والإلحاد في المجتمع العراقي، كما لعب التيار الصدري دورا كبيرا لإنقاذ السلطة الإسلامية الميليشياتية الطائفية، التي كان يرأسها المالكي من قبضة انتفاضة شباط ٢٠١١، بفعل هبوب نسيم الثورتين المصرية والتونسية على المنطقة.
بهذا المعنى لم يرفع التيار الصدري الراية الوطنية إلا في احتجاجات تموز ٢٠١٥، في رده على الشعارات المناهضة للإسلام السياسي ورموزه، كما أشرنا، حيث دعا الصدر إلى عدم رفع أية أعلام حزبية غير اعلام العراق، كمحاولة يائسة لإنقاذ الإسلام كهوية وايديولوجية ومنهجية سياسية وفكرية واجتماعية، والتصدي لهجمة الجماهير عليها، بعد اقتران الاحزاب الاسلامية بعمليات الفساد والنهب والاغتيالات والتطهير الطائفي.
ولعب تغيير العامل الإقليمي دوراً في اضافة ( النكهة الوطنية) على حساب الهوية الاسلامية، وخاصة بعد سقوط الهويات الطائفية، التي كانت رأس حربة في ذلك الصراع، وتحديداً بعد تحويل رياح الثورتين المصرية والتونسية و تفريغهما من محتواهما، وتوجيه عصفهما نحو صدور الجماهير المنتفضة من أجل الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، ومقايضتهما بالأمن والامان مقابل إدامة سلطة القمع والاستبداد والإفقار.
أي أصبحت الهوية الإسلامية والايديولوجية الاسلامية والمنهجية الإسلامية وكل مشروعها السياسي تحت طائلة السؤال، ليس في العراق وحده فحسب بل في المنطقة والعالم، وكل ما يندى له جبين الانسانية اقترن بـ ممارسات وافعال الأحزاب والقوى الإسلامية وميليشياتها وعصاباتها من قمع الحريات وعمليات الفساد، سواءً بشقه السني في مصر وتونس وتركيا وسورية وليبيا او بشقه الشيعي في ايران  العراق ولبنان واليمن، وبات إرهاب هذه الجماعات عبر داعش يضرب عمق عدد من البلدان الأوروبية، التي قدمت الدعم لكل أصناف الإسلام السياسي، السني والشيعي، في إيران وفي أفغانستان وسورية ومصر..الخ منذ أواسط القرن العشرين وحتى يومنا هذا.
وإذا ما عدنا الى موضوعنا الأصلي وحسب مقتضيات الحاجة السياسية ضمن متطلبات مرحلة سياسية جديدة وخاصة بعد الانتهاء من سيناريو داعش والحاق هزيمة سياسية بالمشروع الإسلامي في المنطقة، خرج الى النور في العراق تحالف التيار الصدري مع الحزب الشيوعي العراقي، و بقدر ما كان الأول بحاجة لمسح آثامه و جرائمه الطائفية والوحشية، وكل تاريخه في فرض مشروعه الإسلامي بالحديد والدم، الذي امتازت به ميليشياته كسائر المليشيات الاسلامية الاخرى، اضافة الى محاولة في تعميق اللون الوطني وإبرازه بدلا من هويته الإسلامية، ويتبنى بالنهاية خطابا شعبيا بامتياز يمزح بين الدين والقومية من أجل طمس هويته الحقيقية وإظهار هوية وطنية جديدة، بنفس القدر كان الحزب الشيوعي بحاجة الى ذلك التحالف للخروج من مأزقه السياسي ومشروعه الوطني الذي تشوه مرة عندما دخل في مجلس الحكم كما ذكرنا، ومرة اخرى فشل، عندما تحالف في انتخابات ٢٠١٠ مع جماعة اياد علاوي القومية الموالية لكل السياسات الامريكية في العراق والمنطقة.
ولم يدخر التيار الصدري جهداً في قيادة النزعة الوطنية، وحاول عبر اللعب على الوتر القومي المحلي، وعلى وتر غضب الجماهير من كل المنظومة السياسية الحاكمة أن يجرها إلى حركته الاخيرة، الا انه مُني بفشل ذريع.
واليوم يحاول الرعاة الخارجيين لمشروع الصدر إعادة ترتيب صفوف التيار الصدري وتقديم أوراق اعتماده من جديد، عبر إظهاره بأنه زعيم التيار الوطني في العراق في مواجهة النفوذ الإيراني، فعلى سبيل المثال عندما تسرّب وكالة مثل (رويترز) صورة لمقتدى الصدر يرتدي كوفية عربية، وهو يستقبل اسماعيل قاآني قائد فيلق القدس، وتنسب له أقوال بأن الصدر خاطب الأخير، ما شأن إيران بالوضع السياسي في العراق، وتضيف (رويترز) بان اللقاء كان متوترا ولم يكن وديا، وتعزف على وتر ذلك الخبر وسائل اعلام اخرى كما في (سكاي نيوز العربية) على سبيل المثال، ليظهر مقتدى الصدر في برنامج (كلام جد مع نديم)  بأنه البطل الذي يصارع بضراوة للوقوف ضد النفوذ الإيراني والجماعات الموالية له، تبيين كل هذه المعطيات بشكل لا لبس فيه، أن هذا التيار ترتفع حساسيته الوطنية فقط تجاه ايران، اما الاطراف الفاعلة الإقليمية والدولية الاخرى وخاصة امريكا الذي تقف خلف مشروع الصدر، فلا حساسية منها سوى بالإعلام هنا وهناك، لرفع العتب وذر الرماد في العيون.
وما يبعث على السخرية في هذا المشهد الوطني الدرامي الرومانسي، الذي يشبه المشاهد الدرامية في الافلام الهندية أو المسلسلات التركية، اولئك الذين نصبوا أنفسهم كممثلين لانتفاضة اكتوبر، او التشرينيين كما يحلوا أن يسمون انفسهم، يرددون خلف الصدر (ايران برا برا) وكأن العراق اسير إيران فحسب ، وليس اسير الإسلام السياسي وسلطته الميليشياتية المجرمة، وأن التطهير الديموغرافي في المناطق المصنفة بالسنية ومادة ٤ ارهاب والتغييب في المعتقلات والسجون، الذي حدث ومازال يحدث لم يكن جزء من مخطط مشروع الاسلام السياسي الشيعي في خضم الصراع على السلطة.
وما يحدث اليوم بمناسبة عاشوراء من منافسة بالحضور الميداني والإعلامي بين رموز البيت الشيعي وفي مقدمتهم مقتدى الصدر وعمار الحكيم والعامري..، وما يهدر من أموال في عمليات البذخ والإنفاق المهول على المواكب الحسينية، والتطبيل الدعائي للمناسبة، وتأجيل كل شيء حتى الحديث عن مستقبل ٤٠ مليون إنسان بعد الزيارة الاربعينية، يكشف عن محاولات ادامة فرض مشروع الاسلام السياسي الشيعي الذي لم يهدأ يوما، عبر إبقاء المجتمع العراقي في دائرة مغلقة للإسلام السياسي الشيعي كسياسة جهنمية للحيلولة دون  انفلات قبضة السلطة السياسية من يديه.
اليوم يقف التيار الصدري ودعاة أصحاب انتفاضة تشرين في خندق واحد، خندق المعاداة للنفوذ الايراني، فإذا كان الأول يستخدم الثاني كأداة ضغط سياسي من أجل تعويض خسارته ومحاولة لفتح ثغرة في انسداد أفقه السياسي كما بينّا في مناسبات سابقة، فإن الثاني اختار لنفسه موقع المهرج، الذي لن يكن دوره أكثر من إضحاك الجمهور المتفرج والترفيه عنه.
ان النزعة الوطنية والقومية العروبية التي لا تتحرك بوصلة معاداتها سوى باتجاه إيران، وتعتبرها الحلقة المركزية في صراعها على السلطة، اقل ما يمكن أن توصف بأنها نزعة وطنية مشروخة بامتياز، على الأقل  من وجهة نظر المنظومة الأخلاقية والسياسية للبرجوازية الوطنية التي أكل عليها الدهر وشرب.
تلك النزعة المشروخة لا ترى القواعد العسكرية التركية في العراق، ولا ترى هيمنة الشركات الغربية مثل شيفرون واكسيون موبايل الامريكية وتوتال الفرنسية ولوك اويل و روز نفت الروسية وشيل الهولندية-البريطانية و بتروجاينا الصينية في الحقول النفطية- وتجني ارباح عظيمة بسبب توفير بيئة مناسبة للاستثمار من خلال فرض شروط عمل قاسية على العاملين في تلك الحقول النفطية، ولا ترى كيف أن حكومة الكاظمي تنفذ البرنامج الاقتصادي للسياسة الليبرالية الجديدة في العراق التي هي واحدة من أهم مشاريع الاحتلال والسياسة الأمريكية.
واخيرا وعلى انغام ايقاع انتفاضة أكتوبر، كانت هناك مساعي حثيثة لطمس الماهية المعادية للإسلام السياسي لحساب التيار الوطني، وحصر كل مآسي جماهير العراق بالنفوذ الإيراني والمليشيات التابعة له، في حين أن أصل القضية، هو ان توغل المشروع الايراني في المنطقة كما هو المشروع التركي مرتبط بالإسلام السياسي، وبدعم الغرب له بأشكال مختلفة وحسب مصالحه في خضم أية تحولات سياسية.
وهذا يقودنا الى نتيجة بأنه دون تصفية الحساب مع الإسلام السياسي، وقطع دابره كسلطة سياسية ومنظومة فكرية سياسية واجتماعية و كمشروع رجعي معادي لكل المعاني الإنسانية بشكل مطلق، يصعب قطع اذيال ايران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية في العراق، ولا يمكن الحديث عن الحد الأدنى لحياة آدمية آمنة في العراق.



35
هل بالإمكان رمي أحزاب الإسلام السياسي الى خارج المكان والزمان في العراق؟

سمير عادل

يُعدّ تيار الإسلام السياسي من أكثر تيارات الطبقة البرجوازية انحطاطا وتخلفا وإجراما، فالسلطة الحاكمة في العراق اليوم هي سلطة الإسلام السياسي بامتياز، والصراع القائم اليوم في العراق هو بين أجنحة ذلك التيار على السلطة من اجل حسمها لهذا الطرف أو ذاك، وبغض النظر عن تغليف كل جناح صراعه بشعارات فارغة من المحتوى لإثبات حقانيته الزائفة التي تتمحور تارة بالدفاع عن الشرعية والدولة والدستور وتارة أخرى بالإصلاح وطرد الفاسدين، وسواء مثلت تلك السلطة حكومة هلامية الشكل مثل الكاظمي أو شخصيات (إسلامية أقحاح) مثل المالكي والعبادي وعبد المهدي، فإنَّ جميع مفاصل المؤسسات الحكومية والتنفيذية والأمنية تديرها الأحزاب الإسلامية وميلشياته،  بيد أن الفارق بين النموذج العراقي وبقية نماذج البلدان الأخرى، هو عدم وضوح  الهوية السياسية للدولة فيما إذا كانت إسلامية أو أنَّها غير واضحة المعالم بشكل قاطع، بالرغم من (شيعية) ديباجة الدستور العراقي، ومن النوع الجعفري.
 ويعود السبب الى عدم حسم مصير السلطة السياسية التي تتكالب عليها جميع القوى السياسية القومية بشقيها العروبي والكردي والإسلامية بما فيها الأخوة التوائم في البيت الشيعي، وبالنتيجة ستؤدي الى حسم هوية الدولة بشكل نهائي فيما إذا كانت إسلامية أم لا، وطبعا لا بد من ذكر العامل الأساسي الآخر وهو جذر المجتمع العراقي المدني والعلماني، والذي قاوم لحد الآن جميع محاولات أسلمة المجتمع منذ الحملة الايمانية لصدام حسين عام ١٩٩٦، ومرورا بمساعي مليشيات جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر في بدايات الاحتلال عام ٢٠٠٣ في فرض الشريعة الإسلامية في مناطق نفوذه، ثم بعد ذلك جاءت القاعدة وأخواتها لفرض إمارتها الإسلامية وتحت عنوان مقاومة الاحتلال ومستغلة الحرب الأهلية الطائفية عام   ٢٠٠٦، وانتهاء بسيطرة داعش على ثلث مساحة العراق في حزيران ٢٠١٤. وبموازاة ذلك، كانت هناك حملة سياسية واجتماعية منظمة لفرض "التشييع" الإسلامي، في العديد من مناطق العراق، وخاصة بعد التخلص من سيناريو داعش في الموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى وبابل، الى جانب مساعي حثيثة في إعطاء صبغة قانونية لذلك "التشييع" الإسلامي عبر تقديم مشاريع القوانين الى البرلمان لترسيخ سلطة الإسلام السياسي الشيعي؛ مثل قانون حرية التعبير الذي أعطى صلاحية كاملة بتنظيم المناسبات الدينية في أي مكان وزمان، وحتى الجامعات لم تنفذ بجلدها بتنظيم تلك المناسبات فيها، بالإضافة إلى تغيير عدد من المناهج المدرسية في مواد الدين والتاريخ حسب الرواية الشيعية للتاريخ الإسلامي، وتخصيص موازنة سنوية للأوقاف الدينية تقدر بأكثر من ٢ مليار دولار وهي أعلى من موازنة وزارة الصناعة، وتقديم مشروع قانون العطل الرسمية الذي وصلت عدد أيام العطل فيها الى ١٥٢، وأكثر من ٨٠ في المائة منها مناسبات دينية شيعية، إلى جانب مساعي لتغيير قانون الأحوال الشخصية وإحلال القانون الجعفري محلها وهلم جرا، ولم تكتف السلطة المليشياتية الحاكمة بتلك الحدود، بل راحت تستغل نفوذها في الأجهزة الأمنية والاستئثار بوجودها في السلطة وغياب الدولة بالمعنى القانوني والأمني، لشن الهجمات على النوادي الاجتماعية ومحلات بيع الكحول وقتل باعتها والعاملين فيها، كما سعت بمنع الحفلات الغنائية والمناسبات والمهرجانات ، على سبيل المثال مثلما حدث في مهرجان بابل الأخير واقتحام مدينة السندباد من قبل ميليشياتها إلى جانب تنظيم  الهجمات على عيادات التجميل وصالونات حلاقة وقتل العديد من النساء في وضح النهار.
في هذا المشهد الدرامي يتصارع اليوم جناحي الإسلام السياسي الشيعي على السلطة، جناح التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي يمتلك ذراع مليشيات يسمى بـ سرايا السلام وجناح تحالف الميليشيات الذي يسمى بالإطار التنسيقي ويقودها المالكي-الفياض-العامري، والجدير بالذكر أن قانون الانتخابات يمنع مشاركة قوى ميلشياتيه في الانتخابات أو أي طرف له علاقة بأذرع عسكرية، ولكن من المثير للسخرية أنَّ لوحة المشاركين في الانتخابات، التي تتعلق عناصرها بالبيت الشيعي والتي وصلت الى البرلمان تمتلك مليشيات ممولة من موازنة الدولة.

المشترك بين الاخوة التوائم في البيت الشيعي:

كلا الجناحين التوأمين في البيت الشيعي متفقان على البرنامج الاقتصادي الذي وضعه بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال الأمريكي في عام ٢٠٠٣ بالتنسيق والتعاون مع صندوق التنمية الأمريكي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أي أنَّ كلا الجناحين ليس لديهما مشكلة في تعطيل ٢٠٠ مصنع من كبريات المصانع في الشرق الأوسط مثل البتروكيماويات والحديد والصلب والورق وصناعة المركبات الثقيلة والمتوسطة عبر عدم تزويدها بالطاقة الكهربائية والتمويل الحكومي، كما أنهما متفقان في تخفيض قيمة العملة المحلية الدينار مقابل الدولار، ومتفقين أيضا بعدم تشغيل العاملين في القطاع الحكومي بعقود دائمة تجنباً لمنحهم الضمان الاجتماعي أثناء حوادث العمل أو الاستغناء عنهم وحرمانهم من العلاوة والترقية والضمان الصحي والتقاعد، ومتفقين أيضا على تحويل العراق إلى سوق عمالة رخيصة يحرم العمال من حقوقهم في التظاهر والإضراب والتنظيم في حالة أي نزاع بينهم وبين صاحب العمل  لتشجيع الشركات الأجنبية بالاستثمار في العراق كما نراه في شركات النفطية مثل بي بي البريطانية وبتروجاينا الصينية واكسيون موبايل الامريكية وتوتال الفرنسية و روز نفط الروسية  وايني الإيطالية، حيث يتعرض العمال إلى شروط عمل قاسية بالإضافة الى تفشي أمراض السرطان في صفوفهم.
نقول إن جناح الصدر وجناح الإطار التنسيقي ليس لديه أية مشكلة مع البرنامج الاقتصادي لحكومة الكاظمي أو الحكومات التي سبقتها، طالما يؤمن استقرار السوق العراقية ويربطه بالسوق الرأسمالية العالمية، في الوقت الذي يتحمل العمال والموظفين والمتقاعدين والعاطلين عن العمل أعباء الأزمة الاقتصادية، في حين لا يمس البرنامج الاقتصادي المذكور امتيازاتهم وعمولاتهم، كما انهما متوائمان في فرض الأسلمة للمجتمع العراقي مثلما ذكرنا، بيد أن المعضلة الأصلية هي في مشروعهما لإدارة السلطة.
وبهذه المناسبة يجدر بالذكر أن فشل حركة الصدر الأخيرة بالاعتصام أمام مجلس القضاء الأعلى، جاءت على اثر استرداد زمام المبادرة من قبل جماعة الإطار التنسيقي، حيث أخذت الضوء الأخضر من طهران بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس مليشيات الحشد الشعبي فالح الفياض (تغيير في العوامل الإقليمية والدولية سنخصص له مقال آخر)، وقد ادخل قواته في حال إنذار وهدد الى جانب قادة الإطار التنسيقي بأنهم ملزمين بالدفاع عن الدولة والدستور والاستعداد بقمع الاعتصام دون أي تردد، وهذا ما دفع الكاظمي بالتصريح بأنه على القوى الأمنية الابتعاد عن الانجرار وراء الصراعات السياسية.

الأغلبية الصامتة وحكومة الأغلبية:

بعبارة أخرى فإنَّ محاولة إيصال المجتمع العراقي الى الانحطاط السياسي والتدهور الاجتماعي والانهيار الاقتصادي هو بسبب الإسلام السياسي و مشروعه الفاشل خلال ما يقارب عقدين من الزمن، وهذا يفسر أيضا توسع مساحة النزعة المعادية للإسلام السياسي من قبل الجماهير، ويوضح سر المقاطعة لانتخابات أكتوبر ٢٠٢١ التي وصلت الى نسبة اكثر من ٨٠٪، علماً بأنَّ الصدر وتياره السياسي يدركون هذه الحقيقة المرة، لذلك نراه يطّعم خطابه السياسي بنغمات وطنية رومانسية لذر الرماد في العيون وإبراز هوية مزورة بدل من هويته الإسلامية والطائفية وذلك لإخفاء قبحها كي يتجنب ابتعاد الجماهير المليونية منها.
ويجب أن ننوه الى أنَّ  عامل النزعة المعادية للإسلام السياسي في المجتمع العراقي يلعب دورا كبيرا في دفع التيار الصدري لطرح مشروعه السياسي عبر ما يسمى بحكومة الأغلبية، لأنه على دراية كاملة بأنَّ الأغلبية الصامتة التي فجرت انتفاضة أكتوبر إذا دخلت الميدان من جديد، فلن يقوم للإسلام السياسي ونظامه  قائم في العراق بل وحتى في المنطقة، وعليه في حكومة الأغلبية بالنسبة للصدر هي خطوة بالتنازل عن قسم من حصة الفساد مقارنة بحكومة توافقية ومنح فتاتها للجماهير التي يعيش أكثر من نصفها تحت خط الفقر، للجم أو الإبطاء من انفجار البركان بوجه كل السلطة السياسية، كما عشنا فصولها في أيام انتفاضة أكتوبر. ولو لم يكن هناك التنسيق والتعاون بين الجناح الموالي لإيران الذي سلط قناصته في قتل أكثر من ٨٠٠ شخص وجرح ما يقارب ٢٠ ألف متظاهر وبين التيار الصدري الذي حرق خيام المتظاهرين وقامت ميلشياته في مهاجمتهم بالسكاكين والهراوات، والإتيان بحكومة الكاظمي لإنقاذ النظام السياسي ومجمل العملية السياسية، لأعيد بالإسلام السياسي الى متاحف التاريخ، ولكان شخصياته ورموزه يقبعون خلف القضبان ويسوقون إلى المحاكم العلنية جراء جرائمهم ونهبهم وسلبهم.
إنَّ القلق والخوف والريبة يتعلق بالمستقبل الذي يخيم هذه الأيام على المجتمع العراقي بسبب هذه السلطة الإسلامية المليشياتية، وكأنَّ أكثر من عقدين من الزمن لم تكفيهم من إراقة دماء الآلاف المؤلفة من جماهير العراق تارة بالقتل على الهوية وأخرى بالحرب على الإرهاب ومرة بالقمع الوحشي لمطالب الأغلبية المطلقة من جماهير العراق المتعلقة بالحرية والمساواة وتوفير فرص عمل، وكل ذلك من أجل نهب أكثر ما يمكن من نهبه، واليوم نراهم يدفعون المجتمع إلى فوضى أمنية وسياسية.

هذه الصورة التي نعرضها، يحاول العديد من المدافعين عن العملية السياسية وكل النظام السياسي، حجبها، سواء بماهية هذه السلطة الرجعية، أو بتسويق نظرية أزلية من أجل إبقاء هذا النظام، بغية إحباط أية محاولة لوضع حد لمأساة جماهير العراق، وقد بلع عدد ليس بقليل طعم هذه الدعايات. ويجدر بالاشارة أنَّ حركة الصدر الأخيرة سواء فشلت او نجحت في تحقيق مطالبها في حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة التي لن تفضي إلا نفس السيناريو الذي  يسمونه بالانسداد السياسي ومن الممكن حدوث ما هو أسوأ منه، فإن ما سينتج هو تعويم فكرة مفادها إما الانتظار ل"صحوة ضمير" تحدث لممثلي التيار الإسلامي إمثال الفياض والمالكي والصدر والخزعلي والحكيم العبادي والعامري..الخ، حيث يعلنوا عن توبتهم ويسلموا انفسهم الى المحاكم ،وهو ما يعادل ذلك المثل القائل بأن دخول الجمل في ثقب إبرة ايسر من توبة أولئك، أو التسليم والاستلام للقدر الذي حدده هذا التيار الإسلامي وأثبت بشكل قاطع  طوال عقدين من الزمن بأنه لا يجيد غير القتل والنهب.
بيد أن الحقيقة المرعبة التي يخشى منها نفس التيار لأنه جرب بنفسه، هي أن الأغلبية الصامتة اليوم أو المتفرجة لم تقل كلمتها الى الآن، فكما أسقطت حكومة عبد المهدي التي وقفت خلفها قناصات جماعات قاسم السليماني-المالكي، لن تخونها جسارتها الثورية في رمي السلطة الإسلامية المليشياتية خارج المكان والزمان التي ما زالت  أصوات ناقوس انتفاضة أكتوبر تصم آذانهم .




 


 




36

كلمة الى فعالي ونشطاء انتفاضة تشرين اكتوبر
حول دعوة الصدر للقاء التشرينيين

سمير عادل

 تجري محاولات من قبل التيار الصدري للقاء فعالي ونشطاء انتفاضة اكتوبر، وتشير بعض الاخبار ان مقتدى الصدر أرسل في دعوة عدد منهم، لعقد مؤتمر صحفي مشترك في الحنانة، وانه،اي الصدر، ابدى استعداده لتقديم أي من عناصره الى المحاكمة إذا قدموا دليلا على تورطهم بالتعدي على متظاهري انتفاضة اكتوبر او تورطهم في عمليات الفساد.
وأدت دعوة الصدر هذه الى زيادة نشر الضبابية والأوهام في صفوف ليس فقط  فعالي ونشطاء انتفاضة اكتوبر فحسب، بل ايضا في صفوف عدد غير قليل من الجماهير.
 
السؤال المطروح اليوم لماذا يحتاج الصدر الى (التشرينيين)؟ بالرغم انه لا يحتاج اضافة زخم جماهيري الى تظاهراته، كما يقول بعض نشطاء انتفاضة أكتوبر عبر الفيديوهات التي أطلقوها على شبكات التواصل الاجتماعي، ويستخلصون منها صدق نوايا الصدر في دعوته الإصلاحية.
 
ان الصدر وتياره السياسي يدركان جيدا عمق انتفاضة أكتوبر في وجدان جماهير العراق وأثرها في قلب صفحات كل التاريخ العراقي الحديث، وخاصة بعد غزو واحتلال العراق، وتنصيب عصابات الإسلام السياسي في سدة السلطة وتسليطهم على رقاب الجماهير. إن عمق انتفاضة أكتوبر ليس فقط في مساحة وحجم المشاركة التي هي الأعظم بأضعاف من تظاهرات التيار الصدري اليوم، ولا بالأقسام الاجتماعية التي شاركت فيها من ملايين العاطلين عن العمل الذين أشعلوا فتيل الانتفاضة والالاف المؤلفة من النساء اللواتي رفعن بشعار (شلع قلع والي كايل وياهم) بالرد على مطالبة الصدر بالفصل بين الذكور والإناث في الانتفاضة، ولا بالآلاف من عمال العقود والاجور، او بالقوة الهائلة العددية لطلبة الاعداديات والمعاهد والجامعات، وعلى ضفاف تلك الانتفاضة، تضامنت معهم جميع الشرائح الاجتماعية من العمال عبر تظاهراتهم في مواقع العمل في النفط والموانئ والكهرباء، كما شاركت نقابات المعلمين والأساتذة الجامعيين والمحامين والمثقفين من الشعراء والرسامين والفنانين. الخ. وكانت النزعة السائدة فيها، هي ضديتها ومعاداتها المطلقة للطائفية والإسلام السياسي، وضديتها لكل رموز الجمهورية الاسلامية في إيران عراب الإسلام السياسي في المنطقة والعالم. وأكثر من كل ذلك أن كل الترهات الطائفية حول “مظلومية الشيعة” التي نسجت خيوطها منذ مؤتمر لندن عام ٢٠٠٢ عشية غزو العراق لتمرير التقسيم الطائفي لجماهير العراق واضفاء الشرعية على غزو واحتلال العراق، تمزقت وتطايرت أمام العصف الهائل لرياح انتفاضة اكتوبر. فالانتفاضة ضربت قلاع البيت السياسي الطائفي الشيعي، وهي المدن الجنوبية ومناطق نفوذه في بغداد مثل مدينة الثورة والشعلة والحرية والحسينية. الخ. ان كل الهالات التي صنعتها السلطة الطائفية للإسلام السياسي الشيعي منذ عام ٢٠٠٥ من تنظيم المناسبات الدينية المهولة وتعطيل الحياة اليومية في المجتمع العراقي عبر إعلان العطل الرسمية الى الحد الذي قدمت مشروع قانون (العطل الرسمية) الى البرلمان يطالب ب ١٥٢ يوم عطلة رسمية، حيث ان اكثر من ٩٠٪ منها مناسبات شيعية، اضافة الى بذخ الاموال المسروقة من جيبونا وعرقنا على الولائم والابواق والملالي والروزخونيات.. كل تلك انهارت أمام عاصفة انتفاضة اكتوبر. وعلى هذه الارضية الاجتماعية والسياسية فقد الاسلام السياسي الشيعي ولأول مرة سلطته التنفيذية بعد ما يقارب أكثر من عقد ونصف، وتم تنصيب الكاظمي رئيسا للحكومة على مضض.
 
ان الصدر وتياره السياسي يدركان جيدا أن الشرعية لا تكتسب بتظاهراته مهما بلغت أعداد جماهيره والمتوهمين به، فدون جلب جماهير انتفاضة اكتوبر، ودون كسب نشطائها وفاعليها، فشرعيته على المحك.
 
ومن الجانب الآخر يريد الصدر خلط الأوراق أمام منافسيه في الإطار التنسيقي واخوته التوائم في البيت الطائفي الشيعي، فعند دخول فعالي ونشطاء انتفاضة أكتوبر على خط تظاهرات الصدر وتأييدهم لها، سوف يعني ذلك ذر الرماد في العيون وتسويق تصور بأن المطالب التي يرفعها التيار الصدري هي نفس مطالب انتفاضة أكتوبر التي أسقطت حكومة عبد المهدي وفرضت انتخابات مبكرة لتغيير المعادلة السياسية.
 
بمعنى آخر يتبين ان الاعداد التي تشارك في تظاهرات الصدر لا تعطي حقانية لمطالبهم، وان الزخم الكبير الذي اكتسبه الصدر اليوم، هو لان انتفاضة أكتوبر لم تصل الى كنس كل قوى الإسلام السياسي وسلطته الجائرة اولا، وثانيا لان الجماهير ليس لها بديل ولم تر بديل اخر، ولذلك يلهثون وراء السراب، وراء مقتدى الصدر في محاولة لتصديقه.
 
ان مقتدى الصدر اليوم وتياره السياسي بأمس الحاجة لنا، بأمس الحاجة لفعالي ونشطاء انتفاضة أكتوبر لمسح كل جرائمهم في الفساد المالي والاداري والسياسي وتورط مليشياته منذ صولات جيش المهدي التي اشتهرت وذاع صيتها بعمليات القتل على الهوية وقمع الحريات واشاعة الفوضى في المجتمع العراقي. بدون جماهير انتفاضة اكتوبر فلا حقانية لتظاهراته ولا شرعية لاحتجاجاته، لذلك يسعى الصدر الى تغليف تظاهراته وطلائها باصباغ انتفاضة أكتوبر.
 
وعليه إن غاية مؤتمره الصحفي مع عدد من وجوه فعالي انتفاضة أكتوبر هو انتزاع بصمة التشرينيين عبر التقاط الصور معهم كما فعل من قبل مع الحزب الشيوعي العراقي وتشكيل تحالف (سائرون) للتغطية على فساد تياره السياسي وجرائم ميلشياته، وبعد ذلك أدار الظهر لهم.
ان الصدر كما أوضحنا في ملفه الذي قدمناه (لا يمكنه حجب الحقيقة وتضليل الجماهير) في ردنا على كلمته، لا يمكن له بجرة قلم وبكلمة "طيبة" القفز على سبعة عشر عام من الفساد الاداري والمالي والسياسي وتشكيل المليشيات والتغلغل في الاجهزة الامنية والتورط بعمليات الخطف والقتل، حيث كان أحد اللاعبين الرئيسيين في البيت الطائفي السياسي الشيعي.
 
انه لسذاجة سياسية ان تنطلي علينا لعبته الجديدة هذه المرة ايضا وتحت نفس العنوان والسيناريو الذي أسدل الستار على انتفاضة أكتوبر وهو حل البرلمان وانتخابات مبكرة.
 
إن دعوة التشرينيين للتحاور معهم يكشف عن انسداد الأفق السياسي للتيار الصدري وزعيمه، فلا تنخدعوا بدعوة الصدر كما خدع قسم من الفعالين بالكاظمي وحكومته. ان الصدر يريد استخدامكم لتجميل صورته قبل كل شيء ومسح ملفه وتاريخه خلال العقدين المنصرمين. إن مجرد توقيعه تارة ب"حفيد الحسين" في بيانه الاخير، وتصدير نفسه وجماعته كمدافع عن المذهب والإسلام كما فعل عشية انتخابات العام الماضي، تارة اخرى، يدل على أنه بعيد عن الحركة التي فجرت انتفاضة اكتوبر. وها هو يسمي تظاهراته والانقلاب على جماعته في البيت الشيعي بالثورة العاشورائية. اي أنه مصر على الانتقام من انتفاضة أكتوبر وسلب هويتها المعادية للإسلام السياسي واضفاء هوية طائفية على انقلابه السياسي.
 
أما التطبيل الاعلامي حول ما يسمى باستجابة العشائر لدعوات الصدر للمشاركة في تظاهراته، فهو ليس أكثر من زيادة ذر الرماد في العيون، لإعطاء هالة كاذبة عن الزخم الاجتماعي للتظاهرات. فالعشائر كانت بعيدة كل البعد عن انتفاضة اكتوبر، لان الانتفاضة كانت تعبير عن مدنية وتحضر المجتمع العراقي، فغابت صولات وجولات العشائر، بالرغم من كل محاولات الإسلام السياسي لسلب تلك الهوية منها. والعشائر التي تشارك اليوم في تظاهرات الصدر عبر لافتات مدفوعة الثمن من مالية التيار الصدري، وبموازاة مشاركة عناوين عشائر اخرى  في تظاهرات الإطار التنسيقي وتحت عنوان الدفاع عن الدولة ومؤسساتها، نقول هذه العشائر هي عبارة عن مجموعة من المرتزقة مدفوعي الأجر كما كان ايام نظام صدام حسين بعد انتفاضة اذار ١٩٩١ عندما دمرت الاجهزة القمعية للنظام، حيث عملت كجزء من المنظومة الامنية والاستخباراتية والعسكرية المعادية للجماهير، وكان صدام حسين يغدق عليهم الاموال كما سار على نهجه المالكي  والصدر وكل قوى الاسلام السياسي. ان العشائر هم تسميات لمجموعات من المافيات والمليشيات الملحقة بجماعات الإسلام السياسي. والتضخيم من مشاركة حجم العشائر ليس أكثر من دليل آخر على المحتوى الرجعي لتظاهرات الصدر، وسعيه لإضفاء الطابع الاجتماعي المخادع على تظاهراته.
 
وحتى رفع شعار لا للوجوه القديمة للصدر هو لعبة سمجة لا تنطلي على الجماهير. ان سلطة الاسلام السياسي الفاسدة، برأسيه التنسيقي او التيار الصدري قادرة على انتاج وجوه جديدة أكثر قبحا من قيادات الصف الاول، ولكن بقناع يخفي ذلك القبح، طالما تمسك بمقدرات المجتمع وثرواته، فالكاظمي على سبيل المثال لا الحصر لم يكن من الوجوه القديمة، إلا انه ذهب في التشديد وتوسيع مساحة إفقار الجماهير وزيادة بؤسهم وتنفيذ مشاريع المؤسسات المالية الامريكية، فيما لم يتجرأ أي من الوجوه القديمة للإسلام السياسي في تنفيذها، هذا ناهيك عن إطلاق العنان للمليشيات وخاصة الصدرية في قتل الجماهير في انتفاضة أكتوبر.
 
ليس في جعبة الصدر أي شيء يعطيه للجماهير. أن شعاره الوحيد محاربة الفساد وعدم السماح لتكرار وجوه الفاسدين في المشهد السياسي، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه.
 
واخيرا نؤكد من جديد، لا أمن ولا أمان بوجود الإسلام السياسي. لقد جربنا سلطة الإسلام السياسي سواء في المركز او في المحافظات، فهم أبعد ما يكون عن توفير الحريات والخدمات واحترام كرامة الإنسان. اياكم ان تنطلي لعبة الصدر عليكم وتبلعوا الطعم.. افصلوا انفسكم عن حركة الصدر الرجعية، ونظموا صفوفكم بعيدا عنها وتحت أفق وشعار (كلهم يعني كلهم)، شعار انتفاضة أكتوبر العظيمة.

37
لا يمكنه تضليل الجماهير وحجب الحقيقة
في الرد على بيان الصدر الاخير

 
 
سمير عادل
الحقيقة كأشعة الشمس لا يمكنك حجبها بالغربال.
بذل مقتدى الصدر جهودا مضنية في خطابه او بيانه الاخير  كي يحجب الحقيقة عن الجماهير وتضليلها عن الاهداف التي يخفيها، وتسويق صورة مخادعة عن الفساد والمطالب العادلة للجماهير وصراعه على السلطة وإضفاء صبغة ألوهية ودينية على شخصه، كي يفوت الفرصة لأي نقد لمواقفه وسياسات تياره، التي لم تختلف قيد أنملة عن اخوته الاعداء في الاطار التنسيقي وتحديدا غريمه نوري المالكي، وخلال ما يقارب عن عقد ونصف من عمر العملية السياسية في العراق .
- ان الصدر وتياره السياسي استأثر بالسلطة السياسية، وهو احد دعامات البيت الطائفي الشيعي الذي مسك بزمام السلطة التنفيذية مدة سبعة عشر عام، ولم يغادر ولو مرة خيمة البيت الشيعي عند المفاوضات والمباحثات حول تشكيل حكومة الجعفري والمالكي والعبادي وعبد المهدي واخرها الكاظمي، وكان يصارع مثل الاخرين على حصته في الوزارات والمناصب الخاصة. وكل المزايدات السياسية اليوم تخفي في طياتها صراعه على السلطة.
وعلى الصدر بالرد على السؤال الذي يطرحه المواطن البسيط؛ ماذا يسمى وجودك وتيارك في المحاصصة السياسية طوال ما يقارب عقدين من الزمن؟ هل شبعتَ واكتنزت مما غنمت ولم تعد بحاجة الى تراكم الثروات لتعلن التوبة بسبب صحوة ضمير في غفلة من الزمن!. وإذا قبلنا توبتك، فهل تدرك بأنه ليس هناك تقادم على الجرائم مهما طال الزمن. أن ميليشياتك مسؤولة عن التطهير الطائفي والقتل على الهوية من المئات من الابرياء بين عامي ٢٠٠٦-٢٠٠٨ من أجل تغيير المعادلة السياسية لصالح بيتك الطائفي الشيعي من اجل الانفراد بالسلطة على حساب الإسلام السياسي السني والتيار العروبي ، فمن فضلك قل لنا بماذا ترد على هذا السؤال؟
- أنه يدعي بأنه يحارب الفساد وليس لديه مصلحة شخصية، ونحن نقول للجماهير على الصدر وتياره السياسي وقادته الكشف عن ما يملك امامكم من أموال منقولة وغير منقولة، وعلى أعضاء تياره السياسي بدا من نائب رئيس البرلمان حاكم الزاملي وبقية نوابه في البرلمان السابقين واللاحقين والمستقيلين الكشف عن ما يملكون. ان (الكصكوصة) التي يتحدث الصدر إلينا عنها ويتباهى بها، بل وحتى اصم آذاننا بسبب العدد المرات التي دقت الطبول لها، هي في الحقيقة عن اولئك الذين فاحت منهم رائحة الفساد وباتت تزكم الأنوف وتحرجه وتياره السياسي ولا يمكن غض الطرف عنهم، ولذلك ذهب الى تنحيتهم. من جهة اخرى ان الصدر ينصب نفسه القاضي ويحاكم من وصلت إليه (الكصكوصة) حسب ادعاءاته، في الوقت الذي يجب أن يتحول اولئك الى القضاء. الا ان هذه المسالة تكشف عن ان الصدر لا يريد فضح جماعته الذين بدورهم سيدلون باعترافات بما لا يحمد عقباه. بيد ان الاهم في كل هذا يؤكد بأن لا قانون في العراق غير قانون الميليشيات. فهل أصدر يوما ما القضاء او أية محكمة قرارا قضائيا باستدعاء والتحقيق مع اولئك الذين وصلت إليهم (الكصكوصة)!!!
اما النقطة الاخرى في هذا المضمار، على الجماهير أن تسأل مقتدى الصدر من أين يمول ميليشياته (سرايا السلام)؟ أن عديد عناصره يبلغ من ٣٠٠٠-٥٠٠٠ عنصر يتقاضون المعاشات والرواتب بشكل منتظم. اذا لم تكن تلك الأموال التي يمول بها ميليشياته من عمليات النهب والفساد والاتاوات والاستحواذ على الساحات العامة لتحويلها الى كراجات وريع مطار النجف والعمولات التي يحصل من وزرائه والمناصب الخاصة، فهل يخبر الصدر الجماهير من أين له هذه الاموال؟!!
- ان مليشيات التيار الصدري (القبعات الزرقاء) مع ميلشيات الطرف الثالث في الاطار التنسيقي متورطة بقتل المتظاهرين وحرق خيامهم. على الصدر ان يقول للجماهير لماذا ميلشياته هجمت على خيام المتظاهرين بالسكاكين والهراوات وقتل عدد منهم في ساحات بغداد والنجف وكربلاء والبصرة والناصرية وبشكل علني وامام مرأى ومسمع القوات الامنية التابعة للكاظمي. فإذا كان الطرف الثالث اخفى راسه وقناصته ولم يعلن عن جرائمه في قتل المتظاهرين، فأن مليشيات القبعات الزرقاء كانت تشن الهجمات على خيام المتظاهرين بعد أن استنفذوا كل امكانياتهم باحتواء انتفاضة أكتوبر والالتفاف عليها مثل بقية الاحتجاجات الاخرى التي جرت في ٢٠١١ و٢٠٠١٥.
- ان الصدر  ولأول مرة اصاب كبد الحقيقة في خطابه، بأنه ليس هناك مشكلة شخصية في هذا الصراع الدائر بينهم وبين إخوته في الإطار. ونحن نؤكد على هذه الحقيقة، فان مقتدى الصدر انقذ نوري المالكي في ايام انتفاضة شباط ٢٠١١ من قبضة الجماهير عندما اجتاحت الاحتجاجات جميع مدن العراق، وظهر احد قيادي الصدر آنذاك وهو بهاء الاعرجي وشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وهو أكثر وزراء الصدر الذين وجهت إليه تهم الفساد، ليعزف وراء المايسترو المالكي بأن الاحتجاجات ورائها الاحتلال والقاعدة والبعث، وعندما فشلت تلك الدعايات في إيقاف الجموع الغفيرة التي خرجت ورفعت شعار (الشعب يريد اسقاط النظام)، هرع الصدر للإعلان بإعطاء ١٠٠ يوم فترة للمالكي من اجل الاصلاحات، كي يمتص غضب الجماهير والالتفاف على الانتفاضة، وحينها كان يملك التيار الصدري سته وزارات في حكومة المالكي. والجدير بالذكر أن مناطق نفوذ التيار الصدري سواء في مدينة الثورة في بغداد او في المدن الجنوبية، تزينها أكوام من الأزبال، ونقص الخدمات من مياه الشرب النظيفة والمستشفيات والكهرباء بشكل مريع. فأين الصدر ووزرائه في حربه على الفساد طوال هذه السنوات؟.
- على الجماهير ان تعي ان مقتدى الصدر مثله مثل باقي اخوته في البيت الطائفي الشيعي، لن يتورعوا في ارتكاب المجازر ودفع المجتمع العراقي الى أتون حرب أهلية من أجل مصالحهم الضيقة، وهم سادة واساتذه في توريط الجماهير. فكل مآسي العراق اضافة الى غزو واحتلال العراق، فان منظومة الإسلام السياسي التي يقودها البيت الطائفي الشيعي مسؤول بشكل مباشر عنها، بدءا من الحرب الاهلية التي كان ابطالها جيش المهدي في ٢٠٠٦ والذي تغير اسمه بعد ذلك الى (لواء الموعود) والان يحظى باسم اخر وهو (سرايا السلام)، مرورا بتسليم ثلث مساحة العراق على طبق من فضة الى داعش وكان بطلها حينها حزب الدعوة بزعامة المالكي، وانتهاء بالمجازر التي ارتكبت بحق المئات من شباب انتفاضة اكتوبر، وكانوا ابطالها هذه المرة ميليشيات الطرف الثالث الموالية لإيران والقبعات الزرقاء الاسم الآخر لميليشيات الصدر .
كما نذكّر الجماهير كيف ورط الصدر عناصر تياره المتوهمين به من العاطلين والمحرومين في عام ٢٠١٦ عندما نصب خيمته أمام المنطقة الخضراء وحرضهم لاقتحام اسواره مما ادى الى قتل عدد منهم في المرة الثانية، ليتوارى عن الأنظار ويختفي. وفي كل مرة يصل الى انسداد الافق السياسي، يورط جماعته، ويعلن مرة عن الاعتكاف ومرة الاعتزال من السياسة واخرى بالتفرغ للدراسة في الحوزة، وكان اخرها عشية الانتخابات اعلن بأنه سيموت او سيتعرض للاغتيال لاستجداء العواطف وتحريف الانظار عن تراجع نفوذه الاجتماعي...الخ.
فأننا نحذر الجماهير ان لا تكون طعما سهلا بيد الصدر ليتحولوا الى وقود في حرب ليست حربهم يريد زجهم فيها وتوريطهم.
- إن معضلة جماهير العراق ليست فقط المحاصصة السياسية التي تعني من الجانب الآخر التقسيم والتقاسم بين عمليات السرقة والنهب والفساد الإداري والسياسي، انما ايضا البرنامج الاقتصادي، السياسة الليبرالية الجديدة التي جاء بها الاحتلال وحاول رئيسه المدني بول بريمر بتطبيقها، الا أنه فشل، فيما نجح الكاظمي بالشروع بها وبمعية جميع الكتل السياسية بما فيهم التيار الصدري. ان محاولة الصدر وتياره بحصر كل مشكلة العراق بالمحاصصة انما محاولة جهنمية لإخفاء حقيقة البرنامج الاقتصادي للأخوة الأعداء في البيت الشيعي، طبعا يشاركهم ايضا (البيت القومي العروبي والكردايتي). بمعنى اخر ان الكتلة الصدرية الى جانب كل الكتل السياسية صوتت بالإجماع على تخفيض العملة المحلية وعلى الورقة البيضاء لحكومة الكاظمي. وان هذه السياسة كانت تبغي من ورائها تحميل العمال والموظفين والعاطلين عن العمل من الاناث والذكور، والطلبة وزر الازمة الاقتصادية وتحميل ضريبة سرقاتهم ونهبهم على كاهل أولئك المحرومين. بمعنى اخر ان الصدر يدرك هذا، ولكن يحاول طمس هذه الحقيقة ولا يتحدث عنها. وكل ما ذهب إليه حاكم الزاملي عندما كان النائب الاول لرئيس البرلمان وتياره قبل استقالتهم الاخيرة هو إطلاق عدد من القنابل الدخانية حول مسائلة وزير المالية عبد الامير علاوي في البرلمان، لذر الرماد في العيون وتضليل الجماهير واخفاء حقيقتهم المعادية لمصالح العمال والكادحين، وأنهم لا يختلفون عن اخوتهم الاعداء في العملية السياسية.
- أما حول قمع الصدر للحريات فحدث ولا حرج. طبعا ليس هناك المجال لفتح ملفات معاداتهم للنساء بدليل لا وجود حتى لظل امرأة  في تظاهراتهم وسنكتب عنها في فرصة اخرى، ولا عن ملف معاملة المثليين وقد اشرنا اليه سابقا في مناسبات اخرى، ونؤكد للجماهير ان اية حكومة يشكلها الصدر تعني الضرب بيد من حديد كل مخالفيهم كما رأينا في انتفاضة اكتوبر على سبيل المثال وليس الحصر، وأن  عدد الفيديوهات وخاصة بعد اسدال انتفاضة أكتوبر الستار عن فصلها الأول تظهر مليشيات الصدر تعذيب المعارضين والمخالفين وتطالبهم بالتوبة والغفران من مقتدى الصدر او يطالب أهاليهم بالتبريء من ابنائهم. وكانت تنشر بشكل اوسع بينما والرقابة الالكترونية لحكومة الكاظمي تتفرج دون  ابداء اي رد فعل.
- ان مطالبة الصدر اليوم بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة هي تعبير عن المأزق السياسي وانعدام الافق عند التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر. فهو يريد منفذا لما ذهب اليه، لأن أية انتخابات مهما كانت نتيجتها حتى لو حاز الصدر على جميع مقاعد البرلمان فليس بإمكانه تشكيل حكومة على هواه وسيعاد نفس سيناريو الامس، لان من يحسم تشكيل الحكومة في العراق هي الميليشيات. ويدرك الصدر هذه الحقيقة إلا أنه لن يستطع الذهاب ابعد مما دفع اليه جماعته في افتراش ارض البرلمان وأكل ما لذ وطاب في حفلات الولائم التي اعد لها وسخرت الاموال المهوله للانفاق عليها (من اين لك هذا)  كما تنقلها شاشات الفضائيات مع التقاط صور السيلفي.
- واخيرا ان الصدر يذيل توقيعه على البيان (حفيد الحسين). اننا نلفت انتباه الجماهير ان الصدر يبغي وراء هذه الممارسة شيئين، الأول هو سحب البساط من تحت اقدام الاطار التنسيقي بأنه هو الممثل الحقيقي للشيعة، وبهذا يصطف من جديد ويبين تمسكه الطائفي وإعداد هويته الطائفية لإبرازها عند الحاجة. اما الثاني هو محاولة لإضفاء الالوهية والتقديس على شخصه للوقوف بوجه أي نقد سياسي تجاه شخصه.
كلمتنا لجماهير العراق .. ليس في جعبة الصدر أي شيء لكم، انه يدعو الى الاعتصام حتى تحقيق مطالبكم كما ادعى في كلمته. ولكن ما هذه المطالب ؟ فلم يقول لنا عنها شيء. انها مطلبه هو، وليس اكثر من تشكيل حكومته يديرها هو وتياره السياسي.اما مطالب الجماهير فهي:
-محاكمة قتلة المتظاهرين.
-فتح ملفات الفساد في محاكم علنية (من اين لك هذا؟).
-حل المليشيات تحت اية مسميات.
-ضمان بطالة لكل الاناث والذكور لمن بلغ عمره ١٦ عام وما فوق، حتى حين توفير فرص عمل مناسب.
-رفع الحد الادنى للأجور والمعاشات بما يتناسب مع القدرة الشرائية والتضخم.
-المساواة التامة بين المرأة والرجل.
-إلغاء الورقة البيضاء.
- أن تكون رواتب ومعاشات النواب والوزراء واصحاب المناصب الخاصة مساويا لراتب العامل الماهر
ان الصدر وتياره بعيد عن هذه المطالب ولن يذهب الى تنفيذ اي واحد منها لأنها خطوة نحو هلاكه وهلاك تياره.

38
الشعبوية والديماغوجية في خطاب الصدر
يجب التصدي لها

سمير عادل

الطريق الى بر الأمان في العراق وتغيير النظام السياسي فيه يكون عن طريق رمي كل منظومة الإسلام السياسي الى خارج التاريخ. واي حديث عن الاصلاح وتغيير النظام السياسي في العراق عبر رجل دين معمم انتفخت جيوبه من الهب والسلب و تكرشت بطنه وبطون حاشيته طوال سنوات العملية السياسية، وكان أحد اعمدتها، هو محض هراء، ولا يعدو حديثه عن أي تغيير مهما كان ضئيلا يكون في أفضل أحواله شعارات مضللة وضربا من النفاق السياسي، يخفي في طياته تحقيق اجندات مشبوهة تجر الجماهير المحرومة الى كمين اقل ما يقال عنها الابادة الجماعية.

لغاية يوم أمس، كان التيار الصدري أحد اعمدة المحاصصة والفساد بامتياز، وأحد أعمدة تشكيل جميع حكومات المحاصصة السياسية بدئاً من الجعفري والمالكي والعبادي ومرورا بعبد المهدي وانتهاءاً بالكاظمي، ولم يسمع من الصدر إلا أصوات لإنقاذ تلك الحكومات وحصصه من الوزارات والمناصب الخاصة. اليوم وبعد التخبطات السياسية لهذا التيار الاسلامي الشعبوي كما اعتاد عليه المشهد السياسي العراقي بإستقالة نوابه من مجلس النواب وادعاءات زعيمه بالإنسحاب من العملية السياسية، يسعى ما لم يستطع من تحقيقه في البرلمان بالوصول إليه عبر التهديد بصليل بنادق ميليشياته وتظاهرات جماعته وبالتنسيق مع القوات الامنية التابعة للكاظمي وبالشعارات المضللة التي سرقها من انتفاضة اكتوبر.

التيار الصدري يدفع المجتمع نحو حافة الهاوية، مع الحرص بدقة متناهية وحذر من السقوط وجر اخوته الاعداء، وزعيمه مقتدى الصدر يدرك انه لم يعد بإمكانه حسم مسألة السلطة السياسية، لان العراق مقسم إلى ارض المليشيات، ومن يعتقد ان هناك انقلاب عسكري وبدعم جماعة الصدر له سيحدث وسيعمل على تغيير كل المنظومة السياسية في العراق، فهو لم يتعلم او لم يطلع بعد على دروس ماركس (الثامن عشر من برومير) و لينين (الدولة والثورة) عن الدولة.

في العراق، ومنذ الغزو وتدمير الاحتلال لآلة الدولة وتمزقت معها هويتها السياسية، لم تتشكل الدولة بالمعنى القانوني والسياسي والهوياتي. ورغم كل محاولات المالكي عندما تسلم الحكومة لمدة ثمانية أعوام عجاف وعموم منظومة الإسلام السياسي الشيعي بتشكيل الدولة، وظهرت تباشيرها تلوح بالأفق، إلا أنها سقطت وسمع دويها في ابعد نقطة من الكرة الارضية، و انهارت مع اعلان دولة الخلافة الاسلامية في ١٠ حزيران ٢٠١٤ في ثلث مساحة العراق. وكانت الجحافل الجرارة من الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والمحلية والقوات الامنية التي قدرت قوامها باكثر من ٦٠ ألف عنصر، تاركين ورائهم كامل عتادهم، تتسابق بالهروب بحثا عن الطرق والمنافذ إلى مدن أربيل وكركوك للنفاذ بجلدهم، وهي تجر اذيال الهزيمة والخيبة على يد عدو لا يتجاوز عديد عناصرها أكثر من ٢٠٠ مسلح. وكان تأسيس الحشد الشعبي من قبل نفس منظومة الإسلام السياسي هو سبيل آخر لإعادة تأسيس الدولة، وهذه المرة بهوية عقائدية طائفية تلعب دور الحرس الثوري الايراني او الباسداران، والإتعاظ من تجربة فشل الالة القمعية التي يتصدرها غياب العقيدة بمعناها العسكري والسياسي. وهذا يكمن خلف سر الحفاظ والدفاع وحتى الإستقتال بالأيدي والأسنان على هذه المؤسسة القمعية الجديدة بكل ما أوتي من أبواق دعائية وانتقاء هوية لها التي سموها (المقاومة والممانعة) وتخصيص جزء من موازنة الدولة السنوية لها تقدر باكثر من ملياري دولار لها. وفي مقابل ذلك ايضا يكشف عن سر خوف مقتدى الصدر وتياره من منظومة الحشد الشعبي الذي يشن بين بين الفترة والاخرى حملة سياسية عليها مرة يصفها بالمنفلتة واخرى بالوقحة ومرة بغير المنضبطة، والمطالبة تارة أما بحله أو بضمه إلى المؤسسة الامنية الحكومية للسيطرة عليها واحتوائها.

بهذا المعنى لن يستطيع الصدر وتياره بتغيير النظام السياسي في العراق ليس لأنه لا يستطيع وفق المعطيات المذكورة بل انه لا يريد ذلك ايضا، لأنه يدرك ان جميع اخوته الاعداء سواء التوائم في البيت الشيعي او بالرضاعة في البيت القومي بشقيه العروبي والكردي، سيجتمعون عليه وينهالون عليه بالضرب كما يقولون في العامية البغدادية الدارجة (كتلته يصير عمل شعبي).

وعلى هذه الارضية نفسها لن يغير حل البرلمان واجراء انتخابات جديدة المشهد السياسي، او بالأحرى معضلة الصراع على السلطة بين الأجنحة البرجوازية التي يمثلها منظومة الاسلام السياسي. فأياً كانت نتائج الانتخابات فلن يستطيع لا الخاسر من هذه القوى ولا الفائز تشكيل الحكومة، وسيعاد نفس السيناريو الحالي. فصناديق الانتخابات في دول فاشلة (غير قادرة على حماية مواطنيها- نعوم تشومسكي) مثل العراق ولبنان وليبيا واليمن لن تحسمها صناديق الانتخابات وبغض النظر عن نزاهتها من عدمها، إنما يحسمها صليل رصاص بنادق المليشيات. وقد يذهب الصدر الى “انتخابات جديدة” فقط لحفظ ماء وجهه والخروج من المأزق السياسي الذي وضع فيه نفسه منذ استقالة نوابه، وليس من اجل تغيير النظام السياسي او حتى المشهد السياسي وهذا ما يعيه الجميع. وبالنسبة لقوى سياسية اخرى عندما تطرح قضية الانتخابات فهي تدرك، أنها ليست من اجل حل الازمة بل من اجل ادارة الازمة وتأجيل انفجارها.

لا يمكن للصدر وتياره سرقة شعارات انتفاضة اكتوبر او انتفاضة تشرين، ولا يستطيع الصدر مهما أطلق من شعارات رنانة ان يكون ممثل للجماهير التحررية، ولا يمكنه ان يكون رمزاً ليس للتحرر الثوري فقط بل لا يستطيع ان يحدث اي اصلاح كما يدعي. وتجربتنا مع الصدر ليست قليلة، حيث لعب دورا عظيما خلال كل تلك السنوات بإنقاذ العملية السياسية عبر زج جماعته في كل التظاهرات والاحتجاجات الكبيرة التي هزت عرش منظومة سلطة الاسلام السياسي الشيعي، بدءاً من انتفاضة شباط ٢٠١١، ثم تظاهرات تموز ٢٠١٥، وبعد ذلك فشله في احتجاجات المدن الجنوبية في تموز ٢٠١٨ واخرها التنسيق مع قوات الأمن التابعة للكاظمي بقمع انتفاضة أكتوبر والسعي الحثيث لإطفاء جمرتها عبر ميليشياته القبعات الزرقاء.

إن قوة التيار الصدري تكمن بوجود ميليشياته التي يتم تغذيتها وتموليها وتدفع لها رواتب من كل عمليات السلب والنهب والسرقة والاتاوات التي يدعي الصدر انه يريد محاربتها. والسؤال الذي يغيب عن المتوهمين به او الذين يتوقعون عن طريقه تغيير النظام السياسي في العراق، هو من أين يتم تمويل هذه المليشيات المنظمة، وما هو اختلافها عن مليشيات عصائب اهل الحق وبدر وحزب الله وغيرهم، واقصد من جانب التمويل المالي! لماذا لا يفتح ملف تمويل هذه المليشيات؟ إذا قطع التمويل عن هذه المليشيات فلن يبق لهم غير الجعجعة الإعلامية في أفضل الأحوال. وعن طريق تلك الميليشيات ترهب المخالفين والمعارضين ويتم التصفية الجسدية لكل معارض لصدر، الم ينشروا فيديوهات عذبوا فيه ناشطين ومدونين واشخاص عاديين انتقدوا الصدر، وطالبوا منهم الاعتذار من الصدر او طالبوا من اهاليهم طلب الصفح والعفو من الصدر عبر التبرئ من أبنائهم . اذا جُرد الصدر من ميليشياته فسيكون في أفضل الاحوال مثل جلال الدين الصغير او عمار الحكيم. وتنطبق نفس الحالة على بقية قوى الاسلام السياسي الشيعي.

ولا يفوتنا ان نذكر ايضا وبكل شفافية، ان قوة الصدر تكمن ايضا في ضعفنا نحن الثوريين والتحرريين الذي لم نستطع إلى الان أن نكون أحد خيارات المجتمع بالرغم من كل مساعينا وعملنا الدؤوب. أن تيارنا هو أوسع قاعدة اجتماعية من التيار الصدري بأضعاف، وتبينه بشكل ساطع ودون اية مبالغة من قبل الجموع المليونية من العاطلين عن العمل والنساء التواقات للتحرر وعمال العقود والاجور وطلبة المدارس الاعدادية والمعاهد والجامعات الذين خرجوا في انتفاضة تشرين او اكتوبر العظيمة، وحيث تم ركن التيار الصدري جانباً، رغم تملقه بخطابه السياسي لحركتنا وتيارنا بتسويق شعاراته الشعبوية التي نراها اليوم، و بدفاعه عن مطالب الانتفاضة. وعندما فشل في كسب المنتفضين أو ركوب الاحتجاجات التي اعتاد عليها في السنوات السابقة، كشف عن وجه ليطالب بفصل الاناث عن الذكور، وعندما فشل في ذلك أيضا أوعز لميليشياته بالهجوم على خيام المنتفضين وتحت تواطؤ قوات الأمن التابعة للكاظمي.
بمعنى اخر ان التيار الصدري جزء من منظومة الإسلام السياسي التي شاركت مع بقية المليشيات الولائية في قتل المتظاهرين وحرق خيامهم كمحصلة نهائية. واجتمع الجميع، المليشيات المنضوية تحت لواء قائمة فتح التي يقودها العامري في البرلمان قبل الانتخابات الاخيرة ومليشيات التيار الصدري القبعات الزرقاء، بإختيار الكاظمي رئيسا للحكومة على انقاذ حكومة عبد المهدي، لإنقاذ العملية السياسية برمتها من قبضة انتفاضة اكتوبر.

ان المفارقة والتناقض في سقف التيار الصدري للمطالب، مثل تغيير النظام السياسي والدستور، هو أنه لم يطرح عن طريق اية الية يريد ذلك التغيير؟ وهذا السؤال يميط اللثام عن كمية التضليل والخداع الذي يغلفه الخطاب السياسي للتيار الصدري لجماهيره وعموم المجتمع العراقي. فتغيير النظام السياسي يعني نسف العملية السياسية بما فيه القضاء والسلطة التشريعية والتنفيذية وكل أركان الدولة من مؤسسات سياسية وقانونية وقمعية. إلا أن خطاب الصدر الذي وجه خلاله بالابتعاد عن مبنى القضاء والتعاون مع القوات الامنية وحصر اعتصامهم وتجمعهم في البرلمان وحول مبانيها وليس أكثر. وكأنه يريد الانتقام من المكان الذي أفشل مشروعه السياسي في تشكيل حكومة الاغلبية. اي بعبارة اخرى انه يريد توجيه صفعة لمجلس النواب عبر العبث بمقاعده وجلوس أنصاره عليها وهم يأخذون صور السيلفي كي يغيظ اخوته الأعداء التوائم.  في مقابل ذلك انه من الناحية العملية أي زعيم التيار او الوزير القائد او محمد صالح العراقي يريد وضع جماعته وحصرهم في مكان محدد وتجميدهم بحيث لا يؤثروا على سير عمل جميع المؤسسات الحكومية والحياة اليومية والروتينية وعدم تعطيل حياة العملية السياسية. اما آليات تغيير النظام السياسي، فليس امامه الا طريقين؛ اما الحرب الاهلية، او التغيير الثوري. اما بالنسبة للخيار الثاني فهو عدو التغيير الثوري لأنه يعني أن التغيير سيشمله وبلغته هو (شلع قلع)، وسيفتح التغيير الثوري او الثورة ملف قتلة المتظاهرين والفاسدين، وستفتح المحاكم ملف (من أين لك هذا؟) وستحل الثورة المليشيات.. الخ. اما الطريق الاول فقد تحدثنا عنه. اذن ان التيار الصدري يريد اللعب على مشاعر الناس عبر تجديد خطابه الشعبوي والقومي والخالي من اي محتوى سوى التنفيس عن حسرات المحرومين الذين يعبرون عن عوزهم وفقرهم عبر شاشات الفضائيات.

بمعنى اخر ان الصدر لن يستطيع ان يكون رمزا للتغيير الثوري في العراق، وليس في أجندته أي مشروع للتغيير، فتغيير النظام السياسي بحاجة إلى تغيير ثوري، والصدر الذي اجتمع مع هيئته السياسية قبل الانتخابات الاخيرة وتحدث لهم عن اهمية دور جماعته بالدفاع عن المذهب والإسلام والوطن. ووطن الصدر يعني دولة صدام حسين في أيام الحملة الايمانية التي أطلقها عام ١٩٩٦. دولة استبدادية يحكمها المعممين امثاله، دولة برنامجها الاقتصادي الليبرالية الجديدة، وهي تنصل الدولة من كل مسؤولياتها تجاه المجتمع، وشاهدنا كيف صوتت جماعته خلسة على تخفيض العملة المحلية والورقة البيضاء التي جاءت بها حكومة الكاظمي لإدامة الفساد بأنواعه، وتحميل العمال والموظفين أحمال جديدة وجعلهم يدفعون ثمن سنوات نهبهم وسرقة أموالهم في تأسيس الشركات والمولات والبنوك، دولة ليس فيه أية حريات فردية وانسانية، دولة فيها الإسلام هو الحكم والفيصل، دولة تضرب أعناق النساء إذا طالبن بالتحرر. دولة قومية بغلاف إسلامي تضرب بيد من حديد اية قوة تطالب المساواة وتطالب توزيع الثروات على الجماهير العمالية والكادحة.

إن حركة الصدر هي حركة رجعية بامتياز وتهدد أمن وسلامة المجتمع، وهدفها هو تأسيس حكومة تلبي طموحات التيار الصدري كجناح من أجنحة الطبقة البرجوازية التي يمثلها الإسلام السياسي. ان التصدي لمثل هذه الحركة سياسيا ودعائيا واجتماعيا وفضح شعارات الصدر وألاعيب تياره هو مهمة الثوريين والتحررين. ان التيار الصدري هو الوجه الآخر للإطار التنسيقي المليشياتي، وأن الخلاف بينهم هو جزء من صراع طبقة انتفخت جراء ما سرقتها لكل مقدرات المجتمع والجماهير وتريد استثمار ما نهبتها عبر مشروعه السياسي الذي لن يتم دون الفوز بالسلطة السياسية. وهي لن تتورع بارتكاب المجازر من اجل تلك السلطة. إن تغيير النظام السياسي مرهون بالحركة الثورية والاشتراكية، والصدر وتياره غريب عليها ولا ينتمي لها وأكثر من ذلك انه الد اعدائها .

39
بين تراجيديا ومهزلة المشهد السياسي العراقي
سمير عادل
اقتحام المنطقة الخضراء من قبل جماعة الصدر و لمرتين متتاليتين خلال اسبوع واحد، وتواطؤ القوات الأمنية لحكومة الكاظمي توضح بشكل لا لبس فيه، بأن الصدر وتياره لن يتمكنوا الى ما لا نهاية بلعب دور سيارة اسعاف لإنقاذ العملية السياسية، والمضي دائما لاحتواء الاحتجاجات والتظاهرات التي تضرب معظم القطاعات في المجتمع من أجل فرص العمل وتوفير الخدمات وتحت عنوانها الرئيسي الإطاحة بسلطة الاسلام السياسي، وتتخللها في جوانب عديدة منها النزعة المعادية للنفوذ الإيراني ومليشياتها المنضوية تحت عباءة الحشد الشعبي.
قبل يوم واحد فقط من الاقتحام الأول للمنطقة الخضراء من قبل جماعة الصدر، فتحت القوات الامنية النار على تظاهرة الخريجين في محافظة السماوة بسبب مطالبتهم بفرص عمل، وتم جرح أكثر من ٤٠ شخص واعتقال عدد منهم. وفي نفس ذلك اليوم تم فتح النار على تظاهرة العاطلين عن العمل في محافظة ميسان امام شركة بتروجاينا النفطية، في حين اقتحمت جماعة الصدر المنطقة الخضراء بكل سهولة واستقبال القوات الامنية لهم بكل اريحية اذا لم نقل استقبالا حارا. واكثر ما يثير السخرية بنفس القدر من الحنق، ينفي الكاظمي اتهامات الاطار التنسيقي بتواطئ قواته وفتح المجال لجماعة الصدر للعبث في مبنى مجلس النواب، وقال انه يلتزم بالحيادية والاستقلالية!!!.
هذا المشهد الذي حدث يوم اقتحام جماعة الصدر للمنطقة الخضراء يعود بنا الى ايام انتفاضة اكتوبر، الانتفاضة التي صعد على اكتافها مصطفى الكاظمي الى سدة رئاسة الوزراء، ويومها قال انه سيحاكم قتلة المتظاهرين، والى يومنا هذا لم يعتقل اي من المجرمين الذين تلطخت اياديهم بدماء من طالب برغيف خبز وكرامة، له ولأسرته. وابعد من ذلك ان قوات الكاظمي الامنية وبالتنسيق مع القبعات الزرق التابعة للصدر كما حدث يوم الاقتحام، مع فارق واحد، هو الهجوم على المتظاهرين في ساحات التظاهرات في بغداد والبصرة والنجف وكربلاء وبابل لإطفاء جمرة انتفاضة اكتوبر الى الابد.
 الطريق مفتوح امام جماعة الصدر للعبث بكل شيء بما فيه قتل المتظاهرين في الساحات المذكورة من قبل مليشياتها، لانهم اصحاب مشروع سياسي يجد الكاظمي نفسه شريكا معه، وكذلك ان اقتحام المنطقة الخضراء مناورة لتمديد من عمر حكومته الى أجل مسمى. وايضا يستمد الكاظمي قوته وسطوته ضد المطالب العادلة للجماهير ويجد داعما لورقته البيضاء ومشاريع وزير ماليته التي رفعت من معدلات الفقر في العراق الى اضعاف قياسا قبل وصوله الى السلطة ناهيك عن رفع معدلات البطالة الى اكثر من ٤٠٪ ، وليس هناك أي بصيص أمل في تحسن الاوضاع المعيشية للجماهير. أما الطريق مغلق أمام متظاهري انتفاضة اكتوبر الى بوابة المنطقة الخضراء وليس اقتحامها، لانهم طالبوا برمي كل جماعة الاسلام السياسي خارج المجتمع وخارج الزمن واعادتهم الى كهوف العصر الحجري، لانهم رفعوا شعار (شلع قلع..والي كالي وياهم) اي يعني الصدر نفسه، لانهم طالبوا بمحاكمة قتلة المتظاهرين وكل الفاسدين بما فيهم وزراء الصدر الذين اوصلوا جماهير العراق منذ تشكيل حكومة الجعفري عام ٢٠٠٥ حتى يومنا هذا الى الفوضى الامنية والسياسية والى الافقار المدقع، والى تحويل العراق الى ساحة حرب تتبضع فيها المخابرات الاقليمية والدولية وكل أشكال العصابات والمليشيات، الم يعلن الطب العدلي قبل يومين في بيان رسمي باستقباله ٦٠٠ جثة في شهر حزيران فقط!!!
إذا كان التعامل السياسي الذي أقل ما يوصف بازدواجية المعايير من قبل حكومة الكاظمي مع المتظاهرين  الذي يصب في تراجيديا سياسية بالمعنى المطلق للكلمة، الا انه في الجانب الهزلي منه (بأن من يكذب ينسى ما يقوله)، فالصدر أعلن عن انسحابه من العملية السياسية كي لا يكون عائقا ويفتح المجال للقوى السياسية الاخرى بما فيها الاطار التنسيقي الموالي لإيران في تشكيل الحكومة حسب تصريحاته عندما اوعز باستقالة نوابه من البرلمان. لكنه سرعان ما نسى ما قاله، ليحرض جماعته برفض ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة من قبل الإطار التنسيقي. وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه في مقالات سابقة من ان التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر لا يمكنهم القفز على العملية السياسية وإلا سيكونوا امام خيارين احلاهما مر. الأول مواجهة اقصائهم سياسيا ويعني الاستحواذ على امتيازاتهم المادية التي كان يحصل عليها عبر وزرائه والمناصب الخاصة وبالتالي سيخسر من نفوذهم الاجتماعي وتقوض قاعدة مليشياتهم التي تمول من تلك الامتيازات وعمليات النهب والسرقة وكل اشكال افساد، أو الدخول في تطاحن مليشياتي مع اخوته الأعداء في ما يسمى بالبيت الشيعي للحفاظ على ما يمكن الاحتفاظ به فيما لو خرج بشكل نهائي من العملية السياسية. وكما قلنا ايضا ان الصدر في ورطة من امره التي هي ورطة مشروعه السياسي الذي أراد عبر آلية تشكيل حكومة الاغلبية في تنفيذه. وفي نفس السياق فأن الصدر ليس وحده في ورطة بل ان الاطار التنسيقي وكل قوى العملية السياسية في مأزق لا يحمد عقباه. وليس اعتذار قاسم الاعرجي عن ترشيحه لمنصب رئاسة الوزراء والذي كان أوفر حظا من السوداني إلا تعبير عن ذلك المأزق حيث قال الأعرجي في بيان اعتذاره بأن هناك انسداد سياسي. فحكومة توافقية تكون في أفضل أحوالها مثل حكومة عادل عبد المهدي التي ذهبت ولم تعد، وعندما سقطت لم يسمع لها اي صوت. وكل ما قيل حول تسريبات المالكي سواءً أكانت مؤامرة ضد المالكي او اي شيء اخر باتهام الصدر بالجبن، فلم تكن أكثر من بالونة اختبار لرد فعل الصدر الذي فهم منها الاطار التنسيقي بتشكيل حكومة على هواها دون اعتراض الصدر عليها. الا ان الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن الاطار التنسيقي وقائد الحرس الثوري في بغداد اسماعيل قاآني، الذي رد الصدر باقتحام قلعة صنع القرارات المشبوهة التي كانت دائما معادية لمصالح جماهير العراق. وكان تمرير الورقة البيضاء واحدة من تلك المشاريع التي صوتت عليها جماعة الصدر اضافة الى تمرير كل الحكومات المحاصصة الطائفية والقومية، التي نفخت جيوب الفاسدين وتغول المليشيات و باتت استحالة خروجها من بوابة تلك القلعة التي تسمى بمجلس النواب حتى عبر صناديق الاقتراع.
بيد ان المهزلة لا تكمن فقط عند تلك الحدود، بل عندما يذهب طرف خاسر في الانتخابات بتشكيل الحكومة، وهي سابقة لم تحدث حتى في الدول العريقة بالديمقراطية. وهذا يدل على الاحترام والتقدير الذي يكنه النظام السياسي في العراق لكل من يشارك في الانتخابات لحد تثمين الخاسرين واعطائهم الفرصة لتشكيل الحكومة. أليس هذا مهزلة قل نظيرها في العالم ويستحق الضحك على هذا المشهد بملء شدقينا.
مرة اخرى توضح لنا هذه اللقطات من المشهد السياسي على أن الانتخابات كذبة كبيرة، وليس الغرض منها إلا لتداول السلطة بين القوى المليشياتية، وان الصراع على السلطة السياسية هو صراع بين جماعات لها مليشيات مجرمة وهي وراء اقتحام المنطقة الخضراء دون اي عناء او مواجهة امنية من قبل دولة القانون التي يريد ترسيخها الكاظمي، تلك الدولة التي تفتح نيرانها على كل من يطالب بالحرية والمساواة وعيش كريم.
مرة اخرى نؤكد ان هذه الجماعات المتحاربة فيما بينها على السلطة السياسية سواءً أكانت جماعة الصدر او الاطار التنسيقي، هم أنفسهم أبطال الحرب الطائفية، ابطال القتل على الهوية، ابطال التغيير الديموغرافي، ابطال اعادة النساء الى البيوت، ابطال تهشيم رؤوس المثليين بالكتل الكونكريتية، ابطال السرقة والفساد، ابطال الاخفاء القسري في الطب العدلي في بغداد، ابطال فرض مشاريع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على العمال والموظفين والكادحين، وهم مستعدون لإشعال حرب اهلية جديدة فيما بينهم وإدخال المجتمع العراقي الى فوضى امنية من اجل السلطة وامتيازاتها المالية والسياسية، وإطعام ميليشياتهم على حساب الجماهير. إن الطريق الوحيد لإنقاذ العراق من هذه العصابات هو في انتفاضة جديدة اخرى تطرح بديلها هي، وهي حكومة ثورية مؤقتة. فلا حكومة توافقية او حكومة الاغلبية او انتقالية او طوارئ وانقاذ بإمكان انقاذ جماهير العراق من دوامة صراع هذه الجماعات التي فُرضت علينا بحراب الاحتلال.

40
صلاة الصدر في بغداد ودعوات الكاظمي في الرياض
سمير عادل

شهدت بغداد يوم الجمعة المصادف ١٥ تموز موجة خوف وقلق وتوجس وباتت شوارعها شبه خالية، بسبب صلاة الصدر في بغداد وتحديدا في مدينة الثورة التي تعتبر منطقة نفوذه، حيث دخلت ميليشيات الحشد الشعبي في حالة إنذار والاستعداد  لإحباط أية محاولة من قبل مليشيات الصدر بضربة استباقية ضدها. واضافت تسريبات نسبت للمالكي بوصف مقتدى الصدر بالجبان والإشادة بصولة الفرسان وهي الحملة التي قادها المالكي بدعم القوات الأمريكية في ربيع ٢٠٠٧ ضد جيش المهدي، بغض النظر عن صحتها من عدمها إذ سنعود إليها لاحقا، شكلت هـذه التسريبات عاملا آخرا في زيادة القلق والخوف من نشوب أية فوضى امنية، خاصة و ان عموم الجماهير في العراق وخاصة اهالي بغداد اختبرت الحرب الطائفية عام ٢٠٠٦ التي تركت جراح عميقة في ذاكرتهم و وجدانهم، حيث كانت مليشيا الصدر (جيش المهدي) أحد أبطالها الرئيسيين ارتكبوا  المجازر الطائفية، ولا تزال منطقة السدة في بغداد شاهداً على عدد الجثث المجهولة التي كانت تُرمى فيها بشكل يومي لأشهر عديدة، بالإضافة  لنهر دجلة الذي كان يغذي الأسماك بالجثث المغدورة، مصحوباً  بالطب العدلي الذي تحول إلى كمين الأهالي والأسر التي كانت تبحث عن ابنائها الغائبين المصنفين بالسنة، حيث تختفي كما اختفت ابنائها في عهد كان وزير الصحة أحد أعضاء التيار الصدري.
لم تكن مصادفة  بتزامن إعلان الصدر في تحديد موعد صلاته وجماعته مع زيارة الكاظمي الى السعودية للمشاركة في اجتماع يشارك فيه قادة الخليج ومصر والأردن. ووصفت كتلة الصادقون في البرلمان، وهي جماعة مليشيات عصائب اهل الحق التي يرئسها قيس الخزعلي، زيارة الكاظمي بالخيانة.
وكما شرحنا في أكثر من مناسبة فإن هناك مشروعين للطبقة الحاكمة في العراق، مشروع اعادة العراق الى (المحيط العربي) الذي يقف وراءه التيار الصدري ومن خلفه الولايات المتحدة الامريكية، ومشروع الحاق العراق بإيران الذي تقف خلفه روسيا والصين. والحق يقال كانت هناك محاولات لتعطيل مشاركة الكاظمي في اجتماع الرياض من قبل جماعة الإطار التنسيقي الموالين للمشروع الايراني، الا ان لعبة الصدر والاستعراض الذي قام به في صلاة الجمعة مع الحملة الدعائية التي سبقتها عبر تسريبات جماعته أنها ستقتحم المنطقة الخضراء كما فعلتها في عام ٢٠١٦ نجحت في بث الخوف والقلق في المعسكر المضاد واشغاله، مما دفع الأخير في تغيير أولوياته إلى رفع استعداده للمواجهة العسكرية. بعبارة اخرى نجح الصدر في تأمين حضور الكاظمي وسفره للمشاركة في تأسيس ناتو عربي ضد إيران ،حسب وصف الإعلام الغربي والإعلام المعادي للنفوذ الإيراني في المنطقة. وما ذهب إليه الصدر في تقديم مشروع قانون التطبيع مع اسرائيل لم يكن أكثر من ذر الرماد في العيون وسحب البساط من تحت أقدام منافسيه في معسكر ايران او معسكر المقاومة والممانعة، وتعبيد الطريق لمشروعه الآنف الذكر دون ضجيج ومزايدة سياسية.
وعلى صعيد تشكيل الحكومة، فإن صلاة الصدر في مدينة الثورة كتحصيل حاصل أحبط كل السيناريوهات التي أعدتها جماعة الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة دون الصدر والمحاولة في تمديد عمر حكومة الكاظمي إلى أجل غير مسمى، او بالأحرى حتى تلوح بالافق مسالة الحسم في اوكرانيا التي تقسم الاخوة الاعداء  على طرفي الصراع بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية كما أشرنا قبل قليل او في مناسبات اخرى انظر مقال ( ورطة الصدر في مأزق العملية السياسية).
تسريبات المالكي (التي وصف فيها الصدر بالجبان) وعشية تحشيد الصدر لجماعته بأيام قليلة بالرغم من نفي المالكي لها، هي بالونة اختبار أُطلقت من قبل تحالف الميليشيات التي يقودها المالكي-العامري لرد فعل الصدر، والترتيب على اساسه للمضي في رسم سيناريوهات تشكيل الحكومة. وقد جاء رد الفعل عبر خطبة الصدر حيث دعا إلى حل الميليشيات، وهو رد واضح على تلك التسريبات. اي بمعنى اخر الإعلان بالمضي أبعد من ذلك إذا قام تحالف المالكي المليشياتي بأي عمل يقصي الصدر من المعادلة السياسية.
لا يوجد في الأفق حرب اهلية على المدى المنظور على الاقل، لانه كما قلنا أيضا في نفس المقال المذكور بأن طرفي الصراع على السلطة غير مؤهلين وغير قادرين سواء إقليميا أو دوليا أو حتى الصعيد الذاتي والمحلي، بحسم الصراع وإلحاق هزيمة ساحقة بالطرف الآخر.
بشكل اخر نقول ان خروج الصدر من البرلمان يكشف عن انسداد أفقه السياسي عبر العملية السياسية ووصول مشروعه العروبي والقومي المحلي المطعم بالإسلام إلى طريق مسدود، وليس امامه الا اللعب على الوقت والعمل على إعاقة تشكيل اية حكومة تُقصيه أو ينجم عنها تعطيل مشروعه، وهذا هو هدف صلاة الصدر بجماعته.
واخيرا ما كشف عنه تحشيد الصدر لجماعته ودخول ميليشات الحشد الشعبي في حالة استنفار او انذار، أن طرفي الصراع على استعداد لارتكاب المجازر ويدفع المجتمع العراقي ثمنه مجانا من حياة جماهيره من أجل التشبث بالسلطة مثلما حدث بعد تفجيرات سامراء عام ٢٠٠٦ وفي تسليم المالكي ثلث مساحة العراق لعصابات داعش.
وهذا يدعوا من جديد التفكير والاستعداد لمواجهة سيناريوهات هذه الجماعات عبر التنظيم في المحلات والمناطق وأخذ زمام المبادرة بالدفاع عن أمن وسلامة أسرنا و عوائلنا ونعلن لا مكان للمليشيات في مناطقنا ومحلات سكننا. إذ من الحماقة والسذاجة السياسية انتظار سواء حكومة الكاظمي أو أية حكومة قادمة من العملية السياسية باحلال الامن والسلام والعمل على حل المليشيات. فجميع الأطراف تستمد قوتها وسطوتها وادامة نهبها وسرقتها دون أية محاسبة عبر مليشياتها. وحقا ما يثير السخرية إعلان القوات الامنية بانها نجحت في تأمين صلاة الجمعة لجماعة الصدر ولكنها لم تستطع تأمين الحفلات الغنائية التي أقيمت في مدينة السندباد عندما اقتحمتها المليشيات. وهذا يؤكد أنه لا مكان للقانون والدولة التي صدع الكاظمي به رؤوسنا كل يوم، انما السلطة والقانون للمليشيات.


41
نحو حكومة ثورية مؤقتة

سمير عادل
 
نحن على يقين بأنَّ العملية السياسية بكل آلياتها ومؤسساتها، بدءا من قانون الانتخابات ومرورا بعملية بالانتخابات وبغض النظر عن نزاهتها من عدمها وانتهاءً بسياسة المحاصصة لتشكيل الحكومة، تمرّ في أنفاسها الأخيرة، وكل المحاولات من قبل التيارات القومية والإسلامية  ومليشياتها لا تفضي إلا إلى الوقوف بوجه عقارب الساعة والوقوف بوجه التاريخ، ويكمن سر تخبط التيار الصدري الذي أعلن عن خروجه من العملية السياسية دون أن يطرح اي بديل، لأنَّه في النهاية لا يستطيع أن يرى البديل سوى من خلال هذه العملية السياسية ذاتها.
 
كما تثبت الوقائع المادية على الارض أنَّ الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق المتمثلة بالقوى القومية والإسلامية، تدرك خطورة أوضاعها وازمتها السياسية العميقة، والتيار الصدري كأحد أجنحة تلك الطبقة، يعي أن أي تحرك في الشارع لن يحسّن من حظوظه ومساعيه لإنقاذ الطبقة الحاكمة من الانهيار، فهو لم يتوانى في إظهار إخلاصه المتفاني في كل مساعيه منذ انتخابات ٢٠٠٦ من أجل إصلاح العملية السياسية، وكان دائماً بمثابة العتلة الرافعة لإنقاذها من الغرق في كل الهيجانات الجماهيرية التي ضربت العراق، وإنَّ ما تطرح من تكهنات وطروحات بأنه أي التيار الصدري ذاهب للتحالف مع (التيار التشريني) اذا صح التعبير، بالضد من بقية أجنحة طبقته السياسية، فهذا يعني الانتحار سياسيا، وكان بقائه في انتفاضة أكتوبر جاء رغما عنه كعيون حارسة للعملية السياسية، وخاصة في فصلها الأخير، حيث قام بالتنسيق العالي بينه وبين القوات الامنية التي أرسلها الكاظمي لإطفاء جمرة الانتفاضة، وكانت المواجهات الدامية بين مليشيات القبعات الزرقاء التابعة لصدر مع المنتفضين في  ساحات التحرير في بغداد والحبوبي في الناصرية و الصدرين في النجف إضافة إلى كربلاء وبابل، شكلّت معطيات مادية لا يمكن لأي منافق سياسي نكرانها وتبيض ملف الصدر واتباعه، واذا ما ذهب التيار الصدري ونزل إلى الشارع هذه المرة فإنَّ ذلك سيكون مرتهنا بوجود ميليشياته، وسيقع حتماّ في مواجهة مفتوحة مع ما يسمى (شبح الدولة - مليشيات الحشد الشعبي) وتحت عنوان حماية الدولة وسيادة الدولة وهيبة الدولة، وستمنع تداعيات نزوله اي الصدر من السيطرة على الأوضاع كما فعل في انتفاضة أكتوبر، فالأدوات التي رجحت كفته هي قوات الكاظمي، كما ليس بمقدوره تكرار تجربته في اقتحام الخضراء في ٢٠١٦ التي أدت إلى إعلانه اعتزاله السياسة إذ اختفى عن الأنظار بعد توريط جماعته.
 
إنَّ ما نريد أن نقوله في معرض الرد على من يراهن على التيار الصدري في قلب المعادلة السياسية لصالح الجماهير، بأنَّه واهم، فالتيار الصدري غير قادر على تغيير جلده وبالتالي فإنَّه لا يستطع المضي أكثر مما خطط له في أخذ امتيازات الإطار التنسيقي عبر مشروعه تشكيل حكومة الأغلبية، ومنح فتات من تلك الامتيازات على شكل توفير فرص عمل لعدد من العاطلين وتوفير بعض الخدمات هنا وهناك، وعبر نفس آليات العملية السياسية، والنتيجة هي دق اسفين في صفوف الحركات الاحتجاجية للعاطلين عن العمل وعمال العقود والأجور والمحاضرين وذوي المهن الصحية وعمال تنمية الأقاليم وأهالي المناطق من أجل توفير الخدمات وعمال الحفر في القطاع النفطي... الخ، علاوة على ذر الرماد في العيون بأنه يسعى جاهدا من اجل القيام بالاصلاحات.
ونؤكد من جديد أنَّ بدائل التيارات البرجوازية الأخرى، التي هي في أفضل أحوالها: حكومة انتقالية وتغيير قانون الانتخابات وإجراء انتخابات جديدة، ليست أفضل حظوظا من بديل حكومة الأغلبية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من هي تلك القوى التي ستعمل على تشكيل تلك الحكومة الانتقالية المفترضة، وما هي أدواتها وألياتها؟ لاسيما وأنَّ تجربة الساعين إلى تشكيل الحكومة منيت بفشل ذريع، فمن امتلك المليشيات وحصد أكبر عددا من المقاعد لم يستطع تشكيل حكومته فما بالك بحظوظ تشكيل حكومة انتقالية تقفز بمظلة من السماء في ساحة تعج بالمليشيات.
ومن هنا يمكن نرى أنَّ الجمرة تحت الرماد ما زالت مشتعلة، اي جمرة انتفاضة أكتوبر، وإنَّ كل المساعي الإعلامية والدعائية والسياسية والقمعية للطبقة الحاكمة، وخداعها وأكاذيبها وبدائلها التي انتهت بالانتخابات، لم تستطع إقناع الجماهير، وهذا يعني أنَّ تلك الطبقة أصبحت خارج التاريخ، فمقاومة الجماهير لهذه الطبقة الفاسدة مستمرة، وإنَّ ما تحتاجه فقط تنظيم مقاومتها، ونقصد احتجاجاتها وتنظيمها وتوحيدها وتشكيل قيادة لها بعيدة عن كل الترهات التي تنثرها التيارات البرجوازية بما فيها جزء ما يسمون أنفسهم بالتيار التشريني الذين يبحثون عن مكاسب فئوية لهم أسوة بحركة امتداد وإشراقة كانون الذين مثل الكاظمي صعدوا على أكتاف وتضحيات انتفاضة أكتوبر.
أن البديل الواقعي الذي يلبي طموح الجماهير المليونية من العاطلين عن العمل وعمال العقود والأجور والنساء التواقات للتحرر والعمال والموظفين هو تأسيس حكومة ثورية مؤقتة تأخذ على عاتقها برنامج سياسي-اقتصادي واضح، وإنَّ هذه الحكومة تتشكل عبر مؤتمر ممثلي مجالس الجماهير التي تستند على الاجتماع العام في المحلات والجامعات والمصانع ودوائر الدولة، وان تكون هوية الحكومة، غير قومية وغير دينية تعامل البشر في العراق على أساس المواطنة، وتتخذ القرارات اللازمة حيث تكون في صدر أولوياتها؛ حل جميع المليشيات ومصادرة ممتلكات الأحزاب والقوى السياسية التي اكتنزت وغنمت الأموال عبر الفساد المالي والسياسي، محاكمة جميع المتورطين بأعمال القتل والاختطاف والأعمال الإرهابية، زيادة مفردات البطاقة التموينية، سن قانون ضمان البطالة للذكور والإناث ، بيع المحروقات بكل أشكالها مجانا إلى الجماهير، إلغاء جميع الاتفاقيات والعقود الدولية التي أبرمتها الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال التي تناهض مصالح جماهير العراق بما فيها الاتفاقات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إقرار قانون مساواة التامة بين المرأة والرجل…
إنَّ الاحتجاجات الجماهيرية الجارية والتي لم تتوقف يوما حتى بعد الهجمة الشرسة للقوات الحكومية والمليشيات عليها سواء قبل انتفاضة أكتوبر او خلالها او بعدها بإمكانها إذا توفرت مستلزمات توحيدها على الصعيد القيادي والتنظيمي وسيادة الأفق السياسي المستقل عن بقية التيارات البرجوازية الأخرى، إنَّ تبلور حركة عظيمة تعمل على تنظيم نفسها في المحلات والمناطق المعيشية والمؤسسات الحكومية والمعامل والجامعات عبر تشكيلها للمجالس او اللجان أو أية أشكال تنظيمية أخرى لتشكيل حكومة ثورية مؤقتة تستند عليها.
إنَّ العملية السياسية وصلت إلى محطتها النهائية، وتياراتها السياسية وصلت إلى نهاية نفق مظلم، ولا يمكن لها طرح أي بديل سياسي قادر على انتشالها وانتشال المجتمع، لقد آن الأوان لتلك القوى أن ترحل، فيكفي ما يقارب عقدين من الزمن من النهب والسرقة والقتل، وقد أدخلت الجماهير في حرب أهلية عام ٢٠٠٦، كما مهدت الأرضية لقدوم داعش من كهوف العصر الحجري في ١٠ حزيران ٢٠١٤، وأخيرا أغرقت الجماهير بدمائها عبر قتل المئات من شباب لم يطالبوا أكثر من خبز وحرية وكرامة إنسانية في انتفاضة أكتوبر وكان غاية تلك الجرائم من أجل تبثها بالسلطة.

42
ورطة الصدر في مأزق العملية السياسية
سمير عادل
استقالة نواب التيار الصدري من البرلمان هي واحدة من أعراض اشتداد الأزمة السياسية أو لنقل إنَّها أزمة السلطة السياسية منذ غزو واحتلال العراق، وحتى لو فرضنا جدلا حالة عدول التيار الصدري عن تلك الاستقالات، فليس بإمكانه محو مشهد الأزمة السياسية، وأكثر ما سيفعله هو التخفيف من أعراضه، والمد بقليل من عمر العملية السياسية، التي باتت وجودها وأسسها يتناقض مع وجود وأسس سلطة البرجوازية الحاكمة كطبقة سياسية منسجمة بإمكانها إدارة نفسها وإدارة المجتمع.
اي بعبارة أخرى، إنَّ استقالة نواب التيار الصدري تأتي كتعبير صارخ عن عمق أزمة العملية السياسية، وفي وجهها الآخر يعبر عن أزمة السلطة السياسية، وتعكس دون أية مواربة اشتداد الصراع على السلطة السياسية، الذي يعد بمثابة صراع بين مشروعين ورؤيتين للطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق وبأبعادها الإقليمية والدولية وانعكاسات تداعيات التحولات العالمية التي عنوانها الرئيسي اليوم هو الحرب الروسية على أوكرانيا، فالمشروع الأول مرتبط بالطبقة الحاكمة في إيران والتي تقف في الخندق الروسي والصيني والمشروع الآخر ذلك الذي يحاول إعادة العراق إلى ما يسمى بـ (محيطه العربي) وهو مدعوم من قبل دول الخليج ومصر والأردن ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وإن كلاهما أرغم على الانتظار حتى تلقي الحرب الأوكرانية أوزارها ويسدل ستارها، لأنَّ نتائجها النهائية من حيث الغلبة ستغير كل التوازنات الإقليمية والدولية في المعادلة السياسية في المنطقة.
 أصحاب المشروعين غير قادرين على تصفية أحدهما الآخر وحسم مسالة السلطة السياسية، لا عن طريق سلاح الميليشيات ولا عن طريق الشارع كما تذهب التكهنات والتحليلات، ولو كان اي طرف من الأطراف المذكورة بإمكانه من إزاحة الآخر لما تردد لحظة بالقيام بضربة استباقية وحسم مسالة السلطة السياسية لصالحه.
أما ما يذهب إليه المراقبون بأن الصدر يحاول الضغط عبر استقالة نوابه لحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، فهذا يعيني مثل صب الماء في برميل مثقوب، فالصدر يدرك أنَّه حتى لو فاز بكل مقاعد البرلمان فلن يكن بإمكانه تشكيل حكومة أغلبية، لان الانتخابات أثبتت للمرة المليون أنها لا يمكن أن تكون خياراً لحسم مسالة السلطة السياسية في اي بلد مقسم إلى مناطق نفوذ مليشيات، وفي بلد لا يوجد فيه عنوان لأية دولة بالمعنى القانوني والهوياتي والسياسي، وإنَّ الانتخابات أكبر كذبة غلفت بعنوان (الديمقراطية) وتم الترويج لها في سوق ليس فيه موادها الاحتياطية أو قطع غيارها، لذلك فإنَّ الصدر يدرك جيدا أنَّ حل البرلمان أو الذهاب إلى انتخابات جديدة لن تفضي إلا إلى السيناريو الحالي، لأنَّ من يمتلك السلاح هو من يساهم بشكل أو بآخر برسم سيناريو تشكيل الحكومة، وأكثر من ذلك أنَّ من يعتقد أنَّ تشكيل حكومة أغلبية من خلال العملية السياسية القائمة اليوم والتي بنيت على أساس المحاصصة السياسية، فهو بكل بساطة قرر البقاء في صف من لا يريد التعلم ليبقى بالنهاية في مقدمة جوقة السذج الذي يصفون انفسهم بالليبراليين، لأنَّ كل شيء في العملية السياسية بدءا من قانون الانتخابات ومروراً بالمفوضية العليا للانتخابات وانتهاء باختيار الرئاسات الثلاثة وغطائها القانوني المحكمة الاتحادية أرسيت على أساس المحاصصة، وعندما ارد تحالف (إنقاذ الوطن) الثلاثي من الصدر-الحلبوسي-البارزاني المضي بتشكيل حكومة أغلبية، وقفت لهم المحكمة الاتحادية بالمرصاد لتنقذ حصة ما يطلق عليه بـ (المكون الأكبر الشيعي)، مثلما فعلت من قبل في انتخابات ٢٠١٠ وألحقت الهزيمة السياسية بتيار أياد علاوي الذي لم يقم له قائم منذ ذلك الوقت.
إنَّ معضلة الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق (اصحاب شركات فلاي بغداد واسيا سيل وكورك وزين ومصافي النفط والمصارف والجامعات والمدارس الأهلية ومعامل الدواجن والألبان وشركات التصدير والاستيراد ..الخ الذين شكلوا رؤوس أموالهم من عمليات السرقة والنهب والفساد وتهريب النفط)، هي عدم انسجامها السياسي مع وجود معضلة بنيوية في سلطتها السياسية، وهذه المعضلة هي جوهر العملية السياسية نفسها، فهذه العملية ليست بإمكانها حتى تلبية حاجات جناح من البرجوازية التي يمثلها اليوم التيار الصدري، فالعراق ليس لبنان، والأخيرة قابلة أن تستمر إلى فترة طويلة بالنظام السياسي القائم، أمّا العراق فهو يحتل موقعا حساسا في معادلة تقسيم الإنتاج الرأسمالي العالمي، وهو صناعة النفط، وهذه المكانة أو الموقعية تفتح آفاق واسعة أمام تطلعات الطبقة البرجوازية ببعدها المحلي والإقليمي والعالمي، وهذه المكانة تتناقض والاستمرار بنظام المحاصصة السياسية مثلما جرت عليه العادة في السابق، وخلال أكثر سنة ــ من صعود حكومة الكاظمي على أكتاف انتفاضة أكتوبر، والتي تمثل تطلعات الجناح إعادة العراق وربطه بالمحيط العربي ــ تم توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات مع السعودية والإمارات ومصر والأردن، على أنَّ تنفيذ هذه الاتفاقات بحاجة إلى استقرار سياسي وعراق موحد برأس واحد وليس بعدة رؤوس، هذا ناهيك بأن الجماهير العمالية والكادحة المليئة بالغضب والسخط من كل العملية السياسية وأطرافها لن تقبل استمرار حياتها بالطريقة القديمة ولذلك يستمر عمليات المقاومة بأشكال مختلفة ضد النظام السياسي القائم، وقد ردت الجماهير على الطبقة الحاكمة مرة عبر انتفاضة أكتوبر العظيمة، وعندما لم تصل إلى أهدافها التي خرجت من أجلها، إذ قدمت تضحيات كبيرة، ذهبت إلى المقاطعة الكبيرة للانتخابات بنسبة وصلت فوق ٨٦٪ ومن ثم الاستمرار بالاحتجاجات التي كانت آخرها هذه الأيام، إغلاق أبواب جميع الشركات النفطية في البصرة من قبل العاطلين عن العمل.
ولذلك نرى أنَّ الطبقة البرجوازية في العراق في ورطة من أمرها ولا يستطيع أي طرف منها نسف العملية السياسية، وحتى الصدر نفسه يحاول إصلاح العملية السياسية وليس القفز عليها، فهو كان يعمل على مدى ما يقارب من اربع دورات برلمانية بمثابة سيارة إسعاف كما يصفونه في إنقاذ العملية السياسية، ومنذ انتفاضة شباط ٢٠١١ كان التيار الصدري يهرع إلى تنظيف ساحة الحكومة بدءا من حكومة المالكي، عندما دعا مقتدى الصدر إلى إعطاء فرصة 100 يوم لحكومة المالكي للقيام بالإصلاحات من أجل الالتفاف على الانتفاضة وإجهاضها، والجدير بالذكر أن بهاء الأعرجي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء حينها وكان من قيادي التيار الصدري قبل أن يطرد بعد أن أمست رائحة فساده تزكم الأنوف، اتهم المتظاهرين مدعياً أنَّ البعث و القاعدة يقف خلف الدعوة للتظاهر ضد الفساد والبطالة وإلغاء مادة ٤ إرهاب والكشف عن المغيبين ..الخ التي كانت من بين مطالب تلك التظاهرات، وفي  تظاهرات تموز ٢٠١٥ نزل التيار الصدري بكل إمكاناته في سوح التظاهرات لإنقاذ حكومة العبادي بعد أن تم رفع شعار (باسم الدين باكونا الحرامية) (من دخل بيها أبو العمامة صار البوك للهامة) وانتشر اي الشعار كالنار في الهشيم في جميع مدن العراق، وفي تظاهرات المنطقة الجنوبية في  تموز ٢٠١٨ لم تستقبل الجماهير مقتدى الصدر في البصرة، وفي انتفاضة أكتوبر استخدم ميلشياته القبعات الزرق في قمع المتظاهرين بالتنسيق مع القوات الامنية لحكومة الكاظمي.
إن معضلة السلطة هي معضلة بنيوية كما أشرنا وهي بحاجة إلى إنهاء عمر هذه السلطة، وليس بإمكان لا الصدر ولا ميليشياته المضي قدما نحو هذا الهدف لأنه ليس من مصلحته، كونه جزء من منظومة العملية السياسية حتى وإن حاول تغير جلده.
 وأخيرا من يستطيع انتشال الوضع السياسي في العراق من هذه الأزمة هم العاطلون عن العمل وعمال العقود والأجور والنساء التواقات للانعتاق والحرية والأقسام الاجتماعية الأخرى التي حرمت من حق التعليم والصحة والسكن اللائق، فهؤلاء كانوا العمود الفقري في انتفاضة أكتوبر، وذلك عبر تنظيم احتجاجاتهم وتوحيدها وتنظيمها عبر انتفاضة أخرى ولكن هذه المرة بآفاق مستقلة وتذهب هي لتشكيل حكومة ثورية مؤقتة منبثقة منها وتحقق برنامجها في الحرية والرفاه والمساواة.

43

يسارياً شعبوياً أم يسارياً طائفياً ؟

سمير عادل
رغد أبنة أكبر جزار للشيوعيين، أي رغد صدام حسين تنعى رحيل الشاعر مظفر النواب، مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الذي عرف بتنصله من وعده في تقديم قتلة متظاهري أكتوبر للعدالة ينظم ويتقدم موكب تشيعه، نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة وأحد ألد أعداء الشيوعيين يحاول منافسة الكاظمي والمزايدة لحضور الموكب، إلا إن المفاجأة إن سمعته قد سبقته، فطٌرد بوابل من الشتائم واشياء اخرى اضافة الى حضور شخصيات أخرى من هنا وهناك ليصطف الجميع ويطلقوا برقيات النعي والأسف على رحيل مظفر النواب.
 في بلد حكمه البعث، تلطخت اياديه بدماء أكثر تيارات المعارضة السياسية وهم الشيوعيين، وفي بلد تحكمه سلطة مليشيات اسلامية ترتعد فرائصها اذا ارتفع صوت اديب معارض، او صدح صوت فنان، او طفى على السطح من تغنى بالحياة، في بلدٍ لا قدر ولا تقدير لكل ما هو ابداع انساني، تصطف كل رموز القمع والاستبداد وكره الحياة ولطم الخدود لتنعي شاعرا مثل مظفر النواب، الا يستحق هذا المشهد اقل ما يوصف بالدرامي، الحيرة ويرسم علامات استفهام!!!
جيل النواب...جيل نكبة اليسار المعادي للامبريالية الغربية:
 رحل الشاعر مظفر النواب قبل أيام عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عام، ويمكن القول إن النواب  آخر منْ تبقى من أطلال جيل عاش نكبة اليسار ومجازره بشقيه العالمي والإقليمي؛ حيث تدرجت عليه الانقلابات الدموية بدعم وتخطيط المخابرات المركزية الامريكية للإطاحة بالأنظمة القومية التي خرجت من تحت عباءة الاستعمار والهيمنة الامبريالية في العراق ١٩٦٣ واندونيسيا ١٩٦٥ وتشيلي ١٩٧١، وكانت تقصف فيتنام بكل وحشية و بقنابل النابالم المحرمة الدولية من قبل الاحتلال الأمريكية الذي قتل اكثر من ٢ مليون انسان بدم بارد، وقبلها تم تصفية تشي غيفارا رمز التمرد الثوري ضد الهيمنة الامبريالية الامريكية. اما الوضع المحلي والإقليمي فكان أكثر قتامة، فانه اضافة الى مرارة السجن الذي عانى منه النواب ووجع التعذيب والخوف ممن ينتظرون سرقت روحه ومعاناة سنوات الهروب بعد الانقلاب الدموي للبعث والقوميين العرب، فكان في ثنايا النكبة، الهزيمة العسكرية في حزيران ١٩٦٧ والهجوم العسكري الذي قاده الملك حسين في أيلول عام ١٩٧٠ على منظمة التحرير الفلسطينية وإخراجها من الأردن والذي سمي (أيلول الأسود)  وهزيمة حركة ظفار ١٩٧٥ امام سلطان قابوس في سلطنة عمان المدعوم من نظام شاه إيران شرطي امريكا في المنطقة، وكانت تلك الحركة المدعومة حينذاك من قبل عبد الناصر واشتعال الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥.
لقد فُطم ذلك الجيل على انتصارات إسرائيل وتمدد الامبريالية الامريكية في العالم، وترسيخ الانظمة القومية العربية الجديدة جذورها. إن مظفر النواب أبن تلك المرحلة وابن جيل،  شهد انكسار المشروع القومي العربي، وهزيمة استراتيجية ذلك الجناح الذي رفع  لواء مقاومة الاستعمار والامبريالية والصهيونية، بينما ظل حائرا هل استراتيجيته تحرير فلسطين طريق لتحرير الأمة العربية أم تحرير الامة العربية طريق لتحرير فلسطين، انه جناح البرجوازية الوطنية الصاعدة التي مثلها العسكر عبر تلك الانقلابات العسكرية في مصر والعراق وسورية وليبيا…الخ.
كان مظفر النواب أحد ممثلي المتمردين لذلك الجيل في العراق إذا لم يكن أبرعهم، ومنيت أحلامه القومية بهزيمة نكراء، ليعبر عن سخطه و امتعاضه ورفضه للواقع الجديد. أي بلغة اخرى كان النواب تعبير عن متنفس المهزومين “الثوريين”. وقد جسده النواب في قصائده (وتريات ليلية) و (القدس عروس عروبتكم) (وطني علمني كل الأشياء) و(رحيل)..الخ.
كان النواب تعبير عن صرخة ضد الظلم السياسي و ثائرا ضد الاستبداد لجيل فشلت أحلامه بتحرير فلسطين وإلحاق الهزيمة بإسرائيل وأمريكا والانظمة السياسية التي كانت تقبع في خندقها.
وبقدر وجع الهزيمة التي مُني به المشروع القومي العربي بنفس القدر تم ترسيخ تلك الأنظمة القومية سلطتها السياسية والاقتصادية. واستطاعت الحركة القومية العربية بجميع أجنحتها اليمينية واليسارية صاحبة المشروع القومي بدهاء  غير متناهٍ اكتشاف القضية الفلسطينية وتبنيها والتي كانت بمستوى قيمة الفوز ببطاقة يانصيب (لوتو) لها.  فعن طريقها حلت تناقضاتها الأيديولوجية والسياسية وخلقت انسجام في صفوفها ومحورتها حول هوية واحدة وهي الهوية الفلسطينية او القضية الفلسطينية. ذلك الاكتشاف كان حاجة ضرورية للدفع بالمشروع القومي في بناء اقتصاد بعيد عن أطماع ونفوذ الغرب وبنية تحتية اقتصادية قادرة على انتزاع حصتها من الامبريالية ولعب دورها السياسي والاقتصادي في النظام الرأسمالي العالمي، وسلطة استبدادية مطلقة، ولا حديث ولا صوت يطالب برغيف خبز وحرية وكرامة غير صوت تحرير فلسطين.
  لنعود الى مظفر النواب فهناك مستويين يمكن الحديث عنهما. المستوى الأول هو الشاعر والمناضل السياسي الذي لا يمكن الفصل بينهما، فوظيفة النواب السياسية او المناضل السياسي هي امتهان الشعر واستخدامه كأداة تحريضية ودعائية لاستلهام “الامة العربية” المنهزمة والنهوض بها وتعرية الواقع السياسي وما آلت اليها، عبر نقد حكامها المستبدين و الأنظمة الخانعة والتابعة للإمبريالية، والذي هو في حقيقته نقد الجناح الآخر في الحركة القومية العربية الذي يعبر عن مشروعه الاقتصادي والسياسي بالمصالحة مع الغرب والرضى على ما ترميه من قسمة وإعطاء مكانة لها في مناطق النفوذ بين الأقطاب الامبريالية العالمية.  اما الاخر هو المستوى الشخصي، وهو ما لاقاه من قمع واضطهاد سياسي بكل اشكاله اسوة بآلاف من المعارضين السياسيين في العراق وفي أراضي (الامة العربية) من المحيط الى الخليج.  وقد نجح النواب في ان يلمس قلوب جماهير عريضة عبر أمسياته الشعرية وتوزيعها في تسجيلات (كاسيت ) آنذاك لتدخل بيوت أكبر عدد من المعارضين السياسيين سواء في العراق أو في المنطقة. ولعب أدائه بإلقاء الشعر في الأمسيات الى حد وصفه من قبل العديد من النقاد والمتابعين بمسرحيات ملحمية. وهذا الأداء الشعري والمحتوى السياسي جعل من النواب ممثلا عن زفرات وآهات جيل َطبَعَ في أذهان المجتمع برمته أحلامه القومية من مشاريع اقتصادية وسياسية، وامتزج في وجدانهم مظفر النواب الذي عانى من التعذيب والسجن ليختلط المستوى الأول والثاني، دون التوقف للحظة وطرح سؤال ماذا كان يمثل النواب، ولماذا اليوم يقف ألد اعداء الحرية صفا واحدا بالتبضع سياسيا سواء في موكب تشيعه او في نعيه.
رغد صدام حسين والنفس القومي:
 بالنسبة لرغد صدام حسين، لا نأخذها بجريرة ابيها المجرم صدام حسين الذي كان يعذب الشيوعيين  بيديه في قصر النهائية وهو من يضع نهاية لحياتهم، وكان مظفر النواب واحد من اولئك التي تكتب رغد النعي لرحيله. ان رغد وفي الأجزاء الستة لمقابلتها مع (القناة العربية) قبل عامين اعادت نفس صورة النظام البعثي ودافعت بل صلافة عن جرائمه واكثر من ذلك قالت (ان الشعب العراقي اخطأ ولا تريد محاسبته) فهل هناك صلافة ما بعدها صلافة ووقاحة. لكنها تنعي مظفر النواب، لان شعر نواب انتقد الحكام العرب وانظمتهم السياسية الذين يدورون في فلك الامبريالية الامريكية، وجه النواب سياط نقده ضد ذلك الجناح المتخندق مع الامبريالية كما اشرنا. ان شعر النواب يطفأ النيران المشتعلة في قلب رغد عندما اصطف ذلك الجناح لإسقاط النظام البعثي عبر الغزو والاحتلال. أنها تستحضر روح الامة العربية التي كان ينعيها النواب وتسقط ارهاصاته على الواقع الذي اسقط خلاله نظام صدام حسين. بيد ان رغد لا تريد ارهاق نفسها كي تبحث في تاريخ النظام الذي مثله صدام حسين، وهو نفس التاريخ الذي يسطع فيه نجم النواب، بقتل الشيوعيين عبر تدبير حوادث الدهس بالسيارات واحواض الاسيد داخل العراق والاغتيالات في خارج العراق والموت بالتعذيب في غرف قصر النهاية، وطلب من الباقين لمن وصلت دعوات امهاتهم الى السماء بعد اجتيازها كل السيطرات الامنية و حالفهم الحظ من كتابة (البراءة) من الحزب الشيوعي وهي عنوان القصيدة التي حكم بسببها  النواب ثلاث سنوات بالسجن. ان رغد صدام حسين تريد التشفي بما قاله النواب عن الحكام العرب المتآمرين على الامة العربية وقضية فلسطين. ( من ركب اقنعة لوجوه الناس..والسنة ايرانية!!!…من هرب ذاك النهر المتجوسق بالنخل على الأهواز..اجيبوا فالنخلة ارض عربية..حمدانيون!بويهيون!سلاجقة!ومماليك..اجيبوا فالنخلة ارض عربية.) وفي مكان آخر يقول (يا بلدا يتناهشها الفرس، ويجلس فوق تنفسها الوالي العثماني وغلمان الروم..وتحتلم “الجيتات”الصهيونية بالعقد التوراتية فيها.زبل يخرج حتى ملك الأحباش الجائف عورته في وجهك) وايضا (لن تتلقح تلك الأرض بغير اللغة العربية ..يا امراء الغزو فموتوا..سيكون خرابا..سيكون خرابا ..هذه الأمة ..هذه الامة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب)- وتريات ليلية-.  إنه النفس القومي الذي ينفثه النواب  وتحاول رغد صدام حسين تنشقه وإطلاق زفيره كي تتنفس الصعداء. هذه الجمل الشعرية للنواب تجعل من رغد تحلق عاليا في سماء العراق وتجد وصف النواب الواقع  الحالي الذي تتصارع القوى الدولية والاقليمية؛ الامريكية الايرانية والتركية والإسرائيلية في المنطقة وخاصة على جغرافية العراق. وعلى العراقيين أن يأخذوا درسا بالتخريب كما جاءت ضمنا في مقابلتها المذكورة.
المالكي والسردية الطائفية:
 اما المالكي رمز الطائفية والطائفيين في العراق اذا لم نقل قائدهم  دون منازع وهو احد الد اعداء الشيوعية، يستذكر اليوم مظفر النواب وينافس الكاظمي للحضور في موكب تشيعه، وهو في كل مناسبة لإحياء ذكرى اغتيال محمد باقر الصدر، يتهجم على الملحدين والعلمانيين وضمنا الشيوعيين، وحيث أشار في واحدة من أحدى احتفالاتهم بمناسبة تأسيس حزب الدعوة، ذكر من على منصة الاحتفال، بأن تأسيس حزب الدعوة الذي يشغل هو منصب أمينه العام تأسس من أجل مواجهة الشيوعية. ومع هذا فإن حضور موكب التشييع فرصة للتعفف مثل رغد والتمسح بعباءة مظفر النواب.  من قرأ (وتريات ليلية-١٩٧٢-١٩٧٣) واشتهر النواب من خلالها في العالم العربي، يصل دون عناء الى تفسير حضور المالكي في موكب التشييع.  ولو كتبت ملحمته الشعرية (وتريات ليلية) في مرحلة ما بعد الاحتلال وتحديدا بعد تفجيرات شباط ٢٠٠٦ لمرقدي العسكري في مدينة سامراء، لتحول النواب الى رمزا للطائفية ولكان يسير في موكب التشييع الى جانب المالكي  جلال الدين الصغير وحنان الفتلاوي والعامري والخزعلي والقائمة لا تعد ولا تحصى من الرموز الطائفية في المشهد السياسي العراقي. فالنواب اراد تحضير روح التاريخ الإسلامي الدموي عبر شخصياته قبل بناء الإمبراطورية الإسلامية واسقاطه على واقع ما آلت اليه (الامة العربية) في تلك المرحلة، وقد وجه سياط نقده على معاوية وابي سفيان ويزيد وعثمان وعمرو بن العاص (تختلط الريح بصوت صحابي..يقرع باب معاوية ويبشر بالثورة..ويضيء الليل بسيف يوقد في المهجة جمرة..ماذا يقدح في الغيب الأزلي أطلوا..ماذا يقدح في الغيب..أسيف علي !!..قتلتنا الردة يا مولاي..كما قتلتك بجرح في الغرة..هذا رأس الثورة يحمل في طبق في قصر يزيد..وهذي البقعة أكثر من يوم سباياك..فيا لله وللحكام ورأس الثورة..هل عرب أنتم..ويزيد عمان على الشرفة..يستعرض أعراض عراياكم..ويوزعهن كلحم الضأن لجيش الردة..هل عرب أنتم..والله أنا في شك من بغداد إلى جدة..هل عرب انتم..وأراكم تمتهنون الليل..على أرصفة..الطرقات الموبؤة أيام الشدة..قتلتنا الردة..قتلتنا الردة..قتلتنا الردة) وايضا (أنبيك عليا!..ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف..ما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف..ما زالت عورة بن العاص معاصرة..وتقبح وجه التاريخ..ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية!..ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء,..يؤلب باسم اللات..العصبيات القبلية..ما زالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها) والتذكير بالتهمة التي وجهت الى عائشة بالمعاشرة الجنسية وهي زوجة الرسول وخارج المؤسسة الرسمية للزواج (من أين سندري أن صحابيا..سيقود الفتنة في الليل بإحدى زوجات محمد..من أين سندري أن الردة تخلع ثوب الأفعى.. صيفا وشتاء تتجدد) وتشبيه كل تلك الشخصيات بشخصيات حكام العرب الفاسدين والمجرمين والمتخندقين في خندق الامبريالية والصهيونية والرجعية، كما اعتاد الخطاب السياسي العربي بوصف الاوضاع السياسية في تلك المرحلة، وفي الوقت ذاته يشيد بعلي والانتماء اليه دون شروط وتبجيل الحسين مرات ومرات(أنا أنتمي للمسيح المجدف فوق الصليب..وقد جرح الخل وجه الإله على رئتيه..وظل به أمل ويقاتل..لمحمد شرط الدخول إلى مكة بالسلاح..لعلي بغير شروط..أنا أنتمي للفداء..لرأس الحسين)  وفي ثنايا هذه السردية الشيعية يؤكد على عروبته، حيث يصف (روحه عربية)  في كل عدد من  الأبيات من القصيدة (يا حامل مشكاة الغيب.. بظلمة عينيك..فروحي عربية) ( يا مشمش أيام الله بضحكة عينيك…ترنم للغة القرآن..فروحي عربية)  . وإذا ما تعمقنا أكثر في ذلك، فإن النواب من وجهة نظر المالكي وقادة الطائفية الشيعية يرد في قصيدته (وتريات ليلية) على التهمة التي طالما وجهت الى (الشيعة السياسية) بانهم موالين للفرس وناكرين للعروبة.
وفي الجانب الآخر فالنواب تحول إلى رمزٍ ضد الدكتاتورية والاستبداد، وبموازاته كان رمزا يدافع عن فلسطين حتى في قصائده في الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠. ان المالكي يحاول المزج بين طمس ماهيته الطائفية  حيث اطلق على نفسه لقب “مختار العصر” تيمنا بمختار بن يوسف الثقفي الذي رفع شعار (يا لثارات الحسين)   ووصف صراعه مع القوى القومية و تظاهراتها في المنطقة الغربية عام ٢٠١٣ في خطبه في الناصرية والبصرة بأن حربه معهم هي حرب الحسين ويزيد. اي بعبارة اخرى يجد المالكي في تشييع موكب النواب ملاذا سياسيا للاختباء تحت عباءته، والظهور من جديد لإعادة تلميع ماضيه الذي تفاخروا به وهو معادة نظام صدام حسين (ماذا يدعى الدولاب الدموي ببغداد). بمعنى آخر يمكن القول أنها محاولة في لحظة تاريخية للتعفف بعباءة النواب لمحي جرائمه الطائفية منذ ان رضى عليه زلماي خليل زادة المبعوث الامريكي الى العراق وبوش وتوج رئيسا للوزراء.
 الكاظمي ومشروعه العروبي:
أما الكاظمي ينظر الى النواب من خلال مشروعه القومي الذي فجر غضب إخوته في السلطة المليشياتية الإسلامية التي نصبته للإفلات من قبضة انتفاضة اكتوبر. فالنواب الذي تحول رمزا ضد الديكتاتورية والاستبداد، وينتمي الى جيل امتلك رؤية ومشروع، يعتبر الكاظمي نفسه جزء منه. والمفارقة أن النواب تعرض الى  كل اشكال الظلم السياسي وانتفض ضده بينما يتناسى الكاظمي ما تعرض له النواب، وهو وعد متظاهري انتفاضة أكتوبر بإنصافهم وإطلاق الحريات ومحاكمة الملطخة اياديهم بدماء ضحايا الانتفاضة. وهكذا فأن الموكب الرسمي الذي نظمه الكاظمي هو محاولة اخرى لتنظيف صورته المنافقة مثل زملائه رغد والمالكي والتمسح بعباءة النواب عسى ولعل أن تنسى جماهير العراق والتي يمثل الجيل الشباب الجديد اكثر من نصفه لم يسمعوا عن النواب وقصائده سوى نزر يسير، نقول محاولة لكي تنسى جماهير العراق كل الوعود الكاذبة التي اطلقها الكاظمي للقصاص من قتلة المتظاهرين، وفي نفس الوقت تسويق صورة خادعة جديدة انه اي الكاظمي يعرف قدر الشعراء والشعر والأدب والفن ولذلك يجب تقديرهم!
 
النواب بين اليسار الشعبوي واليسار الطائفي:
أما مدى كون النواب شيوعيا، فنستطيع أن نقول عنه، أن رواية النواب او الجيل الذي انتمى له للشيوعية، هي رواية معاداة الدكتاتورية والاستبداد والامبريالية والصهيونية، وتعلل العلاقة بينها وبين جذرها القمعي والوحشي الى وجود حكام فاسدين و خانعين وغير مستقلين، وليس لها اي ارتباط بالنظام الرأسمالي القائم على استثمار العامل الانسان. في حين كان الجميع من الدكتاتوريات العربية والانظمة المستبدة القومية، شاركت في حمية قل نظيرها في رفع لواء القضية الفلسطينية لتبرير قمعها واجرامها وافقارها وسلبها للحريات الانسانية، مثلما ما تفعلها ما تسمى بمليشيات المقاومة والممانعة  اليوم بعد انتقال البندقية الى كتفها اثر الهزيمة التي مني بها جيل مظفر النواب.
إن استخدام النواب لمقولات وتسميات واستعارة سرديات دينية من التاريخ تبين أنه كان يساريا شعبويا، وليس له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بشيوعية ماركس التي توجه نقدا لاذعا للدين والقومية والطائفية والفرقوية دون اية مساومة او مجاملة وتحت اية ظروف. وفي أدب ماركس ليس هناك مقولات الفقراء والاغنياء كما يحاول استخدامها النواب، بل هناك طبقات، ومقولات النواب هي محاولة لطمس الصراع الطبقي واستخدام الدين وتاريخه لدغدغة المشاعر والاحاسيس الرجعية، والدين ليس الا جزء من البنية الفوقية للنظام الرأسمالي وتستخدمه الطبقة البرجوازية بكل تياراتها القومية والاسلامية وحتى الديمقراطية في الغرب ايام المحن كسلاح في تحميق الجماهير وخاصة الطبقة العاملة التي تمسك بشريان الحياة الاقتصادية في المجتمع وتقسيمهم الى شيعة وسنة وكرد وتركمان و اشوريين ودرز وعلويين وبربر..لتوجيه نصال نضالهم تجاه صدور بعضهم بدلا من توجيهها الى ذلك النظام الرأسمالي القبيح، وتعميتهم في رؤية سبب شقائها. وإن وصف الصراع بين معاوية وعلي أو بين الحسين ويزيد بانه صراع بين الاغنياء والفقراء، فانه اقحام ذهني للسردية الطائفية الشيعية على الصراع بين بني أمية الذي مثله معاوية وابنه يزيد وبني هاشم الذي مثله علي وابنه الحسين، وليس له اية علاقة بالمعطيات الواقعية التاريخية والتي تكشف كونه صراعا على السلطة. اما أن معاوية كم كان فاسدا ويملك أموال وكم أن ابنه مجرم في حين أن عليا والحسين ملتزمون بالدين والأخلاق، وان عثمان نُصب خليفة من قبل تجار مكة فلا يفسر الصراع بأنه كان صراعا طبقيا أو صراعا على الأقل بين الأغنياء والفقراء.  وقد وصف العديد من الكتاب العرب مظفر النواب  مثل  أحمد البرقاوي في مقاله المنشور في مجلة (نزوى) الصادرة عام ٢٠١٧  تحت عنوان (مظفر النواب والمكبوت الطائفي في وتريات ليلية) وراشد عيسى عام ٢٠١٩ في مقال له منشور في الجريدة الالكترونية (المدن) (يوم صفقنا لمظفر النواب) و مازن أكثم سليمان الكاتب السوري في وصفه على تعبير عيسى “عن نسبة كبيرة من مثقفي الأيديولوجيات العربيّة القوميّة واليساريّة في القرن العشرين، ممَّن تدثَّروا كذباً وبُهتاناً برداء الحداثة والعروبة والاشتراكية والتقدمية، وهم لم يخرجوا من عباءات انتماءاتهم الطائفية الضيقة،.." بأن مظفر النواب لم يستطع التخلص من طائفيته.
بيد أن مواقف النواب التي تتجسد في قصائده لا تثبت طائفيته وإن ساق السردية الشيعية الكلاسيكية في وصف واقع (الأمة العربية) وقضية فلسطين. فهو  وفي مكان اخر وفي قصيدته بعنوان (جهيمان)  ليسجل موقفه من حادثة الحرم المكي الشهيرة عام ١٩٧٩، فبعد أن احتل جهيمان العتيبي ومئتان من أتباعه الحرم المكي وقاتل القوات السعودية لمدة ١٥ يوم  صور النواب جهيمان بالبطل (يا جهيمان حدّق، فما يملكون فرائضهم. نفذت.. زرعتهم قرحاً.. ونفذت بعيداً فأصلابهم عاقمة.. فإذا طوّفوا كان وجهك.. أو سجدوا فالدماء التي غسلوها..تسدّ خياشيمهم ومناخيرهم..وقلوبهم الآثمة). وقد وصف اليسار بالغبي حسب وصف عيسى  لأنه لم يناصر حركة جهيمان ( لم يناصر هذا اليسار الغبي). وأضاف اي النواب (أيها الناس: اعلن أن الحجيج سلاحا بمكة في السنة القادمة..كافر من يحج بدون سلاح). وقد نصب العتيبي  صهره عبد الله القحطاني الذي كان يرافقه في العملية بالمهدي المنتظر. والأخير كان من أتباع وتلامذة مفتي السعودية بن الباز، أي كان من الوهابيين. فإذا كان النواب طائفيا لما أيد بحمية وحماسة ما قام به العتيبي. وهذا يعني كان النواب متمردا ضد الانظمة العربية التي يصفها بالخونة والمتخندقين مع امريكا ( يزعم أن شيوخ ابي ظبي والبحرين ورأس الخيمة…يخفون ذيولا ارفع من ذيل الفأر..وحين يخرون سجودا للشاه..تبين قليلا من تحت عبائتهم..ويبشرنا بالخازوق). اي ان النواب ليس طائفيا بل متمردا شعبويا ويستخدم المقولات الشعبوية في كل قصائده مثل الأغنياء والفقراء والجياع.. ويوظف المفردات الدينية والشخصيات الدينية التاريخية لوصف الاوضاع السياسية في تلك المرحلة، يعبر عن نفسه بانتمائه القومي والتشدد عليه وعلى ثورته ضد القوميات الاخرى الفرس والروم والترك مثل بقية الشعبويين مع فارق واحد بوصف نفسه بالخانة اليسارية. وفي الحقيقة إذا ما تمعنا حتى في مفرداته عن المرأة في قصائده وخاصة في قصيدته المشهورة (القدس عروس عروبتكم) فهي تتطابق مع النزعة الذكورية والرجولة القومية والتي تصب في عمق الخطاب الشعبوي لتحريك المشاعر وتهيج الأحاسيس المتخلفة كما اشرنا.
 
واخيراً برحيل مظفر النواب تطوى صفحة ما تبقى من جيل تحطمت آماله وأحلامه القومية (انا ابكي بالقلب لأن الثورة يزنى فيها…والقلب تموت أمانيه) ويقول ( ماذا يدعي سمة العصر وتعريص الطرق السلمية..ماذا يدعى استمناء الوضع العربي امام مشاريع السلم) وايضا (واحدى صحف الإمبريالية..قد نشرت عرض سفير عربي..يتصرف كالمومس في أحضان الجنرالات)، جيل مثل جناح مقاتل ومقاوم وثوري لواحد من أكثر التيارات السياسية في الحركة القومية العربية، صارع الإمبريالية ودولة اسرائيل الفاشية، وأراد بناء دولة تمتلك مساحة بقدر طموحها وتطلعاتها في التقسيم العالمي للنفوذ السياسي والهيمنة الاقتصادية. جيل انهزم أمام الجناح المنافس له في الحركة القومية العربية التي قبلت بحصتها والمكانة التي منحت لها وتحاول تحسينها عبر التحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، الجناح الذي عقد الاتفاقات الابراهيمية، وكان يصارعه النواب وجيل بكامله الذي وصل الى السلطة عبر الانقلابات العسكرية التي اشرنا اليه بشراسة وتضحيات جسام.


44
معاني الديمقراطية والازدهار في البرلمان العراقي وارقام البنك الدولي
سمير عادل

كم نحن محظوظون لأنه ولدنا في جغرافية سميت بالعراق، حيث أرقام البنك الدولي تشير الى ان العراق سجل نموا اقتصاديا حسب الأرقام التي أعلنها ٨.٩٪ لعام ٢٠٢٢ وبلغ نصيب الفرد العراقي من الناتج القومي ٦.٣٪. وهذه الارقام هي الاعلى في المنطقة حسب تصريحات البنك الدولي، وفي مقدمتها  السعودية.  وبموازاة ذلك يسجل البرلمان الذي يرأسه الحلبوسي أعظم ظاهرة ديمقراطية في تاريخ ديمقراطيات البرلمانية في العالم، حيث صوت على منع باسم الخشان وهو النائب عن محافظة المثنى للترشيح الى أية لجان برلمانية الى جانب منعه من المداخلات خلال الفصل التشريعي.
ألا يحق لنا ان نفخر بهذا الرفاه والازدهار والتمتع بهذه الديمقراطية التي  نحسد عليها على الأقل مقارنة مع دول الجوار!
 إن المؤسسات المالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الامريكي والبنك الأوربي وغيرها  ترصد أرقام الفقر والبطالة والناتج المحلي والنمو الاقتصادي في الدول والبلدان من أجل معرفة هل ينسجم أداء اقتصادها أي تلك البلدان مع متطلبات الإنتاج الرأسمالي العالمي واستقرار الأسواق ونموها، وهي تعمل كمجسات لمعرفة المخاطر والتحديات التي تقف أمام دوران عجلة ذلك الإنتاج والسعي في نهاية المطاف على إزالتها واحتوائها مثل أداء الحكومات ونشوب الاضطرابات والفوضى والهيجانات الجماهيرية والاحتجاجات العمالية وانتهاءً بالثورات. أي بعبارة أخرى ان عمل تلك المؤسسات هي بمثابة صمام أمان لحماية الاقتصاد الرأسمالي العالمي وسوقه العالمية. ولعبت تلك المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية دورا كبيرا سواءً في تنصيب حكومات أو افقار البلدان التي جاءت بتلك الحكومات من أجل تمرير مشاريعها الاقتصادية والسياسية. وعقب أي تحول سياسي في اي بلد او دولة بفعل مؤامرات المؤسسات المخابراتية ودعمها للانقلابات العسكرية أو ما سميت بالثورات الملونة، نجد في اليوم الثاني حضور ممثلي وموظفي تلك المؤسستين على طاولة المفاوضات مع الحكومات الجديدة التي جاءت عبر تلك الانقلابات. والأمثلة كثيرة على ذلك مثل تشيلي والأرجنتين والبرازيل وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وإندونيسيا والفلبين وبولندا واوكرانيا وبلغاريا...والقائمة تطول وانتهاءً بالعراق الذي تم غزوه واحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي اليوم الثاني كانت تلك المؤسستان حاضرتين خلف طاولة المحادثات مع الطبقة الحاكمة الجديدة التي بصمت بالعشرة واقسمت أغلظ الأيمان بأن العراق سيمضي على خطى مدرسة شيكاغو الاقتصادية ومؤسسها ميلتون فريدمان طالما يتم تأهيلهم للسلطة وحمايتهم.
ما نريد ان نقوله ان ارقام البنك الدولي التي تشيد بالاقتصاد العراقي ودور الحكومة الحالية التي يتفاخر وزير ماليتها عبد الامير علاوي بها، تكشف عن حقيقة واحدة تهم النظام الرأسمالي العالمي، وهي إن العراق ماضٍ على طريق بما يدعم وينسجم مع الاقتصاد الرأسمالي العالمي ولا يشكل خطر على عدم استقراره. وطبعا تلك الأرقام التي يعلنها البنك الدولي تخفي في طياتها حجم البطالة والفقر وحصول الفرد على ما يكفيه من سد حاجاته المادية والخدمات الاجتماعية والسكن والصحة والمياه النظيفة الصالحة للشرب. وايضا تخفي أن نمو الناتج المحلي العراقي وبغض النظر عن تقسيمه العادل على المواطنين، هو بسبب تصاعد أسعار النفط بعد انتهاء اغلاقات وباء كورونا والطلب العالمي عليها إلى جانب اشتعال الحرب في أوكرانيا. أي أن نمو الناتج  المحلي ليس مرده تطور الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة باستثناء صناعة النفط وتصديره. ويعني من الجانب الآخر  لا تغيير في سوق العمل أو إيجاد وخلق فرص عمل ووظائف، الا ان ما يهم الاقتصاد الرأسمالي العالمي كما ذكرنا في مناسبات أخرى هو صناعة النفط في التقسيم الإنتاج الرأسمالي العالمي، وما عدا ذلك فليذهب العراق إلى الجحيم. وهذا يكشف ايضا عدم اكتراث الاقطاب الرأسمالية العالمية لما يدور في العراق من عمليات سلب ونهب، التي تدور رحاها على قدم وساق منذ الغزو والاحتلال.
وحسب أرقام وزارة التخطيط أعلنت في أيلول من عام ٢٠٢١ ان ٣١  في المئة من الشعب العراقي يعيشون تحت خط الفقر وان نسبة البطالة بلغت ٤٠٪ على الرغم أن الوزارة لا تملك أية استبيانات،  في حين صرح مظهر صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء في تموز من نفس العام أن معدل البطالة انخفض إلى ٢٢٪ بينما انخفض معدل الفقر إلى ٢٥ ٪  ولم يستند في تصريحاته هو الآخر إلى أية معطيات مادية، ومع هذا فإن هذه الأرقام كانت قبل تنفيذ بنود الورقة البيضاء الملزمة بتنفيذها من قبل الحكومة العراقية، وهي ورقة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. طبعا ناهيك أن بنود الورقة البيضاء لم تنفذ حاليا سوى فقرة واحدة منها وهي تخفيض قيمة العملة المحلية، والتي زادت من ارتفاع الأسعار وانخفضت القدرة الشرائية لراتب العامل والموظف بنسبة أكثر من ٢٥ في المئة. وهذا يعني دفع المزيد من المواطنين الى خط الفقر أو تحت  خط الفقر. وإذا ما نفذت جميع فقرات الورقة البيضاء التي وضعت على أساسها الموازنات السنوية وهي تنتظر تمرير البرلمان لها، وهي فرض الضرائب على رواتب ومعاشات العمال والموظفين بنسبة تصل إلى ٢٠ في المائة ورفع سعر المحروقات ورفع الضرائب على الاتصالات فإن مساحة الفقر تزداد وتجر أقسام اجتماعية أخرى إليها.
وعليه أن حصة الفرد من الناتج القومي و من النمو الاقتصادي الذي يشيد به البنك الدولي ويتفاخر به علاوي و يمشي مختالا ويبشرنا بالتقشف وشد الأحزمة على البطون في عام ٢٠٢٣ تتحطم أمام ارقام نفس المؤسسات. لقد بلغ إجمالي تصدير النفط للأربعة الاشهر الاولى من هذا العام حسب شركة سومو ٣٨.٥٩ مليار دولار، ولم تنعكس هذه الأرقام على مستوى معيشة الفرد الذي زاد من حصته اكثر من ٦٪ حسب البنك الدولي.  هذه الارقام تبين بشكل مخادع مساواة حصة الفرد العامل والموظف الذي خفض من قدرته الشرائية بسبب تخفيض قيمة العملة المحلية مع  حصة عضو البرلمان الذي يتقاضى على أقل تقدير شهريا خمسة مليون دينار مع العاطل عن العمل والعامل والموظف. ويتساوى ايضا مع حصة المالكي وقيس الخزعلي والعامري الحلبوسي والصدر من الناتج القومي للفرد.
وتبين تمويه أرقام البنك الدولي عن التعمية على الحقيقة، وهي سياسة الاقتصاد الرأسمالي وتبغي من ورائها اخفاء الظلم الاقتصادي والاجتماعي الواقع على الأغلبية المطلقة من العمال والموظفين والعاطلين عن العمل.  المهم بالتطبيل لهذه الأرقام هو الإشادة بالأداء الاقتصادي للحكومة الكاظمي كي تمضي قدما الى الأمام في تنفيذ برامج سياسة الليبرالية الجديدة التي تعني بمجملها تنصل الدولة من مسؤوليتها تجاه المجتمع في الميدان الصحي والتعليمي والخدمات والكهرباء والتوظيف. وعلى الصعيد السياسي إيجاد منظومة حكم بإمكانها الحفاظ على مكانة العراق في هذه العجلة الرأسمالية.
ما يدور في البرلمان العراقي يتلائم مع هذا النوع من الاقتصاد وهذه الارقام التي يعلنها البنك الدولي، طبقة سياسية فاسدة ولها القدرة على قمع أي صوت معارض دون تردد، وفرض الإذعان والخنوع على العمال والموظفين وعموم الجماهير المسحوقة في العراق، والتي عشنا فصولها الدموية ايام انتفاضة اكتوبر. البرلمان في العراق يعني توزيع الأدوار بقدر توزيع الامتيازات. وهذا يفسر دون اي عناء ولا حاجة الى تحليل عميق لماذا الجميع في الكتل السياسية ترفض البقاء في المعارضة، لأن المعارضة لا تجبي الامتيازات وتكون بعيد عن بؤر السرقة والنهب،  وعندما كتبنا في عام ٢٠١٦ بالرد على المنافحين والمدافعين عن البرلمان العراقي، عندما اقتحم المتظاهرون  المنطقة الخضراء ووصلوا الى مقر البرلمان عبثوا بأثاثه ، تعالت الصيحات والزعيق والتنديد بالمتظاهرين لانهم هتكوا مقدسات الوطن والدستور وممثلي الشعب، و نعتوهم بالخونة والمرتزقة  والغوغاء...الخ. في حين عندما كان البرلمان يصوغ القرارات وسن القوانين في رفع امتيازات اعضائه وتنصيب حكومات اللصوص بنكهات طائفية وقومية وتمرير أكثر الشخصيات الفاسدة لتبوء المناصب، فالبرلمان لم ينتهك المقدسات (الوطن) وكانوا مفعمين  بالوطنية إلى درجة يصدرونها الى دول المنطقة، وولهانين بالمعزوفة الموسيقية  لنشيد (موطني) ومخلصين ومنقذين للشعب.
 ما يحدث اليوم لباسم الخشان هو امتداد لذلك البرلمان الذي لم ولن تحدث أي انتخابات تغيير فيه. والجدير بالذكر أن حرمان الخشان من الدخول في اللجان البرلمانية والمداخلات والحديث جاء بقرار من الكتلة الصدرية الذين فازوا بالأغلبية البرلمانية ويطرحون حكومة اغلبية، فلنتخيل ماذا سيكون حال الحريات والحقوق في عراق يقوده الصدر-الحلبوسي لحكومة اغلبية بنقاء وطني بنسبة ٩٩٪ مثل أرقام البنك الدولي.  والسبب في قرار البرلمان هو أن الخشان يوجه بشكل منظم انتقادات لاذعة لمقتدى الصدر ويكشف عن ازدواجيته وتناقضاته بين تصريحاته ومواقفه العملية. وفي عرف القوى الإسلامية من ينتهك  مقدسات (السيد) فأما الله يعجل من فرجه ويرسل له مليشيات السيد لتصفيته جسديا كما هو في الحالة اللبنانية ونقصد حسن نصر الله أو الحالة العراقية (مقتدى الصدر) أو الحالة الحوثية والإيرانية. فا(السيد) له حق النقد والنقض وحق تشكيل المليشيات، وحق الاخيرة بتوجيه مليشياته في السرقة والنهب والقتل ولا صوت يعلو فوق صوت (السيد) وصوت ميليشاته.
واخيرا ان اشادة البنك الدولي بحكومة الكاظمي والاداء الاقتصادي يتناسب مع برلمان يقوده الحلبوسي ويوجه الصدر، والمشكلة ليس لا في الحلبوسي ولا في الصدر، بل في شخصيات مثل الخشان الذي قرر أن يغرق بوهم التغيير عن طريق العملية السياسية والبرلمان، وساهم بنشر تلك الأوهام بدرجات مختلفة في المجتمع الذي تقدم خطوات وقرر بسحب الشرعية التي منحها للعملية السياسية عبر مقاطعتها بنسبة أكثر من ٨٢٪.

 

 



45
كوميديا المشهد السياسي العراقي
سمير عادل
لا يبعث المشهد السياسي العراقي على الركود والانسداد السياسي كما تصورها التحليلات والمقالات والحوارات التلفزيونية، إنما يبعث على أقل ما يوصف بكوميديا هزيلة وتثير الاشمئزاز، بكل تلاوينه وشخصياته ومحلليه وأطرافه وأحزابه وقواه السياسية.
أول المشاهد الهزلية لذلك المشهد؛ جهود حثيثة أنفقها العديد من المثقفين واصحاب اقلام، الذي يسوقون انفسهم على إنهم ليبراليون وديمقراطيون، بإعادة البريق للعملية السياسية بعد انتخابات ١٠ تشرين الأول العام الماضي وخاصة عندما قاطعتها أكثر من ٨٢٪ من جماهير العراق. فكل جهودهم صبت بالتقريع وإلقاء اللوم على من قاطع الانتخابات، وبأن التغيير الجذري كان ممكنا لو حصل ما يسمى بالمستقلين على عدد كبير من المقاعد، متناسين مثل النعامة التي تطمس راسها بالوحل بأن صناديق الانتخابات لم ولن تحسم يوما ما مسالة السلطة في الشرق الأوسط وفي ظل الأنظمة السياسية الاستبدادية التابعة للإمبريالية، فما بالك في عراق المليشيات، فالانتخابات ليست أكثر من مسرحية سمجة ترفع ستارها كل فترة زمنية، لصياغة جديدة للعملية السياسية تتلاءم مع المتغيرات الاقليمية والدولية اكثر مما يحدث من متغيرات محلية. واولئك الفطاحل من الليبراليين وبسبب منهجهم الفكري الذي لا  يمكن أن يروا غير وقع أقدامهم، لا ينظرون بأن التغيير ممكن خارج العملية السياسية، في الوقت الذي، ان كل الازمة السياسية التي تلازم المشهد السياسي منذ غزو واحتلال العراق هو نفس العملية السياسية.
ثاني المشاهد التي هي بحق كوميدية وهي المبادرات التي تعلنها اطراف البيت الشيعي بين الفينة والاخرى، والتي ليس أكثر من عملية لكسب الوقت وطمس ماهية الصراع على المكاسب والحصص. فمهلة الصدر أربعون يوما  التي أطلقها كانت وما زالت  تعبير عن انسداد أفق تشكيل السلطة والتفرد بها من قبله تحت عنوان حكومة الاغلبية، وكانت المهلة المذكورة فرصة لإعادة التفكير وعقد المفاوضات خلف الكواليس وفسح المجال لتدخل القوى الإقليمية والدولية التي تمسك بالمعادلة السياسية العراقية، عسى ولعل تجد مخرجا لحل ازمة السلطة، وهو يدرك أي الصدر جيدا بالرغم تشكيله كتلة (إنقاذ الوطن) من ١٧٦ مقعد لم يستطع تشكيل الحكومة، فهل يعقل بأن الإطار التنسيقي الذي سخر كل الأموال التي سرقها ونهبها لشراء ذمم ما يسمى بالمستقلين للانضمام إليه كي يعوض عدد المقاعد الذي خسرها في الانتخابات، بإمكانه تشكيل حكومة! أما الإطار التنسيقي، فلم تكن مبادرته  التي اعلنها في اول ايام العيد، تختلف عن المبادرات السابقة والتي دقت طبوله الاعلامية لنقاطه التسعة؛ قانون انتخابات جديد ومفوضية جديدة وسن قانون النفط والغاز لتنظيم العلاقة بين بغداد واربيل وادراج قوات البيشمركة في القوات المسلحة..الخ التي تبرزها كل كتلة سياسية عندما تشتد الازمة السياسية. المبادرة لم تكن أكثر من جعجعة إعلامية لذر الرماد في العيون وحجب الحقيقة التي تختفي ورائها وهي انقاذ حصة المكون الاكبر الشيعي بشكل عملي وسياسي أو كما في تسميته الجديدة المكون الأكبر المجتمعي بعد انقاذها قانونيا بفضل المحكمة الاتحادية التي افتت بحضور ثلثي أعضاء البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية. أما المبادرة الاخيرة للصدر  والتي هي الاكثر هزلية من بقية المبادرات السابقة الفاشلة، هي تكليف المستقلين بتشكيل الحكومة شرط عدم مشاركة الإطار التنسيقي فيها. وهذه محاولة فاشلة اخرى من قبل الصدر لإغراء من تم شرائهم من ما سموه بالمستقلين واعادتهم الى الركب المؤمن أو قطع الطريق أمام الاطار التنسيقي في مواصلة شراء ما تبقى منهم، كتحصيل حاصل تدرج هذه العملية في خانة كوميديا المبادرات.
و المشهد الهزلي الآخر هو زيارة الحلبوسي رئيس البرلمان إلى إيران قبل أيام ، لحل عقدة الأزمة السياسية. وهذا الحلبوسي الذي ظل مع الصدر والكاظمي يعزفون على لحن نشيد موطني وسيادة العراق واستقلاليته  وقراراته السيادية وبعدم جواز التدخل بالشأن السياسي العراقي، يشد الرحال للتوسل الى ملالي ايران للضغط على البيت الشيعي المتهاوي كي يتنازل عن بعض مكاسب ونفوذ السلطة للصدر وكتلته التي تحاول أن تغرد في المحيط العربي والامريكي. و الحلبوسي لم يقم بزيارته تلك دون موافقة أطراف تحالفه الثلاثي وهم الصدر-البارزاني-الحلبوسي والخنجر.
هذا الوضع الذي يمر به العراق هو وضع انتقالي، وفشل جميع المبادرات السياسية وفشل تشكيل حكومة وفشل الانتخابات هو تعبير عن احتدام الصراع بين مشروعين وعدم قدرة أي منهما في إزاحة الآخر، وهما مشروع الحاق العراق بمعسكر إيران الذي يسمي نفسه بالمقاومة والممانعة، ويجدر بالذكر أن قصف المنطقة الخضراء  متزامنا بأيام بقصف محيط مدينة اربيل، بقدر انه رسالة الى الكاظمي لإيقاف هجوم الجيش العراقي بطلب من تركيا لطرد حزب العمال الكردستاني التركي من مدينة سنجار والمحتمي بمليشيات الحشد الشعبي، بنفس القدر سيكون محصلة ذلك القصف تحريك المياه الراكدة في المشهد السياسي. أما المشروع الثاني هو مشروع الكاظمي وكاد ان يدفع حياته ثمنا له مثل رفيق الحريري ويقف خلفه التحالف الثلاثة المذكور، واعادة العراق الى حاضنة “الأمة العربية”.
واخيرا ان كل هذا الصراخ والعويل في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي والصحف حول الانسداد السياسي والركود السياسي الذي يخيم على المشهد السياسي العراقي، بالإمكان  تلخيصه في سؤال؛ هل كان الوضع السياسي في العراق مختلفا قبل هذا (الركود السياسي أو الانسداد السياسي) ومنذ تشكيل مجلس الحكم بقيادة بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال منذ عام ٢٠٠٣ وحتى انتخابات أكتوبر ٢٠٢١؟  الجواب عليه لا يحتاج إلى أي عناء، فالمرء يصل بسهولة إلى استنتاج أن ما يحدث في المشهد السياسي هو كوميديا هابطة بالمعنى المطلق وبحاجة الى اسدال الستار عليها.

46
 
أزمة البديل السياسي لإيران وأمريكا في العراق
سمير عادل
ليس لدى النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي أية مشكلة لو بقي العراق دون حكومة إلى أجل غير مسمى، طالما أن الوضع السياسي المحلي لا يؤثر على مكانته في التقسيم العالمي للإنتاج الرأسمالي. وهذه المكانة هي صناعة النفط. بمعنى آخر لو أدت الأزمة السياسية الحالية في العراق الى التأثير على صناعة النفط وزعزعة الإنتاج العالمي، لتحول بغداد إلى مكان لحجيج المندوبين والمبعوثين الدوليين وقادة الغرب والشرق لحل الازمة السياسية. وها هي أرقام البنك الدولي تشير الى ان العراق سجل نموا اقتصاديا بنسبة ٨.٩٪ لعام ٢٠٢٢ وان نصيب دخل الفرد من الناتج القومي وصل إلى ٦.٣٪ وهي الأعلى من بقية الدول العربية مثل السعودية ودول الخليج الأخرى. (سنشرح في مقال آخر عن خدعة هذه الأرقام) ولكن ما يهمنا الآن هو الوضع السياسي في العراق الذي كما تشير الأرقام لن تؤثر على الوضع الاقتصادي العالمي، بل إن مؤسسات مالية دولية تشيد بأداء العراق الاقتصادي وأداء حكومته التي هي خارج نطاق الخدمة منذ ٦ أشهر وهي تسمى بحكومة تصريف أعمال.
وعليه إن الإدارة الاميركية غير مستعجلة على تشكيل الحكومة في العراق ولا الجمهورية الاسلامية في ايران، كما شاهدنا فصوله بعد اجتياح داعش لثلث مساحة العراق في حزيران عام ٢٠١٤، حيث شكلت حكومة العبادي بوقت قياسي، لان ظهور داعش  مثل تهديد خطير لتغيير الخارطة الجيو سياسية في العراق والمنطقة برمتها بسبب ذلك الاجتياح.  وفي نفس الوقت أن كلا الطرفين أي الامريكي والايراني ليس لديهما ادوات حاسمة من القوى المحلية لتغيير المعادلة السياسية.
المحكمة الاتحادية اعادة الوضع السياسي في العراق الى نصابها كما اشرنا في مقال سابق (المحكمة الاتحادية تنقذ حصة المكون الاكبر)، ومنعت من خلط الاوراق وتغيير دفة العملية السياسية والمعادلة السياسية تحت عنوان حكومة الاغلبية التي رفع لواءها مقتدى الصدر، وللأمانة فهو أي الصدر استعارها من غريمه المالكي الذي ناشد بها قبل سنوات. وكل الجعجعة الاعلامية والمزايدة السياسية واطلاق التصريحات الجوفاء بأن كارثة دستورية ستقع على رؤوس الأحياء من جماهير العراق بسبب الفراغ الدستوري لو لم تلتزم الاطراف السياسية بالمواعيد الدستورية، تتهاوى وتتبدد في الهواء المعجون بالتراب في العراق دون اي تقديم ولا تأخير بالوضع السياسي.
الازمة السياسية الحالية في العراق هي ازمة قديمة جديدة. قديمة بمعنى أنها ولدت منذ غزو العراق، وأن الاحتلال لم يستطع من خلق نظام سياسي مستقر ودولة ذات مؤسسات بالمعنى القانوني والسياسي و الهوياتي. وخلال كل تلك السنوات، كانت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تديران الازمة السياسية، وهنا نقصد بأزمة السلطة السياسية التي أرسيت على اساس المحاصصة القومية والطائفية. ولم تستطع نفس الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق من حسم التشرذم السياسي في صفوفها. أما الجديد في الأزمة المذكورة هو ان انتفاضة اكتوبر عمقت من أزمة السلطة السياسية في العراق، وهي من قلبت المعادلة السياسية التي يجر كل طرف من تلابيبها دون جدوى.
اثبت الرهان على الانتخابات لتغيير المشهد السياسي في العراق فشله الذريع، ولم يساورنا أدنى شك في ذلك وقد تحدثنا عنها بإسهاب وفي مناسبات مختلفة، لأنه ببساطة ان من يحسم مسالة السلطة السياسية ليس من يحصد الأصوات في الانتخابات وبغض النظر عن شفافيتها ونزاهتها أو من عدمها، بل من يحسمها هو من يمتلك ميليشيات. وقد اكتشفت جماهير العراق بعد ما يقارب عن عقدين من الزمن كذبة الانتخابات وصناديقها المتهرئة، ولذلك قاطعتها بنسبة أكثر من ٨٢٪، وهذا هو سر امتعاض الجميع في العملية السياسية بما فيها الفائزين منهم.
صومعة مقتدى الصدر او مكوكية الاطار التنسيقي، وفي ثناياه لهاث السفير الايراني في بغداد بين هذا وذاك، لن يظفر بالنهاية سوى بحكومة توافقية تَعَوَّمَ العملية السياسية. فجميع الأطراف الإقليمية والدولية بغنى عن أي احتدام مسلح بين الإخوة الأعداء في البيت الشيعي المتهالك على الساحة السياسية العراقية في خضم السيناريوهات المرتقبة في المنطقة والمترتبة لتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا. وعليه أن المضي الى انتخابات اخرى كما تروج وتسرب من شأنه تشديد الازمة السياسية وهي ما تعيها الاطراف السياسية المتصارعة فيما بينها على السلطة.
في خضم هذا الركود السياسي الذي يلازم كل المشهد السياسي في العراق، تصطف الأقلام والمحللين السياسيين حول تشكيل الحكومة في العراق وينقسمون الى قسمين، الاول يتهم السفير الإيراني بالتدخل بالشأن السياسي العراقي ومستاء من تطاولاته، واتهام الطرف الموالي للجمهورية الاسلامية بخيانة الشيعة والوطن والعراق، فيما الثاني يتوج بطلا قوميا لأنه يسعى لإخراج العراق من تحت عباءة الجمهورية الإسلامية تحت عنوان تشكيل حكومة الاغلبية. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه على أي شيء يحصل عليه العامل و الموظف والعاطل عن العمل والمرأة المكبلة بنظام ذكوري وسلطة اسلامية مليشياتية رجعية حتى النخاع لو تشكلت حكومة برعاية ايرانية او حماية امريكية؟؟؟
أن الغائب في كل التحليلات السياسية، مصالح الجموع الغفيرة من محرومي العراق، يتقدمهم العاطلون عن العمل الذي يقدر عددهم وزارة التخطيط بنسبة ١٢-١٤ مليون عاطل، ونسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر تصل  إلى أكثر من ٢٧٪ أي ثلث سكان العراق إذا لم نقل أكثر من هذه النسبة خاصة بعد تخفيض سعر قيمة العملة المحلية. واي كانت الحكومة القادمة فلن يكون الفارق بينها سوى مرحلة زمنية أخرى، وستكون امتداد للسلطة المليشياتية القائمة الآن.
هناك مثل يقول ان المفتاح سقط في منطقة مظلمة بينما تبحث عنه في منطقة مضاءة بحجة وجود ضوء فيه، وهكذا إذا أردنا الخلاص من كل هذه المآسي التي تعيشها جماهير العراق وتخليص العراق من سياسة المحاور فلن يكون بانتظار العملية السياسية التي لن تولد اكثر من فأرا هجينا في أحسن أحوالها.


47
كيف تقع الجماهير في شرك خداع حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل!
لينين يطل برأسه من جديد
سمير عادل
 
لا اعتقد هناك من يضاهي معاناتنا في العالم في مكان سمي بجغرافية العراق جراء الحصار الاقتصادي وثلاثة حروب طاحنة. وكان كل ذلك من أجل الدفاع عن “البوابة الشرقية” للأمة العربية في الحرب الأولى العراقية -الايرانية لمدة ثمان سنوات، وصونا للأعراض حرائر العراق في غزو الكويت في الحرب الثانية، والدفاع عن السيادة والاستقلال في الثالثة التي توجت بغزو واحتلال العراق. وهي العناوين التي يرفع زيلنسكي قسم منها والذي حول أوكرانيا بدعم الناتو ووحشية روسيا الى خراب ودمار.
 اكبر خدعة اخترعتها البرجوازية الحاكمة اليوم في العالم في تاريخ الإنسانية هي السيادة المطعمة بترياق القومية. وبمحض ارادة البرجوازية تكتسب السيادة معنى مطاطيا وحسب ظروف ومقتضيات توازن القوى في المعادلات الجيوسياسية. فمثلا تنازل صدام حسين عن جزء من أراضي "سيادة العراق" الى السعودية اثناء الحرب العراقية-الايرانية في عقد الثمانينات من القرن المنصرم، كما اتفق مع الدولة التركية خلال نفس الفترة بالسماح لاجتياح جيوشها الأراضي العراقية بعمق ٣٠ كلم لملاحقة القوميين الاكراد ومعارضي الدولة التركية، وقبل ذلك تنازل عن غالبية مساحة شط العرب لإيران عام ١٩٧٥ لنظام الشاه. واثناء التوقيع على وثيقة الاستسلام أمام القوات الامريكية في خيمة صفوان عام ١٩٩١ تنازل عن الكثير من الأراضي للكويت بما فيها حقول نفطية. المهم في كل هذه الحروب هي الحفاظ على السيادة الوهمية التي تتقلص وتتمدد في كل مرة.
اصطفاف دول العالم إلى مؤيد ومعارض ومحايد في الحرب الإمبريالية التي تقع أحداثها في أوكرانيا تخفي شيئا واحدا وهي الحقيقة التي تختفي وراء إصرار زيلنسكي على تقديم سكان أوكرانيا على طبق من الذهب لحلف الناتو. فسكان أوكرانيا لم يختاروا الانضمام الى الناتو وليس من مصلحتهم سواء تم امتلاك سلاح نووي أو لا، ولا يغير كل تلك العناوين من معادلة معيشته ورفاهه سواء كان ملحقا بروسيا او بالناتو. بيد أنهم سيقوا الى الحرب عنوة وفي غفلة من الزمن دون أن يكون لهم رأي بالانضمام الى الناتو او البقاء محايدا.
 إن وظيفة كلا الاعلامين الغربي والروسي هي إضفاء الحقانية على حربهما وإخفاء الحقيقة التي وراء تلك الحرب. ويلعب زيلنسكي دورا عظيما في إخفاء تلك الحقيقة التي تفصح عن عدم حقانية تقديم كل يوم أرواح المئات من المدنيين  قرابين دفاعا عن مصالح الناتو والامبريالية الأمريكية للوقوف بوجه التمدد الامبريالي الروسي. وهذا ليس نابع من تحليلنا او نتجنى على زيلنسكي، بل كشف هو عن سره بشكل فاضح ودون أي خجل وتردد بأنه يدافع عن امن اوروبا ودول الناتو كما فعل نظام صدام حسين بتقديم مليون انسان قرابين في حربه مع ايران دفاعا عن البوابة الشرقية للأمة العربية.
قد نغيض قليلا كارهي الشيوعية، ولكن لا بأس فليتحملونا كما نحن العمال و الأغلبية المسحوقة من جماهير العالم نتحملهم ونتحمل أكاذيبهم وخداعهم ونفاقهم ودجلهم و معتقلاتهم وتعذيبهم وحروبهم، لنتذكر لينين الذي رفع شعار (أرض -خبز -سلام) إبان فترة الحرب العالمية الأولى، وقال حينها إن الحرب العالمية هي حرب اللصوص الإمبرياليين، ولا مصلحة للعامل الروسي والالماني والفرنسي والبريطاني والتركي فيها. وبدلا من توجيه فوهات بنادقنا الى صدور بعضنا نحن العمال، فيجب توجيهها نحو حكوماتنا التي لها مصلحة في هذه الحرب الامبريالية ودفعوا بنا كوقود الى محرقتها عنوة . ووفى لينين بوعده وقاد حزبه الطبقة العاملة وعموم جماهير ورسيا  نحو إسقاط القيصرية ووقع على صلح (بريست ليتوفسك) الشهير الذي تنازل عن قسم كبير من الأراضي الامبراطورية القيصرية الروسية لألمانيا والامبراطورية العثمانية من اجل حقن دماء الشعب الروسي وبقية شعوب أوروبا، ولعب ذلك الصلح عاملا مهما في إخراج روسيا من الحرب العالمية واسدال الستار على آخر فصولها في عام ١٩١٩ عبر اتفاقية فرساي. وادى ذلك الصلح على تغيير الخارطة السياسية العالمية وكشف لينين عن وثائق حصل عليها من خزائن القيصر على اقتسام العالم بين تلك الدول المتحاربة والتي تحولت الى فضيحة كبيرة حينها. وتم اتهام لينين عندما وقع على إيقاف الحرب حتى من قبل صف من اليسار الذي يتخندق اليوم قسم منه مع روسيا والقسم الآخر من الناتو بأنه خائن وباع الوطن والاراضي الروسية إلى ألمانيا. بموجب الاتفاقية المذكورة  التي وقعت في ٣ آذار من عام ١٩١٨ تنازل لينين عن دول البلطيق وهي ليتوانيا ولاتفيا واستونيا، كما تنازل عن أوكرانيا واعترف باستقلالها، وتنازل عن بولندا التي كانت جميعها ملحقة بالإمبراطورية القيصرية الروسية. لم يتحدث لينين كما يتحدث اليوم زيلنسكي عن سيادة روسيا واستقلالها وعن حقوقها القومية، لأنه كان يعرف جيدا ان القومية والسيادة ليس اكثر من ترهات تبيعها البرجوازية على شعوبها لجرها الى حروبها التوسعية. لقد كان الشغل الشاغل للينين هو إيقاف دولاب الدم الذي يطحن العمال والفلاحين ومحرومي روسيا، ويقدم نموذجا بشكل عملي الى جماهير ألمانيا والمجر والنمسا والامبراطورية العثمانية وبريطانيا وفرنسا أن الحرب القائمة هي حرب اللصوص، وان اهم شيء عندما تعد العدة لشن الحروب هو الإعداد بشكل جيد بجر الجماهير وايقاعها في شرك وخداع الانظمة البرجوازية المتحاربة.
وحتى بعد مرور أكثر من قرن من الزمن لم يفلت لينين من النقد والهجوم اللاذع على موقفه من اوكرانيا من قبل اللصوص الروس وعلى رأسهم  بوتين الرئيس الروسي في بداية اشعاله الحرب  على أوكرانيا.
إن الطرفين المتحاربين اليوم على أرض أوكرانيا يكرهون لينين، ولكنهم يرفعون القبعات لزيلنسكي، لأن الأول هو النموذج الكشف عن ما وراء حروب اللصوص وتفويته الفرصة عليهم باستمرار خداعهم لجماهير روسيا والدول الامبريالية المتحاربة، بينما الثاني  بقدر هو أي زيلنسكي ممثل أحد طرفي اللصوص لتحقيق مصالحهم بنفس القدر بالنسبة للطرف الثاني أي الروسي يستخدم ذريعة لتزييف حقانية الحرب على أوكرانيا. ولا شيء يخسره زيلنسكي غير شعب قدمه مكتوفي الايدي الى الماكنة العسكرية الروسية وقربانا لمصالح الناتو، اما هو ووزير خارجيته ودفاعه ونائبه ومستشاره  ورئيس أجهزته الاستخباراتية فهم ينعمون بخنادق تحميهم واجهزة اتصالات غربية تقيهم الاغتيالات من قبل  القوات الروسية.
ان الانظمة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لن يرف لها جفن في قتل آخر انسان أوكراني، وأن العقيدة التي نشأ عليها النظام الرأسمالي هو القتل والاستحواذ على الأراضي دون أي وجه حق و الحاقات قسرية، وأنها لمحظوظة بظهور شخص مثل زيلنسكي يدافع عن مصالحها ويحول أراضيها مجانا الى ساحة حرب بالوكالة مع الإمبريالية الروسية . انها بحق بطاقة يانصيب حصل عليها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

48
"الأسرة. الأسرة هي الوحدة الأصغر في مجتمعاتنا الشرقية وليس الفرد كما تحاول الليبرالية الحديثة تسويقه. الأسرة هي الحاملة للعادات والتقاليد والثقافة وكل ما يمثل الهوية نراه في الأسرة. والفرد هو عضو فيها. والأسرة لا يمكن أن تؤسس إلا على الغيرية لا يمكن للأنانية أن تبني أسرة. لأن هذه الوحدة هي أساس سلامة المجتمع عندما تكون سليمة فالأسرة الأكبر مع الأقرباء تصبح سليمة والحي والمدينة والمجتمع كله يصبح سليماً. لذلك ركز الدين على هذه الأسرة ولذلك من أهم الخطوات لضرب هذه البنية الاجتماعية هي ضرب الأسرة والنزول باتجاه الفرد. فإذاً في عملنا الديني يجب أن نركز على موضوع الأسرة في عملنا الديني والاجتماعي وأيضاً نتحدث عن هذا الموضوع. لأن الأسرة بدأت تتفكك بفعل عوامل مختلفة. بفعل تطور الحياة. العوامل التقنية. وبفعل الهجمة التي تحصل على الثقافة."

"المسلمات وأنا بدأت بالحديث عن المسلمات ولكن المسلمات هنا عامة. هناك كثير من المسلمات التي تمثل القيم والعادات والتقاليد والمفاهيم التي يبنى عليها المجتمع. لا بد من تمتين هذه المسلمات أيضاً. مجتمعاتنا تفقد هذه المسلمات. العقائد مسلمات. الرموز والانتماءات الوطنية مسلمات. والقومية مسلمات. العادات والتقاليد. الأسرة كما قلت قبل قليل. احترام الكبار. هناك عناوين كبيرة وهناك عناوين صغيرة ولكن كلها مهمة. احترام الكبار سواء كانوا كباراً بالعمر أو كباراً بالقيمة هو من المسلمات. كثير من الأشياء لا أذكرها الآن كلها ولكن ضرب هذه المسلمات يلغي ثنائيات طبيعية تخلق التوازن في المجتمع. يقال إن الدنيا بنيت على الأبيض والأسود والليل والنهار والخير والشر وهذه الثنائيات هي موجودة. عندما نلغي هذه المسلمات يصبح الكبير كالصغير والطالب كالمعلم والأبناء يحلون محل الوالدين. يأخذون دورهم وتلغى الحدود بينهم. وفي هذه النقطة بر الوالدين هو أحد أهم المفاهيم التي يجب أن نركز عليها في بناء الأسرة ويصبح الفاسد كالشريف ويصبح الظالم كالمظلوم. إذاً إلى أين نصل عند ضرب هذه المسلمات؟ نصل إلى أن يكون المعتدي كالمعتدى عليه. وبالتالي بدلاً من أن تكون هذه أرضاً مغتصبة من قبل العدو ونحن المالكون الحقيقيون تصبح هذه الأرض محل نزاع لأن الطرفين بالموقع نفسه وقد يكون كلا الطرفين صاحب حق فكيف سيتم الحل في هذه الحالة؟ الطرف الثاني المعتدي المغتصب للأرض سوف يقوم أو أنا الطرف الأول بالبداية سأقدم تنازلاً له وأعطيه جزءاً من الأرض. تنازلاً مني له. وهو سيقوم أيضا بالتنازل عن جزء من الأرض أنا أملكها. سيتنازل لي عن حقي وبالتالي نصل للتسوية السياسية التي يسعون إليها. فنرى أيضاً أن المسلمات لا تنفصل عن المخطط السياسي لليبرالية الحديثة. فإذا أردنا أن نصل إلى الانهيار السياسي. أو إذا أرادوا أن يصلوا إلى الانهيار السياسي فلا بد من الانهيار الاجتماعي. وفي هذا الانهيار الاجتماعي تعرفون أقواس تدمر /أحجار. أحجار ويوجد حجرة في المنتصف تسمى حجرة العقد لأن كل الأحجار تستند عليها/ هنا يقع موقع الدين. فإذا انفكت هذه الحجرة تسقط كل الأحجار ولكن بالوقت نفسه كل الأحجار الأخرى إذا سقطت تسقط حجرة العقد. فالدين. من دون مجتمع سليم لن يكون هناك دين بالمعنى الحقيقي الذي تسعون إليه. من دون أسرة من دون مسلمات من دون أخلاق من دون فقه من دون كل هذه التفاصيل التي ذكرتها فكل هذه الأحجار سوف تسقط مع بعضها البعض وبالمحصلة لا يوجد خيار إلا أن نربح هذه المعركة وإذا أردنا أن نربحها لا بد أن نعرف ما هي هوية العدو الحقيقية. ما هي طبيعته. أين يتموضع. وما هي أساليبه. ولا بد أن نربح لأننا إن ربحنا فعندها سنكسب احترام الآخرين وسنفرض احترامهم أو سنفرض احترام عقائدنا ورموزنا عليهم. فإذاً إذا نظرنا إلى كل هذه الأشياء نراها مترابطة وهي كتلة واحدة ولكن عندما تأتينا بشكل متفرق فنتعامل معها بشكل مجتزأ ونتعامل مع الأسماء وننسى التيارات. فلذلك ننتقل من خسارة إلى خسارة ومن نكسة إلى نكسة ومن فشل إلى فشل."

"هناك موضوع خطير يثار وأيضاً يرتبط بالجانب الآخر أو بشكل أو بآخر بموضوع الليبرالية الحديثة ولكنه يمس صلب المجتمع وهو يأتينا على شكل ثلاثة مواضيع منفصلة الأول يمس أو يشكك بعروبة سورية وبلاد الشام والعالم العربي بشكل عام والثاني يشكك بعروبة القرآن من خلال القول بأن القرآن كتاب سرياني والثالث يشك بعروبة الرسول من خلال القول بأن الرسول مستعرب وليس عربياً. طبعاً الهدف من هذه الطروحات الوصول لعدة أهداف الأول هو ضرب العروبة والإسلام بالرغم من أنها ضربت منذ أكثر من مئة عام وساهم الإخونجيون في التفكيك بينهما ونحن نعيش كمجتمعات أزمة هوية منذ عقود ومنذ قرن من الزمن أو أكثر بقليل أو ربما منذ بدأ التتريك في العهد العثماني. بدأنا نعيش أزمة هوية. وبدأ البعض يسأل نفسه أنا مسلم أكثر أم عربي أكثر؟ هل أنا أنتمي لدمشق أو حلب أو دير الزور أو اللاذقية أكثر أم أنتمي لسورية أكثر؟ ما هو التعارض؟ أنت تنتمي لعائلتك ولحيك ولقبيلتك ولطائفتك ولمدينتك وتنتمي للوطن وتنتمي للدين. ولكل هذه الأشياء. هذه أشياء لا تتعارض. ولكن خلق التناقض بينها. هذه النقاشات تهدف لخلق التناقض نفسه وهي متداولة الآن بشكل واسع وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي ومع كل أسف نرى أن هناك من يتقبلها ويسوقها عن قناعة السذج وفي بعض الحالات بسوء النية. وانا أفترض أن السذاجة هي العامل الأكبر في هذه الحالة. يريدون أن يفرقوا بين العروبة والإسلام ويفرقوا بين القرآن ولغته ويفرقوا بين المسلم والمسيحي ويضربوا جوهر انتماء هذا المجتمع وهو الانتماء العربي الذي تكرس عبر السياق التاريخي."


ان هذه المطولات المهمة من كلام رئيس الجمهورية العربية السورية د. بشار الاسد ليس شرطا وليس حكما ان نتفق مع كل ما قاله بطبيعة الحال، ولكن علينا التأكيد وتكرار انها يجب ان تتم قراءتها وتحليلها على مستوى أمني استخباراتي اعلامي ثقافي يشمل المنظومات الحاكمة في المنطقة العربية كلها وتجهيز شعوبها للتصدي ولمقاومة من يريد بنا الشر والضرر والأذى هم من الذين يتبنون "النيوليبرالية" ومخططها، وهي مطولات شارحة في أجزاء كبيرة منها ماذا يجري ويحدث؟ وأهميتها المضاعفة انها تخرج من موقع رسمي وقانوني وهنا نكرر تلك النقطة مجددا من باب التأكيد والإصرار على قوتها من هذه الناحية
 ما نريد قوله من ناحيتنا هو التالي:
ان هذه الليبرالية الجديدة "النيوليبرالية" هي منظومة أستحمارية حقيرة منحطة ساقطة أخلاقيا، خادمة لكل ما هو شر في العالم ولكل ما هو منحرف عن الفطرة والاخلاق العامة البشرية المتعارف عليها والمشتركة بين كل الأديان.
وهذه الليبرالية الجديدة تتحرك بالرد الدعائي ضد من يحاول كشف شيطانيتها، فهي تتحرك بالرد "الدعائي" الزائف وهي تخلط بين دواعي محقة او تعابير "فخمة" لا معنى لها في خط التطبيق ك "الحرية" او يافطة حقوق الانسان او الخلط "الاستحماري" الذي يربط كراهية العنصرية مع الترويج للانحرافات السلوكية الجنسية كاللواط والترويج لتعديل الجنس والغاء "ذهنية العائلة " من الوعي المجتمعي للأطفال والشباب، وربط من يقول "لا" لهذا "الإرهاب الشيطاني الإبليسي" بالديكتاتورية او التخلف او في معاداة الحضارة.

اذن رد هذه الليبرالية "الجديدة" ضد من يقاوم هو "رد" ردعي، دعائي، غير علمي، ويستخدم الكذب والتدليس وأيضا سيطرة المنحرفين سلوكيا وجنسيا على وسائل الاعلام وأيضا ارتباطهم مع الحركة الصهيونية العالمية والنظام الطاغوتي الربوي الذي يريد ان يصنع عالم "لا" يتم احترام فيه العائلة بل تدميرها من الوجود و ان يتم خلط الأعراق و اسقاط أي ثبات و تأصيل فكري أيديولوجي يصنع شخصية قومية مستقلة للأنسان و ان تكون هناك "ميوعة" فكرية تقبل كل شيء بلا تمييز وبلا تمحيص و بدون مسطرة قياس ترتبط بالدين او الفطرة الإنسانية السليمة او القومية.

ان هناك نظام للقيم يحمينا ك "شرقيين" وك "عرب" وك "مسلمين " وك "مؤمنين في وجود خالق"، او اليس الإسلام هو "ثقافة المسيحيين الشرقيين" واليست اللغة العربية "قومية الدين الإسلامي"؟ إذا صح التعبير، واليس كل تاريخ العالم من دين وثقافة ومعرفة ونهضة واساطير وحكايات وغموض كلها انطلقت وتفجرت ونبعت من هذا الشرق؟ وهو حاليا يواجه هجمة سيطرة ومحاولة "هدم" و "تدمير" بقيادة حلف الناتو وهو الأداة العسكرية للنظام الطاغوتي الربوي العالمي المدعوم من الكيان الصهيوني وأعوانهم اليهود منهم والمتصهينين كذلك في كل أنحاء العالم مع نظام قيمهم المستجدة على الساحة العالمية مع ليبراليتهم الجديدة التي تريد إلغاء "دور" العائلة كأساس للمجتمع، والتخلص من دور الأب "الرجل" كرب للأسرة، والتخلص من "الرجولة" ودورها في المجتمع وإعطاء مهام الرجل للمرأة !؟  وخلط الأنساب والاعراق وترويج الانحرافات السلوكية الجنسية تحت مسميات المثلية وحرية تغيير الجنس وزواج الجنس الواحد دينيا وقانونيا وفرض هذا الشذوذ وهذه اللوطية على باقي العالم.... كل العالم بما يخالف كل دين عرفه البشر وكل ما هو طبيعة إنسانية فسيولوجية بيولوجية وربط هذا الشذوذ والانحراف واللوطية مع مصطلحات الفخامة الدعائية لغسيل دماغ الإنسان هذه المصطلحات الفخمة الفارغة من اي معنى وهدف ك "الحرية" و"التنوير" ومناهضة العنصرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعالم المتحضر.

ولا يتم استغراب التدخل لغسيل دماغ الأطفال والشباب من هنا وهناك من ادخال نظام دعائي استحماري تكراري "ممنهج" يحمل صفة "القانون" ساعي الي وضع أفكار الانحراف والسقوط لليبرالية "الجديدة" في خط اللا "وعي" كما كان يتم في السابق عندما بدأوا في نشر الأفكار الليبرالية الكلاسيكية القديمة وترويجها وبثها في المجتمعات الشرقية المحافظة حيث في البداية تم وضع أفكار "عبادة الاستهلاك" وصورة فتاة الغلاف المثيرة جنسيا ؟! وصورة الرجل الذي تريده كل نساء العالم!؟ ان تكون على علاقة معه !؟ وهذه كلها صور إعلامية تكرارية "أستحمارية" لترويج صورة الانسان "الليبرالي" السعيد !؟ وهي حالة سينمائية وهمية لا حياة لها في الواقع والحقيقة، حيث الكأبة والجفاف الروحي هو سيد الموقف في الغرب و تحولت شعوبه المسكينة الى الات بلا روح ولا قيم ولا دين ضمن دائرة الذهاب والعودة من العمل والغرق في مراكز شرب الخمور في نهاية الأسبوع او انتظار إجازة الأسبوعين السنوية لكي يعيش الفرد الغربي هناك "وهم" الغنى والثراء في احدى منتجعات العالم الثالث , ولنتذكر عندما انتفضت الشعوب التي كانت تعيش في ظل "برودة" الستار الحديدي للاتحاد السوفيتي آنذاك، اكتشفت هذه الشعوب ان كل ما كانت تشاهده "سرا" من أفلام واعلام وترفيه ما هي الا أفلام ليس لها وجود الا في الخيال وأحلام اليقظة وفي دور السينما او في شرائط الفيديو "المهربة" الى نطاق البلدان الشيوعية الاشتراكية، وحين انفجرت فقاعة الوهم، اكتشف هؤلاء ان ما كانوا يعيشونه من فشل ومن عبادة شخصيات حكم الحزب الواحد الغير ديمقراطية؟! هي بالتأكيد ليست "جنة" و لكنها في اليقين  والواقع و الحقيقة كانت افضل من مرحلة ما بعد سقوط كل هذه البلدان في فلك و سيطرة و استعمار و استحمار النظام الطاغوتي الربوي العالمي و ما يحصل لهم في ارض الواقع من مأسي الجوع و الدعارة والامراض و انتشار العصابات و تجارة المخدرات و سقوط الكرامات القومية والقيم الإنسانية الشرقية و تحول شعوب هذه البلدان من تصدير  الثقافة "الحقيقية" و الحرية "الاجتماعية" و من انتاج الأطباء و العلماء و التصنيع الثقيل الى تصدير العاهرات و المخدرات و غياب غطاء دولة الرعاية الإنسانية من تعليم و طبابة و سكن وامن غذائي , كان الواقع الذي عاشوه بعد سقوط المنظومة الاشتراكية الشيوعية "كابوس رعب" لا يعكس صورة مشابهة للأفلام الأجنبية الغربية الاستحمارية و التي لا تتواجد الا في هذه الأفلام "فقط" , الا ان هذه دولة الرعاية الاجتماعية الإنسانية كانت شيء محسوس و مضمون عند شعوب المنظومة الاشتراكية وكانوا يتعاملون معها على ان هذه الرعاية الشاملة ستستمر و تصبح شيئا افضل فواجهوا الحقيقة المرة و الواقع الحقيقي للنظام الطاغوتي الربوي العالمي , كما واجه لاحقا و احس به السوريين المهاجرين الى بلدان أوروبا حيث كان هناك منهم من يعيش الوهم انهم سيذهبون الى "الجنة" فاذا بهم يدخلون الى جهنم الطاغوت الربوي الشيطاني و حيث اكتشفوا ان "السياحة " في أوروبا ليست هي "المعيشة" فيها , و ان ما كان مضمون ومعتاد تلقائيا في دولة الرعاية السورية هو امر غير موجود هناك , و ان عليهم القيام بكل ما هو حقير و ساقط و دنيء لكي يتم السماح لهم ان يعيشوا هناك بالذل و الافقار و الإهانة و ان عليهم ان يتنازلوا عن اعراض بناتهم و شرفهم  لكي يندرجوا في أسلوب حياة السقوط الأخلاقي الأوروبي , و ان على من هو محظوظ فيهم ان يدفع من ثلاثين في المئة الى ستين بالمائة من دخله الشهري "ان وجد" للدولة الأوروبية التي سمحت له في "طلب" اللجوء ,لا أقول اللجوء فهذا امر اخر مختلف , اما ممارسة السياسة و نقد الحكام و الرأي والرأي الاخر اذا صح التعبير , فهذا الوهم غير موجود في النظام الطاغوتي الربوي العالمي , واتحدى أيا كان ان يتكلم و يتحدث في اسقاط أي نظام سياسي أوروبي و تغييره او ان يتحرك ضد الأنظمة الاجتماعية و الاقتصادية هناك , فليقول من هم سوريين لاجئين ذلك و لنشاهد كيف سيختفون من على الخريطة.
ان غسيل الدماغ وتحريك الاعلام لصناعة عقل جمعي هي موجودة هناك كما هي موجودة في باقي بلدان العالم ولوسائل الاعلام توجيهات وأوامر يتلقونها من المملولين الحكوميين او من غيرهم والذين كلهم يمثلون شبكة مصالح وعلاقات وتشابك واحد.

يقول الكاتب "وسام سعادة":

"يتأتى كل ذلك بالمحصّلة من كون» الدولة النيوليبرالية» في حركة إجهازها على «الدولة الليبرالية – الاجتماعية» التي سبقتها تقضي أيضاً على «عهد الأمان» الضمنيّ الذي كان يقول ما مفاده أن الإنفاق الاجتماعي أسلم للدولة وللسكان معاً من حصول تصدّعات اجتماعية حادة نتيجة لاستفحال الفوارق والمظالم واشتداد أشكال القهر والحرمان والاقصاء، وانّ الانفاق الاجتماعي المدروس يُفضّل، بالمطلق، على الانفاق الأمني المحموم. بالتالي، الخيار النيوليبرالي هو وبشكل مصّم خيار اللا أمان على الصعيد الاجتماعي. اللا أمان الذي يؤدي حتماً الى زيادة الاعتماد على المعالجات الأمنية الفظّة للقضايا الاجتماعية، ما يكثّف طبيعة التناقض التي تقوم عليه الدولة النيوليبرالية: حيث عليها أن تحمي السكان مع تقويض شبكات الأمان عندهم، في ضوء التخفيف من الحمايات الاجتماعية. وما يراه كتاب الرباعيّ هنا هو أنه من هذا التناقض ثمّة نمط عنف خاص بالدولة النيوليبرالية هو بصدد التكشف أكثر فأكثر ولا يمكن استيعابه بالعموميات حول «منظومة العنف الشرعي». ذلك أن الهدف هنا، من متلازمة ضرب الأمان الاجتماعي وزيادة الاعتماد على الحلول الأمنية ضد الطبقات والشرائح والمجموعات الأكثر نكبة بالسياسات النيوليبرالية، هو انتاج عدوّ داخليّ تسبغ عليه الصفات الإجرامية، ويجري تجنيد فئات واسعة من السكان، بما في ذلك من ضحايا السياسات النيوليبرالية، ضد هذا العدو."

ان الاعلام الغربي المملوك بشكل كبير من اليهود والصهاينة ماكينته الترفيهية هي جزء من صناعة "الاستحمار" خدمة لتوجيهات النظام الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية ومن يتحالف معهم من المنحرفين سلوكيا وجنسيا في مواقع القرار السياسي والمالي ومراكز السيطرة والتحكم في هذا النظام نفسه الساعي الى تدمير نفسه! والعالم وهو بالمحصلة النهائية لا يخدم الا الصهاينة اليهود ومشروعهم التوسعي العنصري البعيدة عن الإنسانية في منطقتنا العربية.

ان "نظام للقيم الشرقية المعتمدة على أهمية دور الدين والاسرة" هو الذي سيحمينا وكذلك الانتماء القومي للعروبة ك "لغة" ول "حب الأرض" هي ما سيخلق "قلعة" دفاع مقاومة لكل هذا الشر الشيطاني الذي تتحرك به هذه الثلاثية وهم
1_ النظام الطاغوتي الربوي العالمي وهو "الممول الاقتصادي"
2-الحركة الصهيونية وهم "العقل المدبر"
3-حلف الناتو وهو المطرقة العسكرية الأمنية الاستخباراتية.

وهذه الثلاثية تتحرك في ليبرالية جديدة "نيو ليبرالية" يراد تصديرها للعالم، وإعادة ضبط ساعات العالم الى برمجة "لا "اخلاقية تخالف كل ما هو دين وفطرة طبيعية وفسيولوجيا.
وعلينا ان نتساءل عن الدوافع و الأهداف من نشر هذه الليبرالية الجديدة هنا علينا ان نركز على ما يحصل في منطقتنا العربية و تحديدا في سوريا و العراق و الذي يعتبرهم الصهاينة المتطرفين أجزاء من ارضهم الموعودة المزعومة , حيث أدت الحروب و التدمير المبرمج هناك المخطط له في هاذين البلدين الى تهجير الملايين من العرب قسرا من مناطقهم الى أوروبا , حيث يتم الضغط و ابتزاز الدول الأوروبية على قبول هؤلاء في بلدانهم واتهام أي تحرك مانع لنقل هؤلاء بالعنصرية علما ان الكيان الصهيوني لا يسمح في قبول أي مهاجرين مهما كانت الأسباب الا اذا استطاع المهاجر ان يثبت ان والدته يهودية !؟ أحد اهداف تفريغ شعوب هذه الدول العربية من سكانها هو لتمكين المشروع الصهيوني من التوسعة في المستقبل لأنه حاليا الكيان الصهيوني لا يملك العدد الكافي من اليهود للاستيلاء على أراضي دولتهم المزعومة لأن حاليا عدد السكان لديهم لا يسمح بذلك وأيضا هناك قنبلة سكانية عربية فلسطينية في طريقها للتفجر والصعود عدديا في المستقبل ومن هنا نفهم السبب لأصدار قانون يهودية الدولة في الكيان العبري والذي أيضا يريد منع هذا التفجر والزيادة السكانية الفلسطينية.

اذن عند وجود هذا الكم المليوني من المهاجرين العرب بالإضافة الى المهاجرين من ليبيا ودول إسلامية أخرى مثل أفغانستان والتي تم تدميرها في صورة ممنهجة بواسطة حلف الناتو، هنا المطلوب صهيونيا احداث تصادم حضاري بين مختلف حضارات العالم في المواقع الأوربي والتركيز على قوة القانون في خلط تلك النساب والأعراق واجبار توظيف المهاجرين في اعمال ليس لهم خبرة فيها ولا اختصاص.

ان التصادم هو ما سيحصل طبيعيا في مثل هذه الظروف و هذا التصادم سيخلق بيئة عدوانية عند  الشعوب الاوربية يجعلهم يكرهون كل ما هو مسلم و كل ما هو شرقي و هذا يخدم صناعة الرأي العام في أي رغبة صهيونية و قرار مستقبلي لهم في التوسع الاستيطاني واي توسع عسكري لحلف الناتو و مع هذا الخلط المبرمج داخل أوروبا و مع نشر اللوطية و الانحرافات الجنسية و تفكيك الاسرة و خلط الأعراق فهذا سيخلق بيئة ضعيفة فكريا بلا منطق او فكر او إيدلوجية و بلا شخصية اجتماعية او فردية و من هنا سيصبح من السهل صناعة التحكم و السيطرة و توجيه الرأي العام و هذا ما شاهدناه و رأيناه مؤخرا في حركة "السود مهمين" و في ازمة وباء الكورونا و في الحرب الروسية الأوكرانية.

اذن علينا ان ندرك ونفهم ان مع مسألة خلط الانساب والأعراق فأن أوروبا ستصبح كما هي عليه الولايات المتحدة الامريكية ذات المشروع الفاشل رأسماليا اما الكيان الصهيوني فيظل كما يخططون "يهوديا" ك "عنصر"، ومن هنا أهمية القنبلة السكانية العربية الفلسطينية المجنسة إسرائيليا إذا صح التعبير ومن هنا يتفجر الخوف الصهيوني لأنهم يعرفون ان هذه القنبلة هي مقتلهم في المنطقة العربية وقد تكون نهاية اليهود حيث ان قرابة نصف يهود العالم يسكنون في دولة فلسطين العربية المحتلة صهيونيا منهم.
لماذا يتعاون النظام الطاغوتي الربوي العالمي مع الصهاينة في هذا المشروع؟ فليس كل المتمولين ماليا و التجار في المنطقة الاوربية من اليهود او الصهاينة , ان ذلك يتلخص في ان هناك مشكل سكاني أوروبي يتعلق في "قلة الانجاب" حيث تتراجع إعداد الشباب هناك بحيث هناك حاجة ملحة لتشغيل النظم الإدارية و التجارية والمعامل و المصانع  والمستشفيات...الخ هناك و أيضا علينا ان نعرف ان هناك زيادة و توسع في اعداد كبار السن و العجزة بما يتطلب رعاية خاصة لهم في مختلف المجالات فيتطلب الامر من نظرة رأسمالية مصلحية "بحتة" استقطاب كتل بشرية شبابية من بلدان اخري وهنا الميزة المصلحية ان يكونوا من خارج بلدان اوروبا حيث انهم لا يعرفون حقوقهم الوظيفية و يتم استغلالهم في مختلف الوظائف المهنية و العمل في ساعات أطول في أجور اقل....الخ من الاستغلال الوظيفي المصلحي و هناك أمور أخرى تفصيلية.

اذن علينا الادراك و الوعي و المعرفة و الانتباه لهكذا مخططات تطبيقية حركية يتم تنفيذها على ارض الواقع الملموس و المحسوس و المشاهد لمن يريد ان يعيش البصيرة و الرؤية الحقيقية و ان يقرأ ما يجرى بعقله فتحركات تلك الثلاثية ستصبح اكثر شراسة و عنف في واقعنا العربي حيث ان العالم يتحول الى عالم متعدد الأقطاب و هناك مراكز جديدة للقوى العالمية الإمبراطورية كالصين و روسيا و حلفائهم سيكونون موجودين وحاضرين و هم حاليا يواجهون ما يجري من مشروع نيو ليبرالي "الليبرالية الجديدة" و ما حدث في أوكرانيا خير دليل على ذلك كأحد مواقع تفجر صراع الأقطاب.
ان علينا العمل على بناء ثنائية الدين و القومية العربية الحقيقية التي تصنع لنا نطاق حماية من خلال بناء نظام للقيم للأنسان العربي تحميه و نصنع له لقاح المناعة الذي سيواجه بها ويقاوم ويحارب كل هذا الشر و برمجة اللوطية القذرة الساعية الى دمارنا كلنا , و هذا الامر مهم للجميع ك "أنظمة رسمية عربية " و ك "شعوب" , و سيأتي اليوم الذي سيتم الطلب من الجميع القبول باللوطية و الانحرافات السلوكية و سيتم وضع حديدة التحدي الملتهبة بالحرارة امام عيون الجميع الأنظمة و الشعوب لتطلب منهم في إهانة و شتيمة و اذلال و مهانة ان يقبلوا تلك الأمور دينيا وان يشتموا مقدساتهم الدينية , فهل هناك من سيقبل ؟
لن اجاوب على هذا السؤال!

د. عادل رضا
طبيب باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب كويتي في الشئون الإسلامية والعربية

49
   سوريا والمخطط النيوليبرالي


سوريا كانت و لا زالت مستهدفة منذ انشاء نظامها القومي في العام 1963 و تحركت ضدها مختلف المؤامرات الخارجية و كانت مثال على نجاح مجموعة من الشباب  الذي "يريد" ان يصنع شيئا جديدا في الواقع العربي و هؤلاء الشباب استطاعوا تحقيق الاستقلالية و دولة الرعاية الاجتماعية للمواطن العربي السوري و لكل "عربي" اخر يقيم على ارض الجمهورية القومية التي أسسها الجناح اليساري لحزب البعث العربي الاشتراكي , و هذه الدولة بالتأكيد فيها من سلبيات النظام الرسمي العربي الكثير و هي جزء مما حدث في أنظمة حكم الحزب الواحد من عبادة شخصية او من تراكمات بقاء اشخاص من هنا و هناك في مواقع السلطة متكلسين و اشتبكوا في تحالف مع طبقات تجارية قديمة او جديدة و هذه المواضيع و اكثر ناقشتها في عمق اكثر في كتابي الصادر في العام 2017 بعنوان "ما و راء الستار" و في الكتاب تفاصيل اكثر عن ثورات الألوان و كيفية صناعة الاستحمار الداخلي بواسطة الاستعمار الخارجي  , و هذا الامر أقوله ليس لترويج كتاب انا الفته و لكن لتحويل المهتمين من يريدون ان يتحركوا في عمق اكثر و تفاصيل ادق لما يجري و يحدث في واقعنا العربي المريض و الذي يغيب عنه مشروع للنهضة شامل كما حدث أيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي انتهى لما وصل اليه من سقوط و انهيار في هزيمة 1967 وصولا الى مرحلتنا الحالية حيث بقت للمنطقة العربية ثلاثية مشاريع ناقشناها في مواقع اخري ومنها المشروع السوري لحزب البعث و الذي أصبحت به سوريا احد مواقع صراع الأقطاب في العالم بل هي البؤرة الأساسية لصناعة العالم الجديد ب "أقطابه" الجديدة و تراجع القطب الأمريكي , و ان كان لا زال يقاوم و جزء من هذه المقاومة الشيطانية هو استخدام المخطط النيوليبرالي ليس ضد سوريا فقط بل لباقي العالم , و هنا اخترنا سوريا لأن هناك اشتباك و تداخل حصل ضمن معركتها مع اعلان رئيسها قناعات لدولته التي يرأسها و هذه ما سنشرحه لاحقا بهذه السطور القادمة.

ان الجمهورية العربية السورية تعرضت منذ العام 2011 الى تحريك "مبرمج" للثورات الناعمة على أراضيها ضمن استغلال "حدث" و "موقف" من هنا و اختلاق امر من هناك  و أيضا استغلال تراكمات سلبيات و أخطاء و جرائم من هنالك مضافا اليها سلبيات أي نظام رسمي عربي و هي سلبيات تراكم معها الاحتقان وهي جبال من الغضب الشعبي تصنع فتيل الانفجار اذا صح التعبير , و لعل ذلك ما ساعد على نجاح تفجير ثورات الألوان داخل الجمهورية العربية السورية و والتي نجحت الدولة في سوريا مع "إيجابيات" استخباراتها و أجهزتها الأمنية و المخلصين المؤمنين الصامدين في الجناح اليساري الحاكم من حزب البعث , كلهم نجحوا في احتوائها و من ثم انطلق التسليح "الخارجي الأجنبي" و صناعة الجماعات المسلحة المرتبطة في التمويل و الدعم  مع "حلف الناتو والصهاينة وادواتهما التوظيفية" و "تحويل " يافطات اسمائها كل فترة و أخرى الى أسماء متعددة مختلفة ضمن صناعة دعايات زائفة عاطفية و استغلال كل ما هو ممكن و متاح و أيضا كل ما هو غير معقول لأسقاط اخر قلعة للصمود العربي و تدمير اخر جيش عربي "نظامي"  "قتالي" "حقيقي " في المنطقة العربية , الى ان وصلت المسألة الى أيامنا الحالية حيث احتلال امريكي من هنا وهناك حيث تجميع لأوباش البشر و قمامات التكفير و جواسيس و عملاء حلف الناتو و الصهاينة في منطقة ادلب المحتلة من تركيا الطورانية , تمهيدا لنجاح متوقع للبرود الاستراتيجي السوري الى حد التجمد في القضاء على هكذا "خراج" و "قيء" متعفن من الخونة والجواسيس الذين باعوا انتمائهم لوطنهم وقوميتهم و دينهم , و اشتغلوا كبندقية عميلة للأيجار ضد "الدولة" السورية و ضد "جيشها".

اذن هذا مختصر للكلام للحدث السوري  ننطلق منه شابكين ذلك ارتباطا مع  ما قاله رئيس الجمهورية العربية السورية د. بشار الاسد في شكل غير مسبوق و وحيدا بين كل قيادات و زعامات النظام الرسمي العربي و هو منهم؟! ,  , حيث قال نقاط مهمة جدا , قوتها ليس في ارتباطها في شخص من قالها بل لأننا نعرف انه ك "فرد" يمثل "رسميا" و "قانونا" كامل جهاز تفكير و قناعة "دولة" سوريا بأجهزة استخباراتها و "الشخصيات الرزينة" التي تفكر مع الرئيس و التي يستشيرها ضمن نطاق عملها "الوظيفي" و أيضا "جهاز التفكير المؤسسي" التي تملكه "دولة سوريا القومية العربية" , والتي هي دولة علمانية لديها مشروع استراتيجي حركي يسعى لتحرير الانسان العربي ضمن فكرة صناعة دولة رعاية للمواطن و أيضا الالتزام في فكرة تحرير الأرض ضمن مواقع القوة الموجودة لديها لذلك هي دولة أعلنت رغبتها في "السلام" العادل  والمشروط مع حقوق الشعب العربي , و هذا ما وضع الصهاينة و من ورائهم من حلف الناتو و المتصهينين العرب في الزاوية , ان مشروع تحقيق و "فرض" السلام السوري في المنطقة احرج الصهاينة و حلف الناتو , و مجمل المشروع العربي الفكري السوري اذا صح التعبير ليس منطلقه طائفيا و لا علاقة له في دين او المذهب الوراثي لرئيس الدولة و كل كلام عن علوية الدولة السورية او طائفيتها هو كلام دعائي استخباراتي صهيوني كاذب و مزيف هدفه الحركة الخبيثة في تفكيك الشعوب العربية و أيضا خلق اسفين من الحزازيات الوهمية ناهيك على ان هذا الكلام يخالف الواقع و التاريخ و ما هو ملموس في الجمهورية العربية السورية القومية حيث مجمل و اغلب قيادات الدولة هناك من مناطق دير الزور و درعا حيث العشائر العربية السنية المذهب و الأغلب الاعم من كوادر حزب البعث العربي الاشتراكي و قيادات الجيش العربي السوري من المسلمين السنيين المذهب اذا صح التعبير و على العكس من الأكاذيب الصهيونية ضد الدولة السورية و رئيسها العلماني البعثي القومي العربي فأن  حزب البعث العربي الاشتراكي الجناح اليساري الحاكم في سوريا هو من الغى الزامية وجود المسلمين العلويون في مواقع الامن و العسكر وابعاد الاخرين وهو تقليد عثماني تركي طوراني موروث من أيام الاحتلال التركي لسوريا و هي عقلية تركية طورانية دخيلة على العرب كانت تستحقر العشائر العربية الاصيلة و تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية !؟ واقل منهم "عرقيا"! علما بأن الرسول الاكرم عليه أفضل الصلوات والسلام كان "عربيا" اصيلا، اذن الدولة العربية السورية البعثية الغت استحقار العرب الممارس ضد هؤلاء الذي تمت ممارسته عليهم من القوميون العنصريين الطورانيين الاتراك.
 من هذا و ذلك ما نريد ان نشدد عليه ان ما ذكره رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد مؤخرا ليس تصورات فرد بل انها قناعة دولة و أجهزة و مؤسسات اطلقها رئيس اخر "قلعة" للصمود العربي اذا صح التعبير , و هي وان كانت مطولة و لكنها تشمل قراءة مهمة حيوية يجب ان تتم دراستها و نقاشها و تحليلها و اثارة ما احتوته من ملاحظات و نقاط و أيضا ان يتم العمل على الانطلاق المعرفي التحليلي في تبني مع ما هو مناسب فيها  , لأنها كاشفة للمخطط النيوليبرالي الخبيث والمبرمج, حيث يقول رئيس الجمهورية العربية السورية د. بشار الاسد:

"عندما نتحدث عن الفكر في منطقتنا أنا لا أتحدث الآن عن سورية في هذا الشرق الكبير قد لا يكون هناك تعريف قد يكون الشرق يمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي ومناطق أخرى هو شرق عقائدي. شرق ديني. عندما نتحدث عن الفكر فاليوم هذا الفكر هو الدين لأنه يدخل في كل جوانب الحياة. يدخل في العقل. يدخل في العاطفة يدخل في السلوك. في الماضي. وفي الحاضر. وسيكون كذلك في المستقبل. فإذا يكفي أن نخرب هذا الفكر لكي نخرب المجتمعات. وهذا الشيء يحصل منذ قرن تقريباَ أو أكثر بقليل. وبالمحصلة بعد مئة عام فقد حقق أعداء تلك المجتمعات نجاحات كبيرة في هذا الشيء وبدلا من أن يكون الدين الذي أنزل أداة للمجتمعات لكي تتطور استخدم هذا الدين لكي يكون أداة لتخريب تلك المجتمعات. أنا أريد أن أشبه الوضع والعالم الذي نعيش فيه بمحيط. محيط كبير. محيط هائج. أمواجه عاتية تضرب بكل الاتجاهات. تضرب بالاتجاه الأمني عبر الإرهاب. تضرب بالاتجاه الاقتصادي عبر الحصار والتجويع. تضرب بالاتجاه الفكري عبر دفع المجتمعات إلى الدرك الأسفل. في هذا المحيط نرى سفنا ونرى مراكب ترتفع تعلو وتهبط. البعض منها يهتز بهدوء والبعض يترنح والبعض قد غرق. ما يحدد الفارق وما يحدد قدرة هذه المراكب على مواجهة الأمواج هو عوامل الأمان والاستقرار التي تمتلكها تلك المراكب. هذا هو حالنا كمجتمع. لو لم نكن نمتلك هذه العوامل لكنا غرقنا منذ الأسابيع الأولى. وبالوقت نفسه لو كنا قد قمنا بصون هذه العوامل والحفاظ عليها بشكل جيد لما دفعنا ذلك الثمن الغالي اليوم."

"هذه الأمواج مستمرة لا تتوقف تضرب بمجتمعاتنا بشكل مستمر. تضرب بنية المجتمع. تضرب عقائد المجتمع. وتضرب رموز المجتمع. وهذه الأمواج ليست أمواجا عفوية لأن هذا المحيط الهائج ليس هائجا بفعل عوامل الطبيعة وإنما بفعل المصالح الدولية وهناك تعارض بين تلك المصالح وبنية مجتمعاتنا سواء كانت البنية بالمعنى الاجتماعي البحت أو البنية بالمعنى العقائدي لأننا لا نستطيع أن نفصل مجتمعاتنا عن ديننا."

"بالمحصلة خلال القرن الماضي نحن نتراجع. نحن نخسر والأعداء يتقدمون إلى الأمام. السؤال الذي يجب أن ننطلق منه بالبداية من هو المسؤول؟ نحن أم هم؟ طبعا نحن لا نتحدث الآن عن سورية. أنا أتحدث عن العالم الإسلامي ككل وسورية اعتبرها في هذا المجال متقدمة جدا وحققت نقلات نوعية جدا ولكننا جزء من هذا العالم الكبير لا نستطيع أن نفصل أنفسنا عما يحصل في العالم الإسلامي. وأنتم تعانون. تخطون خطوة إلى الأمام. تلاحظون بعد فترة أن هناك دائماً انتكاسات سببها التفاعل والتأثر بما يحصل في مناطق أخرى من العالم الإسلامي وخاصة مع تطور أو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي."

"بالطريقة نفسها يجب أن نفكر. ما هو موقعنا لو أردنا أن نسقط هذه الحالة على وضعنا في العالم الإسلامي بشكل عام نستطيع أن نقول إنه لا يوجد مخفر شرطة لأنه لا يوجد قانون دولي ولا توجد مؤسسات تضبط. فإذا يبقى نحن وهم. ونحن أصحاب البيت هل أغلقنا الأبواب؟ وإذا كيف نردع اللص؟ بحالتين إما بالردع من خلال القوة والآن لا يوجد ردع دولي والمؤسسات الدولية غير موجودة والقانون الدولي والأخلاق الدولية كلها غير موجودة. وهناك تحصين المنزل فكيف نحصن هذا المنزل؟ هذا بيدنا. الموضوع ليس بيد أحد وهذا أساس الحماية. التحصين أهم من الردع والتحصين أهم من الشرطي بغياب كل العوامل الأخرى نستطيع أن نحصن منزلنا."

"لكن في الواقع كل ما يحصل هو عبارة عن رد فعل. يعني الغضب هو تنفيس. تنفيس للاحتقان ولكنه ليس فعلاً. هم يحاربوننا بالفعل ونحن نرد برد الفعل ودائماً من يعمل دائماً برد الفعل يخسر. غضبنا كرد فعل ولكن هذا الغضب لم يتحول إلى فكر. لم يتحول إلى خطة عمل. وعندما لا يضبط العقل الغضب يتحول كالعاطفة. العاطفة شيء جميل وإنساني ولكن عندما لا تضبط العاطفة بالعقل تصبح ضارة. الشيء نفسه الغضب هو رد فعل طبيعي ولكن عندما لا يضبط بالعقل يتحول إلى مجرد تنفيس وبالتالي يعرف الأعداء أن هذه المجتمعات لا تستطيع أن تقوم بشيء أكثر من الغضب. فإذاً نحن في حالة حرب. هذه الحرب قد تكون اقتصادية. قد تكون عسكرية وقد تكون فكرية تتوجه باتجاه العقائد ولكن كل أنواع الحروب إذا أردنا أن نتصدى طالما وضعنا الغضب جانباً ونتحدث عن التصدي لا بد أن يكون موقعنا كالعسكري. العسكري لكي ينجح في الحرب لا بد من أن يأخذ الموقع الصحيح والاتجاه الصحيح والطريقة الصحيحة كي لا يخسر المعركة. والحرب فيها كل المصطلحات. فيها هجوم وفيها دفاع وفيها هجوم تضليلي وفيها رصد وكمائن وغيرها. الشيء نفسه في هذه الحالة لو أردنا أن نقوم بعملية الإسقاط العسكري يأخذ الموقع الصحيح. أنتم كعاملين في الوسط الديني وكمجتمع مسلم ما هو الموقع الصحيح الذي يجب أن نضع أنفسنا فيه؟ بكل بساطة هو استخدام المصطلحات الصحيحة وهو السلوك الصحيح وكلاهما ينطلق من تعاليم الدين وينطلق من مقاصد الدين. فقط أربع كلمات إذا عرفنا الربط بينها عرفنا ما هي الطريقة التي يمكن أن نخوض من خلالها معركة شرسة قديمة ولكنها في حالة تصاعد ولن تتوقف. فإذا غضبنا ونفسنا ولم نحول هذا الغضب إلى طاقة منتجة فسيأتي البعض ويقول نحن بشر يهاجمون الرموز ولا ننفعل؟ نقول لا بالعكس انفعل. الغضب هو حالة إنسانية ولكن ابق الغضب في الداخل وحوله إلى إنتاج. حول هذا الغضب إلى نقاش وحوار وأفكار وخطط لأننا لو تناقشنا لقلنا ألا تتوقعون أن سيكون هناك هجوم وهجوم بعده وإلى آخره؟ اعتقد أن الجواب نعم. إذاً ماذا نحضر للهجوم التالي؟ خطة غضب. لا بد أن نحضر خطة عمل. النقطة الثانية نغضب ونقاطع البضائع يومين. ثلاثة أيام. أسبوعاً وبعدها تعود الأمور كما كانت. البائع الذي وضع لافتة /نحن لا نبيع البضائع مرة فرنسية ومرة دانماركية/ بعد أسبوع تخرج البضائع نفسها والغاضب نفسه الذي كان في الطريق يعود في الأسبوع الذي يليه لكي يشتري البضاعة نفسها. ما هي الرسالة التي نرسلها للخارج بأن علاقتنا بالدين هي علاقة متذبذبة غير ثابتة وبالتالي ليست مبدئية لأن المبادئ ثابتة."

"ما هي الصورة التي نقدمها عن الدين وعمن نقتدي به؟ يعني الذي يمثل هذا الدين على الأرض هو الرسول عملياً والقرآن هو كلام الله والله فوق البشر ولكن الشيء الملموس بالنسبة لنا هو الرسول. هو قدم لنا نماذج في الغضب؟ أم قدم نماذج في الهدوء ورباطة الجأش؟ مع أنه في ذلك الوقت كان يعيش في زمن الكرامة كانت أخطر شيء وكانت تندلع الحروب من أجل الكرامة وتسيل الدماء لأجيال ومع ذلك هو تعامل دون أدنى اهتمام مع الذين حاولوا الإساءة له وإلقاء القاذورات عليه. وكان هناك شعراء جاهليون تفننوا وأبدعوا في هجاء الرسول ولم يذكرهم ولا نعرف شيئا إلا القليل عن تلك المرحلة. فالسؤال. هل يجوز للمسلمين أن يتبعوا الرسول في العقيدة ويخالفوه في السلوك؟ هذه مجرد نماذج. الأهم من ذلك هو ما يرتبط بالمسلمات. لدينا مسلمات تعلمناها منذ كنا في المدرسة والمفروض أن أي مسلم لديه الحد الأدنى من الايمان هذه المسلمات موجودة في عقله المصطلحات التي استخدمت في تلك المراحل السابقة عندما يقوم بها المسلمون بهذا الغضب هو نصرة الدين ولكن الدين هو الذي أتى لكي ينصر الإنسان الدين إلهي هو الذي ينصر البشري ولا يمكن للبشري أن ينصر الإلهي وهذه مسلمة. نحن ندافع عن الدين ولكن لنفترض بأننا سلمنا بهذا المصطلح وأردنا جدلاً أو افتراضياً أن نستخدمه فأنا أقول إن الدين ينتصر ليس بالغضب. ينتصر بالتطبيق وعملياً عندما نطبق الدين بشكله الصحيح في المجتمع من خلال تطبيق المقاصد أو الوصول إلى مقاصد الدين فعندها سيكون هذا المجتمع معافى وسليماً. عندها ينتصر الدين. فالدين إذا افترضنا أنه ينتصر فلا ينتصر إلا إذا انتصر المجتمع والمجتمع لا ينتصر إلا إذا كان سلوكه بشكل عام سليماً."
" لا نبحث عن شهادة حسن سلوك من الغرب كمسلمين هذا أولاً. ثانياً لا. أكثر من ذلك هم من يتحملون المسؤولية. الإرهاب ليس منتجاً إسلامياً. هذا بديهي. هو منتج لثغرات لها علاقة في المجتمع ولكن من يستغل هذه الثغرات هو المجتمع الغربي هو من حرض الإرهاب في هذه المنطقة والأهم من ذلك أن جزءا من الإرهاب الذي يضرب عندهم في أوروبا لا علاقة له بالإرهاب الموجود لدينا. هم أدخلوا الفكر الوهابي فقط مقابل البترودولار. مقابل أموال والآن يدفعون الثمن. ولكنهم يلقون بالمسؤولية على المسلمين وعلى تطرف المسلمين وإلى آخره وصولاً إلى رموزنا. فإذاً التصدي يبدأ من معرفة الخطر ويبدأ أيضاً من معرفة نقاط الضعف. هذه النقطة لا نتحدث بها لأن المؤسسة الدينية في سورية قطعت خطوات مهمة جداً وعقدنا الكثير من النقاشات بجلسات مختلفة وتحدثنا عن نقاط الضعف واعتقد بأنكم أنتم من يقوم بمعالجة هذه النقاط. نقاط الضعف. لكن النقطة التي لم تكن ظاهرة للكثيرين وما زالت هي. تحديد هوية العدو الحقيقي. هنا تكمن المشكلة. يعني عندما يحصل شيء بطبعنا نشخصن الأمور ونهاجم الأشخاص. الشخص الذي قام بالهجوم لكن أشخاص عابرون يعني الأشخاص لا يمثلون أنفسهم هم يمثلون تيارا. أقصد التيار الذي يقوم بهذه الهجمات على المجتمعات الإسلامية أو إنهم أحياناً نتيجة لأسباب مصلحية يقومون بهذا العمل. هذا التيار الذي لم يكن واضحاً للكثيرين هو تيار الليبرالية الحديثة والقلة من الناس تعرف عنهم. طبعا يختلف عن الليبرالية. الليبرالية هي تيار سياسي اجتماعي لا يوجد فيه مشكلة. يقال هناك ليبرالي وهناك محافظ لا توجد مشكلة. الليبرالية الحديثة هي تشبه الآن الحديث عن تسويق الديمقراطية بالنسبة لأمريكا. يستخدمون الديمقراطية من أجل الهيمنة على الشعوب ويستخدمون حقوق الإنسان من أجل شن الحروب."

" استخدموا الليبرالية لشيء جديد اسمه الليبرالية الحديثة التي بدأت تتطور منذ حوالي الخمسة عقود بشكل تدريجي وخبيث على مبدأ السرطان. لماذا يسمى السرطان ورماً خبيثاً؟ لأن الإنسان لا يشعر به. يتطور تدريجياً وببطء. أساس منهجيتها هو تسويق الانحلال الأخلاقي بشكل كامل وفصل الإنسان عن أي مبادئ أو قيم أو انتماءات أو عقائد من أجل الوصول لأهدافها. وكأمثلة عملية هذه الليبرالية الحديثة هي من سوق الزواج المثلي من خلال التسويق الذي ابتدأ في السبعينيات تدريجياً إلى أن وصلوا منذ حوالي عشرة أعوام إلى أن أصبح هذا قانوناً والآن بدأ يكون لديهم أبناء وأعتقد بأنها تختلف عن صيغة التبني ابن مع أنه ليس ابناً يعني كيف يكون هناك ابن؟ هذه الليبرالية الحديثة هي التي سوقت فكرة أن الطفل لا يختار دينه بنفسه وأن هذا تعد على حرية هذا الشخص. هذا يولد من دون دين ولكن لاحقاً عندما يكبر يختار الدين الذي ينتمي إليه مع أن هذا مناقض لطبيعة الإنسان. لأن الإنسان منذ أن كان يخترع أدياناً ويخترع آلهة ويخترع أصناماً كان بشكل غريزي الابن ينتمي لدين العائلة التي ولد فيها فهم يناقضون إنسانية الإنسان. هي التي سوقت أعتقد العام الماضي وربما قبل المخدرات على اعتبار أنها ليست ضارة وأصبحت تباع بشكل قانوني وعلني في المتاجر ويبدؤون الآن هذا المخدر لا يعتبر مخدراً وبعدها يصلون لأنواع أعلى من المخدرات. والآن تستطيعون في بعض الأماكن أن تطلبوا أنواعاً من الخبز بنكهة هذا المخدر. هذه الليبرالية الحديثة هي نفسها التي سوقت الآن البدعة الجديدة أن الطفل يولد لا ذكراً ولا أنثى. هو يختار لاحقاً إن كان ذكراً أو أنثى. شيء عجيب؟ ماذا تفهمون من هذا الكلام؟ المطلوب من هذه الليبرالية ضرب إنسانية الإنسان وهنا تتناقض مع الدين. لأن الأديان أنزلت من أجل تكريس الإنسانية فتأتي الليبرالية لتفصل الإنسان عن إنسانيته. إذاً. عندما يفصل عن إنسانيته ويفصل عن قيمه وعقائده ما الذي يقود هذا الإنسان؟ شيئان. المال والغريزة. وعندها تسهل قيادته بالاتجاه المطلوب."

"منهجية هذه العقيدة وهي طبعاً عقيدة ترفض العقائد لأنها تطلب من الإنسان ألا ينتمي للعقائد. منهجيتها هي أن تحول مرجعية الفرد من المرجعية الجماعية. كما هو الحال الطبيعي بالنسبة للبشر. إلى مرجعية الفرد. وبالتالي مرجعية الفرد المقصود فيها رغباته فكل ما يرغب به هذا الفرد هو صحيح بغض النظر عن المجتمع. فإذاً رغبات الفرد هي الأساس لا الأسرة ولا المجتمع الأكبر. انسلاخ الفرد عن هذه القيم هو منهجية ثانية. الانسلاخ عن الأسرة والانسلاخ عن الوطن. فإذاً هو لا ينتمي إلى أي شيء. ينتمي لنفسه في الداخل. وينتمي لهذه العقيدة الليبرالية. هم يسوقون أن هذه العقيدة هي ليست عقيدة. هي ترفض العقائد لكن في الحقيقة هي عقيدة. عندما نقول بأنها تسحب أو تلغي إنسانية الإنسان ماذا يعني؟ تحوله إلى حيوان. ما هو الفرق بين الإنسان والحيوان؟ الأشياء المشتركة. الإنسان لديه عواطف والحيوان لديه عواطف ويكره ويحب. الإنسان ينطق والببغاء ينطق. قد يقول البعض وهذا متداول بأن الفرق بينهما هو العقل. لا غير صحيح. لأن الحيوان لديه عقل ويتعلم. ويتعلم من التجربة والخبرة. الفرق بين الإنسان والحيوان هو شيء وحيد يتميز به الإنسان. هو العقيدة لذلك ضرب العقائد هو ليس شيئا جديدا وأنا سأذكركم عندما سقط الاتحاد السوفييتي وبدأ التفكك ما هو أول مصطلح طرح في أمريكا؟ بأن زمن العقائد قد ولى يعني لا توجد عقائد. يعني هذه هي بداية أو كانت مرحلة مهمة من مرحلة الليبرالية الحديثة."

"فإذاً بالمحصلة هي أيديولوجيا ذات هدف سياسي لكنها لا تستطيع أن تصل إلى هذا الهدف من دون الأدوات الاجتماعية. لا يمكن لها. إذاً. إذا كان الهدف سياسياً فما هي المشكلة بينهم وبين الدين؟ هل هناك مشكلة؟ بالمظهر لا توجد مشكلة. لا مانع لديهم من أن نصوم ونصلي ونزكي ونحج وكل شيء. لكن يجب أن نتخلى عن المبادئ والقيم. يعني مقبول الدين الفارغ من المضمون مسموح به. الدين المتطرف مسموح به. أما دين صحيح فلا. غير مسموح على الإطلاق. إذا أنا سأعود مرة أخرى إلى التسعينيات عندما بدأت الفضائيات تنطلق. تذكرون كنا أمام حالتين إما فضائيات تفرغ العقل وتدفع الجيل الشاب نحو التغرب أي باتجاه الفكر الغربي وخروج عن القيم ومقابلها تماماً الفضائيات التي بدأت تكرس التطرف فكنا أمام حالتين إما الأولى أو الثانية. سيقول البعض هذا طبيعي فالمجتمع كان منقسماً. والتطرف الأول يخلق التطرف الثاني. والتطرف الثاني يخلق التطرف الأول. هذا كلام صحيح لو كان تمويل هذه القنوات يأتي من مصادر متطرفة أو مصادر متغربة ولكن تمويل هذه القنوات كان من مصدر واحد. نفس الدول تدعم الأولى وتمول الثانية. فإذاً كلاهما يصب باتجاه المضمون نفسه. مشكلتهم معنا هي عندما نكرس الدين الصحيح. لأن هذا الدين الصحيح هو الذي يمنع الأهداف السياسية عبر خلق حاجز يمنعهم من تحقيق الأهداف ويمنعهم من تحويلنا إلى قطعان من المواشي تقاد إلى المذبح. انطلاقاً من هذه الفكرة تستطيعون أن تفهموا لماذا نرى هذا الهجوم الشرس على المؤسسة الدينية. هذا هو السبب. لا يرتبط تماماً بالحرب على سورية. الموضوع أكبر. الموضوع أوسع. من اليوم بكل هذه المؤسسات المختلفة الموجودة على الساحة الإسلامية من هي المؤسسة التي تقوم بالقتال. وليس بالعمل. بالقتال من أجل تكريس الدين الصحيح؟ ومن هي المؤسسة التي تدفع الشهداء من أجل تكريس الدين الصحيح على كل الساحة الإسلامية؟ هي هذه المؤسسة فمن الطبيعي أن تكون هذه المؤسسة هي العدو الأول. هاجموكم كأشخاص وهاجموكم كمؤسسة. لأن الدين الصحيح الذي نتحدث عنه هو الذي يؤسس لبنية اجتماعية مناقضة تماماً للبنية الاجتماعية المطلوبة لتسويق الليبرالية. لذلك جزء كبير من الهجوم على المؤسسة الدينية يأتي من الخارج. صحيح أن الحرب على سورية. أنتم جزء من هذه الحرب. هذا وطن وهذا شيء طبيعي. ولكن يجب أن نرى الحرب على سورية والحرب على المؤسسة الدينية في سياق أبعد وأعمق هي ليست حربا منفصلة. هي ليست وليدة العشر سنوات الماضية. إن لم نر أين ابتدأت لا يمكن أن نعرف كيف ننهيها. وهذا ما علينا أن نفهمه جميعاً. هذه هي المشكلة بينكم كمؤسسة وبين الليبرالية الحديثة وهنا أريد أن أؤكد على أن الخلط الذي كان يحصل في الجدل الحاصل على وسائل التواصل الاجتماعي وأنا كنت أسمعه من قبل العديد منكم هو خلط بين الليبرالية والعلمانية."

"الحقيقة أن الهجوم الذي يحصل والطروحات الشاذة التي نسمعها هي طروحات ليبرالية لا علاقة لها بالعلمانية. العلمانية شيء مختلف تماماً. العلمانية هي حرية أديان لا علاقة لها على الإطلاق. فيجب أن نميز ونعرف من هو العدو الحقيقي الذي نواجهه. شخصنا العدو ماذا نفعل؟ تحدثنا في البداية عن أنه لا يوجد قانون دولي ولا توجد حماية. الحماية الوحيدة واليوم ابن كل واحد فيكم موجود على الهاتف وعلى الحاسوب. هو على احتكاك مع هذا الفكر. قبل ثلاثة عقود نستطيع أن نتقوقع على أنفسنا ونعيش مع عاداتنا وتقاليدنا ومفاهيمنا. اليوم هذا الكلام غير ممكن لا خيار سوى التحصين. تحصين المنزل كما قلنا في البداية ما هو أهم عامل في التحصين؟ طالما أنا تحدثنا عن علاقة هذه الليبرالية بالدين فلا بد أن تكون البداية من الدين. والدين عندما نقول الدين يعني الدين الصحيح. أي دين لا يبدأ سوى من الفقه. ونحن بالنسبة لنا عندما نتحدث عن الفقه نربطه بالفقهاء وبالتالي العلماء وبالتالي هو أعلى مستوى من العلم في الدين. أنا لا أتحدث عن هذا المستوى أنا أتحدث عن الفقه المطلوب لكل مسلم. وهنا تكمن مشكلة أخرى وهي مشكلة كبيرة أن جزءاً كبيراً من المسلمين يمارسون الشعائر من دون أن يعرفوا لماذا. فهناك حد أدنى من الفقه وهو العلم والمعرفة مطلوب لكل ممارس للدين لا يجوز لمسلم أن يمارس الشعائر من دون أن يعرف أين هي المقاصد. كل شعيرة من الشعائر التي نقوم بها يجب أن يعرف ما هو الهدف. إلى أين يصل. يجب أن يعرف أنه لا يمكن أن يمارس أي شعيرة من دون أن تنتهي إلى مقصد. أن البداية هنا والنهاية هناك. ويجب أن يعرف أن ممارسة الشعائر لا يمكن أن تكتمل إن لم يصل هو إلى المقاصد. هذه مشكلة كبيرة موجودة لا بد أن نعمل عليها ألا يبقى الفقه. طبعاً العلم هو مستويات والفقه مستويات ولكن عندما نتحدث عن القاعدة العريضة التي لا تعرف أساسيات فهي نقطة ضعف كبيرة وهي أساس التحصين للمجتمع المسلم. أهمية المقاصد هي أن كل قطاع من قطاعات العالم والمجتمع بحاجة لقياس. يعني عندما نقول. نحن نقوم بخطة معينة ونطبق إجراءات محددة للوصول إلى هدف كيف نعرف أين وصلنا؟ بالاقتصاد هناك أرقام النمو والتضخم…. إلخ. بكل مجال من المجالات هناك قدرة على القياس ولكن في المجال الديني كيف نقيس؟ لا يمكن أن نقيس من خلال عدد المصلين. لا يعني شيئاً أنتم تعرفون أن عدداً من الذين خرجوا من المساجد في بداية الحرب هم من الملحدين الذين كانوا يهتفون. الله أكبر وهناك عدد من الناس الذين يمارسون الشعائر لمسايرة المجتمع من جانب ولكي يقال. بأن الأموال هي أموال حلال وإلى آخره من التفاصيل. فإذاً هي ليست طريقة قياس ولكن نستطيع أن نقيس أخلاق المجتمع وسلوك المجتمع والمصطلحات الصحيحة التي تستخدم من قبل عامة المسلمين. نستطيع أن نقيس عندما نرى أن التدين هو الذي يواجه التعصب وليس الربط بين التدين والتعصب وبالمناسبة هذه النقطة بالذات هي نقطة مضيئة بالنسبة للمجتمع السوري. لأن الذي تحدث بالتعصب وبالطائفية في بداية الحرب هم بمعظمهم من غير المؤمنين وإذا كان البعض منهم من التيار الديني فهم غالباً بالميول الإخونجية والذين تركوا البلد والحمد لله تخلصت من كل هؤلاء. أما عندما نتحدث عن الإيمان الحقيقي وعن المسلم الحقيقي فالحقيقة أن هذه كانت نقطة مضيئة لا بد أن تذكر كوثيقة وللتاريخ بأن المؤمن الحقيقي هو الذي واجه التعصب والتطرف يعني ببعض الأمثلة أنا لا أستطيع أن أقيس كم واحدا يستطيع أن يفهم أو يقرأ أو يحفظ //إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة// ولكن أعرف أن هذا الشخص وهذا المجتمع لا يخضع للإشاعات. لا أعرف هو كيف يتعامل مع مواعيد الصلاة ولكن أعرف أنه يحترم المواعيد في العائلة وفي المجتمع وفي العمل. لا أعرف عن وضوئه ولكن أعرف أنه نظيف. أعرف أنه غيري غير أناني. أعرف أنه لا يحب النميمة أعرف أنه لا يرشي ولا يرتشي ولا يبرر الرشوة. أن أمورنا لا تمشي إلا إذا رشونا ويجتزئ من الدين أعرف أنه لا يتهرب من الضريبة لأنها سرقة للمال العام فإذاً بالعودة أنا أتحدث بكل هذه الفقرة عن شيء أساسي هو المقاصد لن نصل إلى التطبيق الصحيح من دون المقاصد."

"النقطة الثانية. اللغة العربية هي حامل الفكر والثقافة بشكل عام قبل أن تكون لغة القرآن. هي الحامل الطبيعي. عندما تندثر هذه اللغة أو تتراجع أو تضعف وهذا الشيء كلنا نراه في المجتمع بشكل واضح وبشكل خطير ومخيف فيجب أن نعرف أن هناك حاجزاً وهناك غربة بين الإنسان وثقافته. هذا شيء بديهي الشيء نفسه بالنسبة للقرآن وهناك هجمة حتى على لغة القرآن. كيف تتصورون القرآن من غير لغة؟ ولو جربتم أن تقرؤوا لغة مترجمة للقرآن يعني كتاباً مترجماً ولكن ترجم أيضاً من الإنكليزية عاد إلى العربية فسترون أنه هناك حاجز كبير بينكم وبين هذا الكتاب ولو تمكنوا من اللعب بهذه اللغة فسيكون هناك أيضاً حاجز بين المسلم وبين القرآن. ما هي مشكلتهم مع القرآن؟ أن الربط بين اللغة والعقيدة واحد ولا يمكن الفك ولكن يمكن ضربه. كيف؟ عندما نضرب لغة المجتمع فسوف نطوق هذا القرآن بلغات غريبة وبميول غريبة يبقى المسلم وتبقى الصلاة ولكن تصبح كاللغات القديمة هي لغة صلاة وهنا يحصل الفصل بين ثقافة القرآن وثقافة المجتمع. اللعبة واضحة. فلذلك لا نستطيع أن نفك اللغة عن العقيدة واللغة عن المجتمع والمجتمع عن العقيدة هي مثلثات أو مربعات لا يهم ولكن كلها مترابطة كالكرسي. إذا الآن ضربنا قدم هذه الطاولة تسقط الطاولة كلها بقدم واحدة هكذا يتم الموضوع فاللغة مهمة جداً."

50
الحرب الروسية على أوكرانيا ومرحلة جديدة من تاريخ البشرية
سمير عادل

لا صوت يعلو فوق صوت قرقعة الإعلام الغربي في أوكرانيا. من ليس معنا في شيطنة كل شيء روسي فهو ضدنا. انه عين خطاب بوش الابن بٌعَيّدَ تفجيرات الحادي عشر من أيلول الإرهابية في نيويورك عام ٢٠٠١. في ذلك الوقت كان العالم متعاطفا مع ضحايا تلك التفجيرات، ولذلك مر مرور الكرام ما تفوه به بوش الابن بما فيه جملته الشهيرة ان حربه العالمية ضد الإرهاب هي حرب صليبية. نفس السيناريو يتكرر اليوم ولكن بشكله التراجيدي،  فصخب الإعلام الغربي بشكل ممنهج ومخطط لطمس حقيقة ما وراء الحرب الروسية في اوكرانيا تملأ أجواء العالم، وهناك اصوات قليلة في الغرب تعلو لتكشف عن مدى نشر الكراهية وممارسة العنصرية السافرة وقمع الحريات السياسة وحق التعبير.
لا ندري هل نحن بالفعل محظوظين لاننا لم نولد إبان فترة الحرب العالمية الثانية التي لم تتوفر فيها وسائل إعلام وشبكات التواصل الاجتماعي و انترنت كي ندرك نعمة الوصول الى المعلومة والحقيقة. فها هو معقل الديمقراطية والحرية يتعامل مع كل ما يحدث ومن يتحدث بعكس ما يجري في أوكرانيا لغير صالح حكومة زيلنسكي ومصالح الغرب فهو مدان وغير مرغوب فيه.  وتكفي فقط الإشارة على سبيل المثال عبر تصفح القليل من كتب تاريخ تلك الحقبة، ونقصد فترة الحرب العالمية الثانية، لندرك أن ما يحدث اليوم، ونقصد تعامل عقلية الطبقة الحاكمة الغربية في الازمة الاوكرانية بأعلامها وسياسيها ومؤسساتها الاقتصادية وفي شتى مناحي الحياة الرياضية والفنية والادبية..  ليس وليد صدفة، انه عقلية جهنمية تضرب جذورها في عمق تاريخ النظام الرأسمالي في الغرب. فلا نستغرب ابدا اذا سمعنا يوما ملاحقة المواطنيين الروس ووضعهم في معسكرات اعتقال، او كما نشاهد الان في فتح المجال الاجتماعي والأمني من قبل الحكومات الغربية بمهاجمة قصور وفيلات الاغنياء الروس من قبل الناس مثلما حدث في لندن، كما حدث في فرهود اليهود في العراق ايام الحرب العالمية الثانية، او كما فعلت الحكومة الكندية في نفس الفترة في فتح معسكرات اعتقال لليابانيين ومعاملتهم بطرق وحشية تدمى لها جبين البشرية، لان الحكومة اليابانية كانت تحارب الى جانب الألمان ضد الحلفاء.  وبالرغم اعتذار الحكومة الكندية الى الجالية اليابانية لكن ما يتكشف اليوم لنا من خلال حمى العقوبات الاقتصادية الغربية المسعورة بأن تلك العقلية ما زالت فاعلة، ووضعت جانبا لتخميرها واستخدامها في هذه الأيام. 
واذا ما أخذنا بمنطق معظم الاعلام الغربي وتسويق صورة بوتين بأنه شخص مهووس عقليا، او مجنون، او يعاني التوحد..الخ من هذه النعوت لانه قام بغزو أوكرانيا ليخفي ذلك الاعلام ماهية النظام الراسمالي وصراع الوحوش الامبريالية على تقاسم العالم، فبنفس المنطق يمكن بسهولة الاستشفاف بأن بايدن هو الآخر مجنون ولا يعي ما يفعله عندما يستيقظ كل يوم ليعلن عن حزمة عقوبات اقتصادية على روسيا ضاربا بعرض الحائط مصالح مواطنيه في عقر داره على اقل تقدير، حيث ترتفع الاسعار بشكل مهول ويزداد التضخم ويحرم الملايين من شعوب العالم من الحصول على مقومات المعيشة باسعار بالكاد يتم تحملها.

صناعة الإعلام الغربي واسطورة صورة زيلنسكي:

من يقرأ تاريخ ترسيخ أسس النظام الرأسمالي في العالم، لا تخدعه فقاعات الغرب “المتمدن والمتحضر” بالتباكي على الانسانية المدمية في أوكرانيا.  ان صناعة الاعلام الغربي تستعرض الدمار الذي تلحقه الالة العسكرية الروسية في اوكرانيا من تدمير المباني وجثث القتلى الأبرياء وهروب الملايين من منازلهم الى الدول المجاورة، نقول تستعرضها من أجل  توسيع مساحة  شيطنة روسيا في العالم وإخفاء الحقيقة، وخلق المبررات لتصعيد العسكرتارية وتمهد  لتهيئة أرضية سباق التسلح. ان الحرية في مفهوم النظام الراسمالي الغربي كما نَظَّرَ لها الاقتصادي البريطاني الشهير ابان بزوغ فجر النظام الرسمالي ادم سميث (دعه يمر..دعه يعمل) ليس من شأنها الا ترطيب الأجواء للمنافسة الاقتصادية، و لن تنجح تلك المنافسة في الأسواق خارج حدود الدولة القومية دون العسكرتاريا والحروب كما بينه لنا التاريخ في الحربين العالميتين الاولى والثانية. اليوم تتحدث صناعة الإعلام الغربي عن حرية أوكرانيا واستقلالها التي تخفي في طياتها تموضع الناتو فيها على الحدود الدولة الامبريالية الروسية التي تعني الحرب من اجل الفوز بأوربا حيث سنتحدث عنها لاحقا.
وعليه أن تلك الصناعة لا تتطرق انها وراء كل تلك الماساة الانسانية التي تحدث في أوكرانيا عبر محاولة جر حكومة زيلنسكي الى حلف الناتو لتطويق روسيا. آن جونسون - بايدن وهم القادة  لهذه الحرب الى جانب بوتين، يريدون قتال الجيش الروسي حتى اخر انسان أوكراني. اما بالنسبة لزيلنكسي وحكومته ليس لديهم ما يخسره سوى شعب تنصلوا من مسؤولية أمنه وسلامته، ولذلك هي ليس على عجلة بوقف كرة ثلج الدمار العظيمة التي تكبر، وبالعكس تماما، ففي كل يوم يمر دون وصول القوات الروسية الى مخدع زيلنسكي يزداد  حجم المساعدات الاقتصادية والسياسية له ولطبقته الفاسدة، وتحت نيران جحيم التي خلقتها الطبقة الحاكمة في روسيا  لتلتهم حياة الأوكرانيين وتسلب مصيرهم ومستقلبهم، يتبختر زيلنسكي بخطاباته التي لن تجد آذان صاغية لها لدى الطبقة الحاكمة في الغرب سوى اعطائه فرصة للتنفيس عن مرارة خذلانه وخداعه أمام برلمانات بلدانها. ويكفي هذا الكرم لقاء ما قدمه زيلنسكي من خدمات للناتو لشيطنة روسيا واستنزافها عسكريا واقتصاديا،  بايهامه بطلا قوميا من قبل صناعة الاعلام الغربي، في حين لا يكاد ان يعدو اكثر من دمية بيد بايدن-جونسون الذي دفعوه إلى محرقة وتنصلوا عنه واكتفوا بدق الطبول الاعلامية له وإعلان دعمه العسكري الذي لا يعرف أحد هل ستحصل عليه قواته ام لا بفعل استهداف القوات الروسية له. المضحك في كل خطاباته غير المتزنة هو تارة يتوسل للحديث الى بوتين  دون ان يجد من يرد عليه، واخرى يطالب بفرض الحظر الجوي على اوكرانيا وهو يعرف لن يسمعه أحد في الناتو، ليظهر نفسه اخيرا بعد فشل كل توسلاته عبثا بانه يقاتل بوتين نيابة عن أوروبا ويحذر بأن سقوط اوكرانيا يعني سقوط اوربا. إلا أنه لا حياة لمن تنادي عند زعماء الناتو.
 السخرية تكمن ايضا عندما تصور تلك الصناعة الزائفة لكل الحقائق بأن حلف الناتو هو الحضن الدافئ لدولة ذات السيادة والاستقلالية ومدافعة عن قيم الحرية والدميقراطية، وهو نفس الحلف وزعمائه ملطخة أيديهم بدماء الابرياء في حروب يوغسلافيا وليبيا وافغانستان والعراق. إن سيادة أوكرانيا واستقلالها ليس أكثر من الضحك على الذقون. فالناتو لو خطى خطوة واحدة بابتعاده عن زيلنسكي لكان بإمكان الاخير ان يجنب الشعب الاوكراني الدمار والمأساة و الماكنة العسكرية الروسية الوحشية. ان المصلحة الوحيدة لحكومة زيلنسكي في هذه الحرب هي مصلحة طبقة فاسدة مرتبطة بالغرب ومستعدة لتقديم كل الشعب الاوكراني قرابين من اجل انتصار حلف الناتو على روسيا في الأرض الاوكرانية. واكثر المشاهد كوميديا هو الاستعراض الذي يقوم به زيلنسكي وآخرها تصريحه بأن أية تسوية مع روسيا يعرضها على الاستفتاء الشعبي، الا انه لم يعرض طلب انضمامه الى الناتو على الاستفتاء الشعبي، ولم يستعرض عضلاته العسكرية غير المفتولة امام روسيا لعرضها على الاستفتاء الشعبي! إن وظيفة صناعة الإعلام الغربي هو التشويش على كل المشهد السياسي في أوكرانيا والشخصية غير الاسطورية زيلنسكي.

 الحرب على أوروبا:

لم تدخل الولايات المتحدة الامريكية الحرب العالمية الثانية بمحض ارادتها، فهي تورطت وجرت الى الحرب عنوة، وما ان بدات تباشير عدم انتصارها اذا لم نقل هزيمتها تلوح بالافق استخدمت القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي ضد المدنيين الذين يبكي عليهم اليوم بايدن في أوكرانيا. ان الولايات المتحدة الامريكية ليست في جعبتها ورقة حرب، ولن تمض الى حرب مع دولة عظمى مثل روسيا. فهي دائما تهاجم وتشن الحروب على الدول الضعيفة اقتصاديا وعسكريا مثل فيتنام وكوريا والعراق وأفغانستان وسورية وليبيا. ما نريد ان نقوله ان هستريا العقوبات الاقتصادية الامريكية على روسيا بدلا من الدخول في حرب معها هي محاولة للحفاظ على هيمنة النفوذ الأمريكي ومحاولة لفرض مشروع عالم القطب الواحد الذي فشل لحد الان في ارسائه منذ انتهاء الحرب الباردة .
ان الحرب الروسية على أوكرانيا هي حرب الوكالة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على أوروبا. ويكفي تلويح الاعلام الغربي بعقد اجتماع بين البيت الأبيض والكرملين على أرض أوروبية دون حضور دولة أوروبية لمناقشة مستقبل اوربا، بحيث تم وصفه من قبل عدد من مثقفي الأوروبيين انه عار على أوروبا. وعليه ان هذه الحرب هي الاعنف في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية اذا استثنينا حروب البلقان لتحديد مصيرها وتبعيتها لروسيا او لأمريكا. وهذا ما تدركه ألمانيا الجديدة بعد الحرب الاوكرانية التي زادت من نفقاتها العسكرية. وتدركه فرنسا التي تذهب في صرخاتها نحو إنشاء جيش أوروبي. فاوربا تعيش احلك ايامها، فإما أن تدفع الإتاوة إلى روسيا لعدم قضمها أو تدفعها الى امريكا لحمايتها، وفي كلا الحالتين عليها البقاء ذليلة للولايات المتحدة الامريكية أو مطأطأة الرأس امام روسيا. وبمجرد استمرار الحرب أو أن تضع الحرب أوزارها، فالصرخات تشتد من الآلام تضخم وارتفاع أسعار الطاقة  التي ستجر معها ارتفاع كل السلع، وسينسى المواطن الذي يحمق اليوم بالدعايات الفارغة للحرب، أن حكامهم اخذوهم على حين غرة أو في غفلة من الزمن  وان البكاء على أوكرانيا سيخزن في ذاكرة التاريخ.
وهذا ما تعيه الطبقة الحاكمة في الغرب وتحديدا الاوربية فهي متورطة في اوكرانيا، ويأتي اعلان جونسون في منح زيلنسكي اللجوء السياسي له ولعائلته مدخلا في إنهاء الحرب في اوكرانيا التي باتت تجر اقدام الكل الى الهاوية. وسبقت بريطانيا الولايات المتحدة الامريكية منذ الأيام الاولى للغزو عندما عرضت على زيلنسكي ايوائه الا ان الاخير رفض لانه صدق كذبة الغرب في دعمه وصدق كذبة انه سيتوج بطل غربي يدافع عن الناتو.

 تشظي مكانة وموقعية الولايات المتحدة الأمريكية:

 ان العقوبات الاقتصادية هي سلاح أمريكا بالتصدي للتمدد الروسي والنمو الصيني وكل من يخرج عن طوعها. بيد أن معضلة العقوبات الاقتصادية وبعكس ما تسطرها صناعة الاعلام الغربي بأنها ستهلك روسيا، فكل تجارب تلك العقوبات لم تؤدي سوى اضعاف الجماهير والشرائح الاجتماعية الكادحة، وتقوية جبروت الدولة الاستبدادية وتطاولاتها على الحرية وحقوق الانسان، كما كان في عراق صدام حسين وكوريا الشمالية وفنزويلا والجمهورية الاسلامية الايرانية وسورية.
الا ان هذه العقوبات وهذه الحرب ستعمل على تشظي العالم الى عدة اقطاب ولن تكن محصورة بين امريكا من جهة وروسيا والصين من جهة اخرى، بل ستظهر اقطاب دولية اخرى مثل المانيا التي شمرت عن ساعدها وزادت من إنفاقها العسكري من ٦٥ مليار يورو الى ١٠٢ مليار يورو وهي ترفض لحد الآن إنشاء جيش أوروبي على الرغم من إلحاح فرنسا عليها، كما ستظهر أقطاب دولية اخرى سواءا على شكل دول او تكتلات أو تحالفات اقتصادية تتقدمها الهند والبرازيل والمكسيك التي تندرج ضمن اقتصاديات الدول العشرين التي تسمى بجي ٢٠، او على شكل تحالفات سياسية او عسكرية مثل اسرائيل والامارات والسعودية والبحرين ومصر.
 وان ما ذهبت إليه السعودية بالتعامل مع الصين لبيع نفطها باليوان هو احدى تداعيات العقوبات الامريكية التي باتت دول العالم  تخاف على مدخراتها من الدولار في حال انتهاجها سياسة لا ترضي الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد كشفت الحرب في اوكرانيا على معضلة الولايات المتحدة الامريكية وهي تضع مجبورة كل بيضها في سلة اوكرانيا، وبينت هشاشة مكانتها وموقعها السياسي. فهي تتوسل الى الصين لفصم عرى التحالف بينها وبين روسيا، وتذهب الى ايران وفنزويلا لتعويض نقص النفط وتخفيض اسعاره في السوق العالمية بعد ان صورت للعالم انهما محور الشر، وها هي تلهث من جهة اخرى لابرام صفقة حول الاتفاق النووي الإيراني. كما وفشلت الضغوطات الامريكية والبريطانية على السعودية والامارات في فتح خزاناتها لتدفق النفط لخفض الأسعار. و بمحاذاة ذلك يٌسّتَقبَلّ بشار الأسد بحفاوة في الإمارات  لتطوى صفحة عزلة نظامه سياسيا واقتصاديا، ليضاف إلى سجل انتصارات روسيا في المنطقة والعالم وضربة جديدة لموقعية امريكا، التي اكتفت الإدارة الأمريكية بالانزعاج والقليل من الغضب الذي لا يقدم ولا يؤخر. ومن جهة اخرى ها هو الحرس الثوري الايراني يقصف اربيل دون اي تردد ويعلن عن مسؤوليته. انه حقا خريف البطريرك الأمريكي كما جاء في رواية الكاتب الكولومبي ماركيز (خريف البطريرك).

ان الحرب الروسية على أوكرانيا هو إيذانا ببدء مرحلة جديدة في تاريخ البشرية، حيث يكون سباق التسلح هو العنوان الأبرز لها مقابل تشديد الفقر والعوز وتقويض مساحة الأمن والسلام. كما أن الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة مثل القانون الدولي وحقوق الإنسان والديمقراطية تجري عليها صياغات جديدة مطعمة بلغة ومفردات قومية وحتى تصل الى شوفينية ونازية مقيتة بحيث تتلائم مع الصراع المحتدم بين الاقطاب الدولية والاقليمية التي ستتشكل ما بعد تلك الحرب.
اخيرا ان الفرصة الوحيدة لمواجهة هذه التحديات هو ظهور قطب عالمي انساني اخر، قطب قادر على كبح جماح الصراع المحتدم بين الدول الامبريالية العالمية التي تتخندق حولها الاقطاب الاقليمية أو تحتمي بظلها. انه الحركة العظيمة التي وقفت بوجه غزو واحتلال العراق وحركة احتلوا وول ستريت او نحن ٩٩٪ ولكن تحت افاق الاشتراكية.


51
ما وراء بلطجة الجمهورية الاسلامية في اربيل
سمير عادل
كل الذرائع التي تسوقها قوات الباسدران الإيراني في قصفها لاربيل يوم ١٢ اذار هي واهية وسخيفة ولا تكاد ان تعدو أن تجد ايران اي شيء تقوله لتبرير اقل ما يوصف بأنه بلطجة سافرة وليس أكثر.
الحرب الروسية على أوكرانيا غيرت وستغير الكثير من الاشياء التي حولنا، بدءا من التصورات السياسية السائدة في المجتمع ومرورا بالخطاب الدعائي والسياسي وانتهاء المعادلات السياسية والاقتصادية، ليس على صعيد المنطقة فحسب بل على صعيد العالم.
لنتمعن الخطاب السياسي والاعلامي لروسيا في تبريرها لغزو اوكرانيا، فمحوره الاصلي هو حماية الأمن القومي الروسي. القانون الدولي الذي كان جزءا لا يتجزأ من الخطاب الأيديولوجي والسياسي لروسيا للوقوف بوجه الراية التي يرفعها الغرب بزعامة الولايات المتحدة الامريكية وهي الديمقراطية وحقوق الإنسان لتبرير تدخلاتها السافرة في تغيير الانظمة السياسية غير الموالية لها، يتعرض اليوم من قبل نفس روسيا الى انتهاك صارخ وبغض النظر نحن نتفق مع هذا القانون او لا. ولكن كما يعرف الجميع ان القانون الدولي تم صياغته بنسخته الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، وهي نسخة الدول المنتصرة في الحرب.
وبنفس محتوى الخطاب السياسي لتبرير غزو روسيا لاوكرانيا تم قصف اربيل، واكد السفير الايراني في العراق ما ذهبت اليها قوات الباسدران بأنها من قامت بقصف اربيل  دفاعا عن حماية الامن القومي الايراني. فمحور روسيا -الصين الذي طالما كان يدافع عن “القانون الدولي”، يدوس اليوم عليه لحماية مصالح أمنها القومي. وهكذا يشجع هذا الخطاب ضرب إسرائيل لإيران في اي زمان يناسبها حماية لمصالحها الامنية القومية، وستضرب مصر أثيوبيا بسبب سد النهضة لحماية مصالح امنها القومي، وستضرب تركيا مدينة السليمانية بسبب التعاون والتنسيق بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب العمال الكردستاني التركي حماية مصالح امنها القومي، وستغزو حيثما شاءت الولايات المتحدة الامريكية او تلقي بحمم بي ٥٢ على رؤوس جماهير إيران لمحاولة امتلاكها سلاح نووي حماية لمصالح الامن القومي الامريكي، وستغزو الصين تايوان لنفس السبب.. وهكذا ستضيق مساحة السلام في العالم بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتعم شريعة الغاب، وسيكشف النظام الرأسمالي عن قباحته دون رتوش الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان والقانون الدولي الى درجة لن تتحملها البشرية.

سواء كانت هناك قواعد اسرائيلية في اربيل او لا، او هناك تهديد اسرائيلي لامن ايران قادم من اربيل، فهل ايران قادرة بنفس المنطق والخطاب السياسي على قصف تركيا، لان الاخيرة رممت علاقاتها توا مع اسرائيل، وقام رئيس دولة اسرائيل بزيارة الى تركيا واعاد للعلاقات الاسرائيلية-التركية دفئها، وتم الاتفاق في جميع المجالات بما فيها الامنية، فهل بأمكان ايران قصف تركيا او تتبجح قوات الباسدران بايجاد الذرائع في قصفها او قصف السفارة الاسرائيلية في انقرة!

أن إيران تستغل اليوم الازمة الاوكرانية، وتستعير نفس الخطاب السياسي الروسي لتطاولها على العراق وفي خاصرة اقرب الى التيار القومي العروبي وتركيا. فالولايات المتحدة الأميركية منشغلة في اوربا، وهي الجبهة التي استعرت دون تخطيط مسبق لها في الوقت الذي كانت تخطط لاحتواء الصين. وان حصار روسيا وتقويض مكانتها عن طريق فرض عقوبات اقتصادية بما فيها تصدير الطاقة تكون مكلفة جدا اذا لم تجد البدائل في تعويض أسواق الطاقة. وايران وفنزويلا هما البدائل لتعويض تلك الاسواق. وبالرغم من دق كل الطبول الاعلامية الغربية  بأن روسيا تغرق في المستنقع الاوكراني كما غرقت في افغانستان، الا ان ما ان ينفض غبار المعركة وتحط الحرب من اوزراها، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستضعف قبضتها العالمية و تسدد ضربة جديدة لمكانتها بسبب فرط عقد حلف أمريكا جراء تكوين نظام مالي عالمي جديد بعيد عن الدولار. وفقط على سبيل المثال نذكر أن السعودية كأكبر مصدر للنفط في العالم عقدت اتفاقية مع الصين قبل أيام  بتسليمها النفط مقابل اليوان الصيني. فقد باتت جميع دول العالم مرعوبة على مدخراتها من الدولار بسبب استهتار السياسة الأمريكية وبلطجيتها لفرض هيمنتها. وهذا ما أدركته إيران بعد اعلان الحرب الروسية على أوكرانيا.
من جهة اخرى ان النفوذ الايراني وعموم  سلطة الإسلام السياسي تعرضت الى لكمات مدمية من قبل انتفاضة اكتوبر لحد الاسقاط المدوي لحكومة عادل المهدي الموالية للجمهورية الاسلامية بضربة اقل ما يقال عنها قاضية، وجاءت الانتخابات لتسدد ضربة اخرى وتعمل على تقويض مكانتها السياسية والاجتماعية. طبعا لا ننسى ان اغتيال قاسم سليماني هي الاخرى ساهمت بتوسيع ماساة تقويض النفوذ الإيراني. ومنذ انتفاضة أكتوبر ومرورا بالانتخابات وانتهاء بمساعي تشكيل الحكومة لم تستطع ادوات إيران وتحديدا مليشيات تحالف فتح عن طريق الاختطاف والاغتيالات وشن الهجمات على مراكز التجميل ومحلات بيع الخمور والإنفاق الهائل لإحياء المناسبات الدينية الشيعية وقصف بين الحين والآخر المنطقة الخضراء ومطاري أربيل وبغداد والتواطؤ لتوغل عصابات داعش بارتكاب جرائمها هنا وهناك، و كان آخرها محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء ..كل تلك المساعي فشلت في اعادة الهيبة والنفوذ لمكانة الجمهورية الإسلامية وإعادة تأسيس سلطة مليشياتية جديدة او على الاقل حماية ما تبقى من نفوذ وامتيازات ووقف عجلة دفع العراق في حضن ما يسمى بالمحيط العربي.
لقد جاء قصف قوات الباسدران او ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني لاربيل لاسترداد زمام المبادرة في العراق. وان تشكيل الحكومة هو جزء من عملية اكبر، وهي عملية اعادة التوازن السياسي للنفوذ الايراني في العراق مقابل النفوذ التركي الذي يحتضن اعمدة التحالف الثلاثي وهو تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي رئيس البرلمان الى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني. واذا ما تشكلت الحكومة من ذلك التحالف وهو الحلبوسي-الخنجر والصدر والديمقراطي الكردستاني، يعني توجية ضربة جديدة للنفوذ الايراني في العراق. ولهذا جاءت المواقف السياسية بشكل عام الإطار التنسيقي وهو الاسم الحركي الجديد كما قلنا سابقا للبيت الشيعي المتهرئ تجاه قصف اربيل بين تنفس الصعداء والتأييد ضمنا، وفي افضل الاحوال ذهب قسم منهم الى اعلان بطلب إجراء تحقيق فيما اذا كانت هناك قواعد اسرائيلية او لا في اربيل، لتمييع تطاولات الجمهورية الاسلامية واستهتارها وبلطجيتها وتأييدها. فالاطار التنسيقي الذي يقوده نوري المالكي وهادي العامري لن يتورعوا في تأييد القصف الايراني لاربيل او اية منطقة اخرى في العراق او حتى مباركة شن حربا على العراق اسوة بالحرب الروسية على أوكرانيا اذا توجوا الى السلطة واعيدت هيبتهما ونفوذهما. الم يكونوا الاثنيين وكل عناصر الإطار التنسيقي من حلفاء بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال وزلماي خليل زادة مبعوث بوش الابن ايام الغزو والاحتلال، وكانوا يشيدون بالاحتلال  وسموا يوم سقوط بغداد تحت بساطيل المارينز الأمريكي بيوم التحرير.
واخيرا قد تستطيع قوات الباسدران  قصف عدة مناطق في العراق، وتلوح بتهديدات صواريخها ومليشياتها وخاصة نجد ان الكاظمي نفسه لم يسلم بيته من صورايخهم، فما بالك ان يقوم بحماية “سيادة العراق واستقلاله”، بيد ان ما لا يستطيع الحرس الثوري الإيراني ولا أدواته المليشياتية في العراق ولا حلفائه السياسيين من إعادة تدوير  المكانة الاجتماعية لا للجمهورية الاسلامية الايرانية ولا للإسلام السياسي في العراق. فمن حرق صور رموز وشخصيات الجمهورية الاسلامية ومقرات الاحزاب الاسلامية الموالية لها، لم تكن “اسرائيل ولا اولاد السفارة الامريكية” ولا الاحزاب العملية السياسية معها، انما كانت جموع المليونية من العاطلين عن العمل وعمال العقود والاجور والنساء اللواتي خرجن من اجل التحرر من براثن سلطة الإسلام السياسي، احتجاجا على جرائم السلطة المليشياتية الإسلامية الحاكمة المدعومة من ملالي قم-طهران. وما زالت الجمرة مشتعلة تحت رماد انتفاضة اكتوبر التي حاولت قوات الباسدران ومليشياتها في العراق من اطفائها.


52
العالم بين الماكنة العسكرية ورحى العقوبات الاقتصادية و التحميق السياسي

سمير عادل

الحرب الروسية على أوكرانيا كشفت الكثير مما كان مختبئا تحت الغطاء من النفايات والقاذورات السياسية والفكرية والاجتماعية، بدءا من النفاق السياسي ومرورا بالعنصرية وفبركة التحميق السياسي وانتهاءا بـ الضحالة الفكرية وقصر النظر والغرق في محيط النزعة المعادية للامبريالية.

في هذه الحرب كما ستكون في الحروب القادمة الاخرى، يدخل التحميق السياسي كأحد العوامل المهمة في أجندة كل القوى المشاركة في الحرب الاوكرانية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتلعب  الحرب الاعلامية  دورا في إشاعة تلك الحماقة في المجتمع لإثبات حقانية الحرب الزائفة في أوكرانيا واخفاء ماهية الصراع بين الدول الامبريالية العالمية. الاصطفاف مع روسيا وماكنتها الحربية أو الاصطفاف مع أمريكا وكل الحلف الغربي و عقوباته الاقتصادية، هو مهمة التحميق السياسي للحيلولة دون توحيد جبهة واحدة من روسيا ومرورا ببلدان الاتحاد الأوروبي وانتهاءا في الولايات المتحدة الأمريكية التي بإمكانها الوقوف بوجه القتل والتشريد والدمار وبث الرعب في اوكرانيا واوروبا وحتى العالم.

*****
من الممكن إيقاف الحرب، إذا أراد حلف الناتو لذلك، عبر إعلان بأنه لن يقبل أوكرانيا في حلف الناتو، أو تعلن روسيا انها ستتوقف وتكف عن القتل والدمار، وأن الدبلوماسية هي الطريق لحل المسائل الأمنية، بعد أن أصبح الرئيس الأوكراني زيلنسكي يستجدي التوسل للحديث لبوتين، وأصابه الاحباط وخيبة أمل من إعلان بايدن وجونسون وحلف الناتو لرفضهم فرض أي حظر على الاجواء الاوكرانية، وبعد أن فشل كل دعايته اي زيلنسكي في ارعاب الناتو بأن احتلال أوكرانيا  سيهدد حدود دول الحلف.
الا ان الطرفين لا يسعون الى ايقاف الحرب من الناحية العملية، وكل ما يقال في الإعلام هو جزء من التحميق السياسي يمارس من أجل الحفاظ وحماية مصالحهم الاقتصادية والسياسية وإخفاء ما يمكن إخفائه خلف تلك الحرب.
الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو يبغون من وراء عدم إيقاف هذه الحرب تأليب الرأي العام العالمي على روسيا عبر تسليط الضوء على مناظر الدمار والتشرد واللاجئين ومعاناتهم، انهم يربحون سياسيا ودعائيا في كل لقطة تصوير لكاميرا تنشر معاناة اللاجئين الأوكرانيين وحجم الدمار الذي تسببه القصف الروسي، أنه أيام أعيادهم، كي يقوموا بتزيين وتجميل واخفاء قبح وجه سياستهم الجهنمية.
ان كل محاولات دونالد ترامب سلف بايدن في انتزاع الأموال أو زيادة حصة ألمانيا في حلف الناتو باءت بالفشل، مما اضطر الى سحب قواته او تخفيض عديده في المانيا، الا ان الحرب الاوكرانية وبجرة قلم وبشكل طوعي زادت ألمانيا من حصتها في الناتو بنسبة أكثر من ٢٪ وهي كانت اكثر من مطالب ترامب. وألمانيا التي لم تتجرأ الى عسكرة اقتصادها ووضعت محدوديات عليها بسبب الحرب العالمية الثانية داخليا وخارجيا، فها هي اليوم تخصص ١٠٠ مليار يورو لتطوير قدراتها العسكرية وجيوشها دون أية معارضة قوية تذكر داخل الطبقة الحاكمة الألمانية. أما الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت من جديد اعادة الروح الى حلف الناتو، بعد أن وصفها عمانوئيل ماكرون الرئيس الفرنسي قبل أشهر بأن الناتو يعاني الموت السريري. وأكثر من ذلك، فإن أوروبا والناتو هم من مدوا يد طلب المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية لحماية أوروبا.  كما ودفعت بقية الدول الاوربية وخاصة الشرقية بطلب الانضمام الى أوروبا وفتح حدودها الى الجيوش الأمريكية والناتو. وكانت أكثر الأصوات زعيقا تأتي من جونسون بريطانيا، وسوق نفسه وكيلا للاوكرانيين وأوروبا بما يتناسب وينافس بايدن على زعامة أوروبا. فالحرب على أوكرانيا هي فرصة ذهبية لتعويض مكانة بريطانيا في قلب أوروبا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في البريسكت.

اما روسيا فتخفي اطماعها التوسعية تحت مبررات سخيفة، وهي بأنها لا تريد اقتراب حلف الناتو من حدودها، وكأن الأخير لا يمتلك صواريخ تصل مدياتها لتضرب أهداف في العمق الروسي  خلال دقائق، ومن الممكن اطلاقها من فرنسا او المانيا او بريطانيا، او حتى من الدول أوربا الشرقية التي انضمت إلى الناتو. ان روسيا تريد عن طريق استعراض عضلاتها العسكرية وضع حد للهيمنة الأمريكية على أوروبا، وأن قدراتها الاقتصادية لن تستطيع مجاراة القدرات الاقتصادية الأمريكية، فهي تحتل المركز الثالث عشر في الدول الصناعية ٢٠ التي تسمى جي ٢٠، وان معدل ناتجها القومي في الاقتصاد العالمي هو ٤٪، ولذا كي تتمكن من الهيمنة الاقتصادية والسياسية أو على الأقل تكون رقما في المعادلة الأوروبية، فلا طريق امامها الا استعراض عضلاتها العسكرية. فاليد الطولى الأمريكية الاقتصادية تصل إلى كل المنافذ الاقتصادية الأوروبية لحرمان روسيا من توسعها. وليست العقوبات الامريكية التي شملت الدول الصناعية السبعة الكبرى في العالم وأوروبا واليابان واستراليا سوى رسالة سياسية الى روسيا بأنها لن تتمكن عن طريق العسكرتاريا جر اوروبا إليها.

*****
الطرف الأوكراني وقع ضحية خديعة الغرب والولايات المتحدة الامريكية، ويدفع مواطنيه ثمنا لحرب زائفة وكاذبة، واصبح يدفع فاتورة الصراع المحتدم بين القوى الامبريالية العالمية. وقد قدمتهم حكومتهم بزعامة زيلنسكي بدراية او بحماقة، قربانا لتحقيق مصالح كل تلك القوى. وهكذا تحول حلفاء الحكومة الاوكرانية بدل من انقاذها من براثن القوى العسكرية الروسية المتقدمة للاطاحة بها، تحول البنتاغون والقيادة المركزية في حلف الناتو الى مرصد صحفي ينقلون اخبار تحرك الجيش الروسي ، وإعطاء تقديرات المهلة الزمنية التي تسقط فيها كييف، وقياس طول القافلة العسكرية الروسية التي تصل الى العاصمة الأوكرانية، بعد أن قاموا بأغراء الحكومة الأوكرانية بأنهم سيضمونه إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وبدل أن تٌمَطّرَ حلف الناتو المن والسلوى على الطبقة الطفيلية الحاكمة في أوكرانيا، حلت الصواريخ الروسية وطائراتها والقنابل لتعج بالسماء الأوكراني لتقتنص حياة الأبرياء أو في افضل الاحوال تحويلهم الى مشردين و مذعورين يبحثون عن ملاجئ آمنة وممرات إنسانية، تٌمَن بها القوات الروسية عليهم كي يتحولوا الى لاجئين إلى أجل غير مسمى في البلدان الأوربية. وأن كل القرارات التي تتحدث عن ارسال مساعدات عسكرية جبارة الى أوكرانيا لا تتجاوز الأطر الدعائية والاعلامية ومحاولة لإرضاء الضمير وتقوية معنويات المخدوعين وتسويق صورة بأن الناتو لن تتخلى عن حلفائها شرط ان تبعد الحرب على أبوابها، لأنه ببساطة ان الاجواء الاوكرانية والموانئ الاوكرانية والطرق الرئيسية الاوكرانية هي أهداف مشروعة للقوات الروسية، فكيف تصل تلك المساعدات السخية إلى الأوكرانيين!.  أما البيت الأبيض وقصر الاليزيه ودوانت ستريت، أوكلوا مهمة الدعاية لأنفسهم وهي الاشادة بالمقاومة الاوكرانية وصمود الشعب الاوكراني والبكاء على جرائم روسيا في أوكرانيا، بينما نأوا بأنفسهم عن الساحة الأوكرانية. انه بحق طعم بلعته الحكومة الاوكرانية ورئيسها زلنسكي الذي غضب قبل ايام وقال ان تدفق الغاز الروسي الى أوروبا ازداد منذ بداية الحرب على أوكرانيا.

*****
وأكثر ما يثير السخرية  في مشهد الحرب على أوكرانيا، هو الاصطفافات السياسية، أما مع ذرائع روسيا الواهية او أكاذيب حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو هناك طيف غير قليل ممن يحسبون انفسهم على اليسار والقوميين وأصحاب النزعات ضد الإمبريالية التي لا يرون غير الامبريالية الامريكية، واصطفوا مع روسيا، نقول يبدو  ليس لديهم علم أو بأدق العبارة لم يخبرهم أحد، بأن روسيا دولة امبريالية بامتياز، ولا تختلف عن الامبريالية الامريكية في هيكليتها الاقتصادية من تمركز الإنتاج وسيطرة شركات عملاقة على مفاصل الاقتصاد واندماجها بالبنوك و تغلغل الرأسمال الروسي عبر استثمارات كبيرة في العديد من بلدان العالم، وبنيتها السياسية التي هي متطابقة ومعبرة عن مصالح الطبقة البرجوازية التي تدير تلك الشركات والبنوك والاستثمارات على صعيد السياسة الخارجية الملتحمة بمؤسستها العسكرية لتكريس نفوذها الاقتصادي والسياسي، ارجعوا إلى كتاب لينين ( الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) ستدركون خواص الدولة الامبريالية. في مقابل روسيا يصطف قسم من قصيري النظر و ممن استمتعوا بوعي التحميق السياسي الذي تمارسها صناعة الإعلام الغربي، اصطفوا  الى جانب ترهات أمريكا والغرب حول خرق روسيا للقانون الدولي وحقوق الإنسان والسيادة..الخ. بينما كان احتلال العراق عام ٢٠٠٣ من قبل امريكا-بريطانيا، تطبيقا للقانون الدولي وحماية للسيادة العراقية ودفاعا عن حقوق الإنسان!!  ارجعوا الى مقال (القليل من النفاق السياسي قد لا يضر بالصحة).
وإذا ما وضعنا هذا التصور المخادع تحت المجهر، لا نلمس منه غير العنصرية المقيتة، فهي لا تساوي بين غزو واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبما يحدث من غزو واحتلال أوكرانيا من قبل روسيا.  وليس هناك سوى تفسير واحد لهذا التصور، هو ان العراق بلد يقع في العالم الثالث ومواطنيه من الدرجة الثالثة او اقل ولا يحسب على سجل مفاهيم حقوق الإنسان للمعيار العالمي والأمم المتحدة، بينما أوكرانيا في قلب أوروبا، ومواطنيه من البشرة البيضاء التي تعتبر من شعوب الله المختارة على الأرض.

إن العالم مقسم اليوم بين القوى الامبريالية العالمية، وأن صراع تلك القوى يلقي بظلاله على مجمل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية. فإذا كانت تداعيات الحرب على أوكرانيا هي نتاج ذلك الصراع بما يحملها من تشرد الملايين من الأوكرانيين واشاعة اجواء الحرب والخوف في عموم أوروبا، فإن العقوبات الاقتصادي هي الاخرى تعمل على تشديد ظروف الضائقة الاقتصادية التي تفرض اليوم على الطبقة العاملة وعموم المواطنين في العالم بسبب العقوبات الاقتصادية. وبين هذا وذاك نجد نمو العنصرية القومية والعرقية، وكشفت هذه الحرب على تلك القاذورات سواء تجاه الأوكرانيين اللاجئين من اصول افريقية الذين يعاملون من قبل الدول الحدودية لأوكرانيا بتمييز واضح، أو في صفوف الروس والاوكرانيين الذين وجهت فوهات بنادق حكوماتهم تجاه صدور بعضهم كي يكونوا وقودا في حرب لا ناقة ولا جمل لهم فيها. ولم تقف حدود العنصرية كما عبرنا عنها في مقال سابق عند ذلك الحد، بل العنصرية المنظمة التي تمارسها بشكل ممنهج حكومات الدول الغربية تجاه قضية اللاجئين. أن اللاجئين الأوكرانيين لهم كل الخدمات وابواب الغرب مفتوحة لهم، اما الافارقة والاسيويين فالبحر يتسع لهم كي يكونوا وليمة للحيوانات البحرية.
إن مسؤولية الحرب على أوكرانيا تقع على القوى الامبريالية العالمية، روسيا من جهة، وحلف الناتو بقيادة أمريكا من جهة اخرى. انها حرب نتاج مساعي الهيمنة على النفوذ الاقتصادي والسياسي، ان تبيان هذه الحقيقة هو جزء من صراعنا السياسي مع طبقة طفيلية لا يمكن لها الاستمرار دون الكذب والنفاق السياسي والسجون والاعتقالات والتعذيب والاختطاف ومصادرة الحريات بكل اشكالها والتحميق السياسي والحروب.


53
القليل من النفاق السياسي قد لا يضر بالصحة!
سمير عادل

بعيدا عن كل التحليلات السياسية، وبعيدا عن من يدافع عن حق روسيا بالدفاع عن امنها أو إنها خرقت القانون الدولي، في حين كلنا نعرف أن روسيا دولة إمبريالية وليس لديها سوى البلطجة العسكرية أسوة بأمريكا التي تحاول فرض هيمنتها وتوسعها وحماية مصالحها، نقول بعيدا عن كل ذلك فإن أربعة أيام فقط منذ إعلان اعتراف بوتين بالجمهوريتين الانفصاليتين في منطقة دونباس، كانت كافية للعالم كي تعرف حجم النفاق السياسي الذي ينفقه الساسة الغربيون وخاصة الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية بزعامة بوريس جونسون لإخفاء حقيقة صراعها مع روسيا على الأرض الأوكرانية. 
وللتوضيح أكثر، فأن العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا وبفضل التطور التكنولوجي للاتصالات الذي أنتج لنا الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي كي تصل لنا المعلومة دون رتوش، وبالرغم من محاولات لصياغة الأخبار كل حسب مصالحها وبث مجموعة من الحقائق وحجب أخرى، كشفت لعموم العالم انه بدون النفاق السياسي لا يمكن تحميق البشر من قبل حكوماتهم لتمرير سياساتها عليهم، سواء كانت الحروب أو الاحتلال أو سياسات التقشف وشد الأحزمة على بطون العمال والكادحين والتي يغلفونها بأسماء رقيقة كي لا تخدش الحياء مثل (الإصلاحات الاقتصادية) أو الحصار الاقتصادي وغيره. وليس هذا فحسب بل لا يخلو ذلك النفاق السياسي من العنصرية والتمييز القومي تجاه ساكنين الشرق الأوسط وما يسمى بالعالم الثالث، بحيث يكبر حجم النفاق السياسي بقدر حجم العنصرية التي تتخلله.
أكثر الدموع الساخنة في الغرب التي تذرف على أوكرانيا تأتي من عيون بايدن- جونسون. وتجري دموع الساسة الغربيين في كل لحظة تباعا من ماكرون الفرنسي وشولتس الألماني وتردو الكندي لتشكل نهرا يجري من الغرب ويتجه نحو الشرق إلى اليابان وينتهي في أستراليا. أي بعبارة أخرى إن المجتمع الدولي الذي تشكله صناعة الإعلام الغربي يبكي بحرقة على اختراق القانون الدولي وانتهاك السيادة وتقسيم أوكرانيا والحرية وحقوق الإنسان في أوكرانيا.
حقا إن أكثر ما يثير الحنق و الاشمئزاز والتقزز هو ما ينطق به بايدن وجونسون ليشكلا معا أكبر معزوفة من النفاق السياسي في العالم. وفي الحقيقة ما يحيرني شخصيا انه كيف للمرء يراهن على ضعف ذاكرة البشر كي يلبس قناعا مخادعا ومزيفا ليضلل العالم من أجل تمرير مصالحه بأي ثمن. إن جون بايدن الرئيس الأمريكي الذي يبكي اليوم على حرب روسيا غير القانونية على أوكرانيا، كان من أول الديمقراطيين أيدوا الحرب على العراق وغزوه، أما جونسون الذي وقع على بريكست ويحاول اليوم عن طريق العنجهية الدعائية العودة إلى أن تكون بريطانيا رقما في المعادلة الأوروبية لتعويض خسارتها الاقتصادية والسياسية لخروجها من الاتحاد الأوروبي، فالطبقة الحاكمة التي ينتمي إليها بأحزابها العمال والمحافظين هي من وقفت بشكل مطلق إلى جانب الإدارة الأمريكية لتبرير كل السياسات الوحشية في العراق. وإذا كانت روسيا تخاف أو تخشى على مستقبلها من انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ولها حججها التي تسوقها في حربها وغزوها لأوكرانيا، فلم يكن للعراق أي حلف ولا نية للتدخل في أي تحالف ولا قدرة سياسية أو عسكرية تهدد أوروبا بسبب حرب أمريكا عليها عام ١٩٩١ والحصار الاقتصادي، ولم يكن حتى رقما في معادلة المنطقة كي تعبر القوات الأمريكية عشرات آلاف من الأميال وتغزو العراق. إن بايدن -جونسون الذين يحلون محل بوش-بلير، يعرفون جيدا أن اجتياح جيوشهم للعراق كان بدون قرار من مجلس الأمن الدولي كما تفعل روسيا اليوم في أوكرانيا، فلماذا هذا العويل على خرق القانون الدولي في أوكرانيا.
ولكن مسلسل الرهان على ذاكرة السمكة عند بايدن والساسة الغربيين لا يقف عند اختراق القانون الدولي، فها هم ينددون باعتراف روسيا بجمهوريتين انفصاليتين وعلى أنها خرقٌ للسيادة. ويبدو لبايدن أن سيادة كل من ينتمي لحلفه في أوروبا مقدس بينما السيادة في الشرق الأوسط وتحديدا العراق لا قيمة لها، بل بالامكان ايضا ان انتهاك تلك السيادة في العراق وتقسيمه كان يؤدي إلى تعرض أمن وسلامة جماهير العراق إلى خطر ويضع مصير وحياة الملايين من جماهير العراق في مهب رياح الصراعات القومية والطائفية لا تأخذ بالحسبان، طالما تؤمن مصالح الغزو والاحتلال. لقد كان بايدن صاحب قرار تقسيم العراق إلى ثلاثة فيدراليات قومية وطائفية عام ٢٠٠٦، سنية وشيعية وكردية، ولحسن حظنا لم يكن ملزما من قبل الإدارة الأمريكية بالرغم من تصويت الكونغرس عليه. إلا أنه كما يقول المصريون (يا حبة عيني) يبكي على تقسيم أوكرانيا. 
وهكذا يمضي مسلسل النفاق الغربي في منحنىً تصاعدي، حيث تقرر المحكمة الجنائية الدولية متابعة ملف جرائم حرب تقع أوكرانيا. أين تلك المحكمة الجنائية من جرائم أمريكا-بريطانيا في العراق، أين المحكمة الجنائية الدولية من قتل أكثر من ربع مليون إنسان على اقل التقدير وقسم من المؤسسات الدولية تذهب في تقديراتها إلى قتل أكثر من مليون أنسان جراء الغزو والاحتلال في العراق. أين المحكمة الجنائية الدولية من قتل أكثر من ٨٠٠ متظاهر في العراق في أكتوبر من عام ٢٠١٩ لم يطالبوا سوى رغيف خبز نظيف وكرامة إنسانية ومستقبل آمن. إن هذه المحكمة الجنائية أقل ما توصف بأنها محكمة عار على جبين الإنسانية، لا تظهر الى السطح سوى عند الحاجة المشبوهة.
وأخيرا ليت ذلك المنحني يقف عند حد معين كي يكف المرء عن التقيؤ من المعايير المنافقة عن حقوق الأنسان واللاجئين. لقد أغلقوا كل الأبواب أمام اللاجئين من سورية والعراق وليبيا والصومال واليمن، والمئات منهم غرقوا في البحر المتوسط وبحر إيجة ومات العديد بسبب البرد القارس، وتنصل الجميع منهم، وهم أي الحكومات الغربية من دمرت بلدان أولئك اللاجئين عبر حروب الوكالة. أما اليوم فتفتح أبوابها أمام اللاجئين الاوكران، وترحب كل الدول الغربية وبقدومهم دون قيد أو شرط. فرئيس الوزراء الكندي يرحب بكل أوكراني يريد القدوم إلى كندا بينما يقول المستشار الألماني إنهم اتخذوا الخطط الجاهزة لاستقبال اللاجئين. في حين أداروا الظهر قبل أشهر للأفغان التي سلمتهم أمريكا إلى مقصلة طالبان. وتكشف قضية الانفتاح على اللاجئين الأوكرانيين والذين بحق يستحقون توفير كل المستلزمات المادية لإيوائهم وإبعادهم عن خطر الحرب، نقول تكشف من الجانب الآخر العنصرية الغربية، عنصرية الطبقة الحاكمة في الغرب تجاه البشر في الشرق. وبهذا يثبت أن كل مفاهيم حقوق الإنسان ليست أكثر من ورقة بيد الأنظمة البرجوازية الحاكمة لتبرير تدخلاتها السافرة في قلب الأنظمة المعارضة لها و بنفس الوقت هي أداة لتنظيف صورة وجه سياساتها القبيحة المعادية لكل ما هو إنساني.

الهجوم الروسي على أوكرانيا، والحملة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا ليس لها أية علاقة لا بشعب دونباس ولا بحقوق الإنسان ولا بالسيادة ولا باختراق القانون الدولي ولا بالحرية والديمقراطية. أنها حرب بين الدول الإمبريالية، بين روسيا التي تريد إعادة أمجاد القيصر وإمبراطورتيه، والولايات المتحدة الأمريكية لجر أوروبا تحت قيادتها وفرض هيمنتها عليها من جهة، ومن جهة أخرى لاحتواء التمدد الروسي الذي يسير بخطى حثيثة بدعم الصين. وكل تلك المفاهيم والعناوين تجري تحتها عمليات قتل الأبرياء وترويعهم في أوكرانيا، وفرض الأجواء العسكرتارية والرعب ليس على صعيد أوكرانيا بل على صعيد أوروبا والعالم. نحن في العراق اختبرنا حرارة الحروب ومرارة الغزو وجرائم الاحتلال وبرد وتشرد اللجوء، عشنا وأطفالنا تملأ عيونهم رعب دوي سقوط صواريخ الكروز الأمريكية وقصف الطائرات، قضينا عشرات الليالي والظلام يبعث الخوف والقلق في نفوسنا ولا نعرف هل نحن في الزمان والمكان الخطأ كي نقلب آخر صفحة من حياتنا. علينا أن نرفع صوتنا وندين بأشد العبارات هذه الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا وندعو إلى وقفها فورا إلى جانب إيقاف كل أشكال التصعيد المسعور من قبل الحلف الغربي.







54
الخلط بين البلطجة ومفهوم بناء الدولة عند الصدر
سمير عادل

لا شك أن مقتدى الصدر يريد بناء الدولة في العراق بالمعنى القانوني والسياسي والأمني. دولة تقضي على التشرذم السياسي في صفوف الطبقة البرجوازية الحاكمة بممثليها السياسيين من كل التيارات القومية والإسلامية. وما شعار تشكيل حكومة "الأغلبية الوطنية" إلا عنوان مشروعه في بناء الدولة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو بأية طريقة يريد بناء الدولة وما هي ماهية الدولة التي صدعوا بها رؤوسنا هو والكاظمي، ويجدر بالذكر أن الأخير قام بتمييع ملف قتلة المتظاهرين وتم استبداله بلقاءات وتكريمات هذا الطفل وذاك المبدع وهذه الأم.. الخ من إنجازاته غير البهلوانية، والتي لا ترتقي إلى مصاف تصريحاته وهتافاته لبناء الدولة وتحقيق القانون كما يدعي.

التغريدة التي أوعز بها الصدر لاستدعاء وزير المالية علي علاوي في البرلمان العراقي لمساءلته حول تخفيض قيمة العملة المحلية، أشعل غضب الوزير المعني الذي بدوره استهجن طريقة مخاطبته وقدم شكوته للكاظمي، وهو التقي الورع الذي يعرف "أن الشكوى لغير الله مذلة". وكان علاوي محقاً عندما غضب وقال إن طريقة الصدر ونائب رئيس البرلمان حاكم الزاملي، وهو الآخر من تيار الصدر، ليس فيه أي احترام واعتبار للحكومة والذي يعني عدم احترام للدولة التي تمثلها حكومة الكاظمي ووزير ماليتها كجزء منها.

يمكن للمراقب ملاحظة أن الصدر يتصدر المشهد السياسي بعد الانتخابات عبر التغريدات المتكررة التي محورها شعارين؛ حكومة أغلبية وطنية، ولا شرقية ولا غربية. وكل هذه التغريدات هي محاولات لتعويض الانحسار الاجتماعي لتياره بالرغم من حصوله على٧٣ مقعدا في البرلمان، وهو الأعلى بين بقية القوى السياسية.
وقد يستغرب البعض مما نقوله ولكن على الرغم إن الفائز الأول في الانتخابات هو التيار الصدري، إلا إن المعطيات المادية تبين لنا حسب أرقام (مفوضية الانتخابات غير المستقلة)، إن التيار الصدري الذي نال في انتخابات ٢٠١٨، مليون و٨٠٠ ألف صوت، لم يحصد أكثر من ٦٠٠ ألف صوت في انتخابات اكتوبر٢٠٢١، أي انخفاض جماهيريته بنسبة أكثر من ٦٥٪ بغض النظر عن معدلات التزوير في كلا العمليتين الانتخابيتين. وهنا لابد المرور قليلا على (النظام الديمقراطي) كي نوضح ما نرمي اليهِ، حيث إن النظام المذكور لا يأخذ بنظر الاعتبار عدد المشاركين في الانتخابات الذي وصل نسبة المقاطعة فيها أكثر من ٨٢٪ على اقل التقدير وباعتراف المؤسسات الدولية مثل بعثة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ووسائل الإعلام العالمية. ولا يقف “النظام الديمقراطي” عند عدم الاعتراف بنسبة المشاركين في الانتخابات فحسب بل ويمضي بقصف أدمغة الأحياء لتعميتهم عن حقيقة مفادها بأن النسبة العظمى التي قاطعت الانتخابات لا تعترف بشرعية العملية السياسية ولا بشرعية السلطة المليشياتية الحاكمة. بيد أن ما يهم عرابي (النظام الديمقراطي) هو حصر الشرعية بالنسبة المشارِكة في الانتخابات حتى لو وصلت إلى نسبة ٥٪ ونسبة المقاطعة ٩٥٪، فالمهم هو إجراء العملية الانتخابية، وما عداها فليس له أية قيمة حسب معيار ذلك النظام. بمعنى آخر إن صندوق الانتخابات هو الفيصل في هذا النظام بغض النظر عن نسبة المشاركة فيها وعلاوة على من يغلقه ومن يفتحه.  وليس هذا فحسب بل إن صف من الأقلام المأجورة الذين يسوقون أنفسهم تارة بالمحللين السياسيين، وأخرى بتعريف أنفسهم بأنهم قادمين من مراكز الدراسات المتعددة، يشكلون جوقة متناغمة بالعزف على لحن "الديمقراطية" الذي يخرج معظمهم دائما وخاصة في الانتخابات الأخيرة بصوت نشاز وبعيد عن الوعي الذي اكتسبته الجماهير وخاصة بعد انتفاضة أكتوبر العظيمة. لكن المهم هو خلق وعي زائف في المجتمع، عبر ذلك القصف المذكور لتسويق شعور الخطأ يعدم المشاركة في الانتخابات وسيادته على المجتمع وبالتالي شيوع عض أصابع الندم عند الجماهير لأنها قاطعت الانتخابات، وهو جزء من مساعي نفخ الروح في العملية السياسية وإضفاء الشرعية عليها وإعادة إنتاج انتخابات أخرى في المستقبل من اجل استمرار دوامة "النظام الديمقراطي" المخزي وعمليته السياسية والتي لن تنتج منه سوى تلك القوى القومية والطائفية المتعفنة والفاسدة.
إن ما نريد أنْ نشير اليه في هذا الشرح حول النظام الديمقراطي وارتباطه بالتيار الصدري، هو أن التعمية الإعلامية والسياسية على كل المشهد السياسي في العراق بخصوص الانتخابات الأخيرة والنظام الديمقراطي” من شأنها حجب رؤية الواقع المر بشكل مخطط ومدروس عن الجماهير وعموم المجتمع، واقع ما وصلت إليه كل جماعات الإسلام السياسي في الدرك السفلي بما فيها التيار الصدري، سواء الولائي لإيران أو كما يقول الولائيين المنبطحين لأمريكا والدول الإقليمية الأخرى. وعليه أن زعيمه مقتدى الصدر يرى أن انحسار تياره بهذا الشكل الكبير يشكل ناقوس خطر على أفوله السياسي. وهذا يفسر استقتال الصدر وخياره في تشكيل الحكومة وأن يكون لاعبا كبيرا في تشكيلها، فهي مسألة مصيرية واستراتيجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفي الجانب الآخر وإذا ما دققنا قليلا في بعض التغريدات والفعاليات الأخيرة على الأقل أو الظهور بمظهر الخادم المطيع والورع والناصح والغيور الوطني وأخيراً الرياضي، وهي الصفات التي يوقع فيها على تغريداته، فعلى سبيل المثال تغريدة الصدر عن تجمع الكبير في الحفلة الغنائية للمطربة اللبنانية اليسا في بغداد، بأنه يرفض هذا التجمع ليس من باب انه نوع من الفسق والفجور كما عودنا سلاطين الإسلام السياسي،  والوقوف بوجه إقامة مثل تلك الحفلات مثلما حدث في محاولاتهم الفاشلة لإلغاء مهرجان بابل الأخير، بل علق الصدر وهو يدرك مكانة تياره الاجتماعي في مقابل فشل كل المحاولات لقلع جذور المدنية و التحضر في العراق، بأنه لا يقبل بهذا التجمع بسبب تفشي وباء كورونا. في حين لم يقل كلمة واحدة بل ولم يعلق على التجمعات التي تقام في أيام عاشوراء والمناسبات الدينية الأخرى. فهل هناك مناعة ربانية تحدث أو تنزل على المشاركين في تلك المناسبات ولا خوف عليهم من وباء كورونا؟
ولا يقف عند حدود تلك التغريدات، بل أن إظهاره على انه يقوم بنفسه بتنظيف مدرسة وهو يمسك بمكنسة بيده، ليس الغرض منه إلا دغدغة المشاعر العاطفية لدى جمهوره ومنع انخفاض منحنى تياره بشكل أكثر. في حين أن تنظيف المدارس وإزالة النفايات من المحلات السكنية والشوارع هي من واجبات البلدية، وهي جزء من تقديم الدولة خدمات لمواطنيها. بيد أن بناء الدولة عند الصدر لا يرتقي إلى تقديم الخدمات وليس من مصلحته أصلا تقديم الخدمات لأنه يمثل تيارا شعبويا، والخصيصة المركزية للتيار الشعبوي هو نشر الوعي الزائف عبر مخاطبة المشاعر والعواطف والتمحور حول الشعارات الوطنية الخالية من أية محتوى، أما في أيام القحط، يرفع رايات الدين والطائفة والأمة بدل من مخاطبة المنطق والعقل وتقديم برنامج سياسي واضح المعالم. فالتيار الصدري الذي كان يستولي دائما على الوزارات الخدمية منذ تشكيل حكومة الجعفري عام ٢٠٠٥، لم تكن أفضل من بقية الوزارات في تنظيم عمليات السلب والنهب والفساد بكل أشكاله، هذا ناهيك عن استيلائه على الساحات الكبيرة وتحويلها إلى مرائب تدر أموال عليه بدل من تحويلها إلى حدائق عامة ومراكز خدمية تستفيد منها عامة الناس.
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل أن التيار الصدري يعمل بشكل حثيث في ترهيب المعارضين له، فهو يستخدم تكتيك جديد لمنع أي شكل من أشكال النقد بوجه زعيمه عبر نشر فيديوهات للمعارضين بعد تعذيبهم وضربهم وهم يطلبون العفو والمغفرة من الصدر بشكل ذليل. ويساعد على اختطاف أولئك المعارضين أفراد من القوى الأمنية الذين ينتمون إلى التيار الصدري ويستخدمون صفتهم الحكومية والتسهيلات الحكومية لاختطاف المعارضين. في حين الرقابة الإلكترونية الحكومية تقف متفرجة على تلك الفيديوهات، ولا تحرك ساكنا في إعلاء كلمة القانون والدولة التي يتحفنا به كل يوم السيد الكاظمي. هذا هو نمط الدولة التي يريد بناءها الصدر في العراق.
وعلى الصعيد الدعائي والإعلامي، نجد تغريدات الصدر التي لا تنفك وآخرها استدعاء علاوي وزير المالية إلى البرلمان لاستجوابه حول سبب تخفيض قيمة العملة المحلية التي أدت إلى انخفاض من القيمة السوقية للمعاشات والرواتب بنسبة تصل إلى ٥٠٪.  طبعا إن عملية الاستدعاء وبغض النظر عن الطريقة التي يقوم بها الصدر بالاستخفاف بالحكومة وهيبتها، وإظهار نفسه لا كرجل سياسي بل كأحد عرابي المافيا أو شيوخ العشائر أو الإقطاعيين في زمن الأجيال الغابرة، ليست هذه العملية اي الاستدعاء سوى إضافة تعمية جديدة والتستر على صانعي قرار تخفيض العملة والإقرار على الورقة البيضاء. وكلنا نعرف أن تخفيض العملة جرت الموافقة عليها في اجتماع جمع كل الكتل السياسية، ونال قرار تخفيض العملة والورقة البيضاء الإجماع بما فيها الكتلة الصدرية قبل التصويت عليها بالأغلبية المطلقة في البرلمان. لكن اليوم تعتبر عملية الاستدعاء تلك ما هي إلا محاولة من الصدر لذر الرماد في العيون وانتزاع حفنة أخرى من العواطف والمشاعر التي يحتاجها تياره الشعبوي عبر الاستجداء.

أخيرا هناك كلمة لابد منها، إن الكابوس المرعب الذي يثقل كاهل كل التيارات السياسية وخاصة التيار الصدري، هو أن انتفاضة أخرى على الأبواب، لان الأرضية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أشعلت انتفاضة أكتوبر مازالت قائمة ولن تستطيع أية حكومة من الرد على مطالب الجماهير، وكما قال لنا وزير مالية الكاظمي إن عام ٢٠٢٣ هو بدء عملية شد الأحزمة إلى حد قطع البطون، لان العراق لن يستطع من تجاوز أزمته الاقتصادية ويجب تسريح عدد كبير من الموظفين والعمال، ناهيك عن إضافة ١٤ مليون عاطل عن العمل الذي سيتضاعف العام المقبل. إن هذه الحقيقة تراها عيون كل الكتل السياسية التي تآمرت على انتفاضة أكتوبر سواء عبر عمليات القتل أو عبر الخداع السياسي والالتفاف عليها. وكانت العوامل المذكورة آنفاً من الفقر والفساد والظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وراء التحجيم الاجتماعي للإسلام السياسي.
وهكذا يريد الصدر بناء الدولة في العراق عبر التغريدات والبلطجة والفتوة و استجداء العواطف والمشاعر، حيث لا يملك أي طريق آخر لمنع انحدار موقع تياره الاجتماعي. انه يجيد ما فشل به ترامب الرئيس الأمريكي السابق لإعادة انتخابه لولاية ثانية.
إن جميع القوى السياسية في العملية السياسية تدرك عمق الأزمة السياسية وعمق الهوة بينها وبين الجماهير، وتشعر بحرارة الجمر تحت رماد انتفاضة أكتوبر، بيد أن صراعها على السلطة التي تسهل لها السرقة والنهب والفساد عن طريق تشكيل الحكومة الجديدة لا يعطي فرصة لها للالتفات إلى الأرض المتحركة التي تقف عليها.


55
المحكمة الاتحادية وإنقاذ حصة المكون الأكبر
سمير عادل

المحكمة الاتحادية لم تقفز من المريخ، بل جاءت ضمن رزمة العملية السياسية التي بنيت على أساس المحاصصة الطائفية والقومية ومنذ تشكيل مجلس الحكم على يد الحاكم المدني للاحتلال بول بريمر.
قرار المحكمة الاتحادية بتفسير المادة ٧٠ من الدستور بانتخاب رئيس الجمهورية بثلثي أعضاء مجلس النواب وليس "الحضور" هو الرصاصة في تبديد الاوهام لنهاية نظام المحاصصة في العراق ولو بشكل نسبي. وإن الحديث عن تشكيل حكومة أغلبية وبغض النظر عن نسبة الشوائب في وطنيتها، و بالمعنى القانوني والسياسي فهو محض هراء على الأقل في هذه المرحلة السياسية، ولن يتعدى أي تشكيل حكومة اغلبية التي يطالب بها الصدر أكثر من شعار لتحجيم القوى الخاسرة في البيت الطائفي الشيعي في الانتخابات. وسواءً أكانت الحكومة المراد تشكيلها هي اغلبية ام لا فلن تكون مطعمة بغير نكهة توافقية- و محاصصاتية سواءً أجاءت تحت مظلة قناصي مليشيات الحرس الثوري الايراني او بحراب المارينز الأمريكي واهازيج الجامعة العربية والأمة العربية.
وبقدر ان المحكمة الاتحادية أنقذت نظام المحاصصة بشكله المطلق، فبنفس القدر أنقذت البيت الشيعي وحصة الخاسرين فيه من المدعومين من ملالي قم-طهران في المشهد السياسي، وانقذت العملية السياسية برمتها وحسمت حصة "المكون الأكبر" التي يطالب بها عمار الحكيم صاحب شعارات الوطنية الطنانة، وبمجرد خروجه من الانتخابات الاخيرة بخفي حنين عاد ليطالب بحصة المكون الاكبر او حصة البيت الشيعي والعودة إلى الطائفية السياسية للحفاظ على نفوذه وامتيازاته المالية.
 ليست هي المرة الاولى تنقذ المحكمة الاتحادية نظام المحاصصة السياسية في العراق و حصة المكون الاكبر او البيت الشيعي. فقد أفتت من قبل في إنقاذ كتلة دولة القانون التي حازت على ٨٩ مقعدا في انتخابات عام ٢٠١٠ وألحقت هزيمة نكراء بكتلة اياد علاوي غير الطائفية التي حصدت ٩١ مقعدا في الانتخابات، ليوحد صفوف البيت الشيعي تحت عنوان الكتلة الاكبر وهو الاسم الحركي للمكون الطائفي الأكبر في البرلمان. وهذه المرة تدخلت ايضا وابتكرت فتوى سياسية جديدة بانتخاب ثلثي اعضاء مجلس النواب وليس الحضور لرئيس الجمهورية، وبهذا فلت تحالف الميليشيات الخاسر الأكبر في الانتخابات من عنق الزجاجة، والذي جاء تحت عنوان الإطار التنسيقي.

قرار المحكمة الاتحادية جاء سواء متزامنا أو متناغما قبل أيام قليلة من زيارة قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني الى العراق للقاء مقتدى الصدر، هو محاولة لثني الصدر بالمضي قدما في تحجيم اخوته الأعداء في البيت الشيعي.  وكانت تغريدة الصدر (لا شرقية..لا غربية) بمثابة اغلاق الباب خلف القاآني بصوت قوي عندما غادر مقر الصدر. ويستمد الصدر قوته في مقاومة ضغوط إيران لتنحية منافسيه وتحت عنوان تشكيل حكومة أغلبية وطنية الى؛ تنامي السخط الواسع ضد سياسات الجمهورية الاسلامية في العراق وأدواتها، والى تراجع نفوذها السياسي بعد هزيمة حلفائها في الانتخابات الاخيرة.  وفي نفس الوقت يحاول الصدر بشكل حثيث بملء الفراغ الذي تركه التيار القومي العروبي والقومي المحلي الوطني منذ هزيمته على يد الاحتلال، والظهور بحامي سيادة العراق واستقلاله على غرار نصر الله بحماية لبنان وفلسطين بوجه "العدو الصهيوني". إلا أن الأول في وجه إيران التي تدعم نصر الله في حين الثاني بوجه إسرائيل التي تظهر قوة اقليمية منافسة لإيران في المنطقة، والجامع بينهما هو العمامة السوداء وحراب مليشياتهم.
إلا أن التناقض الذي يخنق فيه شعار الصدر ( لا شرقية..لا غربية ) ويغرد به بين الحين والآخر، ويعني التلويح بعدم الرضوخ للنفوذ الإيراني لدغدغة مشاعر التيار القومي-الوطني ونزولا عند سخط الشارع ضد النفوذ الإيراني وميليشياته، هو ان الشعار المذكور هو شعار الخميني والجمهورية الاسلامية الايرانية ابان الالتفاف على الثورة الايرانية وإجهاضها بعد عام ١٩٧٩، وقد مزقت جماهير العراق صور رموزها وحرقت مقرات الأحزاب الإسلامية التي كانت تزين جدرانها بها في انتفاضة أكتوبر. ولا يقف التناقض عند ذلك بل إن الشق الثاني من الشعار وهو (لا غربية)  لا ترد على سؤال او يحاول التعمية او التغاضي عن الجنسية التي تنتمي اليه المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي فرضت الورقة البيضاء عبر ممثلتها حكومة الكاظمي، وقد وافقت كتلة الصدر دون اي قيد او شرط عليها وكان أولها تخفيض العملة المحلية لتدفع الطبقة العاملة والجموع الغفيرة من المحرومين والكادحين ثمن تلك الورقة!

على العموم ما نريد ان نقوله ان جميع فذلكات القوى السياسية الجاثمة على صدر الجماهير، وسطحية تحليلات اقلامها المأجورة لا تعدو أكثر من أبواق دعاية رخيصة لمرؤوسيهم، وليس بمقدور أي واحد منهم من إقناع الإنسان البسيط بأنهم فقدوا صلاحيتهم وأصبحوا خارج الزمن. وكل الشعارات التي يطلقونها او يهددون بها  اللجوء الى خيار المعارضة أو خيار مقاطعة العملية السياسية ليست أكثر من اوراق ضغط لا تضعف ولا تسمن أحد، فالكل يدرك أن أي الخيارين لن يعوضهم ابدا ما سيفقدونه من نفوذ امتيازات إذا أصبحوا خارج الحكومة الجديدة. وإن كل دقيقة خارج الحكومة تعني تقصير أعمارهم السياسية، وهذا هو سر التكالب على تشكيل الحكومة وحصة المكون الاكبر او الكتلة الاكبر.
وأكثر ما يدعي الاستهجان في المشهد السياسي الدرامي العراقي هو التطبيل والتزمير والتهويل من (الفراغ الدستوري) الذي يعيشه العراق، وكأن العراق الذي كان يعيش حياة مترفة بالدستور، انخفضت فيه معدلات الفقر والبطالة والعوز وتوفرت الخدمات وعم الأمن والأمان وانحسر الظلم الواقع على المرأة و ازدهر التعليم والصحة. أما في الفراغ الدستوري فستتحول حياة الجماهير إلى جحيم، انه حقا ضربا من الكوميديا المأساوية. فكل القوى المشاركة اليوم في العملية السياسية دون استثناء، حاولوا افراغ العراق من مواطنيه عبر عمليات القتل والتصفيات الجسدية والاغتيالات والاختطاف والتهجير والإفقار، ولم يهتز لهم  جفن بخلق فراغ انساني وبشري في العراق، فما بالك عن مبالاتهم للفراغ الدستوري.
 واخيرا لا خوف من الفراغات أيا كانت سواء دستورية او امنية او سياسية فهناك رب يحمي العملية السياسية واسمه المحكمة الاتحادية، وهي  تتدخل في انقاذ اية فجوة تحدث هنا وهناك في العملية السياسية، وتحرسها عيون خفية وهي عيون المرجعية، فكل شيء من اجل انقاذ حصة المكون الاكبر.
وهنا نؤكد من جديد ما نحتاجه هو التغيير الجذري عبر إنهاء عمر العملية السياسية، اذا اردنا الحديث عن الأمن والأمان والرفاه.


56
مأزق البيت الشيعي في صراع بين شعارات الأغلبية،الإصلاح، عدم التبعية و شعار المقاومة والممانعة

سمير عادل

البيت الطائفي السياسي الشيعي يعيش أحلك أيامه. فكل الأهازيج وإطلاق أبواق الفرح بُعيد انتصاراته على داعش والتبجيل والتقديس لميليشياته التي تجمعت تحت مظلة الحشد الشعبي، والتغول سياسيا ودعائيا في انتخابات أيار ٢٠١٨، كلها تحطمت على صخرة انتفاضة أكتوبر، وها هو يلملم اشلائه ويعد خسائره ويحاول إنقاذ ما يمكن انقاذه بعد انتخابات تشرين الاول عام ٢٠٢١.

أربعون مليون انسان اسير حفنة من الطفيليين و اللصوص والسراق، وقسما منهم قتلة ومجرمين محترفين وأياديهم ملطخة بدماء المئات الذي سقطوا في انتفاضة اكتوبر برصاص قناصيهم وكواتمهم و سكاكينهم. وفي كل ازمة سياسية تشتد مدياتها وتهز سلطتهم، يشعلون أما حربا اهلية او حربا على كل من يعارضهم باسم الحرب على الارهاب، او يقومون بتحضير الأرواح في اروقة المخابرات الايرانية والغربية والتركية كي تجدد إنتاج وجودهم غير الشرعي وتحت عنوان الحرب على داعش، وعندما تلفظهم الجماهير في انتفاضة عارمة تطيح بهم وتهتف (كلهم يعني كلهم)، يرفع قسم منهم لواء (المقاومة والممانعة) والآخر يرفع شعار (الاصلاح) تارة ومرة الدفاع عن (الوطن) وعندما تضيق الأمور به يرفع شعار الدفاع عن (الاسلام) وعن (الطائفة). وهنا لا بد القول في شعار الجناح الاول في البيت الشيعي اي (المالكي-العامري-الفياض-الخزعلي) وهو محور المقاومة والممانعة،  بأنهم على حق، فهم من الناحية العملية والفعلية يقاومون (المقاومة) انتفاضة الجماهير برفضهم ورفض الانتخابات وكل العملية السياسية، ويمتنعون (الممانعة) من الرحيل عبر عمليات القتل والاغتيالات والاختطاف. اي بعبارة اخرى فالمقاومة هي مقاومة الجماهير، والممانعة هي الامتناع بالرحيل عن السلطة.

التكالب على تشكيل الحكومة بين أطراف العملية السياسية وخاصة بين أعلام وعتاة الطائفيين في البيت الشيعي، هو تكالب على الامتيازات والنفوذ، وهو التكالب على ضمان مستقبل كل طرف. بيد ان ذلك التكالب يجري تحت عناوين وشعارات مظلة كاذبة وخادعة. فتحت عنوان (الأغلبية) يبغي الصدر من تصفية معارضيه عبر قضم الامتيازات والنفوذ السياسي لمنافسيه، والاهم من كل ذلك خلع انيابه عن طريق احتواء او حل او كما قال مؤخرا الصدر اعادة تنظيم مليشيات الحشد الشعبي، في حين يدرك الطرف الآخر من جناح المالكي-العامري-الفياض-الخزعلي و جناحهم المسلح الحشد الشعبي من خطورة المؤامرة التي حيكت ضدهم، وحيث تم استدراجهم للانتخابات لقص أجنحتهم وترويضهم لمرحلة ما بعد الانسحاب الامريكي من العراق والمنطقة. لقد بلعوا الطعم بدراية ووعي لان انتفاضة أكتوبر قطعت الطريق أمامهم. ولذلك نؤكد من جديد لا استراتيجية أمام هذا الجناح الذي يلعق جراحه غير خلق الفوضى الامنية. وعليه لا يحتاج الى الكثير من العناء كي نعرف ما سر تزايد معدل نشاط عصابات داعش وجرائمها في عدة مناطق من العراق بعد سحقها في الموصل والرقة. وبين هذا وذاك، ولا بصيص أمل بتراجع الثالوث القومي-الاسلامي الجديد( الصدر-الحلبوسي-البرزاني) بالمضي قدما بقص أجنحة الأصحاب الاصلاء في البيت الشيعي، فتجديد الوجود والهوية يكون عبر استهداف مطارات اربيل او بغداد او الاستعراض العسكري هنا وهناك وتظاهرات باهتة خالية من الطعم والرائحة، وكل ذلك للحيلولة من أجل تعديل ميزان القوى قليلا لانتزاع بعض التنازلات والحفاظ على بقائه السياسي وامتيازاته. أما (الإصلاح) الذي يتحدث عنه الصدر هو إصلاح المناصب الحكومية والاستحواذ على نصيب الأسد من الحكومة والمناصب الخاصة وتقليم أظافر المؤسسة الأمنية التي يسيطر عليها الجناح المنافس. بمعنى اخر ان اصلاح الصدر ليس له اية علاقة بإعادة قيمة العملة المحلية وزيادة المعاشات والرواتب وتوظيف العاطلين عن العمل واعادة الطبابة المجانية والضمان الصحي والوهج للتعليم في المدارس الحكومية، وإيقاف توزيع الرشاوى والهبات من الموازنات السنوية على المؤسسة الدينية مثل الوقف الشيعي والسني...الخ. في حين تعني شعاره (عدم التبعية)، هو تحريك المشاعر المعادية لجماهير العراق لسلطة الإسلام السياسي الشيعي المدعوم من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران، وقد عبرت عنها خلال انتفاضة أكتوبر بحرق صور كل رموز الجمهورية الاسلامية الايرانية وحرق مقرات الأحزاب الإسلامية في مدن جنوب العراق، وبالتالي محاولة للتلويح التهديد بالشارع اذا ما لم يرضخ تحالف فتح-المالكي-الفياض لشروط مقتدى الصدر.

اسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني ومحمد الكوثراني مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني، فشلا فشلاً ذريعا في العراق اثناء زيارتهما الاخيرة كمحاولة لرأب الصدع في البيت الشيعي، ولأول مرة يشعر ملالي ايران انهم يخسرون نفوذهم في العراق، وان المشاعر الطائفية الكاذبة التي ضخوا لها كل أشكال السموم والأموال والمأجورين عشية غزو واحتلال العراق وبدعم السياسات الأمريكية التي قسمت العراق سياسيا الى البيوت النتنة الممتلئة بخيوط العنكبوت من الشيعي والسني والكردي تتبدد أمام فسادهم ونهبهم واجرامهم وبالتالي صراعهم على السلطة. واليوم ليس أمام البيت الشيعي المتهرئ أما هدمه و تحويل مكانه الى متحف تذكر الأجيال القادمة بالجرائم التي حيكت ضد الأغلبية المطلقة لجماهير العراق؛ بدأ بإضفاء الشرعية على غزو واحتلال العراق ومرورا بالحرب الاهلية الطائفية عام ٢٠٠٦ ثم التمهيد لسيناريو داعش واستغلاله للتغول السياسي وترسيخ سلطة المليشيات وانتهاء بأعمال القتل التي ارتكبت ضد نشطاء وفعالي انتفاضة اكتوبر، أو محوه بالكامل وتكليف عدد من اقلامهم المأجورة بإعادة كتابة تاريخ ذلك البيت مثلما أسلافهم بتزوير كل التاريخ الإسلامي، ومحو سنوات اجرامهم والبدء من تاريخ رفع شعار المقاومة والممانعة خلال أيام انتفاضة أكتوبر وقصفهم للمنطقة الخضراء.

 حكومة الاغلبية والإصلاح وعدم التبعية هي عناوين تنافس شعارات الجناح الآخر في البيت الشيعي وهو المقاومة والممانعة، و عناوين او شعارات كلا الطرفين يبغي من ورائها استهداف جيوب العمال والموظفين والمتقاعدين والعاطلين عن العمل، وعندما يغضب الأخير من الأول، فإشعال الفوضى الأمنية هو استراتيجيتهم. وليس هذا فحسب بل إن كلا الجناحين ليس لديهم اية اجندة اقتصادية واجتماعية في العراق سوى أنهم امتداد لداعميهم من الدول الإقليمية والامبريالية العالمية.
وبالتالي ليس في جعبتها شيئا يقدمونه إلى المجتمع غير تلك الشعارات، وإذا لم تسنح الفرصة لانتفاضة أكتوبر بكنسهم، فهناك انتفاضة أخرى تنتظرهم، فأكثر من ٨٢٪ من العراقيين قالوا كلمتهم في انتخابات ٢٠٢١.






57
العلمانية حاجة الطبقة العاملة أم حاجة البرجوازية في العراق!
سمير عادل
 
بعد مقالنا (أزمة الهوية والصراع عليها-حزب الدعوة ومقتدى الصدر نموذجا) جاءت إلينا عدة اسئلة ومحورها الأساسي هو أليس هناك أية فرصة بأن تمضي الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق نحو العلمانية او على الاقل تقوية المدنية والتحضر والابتعاد بشكل تدريجي عن الإسلام أو على الأقل تقويض تدخلاته في حياة الأفراد والمجتمع كما يحدث اليوم في السعودية ومصر والامارات؟ في هذا المقال سنرد على المسألة الآنفة الذكر من أجل توضيح اي من الطبقات الاجتماعية لها مصالح مادية بأن تكون هوية الدولة علمانية.
العلمانية هي فصل الدين عن الدولة، وهذا يترجم إلى فصل الدين أيضا عن التربية والتعليم وأن يكون الدين شأن أو أمر شخصي. اي بعبارة اخرى ان لا تمول الدولة المؤسسة الدينية مثلما يحدث اليوم عندنا حيث يخصص ما يعادل ٢ مليار دولار الى الوقفين الشيعي والسني من الموازنة السنوية، في حين تتحجج الحكومة بأن ليس لديها أموال بسبب انخفاض أسعار النفط، وان الشعب العراقي تعود على عدم دفع فاتورة الخدمات مثل الكهرباء والماء كما جاءت في الورقة البيضاء بشكل وقح وسافر لتبرير تخفيضها للعملة المحلية والعمل على تنصل الدولة من مسؤولياتها تجاه المجتمع وبيع المصانع والمعامل الحكومية برخص التراب الى الشريحة الجديدة من البرجوازية التي ارتفعت الى مصاف الطبقة البرجوازية بفعل عمليات النهب والسلب والسرقة والفساد مستفيدة من الدواوينية التي منحتها لهم العملية السياسية. لنعود الى موضوعنا، و لنميز بين الدين كعقيدة يؤمن بها عدد من الناس وبغض النظر أي كان ذلك الدين، وبين الدين كأيديولوجية. والدين كعقيدة هي حالها حال الإلحاد، وعلى المجتمع أن يقر بشرعية وجود الاثنين ويسن قوانين يحمي الطرفين من تطاولات الدولة وبلطجيتها.
 
العلمانية كانت ضرورة وحاجة حياتية بالنسبة للطبقة البرجوازية الصاعدة في الغرب، في صراعها مع الإقطاع المتحالف والمتداخل مع الكنيسة. وكانت يد الكنيسة في القمع الفكري والسياسي والاجتماعي تجاه الحريات وحقوق الإنسان بالمعنى المطلق لم تكن أقصر من يد طالبان وولاية الفقيه والسلطة الاسلامية في العراق مثلما نراه اليوم إلا بدرجات وحشيتها. وكانت الطبقة البرجوازية الصاعدة في أوروبا بحاجة الى إقصاء الكنيسة و ايديولوجيتها المسيحية من حياة المجتمع كي تجرد الإقطاع من سلاحه الفكري والاجتماعي من أجل فتح الطريق نحو نموها الاقتصادي وتأمين حماية مصالحها المادية المتناقضة مع الطبقة الإقطاعية والنبلاء وشبكة الكنهوتيين. وقد ارتبط التطور العلمي والتكنولوجي بحاجة البرجوازية المادية وتطورها وقدرتها على التنافس، والمتناقضة كليا مع كل أفكار الكنيسة المحافظة والرجعية والتي ذهب ضحيتها كل من يفكر خارج صندوقها، أو يفكر بطريقة علمية ويشكك بكل المعتقدات التي رسختها الكنيسة طوال قرون من حكمها. وقد جاء على سبيل المثال لا الحصر تثبيت حرية الإلحاد في الدستور الفرنسي  بعد الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ كرد بشكل نهائي في إقصاء المسيحية كأيديولوجية وعقيدة ملزمة على المجتمع من الدولة وتجريد الاخيرة من أية صلاحية قانونية وسياسية في فرضها.
وهنا يطرح السؤال التالي، هل العلمانية اليوم حاجة وضرورة مادية وحياتية بالنسبة للطبقة البرجوازية في العراق؟
قبل كل شيء نريد توضيح مسالة مهمة، وهي إن البرجوازية التي ناضلت ضد الدين في الغرب وتوج ذلك النضال بإقصاء الدين عن حياة المجتمع، أصبحت رجعية بدفاعها عن الدين وإعادة تأهيله من جديد. فبعد أن أصبحت هي السلطة المهيمنة وتمسك زمام الأمور في كل المعمورة، وفي صراعها مع بقية الأجنحة المتنافسة معها، راحت تجدد هويتها المسيحية في مواجهة الاسلام السياسي او ايجاد مبررات لحرمان اللاجئين والمهاجرين من حقوقهم بالسكن والإقامة في بلدانها بحجة التهديدات الامنية ووصم جباههم بالإرهاب الاسلامي لأنهم نزحوا أو هربوا من بلدان وصفت بـ غالبيتهم المسلمة، في حين إن  الأنظمة السياسية الغربية هي من حولت بلدان أولئك  المهاجرين إلى جحيم لا يطاق عبر سياستها الجهنمية مثلما حدث في سورية والعراق وليبيا وإيران ودول امريكا الجنوبية وافريقيا والقائمة تطول. وكانت تصريحات مثل الرئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بالحفاظ على هوية اوروبا المسيحية في مواجهة أزمة المهاجرين واللاجئين للحيلولة دون وصولهم الى البلدان الاوربية ، او الكلمة الشهيرة لجورج بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام ٢٠٠١  بأن حربه ضد الإرهاب الإسلامي هي حرب مقدسة، هي حرب صليبية، هي أمثلة على إعادة الوهج للدين في صراعها السياسي، هذا ناهيك على تقوية الجماعات الارهابية الاسلامية وتقوية الدين بجميع مؤسساته في الشرق وتقديم كل أشكال الدعم له منذ الحرب الباردة وحتى يومنا هذا. وفي الوقت الذي كانت ترجم النساء بالحجارة في ايران وافغانستان وتحرم النساء من قيادة السيارة ويجلد كل من ينتقد الإسلام في السعودية، كان الغرب يعقد الصفقات السياسية والاقتصادية مع حكوماتها، ويكتفي بشجب عدد من مؤسساتها المشبوهة من منظمات المجتمع المدني لانتهاكات حقوق الإنسان في تلك البلدان. هذا ناهيك عن الدعم العظيم الذي قدمتها إدارة أوباما لصعود الإخوان المسلمين دفة السلطة في دول شمال افريقيا كتكتيك سياسي للالتفاف على الثورة المصرية والتونسية.
لم تكن البرجوازية الغربية  تبالِ لا من قريب ولا من بعيد بدعم القوى العلمانية ولم تدعُ يوما أو تضع على أجندتها في دعم الحركات النسوية والقوى والشخصيات العلمانية التي ناشدت وناضلت من اجل فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، والحد من تطاولات المؤسسة الدينية وانتهاكاته السافرة لحقوق الإنسان في الشرق طالما أن مصالحها الاقتصادية والسياسية مؤمنة مع تلك البلدان.
 
فإذا كان هذا حال البرجوازية في الغرب، فماذا سيكون في العراق، الذي دعم الغرب بأنظمته الليبرالية والديمقراطية التقسيم الطائفي والديني والقومي للمجتمع العراقي، وفتحت البالوعات للصراصير الطائفية من كل حدب وصوب، لتنتج مرة الحرب الاهلية فى ٢٠٠٦ واخرى لغزو عصابات داعش ثلث مساحة العراق. وبين هذا وذاك سعى الغرب كما قلنا في مناسبات عديدة بفتح منابر الجوامع والمساجد في بلدانه لتعبئة الشباب (المسلم) وتجنيدهم للالتحاق بالجماعات الاسلامية الارهابية مثل جبهة النصرة وداعش  في سورية عبر اجهزة مخابراته، لتعيد نفس سيناريو أفغانستان أثناء غزوها من قبل السوفييت عام ١٩٧٩. إن أكثر التصريحات التي تثير سخرية واستهجان من قبل الأنظمة الغربية وخاصة من قبل الذين غزو العراق، بأن أمريكا لا تتدخل بالشأن الداخلي العراقي، وان الدستور ذي الديباجة الطائفية كتبت بأيادي عراقية، وهي تدعم سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه. إلا أن الساسة الأمريكان والدمى التي جاءت تحت حراب المارينز الأمريكي لم يقولوا لنا من احتل العراق ودمر كل شيء فيه وقام بنفخ الروح بالديناصورات التي جلبتها من الكهوف ما قبل العصر الجليدي الأول. بيد ان الحقيقة عندما تصل المسالة الى حقوق الانسان بالمعنى الحقيقي والمطلق فالغرب لا يتدخل بشؤون العراق و يحترم تقاليده و" قيمه المجتمعية"، أليس هذا ضربا من النفاق بحرفية عالية!
ان الدين كأيديولوجية لا يمكن الاستغناء عنه في حرب البرجوازية عبر تعبئة المجتمع وتعمية الطبقة العاملة وعموم الكادحين للحفاظ على سلطتها ونفوذها السياسي ، وهذا ما لا يعيه ولا يدركه لفيف المثقفين الليبراليين وتجمعاتهم العديدة الذين يعزون سبب عدم فصل الدين عن الدولة او اقرار دستور علماني الى نوازع اخلاقية عند ذلك الحزب أو تلك الفئة، فالمصالح الطبقية التي وراء إقرار الهويات تختفي كليا في تحليلاتهم التي تقودهم دائما إلى الوقوع في فخ الإحباط واليأس.
 واذا تحدثنا بكلمات أكثر وضوحا، فلا يمكن للطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق بسلطتها الاسلامية الاستغناء عن الدين، ف(الظلم الطائفي) الذي يمارس من قبل الاسلام السياسي الشيعي وميليشياته المتمثلة بالحشد الشعبي، يعني الاستيلاء على الأراضي والممتلكات والثروات الطبيعية في المناطق الغربية، أما (الظلم الجنسي) الواقع على النساء بالنسبة لتلك الطبقة، يعني من الناحية الحقوقية معاملة نصف المجتمع إذا لم نقل أكثر منه كمواطنين من الدرجة الثانية، وعلى الصعيد تحقيق المصالح الطبقية، يعني اضافة جيش جديد الى الطبقة العاملة سواء الى جيش العاطلين عن العمل  مما يساهم بشكل كبير في تخفيض قيمة قوة العمل ويزيد من حجم المنافسة بين العمال، وبالتالي تدفع للنساء أجورا أقل من الرجال لتكون أكثر أقسام الطبقة العاملة فقراَ وعوزاً، أو الاستحواذ عن القيمة المجانية للعمل المنزلي غير مدفوع الأجر. كما أن البنية السياسية التي بنيت عليها سلطة الطبقة البرجوازية هي المحاصصة السياسية، وتعني تحت عنوان (الأغلبية الشيعية) الاستحواذ على المؤسسات الحكومية التي تدر اموال بمليارات الدولارات من خلال صفقات الفساد وعمليات النهب والسلب. هذا اضافة الى ما اشرنا إليه بالتفصيل في مقالنا السابق (أزمة الهوية والصراع عليها-حزب الدعوة ومقتدى الصدر نموذجا) الى تركيبة السلطة السياسية في العراق هي سلطة ميليشياته، وهي اقرب الى المافيا من أن تأخذ شكل حكومة تحاول تسويق نفسها بأنها تمثل جميع الطبقات والفئات الاجتماعية في المجتمع، وتساهم هذه النقطة  الاقتتال والدفاع عن الدين والطائفة والتمسك بهما، لأنها أي السلطة المليشياتية للإسلام السياسي لا تملك غيره لتقديمه إلى المجتمع، فدون الدين ورفع رايات طائفية، فلا يمكن استمرارها في السلطة.
وبالتحليل النهائي ليست الطبقة البرجوازية الحاكمة بجميع أجنحتها في العراق مستعدة لا اليوم ولا يوم غد ولا حتى على المدى المنظور بأن تحدث تغييرات لصالح تقويض الدين على الاقل وتقوية جذور المدنية والعلمانية في المجتمع وتأسيس دولة أساسها المواطنة والمساواة الدينية والطائفية والجنسية. فالعلمانية ليست حاجة ولا ضرورة بالنسبة للطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق.
أما بالنسبة للطبقة العاملة، فالعلمانية فهي حاجة حياتية وطبقية، فهي تسحب البساط من تحت أقدام الطبقة البرجوازية وميلشياتها في دق اسفين بين العمال على أساس الطائفة والدين. وإذا شحذنا الذاكرة قليلا وعدنا الى التفجيرات الارهابية التي كانت تضرب المدن منذ بداية احتلال العراق، فكان أغلب المناطق المستهدفة هي مساطر العمال وأماكن عملهم، وكان الهدف هو نقل الصراع الطائفي الى الوعي الاجتماعي وفتح شرخ كبير فيه. وعلاوة على ذلك فإن تسويق الوهم الطائفي وترهات الدين الى صفوف العمال، من شأنه طمس الصراع الطبقي وتحريف نصال نضالهم ضد الطبقة البرجوازية التي يجتمع ممثليها السياسيين تحت سقف سمي بالبرلمان، من الحلبوسي والخنجر السني والمالكي والعامري والخزعلي الشيعي كي يصدروا قوانين تمنحهم الحصانة الدبلوماسية ورواتب وامتيازات تصل الى ١٠ مليون دينار شهريا لكل عضو برلمان ووزير من وزرائهم ومنحهم قصور فارهة، بينما يحصى العمال قتلاهم بعد التفجيرات، والمحظوظ منهم يحصل على فتات من موائدهم كي يبقوا على قيد الحياة ليوم آخر، في حين ان كل الخيرات التي ينهبها هؤلاء اللصوص هو من عرق العمال ونتاجهم.
من الوهم انتظار البرجوازية أن تمد يدها الى العلمانية، ومن الوهم أن تمنع البرجوازية نفسها في كل محطة تمر بها بطلب العون من الدين ورجالاته الذين يعيشون على بيع الخرافات و الخزعبلات والأوهام والنفاق الى الناس في كل محنة تمر به ويدفع لهم من الموازنة السنوية للدولة في حين تتحجج الحكومة بأن ليس لديها أموال كي تدفع كضمان بطالة الى الملايين من العاطلين عن العمل، ألم يقل لنا الإنسان البسيط في تظاهرات تموز ٢٠١١ (من دخل بيها ابو العمامة.. صار البوك للهامة) أي وصل السرقة الى قمة الرأس عندما دخل بها رجل الدين المعمم، ليكون احدى الشعارات المركزية في كل التظاهرات.
(أن تسميم ادمغة الاحياء في العراق بالترهات الطائفية والدينية هي سياسة ممنهجة ومخطط لها من قبل قوى الإسلام السياسي في حربها القذرة والدنيئة من أجل الاستحواذ على أكثر ما يمكن من السلطة والامتيازات والأموال. انها سياسة لتكبيل ذهنية العامل بالدرجة الأولى بمنظومة من الاكاذيب والاوهام اللاإنسانية لحرف نضاله ضد العدو الطبقي الواحد، فعلى سبيل المثال أن شركة بي بي البريطانية او شيل الهولندية او اكسيون موبايل الامريكية او بتروجاينة الصينية او لوك اويل الروسية ليسوا أنصار الطائفة الشيعية أو الطائفة السنية، او الناطقين العربية او الكردية، ولا هم اصدقاء اصحاب الكتاب المقدس، إلا أنهم وعن طريق شركة نفط الجنوب ونفط الشمال، يمارسون ابشع انواع الاستغلال والسرقة والنهب- الحركات الاحتجاجية بين الدولة المدنية والدولة العلمانية-سمير عادل-مجلة المد العدد ٩). وعليه أن الطبقة العاملة بحاجة الى إقرار دستور علماني، بحاجة أن تكون هوية الدولة العلمانية، فلديها مصلحة طبقية في ذلك كما اشرنا، وأن الشيوعيين هم أكثر تيارات هذه الطبقة، يجب أن يضعوا نصب أعينهم في تحقيق هذه المهمة كواحدة من مهمامهم النضالية.



58
أزمة الهوية والصراع عليها
حزب الدعوة والتيار الصدري نموذجا
سمير عادل

الطبقة البرجوازية العربية تعيش أحلك أيامها، تعيش في وضع لا تحسد عليه، تعيش ازمة الهوية وفي الوقت  نفسه الصراع فيما بينها على إيجاد هوية لها. هذه الأزمة أبعد من بيانات حزب الدعوة وتغريدة الصدر للدفاع عن قيم الإسلام والتقاليد الاجتماعية التي هزتها فعاليات الفنان المصري محمد رمضان. ونود التأكيد بأننا لسنا بصدد تقييم فن محمد رمضان، فهذا خارج دائرة تخصصنا، إنما ما يهمنا هي الزوبعة الاجتماعية التي تحمل في طياتها ماهية سياسية، والتي اثارتها قوى الاسلام السياسي الحاكم في العراق. وهذه ليست المرة الاولى التي تثار مسالة الدفاع عن الإسلام، والقيم المجتمعية، وهي التي أكثر المقولات فضفاضة وفارغة من المحتوى ولا تشير إلى أي شيء وممكن يعني  كل شيء. فقد تكون تلك القيم هي حقوق الإنسان بالمعنى المطلق  وحرية التعبير والرأي والتنظيم والتظاهر، وقد تكون قيم مجتمع داعش وولاية الفقيه وحكم طالبان. وقبل محمد رمضان كان هناك مهرجان بابل و حفلات الفنانة اليسا، التي أثارت غضب رجالات الدين وبعض رجال الدين الإسلاميين من الصف الثاني أو من الدرجات الدنيا.

*****

لطالما طرح سؤال، لماذا البرجوازية في منطقتنا لم تتجه مثل البرجوازية في أوروبا، في إقصاء الدين من حياة المجتمع وتكون هوية الدول العربية علمانية، و تفصل الدين عن الدولة وتعامل البشر على أساس الهوية الإنسانية والمواطنة وبغض النظر عن عرقه وجنسه ودينه وطائفته؟ وكان الجواب دائما خاصة من قبل مثقفي نفس الطبقة بأن البرجوازية العربية متخلفة، او الاسلام يضرب جذوره في عمق المجتمعات العربية، وعلينا أن لا نجابه الدين بالنقد السياسي والفكري كي لا نجرح مشاعر المسلمين، وبأن المجتمعات التي نعيش فيها هي اغلبية مسلمة، ضاربين بعرض الحائط مشاعر الملايين الآخرين من غير المسلمين أو من غير المؤمنين بأي دين. الا ان الحقيقة التي تكمن خلف كل تلك المبررات، هي أن الدين في منطقتنا هو أكثر الأسلحة الايديولوجية فتكا سواء في تخدير الجماهير وخداعهم وتسكين آلام فقرهم وعوزهم ومرضهم وحرمانهم من إشباع حاجاتهم المادية كي يبقوا على قيد الحياة، وقد عبرت جماهير العراق في تظاهرات تموز ٢٠١٥ عن الدين بشعارها المشهور (باسم الدين باكونا الحرامية)، وهي أكثر الشعارات التي أغاضت قوى الإسلام السياسي وخاصة مقتدى الصدر، فتخيل يجرد مقتدى الصدر من عمامته وسلاحه الدين، فماذا يبقى له في المعادلة السياسية العراقية!
 وفي نفس الوقت استخدم الدين وهنا أتحدث تحديدا عن الإسلام في مواجهة الحركات الثورية والتحررية في مجتمعاتنا وتصفية كل معارض للنظام السياسي إذا ما طالب بالحرية والمساواة، ألم يقولوا لنا واطيعوا اولي الالباب، واولياء الامور، لان الاخير متجسد بطاعة الحاكم، فهو الأدرى وهو ولي الأمر ومن ذوي الألباب.
 وتبين التجربة لنا دون أي لبس او عناء بأن الطبقة البرجوازية العربية كأنظمة سياسية حاكمة بخبرات مراكز دراسات الفكرية والسياسية الغربية واجهزة مخابراتها، بأن الدين لعب دوراً وعاملا مهما وحيويا في معركتها الفكرية والسياسية والاجتماعية خلال أكثر من قرن لمواجهة الحركة الشيوعية الثورية والتحررية في المجتمع إبان الحرب الباردة.

*****

الحفاظ على “الإسلام” بتفسير البخاري وابن تيمية وابن العثيمين والباز والحرس القديم في الأزهر والخميني ومحسن الحكيم، بات يصارع الرأسمال في منطقتنا ويتناقض مع وجوده ومستلزمات استثماره، وبات يرعبه ويجرده من أي مأوى. فكما نعرف أن الرأسمال ليس مثل الإنسان لا حول له ولا قوة في ظل الأنظمة الاستبدادية والقمعية التي تحكم بلداننا، فهو أي رأسمال  له اهله واصحابه وممثليه السياسيين وجيوش وقوى امنية وسجون وأدوات التعذيب تدافع بضراوة عنه. انه نفس الطبقة التي استخدمت تفسير البخاري والتيمية بالدفاع عن سلطتها واستبدادها، بينما تجد اليوم أنها في ورطة بسبب تفسيرات فقهاء الإسلام وتحاول التخلص منها .
 وفي زمن بحاجة الى الاستثمار في الطاقة النظيفة للحفاظ على العالم بعد ان تحول المناخ الى معضلة كبيرة للبشرية وبقائها، وفي مستقبل أصبح ينذر بنفاذ النفط ، فالطبقة البرجوازية بحاجة الى تجديد ادواتها لتوفير الحماية للرأسمال وتأمين مستلزمات استثماره، وان احدى ميادين الاستثمار هو السياحة وجذب رؤوس الاموال الى مساحات يستمتع أصحابها بالحريات الفردية. أي أن العلمانية وتجديد تفسيرات اولي الالباب الأولين باتت حاجة ملحة وضرورة استمرار وجود الطبقة البرجوازية.  فالإسلام السياسي الذي يستند على تفسيرات اولي الالباب تحول إلى عائق جدي أمام تطور واستثمار رأسمال. ولذلك نجد لغة جديدة ولهجة حديثة وخطاب سياسي متمدن يخاطب مجتمعاتنا. فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد برنامج (الاضاءات) في قناة العربية المملوكة للنظام السعودي و(حديث العرب) لسكاي نيوز العربية الناطقة غير الرسمية لدولة الإمارات وبرنامج (يتفكرون) في قناة الغد المصرية، و البرامج التي تبث بشكل منتظم عبر قناة (فرانس ٢٤) و (بي بي سي) الذين كانت تذيع وفي خضم الثورة الايرانية خطب الخميني، نقول تلك القنوات تتحدث علانية عن العلمانية ونقد الدين وتفسيرات الأولين وحتى نقد التاريخ المحمدي وتاريخ الاسلام.  بمعنى آخر أن هذا التحول في الخطاب السياسي والدعائي والإعلامي للقنوات و الفضائيات المملوكة والممولة من تلك الدول يعكس حال الأزمة الهوياتية  التي تمر بها الطبقة البرجوازية على العموم في المنطقة.
إن القومية العربية والإسلام، كانا دائما في صراع مع بعضهما، صراع بين الأجنحة البرجوازية على السلطة. وحاول المثقفون والمنظرون البرجوازيون التزاوج بين الاثنين وحل التناقضات بينهم، وعلى الرغم حاول أمثال ميشيل عفلق من المزاوجة بين القومية العربية والاسلام الا انه لم يستطع أن يحول الهدنة بين الاثنين الى سلام دائم انظر الى مقالنا (العلمانية بين الطبقات وتياراتها السياسية- الحوار المتمدن). وفي خضم التحولات التي جاءت بعد احتلال العراق وبعد ذلك اندلاع الثورتين المصرية والتونسية، وإدخال الطائفية كهوية جديدة  في الصراع بين الأجنحة المتصارعة على السلطة والنفوذ في المنطقة، إلا إن سرعان ما سقطت الطائفية، وسقطت ايضا الايديولوجية الاسلامية بالرغم من الدعم المالي والسياسي والعسكري لكل الجماعات الاسلامية الارهابية في المنطقة من قبل الغرب قبل الشرق. وهكذا تبحث الانظمة التي رفعت يوما راية الاسلام في مواجهة الشيوعية ثم الطائفية في مواجهة بعضهما، تبحث اليوم عن هوية جديدة، وها هي تتشبث من جديد بالعلمانية التي قالت يوما عنها كفرا وأنها تصدير  للأفكار الغربية الى منطقتنا وانها مشروع استعماري.
ما نريد أن نقوله هنا اولا، ان الثقافة السائدة في هي ثقافة الطبقة الحاكمة. وأن المبررات بأن غالبية المجتمع هي من المسلمين ولا يجوز المساس بها لم تكن أكثر من ترهات، وبينتها التجربة السعودية؛ فقيادة المرأة للسيارة وإنهاء دور مؤسسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحجيم تدخل رجالات الدين في تطاولاتها واستهتارها على حياة الشخصية للأفراد في المجتمع، وحق السفر للمرأة بدون “محرم” وحق سكن المرأة لوحدها واقامة الحفلات الغنائية، والعمل على تغيير المناهج التعليمية التي تستند على نشر الكراهية لغير المسلمين والنساء ووضع تفسيرات البخاري وابن تيمية في الرفوف التي تعج بالغبار والتراب كي لا تراها العين المجردة وتقصير اكثر عدد من الايادي للوصول إليها وتناولها..الخ، جاء بقرار من الطبقة الحاكمة في السعودية. وقد أحدثت هذه التغييرات الكبيرة على هزة عنيفة بالمجتمع ولم تبال الطبقة الحاكمة لا لمشاعر المسلمين ولا لقدسية الدين. ويبين التأييد الواسع والكبير في صفوف  الشعب السعودي لسياسات ولي العهد محمد بن سلمان على الصعيد الفكري والاجتماعي، على أن الغالبية المطلقة لجماهير السعودية متمدنة متحضرة و تريد وتطمح للاندماج بالمجتمع الإنساني المتحضر المتمدن والعاشق للحرية، ولم يبال  بن سلمان إذا كانت تلك الإصلاحات تمس مشاعر المسلمين أو لم تمسها، وهو نفس الشيء ما يحدث في المناهج التعليمية للأزهر. وثانيا، ان ما يحدث في المنطقة العربية هو بحث عن هوية جديدة تستطيع ان تأتي بالمجتمع إلى التحولات والتطورات وحاجات النظام الرأسمالي كما اشرنا.  ثالثا مع كل هذه التغييرات في الخطاب السياسي والدعائي والإعلامي لن تتجرأ هذه الطبقة على إقصاء الدين عن الدولة وحياة المجتمع، لأن الدين حاجة ضرورية ليس بالنسبة للإنسان البسيط الذي يبحث عن سلوان له ويتخيل عالم ملي بأكاليل الزهور في السماء كي يهرب من عالمه الواقعي المليء بالشقاء كما يقول لنا ماركس في (نقد فلسفة الحق عند هيجل)، بل انه حاجة طبقية للبرجوازية، فهي تخمره مثل المخللات (الطرشي) وتقدمه على مائدة الصراع الطبقي عندما يحتدم في المجتمع ، أي الصراع بين دعاة الحرية والمساواة والتقسيم العادل للثروات وبين الطبقة التي ليس لها أي مشروعية سواء أجهزتها القمعية.

*****

وليس الصدر وحزب الدعوة وكل القوى الاسلام السياسي المتورطة اليوم بأيدولوجيتها الإسلامية بعيدة عن ازمة الهوية، وفي زاوية منها الصراع عليها، أي الصراع على هوية متهالكة بدأت تلفظ أنفاسها في عالم اليوم، وتقف عائقا جديا أمام تأمين مستلزمات التطور الرأسمالي وحاجاته. فالسوق الرأسمالية اليوم هو سوق عالمية ولا يمكن الفصل بين السوق العراقي عن السوق السعودي او الاماراتي او الصيني او الامريكي. وبحاجة هذا السوق الى ازالة كل المعوقات التي أمامها، ومنها تقنين الاسلام و ترويضه بما لا يتعارض مع التطورات الجديدة. فالطبقة البرجوازية منحت الفرصة للإسلام السياسي كي تؤمن مستلزمات التطور الرأسمالي في مصر وإيران وتونس والعراق، إلا أنه فشل في إدارة المجتمع سواء عبر فشله في احتواء الثورتين و نسيمهما أو في تخليص النظام الرأسمالي في بلدانها من مأزقها الاقتصادي، وانتصروا أو فازوا على بقية الأجنحة البرجوازية الأخرى فقط بالفساد والسرقة والنهب المنظم.
 ولا بد هنا من الإشارة الى مسألة مهمة وهي أن ما يميز السلطة السياسية في العراق عن بقية البلدان التي تحيط بها، إنها سلطة ميلشياتية، تعتاش وتمول نفسها من سرقة النفط والمحاصصة و الدواوينية. انها لا تفكر كطبقة برجوازية منسجمة تمثل نفسها وتسوق نفسها على أنها تمثل كل طبقات المجتمع الاجتماعية، وتشكل حكومة على أساسها، مثلما تفكر نفس الطبقة في الامارات او السعودية او مصر على سبيل المثال. إن الطبقة البرجوازية في تلك البلدان باتت تدرك أن الإسلام بالطريقة القديمة وبطريقة التي يدافع عنها حزب الدعوة والصدر لا يمكن أن يتطابق مع نمو الرأسمال في بلدانها وتأمين مستقبله. بينما أن التركيبة البنيوية والخصيصة المليشياتية للسلطة في العراق وغياب الدولة بالمعنى الهوياتي والقانوني والأمني والسياسي في العراق هي وراء محاولة مأزق قوى الإسلام السياسي، سواء على صعيد أزمتها الهوياتية او على صعيد معضلة نفس الهوية التي باتت غير ملائمة اليوم.  وعليه ان هذه القوى الاسلامية سواء في العراق او مصر وتونس، فهي أقرب الى جماعات المافيا من ان يمثلوا طبقة قادرة على تشكيل حكومة طبيعية تقوم بتأمين الحد الأدنى لمعيشة الجماهير، هذا ناهيك عن طبيعتها المعادية لكل أشكال الحريات وتحقيرها للإنسان ومحاولة فرض الخضوع والخنوع عليه.

بيد أن المعضلة البنيوية وحدها ليست هي كل المشكلة في مأزق هوية هذه الجماعات، فهناك معضلة اخرى تنخرها هي المعضلة الاجتماعية التي اماطت  انتفاضة أكتوبر اللثام عنها، حيث لا يمكن لقوى الإسلام السياسي الاستمرار بالحكم في العراق بالطريقة القديمة، وان كل الاعيبها ومسرحياتها واكاذيبها وتبرجها بالدين أصبحت مكشوفة. وان ما يثير الاهتمام ثم البناء عليها حيث سنشير إليه لاحقا، ان المجتمع العراقي ليس مثل المجتمع السعودي او الاماراتي وان التغييرات الحاصلة على صعيد رفع العلمانية والمدنية والتحضر بقامتها في المجتمع ليس بسبب الإصلاحات من الاعلى او من الفوق، كما جاءت في قرارات الطبقة الحاكمة في السعودية او في مصر كما جاءت في مناهج الازهر في مصر، بل إن الجذر الاجتماعي المتمدن والمتحضر والتحرري والثوري يضرب في عمق تاريخ العراق الحديث. اي بعبارة اخرى بأن من فرض التراجع على الإسلام السياسي هي القاعدة الاجتماعية، وقد حاول بجميع مساعيه هذا الإسلام السياسي عن طريق القتل والاغتيالات ورعب المليشيات واقامات المناسبات الدينية حتى في الجامعات وتغيير القوانين ومحاولة تشريع قانون العطل الرسمية التي تصل إلى ١٥٢ يوم أكثر من ٩٠٪ منها عطلة دينية وفضائياتها الممولة من جيوبنا العمال والموظفين والمتقاعدين والعاطلين عن العمل ومستفيدة من الأرضية الاجتماعية للحصار الاقتصادي والحملة الإيمانية لنظام صدام حسين، الا ان حجم فشل تلك المساعي، كان مريعا ودخل في سجل أرقام غينيس. وهذا هو سر بحث هذه القوى عن الهوية، فمرة يظهر حزب الدعوة وعموم مليشيات تحالف فتح بأنه جزء من (هوية المقاومة والممانعة) ومرة أخرى يظهر مقتدى الصدر بانه وطني عراقي و يتغنى بالوطن أكثر من تغنى اياد علاوي وحسام الرسام به، ومرة يتغنى بالإسلام واخرى بالطائفة. والأكثر سخرية في هذا المشهد، التنافس في إصدار البيانات بالدفاع عن قيم الإسلام في العراق، بينما لم يقل أي واحد منهم؛ وماذا عن قيمة الإنسان الذي سرقوه في وضح النهار و تركوه عاريا من كل شيء، وعندما يغضب فأما يقتل برصاص القناصة أو يدرج في قائمة ٤ ارهاب. وبصلة بالموضوع نفسه يشترط الإطار التنسيقي (البيت الشيعي الجديد) على أن يكون رئيس الوزراء القادم متدينا، ويقصد مثل شخصيات ورجالات الإسلام السياسي الشيعي، متفنين بالكذب والوقاحة والنفاق والرياء والمراوغة ومحترفين بأدائهم في السرقة والنهب دون ترك أية بصمات. وهذا ايضا اي ان يكون رئيس الوزراء متدينا هو جزء من الحفاظ على الهوية الإسلامية للمجتمع العراقي والقيم المجتمعية. ويدل كل هذا على حقيقة وجه الإسلام الذي يمثلوه كل هذه السنوات وهو الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والطائفي والجنسي والديني الذي مارسوه ضد جماهير العراق.
ان هذه الجماعات تحاول عبثا تجديد هويتها الاسلامية في الزمان والمكان والخطأ. إن الزمان الخطأ هو أن كل شيء بدأ يتغير حول العراق نحو التحرر والعلمانية، أما المكان الخطأ، فانتفاضة أكتوبر أعادت المجتمع العراقي الى جذورها المدنية والتحررية.
ان بيانات حزب الدعوة وتغريدات الصدر ضد حفلة محمد رمضان ليس أكثر من محاولة يائسة ومضحكة وتثير الشفقة حقا  على مساعي هذه الجماعات لإعادة الاعتبار الى هويتها الإسلامية، التي لا تختلف في ماهيتها الاجتماعية لداعش.
بالنسبة لنا نحن الشيوعيون والاشتراكيون ودعاة الحرية، علينا فضح ما وراء سياسات هذه الجماعات، وتعبئة المجتمع لإقصاء هذه الجماعات من حياة المجتمع وعبر النضال على فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم. ان هذه الجماعات مثل الدعوة والصدر ورجالات الدين  الصف الثاني العنصريين الذين فشلوا في إقناع مريدهم بهويتهم الإسلامية، فتحولوا الى عنصريين بامتياز عندما وجهوا الاهانات الى  لون محمد رمضان، فهم  يبغون من وراء كل هذه الضجة في احتكار حلم وأماني وتطلعات الانسان في العراق، عبر فرض هوية إسلامية هي نفسها متورطة بها. ولكن والحق يقال ان مدن العراق تعلم، بأن تحمل هوية تالفة وممزقة افضل من ان لا تحمل أية هوية، وانت تعبر المفارز والسيطرات الأمنية.







59
مكانة الليبرالية والديمقراطية في العراق

سمير عادل

هل هناك أية إمكانية لانتصار الليبرالية بشكل خاص والديمقراطية على العموم في العراق كتيار سياسي واجتماعي؟

بعد الانتخابات الاخيرة التي أُجريت في ١٠ تشرين الأول من هذا العام، وما زالت نتائجها محل جدل ولم تصادق عليها المحكمة الاتحادية، أي بعد ما يقارب شهر ونصف، سلط الضوء الإعلامي بشكل مخطط ومدروس على إحراز صف من “المستقلين” على عدد من المقاعد البرلمانية. وأكثر من ذلك، ازدادت الحملة الاعلامية للترويج لهم بعد تشكيل قسم منهم تحالف او ائتلاف سمي ب(الكتلة الشعبية)، وتصويرها على انهاء إحياء للتيار الليبرالي في العراق وكان رموزه حينذاك محمد حديد وكامل الجادرجي وجعفر ابو التمن، وان فجر شمس الحرية والديمقراطية الحقيقية ستشرق على العراق بعد عصر جليدي دام ما يقارب عقدين من الزمن.
وكما تحدثنا من قبل وفي مناسبات أخرى، إن إعادة الدماء إلى العملية السياسية من اولويات حكومة الكاظمي والقوى الدولية والعالمية المساندة لها، كما أن إعادة ثقة جماهير العراق بها وخاصة بعد مقاطعة اكثر من ٨٢٪ منها للانتخابات الأخيرة و للمرة الثانية، أحدى المسائل المحورية وفي صلب السياسات العملية والاستراتيجية لتلك القوى. ولهذا اصدر مجلس الامن بيانا أشاد بالانتخابات ونتائجها، إلى جانب بيان آخر أدان عملية اغتيال الكاظمي، التي كانت من الممكن في حال نجاحها نشر الفوضى ونسف العملية السياسية.
وعلى الرغم من محاولات في تعويم ما يسمى (التيار الليبرالي) بعد الغزو والاحتلال، على صف من السياسيين أمثال عدنان الباجي ومهدي الحافظ و جلال الماشطة، وقد سلموا هؤلاء  أسلحتهم مبكرا وانضموا الى صفوف نادي المحاربين القدماء، إلا أن الصراع على السلطة بين التيار الذي يريد تأسيس دولة تتجه نحو الشرق وتبتعد عن المحيط العربي وآخر يريد تأسيس دولة توجه شراعها نحو الغرب والمحيط العربي قد يبدد اماني حكومة الكاظمي وداعميها الإقليميين والدوليين في اعادة الوهج والبريق للعملية السياسية عبر الترويج لما سموه بالمستقلين والتيار الليبرالي.
وخلال الأيام الأولى بعد الانتخابات نشطت دعايات الأطراف المؤيدة للانتخابات بتوجيه اللوم والنقد والتقريع إلى الجماهير المليونية التي قاطعت الانتخابات، وأنها لو لم تقاطع الانتخابات لحصل المستقلون على اضعاف المقاعد التي حصلت عليها، وبهذا ستنتهي المحاصصة السياسية و سيقصى الإسلام السياسي خارج الحلبة، وسيعم الأمن والأمان ويقضى على الفساد. الا ان السذاجة السياسية التي تمنع دائما لفيف من المثقفين الذين يسمون أنفسهم بالليبراليين من رؤية أبعد من وقع أقدامهم، صدمت بأن العملية السياسية لا يمكن لها أن تجدد نفسها بالرغم من إحراز المستقلين ٤٠ مقعدا فيها (هذا إذا افترضنا انهم سيظلون مستقلين للنهاية وقاوموا عدم الغرق في مستنقع العملية السياسية وبيع ذمتهم ) ولا يمكن للعملية السياسية أن تولد أكثر من فأرا. وأن أساس المعضلة السياسية في العراق هي نفس العملية السياسية، ودون انهاء عمرها، فلا يمكن انتظار الخير منها، وقد أثبتت كل هذه السنوات صحة ما ذهبنا اليها.
وإذا وضعنا جانبا صراع الفائزين والخاسرين والذي سيكون في النهاية عقد هدنة بينهما وإعادة تقاسم المناصب وتشكيل حكومة على أساسها، فإن الخداع والتضليل الذي يمارسها مناصرو العملية السياسية عبر التطبيل والتزمير للمستقلين ليس الهدف منه إلا إعاقة حماسة الجماهير التي قالت لا للعملية السياسية..ولا للانتخابات، وهم مرعوبون من اشتعال شرارة انتفاضتها من جديد كما اشتعلت انتفاضة البصرة والمدن الجنوبية بعد انتخابات عام ٢٠١٨.

إن الغزو والاحتلال كسر طوق العزلة على العراق بعد حصار دام ثلاثة عشر عام وأصبح جزء من النظام الرأسمالي العالمي، وفي نفس الوقت تابعا على الصعيد الاقتصادي للدول الامبريالية، وحدد له موقع في تقسيم الإنتاج الرأسمالي العالمي وهو إنتاج النفط. واذا ما اخذنا على سبيل المثال لا الحصر ظروف وشروط عمل العمال في القطاع النفطي الذي سلم حقول عديدة منها الى الشركات الاجنبية مثل اكسيون موبايل وشيفرون الامريكية وتوتال الفرنسية وبتروجاينة الصينية واينو الايطالية و غازبروم الروسية وبترش بتروليوم البريطانية، فإن أوضاعهم لا يحسد عليها من حيث توزيع الأرباح وتفشي الأمراض السرطانية دون تغطية صحية كافية وطول ساعات العمل وسوء الطعام أو قلة دفع بدلاته و مشكلة النقل، وهي  أي ظروف العمل الأقسى عندما كانوا تحت اشراف شركة نفط الجنوب ونفط البصرة، وان الحكومة العراقية تطبق قوانينها التي صدرت في عهد نظام صدام حسين على العمال وهي منع أي شكل من أشكال التنظيم والاحتجاج . بمعنى اخر ان الحكومة العراقية تقدم كل التسهيلات القانونية لفرض اشكال من العبودية على العمال من أجل در الأرباح لصالح تلك الشركات الاجنبية، هذا ناهيك عن وجود شركات السمنت الفرنسية لافارج والشركات الايرانية والتركية في مجال التعليب والبناء والدواجن التي هي الأخرى تجد في سوق العمالة العراقية أرباحا كبيرة بسبب شروط عمل العمال القاسية.

ما نراه اليوم في العراق من وجود الحريات النسبية على صعيد الفكر والرأي والإعلام والتظاهر ليس هو نتاج تصدير الغزو والاحتلال لمفهوم الديمقراطية وتأسيس نظام برلماني نصفه قائم على المليشيات، إنما هو  نتاج عدم قدرة التيارات السياسية القومية والاسلامية من حسم موضوعة السلطة فيما بينها. وإذا ما دققنا قليلا فإن حزمة القوانين التي مررت مثل حرية التعبير والحريات النقابية وعدد من مشاريع قوانين جديدة التي لم تمرر في البرلمان مثل الأمن الإلكتروني  وغيرها  تعبر عن خطة سياسة وبرنامج عمل على الصعيد الاستراتيجي لتنظيم القمع وفرضه على المجتمع من قبل الطبقة الحاكمة. وان شكل النظام السياسي وماهيته في العراق ليس فقط لا يتعارض مع مصالح القوى الامبريالية العالمية بل الاخيرة تسانده بكل ما أوتي لها من قوة. اي ليس لديها أية مشكلة مع نظام المحاصصة القومية والطائفية كما اسلفنا من قبل في مقال مفصل ( التعمية وإخفاء الصراع الطبقي في المشهد السياسي العراقي). وقد عبر هذا النظام وعبر العملية السياسية على أنها غير متسامحة ابدا مع اي شكل من أشكال الحريات. فمنذ انتفاضة شباط ٢٠١١ وبعد ذلك تظاهرات تموز ٢٠١٥ ثم احتجاجات المدن الجنوبية في ٢٠١٨ وما بينهما تظاهرات المنطقة الغربية في ٢٠١٣، واخيرا وليس اخرا  قتل اكثر من ٨٠٠ شاب في عمر الزهور في انتفاضة أكتوبر عام ٢٠١٩، فلقد غض الطرف عن قتلتهم عبر مساومة حقيرة بين أطراف العملية السياسية، يكشف عن أن شمس الديمقراطية بالمفهوم الليبرالي ليس أكثر من تسجيل حضور لساعات في شتاء قارص. ولم تبدِ الدول التي تمتلك شركات عاملة في العراق وهي الدول الامبريالية العالمية أكثر من قلقها على المتظاهرين والمطالبة بضبط النفس من قبل القوات الامنية، والادعاء الفارغ من المحتوى بانها تحترم حق التظاهر، باستثناء انتفاضة أكتوبر التي صدرت خلالها الدول الغربية بيان ادانة لقمع المتظاهرين ضمن لعبة توازن القوى التي كانت لغير صالحها عندما كانت حكومة عبد المهدي تمثل مصالح النفوذ الإيراني في العراق.
وان كل ما تريدها الامبريالية العالمية في تصدير الديمقراطية الى بلدان تابعة لها، هي حصرها بآلياتها الشكلية؛ وهو صندوق الانتخاب وحق الاقتراع او التصويت ليصب بالأخير بالتبادل السلمي للسلطة وليس أكثر من هذا. وفي حالات كثيرة ترفض أمريكا وحلفائها نتائج التصويت اذا وجدوا ان الفائز بتلك الانتخابات طرف مناهض لمصالحها السياسية والاقتصادية كما شاهدناه في العديد من البلدان.
أي إذا تجاوزنا مفهوم الديمقراطية والليبرالية ووسعنا من حدودها، وليس كما حاول الاحتلال تأطيرها وفشل في ترسيخها، و معطياتها المادية هي المقاطعة العظيمة للانتخابات وخلال ثلاث سنوات ولمرتين، نقول اذا تجاوزنا تلك المفاهيم  الى الحريات السياسية  وحرية التعبير والرأي والمعتقد والحقوق المدنية والمساواة، فإن حصة أرباح الشركات الأجنبية تنخفض، لأن القاعدة القانونية والسياسية والاجتماعية للمطالب العادلة ستتسع وتتحول مقولة الحرية والحق بالعيش الكريم والرفاه والعدالة والمساواة الى عقلية جمعية ووعي في المجتمع، وستتحول إلى حركات تنتزع حقوقها وتسجل انتصاراتها، وعلى الامبريالية العالمية تقديم تنازلات من أرباح شركاتها، وأنها بدورها ستقل ايضا من أرباح الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق التي هيأت  ظروف الاستثمار والاستغلال في العراق.

أن الليبرالية كنظام اقتصادي، بدء يرى النور في العراق، وليس الورقة البيضاء التي أسست للموازنة الا تتويجا رسميا لليبرالية الاقتصادية وإنهاء الجدل حولها بعد طول تردد من الحكومات السابقة في تبنيها. أما على الصعيد السياسي، فإن الليبرالية ليس أكثر من إضفاء الشرعية على العملية السياسية وترسيخ سلطة رأس المال وبغض النظر عمن يمتلكه، سوى جاء بالفساد والاستحواذ أو بالاستثمار واستغلال الطبقة العاملة. وان متطلبات الاستثمار في السوق العراقية بحاجة الى قمع سياسي والى القوانين التي ذكرتها لتأمين مصالح الشركات والدول والطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق. اما (التيار الليبرالي) وهو التسمية التي يحاول أن يطلق الحالمون الليبراليون الجدد على المستقلين أو (الكتلة الشعبية)، فدورهم لن يكن أكثر من محاولة فاشلة في مسح آثام العملية السياسية، في الوقت الذي تحتاج الى  إنهاء عمرها.

60
دولة على مقاس الصدر.
سمير عادل
دعوة الصدر إلى حل جميع الفصائل المسلحة، والمبادرة إلى حل ميلشياته (لواء اليوم الموعود)، ليس إلا خطوة نحو بناء الدولة التي فشل المالكي في تأسيسها عشية تسليمه ثلث مساحة العراق الى عصابات داعش. الا ان الفارق الوحيد بين دولة الصدر ودولة المالكي هو (اتجاه) الدولة الجديدة. اي بشكل اخر نقولها؛ هل هي باتجاه ايران او باتجاه ما يسمى بالمحيط العربي والغرب. الصدر يريد توجيه شراع الدولة تجاه المحيط العربي والغرب عموما وتحت عنوان الحفاظ على سيادة العراق واستقلاله، بينما كان المالكي ومازال ذراعه المليشياتي المتمثل بفتح والفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي يريد توجيه شراع الدولة نحو إيران. وليس الكاظمي الا ممثل اتجاه الصدر وتلميذه المخلص وهذا كان سر محاولة اغتياله كما اسلفنا من قبل.
 
لا شك ان الصدر وتياره يبغيان إعادة تأسيس الدولة بالمفهوم القانوني والأمني و الهوياتي، تشكيل جهاز واحد يقضي على التشرذم السياسي بين الأجنحة المتصارعة على السلطة السياسية، وتوحيد صفوف الممثلين السياسيين للطبقة البرجوازية الحديثي النعمة في العراق، تلك الطبقة وممثليها التي جاءت عبر حراب الغزو والاحتلال، واستفادوا من نعمه سواء عبر التعاون معه أو عبر ما سمي بمقاومته، ولكن بالنتيجة عرف الجميع من أين تؤكل الكتف.
 
من ينظر إلى دعوة الصدر للوهلة الاولى الى حل المليشيات، مع الحفاظ على كيانها وشرعيتها وهو الحشد الشعبي، تدغدغ صدره مشاعر البراءة التي يظهرها الصدر. بيد أن هذه المبادرات  مليئة بالخبث السياسي، ولعبة يحاول أن يمررها على جماهير العراق ويذر الرماد في عيونهم، في حين لا يمكن تمريرها على إخوته الأعداء من بقية القوى الشيعية المليشياتية، وهذا هو سر رفض دعوة الصدر فورا  من قبل تلك الفصائل في حل المليشيات وتسليم سلاحها الى الحشد الشعبي.
 
إن دعوة حل المليشيات من قبل الصدر هي ورقة سياسية يحاول اللعب بها ومسعى لإعداد إحدى سيناريوهات  بالتعامل مع القوى الرافضة لنتائج الانتخابات. وتعتبر أي حل المليشيات جزء من التعبئة السياسية والجماهيرية والدعائية  لتقليم أظافر الميليشيات المتنافسة مع مشروعه المدعوم أمريكيا وخليجيا وعربيا. وهذا يصب ايضا في الكذبة التي يروجها الصدر بتشكيل ما يسمى حكومة أغلبية وطنية التي لا تتجاوز الجعجعة الاعلامية من الناحية الشكلية، وتصب في نفس السيناريو الذي يعد له التيار الموالي لأمريكا و يتزعمه الصدر هذه المرة، لإقصاء التيار الآخر بشكل نهائي من السلطة وهو المدجج بسلاح المليشيات ويحمل هوية المقاومة والممانعة. والصدر يدرك أكثر من غيره أن العملية السياسية قائمة على المحاصصة،  فدون القوى القومية الكردية والعروبيين الذي يتزعمه اليوم الحلبوسي اليوم  بدلا من علاوي والمطلك بالأمس ، ومنح الحصص للبيت الشيعي الذي التحم تحت مظلة الإطار التنسيقي ويقوده المالكي، فلا حكومة تقوم لها قائم في العراق. وأن الجميع وخلال هذه السنوات استثمرت سياسيا في المليشيات لتدر عليها استثمارات اقتصادية ومالية، اي الغنائم الاقتصادية والمالية عن طريق الاموال المنهوبة؛ من شركات الاتصالات والاستيراد والتصدير والدواجن والسمنت والمصافي واسواق الجملة والبنوك والنقل، والاستحواذ على الأراضي وإقامة المشاريع الزراعية عليها مثلما حدث في جرف الصخر وحزام بغداد والموصل وديالى، نقول لا يمكن الحفاظ على كل تلك الامتيازات دون قوى ميلشياتية، لأن جميعها ليس لها أي سند قانوني وشرعي سوى فرضها كأمر واقع بسلاح القوى المليشياتية المغتصبة. والصدر يعي  بشكل جيد إن حكومته المقبلة التي يريد تشكيلها ستعمل على تأسيس دولة على مقاسه ووفق الاسس التي بناها في الاجهزة الامنية التي استحوذ  على مناصب فيها وتغلغل خلال سنوات فيها حسب مبدأ المحاصصة للاستحواذ على ما يمكن استحواذه عبر تنحية خصومه من التيار الآخر، وهو يخشى منه، وحاولت ميلشياته تصفيته،  عندما قام بمحاولات تجيير انتفاضة اكتوبر وقيادة نزعتها المعادية لولاية الفقيه والجمهورية الإسلامية وهيمنتها القومية على العراق، وعبر مسيرة أو طائرة دون طيار مثلما حدث لممثله الكاظمي.
 
الدولة التي يريد تشكلها الصدر هي دولة قمعية سافرة، دولة تجيز قتل المعارضين والمخالفين بحجة حماية الإسلام والطائفة والوطن، دولة جٌرَّبِتّ ايام الحرب الطائفية، عندما قامت بالتطهير الطائفي وتحولت منطقة السدة في مدينة الثورة الى مقبرة جماعية، وكانت الاسماك تنتظر المن والسلوى، تنتظر كل يوم حصتها مما اغدقتها سماء العراق الطائفية من جثث في مياه دجلة لتتغذى عليها، دولة معادية للنساء وحقوقهن حتى النخاع، الن يهتز الصدر في ايام الانتفاضة عندما ارتفعت صوت المرأة فيها، ليتحفنا بدعوته بفصل الذكور عن الاناث، دولة تعادي العمال وتمنع كل اشكال الحريات والتنظيم في القطاع العام، دولة مطاطية الهوية؛ وحسب مصالح الصدر وتياره، فمرة شيعية ومرة اسلامية واخرى وطنية استبدادية. الم يقول لنا في لقاء مع الهيئة السياسية للتيار عشية الانتخابات، أن ثوابته الإسلام والطائفة والوطن، دولة تفرض الضرائب على رواتب العمال والموظفين والمتقاعدين، وعلى الاتصالات والمحروقات، دولة تتنصل من مسؤوليتها تجاه المجتمع، فهي مؤيدة وبشكل سافر لخصخصة التعليم والصحة والخدمات. هذه هي الدولة التي لها مشتركات مع دولة محور الإجرام والفساد الذي يسمي نفسه بمحور المقاومة والممانعة.

ما يهمنا نحن، أي كان تجاه شراع الدولة، فلا خبز لنا فيه، لأننا كعمال وكادحين ومحرومي هذا المجتمع ندرك أن كل محاولات إعادة تشكيل الدولة سواء بالمعنى المالكي-فتح أو الصدري-الكاظمي، لم تكن حرابها الا موجهة نحو صدورنا، لأننا ببساطه طالبنا بالحرية والمساواة، طالبنا بإنهاء العملية السياسية القائمة على أساس المحاصصة القومية والطائفية، طالبنا بدولة المواطنة، دولة ذات هوية علمانية وغير قومية تعرف البشر في العراق على اساس الهوية الانسانية، طالبنا بحل المليشيات بما فيها الحشد الشعبي ومليشيات الصدر جزء منه والذي يستحوذ على ملياري دولار سنويا من موازنة الدولة دون وجه حق، ووظيفته الوحيدة هي الحفاظ على الامتيازات التي ذكرناها، وبدلا من ذلك أنفاق موازنتها على ضمان بطالة وتأهيل المصانع والمعامل لتوفير فرص العمل ل ١٢ مليون عاطل عن العمل حسب ارقام وزارة التخطيط. فهم بجميع تياراتهم ومن أجل الحفاظ على ما سرقوه منا، ذهبوا في إشعال حرب طائفية مرة، ومرة اخرى مارسوا الظلم الطائفي للاستفادة من خيراته، و جلبوا لنا داعش، واخيرا وليس اخرا اطلقوا دواسة مليشيات القبعات الزرقاء وسرايا السلام الى جانب مليشيات محور المقاومة والممانعة لتقتل أكثر من ٨٠٠ شخص منا، وما زال قتلة المتظاهرين يطلقون المبادرات بحل المليشيات، بدلا من محاكمتهم.  وما زال يتحدثوا لنا دون اي حياء او خجل عن استقلالية العراق، والآخر يتحدث عن العزة والكرامة في مقاومة الامريكان، والكل يتفق على مسالة واحدة ولا اختلاف فيها وهي الورقة البيضاء وتشكيل جهاز لقمع كل من تسول نفسه الحلم بالمساواة.

61
التعمية وإخفاء الصراع الطبقي في المشهد السياسي العراقي

سمير عادل
 

بيان مجلس الأمن الدولي عن الانتخابات التي جرت في ١٠ تشرين الأول يكشف عن مسالة واحدة لطالما تم التغاضي عنها أو عدم الاكتراث لها، وهو اضفاء الشرعية على الانتخابات و مسعى لتدارك أية ضربة استباقية لمن يحاول تعكير صفو استمرار العملية السياسية. وهو أي البيان رسالة واضحة، بان لا بديل للتغيير في العراق الا عبر صناديق الانتخابات وبصورة شكلية بحيث لا تمس الامن الاقتصادي العالمي، الذي يتلخص بعدم زعزعة موقعية العراق في تقسيم الانتاج الرأسمالي العالمي الذي يعني صناعة النفط. وبشكل آخر يقول بيان مجلس الأمن  ان العملية الديمقراطية  لن تتجاوز صناديق الانتخابات لإعادة انتاج البرلمان وهي قدر الجماهير في العراق وعليها ان تقبل بها. وليس مهما نسبة المشاركة في الانتخابات حتى لو قاطعتها اكثر من ٨٢٪ من الجماهير، فالمهم هو نفس العملية الانتخابية. وهذه هي رسالة ذات شقين، الأول أن البديل البرجوازي في العالم  هو البرلمان، وعبر انتخابات هي من تضع قواعدها سواءً على صعيد الانفاق المالي أو على الصعيد الامني او على الصعيد الاعلامي مع الاختلاف بدرجات كل واحد حسب أوضاع البلدان التي تجري فيها الانتخابات. أما الشق الثاني هو الحيلولة دون اندلاع انتفاضات وثورات تقلب كل المعادلة السياسية. فأكثر ما تثير الرعب في قلب الطبقة البرجوازية هو الانتفاضات والثورات كما راينا في الثورتين المصرية والتونسية التي جاهدت جميعها كطبقة موحدة لقلبها وتشويهها وتحريف مسارها وتحويلها الى صراعات طائفية وفي بعض الاحيان اذا اقتضت الضرورة الى حروب اهلية عبر فتح أبواب الاقفاص لإخراج كل الجماعات الاسلامية الارهابية في المنطقة مثلما شاهدناه في ليبيا وسورية واليمن. وعلى الجانب الآخر  يبين بيان مجلس الامن هو سعي الاقطاب الرأسمالية العالمية في مجلس الأمن لخلق الاستقرار السياسي والامني في العراق كي يكون  مدخلا لاستقرار المنطقة وبالتالي تأمين مستلزمات دوران رأس المال.
تشكيل حكومة الاغلبية وبعيدا عن المحاصصة أكبر كذبة في الموسم الجديد لتدشين المشهد السياسي بعد انتخابات اقل شعبية من انتخابات ٢٠١٨، فالعراق الذي قسم بدعم السياسة الأمريكية الى مناطق نفوذ ميليشياتية لن تتشكل فيه أية حكومة اغلبية برلمانية بالمعنى الديمقراطي. ومقتدى الصدر الذي يتحفنا كل يوم بأنه سيشكل حكومة الاغلبية عبر تشكيل الكتلة الاكبر في البرلمان لن يقوم له قائم بدون القائمة القومية الكردستانية والقائمة (السنية) العروبية، والتي تعني تقسيم المناصب الحكومية حسب المحاصصة بين تلك الكتل، وبخلاف ذلك لن يكن هناك كتلة اكبر.
ومن خلال هذه الزاوية يجب النظر الى مسألتين استحدثت على المشهد السياسي، الاولى هي الصرخات التي تتعالى من تحالف المليشيات بقيادة فتح وعموم ما يسمى البيت الشيعي الذي توحد تحت عنوان الاطار التنسيقي. فكل التصريحات والاحتجاجات وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات والضجيج والفوضى الذي تحدثه في قطع الطرق واقتحام المنطقة الخضراء، مردها، هي المحاولة بالحفاظ او في افضل الاحوال على إنقاذ ما يمكن انقاذه من حصصهم السياسية والمالية والادارية والعسكرية. فهم يدركون أفضل من غيرهم أن نتائج الانتخابات لن تتغير، وهم ادرى بطرق مكة وشعابها أي بدهاليز التزوير ومسالكها، وان حرق صناديق الانتخابات كما فعلوا في انتخابات ٢٠١٨ لن تنفعهم هذه المرة. أما المسألة الثانية هي إذكاء نيران الطائفية في أي بقعة من العراق، وكانت مدينة المقدادية في محافظة ديالى فرصة لافتعال حريق طائفي في المنطقة (مثل حرائق المستشفيات والمزارع) من قبل مليشيات فتح عبر سياسة التهجير ومحاولة لإنتاج التظلم الشيعي للإبقاء على حصصهم في الحكومة الجديدة. فبعد فشل ترويجهم لهوية “المقاومة والممانعة” وعدم إيجاد سوق لها، ذهبت تلك المليشيات التي يقودها هادي العامري في استغلال الجريمة المروعة التي ارتكبتها عصابات داعش في قرية (نهر الامام) لطرح هويتها التالفة القديمة في المشهد السياسي بعد هزيمتها في الانتخابات.
وهذا يقودنا ان الجناح الولائي اي جناح مليشيات الحشد الشعبي تحت مظلة فتح، يبحث عن مصالحه السياسية والاقتصادية بعيدا عن مصالح ايران. ان الصراع على السلطة يحتدم كل يوم في العراق، وليس صحيحا اختزال هذا الجناح وكل ممارساته السياسية والعملية بعمالتهم لإيران. إن هذا الاختزال هو سياسة دعائية للتيار القومي العروبي والوطني المدعوم من أمريكا والسعودية والامارات ومصر والاردن لتقويض مكانة التيار الولائي اجتماعيا لتوجيه ضربات سياسية وامنية له  دون ترك اية بصمات او إسقاطه دون احداث اي صوت مدوي له. وهي في نفس الوقت سياسة من شأنها التعمية على ماهية الصراع السياسي بين هذه الاجنحة في صفوف الجماهير وعموم المجتمع، وتحويل الصراع بين العمال والكادحين ومحرومي المجتمع وهذه الطبقة الفاسدة المدعومة سواء كان ايرانيا او امريكيا الى صراع قومي ووطني من أجل ما سمي بسيادة العراق، في الوقت الذي كانوا جميعهم لم يقٌم لهم قائم دون انتهاك سيادة العراق وتحويله الى مرتعا سياحيا لوكالات المخابرات الاقليمية والدولية وفرق الموت وجيوش المنطقة.
ان الصراع على السلطة بين الجناح الإسلامي-المليشياتي المدعوم من إيران وبين الجناح القومي المحلي المدعوم من أمريكا وحلفائها العرب هو صراع على ادارة مصالح رأس المال وتأمين مستلزمات الربح عبر فرض نظام سياسي واجتماعي بمحتوى استبدادي مع الحفاظ على الديمقراطية من الناحية الشكلية. وكلا الجناحين متفقان، بأن الحفاظ على موقعية العراق في صناعة النفط وفي نفس الوقت فتح اسواقه لن يكون الا عبر الورقة البيضاء التي روجت لها حكومة الكاظمي واشتقت منها قانون الموازنة الذي يعني توسيع مساحة الفقر والعوز. اي ما يتم اخفائه في هذا التكالب على السلطة هو الوجه المعادي لهذين الجناحين مع المصالح الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة والاغلبية المطلقة المحرومة من جماهير العراق. والمضحك في هذا الصراع على السلطة، فكلا الجناحين يحاولان إخفاء ماهيتهما في السلب والنهب عبر الاحتماء: اما بالهوية الطائفية كما في حال جناح الحشد الشعبي-فتح او بالهوية القومية وما يسمونها بالمحيط العربي كما في حال -تيار الكاظمي-الصدر. وإذا كان مشروع الأول هو المقاومة والممانعة وطرد القوات الاجنبية ومواجهة الكيان الصهيوني لإدامة فسادها وظلمها، فان مشروع الثاني هو الاصلاح، والذين يعني تقويض حصة منافسه الأول عبر شعارات شعبوية خالية من اية برامج اقتصادية وسياسية تحقق الحد الادنى من الحرية والمساواة والرفاه.
ان كل اشكال الصراع بين هذه الاجنحة على السلطة ومواقف الاقطاب الرأسمالية العالمية وتغليفه بهويات طائفية وقومية وحقوق الإنسان والديمقراطية، لديها وظيفة واحدة وهي إخفاء ماهية الصراع الطبقي، والحيلولة دون نهوض صف جماهيري يتقدمه العمال براية مستقلة و بهدف تحقيق الحرية والمساواة  ضاربا بعرض الحائط كل الترهات القومية والطائفية وبيانات مجلس الأمن وقلق الامين العام للأمم المتحدة على اوضاع العراق.

62
ما وراء اغتيال الكاظمي
سمير عادل

لم يكذب ولاول مرة هادي العامري زعيم تحالف مليشيات الحشد الشعبي بأن هناك طرف ثالث وراء المحاولة الفاشلة لاغتيال الكاظمي صباح يوم أمس الأحد. والطرف الثالث هو نفس الطرف الذي قام بقتل متظاهرين انتفاضة تشرين/اكتوبر، مع فارق واحد هو أن المجني عليه في هذه المرة هو الكاظمي الذي قفز من سفينة الطرف الثالث في الوقت المناسب ووقف ضد مشروعه وهو مشروع تأسيس دولة الإسلام السياسي الشيعي على غرار دولة ولاية الفقيه في ايران.
محاولة اغتيال الكاظمي اكبر من مما تقوم وتفكر به  ما تسمى بالمليشيات الولائية التي في اقصى ما تذهب إليه القيام بالاغتيالات الجبانة للناشطين وفعالي انتفاضة اكتوبر او استغلال مناصبهم الحكومية للصعود على اسطح الابنية لاقتناص المتظاهرين، فأعمال هذه المليشيات لا تخرج من دائرة عصابات المافيا. اي بعبارة اخرى ان محاولة الاغتيال تقف ورائها مخابرات دولة لها إمكانيات كبيرة على الصعيد اللوجستي والاستخباراتي والعسكري، ولربما وظفت واحدة من تلك المليشيات او عناصر منها كي تكون ادوات تنفيذ في عملية الاغتيال، وليس أكثر من ذلك.

ان الترويج لمحاولة اغتيال الكاظمي  بذريعة انتقامية او بحجة تزوير نتائج الانتخابات التي جاءت بما لا تشتهي سفن جناح الاسلام السياسي الشيعي، هو تصور سطحي ومن شأنه تضليل الجماهير التي خرجت في انتفاضة عظيمة لتطالب بالحرية والمساواة ودولة المواطنة، ودفعت ثمنا غاليا من دمائها على يد الطرف الثالث، وهي نفس الجماهير التي غيرت شكل نضالها عبر مقاطعتها المليونية للانتخابات، وقالت كلمة فصل بالعملية السياسية ومجمل النظام السياسي - الاجتماعي المجرم والفاسد. ولا يقف ذلك التصور السطحي عند هذه الحدود، بل من شأنه تتويج الكاظمي بطلا قوميا ورمزا وطنيا من اجل تمرير كل المظالم الاقتصادية وتوسيع مساحة الفقر وطمس ماهية النظام العازم على ترسيخه في العراق، وهو نظام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، نظام الليبرالية الجديدة الذي فشل بول بريمر في تأسيسه في العراق، النظام الذي غض  الطرف عن كل قتلة متظاهري انتفاضة اكتوبر وتحت عنوان ومبررات سخيفة بأنه منع الحرب الاهلية، وكان يمسك بمزماره ويراقص الثعابين كما قال في لقائه مع احدى القنوات الاعلامية. ولن يرى النظام الذي يريد الكاظمي تأسيسه النور دون فرض الاستبداد والقمع، وقد رأينا تباشيره تلوح بالافق عندما غض الطرف عن مليشيات الصدر وهو يقوم بالهجوم على متظاهري ساحة الحبوبي في الناصرية وفي ساحة الصدرين في النجف وفي ساحة التحرير في بغداد، وراينا كيف هاجمت قواته الامنية، الاحتجاجات الجماهيرية من اجل مطالبها العادلة.
لنعود الى محاولة اغتيال الكاظمي، والتي تذكرنا بأغتيال رفيق الحريري في بيروت عام 2005، ولكن كانت بآلية مختلفة، وهي تفجير سيارات مفخخة عند مرور موكبه، بينما تم محاولة اغتيال الكاظمي الفاشلة بمسيرات مفخخة بهجوم منسق على منزله في الساعات الاولى من الصباح.
ان السياسة التي وقفت خلف قتل الحريري هي نفسها في محاولة اغتيال الكاظمي مع فارق زمني. وتلك السياسة كانت وراء احباط مشروع رجلين يمثلان تيار سياسي واحد.  كان مشروع الحريري  هو محاولة لفك الارتباط بين لبنان وما سمي بمحور “المقاومة والممانعة” اي محور ايران-سورية في المنطقة وبناء دولة قومية مرتبطة بالمحور العربي، وبدعم من  الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وهو نفس مشروع الكاظمي الذي أسس له على أكتاف انتفاضة اكتوبر. لقد تم اغتيال الحريري في وضح النهار بينما فشلت عملية اغتيال الكاظمي.
على اثر ضربات انتفاضة أكتوبر فرض التراجع على مشروع دولة الاسلام السياسي الشيعي ، المرتبطة عقائديا وسياسيا واقتصاديا مع دولة آلام في ايران، وهذا هو سر كراهية كل جماعات الإسلام السياسي الشيعي ومليشيانها للتشرينيين، فتحت ضربات معاولهم تكسرت هيبة واعتبار تلك الجماعات وتقهقرت اجتماعيا، واتت الانتخابات لتفرض عليها خطوة اخرى بالعودة الى الوراء.
إن محاولة الاغتيال، كان يبغي من ورائها ايقاف عجلة تقدم المشروع القومي الذي يمثله الكاظمي، بدءا من مشاريع الاستثمار السعودي والاماراتي  بقيمة ٣ مليار دولار لكل واحد منها وربط الكهرباء بالخليج، والمشرق الجديد مع الأردن ومصر، وتقوية الشراكة مع فرنسا والولايات المتحدة الامريكية، و توجت كل خطوات الكاظمي تلك بعقد قمة التعاون والشراكة في بغداد عشية الانتخابات. وتكشف بيانات الادانة التي صدرت ضد محولة الاغتيال وخاصة من قبل السعودية والإمارات ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومصر، اضافة الى الاردن التي عرضت خدماتها الاستخباراتيه تحت إمرة الكاظمي للتحقيق، عن مدى عمق وتقدم المشروع الذي يمثله الكاظمي على حساب المشروع القومي الايراني بشكله الاسلامي وبعده السياسي في العراق والمنطقة. لقد كان يرمى من وراء سيناريو الاغتيال التخلص من الكاظمي اولا، وبعد ذلك  ينتشر الفوضى السياسية والامنية، ومن ثم تتقدم مليشيات الحشد الشعبي للسيطرة على المفاصل الحكومية والامنية تحت عنوان الحفاظ على الأمن وإحباط المؤامرة الامريكية على العراق، ليتبعه إلغاء نتائج الانتخابات أو تجميدها وترحيلها الى اشعار اخر، وبالتالي جر الانفاس ولينتهي بايقاف المنحني التنازلي للمكانة السياسية للإسلام السياسي الشيعي والمشروع القومي الايراني ونفوذها في العراق، كان هذا هو السيناريو الاكثر احتمالا، الذي اعد له بعقلية استراتيجية وجهنمية لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، ونقصد عقارب مشروع الاسلام السياسي الشيعي المتمثل بدولة القانون-مليشيات الحشد الشعبي الذي يخدم بالتالي الحفاظ على النفوذ الاقليمي الايراني في العراق.
وفي خضم هذه الاوضاع، فان ما يثير الضحك هو وضع “محور المقاومة والممانعة” الذي لا يحسد عليه. فإذا ما نجحت عملية اغتيال الكاظمي، فكان خيرا بها وهي من اجل انقاذ مشروع المقاومة والممانعة، وإذا ما فشلت فكما نراها ونسمعها فالغاية هي فبركة عملية الاغتيال كما سماها الخزعلي وحزب الله على سبيل المثال هي من أجل ضرب المقاومة والممانعة. وهذا يقودنا ان الطرفين سيستفيدون من المحاولة الفاشلة للاغتيال خلال الأيام القليلة القادمة، فالكاظمي سيقدم نفسه بأن حياته مشروع “بناء وطن”، وسيزيد حظوظه إقليميا ودوليا ومحليا في اختياره لرئاسة الوزراء ، بينما سيستغل الجناح الاخر المشهد السياسي بعد الاغتيال لإعادة انتاج خطابه المتهرئ والتأكيد بأن كل ماجرى من فبركة هي من أجل تمرير تزوير الانتخابات وأنها تعرضت الى مظلومية سافرة، وإن قدر الشيعة هو حياكة المؤامرات عليهم محليا ودوليا، لإجهاض مشروع المقاومة والممانعة الذي تقوده في المنطقة.

ان من يدفع ثمن هذه الفوضى هو المجتمع، هو من أمن وسلامة الجماهير، وستطلق يد القوى الأمنية في قمع اية احتجاجات جماهيرية خلال المرحلة المقبلة من أجل المطالب العادلة مثل فرص عمل وتوفير الخدمات والضمان الصحي ومواجهة مشروع قانون الامن الإلكتروني والضمان الاجتماعي وتخفيض سعر المواد الغذائية ..وتحت عنوان فرض القانون . وها هي ترتفع الاصوات لدعوة سيطرة الجيش على مقاليد السلطة في العراق بشكل مباشر وغير مباشر بدءا من اشادة الكاظمي بالقوات الامنية (البطلة)
 كما سماها التي أسقطت مسيرتيين من أصل ثلاثة التي استهدفت منزله، ومرورا بدعوة الصدر لنزول الجيش وانتهاءا بتصريحات عدد ليس قليل من السياسيين الموالين للكاظمي. وتصب هذه الدعوات من اجل تعبئة الرأي العام لتقليم أظافر المشروع المناهض للتيار القومي الذي يمثله الكاظمي ومحاولة لدحره بشكل نهائي.
ان تداعيات اغتيال الكاظمي ستلقي بظلالها الامني والسياسي على الاوضاع السياسية والامنية، و سيخيم بشكل مخطط ومدروس أجواء من الضبابية على ذهن المجتمع مفادها بان ما حدث أي عملية الاغتيال هي صراع بين من يرفع راية الأمن والأمان ومحاربة الفساد والقضاء على المليشيات وبين قوى تدار عبر ريموت كونترول من خارج العراق وتريد الخراب وانتهاك سيادته. الا ان الحقيقة التي تحاول كل الاطراف اخفائها هي أن الصراع هو بين جناحين على السلطة في العراق وليس له اية علاقة بتحقيق الحرية والمساواة والرفاه، وكانت الورقة البيضاء وهي الرؤية الاقتصادية لحكومة الكاظمي هي افضل مثال.

63

اليسار ومكانة التيار الاشتراكي فيه
سمير عادل


اليسار لا ينتمي بالضرورة إلى الاشتراكية أو إلى الشيوعية، بينما الشيوعية والاشتراكية تنتمي بالضرورة إلى اليسار، وسوف نوضح الالتباس الحاصل بين اليسار والشيوعية والدعوات الموسمية المتصاعدة بين الحين والآخر حول توحيد اليسار عند تصاعد منحنى انسداد الافاق وضياع البوصلة السياسية والشعور باللاحول ولا قوة، وخاصة في فصل الحصاد السياسي مثل الانتخابات وتفاقم الأوضاع الامنية وصياغة مشاريع قوانين معادية للإنسانية تخدم مصالح التيارات البرجوازية سواء كانت إسلامية أو قومية أو الديمقراطية التي تتغنى بالنموذج الأمريكي.


لقد بينّا في مناسبة أخرى وفي موضوع مفصل تحت عنوان (لأي يسار ننتمي- مقولة اليسار بين البرجوازية والبرجوازية الصغيرة)، كما أوضحنا أيضا وأكدنا في الندوة التي أقامتها قناة (البصرة ديرتنا) على منصة (الزوم) حول مفهومنا لليسار، إلا أننا سنشرح هنا على أية أرضية اجتماعية تقف أطروحة (توحيد اليسار)، وكيف نمضي بالمجتمع نحو انعطافه لليسار بشكل نهائي، ونلحق الهزيمة على الصعيد الفكري والسياسي والاجتماعي باليمين الرجعي، المتمثل بالتيارات القومية والإسلامية على صعيد الحقوق والحريات وسن قوانين تعيد الاعتبار والكرامة للإنسان والمساواة القومية والدينية والطائفية والجنسية على جميع الصعد.

لا شك أن المجتمع العراقي انعطف نحو اليسار خلال انتفاضة أكتوبر و ما بعدها، والمعطيات المادية على ذلك تمثّلت بنزول الملايين من العاطلين عن العمل إلى ساحات وميادين الانتفاضة تطالب بفرصة عمل، وباقتحام المرأة تلك الميادين إلى درجة بث الرعب في قلب التيار الصدري، ليفتي زعيمه مقتدى بالفصل بين الذكور والإناث في الساحات، وكان جوابهن عليه (شلع قلع والكالها وياهم)، واكثر من ذلك، إذ فرض التراجع السياسي والاجتماعي على عموم الإسلام السياسي بولائيه ووطنيه، لينتهي بخضوع الجناح الموالي لولاية الفقيه وعلى المضض بشخصية غير ملوثة ــ على الأقل بالعلن ــ بسمعة الإسلام السياسي، لرئاسة الوزراء للحفاظ على العملية السياسية من قبضة الانتفاضة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهنا نلاحظ أنَّه ولأول مرة يفقد الإسلام السياسي الشيعي، السلطة التنفيذية منذ حكومة إبراهيم الجعفري عام ٢٠٠٥ حتى السقوط المدوي لعبد المهدي تحت ضربات الانتفاضة عام ٢٠٢٠، ورفع شعارات معادية للطائفية والإسلام السياسي وحرق مقرات عشرات الأحزاب والمليشيات الإسلامية، حتى تعالت صيحات الصدر و الولائيين بالحذر من العلمانيين والملحدين وتهديدهم.. اي بمعنى آخر فإنَّ المجتمع العراقي وتحديدا تياره المتمدن والمتحضر، قال كلمة فصل تجاه كل تخرصات القوى الإسلامية التي تقول بأنَّ المجتمع العراقي مجتمع إسلامي أو أنَّ أغلبيته مسلمة ومن ثمّ يجب فرض الأسلمة عليه عبر توجيه البنادق إلى الصدور او وضع فوهات المسدسات على الرؤوس.
وفي هذه الانعطافة اليسارية في المجتمع يلاحظ ضعف مكانة واقتدار الماركسية وعموم التيار الاشتراكي والشيوعي فيها. وكما قلنا سابقا فإنَّ ضعف التيار الاشتراكي في صفوف الانتفاضة، وعدم تسلح فعاليها و نشطائها بالفكر الاشتراكي، وغياب القسم المنتج من الطبقة العاملة الذي يعني ضعف التيار الاشتراكي في صفوفها، أدى بالتالي إلى أنَّ الخيار الاشتراكي الذي طرح في الانتفاضة والسياسة التي طرحها التي تمثَّلت (بإنهاء عمر العملية السياسية، تأسيس حكومة تسند على الإرادة الحرة للجماهير، وبرنامجها تحقيق الحرية والمساواة والأمان والذي يتلخص بحل المليشيات بما فيها الحشد الشعبي، تقديم قتلة المتظاهرين إلى المحاكم العلنية، توفير فرصة عمل او ضمان بطالة، تحقيق المساواة وإنهاء كل أشكال التمييز الجنسي والقومي والديني والطائفي)، نقول لم يحظ هذا الخيار بمكانة وقيافة واعتبار ولم يكن من بين الخيارات السياسية  أمام الانتفاضة، مما أدى بالنهاية إلى سيادة الأفق القومي المحلي على الانتفاضة، وكان هذا التيار وراء عدم تحول الانتفاضة إلى ثورة عارمة تكنس كل هذه القوى الرجعية وعمليتها السياسية.

ومن هنا تكتسب مقولة (اليسار) المعنى الاجتماعي. إنَّ الرؤية الاجتماعية هنا غائبة كليا في مفهوم المنظمات التي تتبنى الماركسية وبغض النظر عن عددها وحجمها التنظيمي، ولذلك نجد أنَّ ما يطرح اليوم في صفوف تلك المنظمات، حيث يتمحور دائما وأبدا حول مشروع (توحيد اليسار) و بشكل ببغائي ودون أي محتوى، على أنَّ توحيد اليسار وبحسب ما عبرنا عنه في مكان آخر ومثلما تراه هذه المنظمات هو حصيلة مجرد جمع جبري لمنظمات، لأنَّها لا ترى المحتوى الاجتماعي لليسار ولا تنطلق من منظور طبقي، أو بالأحرى لا ترى على أية أرضية طبقية تقف، وكل اعتقادها هو أنَّ تحقيق أهداف توحيد اليسار فقط يكون بذلك الجمع الجبري، في حين أنَّ العالم الواقعي، هو عالم صراع طبقي و تتلاطم فيه مصالح الأحزاب السياسية التي تعبر عن مصالح طبقاتها.

الصراع على أبوية اليسار:

قبل كل شيء علينا أن نقر حقيقة بأننا لو أخذنا مقولة أو مصطلح (اليسار) بشكل عمومي في المجتمع، فأنَّ من مثّله خلال القرن العشرين في العراق هو الحزب الشيوعي العراقي. فهو قد استطاع التعبير عن تيار اجتماعي كبير في المجتمع إذ اقترن معنى (اليسار) في تلك المرحلة بمقارعته للاستعمار، ومن ثمَّ طرح برنامج اقتصادي يستند على رأسمالية الدولة الذي جاء في تطابقه مع بقية الاجنحة البرجوازية المعادية للاستعمار مثل التيار البرجوازي الوطني الذي مثله انقلاب العسكر بقيادة عبد الكريم قاسم وبعد ذلك مع مشروع حزب البعث في تأميم النفط ومجانية التعليم والطبابة المجانية وبناء واستحداث بنية تحتية اقتصادية كي تمكن العراق من الانخراط بالسوق الرأسمالية العالمية وأن تكون له القدرة على المنافسة أو استقطاع جزء من أرباح الإمبريالية العالمية التي تسيطر على العالم، وهذا التطابق في التوجهات كان وراء التحالف عشية انقلاب تموز ١٩٥٨ وثم  تأسيس ما تسمى بـ (الجبهة الوطنية) بين البعث والشيوعي لإدارة الحكم في العراق بعد انقلاب البعث ١٩٦٨، وعليه سواءً أكان البعث او الحزب الشيوعي فقد قاما بجرِّ اليسار بشكله العمومي ورائهم أو لنقل انهما مثلاه في تلك المرحلة.
وكان هذا اليسار، وهو يسار الطبقة البرجوازية، هو يسار قومي إصلاحي، وقد مثله الحزب الشيوعي العراقي، إذ تربع على مركز اليسار خلال مرحلة القرن العشرين مع تقاسم حزب البعث معه في حقبة السبعينات من القرن المنصرم بعد إعلان تأميم النفط وتبني مشروع رأسمالية الدولة.
أن التصاق مكانة الحزب الشيوعي العراقي بمفهوم اليسار جاء من تلك الأرضية الاجتماعية واليسارية التي تطرقنا إليه، وإن خيارات الحزب الشيوعي العراقي بتشكيل جبهات سياسية بعد الاحتلال مثل التحالف مع الوفاق الوطني وتأسيس القائمة العراقية او التحالف مع التيار الصدري، ليس منبعه انحراف الحزب الشيوعي العراقي عن مبادئه السياسية وبرنامجه، ولا نابع من صدق او عدم صدق نيات ونوازع أخلاقية، إنما هو امتداد لكل تاريخه السياسي (انظر موضوعة التحالف عند الحزب الشيوعي العراقي-المد العدد ٨)، وبمعنى آخر كانت تلك التحالفات نابعة من مصالحه السياسية. وكان أساس تلك التحالفات هو المضي بالمشروع القومي المحلي الذي بدئه منذ تأسيسه،  بيد أن ما وقف حائلا خلال مرحلة ما بعد غزو واحتلال العراق هو الصراع الطائفي، ولذلك لابد له من إيجاد مشروع عابر  للطائفية التي وقفت حائلا او عائقا جديا أمام الانسجام السياسي للطبقة البرجوازية، وخلق الاستقرار السياسي للنهوض بالاقتصاد وترميم السوق الرأسمالية العراقية وإلحاقها من جديد بالعالم الرأسمالي الحر أو الاقتصاد الحر، أو كما سماها ممثلي الحزب الشيوعي العراقي أمثال رائد فهمي أو قبله حميد مجيد موسى في البرلمان بمسمى النهوض بالقطاع الخاص.
وسواءً وافق المخلصون الأيديولوجيون لأطروحة توحيد اليسار، أو لم يوافقوا، فأن اي مشروع يجهض الطائفية في العراق، ــ حيث دفعت جماهير العراق ثمنا باهظا للاستقطاب الطائفي الذي نتج عنها حرب أهلية ــ نقول اي مشروع يجهض الطائفية فإنَّه ولاشك سيصب في صالح تقوية أجواء الانعطاف نحو اليسار في المجتمع، او بمعنى آخر انتشال المجتمع من القذارة الطائفية. وهذه السياسة أي مشروع عابر للطائفية جاءت في صالح بقاء الحزب الشيوعي العراقي على مقعد اليسار، وبغض النظر عن محتوى الرجعي للجماعات المتحالفة معه أو حتى تبوئه مركزا في مجلس الحكم الذي أسسه الاحتلال بقيادة بول بريمر على أساس المقعد الشيعي.
وخارج هذا المشروع (المشروع العابر للطائفية)، ليس للحزب الشيوعي العراقي أي مشروع للبقاء في حلبة احتكار تمثيله لليسار، بيد أن الإصرار على أبويته لليسار ومحاولته التمسك بهذه الأبوية، تُعد سياسة واعية لإقصاء أي منافس يساري له، فهذا الحزب ليس لديه مشكلة مع القوى اليمينية سواء كانت قومية عروبية أو إسلامية، فهو يعرف بأنَّه لا يمكنه التنافس معها او إزاحة أي منها، لذا نجده متمسكا بابويته لليسار كي يكون رقما في المجتمع وبالتالي للحصول على سهم في السلطة، ويستمد قوة هذه الأبوية من تاريخه المضاد للاستعمار وتضحياته على هذا الطريق. صحيح أنَّ هذا الحزب يعلن بين مدة وأخرى عن تأسيس تحالفات مثل التيار المدني او التيار الديمقراطي، ولكن إذا ما دققنا فيه، ليس هناك اي وجود او ثقل لأي حزب أو منظمة شيوعية أو ماركسية أو اشتراكية فيها، لأنه لا يريد وضع نفسه في موقف محرج أو إيجاد منافس له يزيحه، وفي نفس الوقت يُعد ذلك وسيلة للحفاظ على أبوية هذه التحالفات.
ما نريد أن نقوله إن اليسار الذي ساد على الصعيد السياسي، كان يمثله الحزب الشيوعي العراقي. أما القسم الآخر من اليسار فهو ينقسم إلى قسمين، الأول خرج من رحم الحزب الشيوعي العراقي والذي ما زال وكأنَّه يعيش فترة حكم احمد حسن البكر وما زال يردد مقولة الاستعمار والبرجوازية الكمبرادورية والبضاعة الوطنية، أمّا القسم الآخر فقد خرج من رحم الحزب الشيوعي العمالي العراقي واستقل بمنظمات حاولت التمسك بعباءة ماركس وتلابيبه إرضاء لـ تاريخها النضالي والحيلولة دون رؤية كوابيس في أحلامها بسبب تأنيب ضميرها الأيديولوجي، وان هذين القسمين يرفعان راية توحيد اليسار على صعيد الشعارات، بينما على الصعيد العملي لا يقدمون على أية خطوة لان نزعات المثقفين، البرجوازية الصغيرة، النرجسية والانا و اللاتحزب تقف وراء تشرذمها وعدم جمعها بشكل أحادي.

اليسار والوحدة  تحت راية الاشتراكية:

وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى، وهي لماذا لا تسعى هذه المنظمات بعدم التوحيد والتجمع والعمل تحت راية الاشتراكية، او تشكيل قطب اشتراكي. والجواب هو أنَّ العمل تحت الراية الاشتراكية وببساطة، ستكشف عن بعد تلك المنظمات عن الاشتراكية، فهي لا تريد وضع نفسها في هذا الاختبار، هذا ناهيك عن رواية وفهم كل طرف للاشتراكية.
ولذلك نجد القفز إلى مقولة (توحيد اليسار) ووضع هذه المنظمات تحت هذه اليافطة آمن لها، لتلافي المشكلات الأيديولوجية التي تعترض طريق توحيدها الذي دائما ما يكون لفظيا، أو في أفضل الأحوال التخلص من تأنيب الضمير، ولا يتجاوز أطر وجود منظماتها والحفاظ فقط على قدسيتها الفرقوية او المحفلية.
فعلى سبيل المثال لا تنظر هذه المنظمات إلى برنامج الحزب الشيوعي العمالي العراقي في مواجهة كورونا، والذي سمي بالبرنامج الوطني والتي تبناه ٦ اتحادات عمالية و ١٦ منظمة وحزب سياسي، بانه احد مشاريع اليسار، أو تقوية اليسار في المجتمع، ولم نسمع من أية منظمة من تلك المنظمات التي تدعي اليوم إلى توحيد اليسار، بأن تقدم على الانخراط في البرنامج الوطني (الدولة مسؤولة عن أمن وسلامة الجميع)، او تنظيم الحزب لأربعة طاولات مستديرة للناشطين والفعالين في الاحتجاجات الجماهيرية بين عامي ٢٠١٨-٢٠١٩ والعمل على رص صفوفهم وتقويتهم سياسيا وفصل آفاقهم عن القوى والتيارات البرجوازية، وقبله كان هناك مشروع مؤتمر حرية العراق الذي حشد القوى الجماهيرية وانخرط في صفوفه أيضا العديد من القوى السياسية على الصعيد المحلي والعالمي لإنهاء الاحتلال وتقصير أيادي الإسلام السياسي، وكان وراء تنظيم أكبر مؤتمر عمالي في تاريخ العراق في نيسان من عام ٢٠٠٩ وبمشاركة وفود من أمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان وجنوب أفريقيا وايران, وصادق على قرارات إنهاء الاحتلال وتأسيس حكومة غير قومية وغير دينية في العراق وتشكيل جبهة مناهضة لمشروع قانون النفط والغاز للاحتلال، والدفاع عن الحريات النقابية في العراق. الخ، كل هذه المشاريع التي قام بها الحزب الشيوعي العمالي العراقي، لا ترى هذه المنظمات فيها خطوات نحو توحيد اليسار او تقوية اليسار في المجتمع العراقي، لأنها لا ترى باليسار إلا بحدود منظماتها الأيديولوجية فقط، فهي تنخرط في التحالفات، هذا إذا استطاع صياغة تحالف ما، بمن تشاركها الهموم الفكرية أو القريب منها أيديولوجيا، إلا أن تحقيق أي هدف اجتماعي بما يقوى يسار المجتمع فلا شأن لها به.
ووفق هذا المنطلق الاجتماعي، فلا يعتبر الحزب الشيوعي العمالي العراقي، بأنَّ الحزب الشيوعي العراقي منافساً له في قيادة اليسار في المجتمع، لأن الأرضية الاجتماعية الطبقية التي يقف عليها الحزب الشيوعي العمالي العراقي ليست الأرضية التي يقف عليها الحزب الشيوعي العراقي، فكما يعلمنا منصور حكمت أن روايتنا للشيوعية والاشتراكية هي رواية ماركس للشيوعية التي جاءت في البيان الشيوعي و الأيديولوجية الألمانية ورأس المال، أي القضاء على العمل المأجور وبناء مجتمع خالي من الطبقات، بينما  كانت رواية الحزب الشيوعي العراقي عن الشيوعية هي النضال ضد الاستعمار والقضاء على الإقطاع  في الماضي التليد الذي لم يبق منه شيئا في عالم الرأسمالي اليوم، ثم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تبنى (الديمقراطية) أسوة بالأحزاب الشيوعية التقليدية التي كانت تدور في الفلك السوفيتي، وليس هذا فحسب، بل لا يوجد في منظومتنا الفكرية والسياسية مقولة الشيوعية الرسمية، واننا نمثلها او هناك من يمثلها، ولذلك سمينا أنفسنا بالشيوعية العمالية كما يقول منصور حكمت لفصل انفسنا عن الشيوعيات التقليدية سواء كانت من المدرسة السوفيتية او الماوية الصينية او الأورو شيوعية او الألبانية او اليوغسلافية. الخ.
وعليه وبعكس المنظمات اليسارية الأخرى التي تلوم دائما الحزب الشيوعي العمالي العراقي بأنه يدير ظهره ل”وحدة اليسار” فإننا ننظر إلى اليسار بمنظور اجتماعي كما أسلفنا، وأن أولوياتنا الفكرية والسياسية في هذا الميدان، تنصب على تقوية التيار الاشتراكي على العموم والشيوعية على وجه الخصوص وتسليحه بالراية الماركسية ولاسيما في صفوف الطبقة العاملة.
أن نقطة انطلاقنا هي طبقتنا، الطبقة التي ننتمي لها وهي الطبقة العاملة، وننظر إلى المجتمع  على أساس طبقي، إذ ينقسم إلى الطبقة العاملة والبرجوازية، وان كل المظالم التي يتعرض لها المجتمع الإنساني هي بسبب الظلم الطبقي، ذلك من اجل ادامة العمل المأجور، للحفاظ على ربحية الرأسمال التي تنتزع من ثمرة عمل العمال، بينما يعيش العمال في حالة اغتراب عن ثمرة عملهم ولا ينعمون بها. أن كل أشكال التمييز العرقي والقومي والجنسي، تجارة المخدرات بيع الأعضاء البشرية، تجارة الجنس، هي مظاهر الظلم الطبقي السافر الذي يعيد إنتاج نفسه كل يوم. وعليه أن عنصر تحرر المجتمع الإنساني هو العامل، وان تحرر العامل من عبودية العمل المأجور يؤدي بالتالي إلى تحرر المجتمع، والماركسية هي الراية النضالية الفكرية والسياسية لذلك العامل في تقدمه من اجل تحرير نفسه وتحرير المجتمع الإنساني برمته، هذه هي باختصار شيوعيتنا، ولا يهمنا لا من بعيد ولا من قريب من يدعي أو ينتحل صفة الهوية الشيوعية.
 إنَّ اتحاد اليسار او تحالف اليسار ليس علما جاء من الفضاء، ولا يُعد تحويله إلى مشروع عملي من المهام المستحيلة، ولكن المعضلة الأصلية أن المجاميع التي تدعو إلى توحيد اليسار لا تريد العمل على أرض الواقع لأنها انتزعت عامل التغيير الاجتماعي من أسسه الفكرية والسياسية، واستعاضت عنه بالجدالات الفكرية والأيديولوجية العقيمة التي تكون أقرب إلى الجدل البيزنطي، هل الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة.
وأخيرا فإنَّنا في الحزب الشيوعي العمالي عملنا ونعمل، من اجل تقوية يسار المجتمع الذي يعني الدفاع عن نضالات عمال العقود والأجور في الكهرباء وعمال الحفر في قطاع النفط، ونضالات خريجي البيطرة والهندسة والمحاضرين والمهن الصحية والدراسات العليا، وتنظيم حركة ضد البطالة، والدفع بنضالات المرأة من أجل تغيير قانون الأحوال الشخصية ومساواتها الكاملة مع الرجل، وندافع عن حقوق الطفل، و والدفاع بضراوة عن الحريات الفردية والسياسية، والنضال من اجل إنهاء الظلم القومي والطائفي والديني بحق الديانات والطوائف الأخرى، اي النضال من اجل فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، و إنهاء تطاول المليشيات وفرض التراجع على كل جماعات الإسلام السياسي، أن أي طرف يشاركنا في أية واحدة من هذه الميادين نحن نبادر ونمد أيدنا له، وكفى من رفع يافطات “توحيد اليسار” دون أية خطوة عملية، فكما قال ماركس "هنا رودس فلترقص هنا" .






64
وعي الجماهير بين مشروعين، دويلة الحشد الشعبي وشبح الدولة القومية
(إلى الأمام نحو انتفاضة أخرى)
سمير عادل
 لقد نجحت العملية ولكن المريض مات، هذه الجملة أقل ما يمكن أن توصف بها الانتخابات، التي طبلت وزمرت لها حكومة الكاظمي ومفوضية الانتخابات؛ بأنها ناجحة، وأنَّ الإجراءات الأمنية جيدة، إذ لأول مرة لم يحصل حظر تجوال يوم الاقتراع، بيد أن نسبة المشاركة التي وصلت الى اقل من ١٨٪ لم ترض المنظمة الأممية ولا الاتحاد الأوروبي ولا المراقبين الدوليين، ووضعت علامة استفهام كبيرة على العملية السياسية برمتها، وبهذا يكون المريض قد مات، لكن المهم بالنسبة لديهم أنَّ العملية نجحت.
وبإعلان المفوضية نتائج الانتخابات، وصلنا إلى جواب للسؤال الذي طرح عشية الانتخابات، وهو مصير (4) ملايين من البطاقات الالكترونية التي اختفت، وقد تبينت أنَّ هناك من ذهب باكرا واستطاع أن يشتري ما تبقى أو ما يمكن شرائه من تلك البطاقات، مثلما كنا نذهب في بداية السبعينات قبل ساعات من فتح أبواب الدكان أو الأسواق المركزية أو كما كان يسمونها (اورزدي باك) ونحن نجلس على أبوابه كي نحصل على طبقة بيض أو دزينة من أكواب الشاي أو أقداح الماء أو علبتين من جبن كرافت.. الخ.
المجرب لا يجرب، هذا ما خاطب به مقتدى الصدر حزب الدعوة الذي يحثه بالاعتراف بأخطائه واقتراف الجرائم بحق جماهير العراق وأخيرا يطالبه بتطهير نفسه، وهو أقرب منه إلى الشماتة مما هو نصيحة مجانية للتخلص من زعيمه المالكي. على العموم ما يهمنا هو المنطق الذي يستخدمه الصدر في شماتته بحزب الدعوة الذي تداعى صفوفه وخاصة بعد هذه الانتخابات،  فإذا ما أخذنا به وطبقناه عليه فيجب التخلص من الصدر أيضا، لان الجماهير جربته، فهو أكثر تقوى وورعاً في ممارسته للفساد الإداري والسياسي والمالي، وجميع الوزارات التي استلمها منذ حكومة الجعفري وحتى استقالة وزيره للصحة  في حكومة الكاظمي، متورطين حتى النخاع بأعمال السلب والنهب، علاوة على اقتراف جرائم حرب أيام الاقتتال الطائفي في ٢٠٠٦-٢٠٠٨ التي لا يمكنها أن تتقادم حتى لو تبوء اعلى المناصب في الدنيا والآخرة، وأخيرا وليس آخرا ما اقترفته ميليشياته من أعمال قتل وترهيب بحق المتظاهرين لفض انتفاضة أكتوبر وفتح الطريق لحكومة الكاظمي. بعبارة أخرى من الحماقة التفكير ولو لحظة بأن الحكومة القادمة التي يشكلها الصدر ستكون أقل فسادا من الحكومات السابقة، وأكثر ما يمكن أن تنجزه تلك الحكومة هو مجرد الإبقاء على شبح الدولة التي اطلق تهديده ووعيده للحشد الشعبي في يوم إعلان النتائج الأولية للانتخابات. وفي النهاية، المجرب كما قال هو أي مقتدى الصدر لا يجرب.
ان وعي الجماهير والمقاطعة المليونية التي وصلت نسبتها إلى أكثر من ٨٠٪ هي وراء تصاعد الصراع والتلاسن بين الكاظمي والمفوضية وبين جماعة الحشد الشعبي التي يقودها العامري والخزعلي ليشكلوا الإطار التنسيقي مع المالكي والفياض والحكيم والعبادي فطاحل الطائفية في العراق والمنطقة، وعي الجماهير أسقط ورقة التوت التي طالما أرادوا إخفاءها للعودة من جديد إلى الوكر الطائفي، وترتيب البيت الشيعي وإعادة الانسجام في صفوفهم بعدما أتت النتيجة لصالح التيار القومي المحلي المتمثل بالصدر والحلبوسي. وعي الجماهير هو الذي وقف خلف تصاعد الصراع بين هذه الجماعات الفاسدة، وهو الذي قال لا للانتخابات ولا لكل العملية السياسية، وهذا الوعي ليس له أية علاقة لا برواية نزاهة الانتخابات ولا بعدم نزاهتها، ولا بأكاذيب و فذلكات المفوضية العليا غير المستقلة للانتخابات، إذ لم تمض إلا أيام قليلة حتى سكتت كل المدافع الإعلامية بما يتعلَّق بنزاهة الانتخابات أو عدم نزاهتها، وخلال أيام قليلة أخْرَسَ وعي الجماهير أولئك الذين يتبجحون علينا بأن عدم المشاركة بالانتخابات كان خطأ جسيما وان (المقاطعون يعضون اصبع الندامة)، بيد أن الحقيقة التي يراد إخفائها هي أنَّ كل هؤلاء الزمارين والطبالين وخاصة الليبراليين منهم من الأكاديميين أو أصحاب دكاكين التي تسمى بمراكز الدراسات التي مولت من سرقة قوت الجماهير هم من يعضون أصابعهم العشرة من قوة الصدمة التي أحدثتها المقاطعة المليونية العظيمة، وبهذه المناسبة نقول لكل هؤلاء أن المشهد السياسي قد أوضح وبشكل لا لبس فيه، وبعيداً عن الإنشاءات اللغوية لهؤلاء المثقفين، فإننا نرى أنَّه ومهما كانت نتائج الانتخابات ونسبة المشاركة فيها فإن ما يحسم نتائجها هو سلاح المليشيات، فمن الغباء الذي هو أكثر من الحماقة الاعتقاد أن نزاهة الانتخابات هي من تحسم النتيجة، صحيح من الناحية القانونية أن المهلة التي منحتها المفوضية هي عشرة أيام لتقديم الطعون، بيد أن الحقيقة كي تقدم كاملة هي من أجل التفاوض تحت الطاولة وخلف الكواليس بين الكتل السياسية للتراضي على عدد المقاعد.
إننا نؤكد بأنَّ وعي الجماهير في هذه الانتخابات هو استمرار لوعي انتفاضة تشرين-أكتوبر، ومهما حاولت كل القوى التحدث باسم الانتفاضة أو انتحال شخصية من يمثلها أو طمس نسبة المشاركة في الانتخابات بكل بما أوتوا من قوة أو التغاضي عن تلك النسبة مع سبق الإصرار، فإن كل ذلك قد ارتطمت بصخرة حقيقة ترتكز على عدم  شرعية العملية السياسية وبالإضافة إلى عدم شرعية  من تشدقوا باسم ضحايا الانتفاضة والدماء التي سالت على أيدي الطرف الثالث، الذين يتخندقون اليوم أمام جسر المعلق لتغيير نتائج الانتخابات دون أي تردد أو خوف من طرف رابع يقتصنهم، كما اقتنصوا المئات من متظاهرين انتفاضة تشرين-أكتوبر.
إنَّ وعي الجماهير هذا يقف اليوم أمام مشروعين دويلة الحشد الشعبي والدولة القومية. فالاول التف اليوم حوله كل فطاحل الطائفية في البيت الشيعي، حيث اسقط كل ادعاءات الخطب غير العصماء لعمار الحكيم حول الدولة واللادولة، وأسقط تذمر العبادي من تطاولات الحشد الشعبي وعدم الإذعان لأوامره عندما كان رئيسا للوزراء، أما الثاني فهو المشروع القومي المتهرئ الذي يرفع لوائه مقتدى الصدر تحت عنوان (الإصلاح) الذي يعني في آخر المطاف فرض التراجع على منافسيه من الأجنحة الطائفية الأخرى في بيته الشيعي الذي لم ولن يغادره، فأمثال الصدر لا يعيشون بخبز يومهم ولا يحرقون خطوط الطائفة خلفهم  مثل العبادي والحكيم الذين عادوا إلى حضن الطائفية أخيرا.
إنَّ هذه اللوحة لم تكن غريبة علينا، وقد اشرنا إليها في مناسبات مختلفة، فهي تكشف عن حدة وماهية تصاعد الصراع السياسي بين مشروع تيار الإسلام السياسي الموالي لإيران وبين مشروع التيار القومي العروبي والمحلي الوطني، وكلا المشروعين في مأزق، وقد عمقت نتائج الانتخابات من هذا المأزق السياسي، فلا تحالف الميليشيات المنضوية تحت لواء فتح-الحشد الشعبي يقبل بنتائج الانتخابات، ولا تيار الكاظمي وجماعة الصدر تقبل بتغيير نتائج الانتخابات، فمليشيا الحشد الشعبي-فتح وصلت إلى نقطة بعد هذه الانتخابات التي لم تعلن نتائجها النهائية ولم تصادق عليها المحكمة الاتحادية، وصلت إلى نقطة بأنها تريد الاحتفاظ أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من فسادها ونهبها، وهي تقبل الآن بالتنازل عن تأسيس دولة ولاية الفقيه والوصول إلى تأسيس دويلة للحشد الشعبي على غرار دويلة حزب الله في لبنان، بينما يسعى التيار الأخر القبول على مضض بهذه الدويلة السرطانية التي تؤثر على مشروع الدولة القومية من اجل الحفاظ على امتيازاته ونفوذه الذي ازدادت بعد هذه الانتخابات، ليتحول بالأخير إلى شبح للدولة القومية في العراق.
بمعنى آخر أن بلورة وعي الجماهير  الذي عبر عنه في انتفاضة أكتوبر ثم هذه الانتخابات وتطويره إلى وعي ثوري، من أجل إحباط هذين المشروعين، مشروع دويلة الحشد الشعبي ومشروع شبح الدولة القومية المحلية عبر إعلان مشروعه المستقل، مشروع دولة غير قومية وغير دينية، دولة تتكفل بتحقيق الحرية والرفاه والمساواة عبر حكومة منبثقة بشكل مباشر من الجماهير، دولة تنهي كل أشكال المليشيات في المجتمع، دولة ذات هوية إنسانية، إن هذه الدولة لن تتشكل عبر صناديق الكاظمي ولا صناديق الحشد الشعبي وصناديق الصدر، بل تتشكل عبر انتفاضة أخرى، إن الأيام القادمة ستكون حبلى بالاحتجاجات العظيمة في قطاع النفط والكهرباء والخريجين، وان كلا المشروعين، دويلة الحشد الشعبي وشبح الدولة القومية لا يحملان في أجندتهما غير الورقة البيضاء و تخفيض العملة المحلية ورفع أسعار المحروقات وفرض الضرائب على رواتب العمال والموظفين والمتقاعدين للحفاظ على امتيازات الرئاسات الثلاثة وكل الجيش البيروقراطي الفاسد من الموظفين وأصحاب المناصب الخاصة.

65

القصف الإعلامي على أدمغة الأحياء، وما بعد الانتخابات

سمير عادل

 نتائج الانتخابات جاءت بما خطط له التيار المناهض للنفوذ الإيراني في العراق، وحقق الكاظمي المهمة التي أُوكلت إليه. إلا أن ما لم ينته إلى الآن هو القصف الإعلامي المتواصل على ادمغة جماهير العراق، لإقناعها بمسألتين؛ الأولى هي الترويج للكذبة التي اطلقها الكاظمي نفسه كي يصدقه الاخرين كما قال وزير اعلام هتلر (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الاخرون) بأنه حقق مطالب انتفاضة تشرين/ أكتوبر وهي  تنظيم انتخابات مبكرة، والمسألة الثانية اعادة الثقة والهيبة والاعتبار للعملية السياسية التي ترنحت اثر عاصفة الانتفاضة عبر إثبات شفافية الانتخابات وحصر كل ارادة الجماهير بساحر قادم من الفضاء ومتسلح بلباس الرجل الحديدي سموه بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والصندوق الانتخابي.

 انتهت الانتخابات في العراق، وليس مهما كانت نزيهة او  المقيمين عليها مرتشين، شفافة او لا  ترى بالعين المجردة، لان الآليات التي وضعت للعملية الانتخابية سواء كمرشحين او مشاركين في التصويت، يجب أن تكون محصلتها، الحفاظ على العملية السياسية ونظام الفساد وقانون المحاصصة وحماية مصالح الطبقة البرجوازية الحديثي النعمة، الذين تشكلوا بعد الغزو والاحتلال. فمجرد ذكر حقيقة واحدة يمكن الاستشفاف دون عناء ماهية الرجل الحديدي والعملية الانتخابية برمتها التي لا نريد ان نخوض بها كثيرا، وهي  أن النسبة المشاركة التي اعلنتها مفوضية الانتخابات متناقضة مع تقارير الاتحاد الأوروبي والمنظمة الأممية ووسائل اعلام عالمية مثل واشنطن بوست و اندبندنت والعديد من وسائل الاعلام المحلية والعالمية، والتي كانت تشير حتى الساعة السادسة من مساء إغلاق صناديق الانتخابات بأن نسبة المشاركة لم تتجاوز ٣٠٪ في اقصى حالاتها،  وهناك محافظات لم تصل حتى نسبة المشاركة فيها الى  ١٢٪  مثل كربلاء على سبيل المثال حتى الساعة الثانية من بعد الظهر. الا ان الامر ليس متوقف عند هذه الحقيقة، فيجدر بالذكر أن نسبة المشاركة في انتخابات يوم أمس متقاربة جدا مع نفس النسبة التي أعلنتها مفوضية الانتخابات لعام ٢٠١٨ التي وصلت الى  ٤٤,٤٪ ، مع فارق واحد، فلقد اكتشف بقدرة قادر وبعد ثلاث سنوات ونصف عجاف وتحديدا قبل ايام معدودة،  ان الانتخابات ٢٠١٨  كانت مزورة وأنهم ألقوا القبض على احد اعضاء المفوضية بتهمة تزوير الانتخابات المذكورة.
وكلمة عابرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات: فهي لم تكن ابدا مستقلة، وتأسست حسب نظام المحاصصة، وتعتبر احدى المفاصل الاساسية في النظام السياسي القائم، واحدى العتلات الرافعة للعملية السياسية وصمام أمان للحفاظ عليها واستمرارها. وان عملية رفع نسبة المشاركة في كل انتخابات وخاصة عندما تكون مقاطعة الجماهير اليها كبيرة هي جزء أساسي من واجباتها ووظيفتها ومن اجل اضفاء الشرعية على الانتخابات وكل العملية السياسية،  التي رفضت النسبة العظمى من جماهير العراق المشاركة في الانتخابات. وهنا لابد ذكر هزلية المشهد الرجل الحديدي اي مفوضية الانتخابات، وهي  إذا قبلنا بتزوير نسبة المشاركة كواقع حال أي ٤١٪ ،  فإن نسبة ٥٩٪ رفضت الانتخابات  ورفضت كل العملية السياسية. لكن لا تأخذ بها، لان الديمقراطية ليس بمقاطعة الاكثرية المطلقة لصناديق الانتخابات ووضع علامة استفهام عليها، إنما يأخذ بنظر الاعتبار نسبة المشاركة أيا كانت ارقامها في يوم المشاركة في صناديق الانتخابات وحسب الالية التي تضعها بحيث لا تخرج عن نطاق سيطرتها وتؤمن استمرار العملية السياسية. أي كما يقول لك المثل (تريد ارنب خذ ارنب، تريد غزال اخذ ارنب).

نتائج الانتخابات وانتقال السلاح المنفلت من كتف الى كتف:

المهمة التي أتمها الكاظمي على أكمل وجه كما عبر عنها يوم الانتخابات، وبشكل عملي هي نقل السلاح المنفلت من مليشيات تحالف فتح الموالي لإيران الى مليشيات التيار الصدري الذي قال زعيمه في كلمة النصر “يجب أن ينتهي السلاح المنفلت بعد اليوم”، اي ان سلاحه المنفلت الذي حماه الكاظمي ولقبه بسيد المقاومة وغض الطرف عن كل جرائم القبعات الزرقاء على متظاهري ساحة الحبوبي والتحرير وام بروم والعروسين…الخ، لا يحتاجه أي السلاح المنفلت بعد الانتخابات، فلذلك دعا مقتدى  بحصر السلاح بيد الدولة بعد إتمام مهمة الإجهاز على بؤر انتفاضة أكتوبر واطفاء جمراتها وترهيب معارضيه لعبور مرحلة الانتخابات.

والمشهد الذي يحاول الكاظمي وبرهم صالح والحلبوسي ومعهم مقتدى الصدر بترويجه بأن نتائج الانتخابات أحدثت تغييرا كبيرا، فأقل ما يقال عنها تسويق لسذاجتهم السياسية. فإذا ما تتبعنا خارطة نتائج الانتخابات، فأنه حقا يثير الضحك. وللوهلة الأولى تبين نتائج الانتخابات بشكل خادع بأن التيار الميليشياتي الموالي لإيران خسر مقاعده ونفوذه السياسي، والذي يعني انحسار النفوذ الايراني. بيد أن النظر إلى كل اللوحة فان ابطال التيار الميليشياتي تغيرت مواقعهم ومناصبهم وليس أكثر. لننظر الى هذه اللوحة؛ المقاعد التي حصدها التيار الصدري هي ٧٥ مقعد بدلا من ٥٤ في انتخابات ٢٠١٨، بينما حصد التحالف الميليشياتي وهو فتح ١٦ مقعد بعد أن كان ٤٧ مقعدا، في حين كان المالكي او دولة القانون يحظى ب٢٥ مقعد والان ارتفعت حصته الى ٣٧ مقعد. وكي تكتمل الصورة فيجب اضافة ما أحرزه تحالف فتح الى  ٣٧ مقعد الذي أحرزه المالكي ليكون حصيلة مقاعدهم ٥٣ مقعدا. والمالكي كما هو معروف بمؤسس الخطاب الطائفي الثاني بعد عام ٢٠١١، ولقب نفسه بمختار العصر وانه مثل الحسين في معركته مع خصومه من التيار القومي العروبي ومعارضيه الذين سماهم بأنصار اليزيد، واسس مليشيات الحشد الشعبي وقبلها اخرج قيس الخزعلي من السجن ليوعز له بتشكيل ميليشيا عصائب الحق وعقد مؤتمره في مدينة الموصل وكانت أول رسالة ميلشياتية طائفية، و شكل ائتلاف أو تحالف البناء من كل المليشيات الولائية، ليختاروا احد اعتى المجرمين لرئاسة حكومتها وهو عادل عبد المهدي. بمعنى آخر انتقل مركز قيادة تحالف المليشيات من هادي العامري في انتخابات ٢٠١٨ الى نوري المالكي في هذه الانتخابات، أي انتقلت دفة قيادة المليشيات الولائية الى الجناح المدني للمليشيات. بمعنى اخر اكتسب المالكي زخما جديد في هذه الانتخابات واصبح لاعبا بدلا من العامري. وفي المحصلة النهائية ان كل جماعات الفساد والمليشيات أعيد إنتاجها من جديد. وما خسرتها مليشيات فتح ذهبت الى التيار الصدري ودولة القانون، لتتعاقب نقل البندقية أو السلاح المنفلت كما يحلو لهم ان يسموها من كتف الى كتف. وهكذا يستمر المشهد السياسي ولكن هذه المرة لصالح النفوذ الأمريكي الذي ربح الجولة في هذه الانتخابات، ويشكل الحكومة كما شكل التحالف المليشياتي الموالي لإيران حكومة عبد المهدي في انتخابات ٢٠١٨. وإذا ما احسن التيار الموالي لأمريكا استغلال انتفاضة أكتوبر وركب على اكتافها وقام بتجيير نزعتها المعادية للسلطة الإسلام السياسي لفرض التراجع على النفوذ الايراني، فليس أمام التيار المليشياتي الموالي لإيران الا الفوضى الامنية لربح الجولة في تشكيل حكومتها.

حركة امتداد، امتداد للكاظمي:

ويستمر القصف الاعلامي، وحيث يشحذ الهمم وخاصة اصحاب الاقلام المأجورة، وتحلق بعيدا الى مناطق قد لم يطالها القصف الاعلامي لكذبة الكاظمي عن الانتخابات، بتسويق تصوراً أن نزاهة الانتخابات وفرصة المشاركة فيها اوصلت فعالي ونشطاء الانتفاضة الى البرلمان، مستشهدين بحركة امتداد وانها حصدت ٩ مقاعد.

 ما يقال عن حركة مثل امتداد وحصولها على ٩ مقاعد وأنها انتصار لانتفاضة اكتوبر او بيضوا وجه الانتفاضة كما يقولون او انتصار لدماء تضحيات المنتفضين، فهي تشبه كذبة الكاظمي اذا لم تكن اكبر منها، عندما تبجح بأنه حقق مطالب انتفاضة أكتوبر وهي الانتخابات المبكرة. فحركة امتداد تأسست على أكتاف الانتفاضة وبدعم مرجعية النجف  والكاظمي، وقدموا لها كل اشكال الدعم المالي المفتوح والسياسي والحماية الامنية لتنقل افرادها. أي أن حركة امتداد هي امتداد لإيقاع الحفاظ على العملية السياسية وليس لها اي ربط لا من بعيد ولا من قريب بمطالب انتفاضة أكتوبر مثلما هو حال الكاظمي ومستشاريه الذين عينهم من عدد المشاركين في الانتفاضة، وخصص لهم رواتب ومعاشات سرقت بموجب الورقة البيضاء وتخفيض سعر العملة المحلية على حساب فقر وجوع وعوز الملايين من العاطلين عن العمل.

القصف الإعلامي لحكومة الكاظمي وصل الى نهايته وسينتهي معه الغبار الذي احدثه، وسوف يزول الحاجز الذي وضعته أمام الجماهير كي تمنعها من رؤية الحقيقة، حقيقة الكاظمي الذي راهن على التيار الصدري لإعادة اختياره رئيسا للوزراء، وستكشف الأيام القليلة القادمة عن ما وراء كذبة الانتخابات، وتبين ان كل ما جرى لم تكن أكثر من لعبة تغيير توازن القوى باسم الجماهير وباسم الانتفاضة، و مسعى لإنقاذ العملية السياسية ومحاولة لترويض الجماهير.  الا ان ما  لا تراها الطبقة البرجوازية الحديثي النعمة بسبب صراعها على السلطة والنفوذ والانشغال بالغنائم او لإنقاذ ما يمكن انقاذه، أن عدم مشاركة الجماهير في الانتخابات يعني حقيقة واحدة، ان العملية السياسية فشلت ولا اعتراف بها بالرغم من محاولة اعادة الهيبة والشرعية لها، وان التغيير لن يكون عبر الآليات التي وضعتها هذه الجماعات الفاسدة بل يأتي عبر طريق آخر. وان استحقاق الملايين المحرومين لم يحل ساعته، و واهم او مأجور او من له مصلحة في بقاء هذا النظام الفاسد بأن التغيير لن يأتي الا عبر صناديق انتخابات صممتها نفس الطغمة الفاسدة.


66
الرهان على ذاكرة السمكة

 المرجعية والكاظمي والمليشيات و بلاسخارت

سمير عادل

 قد يكون هذا آخر مقال نكتبه حول ما سميت بـ “ الانتخابات المبكرة”، و التي في الحقيقة تفصلها فقط سبعة أشهر عن موعدها الطبيعي. وفذلكة “الانتخابات المبكرة” ابتدعها الكاظمي كي يمسك العصا من الوسط . فمن جهة يرضي تحالف فتح للمليشيات  الذي كان يرفض الانتخابات المبكرة من الأساس للاحتفاظ بأمتيازاته في السلطة، حيث علق عليها قيس الخزعلي في أيام انتفاضة اكتوبر بأنها مشروع أمريكي، ومن جهة اخرى كي يقوض أي الكاظمي انتفاضة اكتوبر وتفريغها من محتواها وحصر جميع مطالبها وأهدافها كذبا وزورا بانتخابات مبكرة التي كانت من وحي التيار القومي الوطني لتحسين حظوظه بالسلطة، وهي أي الانتخابات المبكرة لم تكن ابدا جزءا أو بندا من أهداف ومطالب الملايين من العاطلين عن العمل وعمال العقود والاجور والنساء.
 قبل الخوض في مهازل الأطراف السياسية حول الانتخابات، سواء المرعوبين من نتائجها أو المتفائلين بها، لنذكر في هذه المناسبة الجمل والمقولات والعبارات التي استخدمت في الخطاب الإعلامي لكل الأطراف تحث المواطنين الذي لا حقوق لهم سوى المشاركة في الانتخابات، وهي نفسها التي تتكرر في كل مسرحية سمين بالانتخابات وهي اقرب الى تراجيديا من الكوميديا بالنتائج التي تسفر عنها، وكأن تلك القوى الفاسدة تراهن على ان ذاكرة الجماهير تشبه ذاكرة السمكة التي تنسى اي حدث يمر بها فورا. لنشحذ الذاكرة قليلا ونتصفحها لنتذكر تلك العبارات والجمل  : فرصة للإصلاح، فرصة للتغيير، ابعاد الفاسدين، العراق أمام استحقاق انتخابي كبير، نقطة تحول في البلد، صناديق الاقتراع فرصة لانتخاب الأكفاء وأهل النزاهة والخبرة والتجربة ، صناديق الانتخابات فرصة كبيرة أمام الشعب العراقي لتغيير الفاسدين..الخ. هذه العبارات والجمل تتكرر عشية كل انتخابات، والنتيجة هي نفسها ولا تغيير يحدث، والادهى من كل ذلك فإن الأزمة السياسية تتعمق، والحكومة التي تتشكل تكون العن من سابقتها ويزداد حجم تورطها بالفساد والجرائم بكل اشكالها، وتزداد معها مساحة الفقر والعوز اضافة الى استمرار انهيار الخدمات في جميع المجالات.
 الجميع في العملية السياسية يتفق على حقيقة واحدة، وهي الحفاظ وحماية النظام السياسي الفاسد، وليس هناك استثناء بينهم. وتلك الحقيقة تكشف حتى عن تورط المرجعية بها، وهي الظهور منذ تأسيس مجلس الحكم غير الموقر، بأنها بعيدة دائما عن الشبهات وأنها فوق الدولة والمجتمع، إلا أنها أخفت دائما في جعبتها مسألتين: الأولى أنها كانت دائما صمام أمان للعملية السياسية وكل النظام السياسي الراهن في العراق، بدءا من الاتفاق مع بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال على إجراء أول انتخابات، وحينها دعمت أي المرجعية قائمة الشمعة والبيت الشيعي والتحالف الشيعي، ومرورا بلعبها دورا محوريا في إنقاذ المنطقة الخضراء التي كان تقبع بها سلطة التحالف الشيعي من السقوط في براثن داعش عبر فتواها ( الجهاد الكفائي) و تشكيل ميليشيات تابعة لها، واخيرا وليس اخرا دعوة مقلديها المشاركة في الانتخابات وتحت نفس اليافطات التي ذكرناها. أما المسالة الثانية وهي الوقوف على مسافة تضمن دون احتدام الصراع والصدام بينها وبين مرجعية قم أو ولاية الفقيه، وخاصة بعد سعي الميليشيات التابعة للأخيرة المنضوية في تحالف فتح أو الحشد الشعبي بالسيطرة  أو إزاحة كل معارضيها ومخالفيها، وادى ذلك الى اعلان المرجعية بانسحاب مليشياتها والالتحاق بالقوات الامنية الحكومية. وهذه المسالة ما ادت اليوم بالمرجعية الى إصدار بيانها في دعوة العراقيين للمشاركة في الانتخابات خوفا من تكرار سيناريو ٢٠١٨ التي هيمن عليها تحالف مليشيات فتح. بمعنى اخر ان المرجعية والكاظمي ومليشيات الصدر والعبادي والحكيم يقفون في خندق واحد وهم خائفين من معاقبة الجماهير لهم ولكل القوى المتورطة في اختطاف حياتها ورفاهها وحريتها وغيبت اعزائها، عبر عدم المشاركة في الانتخابات، واعادة تحالف مليشيات فتح الولائية لولاية الخامنئي مشهد حكومة الطرف الثالث ولكن بدون رقبة عادل عبد المهدي التي تثخنت من كثر السرقة والنهب.
 وفي خضم هذا المشاهد الدرامية، تبرز اكثر المشاهد سخرية وهو مشهد الكاظمي وتصريحاته الرنانة حول الانتخابات وانه ادى المهمة على احسن احوالها. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ان الكاظمي الذي ثقب آذان كل مواطن في العراق من البصرة حتى دهوك، بأنه سيجمع السلاح المنفلت كي يؤمن إجراء انتخابات نزيهة، فهل انتزع أو لنقل جمع سلاح منفلت واحد ؟  فهو لم يستطع أن يلقي القبض على شخص مثل قاسم مصلح المتورط بجرائم قتل أكثر من ثلاثة أيام وقضاها  كضيف معزز ومكرم في بيت فالح الفياض، ولم تستطع أن تتصدى قوات مكافحة الإرهاب الذي عين على رأسها عبد الوهاب الساعدي بالتصدي للسلاح المنفلت من الوصول الى غرفة نومه في المنطقة الخضراء، وحضر مثل تلاميذ المرحلة الابتدائية، كتلميذ مطيع ونظيف في رفعة العلم في احتفال تأسيس الحشد الشعبي، وراح يتجول في منطقة الكرخ في الكاظمية يستعرض قوته ضد الميليشيات، في حين كانت تلك المليشيات تصول وتجول وتستعرض نفسها في الرصافة، فكيف بأمكانه ضمان النزاهة الانتخابية. والحقيقة تقال فالكاظمي برع دائما بـ (بوخة اعلامية) وهي سابقة تحسب له وليس أكثر.

 أما ما يؤكد ما ذهبنا إليه حول الكاظمي

67
مَنْ يدق الطبول لإدانة التطبيع مع إسرائيل !

سمير عادل



نشر مشعان الجبوري وثيقة تضمنتْ قائمة من الأسماء وقّعت في لندن عشية غزو العراق ومن قبل عدد من الموجودين اليوم في العملية السياسية. يتعهد الموقعون بالتطبيع مع إسرائيل مقابل تسليمهم للسلطة في العراق. ستجدون الوثيقة في ملحق هذا المقال في الاسفل.

في الحقيقة لا يهمنا شخصيا لا من بعيد ولا من قريب شأن هذه الوثيقة، سواءً أكانت صحيحة او غير صحيحة، تعهدوا بالتطبيع مع إسرائيل أم لم يتعهدوا، لأنه ببساطة  من أضفى الشرعية على أسر رقاب جماهير العراق إلى المارينز الأمريكي وارتهان ثرواتها وتحويل العراق الى بلد فاشل بامتياز، وساحة لتصفية الحسابات الدولية وحرب الوكالة، ومستنقع للعصابات الاسلامية والمافيات من كل حدب وصوب، واطفاله ونسائه وشبابه يبحثون في أكوام الزبالة عن الطعام او عن اي شيء يمكن بيعه والحصول مقابله على ما يبقيهم قيد الحياة ليوم اخر، إلى الحد تجاوز حاجز الفقر ٤٠٪ ، وهذه الأرقام هي لصندوق النقد الدولي قبل إصلاحات الكاظمي وورقته البيضاء سيئة الصيت، فآخر ما يمكن الحديث عنه هو النفاق السياسي والكذب الذي يجب أن يكون جزء من السيرة الذاتية لهؤلاء المدونة أسمائهم كي يتأهلوا للعملية السياسي ويجدو لهم موقعا في النظام السياسي الفاسد في العراق. فلا تنتابنا ذرة استغراب ابدا اذا كانت وثيقة الجبوري هذه صحيحة.



المشكلة الحقيقة وسبب كتابتنا لهذه الأسطر هي في إصدار عدد من الفعالين العمال ومنظماتهم بيانات بإدانة التطبيع، وبالنتيجة يكونوا جزء من الخطاب السياسي للملكيين أكثر من الملك نفسه امثال المليشيات التي ذبحت المتظاهرين في وضح النهار في انتفاضة أكتوبر.

السؤال الذي نطرحه على هؤلاء الاعزاء، ما علاقتنا نحن العمال مع السياسات البرجوازية بين الدول المرفوضة من قبلنا! ما هي مصلحتنا نحن العمال سواءً أكانت هناك علاقة بين العراق واسرائيل او بين امريكا والسعودية، هل ستعيد تلك العلاقات أو من عدمها سعر العملة العراقية الى قيمتها قبل الورقة البيضاء التي فاقمت من إفقار المجتمع، هل توفر لنا فرص عمل أو تسن قانون ضمان بطالة لأكثر من ١٢ مليون عاطل عن العمل، هل تسن قانون ضمان اجتماعي إنساني لنا في الوقت الذي تحاول الحكومة التنصل من دفع مستحقاتها لصندوق الضمان، هل توفر الخدمات والضمان الصحي وتعيد وهج التعليم لنا، هل ستنهي الظلم الطائفي في المناطق الغربية بحيث ندفن المستنقعات الطائفية ، بعد ان طرد المالكي وهو أحد الذين وردت اسمائهم في الوثيقة المذكورة واكثرهم صلافة بالتطبيل ضد التطبيع، نقول طرد البعوض منها ورش الظلم الطائفي عليها ليكون مرتعا خصبا لنمو داعش، هل ستنهي مأساة الأيزيديين ونطوي ملف مصيبة النازحين، وهل يمكن مسح اثار التطهير الديني بحقهم وبحق المسيحيين والصابئة...الخ.

أليست كل العلاقات  بين الحكومات والدول وأجهزة مخابراتها تجري خلف الكواليس وبشكل سري وبعيده عن أعيننا نحن العمال ولم يأخذوا رأينا يوما ما بها، وعلاوة على ذلك، فما بالنا ننسى كيف تمتص تلك الحكومات عرقنا ودمائنا مثلما تفرض شروط عمل قاسية علينا لزيادة أرباحهم كما هو حال رفاقنا العمال في الشركات النفط الاجنبية في المدن الجنوبية وشركات السمنت الفرنسية مثل لافارج في طاسلوجة السليمانية وكربلاء وغيرها، ومثلما تمتص دولة اسرائيل الفاشية عرق رفاقنا العمال الفلسطينيين في اسرائيل وتستغل وضعهم المعيشي لفرض شروط عمل قاسية عليهم ناهيك عن التمييز والظلم القومي ضدهم من أجل استثمار استغلالهم على أفضل حال.

ان التطبيل والتزمير لإدانة التطبيع ليس أكثر من تجديد هوية تالفة حول القضية الفلسطينية لإعادة الإنتاج السياسي لجماعات الإسلام السياسي بعد ان فقدوا شرعيتهم الاجتماعية والسياسية على اثر ضربات انتفاضة اكتوبر وليس أكثر.

ان التطبيل والتزمير بإدانة التطبيع هو من اجل طمس او التعمية على كل جرائمهم السياسية والاقتصادية والمالية، وفسادهم الذي اصبحت رائحته اقوى من رائحة جيف المستنقعات الآسنة، وبحاجة لا ان تدرج في سجل محاسبة منظمة الشفافية الدولية لهم فحسب، بل أيضا يجب ادراجها في بنود اتفاقيات المناخ وحماية البيئة بسبب تلك الرائحة النتنة التي باتت تلوث البيئة اجتماعيا وصحيا. فأي مصداقية تبقى لقضية مثل القضية الفلسطينية العادلة عندما تدافع عنها هذه الجماعات المجرمة، وقد ارتفعت عقيرتها حول التطبيع مع اسرائيل، في الوقت الذي قتلت مليشيات هذه الجماعات وذبحت وسرقت ونهبت وصادرت اراضي في جرف الصخر وحزام بغداد والموصل وسهل نينوى والانبار وديالى وقامت بتطهير طائفي وديني ضد جماهير العراق أكثر من دولة اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وخلال فترة قياسية.

أما المفارقة الاخرى  فلو أحصينا جرائم امريكا في العالم، ووحشيتها وقتلها لكل من اعترض سياستها في فيتنام حيث قتلت أكثر من مليون ونصف مليون شخص و في هيروشيما وناغازاكي قتلت أكثر من ربع مليون انسان، وفي كمبوديا ولاوس وفي الحرب الكورية وفي العراق وافغانستان، هذا ناهيك عن الانقلابات العسكرية الدموية التي قامت بها (السي آي أي ) في إيران والعراق واندونيسيا وتشيلي والقائمة تطول،  فهي الأكثر دون مقارنة مع إسرائيل، علاوة على الدعم السياسي والعسكري والمالي والاستخباراتي اللامتناهي من قبل امريكا لإسرائيل، اذ لولاه لما تحولت الاخيرة الى دولة فاشية ومارقة مثلما يسميه  الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي، وتمارس البلطجة مثل عرابها بحق الشعب الفلسطيني دون محاسبة، ومع هذا، هناك علاقات طيبة مع امريكا والكل يحج الى سفارتها ويطلب العون والدعم منها. هل هذا نوع من الازدواجية أم حماقة سياسية ام نفاق سياسي، او ما زال الوعي العربي أسير العقل الباطن الذي يبدو غافيا لحد الان؛ بان القضية المركزية للأمة العربية هي فلسطين في الوقت الذي ان حماة الأمة العربية اصبح لهم علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل وتتسابق بالحج إليها، مثل مصر والأردن والمغرب والسودان والبحرين والإمارات. وهناك قافلة اخرى من حماة القدس التي سميت (بعروس عروبتهم) في يوما ما، لتأجيج المشاعر الرجعية والمتخلفة للرجولة القومية العربية، ولم يسموه (بعريس عروبتهم) لان اغتصاب الرجل ويبدو اذا كان عريسا او لا فلن تحرك المشاعر الاسنة عند العقل العروبي المتخلف، وقد تلقفه سريعا الإسلام السياسي ومليشياته، وهذا هو السر في رفع شعار أن (الحشد الشعبي حامي اعراضنا)، نقول هناك قافلة ومع هذا ستلتحق بقافلة التطبيع مع  إسرائيل  وهي سلطنة عمان والسعودية ودول اخرى في ظل تطورات سياسية كبيرة، ومحورها حل إسرائيل كقوة اقليمية صاعدة ومنافسة الى تركيا وإيران في المنطقة بدلا من الولايات المتحدة الأمريكية.

أن  السخرية لا تكمن فقط عند هذه الحدود، فمنظمة التحرير الفلسطينية صاحبة القضية الفلسطينية لها علاقات طبيعية مع إسرائيل وخاصة في الجانب الأمني والاستخباراتي، وحماس التي هي جزء من محور "المقاومة والممانعة" رفعت او الغت بند تدمير دولة اسرائيل في مؤتمرها قبل اربع سنوات وتحاول جاهدة التفاوض مع إسرائيل والقبول بمبدأ حل الدولتين، وارسلت وفدها الى المغرب قبل انتخاباتها التشريعية لتبارك الاخوان المسلمين وتعلن عن تأييدها لهم بعد اتفاقية التطبيع مع اسرائيل عندما كانت اي الاخوان المسلمين تقود الحكومة المغربية،  فعلى من نزايد، وهل سنربح المزايدة في سوق تحرير فلسطين.

واخيرا نقول ألم يحن الوقت لتبديد الاوهام، الم يحن الوقت لنقول نحن العمال الى من يطبّعَ مع اسرائيل او لم يطبع؛ كفاكم كذبا ونفاقا، فلمدة اكثر من نصف قرن مارستم شتى أشكال الاستبداد و فرضتم القهر علينا ومنعتم حقنا بممارسة كل أشكال الحريات وحولتم حياتنا الى ماساة وفقر وعوز وفاقه، و شيدتم من عرقنا وكدنا قصوركم  تجاورها زنازين وسجون لنا، و استوردتم حتى أدوات التعذيب من بريطانيا وفرنسا وبخبرة إسرائيلية لترويضنا وتحت عنوان تحرير فلسطين وحماية البوابة الشرقية، واليوم تحاولون ان تعيدوا الكرة، الا انكم تعيدونها عبثا و هذه المرة بسخرية مثلما يقول ماركس، التاريخ يعيد نفسه مرتين، الاول بشكل تراجيدي والثاني بشكل كوميدي. فهل هناك اكثر المشاهد التي هي أقرب الى مسرحية يمثل فيها ممثلين فاشلين امثال الفياض العامري والخزعلي والمالكي تثير السخرية والتهكم وهم يحاولون سرقة هوية مزيفة  لانتحال صفة محور المقاومة والممانعة!





مشعان الجبوري

يعلنها بصراحة تامة؛

الأحزاب ورجال الدين والطبقة الحاكمة بالعراق بعد 2003 وإلى اليوم هم أول من وافقوا على التطبيع مع إسرائيل منذ مؤتمر لندن

ففي مؤتمر لندن الذي ضم كل أحزاب المعارضة بذاك الوقت  طلب ممثلون من اسرائيل حضروا المؤتمر و بإسناد قوي من أمريكا وبريطانيا طلبوا من الحضور توقيع على وثيقة يتعهدون بها بإنهاء الصراع مع إسرائيل والقيام بخطوات مستمرة للتطبيع مع اسرائيل مقابل تعهد اسرائيلي امريكي بريطاني بتسليم هؤلاء السياسيين الحكم في العراق وتأمين استمرارهم بسدة الحكم لمدة 50 سنة وتم توقيع الجميع على وثيقة الخيانة والعار وثيقة تنفيذ المطالب الإسرائيلية البريطانية الأمريكية وتم هذا برعاية زلماي خليل زاد وبحضوره.

 وزلماي خليل زاد مبعوث الادارة الاميركية الخاص بالتنسيق لاحتلال العراق وحضور ديفيد بيرس مع ممثلين عن وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين وممثلون عن جهاز الامن القومي الأميركي ووزارة الخارجية  البريطانية و ممثلون من إيران وأعضاء من الكنيست الإسرائيلية والموساد؛

وهؤلاء هم من وقع على الوثيقة وأنا منهم لكني لن اكذب واعلنها صراحة للجميع. ..

فكافي كذب على شعب العراق المسكين وكافي شعارات خرقاء ومزيفة :

1- إبراهيم الجعفري

2- أحمد الجلبي

3- العقيد احمد علي محسن

4- أكرم الحكيم.ح المجلس الأعلى

5- ألبرت يلدا

6- إياد السامرائي

7- إياد علاوي

8- أيهم السامرائي

9- السيدة بيان الأعرجي

10- بيان جبر صولاغ

11- توفيق الياسري

12- جلال طالباني

13- جنيد منكو

14- جواد العطار

15- جوهر نامق

16- حاتم مخلص

17- حاتم شعلان أبو الجون

18- حاجم الحسيني

19- حامد البياتي.ح المجلس الأعلى

20- حسين الجبوري

21- حسين الشعلان

22- المعمم حسين الشامي. ح دعوة

23- رضا جواد تقي

24- السيدة سعاد الكريماوي

25- سعد البزاز

26- سعد جواد

27- سعد صالح جبر

28- سعدون الدليمي

29- سنان الشبيبي

30- صادق الموسوي.ح دعوة

31- صفية السهيل

32- صلاح الدين بهاء الدين

33- صلاح الشيخلي

34- صنعان أحمد آغا

35- طارق الأعظمي

36- عادل عبد المهدي.ح المجلس الأعلى

37- عباس البياتي: ح الدعوة

38- المعمم :عبد العزيز الحكيم. ح المجلس

39- عبد الستار الجميلي

40 المعمم .عبد المجيد الخوئي.مؤسة الخوئي

41- عز الدين سليم .ح دعوة القوى الإسلامية

42- علي بن الحسين..ح الملكية

43- غسان العطية

44- فاروق رضاعة

45- فؤاد معصوم

46- قادر عزيز

47- كريم أحمد

48- كنعان مكية

49- كوسرت رسول علي

50- كوران طالباني

51- المعمم.محمد بحر العلوم

52- المعمم.محمد تقي المولى.ح المجلس ال

53- معمم.محمد الحيدري.مجلس الأعلى

54- محمد عبد الجبار

55- محمد الحاج محمود

56- مسعود بارزاني

57- مشعان الجبوري

58- مضر شوكت

59- موفق الربيعي

60- ناجي حلمي

61- نجم الدين كريم

62- هوشيار زيباري

63- اللواء الركن وفيق السامرائي

64- وليد محمد صالح

65- يونادم يوسف كنا

66-المعمم :سامي البدري.ح دعوة

67-حسن النقيب

68-ابراهيم محمد بحر العلوم

69-المعمم مصطفى الغزويني

70-المعمم :حسين الصدر.عن عائلة الصدر

71-نبيل الموسوي .دعوة

72-انتفاض قنبر

73خضير الخزاعي .دعوة

74-المعمم.همام حمودي .المجلس الأعلى

75-علي الاديب .دعوة

76-سمير الصميدعي

77-نوري جواد المالكي .دعوة

78-المعمم خالد العطية .دعوة

79-المعمم طالب الرفاعي .ح دعوة

80-المعمم مضر الحلو .مؤسسة الخوئي

81-المعمم فاضل الشهلاني .مؤسسة الخوئي

82-جواد الشهرستاني

83-عدنان الباججي

84-عبدالكريم ماهود .حزب الله

85-سامي العسكري .دعوة

86-وليد الحلي .دعوة

87-المعمم علي العلاق .ح دعوة...

وأنا اتحدى أي شخص ينكر ذلك فكل ما ذكرته ورد في وثيقة مؤتمر لندن الذي تم برعاية الصهيونية.





68

مكانة الإسلام السياسي في سياسة امريكا

أمريكا تعوم الصدر في العراق



سمير عادل

حقوق الإنسان والديمقراطية، القانون الدولي، هما المفاهيم الاساسية التي تستند عليها الخطاب السياسي في استراتيجية الأقطاب الدولية المتصارعة لحماية مصالحها وحلفائها وتبرر من خلالها التدخل في قمع الحركات والتيارات المعارضة لها.
الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يعتمد نفاقهما السياسي في خطابها السياسي على حقوق الإنسان والديمقراطية، بينما تعتمد الصين وروسيا في دوسها على القيم الانسانية بحماية القانون الدولية وشرعية حكوماتها وبغض النظر عن تورطها بجرائم ضد الإنسانية.
وعلى اساس هذين المفهومين تسوق تلك الاقطاب "مصداقية" صراعها مع الدول والحكومات لتحقيق مصالحها. وموقع الإسلام السياسي في تحقيق استراتيجية هذين المفهومين هو نسبي وحسب درجة خطورتها على مصالح تلك الدول. فمثلا لم يتقاطع الغرب مع الاسلام السياسي في الحرب الباردة، بل وكان افضل  سلاح واقوى بمرات عديدة  من سلاح ستينغر الذي غير موازين القوى في حرب السوفييت في أفغانستان لصالح الغرب. وبغض النظر عن المحتوى الفكري والسياسي الذي تستند عليها ايديولوجية جماعات الإسلام السياسي الذي يحمل في مجمله  تحقير الإنسان وضرب تطلعاته وامنياته ولا يملك أية قيمة تذكر في قاموسه، ودمه مهدور أبدا طالما يفكر خارج الصندوق الذي تضعها المنظومة الاسلامية، فالإسلام السياسي كان دوما محل ترحيب لدى الغرب وحلفائه قبل الشرق طالما لا يهدد مصالحها، وكان حليفا قويا له في حربهم الباردة ضد الشيوعية والحركات المعادية للاستعمار والهيمنة الغربية في منطقة الشرق الأوسط. ولم يتقاطع الغرب مع الإسلام السياسي الا مع مجموعة القاعدة،  وهو من دعمها لتكون أداة التعبئة التنظيمية والسياسية والفكرية لتجنيد الآلاف من الشباب وارسالهم الى الحرب في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي، وتقاطع ايضا مع دولة الخلافة الاسلامية لأن الأخيرة أرادت تغيير الجغرافيا السياسية واعا\ت صياغة اتفاقات جديدة  لتقسيم النفوذ السياسي للأقطاب الرأسمالية العالمية التي جاءت في اتفاقية سايكس بيكو وغيرها، وخرجت عن الخطوط الحمر التي وضعها الغرب لها. كما ويجدر بالذكر مساهمة الغرب في دعم وصول الخميني إلى السلطة للالتفاف على الثورة الإيرانية وتفريغها من يساريتها وشيوعيتها عبر الدعم الإعلامي لخطب الخميني و بثها الإذاعي في (بي بي سي) البريطانية و(مونت كارلو) الفرنسية وصوت امريكا، ووصل الدعم الى حد نقل الخميني على متن طائرة خاصة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية الى طهران.  وهكذا وكما قلنا في مناسبة اخرى، كان هدف الولايات المتحدة الامريكية بدعم الإسلام السياسي بعد الثورتين المصرية والتونسية والذي أوصل محمد مرسي واخوان المسلمين وحركة النهضة التونسية للسلطة في مصر وتونس الى السلطة، هو من اجل بناء جدار لصد الحركات الداعية للتحرر والمساواة وفرص العمل والكرامة الانسانية وتحقيق كل أشكال الحريات الفردية والانسانية، التي بالأساس تعني تقويض ارباح الامبريالية العالمية، وايضا تعني تقليص النفوذ السياسي للغرب وهيمنته في المنطقة. وكان مشروع دعم الاسلام السياسي يصب بإعادة تموضع الامبريالية الامريكية ورسم سيناريو جديد للتمدد الأمريكي في المنطقة وشمال أفريقيا من خلال بوابة الإسلام السياسي الذي أوجد اسما لتلطيف وحشيته وهو الإسلام المعتدل. واستطاع الغرب بقيادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من تقديم كل اشكال الدعم  للإسلام السياسي  بعد الثورتين المصرية والتونسية لتحريفها وقلبها ومن ثم اجهاضها، حيث قايضت الجماهير المحرومة التي اسقطت اعتى نظامين وهما مبارك وبن علي بالأمان مقابل الحرمان من الحقوق والحريات والمساواة. وجاء هذا الدعم بشكل جلي وواضح من خلال تأسيسها لكل العصابات الاسلامية واعادة سيناريو سياستها أثناء الحرب الباردة في أفغانستان في سورية والمنطقة، حيث فتحت مساجد وجوامع تلك الدول للخطب الاسلامية التعبوية وإرسال الشباب الى سوريا و بمعاونة مخابرات تلك الدول وبالتنسيق مع المخابرات التركية لتنتج بالأخير دولة الخلافة الاسلامية، التي كان قبل اجتياحها ثلث مساحة العراق بعامين، يجلس جون مكين رئيس لجنة التسليح في الكونغرس الامريكي مع  ابو بكر البغدادي زعيمها في الأراضي السورية ليقدم له المشورة والدعم.
واخيرا جاء تسليم افغانستان الى طالبان وهي لا تقل وحشية واجرام بحق الانسانية عن داعش، الا ان الولايات المتحدة الأمريكية عومت الأولى وقامت بتأهيلها للسلطة بينما شنت حربا عالمية على داعش، وكلاهما داعش وطالبان هما من صنيعة الغرب من خلال دعمهما سياسيا وعسكريا وماليا.
ما نريد ان نقوله ان مفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية هي يافطات سياسية لتبرير التدخل الأمريكي والغربي إذا ما تعرضت مصالحها للخطر. وأصبحت تلك المفاهيم ادوات ابتزاز الحكومات والدول التي تعارض مصالحها. ولعل اكثر الاحداث إثارة وتكشف عن الوجه المنافق القبيح لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية خلال فصول من تاريخها الدموي هو المكالمة الهاتفية الشهيرة التي جرت بين هنري كيسنجر وزير خارجية امريكا وسوهارتو الرئيس الاندونيسي عندما غطت وسائل إعلام عالمية  المجازر التي ارتكبها الجيش الاندونيسي أثناء انقلابه العسكري على الحكومة الموالية للسوفييت، اذ تفيد الارقام بأنه قتل ما يقارب مليون شخص من الشيوعيين واليساريين ونشطاء عمال ونساء تحرريات اضافة الى اعتقال وسجن الاف، وكان سوهارتو يحاول تبرير ما يحدث في اندونيسيا، ورد عليه كيسنجر بأنه يقدر ذلك، ويتفهم ما يحدث.

وعليه ليس هناك تقاطعات بين الإسلام السياسي والغرب كأنظمة سياسية ومصالح اقتصادية ومالية، بالرغم ان الاول يمثل عصر التراجع الإنساني والوحشية البشرية على جميع الاصعدة، في حين يمثل الثاني ثمرة نضال الانسانية وتقدمها المدني والحضاري. أن الفيصل كما ذكرنا هو المصالح وليست المفاهيم. وتكشف نماذج الإسلام السياسي التي وصلت الى السلطة، عدم وجود أية مشكلة للغرب معها إلا في حدود المزايدة السياسية للاستهلاك الإعلامي لذر الرماد في العيون أمام الرأي العام العالمي حول مصداقيتها على اللافتات السياسية التي تعلقها عن حقوق الإنسان.  فها هي تسلم افغانستان الى طالبان دون ان يرف لها جفن، وتعمل جاهدة على عقد صفقة مع الجمهورية الاسلامية حول الاتفاق النووي وتمددها في المنطقة، وتأسفت من قبل على سقوط الإخوان المسلمين على يد الجيش المصري بسبب اجهاض مشروعها الإسلامي “المعتدل”. ولم تكن لديها مشكلة مع دولة الخلافة الاسلامية الا عندما حاولت تغيير الخارطة الجيو سياسية. واذا ما اخذنا حقوق الإنسان كمعيار لتقييم حركة طالبان والجمهورية الاسلامية في ايران ودولة الخلافة الاسلامية، فأن الاختلاف بينها هي درجة وحشيتها وليس أكثر.

التيار الصدري في السيناريو الأمريكي في العراق:

 لا داعي للتكرار والتحدث عن فشل المشروع الأمريكي في المنطقة الذي تمثل بمشروع الشرق الاوسطي الكبير عبر الغزو واحتلال العراق. وبعد ذلك واجه الغرب عموما تداعيات الثورتين المصرية والتونسية التي حاولت تغيير المعادلات السياسية، لذلك لجأت الى استراتيجية الفوضى الخلاقة التي نادت بها كوندريزا رايس مستشارة الامن القومي في إدارة اوباما، وهي عبر إحداث تعميم الفوضى الامنية في البلدان التي هبت عليها نسائم الثورتين أو الاستفادة منها. وجاء دعم الإسلام السياسي وكل عصاباته وجرائمه  لتحقيق الاستراتيجية المذكورة في سورية وليبيا واليمن.

إن معضلة السياسة الامريكية التي تواجهها اليوم في العراق هي ترسخ النفوذ الإيراني. وكما نعرف ان نفس الادارة الامريكية قامت بدعم المليشيات الموالية لإيران وعلى راسها مليشيات بدر التي يرأسها رئيس تحالف فتح هادي العامري، تحت عنوان الحرب على داعش بالعلن ولكن الحقيقة التي تكمن ورائها جر هذه الميلشيات تحت عباءتها. وبعد فشلها، أي فشل احتوائها وانتزاعها من حض الجمهورية الاسلامية، ألغت قرار التمويل بقرار من الكونغرس الامريكي قبل أشهر لتضع نهاية كذبتها وهي الحرب على داعش.

ان افضل انواع جهاز الحماية للمصالح الامريكية في العراق وبمواجهة المليشيات الولائية هو في اختيار تيار يشترك معها عقائديا وهي الايدلوجية الاسلامية ويتقاطع معها سياسيا في النفوذ والمصالح، ولها قوى ميلشياتية تردعها.

ان التيار الصدري هو افضل الخيارات السياسية أمام السياسة الامريكية، فهو تيار شعبوي قومي بمسحه ايديولوجية اسلامية وله مليشيات ويستمد قوة زعيمه من قوة تاريخ أبيه الذي يعتبر أحد المراجع الاسلامية المنافسة. وفي نفس الوقت ان التيار الصدري بأمس الحاجة اليوم الى الدعم الأمريكي بعد انحسار نفوذه الاجتماعي والسياسي تحت ضربات انتفاضة اكتوبر، فهو الملاذ الأخير للحماية مصالحه الاقتصادية ونفوذه السياسي من المليشيات الولائية التي تسيطر على الحشد الشعبي ولها إمكانيات مالية ولوجستية وعسكرية كبيرة بما لا يقاس مع الامكانات التي تملكها مليشيات التيار الصدري.
وهذا يفسر مواقف الصدر بتأييده لاتفاقية الكاظمي مع السعودية والإمارات ومشروع المشرق الكبير مع الأردن ومصر وتأييده لاتفاقية بايدن-الكاظمي الأخير حول شرعنة جديدة للوجود الأمريكي و بعنوان مختلف في العراق.
وقد نشرت الصحف الامريكية مؤخرا ان التيار الصدري هو البديل الذي تعول عليها ادارة بايدن في انتخابات اكتوبر في هذه المرحلة لمواجهة النفوذ الإيراني. طبعا ان ايران تعرف خطورة ما يشكله التيار الصدري منذ انتفاضة أكتوبر الذي ظهر كتيار يحاول التّصيد في الماء العكر أثناء انتفاضة اكتوبر، حيث استغلت الفرصة للإطاحة بحكومة عبد المهدي الموالية لإيران والمدعومة من المليشيات الولائية. ولم يكن قصف الحنانة في مدينة النجف مقر مقتدى الصدر بطائرة مسيرة في تلك الفترة إلا رسالة للصدر من أجل تعديل موقفه وجره الى خندق المليشيات الولائية.

 ليس مهماً السجل الدموي للمليشيات التيار الصدري في قتل المعارضين والتي كان اخر فصولها هجوم بلطجية المسماة القبعات الزرقاء على المتظاهرين في ساحات وميادين الاحتجاجات امام انظار الكاظمي الذي غض الطرف عما فعلتها تلك المليشيات، ولم يدرجها في خانة "السلاح المنفلت" لأنه وصل الى السلطة بدعم التيار الصدري ولم تسحب منه الثقة بالرغم من تحرشه بالمليشيات الولائية وتجفيف منابع تمويله ومحاولته بإعادة العراق الى "الحضن العربي" لان مقتدى الصدر يقف بالمرصاد لكن من ينال من الكاظمي في البرلمان، وليس مهماً معاداة الصدر للنساء عندما دعا الى فصل الاناث عن الذكور في انتفاضة أكتوبر عندما وجد أن صوت المرأة أصبح عاليا وبات يهدد هويته الاسلامية، وليس مهماً تهشيم رؤوس المثليين بالبلوكات من قبل مليشياته، وليس مهماً حلق رؤوس مخالفيه، وليس مهماً المقبرة  الجماعية في منطقة السدة في بغداد التي تورطت مليشياته بالتطهير الطائفي عام ٢٠٠٦- ٢٠٠٨، وليس مهماً حجم الفساد المتورط به، نقول ليس مهماً (سيفي) أو سجل مقتدى الصدر امام الادارة الامريكية  وتياره طالما إنه البديل الامثل لمواجهة نفوذ المليشيات الولائية واكبر صمان امان لمصالح امريكا في العراق والمنطقة.
مرة اخرى نقول لأولئك الذين ترتجف قلوبهم من الانسحاب الامريكي من العراق، او الذين ما زالوا غارقين  بأوهام بان امريكا السد المنيع للدفاع عن حقوق الانسان في العالم، بأن من وضع الإسلام السياسي على رقاب الجماهير واصبحت جاثمة على صدورها هي نفسها الولايات المتحدة الامريكية، وهي الان تحاول اعادة هيكلة الاسلام السياسي وتمثيله بالتيار الصدري الذي لم يكن اقل اجراما من المليشيات الولائية بحق البشر في العراق، ولم يكن أقل فسادا منها.

إن الحمل الثقيل لا يحمله إلا أهله كما يقال، فالدفاع عن الإنسان وقيمته وحريته، واعادة الكرامة الانسانية الى البشر وانهاء كل اشكال التمييز ضده مرتبط بالتيار التحرري المتجذر في عمق المجتمع العراق، وهو وراء عدم تحويل العراق الى افغانستان اخرى.




69
المقاطعة سياسة انتهازية
المقاطعة والعملية السياسية والانتخابات
سمير عادل
 المقاطعة سياسة انتهازية بامتياز، فهي تعني الضغط على القوى الفاسدة والمجرمة لانتزاع أو تحسين السهم او الحصة في العملية السياسية للجهة التي تقاطع، فالمقاطعة هنا ليست أكثر من إبداء الرغبة بالمشاركة بالعملية السياسية شرط توفر مكانة مناسبة في صفوف الفاسدين واللصوص والحرامية.
 الجميع يعرف أنَّ أساس الفقر والعوز وغياب الخدمات وانعدام الأمان وانفلات المليشيات وجرائمها على طول جغرافية العراق وعرضها متأتي من العملية السياسية، على ما يقارب من العقدين من الزمن، فالأحزاب والقوى والشخصيات  بما فيها المالكي والعامري، التي جاءت ونُصّبَت على رقاب الجماهير بفضل الغزو الأمريكي، كانوا يصفقون بحماسة لجرائم الاحتلال، بينما اليوم يزايدون على إنهاء الوجود الأمريكي، وارتهنوا كل مقدرات العراق وثرواته ومصير جماهيره إلى الجمهورية الإسلامية في ايران، وحولوا مساحة واسعة من العراق إلى حديقة خلفية لجمهورية خامنئي صاحب المقولة الشهرية التي عبر عنها عبر قادة فيلق القدس إلى (مكونات) البيت الشيعي  “وحدة الطائفة فوق الوطن”، في حين حولوا القسم الآخر إلى مرتع للقواعد الأمريكية، وها هم اليوم ترتفع عقيرتهم وتتعالى صرخاتهم، بأن صفقات الكاظمي مع السعودية والإمارات هي استعمار جديد.
هؤلاء المتورطين بأشكال مختلفة بدماء جماهير العراق ونهب ثرواتها هم من يريدون إدامة العملية السياسية بالرغم من كل مالت إليها أوضاع العراق.
يقول ألبرت آينشتاين صاحب النظرية النسبية، أن من يعتقد أنَّه سيحصل على نتائج إيجابية من تجربة فشلت عدة مرات، فهذا يعني الجنون بعينه، ولكنه لم يحالفه الحظ كي يختبر تجربة العملية السياسية في العراق ليضيف له؛ انه الأحمق وحده من يعتقد بعد ما يقارب عقدين من الزمن وإجراء عدة انتخابات، بأنَّ السماء في العراق ستمطر المن والسلوى، وسيهبط علينا من كوكب المريخ صف جديد من الأحزاب ومن القوى غير الإسلامية وغير قومية عبر العملية السياسية لتنقل العراق إلى بر الحرية والمساواة والأمان.
علينا أنَّ نؤكد بأنَّه لا تحسن في الظروف المعيشية للجماهير دون إنهاء العملية السياسية، فلا حل لإنهاء المليشيات أو كما يسميها الكاظمي بالسلاح المنفلت دون إنهاء العملية السياسية، لا طريق توفير الخدمات دون إنهاء العملية السياسية، لا حديث عن المساواة والحرية في ظل هذه القوى الفاسدة، ودون ترحيلها إلى الكهوف التي قدموا منها.
إنَّ (أفضل) النتائج التي حصلت عليها جماهير العراق عبر انتفاضة تشرين أكتوبر هي حكومة الكاظمي، وهي من صورت بشكل كاذب وخادع للجماهير المنتفضة أنها جاءت تلبية لتضحيات الانتفاضة، هذه الحكومة المنبثقة من العملية السياسية شرعت الورقة البيضاء، إقامة هدنة مع المليشيات على حساب أمن وسلامة الجماهير بعد أن صدع رؤوسنا بأنَّها منفلتة، وقد غض الطرف عن كل جرائمها، وبات اي الكاظمي يهادنها ويتملق لها، إنَّه يساوم على دماء المنتفضين، وباع كلمات معسولة لم تنطلِ حتى على الذين لا يعرفون الوضع العراقي. تلك الحكومة التي جاءت بدعم مقتدى الصدر الذي لا ينازعه احد بالفساد وبرعاية ميليشياته المنفلتة، ويتبجح على الجميع دون اي خجل او حياء ويزايد على الفاسدين والمجرمين بأنه يريد الإصلاح. والإصلاح في نظره تنحية القوى المنافسة له من المالكي والعامري والحكيم كي يتربع على كرسي الفساد لوحده، وكأننا نسينا ما فعلتها أصحاب القبعات الزرق بالمتظاهرين في انتفاضة أكتوبر في ساحات الانتفاضة في الناصرية وبغداد وكربلاء والنجف، أو وزرائه في ميادين الخدمات مثل الصحة والكهرباء وغيرها التي فاحت رائحة فسادهم اكثر من رائحة الجيفة والمستنقعات الزبالة التي تزين بغداد، إنَّ الصدر هو من اعلن مقاطعة الانتخابات، ليجسد معنى (المقاطعة) التي نتحدث عنها، عندما وجد أنَّ حظوظه ستقل في هذه الانتخابات، وحين وجد أنَّه لا مفر بأن لا احد يسمع دعواته، تراجع عن موقفه بالمقاطعة، كي يحافظ على الأقل بأي حصته في هذه الانتخابات.

وأخيرا فإننا عندما نقول لا أمن ولا أمان، لا حرية ولا مساواة، لا امل بالتغيير دون إنهاء العملية السياسية، والسبب هو أنَّ الانتخابات القادمة ليست إلا تعميقاً للأزمة السياسية ، وحلقة أخرى لإدارة تلك الأزمة  بدلاً من حلها على حساب أمن وسلامة ورفاه جماهير العراق، فكل الذين يقودون اليوم القوائم الانتخابية مثل العامري والمالكي والحكيم والصدر والخزعلي والفياض والحلبوسي والخنجر…الخ  يجب أن يكون مكانهم في المحاكم العلنية، بتهم جرائم الفساد والنهب وقيادة مليشيات لتقتل بدم بارد وتنظم حملات التطهير الطائفي وانتهاكات حقوق الإنسان، أن آليات العملية السياسية التي أرست على أسس المحاصصة القومية والطائفية، وتقوم على دعامتي الجمهورية الإسلامية و الماكنة العسكرية الأمريكية هي من تأهل هؤلاء المتهمين لترشيح انفسهم إلى الانتخابات بدل من القصاص العادل بحقهم.
وعليه فإنَّ اقصر الطرق هو برفع الشرعية عن العملية السياسية عبر إفشال الانتخابات وتحويل غضب وسخط الجماهير إلى حركة عظيمة تكنس هؤلاء من المجتمع، إنَّ قدر الجماهير ليس البرلمان، انه صورة مخادعة وضعتها الماكنة العسكرية الأمريكية عبر الاحتلال وصورتها الأقلام المأجورة لتضعها كطوق اسر على رقاب الجماهير، لذا فنحن نرى أنَّ السلطة المنبثقة من الجماهير مباشرة عبر تأسيس أشكال تنظيمية مختلفة مثل لجان او مجالس المحلات والمعامل والدوائر الحكومية والجامعات، واختيار ممثليها لتأسيس هيئة سياسية تحكم العراق وتنفذ برنامج الامن والحرية والمساواة، والذي لا يحتاج إلى المليارات من الدنانير المسروقة من جيبونا للدعاية الانتخابية، ولا انتظار لأربعة سنوات كي يسنوا خلالها القوانين المعادية لنا.

70
التجنيد الإجباري بين تأسيس الدولة القومية ومزاولة القمع بالسخرة
سمير عادل
لم يكن الجيش في أي يوم من الأيام، ولاسيما في التاريخ الحديث، أي منذ تأسيس الدولة القومية؛ بعد بزوغ النظام الرأسمالي، عزّ (الوطن) ولا هو شرفه، فالجيش هو جزء من آلة الدولة القمعية، وكان دائما عزّ الطبقة البرجوازية الحاكمة، وشرف الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية وترسيخ أركان سلطتها، وكما يقول ماركس؛ بأنَّ هذا التصور الخادع والكاذب الذي روجته البرجوازية ذاتها،  بأن الدولة فوق المجتمع وهي محايدة، بينما نراها في المنعطفات التاريخية والأزمات، وعندما تهتز أركان سلطة الطبقة البرجوازية تخرج عن حيادها الواهم والخادع لتقمع كل من يعترض قوانينها وهيبتها وتعريض مصالحها إلى الخطر، فالجيش كان دائما عدو الطبقة العاملة والكادحين والمحرومين، وليس هذا فحسب بل أنَّ الدولة موَّلت آلة الجيش تلك، عن طريق فائض القيمة الذي ينتزع من العمال، والضرائب التي تفرض عليها والثروات التي تستحوذ البرجوازية عليها عن طريق النهب والسلب، وفي نفس الوقت يغذون تلك الالة عبر الخداع والتظليل وقوانين العقوبات بنفس أبناء الطبقة العاملة والكادحين، ويسوقونهم إلى محرقة مصالحهم ليقتلوا فداء للحفاظ على عز وشرف الطبقة التي تستحوذ على ثروات المجتمع.
*****
بعيد احتلال العراق تمَّ حل الجيش العراقي من قبل الحاكم المدني للاحتلال بول بريمر، وتم إنهاء قانون الخدمة الإلزامية، وقد لاقى ذلك ترحيبا واسعا من قبل كل الموجودين اليوم في سدة السلطة من الشخصيات القومية والطائفية التي نصبتها قوات الاحتلال الأمريكي في مجلس الحكم ليتم بعد ذلك تعويم أحزابهم لحكم العراق عن طريق تدريبهم وتأهيلهم وتعليمهم  كل أبواب الفساد، كان ذلك جزء من خطة أمريكية وبموافقة وانسجام وتهليل تلك القوى الإسلامية والقومية الكردية، لإعادة هيكلة المجتمع العراقي سياسيا واجتماعيا وفكريا واقتصاديا كي تتلاءم مع السياسة الأمريكية التي لم تكن أكثر من هيمنة سياسية واقتصادية من خلال مشروعها (الشرق الأوسط الكبير)، وهذه الهيكلة لم تكن ترى النور دون تغيير او اجتثاث العقيدة العروبية والقومية المحلية (الوطنية) من المجتمع الذي طبعت به وطبعت بها الدولة عبر أربعة عقود من سلطة البعث القومية. أي بمعنى آخر، جاء المشروع الأمريكي منسجما مع البرنامج السياسي والأيديولوجي والعقائدي لجماعات الإسلام السياسي الشيعي  او للقوى القومية الكردية.  و كل التصريحات والحوارات التي تأتي هنا وهناك من قبل تلك الجماعات عن تحميل ما آلت إليه الأوضاع الامنية والسياسية في العراق بحل الجيش العراقي وتسويقه على انه خطأ أمريكي، ليس اكثر من نفاق سياسي وكذب امتهنته تلك الجماعات التي تتلمذت على يد محترفي ومزوري الحقائق أي الاحتلال الأمريكي، وكان قرار حل الجيش بمثابة جزء من تلك الخطة لإنهاء العقيدة القومية التي تأسس عليها الجيش العراقي، ولذلك لم يجنح اي طرف من أحزاب الإسلام السياسي طوال سنوات الاحتلال وحتى في ثلاث دورات  ونصف لحكم الإسلام السياسي بدعم الأحزاب القومية الكردية نحو تشريع قانون الخدمة الإجبارية او التجنيد الإجباري.
اليوم ومثلما تحدثنا في عدة مناسبات، يأتي موضوع أو قانون التجنيد الإجباري (الإلزامي) ضمن مشروع أكبر للتيار القومي العروبي والمحلي الذي استرد زمام المبادرة عبر الصعود على أكتاف انتفاضة أكتوبر والذي يمثله اليوم الكاظمي، فقانون التجنيد الإجباري هو جزء من رزمة متكاملة للمشروع السياسي لذلك التيار كي يتحول إلى قوة سياسية وينهي الصراع على السلطة ويزيح القوى المليشياتية للإسلام السياسي ويقوّض النفوذ الإيراني في العراق، فالتيار القومي اليوم بالرغم من استرداد زمام المبادرة في العراق وبالرغم من امتلاكه لبرنامج اقتصادي تمثّل في الورقة البيضاء، ويحظى بمساندة إقليمية من الأنظمة القومية في الأردن ومصر وقد توج ذلك بعقد قمة بغداد، وقبلها الدعم المالي السعودي والإماراتي المهول لحكومة الكاظمي وقبلها تأسيس قناة إعلامية خاصة (MBC العراق) ورؤية لإعادة تأسيس مشروع الدولة، إلا أنَّ هذا التيار لا يمتلك الأداة الضاربة او القوة القمعية لتنفيذ مشروعه على أرض الواقع. فسلطة الإسلام السياسي الشيعي التي حاولت خلال ما يقارب من عقدين من بناء مشروعها السياسي على انقاض ما هدمته آلة الاحتلال من الدولة (القومية العروبية والوطنية) وبمعيتها كل المفاهيم السياسية والاجتماعية التي أنشأت على أساسها، وبالرغم من أنها لم تنجح فيما سعت إليه، إلا أنها ما زالت تقف حائلا ضد المشروع العروبي في العراق وتقاومه بشكل دؤوب. فكما يعبر عنه خامنئي عبر ممثليه من قادة فيلق القدس سواء كان سليماني او قاآني مع كل لقاء مع ممثلي البيت الشيعي، (وحدة الطائفة فوق وحدة الوطن). وعلى هبوب الغبار الذي تصاعد مع تقدم داعش في حزيران ٢٠١٤ حاولت تلك السلطة من تأسيس آلتها القمعية وهي الحشد الشعبي لبناء مشروعها إلا أنها ارتطمت بالممانعة الإقليمية والدولية، ورفض شعبي كبير الذي جاء عبر انتفاضة أكتوبر.
*****
إنَّ مشروع قانون التجنيد الإجباري الذي أشرنا إلى بنوده هو تعبير عن ظلم طبقي سافر، ويعكس الماهية المعادية لحكومة الكاظمي مع مصالح الجماهير، هذا ناهيك عن الجانب الحقوقي الذي سوف يأتي ذكره لاحقاً.
 من الملاحظ أنَّ بنود المشروع تشير إلى أنَّ من لم يكمل تعليمه فإنَّ مدة خدمته سنتين، والسؤال المطروح من الذي وقف بوجه أبنائنا بعدم إكمال التعليم؟ من الذي دمر البنية التحتية للتعليم، ومن الذي حول أطفالنا إلى باعة مفرق في الشوارع وهم في عمر الزهور كي يعولوا عوائلهم؟ في الوقت الذي لابد أن يكونوا على مقاعد الدراسة، ومن الذي وضع خطة لخصخصة التعليم وتحولت تأسيس الجامعات الخاصة من الأموال المنهوبة والمسروقة من جيوبنا إلى أكبر المنابع لدر الأرباح على رجالات العملية السياسية والتي يتقدمهم المالكي وجامعته (الأسراء) وسط بغداد؟ وأصبحت عائقا أمام الآلاف من الشباب إناثا وذكورا لتكملة دراستهم الجامعية كي يتجنبوا كمين الكاظمي ومشروعه التجنيد بالإكراه.
أما الجانب الحقوقي من المشروع، فهو يتناقض مع كل مبادئ حقوق الإنسان، فمقولة (الإجبار) او (الإلزام) تعني الإكراه وهي تعسف سافر ضد خيار الإنسان، ولعل قصة محمد علي كلاي الذي رفض الخدمة العسكرية والذهاب إلى فيتنام، والذي تحول إلى رمز شعبي في حقبة الحرب الفيتنامية، بانها حربا غير عادلة، هو نموذج عن رفض التجنيد الإجباري وخيار الإنسان بعدم الذهاب إلى الحرب، والسؤال هو أية حقانية كانت في الحرب الأمريكية على فيتنام، واي عز وشرف كان لذلك الجيش الذي قتل أكثر من مليون إنسان لمجرد رفضوا الهيمنة الأمريكية، هذا ناهيك عن كل التاريخ الاستعماري للجيوش الفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية. الخ.
 أن حقانية مشروع قانون التجنيد الإجباري تأتي من خلال فرضه بالقوة على البشر، فكل الحروب التي قادتها الدول لم تكن عادلة، وخاصة في العراق ومنذ تأسيس دولته، وتوج تاريخه بالانقلابات العسكرية بدء من انقلاب ١٩٣٦ و١٩٤١ و١٩٥٨ و١٩٦٣ و١٩٦٨ وتدمير القرى الكردية وتغييب ١٨٢ ألف إنسان ناطقين بالكردية وجريمة حلبجة وتجفيف الأهوار وقمع انتفاضة آذار. الخ. الم نذكر ما عشناه ورأينا من الإعدامات الجماعية في ملاعب كرة القدم المحلية او فرق الإعدام في الخطوط الخلفية في الحرب العراقية-الإيرانية، اي شرف كان لهذا الجيش وأي عز للوطن بناه هذا الجيش، هل كان لنا خيار مثل محمد علي كلاي بالرغم من تقديمه لمحكمة عسكرية وتحول إلى قضية رأي عام، نقول هل كان لنا خيار رفض الالتحاق بالخدمة العسكرية والذهاب إلى الحرب العراقية-الإيرانية، ألم تأخذ سلطة البعث ثمن الرصاص الذي قتل به الرافضين للخدمة العسكرية من أهاليهم. هل كانت الحرب العراقية-الايرانية حربا عادلة بالنسبة لجماهير العراق التي ارسلت الى محرقة الدفاع عن البوابة الشرقية للامة العربية بينام كان رجالات البعث من صدام حسين وقصي وعدي وحسين كامل وطارق عزيز ومن لف لفهم ينعمون بخيرات النفط مثلما ينعم اليوم المالكي والعامري والخزعلي وصالح والحلبوسي والخنجر والصدر والقائمة اطول من قائمة رجالات البعث. إنَّ ما نريد أن نقوله هو أنَّ التجنيد الإجباري هو تعدي سافر على الحرية الإنسانية ولا يمتلك أية حقانية غير الإكراه، على أنَّ كل المبررات التي تروج لتسويق وإقناع الرأي العام بالتجنيد الإجباري عن استنهاض قيم الرجولة وإنهاء الميوعة ليس اكثر من ترهات، فهي  سياسة لبناء بنية استعبادية وخاضعة خانعة لخلق نوع من البشر تخدم الطبقة السياسية الحاكمة، وتنفذ ما يطلب منها بشكل اعمى.
أما الجانب الاقتصادي من المشروع، فيكشف عن كل ألاعيب حكومة الكاظمي؛ بأن الدولة لا تمتلك مالا ويجب فرض سياسة التقشف، واستقطاع نسب تصل إلى ٢٠٪ من رواتب ومعاشات العمال والموظفين والمتقاعدين، وفرض الضرائب على المحروقات والاتصالات، بينما هي تملك تمويل جيش كبير من المجندين يدفع لهم بين ٥٠٠- ٧٠٠ ألف دينار حسب بنود المشروع المذكور. وعندما نتحدث عن حقانية ضمان بطالة ونطالب بالحد الأدنى كما يحدد قانون العمل بمبلغ ٣٠٠ الف دينار شهريا، تنقلب الدنيا ولا تقعد، ويقولوا لنا أن الدولة ليس لديها أموال، وان اقتصاد العراق ريعي، وأسعار النفط انخفضت، وأن مطالبكم خيالية وغير واقعية. الخ من الأكاذيب والهراء، فالكاظمي لم يأهل مصنع واحد من المصانع التي وعد وزيره للصناعة بإعادة تأهيل وتشغيلها ويصل عددها إلى ٢٠٠ مصنع وهي من كبريات المصانع في الشرق الأوسط، ولم يخصص ميزانية لها تتجاوز ميزانية الوقف السني والشيعي الذي رصد له بأكثر ٢ مليار دولار ، لتوفير فرص العمل، إلا أن الأموال جاهزة لبناء جيش جرار. أن المفارقة التراجيدية في مشروع التجنيد الإلزامي، هي أن حكومة الكاظمي التي تحاول أن تمثل قوانين الدولة تستغل الوضع الاقتصادي للشباب كي تجندهم عبر استغلال البطالة في صفوفهم، فيما تستغل القوى الولائية للجمهورية الإسلامية اي المليشيات نفس الوضع الاقتصادي كي تجند الشباب وترسلهم إلى محارقها الطائفية بدلا من محارق الكاظمي القومية التي يعد لها، أن الكاظمي لمرة أخرى عَبّرَ بمشروعه عن وجهه المعادي لمحرومي المجتمع وأبناء الطبقة العاملة مثلما كان في ورقته القبيحة التي سماها البيضاء.
*****
وأخيرا فإنَّ المضحك في هذا المشروع على الصعيد السياسي، هو سعي هذا التيار الذي يمثله الكاظمي بوضع العربة أمام الحمار وليس الحصان، فاللحمة الوطنية التي يحاول إقناعنا بها عبر التجنيد الإجباري ليس أكثر من نكتة سمجة، فبناء العقيدة في المجتمع وأي كان منبعها الأيديولوجي يبدأ بماهية السلطة، والسلطة الموجود هي سلطة طائفية بامتياز، إلا أنه الكاظمي وحكومته الفاشلة وبدلاً من رفع راية مشروع وهوية للدولة التي يحاول بنائها، مشروع دولة غير قومية وغير دينية، دولة قائمة على معاملة البشر على أساس المواطنة، دولة تنهي كل أشكال التمييز الطائفي والديني والجنسي، يأتي لنا بمشروع بناء آلة قمعية جديدة لإعادة اللحمة الوطنية كما يدعي، وهي في الحقيقة الاسم الحركي والسري للحمة الطبقية، أي إنهاء التشرذم السياسي للطبقة البرجوازية وتوحيدها وقيادتها من قبل التيار القومي عبر آلته القمعية الجديدة او التجنيد بالإكراه.

71
الكاظمي وصناعة الأوهام



سمير عادل

 قمة (التعاون والشراكة) كما سماها مصطفى الكاظمي، لجمع كل الاعداء والمنافسين وقادة الحرب بالوكالة على الساحة العراقية، لن تكن أكثر من فقاعة إعلامية، لتسويق صورة الكاظمي من اجل احراز نقاط لإعادة إنتاجه في المشهد السياسي بعد الانتخابات المبكرة المزمع تنظيمها  في ١٠ تشرين الأول القادم.

 ما يميز الكاظمي عن سلفه من رؤساء الوزراء في العراق الذين تفننوا بحرفة مهنة الكذب، سعيه المتواصل في إرساء صناعة الاوهام، بعد حرمان العراق من تأهيل أية مصانع ومعامل بقرار من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ غزو واحتلال العراق، والذين أشادوا بالكاظمي وورقته البيضاء عند زيارته الى واشنطن مؤخرا. فالكاظمي يحاول إرساء تلك الصناعة محل الصناعات الثقيلة التي كان يمتلكها العراق مثل البتروكيماويات والحديد والصلب ومجمع الاسكندرية لصناعة السيارات والاجهزة الدقيقة ..الخ,

على العموم لنبقى في موضوعنا، "قمة التعاون والشراكة"، التي ينفق الكاظمي الأموال عليها مما جمعه من تخفيض العملة العراقية على حساب العمال والموظفين وكل محرومي المجتمع. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذه القمة (التعاون والشراكة) التي يرفع لوائها لا تغدو أكثر من فقاعة اعلامية؟ لأنه ببساطة بالنسبة الى اي شخص او مراقب على اطلاع بسيط عن الوضع العراقي، فلا يمكن الاستنتاج حتى في منامه او خياله الصورة التي يرسمها الكاظمي عن دور العراق الممكن ان يلعبه في المعادلة السياسية الاقليمية والدولية. ان شر المصيبة ما يضحك مثلما يقول لنا المثل، والمصيبة هناك تكمن بأن العراق لا يمتلك اية أسس سياسية واقتصادية وعسكرية كي يكون بيضة القبان ويخلق التوازنات في المنطقة كما يحاول الكاظمي ترويجه عن دور العراق. فالتشرذم السياسي في الطبقة السياسية هو القوة المحركة للوضع السياسي ، حيث تتقاذفه صراعات النفوذ الاقليمي والدولي، ولا يمتلك حتى مقومات دولة كجهاز موحد وله هوية سياسية، ولا يمتلك اقتصادا على الاقل مثل مصر ولا نقل مثل اقتصاديات جي ٢٠ (البلدان الصناعية العشرين في العالم)، واخيرا لا يمتلك اية قدرة عسكرية تردع او تخشى منها الدول التي يستضيفها في القمة المذكورة، فهو أي العراق ساحة لتصفية حسابات الخصوم السياسيين للدول المحيطة به، فالجيش التركي يصول ويجول ويتوغل ويرسخ القواعد العسكرية في المناطق الشمالية، وطائراته المسيرة وغير المسيرة تقصف كل يوم وتدمر قرى كردستان وتردي العشرات من الابرياء المدنيين قتلى بحجة مطاردة حزب العمال، اما إيران تغتال معارضيها سواء مقتديا بتركيا عبر القصف بالطائرات والمدفعية او عبر فرق الموت في كردستان العراق، وكان اخرها اغتيال احد نشطاء المعارضة الايرانية في أحد فنادق اربيل، اما تصفيته لكل صوت معارض للنفوذ الايراني في جميع مدن الجنوب وبغداد فحدث ولا حرج. هذا ناهيك عن قطع المياه من الطرفين الايراني والتركي، بينما الكاظمي يندد بقصف تركيا، في حين يغض الطرف عن عمليات ايران ارضاءً لتحالف ميليشيات فتح في البرلمان.

ولا تقتصر صناعة الأوهام عند الكاظمي عن دور العراق وحكومته التي لا تعترف بها مليشيات الحشد الشعبي، ومرغت انفها بالتراب في عقر دارها في المنطقة الخضراء، بل يحاول عبثا في صنع قطع غيار لترسيخ تلك الصناعة، فمرة يسوق نفسه بأنه منع الحرب الاهلية في العراق، في الوقت الذي يدرك هو أكثر من غيره ان تنازلاته أمام المليشيات الموالية للجمهورية الاسلامية في ايران هي التي منعت الحرب الاهلية، فقد غض الطرف عن كل الجرائم التي اقترفتها تلك المليشيات من عمليات الاختطاف والتصفيات الجسدية والفساد والسرقة والنهب. لقد ترك الحبل على الغارب عبر اللامبالاة تجاه عروضها العسكرية، ومع هذا يتحدث لنا انه منع الحرب الاهلية، كي يتوج نفسه بطلا للسلام، في حين انه لم يتجاوز دوره الوسيط الفاشل وغير الموثوق  به لا من قبل الجماهير التي توهمت به واكتوت بنار المليشيات ولا بالطرف الدولي الذي دعمه وسانده مثل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في المنطقة ولا بالمليشيات التي أوصلته الى سدة السلطة. ما فعله حقا زياراته التفقدية لعوائل ضحايا المليشيات التي كان يطيب خاطرهم وبكلمات واقوال لا يحسب عليها ضرائب، واخيرا عندما تواجد في مسرحية إلقاء القبض على مدير مكتب حزب الدعوة الذي اغتال مدير بلدية كربلاء الذي ينتمي للتيار الصدري بحجة إنهاء التجاوزات على اراضي الدولة، ووعد وهدد، إلا أن السر وراء قوة تهديده كان الاحتماء خلف مليشيات التيار الصدري، لأن عملية القتل حدثت نتيجة اختلاف أو نزاع على ملكية أرض بين الدعوة والتيار الصدري، الا ان الكاظمي غلفه بهالة اعلامية كبيرة وأظهر نفسه رامبو العملية واعادة الحق الى اصحابه وهو الدولة، ولكن بنسخة واقعية وبشكلها الكاريكاتوري.

وكي تكتمل معامل صناعة الأوهام عند الكاظمي، أتحفنا قبل يومين بإطلاق تهديد صريح للشعب العراقي بجميع اقسامه في حديثه عن الانتخابات، فقال عليكم الخيار اما الاستقرار او الفوضى، اي انه يرد على عزوف الناس واتساع رقعة مساحة رفض الانتخابات، بتهديدهم كي يذهبوا الى الانتخابات التي تورط بها، وورط حتى من يقف ورائه مثل امريكا والامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والامارات. فالكاظمي يتحدث لنا عن الفوضى ويقصد بها الحرب الاهلية لو لم نذهب الى الانتخابات، وكأنه لو ذهبنا فستكون النتيجة لصالحه. في حين جربنا كل الانتخابات فالنتيجة كانت لصالح اللصوص والمليشيات والفاسدين بما فيهم الكاظمي نفسه وشلته التي سنت الورقة البيضاء. وكأنه يقول لنا الكاظمي اذا أُجريت الانتخابات، وكانت النتيجة لصالح تياره، فلن تعم الفوضى في العراق. اليس هذا ايضا ضربا من الوهم الذي يحاول الكاظمي من تسويقه.


في العراق وبخلاف كل بلدان العالم، وخاصة بعد الغزو والاحتلال، لا وجود لبطل قومي يعاد انتخابه او اختياره او يضاف الى رصيده الانتخابي مهما بلغت انجازاته، وبنفس المعيار لا يأخذ بنظر الاعتبار الفاشلين والذين لا رصيد لهم اجتماعيا او سياسيا كي يتوج الى مناصب عليا في المؤسسات الحكومية بما فيها رئاسة الوزراء. فحيدر العبادي على سبيل المثال  سجل انتصاراته على داعش باسمه، وانتزع مدينة كركوك من القوميين الكرد، ونفخ الروح الشوفينية القومية من جديد في المجتمع عبر إعلان حربه على استفتاء جماهير كردستان، ليكن الشخص الثاني بعد صدام حسين في تبوء ذلك المركز عندما قام بحملته الانفال في تدمير ٣٠٠٠ قرية كردية وتغييب ١٨٠ الف انسان من الوجود لانهم ولدوا ولم ينطقوا بالعربية، ومع هذا لم يعاد اي العبادي اختياره لرئاسة الوزراء، واصبح مكانته بعد انتخابات ايار ٢٠١٨ مثل مكانة نوري المالكي الذي سلم ثلث مساحة العراق الى داعش دون قتال. وبنفس المعيار تم اختيار عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء الذي لقب ب(حرامي الزوية)  لسطو حمايته على مصرف الزوية في بغداد. أي بعبارة اخرى ان صفقات الكاظمي مع السعودية والإمارات وزياراته الى مصر والاردن والكويت واتفاقيته مع البيت الأبيض ، ومؤتمره التعاون والشراكة لن ينقله سوى الى تسجيل اسمه في سجل المحاربين القدماء الفاشلين. فبمجرد العودة البسيطة الى مؤتمر الاعمار في الكويت بعيد الانتهاء من سيناريو داعش عام ٢٠١٨، فلم تعط أي دولة مشاركة منحة للعراق الا ملاليم كما يقال باللهجة المصرية بسبب عدم الثقة بمؤسساته الحكومية، بالرغم من  ظهور العبادي في المؤتمر أقرب الى  قائد صليبي مثل ريتشارد قلب الاسد اكثر مما عليه صلاح الدين الايوبي، حيث دون انتصاراته في سجل بعنوان البطل الذي هزم داعش واسترد ما خسره المالكي، فما بالك اليوم أن يستطيع الكاظمي الذي لا يمتلك حتى سلطة على المنطقة الخضراء التي يقبع فيها، فكيف له أن يكون بيضة قبان بين قادة تصدير الارهاب والحرب بالوكالة في العراق!

إن المشكلة لا تكمن بالكاظمي نفسه، بل تكمن في سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي وقفت دائما خلف قوى واحزاب وشخصيات جاءت من خلف التاريخ مثل علاوي والمالكي والعبادي واخيرا بطل صناعة الاوهام وهو الكاظمي.

أما السؤال الاخر المطروح، ألا تعرف الحكومات التي لبت دعوة المشاركة بأن العراق ليس مؤهل ان يلعب الدور الذي رسمه الكاظمي له، والرد؛ نعم تعرف ولكن لا تريد هذه الحكومات اعطاء اي فرصة حتى لو كانت وهمية ان تحل الآخرين محلها و تملأ فراغها. وكل واحد من تلك الدول متورطة بما حدث ويحدث من جرائم في العراق بشكل او بأخر منذ الحرب العراقية-الايرانية ومرورا بحرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي وانتهاء بغزوه واحتلاله، عبر دعم الجماعات والمليشيات او عبر قطع المياه وعبث جيوشها، وتحاول تقديم براءة ذمة عبر الإعلام المأجور، وتسويق نفسها بأنه تريد الازدهار والخير والسلام لجماهير العراق. اليس في هذا احترافية قل نظيرها في صناعة الأوهام لتصديرها للخارج بعد  إتمام الاكتفاء الذاتي في داخل العراق.

72
بين مشهدين، أفغانستان والعراق
سمير عادل
المشهد الدرامي الذي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية حول سيطرة طالبان على كابول، والهروب الجماعي لسكانها الى المنفذ الوحيد لها وهو المطار، وتدافع الناس أمام عجلات الطائرة للحصول على مكان آمن، اختبرناه في العراق وعشنا لحظاته ولكن بسيناريو مختلف، عندما دخل داعش الى الموصل وأعلن دولته الاجرامية في العاشر من حزيران من عام ٢٠١٤.
الهروب المذل للقوات الافغانية المدججة بأحدث انواع العتاد والسلاح الأمريكي امام عصابات طالبان، هو الآخر يعيد لنا مشهد هروب الجيش العراقي الذي قدر عدده على الاقل ٣٠ الف عنصر مع ترك كامل عتاده الى جماعة داعش التي لم تكن أكثر من ٢٠٠ عنصر.
الا ان الفارق الوحيد بين المشهدين هو ان الرئيس الافغاني هرب بجلده الى طاجكستان بينما المالكي احتمى بالقوات الامريكية وقام بتفعيل اتفاقية الاطار الاستراتيجي الذي وقعه مع الادارة الامريكية نهاية عام ٢٠٠٨. فالأول لم يجد له منقذ بينما المالكي الذي يختبئ اليوم وراء محور الفساد والإجرام الذي يسمي نفسه بالمقاومة والممانعة وخلف مليشيات الحشد الشعبي استنجد بالقوات الامريكية لإيقاف زحف عصابات داعش الى المنطقة الخضراء.

التباكي على الشعب الأفغاني في واشنطن من قبل زعماء الحزب الجمهوري في الكونغرس امثال ليندسي غراهام وميتش ماكونيل هو أكثر المواقف التراجيدية في المشهد الدرامي الأفغاني، حيث يتناسى اولئك الممتهنين لفن النفاق السياسي، بان ادارة ترامب الجمهورية هي وراء التفاوض مع طالبان في الدوحة، وهي وراء قرار الانسحاب الامريكي المقرر في ايار اي قبل ثلاثة اشهر من الموعد الذي تاجل الى أيلول من هذا العام من افغانستان، وكلا المنافقين هم من وقفوا في مساندة ترامب ودعمه في الانتخابات والتمسك بادعاءات تزوير الانتخابات. الا ان تباكيهم اليوم على الأوضاع أفغانستان هو ما يضفي المشهد الدرامي على تصريحاتهم الرومانسية والحزينة على الشعب الافغاني، وتصب في خانة المزايدة السياسية ضد ادارة بايدن ومحاولة لإظهارها فاشلة أمام الرأي العام الأمريكي من أجل تسجيل نقاط لصالح استحقاقات انتخابية. وهذا ما يبين ان الطبقة الحاكمة في واشنطن من ديمقراطيين وجمهوريين متفقين على استراتيجية واحدة، وهي التفرغ لردع الصين وروسيا، واعادة أفغانستان الى حضن الجماعات الاسلامية الارهابية لتهديد العالم وخاصة منافسيها الأعداء روسيا والصين. فكما قلنا من قبل ان روسيا والصين أكثر الدول التي استفادت من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، اذ منع تحولها إلى ساحة للتدريب والمشورة والتوجيهات والدعم اللوجستي والمعنوي في نشر الافكار الاسلامية وتجنيد الجماعات وتصديرهم الى مسلمي روسيا والصين، ومقابل ذلك كانت القوات الامريكية تستخدم الأراضي الروسية ومناطق نفوذها للدعم اللوجستي والاستخباراتي في احتلالها لافغانستان.
وهذا يقودنا الى انه افغانستان ليست مثل اي بلد عادي، من الممكن الاستفادة منها كمنطقة نفوذ ووتتصاع عليها الدول العظمى، وتفسر هذه المعطيات سبب انسجامها الذي جاء في بيان مجلس الامن بعدم الاعتراف بطالبان ما لم ترى أفعالها في منع الجماعات الاسلامية الاخرى من داعش والقاعدة للانطلاق منها واستخدام افغانستان كقلعة لنشر الارهاب الاسلامي على صعيد العالم، وتسجل سابقة نادرة في سجل الصراع على المناطق النفوذ بين تلك الدول.
بيد ان الحقيقة الواضحة ولا لبس عليها ان من رعت الجماعات الاسلامية الارهابية هي الادارة الامريكية، وهي من مولت ودعمت ماليا وعسكريا اسامة بن لادن وجماعته وما سمي بمجاهدي الافغان، وكان السفير الامريكي في القاهرة يجند الشباب (العربي المسلم) للقتال الشيوعية في أفغانستان

73
ايام ساخنة، ورياح السموم في العراق

سمير عادل

المعادلة التي كانت تقوم على اساس توافقات مباشرة أو غير مباشرة بين النفوذين الأمريكي والإيراني في العراق، قد ولت على الأقل في الوقت الحاضر وعلى المدى المنظور. ولا يعود الفضل في ذلك الى استرداد النفوذ الأمريكي المبادرة في العراق وفي المنطقة بالرغم من أن عملية اغتيال قاسم سليماني من قبل القوات الامريكية لعبت دورا لا يستهان به في المشهد السياسي الجديد، بل يعود ذلك الى عوامل اخرى وأولها انتفاضة أكتوبر التي قزمت الإسلام السياسي الشيعي اجتماعيا وسياسيا، وثانيا استغلال الانظمة القومية العربية الافاق التي انتهت اليها الانتفاضة واعتلاء تيار الكاظمي على اكتافها للوصول الى سدة رئاسة الوزراء، وثالثا دخول اسرائيل كقوة اقليمية بارزة بعد اتفاقية السلام بينها وبين عدد من دول المنطقة بشكل رسمي وغير رسمي اضافة الى الحصار الاقتصادي الذي يشتد خناقه على الجمهورية الاسلامية.

الاصطفافات السياسية في العراق باتت واضحة، والاحتقان السياسي يشتد كل يوم، وبات كل طرف يضع يده على الزناد. تيار الكاظمي الذي يرفع لواء العروبة اليوم يظهر تحديه للجمهورية الاسلامية وأدواتها في العراق، ولأول مرة يصعد الكاظمي من لهجته ضد ايران ويطالب بإخراسها للمليشيات التي تسمي نفسها محور المقاومة وهو محور المافيا واللصوص والقتلة والفاسدين بامتياز. إن تحدي الكاظمي لملالي قم و بازار طهران يقف خلفه الحلف القديم الذي ساند نظام صدام حسين في حربه مع نفس الجمهورية مدة ثمان سنوات وهو السعودية والامارات ومصر والاردن ولكن مع فارق واحد وهو وقوف اسرائيل وراء ذلك الحلف المتفوقة عسكريا، وتكنولوجيا و تجسسيا دون منازع في المنطقة.

ان المعضلة الرئيسية التي تواجه هذه المليشيات وعموم النفوذ الايراني في المنطقة ليس الوجود العسكري الأمريكي، حيث باتت ادارة بايدن من تقليله. فالتهديد الحقيقي اليوم سواء كانت امريكا موجودة في المنطقة او لا، فان المعادلة السياسية الاقليمية تغيرت بشكل كلي. وها هو التواجد العسكري الايراني لا يضرب فقط في سوريا بل بات يضرب في البحر المتوسط والبحر الأحمر وبشكل علني من قبل اسرائيل. أي ان تمدد الحلف الاسرائيلي-العروبي الجديد هو الذي سيحل محل الوجود الأمريكي في المنطقة. وان هذه التغييرات واحدة من العوامل التي دفعت قوى الإسلام السياسي بالموافقة على شروط إقليم كردستان في الموازنة التي تأخرت بسبب الصراع بين اربيل والاحزاب الاسلامية، فالمعادلة السياسية ليست لصالحها، وليست مستعدة اي قوى الاسلام السياسي الشيعي على فتح عدة جبهات على نفسها.

وكي نرى كل المشهد السياسي، فعلينا تسليط الضوء على  زيارة اسماعيل قاآني المفاجئة الى العراق الذي حل محل سليماني لقيادة الحرس الثوري خلف الحدود، ولها دلالات سياسية واضحة، وهي أبعد من متابعة الحوار الاستراتيجي بين امريكا والعراق، وانتهت لصالح بقاء القوات الامريكية الى اجل غير مسمى. إن تلك الزيارة بقدر هي رسالة تهديدية واضحة للكاظمي وبعدم الاعتراف به وبحكومته عندما اقتصر لقائه مع قادة المليشيات، هي بنفس القدر محاولة لخلق الانسجام في صفوف تلك المليشيات المنضوية في قائمة فتح ودولة القانون واعطائها جرعة من المعنويات التي باتت شبه منهارة، وهي تعبر عنها بشكل لا ارادي وخارج عن السيطرة في فضائياتها بشكل هستيري، وفي نفس الوقت يمكن قراءة  القلق الذي يقلي بظلاله بين صفوف الطبقة الحاكمة في إيران، و أراغمها على الجلوس الى طاولة المفاوضات دون شروط حول ملفها النووي بعد شهرين من المكابرة  والتعنت واطلاق التصريحات البهلوانية.

 التصعيد الإعلامي والسياسي من قبل مليشيات فتح-دولة القانون على الكاظمي بسبب تقاربه واتفاقاته مع المحور العروبي، واظهار الكاظمي بأنه نكرة او دمية او لا شيء كما يصوره أعلام هذه الجماعات، ليست أكثر من  تعبير عن الهلع وفقدان البوصلة السياسية، وهي بالتالي دفن راسها  بالوحل مثلما  تدفن النعامة  راسها بالتراب كي لا ترى المخاطر المحدقة بها. وعلى هذه الارضية رد الكاظمي بتحدي ولأول مرة من قبل رئيس وزراء عراقي منذ الاحتلال على ايران وزيارة قاآني وميليشياته. فالكاظمي يمثل تيارا سياسيا واجتماعيا تراجع لسنوات بسبب احتلال العراق، وبمجرد تلقى دعما اقليما ودوليا حتى طل برأسه من جديد. ان الاجزاء الخمسة لمقابلة رغد صدام حسين مع قناة( العربية) التي اكدت في اكثر من مقطع وحديث على المحيط العربي للعراق وعلى عروبته، وأنهم عائدين لا كبعث بل كتيار قومي للسلطة، ومساعي السعودية والامارات ومشروع المشرق الجديد بين العراق والأردن ومصر، وتسريبات اعلامية حول موافقة مرجعية النجف على التطبيع مع اسرائيل التي جاء على لسان بهاء الاعرجي نائب رئيس الوزراء السابق في لقائه مع قناة (سكاي نيوز العربية)، كل هذه هي رزمة متكاملة لتعويم التيار العروبي، المتمثل اليوم بالكاظمي والذي يمثل حاليا من الناحية السياسية التيار الصدري وجماعة الحلبوسي وجناح العبادي ومجموعة القوميين العروبيين الملتحفين برداء الإسلام السني في العملية السياسية.
ما نريد ان نقوله ان ايام ساخنة ورياح سموم من الممكن أن تهب على العراق، وليس امامنا الا بفصل الخنادق وصفوفنا عن هذين التيارين، على الصعيد السياسي والدعائي والاجتماعي، والحذر من الانزلاق تحت المظلة القومية والتوهم بها مثلما حدث في انتفاضة اكتوبر، فمن ينظر الى الموازنة التي قدمها الكاظمي وحكومته الى البرلمان ونال كل الفقرات المعادية للعمال والموظفين في المواد ١٨-٢٠ ( من عدم وجود تعيينات في جميع الوزارات وفرض الضرائب على معاشات العمال والموظفين والمتقاعدين وعدم تحويل العقود على الملاك الدائم لسرقة مستحقاتهم من الحقوق التقاعدية والخطورة والزوجية والتحصيل الدراسي) التصويت بالأغلبية المطلقة، ومن يتذكر جرائم قتل واختطاف المتظاهرين من قبل عصابات الصدر وتحت أنظار الكاظمي ومباركته بشكل غير مباشر، يستدل بكل سهولة في أي خندق يقف الكاظمي وحكومته وتياره.

74
تكتيكان للمليشيات وتكتيك واحد لا غير للجماهير للدفاع عن نفسها

سمير عادل
مضى اكثر من ١٠٠ يوم من عمر حكومة الكاظمي، ولم يتوقف مسلسل الاغتيالات والقتل بحق الناشطين والمعارضين السياسيين. ومضى اكثر من ١٠٠ يوم ولم يقدم الكاظمي اي متورط في قتل المتظاهرين من قادة المليشيات والاحزاب الاسلامية الى المحاكمة سوى ثلاثة عناصر من المأجورين في وزارة الداخلية المرتبطين بالمليشيات. ومضى أكثر من ١٠٠ يوم وعمليات التصفية الجسدية بحق الفعالين والناشطين ازدادت بشكل مطرد بحيث بثت الرعب في صفوف المجتمع.


تكتيكان تتبعهما الاحزاب والمليشيات الإسلامية الموالية لإيران للحفاظ على وجودها وامتيازاتها وادامة نهبها وسرقتها للجماهير ولمواجهة النفوذ الأمريكي في العراق؛ الأول هو شن الهجمات المنظمة بضرب القواعد والقوات الامريكية لنشر الاوهام حول هويتها الجديدة “الممانعة والمقاومة” التي تحاول استبدالها ببدلها التالف (للسرقة والنهب والفساد)، والثاني هو اشاعة الفوضى الأمنية عبر قتل النشطاء والفعالين السياسيين في العراق وخاصة في المناطق القريبة من الحدود الايرانية مثل البصرة والناصرية لادامة كابوسها على صدر الجماهر.



القوى المليشياتية والأحزاب الإسلامية في العراق بجميع فصائلها وأجنحتها هي عبارة عن عصابات ومافيات، ليس من مصلحتها كما اكدنا في اكثر من مناسبة سيادة القانون والدولة وبغض النظر عن ماهية تلك الدولة وذلك القانون. اي بعبارة اخرى انها تستثمر وجودها في أوضاع اللا استقرار السياسي والفوضى الامنية.

 ونود ان نؤكد انه بقدر ما تأخذ تلك المليشيات والاحزاب اوامرها من ملالي طهران وتنفذ اجندته تشعر بنفس القدر بأن وجودها اصبح في مهب الريح، وهي ترى الحصار الاقتصادي الذي يشتد رحاه على ايران، وان مكانة ونفوذ الجمهورية الاسلامية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ليست كما كانت عليه قبل عام ٢٠١٩، ومن جهة أي تلك المليشيات تصطدم بتجفيف اهم وابرز منابعها ومصادرها المالية بعد سيطرة الجيش او قوات مكافحة الارهاب على المنافذ الحدودية والتي كانت تدر شهريا على الاقل مليار دولار في خزائنها. والمسالة الاخرى على الصعيد السياسي استثمرت تمددها ووجودها تحت يافطة الحرب على داعش كي تزور الانتخابات دون اي خوف او رادع بشكل سافر وتحصل على ٤٧ مقعدا، في حين تواجه صدمة اخرى من قبل حكومة الكاظمي وهي الإعلان عن انتخابات مبكرة التي ليس لصالحها، حيث ستعمل على تقويض فرصة وجودها في البرلمان الذي يشرعن كل جرائمها وفسادها في العراق.



اما التكتيك الثاني لتلك العصابات هو اختيار مدينة البصرة للتصعيد من التصفيات الجسدية بحق المعارضين، و ينبع من عاملين يصبان في استراتيجية سواء بالحفاظ على الوجود الحياتي لتلك العصابات او بالابقاء على نفوذ الجمهورية الاسلامية. أما العامل الأول هو سهولة الحصول على الدعم اللوجستي والامني لتلك العصابات بسبب قربها الحدودي من ايران، والثاني أن اقتصاد العراق يعتمد ٩٠٪ منه على تصدير النفط عبر البصرة، وان عيون تلك المليشيات والجمهورية الاسلامية على تلك الأموال التي تدر من المدينة الغنية بثرواتها. وأن التكتيك المشار إليه هو تفريغ البصرة من المعارضين السياسيين لها والسيطرة الكاملة على المدينة عبر بث الرعب والخوف فيها. بمعنى آخر ان حظوظها في بغداد اقل بسبب النفوذ العسكري الأمريكي والبعد الجغرافي عن ايران. ان هذين العاملين هما اساسيين في تصفية المعارضين والمخالفين لهذه الاحزاب الاسلامية ونفوذ الجمهورية الاسلامية. ان تمزيق العراق الى دويلات او كانتونات  ليس مهما بقدر اهمية تأمين مراكز نفوذ في واحدة منها.


وطبعا ان الناصرية بمقدار ما،  هو جزء من استراتيجية تلك العصابات والميليشيات والأحزاب الاسلامية ولكن حظوظها اقل بسبب وضعها الجغرافي وقوة التيارات المناهضة لوجود تلك المليشيات وكانت أكثر المدن جسارة في حرق مقرات الاحزاب والمليشيات الاسلامية خلال مرحلة انتفاضة اكتوبر.

ان التكتيك الوحيد الذي امامنا وامام الجماهير في العراق هو في مواجهة هذه المليشيات. فهي لم تبق اي خيار، وهو التكتيك الوحيد بالدفاع عن حقنا في الحياة. إن حق الدفاع عن النفس هو حق مشروع مثبت في جميع المواثيق الدولية في العالم. انه التكتيك الوحيد أمام الجماهير وعدم انتظار الكاظمي وحكومته التي لم تتجرأ لحد الآن على تسمية المجرمين الحقيقين، ولم تستطع ان توفر الحماية حتى لنفسها في المنطقة الخضراء. إن انتظار الكاظمي بجلب الامان لنا يشبه انتظار الفلاح ان تمطر السماء في يوما من الايام، و يعني انتظار القتل على يد تلك المليشيات والعصابات.


ان نقطة ضعف الجماهير، نقطة ضعف الناشطين والمعارضين السياسيين هي في غياب تنظيم صفوفهم. إن التنظيم  في اللجان والهيئات والشبكات أيا كان شكلها وفي كل مكان هو الخطوة الاولى لحماية انفسنا.


 آن الأوان لمواجهة العصابات والمليشيات الإسلامية. إن تنظيم الجماهير حول شعار (حل المليشيات فورا وتحت أي مسمى) و(انهاء وجود مقرات الاحزاب والمليشيات الاسلامية في المدن) التي تحولت إلى اوكار لتلك العصابات. إن قوة تلك المليشيات تكمن في عدم مبادرة الجماهير المليونية والتي تفوق عدديا تلك المليشيات وتلقينها درسا لن تنساه، واعادتها الى جحورها والكهوف الحجرية التي أتت منها.

75
بين قتل المتظاهرين واغتيال الهاشمي
سمير عادل
ان (الإنسان هو أثمن رأسمال)، هذا ما تعلمناه من ماركس، إذ أن خلود هذه المقولة يعد أساساً لفلسفتنا ومنظومتنا الفكرية والسياسية والنضالية. وعليه فإننا في الحزب الشيوعي العمالي العراقي ندين بأشد العبارات اغتيال المحلل السياسي هشام الهاشمي كما عبرنا عنه من قبل، وبغض النظر عن الجانب السياسي الذي كان يقف عنده، او معتقداته وافكاره وتوجهاته.
 إن اغتيال الهاشمي من قبل المليشيات المؤيدة للجمهورية الاسلامية في ايران ليس الهدف منه سياسة قمع حرية الراي أو الفكر او التعبير، وإنما يعد كتحصيل حاصل، حيث لا يرتبط بقمع الحريات إلا من الظاهر فقط، إنما كان وراء عملية الاغتيال، ارسال رسالة سياسية للكاظمي بأنه امام خيارين؛ اما الفوضى والعودة الى سيناريوهات انتفاضة اكتوبر وهي تنظيم سلسلة من عمليات التصفيات الجسدية واشاعة الفوضى الأمنية والاختطاف بحق المتظاهرين كما هدد بذلك قيس الخزعلي زعيم مليشيات عصائب الحق، أو القبول والرضوخ للواقع بأن المليشيات التي يريد إعلان الحرب عليها، هي مليشيات قائمة بذاتها، وعليه أن لا  يمس مصادر تمويلها ولا يسعى لتقويض النفوذ الايراني في العراق على الصعيد السياسي والاقتصادي والذي يقف خلف تلك المليشيات تحت عناوين المقاومة والممانعة. فكما قلنا ان الهاشمي دفع حياته ثمن للصراع الدائر بين النفوذ الايراني والامريكي في العراق.
ان الهاشمي لم يكن أكثر من هدف من الأهداف الرخوة* التي من السهل استهدافها من قبل تلك المليشيات، فهو لم ينتهك المقدسات في تحليلاته السياسية ولم يكون ضد التيار بالمعنى الواسع والمطلق للكلمة، انه محلل سياسي عادي، قد يكون تفوق في احدى تحليلاته السياسية او كتاباته على زملائه الاخرين من الذين يخفون مواقفهم ايضا او الاطراف التي ينتمون اليها تحت عناوين (المحلل السياسي) مثل احمد الابيض ويحيى الكبيسي ونجم القصاب... الخ، ولكن هذا لا يضعه ابدا في مصاف الخارقين للخطوط الحمراء التي ترسمها جميع أطراف العملية السياسية بميليشياتها وأدواتها من قتلة وأقلام مأجورة واعلام مدفوع الثمن.  صحيح أن الهاشمي كان قريبا من حكومة الكاظمي ومن دائرة القرار السياسي الموالي للنفوذ الامريكي في العراق اسوة بغيره من المستشارين والموظفين. الا ان عملية إغتياله جاء على خلفية واحدة من الاهداف الرخوة كما أشرنا أولا، وثانيا هي محاولة لاسترداد المبادرة من قبل (مليشيات الدولة) إن صح التعبير، بعد امتصاص الضربة الاستباقية للكاظمي واحتوائها عندما اعتقل (14) من عناصر المليشيات وتحت ضغوط الاخيرة أطلق سراحهم. إن هذا الجانب التحليلي مهم لأنه يحصننا من الوقوع في كمائن الأوهام وحقيقة الصراع الدائر، وعدم السقوط صرعى ضحية القصف الاعلامي للأطراف المتنافسة على السلطة، وبالتالي يمكننا من عدم الانجرار وراء اي طرف في هذه المعركة. بعبارة اخرى ان الهاشمي لم يكن صوت الحرية المدوي في العراق، لم يكن صوت المساواة الجهوري، لم يكن صوت العاطلين عن العمل الذي شكلوا العمود الفقري لانتفاضة اكتوبر، لم يكن صوت عمال العقود ولا الاجور، لم يكن صوت المرأة في انتفاضة أكتوبر التي مزقت كل ما نسجته القوى الاسلامية لتخليد عبودية المرأة طوال كل هذه الفترة، أنه لم يكن اكثر من صوت معادي في رؤيته السياسية التحليلية للمليشيات والنفوذ الايراني اسوة بالملايين من الاصوات التي خرجت ومزقت صور خامنئي والخميني وحرقت مقرات الاحزاب الاسلامية، كان صوته عاديا لم يتجاوز إطار التحليلات السياسية ولم تصل حتى الى اطار المواقف السياسية على الصعيد العلني على الأقل. بيد ان الطبول الاعلامية التي دقت وما زالت تدق والقصف الاعلامي المتواصل حول اغتيال الهاشمي، تفوق بأضعاف المرات على صعيد المساحة وعلى صعيد التنوع في جميع وسائل الإعلام على قتل أكثر من ٧٠٠ متظاهر بدم بارد لم يطلبوا أكثر من خبز وكرامة. هذه الطبول الاعلامية اعطت مكانة لهشام الهاشمي غير واقعية، وقد نسجت حولها هالة عاطفية واخلاقية، لتحقيق أهداف وسياسات محددة ومخططة لها، تشبه بالتزمير الإعلامي الذي نفخ لعبد الوهاب الساعدي عندما أقيل من جهاز مكافحة الارهاب من قبل عادل عبد المهدي وصورته في حينه بطلا قوميا أسوة بأبطال حروب قادسية صدام.
وأكثر من هذا فأن الكاظمي الذي رفع شعار الكشف عن قتلة المتظاهرين عندما تولى منصبه كرئيس للوزراء، ولكن لم نسمع ولم نرى أنه قام بزيارة لأحد بيوت المتظاهرين الذين قتلتهم نفس الجهة التي قتلت الهاشمي، ولم نسمع انه التقى بذويهم، وهنا يطرح سؤال هل لان هذا الرقم ٧٠٠ من المتظاهرين لا يساوي شيئا مقارنة بهشام الهاشمي الذي زار بيته الكاظمي والتقى بأسرته؟ طبعا نحن لا نريد ان ندخل في هذه المقارنة، لأن حياة البشر في عقيدتنا لا تقاس بالأرقام والاعداد، فالإنسان هو انسان، ولكن عندما تقتل كل هذه الاعداد، بينما يراهن الكاظمي وقتلة المتظاهرين من المليشيات على ذاكرة الجماهير كي يحولها الزمن الى ذاكرة السمكة، وتنسى ما حل بها، في حين أطلق تصريحات نارية ضد قتلة الهاشمي، فيجب التوقف عندها والتحدث بصوت عالي وتعرية وفضح كل السياسات التي قتلت صوت الحرية والمساواة وعالم افضل.
ان حصر اغتيال الهاشمي  واختزاله الى قضية حصر السلاح بيد الدولة، والترويج لها من قبل ابواق حكومة الكاظمي ليس الا محاولة جهنمية في طمس الصراع بين النفوذ الايراني والامريكي في العراق وعملية حسم السلطة السياسية، والذي يعني بالتحليل الاخير الاستخفاف بعقول البشر في العراق. وإذا كان هذا هو جوهر القضية، فالسؤال المطروح من الذي قتل ٧٠٠ متظاهر بين القناصة وعمليات الاغتيال وجرح أكثر من ٢٠ ألف منهم. اوليس الكاظمي نفسه الذي شغل منصب مدير المخابرات قبل ترأسه لمجلس الوزراء، انه على علم بأن السلاح المستخدم في عمليات القنص والاغتيالات كان سلاح “الدولة”. وإذا لم يكن سلاح “الدولة”، لماذا لم تقلب الدنيا حول قتل المئات من الشباب بعمر الزهور من قبل وسائل الإعلام والمسؤولين في السفارة الامريكية والبريطانية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة…الخ. لماذا لم تتجاوز جميع مواقفهم حدود (القلق). لماذا لم نسمع من أولئك بأنهم سيحمون المتظاهرين وأن حياتهم غالية ويجب التدخل المباشر عبر المؤسسات الدولية لحماية المتظاهرين. الا ان اليوم نسمع من نفس اولئك حول عملية اغتيال الهاشمي من تعالي أصواتهم وإعلان تضامنهم وتقديم كل الدعم بما فيها العسكري لضرب المليشيات. او ليس نفس المليشيات التي قتلت الهاشمي هي نفسها قتلت المتظاهرين؟!!
إن ما نريد أن نبينه في المطاف الاخير ان تعظيم الهاشمي بهذا الشكل سواء تكريمه او تسمية شارع باسمه هو بمثابة قميص عثمان، هي سياسة تقوم بها الاطراف المنافسة للنفوذ الايراني في العراق وتريدها ذريعة لتحشيد راي العام وتعبئة المجتمع المحلي والدولي لضرب النفوذ الايراني في العراق والمنطقة التي يمثلها هذه المليشيات.
إن اغتيال الهاشمي هو استمرار لسياسة قتل المتظاهرين، سياسة تجويع الجماهير، سياسة تحقير الانسان، سياسة الدوس على حياة البشر، ويجب تعبئة الراي العام لتقديم قتلة الجميع وليس الهاشمي وحده إذا أردنا ان نحقق الامن والامان والحرية لجماهير العراق، إذا أردنا أن نضع حدا للاستهتار الفاضح بحياة الانسان، وعلينا أن نضغط من أجل الكشف عن الاطراف التي تقف وراء تلك الاغتيالات وبشكل علني، واخيرا نؤكد من جديد على رفع شعار حل المليشيات وتحت أية عناوين كانت وتعبئة الجماهير حولها. انها الخطوة الاولى بالتقدم نحو ارساء الأمن والأمان والحرية في العراق وبعدم تكرار اغتيال المتظاهرين او اغتيال هشام هاشمي اخر.

* مصطلح استخدمته الادارة الامريكية لتمويه وطمس حقيقة قصف المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة والمياه في نيكاراغوا ابان الثمانينات من القرن الماضي من قبل مرتزقة سي اي اي المسمى بـ ثوار الكونترا في صراعها مع اليسار القومي الذي سيطر على السلطة بزعامة اورتيغا.

76

طريق الأمن والأمان هو بطرد نفوذي أمريكا وإيران من العراق وحل المليشيات!
(بيان الحزب الشيوعي العمالي العراقي حول التصعيد الاخير بين حكومتي الكاظمي والمليشيات التابعة لايران)
 لقد تحول العراق الى ساحة لحرب الوكالة بين النفوذ الامريكي والنفوذ الايراني، وان من يدفع ثمن هذه الحرب هي الغالبية المطلقة من الجماهير المحرومة  من امنها وسلامتها.
ان حملة الاعتقالات الاخيرة التي قامت بها حكومة الكاظمي، لعدد من عناصر مليشيات حزب الله والنجباء وعصائب اهل الحق، والممولة من سرقة ونهب اموال جماهير العراق، والمدعومة عسكريا وسياسيا من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران، تميط اللثام عن صفحة جديدة من الصراع الدائر بين أطراف الطبقة السياسية الحاكمة، متمثلة بحكومة الكاظمي والتيار الصدري والعبادي المدعومة امريكيا واجنحة اخرى من الاسلام السياسي الشيعي وهي الأحزاب المليشياتية متمثلة بجناح المالكي والعامري المدعومة ايرانيا.
إن هذا الصراع ليس له علاقة بأعادة هيبة الدولة على الصعيد الأمني والقانوني والاقتصادي كما تحاول حكومة الكاظمي بتسويقها  وذر الرماد في عيون جماهير العراق، ولا في تخليص العراق من كابوس المليشيات، ولا باحلال الامن والاستقرار، إنما هو مساعي لأحد طرفي الصراع الدولي والاقليمي لتقويض نفوذ الطرف الاخر على حساب أمن وسلامة المجتمع العراقي برمته.
ان حكومة الكاظمي لو كانت جادة في حربها ضد المليشيات، ولو كانت صادقة في ادعاءاتها، فكان عليها اعتقال قتلة متظاهري انتفاضة أكتوبر وتحويلهم الى القضاء  وهم معروفين للجميع، والعمل على حل المليشيات فورا وتحويل قادتها الملطخة اياديها بدماء المتظاهرين الى المحاكم العلنية. أن الكاظمي، وبعكس ادعاءاته، يحاول الإبقاء على المليشيات التي تسمى بالحشد الشعبي اذا كانت مطيعة لاوامرها ومؤيدة للنفوذ الامريكي، وبخلاف ذلك فهي تعتبر "عاصية" و"تنال من هيبة الدولة" و"يجب محاسبتها". ان هذه المليشيات التي لم تدخر جهدا طوال اشهر انتفاضة اكتوبر في عمليات خطف المتظاهرين واغتيالهم وتغييبهم لم تدخل في حسابات الكاظمي ولم يدوس لها طرف، انها تعيث فسادا وجرما في المناطق الغربية وتقوم بتطهير طائفي وتغيير ديموغرافي في عدة مناطق من العراق وتستولي دون وجه حق على اتاوات واموال وعقارات حكومية واهالي بحجة حربها على داعش، انها تدخل باسماء شركات اقتصادية وتجارية للاستحواذ على مزاد العملة في البنك المركزي وتدير مكاتبها الاقتصادية عمليات السلب والنهب على قدم وساق ولم نسمع من الكاظمي الا جعجعات اعلامية، لأن من نصبه هم احزاب تلك المليشيات لإنقاذ ما يمكن انقاذه من قبضة الانتفاضة.
ولكن ما ان بدات تضرب تلك المليشيات القواعد الامريكية في العراق، انقلبت الدنيا وتحولت الى "خارجة عن القانون" و"مشمولة بقانون الإرهاب". وليس هذا فحسب، فبدل من تشريع الكاظمي لقرار حل مليشيات الحشد الشعبي، راح يتملق لها ويلبس زيها ويحاول اعادة ترتيب صفوفها، والاستمرار بأنفاق الأموال عليها من قوت جماهير العراق.
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي في الوقت الذي يدعو جماهير العراق بعدم التوهم بحكومة الكاظمي في تسويق نفسها ومحاولة حرف الانظار عما آلت اليها تداعيات كورونا الصحية والاجتماعية والاقتصادية، في الوقت ذاته يعلن ان الطريق الى الامن والامان هو بإنهاء النفوذ الايراني والامريكي في العراق وحل جميع المليشيات بما فيها تلك التي تحت مظلة ما يسمى بالحشد الشعبي وتحويل عناصرها وقادتها التي سفكت دماء المتظاهرين الى محاكم علنية.
 
الحزب الشيوعي العمالي العراقي
٢٧ حزيران ٢٠٢٠

77
   

نداء الى الاتحادات والمنظمات العمالية والقوى التقدمية والمنظمات الدولية في العالم
ان الحكومتين المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في اربيل لم تحرك ساكناً تجاه تفشي وباء كورونا، في الوقت الذي قامت العديد من حكومات العالم بالتزاماتها الاقتصادية والصحية تجاه مواطنيها. وليس هذا فحسب بل ان حكومة إقليم كردستان وعلاوة على تقصيرها الفعلي تجاه سلامة ومعيشة جماهير كردستان، فهي لم تسلم رواتب ومعاشات عمال وموظفي الإقليم منذ خمسة أشهر، ودون ان تقدم أي تفسير لذلك، وهذا ما يعتبر استهتارا واضحا بحياة الملايين من مواطني كردستان.
وفي عموم جغرافية العراق من شماله حتى جنوبه، من دهوك في كردستان حتى البصرة في اقصى الجنوب، تفتقر المستشفيات الى كافة الخدمات الصحية والتقصير في فحص المرضى واستيعاب المصابين، كما لم تقم الحكومتين بأي إجراءات جدية باستثناء قطع الطرق الرئيسية وحملة اعلامية مظللة تتنصل فيها من مسؤوليتها وتلقى اللوم على عاتق المواطنين بذريعة عدم التزامهم بالتعليمات الصحية او عدم توفر الوعي لديهم، في حين أنها لم توفر الحد الادنى من معيشة الجماهير سوى فرض الحظر الأمني الذي لم يفعل اي شيء أمام انتشار الوباء سوى تدمير الحياة الاقتصادية للمواطنين.
اننا في برنامج العمل الوطني لمواجهة فيروس كورونا الذي نمثل الاغلبية المطلقة لجماهير العراق من العمال والموظفين والكادحين ونشطاء نقابيين ومدنيين نوجه ندائنا الى الاتحادات والمنظمات العمالية والقوى التقدمية والمنظمات الدولية، نناشدكم بالتدخل الفوري لدى حكوماتكم لحثها وسعيها كي تضغط سياسيا ودبلوماسيا على الحكومتين المركزية في بغداد وإقليم كردستان بتحمل مسؤوليتها تجاه سكان العراق في مواجهة فيروس كورونا، من صرف ضمان بطالة وتعويضات مناسبة لجميع العاطلين عن العمل، والذين تضرروا بسبب تداعيات كورونا الاقتصادية، وكذلك صرف مفردات  البطاقة التموينية التي تؤمن الحد الأدنى من معيشة الجماهير وتبقيهم على قيد الحياة، وتوفير الخدمات والعلاجات اللازمة للمصابين.
كما ندعوكم الى تقديم المساعدات الفورية من ادوية وكمامات ومواد تعقيم سواء بشكل مباشر أو عبر المنظمات ذات الصلة.
الهيئة التنفيذية
لبرنامج العمل الوطني لمواجهة فيروس كورونا
٢٦ حزيران ٢٠٢٠
   


78

شبح الدولة بين الحظر الأمني والحجر الصحي
في مواجهة سياسة التقشف الحكومية
سمير عادل
 وزير المالية يفشي سر حكومة الكاظمي حول التخلص من الأزمة الاقتصادية وليس حلها.
من ينظر الى الاجراءات الحكومية تجاه فيروس كورونا من خارج العراق، يستنتج دون عناء بأن هذه الحكومة ماضية في سياستها اسوة ببقية عدد كبير من دول العالم بأنها جادة في احتواء هذا الوباء وتضع في حساباتها صحة المواطن أو الإنسان بشكل عام. الا ان هذه اللوحة تبدو معاكسة اذا كنت داخل العراق، وستجد كم أن هذه اللوحة مخادعة ومضللة ولا تمت بأية صلة للحقيقة، وليس هذا فحسب بل ان تلك اللوحة لا تكشف عن ما خفي، فهو اعظم. فالحكومة الجديدة برئاسة الكاظمي تعد العدة لاستغلال هول صدمة كورونا في العراق وتفشيه الواسع الذي صعد من نسبة الإصابات والوفيات بشكل مريع، لتمرير سياستها التقشفية، كما أعلن وزير ماليتها علي علاوي في مقابلة مع (فرانس برس) يوم ٢٣ حزيران، بأن على ٤٠ مليون عراقي عليه أن تتحمل سياسة تقشفية لمدة ((عامين)) كي تتم معالجة الأمور.
السؤال البسيط والذي يطرح هنا، هو لماذا لم يدلي وزير المالية بهذا التصريح من قبل، أي قبل تفشي هذا الوباء؟ ولماذا تزامنت هذه التصريحات مع انتشار الوباء مثل انتشار النار في الهشيم؟ وأكثر من ذلك فأن كل حكومة جديدة تأتي وتلقي بوزر الازمة الاقتصادية على الحكومة التي كانت قبلها، وتدعي انها استلمت الخزينة فارغة. وإذا كانت كذلك فلماذا اذن تتحمل المسؤولية وترفع من حجم ومساحة مزايداتها السياسية وتعلن ان في سلم أولوياتها حل الازمة الاقتصادية والمالية، وهذا النهج ابتدأ بحكومة العبادي ومرورا بعبد المهدي وانتهاءً بالكاظمي!
وكي نربط تزامن تلك التصريحات مع تفشي الوباء، فعلينا العودة الى سياسة أو خطة الحكومة سواء الحالية او التي قبلها تجاه فيروس كورونا. ولا بد من التنويه باننا نستخدم مقولة (الحكومة) ولا نقول (الدولة) لأنه ليس هناك في العراق اية دولة كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، وبغض النظر عن ماهيتها الطبقية، ونقصد غياب الدولة بالمعنى القانوني والأمني والصحي والاقتصادي والاجتماعي.
ان أقل ما يقال عن سياسة الحجر الصحي الحكومية بأنها مهزلة، وهي لا تعبر إلا عن سياسة مرتبكة تغيب فيها اية خطة واضحة لاحتواء الوباء، ومحاولة لإرضاء الضمير والافلات من الضغط العالمي، وبنفس القدر فإنها تعبر عن غياب كلي للدولة التي لم يبقى سوى شبحها، وهو عبارة عن عدد من نقاط التفتيش والكتل الكونكريتية التي تقطع الطرق الرئيسية والمنافذ الى المناطق والاحياء. ألا إن من يتجول في تلك الأحياء فحدث ولا حرج، فلا كمامات، ولا تباعد اجتماعي، ولا معقمات، ولا منع للتجمعات. هذا ناهيك عن وضع المستشفيات سواء على صعيد استقبال المصابين او الفحص او حجم الاستيعاب او تقديم العلاجات التي اقل ما يوصف بكارثة محدقة.
وليس هذا فحسب ولكي يخفي المسؤولين في الحكومة الجديدة فشل سياستها تجاه احتواء الوباء، وتنصلها من مسؤوليتها تجاه المجتمع، فهي تلقي باللوم على عاتق المواطن بسبب تفشي الوباء وتبرر ذلك بعدم الالتزام بتوجيهات وزارة الصحة وعدم وعيه بخطورة الفيروس.
 قد تحمل هذه التصريحات في الظاهر شيئا من الحقيقة، ولكن من حيث المحتوى فهي مجافية للواقع الذي ادى بالمواطن الى الحالة التي يتحدث عنها اولئك المسؤولين. وإذا ما أوضحنا أكثر فالحقيقة هي غياب خطة سياسة واضحة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والصحي لاحتواء الوباء من قبل الحكومة.
ان غالبية الشعب العراقي يؤمن اليوم بحقيقة وجود فيروس كورونا وخطورته المميتة، إلا ان مجمل الوضع الاقتصادي من بطالة سرطانية وتدهور الوضع المعاشي لعموم جماهير العراق بعد عملية ما سمي بالحجر الصحي، هو الذي أوصل الإنسان إلى مرحلة عدم الاكتراث وعدم المبالاة، بحيث دفعه أن يضرب كل شيء عرض الحائط بما فيه حياته. اي بعبارة اخرى ان سلطة الاسلام السياسي الشيعي بالدرجة الاولى وكل الطبقة السياسية الحاكمة في العراق بما فيها العناصر الحكومية اليوم هي من اوصلت جماهير العراق الى عدم الاكتراث بحياتها وهي من تتحمل المسؤولية لما آلت اليه الاوضاع الحالية.
إن التغلب على فيروس كورونا لا يتم عبر قطع الطرق الرئيسية الذي أصبح مهزلة تضاف الى بقية مهازل الحكومات العراقية المتعاقبة، بل يتم وقبل كل شيء توفير الحد الادنى من معيشة الجماهير. ان جميع الارقام والاحصائيات الطبية والحقائق العلمية أثبتت ان مناعة الجسم هو الخط الدفاعي الرئيسي بوجه الفيروس، وهذا مرتبط بنوع التغذية ونمط الحياة الذي يعيشه الإنسان. وهذا يعني أن مناعة الجسم تعتمد على التغذية الجيدة التي توفر الفيتامينات والمعادن للجسم البشري، وأن يكون الإنسان بعيدا عن الضغوطات والتوترات العصبية، واساس هذين المسألتين هو الأمان اقتصادي. وهذا يعني أنه عندما تعيش الاغلبية المطلقة للجماهير في فقر مدقع وعوز والخوف من الغد، فهل سيجد فيروس كورونا مكان أفضل واستقبال مليء بالحفاوة مثلما سيجده في المناطق الفقيرة، حيث يعتبر العراق هو من الأماكن المفضلة للسياحة لدى كورونا.
ان حكومة الكاظمي التي دشنت عهدها مثل سابقاتها بالكذب، تحاول ذر الرماد في العيون من خلال القول بأن من اولوياتها هي الاقتصاد واحتواء كورونا. ففي الحقيقة ومن تصريحات وزير ماليته فإن خطة الحكومة تكمن في القاء المسؤولية على كاهل الجماهير العمالية والكادحة في العراق.
ان سياسة نشر الرعب وعدم الشعور بالأمان بسبب مرض كورونا هي وراء تصريحات علي علاوي وزير مالية الكاظمي. فالحكومة تحاول وعبر (نظرية الصدمة) ــ التي تحدثت عنها الصحفية الكندية نعومي كلاين في كتابها حول سياسة الليبرالية الجديدة التي مفادها استثمر الأموال طالما الدماء لم تجف بعد في الشوارع ــ تمرير سياستها التقشفية ولمدة عامين، وكأن سبعة عشر عام منذ الاحتلال لم تكفي، وتريد المزيد من الوقت لشد الاحزمة على البطون.
ان حل هذه الازمة كما طرحناه هو في ورقة الحزب الشيوعي العمالي العراقي وفي برنامج العمل الوطني في مواجهة فيروس كورونا ايضا حول انخفاض أسعار النفط والأزمة الاقتصادية جراء وباء كورونا، الا أن هذه الحكومة مثل سابقتها لن تتمكن من حل لا ازمة كورونا ولا الازمة الاقتصادية، لأنها وببساطة لا تريد ذلك وغير مستعدة سوى لإطلاق الجعجعات الاعلامية والمناورات السياسية بينما تعد العدة لشن هجمة جديدة على معيشة وسلامة وصحة العمال والطبقة المحرومة من جماهير العراق.
واخيرا نقول بأن هذه الحكومة لن تستطع الإفلات من محاسبتها بواسطة الجماهير مهما طال زمن كورونا، فهي اي هذه الحكومة جاءت على أكتاف انتفاضة اكتوبر، وان شعلة الانتفاضة خفتت ولكنها لم تنطفئ، وان المساواة والحرية لن تأتي عبر هذه الجماعات او الترهات حول السيادة الوطنية التي صم بها السيد الكاظمي آذاننا واعمى بها عيوننا، بينما سادة الدولة الفاشية في تركية والجمهورية الاسلامية في ايران تصول وتجول وتقتنص ما طاب لها من معارضة سياسية ومدنيين في مناطق كردستان العراق. أن عمر الإنسان في العراق لم يبق منه سنوات أخرى كي يسرقها هؤلاء اللصوص والفاسدين.


79
قراءة في موضوعات ماركسية عند منصور حكمت
سمير عادل
مدخل:
في  بداية عام ١٩٩٠، وصلنا كراس بعنوان (اختلافاتنا) لمنصور حكمت، حينها كنا في الحزب الشيوعي العراقي، في تنظيماته السرية، وكنت واحد من الذين تصفحوا الكراس، وقد سمعت عن منصور حكمت بشكل مقتضب وبأنه يصف الاتحاد السوفيتي كدولة امبريالية وليس له أية علاقة لا بالاشتراكية ولا بنظرية ماركس في إلغاء رأس المال والعمل المأجور.
لم يكن من السهل علينا أن نستوعب هذه المسائل عن الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية التي تحولت إلى صرح فكري وسياسي ومادي من الصعب زعزعته في خضم الحرب الباردة التي أضفت طابعها في جميع الميادين على المجتمع البشري . وأكثر من ذلك تحول الاتحاد السوفيتي إلى مسلمات لا يمكن دحضها في منظومتنا الفكرية والسياسية التي تربينا عليها في تلك المرحلة.  ولابد من الإشارة إلى أن المصالح الطبقية كما يعلمنا ماركس هي التي تحدد الاختيارات الفكرية والسياسية. بيد إننا وفي تلك الفترة لم تكن لدينا أية مصالح طبقية في رفض الكراس المذكور او ما جاء فيه، بل عوامل أخرى وقفت حائلا بين اختياراتنا وبين ما ذهب إليه بصواب منصور حكمت، وهي نوع الثقافة والعقلية التي كانت سائدة على سبيل المثال، عدم إعطاء الفرصة لسماع مخالفينا ومعارضينا، والتسليم بأن ما وصل إلينا بأنه هو الحقيقة المطلقة دون اي حوار وتفكير ومناقشة، وعدم إفساح المجال لحرية النقد، او النظر إلى كل شيء بشكل انتقادي وجدلي حسب ما تقتضيه روح الماركسية التي تعلمناها بعد ذلك من الشيوعية العمالية ومنصور حكمت. وبصراحة لم أتحمل الكراس أكثر من تصفحه وقراءة عدد من الأسطر منه، فقد كان محكوماً عليه مسبقا بأن كل ما فيه مرفوض وان منصور حكمت لا يخدم إلا (البرجوازية والامبريالية العالمية)، هكذا تعلمنا ممن يوجه نقدا سياسيا وفكريا إلى ( المعسكر الاشتراكي) حينذاك، ركنته جانبا ولم أبالي له.
 
الوقائع المادية تحسم دزينة ساعات من النقاشات:
 
المعطيات المادية دائما تدحض وتنسف التصورات والأفكار والكاذبة التي تتحول إلى مسلمات وبديهيات وهمية تهيمن على عقول البشر. فالأساطير والخرافات والدين التي تطبع ذهن البشر على مدى عشرات القرون، ونضال العقل والفكر الحر رغم كل التضحيات ضدها لا يضاهي عقد واحد من وقائع مادية مثل اندلاع الثورة الصناعية في أوربا كي تدحض تلك (المسلمات). فبقدر ما كان انهيار الكنيسة ومسلماتها وسطوتها وسلطانها قد أدى إلى فتح الآفاق أمام التطور الإنساني على اثر الثورة المادية التي فتحت الطريق لثورة اجتماعية عظيمة وهي الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩، فأن انهيار الاتحاد السوفيتي وجدار برلين، كان انهيار لأكبر كذبة  (الاشتراكية) عرفتها البشرية بل اكبر من الأديان والأساطير على مر التاريخ، ومررتها البرجوازية سواء بشقها الغربي او شقها الشرقي على العالم وبشكل مخطط ومدروس وممنهج. وكلا الطرفين، البرجوازية الغربية والبرجوازية الشرقية كانتا لديها المصلحة المادية في وصف الاتحاد السوفيتي وكتلته الشرقية بالاشتراكية. فالبرجوازية الغربية كانت تريد أن تصور الديمقراطية  ومفاهيم حقوق الإنسان واقتصاد السوق الذي )يخلق( حرية الفرد بشكل مخادع بالتملك هي نتاج وإبداع النظام الرأسمالي، أما الدكتاتورية والنظام الشمولي كما تصفها النخب المثقفة للبرجوازية الغربية هو نتاج الاشتراكية، كي تحولها إلى سلاح  لتشن هجوم شرس ودائم على الماركسية والاشتراكية ومساواة البشر على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. في حين كانت البرجوازية الشرقية تصور أن (الاشتراكية) هي هويتها في مقابل الهوية الرأسمالية الغربية، وان توفر فرص العمل ومجانية الصحية والتعليم هي نتاج اشتراكيتها (التي هي بالحقيقة كانت اشتراكية الفقر)، وان كل الشرور هي مصدرها النظام الغربي، كي تشن الهجمة على الاقتصاد الحر وتمجيد شكلها الاقتصادي السائد لديها وهو رأسمالية الدولة. وكانت الهوية (الاشتراكية) من عدمها تستخدم كمادة فكرية وسياسية واجتماعية لتجنيد المجتمعات في الحرب الباردة من أجل اقتسام العالم بين النفوذ الغربي والشرقي.
لم يستغرق الوقت طويلا على رمي كراس منصور حكمت حتى بدأت تلوح عاصفة تجتاح العالم، وهي وصول الأخبار في عالم مغلق مقطع الأوصال على صعيد التكنولوجية المعلوماتية والاتصالات حول التغييرات العميقة الحاصلة في الاتحاد السوفيتي تحت عنوان بريسترويكا وغلاسنغوت أي إعادة هيكلة الاقتصاد والشفافية، ثم وصل إلينا خبر فتح جدار برلين، وتزامنا معها وصل مسودة نظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي لمناقشته وإقراره في المؤتمر الخامس، وقد وجدنا فيه تأثير واضح للتحولات الجارية في الاتحاد السوفيتي وانتهازية فاضحة أمام الدين الذي بدء يرفع رأسه بقوة. كان الجميع يتهامسون خلسة بأن الاشتراكية فشلت أو أعلنت إفلاسها، وهناك علامات لانهيار الاتحاد السوفيتي. هذه المعطيات المادية دفعت بانهيار المسلمات الوهمية أمامنا دون اي عناء بشري غارق بالبحث والنقاش وسوق الأدلة، مما دفعنا إلى أن نبحث عن الحقيقة، حينها أدركت انه قد جاءنا كراس ولكن لم أكن أعرف أين رميته. بحثت عليه حتى وجدته وبدأت بقراءته بعين نقدية وحذرة، وكنت أعيد كل فقرة عدة مرات كي استوعب ما تكشف عنها تلك الفقرات. وكلما انتهيت من قراءة فقرة اصطدم بفقرة جديدة أخرى لتكشف عن مسالة أخرى حتى تبين في نهاية الكراس وبعد أيام طويلة من الإرباك والإحباط والذهول والصدمة، أن الحظ حالفنا ولم نعتقل او نعدم من اجل نضالنا في سبيل كذبة كبرى. وليس تلك الكذبة محصورة فقط بما سميت بالاشتراكية فحسب، بل أن كل نضالنا، كان نضال من اجل إسقاط  نظام صدام حسين، ومن أجل وطن للبرجوازية الوطنية. وما فشلت بالقيام به من الأحزاب كالحزب الشيوعي العراقي وجماعة الجلبي وعلاوي والدعوة والمجلس الإسلامي نجحت فيه أخيرا قوات المارينز الأمريكية باحتلال العراق وإسقاط نظام صدام وتحقيق حلم تلك القوى السياسية.
أما قصة العامل، قصة المساواة، قصة الحرية، قصة بناء مجتمع اسمه الاشتراكية، قصة الثورة الاشتراكية، قصة الماركسية واقتدار الشيوعية، فقد رحلت او سفرت او في الحقيقة انتزعت ورميت كرزمة واحدة في مكان لم يسمع لها صوت، في خضم قعقعات الكؤوس في نخب الحرب الباردة التي سماها حكمت أكثر الحروب سخونة على مر تاريخ البشرية حيث أشعلت حروب وكالة في عشرات البقاع من العالم. وأخيرا  وفي خضم الاحتفال ببزوغ انتصار النظام العالمي الجديد المخضب بالدم كما سماه منصور حكمت، في وصفه للحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير إقطاعية الكويت من جيش صدام حسين، أسدل الستار بشكل نهائي على تلك الرزمة ليخرج جميع من كان يدور في فلك الاتحاد السوفيتي من الأحزاب الشيوعية التقليدية، من بدلتها المزركشة بالماركسية المسروقة، و ليظهروا عراة ومكشوفين باحثين عن زيهم الحقيقي، سواء كانت  قومية أو ديمقراطية او ليبرالية، وتكشف عن ماهيتهم الطبقية دون أي رتوش.
 
موضوعات ماركسية:
 
في ٣١ آذار عام ٢٠١٠ وفي لقاء مع إحدى القنوات الفضائية، لم استطع الحضور بشكل شخصي بل شاركت تلفونيا مع السيد حميد مجيد موسى حين كان سكرتير للجنة المركزية  للحزب الشيوعي العراقي حينذاك و بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب،  وجه المذيع سؤال؛ اي منكم يمثل الشيوعية الرسمية، انتم أم الحزب الشيوعي العراقي؟ أجبت لا أعرف ما هو الرسمي او ماذا تعني بالرسمي وما هو غير الرسمي، ولكن استطيع أن أقول لك، نحن نمثل البيان الشيوعي والأيديولوجية الألمانية ورأس المال، نحن نريد بناء الاشتراكية عبر إلغاء رأس المال والعمل المأجور، نحن ضد مجلس الحكم الطائفي القومي الذي أسسه بول بريمر، نحن ضد العملية السياسية لأنها قائمة على التقسيم القومي والطائفي للبشر في العراق، نحن ضد الاحتلال ونناضل من أجل إنهائه، وكنا ضد الحصار الاقتصادي وناضلنا برفعه دون قيد او شرط، نحن نمثل المساواة بين المرأة والرجل..الخ. فأنت اختار أن كنا نمثل الشيوعية الرسمية او غير رسمية. ما قلته حينه هو ما تعلمناه من منصور حكمت. حقا نحن مدينين إلى منصور حكمت، ذلك الطيف من الشيوعيين في وسط وجنوب العراق الذين استطيع أن أتحدث نيابة عنهم او باسمهم. مدينين إلى حكمت لأنه أعاد البريق لماركس وانجلز ولينين.

أذا كانت هناك هجمات فكرية وسياسية على الشيوعية العمالية ومنصور حكمت، فهي هجمات بالأساس على ماركس. هنا لا احدث مقارنة بين ماركس وبين منصور حكمت، فماركس واحد من اكبر عباقرة البشرية خلال الألفية كما بينتها إذاعة بي بي سي التابعة لوزارة الخارجية البريطانية، سواء كأعظم مفكر ألفية عام ٢٠٠٠ او كتابه رأس المال في ٢٠٠١.  إلا أنني هنا أشير مثلما كان لينين تلميذا مخلصا ووفيا لتعاليم ماركس وانجلز، نستطيع أن نقول دون اي تردد وبيقين هكذا كان منصور حكمت. وهنا سأتحدث عن منهجية منصور حكمت في تناوله لأهم الموضوعات الماركسية التي شوهتها وحرفتها الأكاديميات البرجوازية و تصورات وأفكار البرجوازية الصغيرة التي انبثقت منها عشرات المنظمات اليسارية تحت عنوان الماركسية.
 
من أين ينطلق ماركس ومن أين يكمل منصور حكمت طريق ماركس بعد لينين. لنتناول خمس موضوعات مهمة لدى ماركس ولينين وكيف جسدها منصور حكمت عمليا في تنظيراته الفكرية والسياسية والعملية. تلك الموضوعات هي الطبقة العاملة، الحزب والشيوعية، السلطة السياسية،  الثورة، الاشتراكية. هذه الموضوعات الخمسة هي أكثر الموضوعات الماركسية التي تعرضت إلى التشويه. طبعا أن الوقت الذي يسمح لي كما المساحة التي أمامي يدفعني أن أتناول هذه الموضوعات بخطوطها العامة لتبيان تمايز حركتنا عن بقية التيارات التي تتبنى الماركسية.
 
منهجية منصور حكمت من منهجية ماركس:
 
أن السؤال الذي يطرح نفسه وفق أية منهجية سنتناول تلك الموضوعات؟ وما هي الدلائل التي تثبت صحة منهجيتنا وحقانيتنا؟ او بعبارة أخرى إثبات حقانية ماركس التي هي حقانية منصور حكمت.
أن انطلاق منصور حكمت يأتي بالجواب على سؤالين، يبدأ من منهجية ماركس الثورية التي تنطلق من  أطروحاته حول فيورباخ، في نقدها للمادية الميكانيكية كما يصفها منصور حكمت بدقة ويسمي منهجية ماركس بالمادية الممارساتية. (وبعد ذلك يستخدم حكمت الشيوعية الممارساتية أو العملية سنأتي عليه لاحقا). فماركس أشار في أطروحاته إلى مسالة جوهرية وأساسية وهي الدور الإنساني او النشاط الإنساني في التغيير. فمادية فيورباخ صورت أن هنالك عالم موضوعي والوعي فيه ليس إلا مرآة  عاكسة بشكل سلبي، وينفي اي دور للوعي الإنساني بالتغيير. وهنا كما يقول منصور حكمت في تأكيده على أطروحات ماركس، أن هذا العالم الموضوعي وان الانسان له دور فيه في صنعه. اي يعتبر ماركس ان هذا العالم هو المجتمع وان الإنسان هو القوة المحولة له. اي أن ماركس أشار وأكد أن العمل الإنساني او النشاط الإنساني هو جزء من صنع العالم الموضوعي الذي نعيشه وهو المجتمع. . وهنا تأتي مقولة ماركس أن الفلاسفة قاموا بتفسير العالم إلا أن المهمة تقوم بتغييره. أن كل عمل ماركس ونضاله الفكري والسياسي والاجتماعي والحزبي انطلق من هذه المنهجية، وهذا ما أثبته منصور حكمت لاحقا في نضاله على جميع الأصعدة.
 
الطبقة العاملة ورسالتها الإنسانية:
 
ولم يرى ماركس دور النشاط الإنساني في البرجوازية، بل رأى ذلك في  الطبقة العاملة ودورها الثوري. والسؤال هو لماذا الطبقة العاملة واين يلتقي منصور حكمت في هذه الموضوعة؟ هل لان العامل محروم، ولماذا الشيوعية لم تتخذ من جميع محرومي المجتمع أساسا لها ولنظريتها؟ أوليس هناك أقسام اجتماعية أخرى أكثر حرمانا من الطبقة العاملة في المجتمع الإنساني؟.
 أن ماركس عندما حلل المجتمع الذي عاش فيه انطلق من موقع الطبقة العاملة ومكانتها التاريخية والسياسية. أنه لم ينطلق من الوضع المأساوي للعمال وشروط عملهم والظلم الطبقي الواقع على عاتقهم.  فأن اي قارئ للبيان الشيوعي، فلا يجد  لا ماركس ولا انجلز  يتحدثان عن الحياة والظروف القاسية للطبقة العاملة وعلى أساسها يظهر دورها التاريخي كما ينظر عموم اليسار عندما يتحدث عن الطبقة العاملة. ويختتم البيان الشيوعي بجملته المشهورة (أن العمال ليس لديهم ما يخسروه سوى أغلالهم). 
في حين عندما يتحدث عموم اليسار عن البيان الشيوعي، فكأنهم يتحدثون عن آثار او كتاب شاخ ولا يصلح إلا خلال الفترة التي كتب فيها مبررين ذلك بأن الماركسية تريد التجديد هنا.  أن منصور حكمت يوضح هذه المسالة، وينظف كل الشوائب التي غطت دور الطبقة العاملة ومكانتها. بيد أن هذه المكانة مرتبطة باقتدار الشيوعية ورايتها الماركسية. اي لا يمكن الفصل بين الدور التاريخي للطبقة العاملة وبين الشيوعية. وهنا نقصد الشيوعية كما يبين ماركس وانجلز في البيان الشيوعي بأنه احزم فريق في صفوف الطبقة العاملة. أن الشيوعية بالنسبة لحكمت هي علم تحرير الطبقة العاملة، وفي نفس الوقت بتحرر الطبقة العاملة لنفسها ملزمة وبشكل موضوعي أن تحرر المجتمع برمته. لأنه كي تتحرر الطبقة العاملة يجب إنهاء أساس استغلالها واستثمارها وظلمها وهو العمل المأجور، وتعمل على إرساء مجتمع جديد. هذان الشرطان يوضحهما منصور حكمت بإسهاب ويكتب عشرات الأبحاث والدراسات والمقالات لتبيان هذه الحقيقة. بيد أن هذه الشيوعية التي هي احزم فريق في صفوف الطبقة العاملة كما يقول عنها ماركس، عليها أن ترتبط اليوم بالنظرية الماركسية. اي لا يمكن الفصل بين الشيوعية والطبقة العاملة ونظريتها الماركسية. ولذلك ذكر حكمت بأن الشيوعية هي علم تحرير الطبقة العاملة. لكن أن هذه (الماركسية والشيوعية) انتزعت من مكانتها الطبقية وأصبحت راية طبقات أخرى. ويذهب منصور ابعد من ذلك، فيوضح أن البرجوازية عندما حررت نفسها من الإقطاعية، اكتفت في دائرتها، ونفس الشيء ينطبق على الإقطاعية عندما تحررت من العبودية، في حين أن الطبقة العاملة لا تستطيع تحرير نفسها دون تحرير المجتمع، لأنه أساس استغلالها هو رأس المال والعمل المأجور، ودون إنهاءهما، لا يمكن أن تحرر نفسها، وهما أساس استعباد المرأة وأساس العنصرية والحروب والأمراض وموت الأطفال جوعا وأساس الفقر والبطالة وتلوث البيئة والاحتباس الحراري. أن مكانة الطبقة العاملة تنبع من هذا المكان، فأساس تحررية الطبقة العاملة هو الإنسانية.
 
الحزب والشيوعية :
 
لا يقف منصور حكمت عند هذه الحدود، أي لا يتحدث عن الشيوعية (الشيوعية العمالية) كمنهج فكري وعقيدة، بل يتعدى ذلك، ليتحدث عن الشيوعية في مستويين، المستوى الأول تحزبها والمستوى الثانية الشيوعية الممارساتية. أي ليس اي حزب وأية شيوعية وبأي ثمن. أن تصور حكمت للشيوعية لا ينبع من الإخلاص الأيديولوجي ولا من الموقف الأخلاقي من الطبقة العاملة كما هو موجود عند منظمات اليسار. أن الحزب الذي يريده منصور حكمت كما كان ماركس هو حزب العمال الاشتراكيين. حزب أكثر أقسام الطبقة العاملة وعيا. أن العامل بالنسبة له ليس صنف، ولا هو مقدس، بل أن مكانة العمال تنبع من رسالته الإنسانية، في تحرير المجتمع برمته مثلما أشرت. وهنا تكمن الرسالة الإنسانية للماركسية والشيوعية المقترنة بالعامل. اي ليس هناك فصل بين العامل والشيوعية.
 أن تصور حكمت للشيوعية كما اشرنا ينبع من المنهج الثوري لماركس في نقده لأطروحات فيورباخ. وعلى الصعيد العملي يجسد هذا المنهج من منهجية لينين حول الحزب ونظرية التنظيم. ليس هناك شيوعية لا في منهجية ماركس ولا عند لينين ولا منصور حكمت، شيوعية دون حزبها، دون تنظيمها. ولكن اي نوع من الأحزاب أو التنظيم الذي نبتغيه؟ انه حزب ينظم القسم الواعي داخل الطبقة العاملة ويعمل من أجل تنظيم ثورة طبقته، الثورة الاشتراكية. انه ليس حزب المثقفين المعترضين على أوضاعهم الاجتماعية، ولا حزب المناضلين من أجل إنهاء الدكتاتورية، ولا حزب يعمل من اجل الدفاع عن الصناعة الوطنية، او حزب يناضل في مقارعة الامبريالية، او حزب (انتي إسلام سياسي)، (ضد الإسلام السياسي) انه حزب من اجل إنهاء الرأسمالية من خلال ثورة اجتماعية وبناء المجتمع الاشتراكي. وعليه تأتي النظرية التنظيمية لمنصور حكمت التي تعلمنا أن تنظيم الطبقة العاملة هي من أجل تنظيم الثورة الاجتماعية للبروليتاريا التي تحدث عنها ماركس قبل أكثر من قرن ونصف، وغير ذلك كلها تشويهات وترهات البرجوازية الصغيرة إلى نثرتها في صفوف المجتمع.
 أن اقتران الشيوعية بالحزب بالنسبة لحكمت هو وحدة واحدة لا يمكن الفصل بينها. وهنا يتحدث عن الشيوعية التي تتحول إلى قوة مادية واتجاه سياسي في المجتمع عندما تسيطر في مكان ما أو منطقة ما أو قرية ما وتعلن عن برنامجها وتنفذها؛ بمنع ضرب الأطفال وتطبيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، إطلاق الحريات السياسية دون اي قيد او شرط، حرية التعبير ...الخ، او ان تتحول الى جزء من المعادلة السياسية في المجتمع. أي بمعنى آخر أن اي شخص يعيش في منطقة نفوذ الحزب الشيوعي العمالي يشعر هناك اختلاف جذري بين حياته في ظل الحزب وبين حياته في ظل القوى الأحزاب السياسية الأخرى. فكما أن البرجوازية تظهر نفسها صاحبة المجتمع وليس المسؤولة عن طبقتها فحسب، فعلى الشيوعية أن تظهر هي أيضا بأنها صاحبة المجتمع. أن شيوعية لا تحدث تغيير في حياة الأفراد، في حياة المجتمع، من الممكن أن تكون اي شيء ولكن ليس شيوعية ماركس. هكذا فعل لينين عندما قاد ثورة أكتوبر، وتحولت الشيوعية إلى موديل فكري وسياسي لا ينافسه اي موديل فكري وسياسي آخر كما يعلمنا منصور حكمت.
 
موضوعة السلطة السياسية:
 
وهنا تأتي الموضوعة الأخرى وهي (السلطة السياسية). لماذا نريد حزبا شيوعيا، هل من اجل المشاركة في تظاهرات ضد الامبريالية الأمريكية، او من اجل مقارعة إسرائيل، او من اجل تشجيع الصناعة الوطنية، او من اجل تأميم النفط، او نريد نادي اجتماعي نجتر نقاشات ونقاشات لا طائل منها ولا تحرك ساكن…الخ كما هي حال الأحزاب الشيوعية واليسار التقليدي او من اجل إثبات إخلاصنا الأيديولوجي والدفاع عن النقاوة الأيديولوجية؟ .
أن البرجوازية عندما هدمت بالمعول تمثال لينين في الساحة الحمراء في روسيا، كانت توجه رسالة واضحة كما يبين حكمت في مقولته هو أن لينين هو رمز الجسارة الطبقية. لقد كان تهديم تمثال لينين يعني كسر شوكة الشيوعية والطبقة العاملة وجرأتها في استلام السلطة السياسية. أن موضوعة (السلطة السياسية) بالنسبة لشيوعية ماركس كانت هزة عنيفة أحدثها منصور حكمت في المنظومة الفكرية والسياسية والعملية لعموم اليسار. أن صعود او حتى التفكير بصعود او استلام الطبقة العاملة للسلطة وحزبها الشيوعي بالنسبة للآخرين قد دفن في درج التاريخ. أن البرجوازية عملت بجد ووظفت كل إمكانياتها المادية من اجل محو آثار ما أقدم وتجرئ  عليه لينين والطبقة العاملة الروسية. وهكذا ومنذ هزيمة ثورة أكتوبر على يد البرجوازية الروسية بقيادة ستالين، أركنت السلطة السياسية جانبا او في الحقيقة محيت من المنظومة الفكرية لليسار الماركسي. أن كل الشغل الشاغل الذي ساد في اليسار وشيوعيته وماركسيته ــ قبل موضوعة منصور حكمت حول (السلطة السياسية) ــ هو المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات والحملات السياسية، وإثبات الإخلاص الأيديولوجي عبر إبداء المواقف السياسية..الخ. أما التفكير بالسلطة السياسية من قبل الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي فلقد وضعت مئات التنظيرات الفكرية والسياسية حول وجوب عدم مس العامل كرسي الحكم او سلطة البرجوازية. انه كرسي محجوز تحت مبررات الظروف غير المواتية، والطبقة العاملة غير واعية، وان اليوم هو مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية..الخ من تلك الترهات الفكرية والسياسية. في حين أن البيان الشيوعي تحدث قبل أكثر من قرن ونصف عن السلطة السياسية واستعداد الطبقة العاملة لاستلامها. وكانت كومونة باريس عام ١٨٧٠ وهي أول سلطة عمالية  خير مثال على ذلك برغم من نواقصها وإخفاقاتها.
و يلتقي من جديد ماركس ومنصور حكمت عندما قال أن الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقات السائدة. اي أن انتصار الأفكار في ميدان الواقع هو ليس سره النخب المثقفة ودرجة الوعي في المجتمع إنما بحاجة إلى قوة مادية وهذه مرتبطة بسعي الشيوعية للعمل في الميدان الواقعي، في توجيه أنظارها صوب السلطة السياسية. انظر كيف يصور منصور حكمت تغييره للثقافة المعادية للمرأة في المجتمع ( نحن نقوم بتغيير ثقافة الناس. وبدلا من أن تأتوا وتضحونبنصف المجتمع، بإمكانكم التضحية بتلك الثقافة. نحن سنقوم بعمل بحيث ينظر المجتمع لكل من يتعرض لمسألة تحرر المرأة ومسالة مساواة المرأة والرجل، كشخص مخطئ بالضبط مثلما ينظر لمن يتعرض لصحة الناس). اي بعبارة أخرى عندما تكون بيدك السلطة السياسية يعني انك تسيطر على جيش الإعلام، وتسيطر على منظومة إنتاج الخرافات مثل دور العبادة التي تنفق عليها من أموال وزارة الأوقاف المسلوبة من العمال وعموم مسحوقي المجتمع لتنظيم دوامة فكرية غيبية تعيش فيها الأغلبية الكادحة من البشرية والحيلولة دون التفكير بالمساس بأساس فقره وظلمها، وتسرح جيش من الأقلام المأجورة، وتلغي تلك المؤسسات المعدة لتشويه الوعي التي تمول من الدولة والمؤسسات الدولية وتحت اسم منظمات المجتمع المدني، وتسن القوانين والأنظمة، وتحل المليشيات الرسمية وغير الرسمية كل ذلك من اجل تحويل الأفكار إلى معطيات مادية وراسخة لا تدحض.
 
موضوعة الثورة:
 
بيد أن الاستيلاء على السلطة السياسية لا تأتي إلا عبر الثورة، وليست أية ثورة بالنسبة للشيوعيين. وهنا تأتي موضوعة الثورة. أن أهمية الحزب ونظرية التنظيم هي من اجل القيام بثورة اجتماعية عمالية. ليست أية ثورة. نحن كما يقول لنا منصور حكمت. لسنا دعاة أية ثورة. وإذا اشتركنا في الانتفاضات او الثورات فإننا نشترك فيها لتنظيم الطبقة العاملة فيها وقيادتها، اي قيادة تلك الثورات والانتفاضات وسيادة الآفاق الشيوعية عليها وتغيير مسارها إلى ثورة اشتراكية. أن الحفاظ على الاستقلالية السياسية والتنظيمية للطبقة العاملة هي واحدة من وظائف الأساسية للحزب الشيوعي العمالي، وتصاعد درجة شدة وظائفها في أيام الثورات والانتفاضات، حيث تحاول القوى البرجوازية الأخرى في سيادة آفاقها عليها وجرها إليها.
أن الثورة الوحيدة التي أمامنا هي الثورة الاشتراكية. بيد أن موضوعة (الثورة) هي الأخرى وضعت عليها تفسيرات وتنظيرات عديدة بالنسبة لذلك الطيف من اليسار، وبما أنهم لا يكترثون في منظومتهم الفكرية للثورة العمالية، فنجدهم يسبحون في خيالهم إلى حد الغرق، ويتصورون أن كل شيء يتحرك في الشارع ثورة، حتى عراك بين شخصين في الشارع يتصوره  ثورة، مثلما كان يتصور دون كيشوت أعدائه من طواحين الهواء. وهذه أيضا نابعة من النزعة ضد الاستبداد او الإسلام السياسي دون تحليل طبقي للجذر الاجتماعي للاستبداد والدكتاتورية. ولا يقف هذا اليسار عند هذا الحد بل وفي خضم سباحته في خياله وذهنه البعيد عن الوقائع المادية وافتقاره إلى التحليل الطبقي الماركسي، فيتصور أن شبح الشيوعية يخيم على أية حركة يراه في الشارع ويصورها ثورة. لقد نسف منصور حكمت بنقده هذه التصورات، وقد وجه ضربات نقدية لهذه التصورات، وتحدث بإسهاب منذ بداية الثورة الإيرانية في عام ١٩٧٩ أن لا ثورة أمامنا غير الثورة الاشتراكية، الثورة الاجتماعية للبروليتاريا.
 
موضوعة الاشتراكية:
 
وفي سياق هذا العمل النضالي الفكري والسياسي والاجتماعي والتنظيمي المتواصل لمنصور حكمت، يريد أن يصل إلى الاشتراكية، التي أجلتها المنظمات اليسارية ورحلتها من برامجها وجدالاتها الفكرية والسياسية. في الوقت الذي قال حكمت بأن ثورتنا القادمة ــ وكانت إيران تخوض غمار ثورة عام ١٩٧٩ــ هي ثورة اشتراكية، والجميع يعلم حينها أن الرأسمالية بلغت مرحلة متقدمة جدا من التطور، وهي مرحلة الامبريالية التي تحدث عنها لينين قبل أكثر من ستين عام، ووصول العلاقات الإنتاج الرأسمالية إلى جميع بقاع المعمورة. وكان حين قالها قد وقف بعكس كل تصورات اليسار وبجميع تلافيفه وأطيافه، في تصورها بأنه لم يأتي الأوان للثورة الاشتراكية، وبأن هذه المرحلة هي مرحلة الثورة الديمقراطية التي لم يقل لنا هذا اليسار متى ستنتهي هذه المرحلة وتزف مرحلة الاشتراكية.
أن موضوعة الاشتراكية يعد جزء لا يتجزأ من المنظومة الفكرية والسياسية للماركسية. أن أكثر المنظمات راديكالية تتشدق بالاشتراكية، ولكن على صعيد أسلوب العمل وشكل التنظيم والممارسة العملية والتكتيك السياسي لا تتعلق لا من قريب ولا من بعيد بالاشتراكية. بل أن الأفق الاشتراكي والدعاية والتحريض والتنظيم من أجل الاشتراكية يغيب بشكل كلي في عمل ذلك اليسار. ويحذر منصور حكمت بأن الاشتراكية والنضال الاشتراكي  من أن تختزل إلى الدعاية  وتوضيح النصوص الماركسية. وان غياب هذا الأفق مرده إلى أن اي اليسار يمثل توجهات مصالح طبقية أخرى وهي البرجوازية الصغيرة التي تكرس كل عملها وعلى جميع الأصعدة بالتعبير عن السخط السياسي والاجتماعي لما آلت إليه أوضاعه وان الثورة التي ينشدها ليس أكثر من ثورة ديمقراطية عسى ولعل تغيير أن أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
 
الخاتمة:
 
من خلال ما أوردناه بشكل مقتضب عن الموضوعات التي تناولناها، نجد دون اي عناء أن منصور حكمت أعاد البريق إلى الماركسية، أعاد الشيوعية والماركسية إلى مكانتها الحقيقية، إلى أساسها الطبقي وجذرها الاجتماعي. انه تحدث عن ماركسية بلغة معاصرة، واثبت في جميع أطروحاته الفكرية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية انه تلميذ مخلص لماركس ومعلم الطبقة العاملة بعد لينين. أن الشيوعية العمالية ليس إلا الماركسية في الميدان العملي السياسي والاجتماعي، وليست اقل منها، واللينينية في مجال التنظيم والتحزب والثورة الاجتماعية للبروليتاريا واستلام السلطة السياسية وبناء المجتمع الاشتراكي. أن الشيوعية العمالية أرست مكانتها الفكرية والسياسية والتنظيمية في زاوية معينة من المجتمع وضمن التيارات والأحزاب السياسية وبغض النظر عن جميع نواقصها ومشكلاتها وموقعها الاجتماعي ونقاط ضعفها والمسارات السياسية التي مرت بها.
 أن ما نشاهده اليوم من احتجاجات عظيمة في أمريكا ضد العنصرية ويتضامن معها آلاف المؤلفة في بلدان أوربا، تكشف عن حقيقة هذا النظام البشع الذي نعيشه. أن العنصرية أشعلت شرارة احتقان اجتماعي كبير في صدور الملايين الذي ألقتهم وباء كورنا في جحيم خطر الموت أو البطالة والعوز والجوع.
 أن جذر هذا النظام البشع هو الربح، وسعيه لفعل أي شيء من أجل الربح. فانهيار القطاع الصحي في بلدان متقدمة مثل أمريكا وايطاليا وفرنسا واسبانيا تكشف أن النظام الرأسمالي يتعامل مع القطاع الصحي وحياة البشر بقوانين السوق  لذلك سعت إلى قطع كل المعونات والتمويل عليها وتحويلها إلى قطاع الدفاع والسلاح. أن تصاعد عقارب ساعة الموت لتصل إلى نصف مليون إنسان في تلك البلدان تنم عن بشاعة النظام الرأسمالي الذي تحدث عنه منصور حكمت بإسهاب طوال سنوات نضاله . فسواء قبلت كل الأقلام المأجورة ومنافحي النظام الرأسمالي، أو لم ترض، فإن الاشتراكية هي الرد على هذا النظام. وهذا ما علمنا منصور حكمت الذي قال أن أساس تحررية العامل هي  الإنسانية، وإن أساس تحررية الماركسية هي الإنسانية.
لقد تعاهد ذلك الطيف من الشيوعيين الذي أشرت إليه في بداية هذا المقال وفي المراسيم التأبينية لرحيل منصور حكمت في لندن عام 2002 بأننا سنكمل ما انتهى منه رفيقنا وقائدنا وعزيزنا منصور حكمت، طريق نضال الحزب الشيوعي العمالي، شيوعية ماركس، وشيوعية لينين، شيوعية تسعى لتغيير المجتمع.


80
الكاظمي بين السيناريوين والانتفاضة
سمير عادل
في الوقت الذي تشظت حكومة المجرم عادل عبد المهدي على صخرة انتفاضة أكتوبر، يصل الكاظمي رئيس جهاز المخابرات المتورط مع بقية الأجهزة الامنية لحد النخاع بدماء المتظاهرين، ونؤكد القول بأنه وصل على أكتاف الانتفاضة.
إن سيناريو وصول الكاظمي إلى رئاسة الوزراء هو نفس السيناريو الذي توج فيه حيدر العبادي عام 2014 عندما اجتاح داعش ثلث مساحة العراق مع تسليم المالكي الخزينة المالية فارغة. وفي كلا السيناريوهين يتراجع النفوذ الإيراني خطوة إلى الوراء في العراق، مقابل تقدم النفوذ الأمريكي خطوتين إلى الأمام، مع فارق واحد هو ان وضع الجمهورية الإسلامية في إيران اليوم هو الأسوأ منذ انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية. فالحصار الاقتصادي الأمريكي عليها وقتل سليماني قائد فيلق القدس في مطار بغداد  وانحسار النفوذ الاجتماعي لها في المنطقة وخاصة في لبنان والعراق على اثر ضربات الانتفاضتين في البلدين وتفشي وباء كورونا وانخفاض أسعار النفط، كلها عوامل دفعت أجندة الحرس الثوري بالقبول على مضض بتمرير الكاظمي وكابينته التي تفوح منها رائحة الفساد على اثر المحاصصة. ولم يصبر وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو لإخفاء سروره  ولو لساعات قليلة حتى أعلن انه أعفى العراق لمدة ١٢٠ يوماً من العقوبات المفروضة على إيران لغرض استيراد الغاز ودعمه لأجندة الكاظمي، وجاء متزامنا معه  إعلان السفير البريطاني والكندي عن دعمهما لحكومة الكاظمي.
العنوان العريض الذي جاء به الكاظمي هو “سيادة العراق” وحصر “السلاح بيد الدولة” وهي الأغنية التي تطرب مسامع  الإدارة الأمريكية التي تعني؛ ضرب ما أوتي من قوة للمليشيات والنفوذ الإيراني في العراق. وأما محاسبة قتلة المتظاهرين فور تسلمه أو تمرير كابينته هو الشعار الذي سيختبئ تحته لضرب المليشيات التي تسمى بالولائية، وكانت قد  قصفت بثلاثة صواريخ  مطار بغداد عشية التتويج. وأن جميع الإطراف الموالية لإيران في العراق ونفس قادة قم - طهران يدركون ان ما تحمله الأيام القادمة لها، ليس خيرا عليها، وان كل ما سعت إليه وتحت يافطة “المقاومة والممانعة” و”الشيطان الأكبر” المشروع الجهنمي للبرجوازية الإيرانية، برجوازية بازار طهران والذي يقودها الحرس الثوري بدأت تتقوض، وان الجولة التي ربحتها بتعويم مجرم مثل عبد المهدي تخسرها اليوم لصالح أمريكا. ولا ينحصر تراجع هذا النفوذ في العراق وحده، بل يتعدى ليصل إلى سورية التي تتواطأ فيها روسيا مع إسرائيل وتغض الطرف عن الهجمات الصاروخية والجوية على معسكرات ومختبرات الحرس الثوري فيها.
القوى المحلية العراقية من أمثال تحالف فتح، وخاصة الصقور منها، ولا نقصد الصقور بالمبدئيين هنا، بل نقصد أولئك الذين يعرفون دائما من أين تؤكل الكتف وخاصة رئيسه العامري، هو من وقف وراء إقناع الإطراف الأخرى من المليشيات بالقبول بالكاظمي كي ينقذ ما يمكن إنقاذه من نفوذ وامتيازات وسلطة بعد وعيها بالعوامل المذكورة التي تحيط بإيران وأنه من الممكن أن يُسحب البساط من تحت أقدامها.
إن ما جاء قبل أيام من إعلان تأسيس ما يسمى بـ (جيش المقاومة الإسلامية) المسوق إلينا تحت تسمية (جسم) وهو مليشيا جديدة تشكلت من عناصر النخبة في مليشيات العصائب والنجباء وحزب الله…الخ هو ورقة جديدة لمشروع الحرس الثوري في العراق كي يستطيع الحفاظ على  نفوذه وهيمنته السياسية والاقتصادية في العراق. وفي نفس الوقت هو رسالة واضحة لحكومة الكاظمي بأنه لن يقف مكتوف الأيدي تجاه التفكير بضرب مليشيات (المقاومة) المنضوية تحت ستار “الحشد الشعبي”. وبالمقابل أن تمرد أربعة فصائل مليشياوية تابعة للمرجعية ليس إلا إعلان بشكل غير مباشر عن حل الحشد الشعبي أو هيكلته أو تقويض نفوذه وتمدده العسكري وتطاولاته، أو رفع الغطاء الرسمي عن الفصائل المتجمعة في تحالف فتح، وقد جاء الانشقاق المذكور ضمنا كبرقية تهنئة وتضامن مع الكاظمي وحكومته عشية تمريرهما.
بالنسبة لنا، الشيوعيين والتحرريون، العمال والموظفين، الكادحين والعاطلين عن العمل، النساء التواقات للحرية والمساواة، الشباب الذين يطحنهم العوز والبطالة والذين ضحوا بأنفسهم في الانتفاضة  ما يقارب أكثر من ٧٠٠ منهم وعشرات ألاف من الجرحى، فكما أعلنا في بياننا حول ترشيح الكاظمي لرئاسة الوزراء، فإننا نكررها بأنه مرشح قتلة المتظاهرين وأياً كانت اليافطة التي جاء تحتها، وان من يأتي من رحم العملية السياسية وبصفقة علنية مفضوحة عبر المحاصصة، ومتوج بأكاليل الزهور وضعها بومبيو على رقبته، فأنه لن تكون حكومته أفضل من حكومة العبادي ولا نقل عبد المهدي، لأنه ببساطة هو نتاج العملية السياسية التي بنيت على أساس المحاصصة، بنيت على أساس دعامتين وهما الجمهورية الإسلامية في إيران والاحتلال الأمريكي، وليس في أجندتها سواء الجعجعة والجمل الإنشائية. فكما العبادي الذي خرج علينا قبل أيام في برنامج لعبة الكراسي” وهو يقول (ان حكومة عبد المهدي فاسدة وكان هناك قتل مبرمج للمتظاهرين)، وكأن الجماهير لديها ذاكرة السمكة، وأنها نست انه هو من فرض سياسة التقشف على المجتمع، وقمع تظاهرات البصرة بعد ان كذب وبصفاقة بأنه سيعين عشرة ألاف من العاطلين عن العمل، ليجدوا في اليوم الثاني طلباتهم بأكوام النفايات بينما قواته نزلت  لقتل المتظاهرين في ٢٠١٨، وفتح أبواب العراق على مصراعيها لمشاريع المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ان الكاظمي سيسير ويمشي على خطاه (عديله) العبادي.

81
مفهوم (السيادة)
 في المنظومة الانتهازية للبرجوازية
بمناسبة ذكرى سقوط بغداد وإعلان احتلال العراق
سمير عادل

ان مفهوم “السيادة” هو اكبر عملية احتيال قامت بها البرجوازية في العالم المعاصر وسوقتها وباعتها بثمن باهظ على الطبقة العاملة. وليس هذا فحسب بل وعن طريق هذه العملية عومت البرجوازية العمال والشرائح الاجتماعية المسحوقة كي تحولها إلى وكيل مزيف ورأس حربة لها في معاركها مع منافسيها من برجوازيات البلدان الأخرى التي يقف معها عمالها الخاضعين لخداع تلك “السيادة”. وفي نفس الوقت تبادر البرجوازية في لعب دور المحامي للدفاع عن تلك “السيادة” باسم العمال ومحرومي المجتمع كي تنتزع تنازلات مادية وسياسية من منافسيها الآخرين في الدول الأخرى، والتمهيد لعقد الاتفاقيات والصفقات، التي في اغلبها تكون سرية تجري خلف الكواليس ومن وراء ظهر الجماهير.
ان  “السيادة” بالنسبة للبرجوازية وحسب حاجتها؛ من الممكن ان تكون مقدسة وتسفك الدماء من اجلها، ومن الممكن ان تكون معدومة أو لا يكترث احد لها كما حدث مع احتلال العراق. المهم ان الوقوف إجلالا للسيادة واخذ تحية العلم لها وعزف النشيد الوطني “موطني” لها، أو الدوس عليها دون اي عناء أو اكتراث مرتبط بموافقة البرجوازية الحاكمة منها. ففي الأول تقام الدنيا ولا تقعد وتدق الطبول الإعلامية والدفوف، وتشحذ الهمم وتعبئ المجتمع سياسيا وإعلاميا ووجدانيا وأحيانا عسكريا، إذا كان من ينتهكها لم يدفع ثمن بطاقة الدخول، في حين يغض الطرف عن الدوس على السيادة إذا كان من ينتهكها هم من أصحاب كارتات الدفع المسبق، حصلوا عليها ممن امتهنوا مهنة العمالة باحترافية عالية كما يحدث اليوم في العراق.
المفارقة المضحكة والتي تثير السخرية، هي أنه وعندما يتحدث عن السيادة العراقية والتبجح بالدفاع عنها (رئيس الجمهورية) ومرشح جميع القوى السياسية ممن قتل المتظاهرين والمتواطئين معهم من القوميين والطائفيين ، ومستذكرين هذا العنوان “السيادة” في ذكرى سقوط بغداد ٩ نيسان وإعلان احتلال العراق. ولا يقف الموضوع عند هذا الحد، بل ان الكاظمي وفي كلمته بعد تكليفه لاستلام منصب رئيس الوزراء أطلق جمل إنشائية طنانة حول السيادة، ومستخدم بعض مقولات المرجعية الشيعية، كي يضفي مشهد درامي مثل السينما الهندية على السيادة، عندما قال ان سيادة العراق غير جدلية، وظل يكرر مقولة السيادة بين سطر وسطر في كلمته، وكأن اشتعال شرارة انتفاضة أكتوبر والتي قتل فيها المئات من المتظاهرين العراقيين واختطفوا واغتيلوا  كان من اجل “السيادة”، وليس من اجل رغيف من الخبز والقليل من الكرامة الإنسانية مع مساحة صغيرة من الأمن والحرية.
حقيقة لا ندري ماذا نصف كلمة الكاظمي المكلف الجديد لرئاسة الوزراء حول إفراطه باستخدام مقولة السيادة، في الوقت الذي يحي ذكرى سقوط النظام في ٩ نيسان، هل نصفها بالنفاق السياسي أو بازدواجية المعايير في ذكرى سقوط بغداد. أو ليس شن الحرب على العراق واحتلاله عام ٢٠٠٣  ودون  موافقة مجلس الأمن الدولي وعن طريق سياسة البلطجة الدولية هي انتهاك لسيادة العراق؟ أم انه نيران صديقة، وان هذا النوع من الخرق الفاضح طبعا للسيادة البرجوازية لا يعتبر انتهاك للسيادة، لان من احتل العراق وداس ببساطيله على كل القيم الإنسانية وقتل مئات آلاف من جماهير العراق إضافة إلى الأهوال الأخرى التي احدثها في مجال الصحة والتعليم والخدمات والنهب والسلب والفساد، هو من نصبت هذه الكتل السياسية على السلطة في العراق وهي من رشحت سيادة مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء. 
وليس هذا فحسب فما دمنا بصدد السيادة اليوم في ذكرى احتلال العراق، لنذكر أيضا ان مساعد وزير الخارجية الأمريكي أعلن انه سيدعم حكومة الكاظمي إذا التزمت باحترام سيادة العراق ومحاربة الفساد، في حين كانت جيوشه عام ٢٠٠٣ هي من علقت سيادة العراق إلى إشعار آخر. وهنا يقصد مساعد وزير الخارجي الأمريكي بالسيادة، مجرد تحجيم النفوذ الإيراني في العراق. بينما توغل النفوذ الأمريكي وتحويل العراق أرضا وسماءً إلى ساحات حرب لتصفية عملاء الجمهورية الإسلامية في العراق ومنطقة حرة للشركات الأمريكية ومؤسساتها المالية، فلا يدخل في خانة انتهاك السيادة.
بيد ان المفهوم النسبي الذي تتمتع به “السيادة”  يأخذ شكلا آخر عند تحالف المليشيات التي قتلت المتظاهرين، فبالنسبة لقيس الخزعلي وأبو ولاء الولائي والبطاط والكوثراني.. فأن ضرب القواعد العسكرية العراقية بالصواريخ الإيرانية بحجة وجود القوات الامريكية وضرب المعارضين الإيرانيين في كردستان العراق وتوغل الجيش التركي وبناء قواعد عسكرية فيها ليس انتهاك للسيادة. كما ان إطلاق  عدة تصريحات ومن معممين مسؤولين إيرانيين بأن العراق هو الحديقة الخلفية لإيران، لا يعد انتهاكاً للسيادة ولم يحرك وجدان وقلوب “الغيارى” من القوى الإسلامية التي رفعت لواء الدفاع عن سيادة العراق.
ما نريد أن نقوله أن التلاعب بمفهوم السيادة هو جزء من ترهات البرجوازية، ومحاولة لجر أنظار الجماهير إلى مكان آخر، وذلك لتمويه الجماهير عن الاطرفا الحقيقية في انعدام أمنها وسلامتها، وإشاعة فقرها وعوزها، وفي نفس الوقت تعبئتها لزجها في حرب ليس حربها إنما هي حرب اللصوص وعرابيها من الأنظمة المافيوية في إيران وأمريكا.
ان مفهوم “السيادة” هو جزء من قاموس الترهات السياسية للبرجوازية، ولا اي مصداقية أو معنى لها. وإن تلك الطبقة مستعدة ان تبيع كل شيء بما فيها ممارسة مهنة السمسرة والبلطجة والعمالة السافرة وتدوس على كل شيء من اجل مصالحها. أما بالنسبة لنا نحن الشيوعيين فأن نظرنا إلى السيادة هي من زاوية سيادة الإنسان، كرامته وقيمته، أمنه وسلامته وصحته ورفاه. ان انتهاك هذه السيادة تجري في كل لحظة وبشكل يومي ومتكرر من قبل نفس القوى الإسلامية ومن قبل أمريكا والجمهورية الإسلامية. فإذا استطعنا الوقوف بوجه انتهاك سيادة الإنسان ووضع حد له فيمكننا حينئذ ان نضع حدا لمن يخرق سيادة امن وسلامة وحرية جماهير العراق.


82
الشيوعية ممارسة اجتماعية حياتية يومية
سمير عادل

 مدخل :
إن الأخلاق السائدة هي أخلاق الطبقة السائدة كما يقول لنا ماركس وانجلز في“ البيان الشيوعي .”وفي عالمنا المعاصر حيث العلاقات الإنتاج هي علاقات رأسمالية، فأن الأفكار والأخلاق والتقاليد الاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع هي للطبقة البرجوازية التي تدير دفة السلطة في المجتمع .
وهكذا أن كل شيء في المجتمع من الكذب والنفاق والرياء والفساد بكل أنواعه وشراء الذمم والاحتيال والانحطاط الأخلاقي، هو انعكاس للطبقة السياسية السائدة وهي البرجوازية .فالبرجوازية كي تديم نفسها بالسيطرة على المجتمع ومن اجل إدامة أرباحها وامتيازاتها، بحاجة إلى الكذب وبحاجة إلى الاحتيال على المجتمع وبحاجة أن تظهر بوجهين، الوجه الودود العلني، والوجه الآخر الذي يحوك الدسائس من خلف الكواليس والعمل تحت الطاولة لتحقيق مصالحها .ولننظر إلى المشاهد السياسية التي عكسها وباء كورونا، فإنك ستجد الأنظمة السياسية تكذب وتكذب وتظهر بوجهين وباتت حتى تغش و تسرق المعدات الطبية والكمامات من بعضها وتقوم بعمليات القرصنة وبشكل علني مثلما حدث في الشحنات التي أرسلت إلى فرنسا واسبانيا وايطاليا وتونس..الخ .فالانحطاط الأخلاقي ليس محصور ببرجوازية دولة معينة، ولكن درجته وشدته تختلف من مكان إلى آخر وحسب مستوى وتوازن القوى والصراع الطبقي ودرجة تطور المجتمع .أما في العراق، فإن الانحطاط الأخلاقي وبسبب حثالة
البرجوازية الحاكمة فيه، فأننا نجد درجته ومدياته أعلى بما لا يقاس مقارنة بالأنظمة البرجوازية الغربية . وإذا ما دققنا، فسنجد حتى الإعلام العراقي بجميع تلافيفه يفتقد إلى المصداقية والحرفية والذي هو لسان حال لتلك البرجوازية المنحطة .فأي تصريح أو حدث أو اتفاق سياسي أو اقتصادي، تتناوله كل فضائية أو وسيلة إعلام بشكل يختلف جذريا عن الأخرى .
إن الكذب هو مهنة في العراق وتجيدها البرجوازية الحاكمة بشكل احترافي يقل عن نظيرها في العالم . وقد أشرت إلى هذه الموضوعة في نهاية عام ٨٠٠٢ في ندوة في مدينة البصرة أمام جمع من القادة ونشطاء العمال حول مهنة“ الكذب”، فما بالك اليوم وبفعل التطور التكنولوجي وألمعلوماتي والفبركة
الإعلامية والخبرة التي اكتسبتها القوى السياسية الحاكمة، تجد التطور الهائل لمهنة الكذب بشكل كبير . والحق يقال، ويعود الفضل في براءة الاختراع الخاصة بتطوير مهنة الكذب إلى القوى الإسلامية التي سيطرت على السلطة.
أهم العوائق أمام العمل الشيوعي في الميدان الاجتماعي:

على مدى عقود وخاصة نحن نتحدث عن العراق، كانت المنابر الإعلامية والفكرية والسياسية وقوانين الدولة التي تسير المجتمع مفتوحة إلى جميع التيارات البرجوازية، القومية والإسلامية، بينما كانت الشيوعية محرومة منها وممنوعة، بل وان اي شخص يتحدث بها من بعيد توجه له أما من قبل الدولة أو
المجتمع أو بعض الأفراد تهمة الإلحاد أو مس الأمن القومي والوطني وانتهاك المقدسات ثم يحاكم ويسجن إذا لم نقل يعدم .
كانت الشيوعية محرومة من منابرها الفكرية والاجتماعية والسياسية، وأكثر من ذلك وفي خضم الحرب الباردة وبتحالف القوى الإسلامية ومعمميها وفقهاءها ومنظريها والمخابرات الأمريكية والغربية على العموم أصدرت الفتاوى في محاربة الشيوعية دفاعا عن بقايا الإقطاع والملاكين الزراعيين، ومقاومة تغيير قوانين الأحوال الشخصية التي سنت بعد انقلاب ٤١ تموز ٤٥٩٢ وتأسيس الجمهورية، وقد منعت تعدد الزواج وسمح بزواج الكتابي من المسلمة وبالعكس دون تغيير ديانته إلى مسلم .وكانت أشهر تلك الفتاوى ضد الشيوعية هي فتوى مرجع الشيعي الأعلى محسن الحكيم في أواخر الخمسينات وبداية
الستينات“ الشيوعية كفر والحاد ”والتي مهدت لإباحة دماء الشيوعيين في انقلاب شباط ٤٥٩١ وقد تحول بيت محمد مهدي الخالصي في منطقة الكاظمية في بغداد وهو احد مراجع الشيعة إلى مقبرة للشيوعيين . وهكذا وفي نهاية الحرب العراقية-الإيرانية وفي اجتماع لمجلس القيادة القطرية لحزب البعث، كانت واحدة من المواضيع التي جرت مناقشتها بشكل جدي هو السماح للتعددية الحزبية في العراق لأسباب ليس هنا المجال لذكرها، إلا أن أغلبية القيادة كانت تميل لمنع مشاركة الأحزاب الشيوعية بذريعة إلحادها أو عدم اعترافها بأي دين .
ما نريد أن نبينه وبشكل واضح هو أن ما هو سائد في المجتمع العراقي هو الأخلاق والتقاليد الاجتماعية للبرجوازية، وعلى مدى عقود، عملت المنظومة السياسية والأمنية والفكرية والاجتماعية للبرجوازية في ترسيخها .
هذه بعض الوقائع تعلمنا، إن مهمة الشيوعيين اليوم بالوقوف بوجه التيار السائد ليست مهمة سهلة، وخاصة في الميدان الاجتماعي .إن شيوعية( ماركس - منصور حكمت )هي منظومة فكرية – سياسية - اجتماعية هي تيار مضاد بعكس التيار السائد .وعليه أن صراع الشيوعية مع البرجوازية ليس صراعًا محصورًا في ميدان الفكر والنظرية كما يعلمنا“ البيان الشيوعي”، اي انه ليس صراع النخب المثقف،
ولكنه صراع في جميع الميادين الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية . نضال الشيوعيين في الميدان الاجتماعي:
يقول لنا ماركس إن تقاليد الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على أدمغة الأحياء .إن أصعب الميادين بالنسبة للشيوعيين هو الصراع في الميدان الاجتماعي، صراع بين التقاليد والأخلاق الشيوعية والتقاليد والأخلاق البرجوازية، وخاصة في المجتمع العراقي، تواجه الشيوعية مهام كبيرة وصعبة، بسبب التداعيات

الاجتماعية الخطيرة التي خلفتها لنا، الحروب والحصار الاقتصادي والحرب الطائفية وداعش .اي أن الشيوعيين في العراق ورثوا مجتمع دمرت كل أركانه، وتسود فيه كل الأفكار البالية والغيبية والتقاليد العشائرية المتعفنة التي أطلق العنان لها نظام البعث بعد الحصار الاقتصادي وتغذى اليوم بمال ونفوذ السلطة الإسلامية، تسود فيها القيم الذكورية المتخلفة وكل ما هو غير إنساني في المجتمع من عنف لفظي وجسدي ومعنوي ضد الأطفال وضد المرأة وهناك سلوك منظم للحط من إنسانية وقيمة المرأة وكرامتها
ومعاملتها بشكل دوني .*
فليس سرا على احد عندما ترتفع صيحات وتشتاط القوى الإسلامية ومعميمها غضبا في كل خطوة حين تتسع دائرة الداعين للحرية والمساواة، وعندما تظهر المرأة في ساحات الاحتجاج والتظاهرات، وهي تتقدم، في الوقت الذي فرضت سلطتها المليشياتية بحراب المارينز الامريكي منذ ما يقارب عقدين من
الزمن في، وانفقت الملايين من الدولارات على عصاباتها وفضائياتها وتخرصاتها ومأجوريها القتلة وبث الرعب في صفوف المجتمع كي تكون المرأة جليسة البيت .وجدير بالذكر أن انتفاضة أكتوبر ساهمت في أعادة ترتيب الخارطة الاجتماعية وضربت مشروع القوى المتخلفة“ أسلمة المجتمع ”في الصميم
ونسفته.
إن صعوبة هذا الصراع بالنسبة لنا نحن الشيوعيين، تكمن في افتقارنا إلى المنابر المتوفرة للبرجوازية وغير متوفرة لنا بسبب الإمكانات المادية الكبيرة التي تمتلكها البرجوازية من سرقة ونهب ثروات المجتمع، وكذلك تكمن في عدم تجذر تقاليد الشيوعية تاريخيا، وضعف تقاليدنا نحن أيضا، اضافة الى
العوامل الموضوعية الاخرى التي ذكرناها . ومن هنا يجب أن نعي هذه الحقيقة وان نعمل بشكل جدي وندرك ما معنى نضال الشيوعيين في الميدان
الاجتماعي وكيف نحوله إلى ممارسة اجتماعية ويومية بل وحياتية بالنسبة لنا .
ليس هناك أدنى شك في حقانيتنا، حقانية الشيوعية .إنها حقانية مطلقة، وهذه الحقانية ليست نابعة من تقديس منظومتنا الفكرية، ولا هي حصيلة ذهن نخبة معينة في المجتمع، ولا تنبع من مصدر مثالي وخيالي خارج منظومة الإنسان، مثلما تصور القوى اللاهوتية أو الدينية، حقانيتها، من وجود قوة خارجية سماوية، ووظفت نفسها بأن تكون وكيلها الأرضي ونظمت كل قوانين القصاص والقتل والسرقة لإثبات حقانية تلك القوة الخارجية غير المرئية لإدامة سيطرتها هي على المجتمع.
إن حقانية الشيوعية تنبع من الإنسان، من الماهية الإنسانية، من انه أثمن رأسمال كما يعلمنا ماركس .إن حقوق الإنسان وكرامته وقيمته أصبحت معيار عالمي لتقدم البشرية والمجتمعات والبلدان، وتعترف كل المواثيق الدولية بها .ما قاله ماركس وانجلز قبل أكثر من قرنين وناضلا من اجل تحقيقه، ثبت في تلك
المواثيق .من هنا تستمد الشيوعية حقانيتها من الجنة الأرضية وليس من الجنة السماوية.
بيد أن العوائق التي تقف أمام نضالنا الاجتماعي لن تحول أو تنال من عزيمتنا إذا عرفنا أو أدركنا أهمية ميدان النضال الاجتماعي بالنسبة للشيوعية والمناضلين الشيوعيين، وإذا عرفنا آلية عملنا في ذلك الميدان.
وإذا أدركنا إذا ما كانت تقاليد المجتمع متحضرة ومتمدنة، إذا ما كانت هناك تقاليد اجتماعية تحررية وتقدمية، فان الأرضية ستكون ملائمة للشيوعية .ففي الأوضاع الرجعية وسيادة كل الأفكار المتخلفة والمعادية للإنسانية، نجد العمل الشيوعي ليس سهلا بل تحتم علينا مهام جسيمة وكبيرة.
العمل الشيوعي ليس عمل نخبوي:
إن العمل الشيوعي، أو النشاط الشيوعي ليس هو في الاجتماعات الحزبية والندوات السياسية وكتابة المقالات والأبحاث والدراسات الفكرية والسياسية والتي كلها آليات ووسائط لتقوية حصانة المناضلين الشيوعيين وتسليحهم بأدوات نضالية لمقارعة البرجوازية في الميادين المذكورة .إن العمل الشيوعي هو عمل اجتماعي وحياتي ويومي .إن التصور اليساري السائد على ميدان العمل الشيوعي هو حصر النشاط شيوعي في الاجتماعات الحزبية والنضال ضد الدكتاتورية والامبريالية ..ولقاء النخب الفكرية والتجمع أيام الجمع في شارع المتنبي أو اتحاد الأدباء أو في إحدى يوميات أو أمسيات القشلة، في حين تترك المحلات والمناطق السكنية والمعيشية للإسلاميين أن يعبثوا بها وينثروا أفكارهم وتقاليدهم المتخلفة والرجعية، وفي أيام الجمع تفتح منابر الجوامع والمساجد ومايكروفوناته لبث كل السموم المعادية حتى النخاع للماهية الإنسانية .بينما الشيوعيين يتجمعون في تلك الامكان لممارسة نشاطهم النخبوي والاستمتاع بما تفرزه ذهنيهم .وهذا هو ما تريده القوى الإسلامية، فلا يهمها أن يتجمع الشيوعيين في تلك الصناديق ما دامت أفكارهم محصورة فيها، بينما الشارع الاجتماعي من المحلة والمنطقة والحي، بتقاليده
المعادية للطفل والمرأة والكرامة الإنسانية؛ في دائرة سيطرة الاسلاميين .
يقول لنا ماركس في جملته الشهيرة “ أن المربي هو نفسه بحاجة للتربية”، وعلينا أن نستمد من هذه الجملة ممارسة اجتماعية حياتية .علينا أن نفهم وننطلق من أنفسنا لنقل ممارستنا الاجتماعية إلى المجتمع . إن نقطة انطلاقنا يجب أن يكون في البيت الذي نحيا فيه، علينا أن ندرك وبشكل واعي إن العمل المنزلي ليس قدر المرأة بل هو نتاج تاريخي، نتاج الصراع الطبقي، نتاج انتصار المجتمع الطبقي .علينا البدء فورا نحن الشيوعيين بإنهاء هذا القدر .فكما أن تقسيم العمل في المصنع وممارسة العامل لمهمة محددة وخلال ثمان ساعات يومية تؤدي إلى البلادة الذهنية وتعدم روح الإبداع، فأن العمل المنزلي أيضا يلعب نفس الدور ويحول المرأة إلى إنسانة قليلة التفاعل من الناحية الذهنية والاجتماعية .وهنا تجدر الإشارة إلى ما قاله لينين حول المجتمع الروسي، كيف تحدث ثورة ونصف المجتمع عبيد للمطابخ !.إن المرأة أصبحت أسيرة للعمل المنزلي، وتنعدم أية فرصة لديها للقراءة والاطلاع والوقت ورفع مستواها الثقافي . وعلاوة على ذلك أن هذا العمل غير مدفوع الأجر ويجعلها تقبل بكل السخافات والحماقات والدونية التي تفرضها الذكورية بسبب إنفاقه المالي على البيت، والتي تعكس أيضا كل أخلاق وتقاليد الطبقة البرجوازية السائدة.
علينا نحن الشيوعيين إنهاء هذا القدر، علينا القيام بتقسيم عمل مع شريكة حياتنا أو الأخت أو الأم في العمل المنزلي .علينا ممارسة الطبخ والتنظيف والمساهمة في تربية الأطفال .
أما الجانب الآخر هو الممارسة الاجتماعية اليومية في البيت وفي المحلة، وهي عدم السماح أو النضال ضد كل انتهاك لفضي ومعنوي وحتى جسدي ضد المرأة وضد الأطفال .علينا أن نعلن قوانيننا في البيت، ويعرف الجميع أن هذا البيت يمنع فيه فرض العمل المنزلي على المرأة، يمنع كل أشكال العنف ضد المرأة والأطفال، يمنع المس بأي شكل من الأشكال بالإنسان، يمنع كل شكل من الأشكال التمييز أو الترويج للأفكار الطائفية والدينية والقومية، يكون نبراسا للنظافة والنظام .علينا أن نحول بيوتنا إلى

مجتمع اشتراكي مصغر، تسودها المساواة والحرية، إلى قلعة من قلاع انطلاق الشيوعية إلى المحلة والمنطقة .علينا نحن الشيوعيين التمييز في شبكات التواصل الاجتماعي، علينا نشر المدنية والتحضر وليس الابتذال، علينا أن ننشر الأمل والتفاؤل بالتغيير .يجب ومن خلال ممارساتنا الاجتماعية اليومية أن يختارنا المجتمع، أو تشير إلينا المحلة أو الحي السكني بسبب إنسانيتنا وأفكارنا السامية وعلى كسب الثقة
بأنه لو كانت السلطة بيدنا فمن الممكن تأسيس مجتمع حر ومتساوي.
أو ليس الملا أو المعمم الإسلامي، عندما يدخل إلى اي بيت كضيف، يتحدث لهم عن فوائد الصلاة والحج والصيام، ويخاطب الطفلة التي تجلب الشاي أو الماء ويسألها لماذا أنت غير محجبة ويسال عن عمرها، ويقول لها“ ما شاء الله إنها في عمر الزواج ”في حين لم تبلغ العاشرة من عمرها، وإذا شاهد أغنية أو امرأة تعزف على الة الكمان أو بيانو في التلفزيون فيعلق ويقول أنها فسق وفجور، لقد خرب الغرب الدنيا علينا، المرأة فقط للعمل المنزلي وتربية الأطفال، وعندما يخرج من البيت ويصادف أشخاص يقول لهم لا تنسوا الذهاب إلى الجامع للصلاة ..وهكذا .بينما نحن الشيوعيين نرى ونشاهد ونسمع هذه الممارسات، فبدلاً من أن نرد عليه وبشكل منطقي ونثير نقاش متحضر ومتمدن معه كي لا ينفرد هو بالساحة، نكتفي فيما بيننا بنعته بالرجعية والتخلف والرفض، ولا يتجاوز تعليقنا ونقاشنا حدود فرقتنا أو نخبتنا، في حين أن الفيروس الذي أطلقه الملا انتشر بشكل واسع دون أن نقيم عليه حجرا صحيا .وبدلاً من مجابهة هذا
الفيروس الاجتماعي نذهب في أقصى حالاته بندب حظ المجتمع .
لقد صورت البرجوازية بكل تلافيفها وكي تحد من انتشار الشيوعية بأن الشيوعيين نخبة لا شغل ولا عمل لها غير الإلحاد أو نشر الفكر الإلحادي بيد أن السر وراء هذه الحملة الشعواء على الشيوعية منذ صدور “البيان الشيوعي ”إلى يومنا هو الرعب من انتشار الشيوعية على الصعيد الاجتماعي والتمهيد لاجتثاث لكل ما هو رجعي ومتخلف، وتجفيف المستنقعات التي تنمو فيه البعوض القومي والديني؛ التي تلسع
المجتمع الإنساني وتنشر سمومها المعادية للتحضر والمدنية والإنسانية .
علينا نحن الشيوعيين أن نكون في وضع هجومي على كل التقاليد الاجتماعية التي تتمسك بها البرجوازية بقوميها واسلاميها، علينا أن نرد عليهم في كل محلة وكل ومنطقة، في كل منبر ومكان .فمثلا يتهمون الشيوعيين بإباحتهم للنساء، فكما رد“ البيان الشيوعي”، علينا أن نرد عليهم هل الشيوعيين أباحوا النساء، أم حثالة البرجوازية في الشرق الأوسط وخاصة في منطقتنا، تفننوا بمهنة الإباحية، مثل زواج المتعة والزواج العرفي والمسيار وتعدد الزوجات .علينا أن نشن هجوما ونقدا لاذعا على الصعيد الاجتماعي على كل قيم وأفكار وتقاليد تلك القوى المتخلفة .أما الذرائع التي تتحجج بها بعض أطياف اليسار أن الوقت ليس وقت التحدث ونقد تلك التقاليد، فلا يعبر عن خوفه وتردده من تلك القوى بقدر ما يعني أنها تستثني هذا العمل من أجندتها ولا يهمها لا من قريب ولا من بعيد مدنية وتحضر وإنسانية المجتمع إلا في مخيلته لتتغنى بها وسط نخبه.
أما من يقول لنا بأن المسالة الامنية وسيطرة المليشيات تحول من عملنا كشيوعيين في مناطقنا المعيشية والسكنية .ونحن نرد على ذلك أن العمل الشيوعي ليس رفع الراية الحمراء على البيت، ليس رفع صور ماركس، ونعلن على إننا شيوعيين ونوزع المناشير الشيوعية والأدبيات الشيوعية بشكل علني بحيث
يدخلنا في معركة غير متكافئة في المنطقة وليس الوقت وقتها وأننا غير مستعدين لها في الوقت الحاضر . أن الشيوعية هي ليست عمل نخبوي، ليس عمل فرقوي ليس عمل مجموعة من المثقفين وندير النقاشات، ليس عمل نادي، انه عمل اجتماعي .فكما يخبرنا لينين تصرف كشيوعي ولا تقل إني شيوعي .أن
(الاجتماع الحزبي )ليس مكان لممارسة العمل الشيوعي، ولا يتحدد العمل الشيوعي بفترة محددة، بساعات أو أيام، وينتهي مثل انتهاء اي عمل آخر ننجزه، بل هو عمل آني وفي كل لحظة وكل ساعة وكل يوم ومتواصل وتراكمي، مثلما تعمل القوى البرجوازية بجميع تياراتها .
فالشيوعية تعني التغيير في المجتمع، تعني أن من ينتمي ويعتنق الأفكار الشيوعية يحدث تغيير ايجابي في حياته ويؤثر على محيطه الاجتماعي، تعني هناك تغيير في تقسيم العمل المنزلي، تعني إنهاء كل أشكال العنف المنزلي، تعني سيادة المساواة في البيت، ويتحول هذا النموذج إلى المنطقة والمحلة، وينعكس هذا التغيير في صفوف شباب المحلة والمنطقة، وتنتقل تقاليدنا وأفكارنا الإنسانية وعاداتنا إلى البيوت والمنازل .ليس هذا فحسب بل علينا نحن الشيوعيين أن نواجه النزعة الاجتماعية ضد التنظيم وقد عشنا مرارتها في أيام الانتفاضة، علينا أن نكون نموذجا للتنظيم، فإذا كان هناك عمال في المنطقة فعلينا أن نطرح عليهم فكرة التنظيم للمطالبة بحقوقهم وتتحول لقاءاتنا واجتماعاتنا في المحلة الى مناقشة مشاكلهم في العمل، وهكذا بالنسبة للطلبة والنساء..الخ .وبهذا سيكون لدينا شبكة تنظيمية اجتماعية واسعة ومن
خلالها أيضا ننشر كل تقاليدنا وأفكارنا .
فمثلا في مواجهة فيروس كورونا، على الشيوعيين أن يلعبوا دور متميزا في تشكيل اللجان لبث الوعي
الصحي بالتنسيق مع الكوادر الطبية وتعقيم المنطقة وجمع التبرعات من اجل دعم العاطلين عن العمل و الأقسام الاجتماعية التي فقدت أعمالها جراء الحجر الصحي، علينا نكون متميزين في هذا الميدان، ويدرك الجميع أن الشيوعيين مسؤولين عن المجتمع وهم أصحاب المجتمع الحقيقيين .علينا أن نعبئ المحلة والمنطقة حول الوثيقة“ الدولة مسؤولة عن صحة وسلامة الجميع ”ونبين لأهاليها عن حقانيتهم وحقوقهم تجاه الدولة .
وأخيرا إن ما وصلت إليها البشرية المتمدنة اليوم على صعيد الحقوق وفي الميادين الاجتماعية، هي في جزء كبير منها يعود إلى نضالات الشيوعيين وحصيلة عملهم المتواصل، وخاصة إلى ثورة أكتوبر الاشتراكية ومكتسباتها .
*الحط من قيمة وإنسانية المرأة وكرامتها بالعنف اللفظي والمعنوي والجسدي الذي تحول إلى تقليد اجتماعي في مجتمعنا العراقي وبقية المجتمعات الأخرى إلى درجة ازداد بشكل مطرد في هذه الأيام أثناء الحجر الصحي لاحتواء فيروس كورونا مما دعي الأمين العام للأمم المتحدة انتونيو غوترنيبس التحدث عنها والحذر منه، كما منحت الحكومة الكندية ٨٩ مليون دولار لدعم مراكز إيواء النساء..الخ بسبب
تزايد أشكال العنف ضد المرأة منذ إعلان الحجر الصحي ضد فيروس كورونا.


83
طبقتان، اولويتان، هدفان، عالمان!
(بيان بمناسبة الاول من ايار)
الاول من ايار على الاعتاب. انه يوم التضامن الاممي للطبقة العاملة. طبقة بانية خيرات، مكاسب، انجازات ورقي المجتمع البشري المعاصر وتقدمه. انه اليوم الذي تتعالى فيه الاصوات بان المجتمع المعاصر هو مجتمع طبقي، مجتمع طبقتان رئيسيتان: الطبقة العاملة ونقيضها الطبقة البرجوازية. طبقتان متصارعتان، اولويتاهما تختلف، اهدافهما تختلف. انه اليوم الذي تصدح فيه الاصوات ان عالم بدون حروب، بدون جوع، فقر، بطالة وسحق الكرامة الانسانية هو امر ممكن بشرط ان تزاح اولوية واهداف الطبقة البرجوازية الحاكمة من حياة البشر واستبدالها بسيادة اولويات واهداف اخرى، اولوية واهداف الطبقة العاملة ومعها الجماهير المحرومة التي تمثل الاغلبية الساحقة.
يمر الاول من ايار هذا العام والعالم يرسف بمصائب فايروس كرونا التي اجتثت لحد الان حياة مئات الالاف من الابرياء وبثت الرعب في افئدة مليارات البشر. رغم القدرة الفتاكة لهذا الفايروس، الا ان الفايروس الاساسي الذي جعل هذه المصيبة تتعاظم بهذا الشكل هو الطبقة الرأسمالية وأولوياتها.
اتضح للجميع ان هذه الطبقة، ورغم التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل، عاجزة وعديمة الحيلة الى ابعد الحدود. ليس لها ادنى درجات الاستعداد لحماية الانسان. تفتقد الى ابسط وسائل الوقاية، الى المستشفيات، الكوادر، الاجهزة التنفسية و... لا لشيء الا لان هذه تستلزم منها دفع اموال، اموال هي موجودة في المقام الاول، اموال جمعت اساساً بعرق العمال والكادحين، بالضرائب التي يدفعوها لعقود من كدحهم وعمرهم. طالما ان اولوية هذا العالم هو تراكم الأرباح وحركة الرساميل وغيرها، تدفع البشرية ثمناً باهضاً، اليوم جراء كورونا وغدا جراء مصيبة اخرى.
يتبين اليوم للبشرية جمعاء، واكثر من اي وقت اخر، ان الرأسمالية تعني الحروب، الجوع، الفقر، البطالة، الفساد، التشرد والهجرة الجماعية، المخدرات، البغاء، غياب الخدمات، الاغتراب، الهجمة على الضمانات الاجتماعية والصحية، التنصل عن حاجات الجماهير. اما ما يعني العامل هو الرفاه، الحرية، السعادة، حياة لائقة بانسان القرن 21، التضامن الانساني والحس الانساني المشترك والاممي، فرح الطفولة، امال الشباب، طمأنينة المتقاعدين  و....الخ. ان الوعي بهذا الانقسام الطبقي وهذه المصالح الطبقية المتضادة اليوم، وعدم امكانية استمرار هذا العالم على هذا المنوال، قد اصبحت جزء من الواعي الذاتي للاغلبية الساحقة للمجتمع.
في العراق اليوم، الانقسام واضح اكثر من اي وقت مضى. سلطة طفيلية فاسدة ومتقيحة ورائحة عفن سلطتها تزكم الانوف الى ابعد الحدود، اجندتها اغلاق المعامل والمصانع، الطرد الجماعي للعمال، ايقاف التعيينات و غيرها.  وبين جماهير عريضة متطلعة للحرية والمساواة وغد مشرق، جماهير نازلت هذه السلطة لاشهر مديدة ودفعت شبيبتها دماء عزيزة في ملحمة نضالية قل نظيرها في تاريخ المجتمع. في الوقت الذي يتكالب البرجوازيون على حصتهم من السلطة وتقاسم الثروات والمكاسب والمغانم والمناصب ووزارات النهب، يرفع القادة العمال ومنظماتهم العمالية راية "البرنامج الوطني لمكافحة فايروس كورونا" ومطلب "الدولة مسؤولة عن صحة ومعيشة الجميع" راسمة سبيل حلها وافقها الانساني! انهما طبقتان، اولويتان، هدفان!
ان من هو راض على هذا المجتمع، ومن يروج له فقط هم اؤلئك الذين لهم مصلحة في بقاء كل هذه المآسي. انه دلالة بشاعتهم. ينبغي ايقاف هذا العالم المقلوب على قدميه. ان هذا لاياتي الا بالارادة والتدخل الحر والواعي للطبقة العاملة وافقها وبديلها الانساني والتحرري. هذه الطبقة التي بتحررها يتحرر المجتمع، ولاتتحرر ان لم تحرر المجتمع من كل القيود المكبلة للنظام الراسمالي الجائر.
ان نداء الاول من ايار هذا العام هو: ازفت ساعة كنس هذا النظام الرأسمالي المقيت، ازفت ساعة ارساء عالم اخر، يستند الى "الانسان اثمن رأسمال!"، عالم حر ومتساو ومرفه. انه عالم الطبقة العاملة والبديل الاشتراكي للطبقة العاملة.
عاش الاول من ايار!
عاش التضامن الاممي للعمال!
عاشت الثورة الاشتراكية!
الحزب الشيوعي العمالي العراقي
24 نيسان-ابريل 2020


84

قتلة المتظاهرين يختارون مرشح جديد لرئيس الوزراء

بيان الحزب الشيوعي العمالي العراقي حول ترشيح مصطفى الكاظمي
لرئاسة الورزاء

اختارت سلطة الاسلام السياسي المليشياتية بالامس المصادف ٩ نيسان ٢٠٢٠ مرشحا جديدا لمنصب رئيس الوزراء، مستغلة اوضاع الحجر الصحي وعودة الجماهير المنتفضة الى منازلها بسبب تفشي
وباء كورونا، والتي احبطت انتفاضة اكتوبر، وعلى امتداد خمسة أشهر ونصف، جميع سيناريوهات تلك السلطة في اختيار رئيسا للوزراء لاعادة انتاج العملية السياسية .
ان الاجماع الكلي الان على اختيار رئيس الوزراء هو جزء من ادارة الازمة السياسية التي تعصف بالعراق، وهو محاولة من قبل السلطة الاسلامية المليشياتية لانقاذ ما يمكن انقاذه، من نفوذها وامتيازاتها وسلطتها من قبضة اتفاضة اكتوبر التي اقالت المجرم عادل عبد المهدي وحكومته الفاسدة.
ان من اختار رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي هم قتلة المتظاهرين من القوى الاسلامية الشيعية والمتورطين معها من بقية الكتل القومية والطائفية بالتستر على جرائم اولئك القتلة واضفاء الشرعية على استمراهم في السلطة، ويقف على راسها رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس مجلس النواب
محمد الحلبوسي .
ان المعضلة الحقيقية في العراق هي العملية السياسية برمتها، فقد خرجت الملايين من جماهير العراق منذ شهر اكتوبر العام الماضي وحتى قبل تفشي وباء كورونا في شهر اذار من هذا العام، من اجل انهاء عمر تلك العملية وتأسيس حكومة منبثقة من الجماهير وتستند على الاختيار الواعي والمباشر
والبعيد عن تطاول المليشيات وجرائمها .
ان اختيار رئيس الوزراء الجديد هو تكرار لجميع السيناريوهات السابقة التي رسخت الفساد والفقر والعوز والبطالة وقمع الحريات والعبث بامن وسلامة الجماهير من خلال اطلاق العنان للمليشيات التي اصبحت تصول وتجول في طول العراق وعرضه دون اي رادع.
وعلاوة على ذلك فأن كلمة رئيس الوزراء الجديد بمناسبة تكليفه كشفت عن التواطئ والتآمر على حقوق جماهير العراق والتي ركز فيها على العزف على وتر القومية المحلية المتهرئة ”حول سيادة العراق" وتسطير الجمل الانشائية، بينما غض الطرف وبشكل متقصد عن مطالب جماهير العراق
وعلى رأسها محاسبة قتلة المتظاهرين والمطالب العادلة الاخرى.
ان لائحة مطالب الجماهير والتي رفعتها منذ اليوم الاول للانتفاضة هي: 1- أنهاء العملية السياسية برمتها: بمحاصصتها، وطائفيتها، وفسادها، وانتخاباتها. 2- ايقاف مسلسل الاعتقالات واطلاق سراح المعتقلين فورا والكشف عن مصير المختطفين.
3- اطلاق الحريات السياسية مثل حق التظاهر وحق الاضراب وحق التعبير عن الرأي وصيانة وحماية وسائل الاعلام، وازالة كل اشكال القمع امام ممارسة تلك الحريات.
4- الكشف عن كل المتورطين في عمليات اطلاق النار على المتظاهرين ومحاكمتهم بشكل علني.
5- ٤-محاكمة جميع الفاسدين وبشكل علني ومهما كان منصب او المركز الحكومي للفاسد.
6-ضمانبطالةلكلعاطلعنالعمل حتىايجادفرصةعملمناسب،وبمايتناسبمعالمستوى المعيشي.
7- توفير سكن لائق لكل من لا يملكه. 8- تأمين الخدمات الصحية المجانية والتعليم المجاني اللائق من قبل الحكومة 9- توفير الكهرباء ومياه الشرب باسعار مناسبة.
يا جماهير العراق ..ان الكاظمي لا يمكن له ان ينقل العراق الى بر الحرية والامن والرفاه وتحقيق تلك المطالب، لانه جاء من رحم العملية السياسية الفاسدة، انه مرشح الفاسدين، مرشح المليشيات التي خطفت واغتالت وقتلت المتظاهرين .انه النسخة الجديدة لعادل عبد المهدي، وان المؤسسة الامنية التي جاء منها وهي جهاز المخابرات اذا لم تكن متورطة في قتل المئات من المتظاهرين وجرح اكثر من ٢٠ الف شخص، اضافة الى عمليات الخطف والقتل والاغتيالات التي قامت بها المليشيات، فانها على دراية ومعرفة بهوية اولئك المتورطين بقتل المتظاهرين، الا انه غير قادر على القبض على اولئك
المجرمين وتقديمهم للمحاكم العلنية .
ان البديل السياسي لتحقيق تلك اللائحة هو انهاء عمر العملية السياسية وازاحة سلطة المليشيات وتشكيل حكومة غير قومية وغير دينية عبر سلطة منبثقة من الجماهير وليس عبر مليشيات وعصابات العملية السياسية.
الحزب الشيوعي العمالي العراقي ٢٠٢0
١٠ نيسان


85

" الدولة مسؤولة عن صحة ومعيشة الجميع"
برنامج عمل وطني لمواجهة فايروس كورونا

لقد اصبح انتشار مرض فايروس كورونا ازمة عالمية، وبات يهدد مصير البشرية والمجتمع الانساني برمته. ان سبب انتشار هذا المرض هو النظام الرأسمالي في المقام الاول وسعيه المتواصل لمراكمة الرساميل والارباح على حساب صحة وحياة الافراد.
 لقد اصابت الاوبئة قلب العالم المتحضرمن جهة، ومن جهة اخرى اظهر افتقارها الى الاستعدادات الطبية والصحية عجز هذه الحكومات عن ايقاف مسلسل الموت بل و ايضا ارتكاب الجرائم بالقتل المتعمد عبر سحب اجهزة التنفس من المسنين.
ان وضع حد لهذا المرض ما زال ممكنا وبمقدور المجتمع الانساني التخلص من خطره والقضاء عليه، اذا اتخذت الحكومات والدول خطوات عملية وجادة للتصدي له.
ان المعيار العالمي للتخلص من مرض انتشار فايروس كورونا هو معيار و برتوكول منظمة الصحة العالمية والذي يقتضي اقامة الحجر الصحي وعدم الاختلاط والتواصل مع الاخرين اضافة الى توفير الامكانات الطبية من ادوات الكشف والاجهزة التنفسية والدواء والتغذية الجيدة للتقليل من حالات الوفاة او التقليل من شدة اعراض المرض.
والعراق ليس استثناء من هذه السياسة التي تستبيح حياة البشر. فلم يكن استهتار السلطات اقل من حكومات دول العالم، ولم تحرك ساكنا تجاه الازمة المذكورة و حتى  يوم الخامس عشر من شهر اذار الحالي.
ان الدولة مسؤولة عن تأمين حياة ومعيشة وصحة المجتمع. على السلطات الحكومية  في العراق تحمل مسؤولياتها ووفق اعلى المعايير وتعمل على تحقيق فوري للبرنامج التالي:
                                                                                                             
1: تأمين كل المستلزمات الضرورية والحياتية لادامة الحياة طوال فترة الحجر وذلك عبر:
ا- توفير جميع المستلزمات الطبية والدوائية للمصابين و أقامة المستشفيات الميدانية ورفع الاستعدادات لاستقبال ومعالجة المصابين بالفايروس.
ب- اجراء الفحوصات الفورية لجميع المواطنين والمواطنات ودعم الكوادر الطبية الموجودة في الخطوط الأمامية لهذا الوباء.
ج- تعفير وتعقيم كل مرافق الحياة.  وتقديم افضل الخدمات الصحية والبلدية بما فيها اجراءات الرقابة  .
د- تكثيف حملات التوعية الصحية وتشكيل الفرق من المتطوعين وبأشراف كوادر طبية لرفع التوعية الصحية للوقاية من هذا المرض.
ه -إعادة العمل بنظام دفاتر الامراض المزمنة الذي كان معمولا به من قبل وزارة الصحة و منذ عقود لجميع الاشخاص كي لا يكونوا فريسة سهلة لفايروس كورونا و لتخفيف الأعباء الصحية و المالية عنهم
و-لرقابة على اسعار و نوعية  مبيعات الصيدليات ومحال المواد الغذائية و منع الأدوية و المواد الغذائيةالتالفة وغير الصالحة للاستعمال البشري.
 2: من اجل  ضمان الحد الادنى من احتياجات الغذاء للاسر التي فقدت مصادر دخلها كنتيجة للحظر الصحي يجب الحفاظ على الصحة وإمدادات الغذاء وذلك عبر :
ا- زيادة مفردات البطاقة التموينية بما فيها مواد التعقيم والتنظيف والحليب واللحوم وتنظيم توزيعها بشكل فوري دون اي تباطئ. 
ب- توفير التغذية المدرسية وتوفيرها للمدارس حال عودة المدارس اخذا بنظر الاعتبار الاوضاع الاقتصادية المترتبة على مرحلة ما بعد الوباء.
3: يجب أن تتحمل الدولة:
ا-  كلفة أجور و رواتب فترة الحجر الصحي بتأمين دفع اجور ورواتب جميع العاملين في القطاع  الخاص و العاملين بعقود او اجور يومية لدا دوائر و مؤسسات الدولةولمدة 4 اشهر وطوال فترة الحجر الصحي.
ب- دفع ضمان بطالة لجميع العاطلين عن العمل من اجل تأمين حاجاتهم المادية من الغذاء والمياه النظيفة.
ج - منح قروض وسلف مناسبة للعاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود .بدون فوائد
 
د- تفعيل قانوني العمل والضمان الاجتماعي وغيرهما من القوانين والانظمة والتعليمات ذات الصلة والمساس بمعيشة المواطنين.
ه- تاجيل تحصيل بدلات الإيجار و تعويض المؤجرين جراء ذلك باعفاءات ضريبية مناسبة. 
و- تأجيل تحصيل اقساط القروض والسلف وفوائدهاالمستحقة للمصارف من المواطنين لمدة 4 اشهر.
 
ز- منح سلف الى المتقاعدين الجدد لحين اكمال معاملاتهم التقاعدية.
ح- اعفاء المواطنين من دفع متأخرات واجور الكهرباء والماء لمدة 4 اشهر.
ط- اصدار قرار عفو خاص عن النزلاء والمودعين في السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف حتى لا تتحول السجون الى بؤر للوباء.

4: الحزم في تطبيق حظر التجول و منع كل اشكال التجمعات ومنها:
ا-منع كل اشكال المناسبات بما فيها الدينية، و احالة المحرضين لتنظيمها الى المحاكم بتهمة تعريض حياة الناس الى خطر الموت.
ب- احكام اغلاق الحدود التام مع ايران ومع اية بؤرة وباء في العالم، ومنع اي شكل من اشكال اختراق الاغلاق عبر المنافذ البرية او النهرية او الجوية.
تدعو المنظمات الموقعة على هذا البرنامج كل القوى الوطنية و التحررية و الاشتراكية لانسانية والاحزاب والمنظمات والاتحادات العمالية والنسوية و المهنية والحركات الداعية للمساواة والتي تؤمن بمسؤولية الدولة عن المطاليب المطروحة اعلاه،  تعبئة مجمل قواها لارغام السلطات على تحقيق ما جاء بهذه اللائحة وبشكل فوري للحد من انتشار فايروس كورونا و ضمان سلامة المجتمع.

الاتحادات و النقابات و المنظمات
الاتحاد العام لنقابات عمال و موظفي العراق
الاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق
اتحاد نقابات النفط في العراق
اتحاد النقابات العمالية و المهنية المستقلة
نقابة ذوي المهن الهندسية الفنية
الحزب الشيوعي العمالي العراقي
اتحاد العاطلين عن العمل
منظمة الطلبة التقدميين
تجمع شباب التنمية و البناء
منظمة  نحو المواطنية الشبابية اقليم كردستان
رابطة التربويين العراقيين
منظمة الخير الانسانية
معهد اكد الثقافي
منظمة انا ميسان لحقوق الانسان
مؤسسة الحبوبي لطلبة و شباب العراق – ذي قار
مركز ذر للتنمية
رابطة خريجي الجامعات و المعاهد في العراق
منظمة الاحرار لحقوق الانسان  ميسان
جمعية نبع الحياة الانسانية
 


86
دور "الدولة" المرائي في النظام الرأسمالي
في مواجهة أزمة فيروس كورونا
سمير عادل
 
الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره؛ الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله، عن واقع أن هذا المجتمع قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها. ولكي لا تقوم هذه المتضادات ، هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة، بالتهام بعضها بعضا والمجتمع في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود “النظام”. أن هذه القوة المنبثقة من المجتمع والتي تضع نفسها، مع ذلك، فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر هي الدولة. (انجلز-أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة).
 
هل يمكن اعتبار ألمانيا وأمريكا وفرنسا وايطاليا وبريطانيا “دول فاشلة” ؟، لتنظم إلى قائمة الدول الفاشلة مثل العراق وسورية وليبيا..الخ. ــ جاء استخدام مقولة “الدول الفاشلة” من قبل الكاتب اليساري الأمريكي نعوم تشو مسكي والتي كانت أيضا عنوان لكتاب من تأليفه ــ والتي تعني تلك الدول التي ليس بمقدورها حماية مواطنيها. وإذا ما صحت هذه المقولة أو المنطق الذي ورائها فإن تلك الدولة تعد فاشلة بامتياز لأنها لم تحم مواطنيها من الإصابة بوباء كورونا أو من الموت الذي طال آلاف منهم.
 
أن تفشي وباء فيروس كورونا على الصعيد العالمي، وفشل الدول وخاصة الغربية منها بالتصدي له، وتحوله إلى أزمة عالمية تعصف بمصير البشرية، يميط اللثام من جديد عن دور “الدولة” ووظيفتها الاجتماعية والسياسية تجاه المجتمع. 
أن حقانية الجماهير بالمطالبة بالعيش الكريم والرفاه، حقانية تحمل الدولة مسؤوليتها تجاه المجتمع، وهي لا تنبع من فضاءات مثالية أو من أوهام توجد في ذهن نخبة محددة من البشر مسلحين بأيديولوجية معينة. إنما هي حقانية نابعة من المعطِيات المادية والواقعية التي صنعتها البشرية من ثمار عملها المنتج وسعيها المتواصل من اجل تحقيق المساواة. وهذا ما يجب أن تعيه بالدرجة الأولى الطبقة العاملة وكل الأقسام المحرومة الملتفة حولها كي تدرك أهمية نضالها والتحول من خندقها الدفاعي إلى الهجومي. أن هذه الحقانية هي من تقوي عزيمة الطبقة العاملة وعموم البشرية التواقة للمساواة والحرية والأمان الصحي والاقتصادي والأمني من اجل مواصلة سعيها لوضع حد لتطاولات النظام الرأسمالي على مصير الإنسانية.
إن البرجوازية وبشكل ذكي وعبر مأجوريها من الأقلام، تٌحَمّلَ المجتمع والجماهير المحرومة مِنَّةً، عندما تتحرك أثناء أزمة ما، وتقدم عمل ما إلى المجتمع مثل معالجة تداعيات الكوارث الطبيعية على سبيل المثال، وان كانت ليس صورة مثالية، هذا إذا لم نقل أنها تتنصل من تلك المعالجات أصلاً، مثلما  حدث في عام ٢٠٠٤ تسونامي التي ضربت دول جنوب أشرق آسيا أو المحيط الهندي أو مع إعصار كاترينا في ولاية لويزانا الأمريكية عام ٢٠٠٥ -كتاب-نعومي كلاين-عقيدة الصدمة- ، علما أن الخدمات التي تقدمها البرجوازية عبر دولتها هي خدمات الدفع المسبق مثل كارتات الدفع المسبق لخطوط الموبايلات أو الهواتف الجوالة. اي أن إمكانات الدولة وجهازها البيروقراطي والخدمات التي تقدمها، تمول مرتين من قبل الطبقة العاملة والأقسام الأخرى في المجتمع، مرة عن طريق فائض قيمة عمل العمال ومرة من الضرائب المستحصلة من جميع أقسام المجتمع التي تشمل العمال أيضا. والأدهى من كل ذلك أن المجتمع يدفع بشكل إجباري معاشات جهاز قمعه عند اندلاع أية حركة احتجاجية ضد قرارات الغبن التي ترتكب بحقه.
 
أن موضوعة انتشار مرض كورونا هو مظهر من مظاهر أزمات النظام الرأسمالي العالمي، وبوجوده طُرِحت من جديد ملفات وقضايا وأعيد فتحها ، بعد أن وضعت جانبا بشكل مقصود لردح من الزمن، من قبل مفكري ومفسري واقتصادي النظام الرأسمالي، الذين كانوا يعتقدون بأنها أصبحت من القضايا المسلمة بها، مثل“وظيفة الدولة” و”الاقتصاد الحر” و”شرعية وجود النظام الرأسمالي” و”الديمقراطية” ومفاهيم “حقوق الإنسان” و”الحمائية” و”الفرد”.. وأنهم قد تخلصوا من صداع الرأس في خضم الصراع بينهم وبين المدافعين عن عالم أفضل، عالم المساواة، عالم يمكن أن يعيش فيه الإنسان بعيداً عن الاستغلال والاغتراب بكل ما تعنيه هذه الكلمة، عالم يتمتع فيه الإنسان بنتاج عمله ويمارس ما يختاره وبما يتطابق مع ميوله الفكرية والعاطفية ويشبع حاجاته المادية كما يعلمنا ماركس.
وهنا نرى أنه كلما هزت النظام الرأسمالي أزمة ما، أعيد فتح تلك المواضيع لتقض مضاجعهم وتجعلهم يعيدون حساباتهم السياسية من أجل ترتيب أوراقهم الفكرية وتغيير كلمات السر مثلما يتم تغيير كلمات سر الكمبيوترات وشبكات التواصل الاجتماعي والايميلات الشخصية تحسبا من الطفيليين الخارجيين، كل تلك المساعي من اجل الحفاظ على سكون المجتمع والحيلولة دون التحرك الجماهيري لهتك كل المسلمات التي وقفت عائقا فكريا وسياسيا أمام التغيير الجذري.
 
اليوم تطرح من جديد موضوعة دور “الدولة” كما طرحت في الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالنظام الرأسمالي العالم عام ٢٠٠٨. ويلاحظ أن هناك نظريتين مهمتين بالنسبة لاقتصاديّ النظام الرأسمالي، وهما المدرسة الكينزية التي توصي بإفساح المجال لتدخل الدولة في إدارة الاقتصاد والعمل على الإنفاق العام كي يكون بالنتيجة دعم القطاع الخاص والسيطرة على الأزمات الدورية التي تعصف بالنظام الرأسمالي، والنظرية الثانية التي سميت بالكلاسيكية والتي أساسها ادم سمث واعتمدت عليها مدرسة شيكاغو التي شرعت بوضع الأسس لليبرالية الجديدة، ومفادها تجريد الدولة من كل مسؤولياتها تجاه المجتمع على صعيد الصحة والخدمات والتعليم. والمفارقة أن مساعي كل منظري الفكر الاقتصادي والسياسي البرجوازي كانت تصب في إنقاذ النظام الرأسمالي من أزماته والحيلولة دون انفجار التناقضات الطبقية فيه.
 
وبغض النظر عن المحتوى الطبقي للدولة وماهيتها، فأن الدولة وفي مراحل تاريخية من تطور النظام الرأسمالي العالمي، أخذت تلعب ادوار مختلفة لتنظيم المجتمع والسيطرة على التناقضات الناجمة في نفس النظام المذكور. ويصور مفكري البرجوازية بأن الدولة كما يقول لنا انجلز أنها فوق المجتمع ومحايدة وتلعب دور الوسيط والمنظم للمجتمع. وعلى الرغم من أن هذا التعريف بدور الدولة يعد مغرضاً ومخادعاً، إلا أن إثباته للمجتمع ليس سهلا في الأوضاع الطبيعية، أي أوضاع السكون أو الرخاء الاقتصادي أو الاستقرار السياسي. فالدولة كانت دائماً وأبداً أداة لصالح الطبقة المسيطرة اقتصاديا، وفي عالمنا المعاصر، هذه الطبقة هي البرجوازية التي سنرى لاحقاً كيف تحرك آلة الدولة لمصالحها وحسب الأزمات التي تعصف بالنظام الرأسمالي. وتظهر الدولة التي تمتص جزء كبير من الميزانيات الحكومية، تارة بأنها تعمل لصالح المواطن حسب توازن القوى وصراع الطبقات في المجتمع، وتارة أخرى تكشر عن أنيابها وتغرسها في كل من يتطاول على الإجراءات المؤلمة التي تقوم بها البرجوازية مثلما حدث في عقد الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم في تشيلي والبرازيل واندونيسيا والصين والفلبين وجنوب إفريقيا وروسيا وبولندا والأرجنتين…الخ عبر فرض السياسة الاقتصادية لليبرالية الجديدة أو الاقتصاد الحر وتحرير الأسواق وتنصل الدولة من جميع مسؤولياتها في المجتمع كما يحدث اليوم في العراق، وقد سلطت  الكاتبة الكندية نعومي كلاين الضوء على تجارب البلدان آنفة الذكر بشكل واضح  في كتابها “عقيدة الصدمة”.
اليوم يظهر دور الدولة بشكل متردد بالتصدي لازمة كورونا في جميع بلدان العالم. فالدولة كجهاز فرض الإذعان والخضوع عبر مؤسساتها القمعية مثل الجيش والشرطة والقضاء أو عبر مؤسساتها التشريعية والسياسية هي الوحيدة القادرة على الرد على أية أزمة تعصف بالمجتمع البشري. ولكن لم تكن “الدولة” محايدة يوما ما، فهي اليوم تظهر وبانحياز كامل لصالح البرجوازية وإنقاذ نظامها الاقتصادي على حساب الجموع الغفيرة من البشرية التي يقتنصهم فيروس كورونا.
في العدد الجديد من مجلة “لانست” الطبية البريطانية وهي من أكثر الإصدارات الطبية رقياًّ في بريطانيا، انتقدت افتتاحيتها دور الحكومة البريطانية بالتصدي لمرض كورونا، واتهمتها بالتقصير والتنصل من المسؤولية، وأنها هي سبب انتشار الفيروس في بريطانيا، مما أغضب الحكومة البريطانية ورفضت ما جاء فيها. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن إدارة ترامب تعيش في تخبط واضح فهي تضع عين على الاقتصاد والحفاظ عليه من الركود وأخرى على التصدي للوباء عبر الحجر الصحي الذي ينتشر في المدن الأمريكية كنار في الهشيم  خوفا من الانتقادات وخسارته في الانتخابات الرئاسية في نهاية هذا العام، حتى عبر عنه كاتب روسي في مقال نشره على موقع “روسيا اليوم” تحت عنوان :”كورونا سيطيح بالترامبية”. والأكثر سخرة من كل ذلك، هو طلب رئيس وزراء الهند، الصفح من الفقراء بسبب الحجر الصحي الذي يمنعهم من الذهاب إلى أعمالهم للحصول على رغيف خبز يشفي آلام بطونهم الخاوية، في حين تعد الهند دولة نووية ومن ضمن البلدان الصناعية العشرين  في العالم G20. فلو كان “الصفح” الذي يطلبه رئيس الوزراء يصرف في اي بنك لما بذخه على فقراء الهند!!
في مواجهة مرض كورونا اليوم في العالم، وإذا ما عدنا لعقد الاجتماع الافتراضي (Virtual) كما سموها لدول الصناعية الكبرى العشرين “G20” في 26/3/2020، قررت حكومات تلك الدول ضخ خمسة تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي عبر دعم اقتصادياتها وتوسيع صلاحيات منظمة الصحة العالمية ودعم صناعة المعدات الطبية والأدوية. وكل تلك القرارات التي صدرت من تلك الحكومات هي من اجل الحيلولة دون شل الاقتصاد. هذه القرارات تكشف عن مسالة واحدة فقط أن الدولة تتدخل فقط عندما يتعرض النظام الرأسمالي إلى أزمة عنيفة. ولو لا هذه الأزمة فإن الحديث عن الأدوية والمعدات الطبية  لن يخطر في بال الحكومات ما دام لن يؤثر لا سلبا ولا إيجابا على عجلة الاقتصاد. فخذ مثلا معدل الوفيات بسبب مرض السرطان لعام ٢٠١٨ بلغ٩,٦ مليون شخص حول العالم وان نسبة ٧٠٪ منها في الدول النامية أو الفقيرة حسب إحصائيات الاتحاد الدولي للسرطان. ومن الجدير بالذكر أن أجهزة الكشف المبكر والتغذية ونمط الحياة كلها تساعد بشكل كبير في تقليل النسبة المذكورة ولكن تفتقر إليها البلدان الفقيرة ، ولا تكترث لا الحكومات لها ولا الدول التي قررت بضخ خمسة تريليون دولار إلى اقتصادياتها. والسبب بكل بساطة يعود، أن مرض السرطان لا يبث الرعب في الأسواق المالية وان الدولة غير مستعدة في تمويل أبحاث مرض السرطان مثلما يحدث اليوم تجاه فيروس كورونا.
 
 النظام الرأسمالي وأفول دولة الرفاه :
 
أن دولة الرفاه هي نتاج تنازل البرجوازية عن جزء من معدل ربحها لصالح الطبقة العاملة وعموم المجتمع من اجل السيطرة على التناقضات في النظام الرأسمالي. وهي قبل ذلك حصيلة نضالات الطبقة العاملة في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين ومكتسبات ثورة أكتوبر الاشتراكية التي ألهمت العالم. وساهمت أيضا في نشوء دولة الرفاه الأزمات الاقتصادية المتتالية التي كانت تعصف بالنظام الرأسمالي و كانت أشهرها أزمة ١٩٢٩ التي أدت بعد سنوات إلى نشوب حرب عالمية ثانية قتل فيها أكثر من ٦٠ مليون شخص. فدولة الرفاه تعني الإنفاق العام للدولة على الخدمات والتربية والتعليم والصحة وتعني ضمان التقاعد والضمان الاجتماعي. ولكن استمرار دولة الرفاه من عدم استمرارها، يعد نتاج مرحلة معينة من تطور الرأسمالي ومستوى التناقضات الطبقية ومنحني الصراع الطبقي في النظام الرأسمالي. ففي ظل التطور الرأسمالي العالمي واشتداد المنافسة بين الدول الرأسمالية على الأسواق تلتهم الأزمات الاقتصادية الدورية جزء كبيرا من ميل معدل أرباح الشركات والمؤسسات، ولذلك تحاول أن تعوضها من معدل ربحها الذي  قدمتها للدولة في مرحلة ما واستردادها عبر الاستحواذ على القطاعات الحكومية الصناعية وتقليل الإنفاق على الخدمات وخصخصة التعليم والصحة… فنجد أن تقويض دولة الرفاه يوما بعد يوم هو انعكاس موضوعي لذلك المسار.
أن حركة “احتلوا وول ستريت” عام ٢٠١١ والتي اجتاحت ١٥٠٠ مدينة في العالم بينها ١٠٠ مدينة أمريكية وتبنت شعار ( نحن ٩٩٪ )اي أن ١٪ يملكون ثروات العالم بينما النسبة العظيمة الأخرى من سكان العالم لا تملك شيئا، كانت هي رد على الهجمة الشرسة التي شنتها البرجوازية على كل مكتسبات المجتمع، التي حصلت عليها طوال أكثر من قرن ونصف من نضال الحركات الداعية للمساواة، وتنصل الدولة من جميع مسؤولياتها في المجتمع عبر تطبيق نظرية مدرسة شيكاغو وهي الليبرالية الجديدة. أن معضلة استمرار دولة الرفاه التي عرفت في البلدان الغربية تكمن بعدم قدرتها على التنافس في ظل السباق العالمي في إطار التطور الرأسمالي. وحتى “الحلم الأمريكي” الذي يعني أن ارض الولايات المتحدة الأمريكية هي ارض الفرص، أصبح في خبر كان، وأصبحت أوضاع الطبقة العاملة أكثر بؤسا وان معدل الأجور بالنسبة للأسعار ومستوى المعيشة بانخفاض مطرد كما يشير إليها بشكل دقيق الكاتب (توما حميد) في بحثه المنشور في “الحوار المتمدن- انتخاب دونالد ترامب، الأمنيات والحقائق! الجزء الأول”. ويكفي أن نذكر أن إصابة اي شخص بمرض بسيط يجعله بحاجة إلى كشف طبي عادي وتحليل دم بسيط فأن تكاليف ذلك تعادل أجور عامل يعمل مدة ٤٠ ساعة أسبوعيا على الأقل في بلد من مثل الولايات المتحدة الأمريكية. هذا يضاف إليه انه يدفع شهريا جزء من أجوره إلى شركات التامين الصحية التي تغطي تكاليف العلاج والكشف الصحي والتحليل بنسبة ٨٠٪. وهذا يعتبر واحدة من الأسباب التي أدت إلى تفشي انتشار مرض كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة مذهلة لتحتل المرتبة الأولى في العالم وتحل محل الصين بعد اقل من شهر من اعتراف الإدارة الأمريكية بوجوده واتخاذ الإجراءات حوله. إذ أن تكاليف التحليل والكشف تعد مكلفة جداً، مما يمنع مراجعة المشتبه به بالإصابة بكورونا من الذهاب إلى الفحص الطبي.
 ويفسر الصراع الأمريكي- الصيني وإعادة سياسة فرض الحمائية والرسوم الكمركية على السلع الصينية وحتى الأوربية والكندية والمكسيكية وتعديل العديد من بنود الاتفاقيات مثل (اتفاقية نافتا)، بأنه يأتي في إطار فقدان قدرة أمريكا على المنافسة الاقتصادية العالمية. ونفس الشيء بالنسبة للاتحاد الأوربي الذي يعاني مأزق البقاء في إطاره السياسي والاقتصادي الموحد. وقد جاء بريكست ليوجه ضربة موجعة للاتحاد بانسحاب بريطانيا، ثم ليأتي مرض كورونا ليضع اللبنات الأولى لتفتيت هذا الإطار (الاتحاد الأوربي)
أن البلدان التي عرفت بوجود “دولة الرفاه” فيها بدأت تسدل الستار على “الرفاه”، والسبب يعود كما يقول لنا ماركس من جديد أن معدل الربح في النظام الرأسمالي ينخفض بشكل مضطرد، وهذا المعدل يحصل عليه من فائض القيمة التي ينتجه العامل، إذ يبدأ الرأسمال بالتدفق في كل أزمة تعصف بالنظام الرأسمالي، على الرأسمال الثابت مثل التطور التكنولوجي والآلات كي تضمن قدرتها التنافسية وتنتج بضاعة رخيصة ذات جودة أفضل وبأسعار ارخص. ففي البلدان التي عرفت  بدول الرفاه، فقدت هذه الخصائص ولذلك نجد أن الرأسمال هرب إلى البلدان ذات العمالة الرخيصة كي تضمن معدل ربح عالي  مثل الصين وفيتنام وكمبوديا وبنغلاديش والهند والمكسيك والبرازيل..ويفيد احدث تقرير صادر عن مؤسسة “برايس ووتر هاوس كويزر” ونشره موقع بي بي سي، أن الدول المذكورة ستتصدر اقتصاديات العالم في عام ٢٠٥٠ وتزيح كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان وبريطانيا من مواقعها إلى أسفل السلم في مجموعة G20.
وهكذا يمكن وبكل بساطة أن نصل إلى سبب تصاعد في نسبة الوفيات في ايطاليا وفرنسا واسبانيا، فرأس المال لن يجد أية فرصة في الاستثمار في القطاع الصحي، وخاصة أن الدولة غير مسؤولة في الإنفاق بشكل مطلق على المسنين وتغطية جميع حاجتهم الصحية، وان الآلاف من الذين أنفقوا حياتهم في العمل المضني في تلك الدول وتجاوزوا السن التقاعدي في أعمارهم، فبدلاً من قضاء ما تبقى لهم من حياة بهدوء والتمتع بثمار عملهم ونتاجه طوال ٣-٤ عقود من العمل، نجدهم يلقون حتفهم تباعا وبالمئات، ويدفنون بعيدا دون أن ترتب لهم حتى جنازة لائقة إكراما لذكرى السنوات التي عاشوها في أحضان محبيهم. وهذا هو الوجه الآخر للنظام الرأسمالي، فيستثمر الإنسان خلال فترات شبابه وعنفوانه الجسدي، وعندما يكبر بالعمر وينتهك قواه يحول إلى السن التقاعدي يتم التخلص منه، إذ يعتبر من الناحية العملية والمعطيات الواقعية التي أثبته مرض كورونا، في فلسفة هذا النظام أن المسن شخص عقيم وغير منتج وأصبح فاقد الصلاحية، فيجب التخلص منه. اي بعبارة أخرى أن مرض كورونا في جانبه الآخر هو (نعمة) للنظام الرأسمالي حيث يخلصه من هذا العدد الكبير من المسنين الذين كان يوم ما تأتي ثمار عملهم أوكلها.
وبعكس ما تحاول البرجوازية وممثليها السياسيين في الطبقة الحاكمة إخفائها عن سر تنصلها من مسؤوليتها تجاه المجتمع، تحاول تبرير جشعها وفشلها وعدم أهليتها لإدارة المجتمع بإلقاء اللوم تارة على أن الفيروس صيني وهي من اخفت المعلومات عنه، وأخرى أن انتشار الوباء أكثر من طاقتها الاستيعابية وقد فاجأتها، ومرة أن الفيروس ينال من كبار السن بسبب ضعف مناعتهم وأمراضهم المزمنة أو أمراض الشيخوخة، أو الترويج إلى نظريات المؤامرة  مثل ما يقول به الخامنئي وترامب….الخ من ترهات. ولكن مثلما توظف نفس تلك الدول استثمارات في مجال الدفاع وابتكرت أعظم التكنولوجيا العسكرية والتجسسية وفي مجال الفضاء لضمان تفوقها العسكري والحربي التي تقدر ١ تريليون و ٨ ٨٥ مليار دولار حسب معهد السلام العالمي في ستوكهولم- اي ما يقارب ٢ تريليون دولار، من اجل فرض هيمنتها الاقتصادية على الدول المنافسة لها، فإنها لو وظفت جزء من تلك الأموال في ميدان الصحة لما توسع انتشار المرض بهذه المساحة ولما ازداد الوفيات في صفوف حتى كبار السن بهذا العدد الكبير.
ما نستشف منه وقد كشفه لنا مرض كورونا أن البرجوازية سخرت الدولة وإمكاناتها عندما وجدت أن تفشي هذا الوباء بات يهدد بوقف عجلة الاقتصاد العالمي، وأخرجت ما في جعبتها من اللأموال المكدسة والمنهوبة من جيوب الجماهير على شكل ضرائب وعلى شكل فائض القيمة التي ينتجها العمال لترميم اقتصادها، وفضح أيضا (اي كورونا) دولة الرفاه وبأنه لم يبق منها إلا الدولة دون رفاه، اي دولة تبخر منها الرفاه.
لقد أمست اليوم الدولة في كل مكان من العالم، ليس إلا جهاز يتضخم من جيش من الموظفين البيروقراطيين الطفيليين الذين سماهم لينين بالدواوينية، وجهاز قمعي يقدر بمئات الألوف من عناصر الشرطة والجيش والمخابرات، وتستهلك على الأقل ٢٠٪ من الموازنات الحكومية التي اجتاحتها فيروس كورونا (أكثر من ٥٠٪ من الموازنة الاتحادية تذهب للقوات المسلحة الأمريكية وحيث تبلغ ٧٢٨ مليار دولار لعام ٢٠٢٠ في موازنة تبلغ ١ تريليون و٤٠٠ مليار دولار). فعندما يحدث وخلال الأزمات الاقتصادية للنظام الرأسمالي من هروب الرأسمال من الميادين غير المربحة، فإنه يستثنى جهاز الدولة البيروقراطي الذي هو عالة حقيقية على المجتمع، مع استقطاع كل الخدمات التي يقدمها.  وان جزء لتمويل ذلك الجهاز الذي سمي بالدولة، يكون من عمل سنوات وسنوات لأولئك المسنين الذي قضي نحبهم بفيروس كورونا، على الرغم أن هذا الجهاز غير منتج، إلا انه ينظم سيطرة الطبقة الطفيلية على المنتجين الحقيقيين. وهنا تجدر الإشارة إلى  أن الدولة الحديثة في النظام الرأسمالي تنفذ بند واحد من بنود النظرية الكنزية وهي تدخلها لإنقاذ علاقات الإنتاج الرأسمالية، بينما في الشطر الثاني تنفذ نظرية سياسة الليبرالية الجديدة، التي تعني أن يواجه البشر مصيرهم بأنفسهم، كما جاءت في التصريحات الوقحة  لبوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الحالي في تعليقه على تفشي وباء كورونا “بمناعة القطيع”.
 
أن الاستنتاجات النهائية لنا في هذا الموضوع، حول دور “الدولة” المرائي، لا يصب في خانة التحليل السياسي الذي دأب المثقفين البرجوازيين من الجعجعة حوله، بل من اجل تسليح الجماهير بوعي حول الدولة ومسؤوليتها في النظام الرأسمالي، وكي يتحول ذلك الوعي إلى سلاح نضالي بعيد عن نظريات المؤامرة التي هي بالنتيجة تصب في صالح البرجوازية ودولتها التي تبرر تنصلها من مسؤوليتها تجاه المجتمع. اي بمعنى أخرى أن تسليط الضوء على الدولة ودورها المرائي اليوم من قبلنا نحن الشيوعيين، هو من اجل رفع الوعي السياسي في صفوف الطبقة العاملة والأقسام المحرومة من المجتمع ، التي كانت مبهمة لدى الجماهير، وموضوع لتطبيل البرجوازية والدفاع عنها وتقديسها وتصويرها بالعادلة والمحايدة وفوق الجميع، في حين وفي عالمنا المعاصر لم تقم الدولة بأي دور سوى أنها كانت آلة للقمع الاحتجاجات والاعتراضات الجماهيرية من اجل الحرية والمساواة، أو في أفضل الأحوال تنفق ما ادخرتها من الجماهير على شكل استقطاعات ضريبية وفائض قيمة عملها على إنقاذ شركات ومؤسسات البرجوازية من أزماتها وإفلاسها.
ولقد بينت المعطيات المادية وفقط الإشارة إلى قرارات G20 فأن الدولة قادرة على إنقاذ المجتمع، وكانت قد تدخلت في الأزمة ٢٠٠٨ من إنقاذ شركاتها الكبرى عن طريق ضخ الترليونات من الدولار إلى أسواقها.
وأخيرا أن مرض كورونا وبعكس حروب البرجوازية التوسعية والعدوانية، قد جردها  من سلاحها السياسي والدعائي والاجتماعي الصدأ من الترهات القومية والطائفية والدينية والعرقية لإخفاء طابعها الطبقي وإطماعها وجشعها،  ولأول مرة في الحرب الحديثة تسير الدولة في كل مكان من العالم دون هوية ومجردة من تلك الترهات المذكورة، بل أصبحت عارية ومفضوحة وكشف عن قبحها ودورها المعادي للغريزة الإنسانية، فالحرب على كورونا لا تحتاج إلى إيديولوجيات ممسوخة تجرد البشر من إنسانيتها، وهذا ما لم تكن في حسبان كل مفكري واقتصادي وسياسي النظام الرأسمالي، بل تحتاج إلى نظام اقتصادي وسياسي واجتماعي آخر، نظام يكون فيه العلم في خدمة الإنسان، والإنسان قيمة عليا وأثمن رأسمال كما يقول لنا ماركس.


87
معيار التضامن في النظام الرأسمالي العالمي
في مواجهة كورونا
سمير عادل
 
إن العالم  بعد كورونا لن يكن مثلما كان قبله، كما كان العالم بعد الحادي عشر من أيلول غير العالم بعد الحادي عشر من أيلول.
سقوط الغرب - رأسمالية السوق والاقتصاد الحر- أمام امتحان فيروس كورونا يضاهي سقوط الاتحاد السوفيتي وجدار برلين – أي ما نسميه نحن بـ (رأسمالية الدولة). بيد أن الفارق بين الاثنين، هو أن سقوط الأول سيكون أكثر دويا من الثاني على الرغم من أن دويه اي الثاني كان مفتعلا ومصطنعا بفعل توظيف كل الطبول الدعائية والفكرية والسياسية لتعظيمه والمبالغة  من قبل الغرب الديمقراطي، غرب “تعظيم الفرد والفردانية”، غرب تمجيد الاقتصاد الحر، اقتصاد ريكاردو (دعه يعمل دعه يمر)، غرب الفوضى الخلاقة، غرب الليبرالية الجديدة ومدرسة شيكاغو الاقتصادية، وظل يهتف بكل مفكريه وسياسيه واقتصاديه والممولين من مراكز الدراسات والأبحاث بشكل مريح لسنوات وسنوات إلى الحد الذي صوره المفكر اليميني الأمريكي فرانسيس فوكوياما بتعريف ذلك السقوط اي سقوط الكتلة الشرقية بأنه نهاية التاريخ، وخلود النظام الديمقراطي الليبرالي. كان يبغي من وراء كل تلك الطبول في تخليد البقاء للأصلح كما عبر عنه بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني عندما أفصح عن سياسته تجاه مرض كورونا في بريطانيا بأن الطبيعة هي التي تحدد وتقوض انتشار الفيروس عبر “مناعة القطيع”.
اليوم يسقط الغرب ونظامه  الديمقراطي الليبرالي، الذي اعمي بها عيون البشرية أمام فيروس كورونا، دون أن ينفق اي شخص في هذا العالم الرأسمالي، سنت واحد على وتر واحد  من أية آلة موسيقية أو على هتاف صوت واحد أو اهتزاز حنجرة واحدة لدوي ذلك السقوط. و لا يسعنا إلا أن نشكر فيروس كورونا الذي بين أن كل تكنولوجيا الغرب وتطوره العلمي لم يكن لحساب الإنسان وعموم البشرية في المجتمع. وهذا ما سعى أمثال فوكوياما إلى إخفائه، بينما كشف عنه فيروس كورونا. 
إذا كان معيارنا الإنسان، وإذا كانت فلسفتنا الأصلية تبدأ وتنتهي  وتتركز أصالتها حول حقوق الإنسان بالمعنى المطلق للمقولة التي تشدق بها الغرب، فان أسطورة تفوق الغرب كانت فقاعة، وبينت انه لم يتفوق فيها إلا عبر آلة الدعاية والكذب والنفاق التي اخفت كل عيوبه ومعاداته للإنسانية. وهنا نتحدث عن الغرب كنظام رأسمالي، طالما عزفوا له واخفوا كل الزبالة تحت طاولته بأن الإنسان “الفرد” ذات هو القيمة العليا. ها هي الفردانية ترتد عليه، فكل دولة أخذت تنأي بنفسها عن الأخرى، وحتى الاتحاد الأوربي الذي عبر عنه الرئيس الصربي اليميني بامتياز؛ إن التضامن العالمي غير موجود، والتضامن الأوربي غير موجود وانه قصة خرافية على الورق..
 من يتذكر الحادي عشر من أيلول، العملية الإرهابية في نيويورك عام ٢٠٠١، أو من يتذكر سقوط الموصل بيد عصابات داعش وإعلان دولة الخلافة الإسلامية في حزيران ٢٠١٤، وكيف أبدت الأنظمة السياسية في كل العالم عن تضامنها مع الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، أو كانت تتسابق جميعها بالدخول في تحالف تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يحجر نفس العالم وخاصة الغربي على نفسه خوفا من اجتياح فيروس كورونا،  يدرك أن هناك معيار واحد للتضامن في فلسفة النظام الرأسمالي، هو معيار المصالح والخوف على أسواق البورصات واسهم الشركات ومنافذ الطاقة، وتغيير الخارطة الجيوسياسية التي قد تضرب مصالح شركاته ومؤسساته الاقتصادية والمالية. في حين أن المعيار الإنساني، الذي كشفه لنا مشكورا فايروس كورونا، غاب كليا ويختفي فيه عنصر التضامن والتعاضد الإنساني الذي أظهرته تلك الدول بشكل زائف تحت عناوين “الحرب على الإرهاب”.
لقد طمست كل الأنظمة الغربية رأسها داخل حدودها الجغرافية، وباتت لا ترى غير أسواقها القومية التي يهددها فايروس كورونا. فعندما تعزل البشرية نفسها في بيوتها، وتمتنع على تشغيل دولايب المصانع والمعامل، وتعزف عن التسوق، ويشغلها شغل واحد هو البقاء على قيد الحياة، حينذاك فقط؛ تدرك البرجوازية أنه لا خلاص لها  ولا لإرباحها ورأسمالها دون إنقاذ تلك الجموع من اجل دوران رأسمالها. إلا أن “العولمة” وهي الاسم الحركي لعالمية رأسمال المال وتحدث عنها ماركس وبعده لينين في كتابه “الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية”، تكشف أنها لم تكن أكثر من عولمة الاقتصاد وتحول رأس المال إلى رأسمال عالمي لا ينفصم عراه. ولكن وبسبب التناقضات البنيوية للرأسمالية، ففي المنعطفات والأزمات التي تعصف بالنظام الرأسمالي مثل الأزمات الاقتصادية أو سباق المنافسة مع بعضها وزمن الثورات والانتفاضات تلجأ  بالعمل بعكس آلياتها. ففي الوقت الذي تجد فيه البرجوازية نفسها في الغرب مرعوبة ولا تعرف كيف تدير أزمتها بسبب مرض كورونا، تحاول الانكماش إلى الداخل القومي والانغماس القومي في حل معضلة كورونا بشكل فردي متحديةً قوانين طبيعة الرأسمالية التي أصبحت عالمية في كل مفاصلها، والتي لن تقبل العودة إلى الوراء إلا بتدمير نفسها. ولأول مرة تنسى الرأسمالية في خضم هذه الأزمة أن تنسق فيما بينها وتتعاون لإنقاذ مصالحها الاقتصادية المرتبطة عالميا على الأقل. أن هذه المعضلة هي معضلة في بنية النظام الرأسمالي العالمي وتعبر بشكل طبيعي عن تناقضاتها مع الماهية الإنسانية وتطور علاقات الإنتاج. أي أن الانحطاط الأخلاقي للنظام الرأسمالي هو انعكاس طبيعي لهذا النظام وغير مرتبط بأشخاصه أو ممثليه السياسيين الذين ليسوا إلا موظفين عند رأس المال تكون أدوارهم اما جيده او  تكون فاشلة. وهذا هو السر وراء إعادة طبع كتاب ماركس “رأس المال” و”البيان الشيوعي” في كل أزمة تهز عالم الرأسمال والأسواق، ودائما يتجدد الرعب من ظهور شبح لينين من جديد على العالم. 
أن ما لا يريد الاعتراف به المسؤولين الغربيين، ولا يريد أن يراها قسم من هذا العالم الذي وضع على عينيه وعقله نظارة زجاجها من نوع سميك صنعت خصيصا من إنفاق الملايين من الدولارات من أموال دافعي الضرائب ومن جزء مستقطع من فائض القيمة النسبي لعمل العمال في الغرب والفائض المطلق في بلدان التابعة للامبريالية،  لتحريف أنظاره وتشويه الحقيقة أو طمسه عن أن تفشي فيروس كورونا بهذه المتتالية الهندسية في دول أوربا، هو ليس مرده إلا لعاملين وهما أولا: عدم اكتراث الدولة لصحة وسلامة الإنسان والتي غضت الطرف عن انتشار المرض خوفا على إيقاف دولايب الاقتصاد والإنفاق على صحة مواطنيها، فهي لم تتخذ اي إجراء فوري إلا بعد أن تحول الفيروس إلى جيش جرار يسقط الأسوار أو مثل المشاهد الهوليودية بموسيقى تصويرية مضخمة في أفلام التسونامي أو غزو الأرض من قبل الفضاء، والعامل الأخر: هو هشاشة النظام الصحي وتهرئه في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وايطاليا وبريطانيا…الخ. 
فإذا كان غرب “حقوق الإنسان والديمقراطية” يتعامل بمنتهى الأنانية والانحطاط الأخلاقي مع مواطنيه، فكيف ستكون سياسة دولة استبدادية مثل الجمهورية الإسلامية في إيران تجاه الفيروس، فهي سمحت لثمانية ملايين نصف المليون من السكان بالتنقل خلال أعياد نوروز التي بدأت قبل يومين بين المدن ويحمل  أكثر من ستة آلاف و٥٠٠ شخص  من بين هؤلاء فيروس كورونا. أن هذا الاستهتار بحياة البشر يعزو سببه أن الحجر الصحي على الناس من قبل الحكومة الإيرانية، يعني عليها دفع ٢ مليار دولار شهريا كرواتب ومعاشات وأجور إلى العمال والموظفين وهم جالسين في بيوتهم. فهي اي الحكومة الإيرانية غير مستعدة لذلك، بينما تنفق المليارات على جواسيسها ومليشياتها وتطوير أسلحتها وتمددها في المنطقة. فما بالك دول  تنفخ في كل شهيق وزفير “حقوق الإنسان” مثل ايطاليا وفرنسا وأمريكا المعروفة بأنفاقها ترليونات من الدولارات على ميزانياتها العسكرية وتصدر سنويا أطنان من الأسلحة كجزء من ناتجها القومي إلى العالم، بينما لم تنفق ١٠٪ من عائدات أو أرباح تلك الأسلحة ولا من الإنفاق على صنع تلك الأسلحة على ميادين الصحة أو دفعت كأجور من الوهلة الأولى عند تقدم جيوش كورونا إلى مواطنيها كي يلتزموا بالحجر الصحي.
في “الحرب على الإرهاب” يظهر بشكل جلي وواضح التعبير عن “التضامن العالمي” مع أمريكا أو العراق، والذي لا يتجاوز إطار  تصدير الأسلحة والأجهزة التجسسية ومستشارين عسكريين وتكنولوجيا عسكرية ومنح القروض بفوائد عالية تقصم ظهر العمال والموظفين وتزيد من حرمان الطبقات المسحوقة كما حصل مع العراق بعد إعلان الحرب على داعش، بينما يظهر فيروس كورونا أن الحرب عليه لا يتم عبر الأسلحة بل بحاجة إلى الإنفاق على الصحة وتطوير الأجهزة الطبية والتعاضد العالمي عبر تبادل الخبرات والدعم الطبي.
بيد أن هذا العالم لا يقف مخدوعا أمام أسطورة تفوق الغرب وغياب المعيار الإنساني في ذلك التفوق فحسب، بل يعيش خدعة وكذبة تروج لها بعض الحمقى، إذ يعزون نجاح الصين في تجربتها بالسيطرة على فيروس كورونا إلى نظامها الدكتاتوري والشمولي. انه ترويج بشكل واعي أو غير واعي، بقصد أو بغير قصد للدعاية للأنظمة الدكتاتورية، وإعطاء الذرائع للدول في قمع الحريات وفرض الاستبداد على الجماهير، وهذه المرة ليس بعنوان الحرب على الإرهاب، بل تحت يافطة  “الحرب على كورونا”.
نسيم الاشتراكية وصراع الأقطاب الصاعدة:
 أن دولة الصين، هي رأسمالية حد النخاع، ولا تمت بصلة إلى الشيوعية غير اسم الحزب الحاكم فيها، وتفوق اقتصادها على العالم عبر الحصول على فائض القيمة المطلق الذي يتجسد بالعمالة الرخيصة جدا وشروط عمل قاسية وحرمان العمال من حق الإضراب والتنظيم. أن الصين لم تسيطر على تلك الأوضاع اي مرض كورونا بسبب دكتاتوريتها، بل بسبب تطورها التكنولوجي ونظامها الصحي، ويعود الفضل إلى جزء كبير منه، عندما هب يوم ما وفي زمن كانت الاشتراكية موضة عالمية، نقول هب عليها نسيم الاشتراكية*. وبمحاذاة ذلك، فأن كوبا التي يفرض عليها حصاراً اقتصادياً، ظلماً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبسبب النزعة الإنسانية التي تضرب جذورها في المجتمع الكوبي بسبب ذلك النسيم، فهي لا تملك من موارد أن تقدمها غير إرسال الأطباء لإنقاذ الناس في ايطاليا، وهذه ليست المرة الأولى التي تقدم كوبا هذا النوع من المساعدات. ففي التسونامي الذي ضرب جنوب شرق آسيا والزلزال الذي ضرب هايتي والقضاء على المرض في فنزويلا، كان الأطباء الكوبيين في مقدمة المتطوعين لإنقاذ الناس من تلك المأساة.
 أما تقديم المساعدات الطبية من قبل روسيا والصين إلى ايطاليا وصربيا وبلدان افريقية أخرى وإعلانهما بالاستعداد لتقديم مساعدات إلى دول أخرى، لا ينم إلا عن التنافس الرأسمالي ومحاولة لتفتيت الاتحاد الأوربي وفصم عراه والنيل من هيبة الولايات المتحدة الأمريكية والناتو، وتصب في مسعى لقلب النظام العالمي الموجود وبناء نظام عالي جديد تحت قيادتهما. إنها فرصة ذهبية لرسم خارطة سياسية جديدة، وتحالفات عالمية جديدة. وأيضا يضاف عامل آخر هو مساعي جديدة وحثيثة لإنقاذ الاقتصاد الرأسمالي العالمي ، فكما تحدثنا أن الرأسمال العالمي لا ينفصم عراه، وان هلع الأسواق العالمية والبورصات ستوقف عجلة النمو الاقتصادي لتضرب اسواق الصين أولا.
التضامن ألأممي إستراتجية في مواجهة أزمات النظام الرأسمالي:
 خلاصة القول أن العالم بعد كورونا سيختلف عما كان قبل كورونا على الصعيد السياسي والفكري والاقتصادي والعلمي والاجتماعي. وإذا كانت الطبقة العاملة اليوم والأقسام الاجتماعية المحرومة فرض عليها الحجر الصحي والرعب من الفايروس بسبب التهويل الإعلامي الذي هو انعكاس بالدرجة الأولى لهلع الطبقة السياسية الحاكمة وأصحاب الشركات والمؤسسات المالية ومستقبلها الاقتصادي ومصير أرباحها، وقد انعكس هذا الهلع أيضا في إنزال الجيش في العديد من بلدان العالم مثل أمريكا والجزائر والأردن والمغرب..والذي يفسر ذلك الهلع ومحاولة لتوجيه ضربة استباقية تحسبا من اندلاع احتجاجات جماهيرية واضطرابات تدفع الجموع البشرية للخروج إلى الشوارع  سواء اثر الهلع الذي تنشر في المجتمع أو إزاء تقاعس ولا أبالية الطبقة الحاكمة تجاه مجتمعاتها وتباطئها بالتحرك. نقول أن تصفية حسابها اي الطبقة العاملة و تلك الأقسام المحرومة مع هذا النظام الرأسمالي الجائر مع طبقاتها السياسية الحاكمة التي تصون وتحافظ على مصالح ذلك النظام، ستأتي حتما بعد الانتهاء من هذا الكابوس
 أن التضامن العالمي اليوم يكتسب معنى آخر، وعلينا نحن العمال والشيوعيين وكل اليسار أن نخطو خطوات جدية في هذا الميدان وإعطاء المعنى الواقعي والمادي لهذا التضامن، وان يكون جزءا محوريا في إستراتيجية عملنا. أن فيروس كورونا اثبت أن العالم أمام خيارين، إما الانعزال والانكماش وانتظار رحمة من الطبقة الرأسمالية الجشعة ودولتها التي تركن على الرف وتستخدم كآلة قمعية في زمن الثورات والانتفاضات ضد سلطتها وجورها أو لتحل أزماتها وتتدخل للسيطرة على آليات السوق مثلما حدث في أزمة ٢٠٠٨ و ما يحدث اليوم، أو أن نجعل من تلك الدولة “وبغض النظر عن محتواها الطبقي” التي تمول من استقطاعات ضريبية كبيرة من عمل العمال والموظفين ومن فائض قيمة عملهم محلا لانتزاع  التنازلات لصالح الجموع المحرومة  في المجتمع. أن دور التنظيمات العمالية والأقسام الاجتماعية الأخرى وأي كانت أشكالها وأينما كانت في العالم لها مكانة كبيرة في ربط الشبكات والتنظيمات والاتحادات في إطار وبرنامج واحد. لأنه اليوم وكما أثبتت تجربة تفشي انتشار مرض كورونا أن تقاعس أية حكومة محلية تجاه مواطنيها وتنصل من مسؤوليتها، فسوف لا يكون الوباء محليا بل سيعبر الحدود كما نراه وتضرب بقية المجتمعات والدول.
أن التضامن والتعاضد ألأممي يكتسب اليوم اكثر من اي وقت مضى دورا حياتيا بالنسبة للمجتمع الإنساني والحفاظ على نوعه. ومن هنا يجب أن نضغط بقدر على حكوماتنا المحلية والدولة التي لها إمكانات مادية عظيمة كما رأينا كيف خصصت ترليونات من الدولارات لتعويض الشركات وأسواق المال تحمل مسؤوليتها، بنفس القدر أن نضغط عليها كي تضغط على الحكومات الأخرى مثل العراق وإيران على سبيل المثال لا الحصر وبقية بلدان العالم كي تلعب نفس الدور وتخصص قسم من إمكانياتها لإنقاذ مواطنيها .
 إن البشرية ستدرك بعد هذه التجربة ودون اي عناء أن نهاية التاريخ ليس كما قال فوكوياما وكل المأجورين هي خلود النظام الليبرالي الديمقراطي، بل أن نهاية البشرية ستحل عاجلا أو آجلا، إذا ظل هذا النظام ولم ينسف من جذوره ويبنى على إنقاذه اشتراكية ماركس والبيان الشيوعي.
 
 
 
* استخدمه مؤسس الشيوعية العمالية منصور حكمت في وصفه للحصار الأمريكي على كوبا.


88

لنقف صفا واحدا ضد التهديدات الحربية والحصار على عمال وكادحي ايران


تقوم الولايات المتحدة الامريكية بشكل تدريجي بتشديد العقوبات الاقتصادية على ايران وتنظيم حملة اعلامية ودبلوماسية لتبرير تحشدها العسكري وشحن الاجواء الحربية وفرض عسكرتاريتها على منطقة الخليج بذريعة وجود تهديدات لمصالحها وامن قواعدها وسفاراتها في المنطقة من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران وحليفاتها في المنطقة وتخفي هذه السياسة في طياتها احتدام الصراع والتنافس على الصعيد العالمي بين الولايات المتحدة الامريكية وبين القطب الصيني الروسي الذي يقف خلف االنظام الايراني.
ان كل تبريرات وذرائع الولايات المتحدة الامريكية بشيطنة منافسيها هي واهية وسخيفة وتبغي من ورائها الحفاظ على عدم تآكل نفوذها السياسي والاقتصادي لصالح روسيا والصين. واذا ما كان غزو العراق واحتلاله من قبل امريكا هدفه فرض نظام عالمي جديد احادي القطب، فأن سياسة الولايات المتحدة الامريكية اليوم في المنطقة هي لصد انحدار مكانتها ونفوذها العالمي ولكي لا يولد على أنقاض مشاريعها السياسية الفاشلة عالم متعدد الاقطاب.
يا جماهير العراق.. انكم جربتم مرارة وقساوة الحصار الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة الامريكية ومأساته، عشتم ايام حالكة في ظلامه، من حيث الجوع ونقص الادوية والتغذية، حيث قتل جراء ذلك الحصار اكثر من مليونين من اطفالكم، وقد دفع الحصار الاقتصادي الجائر ابنائكم للهجرة بحثا عن رغيف خبز من اجل البقاء يوما اخر على قيد الحياة عن طريق البحث عن العمل بشروط غير ادمية وانسانية في البلدان المجاورة، ورأيتم كيف ان مئات من الاسر ضحت بأطفالها، وتنامت معها عمليات الانتحار بسبب فقدان الامل بالحصول على فرصة عمل او الحصول على طعام يكفي
انكم جربتم الحروب وويلاتها، عشتم مرارة فقدان أعزاءكم، اختبرتم الحياة بالمهجر وفي المخابئ والخرائب هذا لو حالفكم الحظ ان تفلتوا  من نيران الطائرات والاسلحة الفتاكة، شاهدتم كيف يموتون الاطفال في احضانكم او يدفنون تحت الابنية التي تقصف بوابل من القنابل، وما زالت احلامكم مغمسة بكوابيس الحروب والاحتلال الاخير للعراق.
ولو لا الحصار الاقتصادي والحروب والغزو واحتلال العراق، لما تسلط الحرامية واللصوص من الجماعات الاسلامية والقومية على رقابكم، ولما تحول العراق الى مرتعا الى مليشيات الاسلام السياسي والمخابرات الدولية  من كل حدب وصوب وعصابات مافيا المخدرات والاعضاء البشرية وتجارة الجسد.  لقد انتزعوا بالحصار الاقتصادي والحروب والاحتلال الروح الثورية والارادة الثورية منكم، نزعوا روح المقاومة، واحلوا محلها الياس والاحباط.
اليوم تريد الولايات المتحدة الامريكية وعن طريق تسويق نفس الاكاذيب الفاضحة لاحتلال العراق، بفرض سياسة الحصار الاقتصادي على اقرانكم من العمال وكادحي ايران. انهم يريدون بإعادة نفس التجربة وتكرار نفس المأساة كي تسلب بالنتيجة الارادة الثورية لعمال وكادحي ايران.
ان السياسات الامريكية من الحصار والحروب لا تجلب غير المأساة وتعمل ابدا على تقوية اسس الانظمة القمعية، وتعتبر تلك السياسات بطاقة يانصيب للأنظمة الحاكمة مثل الجمهورية الاسلامية  بفرض استبدادها وقمعها وافقارها على الاغلبية المطلقة لجماهير ايران.
ومن الجانب الاخر ان شحذ الاجواء الحربية من شانها ان تعطي مبررات لحكومات المنطقة بفرض حالة الطوارئ ومصادرة الحريات تحت عنوان الحفاظ على الامن القومي والسيادة الخ من تلك الترهات.
ان اشعال فتيل حرب يعني تفجير الاوضاع في المنطقة وخاصة العراق الذي تريد ايران وامريكا بتصفية حساباتهما وتحويله الى ساحة للحرب بالوكالة.
يا جماهير العراق...  ليس من مصلحتنا اشعال الحرب في المنطقة، ولا من مصلحتنا فرض الحصار الاقتصادي على عمال وكادحي ايران، بل يجب ان نقف صفا واحد وتشكيل جبهة عريضة وتنظيم مختلف الاشكال الاعتراضات والاحتجاجات ضد الحصار الاقتصادي على جماهير ايران وضد تشديد العسكرتارية الامريكية في المنطقة.


لتسقط السياسات الامبريالية الامريكية
عاش نضال الجماهير من حياة حرة كريمة وآمنة
سمير عادل
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي
10 ايار ٢٠١٩


89

                             في ذكرى اغتيال شابور عبد القادر وقابيل عادل
في يوم ١٨ نيسان من عام ١٩٩٨ قام فصيل من المجاميع الاسلامية الارهابية باغتيال شابور عبد القادر
عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي العراقي وقابيل عادل عضو الهيئة القيادية لمنظمة
كردستان التابعة للحزب في مدينة اربيل على اثر فتوى اطلقها ملا بشير الذي يشغل اليوم منصب نائب
رئيس البرلمان العراقي، حيث اطلق تلك الفتوى من احدى مساجد أربيل تحرض على قتل الشيوعيين
العماليين.
وجاء اغتيال الرفيقين بعد ان برز دور الحزب الشيوعي العمالي العراقي بالدفاع عن النساء والوقوف بحزم
ضد جرائم ما يسمى بـ (قتل الشرف وغسل العار) الذي اودى بحياة ٥٠٠٠ امرأة في كردستان، اضافة الى
مواجهة كل القيم الرجعية والمتخلفة التي تحط من قيمة المرأة وكرامتها الانسانية. وقد اثار نشاط الحزب
وفعالياته في تعبئة المجتمع وكل القوى التحررية والانسانية بالدفاع عن النساء في كردستان العراق، سخط
وغيظ القوى الرجعية الاسلامية والقومية، مما دفعها بتحريك مرتزقتها وعصاباتها من الملالي ضد الحزب
الشيوعي العمالي العراقي وكوادره، وجاءت فتوى ملا بشير بالتحريض على قتل الشيوعيين العماليين وسط
صمت وتشجيع القوى القومية الرجعية الحاكمة في كردستان.
ان ملا بشير بدلا من ان يحاكم على فتواه وينال جزائه، حيث سجل الحزب دعوى رسمية في محاكم
كردستان آنذاك، كي يكون عبرة لكل من يحرض على الكراهية والقتل والدعوة الى ترسيخ الافكار
والتصورات المعادية للمرأة والانسانية، نراه يكرم وينال منصب نائب رئيس البرلمان العراقي في دورته
الحالية.
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي الذي يستذكر هذا اليوم، يوم اغتيال الرفيقين شابور عبد القادر وقابيل
عادل، يعلن من جديد انه لن يصمت على جريمة ملا بشير والعصابة التي نفذت فتواه، ولن تسقط بالتقادم
ومرور الزمن، كما انه سيوظف كل مساعيه لينال المجرمون عقابهم، وفي نفس الوقت يعلن الحزب ان
الطريق الذي سلكه رفاقنا من اجل بناء عالم أفضل سيمضي به الحزب الشيوعي العمالي العراقي حتى
تحقيق مجتمع خالي من كل اشكال الاضطهاد والظلم الطبقي والقومي والديني والجنسي.
عاشت ذكرى الرفيقين شابور عبد القادر وقابيل عادل

سمير عادل

سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي

١٧ نيسان ٢٠١٩

90
العراق بين رشوة السعودية وميليشيات إيران

سمير عادل
الوضع السياسي والامني في المنطقة يسخن، والعراق هو الوقود الذي يعدونه كي يكون اداة التسخين. اعادة العراق الى المحيط "العروبي" او التشبث به وابقائه في حاضنة "الاسلام السياسي الشيعي"، هو السيناريوهات التي ترسم له. ولكن احراز اي مكان في السيناريو الذي يعد له يجب ان يكون مدفوع الثمن. ففي عالم اعادة تقسيم المناطق وفتح عهد جديد لعالم متعدد الاقطاب، فليس هناك مكان مجاني حتى لو كان في المقاعد الخلفية. فلقاء القمة الذي عقد في القاهرة بين السيسي المصري وعبد الله الاردني وعبد المهدي العراقي كان مدخل لمنح السعودية مليار دولار بمثابة رشوة لاثبات حسن نية الى حكومة المحاصصة كي ينهي حالة الهدنة التي تسود على الاطراف والقوى السياسية المتصارعة على السلطة. فالسعوديون بعد فشل اطروحاتهم الطائفية وانهيار مشاريعهم العسكرية مثل القاعدة وداعش واخواتها، عرفوا كلمة السر للدخول الى العراق وهي بجعل لعاب القوى الداخلة في العملية السياسية ان تسيل كلما شموا بأن هناك فرصة للحصول على الاموال. وفي عراق شيدته الماكنة العسكرية الامريكية على جماجم العمال والمحرومين الذين يمثلون اغلبية الجماهير بغزوه واحتلاله التي تصادف ذكراه هذه الايام، تتحول المبادئ الى مسالة نسبية، وتغيير الولاءات يرتهن بتغيير المصالح، وتتحول اتجاه البوصلة دوما باتجاه من يملك خزينة المال.
بيد ان ايران الجمهورية الاسلامية تعيش احلك ايامها اقتصاديا، فلا تملك المال كي تستثمر في شراء الولاءات، لان الولايات المتحدة الامريكية تشدد كل يوم الحصار عليها، الا انها تملك الاذرع والمليشيات التي شكلتها ودربتها وانفقت عليها من حلال المال العراقي المنهوب من ايرادات المنافذ الحدودية والميناء وانتاج النفط واستثمرت تراكم تلك الاموال المنهوبة في تأسيس الشركات والمؤسسات والبنوك لإدارة تلك المليشيات من خلال التمويل الذاتي، وهذا ما جعل مرشد الثورة الخامنئي وبعالي الصوت يطلب من عادل عبد المهدي اثناء زيارته قبل ايام الى طهران بالتعجيل باخراج القوات الامريكية من العراق. ولكن رد عبد المهدي لم يأت كما تشتهي سفن الخامنئي، حيث لم يورد في البيان الصادر عنه اي تلميح او اشارة الى خروج القوات الامريكية.
وعلى الصعيد الداخلي العراقي، فالبرلمان فقد حماسته لتشريع قانون بأخراج القوات الامريكية، لان الادارة الامريكية وجهت تهديدا الى القوى السياسية في البرلمان بجميع تلافيفها عندما تعالت الاصوات "الوطنية" وحماة "السيادة" بدفع البرلمان لإصدار القانون المذكور، بأنه سيسحب جميع شركاتها وخاصة النفطية من العراق ويفرض حصارا اقتصاديا عليه. وهنا تتغير الولاءات لهؤلاء مثلما ذكرنا، كما تتغير المبادئ بنفس الدرجة، فقد تصلح اي المبادئ في ظروف الامس ولكنها لا تصلح في اوضاع اليوم.
بموازاة ذلك تقرر الولايات المتحدة الامريكية بتصنيف الحرس الثوري الايراني كمنظمة ارهابية، وهذا يعني سيمسك بتلابيب الحرس في المنطقة بما فيها العراق، وهنا نقصد المليشيات التي شكلت تحت عنوان الحرب على داعش، وتحديدا المنضوية عدد كبير منها في مؤسسة "الحشد الشعبي". وهذا علاوة على تعميق الصراع بين تلك المليشيات في صفوف الحشد الشعبي والتي ستجر على الاحزاب والقوى الاسلام السياسي التي شكلتها، فأنها ستدخل صراع مع المؤسسة الرسمية الحكومية، بعد ان يوضع وجودها تحت طائلة السؤال.
في العراق الذي لم يتأسس فيه دولة بالمعنى السياسي والقانوني، فأن الدعوة الى جعل العراق بمنأى عن الاقطاب الاقليمية والدولية كما كان يتحدث المالكي وبعد ذلك العبادي والان عبد المهدي ليس الا جعجعة بلا طحين، واصحاب تلك الدعوات يطلقونها لتطيب الخواطر وتسكين مؤقت لتهدئة البال، او تأتي في اطار فذلكات دعائية واعلامية التي تعود عليها ساسة المحاصصة.
بالنسبة لنا نحن العمال والجموع الجماهير الغفيرة في العراق، ليس لدينا اية مصلحة بالصراع بين الاقطاب الاقليمية والدولية، والادهى من ذلك لم يتحدث اي طرف لا الخامنئي الايراني ولا ترامب الامريكي، ولا عبد المهدي العراقي ولا سلمان السعودي عن عدد الاسهم التي سنحصل عليها في بورصة الصراع على النفوذ والامتيازات الاقتصادية والمالية في العراق، ولكن ما نعلمه وبالفطرة او الغريزة او التجربة التي تعلمنا منها وخلال اقل من عقد من الاحتلال الامريكي وعقد ونصف من سلطة الاسلام السياسي الشيعي، فأن نصيبنا كان دوما مضمونا ومعلوما من المفخخات والعبوات الناسفة والاغتيالات والاختطافات والتشرد والتهجير والقتل على الهوية من اجل تغيير المعادلة السياسية لصالح طرف من الاطراف المتحاربة كما يحدث اليوم.
ان التنظيرات التي تسوق لتبرير الصراع بين تلك الاقطاب سواء كانت قومية وعروبية مثلما يتحدث علاوي والمطلك، والحلبوسي ولكن بصوت اضعف من رفاقه الاخرين بسبب صدور امر تعينه من قم، بأعادة العراق الى محيطه العربي، او تنظيرات الطرف المقابل من مليشيات الاسلام السياسي الشيعي، واقحام مقولة "المقاومة" على الادبيات السياسية في العراق ليحل محل مقولات السبعينات والثمانينات القرن الماضي وهي محور ضد الاستعمار والصهيونية والامبريالية،، فهي اي تلك التنظيرات ليست الا مبررات فارغة وواهية لسوقنا الى محرقتهم، وبعد الاعياء من الحرب وعدم قدرة اي طرف من لوي ذراع الطرف الاخر الى حد كسره او خلعه، تنفض غبار المعارك، ليجلس الجميع على مائدة مستديرة يتقاسمون كل شيء، مثلما حدث في لبنان، بينما نحن ننبش في المقابر الجماعية للبحث عن قتلانا، ويزداد عدد الاطفال عن اليوم بالبحث عن ما يسد رمقهم في اكوام الزبالة، واما امهاتهم اما تقتلهم الحسرة على فقدان احبابهم او يقعن ضحايا في شباك العصابات المتاجرة بالبشر والجنس او يتحولن الى عبيد العمل المنزلي لو كان من منهن حالفهن الحظ. اليست هذه هي الحياة في مخيمات النازحين في انحاء العراق بعد الانتهاء من سيناريو داعش.
ان معركة الخامنئي وترامب، ليست معركتنا، وان مال سلمان السعودي ليس من اجل بناء المدارس والمستشفيات ورياض الاطفال وتعبيد الشوارع او حتى ليس من اجل اطفاء قسم من ديون العراق الذي ندفع نحن فاتورة فوائدها بل لتسخين اسواق امراء الحرب، فحذار الانجرار وراء تلك الاوهام والخداع من الترهات والخزعبلات وعلينا ان نبني جبهتنا خارج عن فلكهم.

91

"بيان بذكري الغزو الأمريكي للعراق الجريح "

اليوم تعود ذكرى الغزو الأمريكي للعراق الجريح ومعه أستمرت حالة التأمر ضد العراق ك دولة ومجتمع وأنسان.

أن الغزو الأمريكي للعراق الجريح لم يكن حركة دولية لأزالة ديكتاتورية أو لتحقيق ديمقراطية، لأن حكم الطاغية صدام وشلة المجرمين والقتلة الذين جمعهم لحكم العراق هؤلاء كانوا تحت أنبوب التغذية الامريكي المباشر الى أن تغيرت مصالح الشر العالمي وحان موعد تطبيق مخطط حلف الناتو والكيان الصهيوني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد المنطقة العربية ومحيطها وكان محور ذلك التدخل الخارجي هو العراق الجريح وهي المنطقة العربية التي تمثل "عقل" العرب ومفتاح تغيير المنطقة كلها ورافعة الانطلاق لمشاريع التأمر الشرير. 

ليست الديكتاتورية الحمقاء الجاهلة بما يجرى في العالم من حولها كانت مستهدفة ولا كان تحقيق الديمقراطية هي الهدف. 

كان تدمير كل ما هو مجتمع ودولة وأنسان عربي يعيش في العراق. 

وها هي سوريا قلعة العروبة الصامدة ضد كل ماهو شر في العالم يريدون لها نفس المصير ولكن لأن سوريا مختلفة ولديها دولة وجيش وعقل استخباراتي يفكر ويفهم ويناقش فهي صمدت ضد قطار الشر لحلف الناتو والكيان الصهيوني. 

تعود ذكرى الغزو والعراق مدمر ولا توجد به دولة حقيقية ولا نظام ويتحرك ب "مسخ الدولة في العراق الجريح لصوص وسياسيين للصدفة وتجميع أوباش البشر وسقط متاع حثالات البشر من بريطانيا وشمال أوروبا وحواري طهران.

هؤلاء أكثر شر من إبليس وهؤلاء تحركوا بالسرقة والحرمنة واللصوصية بلا حدود ولا خجل ولا حياء. 

تعود ذكرى الغزو الأمريكي للعراق الجريح لنقول مجددا "لا" لتدمير المنطقة العربية.

وعلينا أن نجدد القول بأن معادلة أن تكون ضد الديكاتورية الداخلية والاستبداد ليس معناها ان تكون مع التدخل الخارجي والعسكري الاجنبي فهذه المعادلة استحمارية يستخدمها الاستعمار وأذنابه من الجواسيس.

علينا أن نكون ضد الديكاتوريات الداخلية وايضا بنفس الوقت ضد التدخلات الخارجية الاجنبية وهذه معادلة النباهة والبصيرة القرأنية السديدة.

منذ بداية التأمر على منطقتنا العربية كل ما قلناه ستة عشرة سنة الى يوم ثبت صحته وحقيقته و واقعيته ، ومن هذه الصحة والحقيقة والواقعية ننطلق لنقول كذلك اننا على ثقة بأن الإنسان العربي صانع للمفأجاة وها هي صيحات الديمقراطية وحرية الانسان العربي الشاملة تعود في جزائرنا العربية وسوداننا الجميل.

والانسان العربي في العراق الجريح سيقوم بنفس هذه المفأجاة.

عاش الاسلام الصانع للعدالة
عاشت أمتنا العربية

التاسع من ابريل للعام ٢٠١٩

د.عادل رضا

92
اقليم البصرة وحصة العامل منه

سمير عادل
كم سيحصل العامل في القطاع النفطي الذي تهدده الامراض السرطانية وحرمان أغلبية العمال من سكن لائق، فيما اذا تأسس اقليم البصرة، وكم سيساعد تأسيس الاقليم المذكور في تثبيت عمال العقود والاجور في قطاع الطاقة والكهرباء والبلديات لنيل مستحقات الضمان الاجتماعي ومخصصات الزواج والاطفال وبدل الخطورة اضافة الى حصولهم على معاشات تتناسب مع القدرة الشرائية في المجتمع، وكم سيحقق نفس الاقليم بدل او ضمان بطالة او فرصة عمل مناسب للآلاف المؤلفة من العاطلين عن العمل اناث وذكور لمن بلغ عمر او سن السادة عشرة!!!
منذ اكثر من عقد وهناك محاولات حثيثة من قبل فصيل من فصائل الاسلام السياسي الشيعي بتحويل محافظة البصرة الى اقليم مستندين على مبررات قانونية في الدستور تخول ثلاث محافظات او محافظة واحدة بتحويلها الى اقليم، ومبرر سياسي وهو الحيلولة دون استفراد الدولة المركزية وتقليم اضافرها ومنعها من ان تتحول الى دولة استبدادية مثلما كان العراق قبل الغزو والاحتلال اي قبل عام ٢٠٠٣.
بعد اجتياح الاحتجاجات الجماهيرية ومنذ شباط ٢٠١١ ضد كل اشكال الفساد الاداري والمالي والسياسي وغياب الخدمات والبطالة ضد حكومات الاسلام السياسي سواء في المركز او الحكومات المحلية في المحافظات، كانت البصرة بأقضيتها ونواحيها ومركزها واحدة من قلاع تلك الاحتجاجات، حاول جناح من اجنحة الاسلام السياسي استغلال الغضب والسخط الجماهيري لحرف الانظار عن رموز الفساد والقوى السياسية المنتمية لها لتقوية الدعوة الى المطالبة بتأسيس اقليم البصرة، مبررة اياه ان المركز وراء عدم توفير المخصصات المالية للمحافظة وانفاقها على الخدمات. لندعو القارئ ان يستنتج بنفسه صحة تلك المزاعم بالأرقام،  فقد بلغ حصة البصرة من تنمية الاقاليم ٤٦٨ مليار دينار من الموازنة المالية المركزية حتى عام ٢٠١٤ ، ويضاف اليها ٥ دولار لكل برميل نفط حسب قانون رقم ٢١ للمحافظات المنتجة للنفط عام ٢٠٠٨ والتي سميت بـ (بترودولار) الى جانب ٥٠٪ من ايرادات المنافذ الحدودية بما فيها الميناء الذي تضاهي ايراداته مدخولات النفط. ولم تخفض ميزانية البصرة الا بعد اعلان سياسة التقشف من قبل حكومة العبادي بعد ان سلم سلفه المالكي خزينة العراق فارغة اضافة الى تسليم ثلث مساحة العراق الى عصابات داعش.  وقد خفضت ميزانية البصرة من تنمية الاقاليم في اجتماع مجلس الوزراء في ١٨ تشرين الاول من عام ٢٠١٥ الى ١٣٦ مليار دولار وتخفيض حصتها ايضا من ٥ دولار الى دولار واحد عن بيع برميل النفط الخام، في حين ابقى على حصتها ٢ دولار على انتاج ١٥٠ متر مكعب من الغاز و٢ دولار ايضا الى النفط المنتج في مصافي المحافظات.
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه، اين هي الاموال المتحصلة خلال كل تلك السنوات، والتي خرجت جماهير البصرة عن بكرة ابيها يوم ٧ ايلول ٢٠١٨ في احتجاجات ضد انعدام مياه صالحة للشرب وانهيار كل اشكال الخدمات، والقطط والكلاب السائبة تصول وتجول في عدد من المستشفيات، وبطالة تنهش بأكثر من ٣٠٠ الف عاطل عن العمل ومدينة تزينها اكوام من الزبالة والنفايات؟ اين تلك الاموال من توظيف العاطلين عن العمل او على الاقل تأمين الحد الادنى لبقائهم احياء حتى توفير فرصة عمل عن طريق منح تخصيص ضمان بطالة لهم في الوقت الذي بلغ انتاج النفط في البصرة يوميا اكثر من ١٠ مليون دولار ، اذا افترضنا ان الانتاج يبلغ كحد ادنى ٢ مليون برميل يوميا منذ عام ٢٠٠٨ حتى عام ٢٠١٥ وتحصل البصرة على ٥ دولار من بيع برميل واحد من النفط، اين بدلات الخطورة التي يجب ان تدفع للعاملين في القطاع النفطي وتكاليف العلاج من امراض السرطان تساوي قيمة بيع عقار او عقارين لتوفيره، هذا ناهيك عن المصادر الاخرى التي يستحصل منها الاموال كما ذكرنا.
في الحقيقة ان الاجندة التي تقف وراء ذلك المشروع المشبوه هو صراع الاطراف مع المركز على نهب وارادت النفط والمنافذ الحدودية وعقد الصفقات التجارية والمالية والاقتصادية مع شركات ومؤسسات اجنبية حسب ما ينص عليها المادة (١٢١) من البند الرابع من الدستور، تخصص مكاتب للمحافظات والاقاليم في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية. انه صراع جناح من اجنحة الاسلام السياسي المتمثل بحزب الفضيلة مع بقية الاجنحة الاسلامية الاخرى مثل المجلس الاعلى والتيار الصدري وحزب الدعوة وبدر بجميع اقسامه للاستحواذ على ما يمكن من ثروات المجتمع. ان رفض المالكي في ولايته الثانية لمشروع اقليم البصرة كما هو رفض اقسام من الاسلام السياسي الشيعي اليوم مرهون بحجم حصة كل طرف من الاموال المنهوبة في حالة تأسيس الاقليم من عدم تأسيسه. وهنا تكمن السخرية عندما يقود المشروع صباح البزوني رئيس مجلس المحافظة المنتمي لحزب الدعوة جناح المالكي والذي اعتقل بتهمة تلقيه رشاوى، ليطلق سراحه ويظهر هذه المرة قائدا لمشروع تأسيس اقليم البصرة. وهذا يوضح بشكل لا لبس فيه، ان كل طرف يرى مصالحه من خلال الحصة التي يحصل عليها وعليه يحدد موقفه من مشروع تأسيس الاقليم. اما ما سيحصل عليه العامل سواء كان يعمل او عاطل عن العمل فليس في وارد او حسبان اي طرف.
وعليه ان مشروع تأسيس الاقليم كتحصيل حاصل هو مشروع لذر الرماد في العيون وحرف الاحتجاجات الجماهيرية من اجل توفير الخدمات والقضاء على الفساد والبطالة عن مسارها الاصلي. انه مشروع جديد للنهب والسلب، فلن يغير من واقع العامل المعيشي والحياتي، ولا من واقع المدينة، انه لا يؤدي الا الى ازدياد بؤسها وفقرها، لذا علينا ان نحافظ على صفنا المستقل وعدم السماح لتحريف توجه نضالنا نحو تحقيق مطالبنا العادلة المتمثلة بتوفير الامان وضمان بطالة او فرصة عمل وتوفير الخدمات.

93
الرقص على الظلم الطائفي

سمير عادل
اذا ما تذكرنا تصريح نوري المالكي الذي شغل نائب رئيس الجمهورية قبل سنيتن ورئيسا لوزراء لولايتين متعاقبتين، بأن اهل الموصل كلهم دواعش، فمن اليسير على المرء التوصل الى ان سبب غرق العبارة وموت اكثر من ١٠٠ شخص لا يقف عند حدود الفساد الاداري والفشل الحكومي على جميع الاصعدة في حماية سلامة المواطنين.
التسابق بين الرئاسات الثلاثة وسماسرة العملية السياسية امثال النجيفي وغيره بتنظيم الزيارات الى الموصل وإطلاق التصريحات الدعائية وتنظيم المؤتمرات الصحفية وايجاد كبش فداء لتحميل مسؤولية كارثة العبارة تصب في خانة المزايدات السياسية للبحث عن الفرص في ايجاد موطئ قدم عند اجراء عمليات نهب الاموال اثناء فتح ملف مناقصات اعمار الموصل.
ان كارثة العبارة هي تحصيل حاصل لما حدث لمدينة الموصل منذ تشكيل قيادة عمليات نينوى بزعامة المالكي وتنظيم حملات الاعتقالات العشوائية وتعذيب المعتقلين وتغييبهم واخذ الاتاوات من اهالي المدينة واطلاق العنان لكل اشكال المافيات والعصابات بالنهب والسلب دون اي رادع وترك الحبل على الغارب لمجلس محافظة نينوى ومحافظها آنذاك برئاسة احد الاخوين النجيفي، لتحكم بمقدراتها الامنية والسياسية والمالية. ان اهالي مدينة الموصل الذي يبكون عليهم اليوم بدموع حتى لا تشبه حتى دموع التماسيح، قد امطر على رؤوسهم الاف الاطنان من القنابل والصواريخ والرصاص من قبل التحالف الدولي وبغض الطرف اذا لم نقل بمباركة حكومة العبادي، بيد ان الفارق بين الحالتين، هو انه في حالة التحالف، كان يدفن الاحياء وتدمر البنية التحتية لإحلال بشر جديد بعقول مشوشة ومذهولة من شدة كارثة رعب الحرب واهوالها كي توافق على دفع ثمن قتل سلفهم واعادة اعمار ما دمر من عمليات نهب جديدة، اما في حالة العبارة، التي اتت كبطاقة يانصيب لكل من سارع بالحضور للمشاركة بتنظيم سوق عكاظ للدعاية السياسية،  فكل شيء جاهز لقص الشريط واكمال ما بدأتها حكومة العبادي والتحالف الدولي.
ان فلسفة وجود الاخوين النجيفي والعاكوب وغيرهم من الفاشلين حتى في حياكة وادارة المؤامرات الاقليمية وتدوير الفساد المالي والسياسي، تكمن في الظلم الطائفي، الذي يمارس بأشكال مختلفة على سكان الموصل وكل المنطقة الغربية. ان سلطة الاسلام السياسي الشيعي في بغداد سعيدة بوجود أولئك الفاسدين في ادارة الموصل وغيرها من المدن اكثر من سعادة نفس الفاشلين بوجودهم في العملية السياسية.
ان توقيت ارتفاع الاصوات بإخراج قوات الحشد الشعبي من المدينة مع حادث العبارة من قبل الاخوين وشركائهم لا يرتبط بأنهاء سياسة التشيع التي تحاول الاول فرضها منذ طرد داعش من المدينة بقدر ارتباطها بمساعي استفراد الاخوين وشركائهم بمقدرات وثروات المدينة. ولا نستبعد ابدا استغلال كارثة العبارة من قبل من نصبوا انفسهم قيمين على "عرب السنة" بأحياء الدعوة الى تقسيم العراق الى فدراليات طائفية وقومية، اوليس اسامة النجيفي نفسه وفي فترة الولاية الثانية للمالكي واثناء زيارته لواشنطن طالب بتقسيم العراق الى فدراليات طائفية تنفيذا لقرار غير ملزم عام ٢٠٠٥ للكونغرس الامريكي بعنوان مشروع بايدن. حينها كان الامل يدفأ صدور العروبيين، فأدانوا وشجبوا واستنكروا "القرار". وكان الزي القومي يحتفظ بما تبقى من بريقه على الاقل في مخيلة الواهمين والحالمين، معلقين امالهم على مقاومة الاحتلال والانظمة القومية العربية وخوفها من التمدد "الفارسي"، وقبل ان يخفت ذاك البريق الى دون رجعة، ويدركوا قبل فوات الاوان ان عصر الايديلوجية القومية العروبية قد ولى، باتت اطلالة الطائفية تزين المنطقة، فسارع جميع رموز القومية العروبية بارتداء اللباس الطائفي، املا بالعودة الى السلطة التي أصبحت بعيدة المنال، او على الاقل بالحصول على فتات الامتيازات والنفوذ قبل ضياع الفرصة والى الابد.
وفي الجانب الاخر، تصك ذئاب المضاربين في بورصة الطائفية الاسنان امثال داعش والقاعدة والفئران التي ستولد منها، وستنفخ في الجمرة التي لم تطفئها اي قوة، بل غير مستعدة ان تطفاها لانها ستخسر كل ما اكتنز خلال سنوات ترسيخ السلطة الطائفية في العراق. فسيكون "عبارة الموت" كما سماها الاعلام بالنسبة لأولئك الوحوش يعادل جريمة الحادي عشر من ايلول بالنسبة لمحافظين الجدد امثال بوش وتشيني الذين قاما بغزو العراق.
ان موت اكثر من ١٠٠ انسان في حادثة العبارة، هو جريمة منظمة مثل سائر الجرائم التي ارتكبت بحق سكان الموصل. وليس الاهمال وعدم مراعاة قواعد السلامة الا سياسة منظمة للتخلص ممن الصق بهم تهمة دواعش دون ان تترك البصمات ورائها، ولا تقل درجة عن جرائم التحالف ولا جرائم داعش ولا جرائم قيادة قوات نينوى سابقا. فلم تنته عملية انتشال الجثث من تحت الابنية المدمرة في الموصل القديمة، ليضاف اليها البحث عن جثث المفقودين وانتشالها في مياه الدجلة.
ان كارثة العبارة ستتكرر ولكن بسيناريوهات مختلفة ما لم يتم اقصاء ــ عن حياة جماهير الموصل وكل المنطقة الغربية ــ كل من تغذى على الظلم الطائفي، وايقاف إعادة انتاج كل ابطاله بأشكال مختلفة للمشاركة والمساهمة في الحكومة المحلية. ان اقالة العاكوب محافظ الموصل ونائبيه كما قرر البرلمان لن يحل الامن والسلامة في الموصل، انها عملية لتحريف الانظار وذر الرماد في العيون عن السبب الحقيقي لما آلت اليها الاوضاع في الموصل، وسرعان ما سينصب في وظائف هؤلاء اشخاص من امثال العاكوب والنجيفي والحلبوسي...

94
دولة فاشلة وحكومة محلية أكثر فشلا
تصريح سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي
حول غرق اكثر من ١٠٠ شخص في الموصل

لا يمر يوما على العراق الا وهناك أكثر من حادث مروع يدمى له القلب، يأتي ذلك بسبب تقاعس وفشل جميع المؤسسات الحكومية المركزية والمحلية في حماية امن وسلامة المواطنين.
ان غرق اكثر من ١٠٠ شخص في مدينة الموصل في حادث مأساوي ليس له اية علاقة بالإرهاب، بل له علاقة بتنصل المسؤولين الحكوميين على الصعيد المحلي والمركزي وخاصة في حقلي السياحة والنقل بمتابعة ومراقبة جشع اصحاب الشركات التي تتولى ادارة المراكب المائية لغرض السياحة وبعدم مراعاة اية قواعد للسلامة، وهذا يفصح عن جفاف الضمائر الانسانية لأولئك المسؤولين وعدم قدرتهم  على ادارة اية مسؤولية تجاه المجتمع، باستثناء ادارة السرقات والنهب والصفقات المشبوهة وامتهان الفساد الاداري والمالي والسياسي بحرفية عالية والتفنن بالكذب والنفاق والظهور امام عدسات الكاميرات لأغراض الدعاية والتسويق لمشاريعهم الوهمية.
ان المنهج السياسي والاداري في ادارة الحكومة على الصعيدي المحلي والمركزي كان وراء تسليم الموصل الى عصابات داعش وارتهان حياة ومصير مليونين انسان بيد تلك العصابات، وهو نفس المنهج الذي اودى بحياة ١٠٠ انسان من مختلف الاعمار واغلبهم من النساء والاطفال الذين خططوا لأول مرة بعد انقشاع ظلام داعش عليهم كي يتنفسوا الهواء ويستنشقوا القليل من رائحة الحياة، وإذا بهم يلقون حفتهم الذي لم يكون اقل مأساويا من اقرانهم وذويهم في ظل خلافة داعش الاجرامية.
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي في الوقت يعزي اهالي وذوي ضحايا تلك المأساة ويشاركهم آلام فقدان محبيهم، فانه وبنفس الوقت يحمل الحكومة المحلية في الموصل بالدرجة الاولى ابتداء من محافظ الموصل وانتهاء بالقيمين على هيئة السياحة والنقل مسؤولية تلك المأساة التي تصل الى مصاف جريمة ارهابية بحق، كما ويطالب كل القوى الانسانية والتحررية بالضغط السياسي والاعلامي لإقالتهم، واحالة كل من تسبب في هذه الجريمة وخاصة ادارة الشركة التي تدير ذلك المركب الى المحاكم الى جانب تعويض جميع المتضررين من ذوي الضحايا.

سمير عادل
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمال العراقي
٢٢ اذار ٢٠١٩

95
الدواوينية والفساد
سمير عادل
اصبح شعار "القضاء على الفساد" او "الحرب على الفساد" لا يستهوي احدا، ولا بإمكانه تعبئة الشارع، او لنقلها بصراحه ولا بالامكان ذر الرماد في العيون، او حتى يمكن ان يأخذه اي انسان بسيط على محمل الجد كما كان قبل ثلاث ولايات لسلطة حزب الدعوة الذي قاد الاسلام السياسي الشيعي بمهنية عالية في ادارة الفساد السياسي والمالي والاداري بامتياز. وكما ذكرنا في اكثر من مناسبة ان الفساد صفة ملازمة للدولة البرجوازية منذ نشوئها، وتبين التقارير السنوية والدورية لمنظمة الشفافية الدولية، انه ليس هناك بلد في العالم يخلو من الفساد في اعلى هرم السلطة وما دون ولكن نسبته تختلف من بلد الى اخر. العراق يسجل مرتبة متقدمة بملف الفساد في العالم ويحتل مركز ١٦٨ في قائمة ١٨٠ دولة لعام ٢٠١٨، ويعتبر الفساد احد عوامل افقار المجتمع، حيث تنهب الميزانية السنوية بشكل سرقة مشروعة وغير مشروعة والتي تقدر بالمليارات من الدولارات، ظاهرة سائدة في الدول الفاشلة اذا اعتبرنا ان هناك دولة في العراق بالمعيار القانوني والسياسي.
ان سلطة الاسلام السياسي التي تمثل اليوم الطبقة البرجوازية الحاكمة في العراق، تحاول تمرير اكبر خدعة للتمويه على فسادها وعدم جديتها بالقضاء على الفساد او التقليل من نسبة الفساد كإثبات حسن نية على الاقل امام الجماهير. ان الفساد مرتبط عضويا بالسلطة السياسية القائمة في العراق ولا يمكن فصم عراه. ومن الوهم والحماقة ان يصدق المرء ادعاءات عادل عبد المهدي بالقضاء على الفساد عن طريق تشكيل "المجلس الاعلى للقضاء على الفساد". ان تشكيل هذه المؤسسة بحد ذاتها تصب في خانة الفساد. ان تضخيم المؤسسات الحكومية واضافة كل يوم ملاحق لها هي جزء من سياسة الفساد اليومية التي تمارسها السلطة في العراق. وهي عملية تشكيل جيش من الموظفين التابعين للسلطة يجلسون وراء مكاتبهم ويتقاضون معاشات عالية ووظيفتهم الاساسية تقوية السلطة الفاسدة وادامة حكمها. فاذا ما تمعنا بعدد المؤسسات المعنية بالقضاء على الفساد فالمرء يستنتج دون عناء اي خدعة تمارسها هذه السلطة على الجماهير حيث تسرق جيوبها لتعطيها الى سلك الموظفين في تلك المؤسسات. انظر الى تلك المؤسسات؛ ديوان الرقابة المالية، لجنة النزاهة البرلمانية، مكاتب المفتشين العموميين، هيئة النزاهة واخيرا المجلس الاعلى للقضاء على الفساد. وكل هذه المؤسسات تعين الموظفين حسب المحاصصة الحزبية التي اساسها محاصصة طائفية وقومية. ان هذا الجيش من الموظفين هم الذين يشكلون الدواوينية او البيروقراطية، حيث يجلسون وراء مكاتبهم ويقدمون تقاريرهم مقابل استلامهم للملايين من الدولارات المسلوبة، اما من عرق العمال في القطاعات الانتاجية والخدمية او عن طريق السرقة الرسمية من الميزانية. هذا ناهيك عن جيش الموظفين في الرئاسات الثلاث، والمؤسسات الدولية التي تكلف من قبل الحكومة بأعداد التقارير عن حجم الفساد في العراق. وبينما هم يسرقون في وضح النهار، يسلطون آلتهم الدعائية على العمال والموظفين العاملين في المؤسسات الحكومية لتسريحهم من العمل بذريعة انهم يثقلون ميزانية الدولة ودون ان يؤدوا اي عمل!، في الوقت الذي يجب ان ينعم كل مواطن عراقي بخيرات النفط وثرواته الطبيعية سواء عمل او لم يعمل. ان الاطفال في الدول المتقدمة يتلقون مبلغا شهريا يتراوح بين ٣٠٠-٥٠٠ دولار من اجل تغطية حاجاتهم من التغذية حتى بلوغ سن السادسة عشرة، بينما اطفالنا يعملون في الشوارع والازقة ويبيعون المناديل الورقية والمياه المعدنية ويصبغون الاحذية، ويتعرضون للتحرش الجنسي وحر الصيف وامطار وبرد الشتاء.
ان عادل عبد المهدي كسلفه العبادي يصف الفساد، والاول شخص ٤٠ عنوانا له اي لمنافذ الفساد في حديثه الاخير حيث ذكر؛ تهريب النفط، وملف العقارات، والكمارك، المنافذ الحدودية، وتجاره الذهب وتهريبه، السجون ومراكز الاحتجاز، السيطرات الرسمية وغير الرسمية، المكاتب الاقتصادية في المؤسسات والمحافظات والوزارات، تجارة الحبوب والمواشي، التهرب من الضرائب، الاتاوات، مزاد العملة وتهريبها الى الخارج، ملف السجناء، ملف الشهداء، التقاعد، المخدرات، تجارة الاثاث، الزراعة والاسمدة والمبيدات، توزيع البطاقة التموينية، الايدي العاملة الاجنبية، توزيع الادوية، الاقامة وسمات الدخول، الكهرباء، تسجيل السيارات والعقود والارقام، العقود الحكومية، الرعاية الاجتماعية، بيع المناصب، السلف المالية المصرفية، التعيينات. ولكنه تناسى ان يضيف ملف الدواوينية الذي يعج بالموظفين الذين يمنحون براءه ذمة لكل هذه العناوين وكل حسب ربحه وحسب عمولته، هذا اذا لم يكونوا شركاء معهم بأشكال مختلفة.
ان عناوين الفساد التي اشار اليها عبد المهدي تفضح ادعاءات قوى الاسلام السياسي الشيعي في تسويق نفسها بأنها اعطت الصلاحية لعبد المهدي كي يختار وزرائه ويشكل حكومته.
والجميع انبهر من السرعة الفائقة التي وافقت الكتل السياسية في البرلمان عن الوزراء التي اختارهم عبد المهدي باستثناء الداخلية والدفاع والعدل. ففي الحقيقة ان قوى الاسلام السياسي باتت لا تحتاج الى المناصب الحكومية بعد تغلغلها الى جميع المؤسسات، وتشكيل مافياتها ونفذت الى كل العناوين التي اشار اليها عبد المهدي، في حين وقفت حجر عثرة في طريق اختيار وزيري الداخلية والدفاع والعدل.  ان السر وراء الصراع على تلك الوزارات هو بعد ان سيطرت تلك القوى على منابع الفساد واكتنزت وراكمت الرأسمال لتأسيس شركاتها ومؤسساتها الاقتصادية والمالية خلال حكومات حزب الدعوة، وما تحتاجه اليوم هي الحماية الامنية والقانونية وترسيخ سلطتها السياسية.
ان تشكيل جيش او طبقة من كبار الموظفين التي تعني الدواوينية او البيروقراطية الحكومية هي روح الدولة البرجوازية. ولذلك ان تضخيم الجهاز الحكومي بالملاحق والمؤسسات الزائدة هي سياسة ممنهجة وتصب في خانة توسيع رقعة الفساد وليس القضاء عليه. وهذا يفسر لماذا يدافع اكثر من نصف اعضاء البرلمان عن الإبقاء على مكاتب المفتشين العموميين بدلا من الغائها.

96
نضال المرأة ومساواتها بين يمين المجتمع ويساره

سمير عادل
ان تراجع مكانة المرأة وارعابها واعادتها لملازمة البيت وتحويلها الى عبودية العمل المنزلي لا تقف ورائها قوة اليمين في المجتمع المتمثل بسلطة الاسلام السياسي وميليشياته التابعة له او المنضوية تحت ستار العشائر، بقدر ما يعود الى ضعف اليسار على صعيد التنظيم السياسي. وهنا لا اقصد" اليسار" على صعيد تحالف الاحزاب اليسارية التي هي اما احزاب ومنظمات ليست لها علاقة بالمجتمع، اذ نراها منشغلة بالصفاء الفكري وغارقة بالنرجسية والمزاجية والتي تبحث على التقاط صور خلف لافتة او شعار من شعاراتها كي تتنفس الصعداء من الغبار الذي غطى على تاريخ الانتصارات الوهمية التي لا يتجاوز اطاره الذهني كي يصيبه بالتالي الشعور بالزهو البرجوازي الصغير ونشوة الاخلاص الأيديولوجي، بينما المرأة في العراق تطحنها كل اشكال الظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني، كذلك نرى الطائفية في كل صراع على النهب والسلب تطل براسها على المجتمع، والترهات القومية ترفع قامتها عند اعادة تقاسم النفوذ والامتيازات، والتفاهات والسخافات العشائرية تسل سيفها الصدئ في كل نزاع وراءه اتاوة . أما ما نقصد باليسار هو اليسار الاجتماعي كتقاليد مدنية ومتحضرة وانسانية تزيح من مكانها كل الاعراف والقوانين والتقاليد المتخلفة والرجعية بالمعنى المطلق لهذه المقولات.
ان تأريخ المجتمع العراقي الحديث هو تاريخ الصراع بين يسار المجتمع ويمينه، بين كل ما يمت صلة للانفتاح والانعتاق والتحرر من القيم والثقافة المتخلفة من ذكورية وطائفية وقومية وبين فرض اعراف وافكار القرون الوسطى وتسويقها على انها جزء من التقاليد المجتمع العراقي. لا نريد ان نخوض في صفحات التاريخ كي نثبت صحة ما نقوله فليس هناك مساحة تكفي لذلك، ولكن نورد فقط هزيمة قرار ١٣٧ لمجلس الحكم وبعد ذلك ما تلاه من فشل بتمريره في (البرلمان) تحت عنوان القانون الجعفري، وهذا واحدة من تلك الامثلة، وظهور النساء بعد هبوب نسيم الثورتين المصرية والتونسية على المنطقة بما فيها العراق في انتفاضة شباط من عام ٢٠١١ وبعد ذلك في احتجاجات البصرة التي وصلت ذروتها في ٧ ايلول ٢٠١٨ وقد انظمت المئات من النساء الى تلك الاحتجاجات اضافة الى دورهن بشكل عملي بدعم التظاهرات، حيث شكلن الفرق الطبية وفرق جمع التبرعات لدعم مطالب المحتجين بنيل حياة حرة وكريمة. وكان رد فعل اليمين باختطاف الناشطات من قبل المليشيات وتصفية عدد منهن لإعادة المرأة من جديد الى المنزل.
في الثامن من اذار هذا العام، تبين ان يسار المجتمع العراقي مازال موجود، وما زالت تقاليده راسخة، ومازال يقاوم من اجل وجوده. وخلال اكثر من اسبوع من حملة اعلامية وسياسية اطلقتها قوى تحررية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ولصق البوسترات وتوزيع اوراق دعائية في شوارع بغداد، وفي ثلاثة ايام من الفعاليات المتنوعة من تنظيم ندوة سياسية حول الحركة النسوية ومسيرة التحقت بها المئات من النساء والرجال الاحرار تجول في شارع الرشيد وسط مدينة بغداد لتنتهي في اليوم الثالث بتنظيم كرنفال كبير في دار الازياء تضمن افتتاح معرض للفنون التشكيلية حول واقع المرأة وافتتاح معرضا للكتاب وبعد ذلك مهرجان خطابي وعرض مسرحية والقاء القصائد والاشعار لينتهي بعزف الفرقة الموسيقية والقاء الاغاني، وقد سجل الحضور من النساء في افتتاح المهرجان نصف عدد الحاضرين من الرجال. ان مشاركة المئات من النساء في هذا اليوم، يوم المرأة العالمي لم يشهدها على الاقل تاريخ المجتمع العراقي منذ غزو العراق واحتلاله وتسليم المجتمع الى براثن الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني.
ان محاولات تزييف الوعي وتشويهه لم يقتصر على الاسلام السياسي، بل حاول البعث من قبل، لوي عنق المجتمع وفصل نضال المرأة في العراق عن نضال المرأة العالمي، فلقد اختلق بدعة ٥ اذار وبعنوان "يوم المرأة العراقية" لضرب مساواة المرأة عرض الحائط وحصر دورها في تنفيذ مشاريعه القومية واداة سياسته الفاشية المناهضة ليست للمرأة فقط بل لعموم الانسانية برمتها في العراق، ولا داعي لفتح سجل جرائمه فالجميع يعرف ذلك. لكن ما يهمنا هو تسليط الضوء على ان مساعي البعث لم تختلف عن مساعي الاسلام السياسي بقلع الوعي الاجتماعي اليساري او كما يحلو ان يسموه باجتثاث الوعي اليساري على غرار عملية اجتثاث البعث.  فالاسلام السياسي الشيعي كما حاول ان يبدع في عملية "الاجتثاث" للبعث حاول ان يعيد تجربة الاجتثاث للوعي الاجتماعي اليساري في العراق، وليس ضرب المرأة واعادة مكانتها القهقري الى الوراء الا واحدة من عمليات ذلك الاجتثاث.

ان الفارق بين عملية اجتثاث "البعث" وبين عملية اجتثاث الوعي الاجتماعي اليساري، هو ان الاول وضع له اطار قانوني ومرر عبر البرلمان، في حين ان الثاني وضع له اجندة غير رسمية وعبر ميليشياتها الممولة من عمليات سلب ونهب ثروات الجماهير لتصفية النساء وارعابهن الى جانب اعلان الحرب العلنية وعبر قادتها الرجعيين، على العلمانية وتسفيهها والادعاء بمساواة العلمانية بسلطة البعث كما نَظّرَ لها المالكي ومستشار الخامنئي عندما زار بغداد عشية الانتخابات التشريعية في العام الفائت.
ان ما يمكن اثباته وبشكل مادي ودون اي خلاف هو ان الوعي الاجتماعي الانساني في المجتمع العراقي، كان وما زال اقوى من كل مخططات الاحزاب والقوى الاسلامية وبمختلف تياراتها وتلاوينها ومشاربها وداعميها الاقليميين والدوليين، واقوى من سلاح ميليشياتها وعصاباتها التي فشلت بنقل الوعي الطائفي الزائف والمقيت الى الوعي الاجتماعي في المجتمع. وهكذا ان نضال المرأة لا يمكن فصله عن الوعي اليساري الاجتماعي ولا يمكن فصله عن يسار المجتمع. فبقدر ما يقوى هذا اليسار تقوى سواعد واشتداد نضال المرأة الى الامام. ان هذا الوعي المتجذر في عمق المجتمع يبدو خاملا وساكنا. اي ان كل ما يحتاجه المجتمع هو تحريك هذا الوعي وإيقاظه من سكونه، انه موجود لكن بحاجة الى تنظيم وقيادة وافق، وهو مفتاح نقل العراق الى بر الامن والامان، بر الحرية والرفاه.

97
دروس من انتصارات عمال عقود الكهرباء والصحة

سمير عادل
بعد نضال استمر لسنوات، لعمال العقود في قطاع الكهرباء، عبر التظاهرات والاعتصامات واشكال مختلفة من الاحتجاجات، ارغم مجلس الوزراء في اجتماعه الاخير بتوظيف ٣٣ الف عامل عقود على الملاك الدائم. وفي الاجتماع ايضا قرر على تلبية مطالب عمال وموظفي الصحة الذين اعلنوا عن اضرابهم قبل اسبوع.
وفي هذه المناسبة وعبر هذه الصحيفة نهنئ عمال العقود في القطاع الكهرباء وعمال وموظفي الصحة على تحقيق مطالبهم العادلة.
دروس مهمة يجب استلهامها من عمال العقود وعمال وموظفي الصحة، وهي التنظيم والشكل الاحتجاجي والصف المستقل والمحتوى الطبقي للسلطة السياسية.
لقد كان العمود الفقري لجميع الاحتجاجات الجماهيرية في العراق بشكل عام والمدن الجنوبية بشكل خاص هو العاطلين عن العمل وعمال العقود في مختلف القطاعات مثل الكهرباء والبلديات والنفط وغيرها خلال السنوات المنصرمة من عمر سلطة الاسلام السياسي الوفية الامينة للمؤسسات المالية التابعة للإمبريالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصندوق التنمية الامريكي وبنك الاتحاد الاوربي لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية بتنصل الدولة من مسؤوليتها تجاه المجتمع في التعليم والصحة والخدمات وتوفير فرص العمل. بيد ان الفارق الوحيد بين احتجاجات عمال العقود والاحتجاجات الجماهيرية الاخرى، هي انها كانت مستمرة سواء لوحدها وبصفها المستقل وبمعزل عن وجود تلك الاحتجاجات في حال غيابها او الانخراط فيها بشكل واعي ومشاركة مطالبها من اجل توفير الخدمات ومحاربة الفساد، مؤمنة بأن من يسلب حق الجماهير بتوفير الخدمات لها وسرقة اموالها ونهبها هو نفسه الذي يماطل ولسنوات بعدم توظيفهم على الملاك الدائم لابقائهم تحت خط الفقر، حيث يتقاضى عامل العقد ٣٠٠ الف دينار شهريا مع ضمان عدم حصولهم على الضمان الاجتماعي والتمتع بالإجازات وبدل الخطورة والسلامة المهنية ومخصصات الاطفال والزوجية والتقاعد وغيرها من الحقوق، لانه سيقلل من حصة السلب والنهب والسرقة.
وعليه ان السلطة ادركت ان عمال العقود يلعبون دورا محوريا في ابقاء جذوة الاحتجاجات مشتعلة، ومهما مارست من قمع بوليسي ومن حملة اعلامية وسياسية ضد الاحتجاجات تحت ستار؛ تقف خلفها مؤامرات خارجية وايادي خفية ومندسين، الا انها لن تتمكن من قمع احتجاجات عمال العقود التي انفردت وخلال هذه السنوات بصفها المستقل. ومن جهة اخرى وهذه هي نقطة مهمة يجب الوقوف عندها، ان احتجاجات عمال العقود في قطاع الكهرباء وحتى في القطاعات الاخرى لم تنحرف عن مسارها وعن مطالبها ولم تنجرف وراء خداع التيارات الاسلامية التي ركبت اكثر من مرة الاحتجاجات ولوت عنقها وافرغت المطالب من محتواها، او الاوهام التي نثرتها دعاة الديمقراطية الجدد بعد ان ضاق عليهم ثوب الشيوعية فمزقوه وتنكروا لماركس والماركسية وتحت عناوين انها طوباوية وغير واقعية ولا يوجد طبقة عاملة في العراق، ودعوتهم المستمرة لتشجيع القطاع الخاص، وكأن القطاع الخاص يمتلك عصا سحرية تجلب الرفاه والعيش الكريم متناسين ان مطالب العمال سواء كانوا في القطاع العام او الخاص تريد شيئا واحدا وهو حياة حرة وكريمة، ولن يهمهم كان هناك اقصاد سوق او اقتصاد تديره الدولة، لانه ببيع قوة عملهم وفي كلا القطاعين فقط  يستطيعون كسب رزقهم من اجل بقائهم احياء هم واسرهم. وفي كلا القطاعين سواء اكان خاصا او عاما، فأن مصاصي عرق العمال هم انفسهم مع تغيير هوياتهم سواء كانون بيروقراطي الدولة كما كان في حال نظام البعث الذي حكم العراق ما يقارب ثلاثة عقود، او البرجوازية الجديدة اصحاب فلاي بغداد وشركات الاتصالات والمقاولات والسمنت والنفطية والمصافي والشركات التجارية التابعة لمسؤولي الاحزاب والقوى الاسلامية والقومية المستحوذة على السلطة اليوم في العراق.
اما الدرس الاخر هو التنظيم الذي سعى اليه عمال العقود، فلم يسمحوا لأي طرف بتخريب وحدتهم الى جانب الدفاع والحفاظ على شعارهم ومطلبهم الوحيد وهو التوظيف على الملاك الدائم. لم يخلطوه بشعارات ومطالب عديدة، وهذا كان سر قوة توحيد صفهم حول المطلب المذكور. وكان بالنسبة لعمال العقود هذا المطلب هو الخطوة الاولى في حال تحقيقه للتقدم نحو الامام.
وقد اتبع عمال العقود اشكال نضالية متنوعة وهذا هو الدرس الاخر، حيث لم يستسلموا الى شكل محدد، فلقد ذهبوا الى التظاهرات وبعد ذلك نظموا اعتصامات سواء عبر نصب الخيام امام اماكن العمل او في الساحات العامة، وفي امكان اخرى وقطع الطرق لأسماع اصواتهم ومطالبهم الى اصحاب القرار. وكانوا يعملون بأشكال مختلفة لجلب التضامن معهم سواء الاتصال مع القطاعات العمالية الاخرى او الاقسام الاجتماعية من المجتمع.
ولا بد من الإشارة، الى ان مكسب عمال العقود الذي تحقق، لا يعود فقط لاستمرار نضالهم ووحدتهم وصفهم المستقل فحسب بل يعود ايضا الى احتجاجات جماهير البصرة بتضحياتها الجسام بالرغم من جميع نواقصها ونقاط ضعفها في الصيف الماضي، لعبت دورا بتحقيق تلك المطالب، حيث ارعبت كل القوى المتجمعة في العملية السياسية.
واخيرا اثبت قرار مجلس الوزراء الاخير الذي اشرنا اليه بتحويل عمال العقود الى الملاك الدائم وتلبية مطالب عمال وموظفي الصحة، بأن سلطة الاسلام السياسي، كانت غير مستعدة على تحقيق مطالب الجماهير، ليس لانها قوية ومنسجمة ومتماسكة فيما بينها، التي جمعتها ومنذ اليوم الاول لاحتلال العراق، عدائها المشترك للجماهير كي لا تعيش حتى بالحد الادنى من الادمية، بل لان الجماهير لم توحد نفسها ولم تنظم نفسها حول مطالب محددة وواضحة. ان السخط والاستياء والرفض يعم صفوف جماهير العراق بجميع اقسامها لكن ما ينقصها هو التنظيم وتوحيد نفسها حول شعارات ومطالب واضحة وبأفاق مستقلة وهذا ما نتعلمه من دروس عمال العقود في الكهرباء.

98
مكافحة داعش عنوان للنفاق السياسي

سمير عادل
ليس في ما نقوله في هذا المقال، شيء جديد، بل هو تأكيد على كل ما ذكرناه في السابق وعلى نفس هذه المساحة بأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لن يهمه لا من قريب ولا من بعيد القضاء على داعش وعلى الارهاب. وان جميع مؤتمراتهم الامنية ليس اكثر من ذر الرماد في العيون وتحسين تقنية النفاق السياسي.
 بين مؤتمري بغداد لمكافحة فكر داعش في الاعلام الذي عقد في بغداد ومؤتمر ميونخ الامني المنعقد في المانيا، يتصدر عنوان الحرب الارهاب وبالأخص القضاء على داعش جدول اعمال المٌؤْتَمَرينّ. وفي كلا المؤتمرين لم يتحدث احد لا على الظلم الطائفي الذي تمارسه سلطة الاسلام السياسي الشيعي في بغداد الذي خلق داعش، ومن الممكن ودون اي عناء يذكر تلمسه في مخيمات النازحين الذي مضى عليهم ما يقارب اربع سنوات وخرائب المدن التي طردت منها داعش عسكريا، ولا في ادانة الحكومات الغربية التي جندت عن طريق مخابراتها ووسطائها وفسحت المجال لمنابر المساجد والجوامع في بلدانها لتعبئة وتجنيد المئات من الشباب وارسالهم الى معسكرات داعش والقاعدة لقتال النظام السوري.
المؤتمران لم يخرجا الا بخفي حنين، ولم يعالجا ابدا منبع الارهاب، لانه بعلاجهما الجذري للارهاب ينتفي وجود منظميها في المنطقة، وتتهاوى معهم جميع الخطط والاجندات السياسية لتحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية.
ان الحكومات الغربية استفادت من تعويم داعش وتسويقه سياسيا وامنيا، ونجحت بشكل منقطع النظير في اشاعة اجواء الرعب والخوف بين مواطنيها، واستطاعت ان تفرض التراجع على الحركة المعادية لسياساتهم الحربية والعسكرتارية في العالم التي توجت بغزو افغانستان ومن ثم العراق. تلك الحركة التي اطاحت بمشروع قرار امريكي-بريطاني في مجلس الامن لاحتلال العراق تحت عنوان امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل، مما جعل الولايات المتحدة الامريكية وبالدعم البريطاني غير المشروط من قيادة تحالف خارج مجلس الامن لغزو العراق، انها نفس الحركة التي اجتاحت شوارع برشلونة ومدريد ومدن اسبانية اخرى التي فصمت عرى التحالف ودفعت الحكومة الاسبانية لسحب قواتها من العراق، لتتبعها بعد ذلك انسحاب القوات الايطالية. ان الغرب وعن طريق داعش سيطر على تلك الحركة، وحركة ٩٩٪ التي تعني ان ١٪ تملك ثروات العالم والاغلبية المطلقة تعيش في الفقر والعوز، وحركة احتلوا وول ستريت وهو بورصة عمالقة الشركات الرأسمالية العالمية، وحولت الشغل الشاغل للجماهير المتمدنة في الدول الغربية، النأي بالنفس والدفاع عن امنهم وبقائهم على قيد الحياة. ان داعش نفخ الروح بكل التيارات العنصرية من الفاشية والنازية والمعادية للاجانب. ان الهجمة التي تشنها تلك الدول على المهاجرين وتقويض حق اللجوء هي واحد من نتائج هجمات داعش الارهابية على المدنيين في الدول الاوربية والامريكية، ولو لا مباركة ودعم الغرب له بشكل مباشر وغير مباشر لما وصل داعش الى ما وصل اليه ولما انعمت بالتالي الحكومات الغربية بالامان والسلام من انقضاض تلك الحركات التحررية عليها.
اما في العراق، فنقول ان داعش لم يأت من المريخ ولم يقفز من السماء، انه هو صناعة وطنية خالصة بامتياز. فداعش هو نفس التيار القومي العروبي الذي اطيح بسلطته في العراق بفعل الغزو والاحتلال الامريكي، وتضرب جذور داعش الى زمن هزيمة العراق في الكويت عندما فشلت صواريخ العباس والحسين على اسرائيل بنصرة البعث العروبي بقيادة صدام حسين، الذي سوق نفسه بطلا وناطقا رسميا باسم فقراء الامة العربية. ان جذور داعش تمتد الى ما بعد فشل تلك الصواريخ العروبية حيث رسم "الله اكبر" على العلم العراقي، وكتابة القرآن بدم صدام حسين، واطلاق لقب المجاهد على نفسه عبر حملته الايمانية في عام ١٩٩٦. وداعش سيبقى الشوكة المستعصية في حلق سلطة الاسلام السياسي الشيعي واداة في مساومتها من قبل امريكا والاقطاعيات الخليجية طالما تمارس الظلم الطائفي وتعامل ابناء المناطق الغربية كمواطنين من الدرجة الثانية. الم يطلق ابراهيم الجعفري ومن على منبر الامم المتحدة في اجتماعها السنوي عندما شغل منصب وزير الخارجية في العام الفائت تسمية محافظة الارهاب على الانبار ليكمله نوري المالكي في مناسبة اخرى بأن اهالي الموصل دواعش. ان تسويق بعض الشخصيات سياسيا تحت عنوان "السنة العرب" ومنحهم المناصب والمراكز الحكومية كرئاسة البرلمان وعدد من الوزرات لن يلغي الظلم الطائفي ولن يجفف المستنقع الطائفي ويقضي على البعوض الطائفي الذي ينقل الملاريا المميتة. ان اولئك الذين يعتاشون على الظلم الطائفي ليس من مصلحتهم انهاء الظلم الطائفي في العراق بل ونقول لو لا ذلك الظلم لما وصل اولئك الى تلك المراكز.
وليس عند هذا الحد، بل ما عرض قبل اكثر من اسبوع وسوق اعلاميا من مسرحية سمجة ولا طعم لها ولا رائحة حول اعادة احداث التاريخ من زاوية طائفية حول قتل عمر لفاطمة. وتلك المسرحية رسالة طائفية واضحة دون ان تجد اي رد فعل من تدخل السلطات والحكومات المحلية والمركزية لمنعها، او على الاقل تحريض اقلامها المأجورة في شن حملة اعلامية ضد المسرحية بسبب نشرها الكراهية الطائفية، وتدل على عمق المستنقع الطائفي التي تحاول سلطة الاسلام السياسي الشيعي اغراق العراق فيه.
واخيرا نقول ان المؤتمرات الامنية ليس الا تجمع لعمالقة المنافقين السياسيين في العالم لتحسين تقنية اكاذيبهم وتملقهم لبعضهم وتبادل الخبرات التجسسية والتعذيب وادوات القتل فيما بينهم. ان القضاء على داعش يأتي عبر انهاء الظلم الطائفي عن طريق تشكيل حكومة علمانية وغير قومية، واعادة النازحين الى مناطقهم عن طريق تحسين ظروف معيشتهم وتوفير الخدمات في مناطقهم وتوفير فرص العمل لأبنائهم وتقديم التعويضات المناسبة لهم.

99
اسطورة سيادة العراق واشغال الجماهير

سمير عادل
السخرية تكمن في المشهد السياسي العراقي؛ ان جميع القوى التي ترفض الوجود الامريكي اليوم في العراق هي من هللت وطبلت واعطت صك على البياض للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية لاحتلال العراق. يومها كنا في الحزب الشيوعي العمالي العراقي الطرف الوحيد في المعارضة العراقية وقف بحزم ضد مشاريع البيت الابيض ومؤتمر لندن السيء الصيت عام ٢٠٠٢ الذي حضره قطبا الاسلام السياسي الشيعي وهما حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى لشرعنة غزو العراق وتقسيمه على الاسس القومية والطائفية. حينها قالوا عنا جواسيس صدام حسين وازلامه وعملائه. وعندما احتل العراق كان جميع الاقطاب والشخصيات والقوى التي تزعق اليوم وتغضب من الوجود الامريكي، تتسابق وتهرول الى باب بول بريمر الحاكم المدني للاحتلال، للحصول على قسمة في مجلس الحكم الذي ضم المبشرين، ليس بجنة الاخرة بل بنعيم الدنيا وهو النفوذ والامتيازات والسلطة، وكل حسب دعمه وولائه لجرائم القوات الامريكية والبريطانية وحلفائهما في العراق، حينها ايضا شرعنا بالعمل لطرد القوات الامريكية في العراق وعبر جميع الوسائل، بينما كانت نفس القوى مشغولة بالقتل على الهوية والتطهير الطائفي لتحسين مواقعهم في السلطة والاستحواذ على اكبر قدر ممكن من حصص الفساد الاداري والسياسي والمالي، التي مهدت لانضمام الحلبوسي والخنجر دون اي عناء واية معارضة الى الصف الوطني لينشد الجميع وبجوقة واحدة انشودة "موطني" في البرلمان المشغول اليوم بالوجود الامريكي. والجدير بالذكر ان خميس الخنجر هو احد عرابي الاخوان المسلمين في المنطقة ويقطر طائفية من قمة راسه حتى اخمص قدميه.
لكن سرعان ما تتبدل الولاءات وخاصة باتت القوات الامريكية تشكل خطرا على قلعة الاسلام السياسي الشيعي في ايران وبالتالي يعني تهديد الوجود السياسي لسلطة الاسلام الشيعي في العراق، والتي توسل المالكي لها اي للقوات الامريكية بأعادة انتشارها بعد سقوط الموصل على يد داعش. الم نقل ان عراق ما بعد داعش سيختلف كليا عن عراق ما قبل داعش، وقلنا ايضا ان جميع المعادلات السياسية ستتغير، وها نحن على عتبة تصفية الحسابات المتأخرة في عراق ما بعد داعش.
ان سياسة اشغال الجماهير بالوجود الامريكي وبعدم وجوده، وبشرعية وجود القوات الامريكية من عدم شرعيتها، هي اجندة سياسية ليس لها اية علاقة لا بسيادة العراق التي تحولت الى يافطة مخرومة، وحتى من يرفعها يشكك بمعانيها وصدقيتها. فالسيادة بالعرف البرجوازي وبقوانينه الدولية منتهكة وبشكل سافر في العراق، فمعسكرات تركيا التي نصبت دون اذن من احد في شمال العراق، وقطع المياه بين الفينة والاخرى على الانهر من قبل الدول المحيطة بالعراق، وقتل الاسماك وتصفية المعارضين السياسيين من قبل المخابرات الدولية ودخول عصابات داعش وخروجها وكل المنظمات الارهابية التي تحذو حذوها عبر الحدود دون اي ترخيص، وعشرات الامثلة الاخرى تدل بان لا سيادة للعراق. بينما هناك من يتباكى على سيادة العراق التي انتهكت ودون موافقة مجلس الامن عندما غزت القوات الامريكية العراق عام ٢٠٠٣.
ان سلطة الاسلام السياسي الشيعي، تجد بإشغال جماهير العراق بالوجود الامريكي بمثابة بطاقة يانصيب للتنصل من مسؤوليتها من جميع عمليات السرقة والنهب والفساد التي قامت بها، وهي فرصة مناسبة لابعاد الانظار عنها والتحجج بطرد جميع القوات الاجنبية من العراق. بينما كان الوجود الامريكي نفسه من سمح وبخطة واضحة ومدروسة لنهب ثروات جماهير العراق من قبل سلطة القوى الاسلامية الشيعية التي نصبت بحراب المارينز الامريكي، ووضعت جماهير العراق تحت خط الفقر وتحت خط الحضارة والمدنية وتحت خط الادمية في حياتها المعيشية وتحت خط التقدم والتطور.
ان الصراع الامريكي-الايراني يلقي بضلاله على كل المشهد السياسي العراقي، وان رجالات القوى السياسية في البرلمان مشغولون اليوم بتعديل اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية لانهاء الوجود الامريكي بينما تعد ميليشياتهم العدة لتسخين اجواء الحرب والتصفيات استعدادا لتهيئة الساحة العراقية للمبارزة بين طرفي الصراع اي الامريكي-الايراني. انها تريد ان تدفع جماهير العراق ثمن حرب امريكا وايران في العراق من دمائها وامنها وسلامتها ومعيشتها. انها لم تكتف وطوال هذه السنوات بإعادة حياة جماهير العراق الى ما قبل القرون الوسطى على صعيد الخدمات والرفاهية والتوقعات الانسانية، بل يريدون اليوم من الجماهير ان تدفع ضريبة ذلك الصراع الذي لا ناقة ولا جمل للجماهير فيها.
ان سلطة القوى الاسلامية الشيعية ليس لديها اية مشكلة مع كل سياسات امريكا في العراق التي فاقمت من افقار المجتمع العراقي ونقصد مشاريع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وخصخصة جميع مرافق الحياة كي تتنصل الدولة من جميع مسؤوليتها تجاه المجتمع، بل شرعت هي بتأسيس المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات وشركات الطيران الخاصة التابعة كل واحد منها الى هذا الحزب او ذاك. ان مشكلتها تكمن مع تهديدات الوجود الامريكي للجمهورية الاسلامية في ايران. اي ان الوجود الامريكي محل ترحاب وضيف كريم اذا لم يهدد قلعة الاسلام السياسي الشيعي في العراق. اي بعبارة اخرى ان مفهوم السيادة مثل بقية المفاهيم الواردة في الدستور، وهي مطاطية وكل واحد يفسرها حسب زمان ومصالح القوى المتصارعة عليها.
وكلمة اخيرة بهذا الصدد، ان سيادة الانسان في العراق منتهكة، كرامته وقيمته، حريته وامنه وامانه. ان سيادة الانسان في العراق تعلو فوق كل شيء، ويجب العمل على الحد من انتهاكها.

100
ماذا وراء قتل علاء مشذوب ؟

سمير عادل
ان قتل الكاتب والاديب علاء مشذوب في مدينة كربلاء قبل اكثر من اسبوع له دلالات سياسية ويكشف عن مرحلة سياسية مهمة سيمر بها العراق خلال الفترة القادمة، وهو ابعد من مسالة قمع الحريات وتكميم الافواه الذي هو تحصيل حاصل لمجمل تلك المرحلة السياسية التي دشنت باغتيال مشذوب.
طبعا هذا لا يعني ابدا التراخي في تحشيد الصفوف وتنظيمها وتشكيل جبهة عريضة وواسعة من جميع القوى التحررية؛ احزاب ومنظمات واتحادات عمالية وحقوقية وشخصيات للوقوف بوجه الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية وتكميم الافواه وقمع الحريات. يجب عدم الاكتفاء بتنظيم مسيرة واحدة في بغداد او تجمع في كربلاء، بل علينا تحويل قتل علاء مشذوب الى قضية راي عام عالمي، وايضا تحشيد القوى في خارج العراق وتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات امام السفارات والقنصليات العراقية للضغط على حكومة عبد المهدي بوقف الاستهتار الذي تمارسه مليشيات الاحزاب الاسلامية بحق جماهير العراق. ويجب ان تفهم الحكومة الجديدة من خلال هذا العمل، انها اذا لم تستطع ان تحمي المواطنين فعليها ان ترحل. ان الاولوية التي يجب ان تتصدر برنامج عبد المهدي هو الامن والامان قبل محاربة الفساد الذي يريد ان يعمي بها عيوننا. فرئيس وزراء لا يستطيع ان يختار وزيري الدفاع والداخلية بسبب صراع المحاصصات، فمن العيب ذر الرماد في العيون والضحك على الذقون بعد كل هذه التجربة التي مرت بجماهير العراق، حول تشكيله مجلس القضاء على الفساد. ان سياسة تكميم الافواه وقمع حرية الراي والتعبير يعني اطلاق يد الفساد والمفسدين وتماديهم وتطاولاتهم الى ابعد الحدود. فدون سيادة اجواء الامن وشعور الانسان بالطمأنينة على حياته، فلا يمكن الخطو خطوة واحدة نحو القضاء على الفساد.
لنعد الى خلفيات قتل علاء مشذوب الذي يخفي في طياته الاعداد لمرحلة سياسية خطرة كما اشرنا، فهو يميط اللثام عن الاستعدادات التي تتم على قدم وساق بين طرفي الصراع في المنطقة، وهما الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الاسلامية في ايران. يجب النظر الى قتل علاء مشذوب من هذه الزاوية وبالتالي علينا ايضا ان نعد انفسنا كشيوعيين وتحررين وكدعاة الى الحرية والسلام في مواجهه الطرفين الذين يحاولان تحويل العراق الى ساحة لحرب بالوكالة وتصفية الحسابات وترسيخ النفوذ على حساب امن وسلامة جماهير العراق.
ان مشكلة الجمهورية الاسلامية اليوم في العراق تحديدا، هو صراعها مع نفوذ التيار القومي المحلي "الوطني" والعروبي المعادي للوجود الايراني في العراق. ويدرك مريدو الجمهورية الاسلامية في ايران ان هذا التيار سبق وان تحالف مع امريكا وجميع اقطاعيات الخليج للحد اذا لم نقل لاسقاط الجمهورية الاسلامية. صحيح ان ايران الجمهورية الاسلامية لها نفوذ في لبنان وسورية واليمن، ولكن على الصعيد الاستراتيجي ومن الناحية الاقتصادية والسياسية، فأن العراق هو المحور الاصلي بالنسبة لها وخاصة بعد الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي وفرض الحصار الاقتصادي عليها. وكان العراق هو الخنجر في خاصرة تمدد ايران في المنطقة بعد استيلاء الاسلام السياسي في ايران على السلطة عبر الثورة المضادة بعد عام ١٩٧٩. ان سباق الاستعدادات على الصعيد السياسي والاعلامي والعسكري بين طرفي الصراع اودى بحياة مشذوب الذي كان اشد المناوئين للنفوذ الايراني وقد عبر عنه من خلال عدة مقالات وكتابات. فعندما تتعالى الاصوات ضد الوجود الايراني ونفوذه في العراق، وعندما يتم نقد قادتها او التشهير بهم ، فيعني ذلك تأليب وشحذ الاجواء ضد نفوذ الجمهورية الاسلامية في ايران، لحساب النفوذ الاجتماعي والسياسي للوجود الامريكي في العراق. ولا يخفى ابدا ان استعراض العضلات العسكرية لامريكا في العراق عبر طوفان قواتها في شوارع مدن العراق وخاصة في بغداد والتي لم نشهدها منذ الولاية الثانية للمالكي، ولقاء شيوخ العشائر في المنطقة الغربية ومحاولات شراء ذمم عشرات النواب في سوق المزايدة السياسية التي فتحت ابوابها منذ غزو العراق عام ٢٠٠٣ هي جزء من تلك الاستعدادات التي نتحدث عنها.
ان قتل علاء مشذوب رسالة سياسية واضحة لجميع المناوئين للنفوذ الايراني في العراق، وخاصة لجناح معين للإسلام السياسي الشيعي المتمثل بالتيار الصدري والسيستاني والعبادي اكثر مما هو رسالة للعلمانيين والتحرريين في العراق. ان مريدي الجمهورية الاسلامية في ايران لا يريدون تكرار تجربة البصرة عندما مزقت صور الخامنئي وحرقت القنصلية الايرانية في الصيف الماضي، ولا يريدون كسر هيبتها من جديد لتكون لصالح النفوذ الامريكي في العراق.
لقد تحدثنا اكثر من مرة ان الازمة السياسية في العراق هي ازمة السلطة السياسية، او ازمة حسم السلطة.
ومن الممكن جدا ان يتحول الصراع بين اجنحة الاسلام السياسي الشيعي، التيار الموالي لايران والتيار المعادي لها وان يفجرا حربا لا تحمد عقباها.
كما قلنا من قبل ونؤكد من جديد، نحن كشيوعيين لا نستبدل الوجود الايراني بالوجود الامريكي، ولا نستبدل عمامة روحاني الرئيس الايراني الذي قدم الى العراق واجتمع مع رجال الاعمال في كربلاء وبحماية الحشد الشعبي ببدلة ورباط بومبيو وزير الخارجي الامريكي الذي هدد عبد المهدي اذا لم يحل مليشيات الحشد الشعبي. ومن هنا على جماهير العراق ان لا تنخدع بالاوهام التي تريد ان تنثرها امريكا في العراق حول خطر ايران على العراق، فهي من فسحت المجال عبر احتلالها للعراق من تغول الاسلام السياسي وداعميه في ايران وتسلطه على رقاب جماهير العراق. ان امريكا تريد الغلبة لاكسيون موبيل وشيفرون وجنرال الكتريك على حساب الشركات الايرانية. اي بمعنى اخر ان مصاصي عرق ودماء عمال ومحرومي العراق لا جنسية لهم.
ان علاء مشذوب الذي قتل على يدي مريدي الجمهورية الاسلامية فانه بنفس القدر تتحمل سياسة امريكا المسؤولية لما آلت اليها الاوضاع في العراق.
واخيرا نقول لنفصل جبهتنا عن امريكا والجمهورية الاسلامية، وعبر تنظيم صفوفنا وبشكل عملي نعلن لا للوجود الامريكي ولا لنفوذ الجمهورية الاسلامية الايرانية في العراق.

101
اغتيال الحرية بين الموصل وكربلاء

سمير عادل
طُرِدَ داعش كقوة عسكرية من الموصل، الا أن عقيدته وقوانينه وتقاليده واساليبه وممارساته ظلت باقية دون ان تتزعزع. ومن يتابع التقرير الذي ننشره على صفحات هذه الجريدة يتلمس ما نشير اليه. فعندما تحل شرطة "المتابعة" بدل الحسبة وعندما يتحول استاذ جامعي الى احد شيوخ او ملالي داعش بأعلان فتوى مباشرة يحرض فيها ذوي الطالبات ضدهن وتحت عنوان محاربة الانحلال الاخلاقي والفساد من منظوره، وعندما يجد الطلبة انه ليس هناك من يحميهم من تطاولات هذه العصابات التي ارتدت زيا اخر يتلائم مع الاوضاع الجديدة، فداعش ما زال حيا يرزق ولم يهزم من الموصل. وفي كربلاء يلبس داعش زيا اخر او يتلون بلون اخر مثل الحرباء كي يتلائم مع طقوس المدينة وظروفها الاجتماعية وقواعد اللعبة فيها ويتناغم مع اوضاعها الامنية، ليردي كاتبا روائيا قتيلا وهو علاء مشذوب بوابل من الرصاص وقرب منزله في طريق عودته من ندوة او تجمع للمثقفين والادباء في المدينة.  بين داعش الموصل وداعش كربلاء قاسم مشترك وهي الهوية الدينية الواحدة، ورسالته في كلتا المدينتين واحدة، وهي بعث رسالة واضحة مفادها لا حرية للفكر ولا للعقيدة ولا للضمير ولا حرية شخصية الا للصوص والفاسدين. فالاستاذ الجامعي لم يصدر فتوى ضد الفاسدين الذين سلموا الموصل بالتنسيق والتعاون مع حكام الظلم الطائفي في بغداد الى عصابات داعش، ولم يقول كلمة واحدة عن ما تفعله الحكومة المحلية في الموصل من مجلس المحافظة والمحافظ بأموال الاعمار وعن تنصلها من جميع مسؤوليتها تجاه الالاف المؤلفة من النازحين في مخيمات، اصبح العيش البائس فيها اهون عليهم من العودة الى منازلهم المهدمة وديارهم الخالية من الخدمات والجثث المتراكمة تحت خرائب الابنية المدمرة بسبب المعارك ضد داعش. ليس صحيحا ابدا ان دواعش كربلاء أفضل من دواعش الموصل، وليس صحيحا ان هزيمة داعش في المنطقة الغربية يعني هزيمة داعش في عموم العراق. فداعش ليس قوة عسكرية، بل هي قوة فكرية واجتماعية تستمد سلطانها من الطبقة السياسية الحاكمة سواء في بغداد او في جميع محافظات العراق المتمثلة بالحكومات المحلية. وعندما يصدر قانون غير قانوني من مجلس محافظة البصرة وهو الحكم بالحبس مدة ٦ أشهر على كل من احتسى الخمر وغرامة ٥٠٠ الف دينار، وهو مناقض وبشكل سافر حتى للحريات التي اقرها الدستور، والذي تنفذ السلطات كل بنودها باستثاء بنود الحريات الفردية والشخصية، فيدرك المرء دون اي عناء من اين يستمد الدواعش سلطانهم. وفي الوقت ذاته تسمم مياه الشرب وتقتل ملايين الاسماك وتتحول مناطق البصرة الى تلال من الزبالة ويلقى مصير الاف من العاطلين في مهب الريح، فيعني ايضا ان داعش بشقيه الشيعي والسني يريدون عراقا خاليا من "الانسان". ان صراع داعش الموصل مع داعش كربلاء الذي توج في ١٠ حزيران ٢٠١٤ يوم اعلان دولة الخلافة الاسلامية في ثلث مساحة العراق وسورية، لم يكن ابدا صراعا بين الوحشية والمدنية، ولم يكن ابدا صراعا على غرار صراع او صدام الحضارات، ولم يكن صراعا اجتماعيا سياسيا، اي بين تيار يمثل الطبقة البرجوازية مع تيار اخر يمثل العمال ومحرومي المجتمع، او صراعا بين الشمال والجنوب كما في الولايات المتحدة الامريكية الذي تحول الى حرب ضروس، اي بين تيار يريد تحرير العبيد واخر يريد تخليد العبودية، لقد كان صراعا بين جناحين لهما نفس العقيدة والفكر ويحملان هوية مشتركة محتواها المعاداة السافرة للانسان وقيمه وكرامته، انه صراع من اجل النفوذ والامتيازات والسلطة. وكل ما لف حول هذا الصراع وما غطي به وما طمس وتحت عنوان الحرب على الارهاب من قبل داعش الشيعي او ما سوقه داعش السني تحت عنوان الاسلام هو الحل ليس الا كذبة سافرة تخفي في طياتها نفاق قل نظيره بالتاريخ. ان الاستاذ الجامعي الذي يحرض الاهالي ضد بناتهم الطالبات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لانهن يتحدثن مع زملائهن ويدعو بشكل غير مباشر الى وأد جميع الطالبات هو وزبانية "المتابعة" في جامعة الموصل، فهو يحتمي بالسلطة الحاكمة في الموصل بنفس قدر تلك المليشيات التي تحتمي بالسلطات المحلية في كربلاء عندما قتلت بدم بارد الكاتب والاديب علاء مشذوب في كربلاء. ان الرد على التحريض وعصابات المتابعة وقتلة علاء مشذوب، لن يكون عبر الاكتفاء بالادانة والشجب، ولن يكون عبر الضغط عن طريق كل اشكال الاحتجاجات على الحكومة المحلية والمركزية بتقديم المجرمين والقتلة والمحرضين الى المحاكم، بل يجب ان تتعلم الدواعش الدرس سواء كان سنيا في الموصل او شيعيا في كربلاء من احتجاجات جماهير البصرة عندما هربت المليشيات واعضاء مجلس المحافظة والمحافظ في ليلة غاب فيها القمر.

صفحات: [1]