نحن والذئاب
نحن الشعب الغنم..
كلّنا غنم، ويا ليتنا..
لا يتصور أحد إنّه بعيد الشبه، أو فوق هذا التشبيه، أو تحت هذه الشبهة..
قد يكون كلامي غير مقبول، ويثير مشاعر البعض، لكنَّ حجّتي ليست جوفاء..
فالشعب الذي تُصادَر ممتلكاته، وتُنتهَك حرماته، وتُسلَب إرادته، وتُهان كرامته، ماذا يكون؟
والشعب الذي يُطرد من دياره، ويُهجَّر قسراً على مرأى ومسمع من العالم، ماذا يكون؟
والشعب الذي يُقطّعون أوصاله، ويعلّقونه للبيع، أو للمقايضة في الأسواق المحلية والإقليمية والدولية، ماذا يكون؟
نحن أبناء الفرح والحرية والحب، وصلت بنا الحال إلى سحق الأمل، بعد أن ذوت في قلوبنا كل ورود اليسر، وسُدّت في وجوهنا كل منافذ الرجاء..
من باعنا للذئب، من اشترانا؟
إلى متى سنبقى لقمة سائغة في أفواه الآخرين؟
إلى متى نواجه هذه الطعنات الغادرة، وهذا الحقد الدفين ؟
ما أضيق العيش في بلد، تُسفَك فيه دماء الأبرياء، ويُحلّل فيه موت الأتقياء، وتُلوّث نفوس الأنقياء..
اليوم، انطفأت أنوارنا، تكدّس اللون الأسود حول أنظارنا وقلوبنا.. كَبُرَ ضجرُنا، كَبُرَت المرارةُ في حلوقنا..
اليوم، شعبنا يغرق مرة أخرى في ترف الحزن اللامتناهي، و ضاقت به السبل..
إلى أين يهرب من وجع الأيام؟
ماهي الخيارات المتاحة أمامه؟
هناك من يقول: ليعتصمْ، أو يتظاهرْ، أويحتجْ على الأقل..
وهل سمعتم في حياتكم، أنّ قطيعاً من الأغنام يعتصم ويحتج؟!
وهناك رأي آخر يدعو إلى الصمود والتشبث بالأرض، حتى يأتي الفرج وينبلج الفجر..
وأيّ فرج سيأتي بعد كل الذي جرى، و صمود الناس هو النزق بعينه؟!
وهناك من ينادي بالرحيل، أو الهجرة إلى عالم آخر، عالم كلّه ألفة، ومحبة، وتسامح، وفرح..
ويرى هؤلاء، أن لاجدوى من البقاء هنا، فلم يبقَ في هذا البلد أيُّ نفعٍ، أو مُرتجى، أوغاية..
هنا، يُستعان بالسلاح الثقيل في القضاء على الفراشات الملونة..
هنا، لا فرق بين الحمام الوديع وبوم الشؤم..
هنا، تُباد كل الأشياء الجميلة، فلا جمال بعد اليوم ولا بسمة، بل دُمامة، ونحيب، وبكاء، وصياح، ونُواح، وعويل، ودخان أسود..
هنا، كل شيء طائفي ومذهبي، حتى الهواء صار طائفياً..
ولكن، إلى أين يتجه ويهرب؟
إنَّ كل ما سيجده لاحقاً سيشعره بالمهانة والضياع والتشرّد، لأنَّ البعد عن الوطن عقوبة، ومن أشد الأشياء شجناً ولوعةً ووجعاً على النفس والقلب، بل هو الشقاء الذي لا شقاء بعده..
قد لا نكون نحظى بشرف التشبّه بالغنم في ثلاثة أشياء:
في أنّ الغنم، لا تتنافس، ولا تتصارع، ولا تتقاذف بالكلام، ولا يستنزف بعضُها بعضاً، لا جسدياً، ولا مادياً..
في أنّ الغنم، وإذْ ذُبحت، فهي تُعلَّق في أمكنة نظيفة، لائقة، ومبرَّدة، على عكسنا نحن الذين نُذبح ونُرمى في مزابل الطرقات والأزقّة، وليس هناك من ينتشلنا أو يهتم لأمرنا..
وأخيراً، صحيح أنّ الأغنام ذاهبة في النهاية إلى المجزرة، ولكن ما نحسدها عليه، هو أنّها تلقى كل الإهتمام والعناية والرعاية اللازمة من قبل جزّاريها، قبل أن يذبحوها..
أمّا نحن، فإنّ جزّارينا، يتعمّدون تعذيبنا، ويتفنّنون في إلحاق الأذى بنا، قبل أن يكتموا أنفاسَنا وينتزعوا أرواحَنا..
ويبقى السؤال:
من يدحرج الحجر الثقيل عن صدورنا؟