عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - mazin_alyasery

صفحات: [1]
1
حقيقة الجدل العراقي حول الانفتاح على (حزب البعث) السابق
مازن الياسري
www.alyasery.com

أثارت دعوة رئيس الوزراء العراقي الأستاذ نوري المالكي ، إزاء الانفتاح على المعارضين للعملية السياسية الجارية وخاصة البعثيين السابقين ، ردود فعل متباينة .. تزامنت مع تصريحات محمومة ومتضاربة من مجمل الأطراف العراقية و الإقليمية .. كما سببت لبس كبير في تفهم فكرة الدعوة بالإشارة إلى إن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم العراق للفترة بين (1968 – 2003) هو محظور دستورياً في العراق الجديد .
كما حملت الأنباء و التصريحات و المقالات المحمومة خلال الأسبوع الماضي الكثير من الافتراضات و الآراء حول إمكانية عقد مصالحة رسمية أو إدماج في الجهاز الحكومي لأطراف بعثية .. وسط احتجاجات سياسية و شعبية .. دون محاولة تفهم لحقيقة المبادرة او البس الحاصل لدى الرأي العام .

أصل الفكرة :

الانتخابات المحلية الأخيرة في العراق ، قدمت رسالة مفادها إيمان العراقيون بهذه الآلية (الانتخابات) كوسيلة للمشاركة في العملية السياسية ، فبعد مرور ستة سنوات من عمر العراق الجديد .. أصبح وجود النظام السياسي الديمقراطي في البلاد امراً واقعاً .. بعيداً عن الخيالات التي روج لها في سنوات ماضية عن إمكانية نسف كل ما بني و البداية من الصفر من جديد .
كما لا شك في إن التحسن العراقي النوعي على المستويين الداخلي و الخارجي ، وخاصة في ملف الأمن و الاستقرار السياسي .. اوجد ضرورة للالتفاتة لملفات معلقة في المرحلة الماضية .. كحسم الواقع السياسي في البلاد عبر آلية المشاركة او المعارضة السياسية السلمية المكفولة الحرية دستورياً .. بعيداً عن المؤامرات و التداعيات التي تسببها المعارضة السياسية المؤطرة بالعنف الهمجي او المنظم .
من هنا جاء توجه الحكومة العراقية الحالية ، بدراسة استقطاب المعارضين السياسيين بالخارج و إقناعهم بالعودة للداخل العراقي و العمل بحرية شرط القناعة بدستور البلاد و الإيمان بنظامه السياسي .
الحكومة العراقية اعتبرت إن إعادة أطراف سياسية للعمل في البلاد رغم معارضتها للواقع السياسي في البلاد و اتهامها للحكومة بتهميشها او التمييز ضدها ، سيخلق حالة من إغلاق ملفات التدخل الخارجي بالشأن العراقي بألا شارة للدور الذي تنفذ به بعض الأجندات الإقليمية السلبية ضمن هكذا حركات و أحزاب .. كما سيشكل عودة المعارضة العراقية للداخل انتقاله نوعية في واقع الحياة السياسية في العراق .. وسيساهم في عزل المتورطين في جرائم الإرهاب عن المعارضين سياسياً .. كما اعتبرت الحكومة إن نجاحها في هكذا ملف سيضفي إنضاجاً لمشروع المصالحة الوطنية (المشروع الاستراتيجي للمالكي) ، بالتالي اعتبرت الحكومة إن التحرك الأمثل لملف المعارضين السياسيين في الخارج هو عبر قنوات المصالحة السياسية .
ولدى إقرار الحكومة (اللجنة العليا للمصالحة الوطنية) في أوائل هذا العام .. ومنذ المؤتمر الصحفي الأول لتشكيل اللجنة .. أوضح السيد أكرم الحكيم رئيس اللجنة و وزير الحوار الوطني (الوزارة المعنية بالملف السياسي للمصالحة) إن من أولويات اللجنة الانفتاح على المعارضين السياسيين بالخارج و إقناعهم للعودة للداخل العراقي و الانسجام مع واقع البلاد .. وأضاف إن احد الجهات التي تتوجه الحكومة للتفاوض معها للعودة للداخل العراقي هو حزب البعث العربي الاشتراكي (قطر العراق) موضحاً إن تعبير قطر العراق هو تمييز عن حزب البعث المحظور (الحاكم سابقاً) موضحاً إن البعث (قطر العراق) هو حزب معارض سابقاً ومشارك في مجمل مؤتمرات المعارضة العراقية أبان حكم حزب البعث السابق للعراق ، بالتالي هو لا يمثل البعث المحظور .
بالتالي فالحكومة العراقية انفتحت على (البعث قطر العراق) و ليس على البعث الذي يترأسه (عزة الدوري) .. كما إن البعث الذي يترأسه الدوري محظور دستورياً في البلاد .. ولم يجري الحديث إطلاقاً عن نية لتعديل نص الحظر الدستوري ضمن أجندة التعديلات الدستورية الجارية في مجلس النواب العراقي .

العمل خلف الكواليس

حكومة المالكي عند طرحها لمشروع المصالحة الوطنية عام 2006 ، أكدت إن الإرهاب و البعث هم خارج حلقة المشمولين بالمصالحة .. و عبرت عن إمكانية التحاور و الانفتاح و التعامل مع بعثين بصفتهم كأشخاص و ليس كحزب ، و بشريطه إدانة جرائم النظام البعثي السابق و بطبيعة الحال و بعدم تورطهم بها .. وقد شهدت السنوات الثلاث الماضية .. وخاصة في العام 2008 انفتاحاً على أطراف سياسية معارضة خاصة القومية منها .. وجرى دعوة العديد منها للعراق .. وحظر آخرون في مؤتمرات القوى السياسية الرسمية للمصالحة .. وقد ابرز المؤتمر الثاني للقوى السياسية العراقية حضور ممثلين عن أحزاب قومية كبيرة و رغبتهم بالعمل داخل الحياة السياسية العراقية .. إلا إن التغيير النوعي كان قد حصل عبر السياسي عبد الأمير الركابي أمين التيار الوطني الديمقراطي إحدى التيارات المعارضة للعملية السياسية الحالية ، عندما عاد مع مجموعة من حزبه إلى بغداد وعقد مؤتمر صحفي دعا من خلاله بقية القوى المعارضة للعملية السياسية إلى الرجوع إلى العراق والعمل سياسيا من داخل البلد، مشددا على انتفاء أسباب العمل السياسي من الخارج .. وموضحاً إنهم سيعارضون سياسياً وسلمياً من الداخل العراقي مستفيدين من الآلية الديمقراطية في العراق .
وفي وقت لاحق وصل إلى العراق السياسي محمد رشاد الشيخ راضي ممثل حزب البعث (قطر العراق) و التقى مع نائبي رئيس الجمهورية ، و مع وزير الحوار الوطني العراقي .. وقد أكد تصريح وزير الحوار العراقي عقب لقاءه الشيخ راضي (تم عقد عدة لقاءات لبحث أفضل الصيغ لمعالجة اللبس الحاصل بما يميز هذا التنظيم عن حزب صدام الذي حكم العراق من 1968-2003 الذي ارتكب أبشع وأوسع الجرائم ضد الشعب العراقي وضد شعوب المنطقة وعرّض استقلال الوطن وسيادته إلى الخطر وكذلك تم إجراء حوارات موسعة تهدف إلى رص الصف الوطني العراقي ومواجهة الإرهاب والعنف والصراعات الجانبية ودعم العملية السياسية وتشجيع وتوسيع المشاركة وتحقيق التوافق الوطني خدمة للمصالح العليا للعراق والعراقيين.
أكدت الحوارات على ضرورة أن يغتـنم البعثين اللذين عملوا سابقاً في صفوف حزب السلطة البائدة فرصة مشروع المصالحة الوطنية والمواقف الأخيرة للحكومة العراقية للتحرك بسرعة لفرز المجرمين الذين ارتكبوا جرائم بشعة ضد الشعب العراقي ومهما كانت مواقعهم الحزبية والحكومية السابقة عن صفوفهم وأوساطهم، فهؤلاء عار على من يتصل بهم ويعمل معهم وهم مطلوبون للعدالة. والإعلان وبشكل واضح وعلى نطاق واسع أدانتهم لما تم ارتكابه من جرائم وانتهاكات وحروب داخلية وخارجية بأسم البعث وبأسم النظام القومي العربي...
والقيام بمراجعة شاملة للفكر والممارسة والسياسات التي تميّز بها الحزب في العهد الصدامي البائد (من عام 1968 وحتى 2003) وكيف تمكن الدكتاتور من تغيير الحزب السياسي التغييري وتحويله الى منظمة بوليسية إرهابية للتجسس وقتل المعارضين وإرهابهم والى أداة قمع لصالح سلطة صدام وعائلته. وإعلان نتائج لتلك المراجعة للرأي العام العراقي).
بالتالي اعتقد إن التحرك الحكومي حتى قبيل إعلان المالكي كان واضحاً بالانفتاح على البعثين كأشخاص و على البعث قطر العراق و ليس على بعث صدام كما ضن البعض .

إعلان المبادرة

رئيس الوزراء المالكي ، وانسجاماً مع المتغيرات الايجابية .. وخاصة بعد قدوم مجموعة من الساسة المعارضين لداخل العراق و إعلانهم الرغبة بالعمل السياسي السلمي المعارض بالداخل العراقي .. دعا المالكي لمبادرة لدعوة جميع المعارضين و المتعاونين السابقين مع النظام البعثي السابق للعودة للعراق و العمل على أرضه مقابل إدانة جرائم بعث صدام و عدم تورطهم بقضايا الإرهاب .. دعوة المالكي بفتح صفحة جديدة وتبني سياسة المصالحة والمسامحة حتى مع مَن تعاون مع النظام السابق، تأتي ضمن مشروع، يتبنى أيضا ضم حركات من خارج العملية السياسية ودمجها في الحياة السياسية في المرحلة المقبلة .. عبر آلية الانتخابات الديمقراطية .. وقد سارعت الكثير من الجهات الحكومية و السياسية المعارضة العائدة حديثاً للعراق .. إعلان رغبتها بعقد مؤتمر عام لهذه الأحزاب الراغبة بالعودة للعمل في العراق في نيسان القادم .. إلا أن الكثير من وسائل الإعلام اعتبرت إن المقصود من المؤتمر و الشخصيات المدعوة هم البعث السابق .. دون الأخذ بنظر الاعتبار الفرق بين حزب البعث السابق و قطر العراق المتواجد في سوريا .. مما أدى لخلط كبير فتح باباً للمزايدات السياسية .

الخلافات تتصاعد

إطلاق المبادرة الداعية لعودة المعارضين السياسيين إلى العراق .. فتح ملف الخلافات السياسية العراقية على مصراعيه ، و سرعان ما تحول لجدل كبير داخل الأروقة السياسية .. كما حمل جملة من التناقضات لعل أهمها .. اختلاف الخطاب الإعلامي لنفس الجهة او نفس الشخصية .. كما برز حالة من التغيير في أطروحات بعض الحركات السياسية المشاركة في العملية السياسية عندما عبرت عن رفضها الانفتاح على مجرمو البعث .. في حين إن خطاباتهم في المرحلة السابقة كانت تدعو للحوار و الانفتاح مع البعث .. كما عبر البعض إن هذه الأطروحات لا تعدو إلا ترويجاً إعلامياً بعيداً عن الواقع مشككاً بنوايا الحكومة .. جهات سياسية و شعبية على صعيد آخر رفضت بشكل قاطع إعادة البعثين و اعتبرته متاجرة بالدماء العراقية التي بذلت في سبيل الحرية و الديمقراطية .. إلا إن الأغلبية لم يلتفتوا إلى إن البعث المقصود لم يكن بعث صدام المحظور دستورياً !!

2
بين مفهوم المواطنة الأمريكية و مفهوم المواطنة العراقية .. في ضوء وصول الرئيس اوباما للحكم
مازن الياسري
www.alyasery.com
مرت فترة على فوز المرشح الديمقراطي السيناتور باراك حسين اوباما ، بالانتخابات الأمريكية الرئاسية .. وبطبيعة الحال نحن بحاجة لقرأه فوز اوباما من أكثر من زاويا .. كما لابئس بالمقارنة بين واقع المواطنة الأمريكية الذي افرز وصول اوباما و بين واقع المواطنة في العراق .
الولايات المتحدة الأمريكية ، البلد الأكبر على المعمورة بمقدراته و نفوذه ، رغم تاريخه القصير و الحافل .. انه القطب الواحد في عالمنا .. وبطبيعة الحال فالعالم بأسره يتابع كل صغيرة و كبيرة في هذا البلد .. وخاصة ألانتخابات الرئاسية في أمريكا ، حيث هي شغل شاغل للعالم اجمع .. فرئيس هذا البلد لا ينحصر دوره في مجال بلاده فقط أو في المجال الإقليمي بل يتعدى ذلك للتأثير في العالم اجمع .. الولايات المتحدة وكما توصف بقلعة الرأسمالية و ببلاد التجربة الديمقراطية ، الموقف العالمي و خاصة الشعبي حيالها منقسم بين مؤيد و داعم و رافض و معادي .. فالمؤيدون يمجدون إما المعارضون فيشوهون .. انه صراع الإيجاب و السلب (جدلية التاريخ بين المتناقضين) .. إلا إن حدث الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي توجت المرشح الديمقراطي (باراك اوباما) لمنصب الرئيس الرابع و الأربعين للولايات المتحدة الأمريكية جعلت جميع المنصفين و الموضوعيين على بقاع المعمورة الشاسعة تتأمل بأحترام ما جرى في بلد الديمقراطية .
ففي المرحلة التي يعج بها العالم بالأحداث و التحديات و الصراعات .. وفي أقسى مراحل النزاعات الحضارية و الثقافية نجد إن العالم الحر (كما يسمى) أصبح بقيادة رجل اسود اللون و من أصول افريقية مسلمة ، إنها قمة ما وصل إليه العالم المعاصر من مفاهيم المواطنة .

الرجل الأسود في البيت الأبيض
لعل أهم المشكلات التاريخية التي برزت في الولايات المتحدة وتركت ضلالها على الواقعين الداخلي و الخارجي في أمريكا ... قضية التمييز ضد السود ، فعلى الرغم من إن الولايات المتحدة بلد متنوع في سكانه فالأمريكان من عدة أعراق و ثقافات مختلفة تجمعت من مختلف اقصاع العالم بهجرات متنوعة ، إلا إن التمييز ضد السود كان الظاهرة الأبرز .. معاناة السود الأمريكان أو (النغر) كما كان يطلق عليهم على سبيل النكاية استمرت لفترات متأخرة من القرن العشرين ، بل إن جزء طفيف منها قد لا يزال موجود ليومنا هذا .. ولكن كل ذلك لم يحول دون وصول رجل اسود البشرة من أصول افريقية مسلمة لسدة الحكم في البيت الأبيض .
فوز اوباما في انتخابات الرئاسة الأمريكية ، يعد متغير هام في تاريخ الولايات المتحدة و العالم وفي مفاهيم المواطنة حول العالم .. ففوز اوباما أعطى مؤشر جديد في مجال حقوق المواطنة و الانتماء و المشاركة و بالنهاية هو متغير في ملف حقوق الإنسان .. فوز اوباما وجلوسه في البيت الأبيض يعني إمكانية أي شخص من أي جنس أو عرق أو لون أو دين ، ان يحكم الولايات المتحدة ما دامت جنسيته أمريكية .. بعبارة أخرى أصبح كل أمريكي بغض النظر عن أصوله قادر على الحلم له أو لأولاده بحكم هذه الدولة أو المساهمة بأي مفصل رسمي فيها .. في حين ان بعض السكان في مختلف دول العالم مصادر منهم حتى الحلم في ضوء التمييز الذي تنتهجه حكوماتهم و أنظمتهم السياسية .. ففي البلاد العربية مثلاً نحن نعيش وسط ملكيات عائلية او جمهوريات بصبغة الممالك ، الحكم محصور فيها بأيدي عوائل او مذاهب او أعراق ... الخ .. في حين بقية الشعب ليس لهم الحق في الحلم بحكم بلادهم .. و لا حاجة للأمثلة فالرسالة واضحة كما اضن ..

بين أمريكا و العراق
على الرغم من كون العراق يفوق محيطه الإقليمي إجمالاً وبنسب كبيرة ، بالنضج السياسي و الديمقراطية السلوكية السياسية .. وعلى الرغم من كل التحديات التي عاشها البلد خلال السنوات الماضية .. إلا إن حيز الحقوق و المواطنة على محدوديته النسبية هو يعلو ما موجود في الدول الإقليمية و المجاورة .. ولكن لنا وقفة بين المواطنة الأمريكية و المواطنة العراقية .. المواطنة الأمريكية تلك التي أوصلت الرئيس اوباما إلى البيت الأبيض متناسية لون بشرته و أصوله .. هل ممكن أن تتحقق في العراق .
بعبارة ابسط هل من الممكن أن نصل لمرحلة من الإيمان بالمواطنة بحيث يستطيع أي ممن يمتلكون الجنسية العراقية الترشيح لرئاسة البلاد بعيداً عن انتمائهم القومي و الديني و المذهبي و ألاثني .. هل هذا وارد في ونحن ندعي المواطنة الكاملة ضمن الدستور ؟
هل يستطيع عراقي مسيحي او صابئي او ايزيدي او من أي مكون اخر مادام يمتلك الانتماء و الكفاءة .. ان يتمتع بكامل حقوق المواطنة ومنها حقه بترشيح نفسه للتنافس لحكم بلاده التي ينال حقوقه و ينفذ واجباته من خلال دستورها .. الذي يضمن قيم المواطنة .
ام لازالت قيم المواطنة لدينا حبراً على ورق .. المواطنة لابد أن تصبح امراً واقعاً لأنها أساس الوطنية .

3
الانتخابات المحلية في العراق .. تعلن بداية فصل جديد في عراق جديد

مازن الياسري
www.alyasery.com
ضربات ثقيلة للأحزاب الدينية ، تجاوزت التوقعات
المالكي اكتسح الجميع .. و الحكيم و الجعفري و الهاشمي اكبر الخاسرين

 في الحادي و الثلاثين من شهر كانون الثاني / يناير الماضي ، جرت انتخابات مجالس المحافظات العراقية (الانتخابات المحلية) .. التي تحمل الكثير من الأهمية في الواقع السياسي العراقي الجديد ، لما تمثله من مساحة لنفوذ و شعبية للحزب السياسي داخل المدن العراقية .. الانتخابات المحلية السابقة في العراق ، و التي كانت مختصرة على مجموعة من الكيانات المتنفذة و بمراحل زمنية غير طويلة ، أفرزت وصول الأحزاب الدينية .
انتخابات مجالس المحافظات الحالية هي الثانية من نوعها في العراق بعد الانتخابات الأولى التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني يناير عام 2005 ، بالتزامن مع انتخابات مجلس النواب ، وهي المرة الأولى أيضاً التي يتم اختيار أعضاء مجالس الانتخابات بالاقتراع المباشر، بعد أن كانت عضوية مجلس المحافظة تجري من خلال التعيين المباشر من قبل الحكومة في عهد النظام السابق والأنظمة التي سبقته.
مجالس المحافظات العراقية .. أصبحت من الأهمية الكبرى لدى جميع الأطراف السياسية العراقية المتنافسة ، لما تقدمه من نفوذ شعبي و مادي (خاصة مع الأخذ بنظر الاعتبار الموارد المالية الضخمة المخصصة للأعمار و الاستثمار في المحافظات العراقية التي أنهكت بسبب الحروب و التردي الأمني في المراحل السابقة) ، في المراحل السابقة من العراق الجديد ، استطاعت الأحزاب الدينية من فرض سطوتها على مجالس المحافظات
على مجموعة من الكيانات المتنفذة و بمراحل زمنية غير طويلة ، أفرزت وصول الأحزاب الدينية .
انتخابات مجالس المحافظات الحالية هي الثانية من نوعها في العراق بعد الانتخابات الأولى التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني يناير عام 2005 ، بالتزامن مع انتخابات مجلس النواب ، وهي المرة الأولى أيضاً التي يتم اختيار أعضاء مجالس الانتخابات بالاقتراع المباشر، بعد أن كانت عضوية مجلس المحافظة تجري من خلال التعيين المباشر من قبل الحكومة في عهد النظام السابق والأنظمة التي سبقته.
مجالس المحافظات العراقية .. أصبحت من الأهمية الكبرى لدى جميع الأطراف السياسية العراقية المتنافسة ، لما تقدمه من نفوذ شعبي و مادي (خاصة مع الأخذ بنظر الاعتبار الموارد المالية الضخمة المخصصة للأعمار و الاستثمار في المحافظات العراقية التي أنهكت بسبب الحروب و التردي الأمني في المراحل السابقة) ، في المراحل السابقة من العراق الجديد ، استطاعت الأحزاب الدينية من فرض سطوتها على مجالس المحافظات
بشكل كبير .. خاصة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة السيد (عبد العزيز الحكيم) حيث فرض سيطرته على مجمل مجالس المحافظات العراقية في المناطق الجنوبية و الوسطى من العراق ، و الحزب الإسلامي العراقي بزعامي الدكتور (طارق الهاشمي) الذي فرض نفوه على المحافظات ذات الغالبية السنية ، الصلاحيات الموسعة التي يمتلكها مجلس المحافظة ، أدخلت البلاد أزمة بين المركز و الإقليم و المحافظة ، جرى حسمه في قانون (مجالس المحافظات العراقية) المقر في أيلول الماضي بعد مخاض عسير .. فلمجلس المحافظة صلاحيات اختيار المحافظ و نائبه ورئيس مجلس المحافظة و أمين العاصمة و له صلاحيات كبرى في مجال الأعمار و الاستثمار و الخدمات .. بالتالي فأن موارد المحافظة المالية مسخرة بيد هذا المجلس .
انفراج الملف الأمني في العراق منذ أواخر العام 2007 ، حفز البلاد على الانفتاح على الملفات الخدمية و الاستثمارية التي ظلت معطلة أبان معركة العراق في سبيل الأمن .. وقد أوضحت تقارير وزارتي الدفاع و الداخلية العراقيتين إن شهر كانون الثاني 2009 الذي شهد إجراء انتخابات مجالس المحافظات كان الأفضل أمناً منذ نيسان 2003 في إشارة للتطور الأمني الكبير الذي يشهده العراق .

صراع المرشحون

خلال ما يزيد على الستة أشهر ، و الفرقاء السياسيون في العراق من كتل و أحزاب و شخصيات وهم يعدون العدة لانتخابات مجالس المحافظات ، حملات دعائية كبيرة استنزفت أموالاً باهظة .. فتحت ملف الفساد الإداري ، فمن أين كل هذه الأموال .. ما مصدر التموين ، و هل إن خزانة البلاد أصبحت مسخرة لحملات الساسة الحاكمين أم ما الذي يجري .. فبغداد و باقي المحافظات غصت بالملصقات الانتخابية لدرجة تثير التعجب .
الانتخابات المقررة في أربعة عشر محافظة عراقية مستثنى منها (مدن كردستان الثلاث السليمانية و اربيل و دهوك و مدينة كركوك المتنازع عليها) تنافس عليها ما يزيد عن أربعة عشر ألف و ثلاثمائة مرشح لشغل أربعمائة و أربعين مقعد في مجمل المدن الأربع عشر التي شهد الانتخابات .. كما جرى إعداد ستة ألاف مركز انتخابي ، وسخر ما يزيد عن 39 ألف موظف للمساهمة في إجراء الانتخابات .. وما يقارب العشرون ألف مراقب بين دولي و محلي .. و بتنسيق مباشر بين المفوضية المستقلة العليا لشؤون الانتخابات العراقية و بين مكتب الأمم المتحدة بالعراق وبجميع فروعه .
الحملات الانتخابية الأوسع كانت لرئيس الوزراء العراقي (نوري المالكي) من خلال قائمته (ائتلاف دولة القانون) التي تضم سبعة أحزاب على رئسها (حزب الدعوة الإسلامية) الحاكم ، و قائمة (شهيد المحراب) المرتبطة بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي يتزعمه السيد (عبد العزيز الحكيم) و قائمة (تيار الإصلاح الوطني) المرتبطة بالدكتور (إبراهيم الجعفري) رئيس الوزراء السابق ، و قائمة (التوافق) المرتبطة بنائب رئيس الجمهورية الدكتور (طارق الهاشمي) ، إما القائمة العراقية الوطنية المرتبطة بالدكتور (إياد علاوي) رئيس الوزراء الأسبق فكانت اقل من الأخريات في حجم الترويج الإعلامي في إشارة لارتباط قوة الحملة بموقع القائم عليها .. فضلاً عن حملات متفاوتة لعدد كبير جداً من الأحزاب و الكيانات و التحالفات العشائرية و الشخصية الأخرى .
صراع المرشحين تصاعد مع قرب الانتخابات من خلال تزاحم الدعايات الانتخابية و التلميحات الإعلامية .. كما وصل إلى ذروة العنف بمقتل ثلاث مرشحين من قوائم مختلفة .. صاحبها تراشق بالتصريحات بين الفرقاء السياسيين عبر المحطات الإعلامية المختلفة .. فضلاً عن جولات مرثونية لجميع القيادات العراقية لجميع المحافظات العراقية سعياً لكسب الناخبين .

أزمة الشعار الانتخابي .. بين التغيير و التطوير

على الرغم من إن الشعار الانتخابي في العراق (لا يعدو أكثر من كونه حبراً على الورق) .. إلا إن سطحية ملحوظة بانت في كثير من هذه الشعارات .. مبدئيا فالمرشح و الناخب العراقي على حد سواء ، لا يعتمدون على البرنامج و الشعار الانتخابي بقدر اعتمادهم على الولاء
و الانتماء و العلاقات الاجتماعية ، ثم إن ثقافة المواطن العراقي السياسية على الرغم من نموها بسبب تصدر الحدث العراقي (السياسي) دائماً في كل مدخلات الحياة العامة في العراق ، إلا إن هذه الثقافة منساقة غير مجردة .. بعبارة أخرى إن الثقافة السياسية في العراق ليست أكاديمية بل عشوائية منسجمة مع عشوائية الواقع العراقي .. لكن لابد من الأخذ بنظر الاعتبار إن خمسة سنوات من عمر العراق الجديد أصبحت رهينة بمعرفة المواطن بكل ما حوله من ساسة و كيانات .. و تركت الباب مفتوحاً أمامه لاختيار الأفضل له ، من خلال تجربة الجميع .
معظم الشعارات الانتخابية التي غصت بها شوارع بغداد و المحافظات ، قدمت أطروحات تدغدغ مشاعر المواطنين بعيداً عن الواقع ، وبوعود لا يمكن تحقيقها .. كما استخدم مجموعة كبيرة من المرشحين مصطلح (التغيير) كرمز لدعايتهم الانتخابية ، بإشارة سلبية لتفهم الوضع في بلاد يحكمها دستور صوت عليه الشعب .. فكيف التغيير ؟ 

الإقبال الشعبي و الرسمي

الإقبال على الانتخابات سجل نسبة تزيد على الوسط ، وعلى الرغم من إن أعداد الراغبين بالتصويت كانت كبيرة إلا إن أعداد الناخبين (المهجرين) غير المسجلين حالت دون مشاركتهم ، محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك ، التي لم تشترك بالانتخابات افتتحت فيها مراكز لتصويت المهجرين ، ووقعت بنفس المطب بعدم تسجيل بعض المصوتين .
الوضع الأمني الايجابي ساهم بشكل ايجابي بنجاح الانتخابات .. كما سمحت الحكومة بتغطية الإعلاميين لفعاليات الانتخابات وبالبث المباشر وبممارسة الرقابة على سير التصويت .
رسمياً وفي خطوة لدفع الناخبين نحو التصويت خرج جميع القادة السياسيين الكبار وعلى رئسهم رئيس الوزراء للتصويت أمام الإعلام ومنذ ساعات مبكرة .. إلا إن أوسع المشاهد كانت خطوة زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي السيد (عبد العزيز الحكيم) الذي خرج مشياً على الأقدام مع مجموعة من الوزراء و أعضاء مجلس
النواب و قيادات حزبه الكبار للتصويت متحدياً المرض الذي يلم به .. المالكي و الجعفري و الهاشمي وعبد المهدي صوتوا أمام شاشات الفضائيات و الإعلام دفعاً لناخبيهم نحو التصويت .

النتائج تقلب السحر على الساحر

على الرغم من إعلان المفوضية المستقلة العليا للانتخابات بأن النتائج ستظهر في غضون أسابيع ، إلا إن النتائج الأولية و ما نقله المراقبون و المشرفون على الفرز الأولي ، أعطت مؤشراً واضحاً حول طبيعة النتائج التي أتت مفاجئة وبشكل ملحوظ جداً ، بل لدرجة ستغير معها الخارطة السياسية العراقية القائمة .. فالنتائج أفرزت اكتساح كبير لقائمة رئيس الوزراء العراقي (نوري المالكي) في محافظة بغداد و مجمل المحافظات العراقية ، إلا إن المفاجئة الكبرى هي التراجع المخيف في نسبة أصوات قوائم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي .. الذي يمثل احد اكبر الفصائل السياسية المتنفذة داخل مجالس المحافظات العراقية قبيل الانتخابات الحالية .. كما إن تهاوي قوائم أخرى لا تقل أهمية و نفوذ كقوائم الجعفري و الهاشمي .. ابرز حالة جديدة ممكن تسميتها بخسارة التيار الديني في الانتخابات المحلية .
الكيانات التي حصدت النجاح إلى جانب المالكي كانت القائمة العراقية الوطنية المرتبطة برئيس الوزراء الأسبق (إياد علاوي) أفضلها حالاً ، وحملت قوائم التيار الصدري نجاح ايجابياً في مدن العمارة و كربلاء المقدسة ، كما أبرزت الانتخابات نجاحات لأطراف لم شارك سابقاً في العملية السياسية .. كما الحال في نجاح قوائم (صحوة العراق) في الرمادي ، و نجاح قائمة (الحدباء) في الموصل وهي قائمة عربية ذات ميول قومية ، و نجاح كبير لقائمة المستقلين في كربلاء المقدسة .. بعد ان رزخت المدينة أسيرة لصراع الأحزاب الدينية فيها ، قائمة المشروع الوطني ذات البعد القومي و المرتبطة بصالح المطلك حققت نتائج جيدة في بعض المحافظات .. كما تتنافس قوائم علمانية مختلفة على مقاعد قليلة في بعض المحافظات .

الترحيب الدولي

ممثل الأمين العام للأمم المتحدة (ستيفان دي مستورا) عبر عن سعادته بنجاح الانتخابات معتبراً إن الإجراءات المتخذة للحيلولة دون التزوير و التلاعب التي جرت فيها ممكن وصفها بالانجح عالمياً .. كما قام دي مستورا بجولات ميدانية عديدة صبيحة يوم الانتخابات ليطلع عن قرب سير العملية الانتخابية .
الرئيس الأمريكي باراك اوباما، وصف الانتخابات العراقية بأنها (خطوة مهمة الى الأمام) ، معربا في الوقت نفسه عن (فخر الولايات المتحدة بما قدمته من معونات فنية لإنجاح الانتخابات).
اوباما ومن خلال بيان نشره البيت الأبيض صرح ( ان ملايين المواطنين العراقيين من كافة المجموعات العرقية والدينية  ذهبوا في سلام الى مراكز الاقتراع عبر البلاد لاختيار مجالس المحافظات ، مشيدا بالإجراءات التي نفذتها الحكومة العراقية في تنظيم الانتخابات التي وصفها بأنها  خطوة مهمة للأمام ويجب مواصلة عملية تولي العراقيين مسؤولية مستقبلهم).

بين الرابحون و الخاسرون

منطق الحياة يضع الجدلية بين الرابح و الخاسر محتدمة دوماً .. وصراع رابح و خاسر انتخابات المجالس المحلية في العراق ، بانت بوادره مع بدأ تسرب النتائج الأولية منذ الساعات الأولى من مساء يوم الانتخابات ، الطعونات الأولى أبرزت مشكلتان أولهما عدم تمكن الكثير من المهجرين من الإدلاء بأصواتهم بسبب إن أسمائهم ثبتت في مناطق سكناهم في المناطق التي هجروا منها أبان مراحل العنف الطائفي في العام 2006 ، و لمعالجة هذا المتغير الطارئ و كرد فعل للتحسن الأمني الكبير أعلنت الحكومة العراقية ظهيرة يوم الانتخابات عن رفع حظر التجوال عن المركبات ليتسنى وصول الجميع لمراكز الاقتراع ، وعلى الرغم من عدم وصول الأغلبية إلا إن رفع حظر التجوال أعطى دلاله عن طبيعة التطور الأمني العراقي بشكل ملحوظ ..ومن الجدير بالذكر ان مجموعة من المهجرين الذين حرموا من التصويت في ديالى و بغداد قاموا بمظاهرات صاخبة مطالبين بالتصويت ، إما ثاني المشاكل التي واجهتها الانتخابات هي اتهام بعض المتنافسين لتدخل بعض الموظفين في التأثير على الناخب لصالح جهة معينة .. وخاصة في حادثة تدخل الحزب الإسلامي على ناخبي الفلوجة التي تدخل الجيش للحد منها بعد شكوى الصحوة حول هذا الخرق .. مع إشارة تقدم قائمة رئيس الوزراء في الفلوجة على القوائم الأخرى .
كما اكتشفت بعض حالات إزالة الحبر من الأصابع في محاولة التصويت مرتين .. ووفق المراقبين الدوليين كانت هنالك حالت تشابه أسماء واحدة ..
وكانت مراكز الاقتراع في 14 محافظة عراقية قد أغلقت أبوابها في السادسة من مساء يوم السبت ، بعد الانتخابات الماراثونية التي استمرت 11 ساعة ، وبنسب مشاركة متوسطة من قبل الناخبين الـ15 مليونا الذين يحق لهم التصويت بانتخابات مجالس المحافظات ، بحسب المراقبين ، وسط أجواء شابها الهدوء في عموم العراق، بلا إي حوادث أمنية

4
اوباما يستبق وصوله للبيت الأبيض بالرغبة في الوصول لحل نهائي بالعراق
وبايدن في بغداد ليجد الحلول
مازن الياسري
على الرغم من إن توقيع (الاتفاقية العراقية – الأمريكية) الذي جرى مؤخراً ، وما تبعه من إخراج العراق رسمياً من وصاية البند السابع و بدأ سلسلة تسليم المواقع تحت السيطرة الأمريكية للحكومة العراقية ، إلا إن ملف العراق لا زال يؤرق الرئيس الأمريكي المنتخب حديثاً (باراك اوباما) فبلا شك كان لموقف اوباما المناهض لاستمرار التورط الأمريكي في العراق الدور الأكبر على ناخبيه .. كما إن الرجل وعد بتوجيه سياسة إدارته نحو الملفات الداخلية و أعمها اقتصادية .. و سرعان ما تداعى الاقتصاد العالمي أمام أزمة مالية خانقة .. عززت من قلق اوباما.
يبدو إن الملفات التي ينتظرها اوباما أغرقته قبل وصوله لإدارته .. وهذا ما دفعه للسعي لإيجاد حل سريع لأهم ملف يتعلق بالولايات المتحدة في عهده وهو إنهاء الوجود العسكري لجيشه في العراق .. فبلا سابق إنذار ، أو إي تسريبات صحفية .. فوجئ العراق بزيارة رسمية موسعة لنائب الرئيس المقبل السيناتور الديمقراطي (جوزيف بايدن) إلى بغداد مطلع هذا الأسبوع ، في إشارة واضحة لرغبة إدارة الرئيس اوباما بالتخلص من الملف العراقي بأسرع وقت ممكن .

النائب صاحب فكرة التقسيم :
بايدن الذي ترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لمدة طويلة ، وينتظر قريباً منصب نائب الرئيس الأمريكي ، كان قد صوت في العام 2003 لصالح غزو العراق إلا انه أصبح في ما بعد من منتقدي الحرب وطريقة الرئيس بوش في تنفيذها .. بايدن يحظى بشهرة واسعة في العراق بوصفه واضع خطة في العام 2006 لتقسيم البلاد إلى حكومات تحكم ذاتها بأقاليم سنية وشيعية وكردية ، وهي فكرة أثارت انزعاج العديد من المواطنين و السياسيين العراقيين لكن النسيان طواها مع انحسار العنف.
وفي نهاية جولة له في بلدان جنوب غرب آسيا تضمنت باكستان وأفغانستان ، حيث يسعى اوباما لإرسال المزيد من القوات إليها بعد أن يسحبها من العراق .. وصل بايدن الى بغداد في زيارة رسمية لم يعلن عنها مسبقاً .. الزيارة لم تكن مختصرة او بروتوكولية ، بل كانت موسعة و شملت العديد من اللقاءات و الزيارات الرسمية .. كما جرى خلالها فتح العديد من الملفات الهامة و المصيرية ، العلنية و السرية .. واهم من هذا و ذاك فالزيارة تعد تمهيدا لتمتين العلاقة بين العراق و الإدارة الجديدة للولايات المتحدة ، التي ستستلم مهامها خلال الأيام القليلة المقبلة ، خاصة وان هناك شعور عام لدى القيادات السياسية العراقية بان التعاون بين البلدين لابد أن يستمر، وهذه الزيارة ستكون خطوة مهمة في سبيل توطيد هذه العلاقة .
لقاءات رسمية :
نائب الرئيس الأميركي اصطحب معه وفداً من مجلس الشيوخ ، و حرص على حضور السفير الأمريكي في بغداد (رايان كروكر) وقائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال (اوديرنو) في لقاءاته العديدة ، و التي استهلها فور وصوله مع الرئيس (جلال الطالباني) ونائبه (عادل عبد المهدي) ونائب رئيس الوزراء (برهم صالح) في لقاءات منفردة .. ضمت وزراء عراقيين أخريين .. بايدن عبر عن تحيات الرئيس الأمريكي المنتخب باراك اوباما إلى الرئيس طالباني ، مؤكداً بأن الإدارة الأمريكية الجديدة صديقة للعراق ، مثمناً دور الرئيس  طالباني في تطوير العراق ودفع مسيرته السياسية ، واصفاً إياه بأنه قائد تاريخي للعراق تمكن من كسب شعبية واسعة وكبيرة داخل البلد على صعيد المهام الوطنية الداخلية وخارج العراق على صعيد تعزيز العلاقات الدبلوماسية والثنائية المشتركة بين العراق وبين كل من دول الجوار والمنطقة والعالم .. إما محاور اللقاءات الأولى فكانت تتمحور حول التشاور والتباحث في اتفاقية انسحاب القوات الأجنبية من العراق واتفاقية الإطار الاستراتيجي وخطوات تنفيذهما .. في رسالة تطمين لحكومة العراق بالتزام إدارة اوباما ببنود الاتفاقية التي و قعتها إدارة بوش ، كما جرى التباحث أيضاً في سبل التعاون الثقافي والتجاري في سياق اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين .. فضلاً عن فتح ملف الانسحاب الأمريكي من العراق و ملف مدى القدرة العراقية على استلام الملفات الأمنية الكاملة في البلاد ، كما جرى في لقاء بايدن مع برهم صالح و لا حقاً مع النائب الثاني لرئيس الوزراء العراقي (رافع العيساوي) فتح ملف أزمة الخدمات و البنى التحتية التي يعانيها العراق .
رئيس الوزراء (نوري المالكي) ولدى استقباله بايدن بمكتبه الرسمي ببغداد ، استعرض معه  التقدم في المسارين الأمني والسياسي ، والنجاحات التي حققتها حكومة العراق في التخلص من شبح الحرب الطائفية ، ونجاحها في فرض القانون وبناء القوات المسلحة القادرة على تحمل المسؤولية بعد انسحاب القوات الأجنبية من العراق .
وأكد المالكي على أهمية تبادل وجهات النظر من اجل تطوير العلاقات وزيادة التعاون بين البلدين في جميع المجالات مع دخول العراق مرحلة جديدة من البناء والأعمار والاعتماد على قدراته الذاتية .. مضيفاً : لقد حققنا الكثير من الانجازات عام 2008 على صعيد بناء القوات المسلحة وفرض القانون والتخلص من الإرهابيين والخارجين عن القانون ، وان جيشنا سيكون في عام 2009 أكثر استعداداً لتحمل مسؤولياته والتقليل من الاعتماد على القوات الأمريكية ، كما لم تقتصر انجازاتنا على بناء الجيش والأجهزة الأمنية بل شملت نجاحات أخرى على صعيد المصالحة الوطنية  وبناء دولة المؤسسات  وتفعيل دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني .
من جهته أشاد بايدن بالتطورات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي حققتها الحكومة العراقية والتشريعات والقوانين ، مجددا دعم الولايات المتحدة للعملية السياسية ولخطوات استعادة السيادة الوطنية ، مؤكداً أهمية استمرار التعاون والتنسيق لتنفيذ اتفاق سحب القوات الأجنبية الموقعة بين البلدين .
ملفات خلف الكواليس :
زيارة بايدن إلى بغداد تأتي وفق مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي للاطلاع على آراء القادة العراقيين بشأن الأوضاع الأمنية والسياسية استعدادا للخطة التي سيضعها الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما بشأن العراق ، المصدر أكد إن بايدن استطلع آراء القادة العراقيين حول جملة من القضايا المهمة والمعطيات السياسية وطرح عليهم جملة أفكار بشأن الإستراتيجية التي ستتبعها واشنطن عند استلام اوباما الرئاسة الأميركية ، ولفت إلى إن  الاتفاقية الأمنية كانت المحور الأبرز في هذه النقاشات إذ إن بايدن طالب في لقاءاته مع القادة العراقيين الإجابة على تساؤل هام وهو (هل بإمكانكم تحمل استحقاقات الاتفاقية الأمنية في المجال العسكري المتمثل بالانسحاب والمجال السياسي المتمثل في تحول مقاليد الأمور الخارجية كافة إلى الحكومة العراقية ؟) .. كما حاول بايدن استقراء الأجواء السياسية الخاصة داخل الأروقة السياسية و الطائفية العراقية من خلال حرصه على لقاء برلمانين نافذين من مختلف الكتل و الممثليات العراقية .
إشارات سياسية من خلف الستار لمحت إن زيارة بايدن المفاجئة لا يمكن أن تبتعد عن الخلاف المتنامي بين المالكي و البارزاني حول صلاحيات الحكومة المركزية و حكومة الإقليم (إقليم كوردستان) رئيس إقليم كردستان (مسعود البارزاني) هاجم المالكي علناً قبل يومين من هبوط بايدن في بغداد واصفاً الخطوات التي يخطوها رئيس الوزراء العراقي المالكي وخاصة الراغبة في تعديل بعض فقرات الدستور طلباً لمزيد من القوة لحكومته المركزية ، تهدد وحدة البلاد وتسبب في ازدياد الانتقادات بين صفوف الأكراد ، كما تتجه بالمالكي نحو السلطة المطلقة ، وهذا ما اعتبره البارازاني تهديداً قد يواجهه الأكراد بإعلانهم الاستقلال عن الحكومة العراقية .. بايدن أعلن بعيد وصوله بغداد انه سيتوجه إلى كركوك لإجراء لقاءات رسمية (دون الإشارة بمن؟) ثم يتوجه منها إلى كوردستان للقاء البارزاني .. في تلميح خطير للأكراد .. بكون إن كركوك التي يسعى بايدن لزيارتها تعد حجر الزاوية في الخلاف العربي – الكردي في العراق ، وهذا يعيد إلى الأذهان الآلية التي استخدمتها إدارة الرئيس بوش في تطويع الأكراد من خلال العزف على وتر كركوك .
الملف الاقتصادي العالمي لم يبتعد عن أجواء الزيارة ، حيث أعلن مجلس الوزراء العراقي بعيد وصول بايدن بيوم واحد (الاعتماد) بشأن المشاريع المنفذة من قبل الولايات المتحدة في العراق من خلال إعداد مذكرة تفاهم بين الطرفين لجرد واستلام المشاريع وفق وضعها الحالي ، على أن لا يترتب عليها التزامات مالية بين الطرفين ، لكون هذه المشاريع مقدمة كهدية من الحكومة الأمريكية .. في إشارة إلى الرغبة الأمريكية في الخروج من التبعات الاقتصادية داخل العراق .
وقد تزامنت زيارة بايدن ، برد عراقي مستغرب حول الأنباء التي ترددت حول وصول أسلحة أمريكية إلى إسرائيل عن طريق العراق ، حيث أكد الدكتور (محمد حاج حمود) وكيل وزير الخارجية العراقي قائلاً : إنني كرجل مسئول عن السياسة الخارجية لبلادي استبعد هذا الشيء كلياً فلا يمكن للعراق تحت أي وضع كان أن يسهم بوصول أسلحة إلى إسرائيل سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .

5
اصبت يا مصطفى العمار .. فالعراق بحاجة الى فن اخر
مازن الياسري
www.alyasery.com


قبل ايام قليلة شاهدت بالمصادفة وعلى برنامج (حديث النهرين) الذي تبثه قناة (الحرة عراق) لقاءاً مع الفنان العراقي الشاب (المغترب) مصطفى العمار .. البرنامج الذي اعتدت ان اراه يناقش القضايا السياسية و الاجتماعية ، فوجئت بأني ارى (فديو كليب) لاغنية عراقية تبث من خلاله .. وعلى الرغم من انني لم اعرف المغني الا ان موضوع الاغنية شدني لمتابعة الحوار .. فالاغنية تتحدث عن عراقي يعيش في المهجر و لكن حنينه لبلاده و عشقه لجمالها يدعوه للعودة .. تاركاً منفاه في ظهره .. المهم لقد عرف مقدم البرنامج ضيوفه على المشاهدين وكان احدهم مؤدي الاغنية (مصطفى العمار) وهنا عرفت الاسم فلقد مر الاسم امامي بعض الاحيان عبر تصفحي لمواقع الانترنيت العراقية لكني لم اكن اعرف الصورة او الصوت .. كل ما عرفته ان (العمار) فنان عراقي مغترب ، يقطن في المانيا و اصوله من مدينة الكوت شرق العراق .. وانه يستخدم اسلوب دمج الغناء الفلوكلوري العراقي بالمعدات الموسيقية الحديثة .. وقد كان العمار الفنان العربي الأول الذي يدعى للمشاركة في مهرجان فني عالمي تنظمه شركة (سوني ميوزك بوكس) العالمية في فلوريدا الولايات المتحدة .. هذه بأختصار كل ما كنت قد اطلعت عليه عن (العمار) عبر الانترنيت و بالمصادفة .
ولنعود الى صلب الموضوع ، كان محور الحلقة يتحدث عن المغترب العراقي و تحديات رجوعه للوطن . مقدم البرنامج وضيوفه طرحوا جملة من التحديات التي تعرقل اندماج المغترب العراقي العائد لوطنه بمواطنيه .. ومنها شعور مجموعة من المغتربين العائدين بالفوقية تجاه اقرانهم ، و شعور الموطنين بالداخل العراقي بأن المغترب لم يقاسمهم ايامهم العصيبة بل عاش حياة مرفهه بالخارج .. ونمو ضاهرة سياسية عرفت بعراقيي الداخل و عراقيي الخارج .. وتنامي مشكلة التمييز لدى الكثير من المواطنين الذين لا يحصلون على فرص وضيفية في حين حصد قسم من عراقيوا المهجر حصة الاسد من الوضائف الرسمية و الحساسة في العراق الجديد مع الاشارة الى ان بعضهم لا يمتلك الاهلية الكاملة لشغل بعض الوضائف .. الاراء المختلفة لضيوف البرنامج كانت متباينة بطبيعة الحال .. وهذا لم يكن بالجديد او غير المتوقع .. ولكن ما اثار اهتمامي هو حديث (مصطفى العمار) عن دور الفن (الغناء) في التعاطي مع الواقع العراقي تجاه مغتربيه ، وكيفية اغراء المغترب العراقي بالعودة لبلاده لخدمتها بالتجارب التي اكتسبها او بالشهادة العلمية التي قد حصل عليها .
العمار ، عبر عن استغرابه من سوداوية الترويج الفني لواقع العراق .. من خلال نقل المشاهد المأساوية من موت وحرائق و ثكالى على انغام اغنيات حزينة تتغنى بالوطن .. وعدم عرض الجوانب المشرقة من الحياة في العراق جوانب الحضارة و الحب و السلام و التفائل .. بالتالي ولسوء الترويج الفني لواقع العراق بقى معظم مغتربيه على رأي (العمار) .. يرفضون العودة لبلادهم .
و بلا شك ما تفوه به (العمار) هو المنطق او عين المنطق كما يقال .. فكيف اساعد بلادي و شعبي على تخطي ازمة وطني بالبكاء و العويل و مشاهد الموت .. ام بضواهر الحياة التي عادت الى بغداد و اسعدت اهلها .. قبل مدة قصيرة عندما حل عيد الفطر المبارك .. حاول الارهابيين تعكير صفوة العيد في نفوس العراقيين من خلال استهدافهم لبعض مناطق تجمع المتبضعين في بغداد .. ولكن الحياة استمرت و المتنزهات و المطاعم و المسارح و القاعات غصت بالحضور ، وهنا المفارقة التي اشارك بها (العمار) رئيه .. فالاعلام كان ينقل مشاهد الدمار الذي خلفه استهداف الارهابيين اكثر مما نقل مشاهد الفرح و السعادة على وجوه العراقيين ! .. هل الاعلام يريد العراق هكذا دوماً متشحاً للسواد ؟
ومن جانب اخر من ما اثار اهتمامي في طرح العمار لضرورة التعاطي مع الفن الغنائي الوطني (بروحية متفائلة) هو ادراكي ان الفن الغنائي يمكن ان يؤثر على طبقة واسعة من سواد الناس .. اكثر مما يؤثر فيهم المقال او البحث او اللقاء السياسي المتلفز .. فلكل شخص وسائله في متابعة حياته .. مع التأكيد على ان بساطة ايماءات الفن و سهولة ايصاله للرسالة ، تؤثر على عقلية المتلقين وخاصة البسطاء منهم .. فلماذا التوجه الدائم حتى في الاغاني الوطنية التي تردد حب العراق للبس السواد و الموت .. بعبارة اخرى .. كثيراً ما اشاهد منظر النساء الثكالى اللواتي فقدن اعزائهن في (فيديو كلبات) لاغاني وطنية حول العراق .. ولكني لم ارى اي اغنية وطنية تظهر (زها حديد) اليست زها امرأة عراقية ايضاً بل رمزاً للعراقية .. ام ان الاعلام يفضل ان يضهر اللامرأة الباكية النادبة اللاطمة لانها ستفجر مشاعر المشاهدين العاطقية بمزيد من البؤس .. على اظهاره لزها حديد العراقية التي تعتبر اليوم افضل مهندسة معمارية في العالم اجمع .. هل هذا ما يريده الفن .. هل هذا ما يريده الاعلام ؟
ان التقولب بعباءة الحزن و المأساة ، لن يخدم العراق الجديد .. بل ان التفائل و الامل هو من سيقدم العراق ويطوره و يعمق من قيم التسامح و المصالحة .

و اجد من الضروري ان اشجع (العمار) وامثال (العمار) من الفنانين الصادقين بحبهم لبلادهم ممن يرغبون بالترويج لوجه العراق الجميل و المتفائل على الاستمرار بهذه الخطى .. فمن يمسح دموعة سرعان ما يبتسم .. وهكذا نريد للعراق ان يبتسم .

6
انتهى عصر الوئد وعصر الجواري و دخلنا عصر تفجير النساء

مازن الياسري
www.alyasery.com

هل انتهـى عصـر وئـد البنـات ، وعصر الجـواري ، والحريـم .. ليبدء عصـر تفجيـر البـنات (الانتحاريات) مالذي يحدث الان ؟ هل عقارب الساعة بدأت بالدوران بشكل عكسي من جديد .. نساء يفجرن انفسهن .. هل بأرادتهن  ، ام تحت ظغوط ، ام غسل الدماغ ؟ اسئلة عديدة تتمحور في فلك هذا الموضوع الشائك .
بعد تنامي الواقع العراقي الجديد ونجاح العمل الحكومي وخاصة امنياً .. بالتزامن مع ثورة عشائرية ضخمة ضد الارهاب في المناطق التي اسرها الارهاب مسبقا ً .. وانتقال العراق الى مراحل متقدمة في الاستقرار ، وتذبذب الارهاب وتراجعه بشكل كبير جداً ، وجدنا ضاهرة جديدة وخطيرة استعملها الارهابيون وهي ضاهرة تفجير انتحاريات نساء .
لعل اول اصول هذه الضاهرة ، كان في استعمال الارهابيون (للمتخلفين عقليا ً والمجانين والحيوانات السائبة) في اواخر عام 2005 كقنابل متحركة من خلال تفخيخها وارسالها الى المواطنين .. ضاهرة تفجير ذوي الاحتياجات الخاصة .. اثارت نقمة كبيرة على الارهابيين في الشارع العراقي لكونها ضاهرة نقيضة للانسانية واجرامية لدرجة السادية .
الا ان الارهاب وجد عنصرا ً جديداً  لاستخدامه في اعماله الاجرامية التخريبيه الدموية الموجهه ضد المدنين العزل ، حيث بدء يستخدم ومنذ مدة النساء .
خلفية استخدان النساء نشطت منذ تطور الواقع الامني في العراق .. حيث نجح مجموعة من القيادات الارهابية بالفرار من المناطق التي استولت عليها القوات العراقية الحكومية متنكرين بزي النساء .. على الرغم من وقوع بعضهم بأيدي العدالة الا ان الكثييرين فروا بهذه الطريقة .
بلا شك فأن الاعراف الاجتماعية العراقية تحول دون تفتيش الرجل للمرأة او حتى مسك اي موقع في جسدها ، بأعتبار المرأة  محصنة عن اي غريب .. الارهابيون استغلوا طبيعة العرف الاجتماعي هذه المرة ليمرروا الموت بين اجساد النساء اللائي لايخضعن لتفتيش رجال الامن المنتشرين في كل العراق .
الزيارات الدينية المليونية الكبرى التي تجري سنوياً في العراق .. كزيارة عاشوراء  و اربعينية الامام الحسين .. وزيارتي ولادة واستشهاد الامام علي بن ابي طالب .. و زيارة استشهاد الامام موسى بن جعفر ( الكاظم ) وغيرها من الزيارات .
الارهابيون استخدموا النساء في هذه المناسبات المكتضة كوسائل للتخريب عبر تفخيخهن مستغلين عدم تفتيش النساء .
لعل السبب وراء استخدام الارهاب للمرأة كأداة للتفجير هو استغلال الاعراف الاجتماعية اي تحول دون تعرضها لتفتيش الامني .الان السؤال الاهم هو من المرأة التي ترضى أن تفجر نفسها ؟ وكيف يتم اقناعها بتفجير نفسها ؟ وما البعد الانساني لهذه العمل ؟
لنبدأ من البعد الانساني لتفجير المرأة الانتحارية لذاتها .. بداية ان تفجير الشخص لذاته (ذكراً كان ام انثى) هو انتحار مرفوض وسادي وخاصة اذا كان لاغراض قتل اناس اخرين مدنين كما يحصل في العراق. .. الا ان استغلال المرأة لهذه الاغراض يعد قمة الانحطاط الانساني لانه استغلال لحقوق امرأة غير قادرة ان تأخذ قراراً بذاتها كما يحصل في مجتمعات الريف .. الذي تعامل فيه المرأة ببدائية .
اما من هي المرأة التي تفجر نفسها .. بعض التقارير الاخبارية تنقل ان الزعامات الارهابية التي تنتقل بين الكهوف والصحاري حيث كل ماهو بعيد عن المدينة و المدنية تظم في ركابها نساء عده كزوجات ومعضمهن من القصر .. واشارت بعض التقارير ان جزء من الانتحاريات هم من زوجات الارهابيون انفسهم .. زوجاتهم اللاتي تزوجوها اثناء هروبهم من القانون .. كما ان للايتام والارامل حصة الاسد في هذا الظلم المنظم .. فأثار الحروب واعمال العنف في العراق خلفت مجموعة كبيرة من الايتام والارامل .. وهؤلاء الايتام والارامل فضلاً عن الفقر المدقع الذي يعيشوه .. فهم يعيشون هاجس النقمة والاحقاد التي يزرعها بهم الارهابيون تجاه المجتمع .

اليات اقناع المرأة التي يستخدمها الارهابيون وعلى الرغم من كون معظمها لايزال  مبهم .. ولكنه بلا شك مبرمج .. فلست اتصور كيفية اقناع شخص بتفجير نفسه وقتل اناس اخرين وخاصة وهم من جلدته وهم اطفالاً ونساءً وشيوخاً وشباباً !.
بلاشك ان تفشي الفقر والجهل هما ابرز المواصفات التي يبحث عنها الارهابيون بضحياهم الذين يعدوهم للموت والقتل والتفجير .. وبلاشك ان الفقر والجهل عند المرأة في العراق هو اكثر مما عند الرجل بسبب الاعراف الاجتماعية في البلاد التي عاشت الفقر والعنف لاكثر من ربع قرن مضى .. كما ان غسيل الدماغ من خلال تعميق مشاعر الدونية والنقمة والاحقاد وتسفيه الحياه والاقناع بالاحباط الشديد .. تساهم في اقناع بعض الانتحاريات بتفجير انفسهن ورغم كل ذالك يتكرر السؤال كيف تفجر امرأة ذاتها ؟
ان مايحدث للمرأة في العراق من انتهاك بحاجة لنهضه حكومية رسمية ومجتمعية من خلال منظمات المجتمع المدني المعنية و الوسائل الاكاديمية التوعوية .. ان تفجير النساء بلا شك فاق وئدهن في عهد الجاهليةواجتاز عصر الحريم و الجواري (المشتريات المباعات) وفاق الاستغلال الجنسي الذي عانته امرأة العصور المتأخرة .. بأختصار نحن اما ضاهرة خطيرة جداً و مخيفة فعلى المعنين التحرك ...


7
الحضارة الإنسانية بين التحطيم والضياع
مازن الياسري

بعد إحكام سيطرة حكومة طالبان الإرهابية على العاصمة الأفغانية (كابل) في أواسط تسعينات القرن الماضي .. قام الإرهابيون بتدمير كل المرافق الحضارية والتاريخية في العاصمة كابول وعموم مدن أفغانستان الأخرى ، ولعل من راقب تلك الفترة عن كثب يتذكر الإحباط الثقافي العالمي عندما شهد العالم عبر شاشات التلفاز تفجير الطالبان لتماثيل بوذا العملاقة التاريخية الشهيرة في جبال أفغانستان ..
منظمة الثقافة العالمية (اليونسكو) طالبت آنذاك ، الطالبان بأن يحافظوا على هذا المعلم الحضاري بل عرضوا عليهم أن يشتروه بأي ثمن مادي لوضعه بأي متحف حول العالم حفاظاً على التاريخ .. إلا إن الطالبان فجروه كما حطموا غيره من الصروح الحضارية والمعمارية التاريخية في أفغانستان ، حتى أمست الديار الأفغانية كالجزيرة البدائية التي ليس عليها أي معلم حضاري سوى جبالها وأشجارها والبشر ..
ما الداعي وراء تفجير الصروح الحضارية .. وهل تدمير حضارة معينة كان وراءه إنشاء حضارة جديدة على أنقاض ما تحطم ؟
يحدثنا التاريخ إن الكثير من القادة العظام والجيوش الجبارة دمروا واحرقوا مدناً حضارية كبرى .. ولكنهم أقاموا بدلاً عنها مدن على طرازهم المعماري والحضاري و الفكري مما أدخلهم التاريخ ونشر أفكارهم وسياساتهم .
وقد أطلق التاريخ على الذين دمروا دون بناء واحرقوا وحطموا صروح الحضارة دون أن يكون لهم حضارة بالبرابرة و الهمجيين و الوحوش البشرية .
طالبان عندما حطموا تمثال بوذا على سبيل المثال هل أقاموا في مكانه وعلى أنقاضه مسجداً يذكر به الله ( لو افترضنا إن تحطيمهم للتمثال بكونه لا يمثل الإسلام دين الطالبان ) أم هل أنهم شيدوا مكانه جامعة للعلم أو نصباً يخلد مرحلة تاريخية ... باختصار لم و لن يقيموا شيئاً بل إنهم يحطمون صروح الحضارة الإنسانية التي تمثل تاريخ البشرية وتطور عصورها البنيوية ليذهبوا مساءاً للنوم بالكهوف المظلمة كأنما يعودون إلى عصور الإنسان البدائي (النياتردال) قبل ألاف السنين .
ثم لنعود مرة أخرى لتساؤل هام .. وهو هل وجود اثر غير إسلامي في أي بلد إسلامي يعتبر طعناً للهوية الإسلامية للبلاد ؟ أم يعد فخراً لها في أن تكون بلاداً عتيدة التاريخ الحضاري .
إن الآثار التاريخية والصروح الحضارية  لا تمثل فقط فخراً تاريخياً ووارداً اقتصادياً واجتماعياً دولياً وخاصة من خلال اقتصاد السياحة ، بل لا ننسى أيضاً إن الحضارة هي المحرك الدائم للمستقبل والسمة النفسية الايجابية على سكان البلدان التاريخية  ودافعهم نحو المستقبل .
هل الإرهاب يرغب في قطع صلة الحاضر بالماضي .. أم انه يرغب بإقناع من حوله بأفكاره البدائية التي لن تنال القبول إلا إذا طرحت في أجواء العصور البدائية سحيقة القدم واللاحضارية .
الإرهاب يستخدم عبارة (الجهاد) ومقاتلة الكفار منذ سنين عديدة , ولكني أقف عاجزاً عن تصنيف تفجير الصروح الحضارية في أي خانة من خانات الجهاد !!
هل إن تفجير و إحراق شارع المتنبي (الشارع الذي يعد أقدم سوق وراقيين أي تجار الكتب في العالم) أي إن هذا الشارع رمز من رموز الثقافة البشرية العالمية .. وما الرسالة الجهادية في تفجير معلم من معالم بغداد الجميلة وهو جسر الصرافية الحديدي أقدم جسر عصري في بغداد وواحد من أجمل جسورها معمارياً .
إن ضرب مثل هذه الصروح الحضارية وما سبقها من تفجيرات استهدفت المراقد المقدسة وفي عدة مدن , وتفجير وسرقة تماثيل بغداد الشهيرة كما الحال في تمثال عبد المحسن السعدون وتمثال أبو جعفر المنصور والملك فيصل الأول وغيرهم من صروح بغداد الجميلة وقبل كل هذا لابد أن لا ننسى ونعيد ربط الأحداث فأول كارثة تعرضت لها البلاد في مرحلة اللا قانون بعد انهيار حكم البعث الدكتاتوري كانت حادثة نهب المتحف الوطني العراقي أي تراث وحضارة الإنسانية .
إن ما يحدث في العراق اليوم على مستوى الحضارة والثقافة هو مسار منظم ومخطط وواضح ويهدف إلى سلخ البلاد عن كل معالمها وصروحها الحضارية .. انه مخطط لإفراغ الحاضر العراقي من خزائنه التاريخية التي عضدت نشوء الفكر العراقي بنيوياً للوصول لفهم التاريخ ولولوج المستقبل بثقة كبيرة ، إلا إن ضرب الصروح الحضارية يحاول فصل الماضي ليخلق ضبابية فكرية هجينة بين الماضي والمستقبل .. وهذه الظروف الهجينة المسمومة لكم تتعايش بصحة مع الإرهاب ، فالضبابية والفراغ تسمح لفكر الإرهاب العفن بالنمو والتقدم .. إما في المجتمعات المفكرة والمستقرة (صحيحة الذهن والجسد كما يقال) فلا لفكر الإرهاب من مكان مطلقاً .
الإرهاب يحاول قتل كل ما هو جميل ويستهدف أي متنفس للعائلة العراقية ليزيد في كبتها ويشجعها على ترك البلاد واللجوء للخارج ..
لقد شاهدت الكثير من الأفلام العالمية خيالية القصص تتحدث عن فرضية العودة إلى الوراء تاريخياً وكل محاور هذه الأفلام (الهوليودية) هو معرفة كنه معينة أو الوصول لسر حضاري أو لتمجيد رواد الإنسانية وبناة صروحها ، بل حتى لخيال علمي تاريخي .. ولكن لم نرى وازعاً نحو تحطيم الحضارة بهذا الشكل العبثي .. الإرهاب الأعمى اليوم لا يحبذ كشف التاريخ أو العودة به بل يسعى لتمزيقه ومحوه وتفجيره وحرقه لينشروا فكرهم الكهوفي الدموي السادي ويسيروا حفاة وسط القوافر والحفر التي تصنعها نزعاتهم الهمجية ..
فعجباً كل العجب على من يسوغ للإرهابيين أعمالهم أو يكنيهم بالمقاومين و المجاهدين أو الجماعات المسلحة محاولاً الاعتراف بهم ، وهو يعي بشاعة ممارساتهم ، أو رغبة البعض منح أعمالهم الهمجية قالباً من الشرعية ، وآخر يقترح التصالح معهم وما شاكل .. هل كل هذا الإجرام الذي خرج عن النسق البشري ليتحول هذه المرة لإبادة تاريخية حضارية ثقافية أيضاً .. مبرر عند البعض !!

8
نحو مصالحة سياسية عراقية
      الحلقة الأولى
مازن الياسري

لعلي من الموقنين بأن الأزمة التي يعيشها العراق الجديد أو لنقل أزماته الآنية المختلفة، هي ذات خلفية سياسية بالأساس.. و بلا شك إن المعالجة الموضوعية لأي (مشكل كان) تستوجب معرفة السبب وراء المشكل ذاته.. لاتخاذ تدابير الحل.. كما هو الحال في الطب على سبيل المثال.. فالطبيب لن يتمكن من إعطاء أي علاج من دون معرفة سبب العلة.. ومن هنا أرى إن علة العراق أو واحدة من أهم علله أو بعبارة أخرى (أكثر يسرا) العلة الأكثر ضرراً على البلاد هي علة أو مشكل أو أزمة أو خلاف سياسي.. سمها كما شئت من دون أن تغفل إنها سياسية.
أصل المشكل ليس وليد اليوم بالمطلق بل هو ذو خلفية تاريخية تستمد جذورها منذ عدة قرون سابقة..
حيث إن واقع البلاد منذ ما يقارب الأربعة عشر قرناً مضت ظل فيها العراق تحت مختلف الحكومات غير العراقية (إمبراطوريات، دول، ممالك، وغيرها) ساهمت في تغذية روحية المشكل السياسي التاريخي.. وهنا قد يتبادر للذهن إن وجود حكام أو حكومات غير عراقية على ارض العراق، صنعت أزمة قد نسميها (المواطن يحكم من أجنبي) على أساس إن الحكومات لم تكن ممثلة للشعب بل كانت معادية له اغلب الأحيان (وهذا ليس بالخطأ) ولكن المشكل الحقيقي في وجود حكومات غير عراقية كان من خلال (الفجوة بين الحاكم و المحكوم) المتسعة دوماً.. فالعراقي في بلده لم يستطع أن يشارك في رسم مسيرة بلاده أو سياساتها (بل بقي لفترات متعاقبة مسيرا لا مخيرا) وهذا السبب انعكس في الثورات و الانتفاضات وحالات العصيان التي زخر بها العراق كثيراً على مر العصور.
إن الأصل التاريخي للمشكلة السياسية في البلاد متشعبة و لا احسب إن تدارسها في هذا المحل من الشأن اليسير.. ولكن اليقين و الحقائق تؤكد إن المشكل السياسي عميق التأثير وقديم الوجود وتركته لا تزال تحفر في النفسية العراقية.. وحتى لا نطيل بالسرد في الموضوع، احسب إن تناول أصل الأزمة السياسية في عراق اليوم بشيء من الاختصار يفرض علي أن أبين إن أصل المشكلة السياسية في عراق اليوم أو احدى دعائمها مع تسليمنا إن المشكل السياسي ليس الوحيد، يعود إلى مرحلة الحكم الفردي الشمولي الذي خيم على العراق طوال حكم (حزب البعث) (المحظور حالياً) بالفترة بين العامين 1968 و 2003 حيث عانت المشاركة السياسية في عراق البعث أسوأ مراحلها وأشدها ظلمة.. فحكومة البعث لم تكتف بالتفرد بالسلطة بل قمعت معارضيها بأشد الوسائل قسوة.. واعتمدت نظام الحزب الواحد ثم تطورت نحو الفرد الواحد.. ومن ثم عاش العراق مرة أخرى في مرحلة يفتقد بها المواطن مواطنته من خلال سلب حريته الفكرية خاصة، ومن ثم انتهى مصير معظم الساسة العراقيين المعارضين لفكر و توجه البعث تحت أتربة المقابر الجماعية أو في غياهب السجون حالكة الظلمة ومرة التعذيب.
انفتاح العراق الجديد على حياة التعددية الحزبية و النظام البرلماني النيابي حمل في ثناياه ايجابيات كبيرة و لكن لم يخل من السلبيات.. ومن البديهي أن نتفهم إن من يقبع في حجرة مظلمة ثم يخرج على أشعة الشمس اللاهبة لن يستطيع النظر وسيغمض عينيه.. وهذا عينه ما حل بالعراق الجديد، فمن حضن الاستبداد و العزلة انطلقت البلاد إلى أوسع فضاءات الحرية و الانفتاح.. (أنها تجربة عالمية فريدة بلا شك).
سلبيات الواقع السياسي الجديد تكرست في عدة ظواهر لعل أشدها تأثيراً على الشارع العراقي (حداثة التجربة) فالممارسة السياسية واحدة من معايير النجاح و الامتهان.. وعلى الرغم من إن معظم الأحزاب العراقية التي طفت على الشاطئ العراقي الجديد وخاصة المشاركة اليوم في العملية السياسية الجارية.. هي أحزاب ليست بالجديدة بل هي وليدة عقود طويلة ولها تجارب وفيرة بالعمل السياسي المعارض.. ولكن تجاربها لم تكن على أساس التعددية و الممارسة الفعلية للسلطة أو للعمل السياسي أو النيابي، بل جل دورها تمحور في العمل المعارض.. وهنا لنا وقفة.. إن السلوك السياسي المعارض هو بطبيعة الحال ليس السلوك السياسي الممارس أو الحاكم، وخاصة بالأخذ بنظر الاعتبار إن المعارضة لنظام البعث لم تكن معارضة برلمانية سياسية ايجابية بل كانت معارضة مهاجرة عسكرية احياناً وتتعامل مع احد أكثر الأنظمة العالمية قمعاً و اقتصاصاً.. كما إن الواقع الداخلي للمعارضة المهاجرة و المواجهة للأنظمة الدكتاتورية المتجبرة، ليس توافقياً أو منسجماً تحت رأي واحد.. بل على العكس تحتدم الخلافات و الآراء المتنوعة و الرؤى والطروحات الطوباوية احياناً.. على العكس من جو الممارسة الحقيقية الذي لابد له أن يكون واقعياً وجاداً ومحاوراً وتوافقياً كي ينمو ويستمر.. أو قمعياً تعسفياً كما فعل البعث أبان فترة حكمه السوداوية.
أطراف معارضة الأمس (حكام اليوم)، لم يكونوا بطبيعة الحال يمثلون فكراً و توجهاً واحداً.. وان كان قاسمهم المشترك هو إيجاد نظام بديل للدكتاتورية في بلادهم إلا إن سبل البديل أو سبيل التغير أو آلية العمل لم تكن متفقة بل عند البعض لم تكن موجودة اصلاً.. ثم إن الحركات السياسية المعارضة كانت مختلفة التوجهات الفكرية.. ومتفاوتة الشعبية والنفوذ في الشارع العراقي. ومنها الوطني والقومي والديني والعلماني، اليساري أو اليميني أو حتى الوسطي منها.
العراق الجديد فتح بابه على مصراعيه للجميع ولم يستثن احداً.. وشهدت الأشهر الأولى من التغيير السياسي في العراق (منذ 9 نيسان 2003) فتح عدة مقرات حزبية و تجمعات سياسية و لمختلف التوجهات و الأفكار.. كما ازدحمت عناوين الصحف على أرصفة بغداد من دون أن تجد أي (مقص رقيب) بل بكامل حريتها.. و العراقيون من هم قاطنون في بلادهم، ومن هم قدموا من الخارج بعد رحلات الغربة الطويلة..عملوا في الكثير من الأنشطة السياسية في رغبة جادة للمشاركة في حكم بلادهم.. ولتعويض حرمانهم الطويل من المشاركة.. فأزمة المشاركة السياسية في البلاد لم تكن وليدة اليوم كما قد يتفهمها البعض.. بل إنها أزمة قديمة كما أسلفت.
مراحل صناعة العراق الجديد سياسياً، منذ تأسيس مجلس الحكم مروراً بالحكومات الانتقالية و المؤقتة ثم الدائمة.. شهدت احتداماً للخلافات ضمن الرغبة لولوج العمل السياسي و المشاركة فيه.. ومن ثم وجدت أزمات سياسية تقع في أعماقها تحت معيار المشاركة.. أو بعبارة أخرى هي أزمات من اجل الرغبة في المشاركة أو الرغبة في توسيع المشاركة، أو بشكل أكثر طمعاً بالرغبة في الاستئثار بالسلطة

9
كي يستفد العراق من تجربة لبنان

تجارب الشعوب لا تعاد مرة اخرى بل العبرة بالاستفادة من تلكم التجارب اما تكرارها فغير وارد بطبيعة الحال .. ففي احدى الحوارات الصحفية مع الملك الاسباني (خوان كارلوس) في العقد الثمانيني من القرن العشرين طرح احد الصحفين سؤالا للملك حول التجربة الملكية الاسبانية هل هي تكرارا لتجربة شعب اخر و هل يمكن ان تكرر في بلد اخر ؟ فأجاب الملك (انني اعرف ان لكل بلد خصائصه ولكل بلد ضروفه واعرف ان تجارب الشعوب غير قابلة للنقل والتقليد ، ولكنها بالتأكيد قابلة للدرس والاستيعاب ، ثم إنني اعرف إن القياس بالغير له مزالق لان القياس الصحيح لا يصدق الا في حالة التماثل التام وهو مستحيل من شعب الى اخر) ، وقد قال ماركس قبل ذلك بأكثر من قرن (ان التاريخ لا يعيد نفسه وان فعل فسيكون في المرة الاولى مأساة وفي الثانية ملهاة) .. وبلا شك قد اصاب الرجلان بطرحيهما حول عدم امكانية تكرار اي تجربة في بلد اخر او لشعب اخر ، ولكن العبرة بالاستفادة من تجارب الاخرين وخاصة بالتحديات المتقاربة التي قد تكون خاضها شعب قبل اخر وبضروف مختلفة حتماً .
عراق اليوم يعيش في مرحلة انتقالية عصيبة وتزدحم فيه الامال بأختناق للخروج من عنق زجاجة التحديات .. وساسة البلاد وجدوا ان الحلول العراقية ستكون عبر اجراء مصالحة وطنية لا غير واعتبروها المسيح المخلص للعراق ..
وهنا لنا وقفة .. اي البلدان والشعوب القريبة اقليميا قد مر بتجربة متشابهة ولو بحدود مع تجربة المصالحة العراقية ، عسى أن وجدناه نستفد من صوابه واخطائه في تعاطيه مع تجربته وتحدياته التي نعيش مرادفاً لها اليوم . بلا شك ان لبنان وتجربته بالمصالحة الوطنية هو الاقرب للعراق جغرافيا وبقالب الاحداث والتحديات التي مر بها وبمأسيه التي عاشها . فكيف نستطيع الاستفادة من التجربة اللبنانية لانجاح التجربة العراقية بالمصالحة الوطنية ؟
لبنان سياسيا صنع على اساس المحاصصة الطائفية العلنية وبأسلوب العرف الدستوري غير المكتوب الذي عرف تاريخيا بأسم (الميثاق الوطني) والذي يعتبره بعض المؤرخون المتخصصون بالشأن اللبناني بأنه مؤامرة فرنسية – مسيحية – سنية للسيطرة على حكم البلاد وسلطاته ووضائفه الرئيسية في مقابل اقصاء وتحجيم المكونان الرئيسيان الاخريان للبنان الشيعة والدروز ، وكيفما كانت مؤامرة ام توافق انتهى الموضوع بالموافقة على الميثاق الوطني في العام 1943 واعطي من خلاله رئاسة الجمهورية للمسيح الموارنة ورئاسة الوزراء للمسلمين السنة ورئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة ، ووزع ايضاً الوظائف الرسمية والهامة بالبلاد على اساس المحاصصة ايضا فمثلاً قائد الجيش يجب ان يكون مسيحي ماروني . وقد اكد الميثاق على استقلال لبنان بسياسته الخارجية واكد على ان يكف المسلمون المطالبة بالوحدة مع سوريا مقابل التزام المسيحين بعدم طلب الحماية الاجنبية .
صناعة لبنان السياسية على اساس المحاصصة استمرت على اساس اشبه بالمقدس ولكنها لم تحقق للبلاد الاستقرار الداخلي او الخارجي وبالتالي ضعف تطور البلاد العصرية ، بل ساهم بحصول احتقانات لعب العامل الاقليمي دور الاسد بأثارتها وخاصة وقدر لبنان وضعه بين مجموعة متنافرين متجاورين تكللت مع اسباب اخرى كثيرة .. في نيسان 1975 عندما اندلعت الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت لخمسة عشر سنة متواصله ملئها الدم والدموع والدمار ، وكانت النهاية عام 1990 فيما عرف بأتفاق الوفاق الوطني او (بأتفاق الطائف) الذي جرى تحت المظلة الامريكية وبرعاية سعودية وعربية وبمشاركة قيادات دينية وسياسية لبنانية وبجيش سوري ضاغط على الارض اللبنانية .. كان اتفاق الطائف مصالحة وطنية ولكن ليس على اساس الوحدة الوطنية بل من اجل ايقاف نزيف الدم ، واتفاق الطائف حصل بوجود قوات اجنبية داخل لبنان (الجيش السوري) اي بسيادة منقوصة .. وعلى الرغم من ان اتفاق الطائف وضع حدا للحرب الاهلية الدموية ، وبواسطة القوات السورية ابعد الكثير من القيادات اللبنانين المناوئين لسوريا وقادة المليشيات لخارج البلاد . بعبارة اخرى ان الذراع السوري بلبنان ساهم بأيقاف الحرب الاهلية .. ولكن بعد ايقاف الحرب الاهلية نزيف الدم لم يتوقف والوفاق الوطني لم يكتمل والوحدة الوطنية بقيت غير مستقرة وضواهر الاغتيال السياسي استمرت بمأساوية عالية ولازال لبنان غير مستقرة سياسية واجتماعيا ليومنا هذا .

ما ذا اعطت المحاصصة للبنان  :
اول مأسي المحاصصة كانت ضياع الولاء للوطن والتركيز بالولاء للطائفة او الحزب او المليشيا ، وقد كان أعظم الكوارث التي اتت بها المحاصصة هو الاستعانة بالغرباء للحماية بالتالي انفتاح البلاد وضياعها . فقد وجدت على الاراضي اللبنانية قوات سورية واسرائيلية وفلسطينية وامريكية وايرانية وقوات دولية متعددة الجنسيات وجيوش عربية لحفظ السلام واخرون . وقد تدخلت دول عديدة بالنزاع اما بصب الزيت على النار مباشرتا او بشكل غير مباشر حتى استبيحت البلاد وانهارت الوحدة الوطنية ، ليستمر بلد الارز مظلوما حزينا .
اما العراق فبعد انهيار حكم البعث الفردي في العام 2003 والشروع بصناعة سياسية جديدة للبلاد ، وضع للعراق جدولاً زمنياً يمر بمراحل تبدأ بمجلس للحكم يضم عدة قيادات عراقية كبرى الى نقل السلطة من الامريكان للعراقين الى حكومة انتقالية فبرلمان انتقالي فانتخابات فبرلمان دائم ثم حكومة دائمة .. بديهيا ان التسلسل الزمني هو منطقي فكريا في صناعة نظام سياسي جديد , ولكن تأسيس مجلس الحكم العراقي الانتقالي في تموز 2003 كأول خطوة في تأسيس النظام السياسي العراقي بني على اساس المحاصصة الطائفية وبشكل غير مباشر وتحت تسمية (مشاركة الجميع) من خلال توزيع حقائب المجلس على اساس مكونات العراق العرقية والقومية والدينية .

كيف بدت المحاصصة العراقية :
كانت البداية كما اسلفنا من خلال حقائب مجلس الحكم الخمسة وعشرون حيث وزعت ثلاثة عشر منها للشيعة و خمسة حقائب للكرد و خمسة حقائب للسنة وواحد لكل من التركمان والمسيح الاشوريين . . التوزيع في مجلس الحكم برر على انه انعكاس للتركيبة العراقية الديمغرافية .. وبعد اتفاقية نقل السلطة للعراقيين وتأسيس الحكومة المؤقتة والبرلمان المؤقت الممهد للبرلمان و الحكومة الدائمة انحسرت فكرة المحاصصة الطائفية ووضعت القوائم الانتخابية في بادء الامر على اساس سياسي عراقي لا بأسلوب المحاصصة (حيث راهن بعض الساسة والمكونات العراقية على فشل الانتخابات المؤقتة فلم يشارك ) ، نجاح الانتخابات العراقية للبرلمان المؤقت في كانون الثاني 2005 بشكل كبير اجبر الساسة المعارضون للعملية السياسية الدخول بها وخاصة بعد ضغط قواعدهم الجماهيرية التي وجدت انها لازمت كتل واحزاب وشخصيات بقوا في اماكنهم في حين المشاركين بالانتخابات والحكومة الانتقالية والبرلمان وغيرها بدئوا يثبتون نفسهم وبصورة شرعية سياسية واضحة ، وساد لدى معادي العملية السياسية العراقية وهم يرون نجاحها شعور بالغبن والاقصاء مما دفعهم لتبني العنف أو تأيده والسعي لدخول العملية السياسية من خلال صنع قوائم انتخابية للمشاركة بالانتخابات الممهدة للبرلمان الدائم .
المحاصصة لم تعد موجودة فالقوائم الانتخابية تضم من كل فسيفساء الشعب العراقي وبدون اساس طائفي ، إلا إن دخول المكونات المعارضة سابقا للعملية السياسية وخاصة وهي قد اكدت ان دخولها للحيلولة دون ظلمها او تميزها قد عمق فكرة المحاصصة واوجدها بقوة بعدما ازيلت لعدم رغبة الشعب العراقي بالانغماس بالانتمائات الثانوية على حساب انتمائهم الوطني العراقي ، وخاصة وقد برزت المكونات الجديدة بقوائم لاتمثل الا تخندقها الطائفي بل اكثر من ذلك ابتدئت بسحب الشخصيات التي تمثلها بالانتماء الطائفي ولكنها بقوائم لا طائفية اما تحت الضغط او الاغراء بالتالي تكرست الطائفية السياسية ودخل العراق الانتخابات للبرلمان الدائم والقوائم الكبرى ليست الا تمثيلاً طائفياً صرفاً فقائمة (الائتلاف العراقي الموحد) الحائزة على الاغلبية البرلمانية انسحبت منها معضم الاطراف الكردية والسنية والعلمانية لتبدو بشكلها النهائي قائمة شيعية اسلامية ، وقائمة (الاتحاد الكردستاني) ضمت قطبي الكرد الكبار والاكثر نفوذا (الحزب الديمقراطي الكردستاني) و (حزب الاتحاد الكردستاني) اي ان القائمة اصبحت كردية صرفة ، وإما القائمة الثالثة (جبهة التوافق العراقية) التي دخلت جديداً للعملية السياسية بأساس سني وقامت بأجتذاب الشخصيات السنية بالقوائم الاخرى لتخلص لقائمة سنية خالصة ، و القائمة الرابعة والأخيرة من ناحية الثقل الشعبي هي القائمة (العراقية الوطنية) وهي القائمة الوحيدة التي احتفضت بكونها قائمة وطنية لا طائفية ولكنها اتهمت بالسعي لاجتذاب البعثيين السابقين لاحتوائهم والاستفادة من اصواتهم ، ولكن واقعياً كانت القائمة العراقية تضم شخصيات من مختلف المذاهب والقوميات العراقية ولكنها كانت محدودة النفوذ مع المد الذي استحصلته القوائم الثلاث الاولى لكونها مثلت اكبر ثلاث مكونات بالعراق من النواحي الطائفية .
لم تقف المحاصصة عند هذه النقطة بل برزت بشكلها المقيت المخيف مع تأسيس الحكومة الدائمة واصبحت كلمة (محاصصة) التي كانت في يوم قريب خط احمر لايصله المتحاورون ، انتقلت بعد ذلك لكي تتصدر النقاشات والندوات والحوارات ويتحدث بها كبار المسؤلون وعلى المحطات الفضائية وكأنها هدف وليست خطاً احمر كما كانت منذ مدة !!
وجدت الكتل خاصة الاقل حجما بالبرلمان ان المحاصصة ستحميها من التميز والاقصاء الذي لم يكن له وجود او مخططات مكتشفة بل ساهمت عوامل اخرى بأذكائه خاصة ابعاد واقصاء منتسبي الدوائر الامنية والعسكرية والحزبية من النظام السابق عن مناصبهم بالتالي خلق معارضين بل وارهابين احياناً بعدما فقدوا مصادر رزقهم ونفوذهم ورغبة بعض القوائم بأجتذابهم لكسب اصواتهم ولكن تحت مضلات الشعار الطائفي وبنظرية المحاصصة ، العامل الإقليمي كان له قوله حتماً وبالنسبة للرؤية المذهبية والدينية والقومية لانظمة الجوار الاقليمي فحدث بلا حرج وما دفع لبنان ثمنه كان في اقساط كثيرة بسبب هذه النزعة الاقليمية ..
جلسات البرلمان الدائم في الحكومة الدائمة تناولت موضوع المحاصصة وكأنه (الضمان) وعندما ندرس فكرة نعت الضمان نجد ان السبب بلا شك ازمة الثقة وهي موجودة فعلا .. المحاصصة بدئت تطرح بشكل كبير وعلني وبغيض وتجاوزت السلطات الكبرى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب لتنتقل الى الوزارات فوكلاء الوزارات فالمدراء العامين حتى اصبحت اقرب بالمهزلة عندما طرح تأكيد المحاصصة بالمفوضيات المستقلة كمفوضية الانتخابات ثم تطور ليكون مهزلة حقيقية عندما طرح مثلا ان يكن هناك محاصصة في السفارة العراقية الواحدة بدولة ما بمعنى السفير من فئة والقنصل من فئة والقائم بالاعمال من فئة وهلم جرى .

ما مستقبل ما يحدث بضوء التجربة اللبنانية :
في العراق كما لبنان هناك ازمة ثقة بين الاطراف .. في العراق كما لبنان اصبح هناك محاصصة طائفية للمناصب الحكومية والسيادية المختلفة .. في العراق كما لبنان هناك اشكالات متعلقة بالدول الاقليمية والمجاورة من ناحية الولائات والتدخلات والمصالح .
ولكن في العراق هناك وحدة وطنية لم يجد لبنان مثلها في بلاده بسبب التنازع الطائفي المتجدد دوماً هناك والتاريخي حتماً والذي لعب العامل الاقليمي به دور الاسد .
ان المحاصصة زائداً العامل الإقليمي السلبي زائداً الاحتقان الطائفي الذي ينشئه القتل الجماعي الانتقامي للابرياء سيولد حتماً صراعاً أهلياً لا سامح الله . في لبنان لم يكن التوقع ان الوضع سيصل هكذا  .. بل ارتكبوا أشنع خطأ واعترفوا به لاحقا وهو الاستعانة بقوى اجنبية اقليمية كانت او ابعد ، للمساعدة والحماية حتى استباحت بلدهم ودمرته ودمرتهم ايضاً .
ان التجربة اللبنانية تعطي درساً بعدم إشراك الغير بالمسائل الداخلية وخاصة في قضايا الحماية والتدخل العسكري والدعم بالمقاتلين وغيرهم ولكم دفعت لبنان ثمن دخول الجيوش والمقاتلين غير اللبنانين .
في لبنان فكروا بالمصالحة الوطنية بعد خمسة عشر عام من القتال .. في العراق وجد ساسة البلاد ان المصالحة يجب ان تبدء بسرعة وقبل ان تصل الامور لا سامح الله الى الحرب وهذه نقطة ايجابية تسجل للحكومة .

ولا داعي لوضع استنتاجات وفرضيات .. فالرسالة واضحة .. نحن في العراق على مشارف الطريق ، ولسنا في عرضه أو أخره ، فلنستفد من أخطاء تجارب أخرى كما الحال في لبنان كي لا نقع بمثلها .. ونبحر نحو الأمان ...

صفحات: [1]