عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - Sleman Yousif

صفحات: [1]
1
النظام السوري والورقة الكردية

بقلم: سليمان يوسف... كاتب سوري مهتم بقضايا الأقليات

حتى الأمس القريب، شخصيات سياسية وزعامات حزبية كردية وغير كردية كانت تزعم، وبعضها مازال عند موقفه ،بأن مصير (حزب الاتحاد الديمقراطي) مرتبط بمصير النظام السوري، أي أن هذا الحزب هو صنيعة النظام، سيرحل برحيله. لكن التطورات السياسية و الوقائع الميدانية على الأرض تقول عكس ذلك.فهذا التنظيم الكردي، المتفرع عن (حزب العمال الكردستاني)،وحده اليوم من بين 20 حزب ومنظمة كردية في سوريا يمتلك سلاحاً ومقاتلين.وهو أكثر الأحزاب استقطاباً للجماهير الكردية، خاصة من الشرائح الشعبية والطبقات الاجتماعية المسحوقة الأكثر تطرفاً وتعصباً.لا بل،أن هذا الحزب الكردي نجح وإن بشكل محدود في اختراق المجتمعات الأخرى( الآشورية،الأرمنية،العربية)،حيث ضم من أبناءها الى لجانه ومجالسه الشعبية الخاصة.واليوم يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي أحد ابرز التشكيلات السياسية الكردية الى جانب (المجلس الوطني الكردي) في سوريا.وبفضل سلاح وامتداداته الاقليمية ورصيد الشعبي، تمكن (حزب الاتحاد الديمقراطي)من أن يملي شروطه على الكثير من فصائل الحركة الكردية وأيضاً على تنظيمات آشورية في سوريا.فرغم حدة الخلافات السياسية والحزبية بينهما، وقع (المجلس الوطني الكردي)،الذي يضم غالبية الأحزاب والمنظمات الكردية في الداخل السوري،في كانون الأول الماضي "وثيقة تفاهم" مع ما يسمى بـ" المجلس الشعبي لغربي كردستان" التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي،وهو(المجلس الشعبي) السلطة التنفيذية للحزب .وفي آذار الماضي وقعت(المنظمة الآثورية الديمقراطية) مع هذا المجلس "بيان مشترك"،خلافاً لثوابتها القومية الآشورية ومبادئها الوطنية السورية، التي ترفض جملة وتفصيلاً مقولة ما يسمى بـ "كردستان سوريا أو غربي كردستان".بحكم اختلاف المرجعيات والأجندات السياسية لحزب الاتحاد الديمقراطي عن مرجعيات وأجندات باقي الأحزاب، يصعب أو بالأحرى يستحيل أن يُبقي هذا الحزب نفسه أسير أي اعلان أو ميثاق تفاهم من شأنه أن يحد من طموحاته ويقيد حركته.فهو يعمل ويتحرك في مناطق نفوذه وفق عقلية (الحزب القائد).ولم يعد سراً بأن حزب الاتحاد الديمقراطي يسعى ويعمل بطرق وأشكال مختلفة لفرض نفسه كسلطة أمر واقع بديلة في المدن والبلدات السورية ذات الغالبية الكردية في حال سقط حكم الرئيس بشار الأسد.في اطار هذا المسعى قام أنصاره في هذه المدن والبلدات بالسيطرة على دوائر أمنية ومؤسسات حكومية فيها ورفع الأعلام الكردية فوقها،وإقامة حواجز أمنية مسلحة على الطرق.أدرج حزب الاتحاد خطوته هذه في اطار ما سماه "تحرير المدن والمناطق الكردية وتسليم السلطة والأمن فيها الى ما سماه بـ"لجنة الحماية الشعبية"التابعة له.
طبعاً،لا خلاف على ضرورة وأهمية اسقاط "سلطة الاستبداد" وطرد أجهزته الأمنية والعسكرية ليس من مدن وبلدات معينة فحسب،وإنما من جميع مدن ومناطق الوطن، وإحلال مكانها سلطات وطنية ديمقراطية مدنية منتخبة تمثل كل شرائح ومكونات الشعب السوري.بيد أن ما قام به (حزب الاتحاد الديمقراطي)،من وجهة نظر الكثير من المعارضين السوريين لا يندرج في اطار  اسقاط الدكتاتورية وتحرير البلاد من سلطة الاستبداد،وإنما هو"انقلاباً" على الحراك الثوري، وخروجاً عن الأهداف السياسية والشعارات الوطنية للانتفاضة السورية الباسلة.فقد أعقب قائد الجيش السوري الحر العقيد (رياض الأسعد)،في مقابلة له مع صحيفة كردية،على ما أعلنه حزب الاتحاد حول تحرير المدن والمناطق الكردية،بالقول:"هذا غير صحيح،لم يتم تحرير أية مناطق. ما جرى عبارة عن اتفاق بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني.النظام يعمد الى زرع فتنة بين الكرد والعرب وتكون هناك منطقة نزاع من أجل تخويف الناس، ومن جهة ثانية لممارسة ضغط على تركيا للكف عن تقديم دعمها للشعب السوري". يضيف الأسعد"سلم النظام بعض دوائر الدولة ومقرات الأمن في بعض المناطق الى حزب العمال الكردستاني و الآن هذه المناطق تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي ، المقرب من حزب العمال الكردستاني..".ما يدعم كلام العقيد رياض،"وثيقة سرية" مسربة من (الخلية المركزية لادارة الأزمات) صادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم.جاء فيها:" وضع المناطق والأحياء الكردية تحت المراقبة والتنسيق مع حزب العمال الكردستاني سراً للتصدي للمتظاهرين المعارضين وعدم التدخل أمنياً في المناطق الكردية وتوقيف من يسعى للتخريب وحمل السلاح..".
حقيقة،انضمام حزب الاتحاد الديمقراطي الى(هيئة التنسيق الوطنية للتغير الديمقراطي) المعارضة، لا يبرئ ساحته ولا يبدد الشكوك بأن ما قام به أنصاره جاء في اطار تفاهمات معينة مع الدوائر الأمنية في النظام.ما يعزز هذه الشكوك،عدم مقاومة جيش النظام لمسلحي الحزب إثناء اقتحامهم للمؤسسات والدوائر الحكومية،في حين لم يتردد هذا الجيش في تدمير المدن والبلدات السورية لملاحقة مسلحي المعارضة ومقاتلي ما يسمى بالجيش السوري الحر،من جهة أولى.ثم العلاقة التاريخية القديمة لحزب العمال الكردستاني-الحزب الأم لحزب الاتحاد الديمقراطي- مع النظام السوري،من جهة ثانية. كما هو معلوم احتضن الرئيس الراحل، حافظ الأسد،(عبدالله أوج آلان) زعيم (حزب العمال الكردستاني)،الذي يخوض منذ عقود حرب عصابات ضد تركيا لأجل فصل أكرادها وإقامة كيان سياسي خاص بهم.لكن تحت ضغط التهديدات التركية 1996 بشن حرب شاملة على سوريا، تخلى الأسد الأب عن (أوج آلان) وساعد تركيا في القبض عليه واعتقاله وهو الآن يُمضي عقوبة السجن المؤبد.وقد شهدت العلاقة التركية السورية في عهد الأسد الابن تطوراً نوعياً على جميع الأصعدة واستمرت في التطور حتى اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكم الرئيس بشار،واحتضان تركيا للمعارضات السورية.
كما هو معلوم،في السياسة لا يوجد عدو دائم كما لا صديق دائم،فقط توجد مصالح ثابتة أو دائمة.عملاً بهذه القاعدة وبحكم تقاطع المصالح والأهداف،بدأ التاريخ يعيد نفسه على صعيد علاقة حزب العمال الكردستاني بالنظام السوري.  فمن أجل الضغط على أنقرة وإرغامها على الكف عن دعمها للمعارضة السورية ولمقاتلي ما يسمى بـ"الجيش السوري الحر"،عادت دمشق للعب مجدداً بـ"الورقة الكردية" في الداخل التركي. في اطار هذه اللعبة السياسية يمكن فهم وتفسير أسباب ودوافع تسليم السلطات السورية بعض المناطق على الشريط الحدودي مع تركيا الى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي التابع لحزب العمال الكردستاني.من جهتها،تركيا التي يلاحقها شبح حزب العمال الكردستاني و القلقة جداً على أمنها القومي من ارتدادات " كرة النار السورية" المستعيرة، ستعمل المستحيل لمنع قيام "كيان كردي"جديد يحاصرها على حدودها الجنوبية.لأجل هذا بدأت بحشد قواتها على طول الحدود مع سوريا وهدد رئيس حكومتها (اردوغان) بالتدخل العسكري إذا لزم الأمر،خاصة إذا ما شن مقاتلي حزب العمال هجمات على تركيا انطلاقاً من الأراضي السورية.
يبقى الأخطر سورياً من "الورقة الكردية" هذه المرة، هو أن النظام السوري  لم يكتف اللعب بهذه الورقة ضد تركيا فحسب، وإنما بدأ يلعبها ضد الداخل السوري أيضاً. فهو(النظام)يريد من الامتيازات السياسية والأمنية التي منحها لحزب الاتحاد الديمقراطي ومن خلفه لحزب العمال الكردستاني تهديد السوريين وإفهامهم، بأن ثمة سيناريوهات خطيرة تنتظر بلادهم في حال سقط حكم بشار،(الفوضى والفتنة والتقسيم). السيناريو الذي أشار اليه الرئيس بشار نفسه في خطاباته، ناهيك عن أن النظام يهدف من وراء هذه الامتيازات الى تحييد الشارع الكردي عن الحراك الثوري و شق هذا الشارع.وهنا اعتقد بأن النظام نجح الى حد ما على هذا الصعيد.فالتطورات الدراماتيكية التي شهدتها مؤخراً المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، بمفاعيلها،السياسية والأمنية والاجتماعية،رفعت من منسوب الاحتقان السياسي والعرقي في البلاد. وثمة مخاوف حقيقية من تفجر نزاعاً عرقياً في هذه المناطق على خلفية هذه التطورات، التي أكدت على أن أكراد سوريا يتطلعون الى استنساخ تجربة أشقائهم أكراد العراق.فهم(أكراد سوريا) يجدون في الأزمة السورية الراهنة، التي كادت أن تسقط الدولة قبل أن تسقط النظام،فرصتهم التاريخية لتحقيق تطلعاتهم وأحلامهم القومية المؤجلة.فبعد أن كانت مطالبهم في الماضي تقتصر على (إعادة الجنسية السورية للذين حرموا منها وإزالة القوانين الجائرة بحق الأكراد والاعتراف الدستوري بهم وبحقوقهم الثقافية في إطار حقوق المواطنة والديمقراطية لجميع السوريين)، سارعوا، مع انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام السوري في آذار 2011،الى رفع سقف مطالبهم وشعاراتهم وبدءوا بالحديث عن ( الفدرالية وتقرير المصير والإدارة الذاتية) لما يسمونه بـ "كردستان سوريا" أو "غرب كردستان".وقد زاد أكراد سوريا حماسة لهذه المطالب، بعد تعهد السيد (مسعود البارزاني)،رئيس حكومة الاقليم الكردي في الشمال العراقي، بتقديم كل أشكال الدعم السياسي والعسكري لهم.هذا التعهد أطلقه عبر جريدة "الشرق الأوسط" السعودية، التي نشرت تصريحاً له يقول فيه:" أن هناك المئات من الشباب الكردي السوري الذين تم تدريبهم في إقليم كردستان العراق وهم يتهيئون للعودة إلى مناطقهم بهدف حماية الشعب وملء الفراغ الأمني الحاصل في المدن الكردية جراء انسحاب قوات وأجهزة النظام السوري".إذا ما حصل فراغ أمني في سوريا، دعم البارزاني لأكراد سوريا لن يقتصر على إرسال الكرد السوريين، وإنما سيمدهم بمقاتلين من "البشمركة الكردية" التابعة له أيضاً.
 من حيث المبدأ، من حق كل الشعوب والأقوام صغيرة كانت أم كبيرة الاستقلال وبناء كيانها الخاص حينما تحين وتتوفر الظروف الذاتية والموضوعية المناسبة والمؤاتية . فالاستقلال نزعة طبيعية مزروعة بالكينونة البشرية موجودة لدى الأفراد كما لدى الجماعات البشرية.في اطار هذه النزعة  البشرية الطبيعية يجب أن نضع مطالب الأكراد، مثل الفدرالية وتقرير المصير. لكن في الحالة السورية لأكثر من سبب،لا تبدو مطالب الأكراد واقعية وممكنة. ففي سوريا لا يوجد اقليم جغرافي خاص يشكل الأكراد غالبية سكانه(كما هو حالهم في الشمال العراقي)، حتى محافظة الحسكة حيث الثقل الكردي لا يشكلون اكثر من 35-40 % من نسبة سكانها، غالبيتهم الساحقة ينتشرون على طول الشريط الحدودي مع تركيا.والسوريون،بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية وعقائدهم الفكرية،لديهم ما يشبه بـ"فيتو وطني" أو "مناعة وطنية"على أي مشروع فئوي، كردي أو غير كردي.هذا الفيتو الوطني يرتكز الى رأي عام سوري يُجمع على أن  مصطلح "كردستان سوريا" لا أساس له في تاريخ سوريا الحضاري القديم أو الحديث. تجدر الاشارة هنا الى أن المعارضات السورية -الغير كردية-،أجمعت على رفض إدراج ،في "وثيقة العهد الوطني"، الصيغة التي أصرت عليها الكتلة الكردية حول قضية الأكراد السوريين.
 
سليمان يوسف... كاتب سوري مهتم بقضايا الأقليات
shosin@gmail.com
 


 
 



2
ورقة (التجمع الديمقراطي الآشوري السوري) للمؤتمر الوطني لإنقاذ سوريا الذي انعقد بدمشق 23ايلول 2012

 سليمان يوسف.. ممثل التجمع الآشوري في المؤتمر وقد ألقى كلمة التجمع هذا نصها:
بداية،نؤكد على أن النظام الشمولي القائم في سوريا، الذي أرسى قواعده الرئيس الراحل حافظ الأسد وورثه لأبنه بشار،خرج من رحم  "الفكر القومي الشمولي والآيديولوجي الاقصائي" لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم الذي انقلب على السلطة 1963 وهو يحتكرها منذ ذلك التاريخ.الفكر البعثي ذاته أنتج في العراق نظاماً دكتاتورياً مماثلاً للنظام السوري وأوصل الطاغية "صدام حسين"الى الحكم ؟.نجزم لو أن (ميشيل عفلق)(مؤسس حزب البعث العربي) حكم سوريا لكان حالها كما هو حالها اليوم، وربما أسوأ. من هذا المنظور  نرى ضرورة اسقاط  النظام البعثي في سوريا بكل رموزه ومرتكزاته الفكرية والسياسية والتنظيمية والايديولوجية.
نعم،ثمة ضرورة وحاجة وطنية وإنسانية لاسقاط الدكتاتورية وانهاء حالة الاستبداد القائمة في البلاد  والانتقال بسوريا الى دولة مدنية تعددية ديمقراطية.لكن لا نريد سقوطاً  بأي ثمن، خاصة إذا كان الثمن هو الفوضى والفتنة والخراب وتفتيت البلاد وهلاك الشعب السوري.إذا كان النظام مصر على التمسك بالسلطة باي ثمن،دعونا نحن كمعارضة نأخذ دور (الأم الحقيقية للصبي).لأن مشروعنا هو مشروع وطن وبناء دولة وخلاص شعب وليس مشروع سلطة ومناصب، وإلا أصبحنا مثل النظام ولا نختلف عنه بشيء.حقيقة، استمرار عنف السلطة والعنف المضاد من قبل مسلحي المعارضة بدأ يقلقنا جداً على مصير الوطن والشعب.اصرار الطرفين على الحسم العسكري سيدفع بالبلاد الى الحرب الأهلية وتفتيت كيان الدولة السورية، خاصة وقد بدأ البعد الطائفي للأزمة يبرز على السطح شيئاً فشيئاً ويفعل فعله الخطير في حرف الانتفاضة عن أهدافها وشعاراتها الوطنية المتمثلة بالحرية والديمقراطية والكرامة وتحويلها الى مجرد صراع مسلح  على السلطة لا بل الى صراع كياني(وجودي)،وهو أخطر أنواع الصراع الأهلي.
لا شك، النظام يتحمل المسؤولية الأولى والاساسية عن كل ما حصل ويحصل لسوريا من خراب ودمار وسفك دماء.لكن المعارضة المسلحة،التي برزت تحت شعار حماية المدنيين والمتظاهرين السلميين من عنف وبطش السلطة، تتحمل هي الأخرى قسط كبير من المسؤولية. مسؤوليتها تأتي من دخول مقاتليها المدن والتحصن في أحيائها المأهولة، الأمر الذي يجعل منها هدفاً للقصف والتدمير الوحشي من قبل جيش السلطة. فلا يخفى على أحد بأن بعد حمل السلاح وعسكرة الانتفاضة تضاعفت وبشكل مخيف اعداد القتلى والجرحى من المدنيين ولحق مزيد من الخراب والدمار بمختلف المدن والبلدات السورية المنتفضة. قطعاً لا نبرر للنظام قصف المدن والبلدات تحت أي شعار او ذريعة. حتى المعارضات السياسية خاصة معارضات الخارج هي الأخرى تتحمل قسط كبير من المسؤولية الأخلاقية تجاه عسكرة الانتفاضة وانحرافها عن مسارها السلمي.مسؤوليتها تأتي من خطابها التحريضي على العنف والقتل وحمل السلاح  ورفضها للحوار ورهانها على الخارج في اسقاط النظام.نعتقد لو أن الانتفاضة السورية حافظت على سلميتها كما بدأت وابتعدت عن فخ العسكرة التي جرها النظام اليها، لكان النظام سقط منذ زمن وباقل الخسائر في الأرواح والممتلكات. بسبب تصاعد أعمال العنف، تراجع اسقاط النظام وباتت الأولوية لدى السوريين ولدى المجتمع الدولي هي لوقف العنف والقتال، لما يشكله هذا العنف من خطر حقيقي ليس على أمن واستقرار سوريا فحسب وإنما على أمن واستقرار المنطقة برمتها.خاصة إذا ما سلمنا بصحة  التقارير والشهادات الصحفية، التي تتحدث عن تسلل مجموعات اسلامية جهادية مسلحة وسلفية  الى الاراضي السورية،تتبع لمرجعيات اسلامية اقليمية ودولية وتخدم أجندتها الخاصة. جاءت من مختلف الدول الاسلامية وهي تسيطر على العديد من المناطق والبلدات وتدعو لاقامة دولة (الخلافة الاسلامية) في سوريا..لهذا،ضبط الأمن والسيطرة على المجموعات المسلحة المحلية والدخيلة والمستوردة  وحماية السلم الأهلي  تعد من أبرز التحديات التي ستواجه سوريا  في المرحلة المقبلة..
رغم الجرح الوطني العميق الذي تسبب به العنف والعنف المضاد،نعتقد بأن ثمة فرصة أمام السوريين (سلطة ومعارضة)للتحاور فيما بينهم لانقاذ بلادهم من هذا الجحيم الذي انزلقت اليه والوصول الى حلول توافقية توقف حمام الدم التي غرقت به البلاد وتفضي الى انهاء الاستبداد واسقاط الدكتاتورية..وما كان لينعقد مؤتمرنا هذا في قلب العاصمة دمشق رغم التحديات والعقبات التي وضعت أمامه  حتى اللحظة الأخيرة،أبرزها خطف قياديين من هيئة التنسيق للتغير الوطني الديمقراطي عشية انعقاد المؤتمر، إلا  لإيماننا جميعاً بأن لا بديل عن الحوار الوطني لانقاذ الوطن السوري من ويلات هذه الحرب الجنونية التي تعصف به. استمرارها من دون شك سيزيد من سعيرها وسيعمق جرحنا الوطني وستفجر مزيد من التناقضات السياسية والعقائدية والدينية والثقافية والاجتماعية النائمة في قاع المجتمع السوري وقد تنسف مقومات العيش المشترك بين السوريين.لهذا نناشد العقلاء في صف السلطة والمعارضة لتحمل مسؤولياتهم الوطنية التاريخية والاسراع في وقف هذه الحرب اللعينة قبل فوات الأوان.
حتى تكون الحلول والمبادرات التي من المفترض أن يخرج بها مؤتمرنا حلولاً واقعية وممكنة يجب أن تكون مقاربتنا للأزمة الراهنة مقاربة موضوعية وشفافة والاحاطة بكل جوانبها ومفاعيلها السياسية والاجتماعية والأمنية والنفسية، والابتعاد عن الرغبات الحزبية والشخصيبة وعن التنظيرات الآيديولوجية والشعارات السياسية المؤدلجة والمعلبة .المطلوب حلول توافقية، تنطلق من المصالح الوطنية العليا ومصلحة الشعب السوري أولاً. حلول تضمن وتحفظ حقوق جميع القوميات والأقليات الدينية والمذهبية التي يتكون منها المجتمع السوري ثانياً.علينا أن لا نذهب بعيداً في أحلامنا وطموحاتنا السياسية والديمقراطية.لأننا أبناء ملل وطوائف واثنيات وأقوام وقبائل مازالت اسيرة موروث (ثقافي واجتماعي) تاريخي متخلف فقير بالتقاليد الديمقراطية،رافض للحداثة والمدنية.
لا جدال على أن(وقف العنف أولاً ) من جميع الأطراف،هو خطوة ضرورية لاطلاق حوار بناء بين السلطة والمعارضة. لكن حتى لا نعيد تجربة كوفي عنان الفاشلة (بسبب هذا الشرط)مع السيد الأخضر الابراهيمي على قوى المعارضة تخطي هذا الشرط أو العقدة والانتقال مباشرة الى الحوار مع الطبقة السياسية في النظام القائم لبحث سبل وقف العنف وانقاذ البلاد و تشكيل (حكومة وطنية انتقالية) لمرحلة انتقالية تجرى فيها انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة حرة وديمقراطية تحت اشراف عربي ودولي. فمن غير المتوقع أن توقف السلطة حربها المفتوحة على المعارضة المسلحة، التي تطلب راس النظام، هكذا من دون وجود الحد الأدنى من التفاهمات السياسية بين السلطة والمعارضة. نحن في التجمع الديمقراطي الآشوري السوري  تمسكنا بخيار الحوار نابع من رفضنا ونبذنا للعنف ولحمل السلاح  تحت أي شعار أو عنوان ومن اية جهة سورية كانت. ونابع أيضاً من قناعتنا بأن لا سبيل لانقاذ الوطن السوري إلا عبر بوابات الحوار بين أبناءه ،ومن قناعتنا التامة باستحالة حسم المعركة العسكرية لصالح هذا الطرف او ذاك ولا أمل بحسمها على المدى المنظور، ما لم يحصل تدخل عسكري خارجي لصالح المعارضة المسلحة.طبعاً،هذا التدخل الخارجي  نرفضه جملة وتفصيلاً ،لا يبدو وارداً في ضوء المواقف الضبابية للقوى الكبرى من الأزمة السورية وانقسام المجتمع الدولي حولها.  أملنا كبير بأن يعيد هذا المؤتمر القضية السورية الى ايدي أصحابها السوريين بعد ان خرجت أو بالأحرى أُخرجت من أيديهم،حتى أنهم باتوا وقوداً لحروب الآخرين على أرضهم.                                         

                          فيما يخص رؤيتنا في التجمع الديمقراطي الآشوري لسوريا الجديدة ..

نؤكد على أن قضية الآشوريين السوريين (سرياناً وكلداناً)، سكان سوريا الأوائل، هي جزء من القضية الوطنية العامة. و (القضية الوطنية السورية) بالنسبة لهم ،هي أكبر من مسالة (حكم ونظام وسلطة وحقوق قومية) . وليس من المبالغة القول بأن سوريا التي شكلت عبر تاريخها الطويل ملاذاً آمناً للآشوريين والمسيحيين عموماً هي الوطن الأم والدين والثقافة والتاريخ والمصير والوجود ذاته.بتعبير آخر أن مصير ومستقبل الآشوريين والمسيحيين مرتبط ببقاء سوريا دولة موحدة آمنة ومستقرة وبانتقالها الى دولة مدنية ديمقراطية ودولة المواطنة الكاملة  القائمة على سيادة  القانون و العدل والمساواة .يذكر أن أكثر من ربع مليون آشوري هاجر حتى الآن في عهد البعث من منطقة الجزيرة السورية الى دول الغرب، بسبب الاضطهاد السياسي والقومي الذي لحق بهم وهرباً من "مملكة الخوف" التي اقامها الرئيس حافظ الأسد. 
بحكم التنوع القومي والديني والثقافي والمذهبي والسياسي الذي يتصف به المجتمع السوري يصعب وربما يستحيل وصول الاسلاميين الى السلطة عبر الانتخابات الحرة النزيهة. لكن يمكن لهم ذلك إذا ما عمت الفوضى والفراغ الأمني والسياسي في البلاد. لأنهم الأكثر قوة وقدرة على استغلال حالة الفراغ التي قد يتركها سقوط النظام . طبعاً نحذر من مخاطر أي حكم ديني في سوريا. لأنه سيجلب معه  العنف والقهر والقمع والاقتتال الداخلي والحرب الأهلية .فالمجتمعات المتنوعة كالمجتمع السوري لا يمكن أن تحكم إلا مدنياً.
حقيقة، ما يقلقنا كآشوريين وكمسيحيين سوريين  ليس فقط تنامي دور المجموعات الاسلامية المتشددة في المجتمع السوري فحسب ،وإنما موقف المعارضات السورية،خاصة العربية والاسلامية منها، موقفها الذي مازال يتسم بالغموض والضبابية من القضايا الحساسة والاساسية، مثل (هوية الدولة السورية الجديدة)  و شكل النظام السياسي والاجتماعي والثقافي الذي سيحكمها.ومن قضية (فصل الدين عن السياسية).ما يعزز شكوكنا بمواقف المعارضات السورية من هذه القضايا الحساسة والمهمة هو خلو جميع بيانات ووثائق المعارضات السورية بيمينها ويساريها  من مبدأ "فصل الدين عن السياسية أو عن الدولة" ومن المطالبة بالغاء المادة الثالثة من الدستور المتعلقة بدين رئيس الدولة والشريعة الاسلامية مصدر أساسي للتشريع . فبقاء هذه المادة الطائفية وغيرها  في دستور  سوريا الجديدة يعني نسف مقومات الدولة المدنية ودولة المواطنة الكاملة، التي يتساوى فيها جميع أبنائها في جميع الحقوق والواجبات بصرف النظر عن ديانتهم وقوميتهم وانتمائهم السياسي . أن اشتراط الاسلام ديناً للرئيس فيه مس بكرامة وحقوق ومكانة نحو ثلاثة مليون مسيحي سوري. ناهيك عن أن هذا الشرط الطائفي ينسف منذ البداية فرص تحقيق الديمقراطية و يقضي من الأساس على فكرة الدولة المدنية التي تقوم على مبدأ فصل الدين عن السياسية.وهنا نؤكد على أن القضية ليست بوصول آشوري أو مسيحي الى رئاسة الجمهورية في سوريا وإنما هي قضية مبدأ أخلاقي وحقوق مواطنة . استحلفكم بالله :هل يعقل أن تحرم شخصية وطنية بارزة مثل ميشيل كيلو من حق تولي منصب رئاسة الدولة فيما هذا المنصب هو من حق كل مسلم حتى لو كان متطرفاً أو ارهابياً ولا وطنياً؟؟؟
طبعاً،لا جدوى من أي تغيير لا يعترف بظاهرة التنوع القومي والديني والثقافي واللغوي والعرقي والمذهبي التي يتصف بها المجتمع السوري و لا يعيد تركيب هيكلية "الدولة السورية الجديدة"،بنظامها  (السياسي والاجتماعي والقضائي والإداري  والاقتصادي ) ،كذلك اعادة تركيب وتعريف (هويتها الوطنية) بما ينسجم ويتوافق مع ظاهرة تنوع المجتمع السوري ووفق ما تتركب منه الهوية السورية من هويات وثقافات فرعية. أن اختزال الهوية الوطنية بالعروبة والاسلام يعني محو واقصاء الهويات الأخرى التي تتركب منها الهوية السورية،مثل الآشورية والكردية والأرمنية والتركمانية والشركسية. لا قيمة ولا أهمية لأي ثورة  في سوريا ما لم تعيد الاعتبار لجميع الثقافات واللغات الوطنية لسوريا مثل(السريانية.. والكردية.. والأرمنية والتركمانية والشركسية).
كيف لنا الحديث عن "شعب سوري واحد" وهناك من يصر على  وجود أكثر من شعب في سوريا( شعب عربي.. شعب كردي.. شعب آشوري. ارمني .. تركماني ...) إذا سلمنا بوجد هذه الشعوب نكون قد فخخنا المجتمع السوري ب "قنبلة" موقوتة ستفجر الوضع السوري عاجلاً أم آجلاً لأن سيكون لكل شعب أهدافه وتطلعاته السياسية والقومية الخاصة به، لا بد من أن تتصادم في مكان ما مع أهداف وأجندات الشعوب الأخرى.
نحن في التجمع الآشوري ندعو الى تبني مصطلح (الجمهورية السورية) و نتمسك بمقولة (الشعب السوري ) ونرفض مقولة الشعوب السورية..لأن في سوريا شعب واحد (متعدد القوميات والاثنيات والثقافات والديانات). ونتمسك بالـ(الهوية السورية) كهوية وطنية جامعة موحدة لجميع الهويات الفرعية التي تتركب منها،بعد أن أصبحت الهوية العربية قضية خلافية وعامل تفرقة بين قوميات ومكونات المجتمع السوري.
أخيراً:  قد تكون (اللامركزية السياسية الدستورية) أو ما يعرف بـ" النظام الفيدرالي" مناسبة  للمجتمع السوري الذي يتصف بالتعددية والتنوع، لما يحققه هذا النظام من  توازن وعدل في توزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية دستوريا بشكل متوازن بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية.لكن شريطة أن تحدد الأقاليم  الفدرالية على أساس(جغرافي – اداري) وليس على اساس (عرقي)  أو على اساس (طائفي / مذهبي) كما يطرحها البعض.   

سليمان يوسف.. عن التجمع الديمقراطي الآشوري السوري
 دمشق... 23 ايلول 2012

3
سورية... انتفاضة وحرب أهلية!

ألقى الرئيس بشار الأسد خطابا في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب السوري الجديد.خطابه لم يحمل أي جديد على صعيد رؤيته للأزمة الوطنية المتفجرة في البلاد منذ أكثر من عام. خطاب لا يمت الى الراهن السوري بشيء.بل كان أكثر سوءاً وشؤماً من جميع خطاباته السابقة, حيث ساوى فيه بين السوريين المناوئين لحكمه وبين العدو الإسرائيلي, ساحباً الحصانة الوطنية عن كل السوريين المناوئين لحكمه, وهم يشكلون غالبية الشعب, ليبرر حرب جيشه الهستيرية عليهم.وفيما سورية غارقة في بحر دماء أبنائها, أقسم أعضاء "مجلس الشعب" على العمل لتحقيق "وحدة الأمة العربية",ابرز أهداف حزب البعث العربي الاشتراكي.نواب زور,أقسموا على العمل لأجل وحدة "أمة عربية" مفترضة, فيما وطنهم السوري, بعد نصف قرن من حكم البعث له, تعصف به "حرب أهلية", قد لا تنتهي إلا  بتقسيمه وتفتيته الى كانتونات طائفية واثنية, أقر بها مساعد الامين العام للامم المتحدة لشؤون عمليات حفظ السلام (هيرفيه لادسو)بالقول:"إن سورية تعيش الآن حربا أهلية"وبدوره قال المبعوث الدولي لسورية (كوفي عنان),في مؤتمر صحافي مشترك في جنيف مع الجنرال روبرت مود رئيس بعثة المراقبين الى سورية, "في سورية حرب أهلية خارج السيطرة",ناهيك بتحذيرات كثيرة أطلقها زعماء وقادة دول ومراقبون للوضع السوري, من خطر أن يتحول النزاع المسلح على السلطة الى "حرب أهلية شاملة"إذا ما فشلت مبادرة كوفي عنان. المثير للدهشة والاستغراب على هذا الصعيد, رفض كل من السلطة والمعارضة, لكل منهما أسباب تختلف عن أسباب الآخر, وصف ما يجري في سورية بالحرب الأهلية, وتأكيد الطرفين على أن سورية محصنة ضد كل أنواع الحروب والفتنة الداخلية.ففي بيان لها اعتبرت الهيئة العامة للثورة السورية أن تصريح هيرفيه لادسو "لا يعبر عن صورة الأحداث الجارية ولا عن الشعب السوري وثورته السلمية". وكالة الأنباء السورية الرسمية نقلت عن بيان للخارجية أن"ما يجري في سورية هو حرب ضد مجموعات مسلحة اختارت الإرهاب طريقا للوصول إلى أهدافها".تصريحات السلطة والمعارضة هذه تتناقض كلياً مع تصريحات ومواقف سابقة لهما حول هذه المسألة.فكما هو معلوم,رموز النظام ومنذ الأيام الأولى لتفجر الأزمة هددت بالفتنة والحرب الأهلية, إذا ما استمرت حركة الاحتجاجات.ويكاد لا يمر يوم من دون أن نسمع تحذيرات معارضين سوريين من أن النظام سيقود البلاد الى "الفتنة والحرب الأهلية" كحبل نجاة وحيد له.إنكار السلطة والمعارضة لما هو حاصل وواقع في سورية لن يغير من الحقيقة شيئاً.لا يمكن النظر ببراءة سياسية ووطنية لهذا الإنكار,الذي يندرج في إطار تضليل الرأي العام السوري والعالمي حول حقيقة وخلفية الحرب الدائرة في سورية, من جهة أولى.وهو ينم عن عدم وجود نية صادقة ورغبة حقيقية لدى الطرفين بوقف هذه الحرب المجنونة والبحث عن مخارج سياسية لها,من جهة ثانية.وهو ينطوي ضمناً على تبرير الطرفين لجوئهما الى السلاح لحسم معركة الصراع على السلطة,من جهة ثالثة. حقيقة,بموازاة "انتفاضة الحرية والكرامة", التي أخفق جيش وشبيحة النظام في سحقها رغم البطش الوحشي بها,  وعلى خلفية "البعد الطائفي" لهذه الانتفاضة والمسكوت عنه من قبل غالبية قوى المعارضة السورية,  ثمة "حرب أهلية طائفية" تشهدها الكثير من المناطق السورية الساخنة والمختلطة.نعم,حرب أهلية محدودة,لكنها مرشحة لأن تصبح شاملة واقليمية (تطايرت شرارتها الى طرابلس اللبنانية) ما لم تخمد نيرانها قبل فوات الأوان.إذا ما دققنا وتمعنا جيداً في طبيعة ونوعية أحداث العنف المتبادلة وحالات خطف واغتصاب على الهوية وذبح جماعي لمدنيين آمنين عزل, مثل مذبحة "الحولة" و"القبير" ومذابح مروعة أخرى, ناهيك بعمليات نزوح وتهجير قسري وتغيير ديمغرافي في مناطق ريف حمص وحماة ,قد نكتشف أن هذه الأعمال البربرية المروعة تجاوزت وصف "الحرب الأهلية" وهي لم تعد مجرد  "نزاع مسلح" على السلطة,وإنما شكل من أشكال (الصراع الكياني أو الوجودي) بين طرفي النزاع. أي كل طرف يريد أن يلغي وجود الآخر. يبدو أن الكاتب الأميركي روبرت كابلان كان محقاً فيما ذهب اليه وتوقعه, في مقال كتبه العام 1992 بعنوان" أزمة الهوية في سورية", تنبأ فيه بتفكك سورية الى كيانات طائفية واثنية, على غرار ما جرى ليوغسلافيا, التي كانت تعصف بها "أزمة كيانية" مماثلة.
حقيقة ثمة مخاوف من أن يكون ما جرى وما يجري في سورية هو عمل ممنهج ل¯" تفكيك الوطن السوري" ونسف لكل مقومات وأسس العيش المشترك بين السوريين.ما يعزز هذه المخاوف, حال مدينة "حمص",التي يطلق عليها المعارضون "عاصمة الثورة السورية". فهذه المدينة الجميلة الواقعة وسط سورية والتي تضم في تركيبتها السكانية من كل الطيف السوري هي اليوم مقسومة على أساس طائفي (شرقية وغربية).الشطر الشرقي من المدينة مدمر أشبه بمدينة أشباح تفوح منه رائحة الموت ,أما الشطر الغربي ,كأنه في دولة أخرى غير سورية, ينعم بالأمن والأمان وبكل أنواع الخدمات.دمار المدن والبلدات السورية المنتفضة, يذكرنا بما قاله الأديب العالمي شكسبير "من هنا مر العثمانيون". في اشارة منه الى الخراب والدمار والتخلف الذي خلفه جيش الامبراطورية العثمانية في المناطق والبلدان التي غزاها واحتلها.ليس ببعيد اليوم الذي يأتي فيه من يقول:"من هنا مر الجيش العربي السوري" ليدلل على الكوارث البيئية والمآسي الانسانية والاجتماعية التي  ألحقها بالمدن والبلدات السورية المنتفضة. لا شك,أن النظام القائم يتحمل المسؤولية الأولى والأساسية عن هذا الانحدار الأخلاقي. لكن المعارضة بجناحيها (السياسي والعسكري) ليست معفية من المسؤولية وهي ليست بريئة من هذه الخطيئة الوطنية الكبرى بحق سورية وشعبها.فأي "ثورة سورية" هذه و(ايران الشيعية), تمد ميليشيات وشبيحة النظام بكل أنواع الدعم المالي والعسكري والسياسي في معركته المصيرية مع معارضيه. فيما السعودية وقطر وتركيا (وهي دول سنية) تمد ميليشيات وشبيحة المعارضة , بالدعم المالي والسياسي والعتاد العسكري.أخيراً, اعتقد بأنه من السخف السياسي والأخلاقي" الحديث عن  "مؤتمر دولي" يعقد في سويسرا  حول الأزمة السورية,في وقت أكدت روسيا على لسان وزير خارجيتها (لافروف) أنها ملتزمة بتزويد سورية بكل أنواع الأسلحة التي يحتاجها نظامها في معركته المصيرية مع معارضيه. وفي وقت كشفت تقارير غربية عن قيام اميركا وتركيا وقطر والسعودية بتزويد المعارضة المسلحة بأسلحة نوعية متطورة لمواجهة جيش السلطة.
سليمان يوسف...   كاتب سوري
shuosin@gmail.com

4
الأزمة السورية و خطر الصراع على "الجزيرة"

الأزمة الوطنية السورية المتفجرة في الشارع منذ أكثر من عام, تعود بجذورها وأسبابها البعيدة الى نش¯أة  الدولة السورية,وترتبط ببنية هذه الدولة وبطبيعة نظامها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي  الذي يحكمها منذ عقود. لقد كشفت هذه الأزمة عن عمق التناقضات السياسية والاجتماعية والعرقية والطائفية والاثنية والمذهبية والقبلية والحساسيات التاريخية  المتراكمة في قاع المجتمع السوري ودفعت بها الى السطح. لهذا ومنذ الأسابيع الأولى للأزمة بدأ شبح الحرب الأهلية يخيم على البلاد. وهي الأزمة  تبدو اليوم صراعا وجوديا- كيانيا"  بين أطراف الصراع,أي كل طرف يريد أن يلغي وجود الطرف الآخر, ولم يعد الهدف مجرد اسقاط نظام استبدادي فاسد ونقل سورية الى دولة ديمقراطية تعددية .هذا الوضع يفسر سرعة صعود شبح التقسيم وتنامي نزعة الانفصال لدى بعض الأقوام السورية,مثل العلويين و الأكراد. الخيار الذي أشار اليه وهدد به الرئيس بشار الاسد بالقول: "المراد لسورية تقسيمها".إذا ما طال أمد الأزمة وامتد سعيرها الحارق ودخلت البلاد في جحيم الفوضى والفراغ السياسي غالباً ستدفع بأقوام وأقاليم أخرى, مثل "جبل العرب" ذات الغالبية الدرزية, للتفكير بالانفصال عن الكيان السوري. صحيح أن التقسيم والحرب الأهلية هي  "فزاعات" يلوح ويهدد بها النظام لتخويف السوريين من البديل إذا ما اصروا على اسقاطه ورحيل بشار الأسد.وصحيح أن نزعة"الانفصال" تغذيها بعض الدوائر الأمنية في النظام, لأهداف وغايات مكشوفة لا تنطلي على أحد منها تشتيت قوى المعارضة وصرفها عن الهدف الأساسي للانتفاضة . لكن الصحيح أيضاً,ثمة معطيات ومؤشرات سياسية ووقائع ميدانية على الأرض تؤكد على وجود مشاريع وأجندة لتقسيم وتفتيت سورية الى كيانات طائفية وعرقية.وانطلاقاً من سيناريوهات "التقسيم",بدأت أطراف, محلية واقليمية ودولية, تتعاطى مع الأزمة والمستقبل السياسي لسورية.في هذا السياق,نقل المعارض والحقوقي السوري البارز هيثم مناع  ما قالت  له مسؤولة رفيعة في مجلس الشيوخ البلجيكي : "اطلعنا على مشاريع تتحدث عن تهجير مسيحيين من سورية الى لبنان, وهناك مؤشرات مقلقة بشأن وحدة الدولة السورية".ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال عوزي ديان  صرح لإذاعة الجيش الإسرائيلي, قائلاً: "إن فكرة انفصال الأكراد وإقامة دولة كردية في شمال سورية, ودراسة احتمال إقامة حكم ذاتي للأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد, يصب في مصلحة إسرائيل".إن فكرة "الدولة العلوية" ليست وليدة الأزمة الراهنة, وإنما هي تعود لزمن الانتداب الفرنسي على سورية . فقد نشرت صحيفة "النهار" اللبنانية "وثيقة سرية" بعث بها وجهاء الطائفة العلوية بينهم جد الرئيس بشار الاسد  الى حكومة الانتداب الفرنسي يعبرون فيها عن مخاوفهم على الأقليات, ومن ضمنهم العلويين, من الأكثرية السنية اذا ما انسحب الفرنسيون واستقلت سورية,وهم يطالبون فيها ب¯"دولة علوية" للخلاص من الخطر الاسلامي السني".والمصادر التاريخية ذات الصلة بالموضوع تشير الى أن فرنسا كانت قد أعدت بالفعل مشروعا ل¯"دولة علوية". لهذا فالحديث هذه الأيام عن مشروع "ال¯دولة العلوية", لم يأت من فراغ.فكما يقول المثل: " لا دخان من غير نار".وهنا اعتقد بأن رفع علم "الدولة العلوية" في عدد من قرى وبلدات الساحل السوري ذات الغالبية العلوية,هو رسالة واضحة وقوية  للداخل والخارج بهذا الاتجاه.صحيح, أن خيار الدولة العلوية يطرح اليوم ك¯"طوق نجاة" للنظام إذا ما انحسر وضاق الخناق عليه.لكن الدولة العلوية قد تصبح مطلباً لغالبية العلويين وأمراً واقعاً كملاذ آمن ليس لأركان النظام فحسب, وإنما للطائفة العلوية من أعمال انتقامية وتصفيات قد تقوم بها مجموعات مسلحة بعد سقوط النظام انتقاماً وثأراً للمجازر التي حصلت في حمص وحماه وادلب وفي مناطق أخرى على أيدي قوات النظام.في ما يخص مشروع "الدولة الكردية"في اقليم الجزيرة السورية. يمتد هذا الاقليم, بين نهري الدجلة والفرات, في أقصى الشمال الشرقي لسورية,متاخم للحدود التركية العراقية. يضم محافظة الحسكة ومناطق واسعة من محافظة الرقة وديرالزور.يشكل الأكراد الغالبية في بعض مدنه وبلداته على الشريط الحدودي مع تركيا, أما على مستوى الإقليم ككل فهم لا يشكلون أكثر من ربع سكانه,حيث الغلبة فيه هي للعنصر العربي.لهذا الإقليم أهميته الاقتصادية والتاريخية الخاصة.فمثلما يشكل المصدر الأساسي لأهم الثروات الاقتصادية للبلاد النفط والغاز والزراعة,كذلك هو "موزاييك بشري", ديني وقومي واثني وثقافي ولغوي وقبلي. إذ يمكن للزائر أن يسمع اللغة "السريانية" بلهجاتها الآشورية والآرامية  كذلك الكردية والعربية والأرمنية في شارع واحد من شوارع مدنها القامشلي مثلاً.حقيقة, الى تاريخه, لم يطالب أي فصيل سياسي أو طرف كردي سوري بانفصال أكراد سورية .نعم, هناك أصوات كردية فردية شاذة تطالب بهذا, لا يمكن الأخذ بها و الوقوف عندها والتأسيس عليها لموقف ما من الحركة الكردية السورية.لكن مع هذا, فإن مجرد رفع سقف المطالب الكردية في هذه المرحلة الى الفيدرالية, تقرير المصير, الحكم الذاتي لما يسميه الأكراد ب¯"كردستان سورية" أو "غرب كردستان" أو "المناطق الكردية", يعتبرها البعض- وأنا منهم- خطوة باتجاه مشروع الدولة الكردية و مطالب تنطوي على "نزعة انفصالية", أو على اقل تقدير مقدمة لاستنساخ تجربة أكراد العراق في سورية,رغم خصوصية وتعقيدات الحالة السورية وتمايز الوضع الكردي السوري عن الوضع الكردي العراقي من حيث العدد والانتشار والتواصل الديمغرافي.ما يعزز هذا الاعتقاد والشكوك, ترافق المطالب السياسية الكردية مع ممارسات وخطوات ميدانية على الأرض. حيث اعلنت أطراف كردية عن نيتها واستعدادها للسيطرة وادارة  ما تعتبره أراض أو "مناطق كردية -غربي كردستان" في الجزيرة السورية وعلى طول الشريط الحدودي مع تركيا, إذا ما سقط النظام السوري .حول هذا, نشرت نشرة "كلنا شركاء" الالكترونية, حوارا مع قائد الجيش الخاص لما يسمى ب¯  "كردستان سورية"  يقول: " نحن الكرد كقومية لنا الحق بأن يكون لنا جيش يحمي اقليم غرب كردستان. وهدف الجيش الدفاع عن الشعب في حال تم هجوم من قبل النظام الحالي أو هجوم من أي عدو خارجي في المستقبل على سورية أو على اقليم كردستان سورية..". في الاطار ذاته,نشر العديد من وسائل الاعلام تقريراً عن قيام قوات مسعود البرزاني في شمال العراق بفتح "معسكرات تدريب "لمجندين أكراد سوريين انشقوا عن الجيش السوري وفروا الى العراق. ومعلوم أن الجيش الخاص بما يسمى "غرب كردستان", الذي تحدث عنه قائده,يعتبر " الجناح العسكري" لحزب الاتحاد الديمقراطي-الوريث السياسي لحزب العمال الكردستاني- الذي بات وضعه أشبه ب¯"حكومة ظل" في محافظة الحسكة,حيث أجرى انتخابات محلية خاصة به في مدن وبلدات محافظة الجزيرة ضمن مشروع "الإدارة الذاتية" الذي أعلن عنه باسم "حركة المجتمع الديمقراطي في غربي كردستان".اللافت والمثير في ملف هذا الحزب (الاتحاد الديمقراطي),أن السلطات السورية تغض النظر عن تحركاته ونشاطاته بعد سنوات من القطيعة معه وملاحقة اعضائه, على أثر تخلي الرئيس الراحل حافظ الأسد عن احتضان زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان, وتمكين تركيا من القبض عليه, وهو يقضي عقوبة بالسجن المؤبد في إحدى الجزر التركية.إن فتح السلطات الساحة السورية أمام هذا الحزب مجدداً وفي هذه المرحلة تحديداً يترك اشارات استفهام كبيرة وتساؤلات مشروعة حول الأهداف الحقيقية  للنظام السوري  من هذه العلاقة.وإن كانت بعض هذه الأهداف واضحة ومكشوفة, مثل: ارسال رسالة قوية الى حكومة اردوغان في تركيا, التي تحتضن وترعى المعارضات السورية وتقدم الدعم اللوجستي للجيش السوري الحر المنشق  الذي يخوض حرباً مفتوحاً مع الجيش السوري النظامي, وإفهام انقرة بقدرة دمشق على تحريك ورقة أكراد تركيا المقلقة جداً لها.ناهيك عن أن النظام يريد كسب ود أنصار هذا الحزب في سورية أو على الأقل تحييدهم عن التظاهرات المناهضة لحكمه,وادخال الحركة الكردية السورية في دوامة الخلافات والصراعات الداخلية في هذه المرحلة المصيرية. ليس خافياً على كل مهتم بالشأن السوري, بأن مختلف القوى السياسية السورية من غير الكردية ،العربية والاسلامية واليسارية والآشورية والأرمنية والتركمانية,موالاة ومعارضة ,ترفض التعاطي مع القضية الكردية في سورية على أنها قضية "كردستانية", بل جزء من القضية الوطنية السورية العامة. وكان برهان غليون,  رئيس المجلس الوطني السوري المعارض, خلال لقاء أجرته معه صحيفة "روداو" الكردية العراقية,قال: " كردستان سورية غير موجودة"واعتبر "الفدرالية للمناطق الكردية عبارة عن وهم" وأكد على أن "تطبيق النموذج العراقي في سورية مستحيل".. بدوره حذر د. أسامة القاضي, عضو المجلس الوطني, في حوار معه أجرته صحيفة إيلاف الإلكترونية,حذر  الأخوة الأكراد من استغلال وضع الثورة في تمرير نوايا انفصالية بما سمي "تقرير المصير".فإذا ما تحدى الأخوة الكرد أو بعض قواهم السياسية الفيتو  السوري على ما يسمى ب¯"كردستان سورية", وأصروا على استنساخ التجربة الكردية في العراق,عندها سيشكلون تحديا كبيرا لاستقرار ووحدة الكيان السوري وللسلم الأهلي  وللمستقبل السياسي لسورية  الجديدة .فمن حيث يقصدون أو لا يقصدون سيجرون البلاد وربما المنطقة الى نزاعات عرقية مفتوحة يصعب احتواؤها.لأن أي صراع أو نزاع مسلح على اقليم الجزيرة, أو على غيره من الأراضي السورية المتاخمة للحدود التركية, سيعطي الذريعة والحجة لتركيا للتدخل العسكري واحتلال كامل الشريط الحدودي مع سورية لتضيق الخناق على حزب العمال الكردستاني,بذريعة ضمان أمنها القومي.إذ لا يمكن لتركيا المتحسسة جداً من الملف الكردي أن تتحمل وتقبل بوجود كيان كردي جديد يحيط بها, خاصة إذا كان هذا الكيان يحكمه "حزب العمال الكردستاني" عدوها اللدود والذي يخوض ضدها نضالاً مسلحاً  لأجل  انفصال واستقلال شرق تركيا ذات الغالبية الكردية.وقد نقلت بعض المصادر بأن رئيس الوزراء التركي أردوغان ومسعود بارزاني في لقائهما الأخير بحثا إمكانيات قيام تركيا ب¯"التدخل العسكري" لإقامة وتأمين منطقة عازلة على الحدود السورية المتاخمة لتركيا.  لا شك, في النهاية يبقى مستقبل الجزيرة السورية ومصيرها, كمصير باقي الأقاليم والمناطق السورية, مرهون  ومتوقف على مسار وتطورات الأزمة الراهنة التي تعصف بسورية.فإذا ما بقيت الأبواب مقفلة أمام الحلول والمعالجات السياسية لها, سيكون البديل مزيدا من العنف الحكومي والعنف الشعبي المضاد.وهذا يعني انزلاق البلاد الى الفتنة والحرب الأهلية  والفوضى ودخول الجميع في المجهول القاتل??.

سليمان يوسف

باحث مهتم بقضايا الأقليات

 shuosin@gmail.com





5
الاستقلال السوري: عذراً فارس الخوري..عذراً غورو..

في السابع عشر من ابريل حلت الذكرى الخامسة والستون لاستقلال سورية عن الانتداب الفرنسي.
حلت ذكرى الاستقلال هذا العام وسورية يلفها الحزن والحداد على شهداء الحرية والكرامة .
حلت ذكرى الاستقلال والسوريون في احتراب واقتتال داخلي على السلطة.
جثث القتلى تملأ الساحات والشوارع. رائحة الموت تنبعث من كل مكان..
عذراً من جميع شهداء الاستقلال الوطني .
بعد ستين عاماً وأكثر اكتشفنا بأن الاستعمار الأجنبي أرحم لنا من الاستبداد الوطني.
معركة الاستقلال ضد الاستعمار كلفتنا مئات الشهداء, بينما معركة الحرية والكرامة ضد الاستبداد الوطني كلفتنا حتى الآن عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين وأكثر من مليون نازح.
 عذراً من القائد (يوسف العظمة) فالجيش الوطني الذي بناه, أصبح ميليشيا وشبيحة وعصابات مسلحة, تفتك بالسوريين, دنست المقدسات الوطنية والكنوز الحضارية ودمرت القلاع والمتاحف.
عذراً من كل الأنبياء والرسل, حتى المساجد والكنائس ودور العبادة لم تنج من النيران.
 عذراً من قائد الثورة السورية الكبرى (سلطان باشا الأطرش). ثورته كانت وطنية بامتياز, حررت البلاد والعباد من الاستعمار, بينما ثورة الحرية والكرامة ضد الاستبداد, أعادت الاستعمار .
عذراً من المجاهد (الشيخ صالح العلي), الذي رفض "الدويلة العلوية", بينما أحفاده أو بعضهم اليوم يرفعون علم "الدويلة العلوية" على قمم الجبال التي زينها الشيخ صالح بالعلم السوري, ومنها اطلق كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي لتحرير كامل التراب السوري.
 عذراً من جميع المجاهدين والثائرين ضد الاستعمار.
في عهد الاستعمار, كنا شعباً سوريا واحداً, أما في عهد الاستقلال والحكم الوطني, فقد أصبحنا شعوباً وملل وقبائل وطوائف ومذاهب وإثنيات متخاصمة.
سورية مهد الحضارات والأديان, أردتموها وطناً سوريا لكل السوريين, لكن الانقلابيين وأصحاب الشعارات الثورية جعلوها مزرعة للطغاة ومملكة للموت ومقابر جماعية للأحرار .
 ثوراتكم حررت شعباً وصنعت وطناً, بينما ثورتنا ضد الاستبداد, مزقت الشعب وأدخلت الوطن في حرب أهلية تمهيداً لتقسيمه الى امارات ودويلات طائفية ومذهبية واثنية وقبلية.
عذراً من فارس الاستقلال الوطني(فارس الخوري), الذي رد من"الجامع الأموي" على مزاعم الجنرال غورو: " إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين, فأنا كمسيحي من هذا المنبر أقول: أشهد أن لا إله إلا الله". فأقبل عليه المصلين وحملوه على الأكتاف وجابوا به شوارع دمشق القديمة , حيث استقبله المسيحيون وهم يهتفون لا إله إلا الله. في مشهد وطني رائع قل نظيره, انحفر في الذاكرة الوطنية لكل السوريين.
عذراً منك يا فارس الكرامة الوطنية, اليوم أحفادك, المسلمين قبل المسيحيين, يطلبون الحماية من جيوش الغازي الجنرال "غورو" لحمايتهم من نيران جيشهم الوطني ومن ميليشياتهم الطائفية.
عذراً من جميع شهداء الاستقلال وشهداء الحرية والكرامة: بعد ستين عاماً وأكثر، فقدنا الاستقلال  الوطني  وانتهكت السيادة الوطنية...
عذراً, فرنسا, عذراً, جنرال غورو, يبدو أن قادة وزعماء الاستقلال السوري أخطأوا  الحساب والتقدير.
 
سليمان يوسف
 كاتب سوري
 shuosin@gmail.com
 


6
سوريا، بانتظار خطاب التنحي

بقلم: سليمان يوسف... سوريا.... كاتب مهتم بقضايا الأقليات.

تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم( 1559 )، وعلى وقع تداعيات ومفاعيل جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق( رفيق الحريري) في 14 شباط 2005التي اتهم النظام السوري بالوقوف خلفها،أنسحب الجيش السوري بتاريخ  25-4-2005من لبنان،الذي دخله (صيف 1976)  تحت شعار"وقف الحرب الأهلية بين اللبنانيين". آنذاك،رأى العديد من المحللين السياسيين في الانسحاب القسري للجيش السوري من لبنان، بداية نهاية "نظام شمولي"،أرسى قواعده الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي وصل الى السلطة عبر انقلاب ابيض قاده 1970، اتسم حكمه بالدكتاتورية و"المركزية المطلقة"،فضلاً عن أن الراحل(حافظ) كان بارعاً في تصدير أزماته الداخلية وتضليل شعبه والشعوب العربية بالشعارات والمتاجرة بالقضايا القومية.بالفعل، بعد الانسحاب القسري لعسكر سوريا من لبنان، بدأ المجتمع السوري يشهد حراكاً، سياسياً وثقافياً وحقوقياً وإعلاميا، معارضاً لحكم الرئيس بشار.وكانت دمشق ومدن سورية أخرى تشهد من حين لآخر اعتصامات واضرابات رمزية لمعارضين ونشطاء حقوق الانسان والمجتمع المدني، يطالبون بإنهاء حالة الاستبداد وإحقاق التغير الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في البلاد. رغم بطش السلطات وعسفها بناشطي هذا الحراك وزجها بالعشرات منهم لسنوات في السجون،أثمر عن تأسيس وبروز تشكيلات وأطر سياسية جديدة لقوى المعارضة السورية،في الداخل والخارج.ابرز تلك التشكيلات "اعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي" و"جبهة الخلاص الوطني"،قيام مئات من المثقفين السوريين واللبنانيين باصدار ما عرف  بـ"اعلان بيروت – دمشق" طالبوا فيه بتصحيح العلاقة الغير متوازنة بين (لبنان وسوريا). وليس من المبالغة القول، بأن "الانتفاضة الشعبية الباسلة" المناهضة للنظام وحكم الرئيس بشار التي تشهدها مختلف المدن والبلدات السورية منذ آذار الماضي، خرجت من رحم ذاك الحراك السياسي الديمقراطي المعارض.
في مقال لي- نشرته صحيفة (النهار) اللبنانية صفحة (قضايا) بتاريخ 4 أيار 2005- بعنوان" بعد الانسحاب من لبنان.. ماذا لو قرر الرئيس..؟ " أعقبت فيه على خطاب الرئيس بشار الأسد،الذي ألقاه أمام أعضاء مجلس الشعب السوري في 5 آذار 2005 وأعلن فيه قرار سحب الجيش السوري من لبنان، تمنيت فيه على بشار  " أن لا يضيع الفرصة التاريخية على مشروعه الإصلاحي الديمقراطي، وفرصة انقاذ الوطن من المنزلق الخطير الذي قادته اليه السياسات القديمة لقيادته السياسية والحزبية...".لكن للأسف،الرئيس الشاب خيب آمال السوريين الذين وضعوا ثقتهم به وراهنوا عليه في إصلاح الدولة السورية المترهلة وتخليصهم من نظام أمني استبدادي أفقر الشعب وأفسد الدولة.فخلال أحد عشر عاماً من حكم بشار لم يسمع السوريون منه سوى وعود وأحاديث عن  الاصلاحات، من غير أن تترجم الى فعل وعمل على أرض الواقع. في لقاء متلفز للرئيس بشار أجراه معه وفد إعلامي أمريكي بدمشق (13-5-2004 ) قال (بشار):"الانتخابات الحرة في سوريا قادمة.. وأضاف: أنا لا اهتم بمنصبي، فقد أكون خارج وظيفتي في أية دقيقة. لكنني كسوري لدي واجب بلدي. هذه هي الطريقة الوحيدة للحكم من هذا المنصب.وعندما اشعر بأنه لا يمكنني أن أقدم شيئاً لبلدي قد أغادر..". كلام في غاية الأهمية وفي الديمقراطية.لكن ماذا ينتظر بشار ليفي بالوعد الذي قطعه على نفسه؟.يبدو أن عقد كامل ونيف  من الإخفاقات السياسية والاقتصادية والتنموية وبشار على رأس السلطة مازالت غير كافية لتشعره بأنه فشل في تحقيق برنامجه الإصلاحي وبأنه غير قادر على تقديم شيئاً مفيداً لبلده ؟.ويبدو أن أنهر الدماء التي سالت وتسال وأفواج المهجرين والنازحين السوريين داخل وخارج الحدود والخراب الذي لحق بالبلاد، أشياء لا تستحق التوقف عندها (من منظور الأسد) وهي غير كافية ليقدم استقالته والتنحي عن السلطة؟.
قرأنا الكثير عن دكتاتورية الرئيس السوري الأسبق (أديب الشيشكلي) ،لكن رغم دكتاتوريته لم يتردد في التنحي عن السلطة، عندما شعر بأن بقائه في موقع الرئاسة قد يفجر الداخل السوري ويجر الويلات على البلاد.وهنا أورد بعض ما جاء في بيان استقالة الشيشكلي الذي أصدره في 25 فبراير (شباط) 1954: "رغبة مني في تجنب سفك دماء الشعب الذي أحب والجيش الذي ضحيت بكل غال من أجله، والأمة العربية التي حاولت خدمتها بإخلاص وصدق، أتقدم باستقالتي من رئاسة الجمهورية إلى الشعب السوري المحبوب الذي انتخبني والذي أولاني ثقته".بغض النظر عن الظروف والأوضاع السياسية، التي دفعت الشيشكلي على الاستقالة،يجب تثمين له هذا الموقف الأخلاقي وإدراكه لمسؤولياته الوطنية والتاريخية تجاه وطنه وأمته العربية.طبعاً،من غير أن نشكك بوطنية الرئيس بشار أو التقليل من حسه الوطني وشعوره بحجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه في هذه الظروف الحرجة، لا  أعتقد بأن ثمة مبرر  أو حاجة لبقاء بشار في موقع الرئاسة بعد أن وصلت البلاد الى هذا المنحدر الخطير في ظل قيادته .حتى لو صحت روايات أهل الحكم بأن بشار مازال يحتفظ بشعبية و تأييد غالبية الشعب السوري،هذا لا يبرر تمسكه بالحكم.فقضية تنحي بشار لم تعد ترتبط  بشرعية أو عدم  شرعية حكمه وسلطته، بقدر ما أضحت "قضية أخلاقية"،أكثر من كونها "قضية سياسية". فمن غير المعقول أن تُسترخَص دماء السوريين الى هذه الدرجة على رئيس شاب وطبيب لأجل بضع سنوات أخرى في الحكم،خاصة، وعلى ما اعتقد طبعاً، بأنه(بشار)، الذي توارث الحكم عن والده  في تموز 2000،ليس هو الحاكم الفعلي لسوريا ولا يمارس صلاحياته وسلطاته الكاملة كرئيس.وإن هو أكد في كل خطاباته على أنه يمارس كامل صلاحياته ومسؤولياته كرئيس للبلاد.إذ،وكما يبدو لي على الأقل،أن مهمة ووظيفة بشار في موقع الرئاسة تكاد تقتصر  هذه الأيام على توفير "الغطاء السياسي" لعنف الدولة بحق متظاهرين مسالمين خرجوا يطالبون بالديمقراطية وبحقهم في العيش بحرية وكرامة.يخطئ الرئيس بشار وفريق حكمه اذا كانوا يعتقدون بأن باستطاعتهم اعادة عقارب الساعة الى الوراء ووقف عجلات التاريخ السوري والمراهنة على القوة العسكرية في سحق انتفاض "قومٌ" حطم حاجز الخوف،قرر صناعة مستقبله وتقرير مصيره، مهما كلفه ذلك من دماء وتضحيات. فحملات البطش والعنف الوحشي بحق المتظاهرين المحتجين زادتهم اصراراً على المضي في انتفاضتهم حتى تبلغ غايتها وتحقق كامل أهدافها.  لا ننفي وجود مجموعات مسلحة(من عسكريين منشقين ومدنيين) تحمل السلاح في وجه الدولة وتقاوم سلطتها، لكن هؤلاء المسلحين هم نتاج  عنف ممنهج مارسته الدولة ذاتها بحق متظاهرين مسالمين. قطعاً،لستُ ولن أكون مع "تسليح المعارضة" و "عسكرة الانتفاضة"، تحت أي عنوان وفي أي ظرف. لأن حمل السلاح من قبل المعارضين سيحرف الانتفاضة عن مسارها وعن أهدافها الوطنية.إذ سيفتح الباب أمام التدخلات العسكرية الخارجية في الأزمة السورية،فضلاً عن أنه سيعطي للنظام المبرر والذريعة التي ببحث عنهما لاستخدام مزيد العنف والقوة العسكرية ضد المتظاهرين.
أخيراً:ما ينتظره السوريون من رئيسهم بشار، في هذه المرحلة العصيبة والمفصلية التي تمر بها بلادهم، ليس دستوراً جديداً، ولا قانون أحزاب، ولا قانون اعلام، ولا  مؤتمر  لحزب(البعث) تكلس وترهل لم يعد صالحاً ليحكم السوريين الجدد،وإنما خطاب جديد يعلن فيه تنحيه عن الحكم والاعتذار للشعب السوري عن المآسي والويلات التي لحقت به في عهده، وتحديد فترة انتقالية لنقل السلطة الى هيئة وطنية مؤقتة.أعتقد بأن هذه الخطوة المنتظرة من بشار باتت ممراً أو معبراً سياسياً إجبارياً  لإنقاذ سوريا وتجنبيها خطر الحرب الأهلية ، وربما التقسيم.
سليمان يوسف... سوريا... كاتب مهتم بقضايا الأقليات.
shuosin@gmail.com

7
الأزمة السورية وخيار "المحاصصة السياسية".
 

لا جدال،على أن خلاص سوريا من أزمتها الراهنة، المتفجرة في الشارع والمرشحة لمزيد من التصعيد والتفاقم العنفي، هو بانتقالها الى "دولة مدنية تعددية ديمقراطية- دولة المواطنة الكاملة" تُحكم وفق دستور وطني مدني، يضمن حق الجميع في الحكم والإدارة والمشاركة السياسية والتنافس الحر على جميع المناصب بما فيها منصب "رئاسة الجمهورية"،بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو الإثنية أو السياسية. لكن في ظل استعصاء هذا الحل النموذجي المنشود، وقفل الأبواب أمام الخيارات السياسية والبدائل الوطنية الأخرى المطروحة (سورياً وعربياً وإقليميا ودولياً)حتى الآن، ولتجنيب سوريا ويلات حرب أهلية/طائفية دقت أجراسها في حمص ومناطق أخرى، أليس من الحكمة والعقلانية البحث عن مخارج وحلول سياسية أخرى ممكنة وأكثر واقعية ، تناسب الحالة الوطنية السورية وتتوافق مع خصوصية المجتمع السوري،الذي يتصف بالتنوع الديني والمذهبي والقومي والاثني والقبلي واللغوي والثقافي؟.من هذه الخيارات الممكنة، يأتي خيار ما يعرف بـ" "المحاصصة السياسية" أو "الديمقراطية التوافقية"، القائم على قاعدة تقاسم السلطات السيادية بشكل متوازن بين المكونات الاساسية في المجتمع،كأن تسند رئاسة الدولة السورية الى العلويين بصلاحيات محدودة ورئاسة الوزراء للسنة بصلاحيات واسعة ورئاسة البرلمان للمسيحيين ،مع الأخذ بنظام"الكوتا" للأقليات لضمان تمثيلها العادل في مختلف السلطات.
صحيح،ثمة سلبيات لخيار "المحاصصة السياسية والديمقراطية التوافقية"، وربما مخاطر مستقبلية قد يحملها على التماسك المجتمعي وعلى المستقبل السياسي للكيان السوري.لكن بالمقابل ثمة ايجابيات ومحاسن عديدة لهذا الخيار.وإلا لما أخذت به وتبنته العديد من دول المنطقة ودول أوربية وآسيوية وافريقية،عانت من أزمات شبيهة بالأزمة السورية،مثل(لبنان،العراق،هولندا،ماليزيا ،الكونغو..).طبعاً،السوريون، بسبب حساسيتهم الوطنية العالية، يصعب عليهم تقبل خيار المحاصصة السياسية. لكن،وفق ما أرى واعتقد، بأن الأزمة الراهنة، بمفاعيلها السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية،المباشرة وغير المباشرة، أفرزت معطيات ووقائع جديدة على الساحة السورية وهي بدلت وستبدل الكثير من المفاهيم الوطنية والقناعات القديمة لدى قطاع واسع من السوريين ومن مختلف الانتماءات،في أوساط السلطة والمعارضة معاً.بمعنى آخر أن المحنة السورية خلقت بيئة (سياسية ونفسية واجتماعية وثقافية) لطرح خيار المحاصصة والديمقراطية التوافقية وقبول السوريين به،ولو كمرحلة انتقالية لترميم الثقة بين الأطراف الأساسية للأزمة وتجاوز الحساسيات والاحتقانات التي خلفتها الأحداث المأساوية على مدى الأشهر الماضية.
فيما يخص المبادرات المطروحة للأزمة السورية، لو قرأنا ما بين سطور "الشق السياسي" في مبادرة الجامعة العربية التي تدعو إلى "بدء حوار بين السلطة والمعارضة من اجل تشكيل حكومة وحدة وشراكة وطنية" والطلب من الرئيس بشار (المتحدر من الطائفة العلوية) بنقل صلاحياته أو بعضها الى(فاروق الشرع) (المتحدر من الطائفة السنية)- من غير أن يُطلب من بشار التنحي عن الحكم - سنجد بأن هذه المبادرة تصب بشكل من الأشكال في صالح خيار "المحاصصة السياسية" وتقاسم السلطات بين الطوائف الأساسية في البلاد.حتى المعارضات السورية بما فيها (المجلس الوطني) و(هيئة التنسيق) لم تستطيع  تخطي  قاعدة  "المحاصصة" في تشكيل مختلف هيئاتها القيادية، لاستمالة واستقطاب الكيانات السياسية والحزبية الفاعلة على الساحة السورية وممثلي المكونات الطائفية والمذهبية والاثنية التي يتشكل منها المجتمع السوري. وليس بعيداً عن قاعدة "المحاصصة الطائفية"، ووفق ما أعلنته وكالة(سانا) السورية، تم تثبيت "المادة الثالثة التي تنص على أن "دين رئيس الجمهورية هو الإسلام " في  مشروع الدستور الجديد  لسوريا، الذي من المقرر أن يطرح على الشعب السوري للاستفتاء عليه في آذار القادم.تمسك الحكم البعثي بهذه "المادة الطائفية" يؤكد على أن لا مستقبل للدولة المدنية ودولة المواطنة الكاملة في سوريا.من جهتها  المعارضات السورية وقوى الحراك الاحتجاجي المناهض للحكم القائم هي الأخرى ترفض مبدأ "فصل الدين عن السياسة" و تتمسك بالمواد الطائفية في الدستور، التي تقوض مفهوم "الدولة المدنية" وتجعل من المسيحيين ومن غير المسلمين عموماً مواطنين من الدرجة الثانية وتنتقص من حقوقهم في المواطنة.إذا كان السوريون بحكم تنوعهم وتعدد انتماءاتهم عاجزون وغير قادرون على الانتقال بدولتهم الى النموذج الديمقراطي السليم والصحيح القائم على مبدأ "حق الأغلبية السياسية في تشكيل الحكومة"يبقى من الأفضل لهم القبول بمبدأ تقاسم السلطات و "الديمقراطية التوافقية" وتشكيل حكومة وحدة وشراكة وطنية تضم ممثلين عن مختلف الطيف السوري، والأخذ بـ"نظام الكوتا" بالنسبة لتمثيل الأقليات السورية،مثل الآشوريين والأكراد والأرمن وغيرهم،لضمان حقوقها السياسية ومشاركتها الفاعلة في أي نظام سياسي جديد لسوريا في مرحلة ما بعد النظام الحالي وحكم الرئيس بشار.
لقد أثبتت التجارب الديمقراطية في الكثير من المجتمعات الغير متجانسة  في تركيبتها،خاصة في مشرقنا،بأن صناديق "الاقتراح الحر" لم توصل (أكثرية سياسية) الى الحكم، كما كان متوقعاً ومتأملاً، وانما جاءت بالأغلبية العددية (طائفية أو مذهبية أو اثنية).باسم الشرعية الانتخابية، مارست هذه الأغلبية كل اشكال الاستبداد على الأقليات وحرمتها من المشاركة الحقيقة في الحياة السياسية وفي ادارة البلاد.
إزاء تعقيدات الأزمة السورية ومع غياب أية حلول ومخارج سياسية لها، أرى أن  خيار (المحاصصة السياسية والديمقراطية التوافقية)هو "ممر سياسي إجباري" أمام السوريين وقواهم السياسية(سلطة ومعارضة) لانقاذ بلدهم من خطر الفتنة والحرب الأهلية ومن أجل الحفاظ على وحدة وتماسك كيان الدولة السورية.لأن حقيقة، يخشى أن يكون خيار "التقسيم والتفتيت"،الذي يلوح ويهدد به البعض،هو البديل في حال رفض السوريون خيار "المحاصصة السياسية". يجب أن لا يفوتنا بأن خمسين عاماً من الحكم لنظام شمولي استبدادي شديد المركزية والخصوصية تمكن هذا النظام من ربط "الدولة السورية" بجميع أجهزتها ومؤسساتها (السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية) به. لهذا ثمة مخاوف حقيقة ومشروعة من أن يؤدي سقوط هذا النظام بالقوة( وليس تغيره بشكل سلمي وتدريجي) الى انهيار وتفكك جميع مؤسسات وأجهزة الدولة، تالياً يسبب سقوط وانهيار الدولة ذاتها ككيان سياسي والدخول في المجهول..

سليمان يوسف.... سوريا
باحث مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com


8
من حق الآشوريين والأقليات السورية المستضعفة أن تطالب بضمانات

الآشوريون  (سريان/كلدان- ASSYRIAN ) شعب قديم، يعود تاريخهم لأكثر من سبعة آلاف عام في بلاد ما بين النهرين وسوريا، التي أخذت اسمها  SYRIAN  عنهم. أقاموا في هذه البلاد حضارة عريقة،وكانوا يديرون شؤون حياتهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية،قبل أن تتوافد اليها شعوب وأمم أخرى. مع انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية، المناهضة للنظام القائم ولحكم الرئيس بشار، في آذار الماضي،تفاءلت مختلف الأوساط الآشورية خيراً بهذه الاحتجاجات الغير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث، وتأملت أن تحقق الأهداف التي انطلقت من أجلها،والمتمثلة بالحرية والديمقراطية والكرامة واسقاط النظام وإنهاء حالة الاستبداد في البلاد، وأن تحمل التحولات السياسية التي ستحدثها الانتفاضة حلولاً وطنية ديمقراطية عادلة لعموم القضايا الوطنية من ضمنها "القضية الآشورية" ،ببعدها القومي والسياسي والديني.أي الاعتراف الدستوري بالهوية الآشورية كجزء من الهوية الوطنية لسوريا،و بالآشوريين كشعب سوري أصيل، وإلغاء "المادة الثالثة" من الدستور الحالي، التي تشترط(الاسلام) ديناً لرئيس البلاد و"الفقه الإسلامي" مصدر رئيسي للتشريع.
 أيماناً بضرورة التغير وإنهاء حالة الاستبداد القائمة في البلاد، والانتقال بسوريا الى دولة مدنية ودولة مواطنة وشراكة حقيقة بين كل مكوناتها وأبنائها، وقف الآشوريون، بمختلف قواهم ومؤسساتهم السياسية والقومية وفعالياتهم الثقافية، منذ اليوم الأول الى جانب الانتفاضة الباسلة وناصروها بشتى الطرق والوسائل.لكن يبدو أن كل هذا لم يؤثر على مواقف غالبية المعارضات السورية،خاصة العربية منها،التي تتسم بالشيوفينية والعنصرية،من الوجود الآشوري وتتنكر لوجود "قضية آشورية" في سوريا.هذه المواقف المنافية لروح وقيم المواطنة والوطنية والديمقراطية تؤكد على أن هذه المعارضات مازالت أسيرة الأيديولوجيات والعقائد المتكلسة والعقلية الاقصائية المتجذرة في فكرها السياسي. وقد أكدت تطورات ومفاعيل الحدث السوري على أن: تضمين "البيان التأسيسي" للمجلس الوطني السوري المعارض، الذي تشكل في اسطنبول برعاية تركية وهيمنة اسلامية، فقرة خاصة تقر بأن" يكفل الدستور الحقوق القومية للشعب الآشوري السرياني وحل القضية الآشورية حلاً ديمقراطياً عادلاً في إطار وحدة سوريا أرضاً وشعباً مع ممارسة حقوق وواجبات المواطنة المتساوية بين جميع المواطنين" ليست أكثر من خطوة تكتيكية لاستمالة وكسب الشارع الآشوري الى جانب المجلس الوطني.وهي لا تعبر عن أن تحولاً جوهرياً ونوعياً ايجابياً حصل في موقف المعارضات السورية(العربية والكردية والاسلامية) المنضوية في هذا الإتلاف، وكذلك تلك المنضوية في هيئة التنسيق الوطنية للتغير الديمقراطي ،من الحقوق القومية للآشوريين السوريين ومن من الوجود الآشوري.ثبات المعارضات السورية، في الداخل والخارج،على مواقفها السلبية لا بل العنصرية من "المسألة الآشورية" تجلت في "الاتفاق السياسي" بين هيئة التنسيق والمجلس الوطني، الذي يحدد أو يعبر عن رؤية الطرفين لأسس "المرحلة الانتقالية" ولسوريا الجديدة في مرحلة ما بعد الحكم الحالي. فقد خلا هذا الاتفاق المشئوم من ذكر "القضية الآشورية" التي هي جزء من القضية السورية وفي صلبها.
حقيقة، أنه لأمر يثير الريبة والشكوك ويطعن بمصداقية المعارضات السورية، أن لا يحترم الدكتور( برهان غليون) رئيس المجلس ومن معه ممن وقعوا على الاتفاق مع هيئة التنسيق، وجود طرف آشوري في مجلسهم وأن لا يشيروا في "ميثاقهم" الى الوجود الآشوري،الذي يشكل العمق الحضاري والتاريخي لسوريا،فيما خصصوا في ميثاقهم فقرة خاصة  لـ "القضية الكردية" وحقوق الأكراد السوريين.وقد أصدرت "الكتلة الآشورية" في المجلس الوطني تصريحا صحفيا خجولاً،احتجت فيه على هذا الاستخفاف الغير مبرر بها  وبالوجود القومي للأشوريين السوريين وقضيتهم. يذكر أن "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي"، التي تضم قوى وأحزاب عربية وكردية وشخصيات مستقلة معارضة في الداخل السوري، كانت قد أقصت الآشوريين عن مؤتمرها التأسيسي الذي عقدته بدمشق في أيلول الماضي، كما خلا "بيانها الختامي" من ذكر الآشوريين وتجاهل قضيتهم.هذا الانقلاب السريع على"البيان التأسيسي" للمجلس الوطني وتخلي قيادته المتنفذة عن الفقرة الخاصة بـ"الملف الآشوري"- الفقرة التي اعتبرها البعض "مكسباً سياسياً مهماً للآشوريين وقضيتهم في سوريا ووصفوه بالانجاز التاريخي لأنها المرة الأولى التي تدرج القضية الآشورية في وثائق رسمية للمعارضة السورية- أصاب المجتمع الآشوري بالإحباط و بخيبات أمل كبيرة من المستقبل السياسي لسوريا الجديدة وعزز الشكوك بمصداقية المعارضات السورية(العربية والكردية والاسلامية والعلمانية) ليس حيال حقوق الآشوريين فحسب، وانما حيال كل شعارات التغير الديمقراطي والدولة المدنية والشراكة الحقيقة التي ترفعها وتزعم بأنها حريصة على تحقيقها.قطعاً، أن رفض "المكتب التنفيذي" للمجلس الوطني الاتفاق مع هيئة التنسيق، تحت ضغط الشارع السوري المنتفض ولأسباب لا علاقة لها بتجاهل الاتفاق المذكور "المسألة الآشورية"، لم يبدد شكوك ومخاوف الآشوريين من أن يعود المجلس الوطني ثانية الى التخلي عن قضيتهم وتجاهل وجودهم  في أي اتفاق سياسي جديد قد يبرمه مع هيئة التنسيق أو مع غيرها من قوى المعارضة السورية.فالذي يرفض ذكر الآشوريين وقضيتهم في بيان أو وثيقة سياسية وهو في موقع المعارضة لا يمكن له أن يقر بوجودهم ويمنحهم حقوقاً عندما يكون بموقع السلطة. لا شك،أن إقصاء الآشوريين أو أي مكون سوري آخر ومن قبل أية جهة كانت هو موقف مستهجن ومرفوض وغير ديمقراطي، وسلوك لا يخدم عملية التغيير في سورية، ويتنافى كلياً مع أسس الشراكة الوطنية والمساواة التي تدعو وتطالب به قوى المعارضة السورية.المواقف المترددة والمتناقضة من حقوق الآشوريين وقضيتهم تؤكد على عدم وجود رؤية واضحة محددة لدى المعارضات السورية لحل مسألة القوميات والأقليات الدينية والأثنية البالغة الحساسية في البلاد.ناهيك عن ان خلافات المعارضات السورية حول طريقة مقاربة الأزمة السورية وملفاتها الشائكة تطرح أسئلة مهمة ومشروعة حول قدرة هذه المعارضات على قيادة البلاد في مرحلة ما بعد سقوط الحكم الحالي وقدرتها على مواجهة التحديات والاستحقاقات التي ستفرضها عليها المرحلة الجديدة.
في ظل تعقيدات المشهد السوري والخلافات الحادة بين المعارضات والاصطفافات الطائفية والمذهبية والاثنية المخيفة التي بدأ يشهدها المجتمع السوري على خلفية الأزمة الراهنة ومفاعيلها ، بات من حق الآشوريين والمسيحيين و الأقليات المستضعفة عموماً أن تطالب بضمانات دستورية ميثاقيه تكفل  حماية وجودها وتضمن لها حقوقها في أي نظام سياسي جديد يخلف النظام الحالي..
 
 سليمان يوسف.... سوريا
باحث مهتم بقضايا الأقليات..
shuosin@gmail.com

9
سوريا : طائفية السلطة والمعارضة !

بقلم: سليمان يوسف ..  باحث  سوري (مهتم بقضايا الأقليات).
 
كشف الحدث السوري، بمفاعيله السياسية والأمنية والاجتماعية وبارتداداته الاقليمية، حجم "الكارثة الوطنية" التي  حلت بسوريا.كما كشف هذا الحدث، الغير مسبوق في تاريخ سوريا الحديث، عن غياب المفهوم الحقيقي للوطن وللمواطنة عن الوعي السياسي وعن الثقافة العامة للسوريين، حكومة وحراكاً احتجاجياً وقوى سياسية ونخب ثقافية وفكرية.وأيضاً، الحدث كشف عن الشرخ العميق في "العلاقة الوطنية" بين مختلف مكونات المجتمع السوري.قد لا نختلف على الطابع الوطني العام للانتفاضة السورية. لكن هذه الحقيقة يجب أن لا تجعلنا نتجاهل البعد الطائفي للحراك الشعبي، الذي بات هو  المحفز أو المحرك الأساسي لغالبية المتظاهرين المناهضين للنظام.هذه "الكشوفات السورية"، تجلت وتتجلى في أكثر من موقف ومحطة وواقعة وسلوك لهذا الطرف وذاك.ففيما تتهم المعارضات السورية، التي تلاقت على اسقاط حكم الرئيس بشار، النظام بادرة ظهره لمطالب الشعب السوري وأخذه من ايران "الشيعية" وأدواتها الإقليمية حليفاً استراتيجياً ومرجعية أساسية له والاستعانة بالحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله ومن جيش المهدي لقمع حركة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكمه والتهديد بإشعال "فتنة طائفية" في البلاد كحبل نجاة له.سارعت هذه المعارضات للبحث عن حلفاء ومرجعيات، من خارج الحدود، في الجوار العربي الاسلامي والإقليمي، ومن بطانتها الطائفية والمذهبية،فضلاً عن رهانها على الخارج في اسقاط حكم الرئيس بشار، حتى لو تطلب الأمر عسكرة الانتفاضة و التدخل العسكري،بعد أن عجزت عن ذلك الاحتجاجات السلمية.
المعارضة العربية، خاصة التيار الاسلامي منها، ركزت على الدور التركي وبدرجة أقل على الدور العربي.فكما هو معروف، تركيا يحكمها حزب (العدالة والتنمية) الاسلامي،الذي أظهر تحمساً لإسقاط حكم الأسد- المتحدر من أصول "علوية" ذات الامتداد الواسع في تركيا- و إقامة "حكومة اسلامية" على رأس السلطة في سوريا،أو على الأقل تعزيز موقع الاسلاميين في أي نظام سياسي سوري جديد.فمن شأن أي  حكومة اسلامية سنية في سوريا أن تساعد تركيا على تعزيز أمنها القومي  وتقوية مصالحها الاستراتيجية والحد من النفوذ الايراني(الفارسي) المتنامي في سوريا و المنطقة الذي يشكل مصدر قلق حقيقي لتركيا.في اطار هذه الاستراتيجية لحكومة أردوغان الاسلامية، احتضنت اسطنبول و رعت "مؤتمرات المعارضات السورية"التي تمخض عنها تأسيس ما يسمى بـ (المجلس الوطني السوري)، الذي يهيمن عليه التيار الاسلامي ويطرح نفسه بديلاً للحكم القائم.الأهم من هذا،أن تركيا احتضنت قادة ما يسمى بـ"الجيش السوري الحر- المنشق"  وتقدم له كل اشكال الدعم المالي والعسكري واللوجستي والسياسي في معركته ضد الجيش النظامي لإسقاط حكم الرئيس بشار الأسد . فيما يخص المعارضة الكردية ، رغم انخراطها في معظم أطر وتشكيلات المعارضات السورية ، في الداخل والخارج،هي الأخرى هواها السياسي يميل الى خارج الحدود الى "اربيل" عاصمة الكيان الكردي الناشئ،حيث الزعامة التاريخية للأكراد.فقد استقبل  الرئيس (مسعود البرزاني) وفداً كردياً قيادياً مثل (المجلس الوطني الكوردي) في سوريا، الذي أعلن عنه مؤخراً ورفع سقف مطالب الكرد السوريين الى حق "تقرير المصير" ضمن وحدة الدولة السورية.وقد أكد البرزاني للوفد الكردي الزائر على أن الأولوية يجب أن تكون لحقوق الكرد،قال: "ما يهمنا هو الديمقراطية والاعتراف بحقوق الكورد، وأن يقترب كورد سوريا من الطرف الذي يحرص اكثر على إعطاء الحقوق لهم".  وأكد البرزاني على أنه سيدعم  جهود الاحزاب السياسية لتثبيت حقوق الأكراد في سوريا. في الإطار ذاته، كشف السياسي الكردي السوري (صلاح بدر الدين)، في تصريح لصحيفة (العرب اليوم)، ما وصفه بـ"التدخل السلبي" للرئيس العراقي الكردي (جلال الطالباني) في الازمة السورية.وقال بدر الدين:" ان الرئيس طالباني وعد الرئيس السوري بشار الاسد بان لا يقف الاكراد السوريين ضد نظام حكمه".وأضاف: "بان طالباني يحث الاكراد للدخول في حوار مع نظام الرئيس الاسد". نظراً لعدم وجود "دول وعواصم آشورية" تحج اليها المعارضة الآشورية، تعيش هذه المعارضة في دوامة وتدور في حلقة  وطنية مفرغة.تارة تستظل بعباءة المعارضة العربية، وتارة بعمامة الاسلاميين، وأخرى تلتحق وتحتمي بالمعارضة الكردية.في ظل الاستقطابات الطائفية والمذهبية والاثنية، التي سيشهدها المجتمع السوري في المرحلة القادمة،وكون المعارضة الآشورية هي الأضعف بين المعارضات السورية،غالباً سيجد الآشوريون(سريان/كلدان) أنفسهم خارج المعادلة السياسية. لأن حقيقة لا حليف حقيقي لهم في الداخل السوري. كما ليس لهم سند اقليمي أو دولي يتبناهم ويدافع عن قضيتهم. ورغم الطابع المسيحي للمعارضة الآشورية لا يجد المسيحيون السوريون،من غير الأشوريين، فيها ممثلاً سياسياً لهم،و لا يبدو أنهم معنيون بالمستقبل السياسي للآشوريين.
بموازاة هذا التحرك السياسي للسلطة والمعارضة، ثمة "معركة اعلامية" تدور رحاها بينهما عبر مختلف وسائل اعلام. يقودها اعلاميون طائفيون ومذهبيون، تساعدهم في هذه المعركة المفتوحة وسائل إعلام عربية واسلامية وأجنبية، وكذلك مشايخ ورجال دين وأئمة بارزون.إذ يقوم اعلام كل طرف ،خاصة الفضائيات،في كل لحظة  بضخ مزيد من الجرعات والحقنات الطائفية والمذهبية القاتلة في المجتمع السوري، وذلك من خلال طريقة نقل وتصوير وصياغة أخبار ومشاهد القتل والموت والدمار المرافقة للتظاهرات والاحتجاجات المناهضة للنظام.فمنذ الأيام الأولى لانطلاق حركة الاحتجاجات، تحدثت ومازالت شخصيات قيادية في النظام عن مؤامرة خارجية وعن مشروع "فتنة طائفية" يراد منها ضرب سوريا وزعزعة أمنها واستقرارها.طبعاً، حديث السلطة عن "الفتنة" هو بمثابة رسائل تهديد للمجتمع السوري بورقة الفتنة والفوضى،اذا ما هُدد بالسقوط .ناهيك عن حديث الاعلام الحكومي والملحق به عن مشاريع وخطط لإقامة "إمارات سلفية" في سوريا،وعن دخول مسلحين اسلاميين من دول الجوار، في إشارة الى الخلفية "السنية" لهؤلاء وللدول التي قدموا منها.بالمقابل، في إشارة الى "الطائفة العلوية"، التي ينتمي اليها الرئيس بشار، تواصل المعارضات الحديث عن ما يسمونه بـ"جيش وشبيحة الأسد" ،وعن استهداف المساجد في المناطق والأحياء الساخنة، في إشارة الى المناطق "السنية".كما يعمل اعلام المعارضة على  تجييش الشارع المنتفض وتعبئته باتجاه "عسكرة الانتفاضة" وحمل السلاح تحت شعار (الدفاع عن النفس وعن المتظاهرين) .ناهيك عن هتافات وخطابات المحتجين والمعارضين ، التي تتناول (آل الأسد)،دون حزب (البعث العربي الاشتراكي)، الذي يشكل البنية الأساسية للنظام القائم وهو من أوصل الاسد الأب للحكم، وشكل(البعث) ومازال الغطاء السياسي والدستوري لتوريث الحكم الى الأسد الابن.حقيقة أن اقتصار هجوم  المعارضة على (آل الأسد)، وتجاهل دور البعث والأحزاب المنضوية معه في اطار ما يسمى بـ(الجبهة الوطنية التقدمية)، فيه تطييف للأزمة الوطنية وتأجيج للطائفية والمذهبية في المجتمع السوري. واذا صدقنا اتهامات المعارضة للنظام السوري بإشعال فتنة طائفية في البلاد كحبل نجاة له، نتساءل: ماذا فعلت قوى المعارضة وقوى الحراك الاحتجاجي لقطع الطريق امام النظام وافشال مشروع الفتنة الطائفية؟. للأسف هي أكتفت بركوب موجة الحراك الاحتجاجي وبتبني شعاراته،وأخلت الشارع أو بالأحرى تركت مصير البلاد بيد متظاهرين ومحتجين يرفعون شعارات ثأرية وانتقامية لشهدائهم ولضحاياهم.ربما السلطة السورية فقدت السيطرة على جزء مهم من الشارع السوري،لكن ليست المعارضة السياسية التقليدية(الأحزاب) هي التي ملأت الفراغ (السياسي والأمني) الذي تركته السلطة. بمعنى آخر، ليس للمعارضة السياسية أي شكل من أشكال السلطة على الشارع المنتفض.فوفق كل المؤشرات والمعطيات السياسية والميدانية، أرى أن كلمة الفصل والحسم  على ساحة المعارضة ستكون لما يسمى بـ"الجيش السوري الحر- المنشق"،الذي يتكون من "طائفة محددة"، وهو الذي سيقرر مصير سوريا وشكل نظامها السياسي الجديد، إذا ما نجح في اسقاط حكم الرئيس بشار بقوة سلاحه. بحكم الطبيعة الطائفية لهذا الجيش، والمدعوم اصلاً من قبل حكومة تركيا الاسلامية، سيقف الى جانب (التيار الاسلامي) وسيعزز من دوره في الحياة السياسية في مرحلة ما بعد حكم الأسد.من شأن هذا الاصطفاف الطائفي أن يدفع بالبلاد الى مزيد من التأزم والاحتقان المجتمعي، وقد يدفع بالاقليات (الدينية والمذهبية والأثنية وكذلك الأحزاب  والقوى الليبرالية والعلمانية واليسارية التي سترفض أي حكم اسلامي لسوريا )، الى التحالف والتوحد سياسياً  في وجه التيار الاسلامي تحت شعار "حماية الدولة المدنية". مع اصرار النظام القمعي على المضي حتى النهاية في الخيار العسكري الكارثي لسحق الانتفاضة، وفي ضوء تعقيدات الأزمة الراهنة وتركيبة المجتمع السوري وانسداد الأفق على أية حلول ومخارج سياسية  ديمقراطية سلمية صحيحة،وأمام الحاجة الملحة والضرورية للحفاظ على التوازن في تركيبة النظام السياسي لسوريا الجديدة، قد تجد جميع أطراف الأزمة، وكذلك المعنيين بها من قوى اقليمية ودولية،  نفسها مضطرة على القبول بقاعدة "المحاصصة السياسية".اي توزيع "الرئاسات الثلاث" على الطوائف الأساسية الثلاث(السنة- العلويون - المسيحيون)، مع اسناد وزارات ومواقع سياسية سيادية مهمة للأكراد والآشوريين(السريان) والدروز والأرمن والتركمان والشركس.لا شك، ثمة مساوئ وعيوب كثيرة لهذا الخيار.لكن قد يكون أفضل الخيارات المتاحة لإخراج سوريا من أزمتها وتجنيبها خطر الفتنة الطائفية والحرب الأهلية التي بدأ نذيرها في محافظة حمص.
 
 
سليمان يوسف....
سوريا  ....باحث مهتم بقضايا الاقليات
shuosin@gmail.com

10
قامشلي السورية وخطر الفتنة النائمة

مدينة القامشلي، كبرى مدن  محافظة الحسكة،أقصى الشمال الشرق السوري، سكانها خليط من الأكراد و الآشوريين(سريان/كلدان) والأرمن المسيحيين بطوائفهم المختلفة  ومن العرب وأقلية صغيرة من الايزيديين.يبدو أن شعارات (الأخوة الكردية- الآشورية – العربية- المسيحية- الاسلامية)، التي ترفع وتردد، بموازاة شعار (اسقاط النظام وحكم الرئيس بشار)، في التظاهرات الاحتجاجية المناهضة للنظام في مدينة القامشلي،هي ليست أكثر من شعارات "جوفاء" تطلق للاستهلاك السياسي.وهنا، أرى أن (الأحزاب الكردية)، وغيرها من أحزاب المعارضات السورية، لا تختلف كثيراً في أدائها السياسي وفي طريقة تعاطيها مع التماسك الوطني والمجتمعي عن أداء وممارسات حزب البعث الحاكم ونظامه الاستبدادي، الذي أخفق على مدى نصف قرن من الشعارات والخطابات الوطنية الرنانة في بناء دولة مواطنة وتحقيق الاندماج الوطني بين مختلف مكونات المجتمع السوري.
مناسبة هذه الكلام،ما شهدته مدينة القامشلي مساء الأحد الماضي( 20/تشرين الثاني الجاري).ملخصه: على خلفية مشاجرة سابقة،قام عشرات من الشبان الكورد حاملين الهراوات والأدوات الحادة باجتياح الحي (الوسطى) المسيحي .عندما لم  يجدوا أحداً يتصدى لهم  قاموا،على طريقة  همجية وبربرية (شبيحة النظام)،بشتم الناس وتحطيم الكثير من السيارات الخاصة في الحي.تمكنت دوريات الأمن والشرطة التي حضرت للمكان من اعتقال وتوقيف العديد منهم. طبعاً، من الخطأ تحميل الحوادث والمشاجرات الفردية، التي تحصل في كل المجتمعات وان بنسب متفاوتة، أكثر مما تحتمل.لكن دخول هذا العدد الكبير من الشبان الكورد على خط "اشكال فردي"، يعني أن الموضوع خرج أو بالأحرى أُخرج،عن قصد أو من دون قصد، عن اطاره الفردي  ووضع في اطار نزاع عرقي/طائفي. علينا أن نتخيل ماذا كان يمكن ان يحصل لو  تصدى لتلك المجموعات الكردية مجموعات مسيحية( آشورية/ ارمنية) واشتبكت معاً.لهذا، أجد من الخطأ اهمال أو الاستخفاف بما حصل، في هذه المرحلة الحساسة والصعبة التي تمر بها البلاد، حيث الاحتقان الطائفي والمذهبي والعرقي على أشدها،خاصة وان مفاعيل الحدث لم تنته بعد.فما قام به مثيري الشغب من الشبان الكورد، حدث  خطير  وخطير جداً بأبعاده ودلالاته السياسية والمجتمعية. حفر جرحاً عميقاً في النفوس والقلوب. سيلقي بظلاله السلبية والثقيلة على العلاقة (الكردية – الآشورية)، التي بقيت حتى سنوات خلت أسيرة تراكمات وترسبات الماضي السلبي.ما حصل سيعيد بهذه العلاقة سنوات الى الوراء، بعد أن كانت قد تحسنت نسبياً في السنوات الأخيرة بفضل الانفتاح والتواصل بين  النخب والقوى السياسية والفعاليات المجتمعية والثقافية، الكوردية والآشورية(سريانية-كلدانية).سياسياً،الحدث سيؤثر من دون شك على مشاركة الآشوريين(السريان) والأرمن عموماً في تظاهرات القامشلي المناهضة للنظام التي يغلب عليها العنصر الكردي والتي بالاصل المشاركة المسيحية فيها هي محدودة وضعيفة، تقتصر على بعض المتحزبين المعارضين للنظام،فضلاً عن أن الحدث سيعزز من مواقف الآشوريين والأرمن المناصرين للنظام والمشككين بمصداقية الحركة الكردية وبشعاراتها الوطنية المعلنة والمتخوفين من عواقب سقوط النظام.لأن وبدون مبالغة، ما شهدته القامشلي مساء الأحد الماضي مؤشر سيء على أن ثمة(فتنة نائمة) تنتظرنا، شرارتها بدأت في مدينة حمص المنكوبة.نعم،أنه مؤشر على ما يمكن أن يحصل في القامشلي وبقية مدن الجزيرة السورية من أعمال عنف وصدامات عرقية وطائفية في حال سقط النظام وترك سقوطه فراغاً أمنياً وسياسياً في البلاد.ما يخشى منه أكثر، أن يتواجد داخل (الحركة الكردية) من يخطط لاستغلال الحدث السوري وضعف الدولة لخلق بلبلة وفوضى واضطرابات في منطقة الجزيرة لأهداف استراتيجية وأجندة قومية (كردستانية) وباستنساخ التجربة العراقية في سوريا،بدأنا  نقرأ ونلحظ مؤشراتها  في بعض الخطابات والشعارات الكردية وعلى صفحات المواقع الالكترونية الكردية .
لا جدال على النظام الأمني/الاستبدادي، الذي يحكم سوريا منذ عقود طويلة، يتحمل المسؤولية الأولى والاساسية عن ما آلت اليه الأوضاع في البلاد وعن ما تشهده من تدهور أمني وتفكك مجتمعي واحتقان طائفي وعرقي على هامش الانتفاضة الشعبية المناهضة له، ولا يمكن أن نفصل ما شهدته  مدينة القامشلي مساء الأحد الماضي عن تفاصيل  ومفاعيل الحدث السوري الراهن والمأساوي.لكن هذه الحقيقة المرة لا تعفي الحركة الكردية بجميع فصائلها وتنظيماتها (الأربعة عشر)، ومعها كل فعاليات المجتمع الكوردي،من مسؤولية ما جرى.فهذا الغلو والتعصب الذي يتسم به الشارع الكوردي يعود بجزء كبير منه الى خطاب قومي كردي متطرف ،بعضه معلن وبعضه الآخر مضمر.كما أنه نتاج بيئة وثقافة شعبية واجتماعية تشجع على مثل هذه الأعمال والتصرفات الشاذة والغير حضارية.فاذا كانت الحركة الكردية وكما تزعم وتدعي بأنها تمثل الشارع الكوردي وتقوده،هنا تتعاظم مسؤوليتها الأخلاقية تجاه ما حصل. واذا كانت الحقيقة هي على خلاف ما تدعيه وتزعم به، أي أن لا سلطة للحركة الكردية على الشارع الكردي وهي تقف خلفه وليس أمامه- وهو المرجح، اتضح في أكثر من مشهد كردي- تكون مسؤوليتها غير مباشرة،وهذا يعني أننا جميعاً في مواجهة مشكلة حقيقة وأكثر تعقيداً، تتمثل في كيفية "عقلنة" وضبط حركة وسلوك المتطرفين والمتعصبين من الكورد السوريين.قطعاً،تركيزنا على الشارع الكردي، لا يعني أن الشارع الآشوري والمسيحي عموماً  يخلو من المتعصبين والمتطرفين. لكن قدرة هؤلاء المسيحيين محدودة ،سقفهم لم ولن يتجاوز حدود وخريطة الدفاع عن النفس وعن أحيائهم،التي بات بعضها أشبه بـ"غيتوهات مغلقة".
لا يكفي اصدار بيانات الادانة واستنكار مثل هذه الأحداث و أن تتهم الأحزاب والفعاليات الكردية، ومعها الآشورية والعربية المعارضة، النظام أو بعض دوائره الأمنية بافتعال الأحداث الطائفية والعرقية المثيرة للقلق والتوتر في المجتمع على (مبدأ فرق تسد). فمثل هذه الاتهامات السياسية بجوهرها ومفعولها لا تختلف كثيراً عن اتهامات النظام لمعارضيه واصراره على تحميل "الخارج" مسؤولية ما يجري في سوريا من أحداث ووصف الحراك الشعبي الاحتجاجي " بالمؤامرة الخارجية "، ليبرر النظام قمعه وبطشه وقتله للمتظاهرين المسالمين المناهضين لحكمه وليتهرب  من مواجهة الاستحقاقات  السياسية والوطنية التي تفرضها عليه الانتفاضة الشعبية. 
أخيراً: كلمة شكر وتحية وطنية لكل الأخوة والأصدقاء من الكورد والعرب والأرمن والآشوريين ممن ساهموا وعملوا ومازالوا يعملون على تهدئة النفوس واحتواء مفاعيل ما حصل وعلى بلسمه الجرح والحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث المؤلمة لنا جميعاً والغريبة عن ثقافتنا الوطنية والاجتماعية والانسانية. على هؤلاء الوطنيين المخلصين راهنا وسنراهن دائماً  في معالجة مشكلاتنا وفي تحصين وتعزيز علاقتنا الأخوية (الكوردية- الآشورية – العربية – الأرمينية- المسيحية- الاسلامية) في مجتمع الجزيرة السورية .حقيقة أننا نريد أن نعيش أخوة متضامنين وشركاء حقيقيين ومتساويين في هذا الوطن السوري الذي يتسع للجميع وساهمنا جميعاً في بناءه واستقلاله وعزته .

  سليمان يوسف ..     
 سوريا..باحث مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gomil.com
 

11
المنبر الحر / حرائق بشار
« في: 18:10 04/11/2011  »
حرائق  بشار

على مدى الأيام الماضية،انشغل العالم بما قاله الرئيس بشار الأسد،لصحيفة (ديلي تلغراف) اللندنية "إن سورية تعتبر الآن محور المنطقة، انها خط الصدع في الشرق الاوسط، ومن يتلاعب بها سيتسبب في حدوث زلزال.هل تريدون رؤية افغانستان ثانية هنا، او عشرات افغانستانات.. إن أي مشكلة في سورية تحرق المنطقة كلها، وإذا هو خطة لتقسيم سورية، وهذا هو لتقسيم المنطقة كلها".. تهديدات وتحذيرات الأسد،للدول العربية و الاقليمية والقوى الدولية المعنية، من عواقب التدخل العسكري في شؤون بلاده،تزامن مع تصاعدت حدة الاشتباكات العسكرية، بين قوات الأمن والجيش السوري من جهة والمنشقين من الجيش ومجوعات أهلية مسلحة من جهة أخرى.فهي(تهديدات الأسد) تعكس عمق الأزمة الداخلية الغارق فيها هو ونظامه وشعور الأسد باليأس والإحباط من قدرة نظامه الأمني/العسكري على احتواء حركة الاحتجاجات والسيطرة على الوضع رغم لجوءه الى العنف المفرط وبوحشية قل نظيرها ضد المتظاهرين.وفق كل المؤشرات والمعطيات السياسية والميدانية، يبدو أن الأزمة السورية دخلت مرحلة النزاع المسلح على السلطة.وهي تنذر بإشعال "حرب أهلية" شاملة.قد يضطر المجتمع الدولي للتدخل العسكري لإيقافها، تحت شعار انساني " حماية الشعب السوري من عنف وبطش السلطة"،مثلما فعل في الأزمة الليبية. هذا ما ألمح اليه عضو مجلس الشيوخ الأميركي البارز (جون ماكين) في تصريح له في المنتدى الاقتصادي،قال ماكين:"يبدو ان الثورة السورية دخلت الآن مرحلة جديدة.. هناك المزيد من الانشقاقات في صفوف الجيش وأكثر من ذلك يبدو أن السوريين قد حملوا السلاح ضد النظام..هناك المزيد من الدعوات من قبل المعارضة لنوع من التدخل العسكري الأجنبي، ونحن نستمع اليهم ونعمل مع المجلس الوطني السوري". . صحيح،أن الأسد ذهب بعيداً في تهديداته وبالغ كثيراً في تصوير قدرات وامكانيات نظامه التدميرية.وصحيح أيضاً،أن القذافي وغيره من قادة العرب المخلوعين سبق لهم أن أطلقوا مثل هذه التهديدات في أيامهم الأخيرة قبل أن تطيح بهم شعوبهم.لكن مع هذا أرى أن على المعنيين برسائل بشار في المنطقة وخارجها أن لا يستخفوا بها وأن يأخذوها على محمل الجد.لأن حقيقة سوريا بموقعها (الجيو- سياسي) الهام و البالغ الحساسية وبتركيبة مجتمعها المتنوع(دينياً ومذهبياً وقومياً واثنياً واجتماعياً) هي غير ليبيا.والنظام السوري بطبيعته (العسكرية/الأمنية) وخصوصيته الفريدة من نوعها، التي تجعله غير قادر على التجاوب مع المبادرات العربية والإقليمية والدولية للخروج من الأزمة، هو غير النظام الليبي.فرغم انكسار النظام السوري وأزمته الخانقة مازال قوياً متماسكاً،يمتلك أوراق اقليمية مهمة،منها "صواريخ وجهاديي" حزب الله اللبناني/الايراني، وشبكة معقدة من العلاقات السرية مع التنظيمات الاسلامية وغير الاسلامية الراديكالية المنتشرة في المنطقة والعالم.والأسد قادر على اللعب بكل هذه الأوراق وتحريكها في منطقة تتشابك ملفات أزماتها وهي اكثر مناطق العالم توتراً واضطراباً.اعتقد بأن تعقيدات الأزمة السورية هي التي تجعل المجتمع الدولي حتى الآن التردد في زيادة سقف ضغوطه على دمشق.اذا كانت ثمانية اشهر من النزاع المسلح على السلطة في ليبيا مكنت المعارضة بدعم من قوات الناتو من انهاء 42 عام من حكم القذافي ووضع ليبيا أمام مرحلة سياسية جديدة لم تتضح معالمها بعد.لكن تدخل قوات الناتو في الأزمة السورية لا يبدو مضمون النتائج، لجهة حسم النزاع لصالح المعارضة وانهاء حكم الأسد وطي نصف قرن من حكم الحزب الواحد(البعث)، وفيما اذا كانت سوريا ستتحرر من الاستبداد وتدخل عهد الديمقراطية والحريات. فوفق تقديرات معظم المراقبين والمتابعين للحدث السوري، أن أي تدخل عسكري خارجي في الأزمة سيفجر الداخل السوري وسيشعل حرب أهلية شاملة قد لا تنتهي الا بنهاية الدولة السورية ككيان سياسي موحد.جدير بالذكر،أن (نافي بيلاي)، (مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان)، كانت قد حذرت في بيان لها من أن "القمع القاسي" للاحتجاجات المناهضة للحكومة في سوريا قد يدفع البلاد إلى "حرب أهلية شاملة".ما يعزز هذه المخاوف بروز البعد الطائفي/المذهبي للأزمة السورية بشكل جلي وواضح على السطح،فضلاً عن النفور والحساسيات القومية والاثنية بين الغالبية العربية والمكونات السورية الأخرى. وهنا أعتقد بأن ليس صدفة قيام صحيفة (النهار اللبنانية)-المعروفة بتوجهاتها السياسية المناوئة للنظام السوري- بنشر "وثيقة سرية" تعود لأيام الانتداب الفرنسي على سوريا، بعث بها وجهاء الطائفة العلوية(بينهم جد الرئيس بشار) الى حكومة الانتداب يعبرون فيها عن مخاوفهم على الأقليات ومن ضمنهم العلويين من الأكثرية السنية اذا ما انسحب الفرنسيون واستقلت سوريا،وهم يطالبون فيها بـ"دولة علوية" للخلاص من الخطر الاسلامي السني".أن نشر مثل هذه الوثيقة التاريخية المثيرة، وسوريا تشهد نزاعاً مسلحاً على السلطة على خلفيات طائفية/مذهبية، له مغزى سياسي عميق.أتمنى على قوى المعارضة السورية وعلى جميع المعنيين بالأزمة السورية،في الداخل والخارج، أن يكونوا قد تلقفوا دلالات "رسالة" جريدة النهار.  لا جدال على أن نزع "فتيل الأزمة" السورية، وتجنيب سوريا والمنطقة (حرائق) الرئيس بشار،يتطلب وقف العنف الحكومي والعنف المضاد وسحب وحدات الجيش من شوارع جميع المدن والبلدات السورية واستجابة السلطة لمطالب الشعب السوري المتمثلة في الحرية والديمقراطية في مقدمتها قبول النظام بفترة انتقالية محددة لنقل السلطة بشكل سلمي وهادئ.لكن الجميع يدرك بأن تحقيق هذه الخطوات لم يعد بالأمر السهل. بعد الدماء التي سالت والأرواح التي زهقت في مختلف المناطق السورية والجرح العميق الذي حفرته في النفوس والقلوب.لهذا،حل الأزمة السورية بات يتطلب، أولاً وقبل كل شيء، اعادة الثقة بين طرفي الأزمة والدخول في مصالحة وطنية شاملة.وهذا بدوره يحتاج الى بيئة سياسية وأمنية ونفسية مناسبة لاطلاق حوار وطني شامل صريح وشفاف بين السلطة والمعارضة لبحث ومناقشة الأزمة المتفجرة بكل حيثياتها وخلفياتها وجوانبها السياسية والاجتماعية والحقوقية والاقتصادية. طبعاً، أن أي مقاربة للأزمة السورية لا تفضي بالنهاية الى انهاء الاستبداد القائم والانتقال بسورية الى دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة، تكون مقاربة غير مجدية وستنتج حلولاً ومعالجات ميتة.لكن واهم كل من ينتظر من نظام استبدادي، قائم على القهر والقمع، أن يقدم تنازلات سياسية وأمنية، فيما هتافات المناهضين لحكمه (الشعب يريد، اسقاط، محاكمة، اعدام، الرئيس) تهز القصر الجمهوري وتهدد بالانتقام من كل من فيه.لهذا،مثلما مطلوب من النظام سحب قواته من المدن والبلدات وتقديم تنازلات وضمانات بنقل السلطة، ذات الشيء مطلوب من قوى المعارضة،ومن تلك التي تسمي نفسها بقوى الثورة على اختلاف تسمياتها، لجهة المصالحة الوطنية مع النظام بكل أركانه وأنصاره. فمن غير المعقول أن تطالب المعارضة بحل سلمي ديمقراطي للأزمة ومن يسمع خطابها يعتقد بأنها تستعد لحرب عسكرية ضروس مع عدو وليس لحوار وطني مع خصم سياسي لها،يخرج البلاد من الأزمة المتفجرة  في الشارع،التي تهدد كيان الدولة ووحدة المجتمع.
فيما يخص مبادرة الجامعة العربية الخاصة بالأزمة السورية،ثمة شكوك بقدرة النظام على تنفيذ ما نصت عليه المبادرة رغم موافقتها عليه.وهو يراهن على رفض المعارضة لها ليحملها مسؤولية فشل المبادرة.لهذا ليس من الحكمة ولا  من مصلحة الانتفاضة رفض المعارضة للورقة العربية،خاصة وأن ميزان القوى، سياسياً وميدانياً، على الأرض، مازال في غير صالحها.
سليمان يوسف ... سوريا
باحث مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

12
لهذه الأسباب اغتيل المعارض السوري (مشعل التمو)

يقول الأكراد السوريون بأنهم جزء من "أمة كوردية" يتوزع أبنائها في دول الجوار ويؤكدون على أن هذه الحقيقة التاريخية والموضوعية لا تتعارض مع كونهم جزء اساسي وأصيل من النسيج الوطني السوري، وهم يطالبون حكومة بلادهم الاعتراف الدستوري بهويتهم وبحقوقهم القومية واشراكهم في الحياة السياسية.فيما تنظر السلطات السورية لأكرادها على أنهم بأجندتهم السياسية وطموحاتهم القومية يشكلون تهديدا للوحدة الوطنية وخطراً على الهوية العربية. ولا يبدو أن كلام الرئيس بشار الأسد، بعد انتفاضة آذار الكوردية 2004"عن أن القومية الكردية هي جزء من التاريخ السوري"ولا  المرسوم الرئاسي الذي اصدره في نيسان الماضي والذي يقضي بمنح الجنسية السورية للمواطنين الاكراد الذين حرمهم منها احصاء عام 1962 الجائر، يدلان على أن ثمة تغير جوهري ايجابي طرأ على موقف ونظرة الحكم البعثي من المسألة الكردية في سوريا.اذ يرى السياسيون الأكراد بأن كل ما قدمه وما سيقدمه النظام السوري المأزوم للأكراد لا يخرج عن كونه مجرد خطوات تكتيكية تأتي في سياق استمالة الأكراد الى جانبه وتحييدهم عن الحراك الاحتجاجي الشعبي المناهض له.ربما بحدود معينة نجح النظام على هذا الصعيد.فمشاركة الأكراد في التظاهرات الاحتجاجية مازالت دون الزخم المنتظر منهم.
بعد جريمة اغتيال المعارض السوري الكردي البارز، والناطق باسم تيار المستقبل الكردي المحظور، (مشعل التمو) وجرح نجله وناشطة في تياره وبعد مقتل وجرح العديد من الأكراد المشاركين  في مسيرة تشييع التمو برصاص قوات الأمن والشرطة في مدينة القامشلي، وهي الأولى من نوعها في محافظة الحسكة على خلفية الاحتجاجات الشعبية السلمية التي تشهدها البلاد في آذار الماضي، كان من المتوقع أن تحدث هذه الأحداث الدموية انعطافة مهمة في مسار التظاهرات لجهة المشاركة الكردية.بيد أن في ضوء تظاهرات الجمعة الماضية،جمعة (أحرار الجيش)،لا يبدو أن اغتيال مشعل سيغير كثيراً من الفعالية الكردية في التظاهرات.فرغم أنها الجمعة الأولى بعد استشهاده لم يزيد عدد الأكراد المتظاهرين كثيراً عن التظاهرات السابقة.هذا يعود بالدرجة الأولى الى الخلافات(الكردية- الكردية) بقديمها وجديديها.فرغم أن جميع أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا، استنكرت "جريمة اغتيال مشعل، ودانتها بشدة ونُعت التمو بشهيد الحرية والكرامة. لكنها تباينت في قراءتها للجريمة من حيث الأهداف والأبعاد والجهة التي اغتالته.لهذا يتوقع بعض النشطاء الأكراد أن تشهد الحركة الكردية مزيد من الهزات والانقسامات الداخلية على خلفية جريمة اغتيال مشعل التمو.

في ظل انغلاق النظام الأمني على نفسه وانفراده في إدارة الأزمة الراهنة وانفلات المشهد السوري على العنف و القتل المستباح، يصعب وربما يستحيل الكشف عن الجهة التي تقف خلف جريمة اغتيال مشعل، خاصة وإنها جريمة سياسية بامتياز، أعادت للأذهان جريمة خطف واغتيال الشيخ الكوردي البارز (محمد معشوق الخزنوي) في ظروف غامضة في حزيران 2005. لكن لمن عرف مشعل عن قرب وتعرف على طبيعة نشاطه وسقف تطلعاته السياسية،كردياً وسورياُ، لن يصعب عليه معرفة أسباب مطاردته واغتياله من قبل مجموعة مسلحة مجهولة داهمت المنزل الذي كان يقيم فيه بمدينة القامشلي.قيل أنه كان يستعد للسفر ومغادرة سوريا لينجو بنفسه بعد محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها في 9 أيلول الماضي في أحد أحياء المدينة من قبل من وصفهم هو بأنهم "مجموعة من الشبيحة".ورأى مشعل أن محاولة اغتياله تأتي في سياق "محاولة السلطة القمعية وأتباعها حرف مسارنا النضالي المتجسد في إسقاط النظام من جهة ورفضنا لتكريد الصراع من جهة ثانية". وكان مشعل قال في مقابلة له مع جريدة "باس " الكوردية." تلقينا العديد من رسائل التهديد بالتصفية والتخوين والى ما هنالك من وسائل ضغط وترهيب , في محاولة بائسة لتغيير موقفنا السياسي والعملي لإسقاط النظام وبناء بديل ديمقراطي تعددي وتشاركي , ومجمل هذه التهديدات تنبع من دوائر الرعب والقتل الأمنية , لكن حواملها كوردية , لان الكثير من الأطر الحزبية الكوردية لا زالت تعمل تحت سقف النظام وتدافع عن بقاءه بطرق ملتوية وسخيفة ويهمنا أن نعلن بان موقفنا وفعلنا السياسي والميداني سيتصاعد توافقا وانسجاما مع الثورة السورية ومن ضمنها ثورة الشباب الكورد, ولن يرهبنا تهديد هذا أو ذاك من أحزاب ما قبل الثورة".
حقيقة، يعتبر حزبه(تيار المستقبل) الذي أسسه مشعل عام 2005من أكثر الأحزاب الكردية السورية انتقاداً للنظام السوري ورموزه. وهو على خلاف سياسي عميق مع غالبية الأحزاب الكردية الأربعة عشرة، خاصة مع تلك المقربة من النظام.وكان الراحل تمو قد قال في آخر تصريح له لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء في 14 تموز الماضي حول رفض المعارضة السورية الحوار مع السلطة "من خلق بيئة القتل غير قادر على خلق بيئة معاكسة لأنه بالأساس لا يفهم لغة الحوار، وبنائه وتكوينه وتركيبته واستمراريته دامت كل هذه الفترة مستندة إلى منظومة القتل والتغييب وكتم أنفاس المجتمع ككل، ونحن نرى أنه غير قادر على بناء أي منظمة أخرى، والنظام بالنسبة لنا فقد شرعيته التي لم يكن يمتلكها بالأساس". وعن رؤيته لحل القضية الكوردية في سوريا،يقول مشعل:"الاعتراف بسوريا تعددية بقومياتها الثلاث (العرب والكورد والأشوريين) والأقليات الأخرى وبأديانها الموجودة , ونرى الإدارة الذاتية للمناطق الكوردية افضل حل للقضية الكوردية في الوقت الحاضر , ولا يعني ان هذا الحل سيفرض على الشعب , بل يجب على الشعب ان يقرر اسلوب التعايش مع الشعب السوري عن طريق الاستفتاء".
بصرف النظر عن الجهة أو الجهات التي خططت وأمرت ونفذت عملية اغتيال المعارض السوري مشعل التمو، فأن اغتياله، والاغتيالات السياسية الأخرى التي شهدتها سوريا على خلفية الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام، تأتي في اطار النيل من المعارضة الوطنية وإجهاض مشروعها الديمقراطي وكبح الحراك الشعبي السلمي الذي تشهده البلاد.ويرى بعض المعارضين الأكراد،أن اغتيال مشعل هو رسالة إنذار وتحذير قوية لـ"المعارضة الكردية"  من عواقب الانضمام إلى (المجلس الوطني السوري)، الذي تشكل مؤخراً في اسطنبول ويطرح نفسه ممثلاً وحيداً للشعب السوري وبديلاً للنظام القائم.  جدير بالذكر أن (مشعل التمو) كان قد انتخب عضوا في الأمانة العامة للمجلس الوطني، وهو الشخص الوحيد الذي أعلن عن اسمه من الداخل في هذا المجلس.

سليمان يوسف... سوريا
باحث مهتم بقضايا الاقليات.
shuosin@gmail.com

13
حول مخاوف مسيحيي سوريا


 كتب (ساطع نور الدين) مقال بعنوان"خرافة الخوف المسيحي" نشرته صحيفة السفير: – 2011/09/13 جاء فيه:"من ثوابت التاريخ العربي الحديث، المشرقي خصوصا، ان الثورات المتعاقبة التي شهدتها الدول العربية منذ خروج الاستعمار الأوروبي اسفرت عن موجات متتالية من التصفية والهجرة المسيحية، حتى بات تضاؤل الوجود المسيحي في الشرق مثل القدر، وأشبه بعنوان رئيسي لأي تحول جذري يطرأ على احوال المسلمين وأوضاع بلدانهم". يبدو أن هذا "الثابت التاريخي" سيبقى ملازماً لجميع التحولات والثورات والانقلابات العربية والإسلامية.فبينما تتفاءل شعوب المنطقة خيراً من ما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي"، يخشى المسيحيون من أن تجلب لهم هذه الثورات مزيد من المظالم والتهميش والتهجير. مخاوف مسيحيي المشرق عبرت عنها أعلى مرجعياتهم الدينية.فرغم مضي أكثر من ستة أشهر على إسقاط الرئيس (حسني مبارك) في مصر لم يطرأ أي تحول ايجابي على الأوضاع القانونية والحقوقية وعلى الحريات الدينية للأقباط.لا بل ثمة تقارير من داخل مصر تؤكد استمرار الاعتداءات المنظمة عليهم،تنفذها مجموعات اسلامية متشددة،بتواطؤ من أجهزة الشرطة ودوائر الأمن.في العراق مازال مسيحيو هذا البلد يدفعون ضريبة التغيير،هم ضحية أجندات سياسية وطائفية للقوى العربية والكردية والإسلامية المتنفذة في المشهد العراقي.
في سوريا،التي شكلت عبر التاريخ ملاذاً آمناً لمسيحيها ونموذجاً للتسامح الديني في المشرق يفاخر به أهلها،اليوم ثمة قلق لدى هؤلاء،ليس على هامش الحقوق والحريات الاجتماعية والدينية المتاح لهم فحسب، وانما على المصير والوجود. أنهم يخشون من مصير مماثل لمصير مسيحيي العراق( قتل ونزوح وتهجير وإحراق كنائس).القلق المسيحي ليس من سقوط النظام القائم أو من "وصول اسلاميين الى السلطة"،كما يذهب ويروج البعض، وانما هم يخشون خطر انزلاق البلاد الى نزاع طائفي مسلح على السلطة ودخولها في فراغ أمني وسياسي. زادت احتمالات انزلاق سوريا الى الفتنة والفوضى مع دعوة بعض قوى المعارضة الى حمل السلاح وعسكرة الانتفاضة للرد على بطش السلطة ويأس المعارضة من إسقاط النظام عبر الاحتجاجات السلمية.فمن شأن الفراغ الأمني أن ينشط"الأصولية الاسلامية" المتشددة والمتعشعشة في قاع المجتمع السوري وتحريك خلاياها الارهابية النائمة.والمخيف أكثر أن الفراغ الأمني سيفتح حدود البلاد أمام كل المجموعات والحركات الإرهابية (القاعدة،جند الشام، جند الاسلام،جند الله،فتح الاسلام،..وغيرها) المزروعة بها دول الجوار. صحيح أن الحكم السوري سعى منذ انطلاق حركة الاحتجاجات المناهضة له في آذار الماضي لإخافة الأقليات، من خلال تضليل الرأي العام و تصويره للأزمة على أنها بين الدولة وعصابات إسلامية متشددة وسلفيين.بيد أن ثمة أسباب موضوعية لهواجس المسيحيين والأقليات الأخرى، على الآخرين عدم الاستخفاف بها. فالشعارات الوطنية الفضفاضة غير كافية لتحصين السلم الأهلي ولتطمين الأقليات على وجودها ومستقبلها.
أعتقد بأن اغتيال وتصفية شخصيات سورية بعينها، على خلفيات طائفية ومذهبية وسياسية - بينها أبن مفتي الجمهورية الشيخ (بدر الدين حسون) المعروف بمواقفه الداعمة للنظام- من قبل مجموعات مسلحة مجهولة، تشكل منعطفاً خطيراً في مسار الأزمة السورية ومؤشر على المنحى الخطير الذي بدأت تنحوه وتنحرف اليه.
أخيراً: يخطئ من يظن أو يعتقد بأن الحديث عن مخاوف المسيحيين السوريين من المجهول الذي قد يخلفه سقوط حكم الرئيس بشار يعني التمسك بحكمه الاستبدادي، الذي يجب أن يرحل نزولاً عند رغبة غالبية الشعب السوري.فالمسيحيون مثلما كانوا في الماضي السباقون في نشر الأفكار الديمقراطية في سوريا و المنطقة،كذلك هم اليوم أكثر المتحمسين لرياح التغير الديمقراطي التي تهب على المنطقة،ولا يمكن لهم إلا أن يكونوا مع الحراك الشعبي الساعي لإنهاء الاستبداد و لانتقال بسوريا الى دولة مدنية ديمقراطية تعددية يحتمون بها ويتحصنون بنظامها الوطني وبقوانينها العادلة.

سليمان يوسف.....  سوريا
 باحث مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

 


14
تعاطف البطريرك زكا مع الانتفاضة السورية

                                 
منذ استقلال الدولة السورية الحديثة، في اربعينات القرن الماضي،التزمت مختلف الكنائس السورية بـ"الحياد الايجابي" من قضية الحكم والنظام السياسي، بغض النظر عن طبيعة هذا الحكم وكيفية ادارته للبلاد.طبقة الاكليروس كانت تبرر موقفها هذا بالحرص على ابعاد الكنيسة عن التجاذبات السياسية التي كانت تشهدها الساحة السورية من جهة، وتجنبها غضب السلطات من جهة أخرى. وليس من المبالغة القول، بأن "المؤسسات الكنسية"، كما المؤسسات الاسلامية، الحقت بأجهزة الدولة السورية حتى أضحت جزءاً منها،تخضع لمشيئتها، الى درجة أن السلطات الأمنية كانت تكتب "الخطب الدينية" ايام الأعياد والمناسبة وحولت الكنائس الى منابر وأبواقاً دعائية للنظام،خاصة في ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي حكم سوريا لمدة ثلاثة عقود بطريقة دكتاتورية أقرب الى "حكم الفرد".
لا شك، أن استسلام الكنيسة، كمؤسسة دينية واجتماعية، لمشيئة الحاكم. شجع الحكومات السورية على تهميش المسيحيين وابعادهم عن المشاركة السياسية الحقيقة في ادارة البلاد وعلى ابقائهم مواطنين من الدرجة الثانية. بيد أن الأزمة الراهنة، وتصاعد حركة الاحتجاجات المناهضة للنظام والخوف على السلم الأهلي، دفعت بالكنيسة السريانية،(أم الكنائس الآشورية والمشرقية عموماً وذات الأرث الحضاري السوري العريق)، لخرق أو كسر قاعدة "الحياد الايجابي" والخروج عن "صمتها السياسي" الذي التزمت به طيلة الأشهر الماضية من عمر الانتفاضة. فعلى غير عادته وبخلاف التوقعات، أرسل ، الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم (البطريرك زكا عيواص الأول) الذي يأخذ من العاصمة دمشق مقراً له، رسالة مهمة الى الرئيس بشار الأسد قال فيها " نرى أن زيادة مساحة التعاطي مع الحريات العامة، وتجذّر الوعي بين أبناء الوطن الواحد، يُسهم في إغناء تعددية ثقافاته وأطيافه، كي يبقى الجميع أوفياء للوطن الواحد الذي نريد أن يكون دائماً سيداً مستقراً كريماً وحراً يستظل تحت سقفه كل السوريين على أن تتوفر لهم التشاركية في الممارسة الديمقراطية لحرية المعتقد، والتعبير عن هواجسه ومكنوناته، التي تحقق المزيد من الكرامة والمواطنة المنشودة". وصف العديد من المراقبين رسالة البطريرك هذه: بأنها من أهم الرسائل التي وجهت إلى الرئيس بشار الأسد منذ انطلاق حركة الاحتجاجات في آذار الماضي. أهمية هذه الرسالة لا تأتي فقط من قيمتها السياسية والجرأة الغير معهودة من رجل دين مسيحي في هذه المرحلة الصعبة والحساسة التي تمر بها سوريا، وانما أيضاً من مكانة ووزن هذا البطريرك السرياني على الساحة الوطنية والاقليمية والدولية،كذلك من الثقل البشري والاقتصادي والثقافي لنحو ثلاثة مليون مسيحي سوري. قراءة دقيقة لرسالة البطريرك زكا الى الرئيس بشار ،خاصة لما تخفيه بين سطورها وكلماتها،نجد بأنها تنطوي على مواقف سياسية لافتة من تطورات المشهد السوري. فمجرد خلو الرسالة من أي مديح أو اشادة بالحكم القائم،يقرأ سياسياً على أنه تعبير عن عدم رضى بهذا الحكم وعدم ارتياح لطريقة تعاطيه مع الأزمة الوطنية المتفجرة.بتعبير آخر،أن مجرد عدم اشادة البطريرك زكا بالقيادة السورية وتأكيده على ضرورة "الوفاء للوطن الواحد"- وهو(البطريرك) الذي لم يترك مناسبة من غير أن يمتدح قيادة الرئيس بشار- يعني أن البطريرك ومن خلفه "الكنيسة السريانية" بدءا باعادة النظر بموقفهما من الأزمة الراهنة وبما تروج له السلطة حول حركة الاحتجاجات والتظاهرات المناهضة للنظام.لا بل يستشف من رسالة البطريرك،بأن ثمة تضامن وتعاطف من قبل الكنيسة السريانية مع انتفاضة السوريين وتأييد لمطالبها المحقة والمشروعة.وما يعزز هذا الاعتقاد والقراءة السياسية لفحوى هذه الرسالة،عدم تضمينها، ولو تلميحاً، دعوة لأبناء الكنيسة السريانية بالوقوف الى جانب القيادة السورية والنظام القائم،فضلاً عن أن البطريرك لم يطالب في رسالته من سريان سوريا (بعدم المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات المناهضة للنظام).والاشارة المهمة الأخرى في رسالة البطريرك، أنه لم يقل(كما تقول وتروج له السلطة) بوجود "مؤامرة" على سوريا و لم يصف المتظاهرين بالمندسين والمخربين والارهابين.وهذا يعني ضمناً، أن البطريرك يحمل النظام مسؤولية تفجر الأزمة، وينبه لمخاطر اصراره على رفض الاستجابة لمطالب السوريين المتمثلة بالحرية والديمقراطية والكرامة.
عموماً، أرى أن رسالة البطريرك زكا وما تضمنته من مواقف سياسية ،جاءت منسجمة ومتوافقة الى حد كبير مع المزاج السياسي الشعبي، أو بالأحرى مع الرأي العام للمجتمع السرياني(الآشوري) والمسيحي عامة،الداعم لانتفاضة السوريين والمؤيد لمطالبتهم بانهاء الاستبداد وتداول السلطة والانتقال بسوريا الى دولة مدنية ديمقراطية. حقيقة أن تناول "الحالة المسيحية" والحكم على موقف المسيحيين السوريين من الأزمة الراهنة،كما ذهب البعض، بالاستناد الى مشاركتهم في الاحتجاجات، فيه الكثير من التبسيط  والتسطيح لموقف الشارع المسيحي من قضية الحكم والنظام السياسي في سوريا.اذ يخطئ من يفسر "الصمت المسيحي" على أنه موقف داعم للنظام ومناهض لانتفاضة الشعب السوري.والا علينا أن نقبل ونسلم بمزاعم السلطة وادعائها، بأن غالبية الشعب السوري هم من مؤيدي النظام، لطالما هذه الأغلبية مازالت تلتزم الصمت وترفض النزول الى الشارع والمشاركة في الاحتجاجات المطالبة باسقاط النظام. طبعاً،كنا نتمنى أن تكون رسالة البطريرك زكا الى الرئيس بشار بمستوى الحدث وأكثر جرأة في تشخيص الأزمة السورية وأكثر صراحة وشفافية في دعمه وتعاطفه مع الانتفاضة السورية الباسلة.وكان يفترض بالبطريرك السرياني أن يطالب باعادة الاعتبار "للحقبة السريانية" لسوريا التاريخية، التي شطبها القوميون والشوفينيون العرب من كتب التاريخ، التي تعلم في المدارس.سوريا التي أخذت اسمها عن (السريان)، سكان بلاد الشام الأوائل.
أخيراً: "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي ابداً".بعد هذه الصحوة الوطنية المتأخرة،التي فاجئنا بها البطريرك زكا،هل سيفاجئنا بصحوة قومية؟؟ نتمنى ذلك..
سليمان يوسف.. سوريا
shuosin@gmail.com
 
 


15
بشار الأسد، بين "القصر" و"فندق سمير أميس"

المسافة الجغرافية بين (القصر الجمهوري) المطل من احدى تلال قاسيون على دمشق وبين فندق(سمير أميس)، الذي احتضن اللقاء التشاوري الأول لأكثر من 200 من السياسيين والكتاب والمثقفين والنشطاء الحقوقيين السوريين جلهم من المعارضين المستقلين، ليست ببعيدة(بضعة كيلومترات). بيد أن المسافة "السياسية/الفكرية" بين من يقيم في هذا القصر(المسمى بقصر الشعب)، وبين من التقوا في فندق سمير اميس يوم 27 حزيران الماضي، تبدو طويلة وشاسعة جداً.هذه المسافة التاريخية الزمنية تخفي في ثناياها أسرار وأسباب الأزمة الوطنية السورية المتفجرة في الشارع. صحيح أن ما بات يعرف بـ"معارضة فندق سمير أميس" لا تمثل كل المعارضات السورية. لكن الصحيح أيضاً،أن بيانها الختامي، الذي أكد على "دعم الانتفاضة الشعبية السلمية من أجل تحقيق أهدافها في الحرية والديمقراطية والكرامة والدولة المدنية. وإنهاء الخيار الأمني, وسحب القوى الأمنيّة من المدن والبلدات والقرى"،تقاطع مع مطالب بقية تيارات وفصائل المعارضة الوطنية،في الداخل والخارج. طبعاً باستثناء المعارضة الميدانية المنتفضة في الشارع التي يبدو حتى الآن أنها لن تقبل باقل (من رحيل الأسد وسقوط النظام)،الشعار الذي مازلت تتحفظ عليه وتتخوف منه المعارضات التقليدية.
المقيمون في القصر الجمهوري، جلهم من العسكر وجنرالات الدولة الأمنية،يسهرون ليلاً نهاراً على "مملكة الخوف" التي بنوها والتي بدأت تتهاوى شيئاً فشيئاً تحت ضغط صرخات وهتافات السوريين المنتفضين المطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية. فيما من التقوا في قاعة المؤتمرات داخل "فندق سمير أميس" هم جمع وطني حر، ضم من مختلف الطيف السوري،القومي والديني والأثني والسياسي والاجتماعي والفكري والمناطقي.تنادوا للتشاور حول سبل تفكيك "مملكة الخوف" واعادة بناء جمهورية المواطنة ،والانتقال بسوريا الى دولة مدنية دمقراطية لكل أبنائها وتجنيب البلاد خطر الانزلاق الى الهاوية بسبب الخيار الأمني الذي "سيأخذ البلد إلى كارثة لن يخرج منها"وفق ما قاله المعارض البارز ميشيل كيلو في ورقته المقدمة الى اللقاء التشاوري.
ثلاث خطب للرئيس بشار الأسد، منذ انطلاق حركة الاحتاجات في آذار الماضي، لم  تحسم الجدل المثار حول موقعه في القصر وفيما اذا كان يمارس كامل صلاحياته الرئاسية التي يمنحها له الدستور؟. نفي الرئيس صراحة في خطابه الأخير لكل ما يشاع في الاعلام حول"أهل البيت"وبشكل خاص حول سلطته وعن دوره في ادارة الأزمة الراهنة، لم يبدد شكوك المشككين بحقيقة تموضعه السياسي كرئيس وسط الاصطفافات السياسية،التي ستحصل لا محال في قمة هرم السلطة،ان لم تكن قد حصلت بالفعل، على خلفية الأزمة الراهنة والمرشحة لمزيد من التصعيد والتفاقم.الى أية جبهة سينحاز الرئيس بشار في النهاية؟.الى جبهة القصر، حيث الساهرين على مملكة الخوف للمد في عمرها قدر ما استطاعوا، وقادة النظام الأمني والمنظرين لديمومة الاستبداد والمسؤولين عن  قتل الأبرياء؟. أم أنه (الرئيس) سينحاز الى الخيار الوطني الذي يمثله وعبر عنه جمهور ومثقفوا تيار "فندق سمير أميس"، - من المتوقع أن يشهد هذا الفندق في الأيام القادمة لقاءات ومؤتمرات لقوى سياسية سورية أخرى- المطالبين ليس بتغير المادة الثامنة من الدستور (حزب البعث قائد الدولة والمجتمع) ، وانما الثالثة أيضاً المتعلقة (بدين رئيس الدولة والفقه الاسلامي مصدر أساس للتشريع).لا بل أنهم يريدون دستوراً وطنياً مدنياً عصرياً جديداً، ويؤيدون مشروع "الحوار الوطني" الذي سيرعاه الأسد، شريطة أن يفضي هذا الحوار الى انهاء حالة الاستبداد القائمة والى تداول السلطة  والانتقال بسوريا الى جمهورية جديدة لا مكان فيها للاستبداد والقمع.لأن حقيقة أية مقاربة وطنية للأزمة الراهنة ما لم تستجيب الى تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية وتداول السلطة،ستكون مقاربة عقيمة ومن غير ذات جدوى ومجرد دوران في حلقة مفرغة.
بموازاة هذه التساؤلات المهمة المتعلقة بحقيقة ما يدور ويخطط له في "القصر الجمهوري" والتي عليها قد يتوقف ويتحدد مصير البلاد، ثمة تساؤلات مشروعة واشارات استفهام كبيرة حول ظروف وسر انعقاد اللقاء التشاوري في فندق سمير أميس ، وحول أسباب غض السلطات النظر عن انعقاده على وقع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام وحملات القمع والتنكيل بالمدنيين؟. اللقاء الذي أثار ومازال جدلاً حامياً في مختلف الأوساط السياسية والشعبية والثقافية السورية في الداخل والخارج،خاصة وقد خلا بيانه الختامي من المطالبة الصريحة باسقاط النظام أو حتى تغييره.البعض شكك بنوايا وأهداف الداعين لهذا اللقاء. والبعض الآخر اعتبر مجرد انعقاده في هذا الظرف وبالطريقة التي عقد بها هو لتجميل صورة نظام مأزوم والتفافاً على المطالب الأساسية للشارع السوري المنتفض في وجه هذا النظام.وقد ذهب البعض للقول بأن السلطة أرادت من هذا اللقاء شق صفوف المعارضة وتشتيتها، فيما الأوضاع والتطورات تتطلب رص صفوف المعارضة وتوحيد كلمتها في وجه الاستبداد.
لا شك، لم يكن صعباً على السلطات السورية منع انعقاد لقاء سمير أميس،خاصة وأن المبادرين اليه لم يحصلوا أو بالأحرى لم يطلبوا من السلطات المعنية موافقة مسبقة بعقد هذا اللقاء. لكن يبدو أن النظام وجد فائدة سياسية ودعائية له في انعقاده،خاصة لجهة تشجيعه على الحوار الوطني.وربما،هو(النظام) حصد بعض النقاط الاجابية لصالحه من هذا اللقاء. لكن أعتقد بأن لقاء فندق سمير أميس، وبصرف النظر عن دوافع ونوايا الداعين والمبادرين اليه ،شكل ببيانه الختامي الداعم لمطالب الانتفاضة السورية صفعة سياسية قوية للنظام. مع التسليم بأن انعقاد هذا اللقاء الغير مسبوق في تاريخ المعارضة السورية وعودة الحياة والحيوية للحراك السياسي الديمقراطي المعارض في سوريا هو بفضل دماء شهداء وجرحى ومعتقلي ولاجيئي ونازحي الانتفاضة السورية في وجه الاستبداد. فما أنجزته هذه الانتفاضة الباسلة خلال أشهر،عجزت عن انجازه المعارضات السياسية التقليدية خلال عقود.
وسط الشكوك بمواقف المجتمع الدولي من النظام السوري،نشرت يوم الجمعة 1 تموز صحيفة "الغارديان" البريطانية تقرير، أعده إيان بلاك محرر شؤون الشرق الأوسط، بعنوان "الولايات المتحدة تضغط من أجل حوار المعارضة مع الأسد"، أعتقد بأن هذا التقرير كشف عن بعض الأسرار والألغاز التي أحاطت انعقاد لقاء فندق سميرأميس.اذ أشارت الصحيفة الى ما سمته  بـ"خارطة طريق للإصلاح مثيرة للجدل".وفق  هذه "الخارطة" سيبقى الأسد في السلطة في الوقت الحالي و سيشرف على  "انتقالا سلميا وآمنا إلى الديمقراطية المدنية".وتشير الصحيفة إلى أن الوثيقة موقعة من قبل (لؤي حسين ومعن عبد السلام)- هما من أبرز الداعين لهذا اللقاء-  اللذين تصفهما بأنهما "مثقفان علمانيان" في مجموعة تسمى "لجنة العمل الوطنية.

سليمان يوسف يوسف... كاتب سوري
  "شارك في لقاء فندق سميرأميس"
shuosin@gmail.com


 

16
  ثمة فرصة لانقاذ سوريا وبقاء بشار الأسد رئيساً!

يدرك السوريون، ممن عمل في حقل السياسة وانشغل بالشأن العام،كم من الذكريات الأليمة والقصص المرعبة حفرتها الأفرع الأمنية في ذاكرة ونفوس آلاف النشطاء والسياسيين السوريين المعارضين  لنهج وسياسات الحكم الشمولي القائم،خاصة في عهد الرئيس الراحل (حافظ الأسد)، مؤسس "الدولة الأمنية وجمهورية الخوف" في سوريا. ما جرى معي في أحد الفروع الأمنية (فرع فلسطين للمخابرات العسكرية بدمشق) لم يرتق الى مستوى الرعب،ربما  لأن حصل ذلك في عهد الرئيس الأسد الأبن ،حيث كانت قد تراخت في بداية عهد الرئيس بشار "القبضة الأمنية" المفروضة على المجتمع السوري. لكن مسار التحقيق والقضايا التي تناولها المحقق الأمني حفرت في ذاكرتي مشهداً مأساوياً ،يختزل في بعده السياسي والفكري جوهر الأزمة الوطنية السورية المتفجرة في الشارع والمفتوحة على كل الاحتمالات.ففي سياق التحقيق معي حول كتاباتي ونشاطاتي السياسية سألني المححق الأمني: هل أنت بعثي؟. لا لست بعثياُ.غريب،تسألني إن كنتُ بعثياً والأجهزة الأمنية تجرجرني من فرع الى آخر،وكل فرع لديه أرشيف عن حياتي الخاصة والعامة  ويحتفظ بعشرات المقالات التي كتبتها  والتصاريح الاعلامية التي ادليت بها التي انتقد فيها سياسات الحكم البعثي القائم؟. رد المحقق بعنجهية واستعلاء :لماذا لا تنتسب للبعث وأنت موظف لدى الحكومة..ألا يوجد لديكم لجان حزبية؟. أجبته: وهل الوظيفة حصراً على البعثيين؟.اشتد غضب المحقق الأمني وقال: يجب أن تكون كذلك،لأن البعث هو الذي صنع سوريا ويقودها..أعقبت على كلامه بالقول: كيف هذا والبعث عمره عقود قليلة من الزمن ، بينما سوريا يعود تاريخها الى آلاف القرون؟. قاطعني بالقول: لا يهم، اليوم سوريا هي البعث ولولا البعث ماكانت سوريا؟. طاب لي التصعيد معه حول هذه القضية وقلت له: سوريا كانت قبل البعث واستمرت معه وستبقى بعد زوال وانتهاء حكم البعث؟ زاد المحقق غضباً وحنقاً و كاد أن يصفعني،وقال: هذا كلام خطير وتطاول على الحزب، وتساءل باستهزاء:من سيزيل حكم البعث،أنت؟. قاطعته بالقول: "حركة التاريخ هي الكفيلة بذلك"... نعم،لم تمض سوى سنتان على هذا السجال الساخن في فرع فلسطين،حتى بدأت حركة التاريخ تفعل فعلها وتهز أركان الحكم الشمولي الذي اقامه البعث في سوريا منذ انقلابه على السلطة آذار 1963. تتجلى هذه الحركة التاريخية بخروج الشعب السوري عن صمته،محطماً جدار الخوف، زاحفاً الى الشوارع يطالب باستعادة حريته،يدافع عن كرامته،اقترب هذا الشعب من صنع معجزة سياسية طال انتظارها(انهاء الاستبداد والتغيير الديمقراطي).ما تشهده الشوارع السورية منذ منتصف آذار الماضي،ربما لم يرتق بعد الى مستوى "الثورة الشعبية"، لكنه "حراك شعبي مجتمعي سلمي" يأتي في اطار الحركة الطبيعة للمجتمعات البشرية وتطورها.فهو ليس مفصولاً أو معزولاً عن ما جرى ويجري في المنطقة من ثورات وانتفاضات شعبية، أطاحت حتى الآن ببعض العروش وهزت بعضها الآخر. كل من يحاول أن يتصدى للحراك الشعبي الاحتجاجي هو كمن يسبح عكس التيار ويضع نفسه في مواجهة الصيرورة التاريخية، وضد ارادة الشعوب التي هي جزء من الارادة الكلية للتاريح البشري. يؤلمنا جداً ونحن نرى النظام السوري وقد وضع نفسه في مواجهة ارادة شعبه وتحدي حركة التاريخ. طبعاً،هذا ليس بمستغرب من نظام يرتكز بشكل أساسي على الخبرات العسكرية والعقول الأمنية التي لا تعرف ولا تريد أن تعرف سوى أسلوب القمع والقتل والاعتقال في التعاطي مع ظاهرة الاحتجاجات الشعبية.والأنكى،حتى الاعلاميين والمحللين السياسين المقربين من النظام والمتحدثين باسمه لا تختلف لغتهم وثقافتهم وقراءتهم للأزمة السورية الراهنة كثيراً عن لغة وثقافة وقراءة جنرلات الأمن والعسكر.أن ظهور بعض الأشخاص أو المجموعات المسلحة هنا أو هناك، قد تكون مدفوعة من جهات داخلية أو خارجية، تحاول الاساءة الى التظاهرات السلمية وحرفها عن مسارها،لا يغير من طبيعة وأهداف التظاهرات الاحتجاجية السلمية المناهضة للنظام في سوريا،ولا يقلل من مشروعية وأحقية مطالب المحتجين،المتمثلة بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم.وهنا يجب التأكيد على أن قوة التظاهرات وشرعيتها تكمنان في سلميتها. لهذا على قوى الحراك الشعبي أن تنبذ وترفض كل اشكال القتل والعنف وأعمال الشغب التي قد تبادر اليها بعض المجموعات الشعبية انتقاماً لمقتل أقرباء لهم. فمثل هذه الأعمال تعطي الحجة والذريعة للسلطة الافراط والامعان في استخدام القوة ضد المتظاهرين والبطش بهم.أن الانتقام والقتل لا يصنعان ثورة .على كل سوري فقد حبيباً وغالياً وعزيزاً أن يعتبره شهيداً على دروب الحرية وثمناً للتغير والديمقراطية، وهو كذلك. حذاري من حمل السلاح في وجه السلطة.لأن هذا يعني انزلاق البلاد الى الفوضى والدخول في حروب داخلية،لا أحد يستفيد منها.
 قبل ايام، أصدر الرئيس بشار الأسد قرارا جمهوريا يقضي بتشكيل هيئة الحوار الوطني،مهمتها(كما جاء في القرار):"صياغة الأسس العامة للحوار بما يحقق توفير مناخ ملائم لكل الاتجاهات الوطنية للتعبير عن أفكارها وتقديم آرائها ومقترحاتها بشأن مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية لتحقيق تحولات واسعة تسهم في توسيع المشاركة وخاصة فيما يتعلق بقانوني الأحزاب والانتخابات وقانون الإعلام والمساهمة في وضع حد لواقع التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه بعض الشرائح الاجتماعية.".بصرف النظر عن نوايا القيادة السورية من قبولها بفكرة عقد مؤتمر حوار وطني،التي كانت ترفضها حتى الأمس القريب ،يعتبر تحول ايجابي في موقف السلطة من ملف الأزمة،واعترافاً منها بفشل الخيار الأمني الذي راهنت عليه كخيار وحيد في حسم الموقف و احتواء حركة الاحتجاجات الشعبية.نتمنى أن يكون فشل واخفاق الخيار الأمني قد أقنع الرئيس بشار بضرورة اخراج ملف الأزمة من عهدة النظام الأمني ووضعه في عهدة الطبقة السياسية الحاكمة التي غابت أو غييبت تماماً عن المشهد السوري منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد. رغم تعقد الأوضاع في سوريا واشتداد أزمتها ودخولها أو كادت أن تدخل مرحلة الخطر ،اعتقد بأن ثمة فرصة للخروج من الأزمة والتقليل من فاتورة التغيير،اذا ما توفرت النيات والارادة السياسية لدى القيادة السورية في الاستجابة لمطالب الشعب السوري والقبول بمبدأ "تداول السلطة".وثمة فرصة أمام الرئيس بشار الأسد ليبقى رئيساً،اذا ما انضم الى قوى التغيير الديمقراطي وتحمل مسؤولياته التاريخية في نقل سوريا من مرحلة الاستبداد الى فضاء الديمقراطية والدولة المدنية "دولة المواطنة الكاملة". فبعد هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى وزيادة الفجوة بين الشعب والسلطة اعتقد بأنه من الصعب وربما من المستحيل أن يهدأ الشارع السوري قبل انهاء حالة الاستبداد وتحقيق التغيير الدمقراطي المنشود .اذ لا قيمة و لا معنى لأي قانون أحزاب وقانون انتخابات وقانون اعلام وغيرها من القوانين والمراسيم الاصلاحية اذا ما استمر البعث أو أي حزب آخر في احتكار السلطة والحكم في البلاد. الفرصة في انقاذ سوريا وتجنيبها خطر الانزلاق الى ما هو أخطر، هي بأن تضع كل من السلطة والمعارضة معاً المصلحة الوطنية العليا فوق كل المصالح والاعتبارات الحزبية والشخصية والفئوية، وأن تنظر الى مؤتمر الحوار الوطني على أنه  " ممر اجباري و آمن" للخروج من الأزمة ونقل سوريا الى بر الأمان. آن الآوان لتدرك القيادة السورية بأن زمن "ارادة الحاكم المستبد" قد مضى من غير رجعة.أنه زمن "ارادة الشعوب الحرة". فبعد أن تجاوز الشعب السوري حاجز الخوف وانتفض في وجه الاستبداد متحدياً قبضته الحديدية التي أمسكت بالمجتمع طيلة العقود الماضية، يستحيل أن يقبل هذا الشعب برئيس غير منتخب، أو أن تحكم سوريا بالطريقة القديمة، وأن يقبل باحتكار السلطة من قبل أية جهة سياسية أو فئة اجتماعية تحت أية ذريعة أو شعارات.
سليمان يوسف ... سوريا
shuosin@gmail.com 

17
سوريا: قلقٌ مسيحي من الاضطرابات
 


يعيش اليوم في سوريا أكثر من مليوني مسيحي.يتحدرون من أصول عرقية وأثنية مختلفة،آشورية(سريانية/كلدانية)، ارمنية،عربية. يتوزعون على 12 مذهب كنسي.لم يتهاونوا في انجاز الاستقلال الوطني لسوريا.ساهموا بفعالية في بناء الدولة وازدهارها.رفضوا تأسيس أحزاب ومنظمات مسيحية خاصة بهم لأن لا حاجة لهم بها لطالما أجندتهم وطنية وتطلاعاتهم هي تطلعات كل السوريين.لهذا كانوا على الدوام المبادرين والسباقين الى تاسيس الحركات الوطنية والأحزاب الديمقراطية والليبرالية،قديمها وحديثها.يكاد اليوم لا يخلو حزباً سورياً، في السلطة والمعارضة،من وجود مسيحيين بين صفوفه.هذا الانفتاح عزز من الرصيد الوطني للمسيحيين السوريين،لكن من غير أن يمنحهم الدور المناسب والمستحق لهم في ادارة الشؤون السياسية والادارية للبلاد.فرغم الصبغة المدنية والعلمانية للدستور،خفض درجة مواطنيتهم وانتقص من حقوقهم في المواطنة الكاملة،وذلك باشتراطه "الاسلام" ديناً لرئيس الدولة و "الفقه الاسلامي" مصدر رئيسي للتشريع.هذه "اللامساواة الدينية" في الحكم،ومن ثم "اللامساواة السياسية" بانقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة واحتكاره لها، دفعت المسيحيين "للانكفاء السياسي" على الذات،وفرضت على الشارع المسيحي البقاء خارج دائرة النزاعات والتجاذبات السياسية التي شهدتها سوريا في مختلف المراحل وتلك التي تشهدها اليوم.طبعا،من الخطأ النظر الى مشاركة بعض النشطاء السياسيين والحقوقيين المسيحيين في الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكم القائم ولنظام البعث، التي تشهدها البلاد منذ شهرين، على أنها تعكس موقف المجتمع المسيحي من صراع على السلطة بدأت ملامحه تلوح في الأفق.هذه المشاركة المسيحية المحدودة والنوعية تأتي في اطار سعي القوى الوطنية للانتقال بسوريا الى دولة ديمقراطية "دولة مواطنة" تقوم على الحق والعدل والمساواة وسيادة القانون.في السياق ذاته يخطئ أهل الحكم اذا ما اعتبروا عدم استجابة الشارع المسيحي لدعوات التظاهر والاحتجاجات على أن المسيحيين يقفون الى جانب نظامهم القمعي الفاسد وبأن المسيحيين يرفضون مطالب الحراك الاحتجاجي الشعبي،والمتثلة بالحرية والديمقراطية والكرامة وتداول السلطة.
ثمة من يتساءل: هل يمكن للمسيحين البقاء حتى النهاية بمنأى عن التجاذبات والاصطفافات السياسية والغير سياسية التي بدأ يشهدها المجتمع السوري على هامش وبموزاة الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام؟وثمة من يتساءل أيضاً:هل الصمت حيال ما يجري في الشارع من احتجاج وقمع وقتل واعتقال تعسفي لمحتجين مسالمين،يصب في صالح المسيحيين ويخدم قضيتهم،خاصة وقد بدأت بعض الأصوات تتهمهم بالتخاذل والخيانة،والتهديد بالترحيل ما لم ينضموا لحركة الاحتجاجات؟.لا شك،من الصعب الاجابة على هكذا تساؤلات ثقيلة في ظل تعقيدات وتشعبات المشهد السوري المضطرب،وصعوبة التكهن بما سيتمخض من نتائج سياسية وغير سياسية عن الحراك الشعبي الاحتجاجي الذي يشهده الشارع.لكن في ضوء  تطور مسار الأحداث، واصرار النظام على الحسم العسكري في اخماد حركة الاحتجاجات مهما كلف ذلك من أرواح ودماء ودموع،أعتقد بأن الأسابيع القليلة القادمة ستثبت بأن تحفظ المسيحيين على المشاركة في الاحتجاجات موقف يسجل لهم وليس عليهم، بصرف النظر عن مكاسب أو فوائد السلطة من هذا الخيار المسيحي.فمن خلال مقاربة موضوعية للراهن السوري، والغوص في عمق الحالة المجتمعية السورية الغير متماسكة والتي تعاني من نقص تاريخي كبير في الاندماج الوطني لأسباب بعضها يتعلق بالموروث الثقافي والاجتماعي وبعضها الآخر يتعلق بطبيعة الاستبداد القائم، سنتلمس الكثير من الأعذار والأسباب المقنعة لرفض المسيحيين المشاركة في احتجاجات ذات صبغة وتوجهات مذهبية اسلامية واضحة،تكاد المشاركة فيها حتى الآن تقتصر على الطائفة السنية.اذ،مازالت مشاركة المكونات السورية الأخرى(المسيحيون،العلويون،الاسماعليون،الدروز، الشركس،التركمان) محدودة جداً-عذراً عن استخدام هذه الوصفة الطائفية- . حتى الأكراد، رغم خصومتهم السياسية المعروفة مع النظام البعثي القائم وكسرهم لحاجز الخوف عندما انتفضوا عام 2004 ورغم حديث البعض عن "أجندة سياسية" كردية خاصة،مازالت مشاركتهم في الاحتجاجات محدودة جداً وخجولة وهي ليست بالحجم الذي يصوره ويضخمه بعض نشطاء وأعلاميي الأكراد لأغراض سياسية ودعائية معروفة.والى تاريخه لم تقرر "الحركة الكردية السورية" بفصائلها الأربعة عشر النزول الى الشارع والمشاركة في الاحتجاجات.ومع تقديرنا العميق لدماء جميع شهداء وجرحى الانتفاضة السورية،لم ترتق هذه الانتفاضة بعد الى مرحلة الثورة الشعبية القادرة على حسم الأمور لصالح التغيير الديمقراطي السلمي، رغم مضي شهرين على انطلاق شرارتها، فضلاً عن تشتت الانتفاضة، من حيث التنظيم والشعارات والأهداف.
لا شك،أن عدم ادراج قوى الحراك الاحتجاجي على لائحة مطالبها، الغاء "المادة الثالثة" من الدستور (المتعلقة بدين رئيس الدولة والفقهة الاسلامي) زعزع ثقة المسيحيين بهذا الحراك.لأن بقاء هذه المادة الطائفية يلغي امكانية وفرص تحقق الدولة المدنية(دولة المواطنة الكاملة) التي يتطلع اليها المسيحيون والكثير من المسلمين.لكن العامل الأهم و الأخطر بالنسبة للمكون المسيحي،والذي جعله يحسم خياراته ومواقفه الرافضة للمشاركة في الاحتجاجات،ليس الخوف من بطش النظام بالمناهضين له وقمعه المفتوح ضد جميع معارضيه،وانما الخوف من أن تجر، هذه الاحتجاجات و الاضطرابات السياسية والأمنية التي تصحبها في الشارع، البلاد الى  فوضى وفتنة طائفية وعرقية والى نزاع مسلح على السلطة يكون المسيحييون أبرز ضحايا هذا النزاع والفتنة الطائفية،بغض النظر عن الأطراف والجهات،داخلية كانت أم خارجية، التي ستلعب بالورقة الطائفية.فـ"الكابوس العراقي" مازل مثالاً حياً وقائماً أمام المسيحيين. وما زاد من احباط المسيحيين السوريين،النتائج الغير مشجعة لـ"الثورة المصرية" فيما يخص أوضاع وحقوق الأقباط المسيحيين.لا بل ثمة معطيات ووقائع على الأرض تؤكد على أن أوضاع الأقباط باتت أكثر سوءاً وتدهوراً ما بعد الثورة.يكفي الاشارة هنا الى قيام آلاف السلفيين قبل ايام بهجوم مسلح مبرمج على مصلين داخل كنيسة وحرقهم لأخرى في القاهرة، الأحداث التي تسببت بمقتل وجرح العشرات.
 أخيراً: في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي تمر بها البلاد، من المهم جداً أن يتفهم مسلمو سوريا، مخاوف وهواجس أشقائهم المسيحيين المجمعين على أن مصيرهم مرهون ،ليس ببقاء الاستبداد القائم ونظامه القمعي الفاسد،وانما بأمن واستقرار هذا الوطن التاريخي الذي اسمه"سوريا" ،مهد الحضارة السريانية والديانة المسيحية،وتميز عبر تاريخه الطويل بالتسامح الديني والاجتماعي،وشكل عبر التاريخ "ملاذ آمن" للمسيحيين المشرقيين ولجميع المستضعفين،في أكثر مناطق العالم اضطراباً وتوتراً.
سليمان يوسف ... سوريا
 باحث في قضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
 

 

18
  سوريا وخطر "الصراع على السلطة"

أن يتحول مجلس الشعب (أعلى سلطة تشريعية) الى مجرد كورس للشعر والهتافات والتصفيق لرئيس الدولة ودماء المتظاهرين المحتجين على سياسات الحكومة وطريقة حكمها تسيل في شوارع المدن السورية،ثم شطب مداخلة للنائب (يوسف أبو رومية)عن مدينة درعا في جلسة مجلس الشعب يوم 27 آذار الماضي والتي حمل فيها صراحة قادة الفروع الأمنية مسؤولية وقوع قتلى وجرحى بين المتظاهرين،مشاهد  تؤكد على عمق الأزمة الوطنية المتفجرة في سوريا.هذه الأزمة مرتبطة بشكل مباشر ببنية الاستبداد وبطبيعة النظام الشمولي (السياسي/الأمني) الذي يحكم البلاد منذ عقود طويلة.حتى الآن، لا يبدو ان "الإرادة السياسية" المطلوبة لحل الأزمة متوفرة لدى القيادة السورية أو بالأحرى لدى "صناع القرار" في سوريا. لقاءات الرئيس بشار الأسد بزعماء القبائل والعشائر وبوجهاء الطوائف وبرجال الدين المسيحي والاسلامي، من مختلف المحافظات والمناطق السورية،تؤكد إصرار القيادة على بقاء باب الحوار الوطني مغلقاً في وجه قوى المعارضة الوطنية واستبعادها من المشاركة في الحكم.
في ضوء غياب الشفافية والمصداقية في مقاربة السلطات السورية للأزمة الراهنة وفي طريقة تعاطيها مع المحتجين في الشارع،من غير المتوقع أن يقوم صناع القرار بأية اصلاحات سياسية نوعية ومهمة من شأنها أن تنال من سلطتهم أو أن تمس طبيعة النظام الشمولي القائم.كل ما أعلنته واتخذته السلطات حتى الآن من خطوات اصلاحية (سياسية وغير سياسية) هي شكلية لا تعدو كونها مناورة للالتفاف على المطالب الأساسية والمشروعة للشعب السوري،التي لخصها وعبر عنها المتظاهرون والمحتجون بـ (الحرية والديمقراطية والكرامة).حتى إقالة حكومة المهندس (ناجي العطري) لا يمكن اعتبارها خطوة مهمة على طريق الاصلاح السياسي المطلوب، خاصة وأن كل الحكومات في ظل سلطة الاستبداد وهيمنة النظام الأمني هي مجرد حكومات تصريف أعمال لا أكثر.أن الأزمة الراهنة والمتفجرة  اليوم في الشارع هي أكبر وأعقد  من أن تحل عبر إقالة حكومة وتشكيل أخرى.ورغم أهمية رفع "حالة الطوارئ"، القائمة في البلاد منذ قرابة نصف قرن، من غير المتوقع أن يحدث رفعها أي تغيير نوعي مهم في الحياة السياسية والحريات،اذا ما بقي النظام الأمني ممسكاً بالمجتمع والدولة ومسيطراً على الحياة العامة في البلاد.لا بل،قد يترحم السوريون على "حالة الطوارئ" اذا ما طبق قانون "مكافحة الارهاب" الذي تتحدث عنه السلطات كبديل.وما يقلل من أهمية ما قرر أو اتخذ من خطوات اصلاحية، انعدام تام لثقة الشعب بالحكم، وهذا ناتج عن عقود طويلة من التضليل الممنهج الذي مارسه النظام القائم على الشعب السوري.
باستثناء خطابين للرئيس بشار- أمام مجلس الشعب والحكومة الجديدة- منذ انطلاق حركة الاحتجاجات قبل أكثر من شهر،تبدو القيادة السياسية غائبة كلياً عن المشهد السوري المتفجر.هذا الغياب يعزز وجهة النظر القائلة بأن:ملف الأزمة هو بعهدة "الأجهزة والدوائر الأمنية" وليس بعهدة "القيادة السياسية" كما يجب ويفترض أن يكون. ما يعزز وجهة النظر هذه، رهان النظام في معالجة الأزمة الراهنة بالدرجة الأولى على "الخيار الأمني" (اللجوء الى الاعتقالات التعسفية وللعنف المفرط لإخماد الحراك الشعبي الاحتجاجي السلمي ووصمه بالتخوين وربطه بالخارج لتبرر استخدام القوة ضد المتظاهرين)، وليس على الحلول والمعالجات السياسية والاجتماعية المطلوبة التي ينتظرها الشعب السوري.طبعاً،الرهان الأمني ليس حلاً.فمثلما أخفقت السلطة في احتواء الاحتجاجات في الشارع بتحايلها على المطالب الأساسية للشعب ،كذلك لا يمكن للحلول الأمنية أن تشكل أو أن تكون حلولاً ناجعة لمشكلة هي (سياسية/اجتماعية) في جوهرها وجذورها. حتى لو نجح النظام في إخماد الاحتجاجات بقوة القمع لا يعني طي ملف الأزمة وعدم تفجرها من جديد.اذ ستبقى نار تحت الرماد ستشتعل بمجرد هبوب عليها الريح المناسب وبالوقت المناسب.أن التعاطي مع الأزمة الوطنية المتفجرة من منظور أمني هو كمن يعطي دواء لغير داء فتزيد حالة المريض سوءاً وتدهوراً.لهذا تبقى الأزمة السورية مرشحة لمزيد من التفاقم والتصعيد في الأسابيع المقبلة،هذا ما تقوله وتتحدث عنه الوقائع على الأرض.فرغم استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين والحصار الأمني المفروض على المدن والبلدات السورية التي شهدت التظاهرات الاحتجاجية ومضاعفة الاجراءات الأمنية وحملات الاعتقالات التعسفية،توسعت دائرة الاحتجاجات في الأيام القليلة الماضية وارتفع سقف الشعارات في ما سمي بـ"الجمعة العظيمة"، التي جاءت بعد يوم واحد من صدور عدة مراسيم رئاسية تقضي برفع حالة الطوارئ والغاء محكمة أمن الدولة وتنظيم المسيرات السلمية.رغم تعقد وقتامة المشهد السوري وتسارع الأحداث والتطورات في الشارع، أعتقد بأن ثمة فرصة تاريخية أمام الرئيس بشار في انقاذ البلاد.الفرصة هي:أن يستجيب الرئيس وبشكل سريع وقبل فوات الأوان للمطالب المشروعة والمحقة للشعب السوري.في مقدمة هذه المطالب:إنهاء احتكار (حزب البعث العربي الاشتراكي) للسلطة بإلغاء "المادة الثامنة والثالثة" من الدستور، والمباشرة فوراً بوضع الآليات الدستورية المناسبة والكفيلة بتحقيق "التداول الديمقراطي السلمي للسلطة" في البلاد.أعتقد بأن هذه الخطوة السياسية الاصلاحية وحدها كفيلة بحل الأزمة الوطنية المتفجرة وتجنيب البلاد خطر الانزلاق الى الفتنة والفوضى و الدخول في "صراع مفتوح على السلطة" الذي بدأ يلوح في الأفق بعد أسابيع من انطلاق الاحتجاجات في سوريا.آن الأوان لتدرك القيادة السورية بأن الشعارات الثورية والقومية فقدت بريقها وتلاشى مفعولها السياسي، وبأن  زمن"الحزب القائد" و" القائد الملهم" و"الرئيس الأبدي" و"هيمنة قومية معينة على أخرى" قد ولى وانقضى من دون رجعة .أنه زمن الشعوب الحرة الرافضة للذل والعاشقة للحرية والراغبة بالعيش الكريم.الشعب السوري ليس أقل من الشعوب الأخرى في تطلعاته وطموحاته السياسية.أنه على قدر كبير من الوعي الوطني والنضج السياسي والفكري لكي يختار نظامه (السياسي والاجتماعي والاقتصادي)الذي يرغب به.


 
سليمان يوسف..
سوريا...ناشط آشوري
Sh_yousph@hotmail.com
 



19
حوار عبر الفيسبوك على هامش الاحتجاجات السورية

Souleman Yusph•  لأصولية الاسلامية في سوريا تخرج من تحت ركام الاحتجاجات وأبرز شخصياتها ومنظريها الشيخ البوطي.الذي يسعى جاهداً الى خطف ثمار الاحتجاجات .. وقد نجح بذلك من خلال انتزاع العديد من القرارات والتوصيات الخاصة برفع الغطاء عن نشاط الاسلاميين فتح معهد الشام للعلوم الاسلامية وعودة المنقبات الى سلك التربية والجامعات وغيرها من الخطوات التي تصب في مشروع اسلمة المجتمع السوري...
 بشرى سارة الى التيار الأصولي الاسلامي في سوريا... من بركات الاحتجاجات! بانتظار فضائية مسيحية للتيار الأصولي المسيحي في سوريا...
  سوريا الى أين؟؟؟؟؟؟؟أعارض فتح أية قناة فضائية دينية( مسيحية أو اسلامية أو يهودية) في سوريا...هل من المعقول أن تلبى مطالب الأصولية الاسلامية بهذه السرعة ولا يسمح بمنبر واحد للتيار الليبرالي في سوريا التي يدعي النظام بأنه حريص على الوجه العلماني والمدني للدولة ؟؟
 أبشروا ايها السوريون .. اليوم اسلمة المجتمع وغداً اسلمة النظام....هذا ما جلبته احتجاجاتكم.... سلمية ... سلمية ..اسلامية ... اسلامية... لا علمانية ولا ليبرالية ولا ديمقراطية...كل شيء وارد في سوريا ... ما عدا تداول السلطة!!!!!!!!!!
في سوريا البعث لم يعد ما يمنع أن يشهر المسيحي اسلامه... لكن ممنوع على المسلم أن يغير عقيدته الدينية .. فهو سيكون مرتد والمرتد بالاسلام يقتل!!!!!!!!!!
Nora Dandashi اخي سليمان الموضوع اكبر من هيك بكتير اليوم النظام خسر اكبر قواعده الشعبية السنية التي كانت مؤيدة له وهذه القواعد ملتزمة دينيا لا نستطيع القول انها متعصبة لان هناك فارق كبير ما بين الالتزام والتعصب !!! اليوم النظام يسعى لجذب قاعدة سنية جديدة ولهذا تمت دعوة شيوخ قبائل الجزيرة ومن المتوقع توجيه الدعوة ايضا لوجهاء حماه وحمص وغيرها من المحافظات والقرى ، النظام اليوم يلعب نفس لعبة الاستعمار الفرنسي وهو الاتصال بالعائلات والشخصيات لافراز طبقة سياسية موالية للاستعمار لتكون في خط المواجهة مع القوى السياسية الوطنية..
نضال نعيسة يا سليمان ألم تكن تعلم هذا من قبل؟
Souleman Yusph نعم أخي نضال ... نعلم ما يجري في بلدنا ... لكن للنظام والبعث مسؤولية كبيرة في تنامي الأصولية الاسلامية وتعشعشها في قاع المجتمع السوري..باغلاقه كافة المنابر والساحات أمام القوى العلمانية والتيارات الليبرالية ومنظمات المجتمع المدني....!!!
 نضال نعيسة البعث والفكر القومي كما قلنا ألف مرة هي أجزاب سلفية مغلفة بشعارات حداثية وتلفيقية انظر الى كل الدول القومية كيف تحولت إلى إمارات طالبانية من الجزائر لليبيا لمصر لليمن وسوريا وقد كتبت مقالا من سنتين انا بعنوان الطالبان قادمون ارجو ان تكون قد اطلعت عليه
 Nora Dandashi بتستاهلوا كان همكم وشغلكم الشاغل مهاجمة الاسلام وتناسيتم عدو الشعب السوري الحقيقي
Nora Dandashi كل هذا العدد من الشهداء الذين قضوا برصاص رجال البعث وانتم صامتون لم نسمع صوتكم يشجب او يدين والان لمجرد سمعتم بقناة دينية دبت فيكم النخوة والحماس وصار لازم نحارب نظام البعث
Souleman Yusph عزيزتي نورا .. صحيح أننا لم ننزل الى الشارع .. لكننا لم ولن نسكت عن دماء شهداء الحرية والكرامة الذي قتلوا برصاص قوات الأمن السوري...فمنذ اليوم الأول حيينا الشهداء وطالبنا بمعاقبة القتلة وحملنا النظام مسؤولية قتلهم...!!
Nora Dandashi هذا لا يكفي الاهم هو النزول الى الشارع والدعوة للنزول الى الشارع وقوف كل مكونات الشعب السوري في وجه الطغيان اما هذا الغزل الموزع عبر بيانات بين الثوار والثورة وبين النظام فهذا غير مثمر وغير مجدي ونتائجه وخيمة لا تنتظروا الى اين ستميل الكفة انما كونوا مع الحق ضد الباطل..
Souleman Yusph  اختي الفاضلة نورا أحيي عنفاونك الثوري ... لا شك أن الاستبداد السياسي أفقدنا حرياتنا السياسية والديمقراطية والفكرية ونحن غير ساكتين على حقوقنا وسننتزعها عبر نضالنا الديمقراطي السلمي من الداخل ولن نهاجر كما فعل الكثير من لمناضلين ..نحن صامدون في وجه الاستبداد وآلته القمعية..لكن حقيقة نخشى من الاستبداد الديني القادم لأنه سيفقدنا ما تبقى لنا من حقوق وحريات فردية وواجتماعية ودينية!!!!
Nora Dandashi اذا لم تاخذوا موقعكم في الثورة عندها ستتركوا الساحة للاسلاميين انه منطق غريب هذا الذي تتحدثون به اين شعوركم بالمواطنة والاحساس بالانتماء للوطن نعم عندما تغيبون عن الساحة ويسقط الشهداء من المسلمين عندها لن يكون لكم المطالبة بان تكونوا شركاء فمن لا يشارك بالثورة على الارض لا اعتقد انه سيكون له موطيء قدم فيما بعد والان بدات تهل بشاير توقعاتي عليكم بالنزول الى الشارع كاي مواطن سوري له حق المواطنة وينادي بالحرية لهذا الوطن بصراحة موقفكم متخاذل وموارب..
Souleman Yusph عزيزتي المناضلة نورا... سبق ونزلنا الى الشارع وشاركنا مرات عديدة في الاعتصامات التي كانت تنظمها قوى المعارضة الوطنية في العاصمة دمشق وحلب ... لكن ارادة القمع والاستبداد كانت أقوى من ارادة التغير والديمقراطية .. لهذا فشلنا وخمدت اعتصامتنا بعد أن اعتقل من اعتقل من الناشطين والبقية أصابها الاحباط والياس.. اليوم تركنا الساحة للشباب المتحمسين نتمنى أن يحققوا ما عجزنا نحن من تحقيقه ....
Nora Dandashi اليوم غير الامس واليوم نريد ان تتضافر الجهود وتتحد الطوائف تحت مظلة الثورة وخروج كل مكونات المجتمع للشارع رجالا ونساءا واطفالا وبصريح العبارة هناك موقف متخاذل من اخوتنا في الطائفة المسيحية وستغتربون الان المد الاصولي الاسلامي
Nora Dandashi موقفكم الان وموقف بعض الطوائف الاخرى يذكرني بموقف اهل السنة في العراق الذين قاطعوا المشاركة السياسية في البلاد حتى خسروا اي مكسب سياسي كان من الممكن ان يحققوه لو انهم شاركوا منذ البداية
Nora Dandashi لماذا لا تتم الدعوة للاعتصام في الكنائس او خروج التظاهرات من الكنائس
Nora Dandashi بس يا حيف كم رخيص الوطن والمواطن السوري عندكم
Nora Dandashi بالامس كنت اتحدث مع شخص من الطائفة العلوية وعندما سالته متى سينضمون الى الثورة على اعتبار انهم ضد النظام ومؤيدين للثورة وشكلوا لجان لنصرة انتفاضة درعا تصور قال لي الناس خائفة ونحن بانتظار ان تزداد جرائم النظام يعني حتى يصل عدد الشهداء الى حدود 1000 ساعتها سوف يكسرون حاجز الخوف ويخرجون الى الشارع هل هناك سادية اكثر من ذلك البعض يراقب عدد القتلى حتى يخرج الى الشارع تصور يا اخي على هذا المنطق الاعوج السادي..
Souleman Yusph‎ الثائرة نورا وسائر السوريين الثائرين في الداخل والخارج... شخصياً لست مع خروج التظاهرات من المساجد أو من الكنائس.. فساحات الوطن واسعة وكثيرة لتنطلق منها الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بالتغيير .. فيما يخص موقف الطوائف المسيحية ... لست متحدث...اً باسم المسيحيين،، لا شك أنت تعلمين جيداً بأن المؤسسات الكنسية في سوريا باتت جزءاً من مؤسسة السلطة وهي تخضع لمشيئتها ..وهذا حال جميع المؤسسات الدينية الاسلامية وغير الاسلامية.. فيما يخص موقف النخب ابرز معتقلي الراي والضمير هم من المسيحيين أمثال ميشيل كيلو وأنور البني وأكرم البني وجورج صبرا وغيرهم كثر...وفهمك كفاية!!
Nora Dandashi النظام لم يترك للشعب مكانا للتجمع سوى دور العبادة الى جانب ان دور العبادة هي رمز وانت تعرف هذا الامر جيدا وتعرف بقرارة نفسك اذا خرجت التظاهرات من الكنائس بالتوازي مع المساجد والتحمت التظاهرات في الساحات العامة سيكون لها وقع كبير جدا وانت تعرف رمزية هذا الامر ولا وقت للتعصب الديني الان دور العبادة هي الان منابر سياسية وساحات عامة حصل هذا على مر التاريخ في تاريخنا العربي
Souleman Yusph أيها الثائرون .. لن نظرف دمعة واحدة على رحيل هذا النظام الذي سئمه الشعب السوري... لكن لا نريد ترحيلاً وتغييراً باي ثمن... قد يكون ثمنه ليس النظام فقط وانما الوطن أيضاً.. هذا ما لا نريده ولا يريده كل سوري وطني محب لوطنه وحريص على استقراره..
Nora Dandashi لا اعتقد انكم اكثر وطنية من هؤلاء الذين انتفضوا وثاروا وهذه الشعارات لم تعد صالحة للاستخدام
Souleman Yusph أختي نورا !!! حقيقة ثمة هواجس ومخاوف كبيرة وحقيقية لدى معظم السوريين من مخاطر انزلاق البلاد الى وضع كارثي ... ليس المهم من سيدفع البلد الى هذا الوضع...المهم أن نجنب شعبنا وبلدنا الكارثة ..!!
Nora Dandashi يعني هذا النظام الذي يحقق الاستقرار اذا كان هيك رايكم وموقفكم اذا يا مرحبا ويا اهلا ويا سهلا بالاسلام الاصولي نحن ايضا تريد من يحمينا من النظام واعوانه
Nora Dandashi على الاقل تكون الهمينة للمساجد ورجال الدين بدلا ان تكون للقيادة القطرية
Souleman Yusph قطعاً... لا نشكك بوطنية وانتماء كل من تظاهر ويتظاهر ويحتج... لا بل نشد على أيدهم ونحيي روح النضال الثوري لديهم... ونخشع ساجدون لأرواح من وقع شهيداً منهم... والقضية ليست قضية وطنية ...وانما القضية قضية موازين قوى وسلطة قمعية لها الكثير من الأوراق القوية لاستخدامها ضد قوى التغيير ومشروعهم الديمقراطي... أنت تنظرين للمشهد السوري عن بعد .. نحن ننظر له من الداخل ونعيشه...
Nora Dandashi صدقني لا شيء ممكن ان يهز النظام سوى وحدة الشعب السوري وخروجه عن بكرت ابيه الى الشارع
Souleman Yusph ما من جهة قادرة على اخراج كل الشعب السوري أو معظمه الى الشارع اليوم والانتفاض ضد النظام... أتمنى أن أكون مخطئاً في قراءتي للمشهد السوري.....
Nora Dandashi نحن خرجنا في كل المحافظات ولم نتلقى منكم اي دعم او تاييد وصدقني اذا فشلت الثورة ستكون نقمتنا شديدة لاننا قدمنا شهداء
Souleman Yusph على كل لست أنا أو أنت من يقرر نجاح الثورة أو فشلها ... فهذه تخضع الى ارادة الشعب السوري وعلى قدرته على تحمل فاتورة التغيير والصمود وهي من دون شك ستكون مكلفة جداً .. أقول هذا ليس للتخويف وزرع الياس وانما حتى لا ننخدع بالشعارات الرومانسية للثورة والثوار...
Nora Dandashi لماذا كل يوم تهددون بفاتورة لتغيير بصراحة صارت هاي اللغة مقرفة بالنسبة وعيب هذا الكلام وكان الشعب السوري وحش ستاكل الناس بعضها هذه الاوهام في رؤوسكم انتم فقط والنظام تمكن ببراعة من ادخالها في عقولكم الشعب السورس شعب حضاري محبا للحياة وليس للموت لم تعرف سوريا على مر التاريخ اي حروب اهلية ولم تعرف الابادة الجماعية الا في زمن البعث
Souleman Yusph لا أرجوكي .. لا تفهيمننا غلط ولا تحملي كلامي ما لا أريده أو أقصده الشعب السوري بكل طيفه وقوميات ودياناته شعب طيب ومسالم ويحب وطن وله تجربة تاريخية طويلة وعميقة في العيش المشترك .. أنه أكثر شعوب المنطقة وعياً وحضارة ورقياً هذه حقيقة وليس مجاملة أو مبالغة.. مخاوفنا الحقيقة هي من الصراع على السلطة ومن الفراغ الأمني والسياسي...مثلما حصل في بعض دول المنطقة...
Nora Dandashi نحن لا نطالب برحيل بشار الان انما يبقى في السلطة لتصريف الاعمال وكتابة دستور جديد يليق بسوريا والاستعداد للانتقال الى سوريا الديموقراطية عندها سينتقل الصراع على السلطة عبر صناديق الاقتراع
Souleman Yusph أخيرنا، وبعد هذا السجال أو الحوار الساخن والشفاف بيننا، التقينا ... هذا ما نريده حقاً ونعمل من أجله ولن نقبل دونه.. قبل ايام أطلقت حملة وطنية عبر الفيسبوك لأجل تغيير المادة الثالثة والثامنة من الدستور السوري. قلة هم الذين شجعوها وتضامنوا معها ... هل تعلمي الى تاريخه لم يطلب اي حزب سوري معارض تغير المادة الثالثة من الدستور الخاصة بدين رئيس الدولة وهو الاسلام... الا يدعو هذا الى الشكوك بمصداقية أحزاب المعارضة فيما يخص الديمقراطية والحريات والمساواة!!!!....انتهى الحوار...

 سليمان يوسف ... سوريا-القامشلي
shuosin@gmail.com
 

20
ثغرة في جدار "الاستبداد السوري"!

خسر كل من راهن على قدرة سوريا ونظامها على الصمود في وجه موجة الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي اجتاحت وتجتاح دول المنطقة وأسقطت حتى الآن بعض حكامها وبعضها الآخر في طريقه الى السقوط، والرحيل.فقد تخطى الكثير من السوريين حاجز الخوف وتظاهروا لأول مرة ضد النظام الشمولي الذي يحكمهم منذ قرابة نصف قرن،مطالبين برفع قانون الطوارئ وانهاء احتكار حزب البعث للسلطة وبالحريات السياسية وبمكافحة الفساد  في البلاد.رغم لجوء السلطات الأمنية الى القوة والعنف والرصاص الحي ضد المتظاهرين والمحتجين،ثمة مؤشرات كثيرة على أن تظاهرات واحتجاجات السوريين ستستمر وستتصاعد وتيرتها وستتسع رقعتها في الأيام او الأسابيع القادمة، بعد أن سالت دماء عشرات المحتجين والمتظاهرين في أكثر من مدينة وبلدة سورية،ما لم تسارع القيادة السورية الى الاستجابة لمطالب الشعب السوري.فالقضية لم تعد بالنسبة لكثير من السوريين قضية تحسين ظروف المعيشة فحسب وانما قضية  حرية وكرامة وعدالة ومساواة . بغض النظر عن سقف وماهية التغييرات والتحولات السياسية والفكرية والاجتماعية وعن البيئة التشريعية والقانونية، التي ستفرزها احتجاجات وتظاهرات السوريين،أنها فتحت "ثغرة" مهمة في جدار "الاستبداد السوري" المزمن.ربما،من المبكر تحديد الملامح النهائية للمشهد السياسي السوري الذي بدأ يهتز، بعد عقود طويلة من الاستقرار القسري، ليعاد تركيبه من جديد وفق المعطيات السياسية والاجتماعية الجديدة التي ستفرزها الاحتجاجات .لكن بات من المؤكد بأن سوريا بعد يوم 25 آذار لن تكون كما كانت ما قبل هذا التاريخ، الذي تفجرت فيه الاحتجاجات الشعبية الدامية في مدينة درعا وبلدات أخرى في منطقة حوران.وما أعلنته مستشارة الرئيس السيدة بثينة شعبان من تنازلات  سياسية واقتصادية وقانونية أبرزها  " دراسة إنهاء العمل بقانون الطوارئ"،  ليس سوى مقدمة لتنازلات سياسية أخرى أكثر أهمية.وبالفعل، أكدت السيدة المستشارة يوم الأحد  27 آذار بأن الحكومة قررت تجميد العمل بـ"قانون الطوارئ"- المفروض على البلاد منذ الانقلاب البعثي في آذار 1963- من غير أن تحدد تاريخ دخوله حيز التنفيذ. وهناك حديث عن عزم الرئيس بشار الأسد  الغاء "المادة الثامنة" من الدستور، التي تنص على أن "حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع".صحيح أن هذه التنازلات تأتي في اطار مسعى النظام لاحتواء غضب الشارع  وللحد من اتساع رقعة الاحتجاجات وللالتفاف على المطالب الجوهرية للشعب .لكن الصحيح أيضاً تعتبر  مؤشر واضح على بدء تراجع النظام  عما كان يعتبره حتى الأمس القريب خطوط  حمراء ممنوع الاقتراب منها. يذكر، أن قبل أسابيع قليلة من التفجرات الاجتماعية في البلاد رفض أعضاء مجلس الشعب مقترح تقدم به أحد الأعضاء  يقضي بتشكيل لجنة برلمانية للنظر في امكانية رفع قانون الطوارئ ولو جزئياً.معلوم أن لا دور يذكر لمجلس الشعب في ظل هذا النظام سوى الاستجابة لرغبات الطبقة السياسية الحاكمة. 
سقف التنازلات السياسية التي سيقدم عليها النظام يتوقف على فاعلية وديمومة الحراك الاحتجاجي الشعبي في الشارع، الذي مازال محدوداً ولم يرتق بعد الى مرحلة "الثورة"،ثم على امكانية أن تنضم الى هذا الحراك مناطق وشرائح سورية أخرى،مثل الأكراد والآشوريين(سريان/كلدان)، الممتنعون حتى الآن عن التظاهر، رغم وقوف جميع أحزابهم في صف المعارضة وشكواهم الدائمة من أن الأكراد والآشوريين هم أكثر فئات المجتمع السوري معاناة واضطهاداً جراء السياسات الشيوفينية والعنصرية للنظام البعثي القائم. البعض يفسر صمت الأكراد بما أشيع عن أملاءات خارجية عليهم، تحديداً من زعامات كردية عراقية،وبالارتياح النسبي لدى الأكراد للاهتمام الإعلامي الذي أبدته السلطات السورية باحتفالات عيد نوروز هذا العام ومغازلة النظام لهم من خلال تهنئتهم بهذا العيد، على غير عادته.بصرف النظر عن صحة ودقة هذه القراءات،أعتقد بأن ثمة أسباب وظروف موضوعية تبرر للقيادات الكردية تريثها في دعوة أنصارها للتظاهر  في مدن وبلدات الجزيرة ،حيث التجمعات الكردية،من دون مشاركة العرب والآشوريين والأرمن.فهم (الأكراد) سينعتون بالانفصاليين وسيتهمون بالخيانة والتآمر على البلاد، اذا ما تظاهروا منفردين.وهناك خشية حقيقة من أن يصطدم الأكراد المنتفضون بمجموعات عربية متحسسة لا بل متشنجة كثيراً من طروحاتهم وشعاراتهم السياسية، فضلاً عن أن تظاهر الأكراد منفردين سيعطون الذريعة لبطش السلطة بهم مثلما فعلت يوم انتفضوا في آذار 2004.من غير أن ننفي مفاعيل هذه الأسباب والظروف الموضوعية على الموقف الكردي العام،أرى أن عدم استجابة الشارع الكردي حتى الآن لدعوات التظاهر  والاحتجاج،خيار تبنته وآثرته الجماهير الكردية، أكثر من كونه قراراً سياسياً لقيادات وزعامات سياسية كردية تقليدية فقدت أصلاً معظم رصيدها الشعبي في المجتمع الكردي وتراجع دورها كثيراً في ضبط  اقاع حركة الشارع الكردي المعروف بحيويته السياسية والثقافية. هذا ما كشفت عنه انتفاضة الأكراد في آذار 2004 حيث بدت القيادات الكردية منقادة خلف الجمهور الكردي الذي انتفض احتجاجاً على مقتل شبان كورد برصاص قوات الأمن السوري على خلفية أعمال شغب حصلت في الملعب البلدي لمدينة القامشلي. ثمة سبب آخر للصمت الكردي:الشكوك بمصداقية المواقف المعلنة للمعارضات السورية ،خاصة العربية منها، من قضية وحقوق الأكراد السوريين،فضلاً عن أن الجمهور الكردي لم يجد  في الشعارات السياسية المرفوعة حتى الآن من قبل السوريين المحتجين والمنتفضين ما يغريه للنزول الى الشارع والتضامن مع المحتجين.
عدم تظاهر الأكراد السوريين حتى الآن لا يعني أنهم لن يتظاهروا أبداً.أنهم سيتظاهرون  بالوقت الذي يناسبهم ويخدم قضيتهم. في حين غالباً سيحافظ كل من الآشوريين والأرمن على صمتهم إزاء الاحتجاجات.اذ من المستبعد أن يكون للمجموعة الآشورية الصغيرة المنضوية في صفوف المعارضة في اطار ما يعرف بـ"اعلان دمشق" أي تأثير على الرأي العام الآشوري والمسيحي الرافض للمشاركة في أية احتجاجات ضد الحكم القائم وتحت أي ظرف،ليس خوفاً من بطش النظام فحسب وانما الخوف من أن تجر هذه الاحتجاجات البلاد الى الفوضى والفراغ السياسي والفلتان الأمني.فمثل هذه الأوضاع الشاذة لن تكون في صالح السوريين عموماً والمسيحيين خصوصاً، لأنهم (المسيحيون) رغم تعدادهم الكبير نسبياً في سوريا(أكثر من مليونين) هم الحلقة الأضعف في المجتمع.لأنهم لا يشكلون كتلة سياسية وعرقية متجانسة و متماسكة،كما هو حال الأكراد.ثم أن خروج جموع المتظاهرين والمحتجين ضد النظام من الجوامع يزيد من قلق وتوجسات الآشوريين والمسيحيين عموماً من تنامي دور ونفوذ الاسلام السياسي في تحديد المستقبل السياسي وشكل الدولة السورية ما بعد حكم حزب البعث، الذي كان، رغم مساوئه، مقبول نسبياً لجهة هامش الحريات الدينية والاجتماعية لغير المسلمين.وما يبرر مثل هذه المخاوف لدى المسيحيين ترهل وضعف المعارضة السورية التي تضم مجموعة قوى غير متجانسة فكرياً وسياسياً،ولا يجمعها سوى هدف واحد هو "إسقاط النظام القائم".أليس أمراً يدعو للتساؤل والتأمل أن لا  تطرح أية جهة سياسية، تلك الموجودة في السلطة والمعارضة،وسط كل هذه الاحتجاجات ودعوات الاصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي،تغيير المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن"دين رئيس الجمهورية الإسلام - والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع."
أخيراً: يتطلع الكثير من السوريين الداعمين لنهج وخيار الاصلاح، أن يعلن الرئيس بشار الأسد في خطابه المرتقب للشعب السوري عن خطوات وقرارات سياسية جريئة وتاريخية تستجيب لمطالب الشعب في التغير الديمقراطي وتداول السلمي للسلطة وانهاء حالة الاستبداد في البلاد وتصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم.فمن شأن هذه الخطوات وحدها اخراج البلاد من الأزمة الحادة التي دخلت فيها وتجنيبها الانزلاق الى ما هو أخطر,من "فتنة طائفية" حذرت منها المستشارة بثينة شعبان.
 
سليمان يوسف... سوريا
SHUOSIN@GMAIL.COM


21
سوريا في ذكرى انقلاب البعث

قبل أيام احتفل البعثيون في سوريا بذكرى انقلابهم على السلطة.ذكرى "ثورتهم" المزعومة،التي لم يتبق من أهدافها وشعاراتها في الواقع السياسي السوري والعربي سوى مقولة"حزب البعث العربي الاشتراكي هو قائد الدولة والمجتمع"المثبتة في الدستور القومي(اللا سوري) للبعث الذي يقلل من مكانة "الدولة السورية" وينتقص من سيادتها الوطنية.وذلك باعتبار هذه الدولة من المنظور البعثي،مجرد (قطراً أو جزءاً من دولة أو أمة عربية مفترضة وغير موجودة في الواقع)،فضلاً عن أن فرض البعث نفسه "قائداً للدولة والمجتمع" نهج في الحكم والإدارة ينطوي على تمييز وتفضيل بين المواطنين السوريين على اساس قومي وسياسي.الأخطر في الدستور البعثي "الروح الطائفية" التي يتسم بها والتي تتعارض وتتنافى مع أسس ومبادئ "دولة المواطنة- الدولة المدنية".هذه النزعة أو الروحة الطائفية للدستور السوري تتجلى بشكل واضح وصريح في "المادة الثالثة" منه،التي تنص على أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام- الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع".فهذه الفروض والشروط في اختيار وتحديد "رئيس الجمهورية" وفي سن "التشريع الوطني"، كافية للفصل والتمييز بين المواطنين السوريين على أساس ديني والانتقاص من "حقوق المواطنة" للسوريين الغير مسلمين.لقد هيأ البعثيون لانقلابهم على السلطة بإجهاض "التجربة الديمقراطية والبرلمانية" الرائدة التي شهدتها سوريا في خمسينات القرن الماضي.ولم يوفر البعثيون جهداً لوأد تلك التجربة الفتية من أجل مشاريعهم وأحلامهم القومية الرومانسية الفاشلة.فمنذ ذلك اليوم المشئوم لانقلابهم(الثامن من آذار 1963) والدولة السورية الحديثة، التي تميزت عن باقي دول المنطقة بكونها واحة خصبة لمختلف الثقافات واللغات ومفتوحة لكل العقائد والأفكار السياسية، تشهد قحطاً لا بل تصحراً ثقافياً وفكرياً كارثياً و انحباساً سياسياً فظيعاً،حتى كادت أن تختفي اليوم من المشهد السوري مظاهر الحياة والنشاطات السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية إلا من تلك المدجنة والمعلبة التي ترعاها وتروج لها سلطة البعث،التي تهدف للقضاء على ظاهرة التنوع الحضاري التي يتصف بها المجتمع السوري وجعل سورية دولة لقومية واحدة وبلغة واحدة ولحزب واحد وبثقافة ذات لون وبعد واحد.فرغم رياح التغيير وعواصف الثورات الشعبية والانتفاضات الشبابية التي أطاحت ببعض عروش ورموز الاستبداد العربي والشرقي ومازالت ارتداداتها تهز أركان ومضاجع من تبقى منهم، تبدو سلطة "الاستبداد السوري" وكأنها غير معنية بهذه التطورات والزلازل السياسية التي تجري من حولها.فهي تعتبر نفسها "الاستثناء"عن القاعدة و عن قوانين التغيير والتطور الاجتماعي والسياسي التي بدأت تفعل فعلها في دول ومجتمعات المنطقة.يبدو أن أحفاد "الانقلابيون" صدقوا أنفسهم بأن الشعب السوري سيقبل والى الأبد ببقاء سوريا رهينة لهم ولحزبهم ولشعاراتهم القومية وآيديولوجياتهم العابرة للحدود والقارات ،وبأن التاريخ السياسي لسوريا تبسمر وتجمد أو أغلق وانتهى عند حزب البعث وعقيدته السياسية التي يقدمونها على أنها "الحقيقة المطلقة".والأنكى أن "ورثة البعث" يعتبرون أنفسهم بحق رواد الديمقراطية والتعددية الحزبية والحريات السياسية والفكرية والإعلامية، ناسين أو متناسين بأن حزبهم "البعث العربي الاشتراكي" هو أول حزب نفذ انقلاباً عسكرياً على السلطة وعمم ظاهرة "عسكرة السياسة" وتكريس الحكم العسكري في دول المنطقة.والبعث مازال يحتكر السلطة بطريقة غير ديمقراطية متسلحاً بسياط "قانون الطوارئ" وملحقاته (الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية) وبالشرعية الثورية المزعومة ،بدلاً من الاحتكام الى الشرعية الديمقراطية التي يمنحها ويقررها صوت الناخب السوري عبر صناديق الاقتراع الحر.لقد وصل استخفاف البعثيين بعقول السوريين وبوعيهم السياسي الى درجة أن رئيس مجلس الشعب الدكتور (محمود الأبرش) خلال (طاولة مستديرة) أقيمت يوم 17/ 09/ 2009 بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية حضرها عدد من أعضاء مجلسه:"أنه لا حاجة لإصدار قانون الأحزاب في سورية... وأن الجبهة الوطنية التقدمية تعد تجربة رائدة في تنفيذ الحياة الديمقراطية المستقرة في سورية... وأن سورية كانت سباقة لتطبيق الديمقراطية في مجالات الحياة كافة والتي ظهرت من خلال تجربة مجلس الشعب والجبهة الوطنية التقدمية وقانون الإدارة المحلية". في الاطار ذاته،ذكرت بعض المصادر السورية بأن "عضو مجلس الشعب السوري عبر الكريم السيد طالب يوم الأربعاء 23 شباط الماضي، تشكيل لجنة برلمانية للنظر باقتراحه و رفع قانون الطوارئ جزئياً في سورية إلا أنه فوجئ بتصويت جميع الأعضاء  في المجلس على رفض طلبه".طبعاً، هذا الموقف المخجل لأعضاء مجلس الشعب السوري،أعلى سلطة تشريعية في البلاد، ليس مفاجئاً لنا ولغيرنا من المهتمين بالشأن العام.لأن هكذا مجلس وبهذه المواصفات، جاء أعضاءه بآليات غير ديمقراطية، لا يمكن له أن يمثل إرادة الشعب السوري أو  يعبر عن تطلعاته السياسية، وانما سيمتثل لرغبة وإرادة وأوامر ومصالح السلطة الحاكمة التي جاءت به الى قاعة المجلس.
في ضوء الحالة السياسية السورية الراهنة التي يحكمها ويتحكم بها حزب البعث،أرى أن "الدولة السورية" لم تعد كما كانت أو كما يفترض ويجب أن تكون " أداة لتنظيم وبناء علاقة وطنية متوازنة بين إرادة الشعب والمجتمع السياسي-الطبقة السياسية الحاكمة- وتنظيم هذه العلاقة ودفعها باتجاه تحقق الصالح الوطني العام"،وانما باتت(الدولة السورية) في ظل حكم البعث وقانون الطوارئ الذي ترزح تحت وطأته، مجرد "جهاز أمني" للقمع وكم الأفواه وانتهاك الحقوق ومصادرة الحريات، وأداة لتحقيق مصالح النظام، حتى لو كانت على نقيض مع رغبة ومصالح الشعب والوطن.
استمرار نهج التضليل السياسي للطبقة السياسية الحاكمة على الشعب وعودة النظام الأمني الى تشديد قبضته على المجتمع السوري واستمرار الاعتقالات التعسفية للنشطاء السياسيين والحقوقيين وأصحاب الرأي الحر وقيام أعلى سلطة تشريعية في البلاد(مجلس الشعب) بالدفاع عن هذا النهج ورفضها مجرد تشكيل لجنة برلمانية لإعادة النظر بمبررات بقاء قانون الطوارئ،جميعها مؤشرات ومعطيات تؤكد على أن ثمة مسافة زمنية وتاريخية طويلة تفصلنا نحن السوريون عن الدولة المدنية الديمقراطية"دولة المواطنة الكاملة" التي نتطلع اليها.اجتياز أو قطع هذه المسافة مرهون بقدرة الشعب السوري وتصميمه على إنهاء حالة الاستبداد في البلاد و تغيير "النظام القائم" بشكل سلمي وديمقراطي، أو إرغامه على تنفيذ اصلاحات سياسية وإدارية وقضائية واجتماعية شاملة، من شأنها أن تنهي "حالة الاستبداد" وإخراج البلاد من حالة الجمود السياسي والتصحر الثقافي الذي فرض عليها منذ عقود.اصلاحات سياسية تمكن الشعب السوري بكل طيفه القومي والسياسي والديني والثقافي من انتخاب واختيار نوابه وممثليه الى مجلس الشعب بطريقة ديمقراطية نزيهة ليعبر هذا المجلس عن إرادته الحرة.اصلاحات تكفل التداول السلمي والديمقراطي للسلطة في البلاد وتمهد لقيام سلطة تشريعية حرة ومستقلة قادرة على الدفاع عن حقوق الانسان السوري في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.اصلاحات تفرز سلطة قضائية قادرة على مساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية في حال انتهكت حقوق وحريات المواطن أو تجاوزت صلاحياتها أو قصرت في واجباتها الوطنية.اعتقد بأن الظروف التي تمر بها سوريا والمنطقة تشكل فرصة تاريخية للشعب السوري ليقول كلمته ويقرر شكل وطبيعة النظام (السياسي والاجتماعي والاقتصادي) الذي يرده ويرغب به.
 
سليمان يوسف.... سوريا
shuosin@gmail.com
 

22
قوى اعلان دمشق تعلن "الثورة" على النظام مع وقف التنفيذ! 

ينشغل السوريون كثيراً هذه الأيام في متابعة الأحداث الأمنية والتطورات السياسية المتسارعة التي تحصل في محيطهم،حيث ثورات وانتفاضات شعبية،أيقظت في نفوس وعقول الكثير منهم نزعة الحرية التي افتقدوها منذ زمن طويل، وفتحت شهيتهم السياسية على التحرك واستنساخ هذه الثورات الشبابية في بلدهم. لما لا وأوضاعهم أكثر سوءاً وبؤساً من أوضاع الأشقاء الذين ثاروا على حكامهم وأجبروهم على الرحيل والتنحي.هذا ما تقوله وتفصح عنه سيل البيانات والمقالات والتصاريح التي صدرت ومازالت تصدر عن نشطاء ومثقفين ونخب من مختلف الطيف السوري تشيد بثورات الأشقاء وتمجدها،بينما تندد بقمع أنظمة الاستبداد لشعوبها وتستنكر البطش بالمتظاهرين.توق الشعب السوري للحرية وعشقه لها، لا يعني بالضرورة أنه قرر خوض معركتها.كما لا يعني قطعاً أنه تخلى أو تنازل عن حقه المشروع في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.وانما الشعب السوري أو جله مازال يتأمل وينتظر من رئيسه(بشار الاسد) اصلاح وتطوير نظامه (السياسي والاقتصادي والتشريعي والقضائي) وتنفيذ ما وعد به من أن "الانتخابات الحرة في سوريا قادمة" وتخليص البلاد من الفاسدين،من مَن سماهم بـ"حراس مصلحهم".لكن يبدو أن معارضتنا الوطنية في الداخل، الممثلة بـ"اعلان دمشق للتغير الديمقراطي"- اطار سياسي معارض للحكم القائم، يضم قوى عربية وأخرى كردية وآشورية ومنظمات حقوقية ولجان مجتمع مدني وشخصيات مستقلة، تأسس في16 تشرين الأول 2005 -  نفذ صبرها وفقدت ثقتها وأملها بهذا النظام.لهذا هي قررت كسر حاجز الصمت - وليس الخوف- الذي التزمت به حتى الآن، حيال دعوات التظاهر والاحتجاج التي صدرت وتصدر عن قوى ومجموعات سورية معظمها يقيم في الخارج،معلنة(قوى اعلان دمشق) "الثورة" على النظام،عبر "نداء" صدر عن الأمانة العامة للإعلان يوم 25/2/2011 تدعو فيه السوريين للتحرك في احتجاجات واعتصامات شعبية سلمية لأجل انجاز عملية التغيير الديمقراطي وانهاء حالة الاستبداد في البلاد.جاء فيه"إيماناً منا بضرورة التغيير وحتميته، وتحسساً لمسؤولياتنا الوطنية فإننا: نتوجه إلى جميع السوريين، وخاصة الطاقات الشابة الواعدة منهم، بنداء من أجل الثقة بالنفس وبقدرة الشعب على إجراء التغيير وصنع مستقبل بلدنا أسوة بإخوتنا في البلدان العربية التي انتفضت وحققت ما تريد. ونتوجه إلى جميع قوى المعارضة أحزاباً ومنظمات وشخصيات وطنية وطاقات شابة، على أمل اللقاء في لجنة وطنية للتنسيق من أجل التغيير.....إنها ساعة الحقيقة. فمستقبل سورية ينادي شعبها. فتحية لمن يبادر في تلبية النداء.".
النقطة أو الملاحظة الأساسية على هذا "النداء الثوري" التي تستوجب التوقف عندها، أنه لم يعين موعداً أو تاريخاً محدداً للتحركات والاعتصامات الشعبية السلمية التي دعا اليها.أن ترك "ساعة الصفر" أو "ساعة الحقيقة" ،كما سماها النداء،من غير تحديد يضع إشارة استفهام كبيرة لا بل يثير شكوكاً قوية حول جدية قوى اعلان دمشق في النزول الى الشارع والمطالبة بتغيير واسقاط النظام القائم أو إرغامه على تنفيذ اصلاحات سياسية وتشريعية حقيقة تكفل التداول السلمي للسلطة وتتيح للشعب السوري اختيار وتحديد مستقبله السياسي بحرية.كما أن عدم اتفاق "ثوار اعلان دمشق" على تحديد "ساعة الصفر" لانطلاقة ثورتهم يؤكد حالة الارتباك والإحباط التي يتخبطون بها،الى درجة أنهم قرروا وقف ثورتهم قبل أن تبدأ.بتعبير آخر أنهم أعلنوا الثورة لكن مع وقف التنفيذ حتى اشعار آخر.ربما الى حين يتمكنوا من تحطيم "حاجز الخوف" بعد أن تخطوا "حاجز الصوت".وما يزيد الشكوك بجدية المعارضة السورية في ترجمة ندائها الى خطوات عملية ثورية،(تنفيذ احتجاجات سلمية في الشارع ومواجهة قمع السلطة وبطشها)- غالباً سيكون أشد قسوة من بطش النظامين( التونسي والمصري) بمعارضيهم-،  تخليها عن الاعتصامات الرمزية التي نفذتها في العاصمة دمشق قبل سنوات،حيث أخفقت في تطوير وتوسيع دائرة المشاركين في تلك الاعتصامات والاحتجاجات السلمية.واليوم اعتقد بأن قوى الإعلان وغيرها من المعارضات السورية التقليدية باتت على قناعة تامة بأن السوريين لم يعد يراهنوا أصلاً عليها في إطلاق شرارة الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية ضد النظام،خاصة بعد أن تبين بأن ثورات تونس ومصر لم تتفجر بقرار من قوى المعارضة التقليدية أو استجابة لنداء أطلقته، وانما صنعتها الجماهير الشعبية الأكثر فقراً وبؤساً، في طليعتها الشباب الطامح الى الحرية الحقيقية والعيش الكريم.
قطعاً، لا نريد التنظير أو التحامل على معارضتنا الوطنية في الداخل، وهي التي تحدت عسف السلطة وقمعها، ومازالت على تحديها بإمكانياتها وقدراتها المتواضعة، رغم زج العشرات لا بل المئات من ناشطيها لسنوات طويلة في السجون واستمرار الحصار الأمني والسياسي والإعلامي على حراكها الديمقراطي. لكن ليسمح لنا ثوار اعلان دمشق القول: بأن ندائهم الثوري المشار اليه هو ليس أكثر من"قنبلة صوتية" في هذا الزمن السوري الصعب والحساس جداً، ألقوا بها في الساحة السياسية السورية ،ليقولوا بأنهم مازالوا متواجدين وبأن حلفهم" اعلان دمشق"  ما زال قائماً وثمة روح سياسية ونضالية مازالت تسري في عروقه المتجمدة وفي بنيانه التنظيمي المتشظي.ثمة قراءة أخرى لـ"نداء" المعارضة، ترى بأن قوى "اعلان دمشق" باتت مقتنعة بأن سوريا لا يمكن لها أن تبقى محصنة لفترة طويلة في وجه تأثيرات ما يحصل في محيطها من تفجرات وانتفاضات اجتماعية وثورات شعبية،خاصة وان نظامها يمتنع أو يرفض،حتى الآن، القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية وقانونية مهمة تلبي مطالب وتطلعات الشعب السوري الى الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، رغم إنه يعي تماماً بأن لا مهرب من الاستجابة لمطالب الشعب السوري.بمعنى أن قوى اعلان دمشق خشيت من أن يخرج السوريون للتظاهر والاحتجاج وهي غارقة في سباتها السياسي،الأمر الذي سيسبب لها إحراجا سياسياً كبيراً وقد تتهم بالتخاذل وتنعت بالجبن.تلافياً لهذه الاشكالية وتجنباً للحرج الذي قد تجد نفسها فيه، ارتأت قوى الاعلان أن تصدر النداء الثوري المشار اليه. لكن فات معارضتنا الوطنية بأن بندائها الثوري هذا وضعت نفسها في موقف أكثر إحراجا مع الشارع السوري، الذي سئم النظام القائم و الطامح الى تغييره وإنهاء حالة "الاستبداد" في البلاد،التي اعلنت قوى الاعلان نفسها في (وثيقتها التأسيسية) القطيعة النهائية مع هذا الاستبداد.تقول الوثيقة:"إننا نتعاهد على العمل من أجل إنهاء مرحلة الاستبداد، ونعلن استعدادنا لتقديم التضحيات الضرورية من أجل ذلك، وبذل كل ما يلزم لإقلاع عملية التغيير الديمقراطي،وبناء سورية الحديثة وطناً حراً لكل أبنائها،والحفاظ على حرية شعبها،وحماية استقلالها الوطني".من هنا أرى أن قوى المعارضة الوطنية، وبشكل خاص الممثلة بـ"اعلان دمشق للتغير الديمقراطي" بعد نداءها الثوري، ستخسر ما تبقى لها من رصيد شعبي في المجتمع السوري، ما لم تترجم نداءها الى خطوات عملية وتبادر هي أولاً،بما لديها من كوادر ومناصرين،النزول الى الشارع للاحتجاج والتظاهر والدفاع عن مطالب ومصالح الشعب السوري، التي ترى بأنها منتهكة ومصادرة من قبل النظام القائم؟.

سليمان يوسف ... سوريا
 shuosin@gmail.com
 

23

                             
ثمة فرصة تاريخية لتجنيب سوريا عدوى الاحتجاجات
                                                         أن تبدو سوريا حتى الآن محصنة في وجه موجة  الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية التي تجتاح المنطقة،التي أطاحت حتى الآن بنظام دولتين(تونس و مصر) ونظام دولة ثالثة على وشك السقوط(ليبيا)،لا يعني أنها سوف تبقى بمنأى عن تأثيرات هذه الاحتجاجات ما لم يستجيب نظامها للحاجة الملحة للإصلاحات الاقتصادية والسياسية والدستورية التي يتطلع اليها وينتظرها الشعب السوري منذ أمد بعيد. فرغم محدودية الاحتجاج وتواضع هتافات المحتجين"الشعب السوري ما بينذل.... لا اله إلا الله"الذي شهدته منطقة "الحريقة" وسط  العاصمة دمشق يوم الخميس 17 شباط الحالي، إثر اعتداء عناصر من الشرطة على مواطن بالضرب والإهانة والذي تطلب فضه حضور وتدخل وزير الداخلية شخصياً، يعكس(هذا الاحتجاج) حجم الاحتقان الكامن في الشارع السوري الناتج عن عسف السلطات الأمنية وامتهانها للكرامات،فضلاً عن الأثقال والأعباء المعيشية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي يرزح تحتها المواطن السوري.ومع تطاير شرارة الاحتجاجات الشعبية وتوسعها بسرعة مذهلة لم يكن أحداً يتوقعها حتى أكثر المتفائلين، لم يعد حديث السوريين عما اذا كانت بلدهم ستتأثر بهذا الزلزال السياسي الغير مسبوق في تاريخ المنطقة أم لا ؟. وانما متى و كيف وطبيعة هذا التأثر وحجم وسقف التغييرات التي ستطال الدولة السورية المترهلة ونظامها الشمولي؟.أن نجاح الثورات والانتفاضات الشعبية في دول الجوار،  وما ستحدثه من  نقلة سياسية نوعية باتجاه التحول الديمقراطي والحريات السياسية والفكرية وما ستوفره من مناخ سياسي وأخلاقي ضاغط على المشهد السوري،ستضع سوريا أمام خيارين : إما عملية "إصلاح حقيقية" شاملة، تكون بمستوى التحولات السياسية والدستورية النوعية التي حصلت وتحصل في المنطقة  تطمئن السوريين خاصة جيل الشباب لمستقبلهم،يقوم بها النظام نفسه،وهو ما يفضله معظم السوريين وان جاءت هذه الاصلاحات بالتدريج وعلى مراحل. أو عملية "تغيير جذرية" تحدثها الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية السلمية في الشارع.
رغم مشاعر الاحباط  التي تسيطر على السوريين ويأسهم من الوضع القائم،أعتقد بأن ثمة فرصة تاريخية لتجنيب سوريا (شعباً ونظاماً وحكومة) عدى الاحتجاجات ومخاطرها الجسيمة. حيث ما زال الكثير من السوريين يراهن على "الحس الوطني" للرئيس بشار في حماية وتحصين الاستقرار الوطني و تجنيب البلاد خطر الانزلاق الى الفوضى والفتنة التي قد تتسبب بها التظاهرات الشعبية المتوقع حصولها في الشارع السوري احتجاجاً على الأوضاع القائمة.أمل وتفاؤل السوريين مبعثهما تأكيدات الرئيس الأسد، في معظم مقابلاته ولقاءاته الصحفية، على أولوية الاستقرار الوطني وتحصين السلم الأهلي،وعلى حاجة سوريا(نظاماً ومجتمعاً) للإصلاح والانفتاح. قبل أسابيع فقط قال الرئيس الأسد لصحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية " ان الأولوية بالنسبة له تبقى الاستقرار والانفتاح السياسي التدريجي والإصلاحات الاقتصادية".لا شك، أن سيادته يدرك بأن الاستقرار والسلم الأهلي والمجتمعي لن يتحققا فقط بتشديد القبضة الأمنية على المجتمع، وانما أيضاً ،وهو الأهم،ببناء دولة المواطنة الكاملة ومن خلال تحقيق "المساواة والعدالة" في توزيع الثروة الوطنية على جميع السوريين.العدالة والتوازن في تطبيق خطط وبرامج التنمية في مختلف المناطق السورية كذلك العدالة في تقديم وتوفير مختلف "الخدمات الاجتماعية" وفرص العمل وتكافؤ الفرص لجميع أبناء الوطن السوري دون تمييز أو تفضيل بين هذا وذاك.رهان السوريين في تجنيب البلاد، الاحتجاجات الشعبية وما قد ينتج عنها من مضاعفات، ليس على النظام وانما هو بالدرجة الأولى على رئيسهم( يُعَبرون عن هذا الرهان من خلال رسائل وكتب توجهها اليه شخصيات ومنظمات سورية في الداخل والخارج يناشدونه في الإسراع في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة والمنتظرة وإنقاذ البلاد من آفة الفساد التي تنخر بكيان الدول وبنيان المجتمع).اذ اعتقد بأن "الواقعية السياسية" في سوريا في ظل العهد السياسي الجديد الذي بدأته مع بشار الأسد رئيساً،تقتضي الفصل أو التمييز بين رئيس شاب طموح وبين نظام شمولي مؤدلج مأزوم بات يشكل عبئاً ثقيلاً ليس على الشعب السوري فحسب، وانما حتى على الرئيس بشار نفسه، وان كان هذا الرئيس ابن أو نتاج هذا النظام.وقد عبر الرئيس بشار عن تذمره من هذا النظام المتحجر، بسبب سلطة ونفوذ من مَن سماهم بـ"حراس مصالحهم"،خلال لقاء له مع الكاتب الأمريكي (فلنت ليفريت) في دمشق،قال الأسد:"أن الحرس القديم في سوريا ليس اثنين أو ثلاثة أشخاص يمتلكون مناصب رفيعة في أعلى النظام بل هم حرفياً ألاف البيروقراطيين العاديين و المتحجرين على امتداد النظام و الذين تخندقوا في مواقعهم على مر السنين و العقود و ليست لديهم أية مصلحة في أن يسير أي شيء على نحو مختلف...".وفيما يخص رؤيته لطبيعة الحكم والسلطة في سوريا ومسؤولياته الوطنية،قال الأسد، بتاريخ (13-5-2004 )، لوفد إعلامي أمريكي، في لقاء متلفز معه بدمشق :"الانتخابات الحرة في سوريا قادمة.. وأضاف: أنا لا اهتم بمنصبي، فقد أكون خارج وظيفتي في أية دقيقة. لكنني كسوري لدي واجب بلدي. هذه هي الطريقة الوحيدة للحكم من هذا المنصب.وعندما اشعر بأنه لا يمكنني أن أقدم شيئاً لبلدي قد أغادر..". لسنا هنا بصدد تقييم تجربة عشر سنوات من حكم الأسد الابن والحكم على ما قدمه لبلاده وما لم يقدمه منذ استلامه السلطة في تموز 2000، وانما ما نريد قوله هو: أن ما ينتظره السوريون من رئيسهم هو أكثر بكثير مما قدمه لهم حتى الآن،خاصة في هذه المرحلة المصيرية الصعبة التي تمر بها البلاد والمنطقة عموماً والتي تتطلب قرارات جريئة وخطوات اصلاحية سياسية ودستورية مهمة وتاريخية، تنهي احتكار "حزب البعث العربي الاشتراكي" للسلطة، وتتيح للشعب السوري بكل طيفه القومي والديني والسياسي والثقافي المشاركة الحقيقة في بناء وتأسيس نظامه (السياسي والاجتماعي والاقتصادي). اصلاحات تضمن الفصل بين السلطات واستقلالية عملها وتكفل للشعب السوري التداول الديمقراطي السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة(هذا ما وعد به سيادته في لقاءه مع الوفد الأمريكي) وهو القادر على ذلك وفق الصلاحيات الدستورية الواسعة الممنوحة له.إذ ما من مجتمع يمكنه التطور والتقدم، بدون وجود مناخ كاف من الحريات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والفكرية، تعمل وتتنشط فيه فعاليات المجتمع ومختلف قواه الحية.ومن غير صحافة حرة، وقوى معارضة وطنية في الداخل، تكتب، بحرية وبدون خوف، و تُقييم دور الحكومة وتنتقدها على أخطاءها وتقصيراتها وتلاحق مصادر الفساد في أجهزة الدولة، وكذلك من غير قضاء نزيه ومستقل يحاكم ويحاسب المسيئين والمقصرين،ومن غير سلطة شرعية تشرع وتسن القوانين، التي تمليها مصالح الوطن وحقوق المواطنين وليس مصالح النظام والطبقة الحاكمة.
ان فزاعة تخويف السوريين من "البديل الاسلامي"، في حال الانفتاح الديمقراطي، أعتقد بأنها سقطت وهي لم تعد تقنع أحداً من السوريين، حتى أولائك الذين يطلقونها ويروجون لها من أهل الحكم. فهذه الفزاعة  ليست أكثر من ذريعة يبرر بها النظام القائم احتكاره للسلطة واستبداده للشعب السوري.ما يبدد هواجس السوريين من وصول الاسلاميين الى السلطة وإقامتهم  لنظام "حكم اسلامي"في سوريا،ليس بقاء هذا النظام الاستبدادي، الذي سئمه معظم السوريين،بسبب مصادرته للحريات وأختزله للدولة السورية بنفسه و افقراه للشعب السوري ،كما أنها ليست تطمينات رموز "التيار الاسلامي" من أخوان مسلمين وغيرهم وتأكيداتهم على أنهم لا ينون اقامة دولة اسلامية في سوريا وحكمها وفق الشرع الاسلامي،وانما ما يطمئن السوريين على بقاء الطابع المدني والوجه الحداثي لدولتهم هو فقط طبيعة المجتمع السوري المتسامح و المتنوع بتركيبته الاجتماعية والثقافية والدينية والاثنية.فكما هو معلوم تشكل الأقليات(المسيحية والاسلامية والاثنية) نحو 50% من نسبة سكان سوريا.وبحكم الخصوصية الاجتماعية والثقافية لهذه الأقليات هي تلتقي في رفضها لمشروع "الدولة الاسلامية".لهذا يصعب وربما يستحيل وصول الاسلاميين الى السلطة في سوريا تحت أي شعار عبر الآليات الديمقراطية وصناديق الاقتراع الحر،خاصة وان "المجتمع السني" في سوريا ،الذي يشكل الحاضنة الاجتماعية والفكرية للأصولية الاسلامية وللفكر السلفي الاسلامي عموماً،هو بغالبيته مجتمع منفتح ومتسامح مع الفكر الآخر. جدير بالذكر هنا،أن "الدولة السورية الحديثة"، التي تأسست في عشرينات القرن الماضي، كانت أكثر ليبرالية وعلمانية وحداثة وأكثر تسامحاً من ما هي عليه اليوم وبعد نحو نصف قرن من حكم "حزب البعث العربي الاشتراكي" لها. وهنا أعتقد بأن أقصر طريق لوصول "الاسلاميين" الى السلطة في سوريا وحكمهم لها هو:
-   تمسك "النظام البعثي" بالدستور الطائفي المؤدلج الذي فرض فيه نفسه"قائداً للدولة والمجتمع".
-   رفض الحلول الوطنية العادلة لـ "مشكلة الاقليات" الغير عربية (آشورية وكردية وأرمنية وغيرها).
-   محاصرة القوى والفعاليات الوطنية الديمقراطية، من ليبرالية ويسارية وعلمانية واسلامية ومنظمات المجتمع المدني، الخارجة عن النهج السياسي للنظام القائم.
-   رفض الانتقال بسوريا الى "الدولة المدنية"،دولة المواطنة والحقوق الكاملة لكل ابناءها دون تمييز أو تفضيل .

سليمان يوسف      ... سوريا
باحث آشوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
 

24
لهذه الأسباب امتنع السوريون عن التظاهر والاحتجاج

بعد التظاهرات التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين وحزبه الحاكم، والتظاهرات المصرية المستمرة التي قربت نظام الرئيس حسني مبارك من نهايته،يتساءل الكثير من السوريين ومن غير السوريين: هل ستنتقل عدوى الاحتجاجات الشعبية الى سوريا ويخرج السوريون في يوم غضب الى الشوارع للتظاهر السلمي احتجاجاً على تردي أوضاعهم المعيشية والاقتصادية والسياسية والحقوقية،والمطالبة برحيل "نظامهم السياسي"، الذي يحكمهم منذ نحو نصف قرن من الزمن وإقامة "نظام ديمقراطي" يمنحهم الحريات السياسية ويضمن لهم تداول السلطة؟. في ضوء معايشتنا للواقع السوري ومعرفتنا بطبيعة النظام (السياسي والأمني) في سوريا، وفي ضوء حجم وامكانيات "المعارضات السورية"في الداخل ،يُستبعد أن تشهد سوريا تظاهرات واحتجاجات شعبية، على الأقل في هذه المرحلة- كتلك التي شهدتها تونس وتشهدها مصر ودول عربية ومشرقية أخرى- استجابة للدعوات التي أطلقتها مجموعات "مجهولة الهوية" على شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وأيدتها بعض قوى المعارضة السورية والتيارات الاسلامية والمنظمات الكردية والآشورية المقيمة في الخارج.فيما المعارضات السورية في الداخل التزمت "الصمت التام" حيال هذه الدعوات،بعضها خوفاً وبعضها الآخر لتيقنها التام بأن الشارع السوري لن يستجيب لها.
من المؤكد أن "التاريخ السياسي" لسوريا لن يتوقف عند حزب معين أو عند رئيس أو زعيم بعينه.فالدول والمجتمعات البشرية هي الأخرى تخضع لحركة التاريخ وقوانين التطور.ولأكثر من سبب وسبب،لن أتأسف ولن أذرف دمعة واحدة اذا ما رحل "النظام البعثي الشمولي"القائم،الذي فرمل الحياة السياسية والفكرية في البلاد منذ انقلابه على السلطة واحتكاره لها في آذار 1963.اعتقد بأن الملايين من السوريين يتمنون أن يرحل هذا النظام وانتهاء حالة الاستبداد في البلاد اليوم قبل الغد،شريطة أن يتم ذلك بشكل سلمي وهادئ ومن دون اللجوء الى العنف.فامتناع السوريون عن للتظاهر والاحتجاج لا يعني بالضرورة أنهم جميعاً راضون عن النظام الذي يحكمهم ولا يعني بالضرورة بأن أوضاعهم وظروفهم المعيشية والاقتصادية والسياسية والحقوقية هي ليست بالسوء الذي يستدعي التظاهر والاحتجاج عليها والمطالبة بتحسينها،وانما صمتهم يعود لأسباب أخرى عديدة ومتداخلة.ابرز هذه الأسباب وأهمها:الخوف من أن يكون البديل لهذا الحكم هو "الفوضى" والفلتان الأمني والسياسي وليس التغيير الديمقراطي الذي يتطلعون اليه. لهذا،لن أهلل لتظاهرات ولاحتجاجات غير محسوبة النتائج، أياً تكن الجهة التي تدعو اليها وتنظمها.أن المشهد "الدموي المرعب"، الذي شهدته "ساحة ميدان التحرير" وسط القاهرة، بين حشود المتظاهرين المطالبين برحيل النظام المصري من جهة وبين المناصرين له من جهة أخرى، كاف لكل سوري أن يقلق على أمن واستقرار وطنه وأن يقدر حجم المخاطر على السلم الأهلي من "فتنة داخلية" قد تسببها الاحتجاجات والاعتصامات ضد الحكم القائم في سوريا،حتى لو بدأت سلمية،في ظل حساسية الوضع السوري وخصوصية تركيبته الاجتماعية.ومن الأسباب الأساسية الأخرى لامتناع السوريون عن التظاهر والاحتجاج:انعدام هامش الحريات السياسية ومصادرة حرية التعبير عن الرأي وحق التظاهر وعدم وجود فعل احتجاجي تراكمي شعبي.اذ لا تجربة للسوريين في التظاهر والاحتجاج على أوضاعهم أو الاعتراض على سياسات حكوماتهم.والسوريون لم يسبق لهم أن تظاهروا أو احتجوا من قبل على قضايا معيشة أو سياسية،باستثناء التظاهرات والمسيرات الفلكلورية القسرية المؤيدة للحاكم.بينما في مصر وتونس كانت الفئات المسحوقة تخرج من وقت لآخر في تظاهرات احتجاجية على أوضاعها وضد سياسات حكوماتها.تجدر الاشارة هنا،عندما استلم الرئيس (بشار الأسد)الحكم عام 2000،وتلميحه في "خطاب القسم" الى أن سوريا ستدخل معه عصر جديد من الانفتاح والإصلاح واحترام الرأي الآخر،تشجعت قوى المعارضة في الداخل على تنظيم مظاهرات واعتصامات سلمية محدودة في العاصمة دمشق في بعض المناسبات الوطنية مطالبة بالتغيير الديمقراطي ورفع حالة الطوارئ.لكن سرعان ما اختفت تلك الاعتصامات المتواضعة وانتهاء ما سمي بـ"بربيع دمشق" بمجرد عودة السلطة الى سياسة تشديد القبضة الأمنية على المجتمع واعتقال الناشطين من المعارضة.لهذا بقي حاجز الخوف من التظاهر والاحتجاج متجذراً في نفوس وقلوب السوريين.ثمة سبب آخر لعدم استجابة السوريين لدعوات التظاهر والاحتجاج، يجب عدم التقليل من أهميته، يتمثل: بهواجس الأقليات –وهي تشكل نحو 50% من سكان سوريا-  (المسيحية والدرزية والأكراد وأتباع الأقليات المذهبية الاسلامية) من صعود "الاسلاميين" الى السلطة والخوف من تقنينهم للحريات الاجتماعية والفردية ومحاربتهم لمظاهر الحداثة والحياة المدنية التي يتميز بها المجتمع السوري عن باقي المجتمعات الاسلامية في المنطقة.ثم أن النظام السوري،رغم عيوبه وتفشي الفساد في بعض دوائره وسجله السيئ في مجال حقوق الانسان والحريات السياسية، أعتقد بأنه مازال يمتلك قدر كبير من الممانعة وأسباب القوة،المادية والمعنوية والوطنية، التي تحصنه وتجنبه غضب شعبه.قطعاً، ان عدم خروج السوريين اليوم الى الشارع للتظاهر احتجاجاً، لا يعني أنهم لن يخرجوا أبداً.فإذا ما زادت أوضاعهم بؤساً وتردياً الى مستوى لا قدرة لهم على تحمله من المؤكد أنهم سيخرجون عن صمتهم وسينزلون للشوارع والساحات غاضبين محتجين، تحت تأثير ضغط الظروف وأعباء الحياة(زيادة الضغط يولد الانفجار).هنا تأتي مسؤولية الحكم في تجنيب البلاد هذا الانفجار وما يمكن أن يسببه من أعمال عنف وفوضى وشغب.والمراهنة هنا هي على النهج الاصلاحي للرئيس الشاب (بشار الأسد).فما قاله الأسد لصحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية يوم الاثنين (31 كانون الأول الماضي) والذي نفى فيه احتمال ان يمتد الاضطراب السياسي الى سوريا: " ان الأولوية بالنسبة له تبقى الاستقرار والانفتاح السياسي التدريجي والإصلاحات الاقتصادية وعزمه انتهاج بعض الخطوات الإصلاحية المتواضعة على الصعيد السياسي أو الاقتصادي من خلال إدخال بعض التعديلات على الانتخابات المحلية القادمة والتخفيف من الشروط والقيود المفروضة على المنظمات غير الحكومية وإصدار قانون جديد للإعلام" كلام مشجع ويبعث على التفاؤل لكنه ليس كافياً. المنتظر من الرئيس بشار أن يسارع الى البدء بعملية "إصلاح سياسي" شاملة بالتوازن مع الإصلاحات الاقتصادية،تنقل سورية من دولة الحزب الواحد إلى دولة ديمقراطية تعددية. والتأسيس لدولة "المواطنة الكاملة"،التي تقوم على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات لكل ابنائها (عرباً وكرداً وآشوريين وأرمن وباقي المكونات السورية)، تحكم وتدار وفق دستور وطني جديد، يضمن تداول السلطة بشكل سلمي و ديمقراطي.
 
سليمان يوسف ...سوريا
 shuosin@gmail.com




25
الأحزاب السورية ومسألة الأقليات(3-8)
"أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية"

في الجزء السابق( الثاني) من البحث تناولنا مواقف وسياسات "حزب البعث العربي الاشتراكي" الحاكم تجاه الأقليات وطريقة تعاطيه مع ظاهرة التنوع في البلاد.وقد بينا كيف دخلت سوريا ومسألة الأقليات مع انقلاب البعث عهداً سياسياً جديداً،اتسم ومازال بالاستبداد (القومي والسياسي والثقافي) للشعوب السورية الغير عربية،مثل الآشوريين(سريان-كلدان) والأكراد والأرمن وغيرهم.في هذا الجزء(الثالث) من البحث سنلقي الضوء على رؤية "الأحزاب السورية"، تلك المنضوية في جبهة البعث المسماة بـ"الجبهة الوطنية التقدمية" من "مسألة الأقليات"،التي مازالت على هامش الأجندة والمطالب السياسية لمعظم فصائل الحركة السياسية السورية، رغم أهميتها وارتباطها المباشر بقضية الديمقراطية وبحقوق المواطنة المنقوصة في البلاد.
لأجل تقوية سلطته وتشديد قبضته على "المجتمع السياسي" السوري، شكل الرئيس الراحل(حافظ الأسد) "الجبهة الوطنية التقدمية" في آذار 1972ضمت العديد من الأحزاب السورية من اتجاهات سياسية ومنابت فكرية مختلفة،هي(البعث العربي الاشتراكي، الشيوعي السوري، الاتحاد الاشتراكي العربي، الوحدويين الاشتراكيين، حركة الاشتراكيين العرب،الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي ،الاتحاد العربي الديمقراطي).عام 2005 انضم الى الجبهة أحد فصائل الحزب السوري القومي الاجتماعي ،وعام 2004 انضم (حزب العهد الوطني- المتفرع عن حركة الاشتراكيين العرب).تجربة العقود الماضية من عمر الجبهة الوطنية، أثبتت وبشكل قاطع بأن هذا الاطار السياسي  لم يكن سوى "واجهة تجميلية" لنظام غير ديمقراطي ولدكتاتورية مهيمنة.بتعبير آخر،أنها جبهة مفرغة من أي مضمون أو محتوى سياسي, لنظام الحزب الواحد الشمولي،ممثلاً بحزب البعث العربي الاشتراكي،الذي احتكر السلطة والثروة في البلاد و فرض نفسه قائداً للدولة والمجتمع وفق "المادة الثامنة" من الدستور الذي وضعه.فبمجرد قبول الأحزاب الجبهوية بالميثاق البعثي للجبهة، الذي يقر "بأن منهاج حزب البعث ومقررات مؤتمراته موجه أساسي للجبهة في رسم سياستها العامة وتنفيذ خططها وبقيادة البعث للجبهة من خلال تمثيل الأكثرية ( النصف + 1 )  إضافة إلى احتكار البعث للعمل في مجالي الطلبة والجيش"،يعني بشكل واضح وصريح تخليها عن الكثير من حقوقها السياسية والديمقراطية وتحولها الى أشباه أحزاب،رهينة،مسلوبة الإرادة والقرار، تدور في فلك السلطة، لقاء منحها بعض المكاسب والامتيازات الحزبية والشخصية(تمثيل شكلي في الحكومة ومجلس الشعب وفي بعض دوائر ومؤسسات الدولة).اذ، لا من دور فعلي يذكر لأحزاب الجبهة الوطنية في الحياة السياسية لسوريا، وهي مستبعدة كلياً من أي مشاركة حقيقية في السلطة والحكم والإدارة وفي رسم السياسات الداخلية والخارجية للدولة السورية.لهذه الأسباب وغيرها،خسرت الأحزاب المنضوية في جبهة البعث الكثير من رصيدها السياسي،حتى أمست اليوم مجرد "يافطات سياسية" من غير جماهير ومن دون رصيد شعبي في المجتمع السوري. تعتاش على ما يقدمه لها البعث من دعم مادي ومعنوي.وهذا يفسر تمسكها وحرصها الشديد على بقاء الجبهة، أكثر من حزب البعث نفسه.طبعاً،أحزاباً تخلت عن حقوقها السياسية والديمقراطية ورهنت قراراها لسلطة قمعية،لا ينتظر منها الدفاع ليس عن قضايا الحقوق المصادرة للأقليات فحسب، وانما لا يؤمل منها الدفاع حتى عن حقوق الطبقات الاجتماعية المسحوقة وعن قضاياها الأساسية، مثل القضايا المعيشية والاقتصادية وحق العمل والرعاية الصحية.من هنا يجب أن نتفهم موقف أحزاب الجبهة الوطنية من مسالة الأقليات في سوريا، الذي يتسم بكثير من السلبية والرجعية، والمتماثل الى حد كبير مع موقف حزب البعث.ويجب أن ندرك بأنها ستبقى على تخاذلها النضالي وعلى مواقفها السلبية من مجمل القضايا والمسائل، لطالما هي داخل الجبهة وملتزمة بميثاقها، المستوحى من "دستور" ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي،الذي يتسم بنزعة شوفينية وعنصرية واضحة تجاه كل من هو غير عربي.فقد خلا "الميثاق" من أي إشارة الى ظاهرة التعددية القومية والاثنية واللغوية والدينية التي يتصف بها المجتمع السوري.
من غير أن نغفل أو ننفي تأثير النَزَعات القومية والاثنية والعصبيات الأخرى، التي تنامت بشكل قوي داخل المجتمع السوري،على أداء وتماسك الحزب الشيوعي السوري.لكن تخلي الحزب عن مسؤولياته الوطنية والأخلاقية في الدفاع عن حقوق ومصالح الفئات والشرائح السورية المحرومة والمسحوقة،عمقت الخلافات والتناقضات السياسية والفكرية المتجذرة في البنية الفكرية والتنظيمية للحزب،وتسببت بحصول سلسلة انقسامات في صفوفه، بدأت عام1972 وتلاحقت حتى التسعينات ولم تنته مفاعيلها بعد على مسار الحركة الشيوعية  السورية،التي تتكون اليوم من العديد من الفصائل والتيارات الماركسية واليسارية،تفرعت عن الحزب الشيوعي السوري الأم.بعضها (جناح خالد بكداش وجناح يوسف فيصل) انضم الى جبهة السلطة،وبعضها الآخر (جناح رياض الترك) التحق بصفوف المعارضة الوطنية و شارك في تأسيس( التجمع الوطني الديمقراطي) المعارض.أما المنشقين الجدد (وحدة الشيوعيين السوريين)، وان هم خارج جبهة البعث، لكنهم (ملكيون أكثر من الملك) فيما يخص موقفهم من الحكم القائم في البلاد.
ثمة تباين بسيط بين موقف (أحزاب القومية العربية) والأحزاب اليسارية(الشيوعية) الجبهوية، من مسألة الأقليات ومن ظاهرة التنوع في سوريا.فبينما تبارك الأحزاب العربية، سياسات التمييز القومي لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم وتؤيد نهجه القومي الشوفيني وإجراءاته العنصرية تجاه القوميات الغير عربية،وهي ،كما البعث، تثير الشكوك بوطنية وانتماء كل من يثير مسألة الأقليات.فيما الأحزاب الشيوعية، وان هي التزمت وتلتزم الصمت حيال عمليات التعريب والمشاريع العنصرية للبعث،تبدو مستاءة من هذه السياسات المتناقضة مع مفاهيم وحقوق المواطنة.لا شك، أن تخاذل الشيوعيين في الدفاع عن حقوق الأقليات، خيب آمال نخب ومثقفي الأقليات،الآشورية والكردية والأرمنية وغيرها، التي انخرطت في الأحزاب الشيوعية،اعتقاداً منها بأن الأحزاب والقوى الماركسية،التي تقر مبادئها وعقيدتها السياسية بالمساواة الكاملة بين الشعوب والقوميات في الوطن الواحد وبحق تقرير المصير لجميع شعوب وأمم العالم،ستكون سنداً لها في الدفاع عن قضاياها الاجتماعية والسياسية و سبيلاً  لرفع الظلم والحرمان القومي الواقع عليها.أن بقاء "خالد بكداش"،المتحدر من أصول كردية،على رأس الحزب الشيوعي السوري لعقود طويلة- بعد رحيله تزعم الحزب زوجته ومن بعدها أبنه-، الى جانب اتساع دائرة الفقر والحرمان والشعور بالقهر في المجتمع الكردي،شجع الكثير من الأكراد السوريين على الانضمام الى الحزب الشيوعي،حتى طغى العنصر الكردي على الحزب في منطقة الجزيرة،رافقه نمو "نزعة كردية"واضحة داخل الحزب.الأمر الذي أثار حساسية وامتعاض الشيوعيين من ابناء القوميات الأخرى،مثل الآشوريين(سريان/كلدان) والعرب والأرمن وانسحاب الكثير منهم من صفوف الحزب.وهذا يفسر خلو (منطقية الجزيرة -  فصيل  خالد بكداش) تماماً من العنصر الآشوري والعربي والأرمني.وبات البعض ينظر لمنطقية الجزيرة على أنها"فصيلاً كردياً" بامتياز.ومن المتوقع أن تشكل، بمجرد انفراط الجبهة الوطنية،مع الشيوعيين الأكراد من المحافظات الأخرى، نواة للحزب الشيوعي الكردي في سوريا.
في ثمانينات القرن الماضي، طرأ تحول ايجابي نسبي على موقف الأحزاب الشيوعية الجبهوية من مسالة الاقليات،بإدراجها "الحقوق الثقافية واللغوية" للأقليات ضمن مطالبها،مع انحياز واضح للقومية الكردية.وبدا الحزب الذي يتزعمه (يوسف فيصل) أكثر انفتاحاً على ظاهرة التعددية في البلاد.وكان هذا الفصيل الشيوعي قد خطى خطوة سياسية مهمة على صعيد مسألة الأقليات في سوريا،لكن سرعان ما تراجع عنها تحت ضغط وتهديد قيادة البعث الحاكم.فقد جاء في باب (المهام البرنامجية) للحزب، المقررة في (مؤتمره الخامس) المنعقد في دمشق ايار 1980:"مقاومة كل تمييز على أساس الانتماء الديني أو القومي. وضمان حقوق الأقليات القومية بشكل يقوي ارتباطها التاريخي بالوطن ويوطد وحدة الكادحين".وفي وثائق (المؤتمر السابع) الموحد للحزب الشيوعي،الذي ضم (منظمات القاعدة،التابعة لمراد يوسف، والحزب الشيوعي ،جناح يوسف فيصل) تشرين الأول 1991. جاء في باب (القضية القومية): "نؤكد على حقوق الشعوب والقوميات الأخرى التي تقطن هذا البلد العربي أو ذاك، وضمان الحقوق القومية الطبيعية لها بدءاً من الحقوق الثقافية والمساواة أمام القانون حتى حق تقرير المصير. فيما يتعلق بسوريا فنحن نرى أن الأكراد وغيرهم من ابناء القوميات الأخرى هم متساوون مع جميع المواطنين الآخرين بموجب الدستور ومن الضروري أن تتأكد هذه المساواة في الممارسة العملية ،وأن لا يجري ضد أحد منهم تمييز على أساس الانتماء القومي ويجب أن تضمن لهم حقوقهم الثقافية وتقاليدهم الشعبية وأن يكون لهم حق دراسة لغتهم القومية...إعادة حق المواطنة الى المواطنين الذين حرموا من الجنسية السورية نتيجة إحصاء 1962 في محافظة الحسكة..احترام المعتقدات الدينية ورفض كل أشكال التمييز والتعصب الديني والطائفي...".على خلفية هذه الخطوة أو القفزة السياسية وبسبب مواقف سياسية أخرى، تعارضت مع نهج وسياسات البعث الحاكم،عُقب(الحزب الشيوعي السوري/جناح يوسف)بتعليق عضويته في الجبهة الوطنية التقدمية. ولم يعاد اليها الا بعد أن تراجع عن كل ما جاء في الوثائق الحزبية المشار اليها واعتذاره رسمياً عنها، عبر رسالة بعث بها أمينه العام الى الرئيس "حافظ الأسد"باعتباره رئيس اللجنة المركزية للجبهة الوطنية.بعد هذا التصادم السياسي مع حزب البعث،تراجعت مواقف هذا الفصيل الشيوعي من مسالة حقوق الاقليات الى المربع الأول.ففي لقاء جمعنا(وفد من المنظمة الآشورية الديمقراطية) مع السيد (يوسف فيصل)، الأمين العام للجنة المركزية للحزب، في مكتب الحزب بدمشق عام 2003، قال يوسف:"لا يوجد مشكلة قوميات، أو (مشكلة كردية) في سورية، القضية بالنسبة لنا هي قضية حقوق ثقافية وحقوق مواطنة كاملة لجميع أبناء القوميات من أكراد وآشوريين/سريان, وأرمن وغيرهم... ومنح الجنسية السورية لكل من يستحقها".انسجاماً مع هذا الموقف ، اكتفى "التقرير السياسي" للحزب في مؤتمره العام العاشر، نيسان 2006 بالمطالبة"بحل مشكلة الإحصاء في محافظة الحسكة ومنح الجنسية لمن جرى حرمانهم منها في عام 1962 والاعتراف بالحقوق الثقافية لأبناء الشعب الكردي في اطار المواطنة." دون أن يذكر التقرير القوميات الأخرى،مع الإشارة الى وجود أحزاب كردية وأخرى آشورية في سوريا. بهذا الموقف  من مسألة الأقليات اقترب كثيراً من موقف الفصيل الشيوعي الآخر من هذه القضية.فقد جاء في التقرير السياسي الصادر عن (المؤتمر العام العاشر- تشرين الثاني 2005) للحزب الشيوعي،فصيل بكداش: " يطالب الحزب بالاعتراف بالحقوق الثقافية للأكراد وللأقليات القومية،من تعليم لغتها وإصدار مطبوعاتها بلغتها الأم.تعزيز التآخي والوحدة الوطنية بين ابناء الشعب السوري كافة،وتحقيق حقوق المواطنة لكافة سكان البلاد.والعمل على إلغاء النتائج السلبية للإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة الذي أجرته الدوائر الإقطاعية الرجعية في ظل حكومة الانفصال عام 1962.". 
لن نتوقف عند الحزب"السوري القومي الاجتماعي" المنضوي في الجبهة الوطنية.فهو فصيل صغير منشق عن الحزب الأم، تخلى عن الكثير من المبادئ والثوابت الأساسية للسوري القومي الاجتماعي.دخل جبهة البعث عام 2005، طمعاً ببعض المكاسب الحزبية والشخصية الضيقة.لذا،سنتناول في حلقة أخرى بشيء من التفصيل الفلسفة القومية لـ "الحزب السوري القومي الاجتماعي"الأساسي ، الذي يعتبر أحد الأحزاب السورية القديمة والعريقة, ويتميز برؤية متقدمة لظاهرة التنوع في المجتمع السوري ولحل مسألة الأقليات في دول بلاد الشام،التي يسميها الحزب بـ"سوريا الكبرى".

سليمان يوسف.. سوريا
باحث آشوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
 


 
 
 
 


26
مفتي سوريا وحماية مسيحيي المشرق
                               
"لا تخافوا على مسيحيي الشرق لأنهم في رحاب الإسلام".قول لمفتي الجمهورية السورية، الدكتور (أحمد بدر الدين حسون). قاله في سياق حديث له مع وكالة( د ب آ )بتاريخ 14-12- 2010 وفق الصحفي السوري (جوني عبو) الناشر للحديث. توجه سماحة المفتي بحديثه الى بابا الفاتيكان (بنديكتوس السادس عشر)،بعد انتهاء أعمال السينودس الخاص لأساقفة الشرق الأوسط، الذي رعاه في العاشر من تشرين الأول الماضي .حيث تدارس المؤتمرون التحديات الكبيرة والمقلقة التي تواجه مسيحيي العراق و المشرق عموماً، وناقشوا سبل تعزيز وجودهم الذي اهتز في أوطانهم الأم.لا نشك،برغبة مفتي سوريا بتعزيز العيش المشترك بين أتباع مختلف الأديان والثقافات ،وسعيه لجعل الشرق"ملاذاً آمناً" لجميع شعوبه وأقوامه. فالشيخ (حسون) يتحلى برؤية اسلامية مستنيرة وهو من دعاة "الاسلام المعتدل"والمتسامح مع الآخر.وهو المفتي الوحيد في "العالم الاسلامي" الذي اختار لنفسه مستشاراً مسيحياً.هذا بحد ذاته رسالة بالغة الأهمية أراد إيصالها الى المرجعيات الدينية، الاسلامية والمسيحية، معاً وليعطي سماحته نموذجاً يحتذى به في الوطنية وفي التسامح الديني والعيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد.لكن أعتقد بأن سماحة مفتينا الجليل في حديثه هذا لم يوفق في مقاربته لمحنة مسيحيي المشرق.فقد ذهب سماحته بعيداً في تفاؤله حيال مستقبل مسيحيي المشرق وبرهانه على "الاسلام" في حمايتهم،في زمن ضاق فيه ثوب المسلمين بشركائهم المسيحيين وبغير المسلمين عموماً"،وأضحت "المسيحية المشرقية"مهددة بالاقتلاع من الجذور (ثقافة وعقيدة وكياناً)بـ"الأحزمة الاسلامية الناسفة".فإزاء الواقع القاتم، الذي يحيط بالأقليات المسيحية المشرقية،أرى من الخطأ الرهان على "الاسلام" ليس في حماية المسيحيين فحسب، وانما حتى في حماية المسلمين أنفسهم. لأن "الاسلام" اليوم لم يعد إسلاما واحداً، وانما تعددت مذاهبه ومراجعه ومدارسه الفقهية لكل منها رؤيتها الخاصة للحياة والمستقبل، فضلاً عن "تسييس الاسلام" وإقحامه في الصراعات والنزعات السياسية، المحلية والإقليمية والدولية،بهدف زج وتعبئة شرائح وقطاعات واسعة من المسلمين في هذه الصراعات.من المنظور ذاته، أرى أن ثمة دلالات وإشارات سياسية معينة، تضمنها حديث مفتي الدولة السورية،تستحق التوقف عندها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة.فمن جهة،أن طمأنته للمعنيين في الشرق والغرب على مستقبل الأقليات المسيحية المشرقية بالرهان على "الاسلام"،موقف يثير شكوكاً بقدرة ورغبة الدول القائمة على حماية الأقليات المسيحية المستضعفة،طبعاً،لهذه الشكوك ما يبررها.من جهة أخرى،أرى أن رهانه على "الاسلام" في حماية المسيحيين،يصب ،بشكل أو آخر،قصد ذلك أم لم يقصد، في صالح (الاسلام السياسي) ومشروعه المتمثل بـ "الدولة الاسلامية" التي يتطلع ويسعى اليها.من المؤكد،أن الدولة الاسلامية،وبغض النظر عن هوية وطبيعة الاسلام السياسي الذي سيحكمها، هي مرفوضة من قبل جميع مسيحيي المشرق.فالمسيحيون، على اختلاف شرائحهم وطبقاتهم الاجتماعية وتوجهاتهم السياسية،يتطلعون الى العيش في كنف وحماية "دولة مدنية" (دولة تحترم كل الديانات لكن لا تحكم وفق قوانين وشرائع الدين).دولة حديثة تقوم على "مبدأ حقوق المواطنة الكاملة" لجميع أبنائها دون تمييز أو تفضيل بينهم على أساس ديني أو قومي أو سياسي.
 في ضوء تصاعد أعمال العنف المنظم ضد مسيحيي المشرق،أرى أن طمأنة المسيحيين لمجرد أنهم يعيشون في "رحاب الاسلام"،هي رؤية طوباوية تقوم على تبسيط وتسطيح شديدين لـ"المسألة المسيحية المشرقية".فالناظر بواقعية الى منطقة الشرق الأوسط، التي تنام على "صفيح اسلامي" ساخن في ظل مناخات التطرف وأجواء التوتر والاحتقان الطائفي والمذهبي والعرقي التي تخيم عليها،لا بد له أن يقلق قلقاً عميقاً ليس على المسيحيين فحسب، وانما على جميع الاقليات المستضعفة الأخرى. فبعد أسبوعين فقط على حديث المفتي حسون وقعت "مذبحة كنيسة القديسين" وسط مدينة الاسكندرية المصرية،أي بعد شهرين من "مذبحة كنيسة سيدة النجاة" وسط بغداد.هذه الجرائم الوحشية المدانة،التي تسببت بمقتل وجرح المئات من المصلين، كافية لإشعار الاقليات المسيحية في منطقة الشرق الأوسط بالقلق الكياني.حتى في البلدان والدول التي تبدو آمنة حتى الآن وتتميز بدرجة مقبولة من التسامح الديني والسلام الاجتماعي ،مثل سوريا ولبنان والأردن،بدأ هذا (القلق الكياني) يتغلغل الى قلوب مسيحييها وأصبحوا يتوجسون من مستقبلهم وينظرون اليه بخوف شديد.وقد تضاعفت لديهم هذه المخاوف بعد أن استبيحت دماءهم وكنائسهم من قبل التنظيمات والمجموعات الاسلامية المتشددة والإرهابية المجاهدة مثل "القاعدة" وخلاياها المنتشرة في مجتمعات المنطقة،والتي تزعم بأنها تفعل ذلك دفاعاً عن الاسلام والمسلمين.أنهم(مسيحيو بلاد الشام)يخشون من أن يجدوا أنفسهم يوماً،مثل مسيحيي العراق، من غير حصانة أو حماية وطنية وضحايا عدوان إسلاموي متطرف يستهدفهم بسبب عقيدتهم. وما نشر آلاف رجال الشرطة والأمن في الأحياء والمناطق المسيحية في المدن العربية والاسلامية فترة الأعياد المسيحية كإجراءات أمنية احترازية لضمان أمن وسلامة المحتفلين، إلا تأكيداً آخر وإضافيا على تعاظم القلق لدى/وعلى مسيحيي المشرق.كيف لا يَقلق مسيحيو المشرق ولا يُقلق عليهم وهناك، بين الزعامات والنخب والمرجعيات العربية والاسلامية، من يبرر جرائم تفجير الكنائس في بغداد ومصر بذريعة أنها ردات فعل مشروعة على اختفاء السيدتان القبطيتان(كاميليا ووفاء)، قيل إنهما أسلمتا ثم احتجزتهما الكنيسة لثنيهما عن الإسلام.وهي القصة المفتعلة التي تذرع بها ما يسمى بـ"تنظيم دولة العراق الاسلامية"، المتفرع عن تنظيم القاعدة الارهابي،قيامه بهذه الجرائم الوحشية.وهنا نتساءل:ما الضمان أن لا تفتعل ذات التنظيمات الاسلامية الارهابية قصص وروايات مشابهة لقصة (كاميليا ووفاء )في هذه الدولة المشرقية أو تلك لاستهداف مسيحييها وقتلهم وتفجير كنائسهم؟. في العراق، تذرعوا بخطف وقتل وتهجير المسيحيين وتفجير الكنائس، بظروف الاحتلال الأمريكي والفوضى الأمنية والسياسية التي أفرزها.في مصر،حيث لا يوجد احتلال وحيث الدولة الأمنية ونظام قوي  شديد المركزية،ذات الشيء حملوا مسؤولية تفجير كنيسة القديسين الى قوى وجهات خارجية، زعموا أنها تستهدف مصر وتتآمر عليها. "المؤامرة"، إحدى "الخرافات" التي ساقها الكاتب (حازم صاغية) في مقال هام " مسلمون ومسيحيون و...خرفات" نشرته جريدة الحياة اللندنية  يوم الخميس 6 كانون الثاني الجاري 2011، معقباً فيه على الرواية المصرية والعربية والاسلامية حول جريمة تفجير كنيسة القديسين. حسناً(وكما يقول صاغية)" إذا بدأت المؤامرة على الوطن بالمؤامرة على الأقليّة، وجب أن يكون حلّ مشكلة الأقليّة مقدّمة لإحباط المؤامرة على الوطن. هذا يعني إبلاء أهميّة قصوى، في البرامج الوطنيّة، لمسألة الأقليّات. الحاصل: طمس مشكلة الأقليّات لصالح «وطن» يتطلّب منها التضحية بلا انقطاع..".

سليمان يوسف.... سوريا
باحث آشوري مهتم بقضايا الاقليات
shuosin@gmail.com
 

27
 
                       
لا فرق بين من يمنع بناء كنيسة وبين من يفجر كنيسة

 ثمة رابط "عقائدي – إيديولوجي" بين (مجزرة كنيسة سيدة النجاة) التي وقعت وسط العاصمة العراقية بغداد في 31 تشرين الأول الماضي وبين (مجزرة كنيسة القديسين) التي وقعت ليلة 31 كانون الأول الماضي وسط مدينة الاسكندرية المصرية،حيث كان يقيم الأقباط القداس الإلهي احتفالاً بالعام الميلادي الجديد 2011.فهذه المذابح الوحشية وما سبقها من مذابح بحق المسيحيين في مصر والعراق وفي أماكن أخرى، لا يمكن فصلها أو عزلها عن التصعيد الطائفي والعنف المنظم ضد مسيحيي المشرق لتفريغ المنطقة منهم،تحقيقاً لرغبة اسلامية قديمة، كشف عنها الرئيس المصري الراحل(أنور السادات).وقد دخل هذا التصعيد، مرحلة متطورة وخطيرة جداً.ولم تعد مشكلة "الأقليات المسيحية التاريخية"، مثل الآشوريين(سريان/كلدان) والموارنة والأقباط ،الأسبق وجوداً في بلاد ما بين النهرين و بلاد الشام ووادي النيل، قضية حقوق سياسية وحريات دينية، وانما قضية بقاء ووجود.فبعد أن كاد العراق أن يخلو من الكلدوآشوريين والمسيحيين، جاء الدور اليوم على أقباط مصر،ومن بعدها على دولة مشرقية أخرى،يبدو أن (لبنان)هي الدولة المرشحة في المرحلة القادمة.
في ضوء طبيعة النظام (السياسي والأمني) القائم في مصر، وعدم تعامله بشفافية مع المعضلات الداخلية،خاصة مع الملف القبطي،يشكك الكثير من المحللين السياسيين والخبراء الأمنيين ومن المهتمين بالشأن المصري بالرواية الرسمية للحكومة المصرية،المتعلقة بـ"مذبحة كنيسة القديسين"، والتي تقول "بوقوف جهات خارجية خلف هذه المذبحة ".فكما هو معلوم، أن تزوير الوقائع وتشويه الحقائق هي من سمات وطبائع الاستبداد والأنظمة الشمولية.والنظام المصري يعد من الأنظمة التي احترفت التضليل على شعوبها وأبدعت في النفاق السياسي والخطاب الديماغوجي المؤدلج والمرتكز دوماً الى "نظرية المؤامرة"، التي تقوم على جعل من الخارج "شماعة" تلقي عليها الأنظمة الفاسدة كل أسباب إخفاقاتها ومشكلاتها الداخلية. وما إسراع القيادات المصرية،السياسية والأمنية،منذ اللحظات الأولى لوقوع الجريمة وقبل أن يفتح أي تحقيق فيها، الى اتهام جهات خارجية بالوقوف خلف هذه الجريمة الوحشية،إلا محاولة مكشوفة للتغطية على مسؤوليتها الكاملة عنها وعن تقصيرها الغير مبرر والمتعمد في حماية مواطنيها الأقباط.فالأوساط المشككة بصحة الرواية الرسمية المصرية تضع "النظام" في دائرة الاتهام وتعتبره المسئول الأول عن "مذبحة كنيسة القديسين" وغيرها من الجرائم التي يشهدها المجتمع المصري.وهذه الأوساط  ترجح وقوف " جماعة إسلامية جهادية سلفية محلية مصرية " وراء هذه الجريمة النكراء.وهذه الأوساط المشككة تضع تصريحات الدوائر الرسمية المصرية،المتعلقة بتوصل الأجهزة الأمنية الى معلومات مهمة من شأنها أن تؤدي إلى الوصول الى مرتكبي هذه المذبحة الوحشية،في اطار "توجه رسمي  معروف ومعتاد من السلطة في مصر للتخفيف من الاحتقان الطائفي في الشارع القبطي الذي أججته المذبحة ولامتصاص غضب وعنفوان الشارع القبطي الهائج".وفي ذات السياق،أعتقد ويعتقد الكثير من المحللين السياسيين والمهتمين،بأن النظام المصري هو أكثر المستفيدين من مثل هذه الجرائم الطائفية. فمن جهة، سيشغل الرأي العام المصري بمؤامرة مزعومة ومفتعلة ليبعده عن قضية السلطة والحكم والديمقراطية والتوريث .ومن جهة أخرى،أن هذه المذابح المروعة سترهب الأقباط وقطاعات مصرية أخرى وستجعلهم يتمسكون بهذا النظام رغم مساوئه وتفضيله على الاسلام السياسي المتشدد الذي يسعى الى حكم مصر وفق "الشرع الاسلامي".ومن جهة ثالثة،ستضاعف مثل هذه الجرائم والحوادث الطائفية من سخط واستياء الأقباط وقطاعات شعبية وسياسية وأوساط اقتصادية وثقافية اسلامية واسعة على جماعة "الأخوان المسلمين" وعلى غيرها من التيارات الاسلامية المتشددة، الخصم السياسي والأيديولوجي اللدود للنظام والحزب الوطني الحاكم.
الأنكى والأكثر استهجاناً في موقف الحكومة المصرية هو نفيها للبعد الطائفي وللخلفيات الدينية الواضحة لمذبحة كنيسة القديسين,ورفضها أن يقرأ هذا العمل الارهابي على أنه موجه ضد الأقباط.لأنه،وفق القراءة الحكومية، موجه ضد الدولة المصرية والوطن المصري .طبعاً،هذا نوع من المزايدة في الوطنية من قبل نظام طائفي بامتياز ولا وطني بامتياز.ولا اعتقد بأن أحداً،داخل مصر أو خارجها ولا حتى من أهل الحكم،يصدق الرواية الرسمية المتعلقة بظروف وحيثيات مذبحة كنيسة القديسين.اذ، لا تخفى على أحد حالة الاحتقان الطائفي المتفجر والغلو في التطرف الديني المتنامي في الشارع الاسلامي المصري الذي تصاعد بشكل لافت ومخيف في السنوات والأشهر الأخيرة.أن وقوع بضعة جرحى من المسلمين المارة في مكان الجريمة لا يبدل من حقيقة أن الارهابيين كانوا يستهدفون الأقباط ولا يلغي الخلفية الطائفية والعنصرية الحاقدة لهذه المجموعة الاسلامية الظلامية الرافضة لكل ما هو غير اسلامي.وهذه المذبحة ليست الأولى،وغالباً لن تكون الأخيرة، بحق الأقباط الآمنين، وانما هي الحلقة الأسوأ حتى الآن في مسلسل العنف المنظم الذي يستهدفهم منذ حادثة الخانكة 8-9- 1972 والذي أوقع آلاف الأقباط بين قتيل وجريح،فضلاً عن أضرار فادحة في الممتلكات.
وقد أدحضت الكنيسة القبطية في بيان لها مزاعم وادعاءات الحكومة المصرية.جاء في البيان الكنسي:"اذ نستنكر هذا الحادث الذي يهدد وطننا وأمن وأمان مواطنينا نرى ان ما حدث يشكل تصعيدا خطيرا للأحداث الطائفية الموجهة ضد الأقباط.وان الحادث وقع نتيجة للشحن الطائفي والافتراءات الكاذبة التي كثرت ضد الكنيسة ورموزها في الفترة الماضية".وفي السياق ذاته،حملت العديد من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المصرية في بيانات لها،السلطات المصرية مسئولية هذه المذبحة.وأكدت هذه المنظمات في بياناتها على " أن مصر من الدول التي تنفرد بالتمييز الطائفي، حيث تضع في البطاقة الشخصية وبقية الوثائق الرسمية للمواطن المصري خانة للدين للتمييز بين المسلم وغير المسلم، و تعيق من حرية أتباع المعتقدات الغير اسلامية في ممارسة حقوقها وحرياتها الدينية.واتهمت هذه المنظمات الحكومة الحالية باستغلال الدين من أجل تعزيز سلطة النظام والحزب الحاكم.وقد جاء في بيان ( منظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية والديمقراطية)،"أن مصر الدولة التي تحمى العنف وتأمن المعنفين وتحافظ على البلطجة لإرهاب الشعب لتمرير ما تريد".وفي هذا السياق أيضاً،يشار الى أن العديد من المدن المصرية،بشكل خاص القاهرة والاسكندرية ،تشهد بعد صلاة الجمعة مظاهرات ومسيرات اسلامية مفتوحة تنظمها جماعات اسلامية سلفية أصولية. يدعو فيها الخطباء إلى "مقاطعة النصارى"،اقتصادياً واجتماعياً.ويصدر بعض المشايخ والأئمة فتاوى تحرم على المسلمين مشاركة المسيحيين في أعيادهم ومناسباتهم الخاصة،والتحذير من خطر الأقباط على المسلمين واتهامهم مرجعياتهم الدينية بجلب أسلحة من الخارج وتخزينها في الكنائس ودور العبادة.ويحرض الخطباء على خطف الفتيات والنساء القبطيات للزواج منهن وإجبارهن على اعتناق الإسلام.
السؤال الذي يفرض نفسه في سياق هذه القضية هو: اذا كانت السلطات على علم ودراية بوجود جهات خارجية تتآمر على مصر وتستهدفها، لماذا لم تحرك ساكناً الى حين وقوع المذبحة؟.ألم يكن من المفترض والواجب أن تقوم الشرطة وقوات الأمن بوضع حواجز أمنية في محيط الكنائس واغلاق الشوارع المحيطة بها أمام حركة السيارات فترة الأعياد المسيحية بعد إطلاق تهديدات جدية لأقباط مصر من قبل "تنظيم دولة العراق الاسلامية" المرتبط بالقاعدة والذي تبنى مذبحة كنيسة سيدة النجاة في بغداد،خاصة سبق وأن تعرضت الكنائس الى مثل هذه الهجمات الارهابية من قبل،مثل  "مجزرة  كنيسة القديسة مريم" في مدينة نجع حمادي التي وقعت ليلة عيد الميلاد في السادس من كانون الثاني الماضي( 2010 )، الى تاريخه لم يحاكم المتهمين بها رغم اعترافاتهم بتورطهم في الجريمة التي مازالت تلقي بظلالها وتأثيراتها السلبية على العلاقة بين الأقباط والمسلمين في مصر..؟؟؟.
في ضوء كل ما تقدم ذكره،أرى أن "مذبحة كنيسة القديسين"،وغيرها من الجرائم الوحشية والاعتداءات المنظمة التي تستهدف الأقباط المسيحيين، لا يمكن فصلها عن المشهد المصري العام، بشقه(السياسي والأمني والاسلامي والفكري والاجتماعي)، الذي يتحكم به النظام القائم.بتعبير آخر،أن ما حصل ويحصل للاقباط  هو حصيلة عقود طويلة من الحكم الطائفي المعزز والمسنود باجتهادات فقهية والمحاط بخطاب اسلامي مشحون بالعنصرية والشوفينية الدينية.فرغم رفض النخب القبطية وعلى رأسها المؤسسة الكنسية والبابا شنودة وصف أقباط مصر بالاقلية باعتبارهم سكان مصر الأوائل والجزء الأصيل من مجتمعها،يصر الحكم الطائفي القائم في مصر على التعامل معهم على أنهم اقلية دينية واثنية "أهل ذمية" ليبرر اضطهاده لهم وحرمانهم من حقوقهم في المواطنة الكاملة وتهميشهم السياسي وإبعادهم عن المشاركة الحقيقة في ادارة البلاد والابقاء على التشريعات الظلامية والقرارات الجائرة التي تحد من حريتهم وتصادر حقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية وتلك التي تمنعهم من بناء كنائس جديدة أو ترميم القديم منها والمهدد بالسقوط.فضلاً عن سعي الحكومة الى  فرض (الشريعة والثقافة الإسلاميتين) بطرق وأشكال مختلفة على المسيحيين.بالطبع مثل هذه البيئة الملوثة بسموم وفيروس الطائفية المقيتة والعنصرية الدينية أن تفرخ ارهابيين وتنتج قتلة على الهوية باسم الجهاد الاسلامي.حقيقة لا أجد فرقاً جوهرياً بين من يمنع "بناء كنيسة" وبين من "يفجر كنيسة".ولا فرق بين من "يتهم الكنيسة" باستيراد الأسلحة وبين من "يقتل الكهنة والمصلين داخل الكنيسة". فهذا وذاك هما وجهان لعملة ارهابية واحدة.
النقطة المضيئة التي يجب التوقف عندها وسط هذا المشهد المصري القاتم، هي تجاوز "الشارع القبطي" حاجز الخوف وخروجه بمظاهرات غاضبة ومسيرات احتجاجية في أهم وأكبر المدن المصرية مثل القاهرة والاسكندرية وأسيوط . شارك فيها نشطاء أقباط ومسلمين وقوى سياسية وطنية تضامناً مع الأقباط للتأكيد على تمسكهم بخيار العيش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع المصري.أن المظاهرات القبطية بالشكل والمضمون الذي خرجت فيه لا تبدو مجرد ردود أفعال عفوية غاضبة على المذبحة وانما هي احتجاج قبطي(شعبي ونخبوي)على الأوضاع القانونية والحقوقية الغير عادلة والغير منصفة للأقباط وللمطالبة بـ"دولة المواطنة الكاملة" لكل أبنائها.وهذه المظاهرات هي مؤشر واضح وصريح  على فقدان الجماهير القبطية  وقطاعات مصرية كبيرة الثقة بالحزب الحاكم وبنظامه السياسي وبأجهزته الأمنية والقضائية المتواطئة مع المجموعات الاسلامية المتشددة.فقد بات الجميع على يقين تام بأن "القبلات الوطنية" و"بيانات الإدانة والاستنكار" أياً يكن مصدرها لن تحل مشاكل المصريين عموماً والأقباط خصوصاً ولن تردع الجهات الارهابية التي تستهدفهم.
يبدو جلياً من خلال ردود فعل الشارع القبطي على مذبحة الاسكندرية بأن ثمة تحول سياسي وفكري مهم قد حصل في المجتمع القبطي. يتمثل هذا التحول بتراجع دور الكنيسة القبطية بعد أن كانت طيلة الحقبة الماضية،بسبب"الفراغ السياسي" الذي عانت وتعاني منه الساحة القبطية، مركز استقطاب ومرجعية تكاد تكون الوحيدة للاقباط  للاحتماء بها في مواجهة المظالم(الحكومية والمجتمعية) التي تلحق بهم .فرغم إلحاح رجالات الكنيسة والمرجعيات الدينية ومطالبتها بوقف المظاهرات الاحتجاجية للاقباط ،أصر الشباب القبطي على التظاهر والاستمرار في التعبير عن غضبهم وانتقاداتهم للنظام وتحميله مسؤولية ما جرى ومطالبتهم باستقالة محافظ الاسكندرية ورؤساء الأجهزة الأمنية فيها.لقد تيقنت النخب القبطية بأن الكنيسة، باعتبارها "مؤسسة دينية" ،لا يمكن لها أن تذهب بعيداً في انتقادها للنظام القائم وفي دفاعها عن الحقوق المشروعة للأقباط وعن قضيتهم العادلة.لهذا فهي(النخب القبطية) أدركت أهمية وضرورة أن يكون للأقباط "أطر سياسية" و"منظمات وفعاليات مجتمع مدني"، قادرة على تجميع وتنظيم ردود فعل واحتجاجات الشارع القبطي ووضعها في سياقها الديمقراطي و الوطني الصحيح،حتى تحقق كامل مطالبها وأهدافها،المتمثلة بتسوية الأوضاع القانونية والحقوقية والدينية ولاجتماعية للأقباط وتمتعهم بحقوق المواطنة الكاملة واشراكهم في الحياة السياسية وفي ادارة البلاد وتمثيلهم بشكل عادل ومنصف في مختلف السلطات والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

سليمان يوسف .. سوريا
باحث آشوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com



   
 


28
"المسألة المسيحية المشرقية"،ومؤتمر دمشق "للإخاء الاسلامي- المسيحي" 
     
   
 
"الزلزال الأخلاقي"، الذي أحدثته "مذبحة كنيسة سيدة النجاة" وسط العاصمة العراقية بغداد، لم يهدأ بعد.اذ مازالت ارتداداته وتفاعلاته المحلية والإقليمية والدولية تتواصل.جريمة كبيرة وبشعة،هزت الضمائر الحية وفتحت الباب على تساؤلات مشروعة ليس حول مصير ومستقبل ما تبقى من مسيحيين في العراق فحسب، وانما حول مصير مسيحيي المشرق عموماً.هذه التساؤلات والمخاوف دفعت بالقيادة السورية لتنظيم "مؤتمر دولي للإخاء الاسلامي- المسيحي" في العاصمة دمشق على مدى ثلاثة أيام ،بدأت جلساته في الخامس عشر من كانون الأول الجاري.
من غير أن نقلل من أهمية مثل هذه المؤتمرات في تفعيل وتعميق الحوار بين الأديان وتعزيز قيم ومفاهيم العيش المشترك بين أتباعها.لكن أعتقد بأن الشعوب المسيحية في الشرق سئمت من هذه اللقاءات التي غالباً ما تفتقر الى الشفافية والمصارحة المطلوبة في مقاربة الأسباب الحقيقة والجوهرية لتراجع وانحسار الوجود المسيحي في منطقة الشرق الأوسط.وكثيراً ما تخرج هذه المؤتمرات عن الأهداف والغايات التي عقدت لأجلها وتتحول الى مهرجانات خطابية يتبارى فيها الخطباء في مديح الحكام، والإشادة بالدور المتميز لمسيحيي المشرق في النهضة العربية والاسلامية، والمبالغة في وصف تعايش (اسلامي - مسيحي) هش،مهزوز في منطقة تخيم عليها أجواء التعصب والاحتقان الطائفي والمذهبي والاثني،وحيث أضحت "المسيحية المشرقية"محاصرة ومهددة بالاقتلاع من الجذور بـ"الأحزمة الاسلامية الناسفة" كتلك التي نسفت كنيسة سيدة النجاة وقتلت وجرحت العشرات من المصلين والكهنة.
 حول هذه الاشكالية،يقول الكاتب السوري المعروف (غسان الامام)، في مقال له بعنوان( الإشكالية المسيحية: هاجس الحزام الإسلامي)،نشر في جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية بتاريخ 2 فبراير 2010:"كان فارس الخوري رئيسا للحكومة الوطنية السورية، عندما نالت سورية الاستقلال، قاد النضال من أجل الحرية والاستقلال. شارك في صياغة ميثاق الأمم المتحدة. دمشق مدينة محافظة،عندما رأى مشايخها الدينيون ضرورة بناء مسجد يشكل حزاما إسلاميا في القصّاع المسيحي العريق، ضرب فارس الخوري مثالا في السمو الوطني والقومي، فوق العصبية الدينية. تبرع الرجل الكبير مجانا بأرض يملكها هناك، لإقامة المسجد عليها..".يضيف:"رَحَلَتْ سنين الصفاء الديني والانسجام الاجتماعي. جاءت سنين الأحزمة المتزمتة والناسفة. لم أصدِّق عينيَّ، وأنا أقرأ الشيخ (علي الطنطاوي)،وهو رجل دين سوري مشهور. كتب يقول إنه يفضل أن يصافح مسلما إندونيسياً، على مصافحة المسيحي فارس الخوري..".اليوم،رغم محاولات السلطة الحد من انتشار مظاهر الأسلمة والتدين في المجتمع السوري، بدأ يتغير نمط الحياة والعيش في سوريا باتجاه مزيد من التشدد الديني والأصولية الاسلامية والتشبث بالتقاليد والعادات والثقافة الاسلامية.هذا التحول اللافت في مزاج وميول الشارع الاسلامي السوري والمشرقي عموماً، يبدو أنه بدأ يقلق القيادة السورية.فقد اعتبر الرئيس (بشار الأسد) في مقابلة له مع قناة أمريكية،"أن التحدي الأكبر الذي تواجهه البلاد هو التطرف القائم في المنطقة والحفاظ على علمانية المجتمع". وقبل أشهر، السيدة (بثينة شعبان)،المستشارة السياسية للرئيس، في لقاء لها مع "قيادة فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي"،نبهت الى تغلل "الأصولية الاسلامية" داخل صفوف البعث ذات التوجهات العلمانية وحذرت من مخاطر هذا التغلغل.
حقيقة،أن "المسألة المسيحية المشرقية"قضية،بالغة الأهمية والحساسية، أعمق وأعقد من أن تحل عبر مؤتمرات ولقاءات بروتوكولية كرنفالية.أنها تتطلب أولاً وقبل كل شيء،حوار (اسلامي- اسلامي)،وليس (اسلامي- مسيحي)،لأن المشكلة هي في الجانب الاسلامي الرافض لقبول الآخر والعيش معه إلا بشروطه ووفق مفاهيمه هو.بصيغة أخرى،لا يوجد نزاع (اسلامي- مسيحي) حتى تلتقي وتتحاور الزعامات الروحية والزمنية الاسلامية والمسيحية في المنطقة،فالمشكلة هي لدى الطرف الاسلامي الغالب و الحاكم والمهيمن والمضطهد للمسيحيين.
ان ربط أو اختزال أسباب وظروف "أزمة مسيحيي المشرق"، التي تفاقمت في السنوات الأخيرة حتى أصبحت جزءاً من المشهد السياسي والأمني والاجتماعي للمنطقة، بملف (الصراع العربي الاسرائيلي) ومن ثم بـ(الغزو الأمريكي للعراق) والزعم بأنها من صنع الخارج، ما هي إلا محاولة مكشوفة، من قبل المشاركين في "مؤتمر دمشق للإخاء الاسلامي – المسيحي" لتضليل الرأي العام والالتفاف على الأسباب الحقيقة لهذه الأزمة التاريخية المزمنة.طبعاً،هذه الرؤية أو المقاربة الغير موضوعية والغير بريئة لأزمة مسيحيي المشرق تتناغم وتتوافق مع رؤية وموقف القوميين العرب والاسلاميين ومن معهم من النخب المسيحية المشرقية المصابة بداء"العمى الايديولوجي" الذي يجعل من المصاب به يرى الواقع كما يرغب ويشتهي وليس كما هو على حقيقته.فضلاً عن أن هذه المقاربة المؤدلجة للأزمة تبرئ الحكومات العربية والاسلامية من مسئوليتها القانونية والأخلاقية والسياسية عن محنة مواطنيها المسيحيين.فقد اعتادت هذه الحكومات أن تجعل من الغرب"شماعة" تعلق عليه كل أسباب فشلها وإخفاقاتها السياسية والاقتصادية والتنموية.
لا ننفي المضاعفات الخطيرة للاحتلال الاسرائيلي على شعب فلسطين.لكن لا يمكن اختزال أسباب الهجرة المسيحية من فلسطين(مهد السيد المسيح)، وانحسار وجودها في المناطق العربية، بظروف الاحتلال وحدها.اذ هناك عوامل وأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع الفلسطيني الاسلامي الذي يتسم بالتشدد الديني،مثله مثل بقية المجتمعات الاسلامية المشرقية.وتتحدث تقارير من داخل قطاع غزة عن تراجع كبير في الحريات الدينية والاجتماعية، بعد انقلاب حركة حماس على السلطة وجعلها من القطاع أشبه بـ "إمارة اسلامية".ولا ننفي بأن المشهد العراقي الدامي الراهن، هو من إفرازات الغزو الأمريكي للعراق. لكن هذا المشهد ما كان له أن يحدث لولا وجود بيئة عراقية (دينية سياسية ثقافية اجتماعية مذهبية) مهيأة ومناسبة للاقتتال الداخلي بين شعوب وأقوام العراق.ثم من الخطأ التساوي بين قتل المسيحي وقتل المسلم في العراق، لأن أهداف وخلفيات وأبعاد هذا القتل ليست واحدة.كثير من دول وشعوب العالم وقعت تحت الاحتلال الأجنبي لكنها تجاوزت خلافاتها وتوحدت واتفقت على سبل مقاومة الاحتلال وأنجزت استقلالها الوطني بأقل الخسائر.ما يحصل في العراق هو أن بعض الجهات الاسلامية المتشددة والقومية الحاقدة أخذت من الاحتلال الامريكي ذريعة لتصفية وجود الكلدوآشوري والمسيحي والغير مسلم عموماً من بلاد الرافدين.ربما، ثمة مصلحة استراتيجية للغرب ولإسرائيل بخلو المشرق من مسيحييه.لكن هذا لا يعني أنهم المسئولون عن تهجيرهم من أوطانهم.فالهجرة المسيحية من المنطقة،وبغض النظر عن أسبابها، هي رغبة اسلامية قديمة وجديدة.هذا ما أفصحت عنه بعض القمم الاسلامية،منها "قمة لاهور" الباكستانية، التي أوصت بضرورة العمل على " افراغ المشرق العربي الاسلامي من مسيحييه".وما تجاهل مؤتمرات "القمم العربية والاسلامية" محنة مسيحيي العراق والمشرق وعدم اكتراث حكومات المنطقة بالهجرة المسيحية،إلا تعبيراً عن تخلي هذه الحكومات عن مواطنيها المسيحيين.انطلاقاً من هذه الحقائق التاريخية والوقائع السياسية والاجتماعية المعاشة، أرى أن "المسألة المسيحية المشرقية"هي صناعة (عربية اسلامية) بامتياز.تساهم في صناعتها وإخراجها العديد من العوامل المحلية،منها:
-  "الدستور الإلهي" للأمة الاسلامية، الذي لا يسمح بمساواة غير المسلم مع المسلم في الحقوق والواجبات.
- الموروث التاريخي(الثقافي والاجتماعي) المتخلف لشعوب المنطقة.
- الدساتير والقوانين الطائفية والعنصرية والشوفينية السائدة والمعمول بها في جميع الدول العربية والاسلامية الشرق أوسطية.
- طبيعة الأنظمة السياسية القائمة ونهجها الطائفي في الحكم.
- سياسات القهر والتمييز الديني والاجتماعي وفرض "الشريعة الاسلامية"، بطرق وأشكال مختلفة،على المسيحيين وغير المسلمين عموماً.
-الاضطهاد السياسي والقهر القومي لمسيحيي سوريا وبلاد الشام والعراق ومصر، ومسيحيي بقية الدول الاسلامية الشرقية أوسطية،الذين يتحدرون من أصول غير عربية وينتمون الى قوميات وأعراق وثقافات مختلفة ومتأصلة في المنطقة،مثل الأقباط والأرمن والآشوريين (سريان/كلدان)،موارنة.
- التحالف التاريخي بين "الاستبداد السياسي" و"الاستبداد الديني"، اللذان يشكلان عقبة أساسية في طريق قيام "دول مدنية ديمقراطية عادلة" في المنطقة .
- تنامي الاتجاهات والتيارات الاسلامية الأصولية والسلفية المتشددة التي تعمل لأجل اقامة "الحكم الاسلامي"في جميع دول ومجتمعات المنطقة تحت شعار "الاسلام هو الحل".
- فتاوى التكفير والتحريم لبعض رجال الدين والأئمة والمشايخ.مثل فتاوى تحرم على المسلم التعامل التجاري مع المسيحيين بيعا وشراءً كما تحرم مشاركتهم في أعيادهم ومناسباتهم الخاصة أو تهنئتهم بهذه الأعياد.
هنا أتساءل:هل الاستعمار القديم والاحتلالات الجديدة، هي المسئولة عن هذه البيئة (القانونية والتشريعية والثقافية والسياسية والاجتماعية) المنتجة لأزمة مسيحيي المشرق؟.هل "مصر" دولة محتلة، حتى تستباح دماء مواطنيها الأقباط وكنائسهم وممتلكاتهم وتهان رموزهم ومقدساتهم الدينية في شوارع القاهرة والإسكندرية من قبل المجموعات الاسلامية المتشددة وبتواطؤ مكشوف وفاضح من قبل الأجهزة الأمنية والشرطة الحكومية؟.وهل الاحتلال الأمريكي للعراق مسئول عن إصدار مجلس محافظة بغداد ومجالس مدن عراقية أخرى قرارات وأوامر تقضي بإغلاق (النوادي الاجتماعية)وإقفال محال بيع المشروبات الروحية،أو عن قرار وزير التربية العراقي بإغلاق قسمي (المسرح والموسيقى) بمعهد الفنون الجميلة في بغداد؟.فهذه القوانين والقرارات الظلامية تأتي في إطار  توجها رسميا ومدروساً للحكومة العراقية نحو التشدد الديني وتحويل العراق إلى "دولة دينية" شبيهة بدولة طالبان في أفغانستان. شخصياً، لا أجد فارق نوعي كبير بين من يصدر الفتاوى التكفيرية الخانقة للحريات الدينية والاجتماعية والمنافية لطبيعة الكينونة البشرية، وبين الارهابي الذي يقتل المسيحي وغير المسلم على الهوية.كما لا أجد فارق نوعي كبير بين ذاك الارهابي الذي يفجر كنيسة وبين سلطة تقرر اغلاق نادياً اجتماعياً ترفيهياً تربوياً.فهذا وذاك وجهان لعملة واحدة.
 آن الأوان لكي يصارح العرب والمسلمون أنفسهم والإقرار بمسئوليتهم التاريخية عن محنة مسيحيي المشرق.هذا الإقرار هو المدخل الصحيح والمقدمة الضرورية لمعالجة "المسألة المسيحية المشرقية" على قاعدة المواطنة الكاملة والشراكة الحقيقة في هذه الأوطان،قبل أن تخرج هذه القضية الحساسة من أيديهم،مثلما خرجت قضايا مهمة أخرى، وقبل أن تعود من جديد "المسألة الشرقية" التي برزت في منتصف القرن التاسع عشر.فقد ثبت تاريخياً،بأن الاقليات المحصنة وطنياً لن تتجاوب مع دعوات الخارج، بغض النظر عن هذا الخارج وأهدافه.لكن عندما تتخلى الدول والحكومات عن شعوبها وأقلياتها المستضعفة وتتركها لقمة سائغة وهدفاً مستباحاً لإرهاب منظم وعدوان ممنهج،مثلما يحصل لمسيحيي العراق،يبقى من حق هذه الأقلية أن تبحث عن من يحميها وينقذها.
 يمكن للمسيحيين أن يبقوا في أوطانهم و أن تزدهر المسيحية في الشرق في حالتين:
الأولى: قيام "دول مدنية ديمقراطية ليبرالية" حديثة،تقوم على "مبدأ المواطنة الكاملة" و"فصل السياسية عن الدين". دول لجميع أبنائها وتحترم "الانسان" كقيمة أخلاقية عالية وسامية،وتصون حقوقه وحرياته، بغض النظر عن انتماءه الديني أو القومي أو السياسي أو الإثني أو المذهبي.فخيار "العيش المشترك"عبر "الدول المدنية" هو أفضل الخيارات وأنسبها لمعالجة ليس "المسألة المسيحية المشرقية" فحسب،وانما لمعالجة مشكلة جميع الأقليات الأخرى(الاثنية واللغوية والثقافية والمذهبية)التي تكتظ بها دول المنطقة.لكن للأسف، في ضوء الحالة العربية والاسلامية الراهنة،لا تبدو فرص قيام مثل هذه الدولة ممكنة ومواتية على المدى المنظور.
الثانية: نشوء "كيانات سياسية مسيحية" مستقلة، على غرار "جنوب السودان".طبعاً،هذا الخيار صعب وصعب جداً ومحفوف بالمخاطر الكثيرة.لهذا يبقى الخيار الممكن والأسهل والمتاح أمام "مسيحيي المشرق"هو الهروب من المنطقة وتركهم لأوطانهم الأم، بحثاً عن الآمان والاستقرار والحياة الأفضل،ولطالما باتوا أهدافاً مكشوفة ومستباحة للتنظيمات الاسلامية المجاهدة الارهابية, مثل "تنظيم القاعدة- فرع دولة العراق الاسلامية"الذي تبنى المذبحة الوحشية في كنيسة سيدة النجاة. وهدد، في بيان جديد له، مسيحيي العراق بحرب شعواء "لا قبل لهم بها"،ما لم يستجيب زعمائهم وقادتهم لمطالبه.بقي أن نشير الى أن "وثائق ويكيليكس" كشفت عن أن "تنظيم القاعدة" يتلقى الدعم والمساعدة من جهات ومنظمات ودول،عربية واسلامية،عديدة،منها(السعودية وتركيا).

سليمان يوسف... سوريا
باحث آشوري مهتم بقضايا الأقليات.
shuosin@gmail.com

 
 

 
 
 

29
الأحزاب السورية ومسالة الأقليات (2-8)  "حزب البعث" 


تعود نشأة معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية السورية باتجاهاتها الأساسية الثلاث،القومية واليسارية والاسلامية، الى النصف الأول من القرن الماضي،حقبة المد القومي والايديولوجيات الشمولية.أبرز هذه الأحزاب(البعث العربي الاشتراكي- الشيوعي- السوري القومي الاجتماعي- حركة الأخوان المسلمين- الديمقراطي الكردي- المنظمة الآشورية الديمقراطية).توصف بأنها"الأحزاب الأم"،حيث عنها انشقت وتفرعت غالبية الأحزاب والتنظيمات والتيارات السياسية الفاعلة اليوم في الساحة السورية.رغم أهمية معالجة "مسألة الأقليات"في تعزيز الوحدة الوطنية وارتباطها المباشر بالديمقراطية والحريات وحقوق الانسان،أهملت هذه المسألة من قبل مختلف الأحزاب والحركات السياسية السورية،كما أنها وقعت ضحية الأوهام الأيديولوجية وقصور الفكر الوطني للقوى العربية والاسلامية،التي اختزلت الهوية الوطنية السورية بـ "العروبة والاسلام"ونظرت الى الهوية الوطنية على أنها قضية منجزة ونهائية،متجاهلة وجود ثقافات وهويات وديانات وشعوب وأقوام أخرى تعيش على الأرض السورية تشكل اليوم جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية السورية،وجود بعضها،مثل الآشوريين(السريان)،سبق وجود العرب المسلمين بقرون طويلة على هذه الأرض.وبدلاً من أن تتعاطى القوى السياسية والنخب العربية والاسلامية مع ظاهرة التنوع والتعددية التي يتصف بها المجتمع السوري، باعتبارها ظاهرة تاريخية حضارية،تعاملت معها على أنها من مخلفات وصنع الاستعمار الغربي،وبقي موقفها من "مسألة الأقليات" أسير "نظرية المؤامرة"،مشككة بنوايا وانتماء كل من يثير هذه المسألة ويطالب بحلول وطنية ديمقراطية عادلة لها.
بعد التحولات السياسية العميقة والتبدلات الفكرية المهمة التي شهدها العالم،في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي 1989وسقوط حكم الأحزاب الشمولية في أوربا الشرقية وصعود الموجة العالمية للديمقراطية وتزايد الاهتمام الدولي بمسالة الأقليات،سعت الأحزاب السورية الى ركوب موجة الديمقراطية من خلال تطعيم خطابها ببعض الشعارات والمقولات المؤيدة للحريات السياسية و لحقوق الانسان والتي تدعو الى تحقيق العدالة والمساواة.لكنها بقيت أحزاب تقليدية ماضوية في تفكيرها،عاجزة عن التحول الى أحزاب وحركات ديمقراطية وطنية حقيقية فاعلة في مجال الدفاع عن الحريات والحقوق الديمقراطية وعن قضايا الشعوب السورية المهمشة والمضطهدة.
في هذا الجزء من بحث"الأحزاب السورية ومسألة الأقليات" سنتناول موقف "حزب البعث العربي الاشتراكي" الحاكم،الذي ينتمي الى أقدم "المدارس السياسية والفكرية" التي نظرت للقومية العربية ودعت الى لم شمل العرب في كيان سياسي عربي واحد يمتد من المحيط الى الخليج.والبعث مازال متمسكاً بايديولوجيته وعقيدته القومية وبتنظيراته الطوباوية،يرفع ذات الشعارات والأهداف"أمة عربية واحدة...ذات رسالة خالدة...وحدة حرية اشتراكية"،رغم سقوط المشروع القومي العربي أمام تحديات الواقع وتناقضات الحياة،وانحسار فكرة القومية العربية وتراجع رصيدها لدى الشعوب العربية.
معلوم أن "الدولة السورية" الحديثة، التي تأسست في عشرينات القرن الماضي، كانت تسمى بـ"الجمهورية السورية".اختيرت هذه التسمية مراعاة واحتراماً لماضي وتاريخ سوريا ولحاضرها الزاخر بالتنوع(القومي والديني والثقافي واللغوي والاثني)، من جهة أولى.وإقراراً بأن "الرابطة السورية"-وليس العربية-هي الرابطة الوطنية الجامعة الموحدة لكل السوريين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم وأصولهم،من جهة ثانية.لكن قيام "الجمهورية العربية المتحدة"، التي ضمت كل من سوريا ومصر عام 1958 وفسخ هذه الوحدة عام 1961،أنعش فكرة"العروبة" لدى قادة الانفصال وشجعهم على تسمية الدولة السورية بـ"الجمهورية العربية السورية".هذه التسمية جاءت متوافقة مع العقيدة القومية والتوجهات السياسية لـ"حزب البعث العربي الاشتراكي"،الذي قاد انقلاباً عسكرياً على حكم الانفصال آذار 1963.مع هذا الانقلاب البعثي دخلت سوريا ومعها "مسألة الأقليات" عهداً سياسياً جديداً،اتسم بالاستبداد (القومي والسياسي والثقافي)،وباضطهاد موصوف وفاضح للقوميات والشعوب السورية الغير عربية،مثل الآشوريين(سريان-كلدان) والأكراد والأرمن وغيرهم.وبدلاً من أن يسارع قادة الانقلاب البعثي الى اجراء انتخابات حرة وديمقراطية ،برلمانية و رئاسية، لكسب شرعية وطنية ونيل ثقة الشعب السوري، ضللوا الشعب وخدعوه لا بل خدروه بشعارات راديكالية وخطب قومية سياسية رنانة،وسموا انقلابهم العسكري "ثورة شعبية"،فيما الشعب منها براء.ولتثبيت حكمهم وتعزيز سلطتهم سارعوا الى اعلان "حالة الطوارئ والاحكام العرفية" في البلاد.مبررين خطواتهم الانقلابية واجراءاتهم التعسفية الغير دستورية بـ "حماية الثورة، والدفاع عن خيار الوحدة والتصدي للمؤامرات الداخلية والخارجية".وقد أتبع أو استكمل حزب البعث العربي الاشتراكي انقلابه العسكري بانقلاب سياسي وثقافي على "الجمهورية السورية" وعلى دستورها الوطني،وذلك من خلال فرضه على الشعب السوري "دستوراً"جديداً للبلاد.استوحاه من دستوره القومي (الحزبي) الخاص ومن منطلقاته الفكرية والنظرية.نصب فيه نفسه قائداً أبدياً للدولة والمجتمع وفق المادة الثامنة منه.يتسم الدستور الجديد الذي وضعه البعث بنزعة (شوفينية عنصرية) واضحة ومكشوفة تجاه كل من هو غير عربي. فـ(البعث) لم يكتف بتعريب جميع مناحي الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية والتعليمية في سوريا واختزال الهوية الوطنية للدولة السورية الحديثة بـ"العروبة والاسلام"،وانما سعى ويسعى بطرق وأشكال مختلفة لإرغام جميع السوريين من غير العرب على التخلي عن شخصيتهم القومية وعن هويتهم الثقافية واعلان ولاءهم السياسي المطلق للعروبة،ولتحويل المجتمع السوري الى مجتمع أحادي وجعل من سوريا دولة بقومية ولغة وثقافة واحدة،لاحقاً بديانة واحدة،هي"الاسلام".ألم يقل (ميشيل عفلق)،مؤسس حزب البعث:" إذا كان محمد لكل العرب فليكن كل العرب محمداً".التزماً بهذه الأفكار والعقائد وتطبيقاً لها، تلزم "دولة البعث" كل مواطن سوري، بصرف النظر عن أصوله الإثنية،على قيد انتمائه في البطاقة الشخصية على أنه"عربي سوري".وانطلاقاً من هذه العقائد المتكلسة والايديولوجيات الشمولية، المعطلة لحركة التاريخ والدولة والمجتمع والقاتلة للحياة السياسية ولروح الإبداع والتطور في سوريا، حدد حزب البعث العربي الاشتراكي موقفه من "مسالة الأقليات" وتبنى خيار "الاندماج القسري"لمختلف الشعوب والأقوام السورية وصهرها في بوتقة القومية العربية.في اطار الاستمرار في تطبيق هذا الخيار،نفذ حزب البعث العديد من المشاريع الشيوفينية والعنصرية،أخطرها "الحزام العربي"عام 1971( جلب عرب من محافظات أخرى وإسكانهم في منطقة الجزيرة السورية، حيث التجمعات الكبيرة للأكراد والآشوريين والأرمن والايزيديين).من النتائج المباشرة لهذا الحزام تقليص وبشكل كبير مساحات الأراضي الزراعية المستحقة لآلاف العائلات الكردية والآشورية(السريانية) والأرمنية واليزيدية،وحرمان تام لعائلات أخرى كثيرة من الانتفاع بأراض زراعية،فضلاً عن حصول حركة هجرة خارجية واسعة من منطقة الجزيرة. تقدر أعداد الآشوريين(سريان/كلدان)الذين هاجروا منذ وصول حزب البعث الى السلطة بأكثر من ربع مليون شخص.وقد هاجر مثلهم وربما أضعافهم من أبناء القومية الكردية والأرمنية ومن أتباع الديانة الايزيديية.يبدو جلياً،أن الهدف الأساسي لحزب البعث من هكذا مشاريع عنصرية،هو تفكيك التجمعات الغير عربية،وإحداث تغير ديمغرافي لصالح "العنصر العربي" في مناطق الجزيرة.
ربما قليل من السوريين،وحتى من البعثيين أنفسهم، يعرفون بأن "حزب البعث العربي الاشتراكي"، الذي يحكم سوريا منذ نحو نصف قرن،لم ترد في دستوره القومي الخاص(الحزبي)،ولو لمرة واحدة، اسم "سوريا" كدولة أو كوطن للسوريين.لأن البعث،بحسب عقيدته القومية، لا يعترف بالدولة السورية كوطن نهائي للشعب السوري ولا يقر بسيادة كاملة لهذا الشعب على دولته ووطنه، وانما، وفق دستوره القومي،"الشعب السوري"هو جزء من "أمة عربية"،و"سوريا"مجرد "كيان" آني مؤقت،"قُطر"،سيزول بمجرد قيام الدولة العربية الواحدة التي ينشدها.وأيضاً،وفق عقيدة البعث ودستوره القومي،سوريا أرض عربية وكل من يعيش عليها هو عربي، أو يجب أن يكون عربياً،ومن يقول خلاف هذا هو معاد للعرب وضد قضاياهم يجب أن يرحل ويجلى من ارض العرب.هذا ما تنص عليه المادة 11 من الدستور القومي للبعث:"يجلى عن الوطن العربي كل من دعا أو انضم الى تكتل عنصري ضد العرب وكل من هاجر الى الوطن العربي لغاية استعمارية". والمادة 15 تنص على أن : "الرابطة القومية هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة أمة واحدة، وهو(البعث)يكافح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية".طبعاً،وفق المفاهيم والمنطلقات القومية والفكرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، كل تجمع أو اطار سياسي أو ثقافي أو قومي غير عربي(آشوري ،كردي،أو غير ذلك)لا يؤمن بالعروبة كهوية وانتماء له،هو بالضرورة تكتل عنصري يجب أن يزال ويمحى من الوجود.انطلاقاً من هذه النظرة العنصرية للآخر، يصف حزب البعث في "تقاريره الداخلية" أحزاب القوميات السورية الغير عربية(الأحزاب الكردية والآشورية) بـ"الأحزاب المعادية".
رغم تشديد القبضة الأمنية على المجتمع السوري، ومضاعفة عسف السلطة وقمعها لنشطاء المعارضة وزج الكثير منهم في السجون، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، انتعشت الأقليات قليلاً،وحصل تراخ ملحوظ في الضغوط السياسية والأمنية التي كانت تمارس بشكل خاص على الأكراد والآشوريين،وبدأت السلطات تغض النظر عن بعض نشاطاتهم القومية والثقافية وحتى عن بعض الفعاليات السياسية لأحزابهم.طبعاً،هذا لا يعني دخول الأكراد والآشوريين مرحلة "شهر العسل السياسي" مع النظام البعثي.فالانفراج النسبي والمحدود الذي طرأ على وضع الأقليات،تم لأسباب تخص طبيعة النظام السياسي والحكم الجديد الذي اقامه الأسد الأب،والذي ارتكز بشكل أساسي على سياسة "الاحتواء الايجابي"للأقليات المغبونة.وما اقرار الحكومة السورية يوم(21) آذار من كل عام،يوم "عطلة رسمية" في جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية،في عهد الرئيس حافظ الأسد- وان غلف قرار التعطيل بـ "عيد الأم"- إلا لإتاحة الفرصة أمام أكراد سوريا للاحتفال بعيدهم القومي"نوروز"،الذي يصادف في نفس اليوم، بحرية ودون خوف ومضايقات أمنية.هذا الانفراج النسبي انسحب على احتفالات الآشوريين السوريين بأعيادهم ومناسباتهم الخاصة،مثل "عيد الأكيتو- رأس السنة البابلية الآشورية".تجدر الاشارة هنا الى أن الرئيس حافظ الاسد قال، لدى استقباله (أعضاء المجمع المقدس للسريان الأرثوذكس) في 17-3- 1997:"أيها السريان, سوريا بلدكم أينما كنتم وهذا حقكم, وعندما أقول ذلك لا أعطيكم ما ليس لكم".الأسد، أراد التأكيد على أصالة السريان (الآشوريين)  ASSYRIAN  سكان سوريا الأوائل والذين عنهم أخذت اسمها  SYRIAN. لكن من غير أن تترجم شهادته الى اعتراف دستوري بالوجود القومي للآشوريين أو منحهم حقوقاً قومية.في ذات الاطار،وبعد أحداث آذار 2004،وفي مقابلة له يوم 1-5-2004 مع فضائية الجزيرة القطرية، قال الرئيس (بشار الأسد): " ان القومية الكردية تشكل جزءاً رئيساً في النسيج السوري ومن التاريخ السوري, وأن أحداث آذار القامشلي لم تتم بتأثيرات خارجية, كما ان موضوع الأكراد المجردين من الجنسية هي في المراحل الأخيرة من الحل" .بذلك يكون الرئيس بشار أول رئيس سوري بعثي، وأمين عام لحزب البعث، يعترف رسمياً بالقومية الكردية في سوريا.كلام الرئيس الأسد،حرك ملف المحرومين من الجنسية وتمت مناقشته في المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث عام 2005 وشكلت لجان خاصة لبحثه ومعالجته.لكن الى تاريخيه لم تتخذ أي خطوات عملية ايجابية على صعيد معالجة هذا الملف ببعده الانساني والقانوني والحقوقي.وبموجب مسودة "قانون الأحزاب" التي وضعتها اللجنة الخاصة المنبثقة عن المؤتمر لن يسمح بتشكيل أحزاب على أسس عرقية أو دينية،وهذا يعني وضع فيتو قومي عربي على تشكيل أحزاب كردية وآشورية وأرمنية أو أي حزب أو حركة سياسية خارج اطار القومية العربية.الأمر الذي يؤكد مجدداً على استمرار البعث على موقفه السلبي الرافض للاعتراف بخصوصية الأقليات ولمنحها حقوقاً قومية وثقافية وإعلامية ديمقراطية،حتى تلك التي لا تخرج عن الحقوق الأساسية للمواطنة الكاملة.
 اليوم،ثمة معطيات ووقائع سياسية وأمنية كثيرة تؤكد على أن السلطات السورية بدأت تعود شيئاً فشيئاً الى سياسية تشديد الحصار على القوميات الغير عربية،خاصة على الأكراد والآشوريين، وتضييق الخناق على أحزابها.في السنوات الأخيرة، وصل مستوى بطش السلطة وقمعها الى وقوع قتلى وجرحى أكراد يحتفلون بأعياد نوروز. وفي اطار مواصلة نهج التعريب ومحو كل مشهد لا يمت الى العرب والعروبة من اللوحة السورية،أقدمت السلطات مؤخراً على شطب خانة "آشوري" من سجلات قيد النفوس في مدينة القامشلي.وقامت بتعريب أسماء عشرات القرى والبلدات الكردية والآشورية (السريانية).وأحيى النظام البعثي مجدداً سياسة الضغط والحصار والمشاريع العنصرية والتدابير الشوفينية بحق القوميات الغير عربية في منطقة الجزيرة،بقصد تهجير المزيد من ابنائها.من هذه التدابير، المرسوم التشريعي رقم 49 الصادر بتاريخ 10/9/2008 الذي يقضي بفرض قيوداً وشروطاً تعجيزية على البناء وعلى استملاك واستثمار العقارات وغيرها من المشاريع الاستثمارية في محافظة الحسكة.
فيما يخص الحقوق والحريات الدينية لغير المسلمين،لم تتأثر كثيراً في عهد حزب البعث.عموماً،حافظ البعثيون على هامش الحريات،الدينية والاجتماعية، الذي يتمتع به المسيحيون وأتباع الديانات الأخرى منذ نشوء واستقلال الدولة السورية الحديثة.مع التأكيد على وجود اضطهاد ديني للأقلية الايزيدية.يتمثل هذا الاضطهاد بحرمانها من تعليم عقيدتها الخاصة لأبنائها الطلبة في المدارس الحكومية.اذ تجبر وزارة التربية الطلبة الايزيديون على تسجيل ديانتهم"اسلامية" في خانة (التربية الدينية) ودراسة "الديانة الاسلامية".تجدر الاشارة هنا الى أن معظم الطلبة الايزيديين الذين كانوا معنا في المرحلة الدراسية فضلوا دراسة مادة "التربية الدينية المسيحية"،وليس الاسلامية، لطالما حرموا من تعلم ديانتهم الخاصة.بسبب هذا الاضطهاد والحرمان الموصوفين هاجر غالبية أبناء الطائفة الايزيدية وكادت الجزيرة السورية أن تخلو من هذا المكون السوري الأصيل ومن هذه الديانة القديمة جداً،التي يعود ظهورها في بلاد ما بين النهرين الى الألف الثالث قبل الميلاد.بالنسبة للأقلية اليهودية(الطائفة الموسوية)،لأسباب دينية واجتماعية وأخرى سياسية تتعلق بقيام "دولة اسرائيل" ترك أبناء هذه الطائفة سوريا.فقد خلت مدينة القامشلي كلياً من اليهود وأغلق معبدهم الخاص"الكنيس". وفي حلب ودمشق لم يتبق سوى عدد قليل جداً من العائلات اليهودية.
البعث، كحزب سياسي، ذو توجهات علمانية،يسترشد بالمبادئ الماركسية واليسارية في منطلقاته الفكرية والنظرية،كان المطلوب والمنتظر منه تخليص "الدستور السوري" من جميع شوائب والنزعات الطائفية التي تعيق تطويره الى دستور وطني ديمقراطي عصري،ومن تلك التي تمنع الانتقال بسورية الى دولة مدنية معاصرة حديثة محايدة عن كل العقائد الدينية والقومية،وتحريره من النصوص التي تجعل الكثير من القوانين السورية والقضايا الاجتماعية والحريات الفردية تحت رحمة فتاوى رجال الدين والشرع الاسلامي،ومن تلك التي تميز وتفضل بين السوريين على اساس الدين. ( المادة 3 "دين رئيس الجمهورية هو الإسلام". " الفقه الإسلامي مصدر رئيس للتشريع"). هذه المواد وملحقاتها،التي تتنافى مع مبادئ شرعة حقوق الانسان وتتناقض مع أسس الشراكة الحقيقية في الوطن ومع المفاهيم الصحيحة للمواطنة،شكلت البيئة القانونية والتشريعية والثقافية والاجتماعية لاضطهاد اجتماعي ولانتقاص من المكانة الوطنية ومن حقوق المواطنة لغير المسلمين وجعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة،فضلاً عن تهميش سياسي لأكثر من مليوني مسيحي سوري. حقيقة،أن تراجع الدور السياسي لمسيحي سوريا، قياساً لما كانوا يتمتعون به في بدايات عهد الاستقلال، لا يعود فقط لانخفاض نسبتهم من نحو 35% من السكان في بداية عهد الاستقلال الى أقل من 15% اليوم،وانما أيضاً الى تنامي دور ونفوذ "التيار الاسلامي" داخل صفوف حزب البعث ومفاصل الدولة وتأثيره على توجهات الحزب وسياساته الداخلية.وربما،أقول ربما، تتعمد القيادات البعثية الى تخفيض السقف السياسي للمسيحيين إرضاء أو مجاملة للقوى الأصولية والمرجعيات الاسلامية،داخل وخارج البلاد.يذكر أن الشخصية الوطنية البارزة (فارس الخوري)،مهندس الاستقلال السوري والذي شارك في صياغة "ميثاق الأمم المتحدة" ، كان رئيسا للحكومة الوطنية عندما نالت سورية استقلالها،كما تولى رئاسة البرلمان السوري لمرات عدة في انتخابات حرة ونزيهة.عام 1934 فاز الخوري برئاسة المجلس ونال 115 صوتا من أصل 120 مقترعا.في حين منذ مجيء حزب البعث الى السلطة لم يتول مسيحياً رئاسة الحكومة ولا رئاسة البرلمان ولا حتى وزارات أساسية مهمة في الدولة،باستثناء وزارة الخارجية التي تولاها(جورج صدقني) في بداية عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد .اليوم،في ضوء الحالة السياسية والاجتماعية الراهنة لسوريا،اعتقد بأن مسيحياً واحداً لن ينجح بأصوات مقترعين مسلمين في أية انتخابات حرة ديمقراطية تجرى في سوريا،وذلك بسبب تنامي الانتماءات والنزعات الطائفية والمذهبية وتراجع القيم والأخلاق الوطنية لدى قطاعات وشرائح سورية واسعة.صحيح أن النظام البعثي القائم، يراعي بحدود معينة التوازنات الطائفية وتمثيل الأقليات ومختلف شرائح المجتمع السوري في تركيبته السياسية وفي تشكيل مختلف السلطات(التشريعية والتنفيذية والقضائية).لكن غالباً هذا التمثيل يأتي مشوهاً وناقصاً،لأنه لا يأتي عبر آليات ديمقراطية،وانما يتم عبر تعيين واختيار ممن هم أكثر طاعة وولاءً للنظام السياسي القائم.في انتخابات "مجلس الشعب" لدورة 1990،خصص النظام 40% من نسبة مقاعد المجلس للمستقلين،وأتيحت الفرصة لانتخابهم بشكل ديمقراطي وحر.وقد فاز في تلك الانتخابات مرشحي الأحزاب الكردية والآشورية بمعظم مقاعد المستقلين في محافظة الحسكة.من بعد تلك الدورة ألغت السلطات السورية ذاك الهامش المحدود وبدأت تتدخل بشكل مباشر في اختيار وفوز المرشحين المستقلين.كما أن اعتماد "المحافظة"، دائرة انتخابية واحدة، يعتبر انحيازاً واضحاً لصالح الأغلبية العربية،لأن نظام "الدوائر الانتخابية الكبيرة" يضع عقبات وصعوبات،مادية وإدارية،كبيرة امام مرشحي الأقليات والمستقلين عموماً.
لا جدال على أن حزب "البعث العربي الاشتراكي" ،وعلى مدى نحو نصف قرن، استطاع الإمساك بالمجتمع والتحكم بالمشهد السياسي السوري.لكنه أخفق في معالجة مشكلة الأقليات.لا بل أن خيار "الاندماج القسري" الذي تبناه وعمل عليه زاد من تعقيدات القضية وأفضى الى نتائج معاكسة لتلك التي أرادها وخطط لها البعث على هذا الصعيد.فالمشهد السياسي السوري الظاهر والممسوك به أمنياً يخفي تحته مشهداً مجتمعياً نقيضاً ونافياً له.يتجلى هذا المشهد الخفي والنقيض من خلال العودة المخيفة الى الاثنية و الطائفية والمذهبية والقبلية والى غيرها من أطر المجتمع الأهلي والتشكيلات البدائية الماقبل الدولة.الخوف من أن تتحول هذه التشكيلات الى "كيانات سياسية" داخل الدولة السورية،كما هو حاصل في العديد من دول المنطقة.لكي نجنب سوريا من الانزلاق الى هذا "المشهد المخيف" وربما "القاتل"،على أهل الحكم من الأخوة البعثيين ومن الطبقة السياسية الحاكمة الذين يملكون زمام المبادرة وبأيدهم مفاتيح الحل،أن يلتفتوا الى "الوضع الداخلي" لأنه الأهم وعليه يتقرر مصير ومستقبل البلد. من هذا المنظور الوطني أرى ضرورة أن يعيد حزب "البعث العربي الاشتراكي" النظر بكل مواقفه وخياراته السياسية والأمنية السابقة، وأن يضع  ملف "مسألة الأقليات"، الى جانب ملفات وقضايا وطنية أخرى مهمة وعاجلة ،على طاولة مؤتمره القطري الحادي عشر المقرر عقده خلال أشهر،ليصار الى معالجتها معالجة سليمة في اطار وطني ديمقراطي وبما يحقق العدل والمساواة في المجتمع وتكافئ الفرص بين أبناء الوطن الواحد وبما يحصن مجتمعنا ويعزز وحدتنا الوطنية ويقويها في وجه التحديات والمخاطر الخارجية .

سليمان يوسف.. سوريا
باحث آشوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

 
 


30
تصريح سياسي
من الناشط الآشوري السوري سليمان يوسف حول : 
   

                                   حكم جائر بحق الشاب الآشوري (كبرائيل عيسى يوسف) في القامشلي

في جلسة النطق بالحكم  على كل من: (كبرائيل عيسى يوسف) و (ناهير كورية حنا )والتي عقدت يوم الأحد الماضي 28-11-2010   بمدينة القامشلي،حكم قاضي الفرد العسكري:
- براءة السيد (ناهير كورية حنا) من التهم المنسوبة اليه وهي" جرم إثارة النعرات الطائفية المنصوص عنها بالمادة ( 307 ) من قانون العقوبات السوري العام"وذلك لعدم اكتمال الأركان القانونية للجرم بحقه.
- الحكم بالحبس لمدة ستة أشهر والغرامة مائة ليرة سورية على السيد كبرائيل عيسى يوسف بجنحة إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية،المنصوص عنها بالمادة ( 307 ) من قانون العقوبات السوري العام.
- للأسباب المخففة التقديرية والقانونية،تخفف العقوبة بحقه إلى السجن لمدة ثلاثة أشهر وتغريمه خمسون ليرة سورية، عملاً بالمادة ( 244 ) من قانون العقوبات السوري العام.  حساب مدة توقيفه السابقة من ضمن مدة الحكم الصادر بحقه.
- مصادرة العلمين اللذين يحملان نقوش أثرية.
- قراراً وجاهياً قابلاً للطعن بالنقض.
يذكر أن ناهير وكبرائيل تم اعتقالهما في العشرين من شهر أيلول الماضي من قبل الأمن السياسي بمدينة القامشلي، لصلتهما بطبع وتوزيع ملصقات ورموز حضارية آشورية من بينها "النجمة الآشورية"المعروفة بـ"نجم المشرق". وقد أحيلا (ناهير و كبرائيل)الى القضاء العسكري (عملاً بالمادة 3 من قانون مناهضة أهداف الثورة رقم 6 تاريخ 7 -1 – 1965)، بتهمة (القيام بأعمال من شأنها اثارة النعرات الطائفية) بحسب المادة (307) من قانون العقوبات السوري والتي تتراوح عقوبتها من ستة أشهر الى سنتين.
 رغم أن الحكم جاء خفيف نسبياً، لكنه يعد حكماً جائراً ومجحفاً بحق السيد كبرائيل يوسف لأن حقيقةً ما من فعل اجرامي مادي ارتكبه على أرض الواقع . اذ أن تهم (إثارة النعرات الطائفية) وتهم أخرى مثل (النيل من هيبة الدولة) و(اضعاف الشعور القومي) هي تهم سياسية بامتياز .وهي جاهزة لاتهام بها أي مواطن أو ناشط سوري يظهر موقفاً أو نشاطاً لا ترضى عنه السلطات السورية.ففي السنوات الأخيرة تم اعتقال العشرات من السياسيين ونشطاء حقوقيين  حكموا سنوات لاتهامهم بواحدة أو أكثر من هذه التهم السياسية،من غير أن يرتكبوا أي جرم مادي.
 من هنا أرى أن الحكم الصادر بحق السيد كبرائيل عيسى يوسف هو من دون شك حكم جائر ومدان. وهو يشكل انتهاكا صارخاً لمبادئ ونصوص الدستور السوري الذي ينص في المادة(25) منه" الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم" .كما أنه يشكل انتهاكاً واضحاً لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي وقعت عليه الحكومة السورية..
ان حبس واعتقال السيد كبرائيل يوسف على خلفية رفعه رمزاً تاريخياً حضارياً آشورياً في حفل خاص، من دون شك، سيخلق استياءً شديداً في الشارع الآشوري وفي مختلف الأوساط الحقوقية والسياسية والثقافية في سوريا،والذي سيزيد من الاستياء الشعبي أن الحكم جاء عشية الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية... (أشير هنا الى أن أسرة السيد كبرائيل عيسى يوسف هي من الأسر الآشورية المحرومة من الجنسية السورية بموجب الاحصاء الجائر الذي أجري في محافظة الحسكة عام 1962).
ان مثل هذه الأحكام الجائرة والتعسفية بحق شاب آشوري لا خلفيات سياسية أو حزبية له ،تنطوي على رسالة تحذير وترويع واضحة لجميع الآشوريين (سريان-كلدان) السوريين من القيام بتنظيم أي نشاط قومي أو سياسي أو اجتماعي مستقبلاً..كما ان هذا الحكم الجائر يؤكد  مجدداً على أن السلطات السورية ماضية في الاستمرار بمصادرة حقوق وحريات الانسان السوري بشكل عام وفي قمع أي نشاط  قومي وثقافي لأبناء القومية الآشورية والقوميات السورية الأخرى الغير عربية مثل الأكراد...بتعبير آخر،ان هذه الاجراءات القمعية تؤكد على أن "الحكم البعثي" في سوريا باق على نهج وسياسات التمييز القومي والثقافي بحق أبناء القوميات الغير عربية والاستمرار على نهج الإقصاء السياسي للآشوريين والانتقاص من حقوقهم في المواطنة الكاملة.
طبعاً،أن مصادرة الحريات والاعتقالات التعسفية وغيرها من الاجراءات الأمنية هي خيارات غير مناسبة وغير مجدية  لحل المسالة الآشورية ومشكلة التعددية القومية عموماً في سوريا.وهي لا تخدم مسيرة الوحدة الوطنية وعملية التماسك المجتمعي، لا بل أنها ستزيد من حالة الاحتقان وتقوي النزعات العصبية والتطرف في المجتمع السوري. 
فالوحدة الوطنية لا تبنى بالزجر والاكراه وانما بالاعتراف بالتعددية القومية والدينية والثقافية في سورية، وإطلاق الحريات السياسية وحل مشكلة القوميات على أسس ديمقراطية ووطنية عادلة وسليمة، وإلغاء جميع الاجراءات والمشاريع الشوفينية والقوانين الاستثنائية  التي أضرت كثيراً بحقوق القوميات الغير عربية،مثل الآشوريين والأكراد.
كناشط سياسي وحقوقي سوري أطالب السلطات السورية إسقاط تهمة إثارة النعرات العنصرية عن السيد كبرائيل يوسف وتبرئته منها ، والغاء الحكم الصادر بحقه واعادة له جميع الحقوق المدنية التي حرم منها بموجب هذا الحكم الجائر.. كما أطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير في السجون السورية...
 
الناشط الآشوري السوري
سليمان يوسف
القامشلي ...  29  تشرين الثاني  2010

31
ثمة فرصة تاريخية لقيام "دولة آشورية مسيحية" في العراق

قد يكون هذا العنوان مثار استغراب ودهشة كبيرة للكثيرين داخل وخارج العراق في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة جداً التي يمر بها هذا البلد الجريح.أنها أسوأ مرحلة في التاريخ الآشوري والمسيحي المشرقي المعاصر- بعد "المذبحة المسيحية الكبرى" التي نفذها جيش السلطنة العثمانية عام 1915 وبعد أحداث "مذبحة سيميل" 1933 التي نفذها الجيش العراقي-  حيث كاد العراق الجديد أن يخلو من آشورييه ومسيحييه بسبب هجرتهم الواسعة منه هرباً من العنف والقتل والخطف الذي يستهدفهم.لكن اذا ما نظرنا وعدنا الى تجارب التاريخ،القديم والحديث،نجد بأن الكثير من دول العالم،خاصة ما يعرف بدول العالم الثالث، ولدت من رحم الأزمات والمآسي للشعوب المقهورة وبعد مرحلة مخاض عسيرة تمر بها.بالأمس القريب،في قلب القارة الأوربية، أنشأ مسلمو كوسوفو وكذلك مسلمو البوسنة كياناتهم القومية الخاصة،طبعاً بدعم ومساندة المجتمع الدولي لهم، بعد تعرضهم لعمليات ابادة ومذابح جماعية على يد القوات الصربية.
فرغم عمق المأساة وقتامه المشهد الآشوري والمسيحي العراقي،يمكن تسجيل بعض النقاط والمواقف الايجابية لصالح القضية الآشورية والمسيحية العراقية،وان لم ترتق هذه المواقف بعد الى المستوى العمل الجدي المطلوب والمنتظر من القوى الفاعلة في المجتمع الدولي.أبرز هذه النقاط والمواقف:
- أيقظت أحداث العنف ضد الآشوريين (سريان/كلدان) والمسيحيين العراقيين عموماً المشاعر القومية والدينية لدى مختلف شرائح وطبقات المجتمع الآشوري والمسيحي داخل وخارج العراق.
- مأساة المسيحيين العراقيين، أنتجت حراكاً(قومياً، دينياً، سياسياً، إعلاميا، دبلوماسياً) نشطاً ولافتاً وغير مسبوق داخل الوطن العراقي وعلى الساحة الدولية. ساهمت فيه بشكل أساسي الجاليات الآشورية(سريانية/كلدانية) في دول الاغتراب، كذلك نخب مسيحية مشرقية،مثل المثقفين والناشطين الأقباط المصريين.
- هذه المأساة، خاصة المجزرة الوحشية التي حصلت مؤخراً في كنيسة النجاة وسط بغداد، قربت كثيراً بين مختلف الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات القومية والكنسية للشعب الآشوري بطوائفه المختلفة (الكاثوليكية والأرثوذكسية) وأجبرتها على تجاوز وتناسي الكثير من خلافاتها ودفعتها الى التحاور والتشاور والتنسيق فيما بينها لمواجهة التحديات والمخاطر الجسيمة التي يواجهها آشوريو ومسيحيو العراق في هذه المرحلة العصيبة.
- رغم جسامة الأخطار،هناك توافق آشوري ومسيحي حول ضرورة التشبث بالأرض وعدم ترك العراق، وعلى المطالبة بـ"لجنة تحقيق دولية" للتحقيق في الجرائم المنظمة ضد مسيحيي العراق والكشف عن المسؤولين عنها وجرهم الى العدالة الدولية.
مع اشتداد المحنة تبلور موقفاً آشوريا مسيحياً موحداً ايجابياً من مسألة المطالبة بـ "منطقة آمنة" في سهل نينوى بحماية دولية،يتمتع فيها الآشوريون والمسيحيون بحكم ذاتي.
- شهدت مختلف العواصم والمدن الأوربية والأمريكية مسيرات غاضبة ومظاهرات احتجاجية نظمتها الجاليات الآشورية(السريانية الكلدانية)العراقية وبمشاركة من الجاليات الآشورية والمسيحية المشرقية.خرجت هذه التظاهرات تضامناً مع مسيحيي العراق ولحث المجتمع الدولي على التحرك والعمل سريعاً لوقف المجازر وعمليات الابادة الجماعية والتطهير العرقي والديني التي يتعرض لها مسيحيي العراق وطالب المتظاهرون بـ"حماية دولية" لهم.
- مآسي المسيحيين العراقيين والاحتجاجات الآشورية والمسيحية، أجبرت المجتمع الدولي على الخروج عن سكوته وصمته ودفعته ليدين ويستنكر العنف ضد المسيحيين بأشد التعابير والأوصاف والطلب من الحكومة العراقية بتحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها المسيحيين وباقي الأقليات العراقية المستضعفة.
- بدأت تحظى القضية الآشورية والمسيحية في العراق بمزيد من التعاطف والتأييد الدوليين ومن قبل الكثير من المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان والشعوب.ففي اطار التحرك الدولي على خط الأزمة العراقية،كشف وزير خارجية ايطاليا (فرانكو فراتيني) عن أن بلاده ستتقدم بـ"مشروع قرار" إلى (الجمعية العامة للأمم المتحدة) يدعو للدفاع عن   المسيحيين المضطهدين في العراق وكذلك لحماية الحريات الدينية.وأوضح رئيس الدبلوماسية الايطالية في مقابلة له بأن "الحكومة الايطالية ستقدم مشروع القرار بدعم من كل الدول الأوروبية".ومن جانبه دعا (ماريو ماورو) عضو لجنة الشؤون الخارجية في "البرلمان الأوروبي" إلى ضرورة العمل من أجل إعداد خارطة طريق متكاملة لوقف "المذبحة" التي يتعرض لها المسيحيون في العراق وأشار في بيان له إلى أنه أعد مشروع قرار سيعرض للنقاش والتصويت في الأسبوع القادم، خلال جلسة البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، وقال "يجب التصويت على قرار عاجل بشأن ما يتعرض له المسيحيون في العراق وكذلك بشأن مسيحي الشرق الأوسط بالكامل، إذ علينا إسماع صوت أوروبا" وشدد البرلماني الأوروبي على ضرورة حشد الجهود من أجل الدفاع عن كافة الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط.في بريطانيا، عقد "مجلس العموم البريطاني"  جلسة خاصة، ناقش فيها  أوضاع المسيحيين في العراق. وقد وجهت مذكرة الى الوزير البريطاني (بيل راميل) للإجابة نيابة عن الحكومة البريطانية عن الاستفسارات حول المسؤولية الحقيقية الملقاة على عاتق المملكة البريطانية المتحدة في حماية الأقليات في العراق. في الولايات المتحدة الأمريكية،طالب عدد من النواب الأمريكيين، الإدارة الأمريكية، ايجاد سياسة شاملة لحماية الاقليات في العراق وخاصة المسيحية، وأوصوا بضرورة تعيين مسئول بالسفارة الأمريكية في بغداد للنظر في الموضوع.وكان مجلس النواب الامريكي، بعث رسالة الى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، شرح فيها الأوضاع السيئة التي يعيشها المسيحيون في العراق.في العراق، المعني الأول بقضية الآشوريين والمسيحيين العراقيين، أبدى رئيسه (جلال طالباني) عدم معارضته تشكيل "محافظة" خاصة بالمسيحيين داخل العراق. وقال طالباني في مقابلة له مع قناة فرانس 24 الفرنسية خلال زيارته الى باريس للمشاركة في مؤتمر الاشتراكية الدولية: "هنالك مناطق ذات اكثرية مسيحية في العراق، ونحن لا نعارض اذا تم تشكيل محافظة خاصة في إحدى هذه المناطق، لان تحقيق "الحكم المحلي" هو من أهداف البرلمان والدستور العراقيين، اللذان ينصان على ان "العراق دولة اتحادية فدرالية ديمقراطية ".مبادرة جلال جاءت رداً على بعض الأصوات التي دعت الى هجرة المسيحيين ومنحهم حق اللجوء السياسي والانساني في الدول الأوربية.
في ضوء هذه التطورات والمؤشرات الايجابية لصالح القضية الآشورية والمسيحية عموماً في منطقة الشرق الأوسط، أرى أن ثمة فرصة تاريخية لقيام "دولة آشورية"أو "حاضرة سياسية مسيحية"- شبيهة بحاضرة الفاتيكان في ايطاليا-  تقوم من تحت ركام الحروب الأهلية العراقية، في بعض المناطق التاريخية للآشوريين في "بلاد ما بين النهرين".هذه الفرصة ممكنة فيما لو صمد الآشوريون والمسيحيون في وجه العاصفة وتشبثوا بأرضهم وتصاعدت التحركات والتظاهرات والاحتجاجات في مدن وعواصم العالم وتضافرت الجهود الآشورية والمسيحية العراقية والمشرقية عموماً مع الجهود والمساعي الأوربية والدولية الجادة في انقاذ آشوريي ومسيحيي العراق وحمايتهم.
من المهم جداً، أن يدرك ويقدر الآشوريون بمختلف تياراتهم ومذاهبهم الكنسية أهمية هذه اللحظة التاريخية التي يجتازونها لجهة تحديد مصيرهم ومستقبلهم ليس في العراق فحسب، وانما في جميع دول ومجتمعات المنطقة.لهذا عليهم عدم تفويت هذه الفرصة التاريخية في حسم خياراتهم السياسية وعدم التردد في المطالبة بحكم ذاتي في بعض مناطقهم التاريخية،مثل"سهل نينوى".
 بعد كل الذي حصل ويحصل لآشوريي ومسيحيي العراق، وتخلي حكومة بغداد عنهم وتركهم لقمة سائغة للمجموعات الاسلامية الارهابية(المحلية والمستوردة والعابرة للحدود والقارات)ووقعهم ضحية أجندات سياسية لقوى وأطراف عراقية وغير عراقية في ظل صمت عربي واسلامي،رسمي وشعبي ونخبوي، مخجل وقاتل-باستثناء بعض الأقلام والأصوات هنا وهناك- ، سقطت جميع الاعتبارات الوطنية والمحرمات السياسية والغير سياسية، ولم يعد مانعاً أو سبباً يحول دون أن يطالب الآشوريون والمسيحيون العراقيون بـ"حماية دولية" كخطوة أولى باتجاه كيان آشوري ومسيحي مستقل ولو على جزء من موطنهم التاريخي"بلاد ما بين النهرين".خاصة وقد سقط مشروع "الدولة المدنية الحديثة" و "دولة المواطنة الكاملة"،ليس في العراق فحسب وانما في جميع دول المشرق العربي الاسلامي.تلاشى مشروع "الدولة المدنية الحديثة"، التي تطلعت وسعت اليها النخب الآشورية والمسيحية المشرقية عموماً ومعها القوى العلمانية والليبرالية في المنطقة.سقط لصالح التيارات والأصوليات الاسلامية المتشددة والمجموعات التكفيرية ومشروعها الظلامي المتمثل بـ"الدولة الدينية".سقطت "الحداثة والمدنية" في المشرق العربي الاسلامي لصالح مختلف العصبيات الدينية والمذهبية و العرقية والاثنية والقبلية.
طبعاً،من غير أن نغفل أو نتجاهل تعقيدات المشهد العراقي وامتداداته الاقليمية ومن غير أن نتناسى وهن وهشاشة المجتمع الآشوري والمسيحي العراقي،ليس صعباً على المجتمع الدولي ممثلاً بـ"الأمم المتحدة"، الذي تكفل بحماية الشعوب المستضعفة من "الإبادة الجماعية" وجرائم الحرب والتطهير العرقي والديني،اذا ما أراد فعلاً – مثلما فعل قبل سنوات قليلة لمسلمي (كوسوفو)-  اقامة "دولة آشورية"، تضم جميع مسيحيي العراق،غالبيتهم من الكلدوآشوريين،وتضم أيضاً الأقليات الدينية والعرقية الصغيرة الأخرى الغير اسلامية، مثل الصابئة والشبك والايزيديين.أن"الدولة الآشورية المسيحية" هي اليوم أكثر من كونها حق تاريخي مشروع للآشوريين والمسيحيين.أنها حاجة ملحة وضرورة لا غنى عنها لبقائهم واستقرارهم ولعودة المهجرين منهم الى وطنهم الأم(العراق).أنها ضرورة لإتاحة الفرصة لهذه الأمة"الآشورية" العريقة، ذات الفضل الكبير على الحضارة البشرية، للمساهمة من جديد الى جانب بقية شعوب وأمم العالم في بناء الحضارة الانسانية وازدهارها،فضلاً عن أن مثل هذه الدولة الآشورية المسيحية،ستشكل عامل استقرار واطمئنان لجميع الآشوريين والمسيحيين في دول ومجتمعات منطقة الشرق الأوسط.
في الماضي، فترة الحرب الكونية الأولى 1914، شكلت السياسات الأوربية وبشكل خاص البريطانية منها عاملاً أساسياً في تقويض الوجود الآشوري.فرغم وقوف الآشوريون بكل قوتهم الى جانب بريطانيا وفرنسا في الحرب،عمدت هاتين الدولتين الى إسقاط وشطب الشعب الآشوري وحقوقه التاريخية من الخريطة السياسية التي وضعتها لمنطقة الشرق وفق اتفاقية "سايس بيكو" في أعقاب هزيمة الإمبراطورية العثمانية.حيث كان للأوربيين و لهذه الاتفاقية الفضل الكبير في تحرير الشعوب العربية من الاستعمار العثماني الذي دام أربعة قرون، ومن ثم مساعدتها على إنشاء كياناتها السياسية.أعتقد بأن الفرصة التاريخية كذلك الظروف الاقليمية والدولية مواتية ومناسبة جداً  للدول الأوربية للعمل على تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بحق "الشعب الآشوري"،أقدم شعوب بلاد ما بين النهرين،وذلك من خلال مساعدة هذا الشعب بكل الطرق والوسائل الممكنة على تجاوز محنته في العراق ومساندته على إعادة بناء كيانه القومي على أرض الرافدين،حيث مهد حضارته و موطنه التاريخي.

سليمان يوسف ... سوريا
باحث مهتم بقضايا الاقليات
shuosin@gmail.com

 

 

 

 
 
 

32
مسيحيو العراق من الاضطهاد الى الابادة ولا من منقذ!!

من المؤكد أن محنة مسيحيي المشرق لم تبدأ مع "تنظيم القاعدة" الذي تأسس على يد (اسامة بن لادن) في أفغانستان، بدعم وتمويل أمريكي وغربي واسلامي، لمقاومة "الاحتلال السوفيتي" في ثمانينات القرن الماضي.فاذا عدنا الى التاريخ وبداية انحسار "المسيحية المشرقية" نجد بأن مأساة مسيحيي الشرق تعود  بجذورها الى نشوء "الدولة الاسلامية" وتبنيها لمبدأ"اللامساواة الدينية" بين الأديان.هذه " القاعدة الاسلامية"، التي جاء بها الاسلام وتقوم على تفضيل الاسلام على جميع الأديان الأخرى، مازالت تشكل الاطار القانوني والسياسي والاجتماع والثقافي لاضطهاد المسيحيين وغير المسلمين عموماً والانتقاص من حقوقهم ومكانتهم في المجتمعات الاسلامية.لكن مع تنظيم القاعدة واعلانه "بأن جميع مسيحيي الشرق باتوا هدفاً مستباحاً لمجاهديه" يبدو أن محنة مسيحي المشرق قد تخطت مرحلة "الاضطهاد الديني" لتخل مرحلة " التطهير الديني والعرقي والابادة الجماعية" وما يحصل لمسيحيي العراق منذ سنوات خير مثال.
رغم تبني ما يسمى بـ "تنظيم دولة العراق الإسلامية"،المنضوي تحت لواء "تنظيم القاعدة"، أكثر التنظيمات الاسلامية أصولية وتشدداً وارهاباً، في بيان رسمي له بدأوه بالآية القرآنية 217 من سورة البقرة {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا} للهجوم الارهابي الوحشي على "كنيسة سيدة النجاة" يوم الأحد (31-11-2010) وما تلاه من قصف صاروخي ومدفعي للأحياء المسيحية وسط بغداد واعلانه بان الاقباط المصريين وجميع المسيحيين في المنطقة باتوا هدفاً مستباحاً لمجاهديه،تصر الكثير من المنابر الاعلامية العربية والاسلامية، وكذلك عدد غير قليل من النخب والساسة المسلمين من العرب وغير العرب،تصر على الصاق هذه الأعمال الارهابية وغيرها التي تستهدف المسيحيين أو المسلمين باطراف خارجية ووضعها في اطار التآمر الغربي على العرب وتشويه صورة الاسلام ولاحداث فتنة داخلية هنا او هناك.تماماً مثلما يذهب بعض السذج ومحترفي التضليل الى اعتبار تفجيرات 11 ايلول 2001 ،التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف أمريكي، عمل مدبر من الاستخبارات الأمريكية،رغم تبني "تنظيم القاعدة" وعلى لسان زعيمه (بن لادن) لهذا العمل الارهابي الفظيع وتسميته له بـ"الارهاب المحمود" وبغزوة "منهاتن".
يبدو جلياً،أن ما تريده هذه المنابر والنخب هو تضليل الراي العام والالتفاف على الأسباب الحقيقة لمحنة مسيحيي العراق والمشرق وتمييع قضيتهم،التي هي نتاج "فعل اسلامي" تراكمي وتاريخي رسمي(حكومي) وشعبي(مجتمعي) بامتياز،من جهة أولى. ولتبرئة "الاسلام السياسي" وخطابه المرتكز الى النصوص الدينية، الذي يشكل الحاضنة الفكرية والعقائدية للتنظيمات الاسلامية المتشددة، من الجرائم المرتكبة ضد مسيحيي العراق.من يعلل قتل المسيحيين ويتحاجج بتفجير الكنائس في العراق بوجود الاحتلال، لينظر الى العنف المنظم ضد الأقباط المسيحيين داخل مصر في ظل سلطة وطنية قوية واستبدادية.ألم يكن "الحقد الديني" هو العامل المشترك للهجوم الارهابي على "الكنيسة القبطية" وقتل مصلين ليلة عيد الميلاد في مدينة (نجع حمادي) بمصر ومذبحة "كنيسة سيدة النجاة" وغيرها من الاعمال الارهابية على الكنائس العراقية؟.كيف يمكن الحديث عن فتنة مسيحية اسلامية في العراق والمسيحيون في هذا البلد لا ينافسوا أحداً على السلطة وليس لديهم ميليشيات مسلحة يحاربون بها؟.الى تاريخيه لم يطلق مسيحيياً رصاصة واحدة على مسلم رغم كل هذا الدم المسيحي المسفوك بأيدي الاسلاميين من غير سبب أو مبرر!.
الحالة العراقية والى حد ما المصرية تؤكدان على أن الأقليات المسيحية، والغير اسلامية عموماً،وقعة ضحية التحالف  المقدس الغير معلن بين "الاستبداد السياسي" ممثلاً بالأنظمة والحكومات و"الاستبداد الديني" ممثلاً بالمرجعيات والمؤسسات الدينية والأصوليات الاسلامية عموماً التي تحتضن وترعى بشكل أو آخر التنظيمات الاسلامية المتشددة. فهم (المسيحيون) الفائض البشري الذي يضحي به الحكام بمجرد تعرضهم لخطر أو تهديد داخلي والمساومة عليه لتجنب المواجهة مع التيارات الاسلامية المتشددة ولابعاد هذه التيارات عن مسألة الحكم والسلطة.كتب أحدهم:" أليس أمراً يدعو للتساؤل، أن تعقد عشرات الندوات وحلقات دراسية في الدول العربية والاسلامية، لمواجهة الهجمة الأميركية على العروبة والاسلام، ولا تعقد ندوة واحدة لمواجهة هجمات المسلمين على المسيحيين".أن ما يحصل لمسيحيي العراق والمشرق هو بالمحصلة نتاج النهج الطائفي الذي تنتهجه الحكومات العربية والاسلامية وسياسات التمييز الديني والاثني والتهميش السياسي والثقافي للمسيحيين وابعادهم عن المشاركة في ادارة أوطانهم وتمسك هذه الحكومات بدساتير وقوانين طائفية تعزز ثقافة كره الآخر غير المسلم،فضلاً عن أنها توفر بيئة ثقافية وتشريعية مناسبة وخصبة لانتشار كل أشكال التعصب والتطرف في المجتمع.من هذا المنظور، أرى أن ثمة مصلحة، سياسية وغير سياسية، للحكام الطغاة في استمرار الأعمال الارهابية التي تقوم بها المجموعات الاسلامية ضد المدنيين،شريطة أن تبقى هذه التنظيمات وتحركاتها تحت السيطرة.فالأعمال الارهابية ضد الناس الآمنين في أي مجتمع غالباً ما تزيد من الرصيد الشعبي والجماهيري للأنظمة القائمة بصرف النظر عن طبيعتها ومساوئها،وبشكل أكثر لدى الفئات المستضعفة مثل الأقليات الدينية والأثنية،وتدفعها للالتفاف حول الحكم القائم،حيث تجد فيه ملاذها الآمن.
رغم كل المناشدات والمطالبات، المحلية والأقليمية والدولية، بضرورة حماية "مسيحيي العراق" من العنف الذي يستهدفهم،يبدو، وبكل أسف، أن "تصفية وجودهم" من أرض الرافدين موطن أجدادهم ومهد حضارتهم، أصبحت مجرد مسألة وقت لا أكثر،لطالما يستمر مسلسل العنف ضدهم من غير أن تتحرك على الأرض أية جهة محلية أو اقليمية أو دولية لحمايتهم .
اذا كانت المذابح الجماعية بحق الآشوريين العزل في سيميل وقرى سهل نينوى عام 1933،التي نفذها الجيش العراقي وسحقه للانتفاضة الآشورية ذات المطالب المشروعة،قد أخرجت الآشوريين والمسيحيين من المعادلة السياسية العراقية،فمن المؤكد أن استمرار مسلسل العنف ضد المسيحيين لسنوات أخرى سيخرجهم وبشكل نهائي من الخريطة الديمغرافية للعراق الجديد.هذا ما تريده وتخطط له أكثر من جهة عراقية واقليمية ودولية.فالحقيقة،المدعومة بكثير من المعطيات والوقائع،هي ما من جهة (عراقية أو اقليمية أو دولية) معنية بشكل جدي وحقيقي بمصير ومستقبل الوجود المسيحيي داخل العراق.اذ من غير المعقول أن تعجز القوات والأجهزة الأمنية العراقية المعززة بجيش الاحتلال الامريكي أو الحكومات العربية والاسلامية أو المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، عن توفير الحماية المطلوبة لمسيحيي العراق اذا ما ارادت ورغبت احدى هذه الجهات أو الدول بحمايتهم.لقد شاهدنا كيف تحركت أمريكا ومعها حلفائها الغربيين عام 1991 لحماية أكراد الشمال من عدوان وهجمات جيش صدام حسين ووفرت لهم "ملاذ آمن" وهم اليوم يتمعون بحكم ذاتي ذو سلطة وحقوق وصلاحيات هي أقرب الى "مفهوم حقوق وسيادة الدولة".وكانت تركيا قد أعلنت مراراً بأنها معنية ليس بأمن وسلامة التركمان فحسب، وانما أيضاً بحقوقهم القومية والسياسية داخل العراق،الى درجة أنها هددت بالتخدل العسكري اذا ما ضم الأكراد مدينية "كركوك" التركمانية المتنازع عليها الى اقليمهم الكردي .ولا يخفى على كل مهتم ومتتبع للشأن العراقي، سعي ايران الحثيث لضمان تفوق الشيعة،عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، في المعادلة العراقية.وسعي السعودية وغيرها من الدول العربية السنية لتعزيز دور ومكانة سنة العراق بعد فقدانهم للسلطة بسقوط قائدهم صدام حسين.لكن مسيحيي العراق المستضعفين،لأنهم مسيحيون وربما لأنهم الورقة الأضعف في اللعبة السياسية العراقية، تركوا وحدهم مكشوفين ومن غير أية حصانة أو حماية وطنية أو اقليمية أو دولية، في مواجهة العنف المنفلت للقوى الاسلامية والتنظيمات الارهابية،المحلية والمستوردة والعابرة للحدود،مثل القاعدة وتنظيم دولة العراق الاسلامية.أليس أمراً يدعو للتساؤل والأسف،أن يكتفي "مجلس الأمن الدولي"،بعد جلسة خاصة عقدها يوم الثلاثاء الماضي 9-11- 2010  لمناقشة وضع مسيحيي العراق،بوصف الاعتداءات على المسيحيين بـ "مروعة" .وأن يقول السفير الفرنسي لدى الامم المتحدة: "ان "مسيحي العراق في الخطوط الامامية للديمقراطية في هذا البلد.".وأن يكتفي مجلس الامن القومي الامريكي بادانة الهجمات الارهابية ضد المسيحيين ودور عبادتهم في بغداد؟؟؟.فهل ببيانات الادانة والاستنكار يمكن معالجة محنة شعب مستضعف عاجز عن الدفاع عن نفسه يتعرض لعملية "ابادة جماعية" وتطهير عرقي وديني من مناطقه التاريخية في بلاد الرافدين؟؟؟.لقد أقامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الدنيا ولم تقعدها بعد، على مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق (رفيق الحريري) وشكلت محكمة دولية لأجله.لكنها لم تحرك ساكن لانقاذ شعب آمن من ابادة محققة تحصل له أمام أنظار جيشها الجرار المحتل للعراق.يبدو أن مسيحيي العراق لا قيمة ولا وزن لهم في حسابات المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة!!!.
أخيراً: ان حال مسيحيي العراق يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة ليس حول مصير ومستقبل هذا المكون العراقي الأصيل فحسب، وانما حول مصير ومستقبل مسيحيي المشرق عموماً.فالمشهد العراقي الأليم قابل لأن يتكرر في دول عربية واسلامية مشرقية أخرى تحمل في داخلها كل عوامل وأسباب الانفجار والتفكك.بتعبير آخر،أن تلاشي "المسيحية المشرقية" في بعض دول المشرق والمغرب الاسلامي وانحسارها المقلق في بعضها الآخر - بعد أن تلاشت"اليهودية المشرقية"- تطرح اشارات استفهام كبيرة حول مستقبل ظاهرة التعددية الثقافية والاجتماعية والدينية في هذه المنطقة الخاضعة لحكم وسلطة الاسلام والمسلمين. بتعبير أوضح، أنها تطرح بقوة مسالة قدرة "الاسلام" على التعايش والتواصل مع غيره من الديانات والثقافات الأخرى.

سليمان يوسف... سوريا
باحث آشوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

33
 
يا مسيحيي العراق:لا ترحلوا

نعم:أيها المسيحيون العراقيون مأساتكم كبيرة، أكبر من أن تطاق ومن أن تحتمل.وربما الآتي من الأيام أعظم.لكن اصبروا .. تحملوا ... لا ترحلوا..
نعم: نعلم جيداً بأنكم الحمل الوديع في مجتمع تحكمه شريعة الغاب ... لكن .. دافعوا عن أنفسكم.... لا ترحلوا...
برحيلكم من وطنكم العراق تحققون رغبة القتلة والحاقدين... لا ترحلوا..
قاوموا عصابات الإجرام والقتل...  لا ترحلوا
 قفوا في وجه الارهاب... لا ترحلوا.. 
أنكم تتعرضون الى عملية تطهير عرقي وديني من مناطقكم التاريخية في بلاد ما بين النهرين ... لكن تشبثوا بأرضكم.. قاوموا ... لا ترحلوا...
لا تتركوا أرواحكم وممتلكاتكم وكنائسكم ونسائكم هدفاً سهلاً ولقمة سائغة لكل الطامعين فيكم والحاقدين عليكم ..
نعلم بأن الحكومات العراقية وقوات الاحتلال الأمريكي لم ولن تكترث بمصيركم لذا تحصنوا .. ابحثوا عن من يحميكم . حماية ذاتية أو وطنية ، اقليمية أو دولية..لا ترحلوا.
نعلم بأن جميع مسيحيي المشرق باتوا هدفاً للإرهاب... اليوم في العراق .. غداً في مصر ..بعده في مكان آخر... هذا ما قالته وهددت به القاعدة وغيرها من التنظيمات الاسلامية الارهابية... لا ترحلوا...
ساذج كل من يعتبر "مجزرة كنيسة سيدة النجاة" بأنها الأخيرة في مسلسل العنف الممنهج ضد مسيحيي العراق....
ساذج كل من يعتقد بأن بيانات الإدانة والاستنكار والشجب ستردع الارهابيين وتمنعهم من القيام بجرائم جديدة ضد مسيحيي العراق و المشرق...
ساذج كل من يعتقد بأن "سينودس" هنا وملتقى(اسلامي - مسيحي) هناك بمقدوره أن يفعل شيئاً لمسيحيي العراق والمشرق...
ساذج كل من لا يعتقد بوجود أطراف سياسية في الحكومة أو الحكومات العراقية تقف خلف مسلسل العنف ضد مسيحيي العراق..
ساذج كل من لا يعتقد بوجود أطراف اقليمية ودولية عربية اسلامية ومؤسسات حكومية وغير حكومية عديدة تدعم وتمول المجموعات الاسلامية الارهابية التي تستهدف مسيحيي العراق والمشرق بهدف تهجيرهم وإخلاء المنطقة منهم..
مضلل كل من ينظر للمسيحيين العراقيين على أنهم ضحايا الاحتلال الامريكي..وهم"المسيحيون" يقتلون بأيدي "مجموعات اسلامية" عراقية وغير عراقية...
مضلل كل من يساوي بين العمليات الارهابية التي تستهدف المسيحيين وتلك التي تستهدف المسلمين في العراق...
واهم كل من يعتقد بإمكانية قيام دولة عراقية موحدة ديمقراطية مستقرة، تجمع كل شعوب وأمم وأديان ومذاهب العراق،بعد كل هذا الدمار والجروح العميقة في النفوس التي تسببت بها وخلفتها الحروب الداخلية والتي لم تنته بعد...
واهم كل من يعتقد بأن الارهاب ضد مسيحيي العراق والمشرق سيتوقف من دون أن يكون هناك رادع قوي و فعال يردع الارهابيين ويلاحقهم..
لقد دق ناقوس الخطر واهتز الضمير العالمي للهجوم الارهابي على كنيسة سيدة النجاة. لكن من غير أن يهتز ضمير زعماء الأحزاب والحركات المسيحية (الآشورية الكلدانية السريانية) العراقية وغير العراقية.اذ لم نسمع أحداً منهم دع لاجتماع طارئ،يجمع كل رؤساء الأحزاب والحركات القومية ورؤساء الكنائس والمرجعيات المسيحية العراقية،داخل الوطن العراقي وخارجه، لتدارس الوضع الخطير ولتوحيد الموقف مما يجري ومما يجب القيام به محلياً وإقليما ودولياً...
نتساءل: ألم يحن الوقت بعد لكي يرتقي هؤلاء،ومعهم رؤساء الكنائس، إلى مستوى الأخطار الوجودية المصيرية التي تتهدد الآشوريين(سريان/كلدان) وكل المسيحيين العراقيين...
نتساءل: سبع سنوات وأكثر من الخطف والقتل والتشريد أليست كافية لأن تعيد الأحزاب والحركات السياسية الآشورية والمسيحية وكل المؤسسات الكنسية النظر بخطابها وبمواقفها من العاصفة العراقية التي بدأت تحاصر آشوريي ومسيحيي العراق و تبتلعهم....
نتساءل:بعد كل الذي جرى ويجري،ألم يحن الوقت للمطالبة بتدويل قضية مسيحيي العراق ومناشدة "الأسرة الدولية" للقيام بمسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية بحماية من تبقى منهم،وذلك عبر اقامة "منطقة آمنة" تقام لهم في أية منطقة مناسبة على الأراضي العراقية..
نعم يا مسيحيي العراق: استفيدوا من هذه اللحظة التاريخية وقبل أن تهدأ الإدانة العالمية الواسعة لمذبحة كنيسة سيدة النجاة.تحركوا تظاهر في كل الساحات والأماكن،داخل الوطن وخارجه.. فالعالم لن يتحرك لإنقاذكم ما لم تتحركوا أنتم أولاً.. تحركوا... لا تهدءوا ... لا ترحلوا...
نعم يا مسيحيي العراق والمشرق: لقد ارتكب أجدادكم خطأً تاريخياً كبيراً عندما سلموا قدرهم ومصيرهم للغزاة المسلمين وارتضوا أن يعيشوا بينهم وتحت حكمهم ورحمتهم كـ"أهل ذمة" ورعايا،لا بل كرهائن،وليس كمواطنين أصحاب الأرض والحق...أنكم اليوم تدفعون ثمن ذاك الخطأ التاريخي، والأخطاء التاريخية يصعب لا بل يستحيل تصحيحها..
نتساءل أيضاً: أليس أمراً مقلقاً لشعوب هذه المنطقة قاطبة،بمسيحييها ومسلميها ويهودييها وبكل عقائدها وشعوبها،أن تتراجع وتنحسر الأحزاب القومية واليسارية والليبرالية والعلمانية،وصعود الأحزاب والحركات الاسلامية،خاصة المتشددة والإرهابية منها..(القاعدة..أحزاب الله .. جند الله.. مجاهدي خلق.. طالبان.. جند الشام .. جند محمد.. جند الاسلام. فتح الاسلام..أنصار الاسلام.. الأحباش .. جيش محمد..الجيش المهدي .أنصار السنة.. وغيرهم كثر).هذه التنظيمات والحركات والمجموعات الاسلامية المتطرفة هي ليست وليدة اليوم،كما أنها ليست ردة فعل على اسرائيل والسياسات الأمريكية والغربية تجاه المنطقة والقضايا العربية والاسلامية،كما يشاع ويروج من قبل القوميين العرب والاسلام السياسي،وانما هي نتاج خطاب اسلامي(رسمي ومجتمعي ومؤسساتي) طائفي متعصب يقوم على كره الآخر الغير المسلم ورفضه والتقليل من شأنه والانتقاص من حقوقه ...هذا الخطاب الاسلامي الذي يبثه فقهاء ومشايخ القتل والارهاب ،المحرض على العنف، هو المسئول عن خلو المجتمعات المشرقية الاسلامية من أتباع الديانة اليهودية واليزيدية والعقائد الأخرى. وهو اليوم المسئول الأول عن قتل المسيحيين العراقيين والمشرقيين وتهجيرهم من أوطانهم...
هذا الخطاب الاسلامي المتطرف هو المسئول الأول عن سقوط تجربة "العيش الوطني المشترك"، بين شعوب وديانات وأقوام ومذاهب وأعراق المشرق العربي الاسلامي، (العراق واليمن والسودان ولبنان ومصر والصومال وافغانستان وباكستان وفلسطين)،حيث رياح الصراعات الداخلية تعصف بجميع هذه الدول، وان بنسب متفاوتة.والقائمة مفتوحة لتنضم اليها دولاً ومجتمعات عربية واسلامية جديدة....   
قطعاً،المجتمعات والشعوب الاسلامية لن تسلم من هذا الارهاب المنفلت.فبعد المسيحيين الدور على المسلمين الرافضين لخيار "الاسلام هو الحل" و لمنطق وأفكار طالبان والقاعدة وأحزاب الله وأنصار ولاية الفقيه...

سليمان يوسف... سوريا
shuosin@gmail.com
 

34
"سينودس" لأساقفة المشرق ، أم "مؤتمر قومي عربي" ؟
   

(أخلص العزاء لأسر وأهالي وأصدقاء شهداء مذبحة كنيسة سيدة النجاة... الخزي والعار للمجرمين القتلة)

انتهت فعاليات الحشد المسيحي المشرقي الكبير"السينودس"، التي بدأت في العاشر من شهر تشرين الأول الماضي واستمرت أسبوعين في حاضرة الفاتيكان بحضور (البابا بنديكتس السادس عشر) ونحو مائتي من الأساقفة بينهم ثلاثة بطاركة مثلوا مختلف كنائس المشرق،وبمشاركة باحثين مسلمين وممثلين عن مرجعيات ومنظمات اسلامية شرق أوسطية،وشخصيات دينية(حاخامات) يهودية.التقوا جميعاً للوقوف على أسباب المخاوف والهواجس التي تقلق مسيحيي المشرق وتدفعهم الى هجرة وترك أوطانهم الأم،وللبحث عن سبل تخفيف معاناتهم والحد من هجرتهم.بانتهاء أعمال هذا السينودس وصدور "رسالته الإرشادية" أو الوثيقة الختامية، التي تضمنت عشرات التوصيات ،بدأ المهتمون بالشأن المسيحي المشرقي يتساءلون عن الجدوى من انعقاد هذا السينودس والنتائج العملية والخدمات الفعلية التي يمكن له أن يقدمها لمسيحيي المشرق ولقضيتهم المعقدة والشائكة.طبعاً،أنها أسئلة مشروعة ومبررة،خاصة وقد جاءت نتائج وتوصيات السينودس دون الحد الأدنى مما كان منتظر من هذا الملتقى الكبير ومخيبة لآمال معظم مسيحيي المشرق،المحاصرون بين أنظمة الاستبداد والتنظيمات الاسلامية الراديكالية المتطرفة الرافضة للآخر،والتي تسعى وتعمل لإقامة "الحكم الاسلامي".
فيما أبدت الكثير من الأوساط المسيحية المشرقية استياءً شديداً من التوصيات المخجلة والهزيلة التي خرج بها السينودس،سارع الاعلام العربي وشخصيات سياسية ونخب عربية كثيرة،في مقدمتهم الرئيس الفلسطيني( محمود عباس) الى الترحيب والإشادة بالمواقف الايجابية للمشاركين في هذا الملتقى المسيحي المشرقي من القضية الفلسطينية.الى درجة أن البعض وجد في الرسالة الختامية للسينودس" ثورة في الخطاب السياسي – الديني" للمجمع الكنسي الشرق الأوسطي ذات الطابع الكاثوليكي، تجاه موضوع الصراع العربي - الاسرائيلي وتجاه "المشكلة الفلسطينية" تحديداً.حيث اعتبر السينودس في رسالته الختامية هذا الصراع ومضاعفاته من أخطر التحديات التي تواجه مسيحيي المشرق. كما وأنهم حملوا الصراع العربي/ الاسرائيلي مسؤولية هجرة، ليس مسيحيي فلسطين فحسب، وانما مسيحيي الشرق الأوسط عموماً.وقد حث المشاركون في أعمال السينودس "المجتمع الدولي" و"الأمم المتحدة" للعمل على تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بهذا الصراع في مقدمتها، اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة. من هنا، أرى أن الرسالة الختامية لـ"ملتقى أساقفة المشرق" تصلح لأن تكون "بيان ختامي" لمؤتمر قومي عربي، وليس لـ"ملتقى مسيحي"، ضم من مختلف القوميات والأعراق والاثنيات والكنائس المسيحية المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وايران(الكلدانية، القبطية، السريانية/السورية،الآشورية، الملكية اليونانية، والمارونية، والأرمنية).يفترض أن المشاركين في هذا الملتقى التقوا لتدارس مخاوف وهواجس مسيحيي المشرق والوقوف عند الأسباب الحقيقة لهجرتهم الواسعة والمخيفة من هذه المنطقة التي فيها ظهرت المسيحية ومنها انتشرت الى مختلف أنحاء العالم، وبحث سبل تعزيز وتحصين ما تبقى من وجود مسيحي في دول المشرق العربي الاسلامي.
أعتقد بأن المبالغة في تصوير الآثار السلبية للصراع العربي/ الاسرائيلي ومضاعفاته على مسيحيي المشرق، وتجاهل الأسباب الحقيقة لهجرتهم، من قبل المشاركين في هذا السينودس ، تنطوي على نفاق سياسي وديني من جهة أولى.ومن جهة ثانية،هي تؤكد على أن غالبية المشاركين كانوا أسرى الخطاب القومي العربي والاسلامي الرسمي للدول التي قدموا منها.هذا "الخطاب الحكومي" الديماغوجي، الذي يأخذ من (الغرب واسرائيل) شماعة يعلق عليها مشكلة (الأقليات الدينية والاثنية والمذهبية) وجميع الإخفاقات السياسية والتنموية والعلمية للحكام العرب.
من المحزن لنا نحن أبناء الأقليات المسيحية المشرقية اللذين نعاني من مظالم الاستبداد السياسي والديني(الحكومي والمجتمعي)،أن يتماها خطاب أساقفتنا وبطاركتنا الأجلاء،في كل لقاءاتهم ومجالسهم، مع خطاب الحكومات والمرجعيات العربية والاسلامية،وأن يتعاطوا مع قضايا الأقليات المسيحية والاثنية، وكأنهم رهائن لدى حكومات بلدانهم وليسوا بممثلين عن هذه الأقليات التي ينتمون اليها،يفترض بهم أن يدافعوا عن حقوقها وحرياتها الدينية والقومية المصادرة من قبل حكومات الاستبداد.ما يعزز هذا الاعتقاد حول الدور السلبي لأغلبية المشاركين في هذا السينودس،الخبر الذي أوردته جريدة  (الأخبار اللبنانية  بتاريخ  26/ 10/ 2010  بقلم الكاتب الصحفي- جان عزيز)،والمتعلق بالاستنفار الذي حصل داخل السينودس، اثرا تقديم أحد الأساقفة ورقة أو مداخلة سميت بـ"الوثيقة السرية" الى (أمانة سر المجمع) صاغها بلغة سياسية بعيدة عن مقتضيات المجاملة والتملق والنفاق.المداخلة تتعلق بالتحديات الأساسية التي يشكلها الاسلام والمسلمين على استقرار مسيحيي المشرق في أوطانهم.وتناولت موقف "الاسلام والعقيدة الإسلامية" من عديد من القضايا الحساسة التي تهم المجتمعات المسيحية،مثل وضعية المرأة، وكيفية تعاطي المسلم مع المسيحي، ومسألة الناسخ والمنسوخ في الآيات التي تحاكي غير المسلمين، وخصوصاً أهل الكتاب، وصولاً إلى مسائل الجهاد والقتل والحريات الدينية في الإسلام،ويختم صاحب الورقة مداخلته بالتساؤل،عن جدوى (الحوار الاسلامي/ المسيحي) في ظل تعصب وتزمت المرجعيات الاسلامية.ويضيف الخبر:" بمجرد تسرب مضمون الورقة اتصل مسئولون كباراً، من أكثر من دولة عربية وإسلامية، بمشاركين في السينودس، طالبوا بسحب تلك الورقة المثيرة، وقد تحقق ما أرادوه وسحبت الورقة من التداول ومن الموقع الالكتروني الخاص بالسينودس.
من غير أن نقلل من أهمية وعدالة القضية الفلسطينية ومن مخاطر الاحتلال الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه. لكن أعتقد بأن التحديات التي تواجه "مسيحيي العراق" اليوم لا تقل عن مخاطر الاحتلال الاسرائيلي على الفلسطينيين،ان لم تفوقها. سبعة عقود من الاحتلال لم تقض على الوجود الفلسطيني. لكن سبعة أعوام من الفلتان الأمني والسياسي والصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية، بين شعوب وأقوام العراق، قضت أو كادت أن تقضي على أكثر من مليوني مسيحي عراقي،معظمهم من (الكلدوآشوريين) سكان العراق الأوائل، من غير أن يكونوا متورطين في هذه الصراعات.صحيح أن الاحتلال الامريكي يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية عن المشهد الدامي في العراق. لكن الصحيح أيضاً،أن المسيحيين يقتلون،فقط لكونهم مسيحيون، بأيدي "مجموعات اسلامية" عراقية وغير عراقية.المجزرة الفظيعة التي حصلت للمصلين والكهنة يوم الأحد الماضي 31-10-2010 ،أي بعد أيام قليلة من انتهاء فعاليات السينودس، داخل كنيسة سيدة النجاة وسط بغداد،تؤكد مجدداً على طبيعة ومصدر الخطر الحقيقي الذي يواجه ليس مسيحيي العراق فحسب، وانما مسيحيي المشرق العربي الاسلامي عموماً.فهذه المجزرة المروعة يمكن لها أن تتكرر في أية كنيسة مشرقية اذا ما تمكنت منها التنظيمات الاسلامية المتشددة والمجموعات الارهابية العابرة للحدود والقارات،مثل "القاعدة" و"أنصار دولة العراق الاسلامية"، التي تبنت مذبحة كنيسة سيدة النجاة،وهددت بتفجير كنائس الأقباط في مصر.
لا شك،أن محنة مسيحيي العراق ومصر والمشرق عموماً هي أكبر وأعقد من أن يعالجها سينودس أو ملتقى ديني هنا وهناك توصياته وقراراته غير ملزمة لأحد.وهي أعمق من أن تخففها وتحد منها بيانات الإدانة والاستنكار.لكن في ظل تلكؤ وتقصير النظام المصري في حماية المواطنين الأقباط وتواطؤ أجهزته الأمنية مع المجموعات الاسلامية المتشددة التي تستهدفهم، ومع تفاقم محنة مسيحيي العراق،حيث يرقى العنف الممنهج ضدهم في بعض فصوله ومحطاته الى مستوى "جرائم الابادة الجماعية"،وإخفاق حكومات العراق الجديد في حماية الأقلية المسيحية المستضعفة، أو بالأحرى أنها غير راغبة وغير جدية في توفير الحماية الوطنية لها،ومع تفكك الدولة العراقية ووصول تجربة "التعايش الوطني "بين شعوب وأقوام هذا البلد(العراق) الى نهايتها،إزاء هذه الأوضاع، كان المنتظر أن يعمل ويتحرك سينودس أساقفة المشرق،عبر لجان خاصة تنبثق عنه تضم رجال دين كبار وشخصيات مدنية وخبراء بالقانون الدولي،على خط "تدويل" قضية مسيحيي العراق أولاً، وتدويل قضية أقباط مصر ثانياً.وكان المنتظر أيضاً، أن يطالب السينودس من "الأسرة الدولية"،مثلما طالب للفلسطينيين، ببعض الاجراءات والتدابير العملية والفعالة"منطقة آمنة" لحماية ما تبقى من مسيحيين في مناطقهم التاريخية داخل العراق،أسوة بما فعله المجتمع الدولي لأكراد العراق عام 1991 . لكن للأسف شيء من هذا لم ولن يحصل.لذلك أرى أن سينودس أساقفة الشرق الأوسط،بنتائجه المحبطة و بتوصياته المخجلة، عمق هواجس مسيحيي المشرق وضاعف من مخاوفهم وزاد من مشاعر الاحباط واليأس لديهم.فقد باتوا على يقين تام بأنهم تركوا وحدهم وسط "العاصفة الاسلامية" لمواجهة الموت والمصير المجهول الذي ينتظرهم في مجتمعات انتهت أو كادت أن تنتهي تجربة "العيش المشترك" بين شعوبها ومكوناتها(العراق،مصر،لبنان ، تركيا،ايران، السودان،الذي يستعد لفصل الجنوب الغير مسلم عن الشمال المسلم).


سليمان يوسف..سوريا
باحث مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com


 
 


35
ويرحل معارض سوري آخر...

لم تمض سوى أيام قليلة على رحيل الشخصية الوطنية السريانية المرحوم(كبرو تازة)،القيادي في حزب العمال الثوري العربي، أحد الأطراف الأساسية في (التجمع الوطني الديمقراطي) المعارض ومن مؤسسي "اعلان دمشق" للتغير الديمقراطي،حتى فجعت الحركة الوطنية السورية برحيل المعارض الوطني البارز وأحد رجالات الحركة الكردية السورية،الاستاذ( اسماعيل عمر)،رئيس حزب الوحدة الديمقراطي الكردي(يكيتي) في سوريا، المنضوي في "اعلان دمشق" ،الذي وافته المنية في مدينة القامشلي صبيحة يوم الاثنين 18 تشرين الأول الجاري اثر نوبة قلبية حادة.
عرفت الراحل عن قرب، من خلال العمل في حقل السياسة والحراك الديمقراطي المعارض الذي شهدته سوريا في السنوات الأولى من عهد الرئيس بشار الأسد. وقد تراجع هذا الحراك وكاد أن يختفي من الحياة السياسية في سوريا بعد عودة السلطات الى سياسة تضييق الخناق على المعارضة الوطنية وتشديد القبضة الأمنية على المجتمع السياسي والحراك الديمقراطي.عرفته مناضلاً كردياً سوريا وطنياً .. محباً لشعبه الكردي ومخلصاً لوطنه السوري..يعتز بهويته الوطنية السورية مثلما كان يتفاخر ويعتز بقوميته الكردية...سعى الى التقارب والتعاون بين الحركة الكردية والحركة الآشورية، لأيمانه العميق بوحدة المصير والمستقبل بين الشعبين الآشوري والكردي في سوريا.
رغم وضعه المعيشي المتواضع استقال من مهنة التدريس في المدارس الحكومية ليتفرع الى العمل السياسي وللدفاع عن الحقوق القومية والديمقراطية للأكراد السورين ولإعادة الجنسية السورية لمن حرم منها بموجب الإحصاء الجائر في محافظة الحسكة لعام 1962 .والراحل لم يبخل في الدفاع عن حقوق الانسان السوري بغض النظر عن انتمائه القومي أو السياسي أو الديني.
بإعلان المناضل (اسماعيل عمر) عن حزب كردي جديد في تسعينات القرن الماضي، وان جاء نتاج حالة انشقاقية عن حزبه الأم (الحزب الديمقراطي الكردي(البارتي) في سوريا،لم يكن مجرد إضافة رقم حزبي الى الخريطة السياسية الكردية في سوريا، وانما كان مشروعاً سياسياً ،أرسى في الساحة الكردية نهجاً سياسياً وطنياً ديمقراطياً،استقطب قطاعات مهمة من الشارع الكردي،أكثر الشوارع السورية حيوية ونشاطاً.انطلق الراحل في خطه السياسي الجديد من رؤية وطنية شاملة للقضية الكردية في سوريا،مؤمناً بالحل الوطني الديمقراطي لها على قاعدة العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الشعوب والقوميات والأقوام السورية،عرباً وكرداً وآشوريين وأرمن وغيرهم.. عمل الراحل على تعزيز وتعميق قيم التآخي والتعايش والاندماج الوطني بين مكونات المجتمع السوري.تميز خطابه القومي بالواقعية والموضوعية والاعتدال والابتعاد عن التطرف والمبالغة في طرح الشعارات السياسية. كان يتطلع ويعمل للانتقال بسورية الى دولة مدنية ليبرالية ديمقراطية (دولة المواطنة الكاملة) لكل أبنائها ومواطنيها. آمن بالتحول الديمقراطي السلمي في سوريا لأنه الضمانة الوحيدة لاستقرار البلد وصيانة وحدته الوطنية وتماسك جبهته الداخلية..
بفضل نهجه الوطني نال ثقة واحترام مختلف القوى الوطنية في سوريا،من عربية وآشورية وكردية وليبرالية واسلامية ومنظمات المجتمع المدني ولجان حقوق الانسان.. نجح الراحل الى حد كبير بأن يكون عاملاً توفيقاً في الساحة الكردية التي تعاني من التشرذم الفكري والسياسي بسبب التعددية الحزبية المفرطة ...
برحيل المناضل الكردي والمعارض السوري البارز(اسماعيل عمر) خسرت الحركة السياسية الوطنية السورية عموماً والحركة الوطنية الكردية خصوصاً أحد رجالتها البارزين، لما كان يمثله الفقيد من وجه كردي ووطني ديمقراطي منفتح على الآخر..
 معرفتنا بحزب الوحدة الديمقراطي الكردي (يكيتي) في سوريا تعطينا الثقة بأن الحزب سيكمل المسير التي بدأها الراحل وسيبقى أميناً لخطه السياسي ونهج الوطني .كما وكلنا ثقة بقدرة حزب الوحدة والحركة الكردية عموماً على تجاوز هذا المصاب الجلل وعلى ملء الفراغ السياسي والنضالي الذي تركه الراحل الكبير في الساحة الكردية والوطنية....
الأعزاء في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي(يكيتي) في سوريا...العزاء عزائنا جميعاً في الحركة السياسية السورية بكل طيفها الحزبي والقومي والفكري .لكن أخلص العزاء لأسرة الفقيد ,ومناصريه, وأصدقائه، على امتداد ساحة الوطن السوري الكبير..
للفقيد واسع الرحمة ولأسرته وذويه الصبر والسلوان.................

سليمان يوسف... القامشلي
آشوري سوري...
shosin@gmail.com

 

 



36
"سينودس اسلامي" لأجل قضية مسيحيي المشرق

 

رغم أن معظم مسيحيي المشرق متحدرون من أصول غير عربية(أقباط،آشورييون/سريان،أرمن، موارنة، ..) لعبوا دوراً ريادياً ومهماً في نهضة العرب المسلمين، الثقافية والحضارية، وفي تحررهم من المستعمر العثماني ومن ثم الأوربي.لكن لم تمض سنوات على استقلال الدول العربية حتى بدأت عملية تهميش ممنهجة للمسيحيين ومحاصرة "المسيحية المشرقية" من قبل الحكومات الوطنية،وأخذت بالتراجع والانحسار في هذه المنطقة التي ظهرت فيها ومنها انتشرت في مختلف أنحاء العالم.فقد أخفقت الحكومات الوطنية في توفير مقومات الاندماج الوطني بين مكونات المجتمع الواحد وفي ضمان شروط العيش المشترك بين الاسلام والمسيحية وبقية الديانات والثاقافات الأخرى، رغم ما يربطه معها من تاريخ مشترك.فضلاً عن أن نظرة غالبية العرب المسلمين الى الانسان المسيحي مازالت أسيرة النظرة الاسلامية التقليدية التي اساسها (القرآن والسنة والأحاديث)،والتي ترى في المسيحيين وفي غير المسلمين عموماً مجرد "رعايا" و"أهل ذمة"و"كفار"،وفي أفضل الأحوال أنهم "ضيوف غير مرحب بهم في الدول الاسلامية"وليسوا بمواطينين.هذه البيئة (الثقافية والاجتماعية والسياسية)الاسلامية، التي تنبذ الآخر وترفضه وتقلل من شأنه وتنتقص من قيمته وحقوقه،هي المسؤولة عن تنامي الاتجاهات الاسلامية المتشددة والارهابية،مثل القاعدة وغيرها، التي تستهدف الأقليات المسيحية في أكثر من دولة مشرقية(العراق،مصر، تركيا، لبنان،فلسطين،وغيرها..)وتعمل على افراغ المنطقة من المسيحيين.
تحت ضغط هذه الأوضاع والمخاطر المحدقة بمسيحيي المشرق،واستجابة لدعوات الأساقفة الكاثوليك في دول المشرق،انعقد في العاشر من تشرين الأول الجاري (سينودس) بحضور بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر وأكثر من 180 أسقفاً يمثلون مختلف الكنائس المشرقية.سيناقش المشاركون في هذا السينودس على مدى أسبوعين المشاكل والتحديات التي تواجه مسيحيي المشرق والبحث عن سبل تعزيز وجودهم والحد من هجرتهم من أوطانهم الأم،وكيفية تشجيع الوئام بين المسيحيين والمسلمين في منطقة الشرق الأوسط ،حيث يعيش نحو 20 مليون مسيحي وسط نحو نصف مليار مسلم. (تشير التوقعات إلى أن تعداد المسيحيين  سينخفض إلى  /6/ ملايين  عام 2025).وهذا يعني بأن المشرق سيخلو من سكانه الأصليين، نهاية القرن الحالي أو بدايات القرن القادم على ابعد تقدير،اذا ما بقيت أوضاع المنطقة على ما هي عليه من حالة عدم استقرار سياسي وأمني وفقر وبطالة وتخلف.هذا اللقاء المسيحي الكبير في حاضرة الفاتيكان،الذي دق "ناقوس الخطر" على مصير ومستقبل المسيحية المشرقية ، يؤكد على أن قضية" مسيحيي الشرق" هي مشكلة (دينية ثقافية اجتماعية) بالدرجة الأولى،قبل أن تكون سياسية.بمعنى أنها ترتبط بالموروث التاريخي ( الثقافي والديني والاجتماعي) المتخلف لشعوب المنطقة،أكثر من ارتباطها بطبيعة الحكم والأنظمة السياسية القائمة.من المنظور ذاته أرى، لو أن "اسرائيل" دولة اسلامية، ما كان للنزاع العربي الاسرائيلي،الذي أثر سلباً على الوجود المسيحي المشرقي،أن يدوم ويستمر كل هذه العقود والسنين حول "المشكلة الفلسطينية"، وما كانت اندلعت كل هذه الحروب بين العرب والاسرائليين، وما كان لهذا النزاع على "الأرض والحدود" أن يتحول الى "صراع وجود"،المفهوم الذي أطلقه الرئيس (جمال عبد الناصر) وتبنته معظم التيارات العربية الاسلامية(القومية والدينية).ألا يعزز وجهة النظر هذه، رفض المصريين، وهم بغالبيتهم من المسلمين، التطبيع مع "دولة اسرائيل" رغم ابرام مصر لاتفاقية سلام وصلح مع دولة اسرائيل التي يرفف علمها في سماء القاهرة.بتعبير آخر،لو أن "اسرائيل" دولة اسلامية لتصالح العرب المسلمين مع الاسرائليين المسلمين ولانتهى الصراع العربي الاسرائيلي منذ أمد طويل.اذ كان سيتخلى العرب عن "أرض فلسطين" مثلما تخلوا عن "عربستان" لايران المسلمة وعن "لواء اسكندرون" لتركيا المسلمة،من منطلق أن "الاسلام" لا يعترف بالاختلافات القومية أو العرقية بين الشعوب الاسلامية.في الاطار ذاته، ألم يقبل العرب المسلمين بـ"الاحتلال العثماني المسلم"، الذي استعمرهم طيلة أربعة قرون باسم "الخلافة العثمانية" ولم يتخلصوا من الاحتلال العثماني الا بفضل الجيوش الأوربية التي قوضتت الامبراطوية العثمانية وفككتها اثناء الحرب العالمية الأولى. طبعاً القول،بأن قضية "مسيحيي المشرق" هي قضية دينية في جذورها وأساسها، لا يعفي ولا يبرئ الحكومات من مسؤولية تفاقم أوضاع مواطنيها المسيحيين.وليس صحيحياً بأنها (الحكومات) غير قادرة على  حماية وتحصين الأقليات المسيحية لديها في ظل انتشار المجموعات الارهابية وتنامي الاصولية الاسلامية المتشددة.اذ نرى هذا النظام أو ذاك كيف يتحرك ويستنفر بكل قوته وترسانته العسكرية وأجهزته البوليسية عندما يتعرض أمنه للخطر أو عندما يحصل اعتداء على أحد عناصره أو أجهزته الأمنية من قبل جهة ما، اسلامية كانت أو غير اسلامية.
يتأمل المشاركون في هذا السينودس أن يتحرك (بابا الفاتيكان)،الرئيس الأعلى للكنيسة الكاثوليكية في العالم وبما له من ثقل ووزن معنوي وديني كبيرين على الساحة الدولية، لتفعيل القرارات والتوصيات الخاصة بقضية مسيحيي المشرق والتي ستصدر عن هذا الملتقى المسيحي في ختام جلساته.كذلك حث المجتمع الدولي على القيام بواجباته ومسؤولياته الأخلاقية والانسانية تجاه الأقليات المسيحية في دول المشرق العربي الاسلامي، والعمل الجاد على نشر السلام وتعزيز الاستقرار في المنطقة، والاسراع في حل الأزمات التي تعصف بها،خاصة النزاع الاسرائيلي الفلسطيني والأزمة العراقية والأزمة اللبنانية.فمن شأن السلام وحل الأزمات، التخفيف  من درجة الاحتقانات ومن حدة التوترات بين شعوب المنطقة،وهذا كله من دون شك سينعكس ايجابياً وبشكل كبير على وضع الأقليات المسيحية وعلى جميع الأقوام والفئات المستضعفة الأخرى.ربما،ليس بمقدور هذا الملتقى الديني فعل الكثير لأجل مسيحيي المشرق،خاصة وان القرارات و التوصيات التي ستصدر عنه هي غير ملزمة لأحد.لكن مجرد انعقاده هو حدث مهم ، من حيث الزمان والمكان والأجندة المعلنة.وهو يحمل أكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه،تتمحور جميعها حول لفت أنظار جميع المعنيين، في الشرق والغرب، الى المخاطر المحدقة بالمسيحية المشرقية والتنبيه الى المضاعفات السلبية على المجتمعات العربية والاسلامية التي ستنجم اذا ما تلاشت واندثرت "المسيحية المشرقية" من مهدها.ابرز هذه الرسائل وأهمها، هي تلك الموجهة الى المشرق العربي الاسلامي،حكام ونخب وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني ومرجعيات دينية.فقد اراد المشاركون في هذا السينودس القول: بأنهم فقدوا الثقة أو كادوا يفقدونها ليس بالحكومات فحسب،وانما ايضاً بمختلف قوى وفعاليات المجتمعات التي يعيشونها فيها لجهة قيامها بدورها وواجباتها تجاه قضية المسيحيين المشرقيين.فهم ما كانوا ليلجؤا الى الفاتيكان لو أن دعواتهم ومطالباتهم المتكررة و الخاصة بتحسين الأوضاع القانونية والاجتماعية للمسيحيين لاقت استجابة وآذان صاغية من قبل حكوماتهم الوطنية ومن قبل شركائهم في الوطن.ومنذ الاعلان عن هذا السينودس الخاص،برزت العديد من الأصوات والأقلام العربية والاسلامية تنتقده وتشكك بنوايا وأهداف الداعين والراعين له.ينفي أصحاب هذه الأقلام والأصوات وجود قضية اسمها "مسيحية مشرقية".بدلاً من الاشادة بهذا السينودس المسيحي والدعوة الى تفعيل القرارات والتوصيات التي ستصدر عنه،واطلاق مبادرات عربية واسلامية لعقد مؤتمرات ولقاءات مماثلة لدراسة واقع مسيحيي المشرق.من المؤسف جداً أن تقع بعض الشخصيات والمرجعيات المسيحية المشرقية تحت الضغوط أو المجاملات لتنفي بدورها ما يعانيه مسيحيو المشرق من ظلم واضطهاد.يبدو جلياً،أن مواقف الرافضين لللاعتراف( بأن الأقليات والمجموعات المسيحية في المجتمعات العربية والاسلامية هي مضطهدة دينياً واجتماعية) مازالت أسيرة نظرية أو "عقدة المؤامرة".فهم يتهمون، كل من يثير مسالة "المسيحية المشرقية" بالتواطؤ مع الغرب (الأمريكي الأوربي) والصهيونية والعمل على خدمة أهدافهما، التي يصفونها بالاستعمارية والمعادية للعرب والمسلمين. ربما،ثمة مصلحة للغرب في هجرة مسيحيي المشرق ولجوئهم اليه، لما يمثلونه من عقول وأدمغة علمية وأيدي عاملة منتجة جاهزة. بالمقابل تشكل هذه الهجرة استنزاف المجتمعات المشرقية من العقول والطاقات والكفاءات التي هي بأمس الحاجة إليها،فضلاً عن أن الهجرة المسيحية تعطي انطباعاً للعالم بأن "الإسلام" لا يتقبل الآخر ولا قدرة له على العيش حتى مع الوجود المسيحي المشرقي الأصيل الذي يجمعه مع الاسلام تاريخ حضاري طويل، فكيف لهذا الاسلام أن يتعايش مع اليهود وغيرهم. وما يعزز هذا الانطباع خلو المجتمعات العربية والاسلامية من الأقليات اليهودية التي كانت تعيش فيها منذ قرون.بلا ريب،مثل هذا الانطباع يخدم الأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية في المنطقة.لكن،حتى اذا سلمنا جدلاً بنظرية المؤامرة وبوجود مخطط امريكي صهيوني لتهجير المسيحيين من المنطقة وافراغها منهم ، أليست الأدوات المنفذة لهذا المخطط هي عربية اسلامية بامتياز.بمعنى آخر،ألا تتقاطع مصالح الغرب والصهيونية مع أهداف ومصالح التيارات الاسلامية المتشددة التي تستهدف مسيحيي المشرق لافراغه منهم .جدير بالذكر،أن الكاتبة الفرنسية(آني لورنت) كانت قد تنبأت بعد أحداث ايلول 2001"بأن المسيحيين في العالم الإسلامي سيكونون شهداء العقيدة المسيحية التي يؤمنون بها وضحايا العدوان الإسلاموي المتطرف عليهم".
كم كان عظيماً لو أن دولة عربية أو اسلامية مشرقية دعت الى مثل هذا السينودس المسيحي واحتضنته.أو بادرت مرجعيات ومنظمات اسلامية كبيرة، مثل( منظمة المؤتمر الاسلامي) لعقد "سينودس اسلامي" لأجل بحث مستقبل المسيحية المشرقية وسبل تثبيت وتعزيز الوجود المسيحي في العالم العربي والاسلامي.اعتقد بأن قضية بحجم وأهمية وحساسية قضية "مسيحيي المشرق" تستحق أكثر من "قمة عربية اسلامية شرق أوسطية". فمثل هذه القمة أو القمم سيكون لها وقع ايجابي معنوي كبير على نفوس معظم المسيحيين المشرقيين.كما ستؤكد هذه القمة بمجرد انعقادها على وجود "رغبة اسلامية" حقيقة ببقاء المسيحيين المشرقيين في أوطانهم الأم يعيشون الى جانب شركائهم المسلمين بكامل الحقوق والوجبات،فضلاً عن أن قمة عربية اسلامية لأجل مسيحيي المشرق من شأنها أن تغيير الكثير من المفاهيم الاسلامية القديمة والخاطئة السائدة اليوم حول المسيحية المشرقية وأتباعها.تلك المفاهيم التي مازالت تؤثر سلباً على العلاقة بين المسيحيين والمسلمين.لكن للأسف يبدو أن معظم الحكومات العربية والاسلامية قد تخلت عن هذا المكون المشرقي الأصيل، أو على الأقل هي باتت غير مكترثة بوجود المسيحيين وبمصيرهم المهدد بالتلاشي.قطعاً،لا ننفي وجود قطاعات اسلامية مهمة بينهم علماء ورجال دين ، وكذلك قوى وتيارات اسلامية كثيرة، حريصة على بقاء المسيحيين المشرقيين في أوطانهم الأم معززين مكرمين وحريصة على تمتعهم بكامل حقوقهم وحرياتهم الدينية،مثلهم مثل المسلمين.وقد شاركت بعض هذه التيارات والمنظمات الاسلامية عبر ممثلين لها بفعالية في السينودس المنعقد حالياً في الفاتيكان،مثل(الدكتور محمد السماك)،أمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي، ومستشار مفتي الطائفة السنية في لبنان. وقد ألقى الدكتور السماك كلمة مهمة وبليغة ضمن فعاليات اليوم الرابع للسينودس جاء فيها:  "إنّني أخاف على مستقبل مسلميّ الشرق من هجرة مسيحيّيّ الشرق"، وأكد في كلمته على أنّ "المحافظة على الحضور المسيحيّ هو واجبٌ إسلاميّ عامّ بقدر ما هو واجبٌ مسيحيٌّ عام..". وكان السماك قد أكد في مناسبات عديدة سابقة على " أن لا مستقبل للمنطقة العربية من دون العيش المشترك الاسلامي المسيحي". لكن للأسف يبدو أن الغلبة،أو الكفة الراجحة، في هذه المرحلة وحتى اشعار آخر، ليست لمثل هذه التيارات الاسلامية المتنورة والمنفتحة على الآخر و التي تتطلع الى "دولة مواطنة" تحقق العدل والمساواة بين جميع أبنائها ومواطنيها دون تمييز أو تفضيل على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي.وانما (الغلبة) هي للاتجاهات الاسلامية المتطرفة والمتشددة التي ترفض قبول الآخر .تلك المحمولة بمشاريع سياسية ودينية وأمنية من شأنها أن تزعزع، أو هي زعزعت، قيم وأسس العيش المشترك بين ديانات وشعوب المنطقة.
أخيراً: لا أجافي الحقيقة اذا قلت: بأن الشعور السائد اليوم لدى غالبية الأوساط المسيحية المشرقية،هو الاحباط واليأس من مستقبل مجهول ينتظر أولادهم وأحفادهم في هذه المنطقة التي تنام على صفيح ساخن بالتوترات والقلاقل والاضطرابات.

سليمان يوسف... سوريا
 باحث مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

 
 





 

 
 
 


37
رحلَ المعارض السوري(كبرو تازة)، وحسرة"التغيير الديمقراطي" في قلبه..!

من غير كلمة وداع،غادرنا الى العالم الآخر،الى حيث ترقد الآلهة,الشخصية الوطنية والقيادي في حزب العمال الثوري العربي وهيئة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض (فرع الحسكة) والعضو في اللجنة لوطنية لقوى إعلان دمشق في المحافظة،المرحوم(جبرائيل ماروكي) المعروف بـ(كبرو تازة- أبو بسام)، الذي وافته المنية صبيحة يوم الاثنين الواقع في الرابع من تشرين الأول الجاري 2010 .
الكلمات وحدها، مهما كانت بليغة ومؤثرة،لا تفي الراحلين الكبار حقهم، وانما تبقى الحد الأدنى من واجب الوفاء لهم، فكيف إذا كان الراحل بقامة ومكانة المرحوم (كبرو تازة) الذي عرفه الكثيرون على مدى عقود ، سياسياً ومناضلاً  لا يكل ولا يتعب، ومربياً ناجحاً. ظلت هموم الوطن والمواطن شغله الشاغل وهاجسه الأول، لازمهما بمبدئية وثبات ونكران ذات حتى رحيله .
فقيدنا الغالي(أبا بسام)،عذراً من روحك الطاهرة ،بسبب المحاذير الأمنية والخوف من سلطة قمعية تلاحق معارضيها حتى وهم أموات في طريقهم الى مثواهم الأخير، لم يقام لك حفل (تأبين سياسي) يليق بمقامك وبمكانتك الوطنية الرفيعة.عذراً من كل الذين جاءوا وتحملوا مشقة السفر للمشاركة في مراسيم التشييع والدفن،ومن كل الذين أرادوا التحدث عنك وعن خصالك الحميدة وعن مناقبك الوطنية الكثيرة وعن أخلاقك الانسانية العالية.
نم قرير العينين يا (أبا بسام). فالحشد الجماهيري الكبير،الذي سار خلف نعشك المسجى بـ(العلم الوطني) وضم من كل الطيف السوري(عرباً وأكراداً ،آشوريين وأرمن،مسلمين ومسيحيين وايزيديين، ومن كل الاتجاهات السياسية)، كان أعظم تأبين وطني لك وأقوى من كل الكلمات التي كانت ستقال وتتلى في مجلس العزاء المزين بالصلبان وأكاليل الورد وبطاقات التعازي.
المرحوم (كبرو تازة)، ابن أسرة سريانية فلاحية كادحة.ينتمي الى جيل الأربعينات.من قدامى لاعبي "نادي الرافدين" السرياني، الذي تأسس عام 1936 وتألق على المستوى الوطني والإقليمي،الأمر الذي أغاظا العقلية الشوفينية العربية حتى أغلقته عام 1962.منذ أن كان  شاباً يافعاً انشغل الفقيد كبرو في الشأن العام وانخرط في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي.شارك في انتفاضة الفلاحين ضد الإقطاع وملاكي الأراضي في الجزيرة السورية في ستينات القرن الماضي.وقف مع الجناح البعثي الماركسي بزعامة المرحوم (الياس مرقص)،والذي انشق عن حزب البعث لاحقاً وشكل حزباً جديداً باسم(حزب العمال الثوري العربي)، يقوده اليوم الاستاذ عبد (الحفيظ حافظ) .حزب العمال هو عضواً في (التجمع الوطني الديمقراطي) المعارض منذ تأسيسه عام 1980.بقي المرحوم(كبرو) مخلصاً لمبادئه التي آمن بها وناضل من أجلها.تعرض أكثر من مرة للتوقيف والاستجواب من قبل الفروع الأمنية على خلفية نشاطه السياسي.كان بحق جندياً مجهولاً يعمل بعيداً عن الأضواء بين الناس وللناس.تميز بحسه الوطني والإنساني وبأخلاقه العالية وبنفس متواضعة.كان كبيراً مع الكبار وصغيراً مع الصغار.حتى أصبح نموذجاً ومثالاً يحتذى به في مختلف المواقف والمناسبات.بسلوكه القويم كسب ود واحترام وثقة الجميع.شكل الفقيد حالة وطنية ونقطة التقاء جامعة لا بل كان مدرسة وطنية متميزة.حيث كانت دارته ملتقى مفتوحاً لكل المنخرطين في الشأن العام ومن كل الطيف السياسي السوري. وقد خاطبته زوجته السيدة (هدى) في كلمة الوداع التي ألقتها في رحيله "سيبقى باب بيتك مفتوحا ً للجميع...ستظل مكتبتك مرجعا ً للجميع.... لقد عشت و مت و أنت محكوم بالأمل.. سأبقى قوية يا أبا بسام كما كنت تريد...و لن أنحني مهما حصل".
لعب الفقيد دوراً كبيراً ومؤثراً في تعزيز الروح الوطنية لدى أوساط شبابية وشعبية كثيرة في مدينة القامشلي التي نشأ وترعرع فيها،خاصة في الأوساط السريانية(الآشورية) والمسيحية عموماً.كان معلماً ومربياً ومديراً في المدارس الحكومية. تميز بنظافة اليد والفكر واللسان ونقاوة القلب والإخلاص والتفاني في العمل. لم يترك مالاً ولم يبن قصوراً لأبنائه. لكنه ترك لهم رصيداً وطنياً كبيراً من حب الناس وتقديرهم لهم، لا يقدر بثمن.
كان الفقيد من دعاة التعايش السلمي بين مختلف القوميات والثقافات والأديان..ومن دعاة احترام الحقوق الديمقراطية والقومية لكل السوريين من غير العرب، إيمانا منه بأن سوريا يجب أن تكون وطناً لكل السوريين.كان ينبذ العنف والتعصب.. لا مكان للطائفية والعنصرية  في قاموسه الشخصي وفي ثقافته الوطنية... فرغم انخراطه في الحركة القومية العربية، كان صديقاً وفياً لكل الناشطين في الحركتين الآشورية والكردية. يبحث عن المشتركات الوطنية معهم ويبتعد عن الخلافات الآيديولوجية والفكرية .لهذا،رحيل (أبو بسام) شكل خسارة كبيرة ليس لأسرته وحزبه فحسب، وانما للحركة الوطنية السورية عموماً وللحركتين (الآشورية والكردية) خصوصاً،لما كان يمثله المرحوم من جسر للتواصل وعامل حراك سياسي وساحة تلاقي بين هذه الحركات الوطنية.لقد أثبت في أكثر من موقف ومحطة بأنه كان أكثر حرصاً، على وحدة وتماسك الحركتين(الآشورية والكردية)، من بعض القائمين على هذه الحركات،التي تعصف بها من حين لآخر أزمات داخلية.فهو كان ينظر الى كلتا الحركتين وتعاطى معهما على أنهما جزء من الحركة السياسية الوطنية، أو هكذا أراد أن تكونا ...
رغم قسوة الاستبداد وعسف النظام بالمعارضين لنهجه وسياساته ورفضه للقاعدة الديمقراطية في (تداول السلطة)،بقي الراحل صامداً لم يعرف التعب واليأس،محكوماً بالأمل والتفاؤل بقرب التغيير الديمقراطي في سوريا.الحلم الذي ناضل وناضل الكثيرون من أجله، ولأجله زج بالكثيرين في السجون... في ثمانينات القرن الماضي،حيث كان النظام السوري على أشد قوته،عاتبني الفقيد العزيز (كبرو تازة) على اختياري لكلية الفلسفة وعلم الاجتماع، بدلاً من كلية الحقوق،قائلاً:"البلد بحاجة لمحامين وقضاة أكفاء ومبدئيين يُعتمد عليهم في المستقبل للدفاع عن حقوق المحرومين والمظلومين من الشعب السوري".أجبته متسائلاً: " هل برأيك يا أبا بسام ثمة فرصة لمحام أو قاض جيد أن يأخذ دوره ويمارس مهنة المحاماة كما يملي عليه ضميره وواجبه الوطني والأخلاقي في ظل نظام شمولي مستبد، لا فصل فيه بين السلطات الثلاث وخضوع الجهاز القضائي لأوامر وهيمنة الأجهزة الأمنية .." فرد الراحل كبرو:" هل تفكر أن يدوم هذا النظام الى حين تنهي دراستك الجامعية وتتخرج محامياً ...أضاف: اذا ما بقي،  فعليك وعلى شهادتك وعلينا جميعاً السلام"....!!!.ها قد غادرتنا يا أبا بسام وبقي التغيير الديمقراطي حسرة في قلبك!..رحلتَ، والنظام باق، وقد جدد نفسه وأعاد ترتيب أوراقه الداخلية والخارجية مع رئيس شاب(الأسد الابن )، غالباً سيحكم سوريا عقوداً. عذراً من روحك الطاهرة، ومن روح كل السوريين الذي حلموا بالديمقراطية وسبقوك الى العالم الآخر. لأننا قد نموت ونرحل جميعاً ويبقى "مشروع التغيير الديمقراطي" مجرد "حلم" نورثه لأبنائنا وأحفاد أحفادنا من بعدنا...
برحيلك فقدت مدينة القامشلي الشامخة رمزاً من رموزها الوطنية. وتركت فراغاً سياسياً واجتماعياً يصعب ملئه في هذا الزمن السوري الصعب ... 
 ودعنا يا أبا بسام،كنت أنساناً قبل كل شيء،وصديقاً عزيزاً.ستبقى ذكراك حية خالدة في أفئدتنا وعقولنا و نفوسنا، وستبقى المثل والقدوة.. وشعلة متقدة في تاريخ الحركة الوطنية السورية عموماً وفي منطقة الجزيرة السورية خصوصاً.
نعم يا أبا بسام،العزاء عزاءنا جميعاً. فموتك ترك حزناً عميقاً في نفوسنا.....لكن أخلص العزاء لزوجتك الكريمة السيدة (هدى ملكون) التي وقفت الى جانبك في كل الظروف والمحن والتي سهرت على صحتك بعد مرضك.. وأخلص العزاء الى أبنائك وأسرتك المكافحة .. والى كل أصدقائك ومحبيك ورفاق دربك في حزب العمال الثوري العربي وفي الحركة السياسية الوطنية السورية... وألف تحية  إلى روحك الطاهرة...

سليمان يوسف
القامشلي – سوريا
shuosin@gmail.com


38
الأحزاب السورية ومسألة الأقليات(1- 8)


مقدمة البحث:
 الأقليات:جماعات تتميز، عرقياً أو قومياً أو دينياً أو مذهبية أو لغوياً ،عن بقية السكان في مجتمع ما.لديها شعور مشترك بالانتماء، وهي ترغب وتسعى للمحافظة على هذا الانتماء وعلى هويتها الخاصة.بسبب خصوصيتها،غالباً ما تضطهد الأقليات وتستبعد عن الحياة السياسية وعن المشاركة الفعلية في ادارة البلاد من قبل الأغلبية المهيمنة.أحياناً،ولظروف محلية وعوامل تاريخية وسياسية واجتماعية معينة ،تتمكن الأقلية في بلد ما من الوصول الى السلطة واحتكارها لها وتهميش الأغلبية.طبعاً،هكذا حالات وأوضاع لا تبدو صحية أو طبيعية في الحياة السياسية للدول،سياسية كانت هذه الأقلية المهيمنة أم قومية، دينية كانت أم مذهبية.فقد أثبتت تجارب التاريخ بأن الدول والمجتمعات البشرية لن تتقدم ولن تستقر سياسياً إلا في ظل حكم الأغلبية والتداول السلمي للسلطة.
بفعل التطورات والتحولات السياسية والفكرية الكبيرة التي حصلت في العالم والمنطقة في العقدين الأخيرين،أبرزها سقوط (جدار برلين) و تفكك الاتحاد السوفيتي وتحرر شعوبه من الاستعمار الروسي، برزت"مسألة الأقليات" على السطح السياسي والاجتماعي لتشكل بمفاعيلها إحدى أخطر التحديات الداخلية لكثير من الدول.وتبدو معضلة الأقليات أكثر خطورة وحدية في دول منطقة الشرق الأوسط،،حيث يترعرع فيها كل أنواع الأقليات(القومية،الدينية ،الاثنية ،اللغوية ،المذهبية،..)،وحيث الرغبة القوية  لدى العديد من هذه الأقوام والشعوب في الانفصال  أو الحكم الذاتي، انطلاقا من مبدأ (حق تقرير حق المصير)،كخيار مناسب للتحرر والخلاص من هيمنة واستبداد الأغلبية.
الدولة السورية الحديثة،التي تأسست في عشرينات القرن الماضي وسط (سوريا الكبرى،أو التاريخية)، ليست استثناءاً عن هذا العالم الذي هي جزءاً منه ومن هذا "الشرق الفسيفسائي" بتركيبته السكانية والاجتماعية والثقافية.فنظراً لموقعها الحيوي والهام في قلب الشرق القديم، شكلت (سوريا) عبر تاريخها الطويل ومازالت، موطناً لكثير من الشعوب والأقوام والثقافات والديانات واللغات.فهي بحق"مهد الحضارات"،تحتضن اليوم:
-   عرب مسلمون،يتوزعون على العديد من المذاهب الاسلامية( سنة،وهم الغالبية، علوييون ،إسماعيليون، دروز).
-   عرب مسيحيون، يتوزعون على العديد من المذاهب والطوائف(كاثوليك، أرثوذكس، بروتستانت).
-   مسيحيون غير عرب،معظمهم من الآشوريين(سريان/كلدان)،وأقلية أرمنية .
-   أقليات عرقية اسلامية غير عربية(أكراد،شركس ، تركمان).
-   أقلية صغيرة من أتباع الديانة اليزيدية،وأخرى من الطائفة الموسوية(اليهودية) السورية.
من المهم جداُ التأكيد في سياق هذه القضية،على أن جميع هذه الأقوام والشعوب تنتمي الى المجتمع السوري وهي جزء من نسيجه الوطني.فهي ليست بشعوب أو أقليات دخيلة أو وافدة على الدولة السورية،كما يروج بعض القوميين العرب والاسلاميين.فأصغر وأحدث هذه الأقليات تعيش منذ عدة قرون على الأرض السورية.وبعض الشعوب السورية،مثل الآشوريون(السريان)،الذين يشكلون العمق الحضاري والتاريخي لسوريا الكبرى ولبلاد ما بين النهرين وعنهم أخذت سوريا اسمها، سبق وجودهم بعشرات القرون وجود العرب المسلمين، الذين استوطنوا في الأراضي السورية بعد الغزو الاسلامي. تجدر الاشارة هنا الى أن قادة "الانقلابات العسكرية" الثلاث،التي شهدتها سوريا في بداية استقلالها،كانوا من ابناء الاقليات ومن أصول غير عربية.(حسني الزعيم- كردي)،(سامي الحناوي- درزي)، (اديب الشيشكلي- من أصول تركمانية).رغم انتماءهم الأقلوي،لم يتصرف هؤلاء القادة في تعزيز سلطتهم على اساس طائفي او اثني.وانما  تطلعوا وسعوا،فترة حكمهم القصيرة( 1949- 1954)،الى تعزيز الروابط الوطنية بين ابناء المجتمع السوري ودمج الاقليات والطوائف فيه. وذلك إدراكا منهم لأهمية (الروابط الوطنية) في تجاوز حالة الانغلاق الطائفي والتكسر المجتمعي.وهم وجودوا في (الدولة المدنية) المخرج المناسب لوضع الأقليات وحماية حقوقها والحفاظ عليها من الذوبان والضياع في مشاريع وكيانات سياسية كبيرة، قومية (عربية) أو دينية (اسلامية). لكن مشروع "الدولة المدنية"،الذي تحمست له وسعت اليه النخب الليبرالية من الأقليات السورية وبشكل خاص النخب المسيحية الأكثر انفتاحاً على الثقافات والمجتمعات الأوربية، سقط بين مطرقة "الشريعة الاسلامية"،التي مازالت تشكل خطاً أحمراً في طريق الانتقال الى الدولة المدنية ، وبين سندان "الايديولوجيات الشمولية" للقوميين العرب.الأمر الذي تسبب،بعد نحو قرن كامل على نشأة الدولة السورية الحديثة وأكثر من ستة عقود على استقلالها، في صعود "مسألة الأقليات" لتلقي بظلالها على الحياة السياسية والاجتماعية في سوريا.ولتشكل اليوم اختباراً حقيقياً للقوى الوطنية والديمقراطية واليسارية في البلاد ولمصداقيتها في طرحها لمشروع (الدولة المدنية) ومطالبتها بالديمقراطية.
صحيح أن مشكلة الأقليات(الاثنية والدينية) في سوريا ليست بدرجة من الخطورة بحيث تهدد أمن واستقرار البلاد، كما هو حاصل في عديد من دول المنطقة والعالم.لكن هذا لا يعني أنها غير مرشحة للتصعيد والتفاقم والانفجار، اذا ما اجتمعت وتضافرت ظروف وعوامل داخلية وخارجية،في ظل الانقسامات العمودية الحاصلة وتنامي العصبيات الاثنية والعرقية والانتماءات المذهبية وتراجع المفاهيم والقيم الوطنية في المجتمع السوري.اذا كان نهج الاستبداد (السياسي / القومي) الذي انتهجه حزب (البعث العربي الاشتراكي) منذ انقلابه على السلطة عام 1963، أنتج أو أفرز مشكلة (الأقليات القومية) في البلاد،فان الاستبداد الديني، الذي يخشى منه اذا ما حكمت سوريا يوماً من قبل (قوى اسلامية)،أياً تكن طبيعة هذه القوى الاسلامية وشعاراتها- وهو أمر غير مستبعد في ضوء الصحوة الاسلامية التي تعم المنطقة- سيفجر (الاستبداد الديني)،الى جانب مسألة الأقليات القومية،مشكلة(الأقليات الدينية) أو بالأحرى(مشكلة مسيحية). حيث يعيش اليوم أكثر من 2 مليون مسيحي في سوريا، لن يتخلوا عن حقوقهم الدينية ولن يتنازلوا عن هامش الحريات الاجتماعية المقبول الذي يتمتعون به منذ نشأة الدولة السورية الحديثة.فكما هو معلوم في شرقنا المتدين لا بل المتعصب للدين، تعد(القضايا الدينية)،من المسائل الأكثر قدسية وحساسية وأهمية من القضايا القومية والسياسية.إزاء هذه الأوضاع والتحديات التي تواجه سوريا، تزداد الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتضافر جهود جميع الأحزاب والقوى الوطنية، سلطة ومعارضة ومنظمات المجتمع المدني،للإسراع في الانتقال بسوريا الى الدولة المدنية الحديثة (دولة المواطنة الكاملة) القائمة على تحييد (الدولة) وهويتها الوطنية السورية عن كل دين وعقيدة وعن كل قومية،عربية وغير عربية. اذ ليس من المبالغة القول:أن وحدتنا الوطنية اليوم باتت مرهونة ومتوقفة على الاحتواء الايجابي لقضية حقوق الأقليات وعلى المعالجات السياسية والديمقراطية العادلة لها ولغيرها من القضايا الوطنية العالقة.
في هذا البحث المتواضع، سنتناول بشيء من النقد والتحليل رؤية وموقف الأحزاب والحركات والتيارات السياسية الأساسية المتواجدة على الساحة السورية، بمختلف اتجاهاتها وانتماءاتها(القومية والإسلامية واليسارية)، من مسالة الأقليات(الاثنية والدينية) في سوريا.وذلك في ضوء ما هو متوفر لدينا من وثائق حزبية وبرامج سياسية ومواقف وتصريحات معلنة لمسئولي وقيادات هذه الأحزاب والمنظمات والحركات السياسية.على أمل أن تفيد وتخدم هذه الدراسة في إلقاء الضوء على (معضلة الأقليات) وأن تحث مختلف القوى الوطنية على البحث عن مخارج وطنية مناسبة لها.
طبعاً، ليس من السهل أن يتناول المرء موضوعاً شائكاً  كـ"معضلة الأقليات" في بلد شائك مثل سوريا.يحكمه نظام قومي عربي شمولي، شديد الخصوصية والحساسية من تناول أو طرح (ملف الأقليات).تديره وتتحكم به سلطة قمعية لا تحترم حقوق الانسان ولا تعير أي اهتمام أو اعتبار لمصالح وحقوق القوميات الغير عربية.أنه (ملف الأقليات) هو شائك اجتماعياً:حيث لدى الأكثريات كما لدى الأقليات على حد سواء،موروث ثقافي تاريخي عميق يشكل، بثقله الاجتماعي والفكري، إحدى العقبات الأساسية أمام انجاز وتحقيق الاندماج الوطني المنشود. شائك سياسياً:حيث  تخضع مسالة حقوق الاقليات،كغيرها من القضايا الوطنية الهامة والمصيرية، لمحاذير، سياسية وايديولوجية وعقائدية وأمنية، من قبل النظام.هذه المحاذير سببت فقراً ثقافياً وفكرياً حول كل ما يتعلق بماضي وحاضر (ظاهرة التنوع والتعددية )التي يتصف بها المجتمع السوري،من جهة أولى.كما أن نهج الاستبداد والمحاذير التي فرضها النظام على ملف الأقليات، أخرجت هذه الظاهرة الحضارية عن سياقها التاريخ الطبيعي وتحولت من عامل قوة وغنى وطني وحضاري لسوريا الى عامل ضعف لا بل الى نقمة على سوريا وشعبها،من جهة ثانية.حتى بات يخشى الكثيرون من أن تفرق السياسية، القائمة على التمايزات بين ابناء الوطن الواحد، ما جمعه التاريخ ووحدته الجغرافية،من شعوب وأقوام وملل سورية عريقة.
 
سليمان يوسف... سوريا
باحث مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

 


39
 
                                          نعم:المسيحية المشرقية قلقة،تواجه خطر الاقتلاع                                                                         "رد على الاستاذ ميشيل كيلو"


مع تسارع وتيرة الهجرة المسيحية من منطقة الشرق الأوسط وانحسار وجودها، بدأت تتعالى،عبر المنابر الاعلامية، أصوات المطالبين بتحصين "المسيحيين المشرقيين"،محذرين من مخاطر ومضاعفات خلو المنطقة من هذا المكون المشرقي الأصيل.اذ،يكاد لا يمر يوماً من دون أن تنشر الصحافة العربية،الورقية والالكترونية، مقالاً أو تحقيقاً عن تردي أوضاع المسيحيين المشرقيين وعن التحديات التي تواجههم داخل أوطانهم.يقول الكاتب(غسان الامام)، في مقال له حول (الإشكالية المسيحية وهاجس الحزام الإسلامي) نشر في جريدة الشرق الأوسط اللندنية:"المسيحية العربية تواجه اليوم خطر الاقتلاع، حيثما وجدت في الوطن العربي. وهي تكافح من أجل البقاء في أحواض إقامتها المحاصرة بأحزمة الغالبية الدينية. هذا الكفاح له إحدى ثلاث نهايات: الهجرة. القبول بمواطنة من الدرجة الثانية. مواجهة الاستئصال الجماعي بالحزام الناسف...مجتمعات مسيحية مشرقية، مسكونة بهاجس الخوف من أن يتحول الحزام الإسلامي الذي يلفها ويزنِّرها، إلى حزام ناسف لوجود المسيحية التاريخية في الوطن العربي، قبل ولادة الإسلام بسبعة قرون".
هكذا،بينما يجمع المراقبون والمحللون السياسيون على أن التحدي الأخطر، الذي تواجهه المسيحية المشرقية*، هو تنامي التيارات والحركات الإسلامية المتطرفة والتكفيرية الرافضة  للآخر الغير مسلم و للمسلم الذي لا يشاركها الرأي والموقف،كتب المفكر الاصلاحي السوري المعروف"ميشيل كيلو"، مقالاً بعنوان "مسيحية قلقة"نشرته جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 31-8-2010،يقول فيه " إن الإشكال الأكبر الذي تواجهه المسيحية العربية اليوم يأتي من أخطاء كنائسها: من فهمها للواقع ودورها فيه.."  يبدو جلياً،أن الاستاذ ميشيل أقحم ايديولوجيته القومية العربية ومواقفه السياسية في مقاربته لأوضاع "المسيحية المشرقية".لهذا افتقرت رؤيته الى الواقعية والموضوعية،وفيها تحامل كبير على المؤسسات الكنسية والاجتماعية والسياسية لمسيحيي المشرق،فضلاً عن أن هذه المقاربة المؤدلجة انطوت على مغالطات سياسية كبيرة، من شأنها التشويش على الأسباب الحقيقية لقضية "مسيحيي المشرق".القضية الملتصقة بشكل وثيق بالأيديولوجيات"اللا مساواة"،الدينية والسياسية والقومية، السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية. وهي ايديولوجيات تقلل من شأن ومكانة غير المسلمين وتنتقص من حقوقهم،و كرست مفهوم الأقلية والأغلبية وعمقت التمايزات داخل المجتمع الواحد.وبالمحصلة هذه الايديولوجيات المتكلسة عطلت عملية الاندماج المجتمعي بين مكونات المجتمع.ربما،في مراحل تاريخية معينة،ارتكبت بعض الكنائس المشرقية، هنا وهناك، أخطاء في طريقة تعاطيها مع قضايا محيطها، وهي تصارع من أجل البقاء والاستمرار في بيئة، دينية واجتماعية وثقافية وسياسية، ضاغطة عليها،تحاول ابتلاعها.لكن أياً تكن أخطاء هذه الكنيسة أو تلك لا يمكن تبرير وقبول الاضطهاد،الرسمي والمجتمعي، الواقع اليوم على مسيحيي المشرق.طبعاً،لا ضير من الاشارة الى أخطاء المؤسسات الكنسية وحثها على تطوير ذاتها والارتقاء الى مستوى تكون فيه قادرة على مواكبة متطلبات العيش المشترك والحياة المدنية والحداثة. لكن ثمة ضرراً،سياسياً ومعنوياً،كبيراً عندما نحمل الكنائس المشرقية مسؤولية ما يواجه أبنائها من تحديات ومشكلات.فمثل هذا التضليل على قضية، بالغة الحساسية والتعقيد، من دون شك، يصب في صالح الاستبداد السياسي والديني المهيمنان على شعوب المنطقة، ويخدم النهج الطائفي للأنظمة العربية والاسلامية، فضلاً عن أن مثل هذه الرؤية القاصرة تبرر الاعتداءات المنظمة والغير مبررة التي تستهدف المسيحيين المشرقيين في أكثر من مكان.
يقول الاستاذ ميشيل في مقاله المشار اليه" تعطي المسيحية العربية الانطباع بأنها قلقة وخائفة، وتتصرف بروحية متوجس يتعرض لتهديد يقوض وجوده. أما الأمثلة التي تؤكد ذلك، فنجدها في الموقف من حقوق الفلسطينيين المدنية في لبنان، التي تبدو الكنيسة كأنها ترى فيها شيئا يتجاوز حقوق هؤلاء المدنية، له آثار سلبية على مجمل علاقات وتوازنات الطوائف اللبنانية، مثلما نعثر عليها في موقف الكنيسة القبطية من قرار اعتمدته الدولة يبيح زواج المطلق".لا ننفي بأن "الكنيسة اللبنانية" دافعت عن الامتيازات السياسية للمسيحيين التي منحها لهم النظام الطائفي التوافقي في لبنان.لكن اجماع مختلف القوى السياسية المسيحية الممثلة في البرلمان على رفض "المقترحات الأربعة" بشأن الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية-التي قدمها وليد جنبلاط لأهداف سياسية وطائفية بعد تموضعه السياسي الجديد - يعكس قلقاً حقيقاً لدى المجتمع المسيحي من الوجود الفلسطيني. هذا الوجود، الذي اقترن منذ البداية بحمل السلاح رغم أنف الدولة اللبنانية، شكل ومازال مصدر تهديد لأمن واستقرار لبنان.فكما هو معروف، كان للفلسطينيين دوراً أساسياً في اشعال الحروب الأهلية اللبنانية،وكادوا مع حلفائهم من المسلمين اللبنانيين أن يسقطوا النظام اللبناني وتهجير المسيحيين من كل لبنان في بدايات الحرب الأهلية، التي اندلعت عام 1975 ،لولا  تدخل الجيش السوري وإفشاله للمخطط الأمريكي الاسرائيلي الفلسطيني الذي كان يهدف لترحيل المسيحيين عن لبنان وتوطين الفلسطينيين فيه .جدير بالذكر،أن الزعيم الفلسطيني الراحل (ياسر عرفات) صرح:" بأن طريق تحرير القدس يمر من بلدة جونيه المسيحية". وفي اجابته على سؤال فيما إذا كان يسعى لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي اللبنانية،أجاب عرفات:"اريد أن أقيم دولة فلسطينية ولو على شبر من الماء".ربما، تلك المشاريع والمخططات الجهنمية باتت جزءاً من الماضي،واليوم يرفضها المسلم اللبناني قبل المسيحي.لكن بقاء السلاح الفلسطيني خارج سيطرة الشرعية اللبنانية وتحول المخيمات الفلسطينية الى بؤر للتوتر الأمني ومحميات أمنية وسياسية تحتضن اليوم العديد من المنظمات الاسلامية المتطرفة والخلايا الارهابية النائمة، مثل(جند الشام،جند الله، الأحباش،القاعدة ، فتح الاسلام..،وغيرها)،سبب كاف لتوجس المسيحيين وكل الوطنيين اللبنانيين من أية خطوة من شأنها أن تعزز الوجود الفلسطيني،وهو بهذا العدد والعتاد الحربي، على الأراضي اللبنانية،خاصة في ظل هشاشة الدولة وشبح "التوطين" الذي يخيم على لبنان القائم على التوازنات الطائفية.
في مصر،عبر تاريخها، تميزت "الكنيسة القبطية" بمواقفها الوطنية ودعمها للانتفاضات والاحتجاجات التي قادها (عرابي) ضد الاحتلال الانكليزي.الموقف الذي كلف رئيسها،البابا (كيريللوس) الخامس،النفي ووضعه تحت الإقامة الجبرية في دير (وادي النطرون). وقد عزز البابا (شنودة)الحالي،المشهود له بوطنيته وحبه الكبير لمصر، هذا النهج وعمل على تطويره وترسيخه  في حياة الأقباط  المصريين. النهج الذي كلفه هو الآخر النفي والخلع إلى ذات الدير في الصحراء المصرية ووضعه تحت الإقامة الجبرية، لم تنته إلا بمقتل السادات 1981.يبدو،أن وطنية الأقباط وحبهم لمصر لا قيمة لهما في الحسابات والمصالح السياسية لحكام مصر،لطالما تتحدث نخبهم ومرجعياتهم،الدينية والمدنية، عن ضرورة رفع الغبن السياسي عن الأقباط و تحسين أوضاعهم القانونية والحقوقية،ومطالبتهم بمساواة الأقباط مع المسلمين،ووضع حد  للعنف الطائفي الذي يستهدفهم . فبحسب مركز (ابن خلدون)،حصد العنف ضد الأقباط،،منذ حادثة الخانكة 8-9- 1972 حتى الآن، أكثر من 4000 قتيل وجريح قبطي.في ضوء هذا الواقع المأساوي،أرى أن قضية أقباط مصر هي أكبر من أن تختزل برفض الكنيسة قرار حكومي صدر قبل أشهر يبيح زواج القبطي المطلق، وهي أعمق من أن تختزل بخطف زوجة قسيس من قبل اسلاميين متشددين.أنها قضية سياسية بامتياز،لها بعد ديني وآخر انساني،تعود بجذورها الى نشأة الدولة المصرية الحديثة.ويعتقد الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن المصري،بأن أقباط مصر هم ضحايا مساومات سياسية وتفاهمات معينة بين "الأصولية الاسلامية المتشددة" و"النظام"، الراغب في الهاء هذه الأصولية،التي يخشاها، وإشغالها بالأقباط لإبعادها عن قضية الحكم.أليس أمراً يدعو للتساؤل أن لا يفوز قبطياً واحداً في الانتخابات البرلمانية حتى على قوائم (الحزب الوطني) الحاكم،رغم تعدادهم البالغ نحو عشرة ملايين قبطي.
في العراق،لا أدري ما هي خطايا "الكنيسة العراقية"،وهل لها ثمة دور في الغزو الأمريكي للعراق، حتى يتعرض مسيحيو هذا البلد الجريح لعمليات الابادة والتطهير العرقي والديني من مناطقهم التاريخية،على أيدي مجموعات اسلامية وغير اسلامية، محلية وعابرة للقارات؟. في سوريا،رغم التسامح الديني والحياة الوطنية المشتركة بين مختلف الديانات والمذاهب والمكونات السورية،يخشى مسيحيو هذا البلد الآمن من أن يؤدي الصراع على السلطة يوماً الى صعود "الحركات الاسلامية" وخسارتهم لهامش الحريات الدينية والاجتماعية المتاح لهم في ظل الحكم القائم. أليس أمراً يدعو للقلق والتساؤل أن تقوم مجموعات اسلامية متشددة بالاعتداء على مسيحيي المشرق وتنتهك حرمة كنائسهم،كلما حصلت إساءة للاسلام والمسلمين في مكان ما من العالم .وقد أعرب الكثير من مسيحيي المنطقة عن قلقهم من ردات فعل اسلامية ضدهم فيما لو نفذ القس الأمريكي (بيتر جونز) تهديداته بحرق نسخ من القرآن الكريم في الذكرى التاسعة لتفجيرات نيويورك.
في ضوء كل ما تقدم ذكره،وما لم يتم ذكره عن الظروف والتحديات الصعبة التي تحيط بـ"المجتمعات المسيحية المشرقية"أرى أن "المسيحية المشرقية" دخلت بالفعل مرحلة (القلق الكياني)،الخوف على المصير والوجود،في هذه المنطقة،التي فيها ظهرت ومنها انتشرت الى بقية قارات العالم.هذا القلق يزداد ويتعمق يوماً بعد يوم، بغياب أية مبادرات عربية واسلامية جدية لحماية المسيحيين وتحصين وجودهم وتعزيز حضورهم في أوطانهم ومجتمعاتهم،وتحد من هجرتهم منها. لا خلاف على ما خلص اليه الاستاذ ميشيل كيلو في مقاله من أن:"لا مخرج للمسيحي  والمسلم  وللكنيسة  والمسجد  بغير مجتمع المواطنة المدني، المتعين بالإنسان كذات حرة وغير المتعين بالمؤمن: مسيحيا كان أم مسلما.  لا حل لمشاكل المسيحية خارج مجتمعها العربي، أو ضده. ولا حل لمشاكل المجتمع العربي على حساب الكنيسة، خارج أفق المسيحية وضدها..." .لكن السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة في سياق طرح قضية مسيحيي المشرق،هو: الى حين انجاز "الدولة المدنية" و  "مجتمع المواطنة"،وهما لا يبدوان ممكنان في المستقبل القريب ولا حتى البعيد،ما العمل للحفاظ على "المسيحية المشرقية" التي تواجه خطر الاقتلاع؟.

* الأصح استخدام مصطلح (المسيحية المشرقية)، بدلاً من (المسيحية العربية)،لأن غالبية مسيحيي المنطقة هم ليسوا عرباً.

سليمان يوسف ... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
 
 
 



40
 
آشوريو سوريا في عهد الرئيس بشار الأسد 

وسط المشهد السوري العام، المكبل بقوانين الاستبداد والممسوك به من قبل سلطة قمعية،"لا مكان في دنياها للتنوع والاختلاف أو احترام حقوق الإنسان ومصالح القوميات الأخرى"،- وصفُ أطلقه الكاتب السوري المعروف (أكرم البني) في إحدى مقالاته- ،يحتار المرء في قراءة المشهد الآشوري،ويعجز في مقاربة الحالة الآشورية الراهنة، وهي تعج بالتعقيدات والتناقضات، السياسية والفكرية والاجتماعية،ويختلط فيها الدين بالقومية،تتخبط بالانقسامات المذهبية والطائفية، التي مزقت الهوية الآشورية وقوضت أركانها.ثم لا من مرجعية محددة لمن يريد أن يعرف وجهة المجتمع الآشوري.فالمؤسسة الكنسية، ممثلة بـ(طبقة الاكليروس- رجال الدين)،التي بدأ يتنامى دورها ونفوذها من جديد في المجتمع الآشوري(السرياني)،اكتفت بحرية العبادة المتاحة في سوريا،بينما النخب السياسية والثقافية ترفض اختزال قضية الآشوريين السوريين ببعض الحقوق والحريات الدينية.
تحت ضغط هذه المناخات السياسية والخلافات الفكرية والاجتماعية، توالت الانقسامات في صفوف الحركة الآشورية. وهي مهددة بالمزيد من التشرذم والتفكك على خلفية انقسام النخب الآشورية حول الموقف من نظام الحكم القائم في سوريا.هذا الانقسام مكن  السلطات السورية من اختراق الساحة الآشورية و ايجاد مجموعات(آشورية/سريانية) موالية لها،تنشط وتتحرك علناً في المجتمع الآشوري تحت تسميات مختلفة،توسعت دائرة انتشارها على حساب انحسار وتراجع التنظيمات والاتجاهات الآشورية الخارجة عن طاعة السلطة.
عموماً،تفاءل الآشوريون بالعهد السياسي الجديد الذي بدأته سوريا مع الرئيس بشار الأسد الذي خلف والده في الحكم في تموز 2000.وتأملوا أن تتحسن معه أوضاعهم المعيشية والقانونية ويحمل إليهم حقوقاً، قومية وديمقراطية،يتطلعون اليها.رهان الآشوريين على الأسد الابن لم يكن على بضع جمل أو مقولات انفتاحية قالها في خطاب القسم كانت كفيلة بخروج المعارضة المحظورة عن صمتها ونزولها الى الشارع واطلاق حراك سياسي وثقافي وحقوقي لم تشهده سوريا منذ عقود طويلة، وانما هم (الآشوريون)راهنوا بالدرجة الأولى على العقلية المدنية والتوجه العلماني لرئيس شاب منفتح، يختلف عن جيل البعثيين القدامى والقوميين العرب التقليدين الذين بالغوا في شوفينيتهم القومية تجاه قضايا وحقوق غير العرب. فالرئيس بشار هو أول رئيس سوري بعثي يقر" بان القومية الكردية هي جزء من التاريخ السوري".أراد بقوله هذا "بلسمه" جرحاً وطنياً عميقاً، تسببت به قوات الشرطة بقتلها وجرحها العشرات من المتظاهرين الأكراد في آذار 2004.وبتوجيهات منه تم فتح مدرسة متواضعة في بلدة معلولا الأثرية لتعليم "اللغة السريانية" بلهجتها الآرامية القديمة،يرى البعض فيها الخطوة الأولى على طريق انفتاح الدولة السورية على التاريخ السرياني وإعادة الاعتبار للغة التي تكلم بها السيد المسيح،اللغة الوطنية لسوريا التاريخية أو(الكبرى) التي أخذت اسمها عن السريان (الآشوريين).لكن يبدو أن هذه الخطوات الانفتاحية للرئيس بشار على التعددية القومية واللغوية في سوريا لم ترق للبعثيين والعروبيين المغالين في تعصبهم القومي.فلا المدرسة السريانية تطورت، لا بل أوقف التعليم فيها بذريعة أنها تعلم (الحرف العبري)المشابه في شكله للحرف الآرامي القديم. ولا من خطوات عملية ايجابية على صعيد الملف الكردي،رغم الوعود الرسمية الكثيرة.
 صحيح، أن الساحة الآشورية لم تسجل أية تطورات سياسية أو قومية ذات أهمية كبيرة خلال عشر سنوات من حكم الرئيس بشار الأسد .لكن الصحيح أيضاً،هناك أكثر من مؤشر ومعطى على أن ثمة نموا في الحالة الآشورية السورية.فرغم التعاطي السلبي للسلطات مع الحالة الآشورية،ورغم  اجراءات القمع والاستبداد وحظر نشاط الأحزاب، استطاع الآشوريون ابراز هويتهم القومية والتعريف بقضيتهم واصالها الى أوساط سورية كانت تجهل،حتى سنوات قليلة، وجود آشوريين في سوريا. لا شك،أن نهج التسامح الديني واحترام الحريات الدينية الذي تميزت به سوريا منذ نشأتها كدولة حديثة ،تعزز هذا النهج في عهد الرئيس بشار الأسد،واعتماد الحكم استراتيجية الحفاظ على قوانين الأحوال الشخصية (الزواج والطلاق) لكل طائفة ودعمه وصول شخصيات آشورية موالية له إلى مناصب معينة في الدولة، هذه الاستراتيجية خففت كثيراً من حالة الاحتقان في الشارع الآشوري وحالت دون بروز معارضة آشورية قوية للنظام الشمولي الذي اقامه البعث. فالشعب الآشوري، كباقي شعوب الشرق، هو شعب متدين نسبياً ومسألة الحريات الدينية والفردية هي أكثر أهمية بالنسبة له من القضايا القومية والحريات السياسية. هذا الهوى الديني والنزوع الاجتماعي يفسران عدم تأثر الرأي العام الآشوري،المتعاطف عموماً مع الحكم القائم، بانضمام بعض المجموعات والشخصيات الآشورية في عهد الرئيس بشار الى قوى المعارضة المنضوية في اطار "إعلان دمشق".
قطعاً،الولاء الآشوري للوطن السوري،لم يرتبط يوماً بطبيعة الحكم القائم وبنظامه السياسي.لأن بقاء الآشوريين واستمرارهم على أرض الأجداد والجذور مرهون ببقاء سوريا واستقرارها.كما أن مناصرة الآشوريين السوريين للنظام الحاكم لا يعني بالضرورة تأييدهم لسياسات وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي،وانما موقفهم هذا يعود أولاً:الى تمسكهم بالواجهة "النصف علمانية" للدولة السورية، التي حافظ عليها البعث حتى الآن وأظهر النظام الحالي حرصه على بقاءها وتطويرها وجديته في مكافحة "الأصولية الاسلامية" التي بدأت تتغلغل في مؤسسات الدولة، خاصة التربوية والتعليمية منها.انسجاماً مع هذا النهج ،أصدرت وزارة التعليم العالي قراراً يقضي بمنع الطالبات المنقبات من دخول الجامعات السورية، اعتباراً من العام الدراسي الجديد.ثانياً:خوف الآشوريين من البديل الذي يبدو مجهولاً أو "اسلامياً" في ظل فشل واخفاقات المعارضة الليبرالية في ايجاد البديل الديمقراطي المناسب.ثالثاً:تجنباً لمخاطر الفوضى الأمنية والسياسية التي قد تنشب بمجرد زعزعة نظام الحكم.وقد زاد تعلق الآشوريين بالحكم الحالي،رغم علاته وعيوبه،بعد تعرض مسيحيي العراق الى عمليات تطهير عرقي وديني على يد مجموعات اسلامية وقومية متطرفة، استغلت ظروف الاحتلال الأمريكي.  في السياق ذاته،نظراً لخصوصيتهم الاجتماعية والثقافية ووضعهم الأقلوي، يجد الآشوريون(سريان- كلدان) في الدولة السورية الحديثة ملاذهم الآمن.وليس من المبالغة القول،أنهم(الآشوريون)أكثر فئات المجتمع السوري تحمساً لوجود دولة مركزية قوية، تحرص على تطبيق القانون، لأنه السبيل الوحيد لإحقاق العدل والمساواة وحماية المستضعفين في المجتمع.بغض النظر عن حسابات ومصالح السلطة،أرى أن من محاسن "الاستبداد" القائم، حفظ واستتباب الأمن العام وتعزيز الاستقرار الذي تنعم به سوريا.لكن يبدو أن هذا الاستقرار ألقسري لم يجلب الاطمئنان المطلوب والذي يحتاجه الانسان الآشوري المسالم بطبيعته والمتوجس من المستقبل. من هذا المنظور، أرى أن أكثر ما يقلق الانسان الآشوري في عهد الرئيس بشار هو تراخي الدولة في تطبيق"القانون" وفقدان العدالة في المحاكم السورية، خاصة لجهة الفصل في النزاعات والخصومات الفردية،وذلك بسبب تفشي ظاهرة الفساد(الرشوة،المحسوبيات،استغلال المنصب أو الموقع الرسمي في الدولة،وغيرها من الأساليب الغير مشروعة والملتوية في الالتفاف على القانون)،الأمر الذي زعزع ثقة المواطن الآشوري بالقضاء السوري وقدرته في ردع المتجاوزين على القانون والمستهترين  بحقوق وحريات الآخرين.هذه البيئة القانونية والحقوقية الغير صحية والضارة بقيم ومفاهيم المواطنة، الى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، باتت تشكل سبباً أساسياً لنزيف الهجرة الآشورية من سوريا.
فيما يخص الحقوق الثقافية واللغوية للآشوريين،أوردت صحيفة "تشرين" الحكومية في عددها ليوم الأربعاء 19 آب 2009 ،خبراً جاء فيه أن وزير الثقافة السوري الدكتور (رياض نعسان آغا) أكد لدى استقباله وفد "الاتحاد السرياني العالمي" القادم من المهجر:" بأن وزارته تدعم تعلم اللغة السريانية لأنها لغة السيد المسيح والشعب العربي السوري يحافظ على الثقافة السريانية كجزء من ثقافته العربية وسورية هي بلد التعددية الثقافية". طبعاً، كنا نتمنى أن يكون كلام الوزير صحيحاً ونرى ترجمة عملية له على أرض الواقع.لكن وبكل أسف،أن ما صرح به السيد الوزير هو للاستهلاك السياسي والإعلامي، ليس إلا.اعتدنا أن نسمع مثل هذا الكلام  من المسؤولين السوريين، كلما استقبلوا وفداً من المغتربين الآشوريين لتحسين صورة حكومتهم في الخارج.أننا نسأل السيد الوزير:كيف له الحديث عن دعم وزارته للغة السريانية بينما لا يوجد في سوريا مدارس حكومية تعلم اللغة السريانية؟.حتى المدارس السريانية الكنسية الخاصة لا تتلقى أي دعم مادي من الحكومة.ولا من برامج في الأقنية التلفزيونية أو الإذاعية باللغة السريانية،ولا من صحيفة حكومية باللغة السريانية!.والسيد الوزير يعلم قبل غيره أن دعم تعليم اللغة السريانية يتطلب أولاً وقبل كل شيء بيئة تشريعية وقانونية وسياسية تسمح بذلك،في مقدمتها: الاعتراف الدستوري بالقومية الآشورية كجزء من المكون السوري وبحقوقها الثقافية واللغوية.جدير بالذكر،في اطار سياسة الاقصاء والتهميش التي ينتهجها الحكم البعثي تجاه الآشوريين السوريين وطمس هويتهم ووجودهم ،أقدمت السلطات السورية قبل سنوات على شطب خانة "الآشوري" من سجلات قيد النفوس المدني وتبديلها بـ(القامشلي)،كما عربت أسماء معظم القرى الآشورية في الجزيرة السورية. فما يشاع في بعض الأوساط عن وجود امتيازات ثقافية ولغوية للآشوريين(السريان)، ليس دقيقاً ولا يمت الى الواقع بشيء.فتعليم اللغة السريانية في بعض المدارس الكنسية يتم في اطار (الحقوق الدينية) التي يتمتع بها المسيحيون منذ أن نشأت الدولة السورية الحديثة.ثم أن هذه المدارس تعلم اللغة السريانية كونها لغة "طقس كنسي" وليس على أساس أنها حقوقاً قومية منحتها الدولة السورية للآشوريين. واليوم ثمة مخاوف على هذه المدارس، بعد المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 المتعلق بتنظيم التعليم الخاص والمشترك في سوريا الذي أصدره الرئيس بشار الأسد.فقد تضمن هذا المرسوم العديد من المواد والفقرات التي تبقي المدارس السريانية،مهددة بالإغلاق الكلي،  المادة 57: " لا يجوز لهذه المؤسسات(التعليمية والتربوية) ان تكون جزءا من مؤسسة او جمعية سياسية او دينية ".هذه المادة وحدها كافية لإغلاق المدارس السريانية متى أرادت السلطات ذلك.
أخيراً: وفق مسودة قانون الأحزاب التي وضعها حزب البعث العربي الاشتراكي  في مؤتمره العاشر لعام 2005 سيحرم الآشوريون من إنشاء أحزاب خاصة بهم. وهذا يعني استمرار الحكم البعثي، في عهد الرئيس بشار، على نهج وسياسات التمييز القومي والثقافي والإقصاء السياسي للآشوريين والانتقاص من حقوقهم، رغم اليافطات الوطنية والشعارات الديمقراطية التي يرفعها البعث حول المساواة بين ابناء الوطن الواحد.

سليمان يوسف ..... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com




41
تصفية القضية الآشورية والوجود المسيحي في العراق

السابع من آب،يوم الشهيد الآشوري،تحية الى أرواح جميع الشهداء الآشوريين(سريان-كلدان) في العراق والعالم الذين سقطوا على دروب الحرية.
عشية الذكرى السنوية السابعة والستين لمذبحة سيميل الآشورية، التي وقعت أحداثها في آب عام 1933 وقتل فيها أكثر من أربعة آلاف من الآشوريين العزل على يد الجيش العراقي ووصفها شهود عيان بأنها من أكثر الجرائم الإنسانية فظاعة في تاريخ المنطقة ، ووسط مشاعر الألم والحزن الشديدين وبحضور شخصيات سياسية وقضائية ودينية عراقية، تم فتح في  14/7/2010 مقابر جماعية لآشوريين مسيحيين في بلدة "صوريا" التابعة لمحافظة دهوك،سفك بهم الجيش العراقي في ايلول عام 1969 على أثر انفجار لغم بإحدى دورياته المارة في محيط البلدة.وقد تم اخراج من هذه المقابر رفات عشرات الضحايا، بينهم اطفال وشيوخ ونساء ورجال دين، جبلوا تراب الدولة العراقية الحديثة بدمائهم الطاهرة.
 رغم اختلاف الظروف السياسية وتغيير الحكام وتبدل طبيعة الحكم في العراق، بقي الهدف الأساسي من قتل الآشوريين والمسيحيين هو تصفية "القضية الآشورية" أولاً، وانهاء المسيحية، التي تعود بجذورها في بلاد الرافدين الى القرن الأول الميلادي، ثانياً.فمثلما افتعل حكام بغداد أحداثاً وسيناريوهات للبطش بالآشوريين وسحق انتفاضتهم ذات المطالب المشروعة صيف 1933، تحت شعارات وخطب قومية ووطنية تضليلية زائفة،كذلك فعلوا مع أهالي قرية "صوريا" الآشورية المسيحية.لم تقتصر المضاعفات السلبية والآثار الخطيرة لأحداث المذابح في سيميل وصوريا على مستقبل الآشوريين والمسيحيين العراقيين فقط، وإنما امتد تأثيرها الى مستقبل كيان الدولة العراقية الفتية أيضاً.اذ شكلت أعمال العنف الحكومي والبطش بالآشوريين، نقطة البداية للانحراف في مسيرة الحياة السياسية والوطنية  للعراق.وليس من المبالغة القول: أن المشهد العراقي الراهن بكل تجلياته وتعقيداته وآلامه يعود في الكثير من أسبابه الى سموم ثقافة القتل والتخوين والى بذور الحقد والكراهية  التي زرعتها حكومة الاستقلال في البيئة  الثقافية العراقية والى  النهج الطائفي الذي أسست له تلك الحكومة منذ اليوم الأول لتسلمها شؤون السلطة. بدلاً من أن تؤسس لدولة مدنية ديمقراطية(دولة مواطنة) يسودها الحق والعدل والمساواة وتحترم فيها حقوق الإنسان العراقي وتعزز قيم العيش المشترك بين جميع أبنائها.
لا جدال،على أن جميع شعوب العراق عانت جراء سياسات القمع والتنكيل التي كانت تمارسها سلطة الاستبداد والدكتاتورية ،لكن الآشوريين والمسيحيين عموماً كانوا ومازالوا أكثر فئات المجتمع العراقي معاناة وعرضاً للاضطهاد والتنكيل،ليس من قبل السلطة وحدها، وانما من قبل المجتمع العراقي ذات الغالبية المسلمة أيضاً.فبسبب خصوصيتهم الدينية والقومية تجرع الآشوريون الآلام ومازالوا من جميع الأطراف العراقية الأخرى،رغم أنهم (الآشوريون ) منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة اندمجوا في المجتمع العراقي وانطلقوا في توجهاتهم القومية والسياسية كحركة وطنية عراقية، ناضلوا الى جانب بقية القوى الوطنية لأجل بناء دولة عراقية ديمقراطية ومجتمع عراقي حر، وساهموا بكل فعالياتهم في تقدم العراق وازدهاره. لكن للأسف،أن وطنية الآشوريين والمسيحيين العراقيين عموماً لم تفيدهم بشيء، ولم تجنبهم ظلم شركاؤهم في الوطن.لا بل أنهم دفعوا غالياً ضريبة حبهم للعراق العظيم.فمثلما وقعوا في الماضي ضحية الخطابات القومية الخاوية والشعارات الثورية الزائفة للقوميين واليساريين العرب في سميل وصوريا وغيرها، ها هم اليوم، في بغداد والبصرة ونينوى وبغديدا، وفي كل أنحاء العراق ضحية الخطابات الاسلامية المتطرفة وفتاوى التكفير لفقهاء الارهاب والقتل على الهوية، مستغلين ظروف الاحتلال والفوضى الأمنية والسياسية التي أفرزها في الساحة العراقية. وقد تسببت أعمال العنف المنظم ضد المسيحيين حتى الآن في مقتل أكثر من ألف مسيحيي عراقي، بينهم المطران الشهيد (فرج رحو) ورجال دين آخرين  و هجرة أكثر من ربع مليون منهم،فضلاً عن تفجير كنائسهم وحرق عشرات المنازل والمحال التجارية العائدة لهم.ووفق تقرير الأمم المتحدة لعام 2007 أن نحو 1.5 مليون مسيحي، معظمهم من الكلدوآشوريين، كانوا يعيشون في العراق وأن أكثر من نصفهم  ترك العراق منذ الغزو الأمريكي له عام 2003.
ان استمرار محنة آشوريي(سريان/كلدان) و مسيحيي العراق في ظل جميع الحكومات المتعاقبة على حكم العراق منذ نشأته كدولة حديثة في العشرينات القرن والى تاريخ اليوم، وان بنسب متفاوتة،ثمة شكوكاً بوجود مخطط تقف خلفه جهات محلية واقليمية وربما دولية يهدف الى افراغ العراق من مسيحييه تحت شعارات وذرائع مختلفة بعد أن تمت تصفية قضيتهم القومية واخراجهم من المعادلة السياسية العراقية.في سيميل اتهم الآشوريون بالتعاون مع الانتداب البريطاني.في صوريا اتهموا بالتعاون مع قوات البشمركة الكردية. واليوم في كل مدن وبلدات العراق يقتلون بتهمة التعاون مع الاحتلال الامريكي، الذي جاءت به الزعامات السياسية والمرجعيات الدينية الاسلامية(عربية وكردية).هذا وقد زادت الشكوك بوجود مخطط لإفراغ العراق من مسيحييه  مع إظهار حكومة بغداد عدم اكتراثها بمصير مواطنيها المسيحيين،سكان العراق الأوائل، وعدم رغبتها في توفير الحماية والحصانة الوطنية لهم.جدير بالذكر هنا ،أن حكومة المالكي كانت قد شكلت لجنة تحقيق خاصة تحقق في عمليات القتل والتهجير التي استهدفت مسيحيي الموصل في تشرين الأول 2008  والتي ترتقي  بفظاعتها الى "جرائم الابادة"،لكن حتى هذه اللحظة لم تعلن نتائج التحقيق.اذ يبدو أن حكومة المالكي،ولأهداف سياسية محددة،وضعت ملف محنة المسيحيين في سلة المهملات وأسدلت الستار على قضيتهم وقيدت كل الجرائم التي ارتكبت بحقهم ضد مجهول،رغم التحذير المتكرر لرؤساء الطوائف المسيحية، وكذلك تحذير مرجعيات مسيحية عالمية، من أن الشعب المسيحي في العراق  يتعرض إلى حملة "إِبادة جماعية".في السياق ذاته،يرى الكثير من المهتمين بالوضع العراقي،بأن ارتفاع وتيرة العنف المنظم ضد المسيحيين داخل العراق رغم التحسن النسبي في الوضع الأمني،هو عمل ممنهج يأتي في اطار تصفية الوجود المسيحي في منطقة الشرق الأوسط وفق مخطط تقف خلفه جهات وأطراف محلية واقليمية وربما دولية . فبعد أن افرغ شرقي تركيا( القسم الشمالي من بلاد ما بين النهرين التي كانت تحتضن أكبر تجمع لمسيحيي المشرق) بدأ الدور على زعزعة الوجود المسيحي في العراق ومصر وفلسطين ولبنان. واذا ما بقي المجتمع الدولي صامتاً حيال ما يجري لمسيحيي العراق والمشرق من المتوقع أن تصبح منطقة الشرق الأوسط خالياً تماماً من سكانها المسيحيين قبل نهاية القرن الحالي.لهذا،يشعر المسيحيون العراقيون ومعهم معظم مسيحيي المشرق باستياء وغضب شديدين، من "المجتمع الدولي"، الذي تخلى عن واجبه الأخلاقي والقانوني في حماية مسيحيي العراق وتركهم في مواجهة الموت الذي يستهدفهم، رغم تكفل"الأمم المتحدة" بحماية "الشعوب" من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي.
أخيراً:أن فشل القوى السياسية الرئيسية في العراق في تشكيل الحكومة الجديدة بعد مضي أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات البرلمانية الأخيرة، يؤكد من جديد على عمق الأزمة العراقية المرشحة للتصعيد والانفجار،خاصة بعد انجاز الانسحاب الامريكي من العراق نهاية 2011،واندلاع حروب عربية- عربية(سنية –شيعية) و(عربية- كردية) على خلفية الملفات العالقة والمناطق المتنازع عليها.غالباً سيكون الأشوريون والمسيحيون أبرز ضحايا هذه الحروب.لهذا، بدأت تتلاشى آمال وأحلام الآشوريين والمسيحيين عموماً بولادة عراق ديمقراطي حر ومستقر، وبات الخيار المفضل لدى غالبيتهم هو الهجرة وترك العراق الجديد الذي أسسته الميليشيات بالتنسيق مع المرجعيات الاسلامية وفق نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية، حماية لمصالحها الخاصة.أنه حقاً عراق جديد،لكنه عراق يقف على صفيح ملتهب ،مهدد بالاشتعال والتقسيم عند حصول أي خلل في موازين القوى السياسية والعسكرية والديمغرافية التي تحكمه وتتحكم به.
سليمان يوسف.... سوريا
 مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

42
سوريا: الخوف على المدارس السريانية بعد المرسوم الرئاسي 55 

منذ القديم اشتهر الآشوريون(سريان- كلدان)،سكان بلاد ما بين النهرين الأوائل، بعشقهم للثقافة وحبهم للعلم والمعرفة.لهذا تميزوا عبر تاريخهم وحيثما وجودوا ببناء المدارس والأكاديميات العلمية قبل الكنائس والمعابد.لا بل عند اللزوم حولوا الأديرة الى مراكز للتعليم ولنشر الثقافة والمعرفة.هذا ما قاما به المعلمان الكبيران (مار افرام ومار  نرساي)في بدايات القرن الخامس الميلادي. اذ حولا " دير نصبين"العريق،المعروف بدير مار يعقوب النصيبيني-  يعود تاريخه الى سنة 313 ميلادية، ،يقع في بلاد ما بين النهرين العليا،حالياً ضمن الأراضي التركية ملاصق لمدينة القامشلي السورية ويجري حالياً إعادة ترميمه من قبل مديرية المتاحف التركية -  الى (مدرسة ) لتعليم العلوم الفلسفية واللاهوتية والطبية والرياضيات وغيرها من العلوم الإنسانية، باللغتين السريانية واليونانية.و"مدرسة نصبين" تعتبر أقدم أكاديمية علمية عرفها الشرق القديم.لكن كثرة حروب الغزاة المستعمرين القادمين من الشرق والغرب والويلات التي جروها على بلاد ما بين النهرين والمنطقة تسببت بتدمير مدرسة نصيبين وجميع الصروح الحضارية والثقافية والعلمية الأخرى للآشوريين.وما تبقى منها اليوم هو أشبه بمتاحف ومحجات دينية يؤمها السياح والمؤمنين من كل أنحاء العالم.
في الدولة السورية الحديثة، ذات الإرث السرياني(الآشوري) المسيحي،حيث تحتضن اليوم أكبر تجمع في العالم للآشوريين السريان بطوائفهم المختلفة- طبعاً بعد تراجع وانحسار الوجود الآشوري في العراق للأسباب المعروفة-  وعاصمتها دمشق تحتضن (الكرسي البطريركي) لأكثر من كنيسة عالمية،ازدهرت المدارس والمؤسسات التعليمية و التربوية السريانية في المرحلة الليبرالية التي سادت سوريا. رغم المصاعب المالية الكبيرة والتحديات السياسية والمضايقات الأمنية التي عانت منها وواجهتها المدارس السريانية في ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي منذ انقلابه على السلطة عام 1963واحتكاره لها ، بقيت أبواب العديد من المدارس السريانية مفتوحة في المدن والبلدات السورية. في مدينة القامشلي وحدها تحتضن المدارس السريانية اليوم أكثر من ألفي طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي.يتعلمون اللغة السريانية،الى جانب تدريس مناهج التعليم العام المقررة من قبل وزارة التربية.
فيما يبدو،أنه الخطوة الأولى على طريق إنهاء احتكار دولة البعث للتعليم في سوريا،أصدر الرئيس (بشار الأسد) المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 المتعلق بتنظيم التعليم الخاص والمشترك في سوريا، من خلال مؤسسات تعليمية خاصة متنوعة تكون قادرة على الإسهام الى جانب المؤسسات الحكومية في الاضطلاع بمسؤولية التربية والتعليم وتطويرها في الاتجاهات جميعها.
أشاع هذا المرسوم نوع من الارتياح في أوساط الآشوريين(سريان- كلدان)، كونه شرعن وجود مدارسهم السريانية الخاصة وأقر بقانونيتها بوضعها الراهن ، بعد أن كانت تعمل منذ أربعينات القرن الماضي من غير ترخيص في اطار هامش الحريات الدينية. لكن بالمقابل ثمة مخاوف حقيقة وشكوك لدى الآشوريين من أن يكون لهذا المرسوم مضاعفات سلبية على مستقبل مدارسهم ومؤسساتهم التربوية والتعليمية،خاصة وأنه بموجب هذا المرسوم لن يسمح بفتح مدارس سريانية جديدة في سوريا،ووجود تيار بعثي تقليدي (عروبي اسلاموي) متشدد غير راغب ببقاء واستمرار المدارس السريانية، لهذا التيار نفوذه في مختلف مؤسسات الدولة ووزارتها وبشكل أكثر ضمن سلك التربية والتعليم.الخوف من أن يتخذ أنصار هذا التيار من بعض الثغرات والمفاهيم الفضفاضة التي تتضمنها المرسوم التشريعي المشار اليه وتعديلاته بالمرسوم رقم 35 لعام 2008،ذريعة لممارسة مزيد من الضغوط  المادية والمعنوية على المدارس السريانية وإجبارها في النهاية على اغلاق أبوابها. وبالفعل، كشف لنا القائمين على المدارس السريانية عن حصول مثل هذه المضايقات،بطرق وأشكال مختلفة، من قبل المسؤولين عن التعليم الخاص في مديرية التربية بمحافظة الحسكة.ناهيك عن إلزام المدارس السريانية بضرورة أخذ موافقة الجهات الأمنية كذلك موافقة مديريات التربية التابعة لها في تعيين المعلمين والمدرسين لديها. قبل أشهر قليلة، بأمر من أجهزة المخابرات (الأمن السياسي)،تم فصل مدرسة لغة انكليزية من مدرسة السريان بالقامشلي، لأسباب تتعلق بميولها القومية والسياسة.
صحيح أن المرسوم رقم 55 لعام 2004 وتعديلاته، وكما أشرنا، شرعن ما هو موجود وقائم من المدارس السريانية.لكن الصحيح أيضاً، أن هذا المرسوم تضمن مواد وفقرات عديدة أبقت جميع المدارس الخاصة في سوريا ،خاصة المدارس السريانية،مهددة بالإغلاق الكلي والنهائي في أية لحظة تريدها السلطات المعنية.من هذه المواد، (المادة 44: أ-" تغلق كلياً المؤسسة التعليمية الخاصة إذا ثبت بالتحقيق الذي تجريه الوزارة عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية ..".ب- "تغلق كلياً المؤسسة التعليمية الخاصة إذا تبين أن فيها فساداً أخلاقياً أو ترويجاً للشقاق الوطني أو مساً بالوحدة الوطنية أو تدعو للطائفية أو التعصب المذهبي بشكل مباشر أو غير مباشر".  والمادة 57: "لا يجوز ان يطلق على المؤسسة التعليمية الخاصة اسم يدل على أي انتماء طائفي او عرقي او مذهبي .كما لا يجوز لهذه المؤسسات ان تكون جزءا من مؤسسة او جمعية سياسية او دينية " ).هذه المادة(57) وحدها كافية للتذرع السلطات السورية بإغلاق المدارس السريانية متى أرادت ذلك،باعتبارها مدارس تشرف عليها وتديرها "المؤسسة الكنسية" وهي مؤسسة دينية.
والمسألة الأخرى المثيرة للقلق والاستياء  في المرسوم التشريعي المشار اليه وتعديلاته تتعلق  بالجانب المالي.اذ حمل المرسوم المدارس والمؤسسات التعليمية الخاصة بالآشوريين السريان أعباء مالية باهظة تقدر بملايين الليرات سنوياً، وذلك من خلال فرضه ضريبة دخل على أقساط الطلاب، رغم أن هذه المؤسسات التعليمية هي "غير ربحية"،لا بل تعاني بالأصل من عجز مالي كبير.وقد أكد لنا القائمون على هذه المدارس بأن أقساط الطلاب لا تغطي أكثر من 40% من الميزانية المطلوبة، والعجز يتم تغطيته من تبرعات المؤمنين فقط، اذ لا من مصدر آخر يمول هذه المدارس.وكما هو معلوم، ان تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا لا يسمح بزيادة سقف الأقساط المدرسية على الطلاب.والمثير أن هذه المدارس ملزمة بدفع ما يعرف بـ"تعاون ونشاط " لمديرات التربية في المحافظات سنوياً عن الطلاب المسجلين،رغم أن هذه المدارس لا تتلقى أية خدمات من التربية وهي تتحمل كافة الأعباء المالية ،من تشييد البناء ودفع رواتب المعلمين وحتى شراء الكتب المدرسة من وزارة التربية، في حين هذه الكتب توزع مجاناً على جميع طلاب مرحلة التعليم الأساسي في المدارس الحكومية.ورغم أنها مدارس خاصة تشرف عليها الكنائس لكنها احتضنت ومازالت تحتضن مئات من الطلبة المسلمين وهي تخصص لهم مدرسين لتعليمهم الديانة الاسلامية على نفقتها الخاصة.
  حقيقة أنه لأمر مؤسف ومحزن  جداً، أن تتجاهل الحكومة السورية الدور الريادي الكبير الذي قامت به "المدارس السريانية" في مجال التربية والتعليم، وأن لا تقدر الأعباء المالية والتربوية والاجتماعية الكبيرة التي تحملتها في تعليم المنهاج العامة والمقررة من وزارة التربية الى جانب تعليمها اللغة السريانية لمئات الآلاف الطلبة السوريين منذ أربعينات القرن الماضي، في مرحلة كانت الدولة عاجزة عن القيام بكامل أعباء التعليم، خاصة في منطقة الجزيرة النائية،حيث الفقر والنقص الكبير في المدارس الحكومية.وهذه المدارس مازالت تخفف على الدولة أعباء مالية وتربوية كبيرة، ناهيك عن آلاف فرص العمل التي توفرها  في بلد تجتاحه البطالة.

لإنقاذ المدارس السريانية من خطر الاغلاق ومن المستقبل المجهول الذي ينتظرها،أرى ضرورة إصدار مرسوم رئاسي تشريعي جديد:
- يراعي الخصوصية الاجتماعية والثقافية والتاريخية للمدارس السريانية،التي أنشأت منذ البداية لأغراض تربوية واجتماعية بحتة، وبشكل خاص لتعليم اللغة السريانية التي ترفض الدولة تعليمها في مدارسها الحكومية .
-  يحصن المدارس السريانية وطنياً  ويضمن استمراريتها ويتيح المجال لتطويرها وبما يعزز دورها الوطني في العملية التربوية والتنموية والتعليمية في سوريا.
- يستثني المدارس السريانية من دفع  كافة الرسوم والضرائب المالية..
- يجيز إنشاء مديرية رسمية(حكومية) خاصة بالتعليم السرياني في سوريا تتبع وزارة التربية، و تمويل المدارس السريانية من قبل الدولة السورية.
طبعاً،في ضوء الحالة السورية الراهنة وطبيعة النظام السياسي القائم في سوريا، وهو نظام عروبي يتنكر للحقوق القومية والثقافية لغير العرب في سوريا، لست متفائلاً بصدور مثل هذا المرسوم التشريعي.لكن الاحباط وعدم التفاؤل لا يجب أن يكونا سبباً بعدم طرح قضايانا واثارتها والتحذير من مخاطر تجاهلها وبقاءها من دون حلول ومخارج وطنية عادلة.
فليس من المبالغة القول: أن اغلاق المدارس السريانية في سوريا لأي سبب كان ،سيزيد من مشاعر الاحباط  لدى الآشوريين السوريين وسيزيد من شكوكهم بأن في الدولة السورية ثمة من يحارب ثقافتهم ولغتهم ويخطط لطمس هويتهم وما تبقى لهم من وجود قومي،وربما ثمة من لا يرغب بقائهم في وطنهم الأم سوريا.
السؤال الذي يطرح نفسه في سياق قضية المدارس السريانية هو: ما الجدوى من أن تتحمل المؤسسات الكنسية ومن خلالها الطبقات الآشورية الفقيرة كل هذه الأعباء المالية والتربوية  الباهظة والكبيرة لتدريس مناهج ومقررات وزارة التربية لآلاف الطلبة في مرحلة التعليم الأساسي وعلى نفقتها الخاصة لقاء تعليم في الأسبوع ثلاث أو أربع حصص مدرسية "لغة سريانية"؟.هل حقاً لا يوجد طريقة أو آليات بديلة أقل كلفة وأكثر فعالية لتعليم اللغة السريانية للآشوريين السوريين،أو لمن يرغب منهم، الى حين تتخلى "حكومة البعث" عن سياساتها الشوفينية تجاه الحقوق القومية والثقافية واللغوية للآشوريين وتجاه حقوق الشعوب السورية الأخرى الغير عربية مثل الأكراد؟.
أسئلة أتركها برسم المؤسسات الكنسية(الآشورية/السريانية/الكلدانية) وأيضاً برسم فصائل وتنظيمات الحركة الآشورية في سوريا.

سليمان يوسف
كاتب آشوري سوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
 


43
 
  أسطول الحرية والحنين العربي الى الخلافة العثمانية

  كشفت"الزوبعة الاعلامية" المثارة عربياً واسلامياً، حول جريمة قصف اسرائيل لأسطول المساعدات الانسانية المتوجه الى قطاع غزة في 31 من أيار الماضي واستهداف سفينة (مرمرة) التركية من بين السفن المشاركة،بأن ثمة "حنيناً" عربياً اسلامياً الى حكم "الخلافة العثمانية الاسلامية"التي حكمت معظم الشعوب العربية على مدى أربعة قرون.حيث بدت هذه الجريمة المدانة عالمياً مناسبة لمختلف الأوساط العربية الاسلامية للإفصاح عن هذا الحنين الدفين في النفوس والقلوب و للتعبير عن حزنها وتحسرها الشديدين على حكم الخلافة العثمانية البائدة.وذلك من خلال الترحيب العربي،الرسمي والنخبوي والشعبي،  الحار بالمبادرة التركية لفك الحصار المفروض على قطاع غزة،وكأنها(المبادرة التركية) غزوة من غزوات الاسلام لتحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى من الاحتلال الاسرائيلي،وليست مجرد شحنة معونات انسانية تبرعت بها دول عديدة شرقية وغربية لشعب غزة المحاصر،يمكن أن ترسل لأي شعب منكوب أو يعيش تحت الحصار،بغض النظر عن هوية هذا الشعب وانتماءه الديني .وقد وصل التهليل بتركيا،التي ترتبط باتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية وتجارية مع دولة اسرائيل، الى درجة وصف رئيس وزرائها (رجب طيب أردوغان)، بـ"الفاتح العثماني الجديد" وبأنه بطل من أبطال القومية العربية و حامي حمى العروبة وفلسطين،ورفع الأعلام التركية في معظم الدول العربية،ولاسيما في "قطاع غزة" التي تحدث منها (اسماعيل هنية)، رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، صراحة و بافتخار عن "أرض الخلافة". صحيح،أن حالة الاحباط العربي العام وسقوط القومية العربية وتبخر مشاريعها السياسية الكبيرة والصغيرة، و اخفاق الأنظمة العربية الجمهورية قبل الملكية في بناء دول قوية قادرة على تحرير أراضيها و حماية ذاتها وشعوبها والصمود في وجه التحديات الخارجية وانسداد أفق الإصلاحات السياسية و التغيير الديمقراطي في هذه الدول وتنامي الاتجاهات الاسلامية السلفية في المجتمعات العربية،تعد جميعها من الأسباب المهمة لنشوء وتولد الحنين العربي الاسلامي الى حكم"الخلافة العثمانية".بيد أن السبب الجوهري والأساسي لهذا الحنين هو "الرابطة الدينية الاسلامية المشتركة"،التي أمحت من الذاكرة التاريخية للعرب المسلمين مظالم العثمانيين، والمشانق الجماعية التي أقاموها بحق رواد حركات التحرر الوطنية والنهضة القومية في دمشق وبيروت وفي عواصم ومدن عربية أخرى،ناهيك عن عمليات الابادة الجماعية للشعوب المسيحية،مثل الأرمن والآشوريين(السريان).
في سياق التباكي العربي الاسلامي على الخلافة العثمانية، التي وصفها الكثير من الكتاب العرب المسلمين بأنها "كانت خلافة إسلامية بامتياز ومن الدرجة الأولى" بينما هي لم تكن إلا "استعماراً" غاشماً باسم الاسلام لم يجلب للشعوب التي استعمرها طيلة أربعة قرون سوى الويلات والتخلف،شنت أقلام عربية اسلامية حملة شعواء على (مصطفى كمال أتاتورك)، الذي أنهى حكم الخلافة الاسلامية عام 1924، وأسس الجمهورية التركية على أسس علمانية ديمقراطية.ليس هذا فحسب، وانما اتهمت تلك الأقلام كمال بمعاداة العرب و الاسلام والعمل لصالح الانكليز واليهود.كتب أحدهم "كان مصطفى كمال علمانيًّا كارهًا للإسلام تمامًا، ومواليًا للإنجليز واليهود بشكل كامل، وساعده الإنجليز في قلب نظام الحكم في الخلافة العثمانية" .بالمقابل أشادت بعض تلك الأقلام وبشكل مبالغ فيه بحكومة حزب "العدالة والتنمية" الاسلامية، التي تخطط للانقلاب على "الديمقراطية" التي أوصلتها الى السلطة، وتسعى بشكل حثيث للقضاء على العلمانية وتحويل تركيا الى "دولة اسلامية"،وذلك من خلال تقليص صلاحيات "القضاء" و"الجيش" في الحفاظ على التقاليد الديمقراطية والليبرالية وحماية النظام العلماني، كذلك عبر تشريع قوانين جديدة تحيي الثقافة العثمانية وتشجع على ممارسة التقاليد الاسلامية في المجتمع التركي.كما اعتبرت الكثير من النخب العربية الاسلامية،انفتاح حكومة أردوغان على دول المشرق العربي الاسلامي عودة تركيا إلى أصولها "العثمانية الاسلامية" التي تخلى عنها كمال أتاتورك،علماً أن هذا الانفتاح التركي ينطلق من مصالح استراتيجية لتركيا في المنطقة. وبدلاً من تشيد تلك النخب الثقافية والسياسية بدور رواد حركة التنوير العربية وأبطال حركات التحرر الوطنية والقومية اللذين تحدوا الاستبداد العثماني وطالبوه بالرحيل عن أوطانهم والاعتراف بفضل الأوربيين،وتحديداً فرنسا وبريطانيا، في تخليص الشعوب العربية من الاستعمار العثماني ومساعدتها في بناء دولها وتركها تقرر مصيرها بحرية،سارعت الى شتم وإدانة القوى التنويرية في المجتمعات العربية ودعاة التحرر من الخلافة العثمانية.في هذا السياق كتب مثقف عربي آخر :"حين تكشف وتعرّى وهم النخب الليبرالية وتداعت الصور الزائفة للخلاص، وجد العرب آنئذٍ أنفسهم،كمن يهرب من الدلف إلى تحت المزراب، ليكتشفوا أن سحر الغرب الديمقراطي والحداثي، إنما جعل منهم أسرى فكرة التحرر من الهيمنة العثمانية بأي ثمن، حتى وإنْ انتهى إلى مأساة تقطيع أوصالهم كأمة، أو صاروا نهباً لأطماع الدول الاستعمارية الأوروبية". 


 ليس بعيداً عن أسباب ودوافع الحنين العربي الاسلامي الى "الخلافة العثمانية"،اتخذ "الاعلام العربي"، الذي استنفر تضامناً مع تركيا وللتمجيد بالعثمانيين الجدد وبحكومتهم الاسلامي التي عرفت من أين يُؤكل "الكتف العربي"،اتخذ من القصف الاسرائيلي  لأسطول الحرية الدولي واستهداف سفينة(مرمرة) التركية،سبباً جديداً للإصرار على "أسلمة" القضية الفلسطينية، ووصف (النزاع العربي- الإسرائيلي) بأنه صراع ديني (اسلامي- يهودي). فرغم أن أسطول المساعدات الانسانية الى غزة كان ذات طابع دولي أممي وليس عربي اسلامي وبمشاركة شخصيات مسيحية مشرقية وفلسطينية مثل "هيلاريون كبوجي" مطران القدس السابق للروم الكاثوليك(الذي نفته اسرائيل بسبب تأيده ودعمهم لمنظمة التحرير الفلسطينية)، سعى الاعلام العربي المتأسلم الى صبغ الأسطول بصبغة اسلامية بحتة. انطلاقاً من هذه الرؤية الاسلامية القاصرة التي تقوم على أسلمة النزاع العربي/ الاسرائيلي، انقلبت "حركة حماس" على السلطة الوطنية الشرعية وحولت قطاع غزة الى "إمارة اسلامية".وهي(حماس)، ومعها التيارات الاسلامية في المنطقة،بدأت تتعاطى بالفعل مع هذا النزاع على أنه "صراع وجود"، وليس "نزاع حدود"(المفهوم الذي أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر).لا أعتقد بأن أسلمة القضية الفلسطينية يفيد الفلسطينيون وقضيتهم بشيء.لا بل أن بقاء القضية أسيرة المفاهيم والشعارات الاسلامية الالغائية "خيبر ... خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود" تخدم وتفيد اسرائيل كثيراً، خاصة على صعيد تعاطف المجتمع الدولي معها وغض نظره على جرائمها ضد ‏الفلسطينيين.ناهيك عن أن الأسلمة تفتح باب المزايدات والمتاجرة بهذه القضية العادلة من قبل بعض الدول الإقليمية والتنظيمات الاسلامية لأغراض وأهداف سياسية تخصها وحدها،وتسهل عملية اختراق المجتمعات والشعوب العربية من قبل هذه الدول والتنظيمات، وذلك من خلال اللعب بمشاعرها القومية والدينية. في هذا الاطار تأتي التحركات الاستعراضية لتركيا وايران والتصريحات النارية لقادة البلدين حول فلسطين والفلسطينيين."سنزيل اسرائيل من الوجود" تصريحات متكررة للرئيس الايراني."قريباً ستكون القدس عاصمة لفلسطين، وسنؤدي الصلاة معاً في المسجد الأقصى"، تصريحات لداوود أوغلو، وزير خارجية تركيا أطلقها بعد القصف الاسرائيلي لأسطول الحرية.ناهيك، عن أن أسلمة القضية الفلسطينية، واختزالها بالأقصى وبالمقدسات الاسلامية الأخرى،يقوض البعد الوطني للقضية ويفقدها أحد أهم عناصرها الوطنية ألا وهو "المكون المسيحي" الذي يشكل العمق الحضاري والتاريخي لفلسطين.حقيقة، بعد عقود طويلة من النضال والتضحيات لأجل فلسطين وبروز رواداً ومناضلين وقادة سياسيين مسيحيين في حركة التحرر الوطني الفلسطيني منهم نايف حواتمه وجورج حبش،بدأت ساحة النضال الوطني الفلسطيني تخلو شيئاً فشيئاً من العنصر المسيحي.فإزاء هذه الأوضاع والتحولات السياسية بات المسيحيون يفضلون الهجرة وترك فلسطين على البقاء بين مطرقة الاحتلال الاسرائيلي والسندان الحمساوي الاسلاموي.بلا ريب،أن خلو فلسطين ،مهد المسيحية، من مسيحييها يشكل ضربة عميقة الى صميم المشروع الوطني الفلسطيني و يعزز اتهامات الإسرائيليين والغرب عموماً للعرب المسلمين بالتعصب الديني وبعدم قدرتهم على العيش مع الآخر المختلف عنهم، حتى لو كان من بني قومهم وجلدتهم.



سليمان يوسف...
آشوري سوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosi@gmail.com

44
     
                               
ليس دفاعاً عن "المسيحية الصهيونية"

يربط العديد من المؤرخين بين "المسيحية الصهيونية"،التي نشأت في انكلترا في القرن السابع عشر ومنها امتدت الى امريكا وبقية المجتمعات الأوربية، وتيار ديني عرف بـ"تيار الألفية" برز في القرن الأول للمسيحية في أوساط المسيحيين من اليهود.يعتقد أنصار هذا التيار بأن "المسيح" سيعود ثانية الى فلسطين وسيحكم العالم لمدة ألف عام، في عهده سيتحول جميع اليهود الى المسيحية تكفيراً عن ذنوبهم وعن خطيئتهم التاريخية المتمثلة بـ"صلبهم للمسيح" ،وذلك تتميماً لنبوءة الكتاب المقدس(سفر رؤيا يوحنا - 20/3-6 ).هذه النبوءة ليست ببعيدة عن فكرة ظهور"المهدي المنتظر" في الاسلام.
تيار الألفية كان مجرد "معتقد ديني" لم يكن يحمل أي مشروع سياسي. بيد أن مع تبلور الوعي القومي عند الشعب اليهودي في الشتات نجحت"الحركة اليهودية" في توظيف هذا المعتقد لصالح مشروعها القومي القائم على عودة اليهود الى ارض الميعاد"فلسطين".اذ ربطت(الحركة اليهودية) تحقق نبوءة الكتاب المقدس وعودة المسيح بإعادة بناء "هيكل داوود"،أقدس المعابد اليهودية، الذي دمره جنود "نبوخذنصر" ابان السبي البابلي لليهود في فلسطين عام ٥٩٧ ق.م. ومع الغزو  العربي الاسلامي 636م  لفلسطين أصبح الموقع مركزاً إسلاميا مقدسا هو ثالث الأماكن المقدسة أهمية في الإسلام، بعد مكة والمدينة،حيث يضم جامع الأقصى وقبة الصخرة ومقدسات اسلامية أخرى.
 تمكنت المنظمات اليهودية من خلال الترويج لفكرة "عودة المسيح"، المشروطة بإعادة بناء هيكل داوود، من كسب أنصار لها في المجتمعات الغربية، مستفيدة من الجذور اليهودية للديانة المسيحية التي تتشارك وإياها الإيمان بالتوراة. يطلق اليوم على هؤلاء  بـ"المسيحيون الصهاينة" أو "المسيحية الصهيونية".بلا ريب،أن توظيف "المعتقدات الدينية" لأغراض سياسية ليس حكراً على المنظمات المسيحية أو اليهودية.فهو منهج رافق تطور الفكر السياسي في كل المجتمعات ،خاصة مع ظهور "علم الاجتماع السياسي". والعرب المسلمون هم أكثر من زج الدين بالسياسة وبالحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية،وهذا يعود الى طبيعة "الدين الاسلامي"،الذي هو دين ودنيا،أي لا يمكن الفصل فيه بين الدين والسياسية.
 يبدو أن البعض من المسلمين، من العرب وغير العرب، وجد ضالته في (المسيحية الصهيونية) واتهام مسيحيي المشرق بالتعاطف معها للنيل مجدداً من مكانتهم الوطنية والتشكيك بولائهم وانتمائهم لأوطانهم واعتبارهم جزء من المؤامرة الغربية المزعومة على العرب والمسلمين ليبرروا الاعتداءات على المسيحيين.انطلاقاً من هذه النظرة السلبية المؤدلجة للوجود المسيحي في المشرق ،وبهدف التشويش على قضية مسيحيي العراق، نشر بتاريخ، 10 أيار الماضي، موقع "الجزيرة. نت" مقالاً للكاتب العراقي (فاضل الربيعي) بعنوان "مسيحيو العراق والخطر المزدوج".يحذر فيه من مخاطر انتشار وتغلل ما سماها"المسيحية الصهيونية" تحت غطاء المنظمات المسيحية التبشيرية في العراق المحتل وخطرها الكبير والقاتل على المسيحية الشرقية في العراق والمنطقة عموماً.يشير الكاتب في مقاله الى أن هذه المنظمات تدفقت على العراق منذ عام 1991 في "الاقليم الكردي" فترة الحماية الدولية للاقليم- الذي شهد قبل سنوات ولادة "أول كنيسة كردية" في التاريخ- مؤكداً (الربيعي) على أن المنظمات التبشيرية تحظى بدعم وتسهيل كبيرين من قيادات الأحزاب الكردية الرئيسية.ويشير أيضاً الى أن نشاط هذه المنظمات بدأ فعلياً وتوسع في كامل أنحاء العراق بعد الاحتلال الأمريكي الغربي له 2003.نقتبس بعض ما جاء في المقال"أن الكنيسة المسيحيّة العراقية (التاريخية) باتت مستهدفة بشكل مكشوف من جانب الكنيسة الإنجيلية (البروتستانتية) الغربية، لتحويل كل مسيحيي العراق والشرق عمومًا ونهائيًّا إلى أتباع لكنيسة واحدة، منتصرة هي كنيسة "المسيحية الصهيونية الجديدة". إنها مأساة الكنيسة العراقية التي تواجه خطر "الاجتثاث" المزدوج، ففي حين يجري ضرب وتفجير الكنائس وتنظيم أعمال قتل بمسدسات كاتمة للصوت وحملات "اعتقال"وخطف، تقوم المنظمات التبشيرية بعمليات محمومة لتحويل المسيحيين إلى الكنيسة الإنجيلية..".
لم يتأخر دحض رؤساء الطوائف المسيحية في العراق لمزاعم السيد فاضل الربيعي.ففي تصريحات لهم الى الصحافة اعتبروا كلامه عن تغلغل المسيحية الصهيونية في الكنيسة العراقية لا أساس له ولا يمت الى الواقع بشيء. حتى أنهم نفوا علمهم بأي نشاط أو وجود لهذه المنظمة في العراق.وقد أشار البعض منهم الى حصول اختراقات محدودة جداً للوجود المسيحي في العراق، وليس كما أشار  كاتب المقال بمئات الألوف،وهم يضعون هذا الاختراق في اطار"النشاط التبشيري"المعتاد لبعض الكنائس،البروتستانتية والكاثوليكية، وهذا  ليس بجديد على العراق وعلى المجتمعات المشرقية. حول هذا الموضوع أذكر لسيد (ربيعي)،بأن لدينا في سوريا- لا بل في معظم دول المنطقة-  كنيسة (إنجيلية بروتستانتية)،وهي بطبيعة الحال ترتبط بالبروتستانتية الغربية التي نشأت على يد القس الألماني الاصلاحي "مارتن لوثر" في القرن السادس عشر .لهذه الكنيسة رعية في معظم المدن السورية.وهي تمارس نشاطاً تبشيرياً علنياً في الأوساط المسيحية. وبفضل هذا النشاط، نشأت قبل سنوات كنيسة جديدة في سوريا باسم" كنيسة الاتحاد المسيحي الانجيلية الوطنية"انضوى تحت قبتها من أتباع مختلف المذاهب المسيحية.والكنيسة الانجيلية في سوريا ،مثلها مثل بقية الكنائس والطوائف المسيحية،هي كنيسة وطنية بامتياز.على حد علمنا،ورغم حساسية "النظام السوري"،لا بل وحساسية السوريين عموماً، من علاقة منظمات المجتمع المدني مع الغرب،لا يشكك أحداً من السلطة أو من خارج السلطة بوطنية هذه الكنيسة ،ولا يوجد من يتهمها بعلاقة ما مع "المسيحية الصهيونية"، أو مع غيرها من المنظمات الغربية أو الشرقية المؤيدة لاسرائيل.والكنائس السورية بمختلف مذاهبها واتجاهاتها اللاهوتية تتواصل بشكل ايجابي مع جميع شرائح ومكونات المجتمع السوري على قاعدة المشتركات الوطنية.
لا ننفي دور البعثات التبشيرية الغربية في الماضي في حصول الانشقاقات المذهبية داخل الكنائس المشرقية الأم"الكنيسة السريانية الانطاكية(السريان اليعاقبة)- كنيسة المشرق الآشورية(السريان النساطرة) "في بلاد مابين النهرين وسوريا وبقية دول المنطقة .فقد ساهم المبشرون الأجانب في تفكيك المجتمع الآشوري وشرذمته الى طوائف ومذاهب لتسهيل تبعيته والسيطرة عليه،فضلاً عن أن الكنائس المنشقة عن الكنيسة الأم فقدت هويتها القومية والثقافية الآشورية. بيد أن تلك الانشقاقات،على مساؤها، لم تقوض الوجود المسيحي في المنطقة مثلما تقوض وانحسر بسبب ما فرضه "الاسلام" من شروط قاسية وقوانين مجحفة وجائرة على الشعوب المسيحية التي وقعت تحت حكمه وسلطته. كان الهدف من تلك الشروط والقوانين إجبار المسيحيين وغير المسلمين على اعتناق الاسلام.اليوم وبعد عقود من الاستقرار النسبي الذي عاشه مسيحيو المشرق في كنف الدول الحديثة التي تشكلت في عشرينات القرن الماضي،بدأت من جديد مشاعر الخوف على المصير والوجود تجتاح الشوارع والمجتمعات المسيحية المشرقية،ليس بسبب نشاط المنظمات المسيحية التبشيرية الغربية،البروتستانتية أو الانجيلية التي ربطها الربيعي بـ( المسيحية الصهيونية)،وانما بسبب"الاسلام السياسي" الذي يسعى الى اقامة "الدولة الاسلامية" والعودة الى الحكم الاسلامي تحت شعار "الاسلام هو الحل".وقد تضاعفت مخاوف المسيحيين مع تنامي"الاسلام المتطرف" والنشاطات الارهابية التي ينفذها بحق المسيحيين وتخيريه لهم بين اعتناق الاسلام أو ترك المنطقة أو دفع الجزية. حال المسيحيين في العراق ومصر، مثال حي على ما يخفيه الاسلام المتطرف لمسيحيي المشرق. هذا ما أفصحت عنه شعارات المسلمين،من العرب وغير العرب، المحتجين على الرسوم الدانمركية المسيئة للرسول وعلى محاضرة بابا الفاتيكان بينيديكدتوس،من أبرز تلك الشعارات :"الإسلام سوف يفتح روما قريباً... دق رقاب الكفرة وفرض الجزية عليهم وغنيمة أموالهم وسبي ذراريهم".
في ضوء الأزمة العراقية الراهنة المرشحة للتفاقم، والتي يُعد المسيحيون ومعظمهم من (الكلدوآشوريين) أقدم شعوب العراق، أبرز ضحاياها ،أرى ان إثارة مسألة "المسيحية الصهيونية" من قبل بعض النخب ووسائل الاعلام العربية والاسلامية وبالطريقة التي تثار بها لا يمكن أن تكون بنوايا بريئة.وإثارتها ليست بدافع الحرص على مسيحيي العراق وعلى كنيستهم، وانما للتشويش على قضيتهم ولصرف أنظار العالم عن الخطر الكبير الذي يشكله "الاسلام المتطرف" عليهم وإخلاء العراق منهم.بتعبير آخر، الهدف الأساسي من هذه الزوبعة المثارة والمفتعلة حول المسيحية الصهيونية وحول "النشاط التبشيري" للكنيسة البروتستانتية (الانجيلية)، في هذه المرحلة الحساسة والمضطربة، هو لتبرئة المجموعات الاسلامية المتطرفة من دماء المسيحيين العراقيين والمشرقيين عموماً،تالياً للتغطية على جرائم هذه المنظمات الارهابية وحثها على مزيد من العنف ضد المسيحيين وغير المسلمين عموماً لدفعهم الى الهجرة وإخلاء المنطقة منهم، بذريعة أنهم أذناب الغرب.تماماً مثلما فعلوا في الماضي مع "يهود المشرق"، القتل والتهجير والطرد، بذريعة تواطئهم مع الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل.حيث كان يترجم غضب الشعوب العربية والاسلامية،وهي تهتف "خيبر ... خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود" اثناء الحروب العربية الاسرائيلية ،الى أعمال عنف ضد اليهود.يذكر أن العراق، حتى منتصف القرن العشرين، كان يضم أكبر التجمعات اليهودية في المنطقة، كانوا من بقايا السبي البابلي لفلسطين. تجدر الاشارة هنا،الى أن قبل أيام فقط (الخميس3 حزيران) قُتل، رئيس مجلس أساقفة تركيا للاتين، الأسقف "لويجي بادوفيس" جنوب تركيا على يد سائقه المسلم(قيل أنه  كان قد اعتنق المسيحية).يرجح المراقبون بأن يكون قتله حصل على خلفية  هجوم القوات الإسرائيلية يوم 31 ايار على أسطول سفن الإغاثة الانسانية المتجهة إلى قطاع غزة،والذي أدى الى مقتل وجرح العشرات معظمهم من الأتراك.




أخيراً:أن خطر "الاجتثاث من الجذور" الذي تواجهه المسيحية الشرقية في العراق،والذي حذر منه الكاتب الفاضل(فاضل الربيعي)، ليس مصدره "نشاط المنظمات التبشيرية"،أياً تكن مرجعيتها،وانما هذا الخطر آتِ من "الاسلام المتطرف" الذي يعبث ليس بأمن ومصير العراق فحسب وانما بمصير جميع دول ومجتمعات المنطقة،لا بل في كل المجتمعات التي يمكنه من الوصول اليها.وقد حذر، المفكر الدكتور العراقي( سيار الجميل) في مقال له بعنوان" لنقرع الأجراس في الدفاع عن وجود المسيحيين العراقيين ومصيرهم"، من المشاريع الدينية الإسلامية المرعبة التي تطرحها التنظيمات الأصولية الإسلامية، ونبه الى مخاطر هذه المشاريع على المسيحيين العراقيين.   

سليمان يوسف يوسف ... سوريا
ناشط آشوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

 



 


45
 
رسائل تحذير سورية للحركة الآشورية


 في اطار نهج الاستبداد القائم وتشديد القبضة الأمنية على المجتمع، منعت السلطات السورية مؤخراً العديد من نشطاء الحركة الآشورية من السفر ومغادرة سوريا الى جهات مختلفة.العارف بالشؤون السورية لن يستغرب من هذه المضايقات والاستفزازات بحق النشطاء الآشوريين،خاصة وأنها تأتي بموازاة الضغط الممارس على الحركة الكردية وقوى المعارضة الوطنية عموماً،واستمرار الاعتقالات التعسفية للنشطاء في مجال حقوق الانسان والدفاع عن الحريات الديمقراطية.لكن المستغرب،أن الاجراءات التعسفية بحق النشطاء الآشوريين تتم في مرحلة اعتكفت فيها الحركة الآشورية على نفسها، وابتعدت عن الحراك الديمقراطي المعارض ، ومن غير أن تتبنى مواقف مزعجة للحكم البعثي القائم،والتزامها الصمت حيال انتهاكات حقوق الانسان الآشوري في سوريا. واللافت في الموضوع الآشوري،أن المضايقات الأمنية شملت رئيس "المجلس القومي الآشوري" في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو من المغتربين السوريين يحمل الجنسية الأمريكية.فاثناء زيارته الأخيرة لسوريا لم يتمكن من المغادرة والعودة الى أمريكا إلا بعد مراجعات عدة للفروع الأمنية في دمشق، التي مارست عليه ضغوطاً نفسية كبيرة،فضلاً عن أن تأخير عودته ألحقت ضرراً كبيراً بمصالحه والتزاماته في امريكا.
في ضوء معايشتنا لنهج الاستبداد السوري وطريقة تعاطيه مع القوى السياسية،أعتقد بأن منع سفر المحسوبين على الحركة الآشورية وتقييد حركتهم، ومضايقة شخص بوزن وحجم "رئيس المجلس القومي الآشوري" في امريكا، التي تحتضن أكبر تجمع آشوري من المغتربين،أعتقد بأنها اجراءات تحمل أكثر من رسالة وبأكثر من اتجاه.ابرز هذه الرسائل: أن المغتربين الآشوريين غير مرحب بهم في سوريا، خاصة ممن لهم توجهات قومية وسياسية لا تتوافق مع نهج الحكم البعثي.وفي ذات الوقت تنطوي على رسالة تحذير الى "الحركة الآشورية" في الداخل السوري من عواقب امتداد نشاطها الى الجاليات الآشورية ومن التواصل مع قوى المعارضة السورية في الخارج.
أنه لمن المؤسف جداً أن تتعاطى السلطات السورية بهذه السلبية المطلقة مع الحالة الآشورية،وهي حالة وطنية بامتياز. ومن المحزن لنا وطنياً كآشوريين سوريين،عدم تقدير الدولة السورية لحساسية "المجتمع الآشوري/السرياني" من الضغوطات السياسية والمضايقات الأمنية الممارسة عليه ومن سياسات التمييز القومي التي تنتهجها حكومة البعث.اذ من شأن هذه السياسات الشوفينية والاجراءات التعسفية أن تسرع وتيرة الهجرة الآشورية من سوريا.ولا اعتقد أن مخاطر ومضاعفات هذه الهجرة تخفى على الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد،خاصة لجهة حصول خلل ديمغرافي في المناطق والتجمعات التاريخية للآشوريين في الجزيرة السورية،وتآكل ظاهرة التنوع الحضاري والثقافي والديني التي يتصف بها المجتمع السوري،ومن ثم خسارة سوريا لطاقات بشرية وكوادر علمية هي بأمس الحاجة اليها.قطعاً،أن الخلل في التركيبة السكانية وتلاشي التنوع الثقافي من المجتمع لن يكونا في صالح سوريا ومستقبلها كدولة تسعى للحفاظ على ميزة التسامح الديني والاجتماعي التي يتميز بها مجتمعها وتتطلع لمواكبة العالم المتحضر.لكن للأسف،رغم أهمية هذه القضايا وحساسيتها، يبدو أنها لم تعد مهمة أو ذات قيمة في حسابات "العقلية الأمنية" التي تهيمن على البلاد.
بلا ريب،أن تأثير مضاعفات استمرار انتهاك حقوق وحريات الانسان الآشوري لن يقتصر على آشوريي الداخل، وانما تأثيرها سيمتد الى الجاليات الآشورية في دول المهجر الأوربي والأمريكي.فمن جهة،هذه الانتهاكات تعطي الذريعة للحكومات الأوربية والغربية لقبول طلبات المهاجرين الآشوريين القادمين من سوريا ومنحهم حق الاقامة واللجوء السياسي.ومن جهة أخرى ستجعل هذه الانتهاكات أبناء هذه الجاليات يترددون كثيراً لا بل يتخوفون من زيارة وطنهم الأم والتواصل معه،خاصة على صعيد جلب الراسمال وإقامة المشاريع الاستثمارية،المهمة جداً لإنعاش الاقتصاد السوري المأزوم وتوفير فرص عمل في بلد تشكل نسبة البطالة فيه أكثر من 30%.في هذا السياق،نتساءل: ألا تُفند عملية مضايقة المغتربين الآشوريين مزاعم الحكومة السورية،وتحديداً مزاعم وزارة المغتربين، فيما يخص ترحيبها بالمغتربين وباستثماراتهم ويدحض حديثها عن تقديم التسهيلات لهم؟.ليس من المبالغة القول:أن "حكومة البعث"،وبسبب تعاطيها بعقلية أمنية مع المغتربين، فقدت مصداقيتها في أوساط المغتربين الآشوريين وربما في أوساط المغتربين السوريين عموماً.ولا نريد أن نذهب بعيداً في شكوكنا بنوايا الحكومة والقول: بأنها تخلت عن الجاليات الآشورية السورية واستغنت عنها وعن خدماتها، تالياً هي(الحكومة) تساهم أو تشجع بشكل أو بآخر على هجرة،لا بل تهجير، الآشوريين(سريان/كلدان) من سوريا وتركهم لوطنهم.هذه السلبية المطلقة من طرف الحكومة تجاه الآشوريين والتي تتنافى مع قيم ومفاهيم المواطنة الصحيحة،تعود بشكل أساسي الى رفض الآشوريين للعروبة كهوية وانتماء،وتمسكهم بهويتهم الآشورية، وبسبب حبهم المتميز لوطنهم الأم سوريا.فالولاء الآشوري للوطن السوري،لم يرتبط يوماً بطبيعة الحكم القائم وبنظامه السياسي.لأن كل آشوري(سرياني/كلداني) هو على يقين تام بأن بقاءه واستمراره على هذه الأرض،التي تحمل أسمه وتختزن تاريخه، يرتبط ببقاء سوريا واستقرارها.فإذا كانت الدولة السورية حريصة حقاً على بقاء الآشوريين في وطنهم، عليها بالعديد من الخطوات العملية والسياسية، منها:
- رفع حالة الغبن عنهم وإنهاء سياسات التهميش والتعريب الممارسة بحقهم واتخاذ الإجراءات اللازمة وكل ما من شأنه أن يعزز وجود الآشوريين في وطنهم الأم سوريا.
- احترام الدستور السوري الذي يكفل للمواطن حقوق السفر والتنقل دون قيود أو شروط سياسية،ودون وصاية أو تدخل الأجهزة الأمنية.
- الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان ،خاصة "العهد الدولي" الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي وقعت وصادقت عليها الدولة السورية.
 - الاعتراف الدستوري بالآشوريين والأكراد السوريين وبغير العرب عموماً ومنحهم حقوقاً قومية وسياسية،حق تشكيل الأحزاب والجمعيات الثقافية والمنظمات الخاصة بهم، التي هي من صلب حقوق المواطنة والحقوق الديمقراطية.
لأن في النهاية "الأوطان" هي حقوق وحريات ولقمة عيش كريم وأمن واستقرار تكفلها الدولة لجميع ابنائها دون تمييز أو تفضيل على أساسي ديني أو قومي أو سياسي.والمواطنة ليست مجرد بطاقة شخصية عليها بضع كلمات للتعريف بحاملها،وانما هي هوية وانتماء الى ارض وتاريخ وثقافة معينة.
سليمان يوسف يوسف .... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

46
 
صرخة آَخْر مسيحيي العراق

رغم كل ما جرى ويجري لمسيحيي العراق، من قتل وتهجير وخطف واغتصاب وتفجير لدور العبادة والمنازل والمحال التجارية، لم نسمع ولم نقرأ بأن مسيحياً عراقياً أقدم على قتل عراقي مسلم أو من أتباع الديانات والقوميات الأخرى.فالمسيحيون،لأسباب وطنية وعقائدية وأخرى ذاتية تخص وضعهم الأقلوي، يرفضون الانخراط في دورة العنف الطائفي والعرقي، تحت أي ظرف أو شعار، التي تعصف بالعراق منذ الغزو الأمريكي له في آذار 2003.لهذا فهم(المسيحيون)آثروا التحمل والصبر على الجراح، أو الهروب من العراق، من استطاع له سبيلاً ،الى حين نهوض الدولة العراقية المعطلة أو بالأحرى المخطوفة من قبل زعماء الطوائف والميليشيات  الطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية.بيد أن الكثيرين يشككون بإمكانية بقاء مسيحيين في العراق لسنوات أخرى، إذا ما بقيت أوضاعهم الأمنية على ما هي عليه اليوم.فوفق العديد من المصادر، كان يقدر تعدادهم قبل الغزو الأمريكي بنحو مليون ونصف مليون.وفق ذات المصادر، قرابة نصفهم ترك العراق هرباً من الارهاب المنظم الذي يستهدفهم لأسباب دينية وعرقية،فضلاً عن الاضطهاد الممنهج لهم لذات الأسباب، من قبل المجتمعات والقوى السياسية الاسلامية (العربية والكردية).فرغم التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية داخل العراق، لم تتوقف وتيرة العنف ضد المسيحيين،لا بل هي في تصاعد مخيف وبعمليات نوعية أكثر دقة وتنظيماً. فبعد تصفية تجمعاتهم وتفكيك مجتمعاتهم  في الوسط والجنوب(بغداد والبصرة) من قبل التنظيمات الاسلامية المتطرفة،جاء الدور على  التجمعات المسيحية المتبقية في مناطقهم التاريخية في الشمال.ربما تصفية مسيحيي الشمال تحصل لأسباب وأهداف مختلفة،لكن تبقى النتيجة واحدة بالنسبة للمسيحيين،وهي القضاء على وجودهم في العراق.قبل أسابيع قليلة،استهدفت مجموعة ارهابية بالقنابل حافلات تقل طلبة جامعيين من بلدة الحمدانية(بغديدا) المسيحية الى "جامعة الموصل" تسببت في مقتل العديد من الطلبة وجرح العشرات منهم، جراح بعضهم خطيرة.هذا العمل الاجرامي الجديد وقع على مقربة من "نقطة تفتيش" مشتركة،تضم عناصر من البشمركة الكردية وأخرى عربية من قوات الحكومة المركزية، في منطقة (سهل نينوى) التي تعد من المناطق المستقرة أمنياً.استهداف الطلبة الجامعيين،من حيث الزمان والمكان والطريقة،يؤكد من جديد، وبما لا يترك مجالاً للشك، بأن المسيحيين العراقيين،وتحديداً مسيحيي الشمال، هم ضحية نزاع (كردي- عربي)،مرشح لأن يتفاقم ويتطور الى حروب ونزاعات مسلحة.يذكر أن منظمة "هيومن رايتس ووتش " الدولية، في تقرير لها، نشرته في تشرين الثاني الماضي، أشارت الى ان الاقليات،وبشكل خاص المسيحيين، في شمال العراق هم ضحايا نزاع كردي عربي على مناطق متنازع عليها تتبع محافظة الموصل.فليس صدفة أن تتصاعد وبشكل لافت أعمال العنف ضد المسيحيين في محافظة الموصل(نينوى) منذ أن اعلنت "حكومة اربيل" بضم (سهل نينوى) الفاصل بين المناطق العربية والكردية في الشمال العراقي،الى الاقليم الكردي.الرغبة الكردية قبلت بالرفض من قبل الحكومة المركزية والمكونات العراقية الأخرى الغير كردية.على أرضية هذه الخلافات وغيرها تشهد مدينة الموصل، منذ الانتخابات المحلية الماضية(2008)، أزمة حادة في ادارة الحكم، بين قائمة "الحدباء"العربية،التي يرئسها (واثيل النجيفي) محافظ الموصل وهي تشكل الأغلبية في مجلس الحكومة المحلية،وبين قائمة "نينوى المتآخية" الكردستانية التي يرئسها (خسرو كوران) .
سبع سنوات والارهاب يفتك بمسيحيي العراق ويطاردهم من مكان الى آخر، في ظل الاحتلال الأمريكي،وفي ظل صمت عربي واسلامي،رسمي وشعبي ونخبوي،مخجل، وفي ظل تخلي الحكومات العراقية(حكومة بغداد وحكومة اربيل) عن مسؤولياتها الوطنية وواجباتها الاخلاقية والقانونية تجاه مواطنيها المسيحيين،ليس لجهة توفير الحماية لهم فحسب، وانما حتى في موضوع ملاحقة الارهابيين والكشف عن الجهات الحقيقية التي تساندهم، رغم سهولة الوصول الى تلك الجهات. إزاء هذه الأوضاع المأساوية التي زعزعت ثقة المسيحيين بالحكومات العراقية وبأجهزتها الأمنية،وبكل القوى السياسية العراقية،لم تر "المرجعيات المسيحية" ،السياسية والدينية والمدنية،من خيارات أمامها سوى مناشدة المجتمع الدولي ممثلاً بـ"الأمم المتحدة"،عبر بيانات أصدرتها هذه المرجعيات بعد مجزرة طلبة بغديدا، ومطالبته بضرورة تشكيل "لجنة تحقيق دولية" تحقق في الجرائم التي تستهدف المسيحيين العزل وبضرورة توفير "حماية دولية" لما تبقى منهم داخل العراق.فهل سيستجيب المجتمع الدولي لصرخة آخر المسيحيين العراقيين،معظمهم من "الكلدوآشوريين"،سكان بلاد الرافدين الأوائل؟.
الصرخة التي أطلقها قبل سنوات المخرج الفرنسي (روبير آلو)، المهتم بتاريخ الأديان والأقليات الدينية،وذلك من خلال فلم وثائقي أنتجه بعنوان" آخْر الآشوريين" بعد رحلة طويلة وشاقة انتقل خلالها (آلو) بين التجمعات المسيحية في كل من، العراق وتركيا وسوريا وايران، حيث تعيش بقايا "الأمة الآشورية"العريقة،من السريان والكلدان والآشوريين.الفلم كان قد عُرض في اطار فعاليات  "المؤتمر الدولي التاسع" للدراسات السريانية الذي أقامته جامعة الروح القدس في الكسليك  ببيروت أيلول 2004.في حوار أجريته(الكاتب) مع السيد(آلو)على هامش المؤتمر حول رسالة الفلم، قال: " كشف الفلم للرأي العام الفرنسي والأوربي على أن الشعب الآشوري القديم ، ما زال موجوداً، يعش على أرضه التاريخية ومناطق أجداده.وما أردته هو ، أن ألفت انتباه العالم لهذا الشعب والاهتمام به، لكي لا يلفه النسيان.. أضاف: الفلم مساهمة متواضعة مني من أجل أن يبقى هذا الشعب، وهذه كانت رسالة الفلم". في ضوء التردي الخطير في أوضاع المسيحيين العراقيين،حيث كاد العراق أن يخلو منهم،من غير أن تتحرك أي جهة،محلية أو اقليمية أو دولية، لانقاذهم ،لا يبدو أن رسالة الفلم وصلت الى المعنيين في العالم الحر..!. 


سليمان يوسف.... سوريا
كاتب آشوري..مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com





47
 
ماذا أبقى "الإسلام" لمسيحيي المشرق؟
"رد على د . محمد حبش"

في السابع عشر من نيسان الماضي، احتفل السوريون بعيد استقلال دولتهم عن الانتداب الفرنسي عام 1946 .احتفل المثقفون والكتاب والسياسيون بطريقتهم الخاصة بهذه المناسبة الوطنية. فمنهم من كتب مقالاً يشيد بأبطال الاستقلال. ومنهم من أدلى بتصريح طالب باستكمال مسيرة الاستقلال والحرية بمنح الشعب السوري حرياته السياسية والديمقراطية والفكرية وحل مشكلة الأقليات على أسس ديمقراطية وطنية عادلة.ومنهم من أقام ندوة حوارية حول تجربة "الحكم الوطني" وإخفاقاته المستمرة في إحقاق التنمية الوطنية الشاملة. وأنا أتابع مما كتب استوقفتني مقالات كتبها المفكر الاسلامي والنائب في البرلمان السوري الدكتور (محمد حبش)، رئيس مركز الدراسات الاسلامية في دمشق، لما جاء فيها من مغالطات سياسية وتاريخية كبيرة، فضلاً عن أنها تروج لـ"فكر أسلامي" ،في ظاهره يبدو وسطيا اعتداليا منفتحاً، لكن من حيث الجوهر والهدف لا يختلف عن خطاب أكثر التيارات والأحزاب الاسلامية أصولية وتعصباً وانغلاقاَ.في مقال "يوم الجلاء في ضمير رجال" ،المنشور في صحيفة (تشرين) السورية الحكومية، يقول د.حبش"علينا أن نبدأ الحديث عن أبطال سورية من اللحظة التي استفاق فيها الأمل العربي القومي على يد رسول الله محمد بعد أن كانت الأمة العربية متاعاً موروثاً للأمم تناوب على ابتزازه المستعمر البيزنطي والروماني واليوناني والفارسي، حين أعلن رسول الله بنفسه عن بدء إرادة التحرير والخلاص في بلاد الشام... وبهذا المعنى فإن من الصواب أن نتذكر أن أول بطل استقلال في تاريخ سورية كان هو النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم".
اذا كان ولا بد من الحديث عن الابطال الأوائل للاستقلال السوري والتذكير بهم،فمن الأولى أن نتحدث عن مقاومة (السريان)، سكان سوريا الأوائل،للاحتلال الروماني الظالم.وقد تميزت البطلة"فبرونيا"باستبسالها في الدفاع عن الوطن السوري،حيث استشهدت عام 303م وهي تقاوم دخول الجيش الروماني مدينة "نصيبين" السريانية السورية.وقد أصبح قبرها في مدينة القامشلي المحاذية لمدينة "نصيبين" مزاراً مقدساً يحج اليه سريان سوريا.أما بالنسبة لحروب الرسول(محمد- ص) وغزواته،بدءاً من غزوة (ودان) وانتهاء بغزوة (تبوك)،لم تكن حروباً وطنية أو قومية،وانما كانت حروباً اسلامية،ضد المشركين والكفار ولأجل نشر "رسالة الاسلام" وإخضاع شعوب المنطقة للحكم الاسلامي.فبعد وفاة الرسول، واصل من تولى"الخلافة الاسلامية" حروبهم وغزواتهم،خارج الحجاز وشبه الجزيرة العربية.وتلك الحروب لم تقتصر على سوريا وبلاد الشام وبلاد الرافدين وانما امتدت شرقاً وغرباً وصولاً الى بلاد فارس ومصر و اسبانيا،التي حكموها نحو ثمانية قرون.
صحيح،ثمة علاقة عضوية وتاريخية بين العروبة والاسلام، الذي خرج من رحمها.وصحيح أيضاً أن الإسلام، بالمحصلة، أفاد كثيراً العرب وخدم العروبة.لا بل أكاد أجزم بأن لولا "الإسلام" لما كنا وجدنا اليوم "دولاً عربية" في سوريا وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين وفي مصر وفي القارة الافريقية عموماً.لكن ما هو غير صحيح، أن نصف الرسول بالبطل القومي أو السوري لمجرد كونه عربياً،وهو لم يدخل سوريا إلا بحكم عمله في التجارة قبل بدء الدعوة الاسلامية.والأهم من كل هذا، أن الرسول الكريم في كل مواقفه وأحاديثه لم يظهر انحيازاً للعرب ولم يدعي أنه جاء ليقيم لهم دولة أو كيان سياسي عربي.ولا يخفى على الدكتور،وهو الباحث الاسلامي المهتم، بأن العديد من الشخصيات الغير عربية قادت الحروب والغزوات الاسلامية خارج جزيرة العرب وحققت انتصارات سياسية وعسكرية كبيرة للمسلمين،منهم(طارق بن زياد- بربري)- طبعاً قول حبش بأن البربر عرب هذا كلام مردود عليه- ، وسلمان الفارسي، و صلاح الدين الأيوبي (كردي).وقد فات الدكتور حبش، بأن الفكر القومي العربي لم يتبلور على شكل مشروع سياسي إلا في أواخر القرن التاسع عشر، ومعظم رواده كانوا من المسيحيين المشرقيين الذين حثوا العرب المسلمين على التحرك لطرد المستعمر العثماني.ومازالت "العروبة"،كمشروع سياسي،محاربة ومرفوضة من قبل "تيار اسلامي" عريض في المجتمعات العربية.فمن وجهة نظر أنصار هذا التيار، بينهم علماء مسلمين(د.يوسف القرضاوي)،أن حضارة العرب لم تكن يوماً عربية، وإنما كانت إسلامية،وأن"القومية العربية" بدعة غربية استعمارية أطلقت لتفتيت "الأمة الاسلامية"، وقد روج لها الاستعمار الصليبي، وأن "نصارى الشام" هم الذين تبنوها وعمموها.فيما يخص عدم اعتراف(د.حبش) بـ"الخريطة السياسية" التي حددتها اتفاقية "سايس بيكو"1918 (الانكليزية الفرنسية) للمنطقة، بحجة أن هذه الاتفاقية جزأت "الأمة العربية" الى كيانات سياسية صغيرة.أقول،بعد نصف قرن من "الحكم الوطني" ومن الشعارات القومية والخطابات السياسية الجوفاء للقوميين العرب، باتت معظم هذه الكيانات الصغيرة مهددة بالانقسام والتفكك، ليس فقط على أساس عرقي أو اثني، وإنما على أساس طائفي ومذهبي وديني ومناطقي.لهذا، من المفترض أن يسارع الدكتور حبش وكل الوطنيين الشرفاء الى إدانة الحكومات الوطنية التي أنعشت، في مجتمعاتنا المشرقية، مختلف الانتماءات البدائية المقابل الدولة(الطائفية والمذهبية والاثنية والقبلية والدينية.)،وعليه الاعتراف بفضل المستعمرين (الانكليز والفرنسيين) على تحرير الشعوب العربية من الاستعمار العثماني الذي استمر نحو أربعة قرون باسم "الخلافة الاسلامية" .
يقول (د.حبش) في سياق رده على المحامي (ميشيل شماس)،(المنشور في نشرة كلنا شركاء الالكترونية):" مع إيماني بأن السوريين أمة تامة، ولكنني في الوقت إياه مؤمن بأن السوريين جزء من الأمة العربية، وباختصار فأنا مؤمن بأن السريان والكلدان والإيبلائيين والبابليين والفينيقيين والعبرانيين والفراعنة والأمازيغ هي قبائل عربية عمرت هذه الأرض التي تمتد من المحيط إلى الخليج منذ فجر التاريخ،...". من الواضح أن الدكتور حبش ينطلق في رؤيته لتاريخ وأصول شعوب المنطقة من النظرية القومية العربية التقليدية، أو بالأحرى من( أكذوبة التاريخ الرسمي العربي)، التي سقطت منذ زمن طويل، وتزعم بأن"كل الأقوام والشعوب التي تسكن حالياً في ما يسمى بالمنطقة العربية أو (الوطن العربي) هي قبائل عربية خرجت من بطن شبه جزيرة العرب".حقيقة، أنه لأمر مؤسف أن يشط  الدكتور حبش الى هذا الحد عن الحقيقة والموضوعية في قراءته "الارادوية" لتاريخ المنطقة،والوقوع في هكذا مغالطات سياسية وتاريخية كبيرة.فوفق الكثير من المصادر التاريخية والعلمية أن السريان(الآشوريين)وبقية الشعوب والأقوام التي ذكرها لا صلة لها،عرقية أو اثنية، بالقبائل العربية،إلا في اطار فرضية"الشعوب السامية"التي يرفضها شخصياً. قبل أشهر فقط اكتشفت (البعثة الأثرية الهولندية) في موقع(صبي الأبيض) شمال مدينة (الرقة) السورية، قطع أثرية آشورية في محيط (القصر الآشوري) يعود تاريخها إلى حوالي 9000عام.أي قبل أن يكون للقبائل العربية أي وجود في سوريا وبلاد الرافدين.وحول الفاصل الحضاري والجغرافي بين (العرب) و (السريان)- أو( الآشوريون) كما يطلق عليهم باللاتينية- أحيل الدكتور حبش الى كتاب في غاية الأهمية"ثقافة السريان في القرون الوسطى" للكاتبة الروسية( نينا بيغوليفسكايا). ترجم الكتاب من الروسية للعربية الدكتور(خلف الجراد)، وهو بعثي سوري،ترأس تحرير جريدة تشرين السورية.جاء في الكتاب ص38: "قادت الطرق التجارية السريان بعيداً عن (بلاد ما بين النهرين) وقد تنافسوا في هذا المجال الحيوي مع الفرس، لكن (العرب) فقط تمكنوا من اضعاف النفوذ (السرياني) الى حد ما، مع انهم ( أي العرب) لم يقدروا على الحلول محلهم تماماً... وقد وقع العرب القاطنون بين ايران وبيزنطة تحت تأثير (السريان) الذين استطاعوا تنصير جزء من قبائلهم الشمالية..وبفضل السريان دخلت التعاليم الانجيلية الى جنوب الجزيرة العربية أيضاً...".
لا جدال على أن قبائل عربية،مثل قبيلة بني تغلب وطي والمناذرة، وأقوام أخرى دخلت "المسيحية" على المذهب (السرياني الأرثوذكسي). بيد أن هذا لا يبرر القول عن تلك القبائل والأقوام بأنها سريانية الانتماء والهوية والقومية.فقد احتفظت تلك القبائل العربية بالكثير من خصوصيتها الثقافية العربية.تلك القبائل دخلت "الاسلام" الأقرب اليها لغة وثقافة. وهذا يفسر تلاشي المسيحية واختفائها من (الجزيرة العربية).يؤكد هذه الحقيقة التاريخية المؤرخ السرياني(ابن العبري)الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي،في كتابه"تاريخ مختصر الدول".قطعاً،هذا لا يعني عدم وجود مسيحيين عرب.اذ بقيت بعض القبائل العربية على ديانتها المسيحية ،مثل الغساسنة،المنتشرين في الأردن وسوريا.
بلا ريب،مع انتشار "الاسلام"، وتحت ضغط الاجراءات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية، التي فرضتها السلطات العربية الاسلامية على الشعوب التي وقعت تحت حكمها، دخل الكثير من مسيحيي المشرق،من السريان وغير السريان، (الاسلام).حول هذا الموضوع، يقول(أليكسي جورافسكي)- وهو باحث روسي متخصص في تاريخ الشعوب والحضارات- في كتابه( الإسلام والمسيحية) ص178: " مع الرسوخ السياسي واللاهوتي للدين الإسلامي، تحولت الكتل الأساسية لمسيحيي الشرق الأدنى الى الاسلام، أما الذين بقوا أوفياء لدينهم فقد استعربوا عدا الأرمن، الذين لم يخضعوا عملياً للاستعراب. وحافظ على سماتهم الإثنية الخاصة الى حد كبير أو صغير كل من الآشوريين(السريان)، الأقباط، الموارنة، ولكنهم تكيفوا مع (الواقع العربي – الإسلامي) في الميدان اللغوي، محتفظين بلغاتهم الأصلية القديمة في اطار الليتورجيات الكنسية".
 لا ننفي فضل العرب والمسلمين على تخليص"مسيحيي المشرق" من الاحتلال الفارسي والروماني.وقد رحب السريان (الآشوريون) في سوريا وبلاد الرافدين بجيوش المسلمين.لكن قطعاً الترحيب بالعرب المسلمين لم يكن على أساس تحولهم الى محتلين جدد،وانما على أساس محررين لهم من الظلم الروماني والفارسي.وقد قدم المسيحيون أموالاً ضخمة لقادة الجيوش العربية الاسلامية تعويضاً لهم عن حروبهم وطلبوا منهم أن يعودا الى من حيث أتوا.لكنهم خيبوا آمالهم ورفضوا ترك البلاد لأهلها الحقيقيين العاجزين عن مقاومة الجيوش الاسلامية الضخمة.بعض المصادر تتحدث عن مقاومة الأقباط للحكم العربي الاسلامي الذي اقامه (عمرو بن العاص) في مصر،لكن أخفق التمرد القبطي بسبب ارسال مزيد من الجيوش الاسلامية لمصر.يستشهد (د.حبش) في الدور الانقاذي للمسلمين بكلام للبطريرك زكا الأول عيواص، الذي يأخذ من دمشق مقراً له.وهنا أتساءل:هل من قيمة سياسية أو معرفية لكلام رجل دين يعيش في دولة لا ديمقراطية وفي ظل حكم عربي اسلامي؟.وهل يتوقع من البطريرك زكا أن يتحدث بخلاف الرأي العربي الاسلامي حول تاريخ المنطقة؟.والسؤال الكبير والمهم الذي يطرح نفسه بقوة في سياق هذه القضية،هو: ماذا أبقى (الإسلام) لمسيحيي المشرق؟.وما هو الوضع القانوني والحقوقي للأقليات المتبقية منهم ؟.في ظل دساتير وتشريعات اسلامية تتضمن قوانين ومواد تنتقص من حقوق غير المسلمين وتنال من مكانتهم الوطنية وتحيلهم الى مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة.وليس من المبالغة القول:أنهم(المسيحيون المشرقيون) بشكل من الأشكال مازالوا "أهل ذمة"بالمعنى الديني والسياسي،يعيشون في خوف دائم على الوجود والمصير.لهذا،كان الأجدر بالدكتور،وهو النائب في مجلس الشعب ، بمناسبة العيد الوطني لسوريا، أن يقترح على حكومته خطوات عملية من شأنها أن تعزز وجود الآشوريين(سريان/كلدان) في وطنهم الأم سوريا للحد من نزيف هجرتهم منه. 
أن قول (د.حبش) "بأن السوريين جزء من الأمة العربية"قول ينطوي على مغالطة سياسية كبيرة، لأن هناك من السوريين من ليسوا عرباً، مثل الآشوريين(سريان) والأكراد والأرمن والشركس والتركمان. جدير بالذكر،أن أحد الأسباب الأساسية لانخراط أبناء الأقليات الدينية والاثنية في الحزب (السوري القومي الاجتماعي) هو ابراز الحزب الأصول الفينيقية والآرامية والسريانية الآشورية  لسوريا الكبرى. فهؤلاء يرون في القومية العربية إلغاءً لهم ونفيا لخصوصيتهم التاريخية والثقافية.في العراق في زمن الدكتاتورية، فرضت "العروبة"،كهوية وانتماء،على الآشوريين(سريان وكلدان)، أما اليوم،وقد أتيح لهم التعبير عن هويتهم الحقيقة دون خوف، صرحوا بقوميتهم الآشورية وتم تثبيتها في الدستور العراقي الى جانب هويات الشعوب العراقية الأخرى.إذا كانت بعض السياسات الشوفينية والاجراءات الخاطئة لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم،أفرزت " مشكلة كردية" وأخرى"آشورية" في سوريا.من المؤكد إذا ما ساد وحكم "الخطاب الاسلاموي"، الذي يروج له أخينا وشريكنا في الوطنية (د.محمد حبش)، والذي يتقاطع في النهاية مع شعار"الاسلام هو الحل"سينتج،عاجلاً أم آجلاً، "مشكلة مسيحية" في سوريا، وهذا أخطر ما في الموضوع.وخوفاً من هذا الخطاب (الاسلاموي الأصولي)،باتت غالبية مسيحيي المشرق ترى في "الاستبداد" القائم،على علاته ومساوئه، ضمانة لحمايتها وأمنها من التطرف الاسلامي،والضمانة لبقاء هامش الحريات الدينية والفردية التي تتمتع به.وقد تعززت هذه القناعة بعد سقوط "الدكتاتورية" في العراق وتعرض مسيحيي هذا البلد الى عمليات تطهير عرقي وديني على أيدي الاسلاميين المتشددين،في ظل ديمقراطية المليشيات الطائفية والمذهبية والعرقية.
ختاماً،اقول للأخ الفاضل الدكتور محمد حبش: أن تاريخ "سوريا الكبرى"، بحدودها التاريخية والثقافية المعروفة التي أخذت اسمها عن السريان، لم يبدأ مع العرب، ومن المؤكد أنه لن ينته عندهم، وعجلة حركة التاريخ تدور.

سليمان يوسف يوسف
آشوري سوري .. مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
 
 
 



48
 
تعاظم مخاوف تركيا الاسلامية من شبح "الهولوكوست المسيحي"

حتى بدايات القرن العشرين،كانت تركيا العثمانية حاضنة لأكبر تجمع مسيحي في المشرق(نحو3 مليون).اليوم لا يتجاوز عددهم 2% من نسبة سكانها البالغ أكثر من 70 مليون نسمة.هذا التراجع الكبير في تعداد المسيحيين يعود بشكل أساسي الى تعرضهم لسلسة مذابح جماعية وعمليات تهجير قسرية على يد الجيش العثماني. أعنفها كانت في ربيع وصيف عام 1915،حيث قتل أكثر من مليون أرمني،ونحو نصف مليون من الآشوريين(سريان/كلدان) وعشرات الآلاف من الروم اليونانيين.نُفذت هذه "الجرائم الانسانية" بتخطيط وتدبير من حركة"الاتحاد والترقي"، التي أطاحت بالسلطان (عبد الحميد)  عام 1908،وتميزت بأفكارها العنصرية القائمة على"أن لا يبقى في تركيا سوى الأتراك".ولأجل تحقيق هذا المشروع الشوفيني، قرر قادة هذه الحركة الطورانية التخلص من الأقليات المسيحية،التي وصفوها بـ(الأعشاب الضارة)،وتتريك الأقليات المسلمة، كالأكراد والعرب، واذابتهم في القومية التركية.سعى الأتراك الى التعتيم التام على جرائم اسلافهم العثمانيون ومحوها من ذاكرة التاريخ، لكنهم أخفقوا بفضل تصميم الأرمن على تحريك قضية المذابح على الساحة الدولية وطرحها كقضية انسانية على الضمير العالمي ،من جهة أولى.وبفضل ما تحفظه سجلات التاريخ  من شهادات موثقة لعديد من المؤرخين والباحثين والدبلوماسيين، الذين واكبوا أحداث تلك المذابح المروعة . منهم المؤرخ البريطاني المعروف (أرنولد توينبي) الذي يقول في مذكراته:"لم يكن المخطط يهدف إلا إلى إبادة السكان المسيحيين الذين يعيشون داخل الحدود العثمانية". ويقول،هنري مورغنطاو (لسفير الأمريكي في تركيا ما بين 11913 – 1916) في كتابه (قتل أمة): "في ربيع عام 1914وضع الأتراك خطتهم لإبادة الشعب الأرمني... وقد دفع التعصب الديني عند الغوغاء والرعاع الأتراك ومن معهم من الأكراد لذبح  معظم الأمم المسيحية التابعة لهم الى جانب الأرمن".
 نجحت النخب الأرمنية، أو ما يعرف بـ"اللوبي الأرمني"، في دول المهجر الأوربي والأمريكي في كسب تعاطف المجتمع الدولي مع قضيتهم وإقناع حتى الآن أكثر من عشرين دولة للاعتراف بـ"المذبحة الأرمنية".وفي السنوات الأخيرة، تمكنت "المنظمات الآشورية" في دول المهجر والشتات من فتح ملف مذابح الآشوريين(سريان/كلدان) ونقل قضيتهم المنسية الى العديد من البرلمانات الأوربية، الى جانب القضية الأرمنية،فضلاً عن اقرار العديد من المنظمات والهيئات الدولية بأن ما حصل لمسيحيي السلطنة العثمانية من مذابح  أعوام ( 1915 – 1918 ) هو "إبادة جماعية".لهذا،في كل عام مع اقتراب الذكرى السنوية( 24 نيسان ) لـ"الهولوكست المسيحي" ترتفع "حُمى" الدولة التركية خوفاً من انضمام دول جديدة الى قائمة المعترفين بـ"الهولوكوست".وعشية ذكرى المذبحة هذا العام، تعاظمت مخاوف قادة وزعماء تركيا الاسلامية من شبح الهولوكوست المسيحي الذي يلاحقهم حيثما توجهوا.فبعد أسبوع واحد من اقرار "لجنة العلاقات الخارجية" في مجلس النواب الأمريكي بالابادة الارمنية- يدعو القرار( ليست له صفة القانون) الرئيس الاميركي الى استخدام كلمة "الابادة" لوصف "التصفية المنهجية والمتعمدة لمليون ونصف مليون ارمني في عهد السلطنة العثمانية بين 1915 و1923-  صُدمت تركيا،حكومة وشعباً، بتبني برلمان "مملكة السويد" مشروع قرار يصف ما حصل للأرمن والأقليات المسيحية الأخرى بـ"الابادة الجماعية"، بعد جلسة طويلة وشاقة عقدها في 11آذار الماضي شهدت نقاشات حامية بين الإتلاف اليميني الحاكم والمعارضة اليسارية التي تقدمت بمشروع القرار الذي أقر بفارق صوت واحد،وينص على"ان السويد تعترف بابادة ،عام 1915،الأرمن والآشوريين والسريان والكلدانيين واليونان الذين كانوا مقيمين في اراضي السلطنة العثمانية".ومن المقرر أن يناقش "مجلس العموم البريطاني" نهاية نيسان الجاري مشروع قرار مماثل  يتعلق بالمذبحة الأرمنية.
بلا ريب،أن الثقل السياسي لدولة السويد لا يقارن بما للدول الأوربية الأخرى التي سبقتها في الاعتراف بالمذبحة، مثل فرنسا وألمانيا وايطاليا.لكن،ورغم تأكيد وزير الخارجية السويدي على أن نهج حكومته المؤيدة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي "لم يتغير" ولن يتأثر بقرار البرلمان، شكل القرار السويدي صدمة سياسية كبيرة للأتراك و رفع "حُمى" الدولة التركية من الهولوكوست المسيحي وضاعف مخاوفها من شبح المذبحة،وذلك لأسباب عديدة منها،أولاً:باعتبار السويد من الدول الصديقة لتركيا وتربطها معها علاقات سياسية وتجارية قوية وهي بالفعل من الدول الأوربية المتحمسة لدخول تركيا الى الاتحاد الأوربي.ثانياً:كون القرار السويدي لم يقتصر على ذكر "ابادة الأرمن" فحسب،كما كان الحال مع قرارات برلمانات الدول الأخرى، وانما أقر أيضاً بأن المذابح وعمليات الابادة طالت أقليات مسيحية واثنية أخرى،مثل الآشوريين(سريان/كلدان) واليونان.ثالثاً:الصفعة السويدية جاءت بعد نجاح الحكومة التركية، بزعامة حزب العدالة والتنمية الاسلامي،في تطبيع العلاقات بين تركيا و جمهورية أرمينيا،صاحبة القضية والمعنية الأولى بالمذابح،وتوقيع اتفاق تاريخي معها تضمن تشكيل لجنة مستقلة من المؤرخين والباحثين لدراسة الأحداث والظروف التي أحاطت بمذابح الأرمن.
ما أراده الأتراك من هذا الاتفاق والتطبيع مع أرمينيا، هو اغلاق باب الاعتراف الدولي بالمذبحة الأرمنية وإبعاد عنهم كابوس "كرسي الاعتراف" بالهولوكوست المسيحي.فمن دون شك، تركيا تدرك جيداً ما يترتب على هذا الاعتراف من ثمن باهظ، سياسي ومادي.بدءاً من مطالبة أرمينيا بالولايات الأرمنية السبع التي تحتلها الدولة التركية، كانت السلطنة العثمانية قد قتلت وهجرت سكانها الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى.ومن قيام المجتمع الدولي بإلزامها بدفع تعويضات مالية كبيرة للأرمن ولبقية الأقوام المسيحية التي طالتها المذابح.مثلما أُلزمت ألمانيا بدفع مليارات الدولارات لإسرائيل تعويضاً عن "الهولوكست اليهودي" الذي حصل إبان الحكم النازي اثناء الحرب العالمية الثانية.
وليس سراً، بأن تقرب الحكومات التركية من "دولة اسرائيل" وعقد معها اتفاقات أمنية وعسكرية وتجارية، كان الهدف الأساسي منه هو دفع اسرائيل للتحرك على الساحة الدولية واستخدام نفوذها لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية  للتخفيف من ضغوطها على الدولة التركية وإبعاد عنها شبح الاعتراف بالهولوكوست المسيحي .لكن يبدو أن رياح العالم الحر تجري بما لا تشتهي سفن الدولة التركية.وبات الأتراك على يقين تام بأن لا مناص من الاعتراف بالمذبحة عاجلاً أم آجلاً  وتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية عن خطايا وجرائم اسلافهم العثمانيون،خاصة إذا ما أصروا (الأتراك)على الدخول الى "الفردوس الأوربي".لهذا،ثمة تبدل ايجابي نسبي طرأ على الخطاب التركي الرسمي والنخبوي فيما يخص "القضية الأرمنية" وبدأت حكومة حزب العدالة والتنمية الاسلامي تنفتح، وان بحذر شديد، على هذه القضية المعقدة والشائكة والبحث عن ذرائع ومبررات سياسية وأمنية لوقوع المذابح لتخفف من مسؤوليات الدولة التركية عنها.لا ننفي استغلال الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية عموماً قضية المذابح لابتزاز تركيا سياسياً وفرض مزيد من الشروط عليها فيما يخص تحسين أوضاع حقوق الانسان والحريات الديمقراطية وحقوق الأقليات الاثنية والدينية داخل تركيا، مثل الأكراد والأرمن والآشوريين(السريان)،كذلك للتأثير على الموقف التركي من الأزمة القبرصية، حيث يحتل الجيش التركي منذ عام 1974 النصف الشمالي من الجزيرة.لكن هذا لا يقلل من أهمية الضغوط الدولية لإرغام تركيا على الاعتراف بالمذابح وإنصاف الأرمن والشعوب المسيحية الأخرى التي طالتها عمليات الابادة.
في اطار تطور الموقف الدولي من "المذبحة الأرمنية" ،من المؤسف حقاً أن الموقف العربي والاسلامي ،على المستوى الرسمي والنخبوي والشعبي، مازال يتراوح بين النكران والتجاهل والتبرير للمذابح.فباستثناء"لبنان" المتميز بنظامه السياسي وبثقل الأرمن فيه،لم تعترف حتى الآن أي من الدول العربية والإسلامية بالمذبحة الأرمنية،في حين سارع معظمها الى إدانة المذابح بحق مسلمي كوسوفو والبوسنة والهرسك وطالبت بإحالة المسئولين عنها من الصرب الى محكمة الجنايات الدولية.كان من المفترض أن تبادر الدول المحيطة بتركيا(سوريا، العراق، ايران)الى الاعتراف بالهولوكوست المسيحي، كونها احتضنت قوافل المسيحيين الهاربين من ويلات المذابح،فهذه الدول تعتبر بمثابة شاهد على جرائم السلطنة العثمانية بحق هؤلاء المسيحيين العزل. لكن يبدو أن "العقدة الاسلامية" مازالت تشكل العقبة الأساسية التي تحول دون اعتراف دول ومنظمات وهيئات العالم العربي و الاسلامي بـ"الهولوكوست المسيحي"، الذي حصل إبان الحكم العثماني  عام 1915.طبعاً،أن المواقف والسياسات الغير مبدئية، التي تنتهجها الدول العربية والاسلامية تجاه القضايا الانسانية وحقوق الشعوب المقهورة، تثير الكثير من الشكوك حول مصداقية هذه الدول ويضعف موقفها أمام المجتمع الدولي والعالم عندما تطالبه بنصرة قضايا العرب والمسلمين.   

سليمان يوسف يوسف... سوريا
 مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com





 
 



49
حملة سورية على الأعلام الآشورية والكردية!

تعتبر الأعياد والاحتفالات الشعبية فرصة مناسبة للشعوب والمجموعات البشرية لتعبر عن ذاتها وابراز هويتها الخاصة،وذلك من خلال العروض والمهرجانات الفنية وتزيين ساحات الاحتفال بالأعلام والرموز القومية والحضارية والدينية الخاصة بها.لكن في سوريا تبدو الأمور مختلفة كلياً فيما يتعلق بالاحتفالات الخاصة بالقوميات الغير عربية.اذ تجري احتفالاتها في أجواء يسودها التوتر والقلق والاحتقان،وذلك بسبب التضييق على الحريات والحقوق القومية للأكراد والآشوريين والمضايقات الأمنية على مختلف نشاطاتهم السياسية وفعالياتهم الثقافية والاجتماعية.ففي كل عام،عشية احتفالات الأكراد بعيد "نوروز" في 21 آذار، واحتفالات الآشوريين(سريان/كلدان)بعيد"الأكيتو" في الأول من نيسان،تستنفر الأجهزة الأمنية وتزيد من اجراءاتها الأمنية وبشكل لا فت في مدن وبلدات الجزيرة ومحافظة الحسكة.كما لو أن هذه الأعياد هي مناسبات لأعمال الشغب والفوضى وليست مواسم للبهجة والفرح بقدوم الربيع.وفي اطار الحملة الرسمية التي تشنها السلطات السورية على الأعلام  والرموز القومية الآشورية والكردية،تقوم السلطات بابلاغ أصحاب المطابع ودور النشر بعدم طبع أية اشارات أو رموز أو اعلام تخص الأكراد أو الآشوريين وتحذرهم من عواقب مخالفة هذه التعليمات.فكما هو معلوم،في "سوريا البعث" لا يسمح برفع أية راية غير"راية العروبة".أما الرايات والرموز الحضارية الأخرى الغير عربية  يجب أن تزال وتمحى من الخريطة السياسية والثقافية لدولة البعث.وفي اطار هذه الحملة الغير مبررة، أجبرت شركات النقل والمؤسسات الاقتصادية الآشورية على إزالة العلم الآشوري من على حافلاتها وإعلاناتها التجارية. وقبل أيام حرمت الجهات الأمنية في محافظة الحسكة المطرب الآشوري المغترب حبيب موسى من الغناء في حفلة بمدينة القامشلي،وذلك عقاباً له على مشاركته في احتفالات رأس السنة الآشورية وحمله للراية الآشورية وإشادته بالشعب الآشوري من خلال أغانية القومية الحماسية.
من الطبيعي أن تلقى سياسات التمييز القومي والاستبداد الثقافي التي تنتهجها حكومات البعث، تجاه الأكراد والآشوريين وغير العرب عموماً، رفضاً واستهجاناً من قبل ابناء هذه القوميات، وكثيراً ما تسبب احتقانات سياسية واجتماعية، وبشكل خاص في الشارع الكردي الأكثر تعصباً وحماسة وحرصاً على ممارسة حقوقه القومية.فوفق العديد من المصادر،وخلال الاحتفالات بأعياد نوروز في آذار الماضي بالقرب من مدينة الرقة، اصطدم جمهور كردي،بعد أن رفض انزال اعلام كردية وصور لزعامات سياسية كردية من مكان الاحتفال، مع قوات الشرطة والأمن تسبب بوقوع قتلى وجرحى بين الأكراد برصاص الشرطة.وكان المشهد المأساوي ذاته تكرر في احتفالات نوروز 2008  بمدينة القامشلي.طبعاً،وبغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع الخطاب الكردي وشعاراته السياسية،لا من مبرر لجوء الشرطة،وهي المسئولة عن حماية وأمن المواطن، إلى السلاح وإطلاق الرصاص على اناس يحتفلون بعيدهم لحسم الخلاف معهم،أياً تكن الشعارات والاعلام التي رفعوها أو الاستفزازات التي قد تكون بدرت منهم. لا جدال على أهمية وضرورة احترام "العلم الوطني" لسوريا ورفعه في كل المناسبات والاحتفالات الخاصة والعامة ومن قبل جميع السوريين وبمختلف انتماءاتهم الاثنية والدينية والسياسية.لأن في الالتفاف حول العلم الوطني، تأكيد على قدسية الوطن السوري وعلى التمسك بالوحدة الوطنية وعلى العيش المشترك بين المكونات والشعوب السورية.لكن قطعاً "الوحدة الوطنية" لن تنجز بالإكراه وبقمع الحريات وبقهر واضطهاد الأقليات الغير عربية وتهميشها أو إقصاءها.ولا اعتقد هناك ما يضر بالوحدة الوطنية أو يسيء لها إذا ما رُفع العلم الكردي أو الآشوري أو الأرمني الى جانب العلم الوطني لسوريا،لا بل أن في هذه الظاهرة حالة صحية وايجابية تؤكد على الانتماء الوطني لهذه الأقليات وحرصها الشديد على العيش في كنف الوطن السوري والدولة السورية.من هذا المنظور،لا أجد سبباً يجعل السلطات السورية تستفز من مشاهد الاحتفالات القومية ومن رفع الأعلام الخاصة بالأقليات .فإذا كان من حق ابناء القومية العربية وأنصار حزب البعث وحلفاءه رفع أعلامهم القومية والحزبية في مسيراتهم ومهرجاناتهم،أعتقد بأنه أيضاً من حق الأكراد والآشوريين السوريين،شركاء العرب في هذا الوطن،رفع أعلامهم ورموزهم القومية التي تعبر عن هويتهم والتي هي جزء من الهوية الثقافية والوطنية للدولة السورية،بصرف النظر عن المدلولات أو التعابير السياسية للأعلام والرايات المرفوعة.جدير بالذكر،أن الرئيس بشار الأسد قال في سياق إحدى كلماته " ان القومية الكردية جزء من التاريخ السوري ومن النسيج السوري".و الرئيس الراحل حافظ الأسد قال،مخاطباً السريان من خلال كلمة رحب فيها بالمشاركين في المجمع السرياني بدمشق:" سوريا بلدكم وعندما نقول هذا لا نعطيكم ما هو ليس لكم".لكن رغم هذا الكلام الايجابي للرئيسين،لم يحصل أي تطور ايجابي يذكر أو تحول مهم في موقف الحكومة السورية وحزب البعث من قضايا وحقوق الأكراد والآشوريين(سريان/كلدان) السوريين.اذ مازالت الأولوية هي لنهج التعريب ورفض الاعتراف الدستوري بالأكراد والآشوريين،ومازالت  تهمة التشكيك بوطنية هذه القوميات جاهزة كلما هي احتجت على مظالم تلحق بها أو طالبت بحقوقها القومية والديمقراطية وبمساواتها مع الأغلبية العربية في الحقوق والواجبات،ومازال عشرات الآلاف من الأكراد السوريين محرومين من حق التجنيس.
الحملة الحكومية على الأعلام الآشورية والكردية،من دون شك، هي تؤكد من جديد على عمق أزمة أو إشكالية الهوية الوطنية للدولة السورية الحديثة التي اختزلها حزب البعث بـ"العروبة والاسلام" وأقصى الهويات السورية الأخرى . ففيما يتمسك الآشوريون والأكراد وغير العرب عموماً بالهوية الوطنية السورية ويبدون حرصاً شديداً على الاندماج في وحدة وطنية سورية في ظل دولة مدنية ليبرالية تكفل لهم حقوقهم والحفاظ على هويتهم الحضارية والثقافية،بينما تقوم الاستراتيجية القومية لحزب البعث على ذوبان وانصهار غير العرب في بوتقة "القومية العربية"وليس في البوتقة الوطنية السورية. لأن وفق عقيدته القومية، تتعارض الوطنية السورية مع الوطنية العربية،وهي(الوطنية السورية) عقبة كبيرة في طريق جمع الدول العربية وتوحيدها في دولة عربية واحدة.ورغم  سقوط "أكذوبة التاريخ العربي الرسمي" الذي يُعلم بالمدارس الحكومية في سوريا وفي معظم الدول العربية،مازال حزب البعث ومعه الكثير من القوميين العرب ينظرون للدولة السورية الحالية على أنها مجرد كيان سياسي"قطر" مؤقت زائل،سيذوب في مشروع "الدولة- الأمة العربية" المنشودة.بتعبير آخر،يرفض حزب البعث العربي الاشتراكي الاعتراف بالهوية السورية كهوية وطنية نهائية للدولة السورية،وهذا يفسر عدم ورود كلمة"سوريا" في دستوره القومي،الذي مازال يشكل الركيزة الأساسية لمنطلقاته الفكرية والسياسية.

سليمان يوسف  ... سوريا
 مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com

50
 
مسيحيو العراق والاستحقاق الانتخابي


 
في السابع من آذار الجاري من المقرر أن تجرى في العراق انتخابات برلمانية جديدة. وصفت بأنها ستكون مصيرية ومفصلية بالنسبة للمستقبل السياسي للعراق الجديد،و"الفدرالية"المستحدثة في ظل احتلال أمريكي، أزاح الطاغية "صدام حسين" عن السلطة، وهو(الاحتلال) يستعد للرحيل عن العراق وترك شعوبه وأقوامه تتخبط في الفوضى السياسية والأمنية التي تسبب بها.القانون الجديد للانتخابات البرلمانية، حجز للمكون المسيحي(خمسة) مقاعد من أصل  323 مقعداً نيابياً،وفق نظام "الكوتا"(التمثيل النسبي) الذي اعتمده وخص به المسيحيين،وذلك لضمان تمثيلهم في السلطة التشريعية وتعزيز مشاركتهم في العملية السياسية.أياً تكن الأسباب والظروف التي أملت أو شرعت تخصيص مقاعد نيابية للمسيحيين،شكل نظام "الكوتا"خطوة جديدة باتجاه تكريس وقوننة المحاصصات الطائفية والمذهبية والاثنية في الحياة السياسية للعراق الجديد.هذه الخطوة تأتي بعد فشل "الديمقراطية العراقية"،ديمقراطية "الغالبية الطائفية" التي أفرزها الاحتلال الأمريكي وأنتجها الواقع العراقي المأزوم،فشلها في انصاف المسيحيين،غالبيتهم من "الكلدوآشوريين"، الشريحة الأكثر التصاقاً بالوطن العراقي والضاربة جذورها قِدماً في أرض الرافدين، والتي تميزت بدورها التنويري والحضاري في بناء ونهضة الدولة العراقية الحديثة.رغم أن عدد المقاعد النيابية المخصصة للمسيحيين جاءت أقل من الحد الأدنى الذي تطمح اليه وتطالب به النخب المسيحية،لاقى نظام "الكوتا" ترحيباً من قبل مختلف الأوساط المسيحية وشكل ارتياحاً نسبياً في المجتمع المسيحي،فضلاً عن أنه شكل حافزاً كبيراً للقوى والأحزاب الكلدوآشورية والمسيحية عموماً  لخوض معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة.فقد بدأ التنافس حامياً على المقاعد الخمسة بين أكثر من خمسين مرشحاً يتوزعون على سبع قوائم انتخابية،متقاربة في شعاراتها السياسية وفي برامجها الانتخابية. أبرز هذه القوائم "قائمة الرافدين"يتزعمها النائب الآشوري "يونادم كنا"،(النائب الوحيد الذي دخل البرلمان بأصوات المسيحيين في انتخابات 2005)، وهو سكرتير "الحركة الديمقراطية الآشورية"،القريبة من التيارات العلمانية والليبرالية والقوى العربية الوطنية العراقية.لهذا فهي(قائمة الرافدين) تبدو الأوفر حظاً في الفوز بأغلبية مقاعد المسيحيين.تليها قائمة "أور الوطنية"، التي يتزعمها النائب عن التحالف الكردستاني "ابلحد أفرام"،السكرتير العام للحزب "الديمقراطي الكلداني"،هذه القائمة تحظى بدعم ومساندة الكنيسة الكلدانية، كبرى الكنائس المسيحية في العراق.ثم تأتي قائمة "المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري" المدعومة بقوة،مادياً ومعنوياً، من قبل الحكومة الكردية في اربيل، التي يسيطر عليها  الحزبان الكرديان الرئيسيان، "الديمقراطي الكردستاني" بتزعمه رئيس الاقليم الكردي السيد مسعود البرزاني و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني.
 فيما يخص وجهة صوت الناخب المسيحي في هذا الاستحقاق الانتخابي وفي جميع الانتخابات الأخرى، لا يجب اهمال أو تجاهل موقف "المؤسسة الكنيسة"التي يعتبرها غالبية المسيحيين مرجعيتهم الأولى والأساسية، وذلك بحكم انتمائهم التاريخي لها وارتباطهم الاجتماعي بها.فرغم اعلان رؤساء الكنائس وقوفهم على مسافة واحدة من جميع المرشحين ،من المتوقع أن تلعب الكنيسة، وان بشكل غير مباشر، دور مهماً وأساسياً في تحديد اتجاه صوت الناخب المسيحي في الانتخابات البرلمانية. وما يزيد من نفوذ وسلطة الكنيسة في المجتمع المسيحي هو ضعف وتشرذم الاحزاب المسيحية، (الآشورية- الكلدانية- السريانية)وعجزها عن القيام بالحد الأدنى من مسؤولياتها تجاه محنة المسيحيين وحمايتهم من إرهاب الجماعات الاسلامية وغير الاسلامية.
رغم مشاعر الارتياح التي تركها التمثيل النسبي في،الشارع المسيحي،ثمة مخاوف مسيحية من أن لا يأتي نظام "الكوتا" بممثلين حقيقيين عن المسيحيين الى البرلمان.الخوف من أن يصبح التمثيل المسيحي مشوهاً وناقصاً وصورياً ومجرد ديكور يزين البرلمان العراقي. وهي من دون شك مخاوف مشروعة ومبررة في ظل التجاذبات السياسية والاصطفافات الطائفية والمذهبية والاثنية والمناطقية التي تعصف بالساحة العراقية وتحيط بالعملية الانتخابية التي يشكك معظم المراقبون بنزاهتها وشفافيتها،وفي ظل الحديث عن "المال السياسي" الكبير جداً الذي سينفق لشراء الذمم وأصوات الناخبين،خاصة وقد أعطى قانون الانتخاب حق التصويت واختيار المرشحين للمقاعد المسيحية لجميع العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية.وهذا يعني امكانية أن يدخل هذا المرشح المسيحي أو ذاك  الى البرلمان بأصوات المسلمين(العرب والأكراد والتركمان وغيرهم)، بغض النظر عن عدد أصوات المسيحيين التي سيحصل عليها وعن مدى حرصه على الدفاع عن قضايا المسيحيين وعن مصالحهم الحقيقة.
صحيح أن خمسة نواب مسيحيين لن يكون لهم  تأثير أو وزن مهم في المعادلة السياسية العراقية، لكن يبدو أن هذه الأصوات الخمسة تهم كثيراً حكومة اربيل في تعزيز موقع التحالف الكردستاني في الحكومة المركزية و لأجل تقرير مصير المناطق المتنازع عليها مع حكومة بغداد،خاصة المناطق التي تحتضن التجمعات الآشورية والمسيحية التاريخية،مثل" سهل نينوى"الحيوي الفاصل بين محافظة دهوك الكردية والموصل العربية السنية.لهذا تعمل القوى الكردية جاهدة لانجاح  المرشحين المسيحيين الذين يدورون في فلكها ويخضعون لاملاءاتها السياسية.وبالفعل أحتج بعض رؤساء القوائم المسيحية،عبر تصريحات لهم لوسائل الاعلام،على صدور توجيهات من حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني"،لكوادره ومناصريه بضرورة دعم ومساندة قائمة(المجلس الشعبي الكلداني السرياني)الذي ترعاه الحكومة الكردية.
كما في كل الاستحقاقات السياسية والانتخابية السابقة،بدأ مسيحيو العراق يدفعون مجدداً من أرواحهم ودمائهم ثمن الاستحقاق الانتخابي الجديد. ففي الأسابيع الماضية تصاعدت وبشكل مخيف وتيرة الهجمات الارهابية ضد أبناء مدينة الموصل من المسيحيين.تسببت هذه الهجمات في مقتل عشرات الأبرياء ونشر الرعب بين السكان الآمنين،كما تسببت بقوافل جديدة من النازحين والمهجرين المسيحيين.طبعاً،هذه الأوضاع الشاذة ستؤثر سلباً على حجم مشاركة المسيحيين في الانتخابات البرلمانية المقبلة.وقد خرجت بعض الأصوات تطالب المسيحيين بمقاطعة هذه الانتخابات،احتجاجاً على ما يتعرضون له من عمليات تطهير ديني وعرقي من مناطقهم التاريخية،والتي يصفها البعض بـ"الجرائم ضد الانسانية".وما يزيد من استياء وسخط المسيحيين، تلكؤ حكومة المالكي وعدم اكتراثها بكل النداءات،المحلية والدولية،المطالبة بتوفير الحماية الوطنية للمسيحيين، وعدم جدية الحكومة في التحقيق في الجرائم الفظيعة التي تحصل بحقهم والكشف عن الجناة الحقيقيين الذي يقفون خلفها.هذا الموقف السلبي لحكومة المالكي دفع بالعديد من المراقبين والمتتبعين للشأن العراقي للربط بين استمرار محنة المسيحيين وبين الخلافات السياسية الحادة القائمة بين أطراف سياسية عربية في الموصل موالية لحكومة بغداد وأخرى كردية موالية لحكومة اربيل.
أخيراً: سيبقى الهاجس الأول والأساسي لمسيحيي العراق، ليس من سيمثلهم في البرلمان الجديد، وانما من سيوفر لهم الأمن والاستقرار ويضمن عودتهم الى منازلهم وأماكن عملهم ويضمن وصول أولادهم الى المدارس والجامعات بأمان ويضع حداً لدورة العنف الممنهج الذي يستهدفهم من دون سبب أو مبرر.
سليمان يوسف يوسف...... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات           
 shuosin@gmail.com

51
                                         
سوريا والمد الديني المتعصب !

كثيرةٌ هي المظاهر والمؤشرات والارتدادات الدينية ،الرسمية والشعبية، التي تؤكد على أن "الدولة السورية" باتت اليوم أكثر اسلامية وتديناً عما كانت عليه قبل حكم البعث لها.حتى بات البعض يشكك بقدرة نظامها "النصف علماني" الصمود طويلاً في وجه "المد الاسلامي المتشدد" الكامن في قاع المجتمع السوري.والأوساط العلمانية تخشى خسارتها ما تبقى في مجتمعها من ثقافة مدنية وتقاليد ليبرالية. في اطار هذه المخاوف جاءت التحذيرات التي أطلقتها الدكتورة "بثينة شعبان"، المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية، من المد الديني المتعصب، خلال اجتماع لها مع فرع حزب البعث العربي الاشتراكي بدمشق في نهاية كانون الأول الماضي،حيث قالت: "نحن أمام تحد كبير...هناك مد ديني متعصب في البلد حقيقة، ويجب علينا أن نفهم أن هذا المد هو نتيجة فشلنا وليس نتيجة نشاط الآخرين لأنه حين يوجد الفراغ السياسي فلا بد للآخرين أن يملأوا هذا الفراغ".لا ندري فيما اذا كانت السيدة المستشارة قد اقترحت على رفاقها البعثيين خطط وبرامج ثقافية وتربوية معينة  للحد من استفحال ظاهرة "التعصب الديني".
قد يشكك البعض في الأسباب والأهداف الحقيقة من اثارة قضية "الاسلام المتشدد"في سوريا وفي هذه المرحلة تحديداً.ويضع القضية في اطار بحث السلطة عن ذرائع جديدة،داخلية هذه المرة بعد أن سقطت ذريعة الضغوط الخارجية،لتبرر استمرارها في تشديد قبضتها الأمنية على المجتمع السياسي وعلى الحراك الديمقراطي المعارض في البلاد،من جهة أولى.ولتبرر مزيد من التأجيل والتأخير في انجاز الاصلاحات السياسية والادارية والاقتصادية المنتظرة والتي تم الحديث عنها منذ بداية العهد الجديد،من جهة ثانية. لكن اعتراف السيدة المستشارة بفشل البعثيين في تحصين المجتمع السوري، ثقافياً وفكرياً،وتوجيه اللوم لهم عن تنامي ظاهرة المد الديني المتعصب واعتباره تحد كبير، لا يجب النظر اليه على أنه مجرد حديث عابر، أو مناورة سياسية جديدة من الحكم. فرغم نجاح النظام البعثي في سحق حركة "الأخوان المسلمين" وتفكيك بنيتها التنظيمية، في ثمانينات القرن الماضي، ونجاحه حتى الآن والى حد كبير في ترويض الاسلاميين المحافظين،يبدو أن "التطرف الاسلامي"، المتخفي خلف الخطاب الديني، عاد ليشكل من جديد هاجساً للنظام،بعد اطمئنانه الى حالة "المعارضة الوطنية الديمقراطية"التي زج بغالبية رموزها وناشطيها في السجون وبات نضالها يقتصر على اصدار بيانات الادانة والاستنكار لانتهاكات حقوق الانسان السوري.في السياق نفسه، يُرجح العارفين والمهتمين بالشأن السوري بأن ثمة دور للسلطات السورية في خروج آلاف السوريين في دمشق للتظاهر في شباط 2006 احتجاجاً على الرسوم الدانمركية المسيئة للاسلام.بصرف النظر عن شكوك البعض وعن هدف السلطات من تلك المظاهرة الصاخبة،وجد الاسلاميون فيها فرصتهم للخروج الى الشارع واطلاق شعاراتهم السياسية والدينية  ولابراز قوتهم،حيث أقدموا على اقتحام  واحراق السفارة الدانمركية ورفع فوقها العلم السعودي المطرز بـ" لا اله الا الله محمد رسول الله".لا شك،أن غلبة العنصر الاسلامي المتشدد على  ذاك المشهد الاحتجاجي الدمشقي أثار حفيظة وحساسية النظام البعثي.
طبعاً،للتشدد الاسلامي جذوره الاجتماعية والفكرية والسياسية.وظاهرة المد الديني المتعصب في سوريا ليست معزولة عن "الصحوة الاسلامية" التي تشهدها المنطقة، والتي تبدو في بعض أوجهها شكل من أشكال الاحتجاج السياسي على الأوضاع السائدة في المجتمعات والدول العربية والاسلامية.في هذا يقول "سيث ويكاس"، الباحث الامريكي في معهد واشنطون لسياسة الشرق الأوسط: "مع تراجع القومية العربية وصعود الاسلام في المنطقة ليس السوريون استثناءاً عندما ينظرون الى الاسلام على أنه الايديولوجية الملائمة الوحيدة التي بقيت...".من هذا المنظور السياسي والفكري لظاهرة "التشدد الاسلامي" أرى أن  تحصين المجتمع في وجه الأفكار المتطرفة والتعصب بأشكاله المختلفة يتطلب خطط وبرامج تربوية وثقافية وطنية وايجاد بيئة قانونية وتشريعية تعزز الحريات الشخصية وتكرس ثقافة التسامح ومفاهيم التعددية وتجذر قيم الحداثة والعلمانية والتقاليد الليبرالية في الحياة العامة،التي تراجعت لا بل كادت أن تتلاشى من المجتمع السوري بسبب هيمنة ثقافة الحزب الواحد وتقنين الحريات السياسية و الفكرية والثقافية والاعلامية في البلاد. وما "الفراغ السياسي" الذي أشارت اليه السيدة المستشارة"بثينة شعبان" والذي وجدت فيه سبباً للمد الديني المتعصب في البلد، الا حصيلة عقود طويلة من تدجين الفكر والثقافة الوطنية في سوريا ليتوافقا مع طبيعة النظام القومي الشمولي القائم.هذا الوضع، المنافي لطبيعة الدولة المدنية والحداثة والديمقراطية، أفاد كثيراً الاسلاميين،أنصار "حزب الجامع"، الحزب المتمتع بحصانة إلهية،تبقى منابره مفتوحة،اذ لا قدرة لأية سلطة على اغلاقها. ففي الوقت الذي تحاصر الحكومة نشاط العلمانيين والليبراليين ومنظمات المجتمع المدني المستقلة والخارجة عن سلطتها، نجدها تتجاوب مع طلبات القوى والمرجعيات الاسلامية المحافظة، المعادية للحداثة وللحريات الشخصية والفكرية والثقافية.بضغط من هذه المرجعيات ،تم اغلاق بعض دور النشر التي تترجم وتنشر كتب تنتقد بعض المظاهر والتقاليد والممارسات الاسلامية التي لم تعد تناسب العصر وتكرس الموروث الاجتماعي المتخلف في المجتمع.أغلقت دار "ايتانا" في كانون الثاني 2006 بعد ترجمتها ونشرها للكتاب الايراني "دعونا نخلع الحجاب". ومؤخراً تم الغاء "الدورة الثانية" من مؤتمر "العلمانية في المشرق العربي" الذي كان من المقرر أن ينعقد  في شهر شباط الجاري في جامعة دمشق وبمشاركة عدد من المفكرين السوريين والعرب والأتراك والدنمركيين. كما أن الحكومات السورية،وهي حكومات بعثية، ساهمت وتساهم، بطرق وأشكال مختلفة وعبر مؤسساتها الثقافية والتربوية والاجتماعية والاعلامية والقضائية وقوانين الأحوال الشخصية، في تعزيز الأصولية الاسلامية ونشر فكرها المتشدد في المجتمع السوري.فما يدرس في المدارس السورية وفي مختلف مراحل التعليم لا يمت الى الثقافة الوطنية السورية والمدنية بشيء. فهي ثقافة "اسلامية طائفية" بامتياز، تحديداً ما تحتويه مقررات التاريخ وكتب اللغة العربية، المليئة بالآيات القرآنية والنصوص الاسلامية.

سليمان يوسف يوسف... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
 


52
 

أكراد سوريا ومطلب الحكم الذاتي
 

تمحورت مطالب الحركة الكردية السورية،منذ انطلاقتها في خمسينات القرن الماضي،على:( إزالة الاضطهاد القومي وإلغاء المشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية بحق الأكراد السوريين.منح الأكراد حقوقاً سياسية وثقافية واجتماعية.الإقرار الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي في سوريا.بناء مجتمع تسوده العدالة والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان..).باستثناء حزب "البعث العربي الاشتراكي" الحاكم وحلفائه من القوميين العرب في جبهته الوطنية اللاديمقراطية، تكاد تجمع جميع القوى السورية على المطالب الكردية هذه،باعتبارها مطالب مشروعة تندرج في اطار حقوق المواطنة والمبادئ الأساسية " للإعلان العالمي لحقوق الانسان" الذي وقعت عليه الدولة السورية. لكن يبدو أن الحركة الكردية،أو على الأقل بعض فصائلها الأربع عشرة، مثل حزب(يكيتي)،شرعت برفع سقف مطالبها الى"الحكم الذاتي" لما تسميه بـ"كردستان سوريا"كخيار مناسب لحل قضية الأكراد السوريين.مطلب "الحكم الذاتي" أثار سجالاً حامياً في الأوساط الكردية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، ومتسائل عن أسباب انفراد حزب كردي بعينه بتبني مثل هذا الخيار المصيري من غير اجماع كردي عليه.
بصرف النظر عن الأسباب(السياسية والتاريخية والوطنية) لرفض السوريين،من غير الكورد،مفهوم أو مصطلح"كردستان سوريا"،أرى أن مطلب الأخوة الأكراد بحكم ذاتي، لمناطق يشكلون فيها أغلبية سكانية، ليس خياراً واقعياً وممكناً، لأكثر من سبب وسبب. في مقدمتها،الوضع "الجيوديمغرافي" حيث ينتشر الأكراد في مناطق متباعدة جغرافياً تفصل بينهما تجمعات كبيرة من العرب والقوميات الأخرى.ثم،رفض الشعوب السورية الأخرى لهكذا خيار،اذا ما عرض للاستفتاء الشعبي. ناهيك عن موقف النظام الرافض بالمطلق لمنح الأكراد وغير الأكراد أية حقوق قومية. ثم الأهم من كل هذا وذاك، ميزان القوى ليس في صالح الأكراد لفرض خيار الحكم الذاتي على الدولة السورية، فهم(أكراد سوريا)الضلع الأضعف في المربع الكردي الإقليمي. في ضوء هذا المعطيات والحقائق، أرى أن طرح خيار الحكم الذاتي للأكراد وتحت أي مسمى سيضر بهم أكثر ما يفيدهم،لأنه سيكون سبباً لمزيد من الشكوك حول النوايا الكردية.وبالفعل في موقف لافت، سارع المحامي (حسن عبد العظيم)، الناطق باسم التجمع الوطني المعارض، الى رفض التعامل مع قضية أكراد سوريا على أساس "كردستاني"وخارج اطار حقوق المواطنة، واعتبر مجرد طرح خيار الحكم الذاتي للأكراد " دعوة صريحة للانفصال".بلا ريب، أن موقف عبد العظيم جاء منسجماً ومتوافقاً مع العقيدة السياسية والقومية لحزبه(الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي) ولبقية الأحزاب العربية،لكنه خطوة استباقية من قوى أساسية في المعارضة السورية لتجنب نفسها غضب السلطة، التي ترى في اثارة "مسألة الأقليات" تجاوز للخطوط الحمر الضامنة لوحدة سوريا وأمنها واستقرارها.لهذا من المتوقع أن تأخذ السلطات من مطلب الحكم الذاتي ذريعة اضافية لممارسة مزيد من القمع والاستبداد القومي والسياسي ليس على الحركة الكردية فحسب،وانما على جميع الحركات وقوى المعارضة المطالبة بالديمقراطية والحريات السياسية والحقوق القومية للشعوب السورية.وكردة فعل أولية اعتقلت السلطات الأمنية العديد من قيادات حزب "يكيتي" الكردي،الذي تبنى خيار الحكم الذاتي في مؤتمره الأخير.
لا ننفي المخاوف الوطنية من التطرف والمبالغة في طرح وتناول مشكلة الأقليات في سوريا، التي تعاني من نقص كبير في الاندماج الوطني بين مكوناتها،لكن هذه المخاوف لا تبرر اقفال الباب أمام حلول وخيارات سياسية ومخارج وطنية ديمقراطية مناسبة لاحتواء ظاهرة التعددية القومية والثقافية واللغوية والدينية التي يتصف بها المجتمع السوري،وهي من دون شك ظاهرة تاريخية تشكل غنى حضاري وثقافي واجتماعي لسوريا.كما أنها(المخاوف) لا تبرر اعتقال النشطاء والسياسيين الكورد المطالبين بالحكم الذاتي. لأن الاعتقال التعسفي وزج بكل ذي صاحب رأي وموقف لا يعجب السلطات يتنافى مع المبادئ الديمقراطية وحرية الرأي، فضلاً عن أنه سيولد مزيد من التطرف والتعصب والاحتقان في المجتمع.لهذا، المفيد لسوريا ولنظامها هو محاورة نشطاء الحراك القومي،من الكورد وغير الكورد، والبحث معهم عن خيارات وطنية ممكنة و مناسبة لقضية الأقليات وللمشكلات الوطنية الأخرى،مثل الديمقراطية والهوية الوطنية،التي وقعت ضحية الأفكار الشمولية والعقائد الأيديولوجية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي تقوم على استبعاد وطمس هويات وثقافات القوميات الأخرى و فرض العروبة كهوية وانتماء على السوريين من غير العرب.ليس من المبالغة القول،أن سياسات "التمييز القومي" التي اعتمدها حزب البعث منذ انقلابه على السلطة، وتعاطيه السلبي مع الموزاييك السوري،هي المسؤولة اليوم عن وجود مشكلة كردية ومشكلة آشورية ومشكلة أقليات في سوريا.فمن غير المعقول أن تختزل الهوية الوطنية لسوريا بالعروبة وحدها وتهميش أو استبعاد هويات وثقافات شعوب سورية أخرى أصيلة وقديمة مثل الآشوريين(السريان)والأكراد.في ظل هكذا نهج اقصائي لا امكان لانجاز (وحدة وطنية سورية)متينة.وأن حل عقدة " الانتماء والهوية الوطنية" لن يتأتى إلا بالتخلي عن المشاريع القومية الامبراطورية،عربية كانت أم كردية، وعبر إقرار بأن "سوريا"هي دولة بكامل المواصفات والمفاهيم السيادية ووطن نهائي ،وليست كياناً مؤقتاً أو قطراً تابعاً أو جزءاً من أمة عربية مفترضة،وباعتماد "الهوية السورية"- وليس العربية- كهوية وطنية للدولة السورية، وتبنيها كرابطة وطنية جامعة موحدة لكل السوريين، مع حق الجميع في تطوير ثقافتهم ولغاتهم الخاصة.
من حيث المبدأ شكل قانون"الادارة المحلية" لعام 1971 خطوة مهمة على طريق تطوير ودمقرطة "نظام الحكم" في سوريا.لكن من الناحية العملية والفعلية لم يُحدث هذا القانون أي تطور مهم في الحياة السياسية والادارية والقانونية.اذ تم تقنين وتقييد صلاحيات الهيئات المحلية في المحافظات والوحدات الادارية بحيث لا تمس بنية السلطة الأوتوقراطية القائمة على استفراد حزب البعث العربي الاشتراكي بالسلطة كقائد للدولة والمجتمع. صحيح أن "الحكم المركزي"، الذي وضع أسسه وركائزه الفكرية والسياسية والقانونية الرئيس الراحل حافظ الأسد،نجح حتى الآن في تحقيق الاستقرار السياسي وحفظ الأمن في البلاد،لكنه فشل في تحديث الدولة السورية والانتقال بها الى "دولة المواطنة" الحقيقة.لا بل تراجعت المفاهيم والتقاليد الليبرالية التي سادت سوريا في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، وزادت مظاهر التدين في المجتمع السوري،حتى غدت الانتماءات القومية والاثنية والى حد ما الدينية هي المحرك الأساسي للحياة السياسية والاجتماعية لكثير من السوريين.وتبدو اخفاقات الحكم المركزي أكثر جلاء في المجال الاقتصادي والتنمية والتعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفساد والبطالة،خاصة في المناطق والمحافظات الشرقية،حيث هبط مستوى المعيشة لغالبية سكانها الى دون خط الفقر، رغم انتاجها الوفير من الحبوب والقطن والنفط والغاز،التي تشكل عماد الاقتصاد الوطني لسوريا.لهذا تبدو الحاجة ملحة اليوم لتطوير قانون "الادارة المحلية" والانتقال بسوريا نحو نظم وصيغ أكثر ديمقراطية وحرية وفعالة في الحكم والادارة. تواكب التحولات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسكانية في سوريا التي تجاوز سكانها العشرون مليون نسمة، و تستجيب لظاهرة التعددية القومية والثقافية واللغوية والاجتماعية التي يتصف بها المجتمع السوري.من هذه الصيغة أو النظم"اللامركزية الادارية"، التي تقوم على توزيع السلطات على أسس وقواعد ادارية بحتة، وليست قومية او طائفية او دينية.تمنح الهيئات المحلية في المحافظات أو الأقاليم سلطة اتخاذ القرار على المستوى المحلي وصلاحيات ادارية ومالية يحددها الدستور والقانون تمكنها من ادارة شؤون سكان المحافظة دون الرجوع الى "الحكومة المركزية" التي ينحصر دورها الأساسي في التخطيط والتنسيق والاشراف والمراقبة والحفاظ على أمن المجتمع ووحدة الدولة السورية.يبقى الأهم بالنسبة للأقليات في "اللامركزية" أن تنتخب الهيئات المحلية المدنية،بما فيها المحافظ أو رئيس الاقليم،  بشكل ديمقراطي حر  ومن أبناء المحافظة ذاتها ومن جميع القوميات دون تمييز أو تفضيل، وأن تتمتع ببعض الصلاحيات السياسية والثقافية،الى جانب صلاحياتها الادارية والمالية، تخولها منح أبناء القوميات الغير عربية،مثل الكورد والآشوريين والأرمن وغيرهم، حقوقاً قومية والترخيص لمؤسساتهم الاجتماعية والثقافية والتعليمية ولأحزابهم السياسية،ليمارسوا كافة نشاطاتهم وفعالياتهم بحرية.بتحقق اللامركزية الادارية الديمقراطية لن يعودوا الأكراد السوريين وغيرهم بحاجة لمغامرات سياسية والمطالبة بحكم ذاتي أو فدرالي.
 
 
سليمان يوسف يوسف... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات   
shosin@scs-net.org
 
 


 

 
 



53
 
                                                  وهل بقي لنا غير الغضب...؟ 

رداً على مقال لي بعنوان"الآشوريون والانتحار القومي"، نشر قبل أيام موقع (عينكاوا كوم) مقالاً بعنوان"لماذا هذا الغضب يا أستاذ سليمان"، للأخ الفاضل (داود برنو).يدافع فيه عن حكومة البرزاني التي يرى فيها حامي الآشوريين والمسيحيين العراقيين وطريق خلاصهم.كذلك يدافع عن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري(سورايا)،صنيعة هذه الحكومة، ويعتبره "المرجعية الوحيدة لأبناء شعبنا وخاصة في كردستان". والحال هذه، يريد أن يطمئننا على المستقبل السياسي والقومي لشعبنا وعلى مصيره ووجوده في "ظل القيادة التاريخية الحكيمة للزعيم الكوردي الأستاذ مسعود البارزاني"،والكلام للأخ داود.ولهذا،يرجونا أن لا نقلق ولا نيأس،وهو لا يجد سبباً لغضبنا!.
 لن أدخل مع السيد( داود) في سجال حول طبيعة الدور الكردي في المشهد الآشوري والمسيحي العراقي،فقد سبق وكتبت العديد من المقالات حول هذا الموضوع. لكنني أسأل وأتساءل:
هل حقاً لا من سبب أو مبرر لغضبنا وحزننا وكل هذه المآسي والمحن التي وقعت وتقع بشكل يومي لشعبنا في العراق، والتي ترقى في بعض محطاتها الى مستوى عمليات التطهير العرقي والديني؟.
هل حقاً لا مبرر لمخاوفنا وقلقنا على شعبنا في ظل كل هذه الفوضى (الأمنية والسياسية) التي تعصف بالعراق والعراقيين؟.ورغم المخاوف التي أبدتها العديد من الهيئات والمنظمات الدولية على مصير المسيحيين والأقليات الأخرى في العراق.منها منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية المهتمة بقضايا حقوق الانسان والشعوب،التي حذرت، في تقرير لها صدر في تشرين الأول الماضي،من أن أقليات شمال العراق، وخصوصا المسيحيين، هم ضحايا الصراع القائم بين قوى عربية وأخرى كردية من اجل السيطرة على منطقة "سهل نينوى" الحيوية. وقد دعت هذه المنظمة الدولية المجتمع الدولي الى التحرك سريعاً لأجل حماية هذه الأقليات من خطر التشتت والتهجير القسري لها والتلاشي من مناطقها التاريخية داخل العراق.
هل يعلم السيد داود ومن يشاركه الرأي والموقف بأن حتى القيادات الكردية في "امارة البرزاني"،التي يتحصن بها البعض من أبناء شعبنا، لا تخفي قلقها على أكراد العراق، رغم ثقلهم البشري وامكانياتهم المادية والعسكرية،فضلاً عن نفوذهم القوي داخل الساحة العراقية؟.أنها (الزعامات الكردية) تخشى من فشل العملية السياسية وعودة أوضاع العراق الى نقطة الصفر بعد انسحاب القوات الأمريكية نهاية 2011 .لذلك يطالب الأكراد بضمانات أمريكية ودولية لحماية امارتهم في الشمال وحفظ مكتسباتهم السياسية والاقتصادية التي حققوها بفضل الامريكان ودعم المجتمع الدولي لهم.
هل حقاً لا يجب أن نستاء من طريقة مقاربة أحزابنا ومؤسساتنا القومية والكنسية والمدنية للوضع الاستثنائي الشاذ الذي يحيط بشعبنا ويعصف به من كل حدب وصوب؟.يُذكر، أن استطلاعاً، أجراه مؤخراً موقع (عينكاوا)، أظهر بأن  91% من قراءه يرون ان احزاب شعبنا لا تعمل بما فيه الكفاية من أجل فضح وايقاف الجرائم المستمرة ضد المسيحيين في الموصل.والأنكى،أن رغم ضعف وعجز أحزابنا ومؤسساتنا،هي لم تبد تعاوناً مع "الحملة الدولية" التي أطلقها من واشنطن قبل نحو عام  "منتدى الشرق الأوسط للحريات"لأجل المطالبة بتشكيل"لجنة دولية" تحقق في  الجرائم التي يتعرض لها المسيحيين،خاصة ما حصل لمسيحيي الموصل في تشرين الأول 2008.
كيف لا نغضب وشعبنا يُقتل ويُهَجر ويُجتث من موطنه العراق والفتيات المسيحيات يخطفن من المدارس والجامعات في ظل صمت (عراقي وعربي واسلامي ودولي) رسمي مخجل!. 
كيف لا نغضب والقتلة استباحوا دمنا وعرضنا وأرضنا وكنائسنا وقرانا وبلداتنا، بينما الجبن يسكننا،ونحن منتشون بسكرة الموت المهين!.
كيف لا نغضب وكل الجرائم المرتكبة بحق شعبنا تقيد ضد مجهول !.
كيف لا نغضب وقد أصبحنا مجرد رهائن لدى فقهاء الارهاب والقتلة وقطاع الطرق واللصوص!.
يريدوننا أن لا نغضب وصورة المطران القديس الشهيد  "فرج رحو"  والشهيد الأب رغيد، كذلك صور الشهداء فرنسيس شابو وبيرز وسمير وسائر شهدائنا الأبرار الذين قتلوا بدم بارد وبطريقة بربرية لا تمحى من ذاكرتنا !.
يردوننا أن لا نغضب وجحافل الشر والقتل على الهوية تلاحقنا في كل مكان!. 
كيف لا نغضب وأبناء كلدو وآشور أصبحوا بين هلالين كرديين مجرد( سورايا) !.
كيف لا نغضب وقد باتت مطالبة الأكراد باحترام تراثنا وارثنا الحضاري في بلاد ما بين النهرين مجرد طروحات طوباوية ومطالب مثالية وغير واقعية!.
كيف لا نغضب ونحن "شعبُ عريق"نبحث اليوم عن "هوية وانتماء" وسط تجاذب وتصارع هويات طائفية ومذهبية،وتمزقنا هويات الآخرين،عربية وكردستانية وتركية!.
كيف لا نغضب وقد أصبحنا شعباً مشرداً ومتسولاً في مختلف دول ومجتمعات العالم !.
كيف لا نغضب وقد أصبحنا غرباء ونازحين حتى في أوطننا الأم !.
كيف لا نغضب ومن يشاهد فضائية "سورويو" يعتقد بأن الآشوريين المضطهدين في سوريا نالوا حقوقهم القومية ولم تعد لهم قضية سوى الرقص والغناء!.
كيف لا نغضب وفضائية "عشتار" تصور الشمال العراقي وكأنه دولة للآشوريين المسيحيين وليس للأكراد المسلمين!.
كيف لا نغضب وفضائية "آشور" تظهر وكأن النائب "يونادم كنا" هو حاكم العراق، وليس حاكم"حركة آشورية" ترهلت،تعيش على رصيدها النضالي القديم!.
كيف لا نغضب وفضائية "سريويو" تقدم برامج باللغة العربية، بينما هي ترفض تقديم برامج وأغاني باللغة السريانية (اللهجة الشرقية)المعروفة بـ"الآشورية"!.
يريدوننا أن لا نغضب وقد ترك مصيرنا ليقرره الآخرون!.
يريدوننا أن لا نغضب وقد خرجنا من التاريخ السياسي للعالم  وأصبحنا جزءاً من الماضي الميت!.
بسبب كل هذا نحن غاضبون ومستاءون..
 فالغضب هو من سمات وخصال الشعوب الحية ..
فكل الثورات والحركات الاحتجاجية والانقلابات الكبرى في التاريخ هي وليدة غضب الشعوب وسخطها على حكامها وتمردها على واقعها ورفضها للذل والقهر...
والحياة ذاتها هي وليدة غضب آلهة الخير،آلهة بابل وآشور،على آلهة الشر...
فالغضب لا يعني اليأس والاحباط، وانما صرخة في وجه الظالم ودعوة الى التحدي والصمود ولاستعادة الثقة بالذات ...
 نعم نحن غاضبون لا بل يجب أن نغضب .. ونغضب..  ونغضب.. الى يوم الخلاص...
وهل بقي لنا، نحن الآشوريون(سريان/كلدان)،غير الغضب !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.

سليمان يوسف.... سوريا
shosin@scs-net.org




54
الآشوريون والانتحار القومي
 
 
عندما يتعرض شعب ما الى مخاطر ويتهدد من طرف خارجي، يتوحد هذا الشعب ويتكاتف لدرء الخطر ولمواجهة الأعداء، لكن يبدو أن الشعب الآشوري فقد نزعة التضامن والتحدي والرغبة في الدفاع عن الذات وترك مصيره يقرره الآخرون.فرغم المحن وخيبات الأمل (القومية والوطنية) الكبيرة التي أصيب بها الآشوريون في تركيا وسوريا والعراق وفي بقية دولة المنطقة طيلة القرن الماضي والتي قوضت وجدهم،وما حل بهم منذ الغزو الأمريكي للعراق  2003،حيث كاد وجدهم أن يصبح في خبر كان نتيجة وقوعهم ضحية الأجندات السياسية والمشاريع الطائفية لمختلف القوى والميليشيات العراقية(العربية والكردية والاسلامية)،زاد الآشوريون فرقة وتشرذماً ودخلوا في فوضى سياسية  وقومية تبدو "قاتلة وكارثية" بنتائجها ومضاعفاتها الى درجة يصفها البعض بـ"انتحار قومي"للشعب الآشوري،تمارس بطرق وأشكال مختلفة، منها:
- تفجير"القومية الآشورية" من الداخل وبأيادي آشورية، وذلك من خلال "قومنة الطوائف"،أي جعل من كل طائفة كنسية (الآشورية،السريانية،الكلدانية) قومية بذاتها ومنفصلة عن بعضها البعض وقطع الرابطة القومية بينها وبتر كل أواصر التاريخ المشترك والهوية الواحدة.طبعاً،هذه ليست مسؤولية المؤسسات الكنسية وحدها، وانما أيضاً هي مسؤولية الأحزاب الآشورية السريانية الكلدانية بمختلف تسمياتها واتجاهاتها السياسية. فجميع هذه الأحزاب أخفقت في نقل الشعب الآشوري من حالة الوجود القومي الطبيعي الى الوجود القومي الارادي الفاعل.فهي(الأحزاب الآشورية) خرجت من رحم الطوائف الموجودة في المجتمع الآشوري المسيحي، وبقيت مجرد ظاهرة "سيسيولوجية"يختلط فيها الاجتماعي بالسياسي بالديني بالثقافي، حيث تتجذر "النزعة الطائفية" في بنيتها الفكرية والتنظيمية،ومازالت تشكل الطوائف والكنائس الحاضنة الاجتماعية والثقافية لها.
- هجرة الآشوريين(سريان/كلدان)  من مناطقهم التاريخية  وتركهم لأوطانهم الأم وذوبانهم في مجتمعات الغرب.
-عزوف غالبية من تبقى من الآشوريين عن العمل السياسي والقومي واستسلامهم للاحباط واليأس ورضوخهم لسياسات الأنظمة القائمة المعادية للديمقراطية وتمارس عليهم مختلف أشكال الاستبداد القومي بهدف طمس هويتهم ومحو ثقافتهم الخاصة.   
-انخراط أحزاب ومنظمات (آشورية، سريانية،كلدانية) في أجندات ومشاريع سياسية لقوى محلية واقليمية (عربية،كردية،تركية)عملت وتعمل على تصفية القضية الآشورية. المثير على هذا الصعيد، وقوع الكثير من الأحزاب الآشورية في فخ "الحكم الذاتي" الذي نصبته الحكومة الكردية في الشمال العراقي، التي يهيمن عليها حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود البرزاني رئيس الاقليم الكردي، "طعماً" لاستقطاب الآشوريين والمسيحيين العراقيين لصالح أجندتها القومية ومشاريعها الاستراتيجية في العراق. وقد نجحت الحكومة الكردية في استغلال الظروف الانسانية الصعبة للآشوريين وحققت ما أرادته باختراقها الساحة الآشورية داخل وخارج العراق واستطاعت اشراك العديد من الأحزاب الآشورية في المشاريع والخطط القديمة الجديدة لتصفية القضية الآشورية.
لا شك،أن العمليات الارهابية التي تقوم بها الجماعات والمنظمات الاسلامية والقومية المتطرفة ضد الآشوريين والمسيحيين قوضت الوجود الآشوري والمسيحي على الأرض العراقية،لكن الخطط والمشاريع الاستراتيجية لحكومة البرزاني ستقضي أو هي كادت أن تقضي على البعد القومي والسياسي للقضية الآشورية لتبقى مجرد "قضية انسانية" لأقلية مسيحية مستضعفة. وقد أخذت حكومة البرزاني من المجلس الشعبي(الكلداني السرياني الآشوري) الذي صنعته وترعاه  ركيزة اساسية في مشروعها التصفوي للقضية الآشورية في العراق وتحويل الآشوريين(كلدان/سريان) الى مجرد "أقلية مسيحية كردستانية"،بعد أن كانوا في ظل الحكم البعثي العربي الشوفيني السابق مجرد "أقلية مسيحية عربية".  في هذا السياق، أشار العديد من الكتاب والمتابعين العراقيين لأعمال المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي الذي انعقد في اربيل يومي الثالث والرابع من كانون الأول الماضي، أشاروا الى أن عدداَ كبيراً من المشاركين في المؤتمر ومن الذين فازوا في انتخاب الهيئات القيادية الجديدة للمجلس هم أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وفي اطار "تكريد" المناطق التاريخية للآشوريين،هناك نقطة بالغة الأهمية,ربما قلة هم الذين تنبهوا لها، وهي خلو جميع وثائق المؤتمر الشعبي من مصطلح "بيث نهرين" بينما يرد عشرات المرات مصطلح "كردستان"،وهذا مؤشر واضح على أن المجلس ومن خلفه الحكومة الكردية شطبا من قاموسيهما السياسي والتاريخي مصطلح "بيث نهرين"الموطن التاريخي للآشوريين،ليحل مكانه مصطلح"كردستان".
 لا جدال على أن"الحكم الذاتي" يعتبر مسألة حيوية و مصيرية للشعب الآشوري و يمس مستقبل القضية الآشورية ليس في العراق فحسب،وانما في سوريا وعموم المنطقة أيضاً.لكن أن يأتي ويطرح  هكذا خيار مصيري وكأنه لغزاً ملغوماً،من طرف غير آشوري وفي اطار أجندة غير آشورية ومن غير أن تحدد آليات التنفيذ والسقف الزمني لذلك والمنطقة التي ستخضع لسلطة الحكم الذاتي الآشوري، من حق الآشوريين أن يتخوفوا ويقلقوا من النوايا والأهداف الحقيقية لـ"حكومة البرزاني"، التي تسعى  الى ضم  "سهل نينوى" ومناطق أشورية أخرى الى الاقليم الكردي. قد تبرر الأحزاب الآشورية العراقية لنفسها عزفها على "الوتر الكردي" بعدم وجود خيارات أخرى أفضل  تراهن عليها في ضمان حقوق الآشوريين العراقيين.لكن ما هو غير مبرر وغير مفهوم هنا هو تهافت "المنظمة الآثورية الديمقراطية"من خارج العراق على كسب ود ورضى الحكومة الكردية في الشمال العراقي واشادتها المستمرة بسياساتها وديمقراطيتها وتأييدها للمجلس الشعبي (الكلداني السرياني الآشوري)،عراب السياسات الكردية في الأوساط الآشورية . لقد أوهم وفد المنظمة الآثورية نفسه ورفاقه بأن حضوره "المؤتمر الثاني" للمجلس الشعبي، الذي انعقد في اربيل في بدايات كانون الأول الماضي،عزز وحدة الصف الآشوري و أعطى زخماُ مهماً للقضية الآشورية في العراق.لا بل أنهم اعتبروا حضورهم  هذه المسرحية الهزيلة للمجلس الشعبي انجازاً سياسياً وقومياً حققته المنظمة الآثورية، بعد الازمات التنظيمية التي عصفت بها.حقيقة،اذا كان من انجاز حققه القائمون اليوم على المنظمة الآثورية من جولاتهم المثيرة للشمال العراقي،هو ادخالهم اقليم "شمال العراق" للمرة الأولى الى أدبيات المنظمة على أنه "كردستان العراق".ففي كلمة وفد المنظمة الآثورية، في جلسة افتتاح المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي والتي القاها رئيس اللجنة المركزية للمنظمة، لم يرد فيها مصطلح "بيث نهرين" بينما ورد مرات عدة مصطلح "كردستان العراق"الذي مازال في الدستور القومي للمنظمة الآثورية وفي جميع وثائقها وأدبياتها الحزبية،كذلك في الوعي  التاريخي للآشوريين، جزء من أرض" بلاد آشور أو بلاد ما بين النهرين" الموطن التاريخي للآشوريين".  كنوع من التنبيه أو التحذير من مضاعفات هذا "الانقلاب الآثوري" على المبادئ والثوابت القومية ،الذي تضعه بعض النخب الآشورية في اطار عملية "الانتحار القومي"للآشوريين، أصدرت مؤخراً مجموعة من المثقفين الآشوريين السوريين، بينهم أعضاء سابقين في المنظمة "منشوراً سياسياً" مكون من ثلاثين صفحة،بعنوان"المنظمة الآثورية الديمقراطية وخطرها الكبير على القضية الآشورية". أن يصبح أقدم فصائل الحركة الآشورية السورية"خطراً كبيراً على القضية الآشورية"، بنظر أوساط آشورية،يعد تحولاً خطيراً في مسار الحركة الآشورية السورية، ورسالة قومية قوية ومهمة على المعنيين التوقف عندها وقراءتها بدقة.

سليمان يوسف يوسف.... سوريا
مهتم بقضايا الاقليات
shosin@scs-net.org
 


55
معايدة بالدم لمسيحيي المشرق

رغم فظاعة الجريمة وهول "المذبحة القبطية"،التي نفذتها مجموعة اسلامية مسلحة أمام كنيسة مار جرجس بعد صلاة عيد الميلاد في السابع من هذا الشهر في مدينة نجع حمادي المصرية،لم يكن وقوعها مفاجأ،حيث باتت الاعتداءات على الأقباط وعلى مراكز عبادتهم وأملاكهم جزءاً من المشهد المصري.لا بل،علينا توقع المزيد من هذه الأعمال البربرية في مصر وفي غيرها من الدول العربية والاسلامية،حيث أنظمة "الحكم الطائفي" أنتجت شعوباً أبدعت في صناعة الموت وفي ممارسة الارهاب وفنون القتل. وها هي اليوم تبدع في طريقة معايدة الآخر. معايدة بالدم لمسيحيي المشرق، بالأمس لمسيحيي تركيا، واليوم لمسيحي مصر والعراق، وغداً في دولة أخرى من هذه الدول العربية والاسلامية المشرقية، حيث بات فيها المسيحيون رعايا ورهائن وليسوا بمواطنين.علينا توقع المزيد من عمليات تحويل الاحتفالات في هذا العالم،المنكوب بشتى أنواع الارهاب، الى مآتم ومناحات، بعد الفتاوى التي أصدرها العديد من مشايخ وعلماء المسلمين قبيل أعياد الميلاد والتي تقضي بتحريم احتفال ومشاركة المسلمين بأعياد المسيحيين وعدم جواز تهنئتهم بأعيادهم، ومع اصرار أغلب الدول العربية والاسلامية على  عدم السماح بمظاهر علنية لاحتفالات المسيحيين بأعيادهم.طبعاً،عندما تُمنع وتُحرم العلاقات الوطنية والانسانية الطبيعية في المجتمعات التي تتصف بالتنوع الديني والقومي والثقافي،كما هو حال المجتمع المصري،ستنحرف العلاقات بين مكونات هذه المجتمعات عن مسارها الوطني السليم، وستسود المجتمع حالة الاحتقان والتوتر ويتزعزع التماسك المجتمعي،ومن ثم سينزلق الى مرحلة الاصطدام العنفي والاقتتال وستدخل البلاد في حرب أهلية مدمرة وكارثية على الجميع.فهل يعي الحكم في مصر خطورة وحساسية ما يخطط له الاسلاميون المتشددون وما ينتظر مصر؟.
لا اتفق مع الذين وضعوا ما حصل لأقباط مصر ليلة عيد الميلاد في اطار الحوادث والاعتداءات الفردية التي تحصل من حين لآخر في معظم المجتمعات من دون خلفيات دينية أو سياسية.ففي هذه الوصف تمييع لما حدث وتهرب من مواجهة الأسباب الحقيقة لمثل هذه الجريمة البشعة والمخطط لها والتي تأتي في سياق ظاهرة العنف الممنهج الذي تمارسه المجموعات الاسلامية المتشددة ضد الأقباط المسيحيين،في ظل تهاون الدولة وتغاضيها،وذلك لابعاد هذه المجموعات والمنظمات الاسلامية عن القضايا السياسية الهامة المتعلقة بشؤون الحكم والسلطة في مصر.بمعنى آخر أن الأقباط المصريين هم ضحية مساومات سياسية بين النظام القائم والتنظيمات الاسلامية المتشددة.
هذه الجريمة الجديد، من حيث توقيتها وزمان وقوعها، تنطوي على أبعاد ودلالات خطيرة،فهي تكشف من جديد عن عمق "الجرح القبطي" النازف منذ عقود.فبحسب مركز"ابن خلدون"،للبحوث والدراسات العربية، وقع أكثر من 4000 قتيل وجريح قبطي بدون سبب، فقط لكونهم مسيحيين، منذ حادثة الخانكة 8-9- 1972 عدا الأضرار بالممتلكات والكنائس ودور العبادة تقدر بمئات الملايين من الدولارات.كل هذا حصل ويحصل في "جمهورية الخوف" و"دولة الإيديولوجيات المهزومة والشعارات الثورية الخاوية"، التي أقامها جمال عبد الناصر ورفاقه في حركة الضباط الأحرار الانقلابية.هذه الدولة، أسست للاستبداد السياسي وللنهج الطائفي ونشرت بذور الغلو والتطرف القومي والديني وكرست سلطة العسكر في المجتمع المصري.فباسم الاشتراكية،أصدرت الحركة الناصرية قوانين التأميم التي أنهكت الاقتصاد المصري و صادرت بموجبها المنشئات الاقتصادية الهامة التي كانت تعود ملكية الكثير منها للأقباط المسيحيين. ووضعت دستور جديد لمصر في 16 كانون الثاني 1956 نص على أن "الإسلام دين الدولة"، الأمر الذي ألغى مبدأ المساواة القانونية في حقوق المواطنة بين المسلمين والمسيحيين.ومن بعد عبد الناصر جاء نائبه"أنور السادات"،ولكي يستقطب الشارع الاسلامي المتشدد و الغالب في مصر وليعزز موقعه في السلطة،أعلن رسمياً في أيار عام 1980 بأن "الشريعة الإسلامية" هي مصدر القانون والتشريع المصري.الخطوة التي سرعت عملية "أسلمة الحياة" في مصر وشرعنة الاضطهاد، الرسمي والشعبي، للأقباط المسيحيين وتهميشهم بطرق وأشكال مختلفة(استبعادهم من المناصب السيادية والسياسية الهامة في الدولة.سن قوانين تحد من نشاطاتهم الخاصة و تقيد حريتهم الدينية والاجتماعية وعدم السماح لهم ببناء كنائس جديدة أو توسيع وترميم ما هو قائم منها.رفض تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يحفظ ويضمن الحقوق الدينية والاجتماعية للأقباط المسيحيين).طبعاً، الهدف الاستراتيجي والبعيد من كل هذه الاجراءات الشوفينية والقوانين العنصرية الجائرة، هو فرض"الإسلام" على الأقباط المسيحيين وطمس هويتهم كشعب مصري أصيل أو دفعهم الى الهجرة وترك مصر.   
لا شك،أن غياب الأحزاب السياسية والحركات القومية الخاصة بالأقباط، تتولى مسؤولية المطالبة بحقوقهم السياسية والثقافية والدفاع عن حرياتهم المدنية والدينية، سهل كثيراً عملية تهميشهم وجعلهم من غير وزن سياسي وخارج المعادلات السياسية الداخلية، رغم ثقلهم البشري والاقتصادي الجيد نسبياً. لكن هذا لا يعني قبول الأجيال الجديدة من الأقباط المصريين بتهميشهم وإقصائهم عن السياسية وعن المشاركة في حكم مصر وتقرير مصيرها ومستقبلها.كما لن يبقى الأقباط مكتوفي الأيدي إزاء استمرار التعديات والمظالم عليهم. فمن المتوقع أن تتصاعد الاحتجاجات القبطية داخل مصر وخارجها،وأن تدفع المظالم والاضطهادات الشارع القبطي في مصر للتمرد وتأسيس احزاب وحركات قبطية  تتولى الرد على التعديات التي يتعرض لها الأقباط، طالما تخلت الدولة عنهم.وما يزيد ويرجح مثل هذه الاحتمالات، تحرك الجاليات القبطية في دول المهجر. فقد استطاعت هذه الجاليات في السنوات القليلة الماضية كسب تعاطف وتأييد منظمات أوربية وأمريكية و دولية مع "القضية القبطية"،بعد عدة مؤتمرات دولية دعت اليها النخب القبطية في المهجر، كشكل من أشكال الضغط الدولي على النظام والحكومة في مصر لتحسين أوضاع الأقباط. وبالفعل جاءت ردة فعل الشارع القبطي الغاضب متميزة هذه المرة على مذبحة عيد الميلاد.فبحسب التقارير الواردة من داخل مصر،أنزل الأقباط المحتجون ولأول مرة صورا للرئيس "حسني مبارك" وحطموها وأضرموا النار في عدد من السيارات الحكومية وقذفوا مقر شرطة النجدة ومسجدا بالحجارة،فضلاً عن تصريحات جريئة وعلنية هذه المرة أطلقها العديد من رجالات الكنيسة القبطية تهموا السلطات المحلية والمعنية بالأمن بالتواطؤ مع القتلة وحملوها مسؤولية وقوع المذبحة.هذا يعني هناك مقاربة قبطية جديدة، على مستوى النخب والجماهير والكنيسة، لمشكلات الاقباط وقضاياهم الحيوية.تقوم هذه المقاربة  وتتمحور حول تحميل أسباب "المشكلة القبطية" الى الدولة المصرية،فهي المسؤولة قانونياً وأخلاقياً عن أمن وحياة جميع مواطنيها.
في ظل استمرار الاحتقان الطائفي في مصر،الذي تقف خلفه القوى السلفية والأصولية المسلمة  في مقدمتها "حركة الأخوان المسلمين"التي تهدف  الى اقامة نظام  "حكم اسلامي" في مصر وفي ظل تهاون النظام مع نشاط هذه الجماعات الاسلامية المتشددة، من المؤكد لن تكون مذبحة عيد الميلاد الأخيرة،حتى لو تم احتواء ردود افعال وغضب الشارع القبطي.إذ، ستبقى "المشكلة القبطية" مرشحة للتفاقم والانفجار وتنذر بإشعال حرب طائفية، ما لم تسارع الحكومة الى اخراج "الملف القبطي" من يد الأجهزة الأمنية.لأن القضية القبطية ليست بقضية أمنية أو جنائية،وانما هي قضية سياسية وحقوقية وانسانية. فالأقباط،سكان مصر الأوائل،هم شعب مضطهد بسبب عقيدته المسيحية،على المستوى الرسمي والشعبي، حيث تمارس بحقهم سياسات تميز ديني وثقافي واجتماعي،فضلاً عن استهدافهم بشكل منظم من قبل المجموعات الاسلامية المتطرفة والارهابية.من هذا المنظور أرى ضرورة وضع الملف القبطي في ذمة أو عهدة القيادات السياسية العليا والحزب الحاكم، ليصار الى معالجته معالجة سياسية وطنية في اطار حقوق المواطنة الكاملة وعلى قاعدة الشراكة الحقيقة في الوطن بين المسلمين والمسيحيين وانهاء كل اشكال التمييز أو التفضيل في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد.

سليمان يوسف يوسف....  سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
shosin@scs-net.org
 

56
المنبر الحر / مَشاهد سُوريِةَ
« في: 15:25 30/12/2009  »
مَشاهد سُوريِةَ
 
مشهد الاحتفالات بأعياد الميلاد المجيد،احياء ذكرى ميلاد السيد المسيح، رسول المحبة والسلام.صحيح أن الاحتفالات بأعياد المسيحيين ليست بجديدة أو غريبة على حياة السوريين، لكن احتفالات الميلاد هذا العام كانت متميزة، على المستوى الرسمي والشعبي،وبالمشاركة اللافتة من مختلف الطيف السوري.مشهد الاحتفالات هذا العام، بث مشاعر الارتياح والطمأنينة في المجتمع السوري،وبشكل خاص لدى أتباع الديانة المسيحية.وعزز قيم التسامح الديني الذي تعيشه سوريا وتميزت به،ماضياً وحاضراً،عن كثير من دول المنطقة.واذا ما حافظت هذه الاحتفالات على الصورة الوطنية التي ظهرت فيها مع مزيد من الاهتمام والرعاية الحكومية والتغطية الاعلامية لها في مختلف المحافظات والمناطق السورية،أستطيع القول،أنها ستعيد،شيئاً فشيئاً، الاعتبار والمكانة الوطنية المفقودة للوجود المسيحي في سوريا،فضلاً عن أن استمرار هذه الاحتفالات ستحصن المجتمع السوري وتحميه من مخاطر الاصولية الاسلامية ومشاريعها الظلامية.ولنا الأمل بأن يكون هذا الاهتمام اللافت، من قبل الحكومة السورية في العهد الجديد بأعياد الميلاد، مقدمة لإخراج المسيحيين السوريين من دائرة التهميش السياسي ولتعزيز دورهم ومشاركتهم في بناء سوريا وتقرير مستقبلها والارتقاء بهم وبحقوقهم الى مرتبة المواطنة من الدرجة الأولى. تزداد أهمية تعميم ظاهرة الاحتفالات الشعبية والرسمية بأعياد المسيحيين في سوريا وتكريس بعدها الوطني والانساني في هذه المرحلة،حيث تخيم على المنطقة أجواء التعصب الديني والاحتقان الطائفي والمذهبي،فضلاً عن استهداف المسيحيين من قبل التنظيمات الاسلامية المتشددة والمتطرفة،والتضييق على حرياتهم الدينية بطرق وأساليب مختلفة.فقد أصدرت بعض" المشايخ والمرجعيات الاسلامية"،أصحاب المدارس الظلامية والتكفيرية، في العديد من الدول العربية والاسلامية،أصدرت فتاوى تقضي بتحريم احتفال المسلمين بأعياد المسيحيين وعدم جواز تهنئتهم بأعيادهم.لذلك نقول،حسنناً فعلت سوريا هذا العام.فقد شكلت الاحتفالات بأعياد الميلاد رداً مناسباً وقوياً على أصحاب هذه "الفتاوى التكفيرية"التي  توفر بيئة ثقافية وتربة اجتماعية خصبة ومناسبة  لنمو بذور التعصب الديني ولنشر ثقافة الحقد والكراهية الدينية بين شعوب المنطقة والعالم. أن الطريقة التي احتفل بها السوريون بأعياد الميلاد،أعطوا لشعوب المنطقة نموذجاً حضارياً يحتذى به في التسامح الديني والوئام الاجتماعي والتعايش الوطني.وأثبتت هذه الاحتفالات على أن ظاهرة التنوع،الديني والقومي والثقافي، التي يتصف به المجتمع السوري، هي غنى حضاري ووطني لسوريا،اذا ما أحسن التعاطي والتعامل معها.من هذا المنظور,أرى ضرورة أن يشمل الاهتمام الحكومي أيضاً بالاعياد والاحتفالات القومية والمناسبات الخاصة لمختلف القوميات في سوريا،مثل احتفالات الأكراد بأعياد "نوروز" واحتفالات الآشوريين بأعياد "أكيتو"،وتصنيفها ضمن الأعياد الوطنية لسوريا.وهنا اعتقد بأن ايجابيات ومفاعيل التسامح القومي والاحتفال الرسمي بهذه الأعياد القومية على التماسك المجتمعي وعلى اللحمة الوطنية السورية،لا تقل أهمية عن مفاعيل  التسامح الديني والاحتفال بالأعياد الدينية،ان لم تزيد عنها أضعافاً.
بموازاة هذا المشهد الاحتفالي الوطني الذي يبعث على التفاؤل والأمل بمستقبل سوري أفضل،ثمة مشهد "مأساوي" بكل معنى الكلمة. مشهد مثير للتشاؤم واليأس والحزن الوطني، لجهة الحريات السياسية والفكرية والوضع المزري لحقوق الانسان السوري عموماً،وحقوق القوميات الغير عربية،من آشوريين وأكراد خصوصاً.مشهد أنتجه وصنعه "النظام الشمولي"،الذي جاء به حزب البعث الى السلطة، الرافض لـ"الديمقراطية"، بما هي حرية التطور والممارسة التاريخية للشعب ليصنع حاضره ومستقبله.نظام حول الدولة السورية من دولة مدنية لتنظيم وادارة العلاقة بين"المجتمع المدني" و"المجتمع السياسي" الى "دولة أمنية"لعزل الشعب عن الحياة السياسة وابتلاع "المجتمع المدني"،وذلك بطرق ووسائل مختلفة وممنهجة.منها استمرار فرض "حالة الطوارئ"على البلاد، وتشديد الخناق على المطالبين بالديمقراطية والحريات السياسية وعلى نشطاء المجتمع المدني والحراك الديمقراطي.وزج،بكل من يتجرأ في الدفاع عن حقوق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية،في السجون لسنوات طويلة.
في مشهد جديد وحلقة جديدة في مسلسل سوري طويل لانتهاكات حقوق الانسان،قامت مؤخراً نقابة المحامين بشطب المحامي "مهند الحسيني"،رئيس المنظمة السورية لحقوق الانسان، من فرع نقابة محامي دمشق في الرابع من آب الماضي، أي بعد أيام من اعتقاله على خلفية نشاطه الحقوقي في الحقل العام وحضوره جلسات محكمة أمن الدولة العليا لمعتقلين سياسيين.هذا الاجراء التعسفي الغير مسبوق في تاريخ النقابة، يتنافى مع أبسط حقوق الانسان التي يكفلها الدستور السوري، فضلاً عن أنه يتنافى مع مهمة ووظيفة نقابة المحامين التي من المفترض أن تشكل حصناً قانونياً يلجأ اليه المحامون، وأن تكون في مقدمة المدافعين عن حقوق أعضاءها وحريتهم بممارسة نشاطهم الحقوقي.وفق العديد من المصادر، وجه نقيب المحامين الفرنسيين "كريستيان شاريير بورنازي" رسالة شديدة اللهجة إلى نظيره السوري "وليد التش" احتجاجاً على موقف نقابته من قضية الحسيني، جاء فيها: "ان شطب المحامي مهند الحسني من فرع نقابة محامي دمشق من قبل مجلس نقابتكم يعد عملاً شائناً أحرص على الاحتجاج عليه باسم نقابة محامي باريس". 
ثمة مشهد سوري آخر، لكن من خارج حدود وسلطة الدولة السورية. مشهد تكريم المحامي السوري المعتقل "أنور البني"، من قبل شخصيات ومنظمات ومؤسسات دولية عديدة، وذلك تقديراً لعمله الاستثنائي ولتضحياته من أجل الدفاع عن حقوق الانسان السوري على مدى سنوات طويلة،حيث برز أنور كأحد أشجع المدافعين عن حقوق المستضعفين في سوريا.فصدى إدانته لاستخدام التعذيب في السجون السورية وصدى تصريحاته الجريئة،عقب كل جلسة محاكمة صورية لمعتقلي الرأي والضمير ونشطاء الحراك الديمقراطي وعقب كل انتهاك جديد لحقوق الانسان ، كان يخترق الجدار الأمني والصمت المخيف اللذان يحيطان بالواقع المزري لأوضاع حقوق الانسان في سوريا، لجهة الحريات السياسية والديمقراطية.ورغم عدم التزامه بأي من الأحزاب السياسية السورية المعارضة، وضع "البني"على عاتقه الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية للشعب السوري ورفع الغبن القومي عن أبناء القوميات الغير عربية في سوريا.في هذا الاطار، بادر الى تأسيس "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية".وأنشأ "مركزاً لحقوق الإنسان" في دمشق، بمساعدة من الاتحاد الأوروبي من أجل دعم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، أغلقته السلطات بعد أسبوع واحد.وترأس "لجنة تحرير السجناء السياسيين".كان عضو فعال في" جمعية حقوق الإنسان السورية" الى جانب المحامي المخضرم "هيثم المالح"،المعتقل هو الآخر منذ أشهر على خلفية نشاطه الحقوقي المتعلق بالدفاع عن حقوق الانسان والحريات في سوريا. تميز أنور بكل شيء. بحبه لوطنه وبإيمانه وبنظرته للحياة. بشجاعته و بصلابة ارادته وقوة معنوياته.تميز بعلمانيته وليبراليته وديمقراطيته.أنه يرفض التعاطي مع قضية "حقوق المواطنة" على قاعدة الأغلبية والأقلية.فـ"المواطنة"هي القيمة العليا والمقدسة لديه.لا بل أن انتماءه المسيحي عزز لديه الروح الوطنية والنزعة الانسانية أكثر فأكثر.فهو نذر حياته للدفاع عن جميع المظلومين والمستضعفين السوريين،بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية وخلفياتهم السياسية. ليس من المبالغة القول،أن المحامي "أنور البني" ارتقى بنضاله وتضحياته وتطوعه في الدفاع عن حقوق الانسان السوري الى درجة "نكران الذات".هذا ليس بغريب على ابن عائلة سورية أصيلة تميزت بوطنيتها وبالنضال السياسي لأبنائها وتضحياتهم لأجل حقوق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية.فقد أمضى أبناء هذه العائلة(يوسف وأنور وأكرم وابراهيم وسحر) حتى الآن ما مجموعه أكثر من نصف قرن في سجون السلطة. تجدر الاشارة هنا الى أن شقيقه "أكرم البني"،الكاتب المتميز والناشط الفاعل في لجان احياء المجتمع المدني، هو الآخر معتقل حالياً من ضمن معتقلي اعلان دمشق. لهذا استحق أنور واستحقت عائلة البني، احترام وتقدير وتعاطف الكثير من الشخصيات السياسية والمنظمات الاقليمية والدولية.من أهم الجوائز التقديرية الدولية التي منحت للمحامي أنور البني، جائزة (فرونت لاين  ("الخط الأمامي"لعام 2008، التي تمنح سنوياً لمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعرضون حياتهم الى الخطر في سبيله.منحتها له "ماري ماكاليز"، رئيسة ايرلندا، في دبلن.وقد تسلمت الجائزة عنه زوجته السيدة راغدة العيسى.في كلمتها وصفت الرئيسة،ماكاليز، أنور بالقول: "قلة، أمثال أنور، تنكر ذاتها في مواقف بطولية، و ترفض القبول بخنق الحريات، و إسكات الأصوات التي تحتج على الانتهاكات و تدافع عن حقوق الإنسان. إن لمثل هؤلاء الأفراد قوةً معنوية استثنائية تجعل حياتهم في خطر..". وقبل أسابيع منح أنور جائزة "اتحاد القضاة الألمان لحقوق الإنسان"،منحها له اتحاد القضاة الألمان في احتفال كبير خاص أقيم في العاصمة الألمانية برلين. وبهذه المناسبة، أعربت وزيرة العدل الألمانية "سابينا لويتهويزر" عن تضامنها الكامل مع المحامي السوري المعتقل أنور البني.كما استقبل رئيس الدولة  الألمانية "هورست كولر"  في قصر الرئاسة،"كمال البني"،الذي تسلم الجائزة عن شقيقه، ليؤكد له تضامنه مع المحامي أنور وتعاطفه مع القضايا التي يدافع عنها والتي اعتقل بسببها.أما الكاتب البارز "ميشيل كيلو"،رئيس "مركز حريات"  في سوريا،الذي اعتقل مع أنور وآخرين في أيار 2006 وحكم ثلاث سنوات وخرج قبل أشهر من سجنه، في كلمة له أرسلها لحفل التكريم قال عن أنور:"كان أنور واحدا من أعلى الأصوات ومن أصلب المناضلين بحيث أصبح اسما على شفاه جميع السوريين... أنه عمل كمحامي لنصرة الضعفاء والمظلومين والدفاع عن الذين لا يجرأ أحد على الدفاع عنهم، وكان معظم عمله دون مقابل... إذا كانت السلطة غيَّبته في السجون فلن تستطيع تغييبه عن وعي الناس".
أن يحظى المحامي السوري المعتقل " أنور البني" بكل هذا الاهتمام والتقدير الدوليين في الوقت الذي يذل ويهان ويعامل في بلده معاملة مجرم خطير على وطن أحبه،مشهد يستحق التوقف عنده كثيراً و التأمل فيه بعمق.
مبروك لـ"أنور البني" أوسمة الشرف التي نالها واستحقها بجدارة وهو في معتقله.مبروك لأسرته وزوجته العظيمة"راغدة العيسى" التي تقف خلف هذا الرجل العظيم،وتحملت ومازالت تتحمل معه الأعباء المادية والضغوط النفسية لنضاله واعتقاله.وقد تم طردها من عملها بوزارة الاتصالات بعد اعتقال أنور لزيادة الضغوط عليها ومحاربتها بلقمة عيشها.مبروك لعائلة البني، لهذه المدرسة الوطنية، التي أعطت نموذجاً يحتذى به في الأخلاق الوطنية وفي حب الوطن.
بمناسبة أعياد الميلاد المجيد،أطيب التحيات الوطنية الى أنور البني في معتقله والى زوجته وأسرته والى عائلة البني الكريمة.
ميلاد مجيد وعام سعيد لجميع معتقلي الرأي والضمير والكلمة الحرة في سجون السلطة والى أسرهم وعائلاتهم التي حرمت من بهجة العيد.
ميلاد مجيد وباقة حب الى أطفال المعتقلين الذين خطف الاستبداد بسمة العيد من شفاههم وهم بانتظار فرحة الاحتفال بعودة أبائهم. 
ميلاد مجيد وتحية الى كل من يناضل من أجل سوريا بلا سجون وبدون معتقلات وخالية من الفقراء والمقهورين.

سليمان يوسف يوسف.... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
shosin@scs-net.org
 

57
عندما تصبح المآذن سيوف ورماح

"عندما تصبح المآذن سيوفنا والقباب خوذاتنا ولمؤمنون جيوشنا".جمل نارية  مثيرة للرعب،منسوبة الى السيد، رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء الحالي لتركيا. أطلقها عام 1997 في احدى خطبه عندما كان رئيساً لاحدى البلديات،أي قبل أن يصعد حزبه الاسلامي"العدالة والتنمية" الى السلطة عام 2002ويحكم الدولة التركية الحديثة التي أرسى قواعدها كمال أتاتورك على أسس العلمانية والديمقراطية.بهذه المقولات الاسلامية التعبوية، تجاوز اردوغان خطب أكثر الاصوليات الاسلامية تشدداً وتطرفاً.لذلك بقي صداها يتردد  في مختلف الأوساط الأوربية،وخاصة اليمينية منها. فمن هذه التصريحات المخيفة استوحى أنصار حزب الشعب اليميني السويسري ملصقات دعائية ظهر فيها أشخاص ملثمين تحيط بهم مآذن مدببة أشبه بالصواريخ على علم سويسري. نشر الحزب هذه الملصقات بكثافة اثناء الحملة التي قادها تحت شعار مناهضة "أسلمة سويسرا"في الاستفتاء الذي جرى في 29 تشرين الثاني الماضي على حظر بناء مزيد من المآذن في سويسرا، وقد نجح الحزب في تحقيق ما أراده من هذا الاستفتاء،اذ حصد نحو 57% من الأصوات لصالح الحظر. اذا كان هذا هو فهم النخب السياسية والثقافية من المسلمين في دولة مثل تركياـ التي تتشدق حكومتها بالنموذج الاسلامي المثالي للديمقراطيةـ لوظيفة المآذن والمساجد،ماذا نتوقع من الجهلة والبسطاء، لا بل ماذا ننتظر من الإرهابيين والمتطرفين من المسلمين؟!. لهذا لم نفاجأ بحصول أولى ردات الفعل الارهابية على "الاستفتاء السويسري" في تركيا في العاشر من شهر كانون الأول الجاري ،حيث اقتحمت مجموعة اسلامية "كنيسة سريانية" في مدينة ديار بكر هددت القساوسة والرهبان العاملين فيه ونشرت الرعب بين أبناء الأقلية الآشورية المسيحية المتبقية في مناطقها التاريخية، من بعد الابادة الجماعية وعمليات التطهير العرقي والديني التي تعرضت لها في بدايات القرن الماضي.
أردوغان،الذي أوصلته الديمقراطية التركية مع حزبه الاسلامي الى الحكم ،أراد، من هذا الخطاب الجهادي الغير مسبوق في التاريخ الاسلامي، توجيه رسالة الى الشعب التركي المسلم وطمأنته، بأن  لا بديل عن "الاسلام والثقافة الاسلامية" في تحديد المستقبل السياسي لتركيا وفي صياغة هويتها الوطنية حتى لو دخلت الاتحاد الأوربي.أما حديث حزبه(العدالة والتنمية) عن حرصه على استمرار العلمانية في تركيا وعن الانفتاح والديمقراطية، هي سياسة برغماتية تساعد الحزب وتفيده في تحقيق طموحاته وتطلعاته المحلية والاقليمية والدولية.في ضوء التاريخ السياسي والعسكري للأتراك العثمانيين،يبدو أن أردوغان ومن خلفه حزبه يريدان من دخول تركيا الى الاتحاد الأوربي تحقيق حلم أجدادهم بالسيطرة على "القارة العجوز"، الحبلى بالاسلام، حيث تتكاثر فيها جاليات اسلامية يتحدر قسم كبير منها من أصول تركية.
لا جدال، على أن من حق المسلمين وغير المسلمين في بناء مراكز العبادة الخاصة بهم في أوربا وغيرها وبالطريقة التي تلبي ذوقهم الفني وتعبر عن تراثهم.لكن عندما يظهر بين المسلمين من يسعى لتحويل المآذن والمساجد من منابر للسلام والتسامح بين شعوب وأديان وأمم العالم الى منابر للتطرف والاستعلاء الديني وتهديد الآخرين واستفزازهم، عندها سيكون من حق الأوربيين أن يحظروا بناء المآذن وأيضاً المساجد، ورفض قبول بينهم دول اسلامية كبيرة لها تطلعات توسعية مثل تركيا. يذكر أن الرئيس الفرنسي الأسبق "فاليري جيسكار ديستان" كان قد أعلن " أن قبول تركيا في الاتحاد الأوربي،سيشكل نهاية أوروبا" معتبراً أن لتركيا "ثقافة ونمط حياة مختلفة". حتى الذين اعترضوا على نتائج الاستفتاء، من السويسريين ومن الأوربيين عموماً، لم يكن موقفهم نابعاً من حرصهم على المآذن، وانما بسبب الخوف من المضاعفات والمخاطر، التي قد يجلبها قانون الحظر، على سويسرا والغرب عموماً.هذا ما عبرت عنه وزيرة الخارجية السويسرية التي  أكدت أن حظر بناء المآذن "يعرض أمن البلاد للخطر". وفي الاطار ذاته اعتبر الاساقفة السويسريون في بيان لهم، ان الاستفتاء حول حظر بناء المآذن "سيفاقم" وضع المسيحيين في الدول الاسلامية.
في ضوء نتائج الاستفتاء السويسري، واجراءات أخرى مماثلة في دول أوربية عديدة ،مست حقوق الجاليات الاسلامية،(حظر الرموز الدينية في المدارس الفرنسية)،يمكن القول،بأن ثمة "صحوة مسيحية" بدأت تخرج من رحم العلمانية الأوربية المتطرفة في الإلحاد.هذه الصحوة المسيحية هي الأخرى لا تخلو من نزعة التطرف، تجلت في مقتل المواطنة الألمانية المصرية"مروة الشربيني" قبل أشهر على يد متطرف ألماني.هذه الصحوة المسيحية،تبدو وكأنها رداً على "صحوة اسلامية"بالغة التشدد والتطرف، بدأت تؤثر بشكل واضح على طريقة تفكير وحياة الجاليات الاسلامية المنتشرة بكثرة في المجتمعات الغربية. للاستفتاء السويسري على حظر بناء المآذن في المساجد فيه مس لمشاعر المسلمين، لكن من الخطأ النظر اليه على أنه موقف عنصري تجاه "الاسلام والمسلمين".لأنه مجرد اجراء وقائي ،يأتي في اطار تحرك أوربي رسمي و شعبي يهدف الى تحصين الهويات الوطنية للمجتمعات الأوربية وحماية العلمانية من تأثيرات الثقافات الأخرى الدخيلة عليها والمختلفة عنها، كالثقافة الاسلامية،القادمة مع الجاليات الاسلامية الرافضة للاندماج بالمجتمعات الأوربية.اذ،تتمسك هذه الجاليات بالتقاليد والمفاهيم الاسلامية،وغالباً تمارسها بشكل مبالغ فيه وأحياناً بطريقة استفزازية للآخرين مثل،ارتداء البرقع أو النقاب،و  (اقامة الصلات الجماعية في ساحات وشوارع المدن الأوربية)،فضلاً عن ارتباط  الجاليات الاسلامية بأعمال العنف والتطرف وجرائم كثيرة يرتكبها مسلمو أوروبا باسم الشرف،وغيرها من الممارسات الظلامية والصيحات التكفيرية المتنافية مع المفاهيم الديمقراطية والمتناقضة مع قيم الحداثة ومبادئ العلمانية التي باتت من أركان وثوابت الهويات والثقافات الوطنية للدول والمجتمعات الغربية.وفي هذا السياق،كان الرئيس الفرنسي أكثر صراحة بموقفه المرحب بالديمقراطية السويسرية.فقد حذر ساركوزي المسلمين في فرنسا من مخاطر التشدد والتطرف ودعاهم إلى أن يأخذوا بالاعتبار الارث "المسيحي" لفرنسا.قال "انه في بلدنا حيث تركت الحضارة المسيحية اثرا عميقا الى هذا الحد، وحيث قيم الجمهورية تشكل جزءا لا يتجزأ من هويتنا الوطنية، كل ما يمكن ان يبدو وكأنه تحد لهذا الارث ولهذه القيم مصيره الفشل". طبعاً،كان لتفجيرات  11ايلول 2001 الارهابية في الولايات المتحدة الأمريكية ولاحقاً التفجيرات الارهابية في العديد من العواصم الأوربية مثل (مدريد و باريس ولندن)،الدور الأبرز في تنبيه حكومات وشعوب الأمريكية والأوربية الى  المضاعفات، الاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية، للجاليات الاسلامية لديها. 
بالنسبة لموقف الحكومات العربية والاسلامية الرافض للاستفتاء السويسري، يأتي في اطار التضليل الذي تمارسه على شعوبها المقهورة في الداخل أولاً،وعلى الجاليات الاسلامية التي هربت أصلاً من ظلم وقمع هذه الحكومات والجوع الذي فرضته عليها، ثانياً.فالجاليات الاسلامية في الغرب- رغم بعض الاجراءات البسيطة والمحدودة التي بدأت تلجأ اليها الحكومات الأوربية للحد من مظاهر التطرف الديني ولحفظ أمن المجتمع- تتمتع بكافة حقوقها المدنية و الدينية وتوفر لها كل أسباب الراحة والأمان والاستقرار ومتاح لها كامل الحرية وجميع الأطر الديمقراطية،بما فيها الاحتجاج والتظاهر السلمي، للدفاع عن حقوقها والاعتراض على كل اجراء ينال من هذه الحقوق.وهي (الجاليات الاسلامية)ليست بحاجة الى الخطابات والشعارات الخاوية الصادرة عن أنظمة  عربية واسلامية لاديمقراطية وفاقدة للشرعية،هي آخر من يحق له الحديث عن الحقوق والحريات الدينية، لأن جميعها تضطهد، بنسب متفاوتة،مواطنيها المسيحيين وغير المسلمين عموماً وتحرمهم من ممارسة حقوقهم وحرياتهم الدينية، وحكومات بعض الدول الاسلامية الى تاريخه لا تسمح ببناء كنائس ومراكز عبادة لغير المسلمين على أراضيها.ومن المؤسف حقاً،أن يصل موقف بعض القادة العرب والمسلمين الى درجة التحريض على ممارسة مزيد من الاضطهاد الديني على مسيحيي المشرق.وهنا أشير الى تصريحات الرئيس الليبي"معمر القذافي"التي اعتبر فيها بان الاستفتاء السويسري اعطى ذريعة للدول الاسلامية لمنع بناء الكنائس و ان سويسرا اعطت بهذا الاستفتاء "حجة قوية جدا" لتنظيم القاعدة "لإعلان الجهاد على أوروبا".طبعاً،وكما في كل حدث أو اجراء يحصل في دول الغرب يمس المشاعر الدينية للمسلمين(الرسوم الدنمركية،محاضرة البابا بندكتيوس،.. حظر النقاب والحجاب)، ستستغل قضية المآذن السويسرية من قبل الأصولية الاسلامية والتنظيمات الارهابية، مثل "القاعدة" وغيرها، التي اعتبرت الاستفتاء السويسري" حملة صليبية صهيونية جديدة على الإسلام والمسلمين".وتوظيف قضية المآذن في حروبها الدينية والأيديولوجية المفتوحة مع دول الغرب الأمريكي الأوربي ولتعبئة الشعوب الاسلامية  في هذه المعركة التي تتمحور بجوهرها"على من يجب أن يحكم العالم".
أخيراً:لتبقى المآذن والكنائس وكل المعابد الأخرى لكل الديانات، منابر للسلام والتسامح بين شعوب وأمم وديانات الأرض.

سليمان يوسف يوسف .. سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
shosin@scs-net.org

58
رسالة: إلى سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد
 رئيس الجمهورية العربية السورية

 
تحية وطنية سورية وبعد.
بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك لكم وللشعب السوري كل الخير والصحة ودوام التقدم .
 
سيادة الرئيس ،بشار الأسد،أكتب اليكم عن مأساة انسانية لأسرة (حنا شمعون) التي تسكن مدينة القامشلي.
هاجرت هذه الأسرة السورية الى لبنان الشقيق عام 1972 بقصد العمل.بعد اندلاع الحرب الأهلية فيه قررت العودة الى وطنها الأم سوريا،حيث الأمن والاستقرار. بسبب الخوف من الملاحقة القانونية لأبنائها البالغين الذين تخلفوا عن خدمة العلم بحكم اقامتهم الطويلة في لبنان تأخرت عودتها الى سوريا الى حين أصدر الرئيس الراحل المرحوم حافظ الأسد في بداية عام 1985 مرسوم عفو عن السوريين المتخلفين عن الخدمة العسكرية.عادت الى سوريا ضمن المهلة الزمنية التي حددها مرسوم العفو الرئاسي.فور وصولها الى سوريا قام الأبناء البالغين (يعقوب حنا شمعون مواليد 1963) وأخيه (فواز حنا يعقوب مواليد 1966) بتسليم أوراقهما الشخصية لشعبة تجنيد القامشلي للالتحاق بالخدمة العسكرية وتأدية واجبهما الوطني مستفيدين من مرسوم العفو الرئاسي المشار اليه.لكن قبل أن يلتحقا بخدمة العلم تم اعتقالهما في بداية تموز من عام 1985 من قبل أحد الأجهزة الأمنية في المدينة.بعد هذا الاعتقال،اختفت أخبارهما كلياً لسنوات طويلة، إلى أن أفرج عن فواز عام 1996، وبقي مصير (يعقوب) مجهولاً حتى عام 2001- أي الى حين تسلمكم الرئاسة في البلاد-  حيث أعلم أحد الفروع الأمنية أسرته بوجوده في "سجن صيدنايا" المركزي،وهو ما زال قابعا فيه الى تاريخه،من غير أن تعرف أسرته أسباب اعتقاله والتهم المنسوبة اليه وما اذا كان قد صدر حكماً بحقه أم لا .
سيادة الرئيس بشار الأسد:
التقيت العجوز حنا والد المعتقل "يعقوب"، قبل أن يغادرنا الى دار الأبدية وفي قلبه حسرة،قال: " أمنيتي أن أرى أبني طليقاً قبل أن أموت... ربع قرن من العذاب والحرمان والسجن المتواصل،أليس كافياً للعفو عنه واطلاق سراحه، أياً تكن التهم الموجه له، وهو شخص عادي ،لا يجيد القراءة والكتابة..".
في شباط الماضي توفي والد يعقوب، ودفنت معه حسرته.فهل ستموت والدته العجوز هي الأخرى وتدفن معها ذات الحسرة؟. لا أعتقد بأن هذا يطيب لكم،وسيادتكم تعرف معنى الأبوة وتعيشون مشاعرها بصدق.وما أعظم الحاكم عندما يمارس دور الأب في حكمه وقيادته لشعبه ورعايته له.لهذا أملنا وأمل جميع أهالي مدينة القامشلي كبير بأن تستجيب سيادتكم للصرخة الانسانية لهذه الأسرة السورية  ووضع حد لمعاناتها الطويلة،وذلك بالعفو عن ابنها يعقوب واطلاق سراحه بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك. ولا يخفى على سيادتكم كم سيكون لمثل هذه الخطوة الانسانية والوطنية من صدى ايجابي على ابناء مدينة القامشلي وعلى الشعب السوري عموماً..
 الأمل يكبر ويزداد بوجود الى جانبكم سيدة كريمة،السيدة الأولى (أسماء الأسد) التي غمرت الشعب السوري بمشاعرها الانسانية الرقيقة وبعطفها وحنانها وكرمها في اطار رعايتها لمشاريع وطنية وبرامج تربوية مهمة على صعيد التنمية الاجتماعية والتعليم.
حفظكم الله يا سيادة الرئيس وشكراً لكم مقدماً على اهتمامكم بهذه القضية التي تطوعت، بدوافع انسانية ووطنية كناشط سوري،بنقلها الى سيادتكم عبر هذه الرسالة المنشورة عبر وسائل الاعلام، بعد أن تيقنت من صعوبة أن أحظى بشرف اللقاء بكم والتحدث اليكم مباشرة.
 
 
سليمان يوسف يوسف
ناشط سوري
القامشلي  20/11/2009

shosin@scs-net.org

 




59
هل من رغبة اسلامية ببقاء المسيحية في المشرق؟!
                             
                                   
سؤال، بدأ يشغل المهتمين بمستقبل "الديانة المسيحية" في هذه المنطقة التي فيها ظهرت ومنها انتشرت رسالتها التي تدعو الى "السلام العالمي"،مثلما يشغل الأوساط، الثقافية والسياسية والشعبية، المسيحية المشرقية.قد يرى البعض في هذا التساؤل تأجيجاً لمشاعر وحساسيات دينية، شعوب المنطقة بغنى عنها؟. وربما البعض الآخر يرى فيه مبالغة كبيرة لقضية مسيحيي المشرق واثارة غير مبررة لمشكلة غير موجودة بالأصل؟. لأن مجرد طرح الموضوع من هذه الزاوية يعني ثمة شكوك بالمسلمين وبرغبتهم في بقاء واستمرار المسيحيين بينهم!.لكن من وجهة نظر مسيحية، أرى أنه سؤال مشروع ومبرر ومنطقي، يفرض نفسه لأكثر من سبب وسبب في أي حديث أو نقاش يتناول قضية مسيحيي المشرق، التي ترتبط بشكل وثيق بقاعدة"اللامساواة الدينية"التي جاء بها الاسلام، أكثر من كونها قضية سياسية تتعلق بطبيعة الحكم والنظم السياسية القائمة.
 فرغم الأوضاع الصعبة والتحديات الخطيرة التي تحيط بمسيحيي المشرق،تفضل غالبيتهم الساحقة البقاء والعيش في كنف أوطانهم التاريخية ومهد ديانتهم مع أبناء عمومتهم المسلمين في اطار الشراكة الوطنية الحقيقية وعلى قاعدة المساواة التامة بالحقوق والوجبات.لكن هذه الرغبة المسيحية مازالت تصطدم بـ"جدار الرفض الاسلامي" لمساواة المسيحي وغير المسلم بالمسلم.هذا الجدار يرتكز بشكل أساسي الى"الشرع الاسلامي"الذي يشكل البيئة الاجتماعية والثقافية والاطار القانوني للانتقاص من حقوق المسيحيين وغير المسلمين عموماً.في هذا المناخ الطائفي المنحاز للانسان المسلم تكرس مفهوم الأقلية والأغلبية وتعمقت التمايزات داخل المجتمع الواحد،وانحسر الوجود المسيحي وتقلص في بعض الدول المشرقية الى مستويات باتت تبعث على القلق والخوف، بعد أن كانت تشكل مركز الثقل المسيحي في المشرق(فلسطين،تركيا ،العراق).أكثر التقديرات تفاؤلاً تقدر تعداد المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط اليوم بنحو 15% من النسبة الاجمالية للسكان،أي نحو 15 مليون مسيحي،غالبيتهم في مصر والبقية في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين الأردن.ومع تراجع القوى الديمقراطية وانحسار التيارات العلمانية والليبرالية في المجتمعات المشرقية، وصعود "الاسلام السياسي" الساعي لاقامة "الدولة الاسلامية" والحكم وفق الشرع الاسلامي، تبقى أوضاع المسيحيين المشرقيين مرشحة لمزيد من التعقيد والتأزم.وستشهد المنطقة المزيد من الهجرات المسيحية والهروب باتجاه الغرب،حيث الأمان والاستقرار والحريات وفرص العمل،لطالما هم غير قادرين على تصحيح أوضاعهم والزام المسلمين على القبول وتطبيق مبدأ"الدين لله والوطن للجميع"،وعلى التحول الى الدولة المدنية الحديثة.
بموازاة استمرار حكومات وسلطات الدول العربية والاسلامية في سياسة التهميش والاضطهاد السياسي والثقافي والديني لمواطنيها المسيحيين،تتصاعد عمليات العنف والاعتداءات المنظمة ضد المسيحيين في الكثير من هذه الدول من قبل الجماعات والتنظيمات الاسلامية المتشددة.في العراق الديمقراطي، ما يتعرض له المسيحيون يرقى بنظر منظمات وهيئات دولية الى مستوى"التطهير الديني والعرقي".في مصر، المحكومة من قبل نظام قوي ممسك بالدولة والمجتمع بقبضة من حديد،تجده متساهلاً وبدرجة كبيرة مع الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تستهدف الأقباط المسيحيين الآمنين وتعتدي على حياتهم وممتلكاتهم ومقدساتهم.كل هذا يحصل في ظل صمت عربي واسلامي،رسمي وشعبي ونخبوي، وكأن الجميع تخلوا عن المسيحيين ومتفقون على ما يحصل لهم من تعديات ومظالم.في حين تستنفر كل الأقلام ووسائل الاعلام والمنظمات الحكومية والمدنية والأهلية والمرجعيات الدينية في المنطقة العربية والاسلامية، كلما حصل اعتداء على "مغترب أو لاجئ مسلم" في دولة أوربية غربية، لجأ اليها هرباً من ظلم حكام بلده، أو بحثاً عن فرصة عمل عجزت أوطانه توفيرها له. مثلما حصل مؤخراً في جريمة مقتل "مروة الشربيني"المصرية، على يد متطرف ألماني. 
لا ننفي وجود رغبة لدى الكثير من المسلمين ببقاء المسيحيين بينهم في هذه المنطقة.لكن هذه الرغبة الاسلامية هي دوماً مشروطة بأن يقبل المسيحي بأن يكون مواطناً من الدرجة الثانية أو الثالثة والعيش على هامش المجتمع الاسلامي "ذمياً"على صعيد الحقوق الدينية والمدنية.حيث،تعتبر الشريعة الاسلامية مصدر اساسي للتشريع في معظم الدول العربية والاسلامية،خاصة في فيما يخص الحكم والحقوق الدينية وقوانين الأحوال الشخصية والمدنية.ففي سوريا رغم أنها من الدول التي تتميز بـ"التسامح الديني" أعد مؤخراً "قانون جديد للأحوال الشخصية" يعيد سوريا قرون الى الوراء، فيما يخص حقوق المرأة والأقليات الدينية.أنه قانون يتوافق مع توجهات"الأصولية الاسلامية"- التي تغلغلت الى مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة السورية- ومشروعها الظلامي التكفيري ويتعارض كلياً مع مشروع تحديث سوريا وتطويرها.وقد علقت الكاتبة السورية (منى غانم) في مقال - نشر في كلنا شركاء-على القانون الجديد بالقول:"   للقانون شق ذو أبعاد سياسية في غاية الخطورة تهدد التركيبة الاجتماعية و الدينية المتوازنة في سوريا و التي طالما تغنى بها السوريون.لعل تنفيذ مشروع القانون هذا إذا ما قدر له الإصدار سيكون نقطة تحول في تاريخ ألأديان في هذه المنطقة من العالم. وتتساءل غانم: هل هذا المشروع محاولة لدمج سورية في منظومة عولمة الأصولية و التي اكتسحت العالم في نهايات القرن الماضي و كانت النساء و الأقليات ضحيتها الأولى في بلدان مختلفة ؟ أم أنه محاولة انقلاب داخلية على كل التطور الاجتماعي الذي شهدته سورية منذ سبعينيات القرن الماضي؟ .وتضيف:هذا المشروع مهم لأنه إذا صدر ستصبح سورية بلدا آخر لا يشبه معظم السوريين و ستكون النساء و الأقليات كبش المحرقة".
بحكم وضعهم الأقلوي، يتطلع  "مسيحيو المشرق" الى تحول مجتمعات المنطقة نحو العلمانية والقيم الليبرالية والانتقال الى الدولة "المدنية الحديثة- دولة القانون"،دولة الحق والعدالة، لأنها الضمانة الوحيدة لبقائهم واستمرارهم في أوطانهم.لكن مثل هذه الدولة مازالت غائبة وبعيدة عن منطقتنا.دولنا مجرد امارات واقطاعيات وجمهوريات مملوكية، تتشابه في نظامها الاجتماعي والثقافي والسياسي.الهاجس الأول للحكام هو "السلطة" ،والأولوية بالنسبة لغالبية الشعوب هي لرابطة الدم واحترام أخلاق العشيرة وقيم القبلية،حيث لا معنى للوطنية ولا مكانة للمواطنة.بمعنى آخر مازالت دول المشرق العربي الاسلامي في مرحلة ما قبل الدولة وخارج التاريخ السياسي والمدني للعالم المعاصر.لهذا، تبدو فرصة بقاء مسيحيي المشرق واستمرارهم في أوطانهم ضعيفة جداً،وربما معدومة، اذا ما بقيت أوضاعهم على ما هي عليه اليوم،من حرمان واضطهاد وتهميش، وما لم يغير "الراي العام الاسلامي" نظرته الى المسيحي من نظرة "مشرك بالله"،غير مرغوب به، الى "شريك بالوطن"مرحب به.لأن لا يمكن الحديث عن "الشراكة الوطنية"والقول"كلنا شركاء في الوطن" من دون مساواة تامة في حقوق المواطنة.
قطعاً،طرحنا لقضية مسيحيي المشرق من هذه النظرة التشاؤمية، ليس الهدف منه زرع اليأس واشاعة الاحباط في النفوس،وانما لدق "ناقوس" الخطر ولفت أنظار العالم لمخاطر اندثار المسيحية من هذا المشرق.ولحث جميع المعنيين بهذه القضية الحساسة ،من المسلمين والمسيحيين،في الغرب والشرق،على التحرك والعمل السريع قبل فوات الأوان من أجل بقاء وازدهار الديانة المسيحية في هذا المشرق الذي فيه ظهرت ومنه انتشرت الى بقية أنحاء العالم.لأن اندثار المسيحية المشرقية وتلاشيها، يعني بالضرورة نهاية شعوب مشرقية قديمة وأصيلة، تركت بصماتها على مجمل الحضارة الانسانية،مثل الآشوريين، بمذاهبهم السريانية الكاثوليكية والأرثوذكسية المختلفة، والأقباط المصريين، أحفاد الفراعنة،فضلاً عن أن المسيحيين العرب ومسيحيي المشرق عموماً لعبوا في العصور الحديث دوراً ريادياً ومهماً  في حياة المنطقة وشعوبها على صعيد التنوير الفكري والثقافي والازدهار الاقتصادي.ثم أن تلاشي المسيحية من هذه المنطقة يعني فقدان وخسارة العرب والمسلمين لأحد أهم عناصر وروافد ثقافتهم وحضارتهم .
أخيراًُ: اعتقد بأن الحكومات العربية والاسلامية هي ليست بعاجزة عن القيام بمبادرات عملية ووضع خطط وبرامج مستقبلية من شأنها تعزيز الوجود المسيحي  وازدهاره اذا هي أرادت ذلك حقاً،مثل:
- تشكيل وزارة خاصة في كل دولة عربية واسلامية،تعنى بشؤون المسيحيين لديها وتتتبع مشكلاتهم وقضاياهم واتخاذ اجراءات عقابية وقانونية رادعة بحق كل من يتعدى على مواطنين مسيحيين ويستهدفهم.
-  تمثيل المسيحيين في مختلف السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية( بغض النظر عن تعدادهم) كذلك في مؤسسات الدولة،المدنية والعسكرية والأمنية،ومنحهم وزارات أساسية ومناصب سيادية لتعزيز دورهم ومشاركتهم في ادارة البلاد.
- اعادة الاعتبار الى ثقافة الشعوب المسيحية من غير العرب،مثل الأقباط والآشوريين(سريان/كلدان) والأرمن،وتعزيز هويتها كجزء أساسي من الهوية الوطنية ومنحها حقوقاً ثقافية و"ادارة ذاتية" للمناطق التي تقطنها غالبية مسيحية). جدير بالذكر، أن بعض الدول،مثل كندا واستراليا، منحت "الشعوب الأصيلة" لديها، بعض الامتيازات،الاقتصادية والثقافية والسياسية،لأجل الحفاظ على تلك الشعوب الأصيلة المهددة بالاندثار والتلاشي.

سليمان يوسف  .. مهتم بقضايا الأقليات
سوريا
    shosin@scs-net.org



60
تغييب الصحافة الآشورية وتراجع الحريات في سوريا


- قبل أيام،احتفلت الصحافة الآشورية (السريانية) بعيدها الستين بعد المائة – ذكرى صدور أول صحيفة آشورية باللغة السريانية وهي" زهريرا دبهرا- أشعة النور " في الأول من تشرين الثاني عام1849-.بهذه المناسبة،تحية اكبار واجلال لروح فقيد الصحافة العالمية الكاتب والصحفي الآشوري"جميل روفائيل" الذي وافته المنية في الاول من أكتوبر الماضي في مقدونيا.رحيله، شكل خسارة كبيرة للصحافة الآشورية والعراقية عموماً،كما ترك فراغاً في الساحة الاعلامية الآشورية.
- يوم الصحافة الآشورية مناسبة للتوقف عند الواقع المرير الذي تعاني منه الصحافة الآشورية والصحافة السورية عموماً،نتيجة سياسة الحصار والتضييق التي تمارسها السلطة على  حقوق النشر والطبع وعلى الحريات الصحفية في البلاد التي دخلت مع حكم حزب البعث مرحلة "الاعلام الحكومي الموجه والمؤدلج" ليكون في خدمة النظام وأهداف البعث، ادراكاً منه لأهمية "الاعلام" في تكوين الراي العام والتنشئة السياسية والفكرية للأجيال الجديدة.ربما،استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم تطويع الصحافة والسيطرة على مختلف وسائل الاعلام(المقروءة والمسموعة والمرئية)،لكن الغاء الصوت الحر في الاعلام وتغييب الراي الآخر في البلاد، افقد الاعلام السوري جاذبيته وحيويته لا بل خسر مصداقيته حتى بات من غير جماهير .ولم يعد مصدراً شفافاً للمعلومات والأخبار.كما أن الصحافة السورية في ظل حكم البعث فقدت وظيفتها الأساسية (كشف عيوب الحكم وفساد الإدارة وتقويم الخطأ)،وتحولت من مهنة المتاعب الى مهنة المكاسب.وليس من المبالغة القول،أن تغييب الصحافة المعارضة والصحافة الحرة عموماً ساعد كثيراً على انتشار الفساد وتفشيه في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع السوري.
معلوم أن الدولة السورية لم تعترف بالآشوريين(سريان- كلدان) كقومية متميزة لها خصوصيتها الثقافية، وذلك لتبرر تهميشها لهم وحرمانهم من حقوقهم القومية،رغم أنهم من الشعوب السورية الأصيلة والقديمة.أن الصحافة الآشورية في سوريا لا تعاني فقط من الحصار والتضييق ومن القوانين الجائرة وانما ايضاً من الاستبداد القومي المتجلي بعدم الاعتراف بها والتنكر لها،وحرمان الآشوريين من حق الطبع والنشر في لغتهم الأم" السريانية"رغم أنها اللغة الوطنية القديمة لسوريا التاريخية،حتى كادت أن تغيب الصحافة الورقية الآشورية من الساحة الاعلامية السورية،علماً أن في خمسينات القرن الماضي كان للآشوريين(سريان/كلدان) عدة صحف مرخصة تصدر باللغات السريانية والعربية، منها "الرافدين" و"الجزيرة" و"الخابور".بينما اليوم،عصر ثورة الاتصالات والكمبيوتر، تقتصر الصحافة الآشورية(السريانية)، حتى الثقافية منها،على الصحافة الحزبية،وهي محدودة الانتشار ومتواضعة في الشكل والمضمون،تصدرها الأحزاب والمنظمات الآشورية المحظورة.لأن المسموح به فقط هو بعض "المجلات والمنشورات الدينية" التي تهتم بالشؤون والأخبار الكنسية والدينية للآشوريين المسيحيين، مثل "المجلة البطريركية" التي تصدرها الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في دمشق و"المبشر"تصدرها الكنيسة الآشورية.
فيما يتعلق بـ"قانون المطبوعات" لعام 2001 و المعمول به حالياً،جاء دون مستوى طموحات الشعب السوري ولم يواكب التحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي حصلت في سوريا في العقود الأخيرة.من هذا المنظور شكل القانون المذكور انتكاسة كبيرة لحرية الصحافة والصحفيين،وخيب آمال الآشوريين السوريين وكل القوميات الغير عربية من أكراد وغيرهم بفرصة انشاء مؤسسات اعلامية واصدار صحف قومية خاصة بهم.أن القانون المذكور زاد من القيود والشروط على حقوق الطبع والنشر وترك الصحفيين عرضاً للاعتقال والملاحقات الأمنية ومن غير حصانة قانونية تصون حقوقهم وحرياتهم.جدير بالذكر أن بعد صدور قانون المطبوعات الجديد تم توقيف ومحاكمة واعتقال العديد من الكتاب الصحفيين والاعلاميين السوريين ومن مختلف القوميات والانتماءات السياسية بسبب آراءهم وعلى خلفية كتاباتهم ونشاطهم الثقافي والاعلامي،فضلاً عن استمرار مسلسل الاستدعاءات الأمنية لعشرات الكتاب والصحفيين- وأنا منهم- الى الدوائر الأمنية بدمشق.وبالمحصلة عزز القانون الجديد سيطرة الدولة على الاعلام من خلال تدخل اجهزتها التنفيذية والأمنية بجميع مفاصل العملية الاعلامية وعلى جميع المستويات والأصعدة وفي كافة المراحل  بدءاً من منح الترخيص و سحبه و توزيع المطبوعات وعدم قوننة الحق في الوصول الى المعلومات وفرض الرقابة الذاتية- تجنب العقاب- التي تقضي على روح الصحفي وعلى تقاليد و قيم مهنة الصحافة. حتى ما ظهر من اعلام سوري خاص في السنوات الأخيرة بمعظمه هو ليس باعلام حر ولا هو بمنأى عن هيمنة وتدخلات السلطة.وما يشذ منه عن الخطوط الحمر المحددة له يكون مصيره التوقيف والاغلاق والحبس والغرامة المالية الكبيرة للقائمين عليه.
في اطار سياسة التحكم بما يجب أن يقرأه وما يجب أن لا يقرأه السوريون،يمنع توزيع أعداد معينة من الصحف والمجلات السورية وذلك بسبب تضمينه مقال أو تصريح  لم يعجب هذا المسؤول أو ذاك الوزير السوري.كما تمنع الكثير من المجلات والصحف والمطبوعات السورية(التي تطبع في الخارج) والعربية من دخول سوريا(قبل أيام منع العدد الأخير من مجلة الآداب اللبنانية)، فضلاً عن حجب عشرات مواقع الانترنيت لصحف وجرائد الكترونية عربية وآشورية وكردية.وكان المركز السوري للإعلام قد رصد منع وزارة الإعلام من توزيع نحو 50 مطبوعة سورية في السنوات القليلة الأخيرة. ولم تكتف وزارة الاعلام باغلاق الصحف السورية أمام عشرات الكتاب والصحفيين السوريين من كل القوميات والاتجاهات السياسية الذين أغنوا الصحف اللبنانية والعربية بنتاجاتهم الفكرية والثقافية وبالمقالات السياسية،اتهم وزير اعلام سوري(سابق) هؤلاء "بأنهم سيكونون في المستقبل كتاب جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية".طبعاً،كلام ينطوي على التشكيك بولاء هؤلاء ويحرض على اعتقالهم.
 في ظل هذه البيئة السياسية والقانونية القاصرة في مجال الحقوق والحريات الصحفية والاعلامية والمشبعة بنزعة استبدادية تجاه الرأي الآخر وأخرى شوفينية تجاه ثقافة وصحافة القوميات الغير عربية في سوريا مثل الآشورية والكردية، لا يمكن للآشوريين وغير الآشوريين أن ينشئوا صحافة أو أن يقيموا مؤسسات اعلامية خاصة بهم.وفي ظل دولة الحزب الواحد والرأي الواحد والاتجاه الواحد والصوت الواحد وصحافة اللون الواحد لا يمكن أن تتطور الصحافة السورية عموماً لتواكب ظاهرة العولمة واستحقاقاتها.كما لا يمكن لها أن ترتقي الى مستوى الصحافة العالمية الحرة التي تعد اليوم أحد أهم أركان النظام الديمقراطي الليبرالي الحر.

  سليمان يوسف يوسف... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات.
shosin@scs-net.org
 

61
الجزيرة السورية: جرحٌ وطنيٌ ينزف

في جميع الدول الديمقراطية والمجتمعات المتمدنة، تشكل ظاهرة التنوع القومي والديني والثقافي واللغوي عامل ثراء وغنى وطني،لكن في سوريا تبدو الصورة مختلفة تماماً،حيث أضحت ظاهرة التنوع التي يتصف بها مجتمع الجزيرة السورية (محافظة الحسكة)عامل نقمة على أبناء هذه المحافظة وسبباً لمزيد من الإهمال الحكومي لها من حيث الخطط والبرامج التنموية والخدماتية والرعاية الصحية والاجتماعية.فمحافظة الحسكة التي تقع في أقصى الشمال الشرقي على الحدود التركية العراقية هي أكثر المحافظات السورية فقراً وفيها أعلى نسبة بطالة،بحسب التقارير الرسمية،رغم أنها، بفضل انتاجها من الحبوب والقطن والنفط، تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني لسوريا. فمنذ ستينات القرن الماضي يعاني سكان محافظة الحسكة السورية،وهم خليط من العرب والأكراد والآشوريين(سريان- كلدان) وأرمن وايزيديين،من وطأة قوانين جائرة واجراءات استثنائية تتمحور حول "سياسة التعريب" الشوفينية التي أنتهجهتها وتنتهجها الحكومات السورية، والهادفة الى محو الهويات الثقافية والقومية لغير العرب.  يأتي في مقدمة هذه الاجراءات"قانون الاحصاء الاستثنائي لعام 1962" والخاص بمحافظة الحسكة، الذي بموجبه حُرم من غير وجه حق عشرات الآلاف من الكورد السوريين ومعهم عشرات الأسر الآشورية(السريانية) من حق الجنسية السورية، بذريعة أنهم تسللوا من تركيا إلى سورية بعد رسم الحدود بين البلدين في عشرينات القرن الماضي. هذا الإجراء التميزي حرم المجردين من الجنسية من أبسط حقوق المواطنة ومن الحقوق المدنية والسياسية(حق التوظيف، وحق التملك، وحق الانتخاب والترشيح)، وغيرها من الحقوق المدنية التي أقرها الدستور السوري و المواثيق والعهود و الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها الحكومات السورية.كذلك تسبب في حرمانهم من حق الانتفاع من قانون الإصلاح الزراعي الذي وزع بموجبه الأراضي على الفلاحين.
ربما،كانت هناك حالات تسلل من تركيا الى داخل الحدود السورية بدوافع اقتصادية واجتماعية،لكن قطعاً لم يكن تعداد المتسللين بعشرات الألوف كما ادعت السلطات السورية.واعتقد بأنه لم يكن صعباً على السلطات آنذاك اعادة المتسللين الى من حيث أتوا لطالما هي زعمت بأنها كانت تعرفهم بالأسماء والأرقام.لكن ادعاءاتها كانت مجرد مزاعم باطلة لتبرير سياساتها العنصرية والشوفينية تجاه السوريين من غير العرب من الكورد وغير الكورد. ففي ذات العام(1962) الذي تم فيه الاحصاء الاستثنائي والذي استهدف النيل من "القومية الكردية"،أقدمت السلطات السورية وبالدوافع الشوفينية والعنصرية ذاتها  على إغلاق المدارس والمؤسسات والنوادي الآشورية (السريانية) في محافظة الحسكة وذلك بهدف تقويض ووئد النهضة الثقافية والاجتماعية التي بدأها الآشوريون السريان في سوريا.وفي اطار سياسات التعريب التي تعززت بعد انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة 1963 نفذت السلطات السورية "الحزام العربي" عام 1972في المناطق ذات الكثافة الكردية والآشورية في  منطقة الجزيرة وذلك بهدف تغيير الواقع الديمغرافي في المحافظة لصالح العنصر العربي.فقد جرد هذا الحزام آلاف العائلات الكردية والآشورية من أراضيها الزراعية ووزعت على عرب أتي بهم من محافظات ومناطق سورية بعيدة.
بلا ريب،أن الاجراءات والقوانين التميزية وسياسات التعريب والتمييز والتفضيل التي انتهجتها و تنتهجها الحكومات السورية بحق السوريين من غير العرب تركت آثار سلبية على عملية الاندماج الوطني و كرست مفهوم الأقلية والأغلبية في المجتمع،تالياً أفرزت "معضلة الأقليات" في البلاد حتى أضحت جرحاً وطنياً ينزف.اذ ،يوجد اليوم نحو ربع مليون كردي من غير جنسية يعيشون في بؤس تام على هامش المجتمع السوري وخارج دورة الحياة الوطنية الطبيعية بجوانبها المختلفة،الاقتصادية والثقافية والسياسية.آشورياً، تسببت الاجراءات الشوفينية وسياسات التمييز القومي وتراجع الأوضاع المعيشية في هجرة حتى الآن أكثر من ربع مليون آشوري(سرياني-كلداني) من الجزيرة السورية وحدها الى الدول الأوربية وأمريكا، الأمر الذي سبب خللاً ديمغرافياً كبيراً في التركيبة السكانية لمحافظة الحسكة،فضلاً عن أن هجرة هؤلاء شكل خسارة لطاقات وعقول وطنية ومهارات صناعية متميزة كانت الجزيرة السورية والوطن السوري بأمس الحاجة اليها،كما أن سياسات التعريب والتمييز أصابت الآشوريين السوريين عموماً بخيبات أمل وطنية وقومية كبيرة وجعلتهم يعيشون في حالة اغتراب وطني.
بعد زيارة السيد الرئيس بشار الأسد الى محافظة الحسكة 2002 وتوصيات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم صيف عام /2005/  بحل قضية المجردين، تأمل ابناء المحافظة أن تولي الحكومة اهتماماً خاصاً بأوضاع محافظتهم المهملة وأن تمنح الجنسية لجميع المجردين والمكتومين والمحرومين منها،لطالما أنها تعتبر مشكلة الاحصاء بجوهرها تقنية وثغرات لا خلفيات أو ابعاد سياسية لها،لكن مضت سنوات على تلك الوعود والتوصيات من غير أن تترجم الى فعل وواقع.ويبدو أن الحكومة السورية لم تكتف بغضب الطبيعة على سكان الجزيرة السورية وبمخاطر الجفاف الذي ضاعف من محنة أبناءها وتسبب بنزوح نحو ربع مليون شخص من أبناء محافظة الحسكة الى دمشق والمحافظات الأخرى بحثاً عن لقمة العيش،حتى بادرت(الحكومة) الى اصدار المرسوم 49 في العاشر من أيلول 2008 الذي وضع قيودا صارمة على حقوق التملك و الرهن و الإيجار للعقارات في المناطق الحدودية التي أدرجت فيها جميع مناطق محافظة الحسكة ،الأمر الذي تسبب في شل وتكبيل النشاط التجاري والخدمي في قطاع تجارة العقارات والبناء الذي يشكل أهم واكبر سوق عمل لأبناء المحافظة في ظل التراجع الكبير لفرص العمل في القطاع العام (قطاع الدولة) وشح المواسم الزراعية بسبب الجفاف.فقد تسبب هذا المرسوم المجحف في اتساع دائرة الفقر والبؤس الاجتماعي والانساني وارتفاع نسبة البطالة  وتسريع حركة الهجرة والنزوح من المحافظة .
أن تعثر حل قضية المجردين من الجنسية وقد مضى عليها قرابة نصف قرن من الزمن، رغم الرسائل الايجابية التي بعثت بها القيادة السورية الى الأكراد السوريين في السنوات الأخيرة، بدأ يثير الشكوك من جديد بنية الحكومة وبجدية حزب البعث الحاكم بمعالجة هذا الملف والبحث عن مخارج وحلول وطنية ديمقراطية لمشكلة الأقليات القومية في البلاد.في حين أن المصلحة الوطنية تقتضي حل هذه المشكلة على  قاعدة المساواة و الاعتراف الدستوري بالتعددية القومية.كذلك معالجة الآثار والمضاعفات السلبية ،المادية والمعنوية، للقوانين والاجراءات الاستثنائية الخاصة بمحافظة الحسكة (قانون الاحصاء لعام 1962 والحزام العربي والمرسوم 49) وذلك من خلال التعويض لكل من تضرر منها من السوريين وبغض النظر عن قوميتهم.اذ ، ليس من الوطنية والديمقراطية بشيء استمرار قوانين التمييز والتفضيل بين المواطنين السوريين على أساس قومي . فمثل هذه القوانين والاجراءات تنتقص من حقوق المواطنة لبعض مكونات المجتمع السوري،وتتناقض مع المفاهيم الصحيحة  للوطنية كما أنها تتنافى مع مبدأ الشراكة الحقيقة في الوطن.
سليمان يوسف يوسف.... سوريا
مهتم بقضايا الأقليات

shosin@scs-net.org

62
وجهة نظر، للعلاقة الآشورية الكردية في سوريا


مدخل: بحكم التاريخ والجغرافيا،اختلط الآشوريون (المتحدرون من أصول سامية) مع الكورد (المتحدرون من أصول آرية)،وتأثر كل منهما بثقافة وعادات الآخر،الى درجة يصعب في بعض مناطق "بلاد آشور- ميزوبوتاميا" و"كردستان" تميز الانسان الآشوري عن الكردي.غدا "الانتماء الديني" وحده العلامة الفارقة، بعد استحالة التمييز والفصل بينهما على اساس العرق. في اطار هذه العلاقة التاريخية،نشأت اسر وعشائر مشتركة من الشعبين،وانخرط العديد من الآشوريين في صفوف الحركة الكردية في العراق وتركيا.بعض المصادر تتحدث عن مشروع دولة واحدة مشتركة للشعبين قدم الى "عصبة الأمم".هذه العلاقة التاريخية، لم تمنع حصول حروب و نزاعات مسلحة بين الأكراد والآشوريين ،خاصة حقبة الاستعمار العثماني للمنطقة،الذي انتهج سياسية"فرق تسد" واستغل الدين في تأليب الأكراد المسلمين على المسيحيين، من أرمن وآشوريين(سريان/كلدان) للتخلص منهم. أشهرها (مذابح بدرخان في اربعينات القرن التاسع عشر و مذابح  1915).في ضوء تأثير الدين على حياة ومصير شعوب المنطقة،أرى أن "الاسلام" شكل أحد أهم عوامل قوة الأكراد وأسباب انتشارهم وتوسعهم الديمغرافي في المنطقة(كذلك كان بالنسبة للعرب والأتراك العثمانيين). بينما شكلت"المسيحية" ومازالت أحد أهم عوامل ضعف الآشوريين(سريان/كلدان) وأسباب انحسار وجودهم في بلاد ما بين النهرين والمنطقة عموماً(كذلك كانت بالنسبة لبقية الشعوب المسيحية المشرقية).لأغراض ايديولوجية وغايات قومية بنى بعض المؤرخين والمثقفين الكرد على التحولات الثقافية والاجتماعية والدينية التي افرزتها الصراعات والحروب الطويلة في بلاد الرافدين والمنطقة نظرية "الأكراد المسيحيين".وهي نظرية لا أساس علمي أو سند تاريخي لها.مقلدين بذلك القوميين العرب في نظرتهم وتعاطيهم مع الأقوام الغير عربية،خاصة مع الآشوريين(سريان-كلدان).وقد أنتقد، الكاتب الكردي العراقي(نزار آغري)،نزعة التعصب التي ترتكز عليها الآيديولوجية الكردية، في مقال له نشر في الحياة اللندنية السبت 15 ديسمبر 2007 ،يقول فيه:" الخطاب القومي الكردي، شأن قرينه العربي، يتكئ على الأساطير. يتم إخضاع التاريخ، وكذلك الجغرافيا، للرغبات الآنية ويجري ضخهما بالعواطف والانفعالات. الأمة الكردية، في هذا الخطاب، كانت قائمة منذ فجر التاريخ وستظل كذلك إلى يوم القيامة.هناك رغبة شبه صوفية لدى القوميين الكرد في تجاهل الوقائع على الأرض والقفز فوق التفاصيل سعياً وراء ذات منتفخة ورسم صورة وردية عن الكرد بوصفهم أمة واحدة (ذات رسالة خالدة؟). فتنهض شعارات التجييش القومي ودق طبول «الجهاد المقدس» القومي". 
في سوريا: رغم مظاهر التقارب الكردي الآشوري، على المستوى النخبوي والسياسي، لا تبدو العلاقة بين الآشوريين والكورد السوريين كما يجب أن تكون على الصعيد المجتمعي والشعبي،وانما هي تتسم بنوع من الجفاء والفتور،وذلك لأسباب وعوامل عديدة متداخلة.بعضها يرتبط بالموروث الثقافي والاجتماعي والديني للشعبين و بالماضي وتراكماته السلبية، وبعضها الآخر يتعلق بتعقيدات الراهن السوري ومشكلاته وبطبيعة النظام اللاديمقراطي القائم والاستبداد الذي يمارسه على المجتمع.قد يرى البعض في"الاختلاف الديني"العقدة الأساسية التي تعيق تعزيز العلاقة الآشورية الكردية.ربما،هذا صحيح على مستوى العامة،لكن الانكفاء على "الذات القومية"،و"أدلجة الهوية"  يشكلان أكبر التحديات التي تواجه العلاقة الآشورية الكردية.فـ"الهوية"،كما يرى،أمين معلوف،تكون"قاتلة"حين تنكفئ على ذاتها وترفض التفاعل مع الآخر.نعم، في السنوات الأخيرة حصل بعض الانفتاح السياسي المحدود بين الحركة الكردية والحركة الآشورية،لكن هذا الانفتاح لم يكن ثمرة حوار أو تقارب كردي آشوري خالص،وانما هو جاء في اطار أو على هامش مشاركة نشطاء من الجانبين في الحراك السياسي للمعارضة.هذا يفسر اقتصار المشاركة في المناسبات السياسية والقومية لكل طرف على بعض النخب الثقافية وعلى ممثلين الأحزاب وعدم رفع سقف العلاقة بين الحركتين( الكردية والآشورية) وبقاءها سطحية"بروتوكولية".هذا النوع أو النمط من العلاقة لا يمكن له أن يفضي الى عمل سياسي أو حراك ديمقراطي ثقافي مشترك،كما لا يمكن له أن ينمي العلاقة بين القوميتين ويمد جسوراً للتواصل والحوار والتفاعل بينهما.
 على هذا الصعيد، تبدو لي خطيئة التنظيمات الآشورية أعظم من الكردية ،وبالدرجة الأولى"المنظمة الآثورية الديمقراطية"،أقدم التنظيمات الآشورية.فهي كانت ومازالت الأكثر انغلاقاً على الذات والأكثر خشية من تبعات واستحقاقات  علاقات سياسة متطورة وتبعات عمل مشترك مع الحركة الكردية.يذكر، أن غالبية أعضاء المنظمة الآثورية،قيادات وقواعد،كانت منخرطة في حزب "البعث العربي الاشتراكي" الحاكم ،واستمرت فيه حتى نهاية الثمانينات ،الأمر الذي كبل المنظمة و شل فعاليتها السياسية وصادر ارادتها، ليس بما يتعلق بالموضوع الكردي والشأن العام فحسب،وانما حتى بما يتعلق بالقضية الآشورية وحقوق الآشوريين السوريين ايضاً.ربما،لهذه الأسباب وغيرها،خصت السلطات السورية،المنظمة الآثورية الديمقراطية، بمعاملة متميزة. تجلت في أكثر من مناسبة وموقف وحدث.منها الافراج السريع ومن دون محاكمة عن جميع الآثوريين الموقوفين عام 1987.واستمرت هذه المعاملة الخاصة،حتى بعد انضمام المنظمة الآثورية الى قوى المعارضة.فهي (السلطات السورية)تغض النظر عن"مقر- مكتب"المنظمة  في مدينة القامشلي تمارس فيه نشاطها بحرية.وقبل أسابيع عقدت مؤتمرها العام بحضور ممثلين لها من دول المهجر، وقياداتها تقوم بجولات الى الخارج وتعود من غير أن تتعرض للضغوطات والمساءلات الأمنية،في حين أن غالبية نشطاء المعارضة- من بقي منهم خارج السجون- ممنوع عليهم مغادرة سوريا.لأجل هذه الامتيازات الحزبية والشخصية وحرصاً منها على عدم اغضاب السلطات السورية ،من غير المتوقع أن تُقدم قيادات المنظمة الآثورية على أية خطوة سياسية جدية، باتجاه تطوير العلاقة مع الحركة الكردية،حتى مع حلفاءها في المعارضة، والاتفاق معها على آليات عمل مشتركة لرفع الغبن والظلم القومي والسياسي عن الأكراد والآشوريين السوريين .
بالنسبة للحركة الكردية كان من المفترض بها، وهي تتمتع بوضع ذاتي أفضل بكثير من الحركة الآشورية وتدافع عن شعب مضطهد عانى ويعاني من مظالم الاستبداد،أن تتعاطى بايجابية أكثر مع الموضوع الآشوري وأن تعمل على تنقية الأجواء من تراكمات الماضي السلبي الذي مازال يرخي بظلاله الثقيلة على العلاقة بين الشعبين،الكردي والآشوري.لكن للأسف الحركة الكردية سعت الى التعتيم على الوجود الآشوري والتقليل من شأنه وأهميته واختزال مسألة الأقليات القومية في سوريا بالقضية الكردية وحدها،فضلاً عن أنها مارست ومازالت تمارس، بطرق وأشكال مختلفة،التضليل والتشويش على التاريخ الآشوري.والأنكى أن الحركة الكردية في سوريا،بشقيها السياسي والثقافي، تمجد سفاحاً، مثل(سمكو الشكاك)، الذي غدر بالبطريرك مار شمعون وقتله بعد أن دعاه سمكو الى منزله 1918.وأكثر ما يؤلمنا أكثر هو اتهام، جهات كردية، الآشوريين ومؤسساتهم الكنسية ومرجعياتهم الدينية بالاستقواء بالسلطة ضد الكورد.هذا الخطاب الكردي الغير متوازن،الذي ينطوي على قصور في الرؤية الاستراتيجية الكردية و تغلب عليه نزعة التطرف والتعصب،اثر ويؤثر سلباً على العلاقة الآشورية الكردية ويزيد من الحساسية القومية بين الشعبين.تجلت مضاعفات هذا الخطاب الكردي بشكل واضح في أحداث آذار 2004.فقد انحرفت التظاهرات الكردية عن مسارها و تجاوزت الهتافات والشعارات المرفوعة وبعض ممارسات المتظاهرين - لا حاجة للتذكير بها حتى لا نتهم بسوء النية- مسالة شجب واستنكار القتل الغير مبرر لشبان أكراد على يد الشرطة،لتمس تلك الشعارات الكردية الوجود الآشوري وغير الكردي عموماً في الجزيرة السورية،علماً أن الآشوريين لم يكن لهم أي دوراً في تلك الأحداث.كذلك في مدينة المالكية(ديريك) شباط 2007 عندما قامت جموع كردية بأعمال شغب طالت احدى الكنائس،على خلفية وفاة شاب كردي في اشكال فردي مع شبان سريان لا خلفيات له.
ربما،"الحركة الكردية"(بتنظيماتها الأربعة عشرة)وجدت نفسها، في أحداث آذار المؤلمة كردياً ووطنياً التي لعبت السلطات المحلية في محافظة الحسكة دوراً سيئاً فيها،منقادة خلف شارع كردي محتقن هائج،لكن هذا الشارع في جزء كبير منه هو نتاج خطاب كردي مفرط بالتطرف والتعصب.وقد أشار الكاتب السوري،ياسين الحاج صالح،الى مخاطر الخطاب الكردي،في مقال له في جريدة الحياة 22/3/2009 بعنوان"في شأن سورية وأكرادها والمستقبل" يقول فيه: "لم تكن نادرة في السنوات الأخيرة كتابات وتصريحات كردية تجمع بين سقم فكري وأخلاقي شديد وبين تمركز شوفيني حول الذات، يتفوق على أشنع التعبيرات الشوفينية العربية. هذا مسلك خاطئ بالمطلق، ولا تصح مجاملته وتبريره، لكن فرصتنا في التغلب أكبر بكثير بقدر ما نتبين جذوره وندرك مسؤوليتنا، السلطات السياسية أولا والمثقفون العرب السوريون ثانيا،وعموم المهتمين بالشأن العام ثالثا، وجمهور الأكثرية العربية رابعا، عن جانب أساسي من التطرف الكردي. ويتعين أن يكون هذا الإدراك خطوة تمهيدية في عملية أوسع،تدرج الظلامة الكردية في جهد وطني يعالج شكاوى مواطنينا الأكراد بما هي أوجه لمشكلة وطنية عامة."
من خلال تركيزها على البعد الوطني السوري للقضية الكردية، نجحت الحركة الكردية في كسب تأييد ودعم غالبية القوى والحركات الوطنية والديمقراطية(العربية والآشورية) ومنظمات المجتمع المدني، التي أجمعت على ضرورة ايجاد حل عادل وديمقراطي للقضية الكردية في اطار حل وطني لمسألة التعددية القومية في سوريا.لكن بعد الانجازات السياسية والقومية المهمة التي حققها أكراد العراق في ظل الغزو الأمريكي والتي اعطت زخماً معنوياً وسياسياً لجميع أكراد المنطقة،بدأ الأكراد السوريون بـ"مَركزة"خطابهم القومي  حول "البعد الكردستاني" لقضيتهم على حساب البعد الوطني.هذا التحول في الخطاب الكردي وتمحوره حول ما يسمى بـ"كردستان سوريا"، لا شك أنه سيضر بقضية الأكراد السوريين ويفقدها الكثير من رصيدها الوطني ومن الدعم السياسي الذي حظيت به في السنوات القليلة الماضية،تالياً سيزيد العلاقة الآشورية الكردية تعقيداً وجفاءً،مهما تحدث وكتب الأخوة الكورد عن وطنية وديمقراطية حركتهم السياسية وعن عدالة قضيتهم وعن حرصهم على الوحدة الوطنية.
في ضوء ما تقدم،أرى أن ثمة عقبات وتحديات(اجتماعية،سياسية،ثقافية)، تعترض تطوير وتعزيز العلاقة الوطنية بين الآشوريين والأكراد السوريين.تذليل هذه العقبات وتخطيها، يتطلب حوار كردي آشوري صريح وشفاف،ينطلق من المشتركات الوطنية السورية الواحدة،ويتمحور حول ترسيخ مفاهيم وأسس"العيش المشترك" بين مختلف القوميات والشعوب السورية.اذ لم يعد مناسباً، في عالم جديد غدا قرية صغيرة ، الدخول في جدل بيزنطي حول"الحقوق التاريخية" في الأرض.وانما المهم هو التفكير بمستقبل الذين يعيشون على هذه الأرض (عرباً وأكراداً وآشوريين وأرمن ,وغيرهم) والعمل معاً لأجل مستقبل زاهر وآمن للأجيال القادمة.والأولوية يجب أن تكون لانجاز عملية التغيير الديمقراطي في البلاد ولجعل سورياً وطناً حقيقياً لكل أبناءها وشعوبها دون تمييز أو تفضيل على أساس قومي أو ديني او سياسي.يقول،المناضل ضد التمييز العنصري في الولايات المتحدة (مارتن لوثر كينغ):"علينا أن نتعلم كيف نعيش معاً إخوة، وإلا سوف نموت جميعاً أغبياء".فهل نتعلم؟.أخشى أن لا نتعلم!.
سليمان يوسف ....
سوريا.... مهتم بقضايا الأقليات

  shosin@scs-net.org
 

63
سوريا: اليوم سيلعب السريان ..!

مدخل: بعد خسارة "الآشوريين" لمدينتهم التاريخية العريقة "نصيبين"- اشتهرت بمدرستها السريانية منذ القرن الرابع الميلادي- بضمها الى الدولة التركية بموجب اتفاقية رسم الحدود مع سوريا عام  1923،باشر "السريان"، النازحين من مناطقهم التاريخية في طورعابدين وآمد (ديار بكر) هرباً من المذابح وبطش العثمانيين بهم،ببناء نصيبين الجديدة،مدينة "القامشلي" الحالية في سوريا- التي كانت آنذاك تحت الحكم الفرنسي- يفصلها عن نصيبين القديمة فقط الخط السياسي الذي اقتضت مصالح الدول العظمى اقامته.يذكر، أن حتى ستينات القرن الماضي كان المسيحيون يشكلون نحو 90 %  من سكان مدينة القامشلي،منهم 80% آشوريون(سريان- كلدان) والباقي من الأرمن. فوفق السجل المدني لنفوس القامشلي عام 1942 يحوي 7 دفاتر، صنفت بحسب الملل والانتماء الطائفي على الشكل التالي: (3 دفاتر للسريان الأرثوذكس وحدهم، 2 للأرمن ، 1 لليهود، 1 دفتر واحد مشترك لبقية الملل من اتباع الكنيسة الشرقية والكاثوليك و الأكراد والمحلميه وايزيد وعرب).
-  بموازاة الحركة العمرانية والنشاط الزراعي والاقتصادي في الجزيرة السورية، شيد الآشوريون (سريان-كلدان) المؤسسات الثقافية والاجتماعية والتربوية, كالمدارس والنوادي الرياضية والفوج الكشفي الرابع( قال عنه الرئيس جمال عبد الناصر اثناء العرض الذي قدمه ترحيباً به في القامشلي 1960 " ده جيش منظم").شكلت تلك المؤسسات الدعامة الأساسية لنهضة ثقافية واجتماعية سريانية، حيث عاش الآشوريون السوريون عصرهم الذهبي حتى قيام الوحدة المشئومة مع مصر 1958 وصعود الآيديولوجيات الشمولية ونمو النزعة القومية العربية المتطرفة.مع هذه التحولات بدأت الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الآشوريين.أولى ضحايا "النزعة الشوفينية" والعنصرية التي جاءت بها الحركة الناصرية وزرعتها في التربة الثقافية والسياسية للمجتمع السوري،كان "نادي الرافدين الرياضي" الذي أسسه السريان في مدينة القامشلي عام  1934.فبعد مسيرة حافلة بالانتصارات والانجازات الرياضية والكروية على مستوى سوريا والمنطقة،تآمر الشوفينيون على النادي وأغلقوه عام 1962.
نظراً للأبعاد والخلفيات السياسية والقومية والاجتماعية لقضية اغلاق نادي الرافدين سنلقي الضوء على هذه  القضية المنسية.طبعاً،من الصعب جداً أن تكَون صورة كاملة متكاملة عن حدث تاريخي مضى علية نصف قرن من الزمن.يزداد الأمر تعقيداً، اذا كان للحدث أبعاد وخلفيات سياسية في بلد،مثل سوريا، يخشى أبناءه من الحديث في السياسية.فرغم مرور عقود طويلة على أحداث نادي الرافدين وعدم مسؤولية النظام الحالي عما حصل للآشوريين في القامشلي صيف 1962، رفض البعض فتح هذا الملف والبعض الآخر تحدث بتحفظ وحذر شديدين.عقدة الخوف من السياسية وحدها تفسر عدم تطرق جميع من تكلم، في المهرجان الأول والثاني لنادي الرافدين وفي المقابلات التلفزيونية، الى الظروف والأسباب التي أدت الى اغلاق هذا النادي.رغم المصاعب والعقد حاولت،من خلال بعض الحوارات- أجريتها على هامش المهرجان الثاني لنادي الرافدين، الذي اقيم تكريماً لمؤسسي ولاعبي النادي في مدينة القامشلي بتاريخ 16-9-2009- الأول اقيم في السويد  2007- حاولت الحفر في ذاكرة البعض من مؤسسي وأعضاء النادي،للإحاطة بالظروف والأحداث السياسية وغير السياسية التي أغلق فيها قبل نحو نصف قرن من الزمن. تلك الخطوة التي تركت جرحاً وطنياً عميقاً في نفوس الآشوريين وعموم الوطنيين السوريين،وشكلت خيبة أمل كبيرة لشريحة الشباب.
أجمع من تحدثنا اليهم وحاورناهم ،معظمهم في العقد السابع من العمر، على أن نادي الرافدين كان مستهدفاً من قبل السلطات المحلية ومن خلفها القوميين العرب، من ناصريين وبعثيين وعسكر، المعارضين لحكم الانفصال في سوريا.ورغم أن نادي الرافدين كان مستقلاً عن الأحزاب ولم يكن له أي نشاط سياسي،حتى الأحزاب الآشورية لم يكن لها أي دور يذكر في نشاط وفعاليات النادي،لكن اغلاقه كان بتهم سياسية.اتهم بالشعوبية وبالقومية الآشورية،فضلاً عن تهمة مناصرة وتأييد حكم الانفصال عن مصر 1961،لطالما أن الشارع المسيحي في سوريا،لأسباب ودوافع وطنية، بغالبيته الساحقة كان ضد الوحدة مع مصر ومؤيداً للانفصال.لتمرير مخطط اغلاق نادي الرافدين،والكلام مازال للمتحدثين،افتعلت مشاكل في احتفالات "الكرمس آب1962" التي يقيمها النادي سنوياً )نشاطات ثقافية و فنية مع سهرات اجتماعية ومعرض للتسوق).حيث قام الملازم الأول (أ- ر) من الشرطة العسكرية،برفقته مجموعة من العسكر، بالتحرش بفتاة واستفزار العاملين في الكرمس،الأمر الذي تسبب بحصول معركة حامية بالأيدي والهراوات بين القائمين على الكرمس وبين العشرات من العسكر الذين اجتاحوا الكرمس وطوقوه ببعض المصفحات ونشروا فيه الخراب والفوضى وحطموا كل مجوداته وجرح العديد من العاملين فيه.على أثرها ووسط مشاعر الغضب والاستياء خرج جمهور النادي بتظاهرة احتجاجية أمام مكتب العميد (فرحان جرمقاني) قائد الفرقة العسكرية في المنطقة الشرقية(أتي بها الى منطقة الجزيرة لمؤازرة الجيش العراقي في حربه مع الحركة الكردية بزعامة الملا مصطفى البرزاني).ندد المتظاهرون بانتهاكات العسكر وأسقطوا جمال عبد الناصر وطالبوا بحقوق نادي الرافدين.نظراً لأهمية الحدث وتفاعلاته على الساحة الوطنية،أكد بعض من التقيناهم على أن العديد من الاذاعات العالمية نقلت خبر التظاهرة واصطدام جمهور نادي الرافدين مع الجيش السوري في مدينة القامشلي ، منها "الاذاعة البريطانية"،و"اذاعة صوت القاهرة" التي استغلت الحدث سياسياً وذاعت الخبر على أنه تظاهرة مؤيدة للوحدة ومنددة بحكم الانفصال في دمشق.
 كبرئيل حبش ،أحد أعمدة نادي الرافدين،قال: واجهت العميد (فرحان جرمقاني) وقلت له:"هل الكرمس "مستعمرة اسرائلية" حتى يحتله العسكر ويحطموه ويعتدوا على العاملين فيه بهذه الوحشية..."!. داوود غرزاني. من الذين أصيبوا بجروح خطيرة وأحيل مع آخرين الى "المحكمة العسكرية" في ديرالزور على خلفية الأحداث،قال: كان يمكن تجنب الاصطدام مع العسكر بالغاء الكرمس لطالما كانت هناك مؤشرات على نية السلطات بافتعال المشاكل لاغلاق النادي.الدكتور عمانوئيل حتينا، المقيم في المانيا، استحضر مشهداً مؤثراً محفوراً في ذاكرته من تلك الأيام ليؤكد من خلاله على الأثر القومي والاجتماعي الذي تركه نادي الرافدين في نفوس الآشوريين(سريان- كلدان) قال: " في كل مباريات النادي كان العم (عيسى أسعد) يحمل كرسيه الى الملعب ويقول بالسريانية: " اديما غمشتعن اسريييا --  اليوم سيلعب السريان...".. الكاتب الآشوري، ابراهيم بادل، أحد لا عبي النادي يقول:" نادي الرافدين كان أكثر استقطاباً شعبياً وجماهيرياً من كل تجمعاتنا الحالية. عَكسَ انتماءنا القومي الأزلي وحسنا الوطني العالي لبلدنا". يوسف عيسى حنا: نادي الرافدين اغلق في عهد الانفصال  وقد مضى على ذالك العهد عقود طويلة لهذا على السلطات السورية اعادة النظر بكل قرارات واجراءات حكومة الانفصال من بينها اغلاق نادي الرافدين والاعتذار من جمهور النادي العريض ومن سكان مدينة القامشلي على بقاء ناديهم مغلقاً طيلة هذه الفترة وضرورة اعادة فتحه و تحرير الرياضة عموماً من سلطة دولة البعث التي احتكرت لنفسها كل شيء في البلد .
 بحسب المتحدثون الينا، أن نادي الرافدين لم يكن مجرد نادي رياضي،وانما كان  مؤسسة حضارية اجتماعية تربوية ثقافية ومدرسة سريانية في الأخلاق الوطنية.ونموذجاً للديمقراطية في سوريا ، حيث كانت انتخابات الهيئة الادارية تجري بشكل حر وديمقراطي، باشراف مراقبين تعينهم الدولة،كانت حدثاً جماهيرياً.فضلاً عن الدور المؤثر لجمهور النادي الكبير في الانتخابات البرلمانية والبلدية في محافظة الحسكة، لهذا كان المرشحون يترددون على النادي لكسب أصوات جمهوره.
صحيح أن المهرجان الثاني للنادي في القامشلي كان احتفالياً ترفيهياً، لكنه لم يخلو من رسائل عديدة.ابرزها، رسالة الى "القيادة السورية"لاعادة  افتتاح نادي الرافدين الرياضي الذي مازال مقفلاً ليس بالسلاسل المعدنية فقط، وانما بسلاسل الايديولوجيات الشمولية وبأغلال العقائد الشوفينية التي كبلت المجتمع السوري.أن اعادة فتح نادي الرافدين الرياضي سيكون له نتائج ايجابية على نفوس ومشاعر الآشوريين(سريان – كلدان) ليس في سوريا فحسب، وانما في المنطقة والعالم،وبشكل أكثر على المغتربين.اذ،لو بقي نادي الرافدين قائماً وتواصلت نشاطاته وفعاليته لاستقطب الكثير من الشباب الآشوريين وخفف كثيراً من وتيرة هجرتهم الى أوربا. ليس من المبالغة القول: أن حكاية نادي الرافدين السرياني تلخص سيرة شعب أنهكته المذابح والويلات وشتتته الآيديولوجيات!.
هل سيسمع أبناءنا وأحفادنا في القامشلي من يقول من جديد بالسريانية :"اليوم سيلعب السريان"؟.ربما..!.الآشوريون اليوم يلعبون، لكن ليس في عاصمتهم السورية"القامشلي،وانما في مكان آخر من العالم بعيداً عن وطنهم الأم (سوريا) الذي تركوه بعد خيبات الأمل التي اصيبوا بها. يلعبون في دول المهجر مثل "السويد" حيث لهم أندية رياضية وفرق كرة القدم، (أسيريسكا... وسريانسكا)تلعب في الدوري السويدي الممتاز. شعباً علم الأبجدية للبشرية وأقلع عجلة الحضارة لا يمكن له أن ينتهي ويخرج من التاريخ.

سليمان يوسف يوسف
سوري آشوري مهتم بقضايا الأقليات

shosin@scs-net.org



64
تأملات في المعارضة الآشورية السورية
   

من ابرز مفارقات "المشهد السياسي السوري"، عدم قدرة المعارضات السورية،أو على الأقل بعض هذه المعارضات التي تتشدق بالديمقراطية،على تحمل أو تقبل وجود معارضين لها داخل أوساطها وبين صفوفها،لهذا نجدها تتعاطى بطريقة لا ديمقراطية مع "الأقلية السياسية" لديها.وكأن مجرد الانتساب الى "نادي المعارضة" يعطي المنتسب شهادة "حسن سلوك" في الوطنية والديمقراطية وفي الأخلاق السياسية،ويضعه فوق النقد والشبهات.لا شك،أن ظاهرة التناقض والتعارض بين الشعارات الديمقراطية المعلنة والممارسات العملية ليست بجديدة او غريبة على حياتنا السياسية وعلى أحزابنا السورية،تلك الموجودة في صف الموالاة والمعارضة معاً.اذ،كثيراً ما تتلاقى هذه الأحزاب مع النظام الشمولي اللاديمقراطي في طريقة التعاطي والتعامل مع الرأي الآخر وفي الموقف من الحريات الفكرية والسياسية.
وسط هذا المشهد السياسي المتناقض تبرز "المنظمة الآثورية الديمقراطية"التي انضمت،بعد تردد وسجال داخلي امتد لشهور،الى ائتلاف"اعلان دمشق" للتغير الديمقراطي، الذي تأسس في تشرين الأول 2005 وضم غالبية قوى المعارضة(العربية والكردية والآشورية)في الداخل السوري،انضمت اليه رغم تحفظها على الفقرة الخاصة بـ"الاسلام" الواردة في وثيقة الاعلان.سنوات عديدة مضت على تجربة المنظمة الآثورية مع المعارضات السورية،أثبتت على أنها غير قادرة على تحمل أعباء ومسؤوليات هذه الخطوة السياسية، التي أملتها عليها، كما على غيرها من الأحزاب والتنظيمات،الظروف السياسية،الداخلية والخارجية، التي كانت تمر بها سوريا حينذاك.وقد اتضح جلياً بأن هذه المنظمة الآشورية، التي خرجت حديثاً من قوقعتها الى الفضاء الوطني السوري،عاجزة عن الارتقاء بأدائها الحزبي وتطوير خطابها السياسي ليكون بمستوى مستلزمات العمل المعارض ومتطلبات الحراك الديمقراطي.فبعد انضمام المنظمة الآثورية الى جبهة المعارضات السورية كان من المفترض بها أن تنخرط أكثر فأكثر بالشأن العام و أن يتمحور خطابها السياسي  حول الممارسات القمعية للسلطة وانتهاكات حقوق الانسان الآشوري والسوري،وأن تعزز حضورها السياسي والفكري على الساحة السورية للتعريف بالأبعاد الوطنية للقضية الآشورية، لكن هذا لم يحصل.اذ،بقيت المنظمة منغمسة في مشكلاتها الداخلية وغارقة في سجلاتها وجدالاتها العقيمة تدور في حلقة مفرغة.أما اليوم وقد تغيرت تلك الظروف والأوضاع التي أحاطت بسوريا،وبعد حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت نشطاء وقيادي الأمانة العامة "لاعلان دمشق"،على أثر انعقاد مجلسه الوطني في كانون الأول 2007،بدت المنظمة الآثورية وكأنها تراجع حساباتها السياسية وتعيد النظر بموقفها من الانضمام الى جبهة المعارضة.ومن المتوقع أن تحسم خيارها السياسي في هذه القضية،أكثر قضايا الخلاف بين الآثوريين، في مؤتمرها العام الاستثنائي المقرر عقده قريباً جداً.
رغم تشدق الآثوريون الجدد بالديمقراطية، لكنهم لم يستوعبوا بعد دور ووظيفة المعارضة الداخلية في ترسيخ الممارسات والأفكار الديمقراطية داخل المنظمة وفي المجتمع الآشوري.وعوضاً من أن يستفيدوا من الرأي الآخر في تقويم الأداء  السياسي لمنظمتهم،عملوا على  تمييع قضايا الخلاف واختزالها الى مجرد خلافات شخصية،مستخفين بمطالب رفاقهم المستاءين من الوضع القائم والمحتجين على انتهاك دستور منظمتهم.وبدلاً من أن يكتب هؤلاء دفاعاً عن شركائهم في "اعلان دمشق" المعتقلين في سجون النظام، سارع البعض منهم،في مقدمتهم مسؤولهم السياسي،وبموازاة حملات السلطات الأمنية على النشطاء والكتاب السوريين الخارجين عن نهج النظام،الى شن حملة شعواء على النشطاء الآشوريين السوريين المعترضين على تخلي الآثوريون الجدد عن الأفكار الديمقراطية التي نشأت عليها المنظمة الآثورية وعن الثوابت القومية والوطنية التي تأسست لأجلها،وذلك خلافاً لما هو منتظر ومطلوب منهم في هذه المرحلة التي تتطلب تعزيز حضور "القضية الآشورية" كقضية وطنية على الساحة السورية. تجدر الاشارة هنا الى أن ومنذ انضمام المنظمة الآثورية لجبهة المعارضة لم يصدر عنها موضوعاً سياسياً واحداً مفيداً للقضية الآشورية،ولم نقرأ لها حتى مقالاً عن قمع الحريات وانتهاكات حقوق الانسان الآشوري والسوري.
وكمحاولة من القائمين على المنظمة الآثورية للتغطية على اخفاقاتهم السياسية على الساحة السورية ذهبوا الى الشمال العراقي والتقوا مع بعض القيادات الكردية العراقية.وكأن حل "القضية الآشورية" في سوريا يمر عبر "اربيل" عاصمة ما بات يعرف بـ"كردستان العراق" الذي ضم غالبية المناطق التاريخية للآشوريين.وقد ظهرت المنظمة الآثورية في هذه التحركات المشبوهة كطرف كردستاني داعم ومؤيد للأجندة والسياسات الكردية في العراق عموماً و تجاه الآشوريين والمسيحيين خصوصاَ،رغم رفض قوى آشورية ومسيحية عراقية أساسية للأجندة الكردية.من دون أن  يعي الآثوريون الجدد المضاعفات السلبية والكبيرة لتفريطهم بالحقوق المشروعة للآشوريين في مناطقهم التاريخية، على القضية الآشورية، ليس في العراق فحسب وانما في سوريا ايضاً. ولصرف أنظار الشارع الآشوري المستاء من مواقفهم التي مست مشاعر الكثير من الآشوريين،كتب المسؤول السياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية سلسلة مقالات تهكمية مثيرة للفتن في المجتمع الآشوري،يتهجم فيها على الأقلام الآشورية الوطنية،محرضاً على أصحابها.وهو لم يجد اية حراجة بوصفهم،في احدى مقالاته، بـ"ذبابات تستحق القذف بالحذاء".
حقيقة،أنه لأمر يبعث على الحزن السياسي أن تكون أوضاع"المنظمة الآثورية الديمقراطية"، أحد أقدم التنظيمات الآشورية في سوريا،بهذا السوء،وقد مضى على تأسيسها أكثر من نصف قرن، ويتراجع رصيدها الجماهيري ليقتصر على بعض العائلات المستفيدة منها مادياً،بطرق وأشكال مختلفة(مع بعض الاستثناءات القليلة جداً).وقد وصل العجز الفكر والثقافي بالمنظمة الآثورية،في زمن الكمبيوتر والانترنيت وثورة الاتصالات،الى درجة عدم قدرتها على  اصدار جريدتها الحزبية"نشرو"،رغم أنها شهرية ،لا يتجاوز عدد صفحاتها اصابع اليد الواحدة(صدر آخر عدد 177في كانون الأول 2008).في ضوء هذا،أرى أن"المنظمة الآثورية الديمقراطية"هي اليوم أمام مفترق طرق:اما العمل الجاد على تصحيح أوضاعها الداخلية، والعودة الى الثوابت القومية والمبادئ الوطنية،وتنقية الأجواء الآشورية المسمومة جراء حملات التضليل على الكتاب والمثقفين الآشوريين والتبرؤ من"ثقافة الحذاء"، أو الركون لمنطق المواجهة السياسية والفكرية مع النخب والفعاليات الوطنية الآشورية السورية.   

سليمان يوسف....
shosin@scs-net.org

 


65
مسيحيو العراق: بين التخلي العربي والأجندة الكردية

 
"ريتا عزيز"، العراقية المسيحية الهاربة من الموت، عادت من عمان الى بغداد لتتعرف على جثتي أخويها،تم اختطافها وتعذيبها واغتصابها لأنها فضلت أن تموت مسيحية على اعتناق "الاسلام". أفرج عنها بعد خمسة ايام لقاء فدية 15ألف دولار امريكي. تعيش اليوم وحيدة في عمان بانتظار أن تلتحق بزوجها الذي ينتظر منحه الاقامة في دولة السويد. "محنة ريتا" تلخص مأساة المسيحيين في "العراق الفدرالي " الغارق في فوضى سياسية وأمنية، منذ الغزو الأمريكي له آذار 2003الذي أيقظ فيه الصراع الطائفي والنزاعات العرقية ودفعه الى خطر الانهيار والحرب الأهلية.وحيث تواجه الأقلية المسيحية،وباقي الاقليات الدينية والاثنية العراقية، مثل الصابئة والشبك واليزيديين،تحديات ومخاطر جسيمة تهدد وجودها الذي يعود الى آلاف السنين في بلاد الرافدين.فقد بقيت هذه الاقليات الصغيرة، التي ارتبط مصيرها بمصير الدولة العراقية الحديثة، من غير حماية وطنية ولا قدرة لها على تحصين ذاتها في وجه الهجمات الارهابية التي تشنها عليها الجماعات والمنظمات الاسلامية المتطرفة من "السُنة والشيعة والأكراد"،فضلاً عن عصابات السطو والنهب الطامعة بأموالهم وأعراضهم.يذكر،أن العديد من المنظمات الحقوقية الدولية وضعت العراق في "المرتبة الثانية"- بعد الصومال-  على لائحة أخطر الدول في العالم بالنسبة للأقليات الدينية والقومية.
مسيحيو العراق، معظمهم من "الكلدوآشوريين"سكان العراق الأوائل، بسبب خصوصيتهم الدينية والاجتماعية والثقافية،هم الأكثر استهدافاً من بين الأقليات العراقية والأكثر تضرراً من الأزمة العراقية الراهنة.ليس من المبالغة القول،أنهم يتعرضون الى "عمليات تطهير عرقي وديني".فبحسب معظم المصادر المسيحية،أن ما تبقى داخل العراق هو أقل من مليون مسيحيي من أصل مليون ونصف المليون قبل الغزو .ورغم التحذيرات المستمرة التي أطلقتها وتطلقها منظمات سياسية وحقوقية ودينية محلية وعالمية من وجود مخطط لإفراغ العراق من المسيحيين،لا تبدو حكومة نوري المالكي والطبقة السياسية العراقية عموما، مكترثة أو مهتمة كثيراً بمصير وحياة مسيحيي العراقي. تجدر الاشارة هنا، الى أن الجهات المعنية في الحكومية العراقية لم تعلن بعد، ويبدو أنها لن تعلن، لأغراض وأهداف سياسية معينة ،عن نتائج التحقيقات التي أجرتها حول عمليات استهداف المسيحيين في الموصل في تشرين الأول من العام الماضي، والتي تسببت بقتل المئات ونزوح الآلاف.تلك الأحداث زادت من الشكوك بتورط قوى سياسية عراقية فاعلة في مخطط التآمر على مسيحيي العراق.لهذا يتوقع الكثير من المراقبين للوضع العراقي استمرار أعمال العنف الغير مبررة ضد المسيحيين والهجوم على كنائسهم، لطالما أن الذين يرتكبون هذه الجرائم لا يتم الكشف عنهم وعن الجهات التي تقف وراءهم.يذكر،أن في تموز الماضي وقعت سلسلة جديدة من التفجيرات المنسقة استهدفت كنائس في بغداد ونينوى،وتسببت بسقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح.على أثرها جددت قيادات دينية وسياسية مسيحية عراقية مطالبتها بـ"منطقة آمنة" أو "حكم ذاتي"  للمسيحيين في "سهل نينوى"، حيث التجمعات المسيحية التي احتضنت معظم المسيحيين النازحين من المناطق العراقية الساخنة والمتوترة.صحيح،توجد صعوبات وعقبات(سياسية،ديمغرافية،أمنية)كثيرة تحول دون قيام "منطقة آمنة" لمسيحيي العراق،لكن الصحيح ايضاً، أن انقسام الموقف المسيحي حول هذه القضية المصيرية،بين من يرى مستقبل المسيحيين مع العرب والحكومة المركزية، وبين من يراها مع الأكراد وحكومتهم الفدرالية،أطاح بالفكرة من أساسها وبدد الآمال بـ"ملاذ آمن"لمن تبقى من المسيحيين في العراق.
بغض النظر عن أسباب وأهداف العنف والعنف المضاد بين سنة وشيعة العراق وعن الجهات، المحلية والاقليمية، التي تزكي نار الفتنة بينهما للمد في عمر الصراع ودفع العراق الى خيار التقسيم، فأن هذه الحرب المذهبية المقيتة أدت الى تخلي عرب العراق عن مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية تجاه أشقائهم"المسيحيين"،شركائهم الحقيقيين في الوطن العراقي، وتركهم تحت رحمة الارهاب الذي يستهدفهم.انغماس العرب في رمال الحرب المذهبية وتخليهم عن المسيحيين العراقيين وهم في أشد محنتهم،منح لـ"الحكومة الكردية" بزعامة مسعود البرزاني الفرصة التي كانت تتوق اليها وتنتظرها لاستمالة المسيحيين العراقيين،الذين بات هاجسهم الأساسي الأمن،واستقطاب أحزابهم وحركاتهم السياسية الضعيفة وفرض عليها الاملاءات والأجندة الكردية، السياسية والغير سياسية،خاصة في يتعلق بمصير "سهل نينوى" ذات الكثافة المسيحية.اذ،لا تخفي الحكومة الكردية رغبتها بضم هذا السهل الخصب، الفاصل بين مدينة موصل العربية السنية ودهوك الكردية، الى الاقليم الكردي.فضلاً عن أن احتضان الأكراد  للمسيحيين ولأبناء الأقليات الأخرى، الهاربين من الموت في المناطق العربية الى المناطق الكردية الآمنة،أفاد كثيراً،سياسياً واعلامياً- وحتى مادياً من خلال تقديم المساعدات الانسانية للنازحين- حكومة مسعود البرزاني التي بدت، وسط المشهد العراقي الأليم، في نظر بعض الأوساط الأوربية والأمريكية، حكومة ديمقراطية حامية للأقليات العراقية المضطهدة. لشرعنة "الأجندة الكردية"،في الأوساط المسيحية ولدى الراي العام المسيحي العراقي، خصص الأكراد خمسة مقاعد للمسيحيين في برلمانهم و حقيبتان في حكومتهم الفدرالية،واصطنعوا العديد من التنظيمات والأحزاب الآشورية والكلدانية و المنظمات المسيحية وقدموا لها كل اشكال الدعم المادي والاعلامي والسياسي لتدور في فلكهم وتخدم أجندتهم السياسية.هذا الاهتمام الكردي بوضع المسيحيين العراقيين لا يمكن فصله او عزله عن المخاوف الكردية من  نشوب "حرب كردية عربية" محتملة ومتوقعة بعد الانسحاب الامريكي من العراق نهاية 2011، على خلفية الملفات العالقة والمناطق المتنازع عليها،مثل "ديالا" و"كركوك" الغنية بالنفط،ومناطق عراقية أخرى، يعتبرها الأكراد جزء من ما يسمونه بـ"كردستان التاريخية".في هذا الاطار،نشرت جريدة "الاندبندنت" البريطانية في عددها ليوم الاثنين 10آب تقريراً صحفياً من الموصل كتبه باتريك كوكبرن ، بعنوان "حرب أهلية وشيكة بين العرب والأكراد"،جاء فيه:" ان الخط الفاصل بين كردستان العراق وبقية البلاد،يمكنه ان يتحول في اية لحظة الى ساحة معركة بين الجنود العرب والاكراد المتقابلين من جانبيه،بعد أن اقتربا من الدخول في حرب شاملة للسيطرة على المصادر النفطية لهذه الاراضي التي تمتد من حدود سوريا في الغرب الى ايران في الشرق".اذا ما اندلعت هذه الحرب،التي لا مصلحة للمسيحيين فيها، كما في كل حروب العراق،من المتوقع أن تجلب مزيد من الويلات والمآسي لمسيحيي العراق عموماً والشمال خصوصاً،حيث تنتشر في "سهل نينوى"، الفاصل بين العرب والأكراد،البلدات والمدن المسيحية الهامة المتبقية مثل (بغديدا- تل كيف –القوش- برطلة).
 
سليمان يوسف يوسف  .. سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
 shosin@scs-net.org
 
 

66
"المقعد الآشوري" من الأمم المتحدة" الى "كوردستان"!

قبل ايام احتفلت "المنظمة الآثورية الديمقراطية" بالذكرى الثانية والخمسين لتأسيسها من قبل مجموعة من الطلبة الآشوريين في الجزيرة السورية،حيث التجمعات الآشورية وانتشار المدارس والنوادي والجمعيات السريانية،والمناخ السياسي الليبرالي الذي ساد سوريا آنذاك وجرت فيه 1954 انتخابات برلمانية حرة وديمقراطية في ظل تنافس حاد بين مختلف التيارات والكتل الوطنية على المستقبل السياسي للدولة السورية الناشئة.تلك التجربة الديمقراطية الفتية تم وأدها والتضحية بها من قبل القوميين العرب لأجل شعارات خاوية وأوهام قومية،كادت أن تلغي الوطن السوري من الخارطة السياسية العالمية والتفريط به باسم "الوحدة العربية" مع مصر التي زرع نظامها الشمولي بزعامة"جمال عبد الناصر"بذور الاستبداد والدكتاتورية في البيئة السياسية السورية،ودعمه لانقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة آذار 1963في سوريا واحتكاره لها.
بلا ريب،ان تأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية شكل نقلة نوعية في التاريخ السياسي المعاصر للآشوريين السوريين.فرغم الامكانيات، السياسية والثقافية، المتواضعة لهؤلاء الطلبة الآشوريين،تحلوا بالجرأة والشجاعة وتحملوا مسؤولية تأسيس أول تنظيم سياسي آشوري في سوريا ليكون نواة لـ"حركة تحرر آشورية" معاصرة ،لشعب أثقلت كاهله حروب ومذابح فظيعة،ونالت منه كل القوى الشوفينية والحكومات العنصرية في المنطقة لمحو وجوده وطمس هويته القومية.ورغم المصاعب والتحديات وعمق الجراح تطلعت تلك المجموعة الآشورية الى نيل الآشوريون حقوقهم القومية والديمقراطية المشروعة في وطنهم الأم "سوريا" التي تحمل اسمهم و تحتضن جزء كبير من تاريخهم وثقافتهم، الوثنية والمسيحية.في ضوء الدستور الذي وضعوه للمنظمة الآثورية لم تكن القضية القومية بالنسبة لمؤسسي المنظمة الآثورية فقط بعض الحقوق للآشوريين السوريين،وانما كانت تعني لهم"حق تقرير المصير"للشعب الآشوري في موطنه التاريخي" بلاد ما بين النهرين".جاء في المبدأ الخامس من الدستور:" للشعب الآشوري الحق في أن يعيش وينال حقوقه القومية المشروعة في أرض الآباء والاجداد(بلاد مابين النهرين) بالتساوي مع باقي القوميات الموجودة في المنطقة". لتحفيز الآشوريين على العمل القومي والانخراط في صفوف المنظمة الآثورية، روج الآثوريون في ستينات القرن الماضي، الى فكرة "وجود مقعد شاغر في الأمم المتحدة،مخصص لمندوب الدولة الآشورية التي ينتظر العالم قيامها في بلاد ما بين النهرين".رغم طوباوية الفكرة، شكلت عامل جذب واستقطاب لعدد ليس بقليل من الآشوريين،ومن مختلف الطوائف.فكرة"المقعد الآشوري" لم تأت من فراغ، وانما هي مستوحاة من شعارات ومطالب "حركة التحرر الآشورية" في عشرينات القرن الماضي،التي أوصلت،بفضل نضالاتها وتضحياتها الكبيرة، القضية الآشورية الى "عصبة الأمم"كاحدى أبرز قضايا المنطقة.وقد وعدت، دول الحلف (البريطاني الفرنسي)، الآشوريون بعد مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى الى جانبها، بمنحهم استقلالاً سياسياً وفق  مبادئ "الأربعة عشرة" للرئيس الأمريكي ويلسون التي وضعها عام  1918 لانهاء الحرب،وتحديد مصير الشعوب المستعمرة من قبل الامبراطورية العثمانية.لكن(بريطانيا وفرنسا)اللتان وضعتا اتفاقية "ساس بيكو"،التي بموجها أنشأت الدول العربية في المنطقة، غدرت بالآشوريين ورأت في "الدولة الآشورية" تهديداً لمصالحها الاستراتيجية في "الشرق الأوسط" الذي أرادته بؤرة توتر وتخلف دائمين، لتسهيل الهيمنة والسيطرة عليه.
لأسباب ذاتية وموضوعية، تعرضت "المنظمة الآثورية الديمقراطية" خلال مسيرتها الطويلة الى انتكاسات سياسية وهزات تنظيمية كثيرة تسببت في تقويضها وانحسار وجودها، حتى اضحت اليوم،بعد أكثر من نصف قرن على انطلاقتها، مجرد يافطة سياسية، من غير رصيد جماهيري في الشارع الآشوري والسوري،رغم نمو الحالة الآشورية في سوريا.وبدلاً من أن يعمل الآثوريون الجدد على انقاذ منظمتهم المترهلة وتعزيز الروح الوطنية و القومية وترسيخ المفاهيم الديمقراطية في المجتمع الآشوري، وعوضاً من أن يجعلوا من "المؤتمرات العامة" مناسبة لمراجعة الذات وفرصة لتجاوز الأخطاء والثغرات، انغمسوا بالفساد وحولوا المؤتمرات الى حلبة للتأمر على البعض ولنسج الدسائس لتصفية الخصوم والمنافسين وابعاد المخلصين ليسهل عليهم السيطرة على المنظمة الآثورية.وقد نجح بعض المراهقين السياسيين، في المؤتمر العام الأخير بفضل خبرتهم الطويلة في حبك المؤامرات وممارسة التضليل على رفاقهم والتغرير بهم، نجحوا في خطف المنظمة الآثورية وجعلها رهينة نزواتهم وأهوائهم الشخصية،التي قادتهم الى التعاطف والتضامن،وربما العمل، مع قوى كردية تسعى لاستنساخ التجربة العراقية في سوريا،رغم كل ويلاتها ومآسيها،على العراق وشعوب العراق، وبشكل أكثر على الآشوريين والمسيحيين عامة.في اطار هذا النهج المخالف لمبادئ وأهداف المنظمة الآثورية والمتعارض مع خطها الوطني، ورغم تحفظ حليفهم "الحركة الديمقراطية الآشورية" العراقية، قام قبل أشهر وفد قيادي من المنظمة بزيارات مشبوهة وذليلة الى الشمال العرقي والتقى بشخصيات سياسية في حكومة الاقليم الكردي.ولاثبات حسن نواياهم وثباتهم على موقفهم الداعم ليس لمشروع ما يسمى بـ"كردستان العراق فحسب،وانما لما يسمى بـ"كردستان سوريا" ايضاً،سارع القائمون على المنظمة الآثورية الى مصادرة رأي غالبية رفاقهم واصدار بيان باسمهم أشادوا فيه بالحكومة الكردية و هنأوا الشعب الآشوري بتضمين مشروع الدستور الكردي"حكماً ذاتياً" للآشوريين ولبقية الأقوام الصغيرة في الاقليم الكردي.حكماً ذاتياً ملغوماً،لا حياة له، يستحيل تحققه في ظل الموانع والشروط التي يضعها الدستور ذاته، روجت له حكومة البرزاني لأغراض انتخابية وسياسية بحتة،ولكسب الآشوريين والمسيحيين الى طرف الأكراد في حال نشوب صراع عربي كردي، وهو أمر وارد جداً حصوله في ضوء تطورات وتعقيدات المشهد العراقي.خاصة اذا ما أصر الأكراد على ضم كركوك وسهل نينوى ومناطق عراقية أخرى واسعة ورد ذكرها في الدستور الكردي الذي وصفه البعض من العراقيين بـ"قنبلة موقوتة" ألقت بها الحكومة الكردية لتفجير الوضع العراقي.من دون شك، أن أي حرب عربية كردية قادمة في العراق ستجلب مزيد من الويلات على شعوب العراق وبشكل مضاعف على الآشوريين والمسيحيين ، الغير قادرين على تحمل أعباء مزيد من الحروب والصراعات.تجدر الاشارة هنا الى أن"الثورة البرزانية"ضد الحكم العربي،ابتلعت معظم المناطق التاريخية للآشوريين في الشمال العراقي.ثم جاءت حملات الترحيل والتطهير العرقي،التي قامت بها الحكومات العراقية المتتالية في ستينات وسبعينات وثمانيات القرن الماضي،لتقوض ما تبقى من وجود آشوري في العراق.
رغم الأمن النسبي الذي تنعم به شعوب الشمال العراقي في ظل الحكومة الكردية لا يشعر الآشوريين والمسيحيين بالاستقرار والاطمئنان لمستقبلهم،وذلك نتيجة مشاريع التكريد والسياسات الشوفينية والممارسة العنصرية التي تمارس بحقهم والانتهاكات المستمرة لحقوقهم من قبل حكومة البرزاني والقوى المتنفذة  فيها. وقد كتب الكاتب الكردي العراقي"نزار آغري" عدة مقالات في الصحافة العربية صور من خلالها بكل موضوعية وأمانة الواقع المزري للأشوريين ماضياً وحاضراً في ظل الحكومة العربية في بغداد وفي ظل الهيمنة الفعلية للحزبين الكبيرين المسيطرين على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاقليم الشمالي منذ عام 1991.من هذه المقالات"عندما تتحول الضحية الى جلاد"و"عندما يستكرد الأكراد، السريان والكلدان والآشوريين"نقتبس بعض ما جاء في هذا الأخير:" إنهم شعب(السريان الكلدان الآشوريين)، انتقم منهم التاريخ كثيراً. أزال الفرس امبراطوريتهم. ثم أكمل العرب الإجهاز على ميراثهم وأقام الترك لهم المجازر وشارك الأكراد في التنكيل بهم...هؤلاء أحفاد ذلك القوم المتعدد الذي أقام حضارة عريقة نهضت على أيديهم في العراق منذ آلاف السنين. هم الذين شيدوا بابل ونينوى وأنشئوا المكتبات وسنّوا القوانين وبنوا ممالك وامبراطوريات عريقة...هم ليسوا الآن على ذلك القدر من القوة والمهابة. إلا انهم ما زالوا هناك حاملين تاريخهم وتراثهم ولغتهم وثقافتهم وإرادتهم في أن يصمدوا ويعيشوا ويظفروا بالحرية. أربيل (التي يعمد الأكراد، في سلوك عنصري واضح، إلى تبديل إسمها بإسم هولير وذلك طمساً لماضيها السرياني، الآشوري. أربيل بالسريانية اختصار لكلمة أرب إيلو أي الآلهة الأربعة). لا يُنظر إليهم أحد كشعب له الحق في أن يقرر مصيره بنفسه. حكومة بغداد والحكومة الإقليمية في كردستان تهملان حقوقهم. لا تباليان بمطالبهم. لماذا لا يحق لهم إقامة كيانهم الذاتي بالشكل الذي يقرره هم لا الآخرون؟  هل ينبغي أن يعمدوا إلى إعلان التمرد وخلق المشكلات وإصدار البيانات التي تفضح ما يجري بحقهم أمام الرأي العام العالمي حتى يتم الإلتفات إليهم؟..".
وفق معطيات الحالة العراقية الراهنة،وفي ضوء تشرذم الموقف الآشوري،بات جلياً أن "القضية الآشورية"في العراق بكل أبعادها ومضامينها،السياسية والوطنية والانسانية،تم اختزالها بعدد من المقاعد الهزيلة للأشوريين(كلدان/سريان) في حكومة وبرلمان ما يسمى ب"كردستان العراق"وببعض "الحقوق الدينية والادارية" في بلداتهم في سهل نينوى الذي سيضم قسراً الى الاقليم الكردي.هذا السيناريو الكردي المرسوم للآشوريين والمسيحيين العراقيين وضع بموافقة المحتلين الأمريكيان وهو يحظى بمباركة بابا الفاتيكان،لأقفال، والى الابد، ملف "القضية الآشورية" في العراق، التي عمرها من عمر الدولة العراقية.
أخيراً: أن تجدد الهجمات على الكنائس في المدن العراقية،وفشل  حكومة المالكي في توفير الحماية  الوطنية لمسيحيي العراق واخفاقها،وعدم رغبتها، في الكشف عن الجهات الضالعة بعمليات قتل وتهجير جماعي لهم في نينوى تشرين الأول 2008، أكدت من جديد على أن لا خلاص لمن بقي من الآشوريين والمسيحيين في العراق سوى بتوفير منطقة آمنة لهم بحماية ورعاية دولية، على غرار المنطقة الكردية في الشمال التي مازالت "محمية أمريكية" رغم الامكانيات القتالية والبشرية والمادية للأكراد.لهذا على الزعامات السياسية والروحية الآشورية السريانية الكلدانية بدلاً من أن تتصارع على التسمية عليها أن تتحرك سريعاً والقيام بحملة كبيرة على الساحة الدولية لكسب وتأييد المجتمع الدولي مع قضيتهم في العراق وحثه على التحرك لأجل توفير "منطقة آمنة"،قبل انسحاب القوات الأمريكية من العراق نهاية 2011.

سليمان يوسف
آشوري سوري مهتم بقضايا الأقليات
shosin@scs-net
                             


67
"أوربا" الحبلى بالاسلام، ومعركة الحجاب

 

يبدو أن "أوربا" الحبلى بـ"الا سلام"،قد وضعت حملها "المسلم" وبدأت تخشى منه على مستقبل هويتها العلمانية.وهي بدأت تتحرك سريعاً،على أكثر من صعيد ومستوى، واصدار القوانين وسن التشريعات اللازمة لأوربة مولدها "المسلم"،قبل أن تتعاظم قوته ويخرج من تحت السيطرة ويصبح جزء من الظاهرة المعروفة بـ"الاسلامفوبيا".وقد جاءت جريمة مقتل الصيدلانية المصرية المسلمة المتحجبة "مروة الشربيني" على يد ألماني متطرف في قاعة المحكمة في الثامن من 8 تموز الجاري،لتفجر قضية الحريات والحقوق الدينية للجاليات المسلمة في أوربا،في مقدمتها حق ارتداء المرأة المسلمة للحجاب و النقاب المثيران للجدل في مختلف الأوساط الأوربية التي ترى في المظاهر الاسلامية والدينية  خطراً يهدد مستقبل العلمانية والمدنية الأوربية،في حين يرى المسلمون في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم الدينية حقاً مشروعاً هو من صلب الحريات الفردية والحقوق التي اقرت بها القوانين والدساتير الأوربية،فضلاً عن أنها واجب يفرضه عليهم الشرع الاسلامي.لذلك هم (المسلمون الأوربيون) لن يتنازلوا عن هذه الحقوق ولن يقبلوا بأن تفرض عليهم قيم وأخلاقيات العلمانية الغربية المتناقضة مع مبادئهم وعقائدهم الدينية،لأن "العلمانية الأوربية" من وجهة نظرهم تشكل خطراً على هويتهم وتقاليدهم الاسلامية، ويعدونها انتهاكاً لحقوقهم وتقييدا لحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية. 

مع دخول الاصولية الاسلامية والاسلام السياسي عموماً، على خط الأزمة المثارة حول"الحجاب الاسلامي" في أوربا،خرجت قضية الحجاب من اطارها الحقوقي والقانوني لتدخل في اطار المعركة "السياسية والايديولوجية" المفتوحة بين الغرب العلماني والاسلام السياسي، الذي نجح بحدود معينة في توظيفه للحجاب الاسلامي كسلاح ايديولوجي في هذه المعركة وفي تحويل "الجاليات الاسلامية"،الهاربة من أوطانها الى الدول الأوربية والأمريكية  لاسباب (سياسية واقتصادية واجتماعية) ، إلى ورقة ضغط، على هذه الدول.ولأجل زج وتعبئة الشعوب العربية والاسلامية الى جانبه في  معركته مع الغرب ،تلتقط "الأصولية الاسلامية" و"الاسلام السياسي" ومن يدور في فلكيهما من الكتاب والمثقفين العرب والمسلمين،تلتقط كل مشكل أو اعتداء يقع  على مسلمين في دول المهجر، لاستغلالها، بذريعة الدفاع عن حقوق الجاليات الاسلامية، واثارتها لدى الراي العام العربي والاسلامي وايهامه  بأن الحملة الأوربية على الحجاب أو النقاب تأتي في سياق حرب أمريكية أوربية يهودية"صليبية جديدة" على الإسلام والمسلمين، وتصويرها لمعركتها المفتعلة مع أمريكا والغرب على أنها  صراع ديني عقيدي، معززة خطابها الاسلامي بالآيات القرآنية،منها: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم))-البقرة:120-.في هذا الاطار يأتي  مسعى الاسلام السياسي لتصعيد ردود الفعل السلبية في الشارع العربي والاسلامي على جريمة مقتل مروة الشربيني. يشار هنا الى أن "علي الشربيني"، والد الضحية "مروة" في حديث له مع "الفضائية العربية" رفض تدخل محامي الجماعات الإسلامية بمصر في القضية، حتى لا يتم استغلالها سياسياً.

لا شك، للأنظمة والحكومات العربية والاسلامية،وهي أنظمة استبدادية لا ديمقراطية،  مصلحة سياسية مباشرة في استمرار وتصعيد المعركة بين الغرب الأمريكي الأوربي  والاسلام السياسي. فمن جهة، هذه المعركة الخارجية تلهي الاسلام السياسي، عدوها الذي تخشاه، وتشغله عن قضية التغير السياسي في دولها. ومن جهة أخرى،اثارة مثل هذه القضايا مع الغرب هي مناسبة وفرصة لتنفيس الشارع العربي والاسلامي الناقم على حكامه والمحتقن بشكل اساسي من واقعه المزري،سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

 طبعاً،من غير المتوقع أن تساوم الحكومات والشعوب الأوربية على هويتها العلمانية، وأن ترضخ لابتزاز الاسلام السياسي.وانما هي ستصعد من حملتها على"الحجاب الاسلامي" وعلى بقية المظاهر والاشارات الاسلامية التي بدأت تغزو المجتمعات الأوربية.في اطار هذه الحملة أعلن الرئيس الفرنسي"نيكولا ساركوزي" بتاريخ 22/6/2009 في خطاب له أمام البرلمان:" أن النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها غير مرحب به في فرنسا، فهو من وجهة نظره يشكل علامة (استعباد للمرأة). وأضاف قائلا: لا يمكن أن نقبل في بلادنا نساء سجينات خلف سياج ومعزولات عن أي حياة اجتماعية ومحرومات من الكرامة". وأعرب عن تأييده لقيام لجنة تحقيق حول مصير الحجاب الكامل"النقاب أو البرقع" في فرنسا.كما صرح المتحدث باسم الحكومة الفرنسية "لوك شاتيل" بأن إصدار قانون يمنع ارتداء البرقع هو أحد الخيارات الجدية التي تفكر الحكومة فيها.جدير بالذكر، أن فرنسا، التي تضم أكبر جالية اسلامية- تقدر بنحو سبعة ملايين مسلم- كانت قد حظرت بموجب قانون صدر عام 2004 إشهار علامات الاعتقاد الديني،لكل الأديان منها الحجاب الاسلامي، في المرافق الفرنسية العامة والمدارس الرسمية.

بلا ريب،أن قتل"مروة الشربيني" جريمة نكراء مدانة وغير مبررة أياً تكن أسباب ودوافع قتلها.هذه الجريمة تكشف مدى تنامي ظاهرة التعصب في المجتمعات الأوربية تجاه المهاجرين الآسيويين عامة والمسلمين خاصة.لكن ظاهرة التعصب هذه لا يمكن فصلها أو عزلها عن"المناخ العدائي" الذي أشاعه المتعصبون الاسلاميون والمجموعات الاسلامية المتطرفة في انحاء مختلفة من العالم،وذلك من خلال تنفيذها لعمليات ارهابية، تحت "شعارات وعناوين اسلامية" في أكثر من عاصمة ومدينة أوربية، أضخمها تفجيرات ايلول 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية،الأحداث التي شكلت منعطف كبير في تاريخ العلاقة بين الغرب الأمريكي الأوربي والعالم الاسلامي، فضلآ عن استهداف السياح الأجانب من قبل المنظمات الاسلامية المتطرفة، حتى العاملين في المنظمات الانسانية في دول المنطقة لم يسلموا من ارهابهم المنظم.والأنكى من كل هذا،أن مسيحيي الشرق الأوسط،وبسبب اشتراكهم في العقيدة المسيحية مع الغرب،يدفعون ثمن كل اعتداء يقع على مسلم أو مسلمة في الغرب، وثمن كل اساءة للاسلام.حيث تنتقم المنظمات الاسلامية الارهابية لهؤلاء المسلمين من مسيحيي الشرق الأوسط.لهذا،يربط العديد من المحللين السياسيين والمهتمين بشؤون الجماعات الاسلامية، بين مقتل "مروة الشربيني" في ألمانيا وسلسلة هجمات جديدة وقعت بعد أيام من مقتلها - مساء الأحد 12 تموز- على ست كنائس في العاصمة العراقية بغداد وفي مدينة نينوى، راح ضحيتها العديد من الأبرياء.

ربما مبرر،أن تسارع حكومات ومنظمات عربية واسلامية، وأن يتطوع كتاب ومثقفون عرب ومسلمون- ينظرون الى القوانين والتشريعات الأوربية التي تحذر  الحجاب الاسلامي على أنها مواقف عنصرية وعدائية تجاه الاسلام والمسلمين- الى الدفاع عن حقوق بني جلدتهم وعن مسلمي المهجر.لكن ما هو غير مبرر،صمتها وسكوتها على مظالم واعتداءات،تصل أحياناً الى درجة القتل الجماعي، على المواطنين المسيحيين ومن أتباع ديانات وعقائد أخرى، في الكثير من الدول العربية والاسلامية(مصر،العراق،السودان، الجزائر،...،باكستان).

أليس من المعيب أن يسكت،الكتاب و المثقفون والاعلاميون، العرب والمسلمون- باستثناء قلقة قليلة جداً منهم-  على سياسات شوفينية وقوانين عنصرية، كقوانين التمييز الديني و(فرض الشريعة الاسلامية)على المواطنين المسيحيين وعلى اتباع الديانات الغير اسلامية ،من قبل حكومات بلدانهم؟.أليس شركائهم في الوطن هم أولى بالدفاع عن حقوقهم وقضاياهم من الجاليات العربية والاسلامية، الهاربة أصلاً من ظلم واضطهاد حكومات أوطانها ومن أوضاعها المعيشية المزرية؟.

 

سليمان يوسف............ سوريا

     shosin@scs-net.org

 

68
المنبر الحر / مشروع أسلمة سوريا
« في: 18:02 29/06/2009  »

مشروع أسلمة سوريا  
             
  
لا جدال على أن من حق كل حكومة، وكل  سلطة تشريعية،أن تعيد النظر بالقوانين والتشريعات المعمول بها،لتعديلها أو تبديلها بقوانين أكثر تطوراً وملائمة لروح العصر.في سوريا، التي كان عدد سكانها في خمسينات القرن الماضي اقل من ثلاثة ملايين تجاوز اليوم العشرين مليون،شهدت تحولات(فكرية واجتماعية وثقافية واقتصادية) هامة، باتت تتطلب سن قوانين وطنية جديدة متطورة تواكب هذه التحولات وتتوافق مع درجة الرقي الحضاري التي وصل اليها الشعب السوري. لكن للأسف، وخلافاً لمنطق العصر والحداثة،أن مشروع القانون الجديد للأحوال الشخصية الذي أنجزته مؤخراً اللجنة المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء،جاء بصيغة أكثر سوءاً وتخلفاً من القوانين المعمول بها،رغم حساسيته العالية، اجتماعياً ودينياً.الأمر الذي ترك الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام.كما أثار سجالاً حامياً لدى مختلف الأوساط،الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية، السورية.فحيال انتشار مظاهر التدين الاسلامي المصاحب لتنامي "الأصولية الاسلامية" فكراً وثقافة في المجتمع السوري،كان من المفترض بالحكومة السورية وضع برامج ثقافية وطنية وسن قوانين من شانها تحصين المجتمع في وجه مخاطر مد الأصولية الاسلامية،وتعزز الجوانب العلمانية ومن دور العناصر المدنية في الدولة"النصف اسلامية - النصف علمانية"،التي اقامها حزب البعث العربي الاشتراكي "النصف علماني".
مع اقرارنا بوجود بعض الصعوبات والمعوقات الدينية والاجتماعية والثقافية.لكن ليس صعباً،على "نظام شمولي" يهيمن عليه حزب- البعث- ينفرد بالحكم ويتحكم بكل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلاد،وضع قانون وطني متطور وديمقراطي للأحوال الشخصية والمدنية، يقوم على أساس مدني لا ديني، يجيز الزواج المختلط بين السوريين، تحترم فيه شرعة حقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها الدولة السورية.لأن القوانين المدنية وحدها كفيلة باختراق الحواجز الطائفية والمذهبية والقبلية القائمة في المجتمع السوري وتحقيق الاندماج الوطني المنشود بين الأقوام السورية. طبعاً، مع ترك خيار الزواج الكنسي أو الديني( وفقاً لتشريعات كل دين وطائفة ومذهب)، قائماً لمن يرغب به من السوريين.
لكن يبدو أن الحكومة السورية، فضلت العزف على وتر" الأصولية الاسلامية"في هذه المرحلة التاريخية الحساسة.وسارعت الى وضع مشروع "قانون اسلامي" بامتياز للأحول الشخصية،تضيق به ومن خلاله التيار التنويري وتحاصر الأفكار الليبرالية والعلمانية،وتقوض الحياة المدنية في سوريا. يذكر أن اللجنة التي أنجزت مشروع القانون بهذه الصيغة الطائفية المقيتة - بحسب نشرة كلنا شركاء السورية- كانت برئاسة وزير العدل السابق وجميع أعضائها هم قضاة شرعيون وأكاديميون مختصون في الشريعة الاسلامية.لهذا،فاللجنة المكلفة،هي لم تأت من بطون التاريخ ومن العصور الوسطى، كما ذهب البعض في هجومه عليها وفي نقده لمسودة القانون الذي وضعته،وانما هي تشكلت بموجب قرار حكومة سورية قائمة,وغالباً بعد استشارات سياسية.فاللجنة واعية ومدركة تماماً لأبعاد كل كلمة وفقرة وردت في مشروع القانون المنجز.من هذا المنظور،أختلف كلياً مع كل من تسلح، في نقده لمشروع القانون، ببعض المواد والفقرات الخجولة من الدستور السوري والمتعلقة بالحقوق والحريات والمساواة.لأن، حقيقة مشروع القانون لم يخرج عن روحية"الدستور"السوري الذي ينص، في(المادة الثالثة- فقرة 2)منه،على أن "الفقه الاسلامي مصدر اساسي للتشريع".
بغض النظر عن أهداف الحكومة السورية،أرى أن الصيغة التي خرج بها مشروع القانون تصب في صالح "الاسلام التقليدي"،الذي يشكل الحاضنة الاجتماعية والثقافية ل"الأصولية الاسلامية" ومشروعها الظلامي التكفيري،أكثر مما هو في صالح مشروع تحديث سوريا وتطويرها.وسيبقى أي قانون جديد أو مشروع تحديثي في سوريا أسير "العقدة الدينية"،خاصة المادة الثالثة من الدستور.لأن تمسك حزب البعث الحاكم(قائد الدولة والمجتمع) بهذه "القاعدة الاسلامية" يمنح الاسلام التقليدي ومن خلفه الأصولية الاسلامية والمجموعات التكفيرية حق "الفيتو"للاعتراض وتعطيل أي قانون أو تشريع من شأنه انهاء التميز الديني بين السوريين ومساواة المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات،بذريعة أن هذه الحقوق تتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية.حتى أن،بصمات الأصولية الاسلامية تبدو بارزة في معظم مواد ونصوص مشروع القانون الجديد.حيث وردت فيه أكثر من مرة كلمة "الذمي" للاشارة الى أهل الكتاب، من مسيحيين ويهود،بعد أن ألغي هذا التعبير المستهجن من الخطاب التشريعي السوري واختفاءه من ثقافة السوريين مع انتهاء الاحتلال العثماني لسوريا في عشرينات القرن الماضي.والأخطر في مشروع القانون،انحيازه بشكل كامل وفاضح الى جانب الطرف المسلم في آثار الزواج المختلط بين الأديان، وفي حرية اختيار الشريك من غير دين،كذلك في قضية التحول من دين لآخر وفي مسائل حضانة الأطفال.فهو يبطل "زواج المسلمة بغير المسلم"كذلك باطل "زواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة ولو كان الطرف الآخر غير مسلم". ووصف "كل مسلم أو مسلمة يغير دينه بالمرتد".هذه تهمة خطيرة عقوبتها القتل وفق أحكام الفقه الاسلامي.هكذا،سيغلق الباب مجدداً في سوريا أمام أي سوري مسلم يريد أن يغير دينه ويعتنق المسيحية أو أي دين آخر غير الاسلام،ولأي سبب كان،بينما سيترك الباب مفتوحاً،مرحباً بكل مسيحي وسوري يريد ترك دينه واعتناق الاسلام.
أكثر ما يقلق المسيحيين السوريين،خاصة أتباع الكنائس الغير عربية( السريانية، الآشورية، الكلدانية)الخائفة على خصوصيتها القومية والثقافية الى جانب هويتها الدينية، هو رفع  يد "المؤسسة الكنسية" من الإشراف على عقد الزواج بين مسيحي ومسيحية.فوفق مشروع القانون، ستكون اجراءات عقد الزواج من اختصاص موظف يعينه وزير العدل. المادة 627 " لا يتم انعقاد الزواج إلا بوثيقة رسمية صادرة عن موثق يعينه وزير العدل...". كما أن مشروع القانون اخترق بعض المحرمات المسيحية،حين أجاز للمسيحي الزواج بزوجة ثانية وفق المادة 639:" يجوز لكل من الزوجين أن يطلب التطليق بسبب زنى الزوج الأخر، أو زواجه الثاني". القلق المسيحي، دفع برؤساء الطوائف المسيحية،الى ارسال وفداً التقى وزير العدل،نقل له اعتراضها الشديد على أي تدخل في التشريع الكنسي من شأنه المس بالعقيدة المسيحية. ونقل عن الوفد أنه،تمنى  لو أن مشروع القانون قام على أساس مدني لا ديني يساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين السوريين رجالاً ونساء بغض النظر عن انتماءاتهم.و بحسب بعض المصادر،أن رؤساء الطوائف المسيحية أرسلت كتاباً خطياً الى السيد رئيس الجمهورية(بشار الأسد) شرحت فيه موقفها من مشروع القانون،راجية من سيادته التدخل لاعادة النظر فيه، خاصة فيما يتعلق بالأحكام الخاصة بالمسيحيين.  
ليس من المبالغة القول،أن اقرار الحكومة السورية،اليوم أو غداً، لأي قانون للأحوال الشخصية، يحط وينال من مكانة المرأة السورية ويقلل من شأنها ودورها في الحياة والمجتمع،وينتقص من حقوق المواطنة للسوريين الغير مسلمين ويلحق بهم غبناً اجتماعياً ودينياً،سيشكل، أولاً:انتكاسة كبيرة لمرتكزات وثوابت العيش المشترك بين مختلف أطياف المجتمع السوري.ثانياً: تراجع كبير لقيم ومفاهيم التسامح الديني الذي عرفت به سوريا منذ أن تشكلت كدولة حديثة في العشرينات من القرن الماضي.ثالثاُ: يقوض من فرص بناء "دولة مدنية" و"دولة مواطنة" حقيقة في سوريا .
رغم هذه المخاطر التي ينطوي عليها مشروع القانون المنجز للأحوال الشخصية  وآثاره الهدامة على عملية الاندماج الوطني والتماسك المجتمعي في البلاد وعلى مستقبل الأجيال السورية القادمة ،يبدو أن الحكومة السورية حسمت أمرها بتمرير مشروع "أسلمة سوريا"،مع بعض التعديلات الشكلية،مستفيدة من صمت المرجعيات الاسلامية، وسكوت الأحزاب السورية، تلك الموجودة في السلطة والمعارضة معاً.
وما يرجح هذا الخيار،هو تلاقي وتقاطع، في هكذا قانون اسلامي، مصالح الحكومة والبعث مع مصالح ""الاسلام التقليدي الوسطي أو الاعتدالي"، وهو التيار الغالب في سوريا، في محاصرة التيارات الليبرالية والعلمانية التي برزت على الساحة السورية في السنوات الأخيرة والتي تدعوا  الى اقامة "دولة ديمقراطية مدنية" على أساس حقوق "المواطنة الكاملة"، بديلاً  عن الدولة "الآيديولوجية- العقائدية" أو "النصف اسلامية" التي اقامها البعث في سوريا.
 

سليمان يوسف ...

آشوري سوري مهتم بقضايا الأقليات

69
خطاب أوباما من وجهة نظر آشورية

 
 الملايين في المنطقة والعالم استمعوا،يوم الخميس الماضي، الى الرئيس الأمريكي "باراك حسين أوباما"وهو يخاطب من جامعة القاهرة بمصر الشعوب الاسلامية.كاناً خطاباً متميزاً لرئيس أمريكي مختلف،شكلاً ومضموناً، عن كل رؤساء أمريكا السابقون.تطرق أوباما في خطابه،كما كان متوقعاً، لأهم القضايا والملفات الساخنة التي  تأخذ من اهتمام الادارة الأمريكية،وتلك التي تهم شعوب منطقة الشرق الأوسط،،( الارهاب والتطرف،الصراع الاسرائيلي –الفلسطيني، العراق وأفغانستان،النووي الايراني،الديمقراطية، الحريات الدينية، حقوق المرأة،التنمية الاقتصادية). وفق معظم التحليلات،أشاع خطاب أوباما نوع من الارتياح لدى مختلف الأوساط، السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية في المنطقة،طبعاً عدا تلك التي تكره وتعادي أمريكا والغرب لأسباب عقائدية وايديولوجية،وتلك التي تتضرر مصالحها الخاصة من حل أزمات المنطقة،والمشككون دوماً بالنوايا الأمريكية والغرب حيال قضايا العرب والمسلمين.
كعادته،ظهر الرئيس باراك حسين أوباما متماسكاً واثقاً من نفسه، يعي تماماً كل ما يقوله ويعرف كيف يختار كلماته بدقة والتي تقربه من الجمهور الذي يخاطبه.أكثر من مرة استشهد بآيات من القرآن الكريم، لأنه يدرك جيداً أهمية وحساسية الدين ومكانته لدى الشعوب الاسلامية التي تنام وتستيقظ على أصوات المآذن،لا تقبل الفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني. لم يكن أوباما يهدف الى إصلاح صورة بلاده" الولايات المتحدة الأمريكية" أمام الشعوب الاسلامية وتصحيح علاقتها بها فحسب، بعد أن ساءت هذه العلاقة في عهد الرئيس السابق "جورج بوش"، وانما هو اراد اصلاح صورة "الاسلام" ذاته التي شوهها المتعصبون والمتطرفون من المسلمين بأعمالهم الارهابية وقتلهم الأبرياء باسم الاسلام.
أوباما، يدرك جيداً بأن "الديمقراطية" التي أوصلته الى كرسي الرئاسة لأقوى دولة في العالم هي حصيلة وثمرة تطور تاريخي متكامل للمجتمع الأمريكي، لا يمكن فرضها على شعوب تفكر في الماضي أكثر مما تعمل للمستقبل، أو تصديرها لمجتمعات لم تبلغ مستوى النضوج السياسي الديمقراطي بعد، كما هو حال غالبية شعوب المجتمعات العربية والاسلامية.فقد أخفقت الادارة الامريكية السابقة بزعامة بوش الابن في اقامة "نظام ديمقراطي" في العراق رغم السيطرة الأمريكية المباشرة عليه.من هذا المنظور،اعتقد بأن أوباما كان واضحاً في كل ما قاله عن القضايا التي تناولها في خطابه.كما أنه كان حازماً،فيما يخص الثوابت في السياسة الأمريكية تجاه هذه القضايا.ومن المفترض أن رسالته الى المسلمين،شعوباً وحكومات، قد وصلت لمن يريد أن يفهم الاستراتيجية الامريكية في المنطقة والعالم.
يمكن لخطاب أوباما أن يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الامريكية مع دول وشعوب الشرق الأوسط،تقوم على الاحترام المتبادل وعلى المصالح المشتركة.طبعاً، اذا ما أحسن القائمون على شؤون هذه المنطقة الحيوية من العالم، بما فيها اسرائيل، التعاطي بايجابية مع الادارة الامريكية الجديدة التي سيقودها أوباما لأربعة سنوات قادمة وربما لثماني سنوات،والتعاون معها في حل أزمات ومشكلات المنطقة التي تهددها بمزيد من الحروب والقلاقل،خاصة في يتعلق بانهاء النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي على قاعدة "حل الدولتين"ومشكلة الارهاب المنظم. أن اخفاق قوى الاعتدال، العربية والاسلامية واليهودية، في الامساك بزمام أمور منطقة الشرق الأوسط ،أكثر مناطق العالم توتراً، في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة،يعني ترك الساحة للأصوليات المتشددة، ولقوى التطرف والشر والارهاب المناهضة للسلام والرافضة للحداثة وللتعايش المشترك بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاث"اليهودية والمسيحية والاسلامية".
باراك أوباما،المتحدر من أقلية سوداء عانت كثيراً في الماضي من الاضطهاد العرقي ومن قوانين التميز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية حقق بدخوله الى البيت البيض كرئيس حلم زعيم حركة الدفاع عن الحقوق المدنية للسود مارتن لوثر كينغ، توقف في خطابه عند قضية الحقوق والحريات الدينية، خاصة الأقليات المسيحية التي تعاني من عسف الأغلبيات المسلمة. لأنها (الحريات الدينية)وكما قال" هي الحرية الاساسية التي تمكن الشعوب من التعايش..".وقد أشار أوباما الى الانتهاكات الخطيرة التي تتعرض لها الحريات الدينية في بعض المجتمعات والدول الاسلامية.قال:" ثمة توجه في بعض أماكن العالم الاسلامي ينزع الى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقا لموقفه الرافض لعقيدة الأخر ان التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو الاقباط في مصر ..". شيء جيد أن يكشف الرئيس أوباما عن قلقه وقلق ادارته على مستقبل موارنة لبنان وأقباط مصر.. لكن كان الأولى بأوباما أن يتوقف أولاً عند قضية المسيحيين في العراق معظمهم من الكلدوآشوريين سكان العراق الأوائل،حيث كاد العراق أن يخلو منهم،خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية،بصفتها دولة محتلة للعراق، تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه مآسي مسيحيي العراق وباقي أقلياته الدينية والعرقية مثل لصابئة المندائيين والشبك واليزيديين، المهددة بخطر الابادة والتلاشي بسبب حملات الارهاب والقتل والتهجير القسري التي تعرضوا ويتعرضون لها منذ الغزو الامريكي للعراق في آذار 2003.
 فوفق معظم التقارير الصادرة من العراق،فأن مسيحيي العراق، هم أكثر شعوب العراق تضرراً من الغزو الأمريكي، رغم أنهم لم يكونوا يوماً طرفاً في الحروب المذهبية والطائفية والعرقية التي تعصف به.فهم وقعوا ضحية لعبة وأطماع القوى السنية والشيعية والكردية المتصارعة على من يجب أن يحكم العراق، أو على تقاسم الكعكة العراقية فيما بينها. فبعد أن تسبب الغزو الأمريكي في تفكك الدولة العراقية أضحى المسيحيون من دون حصانة أو حماية وطنية وليس لهم ميليشيات خاصة بهم تدافع عنهم.وقد أشارت العديد من المنظمات والهيئات المحلية والدولية، بينها منظمات حكومية أمريكية، الى محنة مسيحي العراق والمخاطر الكبيرة التي تهدد وجودهم في وطن آباءهم. في هذا الاطار،أكدت "جوديث إنغرام" مسئولة مكتب الاتصالات في اللجنة الأميركية للحريات الدينية في العالم أن اللجنة وجهت في شهر ايار من عام 2008  رسالة إلى وزارة الخارجية الأمريكية عبرت فيها عن قلقها العميق بسبب وضع الحريات الدينية وحياة غير المسلمين في العراق ولا سيما المسيحيين من كلدو آشوريين وغيرهم إضافة الى الصابئة والإيزيديين وغيرهم من الأقليات الدينية". كما أعرب ممثل الأمم المتحدة في العراق السيد ستافان دي ميستورا  عن قلق المنظمة الدولية على مستقبل المسيحيين والأقليات الأخرى جراء أعمال العنف والارهاب المنظم التي تستهدفهم والتي تسببت في مقتل المئات منهم بينهم مطران ورجال دين آخرين وهجرت آلاف العائلات من مناطق سكناهم. وبدوره أدان لامين العام للامم المتحدة بان كيمون وبشدة استهداف مسيحيي العراق حيث قال  بان كيمون" ان الجرائم التي ترتكب بحق النساء والمسيحيين في العراق ، اساءة لحقوق الانسان وسط الانتهاكات السائدة في الامة الاسلامية".  تجدر الاشارة هنا الى أن بعض النواب في الكونغرس الأمريكي  في عهد ادارة بوش طالب بتوفير منطقة آمنة في سهل نينوى لمسيحيي العراق. رغم كل هذه الشهادات والتقارير، تجاهل أوباما في خطابه محنة مسيحيي العراق.أنه تجاهل متعمد من قبل الرئيس أوباما حتى لا يفتح باب جهنم على الولايات المتحدة الأمريكية والحديث عن مسؤوليتها المباشرة عن مآسي ومحن شعوب العراق وما حل بهذا البلد من خراب ودمار بعد غزوها له.هذا التجاهل، يترك أكثر من اشارة استفهام حول موقف الادارة الامريكية من قضية الوجود الآشوري والمسيحي عموماً في العراق الجديد الذي تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية.   
طبعاً، أن ضعف الوزن السياسي والاقتصادي للآشوريين وغياب صوتهم عن المنابر الاعلامية والحقوقية في الولايات الأمريكية والغرب عموماً، سهل على الرئيس أوباما تجاهل قضيتهم في العراق ومن غير أي حرج.اذ، لا "لوبي آشوري" في الخارج كما هو حال جاليات الموارنة والاقباط الذين استطاعوا ايصال قضيتهم الى الراي العام الأمريكي والأوربي.فبكل اسف أن الآشوريين(سريان/كلدان)،بأحزابهم ومؤسساتهم القومية والكنسية، في الداخل والخارج، منشغلون بخلافاتهم الداخلية حول قضايا تافهة صغيرة، مثل مشكلة التسميات، وعلى بعض المكاسب والامتيازات الحزبية والطائفية الضيقة هنا وهناك،تاركين  مصيرهم وقضيتهم في أيدي الآخرين وتحت رحمة من لا رحمة في قلوبهم.
 
سليمان يوسف
آشوري سوري مهتم بقضية الأقليات
shosin@scs-net.org
 

70
تهاوي المعارضات السورية
 

في العاشر من حزيران 2000 ،توفي الرئيس "حافظ الأسد"خلفه ابنه الدكتور "بشار الأسد" بطريقة هادئة ومن غير أن يحصل ما كان يخشاه البعض.شكل "خطاب القسم" للرئيس بشار ،بما حمله من لغة سياسية ايجابية تجاه الرأي الآخر ووعوداً باجراء اصلاحات(سياسية واقتصادية وادارية)، مصدر تفاؤل وارتياح لدى مختلف الأوساط السورية.تعزز تفاءل السوريين،بحصول انفراج نسبي في  حياتهم السياسية والفكرية ومنحهم هامشاً مقبولاً من حرية الرأي والتعبير،فضلاً عن تراجع ملحوظ في سلطة وهيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة العامة.في هذا المناخ الايجابي وبعد عقود من الانحباس السياسي والفكري والمضايقات الأمنية،التقطت "المعارضات السورية" أنفاسها، واطلقت حراكاً سياسياً وثقافياً وحقوقياً،من خلال ظاهرة المنتديات والمجالس الحوارية التي انتشرت على امتداد الوطن السوري. تمحور خطاب قوى المعارضة السورية حول ضرورة انهاء "حالة الاستبداد" القائمة في البلاد وانجاز عملية "التغير الديمقراطي" والتداول السلمي للسلطة. وكأنها(المعارضات السورية) - التي استمدت زخمها من "مناخ دولي جديد"،ضاغط على النظام السوري داعم لقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، أكثر مما استمدته من الشارع السوري- في سباق مع الزمن لصنع"معجزة سياسية"ما، ينتظرها السوريون.
فرغم عودة السلطة الى تشديد قبضتها الأمنية على المجتمع السياسي واعتقال ابرز نشطاء "ربيع دمشق الديمقراطي" في خريف 2001،واغلاق آخر منتديات الحوار"منتدى الأتاسي" صيف 2005،واصلت أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني نشاطها بوتيرة أعلى وحماسة اشد.وتكاد لا تمر مناسبة وطنية من دون اقامة "اعتصام احتجاجي" في العاصمة دمشق.وبدأت تخترق شيئاً فشيئاً الخطوط الحمر التي وضعها النظام في طريقها،حيث فتحت قنوات اتصال مع "جماعة الأخوان المسلمين" في الخارج.وفي تشرين الأول 2005خطت المعارضات،العربية والكردية والاسلامية،خطوة مهمة باتجاه تنظيم ذاتها وتوحيد صفوفها في اطار"اعلان دمشق"،الذي كان بمثابة بلاغ سياسي (رقم 1) لتغير "النظام القائم" في سوريا.وفق ما جاء في الوثيقة التأسيسية للإعلان:"أن عملية التغيير الجذري قد بدأت، بما هي فعل ضرورة لا تقبل التأجيل نظراً لحاجة البلاد اليها...والموقعون على هذا الإعلان: يرفضون كل أشكال الإصلاحات الترقيعية أو الجزئية أو الالتفافية ...وهم يعاهدون  على العمل من أجل إنهاء مرحلة الاستبداد واستعدادهم لتقديم التضحيات الضرورية من أجل ذلك،وبذل كل ما يلزم لإقلاع عملية التغيير الديمقراطي...".طموحات التغير لدى المعارضة السورية،وهي من دون شك طموحات مشروعة، لم تتوقف عند الشأن الداخلي وانما امتدت الى السياسات الخارجية للنظام وعلاقات سوريا مع محيطها الاقليمي. ففي ايار 2006 أصدرت مجموعة من المثقفين والاعلاميين السوريين المعارضين بالاشتراك مع مجموعة من المثقفين والاعلاميين اللبنانيين "اعلان بيروت دمشق"دعوا فيه الى تصحيح العلاقة المتردية آنذاك بين لبنان وسوريا واقامة علاقات دبلوماسية بينهما،وقد وقع عليه مئات المثقفين من البلدين.هذه الخطوات والنقلات النوعية في خطاب وحركة المعارضة السورية،رفعت الضغط السياسي والأمني للنظام،وقامت أجهزته باعتقال العديد من الموقعين على اعلان بيروت دمشق،ومن ثم القبض على معظم أعضاء الأمانة العامة لإعلان دمشق، بعد أول اجتماع موسع لمجلسه الوطني في كانون الأول 2007.شكلت تلك الاعتقالات ضربة موجعة للمعارضات السورية ولمنظمات المجتمع المدني الملحقة بها،فقد شلت قدرتها على العمل والحركة، حتى اشعار آخر.وبدلاً من أن تعزز المعارضات السورية وحدتها التنظيمية وتحافظ على تماسك جبهتها السياسية في مواجهة عسف السلطة،تفجرت الخلافات والتناقضات بين التيار الليبرالي والتيار القومي العربي داخل اعلان دمشق،حيث جمدت بعض أطرافه الأساسية، منها"الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي"،عضويتها في الاعلان.بموازاة تشرذم واضطراب معارضات الداخل،تفككت جبهة معارضات الخارج ايضاً، ممثلة بـ"جبهة الخلاص الوطني"التي لم يكن لها أي صدى ايجابي في الداخل السوري. فبعد أن علق الأخوان السوريون نشاطهم المعارض للنظام داخل سورية- لأسباب،لم تقنع الكثير من السوريين، قالوا أنها تتعلق بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة- أعلنوا انسحابهم من جبهة الخلاص التي جمعتهم مع عبدا الحليم خدام، نائب الرئيس السوري المنشق عن الحكم، ومع اطراف عربية وكردية أخرى صغيرة، انسحب أكثرها من الجبهة.
تهاوي جبهات المعارضات السورية وفشلها في أول تجربة ديمقراطية لها اثناء انتخابات مجلسها الوطني، فضلاً عن اخفاقها ليس في تقديم مشروع "البديل الديمقراطي" عن مشروع السلطة وانما في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها ، فتحت سجالاً حاداً ونقاشاً حامياً بين مختلف الأوساط السياسية والثقافية والفكرية السورية حول المستقبل السياسي لهذه المعارضات وحول آفاق التغيير الديمقراطي في البلاد.اللافت في هذه السجلات السياسية الحامية، بروز مواقف متناقضة داخل صفوف المعارضة ذاتها، وبين القوى المتحالفة في اطار "التجمع الوطني الديمقراطي" المعارض. ففي موضوع حول المعارضة السورية نشرته صحيفة"الراية القطرية" الأربعاء 29 نيسان/ أبريل 2009يقول فيه"حسن عبد العظيم"، أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي المعارض،عن فشل المعارضة السورية: "أن المعارضة تعثرت إلى حين بسبب الخلافات بين الأطراف وغياب آلية التوافق في الرؤية السياسية وآليات العمل التنظيمي إلا أنها لم تفشل، في تقديم مشروع بديل عن مشروع السلطة، ومازالت قواها وفعالياتها كثيرة وإطارها عريض، وما زال إصرارها على هدف التغيير الوطني الديمقراطي بالوسائل السلمية متواصلاً ومستمراً". بينما،الدكتور (حازم نهار)، الكاتب السوري والقيادي قي التجمع الوطني الديمقراطي وحزب "العمال الثوري العربي"،يقول، حول ذات الموضوع: "بالأصل واهم من توقع أن المعارضة السورية بإمكانها أن تكون بديلاً للسلطة القائمة.فالخطاب الرسمي للمعارضة ذاتها لم يذهب حتى في هذا الاتجاه" . طبعاً،كلام (نهار) هنا يتعارض مع ما جاء في وثيقة "اعلان دمشق" التي بموجبها تخلت المعارضة عن نهج "الاصلاح" وانتقلت الى نهج "تغيير النظام" وطرحت نفسها بديلاً عنه.وحول مستقبل المعارضة السورية بعد الانشقاقات التي طالت صفوفها يقول نهار: " إن مستقبلها رهن بأمرين أساسيين، الأول: انفتاح المعارضة على نفسها، وقبولها بتجديد خطابها وشخوصها، والثاني: انفتاح السلطة على المجتمع ومبادرتها بإطلاق مسيرة متكاملة من التغيير، وفيما عدا ذلك ستكون الانشقاقات والتحالفات في إطار الدوران في المكان لا تقدّم ولا تؤخر".بغض النظر عن صحة رؤية الدكتور نهار من عدمها لمستقبل المعارضة السورية، رؤيته تتعارض بشكل كامل مع  رؤية حلفائه في المعارضة،كما ينطوي كلامه على تراجع واضح وربما تخلياً عن وثيقة ونهج اعلان دمشق الذي قطع مع "الاستبداد القائم" في البلاد.فاذا كانت المعارضة السورية حقاً،وبحسب ما يرى السيد نهار،تنتظر من السلطة القائمة أن تنفتح على المجتمع واطلاق مسيرة متكاملة من التغيير، ومستقبل المعارضة مرهون على رؤية هذه السلطة لعملية التغيير وللمعارضة، اعتقد بأن المعارضة ،وفق هذا المنطق السياسي، تفقد الكثير من أسباب ومبررات بقاءها على نهجها المعارض والتضحية بمزيد من المفكرين والمثقفين السوريين ليمضوا سنوات طويلة في سجون النظام،وتحميل نفسها وأسر المعتقلين مزيد من الأعباء المعنوية والمادية التي يفرضها كل اعتقال جديد.   
قطعاً، ليس تشفياً بالمعارضة السورية وهي تتهاوى، وانما تأسفاً على ما آلت اليه أوضاعها،نقول: انها(المعارضات السورية) تهاوت،سياسياً وفكرياً وتنظيمياً ،ليس فقط بسبب استمرار قمع النظام لها والبطش بها،وانما ايضاً لأسباب ذاتية، بعضها تتعلق ببنيتها الفكرية والتنظيمية، وبخطابها السياسي وبآليات عملها  وأداءها في المجتمع السوري،وبعضها الآخر تتعلق بقراءتها الخاطئة للمشهد السياسي السوري،وبسوء تقديراتها لمسار التطورات السياسية والأحداث التي عصفت بالمنطقة والعالم في السنوات الأخيرة.

سليمان يوسف ... سوريا
shosin@scs-net.org
 

71
آشوريو سوريا ومخاطر الاستبداد
 "فقدان المناعة القومية"

للقمع السياسي وحرمان الآشوريين(سريان-كلدان) من حقوقهم القومية والديمقراطية في سوريا،مخاطر وآثار سلبية على مختلف الكيانات، السياسية والثقافية والاجتماعية والاعلامية والدينية،الآشورية.فقد تسبب الاستبداد بنشوء ظاهرة"فقدان المناعة القومية"في المجتمع الآشوري.تبدو آثار هذه الظاهرة المرضية واضحة على جميع الكيانات الآشورية.بعض هذه الكيانات استعربت وهي تدور في فلك سلطة عربية استبدادية، لا قدرة لها التعايش مع الآخر والقبول له.والبعض الآخر من الكيانات الآشورية،دفعها الوهن القومي والسياسي الى تحالف "كلامي" مع معارضة، عربية واسلامية وكردية،مشكوك بمصداقية الكثير من أطرافها.كما دفع اليأس والاحباط، شرائح ومجموعات آشورية واسعة للتخلي عن تطلعاتها السياسية وعن طموحاتها المستقبلية والوقوف في طوابير طويلة على أبواب السفارات الأوربية،بحثاً عن وطن جديد تحقق فيه أحلامها المفقودة. 
آثار الاستبداد ومضاعفاته على الآشوريين السوريين، لم تتوقف على فقدان "المناعة القومية" وبعثرة "الكيانات الآشورية" ومنعها من التوحد حول المواقف والقضايا السياسية الراهنة،وانما امتدت الى القضايا المصيرية والحساسة،الى الهوية والانتماء القومي، وهذا أخطر ما في الموضوع. فرغم مضي أكثر من نصف قرن على نشأة بعض الأحزاب والتنظيمات الآشورية في سوريا،أخفقت في تلقيح المجتمع الآشوري بالقدر الكافي من "المناعة القومية والسياسية"،وتحصينه في وجه سلطة الاستبداد وسياسة التعريب والاقصاء التي تنتهجها. ورغم اعتماد "الآشورية" كهوية وانتماء من قبل معظم التنظيمات والأحزاب العاملة على الساحة الآشورية،داخل سوريا وخارجها،مازالت "الآشورية" مرفوضة من قبل الكنيستين"السريانية والكلدانية"،ممثلتين بطبقة "الاكليروس" المتمسكة بامتيازاتها الخاصة على حساب حقوق الرعية.أن القبول الظاهري بالتسمية المركبة أو الثلاثية"الكلدوآشوري/السرياني"،واعتمادها رسمياً في دستور دولة العراق الجديد،لا يعني أن "عقدة التسمية" قد حلت.فما جرى هو نوع من "الاتحاد الكونفدرالي" بين الطوائف الثلاث،قائم على الرابطة المسيحية أكثر مما هو قائم على الرابطة القومية ،أملته الظروف القاهرة والأوضاع الشاذة التي يمر بها العراق. في سوريا،"معركة التسميات" بين الطوائف الثلاث"الآشورية السريانية الكلدانية" مؤجلة الى حين زوال الاستبداد ومجيء نظام ديمقراطي يقر بالتعددية القومية والثقافية واللغوية التي يتصف بها المجتمع السوري.
تبرز ظاهرة" فقدان المناعة القومية" في المجتمع الآشوري بوضوح أكثر في الأحداث والمناسبات.فقبل أيام(24 نيسان) مرت ذكرى "الهولوكست المسيحي" في تركيا العثمانية لعام 1915،حيث قتل فيه مئات الآلاف من الآشوريين(سريان/كلدان).قلة قليلة جداً من الآشوريين شاركت في احياء ذكرى المذبحة،حتى في أوساط المتحزبين والقوميين والمتدينين.بينما الصورة اختلفت كلياً لدى الأرمن،حيث جابت شوارع مدينة القامشلي المسيرات الليلية المضاءة بالشموع ترافقها فرق الكشافة وهي تعزف نشيد الشهداء واقيمت القداديس في الكنائس واقفلت المحال التجارية.طبعاً،للكنيسة الأرمنية، الفضل الكبير في تحصين المجتمع الأرمني وتعزيز الروح القومية لدى الأرمن.فعبر التاريخ شكلت "الكنيسة الأرمنية" خط الدفاع الأمامي عن قضايا الأرمن وعن حقوقهم القومية والسياسية.ولها الفضل الكبير في اثارة جريمة "الابادة الجماعية" كقضية ارمنية ووضعها أمام الضمير العالمي.بينما الكنائس الثلاث (الآشورية،السريانية، الكلدانية)،نتيجة تخليها عن هويتها وقضيتها القومية،انكفأت على نفسها،واستسلمت للخنوع والذل،ودفنت "جريمة الابادة" حتى قبل أن تدفنها الدولة التركية، المرتكبة للجريمة.
ومن المضاعفات السياسية الأخرى لفقدان المناعة القومية،تسهيل عملية اختراق المجتمع الآشوري وتقويض الحركة الآشورية من قبل السلطات السورية.في هذا الاطار جاء احتضان السلطات المحلية، في محافظة الحسكة، مهرجاناً خاصاً أقيم بمناسبة العام الآشوري الجديد "عيد الأكيتو".أرادت السلطات السورية من هذا الاحتضان الغير بريء لمجموعة سريانية معينة التشويش على الأحزاب والكيانات السياسية الآشورية من جهة ،ولتفريغ هذه المناسبة الآشورية من مضامينها وابعادها القومية والسياسية من جهة أخرى.فقد بدا المهرجان من خلال الكلمات والاناشيد التي تليت فيه،وكأنه احتفالاً خاصاً بتأسيس حزب "البعث العربي الاشتراكي" الحاكم، وليس عيداً قومياً آشورياً.
بموازاة مسعى السلطات السورية الى تقويض "الحركة الآشورية" في سوريا واختراق المجتمع الآشوري بطرق وأشكال مختلفة، تتعرض الكنائس (السريانية الآشورية الكلدانية) هي الأخرى الى محاولة اختراق وتقويض من قبل مجموعات أصولية مسيحية تبشيرية،المعروفة بـ"الأخوة"،تديرها منظمات عالمية،تتخفى خلف شعارات دينية اصلاحية،وهي تتحرك وتنشط علناً على الساحة السورية في اطار هامش الحريات الدينية.بسبب ضعف المناعة القومية لدى الكنائس الثلاث والخلل الثقافي والفكري لديها، تمكنت هذه المجموعات الاصولية، الغريبة على ثقافتنا، من اختراق هذه الكنائس وسلخ أعداد غير قليلة من رعيتها وضمها الى مذهبها الدخيل على المجتمع المسيحي السوري والمشرقي عامة.نشاط هذه المجموعات،بدأ يقلق ويؤرق طبقة الاكليروس في الكنائس(السريانية والكلدانية والآشورية).لكن،رغم تزايد خطرها على وحدة وتماسك الكنائس الثلاث،لم تصح طبقة "الاكليروس" بعد من سباتها القومي ومن غيبوبتها التاريخية لتدرك أهمية ودور"الممانعة القومية" في تحصين كنيستها ورعيتها في وجه كل فكر تبشيري دخيل. ويبدو أنها لم ولن تخرج من شرنقتها الطائفية الى الفضاء القومي الآشوري، حتى لو تبخرت كل رعيتها وبقيت كنائسها خاوية ومن غير مؤمنين.
في حفل تأبيني اقيم في احدى البلدات الآشورية في الجزيرة السورية،بتاريخ 22 آذار الماضي.رغم كثافة الخطابات،بدا الحضور الحاشد غير مهتم، وكأنه غير معني بكل ما تلي عليه من عظات قومية.ليس فقط بسبب ضعف في المناعة القومية لديه،وانما أيضاً لأنه يدرك بأن الخطباء،خاصة المتحزبين منهم، الذين تباروا في المزايدات ورفع الشعارات واطلاق كلمات التبجيل والتقديس على الفقيد،هم أبعد الناس عن أخلاق المرحوم وعن روح التضحية والعطاء التي تميز بها.ويبدو أن البعض وجد فرصته للنفخ في الذات الحزبية وايهام الحضور وتضليله ببعض الشعارات المستهلكة.لقد أشاد أحد الخطباء بـ"وثيقة تفاهم"،وقعتها مجموعته مع خصومها من الآثوريين، لكن رغم مضي أكثر من عام على هذا التفاهم لم يسجل أي عمل قومي جدي مشترك بينهما.جدير بالذكر،وبسبب فقدان المناعة القومية،كانت قد أبدت هذه المجموعة الآشورية، التي تحدث الخطيب باسمها، قلقاً شديداً على بناء "دير سرياني" على حدود مملكتها الخابورية،وطالب مسئول المجموعة آنذاك،ومن على منبر الكنيسة الشرقية، بوضع حد للزحف السرياني للمناطق الآشورية، بينما الزحف الديمغرافي، العربي الاسلامي، كان يسير بخطى متسارعة، يضيق الخناق على القرى الآشورية. في ذات الحفل التأبيني،تحت تأثير ثقافة الاستبداد السائدة في المجتمع السوري والخوف من الخروج عن نهج الاستبداد،اختير ضابط آشوري "لواء متقاعد"، ورجل دين"اسقف"، لازاحة الستار عن النصب التذكاري للفقيد.قطعاً،هذا الاختيار لم يكن بريئاً بالمعنى السياسي.تفضيل الضابط ورجل الدين،مع كامل الاحترام والتقدير لهما، كشف عن"محنة العقل السياسي" الآشوري.اذ،كان من الأنسب أن يقوم رئيس بلدية المدينة، أو ممثل عن نقابة الأطباء- باعتبار الفقيد كان طبيباً- بازاحة الستار عن النصب التذكاري.
أخيراً: تبقى الأفضلية، في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة،لمن له القدرة على إزاحة "ستار الخوف" عن الآشوريين السوريين، وتخليصهم من داء فقدان "المناعة القومية".
سليمان يوسف
آشوري سوري. مهتم بقضايا الأقليات

shosin@scs-net.org
 
 
 

72
نعم: لـ"لجنة دولية" للتحقيق في مذابح مسيحيي العراق

في اطار اهتمامه  بقضية الحريات ونشاطه في مجال حقوق الانسان دعا، من واشنطن عبر جريدة ايلاف الالكترونية، الاستاذ "مجدي خليل"، المدير التنفيذي لمنتدى الشرق الأوسط للحريات، الى تشكيل "لجنة دولية"، يتبناها مجلس الأمن،للتحقيق في عمليات التطهير العرقي والديني التي تعرض ويتعرض لها المسيحيون في العراق, لتحديد المسؤولين عن هذه الجرائم،وهي جرائم ضد الإنسانية وفقا لنظام روما، ومن ثم إحالة مرتكبيها، سواء كانوا أفراد أو جماعات، إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، كما حدث في جرائم دولية اخرى.وقد أوضح مجدي بأن مبادرته تأتي بعد تقاعس الحكومة العراقية في حماية مواطنيها المسيحيين، وكذلك بسبب صمت وسكوت حكومات دول العالم وتقاعسها في القيام بواجبها الاخلاقي والانساني في تقديم المساعدة والحماية للمسيحيين العراقيين في أصعب محنة وأخطر مرحلة يمرون بها. لهذا اطلق مبادرته مناشداً منظمات وهيئات حقوق الانسان والمجتمع المدني ،الاقليمية والدولية، لتحريك "العدالة الدولية"-وهي تمثل "ضمير العالم المتحضر"- لانقاذ مسيحيي العراق .
لا شك،أن خطوة الاستاذ مجدي خليل لها ما يبررها على المستوى القانون الدولي وعلى مستوى أخلاق المجتمع الانساني.ففضلاً عن ما أورده من أسباب ودوافع لمبادرته الانسانية،فهي تأتي في ظروف وأوضاع سياسية وأمنية غير طبيعة تمر بها دولة العراق بسبب الاحتلال الذي تفجرت في ظله كل الصراعات والتناقضات السياسية والمذهبة والعرقية والطائفية بين المكونات العراقية،وبرزت الميليشيات المسلحة وانتشرت المجموعات الارهابية،المحلية والمستوردة، بشكل كبير ومخيف.هذه الأوضاع  تركت المسيحيين العراقيين مكشوفين ومن غير حصانة وطنية وضحية صراعات ومصالح سياسية،بين قوى محلية عراقية وأخرى اقليمية ودولية،طبعاً من غير أن يكونوا"المسيحيون"طرفاً فيها.في هذا الاطار، قال رئيس أساقفة كركوك، المطران لويس ساكو، لوكالة (آكي) الايطالية:"هناك خطة مبرمجة وغامضة وراء تهجير وقتل المسيحيين العراقيين، لأن القضية شديدة التعقيد والتشابك ولكل دول الجوار يد وتأثير في الواقع العراقي". وحذر ساكو من حملات "التصفية" التي يتعرض لها المسيحيون في العراق "وفق مخططات اقليمية وداخلية لاهداف سياسية هي جزء من مشروع الفوضى الذي يراد للعراق". وأضاف "هناك خطة لإفراغ الشرق من المسيحيين، بدأت في العراق حيث لا من جيش وشرطة ولا حكومة تضمن الأمن وتوفر الحماية لكل المواطنين". كما أجمع رؤساء الطوائف المسيحية، على أن الشعب المسيحي في العراق  يتعرض إلى حملة "إِبادة جماعية".
ان خطوة الاستاذ مجدي خليل تأتي في مناخ دولي  يشجع على مثل هذه المبادرات.وفي عالم متحضر تقدم فيه مستوى الشعور الانساني الكوني،فضلاً عن أن العولمة حطمت الكثير من الحدود والحواجز السياسية والغير سياسية بين دوله وأممه. فلم تعد قضايا الشعوب وحقوق الانسان شئناً داخلياً،كما كان ينظر اليها في السابق،وانما امست قضايا عالمية بابعادها الانسانية والاخلاقية، خاصة اذا كانت المسألة تتعلق بشعب مهدد بوجوده واقتلاعه من ارضه التاريخية،كما هو حال الشعب الكلدوآشوري والمسيحي في العراق.اذا كانت جريمة اغتيال شخص"رفيق الحريري" أو "سقوط طائرة في لوكربي" تطلب تشكيل "لجنة تحقيق دولية"،ألا يستحق شعب تعرض ،ومازال، لعمليات ابادة ولجرائم انسانية مثل هذه اللجنة وتوفير رادع دولي أو "ملاذ آمن"لحمايته وانقاذ ما تبقى من هذا الشعب العريق الذي قدم للحضارة البشرية الكثير؟!.خاصة تكفل المجتمع الدولي ممثلاً بـ"الأمم المتحدة" بحماية "الشعوب" من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، اذا فشلت حكومات،هذه الشعوب، في تحمل هذه المسؤولية.وقد اثبتت الأحداث المأساوية والوقائع في العراق عجز واخفاق الحكومة العرقية الحالية في توفير الحماية والأمن لمواطنيها المسيحيين.وربما هي غير جادة أو غير راغبة اصلاً في توفير الحماية لهم. فرغم ارسال المزيد من قوات الجيش والشرطة العراقية الى محافظة نينوى،بعد حملات القتل والتهجير التي تعرض لها المسيحيون في الشهر الماضي، ورغم كل تطمينات ووعود الحكومة والرئاسة والقيادات السياسية والأمنية في العراق،لا يبدو أن هناك نهاية لمسلسل العنف المنظم ضد مسيحيي العراق. فبعد ايام قليلة على عودة بعض العائلات المهجرة الى منازلها في نينوى أقدمت مجموعة ارهابية يوم 12 الشهر الحالي على قتل عائلة مسيحية (شقيقتين ووالدتهما)  وتفجير منزلهما بعبوة ناسفة.
قطعاً،لنجاح "الحملة الدولية" التي اطلقها الاستاذ مجدي خليل لأجل نصرة قضية مسيحيي العراق وتوفير رادع دولي لحمايتهم، تتطلب تحرك أهل القضية واصحابها، وأعني بهم "المسيحيين العراقيين"،على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم القومية، ومعهم أيضاً مسيحيي المشرق عموماً. لأن أي تقدم أو انجاز على صعيد قضية مسيحيي العراق هو بالنتيجة نصر لقضية مسيحيي المشرق عموماً، وكذلك نصر لقضايا جميع الشعوب المضطهدة في المنطقة والعالم.فمن دون شك،أن هذه المبادرة  ستحظى بمزيد من التأييد والدعم الدولي اذا ما ساندتها ووقفت الى جانبها المرجعيات الدينية والمدنية والسياسية والفعاليات الثقافية المسيحية العراقية والمشرقية.لهذا المطلوب والمنتظر من كل هذه المرجعيات والقيادات أن تتحلى بالجرأة والمسؤولية و تقف وقفة تاريخية واحدة وحازمة مع "المبادرة الانسانية" التي اطلقها الاستاذ مجدي خليل والتحرك السريع على كل المستويات والساحات ،المحلية والاقليمية والدولية، للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية لحث الأسرة الدولية ودفعها باتجاه تشكيل "لجنة دولية" برعاية "الأمم المتحدة" تحقق في الجرائم التي تعرض لها مسيحيي العراق واحالة مرتكبيها الى "العدالة الدولية".
لقد قدم مجدي للراغبين، من المنظمات والهيئات الانسانية والحقوقية والمدنية، العمل والتنسيق معه في هذه المبادرة ،ارقام هواتفه و بريده الالكتروني وهي:
تلفونه الخاص في واشنطن.      202 725 3091
فاكس مقر المنتدى بالقاهرة  22905931-22905932
فاكس مقر المنتدى بواشنطن  571 522 6561
 Magdi.khalil@yahoo.com EM-   

سليمان يوسف shosin@scs-net.org
كاتب آشوري سوري مهتم بقضايا الاقليات
 

73
مسيحيو العراق في ذمة المجتمع الدولي


مرة اخرى، يقف العالم مذهولا امام فصل دموي جديد من "مآسي مسيحيي الشرق". فصل يخص هذه المرة مسيحيي العراق، معظمهم من الكلدو آشوريين السريان، سكان العراق الاوائل، الذين يتعرضون لعمليات تطهير عرقي وديني منظمة وممنهجة في مناطقهم التاريخية، تسببت حتى الآن بمقتل آلاف المسيحيين ونزوح اكثر من ربع مليون خارج العراق. كما في كل الفصول الدموية السابقة، التي بدأت منذ نحو قرن في ظل الاستعمار العثماني للمنطقة، الابطال هم من المسلمين، اكانوا اتراكاً ام اكرادا، عربا ام عجما. كل على طريقته، تسبب بتقلص الوجود المسيحي وانحساره في المشرق حتى تلاشى من بعض دوله، مثل الجزيرة العربية وشمال افريقيا، وكاد ان يتلاشى من بعضها الآخر، مثل تركيا وايران. وما تبقى منهم مهدد بخطر التلاشي والاندثار، لاسباب كثيرة متشعبة ومتداخلة، سياسية واجتماعية ودينية وثقافية واقتصادية وتاريخية. هذه الاسباب مجتمعة تدفع بالمسيحيين الى ترك اوطانهم والهروب بكل الاتجاهات، بحثا عن "ملاذ آمن" في مكان ما من العالم، بعدما افتقدوه في اوطانهم الام، وبعدما تلاشت احلامهم في "دولة وطنية – دولة مدنية حديثة"، تحقق لهم "المواطنة الكاملة" والمساواة التامة مع شركائهم المسلمين.
بلا ريب، ان الغزو الاميركي للعراق في آذار 2003، زاد تدهور الاوضاع الامنية في المنطقة، ولبّد اجواءها بغيوم الاحتقان الطائفي والمذهبي والنزاعات العرقية. كما تنامت في ظله، بشكل لافت ومخيف، الاتجاهات الاسلامية المتشددة والتكفيرية وانتشار المنظمات الارهابية العابرة للقارات، التي زادت القلق الكياني والخوف على المصير لدى المسيحيين المشرقيين. ويخشى الكثيرون اليوم من ان يكون مصير مسيحيي المشرق مثل مصير يهود المنطقة الذين اختفوا منها نتيجة سياسات التمييز الديني والعرقي التي مورست ضدهم والتي تضاعفت بعد قيام دولة اسرائيل واستمرار النزاع العربي الاسرائيلي. وفي سياق محنة المسيحيين المشرقيين كانت الكاتبة الفرنسية، آني لورنت قد تنبأت بعد احداث ايلول 2001" ان المسيحيين في العالم الاسلامي سيكونون شهداء العقيدة المسيحية التي يؤمنون بها وضحايا العدوان الاسلاموي المتطرف عليهم".
صحيح ان من قتل في العراق من المسلمين هم اضعاف مضاعفة ممن قتل من المسيحيين، لكن صحيح ايضا ان للمسلمين (عرب، شيعة وسنة، واكراد) ميليشيات مسلحة تتحارب لأجل امتيازات ومكاسب سياسية واقتصادية تخص طوائفهم ومذاهبهم، بينما يقتل المسيحيون من غير ان يكونوا طرفا في حروب هؤلاء، اذ لا ميليشيات مسلحة لهم، وليسوا هم بمن جاء بالاميركيين الى العراق، اذا كان البعض يبرر قتلهم انتقاما. انهم "المسيحيون" يقتلون لا لذنب ارتكبوه، وانما على خلفيات دينية وبسبب عقيدتهم المسيحية، في ظل صمت عربي واسلامي عام، باستثناء بعض المثقفين والكتاب الليبراليين والمتنورين. يفسر البعض هذا الصمت على انه تغطية عراقية وعربية واسلامية ودولية، غير معلنة لتهجير المسيحيين من المنطقة. اذ تؤكد معظم التقارير الواردة من العراق حصول عمليات القتل والتهجير الجماعي لمسيحيي الموصل وبقية المدن العراقية امام انظار قوات الاحتلال الاميركي والاوروبي من قضية مسيحيي الشرق، واقتصار ردود فعل المجتمع الدولي على قتل مسيحيي الموصل وتهجيرهم على بيانات الشجب والاستنكار والادانة ومطالبة البعض بتقديم مساعدات انسانية للنازحين. وبالرغم من حجم الكارثة التي حلت بالمسيحيين العراقيين ومحنتهم المفتوحة لم تتحرك القوى العظمى في اتجاه الدعوة الى عقد "مؤتمر دولي" يبحث في قضيتهم واتخاذ خطوات عملية تحميهم من خطر القتل والخطف والتهجير الذي يلاحقهم في كل انحاء العراق، كتوفير "منطقة آمنة" لهم داخل العراق. مثلما فعل "المجتمع الدولي" للأكراد في الشمال العراقي في تسعينات القرن الماضي في اعقاب النزوح الكردي هربا من هجمات جيش صدام حسين . وبفضل التدخل الاميركي المباشر في العراق تحولت المنطقة الكردية الآمنة اقليما فيديراليا شبه مستقل عن الحكومة المركزية تديره حكومة كردية وفقا للمصالح القومية للشعب الكردي. بينما ترك المسيحيون العزل في العراق بدون حصانة وطنية ومن غير حماية دولية يواجهون الارهاب المنظم الذي يستهدفهم. وقد جاء رفض بريطانيا، الحليف التقليدي لأميركا، لمنطقة آمنة لمسيحيي العراق على لسان بيل راميل وزير الدولة البريطاني للشرق الاوسط، في مؤتمر صحافي مشترك اقامه مع نيجرفان برزاني، رئيس وزراء الحكومة الكردية، قال بيل: "ان المملكة المتحدة غير مقتنعة بفكرة انشاء منطقة آمنة للمسيحيين".
ازاء هذا المشهد العراقي القاتم والوضع المسيحي المؤلم يشعر المسيحيون العراقيون ومعهم معظم مسيحيي المشرق باستياء وغضب شديدين، من "المجتمع الدولي" الذي تخلى عن واجبه في حماية مسيحيي العراق وتركهم في مواجهة المخاطر الجسيمة المحدقة بهم. اليس امرا يدعو الى التساؤل والدهشة والشكوك، ان يتحدث السفير الفرنسي لدى بغداد جان فرنسوا جيرو عن حرص اوروبي "على عراق تعددي وديموقراطي" بعد ان كاد العراق يخلو من مسيحييه ومن جميع مكوناته الصغيرة مثل الصابئة المندائيين والشبك واليزيديين!. وقد عبرت الكثير من الشخصيات السياسية والدينية المسيحية في مختلف دول المنطقة والعالم عن استيائها الشديد مما جرى لمسيحيي العراق والموصل تحديدا وعن قلقها العميق على مصيرهم، وحمّلت الحكومة العراقية واميركا، باعتبارها دولة محتلة للعراق، المسؤولية عما جرى وطالبتها بتوفير الحماية اللازمة للمسيحيين ولبقية المكونات العراقية الصغيرة، ضحايا الصراع السياسي والمذهبي والعرقي المنفلت في العراق، ومن غير ان يكونوا طرفا في هذا الصراع. فقد ذكرت بعض التقارير الصحفية نقلا عن شهود عيان من داخل مدينة الموصل: ان مسلحين كانوا يتجولون بسياراتهم ويقتلون مسيحيين عزلاً ويرعبون الاهالي الآمنين وهم يمرون عبر السيطرات الامنية التابعة للجيش الحكومي، وتلك الواقعة تحت سيطرة "البيشمركة الكردية" من دون ان توقفهم او تعتقلهم. كما اشارت هذه التقارير الى وقوف عناصر "الاسايش" "الامن الكردي" خلف رسائل التهديد المكتوبة على جدران بيوت المسيحيين تحضهم على مغادرة بيوتهم والا واجهوا مصير الموت. معلوم ان الاكراد طرف اساسي ومتنفذ في الحكومة المركزية ببغداد وفي كل مفاصل الدولة العراقيةوسلطاتها، السياسية والامنية والاقتصادية والقضائية.
في عالم جديد حر ومنفتح، يتصدى للارهاب الدولي ويسعى للوصول الى مجتمع انساني خال من العنف ومن كل اشكال التعصب والكراهية، من حق "الشعوب المهددة" بوجودها طلب الحماية من "الاسرة الدولية". خاصة وقد تكفل المجتمع الدولي ممثلا بـ"الامم المتحدة" بحماية "الشعوب" من الابادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، اذا فشلت حكومات هذه الشعوب، في تحمل هذه المسؤولية. وفي هذا السياق، شكك فردريكو لومباردي المتحدث باسم البابا بنيديكتوس السادس عشر، بجدية الحكومة العراقية في توفير الحماية اللازمة للمسيحيين في الموصل. ودعا لومباردي في تصريحات له ادلى بها لوكالة "رويترز" للأنباء الثلثاء الماضي، "الحكومة العراقية ومنظمات حقوق الانسان لعمل المزيد لحماية المسيحيين في الموصل الذين اصبحوا عرضة ليس فقط لمخاوف الاستهداف المتكرر، وانما ايضا لحملة ممنهجة من التهديدات". فهل ينتظر "المجتمع الدولي" مزيدا من قوافل القتلى والمهجرين والنازحين من المسيحيين العراقيين ليتأكد من اخفاق وفشل وربما عدم رغبة الحكومة العراقية في توفير الحماية لهؤلاء المعذبين، حتى يتحرك بشكل جدي وفاعل من اجل توفير "رادع دولي" يحمي مسيحيي العراق، وبقية شعوبه الصغيرة العاجزة عن حماية نفسها، من خطر الارهاب الذي يستهدفها؟
سليمان يوسف       
(سوري آشوري مهتم بقضايا الاقليات shosin@scs-net.org)       

النهار


74
تصريح لجريدة عنكاوا اللاكترونية
من الكاتب الآشوري سليمان يوسف

                                                     
                         الأمن السوري يمنعني من التحدث في المركز الثقافي

مدينة القامشلي،عروسة الجزيرة السورية ،مجتمع القوميات والأديان، حيث يتعايش فيها العرب والكلدوآشوريين السريان والأكراد والأرمن وفيها مسيحيون ومسلمون وايزيد، وكان فيها يهود للأسف لم يتبق منهم سوى بضع عائلات.لكل من هذه القوميات فعالياتها الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية،فضلاً عن احتضان المدينة لمختلف الأحزاب السورية،تلك الموجودة في السلطة والمعارضة المحظورة.هذا التنوع  وفر للمدينة بيئة خصبة ومناسبة لحراك سياسي ثقافي ديمقراطي متميز.
الى هذه المدينة الوادعة"القامشلي"،وبتاريخ 25 تشرن الأول الجاري،قدم من دولة لبنان الأستاذ"كامل نادر"،الأمين والمسؤول الاعلامي في الحزب السوري القومي الاجتماعي- جناح عصام المحايري، المقرب من الحكم في سوريا، فهو ممثل في الحكومة ومجلس الشعب- ليلقي مساء ذات اليوم محاضرة في المركز الثقافي العربي بالقامشلي بعنوان " الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات ".هذا العنوان جذب مثقفي القامشلي بمختلف طيفهم القومي والديني والسياسي،خاصة و أن سوريا كدولة تعاني من اشكالية حقيقة في هويتها الوطنية.لهذا كان الحضور نوعياً ومتميزاً ضم ممثلين عن العديد من الأحزاب العربية والآشورية والكردية والأرمنية والشيوعية وجمهور من المثقفين والمهتمين بالشأن العام .
جاء هذا الحضور على أمل أن يقدم الاستاذ كمال نادر  وجهة نظر أو رؤية الحزب "السوري القومي الاجتماعي" لحل مشكلة القوميات في سوريا  وبما يعزز الوحدة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع السوري، الذي يعاني من نقص كبير في الاندماج الوطني بين مكوناته وشعوبه. لكن يبدو أن العنوان اختير لغاية في نفس يعقوب.فقد صدم الحضور بشعارات عف عليها الزمن وشرب، تعود الى خمسينات وستينات القرن الماضي،و بخطاب سياسي حزبي قوموي مؤدلج تكفيري وتخويني للآخر لا يختلف بشيء عن فتاوي فقهاء الارهاب والقتل من الاسلاميين المتشددين. فالسيد كمال نادر خون العديد من القوى اللبنانية في سياق حديثه عن الأزمة اللبنانية واعتبر اقدام أحد كوادر الحزب السوري القومي الاجتماعي على اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب "بشير الجميل" عام 1982 عملاً بطولياً  ووصف القاتل "حبيب شرتوني"بالبطل.والسيد  كمال نادر لم يتحدث عن معضلة الاقليات القومية في سوريا والمنطقة سوى أنه اتهم الاقليات باللاوطنية والعمالة للخارج. وقال عنها:"حاملة مشروعات تخريبية في المنطقة".بدلاً من أن يتناول  ما تعانيه الأقليات من ظلم واضطهاد من قبل الأنظمة الاستبدادية التي تحكم دول المنطقة.  وقد بدا الملل والاستياء بوضوح على غالبية الحضور بسبب خطابات المحاضر واللغة الخشبية التي خاطب بها .وقد عكست أسئلة الحضور هذا الاستياء.
خلافاً لما اعتدنا عليه في المركز الثقافي،منعت في هذه المحاضرة الأسئلة والمداخلات الشفهية المباشرة- غالباً هذا حصل بتوجيهات من الأفرع الأمنية بالمدينة- .لكن،بالحاح مني ومن آخرين، تدخلت ادارة المركز الثقافي مشكورة  ليسمح ببعض المداخلات المباشرة. أول المتحدثين كان قيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي. انتقد في مداخلته المحاضر على عدم حديثه عن سياسات التميز القومي والاقصاء التي تمارسها السلطات السورية اتجاه الكورد والآشوريين والأرمن وعن حرمانهم من حقوقهم القومية وخاصة حرمان أكراد سوريين من الجنسية السورية. وهنا قاطعه المحاضر  كمال نادر، كما لو أنه محقق أمني استخباراتي متسائلاً: فيما اذا كانت الحركة الكردية السورية هي مع اقامة "دولة كردية" في الشمال العراقي أم لا ؟ طبعاً الأخ الكردي رد بدبلوماسية وحنكة سياسية بالقول: اذا كان أكراد العراق لم يطرحوا الانفصال عن العراق وقيام دولة كردية فكيف لنا نحن أكراد سوريا أن نطالب بهذا.
وبعدها  طلب مدير المحاضرة والحوار من الكاتب الآشوري"سليمان يوسف" بصفته من "الحركة الآشورية" التفضل بالتحدث وتقديم مداخلته. وما أن قمت"سليمان" وأمسكت بالمكرفون"لا قط الصوت" وقبل أن أتحدث وأبدأ مداخلتي، قام العديد من البعثيين، ومعهم اعضاء من شعبة مدينة القامشلي لحزب البعث ، اعترضوا محتجين واتهموا ادارة المركز بالانتقائية في اختيار المتداخلين من الكرد والآشوريين.وعلى الرغم من مناشدة ادارة المركز الثقافي للجميع بالهدوء وتأكيدها على حق الجميع في التحدث وابداء الرأي. لكن اصر البعثييون على احتجاجهم لمنعي من التحدث. وعلى اثر هذا الاحتجاج اعتذر المحاضر كمال نادر وطلب مني  بأن أنسحب والغي مداخلتي، لكني تمسكت بحقي بالتحدث وابداء رأي في المحاضرة وبدأت بمداخلتي: متحدثاً عن المغالطات السياسية والتاريخية الكثيرة التي وقع فيها السيد كما نادر  خاصة في موقفه السلبي من قضية الأقليات القومية وتخوينه لها ،ومحتجاً على وصفه لها"بأنها  صاحبة مشاريع تخريبية في المنطقة".وهنا سارعت العناصر الأمنية المتواجدة في القاعة الى سحب شريط لا قط الصوت"المكرفون"من الجهاز وانقطع الصوت، فعم السخط والاستياء الشديدين في القاعة ودبت الفوضى فيها وصفق غالبية الحضور بحرارة  تضامناً معي، وانتهت المحاضرة بهذه الطريقة الهزلية الغير الديمقراطية والمنافية للقيم الثقافية ولآداب المحاضرات والحوارات.
من دون شك، هذا المشهد المخجل في لمركز ثقافي وبحضور نخبة من السياسيين والمثقفين ولد ألماً  عميقاً في نفوس النخب الديمقراطية والليبرالية.عكس هذا السلوك البعثي الأمني المناخ اللاديمقراطي العام السائد في سوريا وعلى هيمنة الثقافة الاقصائية والغاء الآخر،التي كرسها حزب البعث الحاكم في المجتمع السوري وبشكل خاص لدى أوساطه ومحازيبه. فثقافة الاقصاء هي من سمات الاستبداد المهيمن على سوريا منذ انقلاب البعث على السلطة عام 1963.  وبدا جلياً أن المحاضرات والعناوين الديمقراطية التي يرفعها البعث والأحزاب التي تدور في فلكه في اطار الجبهة الوطنية التقدمية،هي ليست أكثر من محاولات فاشلة ويائسة لتجميل صورة الواقع المزري الذي تعيشه سورية فيما يخص الحريات السياسية والديمقراطية  وحقوق الانسان السوري.كما أن العناوين الديمقراطية ترفع لتضليل الراي العام السوري بأن ثمة تحول ديمقراطي ما في سوريا.

75
المنظمة الآثورية:القادمون من كردستان 


- ثمة سجال مصحوب باستياء شديد في الأوساط الآشورية،داخل سوريا وخارجها،بعد الزيارة الغير موفقة التي قام بها مؤخراً وفد المنظمة الآثورية للشمال العراقي.وما صدر من الوفد الآثوري من تصريحات ومواقف سياسية رخيصة.في عمومها جاءت غير منسجمة مع المزاج العام للشعب الكلدوآشوري السرياني، وجرحته في مشاعره القومية،فضلاً عن أنها مناقضة لمبادئ المنظمة وثوابتها القومية. وقد زاد من وقع هذه التصريحات على شعبنا تزامنها مع الحملة البربرية الجديدة على أهلنا في الموصل والمتهم فيها أطراف كردية.أولى المنزلقات السياسية التي وقع فيها وفد المنظمة: اعترافه الصريح بـ"كردستان العراق".هذا الاعتراف جاء في سياق الخبر الذي نشره ما يسمى "المكتب الاعلامي للمنظمة" عن لقاء الوفد مع ممثلين عن"الحزب الديمقراطي الكردستاني". الخبر:"أن هذه الزيارة "تأتي  في اطار الجولة التي يقوم بها وفد قيادي من المنظمة الآثورية الديمقراطية لاقليم كوردستان العراق،...، من أجل دعم مطالب وحقوق شعبنا وتثبيتها دستوريا.وقد اتسم اللقاء بالصراحة والوضوح وتخللته أجواء ودية. وقيم ايجابيا تنامي التجربة الديمقراطية في الاقليم. وضمان كافة حقوقه القومية بما في ذلك حقه المشروع في الحكم الذاتي في مناطقه التاريخية التي يقطنها في الوقت الراهن وتثبيت ذلك في دستور اقليم كوردستان العراق ودستور العراق الاتحادي".نتساءل:عن أية صراحة وديمقراطية كردية يتحدث وفد المنظمة وكل المؤشرات وأصابع الاتهام تشير الى تورط "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في معظم الاغتيالات السياسية والدينية لأبناء شعبنا في الشمال والموصل، بدءاً من اغتيال القيادي في زوعا، الشهيد فرنسيس شابو، والشهيدين سمير وبيريز الى المطران الشهيد فرج رحو.حتى أن العديد من التقارير المستقلة،من داخل العراق، تتهم ميليشيات هذا الحزب بوقوفها خلف الحملة الوحشية البربرية الأخيرة على مسيحيي الموصل وتهجيرهم من بيوتهم،فضلاً عن عشرات القرى الآشورية في الشمال مازالت محتلة من قبل أنصار وجنجويد هذا الحزب،وتكريد أسماء القرى والبلدات والمدن الآشورية الكلدانية التاريخية.
- القادمون من كردستان: مع أنكم تدركون واقع وظروف"الحركة الآشورية الديمقراطية" في الشمال العراقي،كثيراً ما كنتم تحرجون حليفكم " زوعا" وتنتقدونها على اعترافها بـ"كردستان العراق".لكن يبدو أنكم، وتحت تأثير الموائد الدسمة والكاميرات الكردستانية الملونة والبربوغاندا الاعلامية المشوهة، وبسبب افلاسكم القومي والسياسي،سرعان ما فقدتم ذاكرتكم القومية وتبدلت قناعاتكم السياسية وتجاوزتم زوعا في مسألة منح الشرعية الآشورية لـ"كردستان العراق" والذهاب بعيداً في الاشادة بحكومة الاقليم ،وبهذا خرقتم وبشكل فاضح أحد أهم المبادئ والثوابت القومية للمنظمة الآثورية، في بادرة منكم لازالة الحساسية المفرطة لدى الشارع الآشوري السوري من هذا المصطلح تمهيداً للاعتراف بـ"كردستان سوريا" .هل من ثمن سياسي أو مال سياسي،حصلتم عليه أو وعدتم به لقاء ما أقدمتم عليه من تنازلات خطيرة ومواقف كان ينتظرها الطرف الكردي منذ زمن من طرف آشوري غير عراقي؟. يقال أن السيد سركيس آغاجان،وزير المال في الحكومة الكردية، سخي جداً في توزيع "المال السياسي" وخبير في شراء الذمم. قبل نحو عام قدمت مجموعة آشورية الى سوريا قادمة من دهوك العراقية، لا ينتمي افرادها لأي من الأحزاب الآشورية،بينهم ممن يقرأ و يتابع كتاباتي،كان لي شرف استقبالهم في منزلي بمدينة القامشلي،حيث قصدوني بهدف التعارف وتقديم الشكر على ما أكتب حول قضايا الآشوريين والمسيحيين في المنطقة وكنوع من التعاطف والتضامن معي ضد المضايقات المتكررة التي تسببها لي الأجهزة الأمنية القمعية في سوريا. كان رجاؤهم الوحيد: أن لا أذكر في كتاباتي يوماً مصطلح"كردستان العراق" لأن مجرد ذكره هو خطيئة تاريخية بحق شعبنا وتاريخنا،حيث قضم معظم المناطق التاريخية للكلدوآشوريين ويعمل الأكراد على تكريدها ،فضلاً عن أن ذكره يعد اعترافاً من كاتب آشوري معروف وحر من خارج العراق بـ"اقليم كردستان"، وهذا ما ينتظره أكراد العراق من الكتاب والساسة الآشوريين.هذا الكلام يفصح عن مشاعر الاحباط والاستياء التي تسود الشارع الآشوري من الوضع القائم في الشمال ويؤكد رفض الآشوريين العراقيين للوصاية الكردية المفروضة عليهم.ما نريد قوله في هذا السياق: اذا كان الطرف الكردي يعطي كل هذه الأهمية لاعتراف كاتب آشوري متواضع باقليم كردستان،علينا أن ندرك حجم"الهدية السياسية" الثمينة التي قدمها وفد المنظمة الآثورية،من غير سبب أو مبرر، للحكومة الكردية التي تتعاطى مع شعبنا على أنه مجرد طوائف مسيحية كردستانية.فالمنظمة التي ليس لها كادر واحد في العراق لا يمكن لها أن تؤخر أو تقدم في قضية الحكم الذاتي وفي جميع القضايا الآشورية الأخرى في العراق.
- فيما يخص لقاء وفد المنظمة مع "المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري"(تسميته بـ"المجلس الشعبي" وليس بـ"المجلس القومي" تترك اشارات استفهام حول هوية هذا المجلس وتوجهاته المستقبلية)،دعا الوفد الآثوري الى توحيد الخطاب القومي والعمل على تحقيق اهداف شعبنا في هذه المرحلة ،في مقدمتها "الحكم الذاتي". قطعاً، حيال ما يشهده العراق من فوضى سياسية وفلتان أمني وتغييب للدولة،لا من عاقل آشوري/سرياني/كلداني يرفض مبدأ "الحكم الذاتي" لشعبه كمشروع قومي مستقبلي لانقاذ ما يمكن انقاذه من وجود كلدوآشوري ولو على جزء من موطنه التاريخي"بلاد ما بين النهرين". لكن التساؤلات تتوالى حول ماهية أو صيغة هذا الحكم الذاتي(حدوده الجغرافية وحقوقه السياسية،شروطه،مقوماته،آفاقه،هويته).اذ، تبدو جميع هذه المفردات ضبابية غير محددة المعاني والمعالم.الواضح حتى الآن أن الحكم الذاتي المقترح،اذا ما تحقق، سيجمع من سيتبقى من "الشعب المسيحي" في "كانتون ديني" في سهل نينوى ويلحق باقليم كردستان.بمعنى آخر،سيخرج المسيحيون العراقيون من تحت الوصاية العربية ليدخلوا تحت وصاية الحكومة الكردية راعية مشروع الحكم الذاتي عبر الوزير سركيس آغاجان ومن خلال المجلس الشعبي الآشوري السرياني الكلداني،الذي استحدثته أصلاً لأجل تسويق سياساتها الكردية ومشاريعها في أوساط الكلدوآشوريين والمسيحيين العراقيين عامة،مستغلة الظروف الأمنية والانسانية الصعبة التي يعيشونها. نتساءل: بأي اتجاه يريد أن يوحد الآثورييون الخطاب القومي مع المجلس الشعبي الذي يدور في فلك الحكومة الكردية.أليس أولى بكم أيها الآثورييون الكردستانيون توحيد خطابكم القومي داخل منظمتكم المتهالكة والمتهاوية والمتشظية الى مجموعات وشلل متنافرة،لكل منها تطلعاتها وشعاراتها السياسية وتصوراتها المستقبلية الخاصة بها.حتى القضايا القومية المصيرية لا اجماع عليها،حيث هي تخضع للأهواء  والنزعات الشخصية وتطرح بشكل ارتجالي.فبمجرد تغيير مسؤول المنظمة تتغير معه الأجندة والأهداف السياسية والمبادئ وتتبدل المواقف والتحالفات،ليعيد انتاج أزمات المنظمة التي تعصف بها من حين لآخر بسبب عمق التناقضات الفكرية والسياسية بين شلل المنظمة.ففي الوقت الذي كان الوفد الآثوري الزائر يشيد بمواقف الحكومة الكردية في الشمال وبسياساتها العادلة تجاه القضايا الآشورية في العراق ويمتدح تجربتها الديمقراطية،كتب"آريو الخابوري"،أحد نشطاء المنظمة،مقالاً نشر في موقع زهريرا التابع لزوعا، بعنوان "مسرحية المادة 50 والمجلس الشعبي"فند في مقاله كل مزاعم ونفاق الوفد الآثوري الزائر ل"كردستان العراق".نقتبس هذا المقطع من المقال:"تستغل كتلة التحالف الكردستاني اقتراح الائتلاف الشيعي بإلغاء المادة 50 ، تصادق كتلة الكردستاني عليه ، ثم تنطلق مشاهد استنكار هذا الإلغاء وشجبه والتنديد به !!!! ، ثم تعلن مسيرات اللطم والندب حدادا على الإلغاء.ينفذها المجلس الشعبي تنفيذا للأوامر الصادرة عن مجلس قيادة المسرحية.توعز القيادات الكردية إلى أزلامها في المجلس الشعبي للتحرك والاعتصام ، لتعويم هذا المجلس المفلس بأعضائه ومشروعه و توجهاته ، المفلس إلا من أمواله ، لتعويمه سياسيا على انه المخلص والمنقذ وانه هو الذي أعاد المادة 50، ثم يستغل المجلس فرصة انخداع الشعب بهذه المسرحية الكوميدية السخيفة لتمرير شعارات الحكم الذاتي التي طغت على شعارات المطالبة بإعادة المادة 50 . كيف يتظاهر المجلس الشعبي الذي هو منتج للقيادات الكردية ، ويتحرك بدعم وتمويل وتوجيه مباشرين من قيادة البارتي ضد قرار كتلة التحالف الكردية إن لم يكن الأمر مسرحية فاشلة مفبركة ؟".
-  لم يعد سراً فتور العلاقة بين، زوعا ومطاكستا، وانتهاء "زواج المتعة السياسي" بينهما. وقد قام الآثورييون برحلة استجمام وسياحة الى "كردستان العراق" بحثاً عن "زواج متعة" جديد يناسب "المرحلة الكردستانية" التي يستعدون لها.زوعا التي تتعاطى مع الأحزاب الآشورية بعقلية الحزب القائد، تدرك جيداً كيف يفكر الانقلابيون الجدد على المنظمة الآثورية، لهذا لم ترغب بحصول هذه الزيارة وعندما حصلت عن طريق خصمها السياسي ،المجلس الشعبي السرياني الكلداني الآشوري، لم ترحب بها ولم تبد أية حماسة لها، خاصة وقد جاءت تصريحات الوفد الآثوري الزائر ومواقفه من الملفات الآشورية الساخنة في مقدمتها" الحكم الذاتي"،متوافقة ومنسجمة لا بل متماهية تماماً مع سياسات الحكومة الكردية والمجلس الشعبي وعلى النقيض من سياسات وتوجهات زوعا.لهذا خلا اعلام زوعا من أخبار الزيارة باستثناء خبر مقتضب عن اللقاء اليتيم للوفد الآثوري مع أعضاء من مكتبها السياسي لم يحضره سكرتيرها العام السيد يونادم كنا.بينما عقد الوفد الزائر سلسلة لقاءات مع المجلس الشعبي.لهذا يعتقد الكثيرون أن هذه الزيارة ستفاقم من الأزمة القائمة بين زوعا ومطاكستا وقد تدق المسمار الأخير في نعش "ميثاق العمل القومي" الموقع بينهما منذ سنوات من غير أن يثمر عن أي عمل قومي مشترك فعلي على الساحة الآشورية.
- القابضون من كردستان، يا من خطفتم المنظمة الآثورية،بالأمس كتبتم مقالاً مسموماً بعنوان"رفاقي في مطاكستا و زوعا.أيها القابضون على جمر" أسأتم فيه الى جميع المنسحبين من المنظمة وهم بالعشرات،انسحبوا احتجاجاً على عنجهيتكم وطفولتكم السياسية وعلى جعلكم للمنظمة مطية بأيديكم وفي خدمة مصالحكم الأنانية.وقد عبرتم فيه خير تعبير عن أنفسكم وعن ضحالة تفكيركم في مقالكم الذي جاء فيه:"بالتزامن التام مع الحملة الشعواء على زوعا، انطلقت  حملة مضادة للمنظمة الآثورية الديمقراطية،.لننظر إلى الطروحات التي يلفقها منتقدو المنظمة القدماء منهم والمستجدون، فهم: إما سيئون أو مسيئون، إما يائسون أو ميئسون، عملاء أو مشاريع عملاء، مرضى معتلون أو على حافة القبر، عاطلون أو معطلون، جبناء أو خائفون... لكن رغم كل هذه الأهوال و الحروب والضغوطات المخابراتية المتزامنة لكسر المنظمة الآثورية الديمقراطية في سوريا والحركة الديمقراطية الآشورية في العراق فإن وثيقة الشرف والدم الموقعة بينهما ستستمر وتتطور،...".اليوم بجولتكم الكردستانية أفصحتم عن نفاقكم القومي وكشفتم عن معدنكم اللاوطني.وانقلبتم على حليفكم زوعا وانتم تزعمون بأن بينكم وبينه وثيقة شرف موقعة بالدم؟!.
سليمان يوسف
سوريا - القامشلي
shosin@scs-net.org

 

76
استهداف ممنهج لمسيحيي العراق

سليمان يوسف     


عرف التاريخ القديم والحديث في شرق العالم وغربه، حالات كثيرة فيها دول وامم، عسكريا وسياسيا للدفاع عن شعب او قوم تعرض لاعتداء او لتهديد جماعي من جهة ما، احيانا تكون دولة واحيانا اخرى تكون حركات ارهابية. وقد شاهد العالم كيف استنفرت الولايات المتحدة الاميركية نهاية تسعينات القرن الماضي بكل قوتها وترسانتها العسكرية ضد صربيا للدفاع عن شعب كوسوفو المسلم. كما سارعت اوروبا واميركا للتحرك ضد نظام صدام حسين وفرضت منطقة آمنة في الشمال العراقي وحظرت على القوات العراقية البرية والجوية دخول هذه المنطقة لضمان حماية اكراد العراق من هجمات الجيش العراقي. ومنذ اكثر من عام استنفر العالم الغربي ومعه اميركا لوضع حد لمحنة شعب دارفور وحمايته من هجمات الجنجويد وتحميل الحكومة السودانية المسؤولية عما جرى من ويلات ومآس في دارفور. وفي سبعينات القرن الماضي تدخلت تركيا عسكريا في جزيرة قبرص للدفاع عن القبارصة الاتراك وهي ما زالت تحتل اجزاء كبيرة من الجزيرة المتنازع عليها مع اليونان. كما ان تركيا تهدد اليوم بالتدخل العسكري لمصلحة تركمان كركوك في حال تعرضوا لأي تهديد او خطر، ومن اي طرف كان، من داخل العراق او من خارجه. لكن وحدهم مسيحيي العراق سكانه الاوائل ومعظمهم من الكلدو آشوريين، بناة حضارة ما بين النهرين، تركوا عزلا من غير سند او حليف، يواجهون الموت، ليموت معهم تاريخ العراق. فعلى رغم تصاعد وتيرة العنف المنظم ضد المسيحيين في مدينة الموصل "نينوى" بشكل مخيف في الاسابيع الاخيرة ما ادى حتى الان الى مقتل العشرات منهم، فضلا عن نزوح مئات العائلات المسيحية، الى قرى وبلدات سهل نينوى لتعيش في ظروف مأسوية للغاية، لم يتحرك احد في العالم لانقاذهم وحمايتهم من براثن الارهاب المنظم والممنهج ضدهم، حتى حكومة العراق تخاذلت أو تلكأت في تقديم المساعدة والحماية لهم، في ظل صمت عربي واسلامي، رسمي وشعبي، غير مبرر.
وقد اجمع رؤساء الطوائف المسيحية على ان الشعب المسيحي في العراق يتعرض لحملة "ابادة جماعية" تهدد وجوده. وبخاصة في مدينة الموصل. ووصف البعض ما جرى بـ"عملية انفال" ضد مسيحيي العراق. اذ يخشى من ان تكون احداث الموصل، وسلسلة العمليات الاخرى التي تستهدف المسيحيين بشكل منظم وممنهج في انحاء مختلفة من العراق، جزءا من مخطط او مشروع يشترك فيه اطراف محليون واقليميون ودوليون يهدف الى انهاء الوجود المسيحي في العراق ومن المشرق العربي الاسلامي عامة.
في هذا السياق، حذر الاسقف لويس ساكو، رئيس اساقفة الكلدان في كركوك، من حملات "التصفية" التي يتعرض لها المسيحيون في العراق، "وفق مخططات اقليمية وداخلية لاهداف سياسية هي جزء من مشروع الفوضى الذي يراد للعراق". واكد ساكو ان "المسيحيين ابناء العراق الاصليون لا علاقة لهم بما يحاك من سياسات ترسم مستقبل العراق. وحمل الاسقف الكلداني المسؤولية الاولى للقوات الاميركية بوصفها قوات احتلال. اذ قال: "كيف يستطيع الاميركيون حماية قواتهم ولا يستطيعون حمايتنا وحماية العراقيين"؟ جدير بالذكر ان التعديات المستمرة على المسيحيين منذ الغزو الاميركي للعراق، آذار 2003، ادت حتى الآن الى مقتل نحو الف مسيحي بينهم رجال دين، بينهم المطران "بولس فرح رحو"، وترك اكثر من ربع مليون مسيحي موطنه العراق ولجأ الى دول الجوار، وبشكل خاص الى سوريا. معظمهم لا ينوي العودة الى العراق وانما الوصول الى القارة الاميركية او الاوروبية.
تتضارب التقارير، وتناقض القراءات حول الجهة التي تقف خلف استهداف المسيحيين في الموصل واخلاء المدينة منهم في هذه المرحلة، ثمة من يتساءل عن اهداف ما جرى في الموصل، وعن الجهة المستفيدة من قتل المسيحيين وتهجيرهم من غير ان يكون طرفا في الصراعات السياسية والعرقية والمذهبية التي تشهدها الساحة العراقية على سلطة العراق وثروته، فهل هي صدفة تزامن الاعتداءات الجديدة، وبشكل اكبر بربرية  ووحشية، على مسيحيي الموصل مع خروج الكلدو آشوريين بتظاهرات احتجاج على حرمانهم حقوقهم السياسية من قبل البرلمان ومجلس الرئاسة في العراق، من خلال الغاء المادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات التي كانت تضمن الحد الادنى من الحقوق السياسية للمسيحيين ولباقي الشعوب الصغيرة في العراقِ؟ ام ان هذه الاعتداءات جاءت ردا على احتجاجات المسيحيين ورسالة لمن يحاول دعم ورفع سقف مطالبهم السياسية؟
من دون شك، ان الادارة الاميركية ومعها الحكومة العراقية تتحملان المسؤولية القانونية والاخلاقية كاملة عن محنة مسيحيي الموصل ومحنة العراقيين عامة، لكن عدم ارسال جيش عراقي وقوات اميركية الى الموصل لحماية المسيحيين منذ اليوم الاول لبدء الهجمات الارهابية عليهم، ترك اشارات استفهام كبيرة حول موقف كل من حكومة المالكي وقوات الاحتلال الاميركي من مستقبل المسيحيين في العراق! فهل ارسال قوات حماية او فوجين من الشرطة العراقية الى الموصل من قبل وزارة الداخلية العراقية، يحتاج الى خمسة عشرة يوما من الدراسة والنقاش من قبل المعنيين؟ وربما السؤال الاكثر اهمية واثارة للسجال اليوم في الاوساط العراقية والمسيحية خاصة، هو: هل حقا ان جهات كردية عراقية تقف وراء عملية تهجير مسيحيي الموصل – وكما جاء في بيان اصدره التجمع الوطني لمسيحيي الموصل قبل ايامِ، وتردده جهات عراقية عديدة – الغرض او الهدف الاساسي منه هو ترسيخ فكرة الظلم الواقع على المسيحيين امام الرأي المحلي والعالمي، تاليا لتبرير مطالبة المسيحيين العراقيين بـ"حكم ذاتي" لهم في منطقة سهل نينوى والذي ترعاه وتشجعه الاطراف الكردية الساعية الى توسيع حدود الاقليم الكردي شمالا بضم سهل نينوى حيث الاقضية والنواحي التي يتمركز فيها المسيحيون، وذلك من خلال عراب مشروع الحكم الذاتي للمسيحيين وزير المالية في الحكومة الكردية السيد "سركيس اغاجان".
--------------------
المقال منشور في جريدة النهار اللنانية
 

77


مسيحيو العراق ابرز ضحايا الاستبداد الديني والسياسي

 
 

 
 
 
سليمان يوسف

بعد خلاص شعب العراق من الاستبداد والحكم الدكتاتوري، كان من المفترض أن تعالج مشاكل العراق بشكل جذري وسليم في اطار دستور ديمقراطي،يؤسس لدولة عراقية تعددية مدنية، وبما يحقق علاقات وطنية مستقرة ومتوازنة بين مختلف مكونات المجتمع العراقي. لكن ما جرى في العراق هو استئثار زعماء الطوائف وقادة الميليشيات المسلحة بالقرار وفرض سياسية أمر الواقع واغراق العراق بحروب طائفية وصراعات عرقية مدمرة.فكل طرف سعى لتوسيع حدود دويلته الطائفية والمذهبية والعرقية على حساب وحدة الوطن العراقي، مستغلاً ظروف الاحتلال الامريكي له. وتركت المكونات العراقية الصغيرة، وخاصة المسيحيين، من غير حصانة أو حماية وطنية حتى أضحوا هدفاً سهلاً للمجموعات الارهابية والمنظمات الاسلامية المتطرفة التي مارست بحقهم القتل والخطف ودفعتهم للتهجير القسري من مناطقهم التاريخية حتى كاد العراق ان يخلو من المسيحيين. ولا يبدو أن العملية السياسية الجارية في العراق ستحدث تحول جوهري و تحسن مهم على أوضاع المسيحيين العراقيين، ابرز ضحايا الاستبداد الديني والسياسي.


فبعد أشهر من الاشتباك السياسي والسجال المذهبي والاثني داخل قاعة البرلمان العراقي وخارجه، بين الكتل العربية والكردية والتركمانية حول هوية مدينة "كركوك" ومستقبلها السياسي في العراق الفدرالي الجديد، أقر مجلس النواب العراقي في جلسته ليوم الاربعاء 24من ايلول الماضي قانون انتخاب مجالس المحافظات بعد حذف منه المادة50،الخاصة بتمثيل الأقليات الدينية والاثنية كالمسيحيين والشبك واليزيديين. كما استثنى القانون مدينة "كركوك" المتنازع عليها، ومحافظات الشمال الكردي، المستثنى أصلاً من كل القوانين والمراسيم والتعاميم الصادرة عن حكومة بغداد، عدا تلك التي تشتهيها حكومة اربيل. هكذا فبالرغم من عمق الخلافات والصراعات الخفية والعلنية بين الكتل البرلمانية الكبيرة على تقسيم"الكعكة العراقية" لم تجد هذه الكتل حراجة في خرق الدستور العراقي وفي عدم احترام مشاعر الأقوام العراقية الصغيرة والاتفاق على سلبها حقوقها وقتل أحلامها وتطلعاتها السياسية حتى في أبسط تمثيل لها في مجالس المحافظات.

وكان الكاردينال"عمانوئيل دلي"،الرئيس الأعلى للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، وعشية انعقاد جلسة التصويت في مجلس النواب،قد التقى السيد "عبد العزيز الحكيم"، رئيس الائتلاف الشيعي الحاكم، الذي وعده بالدفاع عن حقوق الاقليات. لكن جرت الرياح داخل قاعة البرلمان بما لا تشتهي سفن المسيحيين،حيث صوت الائتلاف الشيعي والتحالف الكردستاني ضد المادة 50، خلافاً لما وعد به الحكيم، ليخرج القانون مشوهاً ناقصاً هاضماً الحد الأدنى من الحقوق السياسية للشعوب العراقية الصغيرة، ومخيباً لآمال الكلدوآشوريين المسيحيين من مستقبلهم السياسي في العراق الجديد. حيث كشف الغاء المادة 50 عن المعدن السياسي الحقيقي لقادة الأحزاب والمليشيات الدينية والمذهبية والعرقية المهيمنة على الحياة السياسية في العراق. وبدا جلياً أن "الديمقراطية التوافقية"، التي يتغنى بها هؤلاء ليست أكثر من قناع طائفي وعرقي ومذهبي وأكذوبة لتمرير مشاريعهم ومصالحهم الفئوية الخاصة على حساب مصالح العراق وشعب العراق.

فالكل يدرك بأن في ظل الاصطفافات الطائفية والمذهبية والاثنية السائدة في الساحة العراقية،يستحيل فوز مسيحياً أو يزيدياً أو صابيئياً واحداً في انتخابات مجالس المحافظات، أو في أي انتخابات قادمة، ما لم يكون هناك قانون- كوتا- يضمن حصتهم في التمثيل. فالذي يحدد اليوم اتجاه صوت الناخب العراقي هو ولاءه الطائفي أو المذهبي أو العرقي، بمعنى آخر انتمائه العضوي والفطري لأحد المكونات العراقية وليس انتمائه"المدني والوطني" الذي كاد أن يغيب عن ثقافة غالبية العراقيين.

لقد أثار، القرار الجائر لمجلس النواب العراقي، استياء واستنكار شديدين لدى مختلف الأوساط السياسية والدينية والمدنية للأقليات العراقية، وبشكل أكثر لدى الكلدوآشوريين المسيحيين، أكبر هذه الأقليات وأقدم أقوام العراق. فردة فعل الشارع المسيحي لم تتوقف على بيانات الادانة والشجب والاستنكار لهذا القرار المجحف بحقهم، وانما شهدت معظم المدن والبلدات المسيحية في العراق- وكذلك الجاليات المسيحية العراقية في دول المهجر"المنفى"- مظاهرات ومسيرات شعبية احتجاجاً على القرار وعلى الظلم الذي لحق بهم جراء السياسيات الغير عادلة للحكومة العراقية. وطالب المتظاهرون بتثبت المادة 50 في صيغتها الأولى ومن غير تعديل في قانون انتخاب مجالس المحافظات،كما أكد المحتجون على أن تمثيلهم العادل في مجالس المحافظات لا يشكل سقف مطالبهم السياسية وانما هم ماضون في مطالبتهم بالحكم الذاتي في سهل نينوى وفي باقي مناطقهم التاريخية التي ضمت الى اقليم كردستان.فالموقف الشيوفيني الذي برز للكتل السياسية الكبيرة في جلسة 24 ايلول للبرلمان العراقي زاد المسيحيين العراقيين يقيناً بأن لا ضمانة لحقوقهم ولا أمن لهم ولا خلاص من الموت والخطف والتهجير القسري الذي يلاحقهم إلا في حكمهم لأنفسهم في العراق الفدرالي الجديد.

هذا وقد اعتبر النائب الآشوري في البرلمان العراقي "يونادم كنا" ما جرى في جلسة التصويت "مؤشرا خطيرا على التعصب الديني والقومي. ومحاولة لفرض ارادات الأحزاب السياسية على المكونات الصغيرة من اجل تحقيق مصالح خاصة". ولم يخف يونادم مخاوفه من أن يكون لدى هذه الكتل توجها لاجتثاث المسيحيين من كل مراكز الدولة مثلما تم اجتثاثهم من المفوضية العليا للانتخابات النيابية الماضية. فيما هدد النائب المسيحي الآخر"ابلحد افرام"عن القائمة الكردستانية رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، بالانسحاب من التحالف الكردستاني احتجاجاً على الدور السلبي للتحالف في الجلسة وتصويته الى جانب المطالبين بالغاء المادة 50 من القانون.

ووصف افرام ما جرى،" بالمؤامرة الكبيرة ضد الأقليات القومية والدينية في العراق".وحمل افرام هذه الكتل مسؤولية ما أصاب العراق من دمار وخراب ونشر التفرقة والتعصب في المجتمع العراقي. وبدوره أنتقد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق "استيفان ديمستورا" في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني "افتقار القانون إلى وجود فقرة تضمن تمثيل الأقليات في الانتخابات العراقية".

جدير بالذكر ان المادة 50 كانت قد اقرت بالاجماع من قبل البرلمان العراقي في جلسة 22 تموز الماضي. لهذا ثمة اشارات استفهام عديدة وتساؤلات كبيرة تركها هذا الموقف السلبي من حقوق الأقليات،خاصة و أن الذريعة التي قدمها البعض لالغاء المادة 50 من قانون مجالس المحافظات "عدم وجود احصائيات دقيقة لهذه المكونات لتحديد نسبتها السكانية" هي ذريعة واهية جداً لا تقنع حتى اصحابها.

أياً تكن الأسباب والنوايا فأن الاقصاء السياسي للمسيحيين من قبل الكتل الكبيرة داخل البرلمان العراقي يتقاطع مع موقف التنظيمات الاسلامية المتطرفة ومع موقف المجموعات الارهابية التي تستهدف وبشكل منظم المسيحيين العراقيين. كما أن تصويت التحالف الكردستاني ضد مصلحة المسيحيين في جلسة النواب زاد من شكوك المسيحيين العراقيين بجدية ومصداقية القيادات الكردية فيما يخص موقفها من"الحكم الذاتي" للكلدوآشوريين في سهل نينوى.

وقد نقل عن بعض المسيحيين في الموصل وسهل نينوى انه يجري الضغط عليهم، بطرق واشكال مختلفة، من قبل التحالف الكردستاني بضرورة الانضواء تحت القائمة الكردية في انتخابات مجالس المحافظات. وفي هذا الاطار لم تعد تخفى على أحد رغبة وطموح قادة الأكراد العراقيين في توسيع حدود"الدولة الكردية المنشودة". وقد كشف عن هذه التطلعات الكردية الرئيس العراقي الكردي"جلال طالباني"ذاته عندما طرح على التركمان"حكماً ذاتياً" في منطقة كركوك، ذات الغالبية التركمانية، شريطة ضمها الى "إقليم كردستان" كمخرج مناسب للمدينة المتنازع عليها، والتي هي بنظر الكثير من المراقبين"القنبلة الموقوتة" التي ستفجر الوضع العراقي وستخلط أوراق اللاعبين الكبار في الساحة العراقية التي أمست مفتوحة لحروب وصراعات أطراف اقليمية ودولية.
 


http://www.alarabiya.net/views/2008/10/03/57601.html

78
                     
        الحوار" الإسلامي المسيحي المشرقي"والأفق المسدود

لم تمض سوى سنوات قليلة على انتهاء "الحرب الباردة" وسقوط "جدار برلين" الذي أرخ لمرحلة تاريخية عالمية جديدة،قيل أنها ستكون مرحلة "سلام كوني"،حتى ظهرت نظرية "صدام الحضارات" لصموئيل هنتنيغتون،التي بشرت العالم بحروب وصراعات من نوع آخر،على أرضية الاختلافات والتصادمات الثقافية والدينية بين الشعوب والأمم،ستكون أكثر خطورة ودموية من حروب الايديولوجيات والمصالح التي عانت منه البشرية في الماضي.والمفارقة،أن حروب هنتنيغتون تفجرت في "يوغسلافيا" السابقة،في قلب القارة الأوربية الآمنة.وكما هو معلوم، تشهد اليوم العديد من الدول العربية والاسلامية، حروب أهلية، ودول مشرقية أخرى مرشحة لتفجر أوضاعها الداخلية، لأسباب تتعلق بالتناقضات والاختلافات الثقافية،وكذلك بالهويات القاتلة (طائفية،مذهبية ،عرقية).هذه الأوضاع الخطيرة دفعت بالعديد من المرجعيات الدينية،اسلامية ومسيحية ومن ديانات وعقائد أخرى، وبزعماء وشخصيات سياسية ومؤسسات مدنية من الشرق والغرب على حد سواء،لاطلاق دعوات لحوار جدي بين اتباع مختلف الأديان والعقائد. وذلك لأجل التواصل بين شعوب وأمم الأرض،والتفاهم فيما بينها على صيغ وأسس تحول دون اندلاع مزيد من الحروب والقلاقل،ولتدارس سبل تعزيز وترسيخ "السلام الديني" في العالم، وكيفية تطويق مضاعفات نظرية "صدام الحضارات".وقد أقيمت العديد من المؤتمرات واللقاءات الحوارية،الاقليمية والدولية،جمعت قيادات ومرجعيات دينية، مسيحية واسلامية ويهودية ومن ديانات أخرى، الى جانب شخصيات ومفكرين من مختلف أنحاء العالم.وجاءت زيارة العاهل السعودي،الملك عبدالله بن عبد العزيز، الى "حاضرة الفاتيكان" ولقاءه البابا بنديكتوس السادس عشر في السادس من تشرين الثاني 2007، لتشكل محطة بارزة ومهمة في تاريخ العلاقات بين الاسلام والمسيحية.هذه الزيارة التاريخية، من دون شك،ستعطي دفعاً معنوياً كبيراً  لعملية الحوار"الاسلامي المسيحي"،وذلك نظراً لأهمية وثقل المملكة العربية السعودية  ومكانتها الدينية والتاريخية في العالم العربي والاسلامي من جهة،ولأهمية ومكانة الفاتيكان والبابا في العالم المسيحي من جهة أخرى.وتأكيداً لرغبة المملكة في تفعيل حوار الحضارات والاديان،ترأس الملك عبد الله المؤتمر العالمي للحوار بين الأديان الذي نظمته "رابطة العالم الإسلامي"ما بين 16 و18 يوليو/ تموز الماضي في العاصمة الإسبانية مدريد.وقد صدر عن المؤتمر"اعلان مدريد" الذي أكد على ضرورة مكافحة استخدام الدين لإثارة التمييز العنصري.واتفق المشاركون على تكوين فريق عمل لدراسة الإشكالات التي تعيق "الحوار الديني" وتحول دون بلوغه النتائج المرجوة منه.وإدراج قضايا الحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات في النشاطات الشبابية والثقافية والإعلامية والتربوية.ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تأييد النتائج التي توصل إليها هذا المؤتمر والاستفادة منها في دفع الحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات من خلال عقد دورة خاصة للحوار.
صحيح، لا قيمة قانونية لما يصدر من قرارات وتوصيات عن مؤتمرات الحوار بين الأديان ، ولا من جهة تمتلك سلطة مادية مخولة لالزام الحكومات والمعنيين بتطبيقها، لكن هذا لا يقلل من أهمية هذه الحوارات على صعيد التواصل بين الحضارات وتعزيز التعايش بين الشعوب والأمم في عالمنا المضطرب.وتكتسب الحوارات الدينية أهمية خاصة وكبيرة في منطقة الشرق الأوسط،أكثر مناطق العالم توتراً واحتقاناً حيث يترعرع مختلف أنواع الأقليات الدينية والقومية والاثنية والثقافية واللغوية والمذهبية.فضلاً عن أن الدين،وبشكل أكثر الدين الاسلامي، بصورته التقليدية المعروفة والمتوارثة لا يزال الفاعل الأساسي والرئيسي في حياة شعوب المنطقة وله الدور الكبير في صياغة حياتها ومفاهيمها السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية.الذي يهمنا ، نحن شعوب المنطقة، بالدرجة الأولى هو الحوار "الاسلامي المسيحي المشرقي"أي الحوار الذي يعنى بمستقبل العلاقة والعيش المشترك بين مسلمين ومسيحيين جمعهما المشرق بحكم التاريخ والجغرافيا. طبعاً، ليس المطلوب أن يفضي هذا الحوار الى اقرار المسلمون بإلوهية المسيحي، ولا أن يأخذ المسيحيون بأركان الاسلام، فالعقائد الثابتة والمقدسة لدى كل دين يفترض أن تكون خارج دائرة النقاش وبعيدة عن طاولة الحوار. وانما المطلوب حواراً يقوم على قاعدة الاعتراف بالآخر والقبول به شريكاً بكامل حقوق وواجبات المواطنة.حواراً يتطرق الى عمق المشكلات الحياتية التي تهدد بنسف أسس وقيم العيش المشترك.حواراً يفضي في النهاية  الى انهاء سياسة التمييز الديني السائدة في المجتمعات العربية والاسلامية. فلم يعد مقبولاً أبداً، صمت وسكوت المرجعيات الاسلامية، حيال تصاعد عمليات استهداف المسيحيين وتفجير كنائسهم ومراكزهم الدينية لأسباب عقائدية في أكثر من دولة عربية واسلامية- العراق ومصر نموذجاً-من قبل منظمات اسلامية متطرفة تعادي المسيحيين و ترفع شعارات خطيرة ضدهم "لا مسيحيين بيننا".بكل تأكيد،صمت الحكومات والمرجعيات الاسلامية عن محنة مسيحيي المشرق لا يخدم عملية الحوار الاسلامي المسيحي.كما أنه يزيد من شكوك المسيحيين ويزعزع ثقتهم بموقف المجتمعات والحكومات العربية والاسلامية من قضية الوجود المسيحي في المشرق. فحتى يستقيم ويتقدم أي حوار ويؤتي ثماراً، يفترض أن تسوده الثقة المتبادلة والشفافية في المواقف والصراحة في طرح مختلف القضايا والمسائل.وهنا اعتقد بأن عدم جدية الطرف الاسلامي في طرح ومعالجة المشكلات الحياتية والقضايا الملحة والمقلقة لمسيحيي المشرق، جعل عملية الحوار الاسلامي المسيحي المشرقي الأولى، بعد عقود سيبقى من غير مسيحيين،اذا ما استمرت أوضاعهم المأساوية على حالها، وما لم تتخذ خطوات عملية من شأنها تضع حداً لمحنة المسيحيين وتعزز حضورهم ووجودهم في أوطانهم؟.واذا ما خلا المشرق من المسيحيين حينها سيفقد الحوار الاسلامي المسيحي المشرقي ليس أهميته فحسب، وانما كل مبرراته وأسباب استمراره أيضاً.طبعاً،أكثر من يتحمل المسؤولية في هذه القضية هو الطرف الاسلامي، لأن الحوار يتم في بيئة اسلامية ولأن الطرف الاسلامي هو الحاكم والمتحكم بمصير مسيحيي المشرق بالمطلق.
 ومن العقبات الأخرى،التي تبقي "الحوار المسيحي الاسلامي المشرقي" يراوح مكانه ويدور في حلقة مفرغة، تمثيل الطرف المسيحي بشخصيات ومرجعيات موالية للسلطات القائمة، وغالباً يتم اختيارها وتسميها من قبل السلطات نفسها.طبعاً،لا يمكن لمثل هؤلاء أن يكونوا أحراراً في نقاشاتهم أو أن يتحلوا بالجرأة المطلوبة لطرح جميع التحديات والمخاطر الحقيقية التي تقلق مسيحيي المشرق،خاصة تلك المرتبطة بطبيعة أنظمة الحكم والاستبداد القائمة في بلدانهم وبنهجها الطائفي.والأنكى من هذا التمثيل المشوه للمسيحيين، وحتى لا يتهم رؤساء الكنائس والمرجعيات المسيحية بالطائفية وباللاوطنية،تتهرب هذه المرجعيات من طرح محنة المسيحيين المشرقيين، بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية. ففي الوقت الذي يعاني أقباط مصر من سياسية تمييز ديني وقومي وارتفاع وتيرة الاعتداءات الارهابية المنظمة عليهم وعلى املاكهم وكنائسهم، تقوم بها مجموعات اسلامية متطرفة ترفع شعارات معادية لهم"لا مسيحيين بيننا"في ظل صمت المجتمع وتواطؤ السلطة أو على الأقل بعض أجهزنها،نرى بابا الأقباط"شنودة" يرفض ويعترض على حضور ممثلين عن أقباط مصر مؤتمرات، اقليمية ودولية، خاصة ببحث وتدارس مشكلة الأقليات.ورغم هذه الوطنية العالية للبابا شنودة،لم يسلم من هجوم الصحافة المصرية ومن التشكيك بوطنيته، كلما ألمح الى بعض معانات الأقباط المصريين والى تهميشهم السياسي.وفي ذات المنحى،بدلاً من أن يطرح بطريرك السريان الأرثوذكس"زكا عواص الأول"،في مؤتمر الدوحة للحوار الاسلامي المسيحي لعام 2004،هواجس المسيحيين السوريين من "سريان/آشوريين" وغيرهم، وكيفية تعزيز وجودهم ودعم حضورهم في وطنهم للحد من هجرتهم،نجد أن مداخلة البطريرك اقتصرت على تمجيد التاريخ العربي الإسلامي وحث الجميع على العمل لأجل رفع راية العروبة والإسلام عالياً.
أخيراً:أعتقد بأن من المهمات الأساسية والملحة التي يجب أن يحسمها "الحوار الاسلامي – المسيحي المشرقي" في المرحلة الراهنة،هي مسألة طبيعة الدولة والنظام السياسي والاجتماعي اللذين يجب أن يسودا دول المشرق العربي الاسلامي.اذ لم يعد يخفى على أحد بأن العودة الى "دولة الخلافة الإسلامية" تحت شعار "الاسلام هو الحل"، كما تطالب وتدعو غالبية تيارات الاسلام السياسي،تثير نوع من القلق الكياني لدى عموم مسيحيي المشرق (خوف على الوجود والمصير).لأن الدولة الاسلامية اذا ما قامت ستعيد المسيحيين من جديد الى "نظام الذمية" الذي سيعجل في انهاء الوجود المسيحي من المشرق.لهذا، وحتى لا يرى أبناءنا أو أحفادنا شرقاً من غير مسيحيين وكنائس من دون مصلين ونواقيس يأكلها الصدأ،المطلوب من الدول والحكومات الاسلامية تقديم مبادرات واتخاذ قرارات جريئة وسريعة من شأنها تعزيز الوجود المسيحي في المشرق وطمأنة المسيحيين الى مستقبلهم في المنطقة.


سليمان يوسف... سوريا
كاتب مهتم بقضايا الأقليات
shosin@scs-net.org
 
- المادة منشورة في جريدة النهار اللبنانية صفحة مذاهب وأديان
 

79
تصريح خاص لـ عينكاوا

الناشط سليمان يوسف

استدعاء الى قسم الأمن السياسي في القامشلي

قبل أيام  تم استدعائي الى قسم الأمن السياسي بمدينة القامشلي،وذلك على خلفية استقبالي في منزلي السيد رينيه سبيتز،السكرتير الأول في السفارة الهولندية بدمشق، في السابع عشر من حزيران.
تمحور التحقيق حول دوافع وحيثيات هذه اللقاء.من دون شك، أن مجرد استدعاء النشطاء  للأقسام والفروع الأمنية في سوريا،التي لها ذكريات أليمة مع الكثير من السوريين وخاصة المعارضين منهم، والتحقيق معهم حول نشاطاتهم أو كتاباتهم، هو بحد ذاته  نوع من الضغوط النفسية على الناشط  كما أن هذه الاستدعاءات تنطوي بشكل أو بآخر على رسائل تحذير والتهديد بالاعتقال اذا اقتضى الأمر، بتهم جاهزة ومعروفة  كما جرى مع غالبية معتقلي الراي والضمير في سوريا.
يشار هنا الى أنني كنت قد استقبلت في منزلي،مع مجموعة من نشطاء التجمع الآشوري، في وقت سابق مسؤولة الهجرة في السفارة النرويجية بدمشق السيدة مارتا بوربي... في اطار جولة قامت بها هي الأخرى الى مدينة القامشلي بتاريخ 6 و 7- ايار الماضي...للوقوف على أسباب تصاعد هجرة الآشوريين السريان من الجزيرة السورية الى الدول الأوربية والمسيحيين عامة من سوريا ودول المشرق وتركهم لمناطقهم التاريخية.
هذه اللقاءات، تأتي بناءاً على طلب من الدبلوماسيين الغربيين رغبة منهم لسماع وجهة نظر غير الرسمية(غير الحكومية) من مستقلين ومعارضة  حول القضايا التي يهتمون بها.كذلك للتعرف والاطلاع على واقع مدينة القامشلي،حيث المخزون التاريخي للقوميات والثقافات واللغات السورية،ومعقل العشرات من الأحزاب والحركات السياسية، الكردية والآشورية والعربية والأرمنية، من كل الاتجاهات والتيارات.هذا الطيف المجتمعي والسياسي،وفر بيئة خصبة لحراك سياسي وثقافي واجتماعي متميز، رغم تشديد القبضة الأمنية للسلطة على المجتمع السوري.في مرات كثيرة تطور الحراك السياسي الذي تشهده مدينة القامشلي الى أحداث عنف واصطدامات بين جمهور غاضب محتج وقوات الأمن والشرطة في المدينة.
 

الكاتب والناشط :  سليمان يوسف
سوريا- القامشلي   
 

80
القضية الآشورية في سوريا


سعى قادة "حركة التحرر الآشورية"- مار بنيامين شمعون،كابتين ملكيس، آغا بطرس ،الملك قمبر،وغيرهم-  لاقامة "دولة آشورية" تضم الأقاليم الآشورية في كل من (العراق وتركيا وسوريا).ولأجل تحقيق مشروعهم، خاضوا حروباً وقادوا انتفاضات مسلحة ضد الاستعمار العثماني ،ومن ثم ضد الحكم الفاشي في العراق في ثلاثينات القرن الماضي. بيد أن مصالح "الدول العظمى" التي تقاسمت تركة"الرجل المريض"- الامبراطورية العثمانية- اقتضت أن لا ترى "الدولة الآشورية" النور، على الرغم من الاهتمام الكبير الذي حظيت به "القضية الآشورية" من قبل "عصبة الأمم" بعد الحرب العالمية الأولى.مع استقرار الحدود السياسية لصالح الدول العربية المستحدثة في الشرق الأوسط بموجب اتفاقية "ساس بيكو" انكفأ الآشوريون على ذاتهم الى حين برزت في النصف الثاني من القرن الماضي تنظيمات وأحزاب آشورية ارتكزت الى رؤية سياسية وقومية جديدة، تقوم على التعاطي بواقعية مع الأوضاع السياسية الجديدة التي افرزتها الحروب العالمية،والنظر الى القضية الآشورية باعتبارها جزء من القضايا الوطنية العامة في كل دولة،حلها يرتبط بشكل مباشر بقضية الديمقراطية وحقوق المواطنة واقامة "الدولة المدنية".
في سوريا،موطن السريان"الآشوريين"،وقد أخذت اسمها عنهم، منذ استقلالها كدولة حديثة عن الفرنسيين عام 1946،تنكرت حكوماتها العربية للهوية الآشورية، ورفضت الاعتراف بالآشوريين كقومية وشعب له خصوصيته الثقافية والتاريخية،كما رفضت منحهم حقوقاً قومية وديمقراطية،هي من صلب وأسس حقوق المواطنة ومن شروط الديمقراطية، وهي تعد من أركان الوطنية الصحيحة.تالياً،الحكومات السورية، أقصت الآشوريين"سريان/كلدان" عن المشاركة السياسية في ادارة البلاد.
صحيح أن الآشوريين لم يعد يتطلعون الى "كياني آشوري" مستقل خاص بهم،على الأقل آشوريي سوريا،لكن صحيح ايضاً، أن تخليهم عن حلم "الدولة الآشورية" لا يعني بالمطلق أنهم غدوا "شعباً من غير قضية".فبغض النظر عن عدد الآشوريين في سوريا- حيث قضايا الشعوب لا تحددها الأعداد وانما عدالة قضاياهم- والمقدر بنحو مليون شخص(اذا ما تجاوزنا التسميات والتقسيمات الطائفية والمذاهب الكنسية المستعربة والضائعة في ثنايا التاريخ ، وتلك الخائفة من أن تلقي ثوب العروبة، الذي حشرت فيه قسراً، والاعلان عن انتمائها  للآشورية أو السريانية أو الكلدانية) للآشوريين قضية واضحة،بسمات وطنية لا غبار عليها،يلتف حولها الرأي العام الآشوري،وتحظى بتعاطف وتأييد الكثير من السوريين.مثل العديد من القضايا الوطنية الهامة،وقعت"القضية الآشورية" ضحية العقائد والآيديولوجيات السياسية والدينية التي ارتكزت عليها وتخفت خلفها حكومات الاستبداد في سوريا. للقضية الآشورية  وجه قومي: يتمثل بالخصوصية الثقافية والاثنية للآشوريين.هذه الخصوصية مهددة من قبل هوية عربية مهيمنة طاغية، لا تخلو من نزعة شيوفينية وهي تحكم الآخرين بعقلية وذهنية الغازي . ووجه آخر ديني/اجتماعي: باعتبار معظم الآشوريين يعتنقون المسيحية و يعيشون ضمن غالبية مسلمة ترفض مساواتهم معها في حقوق المواطنة.وقد تكرس هذه التمييز البغيض،القومي والديني، بين ابناء الوطن الواحد،رسمياً في جميع دساتير الدولة السورية الحديثة، وامتد الى الدستور الحالي الذي وضعه حزب البعث العربي الاشتراكي بعد انقلابه على السلطة عام 1963.وليس من المبالغة القول: أن أحوال الآشوريين زادت سوءاً في ظل حكم حزب البعث. فالبعث  لم يكتف باختزال الهوية الوطنية السورية بـ"العروبة والاسلام" واقصاء أو اسقاط باقي الهويات السورية من (آشورية/سريانية وكردية وأرمنية وشركسية...) وبفرض العروبة كهوية وانتماء على الآشوريين وعلى كل السوريين من غير العرب فحسب، وانما طالبهم بالتخلي عن شخصيتهم القومية وعن هويتهم الثقافية واعلان ولاءهم السياسي المطلق للعروبة وحدها لا شريك لها،بذريعة تحصين وتمتين "الوحدة الوطنية" التي غدت اليوم،وبسبب هذا الاستبداد،السياسي والقومي والثقافي، أكثر هشاشة وضعفاً مما كانت عليه قبل عهد البعث.وتطبيقاً لنهج التعريب، فرض البعث حصاراً على المؤسسات الثقافية والتربوية والنوادي الاجتماعية والرياضية الآشورية"السريانية/الكلدانية"التي وفرت بيئة ثقافية واجتماعية خصبة ومناسبة لنمو الوعي القومي لدى الآشوريين ولانطلاقة الحركة الآشورية المعاصرة، وقد أمم البعث البعض من هذه المؤسسات وأغلق البعض الآخر. هذا وقد عمل النظام البعثي في سوريا، بأساليب وطرق مختلفة،على عزل الحركة الآشورية وإبعادها عن باقي القوى والحركات الوطنية الأخرى في سوريا، وبشكل خاص عن "الحركة الكردية"،التي عاشت وتتعايش معها بحكم التاريخ والجغرافية السياسية،نجح النظام في ذلك الى حد كبير، مستفيداً من بعض التراكمات والمحطات السلبية التي سادت العلاقة بين الشعبين،الكردي والآشوري، في مراحل تاريخية معينة.كذلك استفاد من تقصير النخب الآشورية والكردية على حد سواء في ترميم العلاقة الكردية الآشورية وتعزيز الثقة بين الشعبين. وكما هو معلوم ان "ملف الأحزاب" في سوريا،مسند بشكل كامل الى "الأجهزة الأمنية"،التي اثبتت براعتها الفائقة ليس في تهميش وتقويض أحزاب سورية عريقة وشرذمتها الى مجموعات متنافرة فحسب، وانما في احتواء الكثير من الأحزاب والحركات السياسية،العربية والاقليمية، لحسابات تتعلق بمصالح واستراتيجيات النظام. وللتشويش على "القضية الآشورية"،وربما لقطع الطريق أمام ظهور تنظيمات آشورية جديدة بعد نمو الحالة الآشورية في سوريا،شجعت السلطات السورية على ظهور وبروز تنظيمات وتشكيلات آشورية/سريانية هجينة، بعضها محلي المنشأ وبعضها الآخر مستورد، تحت عناوين وتسميات مختلفة،ابرزها أو جديدها"الجمعية الثقافية السريانية"،التي احتفل بالاعلان عنها في المركز الثقافي العربي بالقامشلي، بتاريخ 18ايار الماضي وبراعية رسمية من الدولة السورية.
لا يخفى على المهتمين بالشأن الآشوري، وقوف خلف هذه الجمعية الثقافية، تنظيم "مجهول الهوية والانتماء والأهداف".ظاهرياً،يضم مجموعة من السريان"الآشوريين"الأتراك المهاجرين الى اوربا،نشأت وترعرعت في أحضان حزب العمال الكردستاني التركي"PKK".في بداية ظهورها كانت ترفع شعارات عدائية ومتطرفة ضد الدولة التركية، واليوم تعمل علناً داخل تركيا وبتسهيلات من حكومتها.ومنذ ظهور هذه المجموعة في تسعينات القرن الماضي،ابان مرحلة شهر العسل السياسي لـ حزب "PKK" في سوريا، وهي تتنشط بحرية وبتسهيلات من السلطات على الساحة السورية.والأمر المثير حول هذه المجموعة،هو مضي سنوات على انطلاقة"فضائية"سورويو تي في" التي تشرف عليها وتديرها من السويد،من غير أن تطرح أي قضية أو حقوق سياسية تخص آشوريي سوريا.والأنكى من ذلك أنها تقوم بتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام الآشوري فيما يخص واقع وأحوال الآشوريين السوريين. في ضوء هذه الوقائع والمعطيات السياسية يبدو جلياً ان ولادة "الجمعية الثقافية السريانية" لم تكن ولادة طبيعة،تالياً هي لم تؤسس لأجل خدمة الثقافة السريانية كما يزعم القائمين عليها،وانما وجدت لتكون غطاء قانوني أو يافطة لنشاط وتحرك هذه المجموعة المستورد على الساحة السورية لأغراض وأهداف لا علاقة لها بالثقافة السريانية.فتعليم اللغة السريانية وإحياءها هي أهم بكثير وأكبر من أن تترك لهكذا جمعية.انها تتطلب،امكانيات مادية ومعنوية كبيرة،من فتح مدارس ومعاهد وأقسام خاصة بالأدب السرياني في الجامعات السورية. وهذه مهمة وواجب الدولة باعتبار"اللغة السريانية"هي اللغة الوطنية القديمة لسوريا وهي جزء من تراثها الوطني.
في وسط هذا المشهد الكارثي آشورياً، بالمعنى السياسي والقومي، ظهرت "المنظمة الآثورية الديمقراطية"،خلافاً لمواقفها المبدئية السابقة، الى جانب هذا التنظيم المستورد والمصطنع، للتسويق له في المجتمع الآشوري الذي لفظه.ويبدو أن خاطفي المنظمة الآثورية(مكتبها السياسي الطائفي الفاقد للشرعية)،أو على الأقل المتنفذين فيه، قرروا،بعد مؤتمرهم العام الأخير البائس، الذهاب بعيداً في علاقاتهم مع هذا التنظيم،والغمز من خلاله الى السلطات السورية.والا بماذا  يفسر حضورهم المميز الى جانب ضباط المخابرات السورية في مدينة القامشلي"حفل الاعلان عن الجمعية الثقافية السريانية "،ومن غير أن يحترموا، كطرف في المعارضة السورية، توقيعهم على "اعلان دمشق للتغير الديمقراطي".هذا التراجع والانحدار السياسي لخاطفي المنظمة الآثورية يعود بشكل أساسي الى شعورهم بالعجز والافلاس السياسي والقومي،بعد سلسلة أزمات عصفت بالمنظمة ومازالت تهددها بالمزيد.أن ترميم حالة التشرذم في "الحركة الآشورية السورية" واعادة ثقة الجماهير بها لن يكونا بارسال باقات الورد لمجالس العزاء والهمروجات الاحتفالية. كما أن التعويض عن خسارة المنظمة الآثورية لعشرات من خيرة كوادرها لن يكون عبر اقامة علاقة آنية ولأجل مصالح أنانية ضيقة مع أناس لا يكنون أي ود أو احترام للشعب الآشوري ولقضيته.
أخيراً: يخطئ كل من يعتقد بأن الترخيص لهكذا جمعية ثقافية سريانية، أو فتح مكاتب لبعض الحركات والأحزاب الآشورية العراقية،مثل"الحركة الديمقراطية الآشورية-زوعا" و"المؤتمر الآشوري العام"، هي خطوات انفتاحية من قبل الدولة السورية على الآشوريين وقضيتهم العادلة.فالنظام السوري، بحكم طبيعته اللاديمقراطية وأيديولوجيته القومية وعقيدته السياسية،هو اليوم أكثر بعداً عن "القضية الآشورية" وعن الحقوق الديمقراطية للآشوريين.ففي الوقت الذي تفتح مقرات ومكاتب لمجموعات آشورية غير سورية، يلاحق نشطاء الحركة الآشورية السورية ويهددون بالاعتقال والفصل من وظائفهم.

سليمان يوسف
كاتب آشوري..سوريا- القامشلي
shosin@scs-net.org
 
 



81
المشهد السوري: بين غياب الكلمة الحرة وأزمة الرغيف !

- نظام شمولي متماسك،شديد المركزية والخصوصية في سلطته واستبداده وقمعه لمعارضيه.يتحصن بحزب "البعث العربي الاشتراكي"،الذي قاد انقلاباً على الحكم- ثورة مزعومة- في آذار 1963،سوغ له،ومازال، بأهداف وشعارات آيديولوجية وأخرى ثورية"امة عربية واحدة... وحدة حرية اشتراكية" تجاوزها الزمن والتاريخ،سقطت في مستنقع التناقضات السياسية وتعارض مصالح الأنظمة العربية والحروب العربية عربية.على الرغم من أن حزب البعث وضع للبلاد دستور مؤدلج على مقاسه، دستور قومي عربي أكثر مما هو وطني سوري، فرض فيه نفسه قائداً للدولة والمجتمع، ينتقص من "حقوق المواطنة" لكثير من السوريين، خاصة من حقوق غير العرب ومن غير المسلمين،عطل البعث العمل بهذا الدستور واستعاض عنه بقانون الطوارئ والاحكام العرفية ليمكن سلطته ويعزز حكمه.بفضل قانون الطوارئ وأحكامه الاستثنائية الجائرة لم ينجح النظام في شل وتقويض المعارضة السورية فحسب وانما استطاع،من خلال السجن والاعتقال والملاحقات الأمنية والتسريحات التعسفية،وغيرها من الاجراءات والممارسات القمعية،استطاع تقويض وتفتيت المعارضة وترويض الشعب السوري- الذي تميز عبر تاريخه الطويل بالحيوية السياسية- وتطويعه حتى أضحى شعباً من غير تطلعات أو طموحات سياسية.تدور في فلك النظام والبعث"كورس" يضم أحزاب شاخت مع قياداتها،فكراً وسياسية،حتى غدت قيادات من غير أحزاب أو أحزاب من غير جماهير. ارضاءً لايديولوجياته وعقائده اختزل البعث"الهوية الوطنية السورية" بالعروبة والاسلام، اسقط منها سائر الهويات والثقافات والقوميات والأديان السورية الأخرى،من آشورية/سريانية و كردية و ارمنية وغيرها .وهذا خطأ تاريخي وسياسي كبير ارتكبه البعث،بدأت تبرز،تحت ضغط حرارة وتوترات المشهد العراقي والاقليمي،آثاره السلبية والخطيرة على وحدة "الهوية السورية".فاليوم، ثمة خلل عميق وضعف كبير في العلاقة الوطنية بين مختلف المكونات والأقوام السورية،هو نتاج سياسات التمييز والتفضيل بين السوريين،على قاعدة الانتماء والهوية، والتي تأخذ أحياناً أشكالا وأبعادا شوفينية.فتكاد لا تمر مناسبة كردية من دون حصول اصطدامات مع قوات الشرطة والأمن،تتطور أحياناً الى وقوع قتلى وجرحى بين المواطنين الأكراد، المحتجين أو المتظاهرين أو المحتفلين.وتحت بند "مقتضيات وضرورات المصلحة العامة" يتم من حين لآخر نقل وتسريح تعسفي لموظفين يعملون في دوائر ومؤسسات الدولة، لأسباب تتعلق بانتمائهم القومي أو وبميولهم ومواقفهم السياسية.من هذه الحالات، تسريح زوجة الناشط الحقوقي المعتقل أنور البني، اعفاء موظفين آشوريين"سريان"من مهامهم في بلدية القامشلي، نقل وابعاد مهندس أرمني، يعمل في مؤسسة بريد القامشلي الى مدينة الرقة. 
- معارضة وطنية،على اختلاف انتماءاتها القومية واتجاهاتها السياسية،اجمعت على ضرورة انهاء حالة الاستبداد القائمة في البلاد وانجاز عملية "التغير الديمقراطي" والتداول السلمي للسلطة.لكنها فشلت حتى الآن في فتح ثغرة، ولو صغيرة، في جدار الاستبداد واخفقت في اجباره على تقديم أية تنازلات، سياسية أو غير سياسية، لصالح العمل الديمقراطي وتحسين وضعية حقوق الانسان السوري.فشل المعارضة على "جبهة السلطة"تسبب في اخفاقها على "جبهة المجتمع".فقد فشلت المعارضة في تحريك الشارع السوري،بفعالياته المختلفة وقواه السياسية، وتكوين رأي عام يلتف حولها، يحتضن مشروعها الديمقراطي.وكادت المعارضة أن تخسر الخطوة الخجولة التي انجزتها على صعيد تنظيم ذاتها،اثناء انعقاد الاجتماع الموسع، في كانون الأول 2007 ،لمجلسها الوطني في" اعلان دمشق" ،الذي تشكل في تشرين الأول 2005 ويضم غالبية قوى المعارضة السورية.حيث انفجرت الخلافات التنظيمية والتناقضات السياسية والفكرية داخل المجلس، وعلى أثرها جمدت اطراف اساسية عضويتها في الاعلان.اعقب هذا الاجتماع حملة استدعاءات واعتقالات جديدة قامت بها السلطات الأمنية، طالت ابرز ناشطي وقيادات الاعلان لتزيد من مأزق المعارضة واجبارها على الانكفاء والانكماش على الذات من جديد.جاء تكريم المحامي والناشط الحقوقي المعتقل "انور البني"،رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية،بمنحه جائزة دولية(ايرلندية) في ايار الماضي تقديرا للجهود والتضحيات التي قدمها في الدفاع عن حرية الرأي وعن المعتقلين السياسيين،جاء هذا التكريم ليرفع من معنويات المعارضة السورية،فضلاً عن ان تكريم البني يحمل رسالة الى الحكومة السورية فيما يخص الوضع المتردي للحريات السياسية والديمقراطية في سوريا.
- بموازاة أوضاع سياسية وديمقراطية سورية سيئة،نجد أوضاع اقتصادية وظروف معيشية أكثر صعوبة,وهي زادت سوءاً نتيجة تضرر المواسم الزراعية هذا العام وبعد موجة غلاء حادة ،طالت معظم المواد الغذائية والتموينية ومواد البناء والمحروقات والكهرباء ومياه الشرب.الارتفاع الكبير في اسعار المحروقات تسبب في شل وتعطيل "القطاع الزراعي" الذي يعمل فيه اكثر من نصف سكان سوريا.عادت طوابير المواطنين على نوافذ الافران واكشاك الخبز.الكل يعلم ما لهذه المشاهد،في حال استمرارها، من مضاعفات سلبية على الاستقرار الاجتماعي وما قد تسببه من اضطرابات واحداث فوضى وشغب- كما حصل في العديد من بلدان المنطقة، مثل مصر واليمن وموريتانيا- خاصة في المناطق الأكثر فقراً وبؤساً واحتقاناً وانتشاراً للبطالة في سوريا مثل منطقة الجزيرة.تطمينات الحكومة حول ثبات سعر مادة الخبز، الوجبة الغذائية الرئيسية لغالبية السوريين، لم تطمئن المواطن السوري، فاستمرار "أزمة الرغيف" يضطر المواطن لشراء الخبز من الباعة في السوق السوداء باسعار مضاعفة.في مدينة القامشلي يتجاوز سعر ربطة الخبز،في ذروة الأزمة،الـ 50 ليرة في حين سعرها النظامي 15 ليرة.لا يبدو انفراج قريب وحلول ناجعة لمشكلات المجتمع السوري،لا بل محنة السوريين مرشحة لمزيد من التفاقم والتأزم مع تفشي آفة الفساد في مختلف مفاصل الدول والمجتمع واستمرار نهب وهدر المال العام بطرق واساليب مختلفة.وما يقلق المواطن السوري،النتائج السلبية والكارثية،على دخله ووضعه المعيشي، لمعظم "الاصلاحات الاقتصادية" التي تحدثت عنها الحكومة حتى الآن.وغياب خطط تنموية جدية واستراتيجية تناسب متطلبات الحياة وحجم النمو السكاني وارتفاع نسبة البطالة الى مستويات عالية.طبعاً،زيادة رواتب العاملين في الدولة بنسبة 25% ،غير كافية للتخفيف من معاناة السوريين، فهي ضئيلة جداً مقارنة مع مستويات الغلاء وحجم البطالة ومتطلبات الحياة.
- هكذا يبدو"المشهد السوري"، يئن تحت وطأة غياب الكلمة الحرة وأزمة الرغيف. أنه لمشهد قاتم مثقل بالتناقضات السياسية والغير سياسية والأزمات الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية،في وضع اقليمي مضطرب ودولي ضاغط.وكأن اعلان "القيادة السورية" فجأة- وبعد أشهر على قيام طائرات اسرائيلية بقصف منشأة في العمق السوري بذريعة انها مفاعل نووي لأغراض عسكرية،واتهامات امريكية لسوريا بسعيها لامتلاك سلاح نووي بمساعدة كوريا الشمالية- عن وجود مفاوضات سلام بين سوريا واسرائيل عبر الوسيط التركي،جاء ليضع "نقطة ضوء" في نهاية النفق السوري المظلم.وذلك من منطلق ان السلام سيوفر بيئة،سياسية وقانونية وحقوقية، جديدة في سوريا،فضلاً عن الفوائد والمكاسب الاقتصادية التي يمكن أن يأتي بها سلام يفتح آفاق المستقبل امام البلاد.مقابل هذه الرؤية التفاؤلية لمرحلة ما بعد السلام،يستبعد الكثير من السوريين، حصول أي تغير أو تبدل جوهري في الحالة السورية، وخاصة في شقها السياسي. صحيح أن السلام مع اسرائيل سيقلص من نفوذ النظام ويضعف أوراقه الخارجية، وربما بعض أوراقه الداخلية ايضاً، لكن الصحيح ايضاً بأن السلام سيعزز من سلطة النظام في الداخل السوري وسيحسن ويحصن وضعه في المجتمع  الدولي الحريص على "أمن اسرائيل" و حماية السلام في منطقة الشرق الأوسط،أكثر مناطق العالم توتراً واضطراباً.وبالمحصلة ستغدو قضية "التغير الديمقراطي" أشد استعصاء وصعوبة على السوريين مما عليه هي اليوم.والحالة المصرية خير دليل، فبعد ثلاثة عقود من عمر السلام مع اسرائيل لم يطرأ أي تغير جوهري على المشهد السياسي المصري ومازال شعب مصر يقبع تحت الاستبداد وقانون الطوارئ . بغض النظر عن الثمن السياسي الذي ستقدمه سوريا لاسرائيل مقابل عودة "الجولان" للوطن الأم، السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي فرص نجاح وتحقق هذا السلام؟  وهل الطبقة السياسية الحاكمة وحزبها"البعث العربي الاشتراكي"بمقدورهما طي حقبة تاريخية طويلة مليئة بالشعارات والخطب القومية، وفتح ابواب سوريا،قلعة الصمود والتصدي، امام الإسرائيليين، ولاحقاً رفع علم "دولة اسرائيل اليهودية" في سماء دمشق،عاصمة الأمويين و" قلب العروبة النابض".بلا ريب،بحكم المتغيرات، السورية والعربية والاقليمية والدولية،السياسية والغير سياسية، ضعفت حرارة الصراع العربي الاسرائيلي وتراجعت الكثير من أسبابه وعوامله، قد تبرر للحكم القائم،ولأي حكم آخر في سوريا، عقد صلح،غير مرغوب به، مع اسرائيل يعيد الجولان المحتل للسيادة السورية. في مصر قام الرئيس الراحل "انور السادات" بابعاد "الحركة الناصرية"، التي حكمت وقادت مصر بزعامة جمال عبد الناصر حتى وفاته عام 1970- وهي ابرز حركات القومية العربية الى جانب حزب البعث العربي الاشتراكي، التي ترى في الصراع العربي الاسرائيلي"صراع وجود وليس صراع حدود"- عن الحكم وعن المشاركة في القرار السياسي، الأمر الذي سهل على السادات الذهاب الى اسرائيل عام 1976وابرام اتفاقية سلام معها.في سوريا, السيناريو المصري لا يبدو وارداً ،وذلك لخصوصية الوضع السوري، لجهة الحكم والحزب"البعث" والشعب معاً.لهذا تبدو فرص سلام  "سوري اسرائيلي" حقيقي، شامل وعادل،ضئيلة جداً،على الأقل في الزمن السوري الراهن. ويبدو "سلاماً مستحيلاً" في ضوء المواقف السورية والشروط الاسرائيلية المعلنة "قطع سوريا علاقاتها مع ايران وحركة (حماس) الفلسطينية وحزب الله اللبناني"،شروط رفضها الرئيس بشار الاسد في أكثر من مناسبة.


سليمان يوسف... كاتب وناشط سوري.
   shosin@scs-net.org


 


82
المنظمة الآثورية ومزيد من الانحدار

من المعروف أن "المؤتمرات"هي محطات مهمة في تاريخ الأحزاب والحركات السياسية، ومناسبة لتقييم العمل وتجاوز الأخطاء ووضع تصورات وخطط عمل مناسبة لمرحلة جديدة.لكن الحال يختلف في المنظمة الآثورية،حيث غدت مؤتمراتها مناسبة للمهاترات السياسية والمزايدات القومية وفرصة لتصفية الحسابات الشخصية ونصب الفخاخ للخصوم.ولا اعتقد بقي من ينخدع بالبيانات الختامية للمؤتمرات التي تكتب بلغة انشائية خطابية جوفاء خاوية،لا تمت الى الواقع بشيء.أقل ما يقال،عن البيان الختامي للمؤتمر العام الأخير للمنظمة الآثورية: "انه أشبه بشيك من غير رصيد".نقتبس بعض ما جاء فيه:" إن رسوخ النهج الديمقراطي في حياة المنظمة الآثورية الديمقراطية، كان عاملاً حاسماً في نجاح المؤتمر العام الحادي عشر، وتجلى ذلك في مستوى النقاشات والحوارات حيال مختلف القضايا والمحاور السياسية والفكرية والتنظيمية التي تدارسها المؤتمرون بروح عالية من المسؤولية. وأيضاً في القدرة على تجاوز الاشكالات المختلفة (التنظيمية) وفق روح ونصوص النظام الداخلي. وكذلك في التغيير الذي أفرزته انتخابات الهيئات القيادية، والذي وفّر فرصة الجمع بين الخبرة والشباب، وأتاح دخول المرأة الآثورية لأول مرة إلى القيادة في سابقة تاريخية..". كما هو واضح،يشيد البيان بالديمقراطية وروح المسؤولية التي سادت أجواء المؤتمر وباحترام النظام داخلي، في وقت قاطع المؤتمر أكثر من عشرة مندوبين، نحو  20% من مجموع المندوبين. بينهم خمسة اعضاء لجنة مركزية، وعضو مكتب سياسي مع مندوبي لجنته، جميعهم من الآثوريين القدامى شغل الكثير منهم مناصب قيادية في اللجنة المركزية والمكتب السياسي،بقيت هذه اللجنة متمسكة بمطالبها وتشترط الاستجابة لها حتى بعد المؤتمر كشرط لعودتها الى المنظمة، فضلاً عن انسحاب كامل قيادة فرع امريكا من المنظمة ومقاطعتها المؤتر.هذه المقاطعات حصلت احتجاجاً على التكتلات الفئوية من بعض القائمين والمتنفذين في المنظمة وعلى ممارساتهم العنجهية والصبيانية المنافية لأبسط مبادئ الديمقراطية واحترام الرأي الآخر والمتعارضة مع النظام الداخلي.
 قطعاً، لم أكن انتظر شيئاً من هذا المؤتمر ولم أكن من المراهنين عليه بشيء ايجابي، وقد كتبت مقالاً بهذا عشية انعقاده بعنوان "الحركة الآشورية ومتاعب المعارضة السورية". لكن بغض النظر عن رغبة المنسحبين من اللجنة المركزية وعن أسباب انسحابهم واعفاءهم من مهامهم ، يضمن النظام الداخلي صراحة،وبما لا يترك أي مجال للاجتهاد والتأويل، حق حضورهم المؤتمر،وذلك لإعطائهم فرصة شرح وجهة نظرهم والدفاع عن أنفسهم.اذ، تنص المادة 4 من الفقرة الخاصة بالعقوبات: " يحتفظ عضو اللجنة المركزية بحقه بحضور  أول مؤتمر عام يلي اعفاءه من مهامه"، مع هذا لم يتم دعوة عضوي المكتب السياسي "كبرو وسليمان" اللذان انسحبا في وقت سابق من اللجنة المركزية لأسباب اضحت معروفة.والمهزلة المفضوحة في هذه القضية تكمن في الحجة الرخيصة التي تذرعوا بها وسوقوا لها في عدم قيامهم بواجب الدعوة، وهي: أنهم"كبرو وسليمان" انضما الى "التجمع الديمقراطي الآشوري السوري" الذي اعلن عنه مؤخراً،بينما حضر المؤتمر آثوريون هم اعضاء عاملين في "حزب البعث العربي الاشتراكي" الحاكم في سوريا،علماً أن التجمع الآشوري هو ليس بحزب ولا هو بتنظيم سياسي عقائدي،انما هو اطار  آشوري سوري مفتوح لكل الآشوريين من كل الأحزاب والتنظيمات ولكل السوريين اللذين يؤمنون بأهدافه،مع هذا يبدو أن البعض في المنظمة الآثورية أخذوا من "التجمع الآشوري" خصماً وعدواً لهم، بينما هم لا يجدون مشكلة بحضور المؤتمر اعضاء في حزب البعث الحاكم الذي يتحصن به النظام القائم ويمارس استبداده القومي والسياسي على الآشوريين وعلى عامة السوريين.والأنكى من كل هذا أن هؤلاء الرافضين والمتسلطين والانتهازيين يتبجحون ليلاً نهاراً بانضمامهم الى المعارضة السورية ويسعون لانهاء حكم البعث بتوقيعهم على "اعلان دمشق".جدير بالذكر أن ذات العقلية الاقصائية كانت وراء عدم دعوة "كبرو وسليمان" الى اجتماع اللجنة المركزية الذي عقد في صيف 2006خصيصاً لمناقشة وضعهم بعد انسحابهم من المكتب السياسي،وحينها لم يكن تجمع آشوري أو غيره ،وهذا يكشف زيف ادعاءاتهم وأكاذيبهم ومؤامراتهم  والمستوى الهابط والانحطاط في اخلاقهم السياسية والقومية.عن أية قضايا ومحاور سياسية وتنظيمية وفكرية يتحدث عنها البيان وعالجها المؤتمر في الوقت الذي أكد لنا من حضر المؤتمر: أن معظم قضايا الخلاف، وبشكل خاص القضايا السياسية"الانضمام الى المعارضة والتوقيع على اعلان دمشق" والقضايا التنظيمية"الانسحابات الجماعية من المنظمة" لم يتم تدارسها، وانما تم وضعها على الرف وتركها للجان على أمل انعقاد مؤتمر عام استثنائي بعد عام.يقول السياسيون والدبلوماسيون: "اذا أردت أن تميع قضية ولا تريد حل لها،شكل لها لجنة". من دون شك، تأجيل المشكلات وقضايا الخلاف هو عملياً تهرب من مواجهتها وعدم القدرة على حلها، تالياً الخوف من انفجارها داخل المؤتمر.يشار هنا الى اقتصار مدة هذا المؤتمر الى يومين بدل ثلاثة،على الرغم من أن انعقاده تأخر عام كامل عن موعده.
بعد نصف قرن من تأسيس المنظمة الآثورية،والادعاء بأنها منظمة ديمقراطية تؤمن بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، يتبجح الآثورييون اليوم بتطعيم"اللجنة المركزية" بعنصر نسائي،- وهي لجنة لا عمل لها سوى الاجتماع مرة في كل عام ولتمرير القرارات التي يمليها عليها مسؤول المكتب السياسي- . وقد اعتبر البيان هذا تطوراً وانجازاً مهماً ووصفه بسابقة تاريخية.في حين أن السابقة التاريخية الأولى في تاريخ المنظمة الآثورية التي تسجل لهذا المؤتمر والتي يجب التوقف عندها والاشادة بها، يعد نصف قرن من المنجزات والانتصارات القومية والسياسية ومسيرة الوحدة القومية،هي جعله من هذه المنظمة القومية، منظمة طائفية بامتياز.حيث اقتصرت تشكلية "المكتب السياسي" الجديد-السلطة الفعلية والوحيدة في المنظمة- فقط على شخصيات من الطائفة السريانية الأرثوذكسية.وربما الحدث الأبرز في هذا المؤتمر هو ابعاد السيد "بشير سعدي" عن "المكتب السياسي" الجديد، وصعوده الى اللجنة المركزية بفارق صوت واحد.قد يرى البعض في هذا الاجراء خطوة اصلاحية مهمة، لكنها في الحقيقة هي ليست كذلك،وهي لا تنم عن أية نية حقيقة في اصلاح المنظمة.انها نوع من التآمر على بشير، قام به اقرب حلفائه بعد أن ساهموا، بطرق وأشكال مختلفة، بحرقه،ليجعلوا منه "كبش فداء" و"شماعة" يلقون عليها اخفاقاتهم وتخبيصاتهم.انها خطوة تضليلية خدعوا بها الآخرين ومهدوا طريق الزعامة لأنفسهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه في سياق تقييم اعمال ونتائج المؤتمر، هو: هل من يرغب باصلاح أوضاع المنظمة الآثورية، وترميم البيت الآثوري وحريص على عودة المنسحبين منها، يكتب مقالاً رخيصاً وبلغة سوقية مبتذلة،قبل أيام من انعقاد المؤتمر، يسيء فيه الى كل المنسحبين من المنظمة ويخونهم، والكثير منهم كانوا اعضاء قياديين في المنظمة حتى تاريخ انسحابهم.المقال نشر في العديد من المواقع الآشورية بعنوان"رفاقي في مطاكستا و زوعا ..أيها القابضون على جمر"،حمل توقيع " أكــــيـتـو النصـيـبـيـني - نور شوبينغ – السويد".قد يتنكر القائمون على المنظمة للمقال وينفون مسؤوليتهم عنه، لكن اللغة والأفكار والمعلومات التي جاء بها تؤكد، وبشكل قاطع، بأن كاتب المقال مقيم في القامشلي وهو عضو مكتب السياسي في المنظمة.تخفيه بهذا الاسم الوهمي، كمن يتخفى خلف اصبعه، فهو لم يوهم سوى نفسه- كما فعل في مقالات سابقة رد بها على ما كتبناه حول محنة المنظمة-. لهذا من حقنا،ومن حق كل من مسه المقال،التعاطي معه على أنه يمثل الموقف الرسمي للمنظمة، خاصة وأنها لم تنف علاقتها به.فضلاً عن أن المهاترات والخزعبلات الصبيانية التي حملها المقال ترددها أبواقهم في المجتمع.لجئوا الى هذا الأسلوب الرخيص بعد أن انقلب الرأي العام الآشوري عليهم وضدهم والمستاء منهم ومن تصرفاتهم وسلوكهم وعلى أثر الانسحابات المستمرة من المنظمة الآثورية.حتى تكون الصورة واضحة للقارئ الكريم، نقتبس بعض ما جاء في المقال المذكور: "بالتزامن التام مع الحملة الشعواء على زوعا، انطلقت  حملة مضادة للمنظمة الآثورية الديمقراطية، اتخذت في ظاهرها طابع الخلافات التنظيمية والتباينات الشخصية، لكن سرعان ما اتضح أن هذه الانسحابات  الفردية جدا  ما هي إلا خطوات تفجيرية وتنفيذ لتعليمات استخباراتية تخريبية تهدف إلى ضرب المنظمة عبر تفجيرها من الداخل... تمكنت المنظمة عبر (اعلان دمشق)من انتزاع الاعتراف بوجود قضية آشورية في سوريا والإقرار بوجوب حلها حلا عادلا....لننظر إلى الطروحات التي يلفقها منتقدو المنظمة القدماء منهم والمستجدون، فهم : إما سيئون أو مسيئون، إما يائسون أو ميئسون، عملاء أو مشاريع عملاء، مرضى معتلون أو على حافة القبر، عاطلون أو معطلون، جبناء أو خائفون... لكن رغم كل هذه الأهوال و الحروب والضغوطات المخابراتية المتزامنة لكسر المنظمة الآثورية الديمقراطية في سوريا والحركة الديمقراطية الآشورية في العراق فإن وثيقة الشرف والدم الموقعة بينهما ستستمر وتتطور،... إن مطاكستا وهي تعبر بكل رجولة الرجال الواثقين إلى عامها الحادي والخمسين من بوابة مؤتمرها الحادي عشر الذي سيعقد قريبا والذي تأخر لأسباب ستعلن في حينه". اللافت في المقال هو الربط الغير مبرر بين المنظمة الآثورية"مطاكستا" في سوريا وزوعا"الحركة الديمقراطية الآشورية" في العراق،والاشادة بالميثاق المشترك بينهما في هذه المرحلة وبعد أن بقي حبراً على ورق حتى اصبح جزءاً من الماضي الميت.هذا الربط يعكس حالة الافلاس السياسي والقومي للمنظمة الآثورية التي خرجت في السنوات الأخيرة من دائرة "الانحياز المطلق" لزوعا وانفتحت على بعض الأحزاب الآشورية العراقية،الأمر الذي أزعج زوعا وسبب فتوراً في العلاقة معها.وهنا أورد هذه الواقعة ربما تفيد في توضح طبيعة العلاقة بين زوعا ومطاكستا وظروفها: في اجتماع مع قياديين من زوعا عام 2005– حينها كنت في المكتب السياسي للمنظمة الآثورية- قلت لهم: "الكثير يتساءل، لماذا علاقة زوعا جيدة مع مطاكستا في حين هي سلبية جداً مع الأحزاب والتنظيمات الآشورية داخل العراق،هل لكون مطاكستا خارج العراق؟. للأسف تهرب الأخوة من الاجابة بالهجوم على الأحزاب الآشورية العراقية". يتبجح كاتب المقال بانضمام المنظمة الآثورية الى "اعلان دمشق" ويعتبر أن المنظمة بخطوتها هذه انتزعت اعترافاً بالقضية الآشورية في سوريا وبضرورة حلها حلاً عادلاً.لا أدري لماذا كل هذا النفخ ولف الخرق والمبالغة في تصوير حجم وأهمية "اعلان دمشق" وتصويره كأنه "الجمعية العمومية للأمم المتحدة" أو "مجلس الأمن" أو أنه "هيئة دستورية سورية" رسمية،في حين الحقيقة هي أن لا قيمة قانونية أو سياسية لكل بيانات ووثائق اعلان دمشق.فمع تقديرنا لنضال وتضحيات قوى المعارضة السورية هي لم تستطيع حتى الآن انتزاع اعتراف دستوري بها أو فرض قانون احزاب يرخص عملها،فكيف بها فرض حل عادل لمشكلة شائكة كمعضلة القوميات في سوريا.طبعاً، لا أنكر بأنني كنت وما زلت من المتحمسين لانضمام المنظمة الآثورية لاعلان دمشق بعد أن سدت سلطة الاستبداد والقمع كل ابواب الديمقراطية والحوار الوطني مع المجتمع السوري وقوى المعارضة،لكن قطعاً لست مع فرض هذا الخيار السياسي على المنظمة طالما ترفضه الغالبية،وقد كنت واضحاً في هذا اثناء مناقشاتنا للموضوع في المكتب السياسي.

سليمان يوسف
سوريا- القامشلي
shosin@scs-net.org


83
مسئولة شؤون الهجرة في السفارة النرويجية بدمشق التقت التجمع الديمقراطي الآشوري



القامشلي- سوريا

       
     

في اطار جولة قامت بها الى مدينة القامشلي، بتاريخ 6 و 7- ايار الحالي ،مسئولة شؤون الهجرة في السفارة النرويجية بدمشق/سوريا، السيدة "مارتا بوربي" التقت وفد من التجمع الديمقراطي الآشوري السوري واستمعت منه الى الاسباب والعوامل، المباشرة والغير مباشرة، لهجرة الآشوريين"سريان/كلدان" والمسيحيين عامة من سوريا ودول المشرق وتركهم لمناطقهم التاريخية.كما شرح وفد التجمع الآشوري للسيدة مارتا المضاعفات الخطيرة لهجرة الآشوريين والمسيحيين على مستقبل هذه الأوطان واستقرارها.وأكد وفد التجمع على أن ظاهرة هجرة المسيحيين من المشرق هي ظاهرة معقدة وشائكة،حيث تتداخل فيها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة مع الأحوال السياسية الأسوأ فضلاً عن تشابك العوامل الدينية والتاريخية مع الجغرافية السياسية والديمغرافيا البشرية.وقد نبه وفد التجمع الى مضاعفات المشهد العراقي الأليم والحرب الطائفية البغيضة فيه، وخاصة ما يحصل للمسيحيين الآمنين، ومعظمهم من الكلدوآشوريين، من خطف وقتل وتهجير بشكل منظم،على معنويات ومشاعر ونفوس الآشوريين ومسيحيي المشرق عامة.وفي نهاية اللقاء أكد وفد التجمع على حرص الآشوريين والمسيحيين على أمن واستقرار  سوريا ودول المنطقة ، وعلى أهمية قيام دولة مدنية ديمقراطية تعترف بحقوق الجميع وتقوم على العدل والمساواة وعلى مبدأ حقوق المواطنة الكاملة لكل مواطنيها والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة،فبقاء الآشوريين والمسيحيين واستقرارهم في دول المشرق رهن بقيام مثل هذه الدولة.
وقد ابدت السيدة مارتا ارتياحها وتفهمها للرؤية الموضوعية التي قدمها التجمع الآشوري حول مشكلة الآشوريين وهجرتهم،بدوره شكر التجمع السيدة مارتا على جولتها وتحملها مشقة السفر للوقوف على أسباب الهجرة الآشورية والمسيحية.تجدر الاشارة هنا الى أن في دولة النرويج توجد جالية آشورية كبيرة معظمهم من العراق وسوريا.

                                                                         التجمع الديمقراطي الآشوري السوري
سوريا: 8-5-2008




84
                 
  في ذكرى"الهولوكست المسيحي"



في مثل هذه الأيام من شهر نيسان من كل عام يحي مسيحيو الشرق، وبشكل خاص الأرمن والآشوريون"السريان" منهم، ذكرى "الهولوكست المسيحي"ابان حكم السلطنة العثمانية التي افتت، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، بقتل جميع المسيحيين المتواجدين على اراضيها،ولتحقيق ذلك اعلنت في 24 نيسان 1915 "الجهاد الاسلامي" عليهم.هذا وقد شكل الدور الريادي والبارز الذي لعبه المسيحيون المشرقيون في انطلاق حركات التحرر القومي والوطني لشعوب بلاد الرافدين وسوريا وبلاد الشام ومصر ضد الاستعمار العثماني حافزاً اضافياً لممارسة قادة الاتحاد والترقي وشيوفينتهم على المسيحيين وتنفيذ المذبحة التي وصفها الكثير من الباحثين والمؤرخين، بينهم اتراك، بـ"التطهير العرقي".فهي تفسر ظاهرة تلاشي المسيحيون من مناطقهم التاريخية، في ارمينا وبلاد ما بين النهرين وسوريا، التي احتفظت بها تركيا.لم يفيد الدولة التركية الحديثة، وريثة السلطنة العثمانية، تنكرها لـ"المجزرة" وسعيها لمحوها من ذاكرة التاريخ.فقد ظلت لعنة مذابح المسيحيين تلاحق الدولة التركية الراغبة في الدخول الى الاتحاد الأوربي واضطرت أخيراً،تحت ضغط المجتمع الدولي الذي يطالبها بالاعتراف بالجريمة والاقرار بمسؤوليتها عنها،لفتح ملف المذابح وان مناورة بحثاً عن مبررات ومسوغات لها،طبعاً من غير ان  تعترف بها حتى الآن.
تأتي ذكرى المذابح هذا العام والجرح التاريخي المسيحي  يشتد نزفاً ويزادا وجعاً.يستشعر الخطر، على الوجود والكيان والمصير،الآتي من "الاسلام المتطرف" ومشروعه التدميري"دولة الخلافة الاسلامية".الاسلام المسلح بثقافة الارهاب والموت والقتل من أجل الماضي.ثقافة الحقد والكراهية والالغاء ورفض الآخر وارغامه على العيش كأهل ذمة بأحسن الأحوال أو الرحيل.بدأت تباشير هذا المشروع في العراق الذي اعلن "امارة اسلامية" من قبل هذا الاسلام المتطرف.والذي يمارس عمليات تطهير عرقي واجتثاث ديني بحق المسيحيين والأقليات الأخرى الغير اسلامية،كالأيزيد والصابئة المندائيين والشبك وغيرهم.وفي مصر يضطهد المسيحيون الأقباط،رسمياً وشعبياً،مما يشجع المجموعات الاسلامية المتطرفة على قتل الأقباط وخطف الفتيات وحرق الكنائس والممتلكات.ولبنان، المفخخ بالعديد من التنظيمات والمجموعات الاسلامية الارهابية مثل فتح الاسلام التي فجرت نهر البارد، مهدد بـ"حرب طائفية" جديدة على خلفية تفاقم أزماته الداخلية بابعادها الاقليمية والدولية،سيكون المسيحيون أكبر ضحاياها.قبل ايام صرح الرجل الثاني في تنظيم القاعدة"ايمن الظواهري" بأن لبنان سيكون له في المرحلة القادمة دوراً محورياً في مقاتلة الصليبين واليهود. ويرى العديد من المراقبين في بيان المطارنة الموارنة اللبنانيين لشهر تموز 2007 والذي اشار الى مشروع"اسلمة لبنان" ناقوس خطر ليس على مسيحيي لبنان فحسب وانما على مسيحيي الشرق الأوسط عامة.وفي "غزة" بفلسطين حرق وتدمير مكتبات ومراكز مسيحية وقتل اصحابها. فضلاً عن حوادث مشابهة في دول اسلامية اخرى مثل تركيا والجزائر والصومال والسودان وباكستان وافغانستان وغيرها.
هذه الأوضاع المأساوية في الشرق الأوسط، المرشحة لمزيد من التفاقم والتدهور والانحدار في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية والاجتماعية وانتشار بؤر التوتر في المنطقة كاحدى مضاعفات السياسات الامريكية في المنطقة وغزوها للعراق وافغانستان،هذه الأوضاع دفعت بقضية "مسيحيي الشرق" من جديد الى الواجهة العالمية.فيكاد لا يمر يوماً من دون أن نقرأ مقالاً أو تقريراً أو خبراً في الصحافة العربية أو الاجنبية أو برنامجاً تلفزيونيا يتناول محنة المسيحيين والمخاطر التي تحيط بهم في هذه المنطقة.وفي هذا السياق تنبأت الكاتبة الفرنسية  آني لورنت " بعد أحداث ايلول 2001،بأن المسيحيين في العالم الإسلامي سيكونون شهداء العقيدة المسيحية التي يؤمنون بها وضحايا العدوان الإسلامي المتطرف عليهم".كما شهدت أكثر من عاصمة ومدينة أوربية وغربية العديد من المؤتمرات والندوات عقدت لذات القضية. منها لقاء خاص في باريس في شهر ايار 2007 نظمه المونسيور فيليب بريزار رئيس "مؤسسة الشرق المفتوح الخيرية"حضره سبعة من بطاركة الشرق تحدثوا الى مجموعة من رجال السياسة كان من بينهم الرئيس السابق جاك شيراك. وبعده بأشهر اقام ريجيس دوبريه رئيس "المعهد الأوروبي لعلوم الأديان" وفي باريس ايضاً حضرته وفود المسيحيين الشرقيين جاءوا ليعبروا فيه عن قلقهم على مستقبلهم داخل البلدان العربية والإسلامي.هذا وقد عبر بابا الفاتيكان بنديكتيوس السادس عشر في أكثر من مناسبة عن قلقه وحزنه الشديدين على محنة مسيحيي العراق والشرق الأوسط.وبحسب وكالات الأنباء  كانت هذه المحنة من المواضيع البارزة التي ناقشها البابا مع الرئيس بوش في زيارته الأولى لأمريكا في نيسان الجاري.هذه الزيارة كانت مناسبة لتأسيس تجمع خاص للدفاع عن حقوق الأقليات الدينية والقومية في الشرق الأوسط من قبل نواب امريكيون، ديمقراطيون وجمهوريون .هذا الاهتمام الغربي بـ"محنة مسيحيي المشرق"على الرغم من أنه لم يرتق بعد الى مستوى القضية وحجم المشكلة واقتصاره على النواحي الانسانية كتسهيل هجرة المسيحيين الى اوربا وامريكا، ومن غير أن يمارس الغرب أية ضغوط فعلية على حكومات الدول التي يتعرض المسيحيون فيها للاعتداءات، اثار حفيظة العديد من الحكومات والأوساط السياسية العربية والاسلامية.حيث تضع هذا الاهتمام في اطار التآمر الغربي على العرب والمسلمين وتعتبره تدخلاً في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تحت ذريعة الدفاع عن حقوق المسيحيين والأقليات الأخرى،مستشهدة بما حصل في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.في مقاربة سياسية موضوعية لأحداث تلك الحقبة من تاريخ المنطقة نرى أن "الشعوب العربية" هي أكثر من استفاد من احداثها.فبفضل الجيوش الأوربية تفككت الامبراطورية العثمانية وتخلصت الشعوب العربية من الاستعمار العثماني، الذي حكم المنطقة لاكثر من اربعة قرون باسم الخلافة الاسلامية، وكونت الشعوب العربية دولها الخاصة بها. في حين لم يحصد مسيحيو الشرق(آشوريون"سريان/كلدان"أرمن، موارنة،أقباط) سوى مزيد من الاضطهادات والمذابح والويلات على ايدي الغزاة الأوربيين والحكومات المحلية معاً.وحرم الآشوريون من اقامة كيانهم القومي في موطنهم التاريخي"بلاد ما بين النهرين".يبدو أن التاريخ يعيد نفسه اليوم على الآشوريين في بلاد الرافدين وعلى مسيحيي الشرق عامة.حيث كانوا ومازالوا الضحية الأولى لكل الغزوات التي حصلت عبر التاريخ، من الغزو الروماني البيزنطي الى الغزو العربي الاسلامي مروراً بالغزو الفارسي والعثماني وصولاً الى الغزو الأوربي في القرن الماضي والغزو الأمريكي الغربي الجديد.لامست النخب المسيحية المشرقية المضاعفات الخطيرة لغزو العراق على مسيحيي المشرق.ففي كتاب  "آخر الهنود الحمر" لمهى ياسمين نعمة، توقعت  ان يكون مصير المسيحيين في الشرق موطنهم الأصلي كمصير مصير الهنود الحمر في  موطنهم الأصلي في اميركا الشمالية ، وعلى يد السلطة الامبراطورية العالمية نفسها.
بغض النظر عن نوايا الغرب- راعي انظمة الاستبداد في المنطقة طيلة العقود الماضية- وأهدافه من اهتمامه الخجول بمحنة المسيحيين والاقليات المضطهدة في الشرق،لا يبرر الصمت العربي والاسلامي ازاء ما يتعرض له المسيحيون في بعض دول المنطقة، خاصة إزاء الوضع المرعب لمسيحيي العراق،معظمهم من الكلدوآشوريين سكان العراق الأوائل، المتروكون لقدرهم يواجهون المجهول.صحيح أن جميع شعوب واديان وقوميات العراق تعاني من عمليات الخطف والقتل ومن مضاعفات الغزو والحرب الأهلية العبثية ومن تقاتل التنظيمات والميليشيات القومية والدينية والمذهبية،الشيعية،السنية،العربية،الكردية، على تقاسم الكعكة العراقية، التي تمسك بها قوات الاحتلال الامريكي. لكن صحيح أيضاً أن المسيحيين العراقيين هم مستهدفون من قبل معظم هذه الميليشيات المتصارعة وهم أكبر ضحايا حروبها،ومن غير أن يكونوا طرفا في هذه الحروب، وانما فقط لمجرد أنهم مسيحيون.الأنكى من الصمت،العربي والاسلامي،الذي يشجع التنظيمات الارهابية على تماديها في ارهابها واعتداءاتها على المسيحيين،هو تهجم بعض الحكومات العربية والاسلامية على المرجعيات والشخصيات المسيحية المشرقية والتشكيك بوطنيتها،تلك التي تشارك في مؤتمرات، اقليمية أو دولية، تدعى لها حول قضية مسيحي الشرق، كما تفعل مصر مع الاقباط.
لا شك، أن النخب المسيحية المشرقية تتطلع الى معالجة"محنة المسيحيين" كأحدى القضايا الوطنية داخل دولهم ومع حكومات بلادهم وتحت سقف الوطن في اطار وطني ديمقراطي لقطع الطريق امام الخارج الراغب في استغلال وتوظيف هذه المحنة لأهداف ومصالح سياسية معينة.لكن للأسف حكومات دول المنطقة سدت ابوابها أمام أي حوار وطني حول محنة المسيحيين وهي لا تعترف اصلاً بوجود محنة فكيف بها معالجتها.حتى "الحوار الاسلامي المسيحي المشرقي" الذي انطلق براعية رسمية منها هو يأتي في سياق سياسية التضليل الذي تمارسه هذه الحكومات على شعوبها.فهذا الحوار مازال يقتصر على المسائل اللاهوتية يدور في حلقة مفرغة من غير أن يخوض في الواقع المزري لمسيحيي المشرق وفي تحديد المسؤوليات عن محنهم.فالمهم من هذا الحوار هو أن يشيد كل طرف بسياسة حكومة بلاده ويطلق المديح لها.والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الجدوى والفائدة من "الحوار الاسلامي المسيحي المشرقي" بينما الشرق يخلو من مسيحييه يوماً بعد آخر.لقد تخلى مسيحيو الشرق،آشوريون وأرمن واقباط وموارنة وعرب، عن الكثير من حقوقهم القومية وخصوصياتهم الثقافية والاجتماعية والدينية وضحوا بها لأجل "حقوق المواطنة" الكاملة في دولة ديمقراطية ليبرالية. لكن هذه الدولة سقطت بين "مطرقة"استبداد الأنظمة و"سندان" الشريعة الاسلامية.هذه الحقيقة السياسية والتاريخية تؤكد على أن قضية المسيحيين المشرقيين ترتبط بشكل اساسي بأيديولوجيا "اللامساواة الدينية" التي جاء بها الاسلام. فضلاً عن الآيديولوجيات "اللامساواة القومية والسياسية" السائدة في المجتمعات العربية والاسلامية.لهذا فبقاء المسيحيون ووقف نزيف هجرتهم وتعزيز وجودهم وحضورهم في اوطانهم يحتاج،أولاً: الى تخلص شعوب ومجتمعات المنطقة من هذه الآيديولوجيات المنافية للمنطق وللطبيعة الانسانية.ثانياً: احياء مشروع الدولة المدنية الحديثة "دولة المواطنة" القائمة على فصل الدين عن السياسة والعدل والمساواة.ثالثاً: دول تنتفي فيها سياسة تهميش المسيحيين وتنظر للانسان على أنه قيمة مطلقة وتضع حقوق المواطنة فوق كل الاعتبارات والآيديولوجيات والعقائد، الدينية والقومية والسياسة.في ضوء المعطيات،السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتعليمية، الراهنة في دول المنطقة، لا يبدو أن هذه القضايا ستتحقق على المدى المنظور أو القريب.وهذا يعني بقاء مسيحيو الشرق في مواجهة خيارات صعبة وبقاء خطر الخطف والقتل والتهجير على الهوية يلاحقهم، وقد تشهد المنطقة مذابح وابادة وهولوكستات مسيحية جديدة؟.

سليمان يوسف ... سوريا shosin@scs-net.org


 



85
 الحركة الآشورية السورية ومتاعب المعارضة

 

لم يعد يخفى على كل مهتم بالشأن الآشوري ما تعانيه"الحركة الآشورية"السورية من تشرذم وتراجع كبير في رصيدها الجماهيري وانحسار في قاعدتها التنظيمية،لأسباب وعوامل عديدة متداخلة.بعضها ذاتية، تخص الحركة وترتبط بطبيعة المجتمع الآشوري المنقسم على ذاته الى طوائف وكنائس متنافرة،تتبع السلطة وتخضع لأوامرها،تنبذ الفكر القومي وتكن العداء للأحزاب الاشورية.وبعضها الآخر موضوعية تتعلق بالواقع السيء للحريات والديمقراطية في سوريا.طبعاً من غير أن نغفل أو نتجاهل تأثر"الشارع الآشوري" في سوريا،بخيبات الأمل السياسية والقومية الكبيرة على مدى القرن العشرين،كذلك بمناخات اليأس والاحباط الآشوري والمسيحي المشرقي نتيجة ما يحصل في العراق الغارق في حروب أهلية عبثية كادت أن تنهي ما تبقى من وجود آشوري ومسيحي على أرض الرافدين ،الموطن التاريخي للآشوريين،مع غياب أي دور أو فعل مؤثر ودفاعي لفصائل"الحركة الآشورية" على اختلاف تسمياتها.في هذا المقال سنتوقف عند راهن"المنظمة الآثورية الديمقراطية"أكبر التنظيمات الآشورية وأقدمها في سوريا"تاسست  1957"وهي تستعد لعقد مؤتمرها العام الحادي عشر بعد تأجيلات متكررة.لما لهذا المؤتمر من أهمية خاصة ومتميزة، كونه يأتي أولا: بعد سلسلة أزمات وخضات سياسية وتنظيمية واجتماعية ضربت المنظمة الآثورية بالعمق في السنوات الأخيرة الماضية طالت كل الفروع والمناطق،تسببت في حصول انشقاقات وانسحابات جماعية من صفوفها.ثانياً: يأتي هذا المؤتمر بعد سنوات من العمل السياسي العلني للمنظمة الآثورية وانفتاحها على الأحزاب السورية وانضمامها الى "جبهة المعارضة السورية" بتوقيعها على "اعلان دمشق" للتغير الديمقراطي الذي تأسس في تشرين الأول 2005 ويضم غالبية قوى المعارضة العربية والكردية.لهذا يرى البعض في أوساط "الحركة الآشورية" بأن المؤتمر العام القادم سيكون مفصلياً في تاريخ المنظمة الآثورية الديمقراطية.حيث ينتظر الكثير من الآثوريين انعقاده ليحسموا،في ضوء نتائجه، خياراتهم  السياسية والحزبية. وعليه ستتوقف عملية ترميم البيت الآثوري المتصدع.وهذا يفسر ارتفاع نبرة ووتيرة النقاشات الدائرة بين الآثوريين هذه الأيام حول آليات انتخاب واختيار المندوبين للمؤتمر.فالمجموعات الآثورية المعارضة لنهج وسلوك القائمين على المنظمة حالياً يسعون الى جعل  هذا المؤتمر"مؤتمراً غير عادياً"من حيث عدد ونوعية المندوبين، أملاً باحداث تغير ما في موازين القوى لصالحهم،تالياً انتخاب قيادة جديدة"لجنة مركزية"-  التي منها ينبثق المكتب السياسي، السلطة الوحيدة في المنظمة،وغالباً يختزل في شخص المسؤول- قيادة تخرج المنظمة من خندق المعارضة وتخلصها من سطوة "مجموعة انتهازية مناورة" تمكنت،عبر اساليب رخيصة وغير ديمقراطية،من خطف المنظمة الآثورية والاستئثار بقراراتها وجعلها مطية بين أيديهم على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي تسبب بحصول انقسامات وخلافات سياسية وتنظيمية وانفجار ازمات مازالت تعصف بالمنظمة وتهدد بقاءها.حقيقة،أن التحاق"المنظمة الآثورية"بصفوف المعارضين للنظام القائم في سوريا،بعد عقود طويلة من الانغلاق على الذات وغياب تام عن دائرة الشأن العام، شكل قفزة سياسية ونقلة نوعية ارتجالية للمنظمة الآثورية ومن غير أن تتهيأ لها. مازالت هذه الخطوة مثار جدل كبير وسجال حام داخل المنظمة،بين مؤيد لها ومعارض.اذ لاقت رفضاً واعتراضاً من قبل غالبية الآثوريين، وتركت استياءً في أوساط المنظمة،باعتراف واقرار القائمين عليها أنفسهم.كما أوضحوا ذلك  في مشروع مسودة "البرنامج السياسي" الذي اعدوه لعرضه على المؤتمر العام المزمع عقده. ورد في مسودة البرنامج:"ورغم أهمية بعض النجاحات التي حققها،نهج الانفتاح والعلنية للمنظمة الآثورية، الا انه اصدطدم بعقبات وعراقيل عديدة حدت من انطلاقته وزخمه بعضها ناجم عن النظام الشمولي القائم في سوريا.وبعضها الآخر ناجم عن عدم جاهزية معظم كوادر المنظمة للعمل العلني والتكيف مع متطلباته ،ووجود تيار ما زال متأثراً بحقبة العمل السري ويتبنى رؤية حذرة ومتحفظة حيال اي انفتاح أو انخراط في الحراك السياسي الوطني العام ،لا سيما المعارض منه"....

طبعاً،من الخطأ الظن أو الاعتقاد بأن التيار الرافض لانضمام المنظمة الآثورية الى جبهة المعارضة هو تيار موال للحكم القائم في سوريا.فانصار هذا التيار يقرون  بالطبيعة الاستبدادية والشمولية للنظام السوري وتنكره لحقوق الآشوريين السوريين.لكنهم في ذات الوقت يشككون بشعارات ومواقف الكثير من أحزاب المعارضة السورية فيما يخص قضية الديمقراطية وحقوق الآشوريين السوريين.كما أنهم لا يجدون في المنظمة الآثورية والحركة الآشورية في سوريا عامة القدرة على تحمل اعباء وتبعات العمل المعارض وعواقب معاداة السلطة الاستبدادية القائمة.لهذا فهم يرون في انضمام المنظمة الآثورية الى قوى"اعلان دمشق" خطوة في غير صالح قضية الآشوريين السوريين.وهنا يبدو التناقض واضحاً في الموقف السياسي لدى انصار هذا التيار، فهم كمن يدور في حلقة مفرغة.

في ضوء معرفتي العميقة والقريبة بالمنظمة الآثورية وتجربتي الطويلة فيها، استبعد أن يتمكن التيار المعارض للنهج الحالي للمنظمة من احداث أي تغيير جوهري ومهم لصالح توجهاته في المؤتمر العام القادم وانقاذ المنظمة الآثورية من المحنة والأزمات التي تتخبط فيها و ابعادها من شبح حصول انشقاقات وانقسمات جديدة.فالقائمين على المنظمة وعبر اساليبهم البدائية المعروفة،وعلى طريقة البعثيين، ابعدوا معظم خصومهم السياسيين عن طريقهم وأقصوا كل من ليس معهم،كما أنهم  نسجوا شبكة من العلاقات الخاصة،المنافية للأخلاق السياسية والروح القومية،تضمن لهم وصول من يدور في فلكهم الى المؤتمر القادم.فهم لن يتخلوا عن مواقعهم في المنظمة ولن يرضخوا لأي ضغوط حتى لو أدى ذلك الى حصول المزيد من الانشقاقات والانقسامات في المنظمة الآثورية،طالما أموالها وممتلكاتها هي تحت تصرفهم وفي خدمتهم. واذا ما ادركوا حصول تغيير ما في موازين القوى داخل المؤتمر في غير صالحهم سيبحثون عن ذرائع وحجج لتأجيل المؤتمر العام مرة أخرى وحتى اشعار آخر. الى حين يتعب المعترضون عليهم ويترك المنظمة من يترك أو يستسلم.فالقائمين اليوم على المنظمة الآثورية لا يعيرون أي اهتمام أو وزن للمعترضين،خاصة وأن المعترضين ليسوا بتيار متماسك ومنسجم وفاعل داخل المنظمة وفي المجتمع الآشوري بالرغم من غلبتهم العددية،واحتجاجاتهم تكاد تكون غير مسموعة داخل المنظمة وبين رفاقهم ولا صدى لها في الأوساط القومية. كما أنهم يفتقرون الى رؤية سياسية واضحة ومحددة للمرحلة المقبلة التي تتطلب أساليب وآليات عمل سياسية حديثة وجديدة تواكب ظروف المرحلة وتأخذ بعين الاعتبار التحولات الثقافية والفكرية والاجتماعية التي حصلت في المجتمع الآشوري والسوري عامة.أنهم مجرد مجموعات مستاءة من الوضع القائم،تلاقت على ضرورة ابعاد المنظمة الاثورية عن خط المعارضة والتركيز على الشأن القومي أولاً،لكن من غير أن يكون لديهم خطط وأجندة عمل مدروسة تمكنهم من احداث التغيير المنشود وقلب الطاولة.وان كان موقف هذه المجموعات الآثورية المعترضة، أو التيار الاصلاحي أو المحافظ "سياسياً" – اذا جاز التعبير- والمعترض على انضمام المنظمة لقوى المعارضة السورية،قد تعزز وقوي عشية انعقاد المؤتمر العام، وذلك باعتقال عضو المنظمة الآثورية"اسامة" في شباط الماضي -على خلفية مقال كتبه ينتقد فيه سياسات الحكم في سوريا- والطريقة التي افرجت السلطات السورية عنه. وحصول مسؤول المكتب السياسي للمنظمة السيد"بشير سعدي" مع افراد اسرته على الجنسية الامريكية.فقد زاد هذان الحدثين، من مشاعر الاستياء لدى الآثوريين وفي الشارع الآشوري،وتسببا في تفجر مزيد من الخلافات والتناقضات داخل المنظمة الآثورية. اذ مازال الكثير من الآثوريين يعتبر هجرة الآثوري المتلتزم سياسياً من المحرمات القومية ويضعها في خانة الخيانة، فكيف اذا اقدم عليها عضو قيادي ومسؤول له عقود وهو يدعي الدفاع عن حقوق وقضية الآشوريين السوريين.جدير بالذكر أن "الحركة الآشورية" في الوطن،على اختلاف اتجاهاتها وتلاوينها تزعزت مصداقيتها السياسية والقومية وخسرت من رصيدها الجماهيري بسبب هجرة الكثير من اعضاءها بينهم قياديين الى امريكا والدول الأوربية. حيال هذ المشهد الآشوري المتأزم، والذي هو في النهاية جزء من المشهد السياسي السوري العام المتأزم هو الآخر،من غير المستبعد أن يقرر القائمون على المنظمة الآثورية، الانسحاب من"اعلان دمشق" بعد المؤتمر العام القادم والتهرب من المعارضة.وما يرجح مثل هذه الخطوة الآثورية التراجعية في هذه المرحلة السياسية الجديدة،هو تعرض المعارضة السورية الى حملة اعتقالات واستدعاءات واسعة طالت غالبية اعضاء"الأمانة العامة للمجلس الوطني لاعلان دمشق"فضلاً عن أن أطراف اساسية ومؤسسة للاعلان جمدت أو علقت عضويتها فيه على خلفية خلافات سياسية وتنظيمية برزت في اجتماع المجلس الوطني.ما يدفعنا الى مثل هذا الاعتقاد السياسي هو أن القائمين على المنظمة الآثورية لم يكونوا منذ البداية بالجدية الكافية والحماسة السياسية في توقيعهم على"اعلان دمشق".فهم لم يوقعوا الا بعد أن فشلوا في التوصل مع اطراف سياسية سورية أخرى بعد أشهر من النقاشات الى تشكيل ما سمي بـ"اعلان حلب".كما ان توقيعهم على" اعلان دمشق" تم لاعتبارات شخصية بحتة أكثر مما هو خيار سياسي استراتيجي للمنظمة الآثورية. يشار هنا الى ان الموقع الكتروني للمنظمة، والذي يعبر عن موقفها السياسي، رفض نشر مقالات كتبها آثوريون ابدوا فيها تعاطفهم وتضامنهم مع رفيقهم  فترة اعتقاله.في ضوء هذه القراءة لراهن"المنظمة الآثورية الديمقراطية" أرى بأنها ستبقى عرضاً لمزيد من الانشقاقت والأزمات على خلفية التناقضات الكامنة فيها والتي تنام عليها. فأزمة المنظمة هي ازمة "بنيوية" مرتبطة بتركيبتها الاجتماعية.فهي "خليط قومي" غير متجانس المزاج والذهنية. تضم من مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية ومن مستويات ثقافية مختلفة،غير منسجمة في تفكيرها وتتباين في تطلعاتها السياسية والقومية الى درجة التناقض.

ما من شك، بأن تدهور حال "المنظمة الآثورية الديمقراطية" وتفككها سيؤثر سلباً وبشكل كبير على مسار الحركة الآشورية السورية عامة.فهل من "معجزة" قبل المؤتمر العام القادم تنقذ "المنظمة الآثورية الديمقراطية"من خطر التشرذم والتفكك والسقوط في مستنقع التناقضات. معجزة تعيد ترميم "البيت الآثوري" المتصدع وتعيد للمنظمة الآثورية مكانتها في المجتمع الآشوري وفي الساحة الوطنية السورية، في هذا الزمن السوري الصعب والمرحلة الثقيلة جداً على الشعب الآشوري"سريان/كلدان" في عموم المنطقة.؟. أم أن المؤتمر العام القادم ،كما في كل المؤتمرات السابقة، سيكون مناسبة لخروج مزيد من الآثوريين من صفوف المنظمة الآثورية؟.

 

سليمان يوسف يوسف... سوريا

shosin@scs-net.org

 


86
تتوجه منظمة ( حريات ) بالتهنئة للأخوة الأشوريين بمناسبة رأس السنة الأشورية الجديدة ( الأكيتو ) راجين من الله عز وجل ان يحفظكم من مكروه وحاقد وأن تكون كافة أيامكم أعيادا إلى جانب أخوتكم من القوميات والطوائف والأديان .
ونرجو الله أن يأتي العيد القادم وقد تحققت أمانيكم الطيبة في قيام مجتمع المحبة والتآلف والوئام بعيدا عن فكر الكراهية والإلغاء والتهميش وطمس الهوية والثقافة والتاريخ .
عاشت قيم المحبة والسلام والتآخي بين الثقافات والشعوب
ولندحر إلى الأبد عقلية والتكفير والظلام والتطهير العرقي والديني
وكل عام وانتم بخير
صدر عن ( حريات )

--
منظمة حريات وحقوق للدفاع عن حرية المعتقد  وحقوق الأقليات الدينية والقومية ( حريات )
freedoms.rights@gmail.com

87
        ܟܢܘܫܝܐ ܕܝܡܩܪܛܝܐ ܐܬܘܪܝܐ ܣܘܪܝܐ                                  التجمع الديمقراطي الآشوري السوري
                                                     
                                                                                                       
                                                     
                                                   رسالة الأكيتو في عامه  6758

من أجل وحدة الحركة الآشورية..
من أجل حماية الوجود الآشوري..
من أجل سوريا وطن لجميع ابناءه..
من أجل أن يعم السلام والأمن في العراق والعالم..
قديماً،كان "للاسطورة"دور هام وأساسي  في حياة الانسان.اذ شكلت المساحة الفكرية والإيديولوجية التي جرت عليها أحداث"الدراما الإلهية" وقصة الخلق والتكوين،تمحورت حولها الميثيولوجيا الآشورية"الأكادية البابلية" في بلاد ما بين النهرين التي تركت بصماتها على معظم الفكر الفلسفي والديني في الشرق القديم نظراً لما انطوت عليه من أفكار وعقائد فلسفية ودينية،ابرزها: فكرة الخلق والتكوين،والخلود،وجدلية الموت والانبعاث، وتجسد الآلهة.في هذا الاطار والمنحى، جاء  التقويم الأكادي.اذ حدد بداية العام الجديد في الربيع "فجر الأول من نيسان" مع تجدد دورة الحياة والخصب في الطبيعة وانبعاث الالهة بعد هبوط وموت ارادته لأجل الأنسان وخلاصه والصعود  به الى  عالمها الخاص،حيث الخلود الأبدي.من هنا تبرز أهمية الأول من نيسان،عيد "الأكيتو" أو "رأس السنة الآشورية" كأحد ابرز الأعياد الدينية قديماً والقومية لاحقاً، وبصفته رمزا ضخما وعظيما لدى الآشوريين. فضلاً عن أن التقويم الأكادي الذي وضع قبل 6758 عام شكل انعطافاً تاريخياً مفصلياً في مسيرة الحضارة البشرية. فهو بحق عيد الطبيعة والآلهة والانسان معاً.
أيتها الجماهير الآشورية ... يا أبناء الوطن السوري العظيم:
يأتي عيد الأكيتو هذا العام ومأساة الآشوريين تتعمق وتكبر  في العراق الجريح، الذي خرج من نير الاستبداد الوطني ليغرق في حروب أهلية وصراعات عرقية تحت الاحتلال الأجنبي، وضعت مستقبل دولة العراق ومصير شعوبه على المحك وفي مواجهة المجهول.ولم يعد يخفى على أحد بأن الآشوريين والمسيحيين العراقيين عامة هم الضحية الأكبر و أكثر المتضريين من هذه الحروب الأهلية العبثية في العراق.حيث أضحى الانسان الآشوري والمسيحي لقمة سائغة ومباحة لمجموعات ومنظمات ارهابية قومية واسلامية متطرفة وتكفيرية لها امتداتها وارتباطاتها الاقليمية والدولية.أقدمت هذه المنظمات على خطف وقتل الآلاف من المسيحيين العراقيين بينهم رجال دين آخرهم الشهيد المطران فرج بولس رحو رئيس اساقفة الكنيسة الكلدانية في الموصل"نينوى،كما أقدمت على خطف واغتصاب العشرات من الفتيات المسيحييات و فجرت عشرات الكنائس في انحاء مختلفة من العراق.وليس من المبالغة القول: أن ما تقوم به هذه المجموعات الارهابية هي عمليات ابادة جماعية وتطهير عرقي وديني وتهجير قسري للآشوريين والمسيحيين من مناطقهم التاريخية في ارض الرافدين،فيما العالم يلتزم الصمت والسكوت.
وفي سوريا، يأتي عيد الأكيتو هذا العام ومازال الآشوريون"سريان/كلدان" وغيرهم من القوميات الغير عربية،عرضاً لسياسات الاقصاء السياسي والتميز القومي والثقافي.كما يأتي العيد في أجواء ومناخات سياسية صعبة وفي ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية بالغة السوء ألقت بظلالها السلبية على مشاعر ومعنويات مختلف مكونات وقوميات المجتمع السوري واضعفت من حماستهم  للاحتفال بالاعياد القومية والدينية والوطنية.وقد زادت حملة الاعتقالات والتوقيفات التعسفية الأخيرة بحق نشطاء الحراك الديمقراطي  من مشاعر الاحباط والياس والتذمر لدى الانسان السوري.
أيتها الجماهير الآشورية ..يا أبناء الوطن السوري العظيم.
ان التجمع الديمقراطي السوري  في الوقت الذي يهنئ  الشعب السوري،بكل مكوناته وقومياته وأديانه بعيد الأكيتو"رأس السنة الآشورية" يتطلع الى اعتراف الدولة السورية دستورياً بالشعب الآشوري كشعب سوري اصيل واعتبار عيد "الأكيتو" عيداً وطنياً سوريا كما كان في الماضي.كما يجدد دعوته ومطالبته بضرورة اسراع الحكم في سوريا الى الافراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي والضمير،والى وضع حلول ومعالجات ديمقراطية واقعية لمسالة القوميات في البلاد . حلولاً تقوم على قاعدة الاعتراف بالأخر وبخصوصيته القومية والثقافية وبحقوقه الديمقراطية وانطلاقاً من  مبدأ حقوق المواطنة الكاملة  لجميع ابناء الوطن السوري.فقد أثبتت تجارب التاريخ،في الماضي والحاضر، عدم جدوى الاجراءات الأمنية في معالجات المعضلات والأزمات السياسية والاجتماعية والقومية.أن نهج الاقصاء وقمع الاحتجاجات المطلبية، من دون شك،هو يزيد من حالة الاحتقان والتوتر في المجتمع السوري الذي يتصف بالتنوع القومي والديني والثقافي والسياسي،كما سيكون له آثار ومضاعفات سلبية وخطيرة على التماسك المجتمعي وعلى مسار الوحدة الوطنية.
 أيتها الجماهير الآشورية...
ان التجمع الديمقراطي الآشوري السوري  يبدي عدم ارتياحه وتأسفه الشديد لما تعانيه الحركة الآشورية عامة والسورية خاصة من تشرذم وانقسام في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التي احوج ما يكون فيها الآشوريون للتوحد وتنسيق الجهود  لمواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بهم،خاصة وقد أضحى وجود هم مهدداً في ظل التوترات الأمنية والصراعات التي تشهدها المنطقة.هذه المخاطر تتطلب من الجميع الارتقاء الى مستوى المسؤولية التاريخية تجاه قضية الشعب الآشوري وتجاوز سلبيات الماضي والعمل معاً من أجل النهوض بالحركة الآشورية والعمل القومي ليكونا بمستوى التحديات.
                     كل "أكيتو" والشعب الآشوري وشعوب المنطقة والعالم بألف خير...
سوريا:    30 آذار
6758- آ
2008- م                                                                          التجمع الديمقراطي الآشوري السوري
 

88
لتكون دماء المطران"بولص" ثمناً لتدويل قضية مسيحيي العراق؟.


في حدث غير مسبوق، في تاريخ العراق المعاصر والمنطقة عامة- ربما،منذ مقتل الزعيم الآشوري البطريرك الشهيد"مار بنيامين شمعون"غدراً على يد المجرم "سمكو الشكاك"  في  16 اذار 1918 في قرية كوناشهر"شمال العراق" حيث كان البطريرك في ضيافة سمكو للمصالحة بين الاشوريين والعشائر الكردية التي كان يتزعمها سيمكو- اقدمت مجموعة ارهابية، يرجح أنها تنتمي الى أحد التنظيمات الاسلامية المتطرفة، بتاريخ 29 شباط الماضي على خطف رئيس اساقفة الكنيسة الكلدانية في مدينة الموصل "نينوى" المطران "بولص فرج رحو" وقتل سائقه ومرافقيه. 

 وفي 14آذار الحالي  تم العثور على جثة المطران بولص في احدى مناطق الموصل.وقد سارع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى اتهام "تنظيم القاعدة" بارتكاب هذه الجريمة التي تعتبر احدث حلقة في سلسلة عمليات اختطاف وقتل بحق المسيحيين العراقيين طالت رجال الدين وتفجير كنائسهم وممتلكاتهم،بدأت مع الغزو الامريكي للعراق آذار 2003.تجدر الاشارة هنا الى أن في شهر حزيران/يونيو من العام الماضي وفي ذات المنطقة من الموصل قتل الأب رغيد عزيز كني مع 3 من شمامسته.اصابت جريمة اغتيال المطران بولص مسيحيو العراق بالصدمة والذهول،كما اثارت مشاعر الغضب والاستياء في عموم الشارع العراقي،وهزت مشاعر الملايين في المنطقة والعالم، من كل الأديان والمذاهب والعقائد. لكن يبدو أن هذه الجريمة، الخطيرة بدلالاتها وابعادها والتي وقعت في قلب العالم الاسلامي واساءت للاسلام قبل المسيحية،لم تغضب أو تحسس رؤساء وملوك وامراء ومشايخ وسلاطين العالم الاسلامي الذين اختتموا مؤتمر قمتهم في 15آذار في دكار عاصمة السنكال،حتى انهم لم يكلفوا انفسهم كلمة ادانة وشجب للجريمة في بيانهم الختامي.هذا الصمت الاسلامي الرسمي تجاه محنة مسيحيي العراق غالباً هو يخفي رغبة اسلامية في افراغ هذا المنطقة من جميع مسيحييها،سكان الشرق الأوائل.وقد أفصح عن هذه الرغبة في القمة الاسلامية بباكستان في ثمانينات القرن الماضي.

صحيح أن الكل في العراق يعاني من مضاعفات الغزو الامريكي للعراق الذي فجر مختلف الصراعات والتناقضات المذهبية والعرقية والطائفية والقبلية والدينية الكامنة في المجتمع العراقي والتي نمت وتعمقت في ظل استبداد النظام البائد وحكمه الفاسد، لكن محنة المسيحيين فيه تفوق محنة الجميع.هذه حقيقة أكدها المطران بولص قبل استشهاده في مقابلة له مع وكالة أنباء "آسيا نيوز" في نوفمبر الماضي.قال:"الكل يعاني من الحرب بغض النظر عن انتمائه الديني، إلا أن المسيحيين يواجهون خيارا صارخا".حقيقة، وكما تؤكد الكثير من التقارير والمصادر المحايدة،أنهم يتعرضون لعمليات تطهير عرقي وديني منظمة والى حملات تهجير وترحيل قسري من مناطقهم التاريخية على ايدي مجموعات اسلامية متشددة وارهابية "عابرة للقارات وبلا حدود"، لها امتداتها الاقليمية والدولية،مثل تنظيم القاعدة.وفي بعض مناطق العراق التي اعلنت "امارات اسلامية" من قبل تنظيمات اسلامية متشددة يضطر الكثير من المسيحيين لدفع الجزية لهذه التنظيمات لحماية أنفسهم وضمان بقائهم. بموازاة تدهور الأوضاع الأمنية في العراق تتفاقم محنة المسيحيين وبقية الأقليات الدينية والإثنية في العراق،الغير قادرة على تحصين ذاتها في وجه المجموعات الارهابية.هذه الأوضاع دفعت بالعديد من المؤسسات والمنظمات الاقليمية والدولية المعنية بحقوق الانسان والشعوب المضطهدة لعقد مؤتمرات واقامة ندوات لمناقشة محنة هذه الأقوام المهددة  والبحث عن فرص وطرق للتخفيف من معاناتها، فضلاً عن مناشدة كبار شخصيات العالم من دينية وسياسية وحقوقية، الاسرة الدولية للاسراع في وضع حد للعنف الممارس في العراق.ففي 27 / 11 / 2007 بباريس عقد مؤتمر قدمت خلاله شهادات حية لما يعانيه العراقيون عامة والمسيحيون خاصة , من إضطهاد وقتل وتهجير وتهديد واجبراهم على اعتناق الاسلام.وندوة أقامتها منظمة مساندة الأقليات في الشرق     A E M O28 / 01 / 2008 برئاسة المطران"بيير والون" رئيس الكنيسة الإنكليكانية في فرنسا.وكانت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية باسكال اندرياني قد اعربت لوكالة (آكي) الإيطالية في سياق كلامها عن الأزمة العراقية كإحدى أخطر الأزمات في العالم عشية الذكرى الخامسة للغزو الأميركي، أعربت عن "قلقها البالغ" إزاء أوضاع المسيحيين العراقيين. وقد ذكرت جريدة واشنطن تايمس في 13 آذار الحالي نقلاً عن مصادر الفاتيكان بان البابا بينيدكتس السادس عشر خلال زيارته لواشنطن سيسعى الحصول على مساعدة الرئيس جورج بوش لمسيحيي العراق،من غير أن توضح طبيعة هذه المساعدات. كما بادر العديد من أعضاء الكونغرس الاميركي،منهم (آنا ايشو الاشورية الاصل وجو كولنبرغ وفرانك وولف) الى توجيه رسائل الى وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس طالبوا بتأمين حماية المسيحيين العراقيين وباقي الاقليات العراقية المهددة من خلال الدعم والتمويل المناسبين، والضغط على الحكومة العراقية لتأمين الحماية لها في مناطق وجودها.

كل المؤشرات السياسية والمعطيات المادية على الأرض تؤكد بأن "الدولة العراقية" قد سقطت في مستنقع الانتماءات والصراعات الطائفية والمذهبية والتناقضات السياسية والصراعات العرقية والقومية للشعوب العراق. فبعد خمس سنوات مضت على غزو العراق وسقوط بغداد تعثرت العملية السياسية وفشلت المصالحة الوطنية بين المكونات العراقية المتنازعة،كذلك أخفقثت قوات الاحتلال في اعادة الامن والاستقرار لهذا البلد الجريح.كما أن النظام الرسمي العربي، بسبب الخلافات والتناقضات العميقة بين الأنظمة العربية، منذ اليوم الأول للغزو ترك العراق لقدره و تخلى عن شعب العراق ليبقى بين مطرقة الاحتلال وسندان الارهاب وضحية للتجاذبات الاقليمية والدولية. حيال هذه الصورة القاتمة للوضع العرقي ومع انسداد افق مشروع الدولة الوطنية في العراق"دولة المواطنة" التي شكلت أمل وتطلعات المسيحيين وكل العلمانيين والليبراليين والديمقراطيين العراقيين.نتساءل، باسم كل الكلدوآشوريين والمسيحيين العراقيين،سكان بلاد الرافدين الأوائل: ماذا بعد اغتيال المطران الشهيد "بولص فرج رحو" ؟.وقد جاء اغتياله بمثابة مسمار جديد دق في نعش الدولة العراقية الغارقة في شلالات الدم .اي مستقبل ينتظرهم في موطن الآباء والاجداد؟. الى متى يلتزم العالم الحر الصمت والسكوت،يقف متفرجاً على مأساتهم؟.خاصة، بعد أن فضحت عملية اختطاف وقتل المطران بولص رحو تخاذل الادارة الامريكية وتقاعس الحكومة العراقية تجاه محنة المسيحيين العراقيين.

فهل ستحرك دماء المطران الشهيد الضمير العالمي والمجتمع الدولي في هذه اللحظات التاريخية الصعبة تجاه محنة المسيحيين العراقيين ومعظمهم من الآشوريين(سريان/كلدان)وتدويل قضيتهم - مثلما فعل لأكراد العراق عام 1991- والبحث بجدية عن منطقة آمنة(ملاذ آمن) لهم، ولو على جزء من موطنهم التاريخي(العراق)،اقليم سهل نينوى أو غيره، وتتكفل الاسرة الدولية بحماية ما تبقى منهم من خطر التشتت والاندثار والتلاشي المحتم.هذا ما ينتظره المسيحييون في العراق.خاصة وأن التدويل ليس بالضرورة أن يطلب أو يطرح  بطلب من فئة أو طرف معين.فهو لا يحتاج موافقة سلطات الدولة المعنية،اذ يمكن له أن يحصل ويتم تلقائياً ومن منطلق شرعة ومهام الامم المتحدة الأساسية، التي تنص على مد ين العون لكل بلد ضعيف يعاني من ويلات الحرب الأهلية ودخل مرحلة التصدع والانفجار الداخلي،ولكل شعب معرض للابادة الجماعية.وقد سبق وتدخل المجتمع الدولي والامم المتحدة لانقاذ شعوب كثير في مناطق مختلف من العالم،على سبيل المثال، في كوسوفو ودرافور حالياً.اعتقد بأن كل اسباب وظروف وعوامل تدويل قضية مسيحيي العراق هي اليوم متوفرة وقائمة.فهم باتوا شعباً مهدداً بوجوده وبقاءه على أرضه وفي موطنه التاريخي بسبب عمليات الابادة والتطهير العرقي والديني والتهجير القسري التي يتعرض لها.اذ تشير معظم التقارير الواردة من العراق أن أكثر من نصفهم،والمقدر قبل الغزو بنحو مليوني شخص، قد فرو من العراق،من غير أمل بالرجعة،الى دول الجوار وصولاً الى القارة الأوربية والامريكية.

اعتقد من المهم جداً في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الشرق الأوسط والعراق أن تتحرك، جميع المؤسسات السياسية والكنسية والثقافية وكل الفعاليات القومية الأخرى"الآشورية/السريانية/الكلدانية" وبمختلف اتجاهاتها وتسمياتها ،طبعاً داخل الوطن والمهجر، على خط تدويل قضية الآشوريين والمسيحيين العراقين عامة، لأن كل الأبواب الأخرى قد سدت أمامهم وما من خيار لانقاذ ما تبقى منهم سوى خيار "التدويل".!

 

سليمان يوسف.. سوريا....مهتم بحقوق الاقليات

 shosin@scs-net.org

 

 

 


89
                                      خبر وتصريح

 

مساء اليوم الاثنين بتاريخ 10-3-2008، تبلغت عبر الهاتف مراجعة قسم الأمن السياسي في القامشلي. وبعد مراجعتي للقسم المذكور طلب مني بضرورة مراجعة (ادارة شعبة الأمن  السياسي) بدمشق خلال مدة أقصاها 48 ساعة وذلك بناء على كتاب موجه من شعبة الأمن السياسي.

غالباً أن الاستدعاء هو على خلفية النشاطات السياسية التي اقوم بها والمقالات التي اكتبها في الصحافة العربية ومواقع الانترنيت.كما أن هذا الاستدعاء يأتي في سياق حملة استدعاءات  مكثفة تقوم بها سلطات الأمن السورية منذ  نهاية العام الماضي طالت العشرات من ناشطي الحراك السياسي والديمقراطي المعارض في البلاد على خلفية اجتماع (المجلس الوطني لاعلان دمشق) في الأول من كانون الأول الماضي.وقد تم اعتقال حتى الآن  ثلاثة عشرة منهم وهم بانتظار محاكمتهم بتهم سياسية مختلفة،مثل النيل من هيبة الدولة واضعاف الشعور القومي والانتماء الى منظمات غير مرخصة.

 

الكاتب والناشط

سليمان يوسف

سوريا- القامشلي

 

90
   
وسام شرف للزميل اسامة

 

الشاب(اسامة أدور موسى)،ابن بلدة (تل تمر) الآشورية ، المعروفة بـ(الكامب).أهلها، مع أهالي عشرات القرى الآشورية المتناثرة على ضفاف نهر الخابور في الجزيرة السورية، هم الضحايا الأحياء  لمذبحة (سيميل) الآشورية.أول مقبرة جماعية ارتكبها العسكر في تاريخ العراق الحديث، حدث ذلك في آب 1933.فبعد الأحداث الدامية لمذبحة (سيميل)،تم ترحيل عشرات الآلاف من آشوريي سهل نينوى الى ضفاف نهر الخابور  في اطار اتفاق بين سلطات الانتداب الفرنسي على(سوريا) والانكليزي على(العراق).من غير أن يعترض هؤلاء الآشوريون على ترحيلهم،ربما لأن الجزيرة السورية هي الامتداد الطبيعي لموطنهم التاريخي (بلاد ما بين النهرين)،فضلاً عن أن وضع الآشوريين السوريين والمسيحيين عامة كان أفضل نسبياً مما كان عليه الحال في العراق.لهذا سرعان ما تأقلم الآشوريون المرحلون مع الوضع الجديد ولم تمض سنوات حتى  اقاموا المزارع وصنعوا النواعير العملاقة للري وجعلوا من ضفاف وسهول حوض الخابور  واحة خضراء و(سلة غلال) لأهالي المنطقة.

بسبب الاعلام العروبي المؤدلج والثقافة الوطنية المشوهة،القليل من السوريين اليوم يعلمون بأن هذه القرى الآشورية على الرغم من جراح أهلها العميق المحفورة في ذاكرة التاريخ، قدمت نحو ثلاثمائة متطوع من خيرة رجالها وشبابها تطوعوا للدفاع عن فلسطين في حرب عام 1948 مع اسرائيل وقد استشهد منهم ثلاثة عشر، استقبلت جثامينهم بالأهازيج والزغاريد كأبطال وطنيين سوريين. طبعاً كان للآشوريين في مختلف انحاء سوريا نصيبهم من الشهداء في حروب 1967 و 1973. بلدة (تل تمر)، التي افتخرت وابتهجت بشهدائها الأبرار في كل الحروب الوطنية والعربية،هي اليوم حزينة كئيبة تنتظر عودة ابنها البار (اسامة أدور موسى) الذي اعتقلته المخابرات السورية، لا لجرم أو لخطيئة ارتكبها بحق الوطن وانما بسبب حبه الكبير لهذا الوطن، وبسبب صرخة اطلقها في هذا الزمن السوري الصعب بكل المقاييس والمعايير،كواحد من ملايين السوريين الذين أمضوا الكثير من ليالي الشتاء الطويلة والباردة من دون غاز ومازوت وكهرباء.لاءات،صرخات، أطلقها في وجه حكومة هذا الوطن، (حكومة الأزمات)، في مقال له بعنوان: ( اللاءات الثلاث الجديدة : لا غاز ، لا مازوت ، لا كهرباء).هذا المقال المنشور على صفحات العديد من المواقع والجرائد الالكترونية، الآشورية والعربية والكردية،يبدو أنه استفز هذه الحكومة ودفع السلطات الأمنية لاستدعاء كاتبه (اسامة) واعتقاله بشكل تعسفي،ككل الاعتقالات السياسية، مخالفاً لمواثيق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية الخاصة بالحريات السياسية وحقوق الانسان التي وقعت عليها الدولة السورية.

بغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع الزميل اسامة حول طريقة تناوله ومقاربته للحالة السياسية العربية عامة والسورية خاصة،ثمة أسئلة عديدة يطرحها الواقع السوري والعربي المأزوم والمهزوم ببنيته الآيديولوجية والسياسية والاقتصادية.عربياً: هل بقي حزباً واحداً،تلك الموجودة في السلطة أو في المعارضة،متمسكاً باللاءات العربية (لا للصلح ،لا للاعتراف ن لا للتفاوض)مع اسرائيل، التي يرى اسامة بأنها تراجعت و اختفت؟. طبعاً لا،باستثناء بعض التنظيمات والحركات الاسلامية المتطرفة التي بقيت ترفعها للمزايدة على القوميين العرب من جهة،ولتضليل الراي العام العربي والاسلامي من جهة أخرى. أين اصبحت الشعوب السورية والعربية من شعارات (الوحدة والحرية والاشتراكية)؟.أليست كل دولة عربية اليوم مهددة بالتفتت والانفجار من الداخل؟. هل التمزق العربي هو حقاً مسؤولية أمريكا والغرب والامبريالية العالمية التي جعل منها الحكام العرب شماعة يلقون عليها اسباب كل هزائمهم واخفاقاتهم السياسية والعسكرية والتنموية...؟ من المسؤول عن تحول منطقتنا الى مفرخة لكل أشكال وصنوف الارهاب والتطرف والتعصب ؟.

سورياً:هل تستطيع الحكومة نفي حصول أزمة خانقة ونقص حاد في (الغاز والكهرباء والمازوت)منذ بداية فصل الشتاء الحالي؟.من المسؤول عن هذه الأزمة،أياً تكن أسبابها(نقص،تهريب،خلل بالتوزيع)الشعب السوري أم الحكومة؟.وفي سياق الموضوع ذاته، تجدر الاشارة الى أن برنامج (بلا حدود) الذي تقدمه فضائية (الجزيرة) القطرية استضاف قبل اسابيع وزير الاعلام السوري الطبيب (محسن بلال) قال له مقدم البرنامج (أحمد منصور): (( وأنا أمشي في أسواق الحميدية بدمشق الكثير من السوريين طلبوا مني أن اسأل في البرنامج عن أزمة الغاز والمازوت والكهرباء في سوريا)).ثم ألم تصاب الأسواق السورية بحمى التهاب الأسعار لمعظم المواد والسلع الاساسية وخاصة الغذائية منها ومن غير أن يقابلها أي زيادة في دخل المواطن السوري القابع تحت خط الفقر اصلاً؟...من المسؤول عن تدهور الوضع المعيشي وسوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد في وقت يؤكد الحكم على أن( الملف الاقتصادي والمعيشي) هو في سلم أولوياته؟.من المسؤول عن كل هذا وذاك: الحكومة أم المعارضة السورية، التي زج العشرات من نشطاءها في السجون والمعتقلات بسبب انتقادهم لسياسات الحكومة ومطالبتهم الحكم بضرورة التسريع باجراء اصلاحات سياسية واقتصادية وادارية جدية وحقيقة تخرج البلاد من أزماتها؟.

أليس من حق المواطن السوري أن يسأل، بعد نصف قرن:ماذا جلبت له الشعارات والخطابات الثورية والتنظيرات الآيديولوجية المقولبة التي يتحصن بها الاستبداد،ويتذرع بها لتبرير العسف بالمعارضة والقمع الممارس في المجتمع ولبقاء البلاد تحت حكم الطوارئ ولاحتكار السلطة؟.الم تثبت تجارب الشعوب والأمم وعبر التاريخ بان مسالة الديمقراطية والحريات والعدل والمساواة هي أساس وشرط  لكل تقدم وازدهار واستقرار وبناء (الدولة المدنية)،دولة المواطنة الحقيقة، التي تنتفي فيها كل الانتماءات والولاءات البدائية المتخلفة؟.فالمواطن المقموع والمسكون بالرعب والخوف لا يمكن له أن يحرر أرضاً أو أن ينجز وحدة ولا أن يبني وطناً قوياً.في ضوء كل هذا نتساءل:بماذا يفيد الوطن السوري اعتقال خيرة مفكريه ومثقفيه وناشطي الحراك الديمقراطي المطالبين بالتغيير الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، أمثال( عارف دليله وميشيل كيلو وأنور البني ورياض سيف وفايز سارة وعلي العبداله وأكرم البني  ورياض ضرار واسامة أدور، والقائمة تطول..عذراً عن عدم ذكر اسمائهم )؟.اليست حرية الوطن من حرية المواطن، وأن المثقفين هم ضمير الوطن وهم خير من يعبر عن نبض الشارع؟. أية جريمة أو خطيئة ارتكبها هؤلاء حتى يزج بهم في السجون والمعتقلات ويحرموا من حق الحياة بحرية في وطن أحبوه وأخلصوا اليه؟. طبعا، لا يخفى على أحد بأن الهدف الأساسي من كل اعتقال سياسي هو تعزيز سلطة الاستبداد والامساك بالمجتمع أمنياً وسياسياً من قبل الطبقة الحاكمة وارباك المعارضة واشغالها بقضية المعتقلين، وتالياً ابعادها عن أهدافها الأساسية وهي انجاز (عملية التغير الديمقراطي).

بلا ريب،أن اعتقال الناشط والاعلامي الآشوري (اسامة أدور)،في هذه المرحلة تحديداً، هو رسالة الى الحركة الآشورية السورية عامة والى المنظمة الآثورية الديمقراطية خاصة، التي ينتمي اليها(اسامة)،بعد أن خطت خطوات باتجاه المعارضة الوطنية السورية بانضمامها الى (اعلان دمشق) للتغير الديمقراطي الذي يضم غالبية قوى المعارضة السورية،العربية والكردية.لكن مع هذا، وفي ضوء الحالة السورية الراهنة والعقلية الأمنية التي تتحكم بها،أرى أن السلطات السورية لم تعد مهتمة كثيراً بالأحزاب والتنظيمات المعارضة بقدر ما هي تركز على الاشخاص الفاعلة والناشطة في الحراك الديمقراطي والسياسي والحقوقي المعارض. فالسلطات الأمنية تدرك جيداً بأن أحزاب المعارضة السورية غدت مجرد نخب معزولة من غير قاعدة جماهيرية. وما يؤكد هذا التوجه الأمني هو: ترك قيادات الأحزاب تسرح وتمرح بحرية،بينما تلاحق وتعتقل الكوادر النشطة فيها،أليس هذا أمراً يدعوا للتساؤل.وغالباً مسؤولي أحزاب المعارضة يتبرءون ويتنصلون من كتابات وتصريحات ومواقف سياسية لأعضاء أحزابهم اذا ما أزعجت هذه المواقف السلطات الأمنية.ثم أن معظم المعتقلين السياسيين في ظل العهد الجديد (معتقلي ربيع دمشق، واعلان بيروت دمشق، وحتى ممن اعتقلوا مؤخراً على خلفية انعقاد المجلس الوطني لاعلان دمشق)، هم شخصيات مستقلة غير منتمية لأحزاب سياسية.في ضوء هذه المعطيات والوقائع السياسية أرى أن المستهدف من العملية ليست المنظمة الآثورية وانما (اسامة) ذاته وبشخصه،بعد أن برز بقلمه الناقد الجريء لسياسات ونهج النظام وكشخص فاعل ونشط في لجان حقوق الانسان.فهو اعتقل على خلفية مجمل نشاطاته الحقوقية وكتاباته السياسية التي تناول فيها الهم الوطني والشأن العام.

لا شك،هناك الكثير من الآشوريين المنخرطين في الاحزاب السورية وقد اعتقل العديد منهم منذ أن فتح البعث الحاكم سجونه لأحرار سوريا.لكن (اسامة أدور موسى)هو بحق أول معتقل سياسي آشوري لـ(الحركة الآشورية السورية)، وهذا من دون شك، شرف كبير له و(وسام)،قومي ووطني، يستحقه. صحيح،في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تم توقيف واعتقال لشهور بعض اعضاء وقيادات (المنظمة الآثورية الديمقراطية)، لكن اعتقالهم لم يكن على خلفية نشاط أو فعل سياسي حقيقي قاموا به،وانما كان بسبب أخطاء تنظيمية وادارية ارتكبتها بعض قيادات المنظمة في مرحلة اتسمت بالعمل السياسي السري،حيث كانت المنظمة الآثورية حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي منغلقة على ذاتها، بعيدة عن العمل السياسي الحقيقي وعن الهم الوطني والشأن العام.حيال هذا الوضع المستجد(اعتقال اسامة) على المنظمة الآثورية،نتساءل:اذا ما أحيل الناشط اسامة الى القضاء السوري،وهو قضاء ملحق بالأجهزة الأمنية ويخضع لأوامرها،وحكم - طبعاً هذا ما لا نتمناه له ،ما نريده الافراج الفوري عنه ومن دون محاكمات صورية- كيف ستتعاطى المنظمة الآثورية مع حالة الاعتقال هذه؟. وهل هي قادرة على تحمل الصدمة وتقبلها وتحمل مضاعفاتها السياسية وأعباءها المادية والمعنوية؟.خاصة وأن المعتقل هو كادر نشط وفاعل،تميز بروح التضحية والحماسة والجرأة والمصداقية والجدية في الالتزام والاخلاص للمبادئ. بلا ريب أن الصدمة ستكون قوية وقاسية على الأخوة في المنظمة الآثورية وهي اربكتهم من دو

91

بيان

 

لا يجوز اعتقال أي إنسـان أو حجزه أو نفيه تعسـفياً

( المادة /9/من الإعلان العالمي لحقوق الإنسـان )

 

بموازاة موجة الغلاء واشتداد الأزمة الاقتصادية والمعيشية واستفحال آفة الفساد في البلاد،بدأت أجهزة المخابرات السورية بحملة جديدة من الاستدعاءات والاعتقالات التعسفية والغير مبررة لنشطاء الحراك الديمقراطي والحقوقي المعارض.طالت حتى الآن العشرات منهم ومن مختلف الاتجاهات السياسية والانتماءات القومية،عرباً وآشوريين وأكراداً.وذلك خلافاً لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948وإعلان الأمم المتحدة الخاص بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان الصادر لعام 1988، اللذان وقعت عليهما الدولة السورية.

وعلى الرغم من الاستياء العام الذي تركته هذه الاعتقالات في الشارع السوري، وسيل من بيانات الشجب والادانة لها،صدرت عن منظمات وهيئات وطنية سورية واقليمية ودولية معنية بالدفاع عن الحريات وحقوق الانسان،لم توقف سلطات الأمن السورية حملتها على قوى المعارضة الوطنية،لا بل زادت من تشديد قبضتها الأمنية على المجتمع وهي مستمرة في انتهاك حقوق وحريات المواطن السوري من خلال اعتقال المزيد من المثقفين والكتاب المعارضين لسياسات ونهج النظام.وفيما يعتقد على خلفية نشاطاته وكتباته السياسية، قام جهاز أمن الدولة بمدينة القامشلي بتاريخ  27 شباط ومن دون مذكرة توقيف قضائية، باعتقال الناشط والاعلامي الآشوري (اسامة ادور موسى)،من كوادر (المنظمة الآثورية الديمقراطية)،وتم نقله في اليوم التالي الى ادارة أمن الدولة بدمشق.

من المؤسف جداً، أن يأتي اعتقال الناشط (اسامة موسى) في مرحلة كان ينتظر آشوريو سوريا(سريان/كلدان) أن تعترف الحكومة السورية  دستورياً بهم كشعب سوري أصيل ومنحهم حقوقهم القومية والديمقراطية المشروعة التي طالب بها التجمع الديمقراطي الآشوري السوري في مذكرة له رفعها الى الرئيس بشار الأسد بتاريخ 9-12-2007.

في الوقت الذي يدين ويشجب بشدة التجمع الديمقراطي الآشوري السوري الاعتقالات التعسفية في البلاد،يعلن تضامنه وتعاطفه مع الناشط اسامة ادور موسى ومع جميع معتقلي الراي والضمير،من قوى (اعلان دمشق) وغيرهم في السجون السورية،ويطالب بالافراج الفوري عنهم.ويرى التجمع الآشوري بأن المصلحة الوطنية تسـتوجب طي ملف الاعتقال السياسي و البدء بتنفيذ حقيقي  وجدي لعملية الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يتحدث عنها الحكم و إرساء ثقافة الحوار والتسامح والديمقراطية في البلاد وبما يضمن تحصين الوحدة الوطنية بين جميع مكونات وقوميات المجتمع السوري.

 

                                                                        التجمع الديمقراطي الآشوري السوري

  سوريا: 29 شباط 2008

 

92
خبر وتصريخ

 
الكاتب الناشط الاشوري: سليمان يوسف…. القامشلي

في الوقت الذي ينتظر الشعب السوري وقواه الديمقراطية الافراج عن جميع المعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين واقفال ملف الاعتقال السياسي والرأي في البلاد، تستمر أجهزة المخابرات السورية بحملة اعتقالاتها السياسية التعسفية للنشطاء السياسيين والمجتمع المدني والدفاع عن الحريات والحقوق الديمقراطية،والتي طالت من مختلف التيارات السياسية والقوميات،عرباً وآشوريين وأكراد.ويبدو أن الموجة الجديدة من الاعتقالات التي بدأت مع عشية احتفال العالم بذكرى صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان في العاشر من كانون الأول 2007وطالت العشرات من ناشطي واعضاء اعلان دمشق للتغير الديمقراطي في سوريا ، وهي امتدت لتطال يوم الأربعاء 27 شباط الحالي الناشط والاعلامي الآشوري (اسامة ادور موسى) وهو أحد كوادر المنظمة الآثورية الديمقراطية وناشط في مجال حقوق الانسان .والاعتقال جاء بعد استدعاءات متكررة له في الفترة الأخيرة من قبل فرع أمن الدولة بالقامشلي.. ويعتقد أن اعتقاله تم على خلفية نشاطه وكتاباته الصحفية ،خاصة على خلفية مقال له كتبه ونشر في العديد من المواقع الالكترونية وهو بعنوان(اللاءات الثلاث الجديدة: لا للمازوت، لا للكهرباء ، لا للغاز).والذي يتناول فيه النقص الكبير في هذه المواد الأساسية التي خلفت أزمة حادة في البلاد منذ بداية الشتاء الحالي ... وتحدث فيه عن الوضع السياسي العربي والسوري بشكل عام...وكيف تحولت اللاءات السياسية في الموقف العربي من اسرائيل الى لاءات معاشية اقتصادية يعاني الشعب السوري من وطأتها ومضاعفاتها…
ما اريد قوله حول الاعتقال السياسي في سوريا:
طبعاً أنها اعتقالات مدانة ومرفوضة وغير مبررة وهي تتعارض مع مبادئ ونصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحريات والحقوق السياسية والمدنية التي وقعت عليهما الدولة السورية.كذلك هذه الاعتقالات تتنافى مع نصوص ومواد الدستور السوري ذاته الذي يقر ويضمن حرية الرأي والتعبير السلمي والديمقراطي في سوريا.... فضلاً عن اعتقال الناشط اسامة ادور موسى يشكل انتهاكاً جديداً وصارخاً لحقوق الانسان السوري...
من المؤكد أن هذه الاعتقالات سيكون لها مضاعفات سلبية على معنويات ومشاعر الشعب السوري وستزيده احباطاً ويأساً من المستقبل أكثر مما هو محبطاً اليوم بسبب أوضاع المعيشية والسياسية السيئة...كما ستؤثر سلباً على الجبهة الداخلية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة وسوريا.
 أن الحكم في سوريا مطالب اليوم أكثر من اي وقت مضى باحترام حقوق الانسان السوري والافراج الفوري عن جميع معتقلي الراي والضمير في البلاد ،من تبقى من معتقلي ربيع دمشق ومعتقلي اعلان بيروت دمشق ومعتقلي اعلان دمشق ومن ضمنهم المعتقل الجديد (اسامة موسى).. اذ لا اعتقد بأن عملية الاعتقال تخدم المصلحة الوطنية لا بل أنها تتعارض مع دعوة حزب البعث الحاكم الى تقوية الجبهة الداخلية وتماسك المجتمع السوري في وجه المخاطر والتحديات الخارجية التي تتعرض لها البلاد في هذه المرحلة….
في الوقت الذي تشدد السلطات الأمنية السورية من قبضتها  الحديدة على المجتمع السياسي السوري وتعتقل ناشطيه وتقمع اي فعل ثقافي وسياسي معارض لنهج وسياسيات النظام وحزبه الحاكم، نرى مافيات الفساد تعمل وتتحرك وتعبث بالمجتمع وتنخر به وهي تتوعد وتهدد بقتل وتصفية كل من يقف في طريقها وكأن لا سلطة ولا قانون في هذا البلد... فقبل أسابيع،بتاريخ يوم الخميس في السابع من شباط الحالي، قامت مجموعة منغمسة في الفساد بعد أن انكشف امرها بمحاولة اغتيال مدير الاتصالات في محافظة الحسكة المهندس ملاذ جبور  نهاراً جهاراً بأسلحة نارية امام باب منزله الكائن في شارع القامشلي بينما هو عائد بسيارته من الدائرة وقد اكد شهود عيان أن المجموعة الارهابية التي كانت تنتظره في مقهى فينوس المقابل لمنزل السيد ملاذ اطلقت النار على  ملاذ لكنه لم يصب لأنه كان حذراً ومتيقظاً جداً،بعد أن تلقى تهديدات عديدة بقتله من المجرمين عبر الهاتف والمهندس ملاذ جبور هو خصية سريانية(آشورية) سورية وطنية معروف بنزاهته واخلاصه لعمله.
....والمفارقة الغريبة في هذه القضية الخطيرة بكل ابعادها ودلالاتها : أن المجرمين نفذوا تهديدهم على الرغم من أن السيد ملاذ جبور اعلم السلطات المعنية بالمحافظة بالتهديدات التي تلقاها ووضعها امام مسؤولياتها ..كما أن اللافت والمثير في الأمر أن الى تاريخه لم يلق القبض على اي شخص من المتهمين بالجريمة علماً انهم  معروفين للسلطات المعنية ويبرر عدم توقيفهم بأنهم تواروا عن الانظار…والأمر الأكثر استغراباً  ودهاشة في قضية محاولة اغتيال المهندس ملاذ جبور وهو مدير دائرة حكومية رسمية هو التجاهل والتعتيم التام من قبل الاعلام الرسمي السوري ، المسموع والمكتوب والمقروء … في حين نرى هذا الاعلان يلاحق حوادث المرور في عرض البلاد وطولها…


الناشط :سليمان يوسف
سوريا - القامشلي
 




93
                                    نينوس آحو: الآشوري الجديد في معبد الآلهة




المرة الأولى التي التقيت الشاعر نينوس آحو  كانت عام 1991،بعد عودته مع اسرته من الولايات المتحدة الأمريكية الى وطنه الأم (سوريا) التي أحبها وفضل العيش والاستقرار فيها. نينوس من الصنف الذي يرفع الكلفة سريعاً مع الآخر، لهذا شعرت في ذاك اللقاء بأنني أعرفه منذ سنوات،وقد دار بيننا حواراً طويلاً ممتعاً وغنياً امتد لساعات الصباح الأولى. تمحور حول واقع الشعب الآشوري وآفاق العمل القومي،فضلاً عن أن كل منا اراد أن يكتشف الآخر ،من حيث السقف السياسي والرؤية الاستراتيجية للقضية الآشورية. نينوس،كما كل الشعراء، يحب الشفافية والصراحة في علاقاته وحواراته،يكره الخبث والمناورة والتصنع.لهذا باشر حديثه معي، من حيث يجب أن ننتهي بخلاف ما هو معتاد، بسؤال كبير،ربما على الطريقة الأمريكية: ماذا تريد للشعب الآشوري؟. اجبته، بسؤال معاكس: وهل ستعطيني ما أريده...: لا... طبعاً....فقط لأعرف من أين وكيف ابدأ معك..... طيب: اريد (دولة آشورية).... كعادته وبلكنة انكليزية: أووووه.... هكذا دفعة واحدة... (دولة آشورية)... غير.... بدل ... بالسريانية (ليكو آزولوهت حورو)....: لما لا ... أليس هذا من حقنا كشعب مثل باقي شعوب العالم....: نعم.. نعم هذا صحيح من حقنا ..لكن هل مطلب الدولة الآشورية هو واقعي وهل هو مشروعكم في المنظمة الآثورية ..؟.... : طبعاً لا ... وهو ليس بواقعي ..أنه غير ممكن.... ربما هو حلم ليس أكثر... ثم أنت  لم تسأل عن اهداف ومطالب المنظمة الآثورية.... انت سألتني عن ما يريده سليمان يوسف ... وليس عما هو ممكن القيام به أو ممكن أن تقوم به المنظمة الآثورية لأجل الشعب الآشوري... رد باستغراب: اليست أهدافك وأهداف المنظمة واحدة ...:  للأسف لا... : وكيف... اليست هذه مشكلة وتناقض؟...: نعم...حقيقة انها مشكلة...هذه ليست مشكلتي فقط أنها مشكلة عامة مرتبطة بالبنية الفكرية والسياسية للمنظمة... فاذا سالت اليوم ذات السؤال لعشرة آثوريين  ستحصل على عشر اجابات مختلفة... هذه معضلة واشكالية كبيرة تعاني منها المنظمة الآثورية... يفترض أنك يا رابي نينوس أن تعرف واقع المنظمة  فقد سبقتنا اليها وعملت لعقود في صفوفها... وبهذه المناسبة أسمح لي بسؤال يا أبو ديلمون: لماذا تركت المنظمة الآثورية وأنت من جيل المؤسسين لها وعلى علمي راهن الكثيرون عليك بتطوير عمل المنظمة وتفعيل نشاطها ..ويقال كان لك دور هام في احداث حركة اصلاحية داخل المنظمة سنة 1964..أجاب، طبعاً بعد أن سرد بشيء من التفصيل عن تاريخه وتجربته داخل المنظمة الآثورية: تركتها بعد أن تيقنت بأن لا مكان فيها للآشوري الجديد الذي بشرت به وأعمل لبنائه ... للأسف المنظمة أضحت مقبرة لكل جديد ومفيد..أنها غدت مجرد (دكانة) للبعض يتاجر بها وباسمها،كما هو حال معظم أحزابنا.... لقد تركتها لكن لم اترك العمل القومي ... يمكن للمرء  أن يعمل ويعطي لشعبه أكثر حتى وهو خارج التنظيمات والأحزاب. ..أضاف: لست أول من ترك المنظمة ولن أكون الأخير... لو أحصينا الذين تركوا المنظمة هم أضعاف اللذين استمروا فيها...أتوقع يا أخ (سليمان) أنت والكثيرين من أمثالك ستتركون المنظمة بعد أن تضعوا ايدكم على جرح الحقيقة... وأضاف نينوس: يبدو أننا جميعاً (توما )لا نقتنع ولا نقر بالحقيقة  الا بوضع أيدنا على الجرح...وبالفعل  صدقت توقعات الشاعر نينوس، فبعد سنوات من هذا الحديث  انسحبنا، أنا وقياديين آخرين كثر،ومن مختلف الفروع والمناطق،من صفوف المنظمة الآثورية الديمقراطية...تجدر الاشارة هنا، وانطلاقاً مما قاله نينوس آحو عن المنظمة الآثورية، رفض أن يكرم في احتفال أقامه آثوريون في القامشلي بمناسبة يوبيلها الذهبي تموز 2007 بالطريقة الرخيصة والمستهجنة التي أرادوها له وأبى أن يستغل اسمه وتاريخه النضالي من قبل هؤلاء.
لقد مرت سنوات طويلة على هذا الحوار مع الشاعر نينوس آحو.حصلت خلالها الكثير من الأحداث والتطورات السياسية والأمنية في المنطقة، طالت آثارها الخطيرة شعبنا الآشوري وأثرت سلباً على حركته السياسية.كما أصيب الملفان (نينوس) بمرض اجبره على مغادرة سوريا والسفر من جديد لأمريكا للمعالجة.وقد نشرت العديد من الصحف والمواقع الالكترونية لشعبنا خبراً أعده وأرسله الأستاذ يكدان نيسان عن مهرجان احتفالي كبير أقيم، في الأول من كانون الأول 2007، تكريماً وتقديراً للشاعر الآشوري الكبير نينوس آحو، وذلك بمبادرة من أصدقائه ومحبيه الذين توافدوا من مختلف دول العالم الى مدينة شيكاغو الأمريكية،حيث اقيم المهرجان. وجاء في الخبر: أن كلمات عديدة ألقيت في الحفل ألقت الضوء على المآثر القومية والوطنية للشاعر وأشادت بأعماله وسيرة حياته الزاخرة بالعطاء والنضال وأكد المتحدثون عن المكانة العالية والرفيعة التي يحظى بها الملفان نينوس آحو لدى مختلف شرائح وأوساط الشعب الآشوري(سريان/كلدان). ابرز المتحدثين الأساتذة (أبجر مالول) (يكدان نيسان) ( حبيب أفرام)، رئيس الرابطة السريانية في لبنان، الذي قدم خصيصاً ليقلد الشاعر الكبير نينوس آحو وسام رفيع  باسم الرابطة السريانية تقديراً ووفاءً له.وبدوره القى الشاعر نينوس بالحشد الكبير كلمة حب وشكر بليغة ومؤثرة ختمها بقول لرائد النهضة القومية نعوم فائق ((إن وردة واحدة تقدمها للإنسان في حياته ، هي أفضل من ألف أكليل ورد تفرشها على قبره بعد مماته ، وأنتم الآن بحضوركم وكلماتكم , قدمتم لي تلك الوردة))    .

نينوس آحو..غني عن التعريف...شاعر ...أديب ...وانسان قبل كل شيء... جمع بين عظمة الرجال وبراءة الأطفال...كبير مع الكبار صغير مع الصغار... رفض الذل والعبودية بكل أشكالها حتى للآلهة... غير اسمه من عبدالمسيح الى (نينوس)... انه مدرسة في القومية الآشورية والوطنية السورية وحب الانسانية... تكاد البسمة لا تفارق وجهه حتى وهو في اصعب لحظاته.... بسمته كما لو أنها وردة نيسان في صحراء قاحلة، تتحدى الجفاف والحصار... تراه،كما لو أنه أسد بابل يقف على بوابة عشتار شامخاً صلباً متحدياً آلهة الموت يتطلع الى آلهة الحياة،آلهة الآشوريين، وهي كثيرة(آشور ومردوخ  وعشتار وانانا و...)،أملاً بالخلود الذي بحث عنه (كلكامش) وكاد أن يناله لو لا غدر (آلهة الموت) في غفلة خطفت منه سر الخلود.
الشاعر الكبير نينوس آحو، يختزل، بشكله وبمخزونه الفكري والثقافي وبتجربته السياسية، حياة أمة وتاريخ شعب ومسار قضية في مرحلة تاريخية صعبة … تنقل بين معظم أماكن ومناطق تواجد الآشوريين، داخل الوطن وخارجه... زار (كامبات الذل والمهانة) في دول اللجوء التي كانت تأوي مهاجرين آشوريين. أنه شاعراً قومياً بامتياز......تراه ينشد قصائده  في المؤتمرات والمهرجانات الآشورية ...حتى مهرجان الصين للثقافات الشرقية القديمة لم يغيب عنه ... من يشكك بآشورية (السريان) فليأتي ليرى ويسمع الشاعر نينوس وهو  ينشد من عبق الحضارة الآشورية ومن أريج التراث السرياني على ايقاع سيمفونية نينوى التي تأخذ السامع بعيداً ...الى اعماق التاريخ... وتسمو به الى حيث عروش آلهة الرافدين(آلهة الحياة)....ينشد كما لو أنه آت للتو من أوروك العظيمة... لم يعرف يوماً الراحة والاستقرار ... كطائر تائه هارب من الطوفان.... محلقاً في الفضاء لا يجد يابسة يحط فيها ...كسفينة في وسط العاصفة تتلاطمها الأمواج لا تجد شاطئ ترسو فيه.… كان بحق سفير أمة(آشورية) منكوبة .... حاملاً  في اعماقه أحزان شعب عريق يبحث عن ملاذ آمن... هرباً من القتل والارهاب الذي يلاحقه في كل مكان....بالرغم كل الصعاب والمحن،وخيبة الأمل بكل الأحزاب والتنظيمات والحركات الآشورية، نينوس لم يقطع الأمل بدولة آشورية وباعادة بناء برج بابل وبوابة عشتار وفتح أكاديمية نصيبين من جديد.... مراهناً على ولادة (الآشوري الجديد) الذي بشر به في قصيدة جميلة كتبها بعنوان ( آثورايا خاثا)....
هذا الانسان الذي أحبه واحترمه وصادقه كل من عرفه، الا من لا مكان للحب في قلبه ولا معنى للصداقة والوفاء في قاموسه... نينوس آحو ... هذا الانسان الشامخ كالجبل الصامد... منذ أشهر وهو يصارع المرض... يرفض الاستسلام ... لا مكان لليأس في حياته...  بالأمل يتحدى.... بآلهة الحياة،بآلهة الرافدين(آشور وانانا وعشتار و...) يتقوى .... ليس خوفاً من الموت... فالموت نهاية حتمية لا مهرب منها... وانما لأن بقي الكثير مما لم يقله نينوس بعد... والكثير مما لم يفعله بعد...والكثير مما ننتظره وينتظره الشعب الآشوري منه... له رسالة يريد أن يؤديها حتى النهاية قبل أن يغادرنا الى العالم العلوي... الى حيث الآلهة... نينوس لا يريد أن يودعنا قبل أن يرى الآشوري الجديد (المخلص) الذي بشر به، كما بشر جبرائيل بالمسيح المخلص...
كلما تحدثت اليه بالهاتف للاطمئنان على صحته،يبادر هو للاطمئنان علينا وكأننا نحن المرضى.... يقول: ((أبو شوسين.. هناك الكثير مما تحدثنا عنه مطولاً،فيما يخص قضية شعبنا،أجمعنا واتفقنا عليه... ينتظرنا لننجزه معاً ... أطمئن وطمئن الأخوة والأصدقاء... أنا باق... أنا عائد اليكم لنكمل المشوار...نعم أبو شوسين.. أنا على ثقة بأن بقي لي الكثير من العمر سأمضيه معكم لنكمل مسيرة نضال تبدو طويلة...  سنبني معاً الآشوري الجديد الذي اراهن عليه... وولادته باتت قريبة..)).....:  نعم… يا أبا ديلمون … نحن على ثقة بأنك عائد الينا الى الأرض التي عشقتها ... لتسمعنا قصائد وأشعار جديدة بالآشورية المحفورة بالدم على صخور الجبال.... بالسريانية المنقوشة بالذهب على ابراج الكنائس الخاوية… ستعود لتزرع الأمل في نفوس الضعفاء…الى القامشلي التي افتقدتك وتسأل عنك في كل زقاق وحي ومنزل وساحة.. ..حيث صوتك مسموع في كل مكان واسمك على كل  لسان ... وصورتك في كل قلب … وقصائدك تغنى  في كل الأعراس والحفلات ...ستعود الى قريتك التي نشأت فيها …الى (كرشامو) الحزينة وهي تتأمل جبال طور عابدين وايزلا المهجورة.. كرشامو النائمة على آلامها وأوجاعها…. في ربوع سهول الرافدين ...حيث هجرها أهلها وتركوها اطلالاً ...بعد أن حوصرت  بالمستوطنات العنصرية للعربان اللذين جاء بهم البعث الحاكم من محافظات سورية بعيدة وزرعها أشواك  بين بساتيننا وحقولنا الخضراء لتكتمل فصول الجريمة... محنة قريتك (كرشامو) تلخص اليوم محنة شعب ومأساة أمة…. قلت فيها شعراً وقصائد كثيرة يرددها اليوم كل المطربون.. جئت بصغارك  (رومراما ،  زلكي، ديلمون ،إنليل)، من خلف المحيطات والبحار ليشاهدوها وليشهدوا يوماً في المحاكم الدولية وعند الآلهة على آثار الجريمة وعلى غدر التاريخ بموطن أجدادهم وآبائهم.... نعم  يا أبا ديلمون عد …نحن بانتظارك… بانتظار الآشوري الجديد( آثورايا خاثا)… انقطع الاتصال...
 لن أرسل برسائل الى الله - كما فعل الدكتور طانيوس آيو- أتوسل اليه راجياً شفاء العزيز نينوس ليتمم قصائد لم تكتمل بعد... لا... نينوس أعظم من أن يستنجد بآلهة فاشلة....كم يبدو الله قزماً وبلا فائدة ... عندما يقف متفرجاً عاجزاً عن شفاء مريض عزيز.... لم يعد ثمة آلهة تحرس الكون و تهب الحياة  وتعشق الانسان... بعد أن غادرتنا آلهة الرافدين...بعد سقوط آشور ...وبعد نزول شميرام من عرشها الملائكي ... بعد انهيار  برج بابل وهبوط بوابة عشتار....لم يعد قيمة للصلاة والدعاء في الكنائس  بعد أن توقفنا عن ترديد دعاء (اينموما ايليش) في معبد مردوخ...الآلهة المستحدثة من قبل الديانات السماوية ليست أكثر من فزاعات لتخويف الانسان وسلبه حريته ولانتزاع ارداة الحياة منه .....
قبل ايام، وجرياً على عادات وتقاليد الآباء والاجداد في بلاد ما بين النهرين، منذ العصور الوثنية القديمة ما قبل المسيحية، احتفل الآشوريون المسيحيون (سريان/كلدان) بصوم نينوى- انقطاع عن الطعام والماء ثلاثة ايام بلياليها- . وذلك اعتقاداً منهم بان بفضل هذا الصوم استجابت الآلهة،آلهة الرافدين، لدعاء وتوسل (أهل نينوى) وأنقذهم من طوفان مدمر..في حين منذ أن اعتنق الآشوريون المسيحية قبل نحو عشرين قرناً وهم عرضاً للتهلكة والويلات والمآسي والمذابح الجماعية والفردية باسمها وبسببها وهم يصومون ويصلون حتى حفروا وديان وممرات في  صخور المغارات من كثرة ركعاتهم وهم يتوسلون ويتضرعون لله والمسيح لكن من غير أن يستجيبا لدعائهم  ولو لمرة واحدة وبقيت المصائب والويلات تلاحقهم حتى اليوم.... أية خطيئة ارتكبها الآشوريون ؟.هل حقاً غضب الله عليهم عندما  قام الكلدانيون ببناء (برج بابل) الذي لا مس بعلوه السماء وهدد (عرش الله) كما كانت تحكي لي جدتي وأنا صغير...؟.اعتقد بأن خير لنا كآشوريين مسيحيين في هذه المرحلة أن نتوقف عن الصوم والصلاة وعن قرع أجراس الكنائس احتجاجاً على ما نحن عليه ونبدأ بالبحث عن الآشوري الجديد... في معابد الآلهة القديمة.. آلهة الحب والحياة ... آلهة سومر وأكاد وبابل وآشور ونينوى ... بحثاُ عن الآشوري المخلص الذي بشر به شاعرنا الكبير نينوس آحو....

سليمان يوسف... كاتب آشوري سوري...
shosin@scs-net.org





94
     
    هل من حرب على مسيحيي المشرق؟ 


 

مع تزايد وتيرة الاعتداءات والعمليات الارهابية على المواطنين المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط،حيث تقطنها اغلبية ساحقة من المسلمين،يخشى الكثير من المسيحيين من أن تكون هناك حرب خفية عليهم لأخلاء المنطقة كلياً من المسيحيين،سكان المنطقة الأوائل. بعد أن تمكن الاسلام في الماضي من تقويض وانهاء المسيحية في الكثير من مناطق الشرق،موطنها الأول. فهل حقاً ثمة حرب غير معلنة على المسيحيين المشرقيين، تشنها وتقوم بها جهات اسلامية معينة؟.

بلا ريب، من الصعب تأكيد أو نفي وجود مثل هذه الحرب، لكن التمعن و التدقيق في خلفيات ودوافع وأسباب ظاهرة الاعتداء على أناس آمنين مسالمين عزل وابرياء،وفي ظل صمت عربي واسلامي ،رسمي وشعبي،على ما يتعرض له المسيحيون من اعتداءات في دول المنطقة،تجعل المرء في حيرة وشك وميال الى الرأي القائل: بأن ثمة حرب،رسمية وشعبية،تدار في الخفاء، بطرق وأشكال مختلفة، ضد مسيحيي المشرق للتخلص منهم، باعتبارهم العقبة الاساسية أمام تطبيق (الشرع الاسلامي) في الدول التي يتواجدون فيها. تروج لهذه الحرب العديد من وسائل الاعلام العربية والاسلامية، تحت شعارات وعناوين مختلفة،منها(الجهاد،مواجهة الحملة الصليبية الصهيونية الجديدة –المزعومة- على الاسلام والمسلمين،محاربة الكفار وطردهم من ديار الاسلام ).ففي السنوات الماضية شهدت أكثر من عاصمة ومدينة عربية واسلامية (العراق،مصر،لبنان،تركيا،السودان)عمليات هجوم واعتداءات إرهابية على حياة وممتلكات مسيحيين بينهم رجال دين، كما أحرقت كنائس وأديرة، قامت بها مجموعات إسلامية تكفيرية سلفية متطرفة.وكاد أن يخلو العراق من سكانه الأوائل المسيحيين ومعظمهم من الآشوريين(سريان/كلدان)،بسبب الحرب الطائفية فيه واستهدافهم من قبل تنظيمات ارهابية،اسلامية وقومية، تستفيد من حالة الفوضى والفلتان الأمني وغياب الدولة في العراق بعد غزو الأمريكي له . يصف العديد من المراقبين والمهتمين، بأوضاع مسيحيي الشرق الأوسط، ما يتعرض له المسيحيون في هذه المنطقة من العالم وخاصة في العراق بـ(حرب ابادة وعمليات تطهير عرقي وديني لهم).

الحرب على مسيحيي المشرق تمارس بطرق واشكال ومستويات مختلفة ومتعددة.حرباً رسمية مقنونة:(سياسية،ثقافية،دينية)تمارس من قبل جميع الحكومات العربية والاسلامية،وذلك من خلال فرض العديد من القوانين والعادات والتقاليد الاسلامية على المسيحيين وتقييد حرياتهم في ممارسة شعائرهم وحقوقهم الدينية والثقافية والاجتماعية وتهميشهم السياسي.كذلك بتكريس سياسية التميز الديني والكراهية الدينية بين شعوبها عبر التعليم والاعلام.وعملاً  بمبدأ(اللامساواة الدينية) التي جاء بها الإسلام، مازالت دساتير وتشريعات جميع الدول العربية والإسلامية، تتضمن قوانين ومواد تمييز وتفضل بين المواطنين على أساس الدين. فضلاً عن الدور السلبي لأجهزة الأمن في هذه الدول، وأحياناً المتواطئ، في حوادث العنف الطائفي ضد المسيحيين،كما يحصل في مصر والسودان والعراق.

بموازاة الحرب (الباردة)الرسمية المقنونة على المسيحيين المشرقيين، هناك حرباً أخرى (ساخنة/ دموية)،تتمثل بظاهرة الاعتداءات والعمليات الارهابية على المسيحيين،تقودها منظمات اسلامية،تكفيرية سلفية متشددة،محلية واقليمية ودولية، لأسباب عقائدية وايديولوجية وبدافع الحقد والكراهية الدينية والعرقية لغير المسلم.ولتبرير حربها الدينية على المسيحيين تقوم هذه(التنظيمات والمجموعات الاسلامية) بتضليل الراي العام الاسلامي باتهام المسيحيين المشرقيين بالموالاة للغرب وتزعم وتدعي وتوهم الرأي العام بأنها ترد على حملة صليبية صهيونية جديدة مزعومة يشنها الغرب على الاسلام والمسلمين.

في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ الانساني، حيث يشتد الصراع بين،ثقافة الحياة وثقافة الموت.بين الحداثة(الليبرالية الديمقراطية) والاسلام الراديكالي الرافض للحداثة والذي يشكل خطراُ حقيقاً على أمن واستقرار العالم و وتهديداً جدياً لقيم المدنية والتعددية.اذ لم يعد يخفى على أحد أن الاسلام الراديكالي،بحسب تصريحات وخطب أبرز قادته(اسامة بن لادن وأيمن الظواهري)،يخطط لأسلمة وحكم العالم وفق الشرع الاسلامي، هذا الاسلام الراديكالي لا يهدف الى زعزعة وانهاء ما تبقى من وجود مسيحي في هذا الشرق فحسب، وانما الى زعزعة وتقويض الغرب ككيان تاريخي( ثقافي وسياسي واجتماعي)يختلف ويتناقض مع الثقافة والأفكار والمبادئ والعقائد الاسلامية. ليس لأنه(الاسلام الراديكالي) يملك البديل الحضاري الأفضل، وانما بسبب آيديولوجيته وعقيدته الجهادية القتالية،القائمة على (الارهاب المحمود)،تقدس الانتحار وتبجل المنتحر، ولما لـ(الاسلام الراديكالي) من خلايا وقواعد ارهابية انتحارية تتوزع في معظم دول العالم تمكنه من تنفيذ اعمال تخريبية وتدميرية كبيرة وهائلة(تفجيرات نيويورك 11 ايلول2001,وفي مدريد تموز 2005،وتفجيرات في أكثر من مدنية وعاصمة أوربية وعربية واسلامية).الأمر الذي دفع المفكر(عبد الرحمن الراشد) ليكتب في جريدة الشرق الأوسط: (( من المؤكد ليس كل المسلمين إرهابيون لكن الحقيقة أن معظم الإرهابيون مسلمون)).

ونحن نتناول محنة المسيحيين المشرقيين أرى من الأهمية التوقف عند (الأزمة اللبنانية) الراهنة لما للبنان بتركيبته وبصيغته المتميزة من أهمية خاصة ليس على وضع المسيحيين اللبنانيين فحسب، وانما على مستقبل جميع مسيحيي الشرق الأوسط.فاذا ما سلمنا بوجود حرب خفية على مسيحيي الشرق ، لا يمكن أن نعزل أو نفصل تفجير الوضع اللبناني،من حين لآخر،عن الحرب القائمة على المسيحيين المشرقيين.فلبنان،الذي كان للمسيحيين وتحديداً للموارنة الدور الأساسي في نشأته واستقلاله كدولة،وقادته المارونية السياسية وفق ميثاق عام 1943،منذ الاستقلال وحتى اندلاع الحرب الأهلية فيه 1975 ،اليوم هم(الموارنة)عاجزون عن انتخاب رئيس جديد له.من المؤكد أن تجدد الأزمة اللبنانية وانفجارها ستفرز واقعاً سياسياً واجتماعياً جديداً لن يكون في صالح المسيحيين اللبنانيين.وسيفقد المسيحيون، ما تركه لهم(اتفاق الطائف لعام 1989) الذي أنتجته (الحرب الأهلية 1975)، من دور سياسي وصلاحيات محدودة للرئيس.والسؤال الذي يطرح نفسه هو:هل كان سيبقى موقع الرئاسة في لبنان شاغراً لو كان هذا الموقع من حق احدى الطوائف الاسلامية،السنية أو الشيعية؟.سياق الأحداث وتطورات الأزمة اللبنانية تؤكد على أن هذا الفراغ في موقع الرئاسة ما كان له أن يحصل.قطعاً الخلافات داخل الصف الماروني ليست هي السبب الأساسي في عدم حصول انتخاب رئيس جديد للبنان.فقد توافق معظم اللبنانيون،الموالاة والمعارضة،على العماد (ميشيل سليمان) كرئيس توافقي، لكن مع هذا لم يتم انتخابه حتى الآن.ان استمرار (الأزمة اللبنانية)بتعقيداتها وتشعباتها،المحلية وامتداداتها الاقليمية والدولية، تزيد الشكوك يوماً بعد يوم بقدرة لبنان على البقاء بصيغته الحالية،كرسالة وكنموذج للعيش المشترك بين مختلف طوائفه ومذاهبه واثنياته.فكل المعطيات تشير الى أن لبنان الرسالة في طريقه الى الزوال ليصبح-اذا ما بقي موحداً وقائماً- دولة كبقية دول الشرق العربي الاسلامي، المحكومة بأنظمة طائفية فئوية استبدادية.وبالمحصلة النهائية سيكون المسيحيون هم أكثر الخاسرين،خاصة وقد بات لبنان ساحة مفتوحة لمختلف التنظيمات الاسلامية والحركات الأصولية والمجموعات والخلايا الارهابية النائمة التي تشكل خطراً حقيقياً على وجود لبنان وبقاءه.(شاكر العبسي وفتح الاسلام) وخطفهما لمخيم (نهر البارد) للانطلاق منه نحو مشروع الامارة الاسلامية في لبنان،نموذجاً.

وفي سوريا- الدولة المشرقية التي يتمتع مسيحيوها بحصانة وطنية وينعمون بوضع آمن ومستقر منذ استقلالها في اربعينات القرن الماضي- بينما أجهزة الأمن والمخابرات،على كثرتها، منشغلة بملاحقة واعتقال ناشطي المعارضة من سياسيين ومثقفين وحقوقيين، أقدمت مجموعة مجهولة في مدينة ديرالزور السورية بتاريخ 4-1-2008 على اغتيال  شاب سرياني مسيحي(آشوري)(فادي بكرجي)في وضح النهار وفي مكان عام من غير أن يعترضهم أحد.اغتيل  بينما كان في متجر أخيه لبيع المشروبات الروحية،مما يرجح  أن يكون قتله جرى على خلفية دينية وأن القتلة على علاقة مع تنظيمات اسلامية متشددة.وفي حادثة أخرى ليست ببعيدة عن الأولى، في الزمان والمكان والدوافع، قامت مجموعة من الشبان المتعصبين باعتراض وشتم خوري الأرمن والهجوم على الكنيسة.كما هو معروف سوريا محكومة بنظام أمني منذ عقود،يدعي بأن الأمن والسلم الأهلي هو من أولى

95
خلافات المعارضة تهدد مستقبل الديمقراطية في سوريا

 

بهية مارديني من دمشق: اعتبر ناشطون سوريون أنه في وسط المشهد القمعي الذي تمارسه السلطة على المجتمع المعارض في سوريا انفجرت التناقضات السياسية والخلافات التنظيمية داخل المجلس الوطني لقوى وأحزاب وشخصيات إعلان دمشق الذي انعقد في الأول من الشهر الماضي.

واعتبر سليمان يوسف الكاتب والناشط الاشوري في تصريحات خاصة لـ\"ايلاف\"\" أن تفجر الخلافات بين تيارات المعارضة السورية وفي هذه المرحلة الضاغطة سيكون له مضاعفات سلبية جداً ليس على مسار ووحدة المعارضة فحسب،وانما على مستقبل الحركة السياسية والديمقراطية في سوريا عامة،وان قلل البعض من أهمية الخلافات داخل قوى اعلان دمشق\". ورأى \" أن المضاعفات السلبية للأزمة المعارضة لن تتوقف عند تجميد بعد الأحزاب والشخصيات المستقلة عضويتهم في الاعلان...\"

وكان الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوري المعارضين ، والدكتور هيثم مناع الناطق باسم اللجنة العربية لحقوق الانسان ومقرها باريس ، وناصر غزالي مدير مركز دمشق للدراسات النظرية والمدنية ومقره السويد ، جمدوا نشاطهم في اعلان دمشق بعد اجتماعه الاخير.
واكد يوسف ان الفشل الديمقراطي للمعارضة السورية واخفاقها، بعد أكثر من عامين من النقاشات المتواصلة، في التوافق على قيادة منتخبة لمجلسها الوطني،وفي ارساء قواعد الديمقراطية والاحتكام اليها في تجاوز خلافاتها الداخلية، سيزعزع من ثقة الرأي العام بها من جهة،وسيزيد من مشاعر الاحباط واليأس السياسي التي تجتاح الشارع السوري منذ عقود من جهة أخرى ، واشار الى أن هذا الاخفاق الديمقراطي السريع للمعارضة السورية سيزيد الشكوك بقدرتها على تحقيق العهد الذي قطعته على نفسها(انهاء حالة الاستبداد وانجاز عملية التغير الديمقراطي في البلاد) وأعلنته في البيان التأسيس لاعلان دمشق.

واضاف انه بالمقابل، وربما هو الأهم والأخطر على مستقبل المعارضة، انفجار تناقضات المعارضة وبروز خلافاتها السياسية على السطح، وقال ان هذا سيعزز موقف النظام القائم ويشجعه على ممارسة مزيد من القمع والبطش بها ومن الدكتاتورية على المجتمع والتمسك بشعاراته التضليلية فيما يخص عدم تأهل المجتمع السوري للانتقال الى مرحلة الديمقراطية السياسية.فضلاً عن أن تفجر أزمة المعارضة اعطت الفرصة للنظام للعب على تناقضاتها الايديولوجية وخلافاتها السياسية وتالياً احداث شرخ أو شروخ جديدة في صفوفها، من خلال معاقبة بعض اطرافها (التيار الليبرالي).

ورأى يوسف أن موجة الاعتقالات الأخيرة لأعضاء اعلان دمشق،التي مازلت محصورة في المحسوبين على التيار الليبرالي والاسلامي، تؤكد مجدداً على مخاوف النظام وقلقه من المعارضة السورية، على ضعفها.وأنها تهدف بشكل أساسي الى ترهيب المجتمع وعزله سياسياً من جهة وزعزعة الوضع التنظيمي للمعارضة واشغالها المستمر بقضية المعتقلين من جهة أخرى، لكن مع هذا، لا يمكن عزل هذه الاعتقالات الجديدة وفي هذه المرحلة تحديداً عن نتائج الانتخابات والسجالات السياسية التي جرت داخل المجلس الوطني لإعلان دمشق في اجتماعه الأخير.

واعتبر ان الشيء المحزن سياسياً في الجدل الحامي والسجال المفتوح حول خلفية وأبعاد موجة الاعتقالات الأخيرة هو تعاطي البعض مع المعارضة وكأنها حالة سياسية طارئة في المجتمع السوري، برزت بموازاة الضغوط الدولية الممارسة على النظام في السنوات الأخيرة.هذا البعض،قصد ذلك أم لم يقصد،يثير الشكوك حول المعارضة والنيل من مكانتها الوطنية،وتالياً يقدم المبررات والذرائع للقمع الممارس، بحق معارضة وطنية شريفة، من قبل سلطة استبدادية اختزلت مفهوم الوطنية والوطنية بالولاء والطاعة للنظام الحاكم.

وقال يوسف ان الأمر اللافت في هذه القضية،أن معظم الذين تولوا مهمة التشويش على المعارضة بالنيابة عن السلطة، وربما بالتكليف منها، هم من خارج جبهة النظام. ناسين أو متناسين أن المعارضة السورية نشأت ونمت في رحم المجتمع السياسي السوري بعد نمو قوى الاستبداد وانقلاب حزب البعث على السلطة في آذار 1963واحتكاره لها وانفراده بالقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

وأن المعارضة الحالية عارضت النظام الشمولي القائم واعترضت على توجهاته السياسية وعلى طريقة حكمه، لا بل كان الخطاب السياسي لهذه المعارضة في الماضي -حقبة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي- أكثر تشدداً وحدية.حيث كانت ترفع شعار (اسقاط النظام) في مرحلة كان يتمتع فيها(النظام)بأفضل العلاقات مع المجتمع الدولي الضاغط اليوم عليه، ليس بسبب سياسات النظام السوري تجاه شعبه، وانما على خلفية مواقفه من الملفات الاقليمية الساخنة.

واعتبر يوسف اخيرا أن هذا التشويش على المعارضة والمزايدة عليها في الوطنية،من قبل من يعتبر نفسه ديمقراطياً ومعارضاً للسلطة، يأتي في اطار الوصولية أو (الانتهازية السياسية) حيث هناك من يغازل السلطة من قناة المعارضة الحقيقية وعلى حسابها،أما بسبب العمى الايديولوجي، أو طمعاً ببعض العطايا والمكاسب الحزبية والشخصية في العهد الجديد.

تجمع في باريس للتضامن مع معتقلي اعلان دمشق

الى ذلك وبدعوة من لجنة \"اعلان دمشق\" في فرنسا، شهدت العاصمة الفرنسية تجمعا للتضامن مع معتقلي اعلان دمشق وسجناء الرأي في سوريا مساء أول من امس ، وقد تم رفع لافتات في ساحة حقوق الانسان في منطقة \"التركاديرو\" تحمل صور معتقلي الاعلان والرأي العام ،وشعارات تطالب بالافراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين في سوريا، واغلاق ملف الاعتقال السياسي، والغاء حالة الطورائ المفروضة على سوريا منذ سنة 1963.

وناشد المشاركون الرأي العام الغربي والعربي الضغط للافراج فورا عن الدكتورة فداء حوراني رئيسة المجلس الوطني لاعلان دمشق، والكاتب اكرم البني والدكتور احمد طعمة امينا السر،واعضاء الامانة جبر الشوفي ،الصحافي والكاتب علي العبد الله، الدكتور ياسر العيتي، الدكتور وليد البني ، والكاتب والصحافي فايز سارة وبقية معتقلي الرأي ومنهم البروفيسور عارف دليلة والكاتب والصحافي ميشيل كيلو والمحامي انور البني.

ورفعت \"خلية الطوارئ\" المنبثقة عن \"لجنة اعلان\" دمشق فرنسا، رسالة باسم المشاركين للبرلمان الاوروبي والمفوضية الاوروبية،ومفوضية حقوق الانسان، ولجنة حقوق الانسان في البرلمان الاوروبي، تطالب بالتحرك الفوري من أجل الضغط على النظام السوري، للالتزام بتعهداته الدولية فيما يتعلق بحقوق الانسان.

96
بمناسبة الأعياد لنرفع الصليب والهلال


الكاتب والناشط  السوري: سليمان يوسف يوسف

بمناسبة أعياد الأضحى المبارك والميلاد المجيد والعام الجديد أتقدم بأجمل التهاني وأطيب التمنيات للشعب السوري العظيم بكل مكوناته وقومياته وأديانه ومذاهبه وطوائفه.رجاءنا بهذه المناسبات المقدسة أن يعم السلام وتسود المحبة بين جميع شعوب وأمم العالم.

استعداداً لاستقبال الأعياد وتعبيراً عن مشاعر البهجة والفرح والسعادة بقدومها يقوم الكثيرين هذه الأيام بتزيين شرفات منازلهم وحتى الشوارع بشجرة الميلاد وبالعديد من الأشكال والرموز الدينية والتراثية والشعبية كل على طريقته،وتعد الزينة اليوم من المظاهر والتقاليد الأساسية الملازمة للاحتفال بالاعياد، خاصة لدى الأخوة المسيحيين.

لقناعتي التامة بأن التقاليد والعادات،القديمة المتوارثة والجديدة المكتسبة، أياً تكن ولدى كل الشعوب والأمم كانت،عبر التاريخ ومازالت، تحمل في طياتها رسالة لا بل رسائل الى الذات من جهة والى الآخر من جهة أخرى، فضلاً عن أنها تنطوي على دلالات ومعاني كبيرة هي في غاية الأهمية على صعيد تأثيرها (العادات والتقاليد)على الآخر وعلى صعيد العلاقة معه. في هذا الاطار وانطلاقاً من هذه القناعة بادرت هذا العام واحتفالاً بالأعياد الى تزيين شرفة منزل العائلة بالصليب (رمز المسيحية) والهلال (رمز الاسلام) .أردت من هذه الخطوة والمبادرة الفردية المتواضعة أن تكون رسالة الى ابناء مدينتي القامشلي الجميلة أولاً وهي تحتضن في أحياءها وتجمع في شوارعها ،مسلمين ومسيحيين، واقلية متبقية من الايزيديين.طبعاً وهي رسالة الى جميع أبناء وطني سوريا والمنطقة عامة من مسيحيين ومسلمين، في هذه المرحلة الصعبة والاستثنائية التي نمر بها جميعاً، حيث تخييم على اجواء منطقتنا مناخات التوتر الديني والتعصب الطائفي والاحتقان المذهبي التي كادت نيرانها أن تقضي على العراق وشعوب العراق،وهي تنذر باندلاعها في مجتمعات أخرى في المنطقة، وهي من دون شك تعكس المستوى الخطير الذي انحدرت اليه العلاقة بين شعوب وأمم تعيش معاً منذ آلاف السنين على أرض هي مهد الديانات والحضارات .

أنها رسالة انسانية من انسان دفع شعبه(الآشوري/الكلداني/السرياني) عبر التاريخ ومازال( في العراق)،الكثير الكثير ثمناً للعنف الطائفي والتعصب الأعمى للدين وللقومية .أنها خطوة اردتها شمعة مضاءة  بنور المحبة والايمان والتسامح  في هذا الظلام الطائفي المقيت والمخيف. أردتها رسالة سلام نقاوم بها الارهاب الذي لا دين ولا هوية هوية له... الارهاب الذي يهددنا جميعاً ونتحدى بها مشاعر الحقد والكراهية التي يبثها الحاقدون والمتعصبون في مجتمعاتنا المسلمة والآمنة.

كلي أمل أن تأخذ هذه الرسالة طريقها الى قلوب السوريين جميعاً ،مسلمين ومسيحيين، وأن تلقى هذه الخطوة والمبادرة( الجمع بين الرموز المسيحية والاسلامية المقدسة في احتفالتنا وفي بيوتنا)، كما تتعانق النواقيس والمآذن في شوارع بلداتنا ومدننا الجميلة في سوريا، تعبيراً عن روح التآخي واردة العيش المشترك بيننا والتي تميز بها المجتمع السوري عبر التاريخ.

كل عيد وشعب سوريا وشعوب العالم بألف خير...

عام جديد وسجون سوريا خالية من معتقلي الرأي والضمير ...

أعياد جديدة وسوريا من دون فقراء ومحتاجين...

عام جديد وشوارع المدن السورية خالية من الشحاذين والمتسولين...

عام جديد،نرى فيه سوريا وقد رفع عنها قانون الطوارئ والغيت المحاكم الاستثنائية ...

عام جديد وسوريا تحكم بدستور وطني ديمقراطي جديد يجعل من سوريا وطناً حراً كريماً  لكل أبناءها ومن دون تمييز أو تفضيل،بين مسلم ومسيحي وايزيدي، أو بين عربي وكردي وآشوري و أرمني  وتركماني وشركسي.

عام جديد نرى فيه السلام والأمن عما العراق الجريح...

الحرية لجميع الشعوب المضطهدة في العالم..

لا للقهر والظلم... لا للاستبداد بكل أشكاله... لا للإرهاب بكل صنوفه وأنواعه...

 

الكاتب والناشط السوري: سليمان يوسف يوسف...

 

shosin@scs-net.org


97

                                 البعث و نهاية التاريخ في سوريا   
 
منذ انطلاقة حزب (البعث العربي الاشتراكي) في اربعينات القرن الماضي قدم خطابه القومي ومنطلقاته النظرية(أمة عربية واحدة ... رسالة خالدة...وحدة حرية اشتراكية..) على أنها (حقيقة مطلقة)،فضلاً عن انه،بعد انقلابه ووصوله الى الحكم،فرض حالة الطوارئ على البلاد ووضع دستور جديد لسوريا، كرس فيه نفسه حزباً قائداً خالداً أبدياً للدولة والمجتمع. وكل سوري يرفض المقدسات البعثية ولا يتقبلها ويعمل خلافاً لها مشكوك بوطنيته وهو خائن يجب معاقبته وترحيله عن أرض الوطن أو زجه في السجون.وفيما يخص (قانون الطوارئ) جعله سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب السوري،وهو بذلك لا يختلف بمضاعفاته السلبية ونتائجه الخطيرة على الحريات الفكرية والسياسية عن أحكام وفتاوى التيارات التكفيرية المتشددة في الاسلام.حاولت النخبة البعثية التوفيق بين العروبة السياسية و(الاسلام) الخارج من رحم العروبة اصلاً،وسعت تلك النخب الى توظيف (الاسلام) لصالح مشروعها السياسي والقومي، لكن بسبب طغيان الولاء الديني على الولاء القومي لدى الانسان العربي المسلم، تراجعت العروبة السياسية- حتى داخل تيارات وحركات القومية العربية من ضمنها البعث نفسه- شيئاً فشيئاً،حتى يبدو اليوم أن مشروع القومي العربي سقط لصالح مشروع الأصولية الاسلامية أو (الاسلام السياسي)، بمختلف اتجاهاته وتياراته، الذي بدأ يرفع شعار ( الاسلام هو الحل) بعد فشل الأنظمة القوماوية في تحقيق تطلعات شعوبها.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية عام 1989 كنظام سياسي واقتصادي ساد أوربا الشرقية لنحو سبعة قرون،كتب المفكر الأمريكي (فرنسيس فوكوياما (مقاله الشهير(نهاية التاريخ) المثير للجدل السياسي والفلسفي،قال فيه،معقباً على ما جرى للمعسكر الاشتراكي: (( إن ما نشهده الآن ليس نهاية للحرب الباردة أو مرور فترة معينة لمرحلة ما بعد الحرب ، وإنما نهاية للتاريخ ، بوضع حد للافكار الايديولوجية في التاريخ الانساني وانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية الغربية)).طبقا لنظرية فوكوياما، فإن الديمقراطية قد أثبتت في تجارب متكررة على أنها أفضل النظم التي عرفها الانسان أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا.لهذا يرى فوكوياما (أن تطور التاريخ بمفهومه الفلسفي الديالكتيكي كصراع الايديولوجيات انتهى بسقوط الشيوعية والانتصار الحاسم والتاريخي لليبرالية الديمقراطية كنموذج مثالي ووحيد القابل للحياة والاستمرار).بمعنى آخر يرى فوكوياما في انهيار الشيوعية وانتصار الليبرالية،نهاية) التاريخ السياسي ( للعالم.
لقد بنى فوكوياما نظريته(نهاية التاريخ) في ضوء التحولات الفكرية العميقة والتطورات السياسية الكبيرة التي شهدها العالم لصالح الديمقراطية والفكر الليبرالي بعد عقود من (الحرب الباردة) والتنافس والتحدي،السياسي والاقتصادي والعسكري، مع المعسكر الاشتراكي(الشيوعي).في حين نرى أن حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا أنهى (التاريخ) السياسي لسوريا بانقلاب عسكري على الحكم.اذ ليس من المبالغة القول: أن ما اقدم عليه البعث بعيد انقلابه،بدءاً من احتكاره للسلطة والثروة في البلاد و تعطيل الدستور والقضاء بإبقاء البلاد تحت قانون الطوارئ والأحكام العرفية،وفرض نفسه وصياً على مصالح الشعب والوطن السوري وربطها بمصالح الحزب والنظام،فضلاً عن انتهاج سياسية التعريب وتقويض وجود القوميات الغير عربية من آشوريين وأكراد وأرمن وغيرهم وتهميش المسيحيين والسعي الحثيث لأسلمة المجتمع السوري بأساليب وطرق مختلفة لا تخلو من نزعات شوفينية وعنصرية،هو عملياً ليس اعلان (نهاية التاريخ السياسي) لسوريا وانتزاع السياسة عن المجتمع فحسب، وانما هو دفن لتاريخ سوريا وموت سياسي لشعبها العريق الذي تميز عبر تاريخه الطويل بالابداع والعطاء والحيوية،حيث يبدو هذا الشعب اليوم شعباً محبطاً يائساً بلا ارادة لا حول ولا قوة له، من دون أمل و من غير تطلعات سياسية و طموحات مستقبلية.فالاستبداد الشامل والقمع الممنهج اللذان مارسهما النظام البعثي الشمولي على الشعب السوري قتلا روح التضحية والعطاء في نفوس ابناء هذا الشعب، و سببا في تعطيل دورة الحياة الطبيعية للمجتمع السوري الذي كان قد شهد ،في خمسينات القرن الماضي، نهضة فكرية وثقافية وسياسية متميزة وعاش تجربة ديمقراطية وليبرالية ناجحة.  فبعد مضى نحو نصف قرن على حكم البعث لسوريا،يبدو أن الزمن السوري قد توقف عند تلك المقولات الايديولوجية المهزومة والشعارات التضليلية التي رفعها البعث وتخفى خلفهما،والتي أضرت كثيراً بالمفاهيم الديمقراطية والمدنية وأساءت لحقوق الإنسان وشوهت مفهوم الوطن والمواطنة والوطنية.
لقد سوغ فوكوياما لنظريته (نهاية التاريخ السياسي للعالم) بصمود الليبرالية الديمقراطية وانتصارها على عدوتها التاريخية (الشيوعية)،لكن لا ادري بماذا يسوغ البعثيون اليوم تمسكهم بنظريتهم (نهاية التاريخ السياسي لسوريا) ودفاعهم عنها.هل باستكمال السيادة الوطنية على كامل الجغرافية السورية بتحرير لواء اسكندرون و الجولان وانتصارهم الحاسم على اسرائيل (العدو التاريخي للعرب)، بحسب عقيدتهم القومية والسياسية؟.أم بانجاز(الوحدة العربية الشاملة)؟. أم برفع مستوى المعيشة للشعب السوري وتحقيق تنمية وطنية شاملة لم تحققها دول أخرى في المنطقة؟. أم بانجاز وحدة وطنية تحسدنا عليها الشعوب المجاورة؟.طبعاً شيء من كل هذا لم يتحقق. بالنسبة للواء اسكندرون تم التخلي عنه وشطبه من الخريطة السياسية لسوريا. والجولان عودته للوطن الأم باتت متروكة للزمن ورهناً بالتطورات الاقليمية والدولية وبحجم التنازلات السورية لأجل انجاز عملية السلام مع اسرائيل.أي أن ارادة التحرير لدى الطبقة السياسية السورية الحاكمة تراجعت كثيراً،هذا اذا لم تكن قد تلاشت كلياً.أما فيما يخص الوحدة العربية التي بدأت حلماً في بداية القرن العشرين باتت سراباً مع نهايته.وبالنسبة للوضع المعيشي والاقتصادي والتنمية في سوريا،الغالبية الساحقة من الشعب السوري تئن اليوم تحت وطأة الفقر والعوز، وافواج العاطلين عن العمل في تزايد مستمر حتى في اوساط خريجي المعاهد والجامعات، وآفة الفساد استفحلت بشكل مخيف وهي تنخر مفاصل الدولة والمجتمع. وفيما يخص الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي،يرى الكثيرون أن المجتمع السوري ليس متماسكاً وانما (ممسوك به) من قبل الدولة وأجهزتها الأمنية.اذ،هناك أكثر من معطى ومؤشر على حصول تراجع كبير في عملية الاندماج الوطني بين مكونات المجتمع السوري الذي يتصف بالتنوع الديني والقومي والمذهبي والاثني والعشائري، وحصول اصطفافات على ارضية هذه الانتماءات، وهي في طور تحولها من كيانات اجتماعية ثقافية الى كيانات سياسية متنافرة داخل الدولة السورية.فضلاً عن تنامي الاتجاهات الاسلامية المتشددة في قاع المجتمع السوري وبروز (الاصولية الاسلامية) علناً وبقوة على السطح الاجتماعي والثقافي تمهيداً لانتقالها الى الفعل السياسي في المرحلة المقبلة وهي بكل تأكيد لن تطول اذا ما استمر النظام في انتزاع السياسية عن المجتمع، واقفال المنابر الاعلامية واغلاق المنتديات الثقافية امام القوى والتيارات الديمقراطية والليبرالية وتعطيل فعاليات المجتمع المدني وزج نشطاء أحزاب المعارضة والحراك الديمقراطي والحقوقي في السجون.في الوقت الذي تزداد شعبية وجماهير الأصولية الاسلامية،وذلك بفضل نشاط (حزب الجامع)،الحزب الوحيد الذي لا قدرة للنظام السوري على الغائه ومنع نشاطه واغلاق منابره في وجه رواده ومناصريه، لأنه(حزب الجامع) هو (الحزب الإلهي المقدس)،يأخذ شرعيته ومشروعيته من آلهة السماء وليس من آلهة الأرض.اعتقد أن الانجاز الوحيد الذي حققه البعثيون طيلة فترة حكمهم لسوريا، ويمكن لهم أن يفتخروا به و يأخذوا منه مسوغاً  لتمسكهم بنظريتهم(نهاية التاريخ السياسي لسوريا) ودفاعهم عنها،هو انتصارهم على (ارادة الشعب السوري) وقدرتهم على ترويض هذا الشعب وتطويعه وتسخيره لخدمة مصالحهم ومكاسبهم وامتيازاتهم السياسية والاقتصادية، الى درجة يرى الكثير من المهتمين والمراقبين للشأن السوري بأن تغير النظام القائم واسقاط حكم البعث،بات يحتاج الى (معجزة سياسية).

سليمان يوسف ...  آشوري سوري
 shosin@scs-net.org


98
آشوريو سورية يطالبون الأسد بالاعتراف بهم كشعب أصيل


وكالة آكي الإيطالية للأنباء - الاثنين 10 كانون الأول/ ديسمبر 2007

دمشق (10 كانون الأول/ديسمبر) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء

ناشد تجمع آشوري سوري الرئيس السوري الاعتراف بالشعب الآشوري (سريان/كلدان) "كشعب سوري أصيل"، واعتبار اللغة السريانية "لغة وطنية لسورية"، وإضافة أحد الرموز السريانية الآشورية التراثية (النسر الآشوري، النجمة الرباعية، الأبجدية السريانية) إلى العلم الوطني لسورية، واعتبر ذلك "ضرورة وطنية.. وخيار ديمقراطي.. وموقف أنساني وحضاري" على حد تعبيره

وبمناسبة الذكرى التاسعة والستون لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف اليوم (الاثنين)، وصدور الإعلان العالمي لحماية حقوق الشعوب الأصلية، طالب "التجمع الديمقراطي الآشوري السوري" في رسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس السوري ورئيس الحكومة وأعضاء مجلس النواب، بفتح قسم خاص بآداب اللغة السريانية في الجامعات السورية، والعمل على إحياء التراث السرياني الآشوري، وتعليم التاريخ الآشوري بمراحله المختلفة في المدارس السورية، وترخيص ما هو قائم من جمعيات ونوادي وفرق فلكلورية أهلية، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لها بما يضمن تطورها واستمرارها

ورأى التجمع أن اعتراف الدولة السورية بالآشوريين كشعب أصيل ومنحهم حقوقهم القومية والديمقراطية سيكون له "انعكاسات إيجابية كبيرة"، و"سيحدّ كثيراً من نزيف هجرة الآشوريين والمسيحيين من سورية، وسيساهم بشكل أكثر على اندماجهم في المجتمع السوري، وتالياً سيزيد من اللحمة الوطنية في البلاد" حسب قوله

وقال التجمع في رسالته إن اختزال الهوية الوطنية لسورية بالعروبة والإسلام كما ورد في دستورها الحالي، والنظر للآشوريين السريان كطوائف مسيحية عربية "فيه كثير من المغالطات السياسية والتاريخية"، وأكّد أن سورية "مهد الحضارات والأديان، وملتقى الأمم والشعوب"، وأن حضارتها "أكبر وأعظم من أن تنسب لشعب واحد أو لقوم بعينه" حسب نص الرسالة

وشدد (تأسيساً على تعريف الأمم المتحدة للشعوب الأصلية) على أن الآشوريين (سريان كلدان) "هم شعب أصيل"، وأنه "من واجب ومسؤولية الدولة السورية أن تضمن لهم حقوق المواطنة والحقوق الأخرى الواردة في الإعلان العالمي لحماية حقوق الشعوب الأصلية"، والذي يكفل لهم ممارسة حقوقهم الثقافية والدينية واللغوية والاجتماعية والاقتصادية، ويضمن مشاركتهم في الهيئات المنتخبة والأجهزة الإدارية، وعلى جميع مستويات صنع القرار

وقال إن وضع الآشوريين (سريان كلدان) في سورية الذين يعتنقون المسيحية من حيث الحريات الدينية "هو أفضل بكثير من وضع المسيحيين في العديد من دول المنطقة"، لكن "دستور الدولة السورية ما زال يتضمن مواد ونصوص تنتقص من حقوق المواطنة للآشوريين السوريين والمسيحيين عامة، مثل تولي منصب رئاسة الدولة وفرض بعض قوانين (الشرع الإسلامي) عليهم، وهذا يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق وحريات الإنسان" حسب بالنص .
 
لنعلن تضامننا بقوة مع حقوق جميع شعوب منطقة ميزو بوتاميا التاريخية ( بلاد ما بين النهريين - الهلال الخصيب )


--
منظمة حريات وحقوق للدفاع عن حرية المعتقد  وحقوق الأقليات الدينية والقومية ( حريات )
freedoms.rights@gmail.com

99
رسالة الى الرئيس بشار الأسد والى مجلس الشعب والحكومة في سوريا... بمناسبة ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان


سيادة الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية.
السادة رئيس وأعضاء مجلس الشعب السوري.
السيد رئيس الحكومة والسادة الوزراء.

تحية وطنية خالصة.
مقدمة:
السريان أو (الآشوريون  ASSYRIAN)شعب قديم، يعود تاريخهم لأكثر من سبعة آلاف عام في بلاد ما بين النهرين وسوريا، بحدودها التاريخية والثقافية المعروفة –وهي  تتجاوز كثيراً الحدود السياسية للدولة السورية القائمة- والمعروفة تاريخياً بـ(بلاد السريان)، حيث أقاموا فيها حضارة عريقة وكانوا يديرون شؤون حياتهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية،قبل أن تتوافد اليها شعوب وأمم أخرى.وقد أخذت سوريا اسمها (SYRIAN)عن السريان،والمنحوتة أصلاً من مصطلح الآشوريين(ASSYRIAN)، ومازالت الكثير من المدن والبلدات والأماكن في سوريا التاريخية،المعروفة اليوم بـ(بلاد الشام) تحتفظ بأسمائها السريانية/الآشورية الأصلية.هذا وقد أشاد الرئيس الراحل حافظ الأسد بأصالة السريان والجذور السريانية لسوريا لدى استقباله المجمع المقدس للسريان الأرثوذكس بدمشق،بقوله : (( سوريا بلدكم،عندما نقول هذا لا نعطيكم ما هو ليس لكم)).ونحن نتحدث عن(السريان) لا نقصد فقط  السريان الأرثوذكس وانما جميع الطوائف السريانية المارونية والكاثوليكية والكلدانية والآشورية الذين يتحدثون ويرفعون صلواتهم باللغة السريانية، وأيضاً هناك سريان مسلمون ما زالوا يتحدثون باللغة السريانية في مناطق عديدة من سوريا. ويعتبر العرب أقرب الشعوب إلى السريان (الآشوريين) في التاريخ والجغرافيا. فكلا الشعبين هما من جذورٍ ساميةٍ واحدة، وقد أخذت أو بالأحرى ورثت الحضارة العربية الكثير من الحضارة السريانية الآشورية. حتى أن اسم العرب آتٍ من اللغة الآرامية السريانية التي سادت حتى نهاية القرن الثامن الميلادي في مناطق واسعة من الشرق.
يصف(مكتب حقوق الانسان)، التابع للأمم المتحدة، (الشعب الأصلي) بأنه: (( هو الذي ولد وعاش وتوالد وصار جزء من مكان معين وله ثقافة وتاريخ معين، ويريد المحافظة على عاداته وتقاليده وثقافته، وهو الذي ظل في نفس المكان ويعاني من الظلم لأنه يختلف عن الشعب الذي يسيطر على الحكومة)).كما جاء في الاتفاقية الدولية رقم 169 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة:((الشعوب الأصلية في البلدان المستقلة،هي تلك التي انحدرت من السكان الذين كانوا يقطنون البلد أو إقليما جغرافيا ينتمي إليه البلد اثناء غزو أو استعمار أو اثناء رسم الحدود الحالية للدولة، أيا كان مركزها القانوني، والتي لا تزال تحتفظ ببعض أو بكامل نظمها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الخاصة بها)).
في ضوء الحقائق التاريخية والوقائع الموضوعية التي أوردناها في مقدمة هذه الرسالة بشأن ماضي سوريا وحالة التنوع القومي والديني والثقافي واللغوي التي يتصف بها المجتمع السوري اليوم نرى أولاً:أن اختزال الهوية الوطنية لسوريا بالعروبة والاسلام كما ورد في دستورها الحالي والنظر للآشوريين السريان كطوائف مسيحية عربية فيه الكثير من المغالطات السياسية والتاريخية،هي من رواسب ومخلفات الثقافة الأحادية والفكر القومي العربي المنغلق على ذاته. فسوريا مهد الحضارات والأديان،ملتقى الأمم والشعوب، حضارتها هي أكبر وأعظم من أن تنسب لشعب واحد أو لقوم بعينه.ثانياً: تأسيساً على تعريف الأمم المتحدة للشعوب الأصلية، أن الآشوريين(سريان/كلدان) هم (شعب أصيل)،من واجب ومسؤولية الدولة السورية أن تضمن لهم حقوق المواطنة والحقوق الأخرى الواردة في الاعلان العالمي لحماية حقوق الشعوب الأصلية الصادر بتاريخ 12ايلول 2007 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة،حيث أكدت في هذا الاعلان على مسؤولية كل دولة في العمل على توفير كل ما من شأنه أن يؤمن حماية هوية وحقوق الشعوب الأصلية التي عانت،ومازالت، من ظلم وعسف الأغلبية في أجزاء كثيرة من العالم.كما طالبت الدول المعنية بتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز وجود وهوية الشعوب الأصلية وممارسة حقوقها الثقافية والدينية واللغوية والاجتماعية والاقتصادية. وتهيئة الاجراءات والسبل الكفيلة بضمان مشاركتها بحرية، في الهيئات المنتخبة والأجهزة الإدارية، وعلي جميع مستويات صنع القرارات ووضع السياسات والبرامج وخطط التنمية الوطنية للدولة. وتوفير كل ما من شأنه أن يحفظ لغة الشعوب الأصلية ويساعد على تطورها واستخدامها وتعليمها لأبنائها.ونشر ثقافة الشعوب الأصلية والتعريف بتاريخها وتراثها كجزء من التراث الوطني وذلك من خلال كتب التاريخ وغيرها من المواد التعليمية والتربوية المقررة في مناهج التعليم في الدولة، وبما يساعد ويضمن القضاء على أي أحكام ومفاهيم مسبقة خاطئة ضارة ومسيئة بحق الشعوب الأصلية.
أن فتح معهد متواضع لتعليم اللغة (الآرامية القديمة) في بلدة (معلولا)من قبل الدولة السورية،على الرغم من تحفظنا على أدائه وأهدافه التي هي بنظرنا سياحية دعائية أكثر من كونها أكاديمية، هو خطوة باتجاه الانفتاح على التراث السرياني والاهتمام به. لكن هذه الخطوة ليست كافية اذا ما أرادت الدولة السورية حقاً أن تولي هذا الكنز الحضاري ما يستحقه من اهتمام ورعاية وترسيخه في الثقافة الوطنية للشعب السوري كجزء أصيل من التراث الوطني لسوريا.
أن الغالبية الساحقة من الآشوريين(سريان/كلدان) اليوم في سوريا يعتنقون المسيحية، صحيح أن وضعهم من حيث الحريات الدينية هو أفضل بكثير من وضع المسيحيين في العديد من دول المنطقة. لكن دستور الدولة السورية ما زال يتضمن مواد ونصوص تنتقص من حقوق المواطنة للآشوريين السوريين والمسيحيين عامة، مثل تولي منصب رئاسة الدولة وفرض بعض قوانين (الشرع الاسلامي) عليهم وهذا يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق وحريات الانسان .

فخامة الرئيس بشار الأسد
السيد رئيس مجلس الشعب
السيد رئيس الوزراء
بمناسبة الذكرى التاسعة والستون لصدور (الاعلان العالمي لحقوق الانسان)لعام 1948،والتي تصادف في العاشر من كانون الأول،وصدور الاعلان العالمي لحماية حقوق الشعوب الأصلية،نرفع اليكم هذه الرسالة، وهي بمثابة مذكرة من (التجمع الديمقراطي الآشوري السوري) الذي تأسس مؤخراً،تتضمن جملة مطالب مشروعة لا تخرج عن اطار حقوق المواطنة الأساسية.وكلنا أمل أن تحظى هذه المطالب باهتمامكم، خاصة وأن الدولة السورية وقعت على معظم المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة باحترام حقوق وحريات الانسان،افراد وجماعات، والقضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز العنصري أو الديني أو القومي بين البشر.أبرز مطالبنا:
-   الاعتراف الدستوري بالشعب الآشوري(سريان/كلدان) كشعب سوري أصيل.
-   اعتبار اللغة السريانية لغة وطنية لسوريا يتوجب تطويرها وتعليمها في جميع المدارس السورية.
-   فتح قسم خاص بآداب اللغة السريانية في الجامعات السورية.
-   اضافة أحد الرموز السريانية/ الآشورية التراثية كـ (النسر الآشوري. النجمة الرباعية . الأبجدية السريانية) الى العلم الوطني لسوريا.
-   أحياء التراث السرياني/الآشوري وتعليم التاريخ الآشوري بمراحله المختلفة في المدارس السورية.
-   ترخيص ما هو قائم من جمعيات ونوادي وفرق فلكلورية أهلية وتقديم الدعم المادي والمعنوي لها بما يضمن تطورها واستمرارها.
إن اعتراف الدولة السورية بالآشوريين كشعب أصيل وتعزيز وجودهم القومي في وطنهم سوريا سيكون له من دون شك انعكاسات ايجابية كبيرة ليس على آشوريي(سريان) سوريا فحسب، وانما على جميع الجاليات الآشورية/السريانية في  دول المهجر،وسيحد كثيراً من نزيف هجرة الآشوريين والمسيحيين من سوريا.كما أن منح الآشوريين(سريان/كلدان) حقوقهم القومية والديمقراطية سيساهم بشكل أكثر على اندماجهم في المجتمع السوري،تالياً سيزيد من اللحمة الوطنية في البلاد. من هنا نرى في استجابة الدولة السورية، لما ورد في هذه الرسالة من مطالب، بقدر ما هي حاجة آشورية/سريانية/كلدانية، هي ضرورة وطنية،فضلاً عن أنها خيار وطني ديمقراطي وموقف أنساني وحضاري.

تفضلوا بقبول فائق احترامنا.

  سوريا: 9-12-2007                                                                         
                                                                    التجمع الديمقراطي الآشوري السوري                                               
 




 



100
 راهب يتحدى خاطفيه في تركيا  


بعد الاستقرار النسبي الذي نعم به الشعب الآشوري(سريان/كلدان) في السنوات الأخيرة في اقليم طورعابدين (جنوب شرق تركيا)،بدأ الخوف والقلق من جديد يخيم على القرى والمناطق الآشورية في تركيا. وكأن ليس من حق هذا الشعب المسالم الجريح أن يرتاح ويعيش بأمن وسلام على أرضه التاريخية. أو أنه كتب عليه أن يكون وقوداً لحروب وصراعات الآخرين. تجدر الاشارة هنا الى أن في نهاية تسعينات القرن الماضي وفي مدينة أربيل شمال العراق قتل متطرفون أكراد،من تنظيم (أنصار الاسلام)، وهو تنظيم اسلامي أصولي كردي على خلاف سياسي وآيديولوجي عميق مع الحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق،الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني- بحسب مصادر كردية عراقية-اغتالت السيد (فرانسو حريري) القيادي الآشوري البارز في حزب (الديمقراطي الكردستاني) الذي يتزعمه السيد مسعود البرزاني.وكما هو معلوم في ظل الفلتان الأمني الحاصل في العراق الواقع تحت الاحتلال الأمريكي منذ نيسان 2003،استهدفت مجموعات ارهابية ،اسلامية وغير اسلامية، المسيحيين العراقيين العزل،ومعظمهم من الكلدوآشوريين، وذلك بسبب عقيدتهم الدينية،وقد قتل المئات منهم من بينهم كهنة وقساوسة ورهبان كما فجر الارهابيون العديد من الكنائس في انحاء مختلفة من العراق.وقد أدت أعمال العنف هذه الى ترك أكثر من نصف المسيحيين العراقيين لمناطقهم التاريخية والهجرة خارج العراق.في ضوء ما يتعرض له الآشوريون من أعمال عنف وممارسات عدائية من غير سبب واستهدافهم من قبل جهات عديدة ومجهولة وفي مختلف مناطق تواجدهم،يبدو هناك من يخطط ويعمل على اقتلاع ما تبقى من آشوريين ومسيحيين صامدين في قراهم وكنائسهم وأديرتهم متحدين الموت والخوف.فبعد مسلسل القتل والخطف والتهجير القسري لأبناء الشعب الآشوري المسيحي في العراق يخشى أن يكون لهذا المسلسل الاجرامي حلقات وفصول خاصة بما تبقى من آشوريين ومسيحيين في طورعابدين وتركيا عامة.هذا ما يمكن استخلاصه واستنتاجه من اقدام مجموعة ارهابية مجهولة يوم الأربعاء الماضي/  28 تشرين الثاني/ 2007، باختطاف الراهب دانييل(أديب) صاوجي،راعي كنيسة ودير القديس مار يعقوب للسريان الأرثوذكس في قرية (صالح( ،احدى قرى طور عابدين.عملية الخطف هذه تمت بينما كان الراهب دانييل يقود سيارته عائداً من مدينة (مديات) متوجهاً الى كنيسته. لا شك أن خطف الراهب دانييل هو مؤشر خطير على تنامي الأصولية الاسلامية والمنظمات الارهابية داخل المجتمع التركي،وربما داخل أجهزة ومؤسسات الدولة العلمانية في تركيا التي يحكمها منذ سنوات حزب العدالة والتنمية ذات التوجهات الاسلامية.
في اطار معرفة حيثيات وأهداف الجهة التي يمكن أن تقف وراء عملية الخطف،أجرينا اتصال هاتفي مع شخص مضطلع ومتابع منذ البداية لقضية الراهب دانييل، وهو المسؤول الاداري في دير (ماركبرئيل)-أحد أهم وأبرز أديرة السريان الأرثوذكس في منطقة (طورعابدين/ تركيا)- قال: ((بعد ساعات قليلة من اختفاء الراهب دانييل اتصل الخاطفون، عبر الهاتف بدير الزعفران مقر أبرشية السريان في ولاية ماردين ،وطلبوا ثلاثمائة ألف/300000/ يورو كفدية مقابل اطلاق صراح الرهينة دانييل والا سيقومون بقتله،من دون أن يحدد الخاطفون مهلة زمنية لتنفيذ تهديدهم،ومن غير أن يعرفوا بهويتهم والجهة التي ينتمون اليها.وأضاف : في الحال أخبرنا السلطات التركية عن الحادث وقد لمسنا استجابة سريعة من الدولة التركية،حيث استنفرت مختلف أجهزتها الأمنية والشرطة والجيش في ولاية ماردين ومنطقة طورعابدين بحثاُ عن الراهب المختطف فضلاً عن الاهتمام الكبير واللافت من قبل الاعلام التركي، الحكومي والمعارض والمستقل، بقضية الراهب دانييل... وأضاف: لقد اثمرت عمليات المسح والاستطلاع والترصد والمراقبة للاستخبارات التركية وخبرتها الطويلة في التعاطي مع عصابات الخطف وقطاع الطرق والجماعات المتطرفة ،أثمرت في تحديد المشتبه بهم في عملية خطف الراهب وتحديد الجهة التي التجأوا اليها وهي بلدة (باطمان) .في ضوء نتائج التحريات الأمنية حاصرت الشرطة التركية البيوت المشتبه بها والمتوقع أن يتواجد فيها الخاطفون وهددت بمداهمتها ما لم يتم الكشف عن مصير الراهب دانييل واطلاق صراحه.مما اضطر الخاطفون الى اخراج الراهب الى أحد شوارع البلدة وتركه في حال سبيله .تم ذلك يوم الجمعة أي بعد يومين من اختطافه. وعن الجهة التي اختطفته قال المدير الاداري في دير ماركبرئيل: لا يبدو أن هناك خلفيات أو أهداف سياسية لعملية الخطف.. أنهم شباب مسلمين كورد لا انتماء سياسي لهم... أنهم عصابة وقطاع طرق ...هدفهم فقط الابتزاز والحصول على مبالغ مالية كبيرة من الكنيسة كفدية مقابل الافراج عن الراهب. لكن بفضل جهود الدولة التركية وجهود مختلف فعاليات شعبنا السرياني،الدينية والمدنية، في الوطن والمهجر، لم يحقق المجرمون هدفهم وانما وقعوا في يد العدالة حيث القت سلطات الأمن التركية القبض على خمسة اشخاص من المتورطين في عملية خطف الراهب دانييل صاوجي وبقي اثنان من العصابة تواروا عن الانظار وجميعهم أكراد مسلمين .وعند السؤال عن ردة فعل الراهب دانييل بعد اطلاق صراحه: طبعاً كان مسروراً وشعوره لا يوصف ..أضاف، نقلاً عن الراهب: أنه حتى وهو بين أيدي الخاطفين وهم يهددونه بالذبح كان يتحداهم ويقول لهم أنتم جبناء... اذا كنتم تريدون قتلي فلماذا تسألونني وماذا تنتظرون نحن الرهبان شهداء أحياء من اجل المسيح والمسيحية لذلك لا نخشى الموت. أن الراهب دانييل  كان صامداً وشامخاً بفضل ايمانه المسيحي كصمود وشموخ جبل طورعابدين الذي نشا فيه ،الجبل المجبول بدماء مئات آلاف شهداء السريان والمسيحية . وبقدر ما كان الراهب دانييل  قوياً وعظيماً بالقدر ذاته كان متسامحاً مع خاطفيه مقتدياً بالسيد المسيح،رسول المحبة والسلام، فعندما طلبت منه الشرطة التركية الادعاء الشخصي على الخاطفين تخل وتنازل عن حقه في الادعاء عليهم ومقاضاتهم وقال: على الرغم من أنهم أهانوني وضربوني لكن سامحهم الله وأطلب من الرب يسوع المسيح أن يصلحهم ويعيدهم الى الطريق القويم.وقد أنهى المدير الاداري في دير ماركبرئيل كلامه قائلاً : فرحة الأخوة الأكراد، بعودة الراهب دانييل سالماً، في القرى المجاورة لقرية صالح حيث يقيم الراهب، لم تكن أقل من فرحة أهله وشعبه السرياني حيث أستقبله الأكراد بالأهازيج  والورود مما يؤكد على عمق العلاقة التاريخية بين الشعب السرياني والشعب الكردي في طورعابدين وحرص الشعبين على استمرار هذه العلاقة وتعزيز قيم وركائز العيش المشترك بينهما)).
مع انتشار خبر اختطاف الراهب دانييل عم السخط والاستياء الشارع الآشوري/السرياني والمسيحي عامة في تركيا والعالم وصدرت بيانات الشجب والاستنكار لهذا العمل الجبان عن معظم القوى السياسية والمؤسسات الاعلامية ومختلف الفعاليات القومية والاجتماعية والثقافية والدينية  للجاليات الآشورية (سريان/كلدان) داخل الوطن و في دول المهجر الأوربي والأمريكي مطالبة الحكومة التركية بالتحرك السريع لملاحقة الخاطفين والكشف عن مصير الراهب دانييل واطلاق صراحه سالماً.هذا وقد برزت في الأوساط السريانية الآشورية الكثير من التحليلات والأراء والنظريات المتباينة حول اسباب خطف  الراهب دانييل والجهة التي خطفته وأهدافها.فقد رجحت شخصيات دينية وعلمانية سريانية/آشورية عديدة في تركيا أن يكون الخاطفون اسلاميين أكراد متطرفين هدفوا الى نشر الرعب والخوف في نفوس القلة القليلة المتبقية من الآشوريين السريان في طورعابدين،المقدر عددهم بثلاثة آلاف شخص، بعد أن كانوا بمئات الآلاف قبل المذبحة الكبرى التي نفذتها السلطنة العثمانية بحق المسيحيين عام 1915. اذ ترى هذه الشخصيات السريانية بأن هناك من الأكراد من استوطن في القرى السريانية المهجورة، تضررت مصالحهم،من عودة أصحاب بعض هذه القرى من أوربا بعد أن تركوها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي هرباً من مضاعفات النزاع المسلح بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي يطالب باقامة (دولة كردية) في شمال شرق تركيا. جدير بالذكر أن اختطاف الراهب دانييل يأتي في ظل تجدد التوتر والعنف بين الجيش التركي و مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتحصنين في الجبال والمناطق الوعرة في شمال العراق. في حين لم تستبعد شخصيات سريانية ومسيحية أخرى في تركيا وخارجها أن يكون لبعض عناصر الشرطة والمخابرات التركية ضلع ودور ما في عملية اختطاف الراهب دانييل بدوافع دينية وقومية، كما حصل في جريمة اغتيال الصحفي الأرمني التركي (هرانت دينيك) قبل نحو عام في اسطنبول،وقبلها جريمة اغتيال الراهب الايطالي.كما أن البابا يوحنا بولص الثاني اثناء زيارته لتركيا في ثمانينات القرن الماضي كان قد تعرض لمحاولة اغتيال على يد شاب تركي اسلامي متطرف.
لا شك،أن لتحرك الآشوري/السرياني الواسع والسريع تجاه قضية الراهب المخطوف دانييل هو دليل على نمو الوعي القومي والسياسي للآشوريين بمختلف طوائفهم،كذلك هو يعكس مدى تحسن الاداء السياسي والاعلامي للمؤسسات الاعلامية الآشورية،على حداثتها وضعف تجربتها، في دول المنفى(المهجر) وقدرة هذه المؤسسات على نقل قضية الراهب دانييل الى الراي العام الشعبي والرسمي والى المنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الانسان في اوربا والعالم الحر عامة.بلا ريب،كان لهذا التحرك السياسي والاعلامي الآشوري دور مهم وكبير في سرعة تحرك  الحكومة التركية ووضع كل امكانياتها الأمنية باتجاه الكشف عن مصير الراهب دانييل واجبار الخاطفين على تحريره بعد يومين من اختطافه. طبعاً الى جانب  العامل الآشوري والمسيحي هناك عوامل وأسباب عديدة وأساسية أخرى دفعت تركيا لانقاذ حياة الراهب دانييل. فتركيا كدولة تسعى الى تحسين صورتها وسجلها السيئ في مجال حقوق الانسان أمام العالم وهي تطمح الى الدخول للاتحاد الأوربي،كما أن تركيا لن تتهاون مع من يحاول أن يعبث بأمنها الداخلي ويهدد سلمها الأهلي.
من دون شك، أن التحرك الآشوري السرياني في قضية الراهب دانييل هو خطوة مهمة وجيدة لكنها ليس كافية، خاصة ونحن ندرك حجم التحديات والمخاطر المحدقة بالشعب الآشوري(سريان/كلدان) في هذه المرحلة وفي جميع مناطقه التاريخية في بلاد مابين النهرين، في تركيا والعراق وسوريا وحتى في ايران.على الآشوريين أن لا تكون حركتهم مجردة ردة فعل على مصيبة تحل بهم ومن ثم يعودون لسباتهم ،وانما عليهم العمل المتواصل والمستمر لأجل ابراز قضيتهم الى العالم كشعب مضطهد، بسبب خصوصيته القومية والدينية،رسمياً من قبل الأنظمة وحكومات الدول العربية والاسلامية ،ومجتمعياً من قبل الأصوليات الاسلامية المتنامية داخل مجتمعات هذه الدول،وهو اليوم مهدد في وجوده وبقاءه في مناطقه التاريخية. طبعاً من المهم جداً في هذه المرحلة العصيبة أن تضع الأحزاب والمؤسسات القومية الآشورية السريانية آليات عمل قومي مشترك لتفعيل دورها وتوحيد أدائها وتقديم كل الدعم المادي والمعنوي للشعب الآشوري(سريان/كلدان) الصامد في جبال طورعابدين وكذلك في سهل نينوى ومختلف انحاء العراق وحتى في سوريا لأجل تعزيز وتطوير هذا الوجود لأن قضية هذا الشعب هي قضية واحدة ومترابطة أينما كان وحيثما حل.
سليمان يوسف
سوريا- القامشلي
shosin@scs-net.org

101
                            العرب وحقوق الشعوب الأصيلة 
                                         (الآشوريون والأقباط نموذجاً)               
   
 بعد مناقشات ومداولات هادئة، امتدت لسنوات طويلة حول تعريف الشعوب الأصيلة وتحديد المعايير الدولية الدنيا لحماية حقوقهم،أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس  في  12 ايلول  2007 ،الاعلان العالمي لحماية حقوق نحو 370 مليونًا من السكان الاصليين في العالم. وقد شارك في التصويت 158 من أعضاء الجمعية العامة الـ 192 فأيد 143 منهم الاعلان مقابل اربعة صوتوا ضده و11 امتنعوا عن التصويت.
بلا ريب،أن(الأمم المتحدة) قدرت تعقيدات ومضاعفات تطبيق هكذا اعلان،لهذا، وعلى غرار الاعلانات السابقة الخاصة بحقوق الانسان الصادرة عن المنظمة الدولية،جاء الاعلان غير ملزماً ولا يملك القوة الاجرائية لالزام الدولة المعنية وتلك الموقعة عليه بتطبيقه.لكن مع هذا فأن مجرد صدوره يشكل خطوة أخرى متقدمة باتجاه تعزيز ثقافة حقوق الانسان والديمقراطية التي لم تعد شأناً داخلياً كما كانت في السابق وانما أمست قضية عالمية بفضل نمو الوعي الانساني وتحضره.وبصدور(الاعلان العالمي لحماية حقوق الشعوب الأصيلة) تؤكد المنظمة الدولية مجدداً على إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية،وعلى رغبتها الدائمة في تعزيز العمل بالمبادئ الواردة في جميع الصكوك و المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة والمتعلقة باحترام حقوق وحريات الانسان،افراد وجماعات، والقضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز العنصري أو الديني أو القومي بين البشر،حيث المساواة والعدالة تعدان من أهم عوامل ودعائم السلم الأهلي أولاً والاستقرار العالمي ثانياً.كما أن أهمية هذا الاعلان لا تأتي  فقط من اعترافه بحقوق شعوب ومجموعات بشرية منسية عانت كثيراً من ظلم وعسف الأغلبية، وانما ايضاً من كونه جاء في مرحلة تشهد توتراً وقلاقل وصراعات عرقية ودينية ومذهبية في مناطق مختلفة من العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث يترعرع أنواع الأقليات القومية والدينية والمذهبية واللغوية. على الرغم من أن الاعلان جاء غير ملزماً وتضمن فقرة خاصة تؤكد على (الوحدة السياسية للدول المستقلة ذات السيادة) لكنه لم يبدد مخاوف دول عديدة، تضم شعوب اصيلة بنسبة كبيرة تخشى من تفاقم مشكلتهم داخل أراضيها مستقبلاً.اذ وجدت هذه الدول في بعض احكام الاعلان تحريضاً للشعوب الأصيلة على المطالبة بتقرير المصير والحق في الاراضي والموارد والمطالبة بتعويضات على ما تراه من (ظلم) مئات السنين.لهذا امتنعت بعض الدول المتخوفة من الاعلان عن التصويت عليه، مثل نيجيريا وبوروندي من افريقيا.و بعضها الآخر- معظمها دولة ديمقراطية تدعي احترام حقوق الانسان واردة الشعوب في تقرير مصيرها- اعترضت عليه بشدة وصوتت ضده، مثل استراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة وكندا.يبلغ تعداد السكان الاصليين في كندا نحو 3,1 مليون من أصل 7،32 مليون نسمة.في حين اشادت بالإعلان،الفيليبينية (فكتوريا تولي)، رئيسة منتدى الامم المتحدة الدائم لقضايا الشعوب الاصلية، وقالت: (( ان الاعلان يمثل نصرًا كبيرًا للشعوب الأصلية )).كما دافع (بان كي مون)، الأمين العام للأمم المتحدة، عن الاعلان بالقول:((هذا يوم نصر لجميع الشعوب الأصيلة، وغير الأصيلة، هذا يوم تاريخي، إنه أول اتفاق من نوعه بين شعوب الأمس وشعوب اليوم)).
يصف (مكتب حقوق الانسان)، التابع للأمم المتحدة، (الشعب الأصلي) بأنه هو الذي ولد وعاش وتوالد وصار جزء من مكان معين وله ثقافة وتاريخ معين، ويريد المحافظة على عاداته وتقاليده وثقافته، وهو الذي يعاني من الظلم لأنه يختلف عن الشعب الذي يسيطر على الحكومة، ولأنه ظل في نفس المكان قبل أن تسيطر على الحكومة الشعب الآخر. طبعاً لم نتمكن بعد من الاطلاع ومعرفة اسماء جميع السكان والشعوب التي أدرجتها أو صنفتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن قائمة (الشعوب الأصيلة)،لكن التمعن والتدقيق في هذا التعريف أو المفهوم العام للشعب الأصيل نرى بأنه ينسحب على العديد من الشعوب القديمة في منطقة الشرق الأوسط ،قلب العالم القديم، ومركز أهم ثلاث حضارات عالمية تاريخية عريقة تعود لأكثر من سبعة آلاف عام.الحضارة الآشورية (الأكادية/البابلية) في بلاد ما بين النهرين،الحضارة الفرعونية(القبطية) في وادي النيل، الحضارة الفينيقية /الآرامية/السريانية في سوريا الكبرى(الهلال الخصيب).جدير بالذكر أن الدول القائمة حالياً(مصر سوريا العراق)تحمل اسماء السكان الأوائل (الشعوب الأصيلة) بناة تلك الحضارات في هذه المناطق.مصر أخذت اسمها عن الأقباط، وسوريا عن السريان.والعراق عن مدينة (أور أو أوراك) المدينة الأكادية/البابلية.أن تحمل دول وأوطان ومناطق مهمة أسماء مجموعات سكانية متميزة عن الأغلبية (العربية)الحاكمة والسائدة فيها اليوم، لها سماتها الخاصة تتحدث بلغتها الأم واحتفظت بخصوصيتها الثقافية والاجتماعية والقومية وتتمسك بها ، فضلاً عن أن الكثير من المدن والبلدات والأماكن في هذه الاوطان والمناطق مازالت تحتفظ بأسمائها التاريخية القديمة،لهو دليل منطقي و تاريخي قوي على أن هذه المجموعات البشرية هي ليست بشعوب طارئة أو وافدة، وانما هي شعوب أصيلة تقيم على أرضها وموطنها التاريخي،وكانت تدير شؤون حياتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية،قبل ان تغزوها وتتوافد لها شعوب وأمم أخرى العرب وغيرهم بقرون كثيرة. في ضوء هذه الحقائق والمعطيات التاريخية أرى أن من الاجحاف أن لا يصنف كل من الأقباط في مصر، والكلدوآشوريين(السريان) في كل من سوريا والعراق، كشعوب اصيلة تقيم وتعيش على أرضها التاريخية، موطن آباءها وأجدادها.وتالياً من الخطأ أن لا يشملهم الاعلان العالمي لحماية حقوق الشعوب الأصيلة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لن ندخل في تفاصيل التطورات والتحولات التاريخية العالمية العميقة التي مكنت العرب المسلمين القادمين من شبه الجزيرة العربية ،موطنهم الأساسي ومركز حضارتهم،من فرض سيطرتهم على معظم منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والاحتفاظ بها،فهذا ليس موضوعنا.وانما ما نريد طرحه بمناسبة صدور الاعلان العالمي لحماية السكان الأصليين هو واقع حال ما تبقى من شعوب اصيلة(كلدوآشوريين/سريان، اقباط)- معظمهم من اتباع الديانة المسيحية- على أرضها متمسكة بثقافتها وهويتها الخاصة بعد قرون من حكم وسيطرة العرب المسلمين عليهم.اذ ليس من المنطق والمقبول أن تهمل أو تشطب قضية هذه الشعوب الأصيلة بذريعة كون العرب هم ايضاً يدخلون في خانة الشعوب الشرقية القديمة،تمكنوا من تعريب القسم الأكبر من هذه الشعوب الأصيلة وافقدوها الكثير من سماتها الخاصة.أو بحجة صمت وسكوت (السكان الأصليين) على حقوقهم وعدم تقديمهم شكاوي للأمم المتحدة بما يعانونه من مظالم تحت حكم الأغلبية العربية المسلمة.لا اعتقد يخفى على أحد عواقب أن تقدم مجموعة ما،بغض النظر عن هويتها، شكوى لدى جهة خارجية، أياً تكن هذه الجهة، على حكومة استبدادية غير ديمقراطية تتنكر لحقوق مواطنيها ولا تعترف بوجود الآخرين. حتى أن مجرد الحديث عن حقوق الانسان وطرح هموم ومشاكل الأقليات في هذه الدول هو مصدر ادانة وجريمة يعاقب عليها القانون.فالحكومات العربية المشبعة بالفكر القومي العربي والاسلامي الشمولي،هي لم تكتف بطمس والتنكر لوجود شعوب أصيلة و لمسألة الأقليات عامة فحسب، وانما وضعت خطط وبرامج عنصرية مختلفة لاقتلاع هذه الشعوب من جذورها و لتدمير ثقافتها الخاصة،كالتعريب القسري للجغرافيا وللتاريخ وللثقافة والتضييق عليها ودفعها للهجرة وترك وطنها. في العراق الديمقراطي الفدرالي الجديد وصل الاستخفاف بالآشوريين والمسيحيين العراقيين عامة،سكان العراق الأوائل، والنيل من كرامتهم الوطنية الى درجة اسقاط عنهم انتماءهم الوطني للعراق ووصفهم بـ(الجالية المسيحية) من قبل حكومة نوري المالكي في كتاب رسمي صدر عن رئاسة مجلس الوزراء.فبعد اجتماع لها مع اساقفة ورجال دين مسيحيين، لتلبية بعض حاجات الكنائس في بغداد، وجهت الامانة العامة لمجلس الوزراء الموافقة على مطالبها بكتابها المرقم ش و/8/1/3/42/1238 والمؤرخ بـ / 29 /  7 / ‏2007‏‏،وعممته الى الوزارات المعنية ومنها وزارة حقوق الانسان تحت عنوان (طلبات الجالية المسيحية في العاصمة بغداد).طبعاً،لا يمكن أن يكون مثل هذا الموقف المهين بحق المسيحيين العراقيين قد صدر خطأ أو حصل سهواً عن ديوان رئاسة مجلس الوزراء، وانما هو يعكس المستوى الهابط الذي انحدرت اليه الثقافة الوطنية والتشوه الكبير الذي أصاب مفهوم المواطنة من جهة، وطغيان الثقافة والأفكار الاسلامية، ليس لدى العامة في العراق وانما حتى لدى أعلى المستويات والنخب السياسية والطبقة الحاكمة في العراق من جهة أخرى.
قد يرى البعض في توقيع الدول العربية والاسلامية المحكومة بأنظمة دكتاتورية واستبدادية، على الاعلان العالمي لحماية حقوق الشعوب الأصيلة، خطوة متقدمة باتجاه احترام هذه الدول لحقوق الأنسان وحماية الأقليات والسكان الأصليين لديها،لكن الوقائع والممارسات اليومية تقول عكس ذلك تماماً. فعلى الرغم من توقيع معظم هذه الدول على الكثير من المواثيق الدولية ذات الصلة باحترام حقوق الانسان فأن التقارير الدورية الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية بقضايا حقوق الانسان تؤكد على أن سجل هذه الدول في مجال الحريات السياسية والدينية وحقوق الانسان هو الأسوأ من بين دول العالم.ومازالت دساتير الدول العربية تتضمن مواد ونصوص تنتقص من حقوق المواطنة لغير المسلمين ولغير العرب وتحرمهم من تولي مناصب سياسية سيادية ومهمة.حتى الاهتمام الخجول الذي بدأت تبديه بعض هذه الدول مؤخراً بحضارة شعوبها القديمة والأصيلة وابرازها للعالم هو لأهداف وغايات سياحية بحتة ولا بأتي هذا الاهتمام في اطار الاعتزاز بها وترسيخها في الوعي الوطني والثقافة الوطنية لشعوبها كجزء أصيل من الحضارة الوطنية لبلادها.طبعاً،من غير المتوقع من أنظمة استبدادية لا تحترم دساتير بلادها ولا ارادة شعوبها،أن تحترم مواثيق دولية وقعت عليها تؤكد على مسؤولية كل دولة بحماية وجود الأقليات وهويتها القومية والثقافية والدينية واللغوية، وبتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية وتنميتها.غالباً أن توقيع الدول العربية والاسلامية على اعلان حماية الشعوب الأصيلة يندرج في سياق سياسة ايهام الذات وتضليل المجتمع الدولي بأن لا مشكلة أقليات وشعوب اصيلة لديها.فالعرب المسلمون، وكما يزعمون دوماً، هم الشعب الأصيل والسكان الأوائل وأصحاب الأرض أينما كانوا وحيثما حلوا واستوطنوا والآخرون هم الغرباء الوافدون.ربما هذا يفسر مرور صدور الاعلان العالمي لحماية حقوق الشعوب الأصيلة من غير أن يحظى بأي اهتمام من قبل  الاعلام العربي والاسلامي، الرسمي والمعارض والمستقل.

سليمان يوسف... آشوري سوري... مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org

 

102
  من المسؤول عن تشظي المنظمة الآثورية...؟؟؟

بينما كان القائمون على المنظمة الآثورية الديمقراطية منشغلون، بإلقاء الخطب الجوفاء ورفع نخب الأمة العريقة وهي تحتضر، في الكرنفالات الاحتفالية التي أقاموها بمناسبة اليوبيل الذهبي لمنظمتهم وتوزيع شهادات حسن السلوك في القومية والنضال على سعداء الحظ بهذه المناسبة الكبيرة، نشرت بتاريخ 26ايلول الماضي العديد من مواقع الانترنيت خبراً عاجلاً جاءهم من القارة الأمريكية، جاء فيه:(( انسحاب جماعي لأعضاء قياديين ومسؤولين معروفين في امريكا وكندا من المنظمة الآثورية الديمقراطية.ابرز المنسحبين: ابجر مالول، مسؤول قيادة المهجر ويكدان نيسان ،مسؤول الفرع.فضلاً عن انسحاب كامل اعضاء هيئة الفرع)).
طبعاً،لم تفاجأ الأوساط السياسية والثقافية الآشورية القريبة من المنظمة الآثورية بهذا الخبر السياسي العاجل.فمنذ سنوات والخلافات داخل المنظمة طفت على السطح وهي تتفاقم حتى انفجرت على شكل أزمة حادة في ربيع 2005.وقد كتبت سلسلة مقالات، نشرتها جريدة عينكاوا الالكترونية و مواقع آشورية أخرى،تناولت فيها محنة المنظمة الآثورية بأسبابها القريبة والبعيدة.حذرت فيها من الدور الخطير والمشبوه الذي لعبه ويلعبه الوصي الأمني على المنظمة السيد( بشير سعدي) مسؤول مكتبها السياسي.لكن للأسف الأغلبية في قيادة المنظمة التزمت الصمت والسكوت،لأسباب لا علاقة لها بمصلحة المنظمة وانما لحسابات خاصة بهم.والأنكى أن بعضهم سارع الى تمييع المشكلة وحجب الأسباب الحقيقية للأزمة واختزالها الى مجرد خلافات شخصية،كمن يحاول أن يحجب الشمس بالغربال. لا أدري ماذا سيقول هؤلاء الملالي اليوم لكوادر المنظمة وللرأي العام الآشوري عن انسحاب كامل فرع امريكا وكندا من المنظمة الآثورية احتجاجاً على الدور التخريبي  والمخططات الانقلابية التي يقودها بشير،بتغطية ومساعدة بعض الأشخاص الانتهازيين المتنفذين في المكتب السياسي، وكذلك، من حيث يدري أو لا يدري، ختيار المنظمة ومسؤول اللجنة المركزية الأسير (يونان طليا) الذي اصطحبه بشير معه الى امريكا ليلعب دور محامي الشيطان.
 كالعادة سيقول السيد بشير عن المنسحبين من المنظمة: انهم مجرد أشخاص سيئين ارتحات المنظمة الآثورية منهم .مثلما وصف من قبل المنسحبين من فرع السويد بـ(المخربين). وهو يصف اليوم (التجمع الديمقراطي الآشوري) الذي تأسس مؤخراً في سوريا والذي يضم شخصيات كانوا لسنوات طويلة قياديين في المنظمة الآثورية،وصفه-عندما سأله أحد الأصدقاء عن رأيه فيه- بأنه (مجموعة عصابة).وقد قال يوم انسحبنا،أنا ونائب مسؤول المكتب السياسي: ((اذهبوا وبلطوا البحر)). وربما من المفيد ونحن نتحدث عن عنجهية السيد بشير التذكير بما قاله للأخ زهير عبدو- وهو قيادي سابق في المنظمة- عندما عاتبه على سرعة تخليه عن اعضاء قياديين وناشطين بارزين، قال، بالحرف: ((سأتخلى عن الله اذا تطلب الأمر)).معذور يهوذا الاسخريوطي . مسكين صدام حسين.أحمدوا ربكم ايها الآثوريون ليس لدى مسؤولكم سجون ومعتقلات وبساط الريح.فمن يتخلى عن الله ليس غريباً وصعباً عليه أن يتخلى عن آثوريين مهما علا شأنهم داخل المنظمة الآثورية وفي المجتمع وعن قضية شعب مها كانت مقدسة.نعم بهذه العجرفة والعنجهية أديرت وتدار المنظمة الآثورية.
حقيقة ليس من المبالغة أن المنظمة الآثورية الديمقراطية هي مخطوفة اليوم من قبل مجموعة خططوا منذ سنوات  لجعل المنظمة مزرعة لهم، عبر تكتلات عائلية فئوية، مستفيدين من حالة الخمول والعطالة السياسية والتنظيمية التي تسيطر على غالية أعضاء المنظمة. وقد بات جلياً أن القضية الأساسية والجوهرية بالنسبة لهذه المجموعة ليست مسألة حقوق قومية للشعب الآشوري،وانما هي السيطرة على أموال وأملاك المنظمة الآثورية والاحتفاظ بها.لهذا فهم لا يجدون أية مشكلة في الانسحابات الجماعية،القديمة والجديدة واللاحقة،من المنظمة حتى لو أفرغت من كامل اعضاءها وبقوا لوحدهم طالما املاك واموال المنظمة تحت تصرفهم.وهم سيكون أكثر سعداء اذا ما التزم المنسحبون الصمت والسكوت عنهم وتركوا المنظمة خلفهم. تجدر الاشارة هنا الى أن هذه المجموعة التي خطفت المنظمة كانت ومازالت ترفض وبشكل قاطع تسجيل أي أموال أو عقار من عقارات المنظمة مهما كان صغيراً بأسماء أشخاص من خارج دائرتهم. ما أزعج هذه المجموعة اليوم ليست الانسحابات الجماعية من فرع امريكا وانما صدور بيان تضامني مع المنسحبين حمل توقيع مجموعة من الآثوريين في سوريا والمنسحبين أيضاً من المنظمة، بينهم قياديين سابقين.اذ يبدو ان هذا البيان التضامني الذي دع الى ايجاد قيادة بديلة للمنظمة أقلقهم لأنهم يخشون أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين المجموعات المنسحبة لعمل شيئاً يحرر المنظمة من سطوتهم.ويبدو أن لديهم معطيات أو معلومات بهذا الاتجاه. كنت أتمنى أن تقام داخل المنظمة الآثورية تكتلات سياسية على أساس نهج سياسي قومي ووطني واضح وبرامج وآليات عمل للمرحلة المقبلة،وهذا حق مشروع لا بل ومطلوب في السياسة والعمل الحزبي لكن قطعاً التحالفات القائمة داخل المنظمة هي ليست كذلك. وكما جاء في البيان التضامني مع المنسحبين من فرع أمريكا: (من لا يتأسف على خسارة المنظمة لأعضاء قياديين بارزين وكوادر امضوا عمرهم  في صفوفها،لا يمكن له أن يكون صادقاً في ادعاءاته القومية أو حريصاً على مصير ومستقبل المنظمة أو مخلصاً لقضية شعب مهدد بوجوده في مرحلة صعبة ودقيقة تتطلب توحيد الجهود ليس على الصعيد الحزبي فحسب، وانما على الصعيد القومي الشامل).
لا جدال على ان المنظمة الآثورية،حالها حال معظم التنظيمات القومية، تعاني منذ تأسيسها من حالة عدم الانسجام الفكري وضعف التجانس الآيديولوجي بين اعضاءها  ومن هشاشة بنيتها التنظيمية،لكن تبقى مسؤولية القيادة دوماً هي التخفيف من التناقضات الداخلية واحتواءها بشكل ايجابي حتى لا تتفاقم وتنفجر.والكارثة اليوم ليست بفشل القائمين على المنظمة في ادارتها وانما بوجود بينهم من يفتعل الأزمات  للتخلص من كل صوت معارض لا يوافق على طريقتهم واسلوبهم في ادارة المنظمة. لهذا علينا أن نتوقع المزيد من التصدعات والانشقاقات داخل المنظمة الآثورية.ومن جديد بدأت تثار  الكثير من الشكوك حول مصير ومستقبل المنظمة الآثورية، بعد انسحاب فرع امريكا بثقله ووزنه السياسي والمعنوي داخل المنظمة وفي الأوساط الآشورية.هذا الوزن لا يستمده من عدد اعضاءه وانما من وجوده في أكبر تجمع آشوري في دول المهجر، وفي دولة عظمى مثل اميركا التي تقود العالم وتهيمن على منطقتنا وتحتل العراق (الموطن التاريخي للآشوريين).ومن كون فرع امريكا يضم شخصيات تاريخية عديدة وبارزة في المنظمة ومعروفة على الساحة القومية تركت بصماتها على تاريخ المنظمة الآثورية والحركة القومية الآشورية عامة،حتى أن وجود المنظمة في امريكا اقترن بوجود وأسماء هذه الشخصيات، أمثال الأخ(ابجر مالول) وغيره.
كلمة أخيرة:يبقى مصير المنظمة الآثورية متوقف على طريقة تعاطي المخلصين لها ولمبادئها ولأهدافها القومية مع  الأزمة الراهنة التي تعصف بها وبمدى قدرتهم على تحريرها من سطوة المجموعة التي خطفتها والمهيمنة عليها.طبعاً حتى الآن المؤشرات غير مشجعة.
 

سليمان يوسف
سوريا-القامشلي
shosin@scs-net.org

103
 
                           
مخاوف آشورية من حروب عربية كردية قادمة

الآشوريون شعب قديم، يعود تاريخهم الى أكثر من ستة آلاف عام في بلاد ما بين النهرين، حيث أسسوا فيها حضارة عريقة و أقاموا دولة قوية حتى غدت امبراطورية عظيمة توسعت شرقاً وغرباً ،امتدت الى اقاصي الصين.ويعلل المؤرخون سقوط الامبراطورية الآشورية 612 ق.م ،على ايدي الميديين الفرس، بتوسعها الزائد وقيام الملوك الآشوريين بسبي شعوب المستعمرات ونقلها الى بلاد ما بين النهرين، كما فعل نبوخذ نصر بيهود فلسطين في القرن الثامن ق.م.لا شك، تعد هذه من الأسباب الاساسية لتفكك الامبراطورية الآشورية واندحارها، لكن هناك عوامل أخرى ساهمت وبشكل كبير، ومازالت، في تقويض الوجود الآشوري وانحساره والمهدد اليوم بالتلاشي والاندثار عن موطنه التاريخي،ابرز هذه العوامل الموقع الاستراتيجي والحيوي لبلاد ما بين النهرين الذي جعلها هدفاً لمعظم الامبراطوريات القديمة والحديثة، وساحة صراع وحروب في مختلف العصور والأزمنة بين جيوش الامبراطوريات الطامعة في السيطرة عليها والقادمة من الشرق والغرب، آخرها جيوش الامبراطورية الأمريكية وحلفائها الغربيين التي غزت العراق في آذار 2003.طبعاً علينا أن لا نغفل دوماً الخصوصية الدينية والعقيدة المسيحية  للشعب الآشوري التي انعكست  سلباً عليه.اذ شكلت(المسيحية) سبباً اضافياً في تعرض الآشوريين لمزيد من المذابح والمحن.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914،وقدوم الجيوش الأوربية لتفكيك الامبراطورية العثمانية، انتعشت آمال الآشوريين وغيرهم من شعوب المنطقة الواقعة تحت الحكم العثماني  في الانعتاق والتحرر من حكم المستعمرين . وقد زادت آمال الآشوريين بالتحرر والاستقلال بإعلان مبادئ الرئيس الأمريكي(ويلسون)الأربعة عشرة 1918 التي نادت بحق الأمم والشعوب الواقعة تحت الحكم العثماني بتقرير مصيرها واقامة كياناتها القومية الخاصة بها.كذلك بابرام اتفاقية(سيفر)لعام 1920 التي تبنت وأقرت مبادئ ويلسون.جدير بالذكر أن(القضية الآشورية) كانت قد برزت ابان الحرب الأولى وادرجت على جدول عصبة الأمم. لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن الآشورية،حيث قضت استراتيجية بريطانيا،التي قادت الحرب ضد السلطنة العثمانية،أن لا يكون للآشوريين كيان سياسي، وانما اقتلاعهم من مناطقهم وجرهم تحت وطأة المذابح إلى مناطق أخرى بغية تسخيرهم لحماية المصالح الاستراتيجية والاستعمارية للتاج البريطاني.طبعاً لم تتمكن الزعامات الدينية والقيادات التقليدية الآشورية آنذاك معرفة ألاعيب وخفايا السياسية البريطانية في المنطقة.وقد تلاشت أحلام الآشوريين كلياً في إقامة (كيان قومي) لهم ،ولو على جزء من ارضهم التاريخية (بلاد ما بين النهرين)، بالإعلان عن اتفاقية (سايس بيكو) التي وقعت سراً بين بريطانيا وفرنسا عام 1916 والتي رسمت الخريطة السياسية للمنطقة من غير أن تأخذ بعين الاعتبار المستقبل السياسي  والإنساني للآشوريين وحساسية وضعهم، خاصة في تركيا العثمانية التي لها مع مسيحيي الشرق تاريخ حافل بالدم والدموع والويلات، ابرز محطاته عمليات الترحيل القسري والابادة الجماعية عام  1915التي قتل فيها نحو مليون ونصف مليون أرمني ومئات الألوف من الآشوريين(سريان/كلدان) وعشرات الألوف من اليونان.تخلي بريطانيا عن الآشوريين ووقف دعمها لقضيتهم في (عصبة الأمم) دفعتهم للتمسك بدولة العراق التي اعلنت عام 1921 ومساندتهم لها. ففي قضية الخلاف مع تركيا حول الموصل (نينوى) وقف الآشوريون إلى جانب العراق في الاستفتاء الذي أجري من قبل عصبة الأمم عام 1924, وكان لموقف الآشوريين الأثر الحاسم  في عودة الموصل إلى العراق.وفي مؤتمر عام للآشوريين انعقد في (العمادية) يومي 15/16 حزيران 1932, حضرته معظم زعاماتهم المدنية والدينية، طالب المؤتمرون: بضرورة تخلي تركيا عن جميع المناطق الآشورية التي ضمتها ابان الحرب والحاقها بدولة العراق.
بعد الحرب العالمية الثانية واستقرار الأوضاع السياسية واستقلال الدول المستحدثة في الشرق الأوسط،تراجعت كثيراً الطموحات القومية والسياسية لمن تبقى من الآشوريين.اذ بدءوا يدركون الواقع السياسي الجديد الذي افرزته الحروب العالمية ويتعاطون معه بايجابية،خاصة في الدول التي وفرت لهم هامش مقبول من الحريات والحقوق الدينية والاجتماعية ونعموا بشيء من الأمن والاستقرار  فيها،مثل سوريا والعراق.فبالرغم من استمرار سياسات التمييز القومي بحقهم لم يبد الآشوريون تحمساً للأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات القومية الآشورية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين.في حين سارعت النخب الآشورية(السريانية) الانخراط في مختلف الأحزاب والحركات الوطنية واعتنقت الأفكار والعقائد الاشتراكية والديمقراطية التي تدعوا الى الحرية والمساواة بين المواطنين والى اقامة دولة الحق والعدل و القانون،واصبح الآشوريون يشغلون مناصب سياسية وادرية رفيعة في العراق وسوريا.لكن قدر العراق والعراقيين أن لا يرتاحوا من الحروب والصراعات.ومع كل حرب جديدة ،داخلية كانت أم خارجية، يتقلص الوجود الآشوري وينحسر حضوره أكثر فأكثر في الجغرافيا والسياسة. واليوم هناك خشية حقيقة من أن الحملة الأمريكية الراهنة على العراق بكل مضاعفاتها الخطيرة ستخلي هذا البلد من سكانه الأوائل، الآشوريين(سريان/كلدان) ومن المسيحيين عامة. اذ تؤكد احدث التقارير الواردة من داخل العراق أن نحو ثلثي المسيحيين العراقيين،معظمهم من الكلدوآشوريين، تركوا العراق  منذ بدء الغزو الأمريكي له في آذار 2003 وذلك هرباً، ليس من جحيم الحرب الذي يطال كل العراقيين فحسب، وانما من الموت والخطف والقتل الذي يلاحقهم في منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع وحتى في الكنائس وهم يؤدون الصلاة، حيث تستهدفهم مجموعات ومنظمات سلفية تكفيرية متطرفة، بعضها عراقية وبعضها الآخر عربية اسلامية مستوردة- ارهابيون بلا حدود- تقوم آيديولوجيتها السياسية والدينية على رفض الديانات والعقائد الأخرى وعلى ضرورة اخلاء المجتمعات العربية والاسلامية من غير المسلمين.تستغل هذه المنظمات ظروف الحرب والاحتلال  وغياب سلطة الدولة في العراق لتنفيذ خططها واجندتها السياسية والدينية.
تحت ضغط  كابوس الحرب والارهاب، والخوف من مستقبل مجهول وسعياً منها لانقاذ ما يمكن إنقاذه من الوجود الآشوري والمسيحي في العراق، وبتشجيع من القيادات الكردية العراقية،تحركت في الآونة الأخيرة العديد من الأحزاب والتنظيمات والمرجعيات الدينية والمدنية الآشورية والمسيحية، داخل العراق وخارجه، وعلى أكثر من صعيد، لإيجاد منطقة آمنة للآشوريين وللمسيحيين العراقيين تتمتع بحكم ذاتي في اقليم (سهل نينوى)، ذات الغالبية الآشورية والذي يمتد الى حدود المناطق الكردية في الشمال ، وقد نزحت اليه آلاف العائلات المسيحية من الوسط والجنوب.بغض النظر عن النوايا والأهداف الحقيقة أو المخفية للزعامات الكردية من دعمها للمطالب والحقوق الآشورية والمسيحية في سهل نينوى، تبدو حظوظ  تحقيق حلم الآشوريين بمنطقة حكم ذاتي آمنة قليلة وضعيفة جداَ،وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية معروفة.لا جدال على أن أوضاع الآشوريين في الشمال العراقي، الذي يتمتع بالحكم الذاتي تديره التنظيمات الكردية الرئيسة،هي مقبولة قياساً لوضعهم المأساوي في المناطق الأخرى من العراق.لكن مع استمرار الصراعات المذهبية والعرقية في المناطق العربية واخفاق العملية السياسية وتعثر المصالحة الوطنية الشاملة في العراق من الخطأ التسليم بنجاح وبقاء التجربة الفدرالية والاطمئنان للمستقبل السياسي والأمني للاقليم الشمالي.اذ ان خطر اندلاع  حروب عربية كردية في العراق مازال قائماً على خلفية التناقضات القومية و الخلافات العميقة حول القضايا السياسية والاقتصادية والجغرافية والأمنية العالقة( حدود الاقليم الكردي،مستقبل القوات الكردية(البشمركة) ، قضية (كركوك) الغنية بالنفط وذات الغالبية التركمانية).واذا ما نشبت هذه الحرب ستدخل فيها، عسكرياً وبشكل مباشر، دول اقليمية لها مخاوفها المشروعة على أمنها الوطني.في مقدمة هذه الدول تأتي تركيا التي  اعلنت مراراً بأن قيام دولة كردية في الشمال العراقي هو خط احمر لن تقبل بتجاوزه،كما هددت بالدفاع عن تركمان العراق  وحماية مصالحهم وحقوقهم القومية والسياسية في كركوك،لهذا من غير المستبعد أن تذهب تركيا بعيداً في موقفها من قضية كركوك، مثلما فعلت في جزيرة قبرص 1974 لأجل الاتراك القبارصة.طبعاً،أي تدهور أمني في الشمال العراقي و حروب جديدة يعني المزيد من الويلات والمآسي للآشوريين.وقد افصح لنا الكثير من الآشوريين والمسيحيين العراقيين عن مخاوفهم  وقلقهم على مستقبلهم وأمنهم في الشمال العراقي بالرغم من شعارات التآخي والعيش المشترك التي ترفعها الأحزاب الآشورية والكردية العراقية والخدمات التي تقدمها الحكومة الكردية للآشوريين النازحين الى الشمال.فالذاكرة التاريخية لآشوريي العراق تختزن الكثير من الويلات وصور المآسي التي لحقت بهم في ستينات وسبعينات القرن الماضي جراء  عصيان وتمرد الحركة الكردية بزعامة ملا مصطفى البرزاني وحروبها مع الجيش العراقي والتي سببت في ترك آلاف العائلات الآشورية لقراها في الشمال العراقي ونزوحها الى بغداد والمدن الأخرى، وقد استولى الأكراد على تلك القرى الآشورية المهجورة واستوطنوا فيها.واذا كانت حروب الآخرين قديماً في بلاد ما بين النهرين قوضت الوجود الآشوري،فان الحروب العربية الكردية القادمة ستخلي العراق كلياً من الآشوريين(سريان/كلدان) ومن المسيحيين عامة. فالجسم الآشوري المتهالك لم يعد يتحمل المزيد من الجروح والحروب،وانما هو بحاجة الى(منطقة آمنة) توضع تحت (العناية الدولية) المشددة، بعد أن تخلت عنه (الرعاية الوطنية) .

سليمان يوسف ... كاتب سوري آشوري
 shosin@scs-net.org
 

104
   
بيان تضامن مع فرع امريكا وكندا  للمنظمة الآثورية الديمقراطية 
                                                 

لم يعد يخفى على المهتمين بالشأن الآشوري عمق الأزمة الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تعصف بالمنظمة الآثورية الديمقراطية منذ سنوات والتي تنفجر من حين لآخر وفي كل مرة تخسر مجموعات جديدة من خيرة قياداتها وكوادرها، ومن مختلف الفروع والمناطق.فقبل سنوات انسحب أكثر من نصف كوادر فرع السويد ومن ثم انسحابات جماعية من المكتب السياسي واللجنة المركزية وبعدها من فرع سوريا، واليوم انسحاب معظم قيادات وكوادر فرع امريكا وكندا معهم مسئول فروع المهجر السيد ابجر مالول ومسئول الفرع السيد يكدان نيسان. وغداً في فرع اوربا الوسطى.كل هذا يحصل بسبب عنجهية وتسلط  بعض الأشخاص الانتهازيين المتنفذين القائمين على المنظمة والمحتكرين لقرارها واردتها .طبعاً في مقدمتهم مسئول مكتبها السياسي.حيث جعلوها مطية لخدمة مصالحهم الأنانية والشخصية الضيقة،متحصنين بتكتلات فئوية وعائلية نشئوها وخططوا لها منذ سنوات لهذه الغاية، ضاربين بعرض الحائط أهداف المنظمة ومتخلين عن مبادئها السياسية والأخلاقية والقومية.
أيها الأخوة والأخوات في المنظمة الآثورية الديمقراطية:
من أدار ظهره لكل النداءات والدعوات التي اطلقها الكثير من الغيورين والقوميين المخلصين،من داخل المنظمة وخارجها، والداعية للوقوف عند الأزمة الراهنة للمنظمة والتعاطي معها بواقعية وموضوعية وبروح من المسؤولية القومية تمهيداً لمعالجتها،ومن لا يتأسف على خسارة المنظمة لأعضاء قياديين وكوادر امضوا عمرهم  في صفوفها،لا يمكن له أن يكون صادقاً في ادعاءاته القومية أو حريصاً على مصير ومستقبل المنظمة أو مخلصاً لقضية شعب مهدد بوجوده في مرحلة صعبة ودقيقة تتطلب توحيد الجهود ليس على الصعيد الحزبي فحسب، وانما على الصعيد القومي الشامل.وما يؤكد رؤيتنا للقائمين على المنظمة الآثورية: انشغالهم -على طريقة الانظمة الديماغوجية اللاوطنية الفاسدة في منطقتنا- منذ اشهر بتوزيع النياشين والأوسمة والدروع الخلبية على المقربين والموالين والمريدين واقامة الهمروجات الاحتفالية ورفع الشعارات الجوفاء وصرف الأموال هدراً هنا وهناك بمناسبة اليوبيل الذهبي للمنظمة،وذلك  لإيهام أنفسهم بأن ثمة انجازات قومية وهمية حققتها المنظمة من جهة،وللتغطية على اخفاقاتهم وفسادهم المالي و افلاسهم السياسي والقومي والجماهيري من جهة أخرى.في حين كان المطلوب منهم أن يعقدوا بهذه المناسبة جلسات حوارية مفتوحة مع كوادر وقواعد المنظمة كذلك مع الجماهير الآشورية لمناقشة الواقع المزري والمتردي الذي انحدرت اليه المنظمة الآثورية، والبحث الجاد في أسباب الأزمات التي تتخبط بها وتقييم تجربتها على مدى نصف قرن واستخلاص العبر والدروس منها.
التزاماً بالخط القومي والوطني للمنظمة الآثورية الديمقراطية،وبدافع الشعور بالمسؤولية القومية والأخلاقية، نحن الموقعون على هذا البيان، والمنسحبون من المنظمة الآثورية، نعلن تضامننا مع فرع امريكا وكندا. واننا ندعو جميع الآثوريين المخلصين الشرفاء،ممن هم داخل المنظمة وخارجها، للتحرك سريعاً وقبل فوات الأوان لإنقاذ المنظمة من المصير المحتم وهو التشظي والانقسام  والتلاشي .والخطوة الأولى التي نقترحها هي: تشكيل قيادة بديلة و مؤقتة للمنظمة الآثورية تحضر لمؤتمر عام وشامل، يبحث أزمة المنظمة عبر حوار جاد وشفاف، تنبثق منه قيادة ومرجعية آثورية توافقية جديدة ومنتخبة تقود المنظمة في المرحلة الراهنة.
مجموعة من الآثوريين المنسحبين من المنظمة الآثورية الديمقراطية.
منهم:
سليمان يوسف... عضو مكتب سياسي...
زهير عبدو ... عضو مكتب سياسي سابق
جورج دنحو ......عضو مكتب سياسي سابق
جان مالول..... عضو قيادة فرع سوريا سابق
 اندراوس دنحو .....عضو قيادة فرع سوريا سابق
جورج شعبو.... عضو قيادة منطقة حلب سابق
منير حنا...... عضو قيادة منطقة القامشلي سابق
سوريا  1- تشرين الأول 2007
 

105
المنبر الحر / دمشق: في الفرع 235/5
« في: 11:46 03/09/2007  »
                                             
دمشق: في الفرع 235/5

من جديد،وبتاريخ  8/8/2007،ابلغني قسم التحقيق في فرع (الأمن العسكري) بالقامشلي بضرورة مراجعة الفرع 235/5 بدمشق.خوفاً،وحتى لا اغضب الساهرين على قلق نشطاء المعارضة السورية، لم اتأخراً في السفر الى دمشق والقيام بما هو مطلوب مني. في الفرع 235/5،وبعد تسليم الظرف المختوم الذي حملني إياه فرع القامشلي الى الاستعلامات،قادني احد العناصر الى القسم المعني بشؤون المعارضة.في هذا القسم  كان الاستقبال لطيفاً.بعد تسليم بطاقتي الشخصية لم يتأخروا باحضار (اضبارتي) المتعوب عليها من قبل النشطاء الأمنيين.فقد جمعوا فيها عشرات المقالات والتصاريح المنسوبة لي والتي سبق وان نشرت في الصحف ومواقع الانترنيت.باشروا بالاستجواب والتحقيق معي الذي كان هادئا وامتد الى نحو خمس ساعات متواصلة.بدأ بسلسلة أسئلة تقليدية ومملة تتعلق بشجرة العائلة وفروعها الموزعة بين تركيا وسوريا والعراق وامتدت لاحقاً الى اوربا، كما هو حال آلاف العائلات الآشورية(السريانية)،وذلك بسبب التهجير القسري والجغرافيا السياسية التي شردت الآشوريين عن مناطقهم و قسمت موطنهم الأصلي(ما بين النهرين) بين عدة دول .
بعدها انتقل المحقق الى الأسئلة الجدية، وقد تمحورت حول القضايا السياسية ومسألة تداول السلطة في سوريا، وحول المشكلات وأزمات المجتمع السوري التي اثيرها في مقالاتي. واللافت في الاسئلة انها كانت ذات صيغة اتهامية: اتهام النظام بالانحياز الى العرب والمسلمين. اثارة او تأجيج المشاعر الطائفية والاثنية في المجتمع،وذلك من خلال ما اكتبه عن التعديات والتجاوزات على حقوق الآشوريين وعن مشكلة القوميات عامة في سوريا، كذلك عن التهميش السياسي للمسيحيين وعن سياسة التعريب التي تنتهجها الدولة والبعث الحاكم. ومن الاسئلة الاتهامية الأخرى:توجيه انتقادات لاذعة للنظام القائم ولحزب البعث.وغيرها من التهم السياسية التي كثيراً ما توجه الى المعتقلين السياسيين ويحاكمون بسببها. طبعاً،لم اتردد بالدفاع عن كل ما كتبته وعن كل ما اطالب به وتمسكت بوجهات نظري داعماً مواقفي ببعض الوقائع والاحداث. وأكدت بأن الهدف من الكتابة قطعاً ليس  تأجيج المشاعر،كما يعتقد البعض، وانما اكتب لأنقل هواجس موجودة في الشارع الآشوري والمسيحي عامة في ضوء ما تشهده المنطقة من توترات واحتقانات طائفية وسياسية من جهة، و لتسليط الضوء على مشكلات الواقع السوري،بعضها بارز وبعضها الآخر كامن، والتنبيه لمضاعفاتها الخطيرة على السلم الأهلي اذا ما بقيت من دون علاج سليم واذا ما اكتفت السلطة وراهنت فقط على(الحلول الأمنية) في مقاربتها لهذه المشكلات من جهة أخرى.خاصة وان السلطات المحلية في الجزيرة السورية هي غير محايدة في سلوكها وفي تعاطيها مع هذه المشكلات الحساسة، كما انها (السلطات المحلية)غالباً ما تشوه الوقائع ولا تنقل الحقيقة كما هي الى القيادات العليا. أما بالنسبة لطبيعة النظام السياسي والثقافي والاجتماعي القائم في سوريا،اجبت:هل من شك بانحياز الدولة السورية رسمياً للعرب والمسلمين باعتبارها دولة غير محايدة دينياً وقومياً.فسوريا دولة تتنكر لوجود قوميات غير عربية في سوريا، مثل الآشوريين والأكراد والأرمن وغيرهم بالرغم من أن وجود بعض هذه القوميات في سوريا هو اقدم من الوجود العربي.ثم أن دستور الدولة السورية يشترط أن يكون رئيس البلاد مسلماً، والشريعة الاسلامية أحد المصادر الاساسية للتشريع، ويخلد حزب البعث العربي الاشتراكي قائداً للدولة والمجتمع، و يفرض العروبة كهوية وانتماء وثقافة على كل مكونات المجتمع السوري الذي يتصف بالتنوع القومي والديني والثقافي واللغوي.ألا تشكل هذه المواد والنصوص انتقاص قانوني ودستوري من حقوق المواطنة للسوريين من غير العرب والمسلمين؟. فضلاً عن مناهج التعليم في سوريا التي توفر بيئة ثقافية واجتماعية  ودينية مناسبة لنمو التعصب الديني والقومي والتفرقة بين ابناء المجتمع الواحد.سئلت: فيما اذا كنت قد تعرضت للتعذيب والمضايقات اثناء الاستجوابات والاستدعاءات الأمنية المتكررة من قبل الاجهزة الأمنية المختلفة،اجبت:للأمانة لم يحصل لي شيء من هذا القبيل،على الأقل حتى الآن. لكن هذه الاستدعاءات المتكررة، خاصة الى العاصمة دمشق،أليست بحد ذاتها ازعاجاً وابتزازاً ونوع من الضغط النفسي والمادي ومصدر قلق لي و لافراد اسرتي.وفي سياق الاستجواب: طلب مني ان اكتب عن تاريخي السياسي والمواقع القيادية التي شغلتها في المنظمة الآثورية الديمقراطية قبل أن اترك صفوفها.فيما يتعلق بهذه القضية كانت الأسئلة مثيرة حقاً.فقد سئلت: عما اذا كانت لمقالاتي وخطي السياسي سبباُ في الخلافات داخل المنظمة الآثورية؟. وهل لي اقارب اعضاء فيها؟. وهل كنت اكتب واصرح لوسائل الاعلام كناطق رسمي باسم المنظمة الآثورية؟.هل انسحبت منها أم فصلت؟.حقيقة،هذه الأسئلة الخاصة جداً تركت لدي اشارات استفهام كبيرة ولم تترك مجالاً للشك، بأن قيادات المنظمة الآثورية مخترقة من قبل المخابرات السورية وثمة دور غير مباشر لها في تصعيد الخلافات والتناقضات السياسية داخل المنظمة.جدير بالذكر في صيف 2005 ،حين كانت المنظمة الآثورية في اوج نشاطها السياسي والاعلامي، أملى، المسؤول الحالي لمكتبها السياسي استجابة للضغوط الأمنية، أملى على المكتب السياسي تعميماً يقضي بتبرؤ المنظمة من كل كتابات وتصريحات تصدر عن اعضائها بمن فيهم القياديين،ذلك لبريء ساحته و مسؤوليته الشخصية امام سلطات الأمن السورية.
عموماً، يمكن القول: أن ثمة تحسن ملحوظ طرأ على طريقة تعاطي اجهزة المخابرات السورية مع الناشطين في المعارضة السورية، إثناء استجوابهم والتحقيق معهم ،عما كانت عليه الحال في حقبة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي التي تركت ذكريات أليمة لدى الكثير من المعارضين لخط ونهج النظام الحاكم. فبدلاً من حفلة الشتائم والتعذيب النفسي والجسدي التي كانت تقام عادة للناشط المعارض بمجرد دخوله احد الأفرع الأمنية وقبل اجراء التحقيق معه، تلقى عليه اليوم محاضرة بالأخلاق الوطنية وعن المؤامرات والمخططات الأمريكية التي تستهدف سوريا والمنطقة، وغالباً ما يستحضر النموذج العراقي المرعب كفزاعة للتخويف من مخاطر التغير والديمقراطية. لكن،هذا التراخي الأمني وتلطيف المعاملة مع المعارضين،قطعاً لا يعنيان بالضرورة نهاية (الدولة الأمنية) القائمة في سوريا وقرب تحولها الى (دولة مدنية)،وانما تأتي في سياق عملية تجميل وتحسين صورة هذه الدولة الأمنية ليس أكثر. لهذا سيبقى الكتاب والنشطاء الغير مرغوب بهم واحزاب المعارضة السورية وكل فعاليات الحراك السياسي والحقوقي الديمقراطي المعارض تحت رحمة الأجهزة الأمنية وعرضاً للمضايقات والابتزاز،وصولاً الى الاعتقال اذا تطلب الأمر ذلك،طالما لا يوجد في سوريا قوانين عصرية وديمقراطية تنظم النشر وترخص العمل السياسي وتصون حرية الراي والتعبير. وهناك اليوم اكثر من مؤشر ومعطى على ان السلطات السورية استبعدت وحتى اشعاراً آخر كل الحلول والخيارات  الديمقراطية والسياسية لمعالجة مشكلة وأزمات الواقع السوري وقررت العودة مجدداً الى سياسية كم الأفواه و تشديد القبضة الأمنية على المجتمع. هذه الاجراءات مرشحة للتصعيد، خاصة اذا ما عاود المجتمع الدولي ضغوطه على النظام كما هو متوقع في المرحلة المقبلة.وما الاستدعاءات الأمنية المكثفة في الآونة الأخيرة للكتاب والناشطين و من مختلف الاتجاهات والانتماءات السياسية والقومية، فضلاً عن العديد من حالات الاعتقال، الا رسالة واضحة بهذا الاتجاه الى الداخل السوري.
سليمان يوسف يوسف
كاتب وناشط آشوري سوري.
shosin@scs-net.org

106
الحركة الآشورية: الخطأ القاتل والمصير المنتظر

 

بالرغم من ما عاناه الآشوريون عبر تاريخهم الطويل، ومازالوا يعانون في مختلف دول المنطقة، من شتى أنواع الاضطهاد،الاجتماعي السياسي والديني والحرمان من الحقوق القومية، لم يبد الآشوريون تحمساً للعمل القومي والانخراط في الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات القومية الآشورية.حيث بقي الشعور الديني المسيحي غالباً على وجدان ووعي الإنسان الآشوري. وبقيت الكنيسة المرجعية الأساسية للآشوريين يلجأون اليها، خاصة اثناء المحن و الشدائد.يثقون بها أكثر مما يثقون بـ(أحزاب الحركة الآشورية) على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، التي أخفقت على مدى نصف قرن من العظات القومية وتناول رجال الدين في تفكيك الرابطة التقليدية التاريخية التي نشأت وترسخت بين الإنسان الآشوري(سرياني/كلداني) المسيحي والكنيسة. كما سقطت( الأحزاب الآشورية) أمام أسوار وقلاع المذهبية التي أقامتها الكنيسة بين أبناء الشعب الواحد،حتى أمست كل طائفة تبحث لذاتها عن خصوصيات تاريخية وثقافية الى جانب الخلافات والتمايزات العقائدية واللاهوتية لتبتعد أكثر فأكثر عن بعضها.هذا وقد احتفظت الكنيسة بسلطتها الروحية في المجتمع الآشوري فضلاً عن السلطة الزمنية التي منحتها اياها الأنظمة الاستبدادية مع بعض الحقوق الدينية في دول المشرق العربي و الإسلامي لقطع الطريق أمام الأحزاب القومية وفرض مزيد من الحصار عليها.لهذا تدور الكنيسة كمؤسسة في فلك السلطات القائمة وهي تبدو جزءاً منها تأتمر بأوامرها وتلتزم بتوجهاتها.وكثيراً ما هددت(طبقة الإكليروس) المؤمنين بالأجهزة الأمنية عندما كانت تتمرد على سلطتها، (سوريا مثالاً)،حيث تتدخل السلطات السورية بشكل أو بآخر في شؤون المؤسسات الدينية حتى بتعيين رجال الدين.تجدر الإشارة هنا الى أن الكنيسة ممثلة بطبقة الإكليروس لم تتوجه الى الشارع الآشوري وهي لم تطالبه بالتحرك والتظاهر في دول المهجر احتجاجاً على قتل الآشوريين والمسيحيين في العراق إلا بعد أن طال الخطف والقتل رجال الكنيسة.واللافت أن الشارع الآشوري لم يسبق له أن تظاهر بهذا الزخم الذي شاهدناه خلف الأحزاب القومية بالرغم من دعواتها المتكررة والمستمرة لمثل هذه الاحتجاجات بمناسبات واحداث مختلفة.هذا يؤكد على المكانة المتميزة التي تحظى بها الكنيسة لدى مختلف الأوساط الآشورية المسيحية، بما فيها الأوساط الثقافية وتلك التي تدعي القومية.

ان التشرذم المذهبي والقومي في المجتمع الآشوري،الى جانب أسباب اخرى عديدة- ابرزها: تآمر قوى إقليمية ودولية على الآشوريين،البيئة الاجتماعية الثقافية الاسلامية التي عادتهم وآذتهم كثيراً- حالت دون أن تستفيد حركة التحرر الآشورية ،كغيرها من حركات التحرر الأخرى، من الهزات السياسية والتغيرات المهمة التي اصابت المنطقة ابان الحرب العالمية الأولى والثانية وغيرها من احداث القرن العشرين.وربما كان الآشوريون الخاسر الأكبر من بين شعوب المنطقة من تلك الأحداث.واليوم يبدو أن التاريخ يعيد نفسه على الآشوريين العراقيين.بلا ريب، أن الواقع العراقي هو صعب ومرير جداً، لكن مع هذا كان يمكن للآشوريين أن يحسنوا وضعهم السياسي ويعززوا وجودهم القومي في العراق لو أحسنت مؤسساتهم القومية والدينية داخل العراق وخارجه،التعاطي في السياسة والتعامل مع الأحداث بنوع من البرغماتية والواقعية، ولو عرفوا كيف يتحركوا على الساحة الدولية اعلامياً ودبلوماسياً وكسب تعاطف الرأي العالم العالمي مع محنة الآشوريين والمسيحيين العراقيين.فالحالة العراقية كانت تتطلب وتستدعي أن تتجه كل الجهود الآشورية،المادية و،تاريخ بدء الحصار الدولي على العراق- المرحلة الأولى من مخطط تقسيم العراق- الى المسالة الآشورية التي برزت كقضية 1991والمعنوية والسياسية، منذ 1ساخنة على الساحة العراقية.لكن عوضاً عن ما كان يجب القيام به تجاه القضية الآشورية في العراق والنظر اليها على أنها قضية مصيرية لشعب واحد،اختزلت القضية من قبل معظم التنظيمات (الآشورية السريانية الكلدانية)،داخل العراق وخارجه، الى قضية حزبية،ووظفت من قبل البعض لأغراض ومكاسب حزبية. وهنا لا أستثني الحركة الديمقراطية الآشورية(زوعا)- مع تقديرنا الكبير لتضحياتها- التي تعاطت وتعاملت مع الجميع بعقلية الحزب القائد والوصي على التنظيمات والهيئات الدينية والمدنية (الآشورية السريانية الكلدانية) في العراق كما لو أن العراق باق على حاله دون تغير،والساحة ا.2003الآشورية حكراً لها وحدها.أو هي لا تريد(زوعا) أن تصدق الزلزال السياسي الذي أصاب العراق وطال جميع شعوبه في التاسع من نيسان

تؤكد معظم التقارير الواردة من العراق مقتل حتى الآن أكثر من خمسمائة آشوري ومسيحي في مناطق مختلفة من العراق عدا المفقودين والمخطوفين.ضحايا الآشوريين والمسيحيين جميعهم من المدنيين الآمنين العزل، قتلتهم المجموعات الإرهابية وهم يزاولون اعمالهم وبعضهم في بيوتهم وبعض الآخر اثناء تنقلاتهم.السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تقم التنظيمات الآشورية بتشكيل ميليشيا آشورية(كلدانية/سريانية) حتى  مسيحية مسلحة خاصة للدفاع عن الأمن الذاتي أسوة بباقي شعوب العراق؟- بالطبع مهمة دعم وتمويل ومساندة هذه الميليشيا هي مسؤولية جميع آشوريي العالم- .ألم يكن من الأفضل أن يموت الإنسان الآشوري المسيحي وهو يدافع عن بيته وشعبه من أن يقتل بشكل رخيص ويصبح هدفاً سهلاً للمجموعات الإرهابية ولكل الطامعين بماله وعرضه؟ . لماذا كل هذا الاستسلام السلبي وفقدان الثقة بالنفس لشعب واجه أعداءه بصدور عارية وقدم قوافل من الشهداء على مر التاريخ؟.ما اريد قوله في هذا السياق:خمسمائة شهيد لو استشهدوا في معارك دفاع عن الذات كنا سنرى نتائج  سياسية وقومية ،وصدى ايجابي على معنويات ونفوس الآشوريين والمسيحيين عوضاً عن مشاعر الإحباط واليأس التي اجتاحت وتجتاح الشارع الآشوري والمسيحي في كل مكان.بكل أسف، لم ير الآشوريون من احزابهم سوى بيانات الاستنكار وبرقيات النعي لقتلاهم والمتاجرة بدمائهم ومادة لملء الفراغ الممل القاتل في اقنيتها الفضائية.فقد تحولت مكاتب الأحزاب الى مجالس عزاء، أما الكنائس الى ورش لدفن الموتى.

هكذا مرة أخرى،بسبب الانقسامات المذهبية والحزبية، أضاع الشعب الآشوري على نفسه فرصة تاريخية، وهي الأخيرة، في اقامة اقليم آشوري في سهل نينوى يتمتع بحكم ذاتي ولو على جزء من أرضهم التاريخية(بلاد النهرين) العراق الذي بات مقسوماً بين العرب والأكراد.أنه لخطأ تاريخي قاتل أن ينقسم شعب على نفسه على قضايا شكلية صغيرة- كالتسمية أو على مكاسب حزبية ومذهبية آنية- وهو في وسط عاصفة تهدد بإغراقه.من سيتبقى من الآشوريين والمسيحيين العراقيين هم مجبرين اليوم على أن يختاروا: إما أن يعيشوا كمسيحيين ذميين يدفعون الجزية في الإمارات الإسلامية العراقية التي اعلنتها التنظيمات الإسلامية المتطرفة كالقاعدة وتحت رحمة إرهابها.وفي أحسن الأحوال  في دولتين اسلاميتين، واحدة شيعية فارسية وأخرى سنية عربية . أو أن ينضموا الى (الإقليم الكردي) القابل للتوسع والامتداد قاضماً مناطق آشورية وتركمانية وعربية في سهل نينوى وكركوك وغيرها من المناطق، وأن يقبلوا(الآشوريون والمسيحيون) بكل ما ستفرضه عليهم حكومة البرزاني من شروط وتنازلات سياسية وغير سياسية مقابل أن توفر لهم الأمن والحماية المفقودين في العراق الشيعي والعراق السني.جدير بالذكر أن أكثر من نصف من تبقى من الآشوريين والمسيحيين العراقيين هم اليوم يقيمون تحت حكم السلطة الكردية بعد النزوح الكبير لهم من الوسط والجنوب هرباً من الموت إلى الشمال.

 بالطبع،لم يعد يخفى على المهتمين بالشأن الآشوري ما تعانيه التنظيمات الآشورية من ضعف في بنيتها التنظيمية وانحسار قاعدتها الشعبية وهشاشة عقيدتها القومية والوطنية فضلاً عن ترك الكثير من قياداتها لأوطانها(سوريا، العراق، تركيا ) وهجرتها الى اوربا.حتى أضحت(التنظيمات الآشورية) مجرد واجهات شعاراتية من غير سند جماهيري أو تنظيمي تدور في حلقة مفرغة،فضلاً عن انها باتت محاصرة بالعديد من الأطر والتجمعات الاجتماعية والطائفية التي بدأت تبرز في المجتمع الآشوري في السنوات الأخيرة وبشكل أكثر في سوريا حيث تتحرك وتتنشط هذه التشكيلات الطائفية بتغطية ودعم من الكنيسة وبتشجيع من السلطات، لهذا تبدو التنظيمات الآشورية منشغلة كثيراً في هذه المرحلة بكيفية الحفاظ على ذاتها.الى جانب الفقر الفكري و الجماهير الذي تعاني منه الأحزاب الآشورية بدأت تعاني من فقر مادي(اقتصادي)،لابتعاد الطبقة الرأسمالية والبرجوازية عن العمل القومي من جهة وشح التبرعات السخية التي كانت تنهال عليها في السابق بعد أن ترددت في المجتمع الآشوري أخبار تلوث قيادات الأحزاب بالفساد المالي، خاصة القديمة منها، تلك التي عملت طويلاً في ظروف العمل السري (سوريا والعراق).

لا شك، هناك ترابط وعلاقة جدلية وثيقة بين هشاشة المجتمع الآشوري وتردي واقع الحركة القومية الآشورية عموماً الى درجة بات يثير هذا الواقع الكثير من التساؤلات والشكوك حول مستقبل الحركة الآشورية وبمدى قدرتها على البقاء والصمود في وجه التحديات ومواكبة التطورات وبالمصير الذي ينتظرها في المرحلة المقبلة الحبلى بالمستجدات والأحداث الساخنة.تذهب بعض الأوساط الآشورية في شكوكها ابعد من ذلك، فهي ترى أن التنظيمات الآشورية انحرفت عن الأهداف القومية التي وجدت من أجلها،وهي تتخفى اليوم خلف شعارات قومية ووطنية للحصول على بعض المكاسب الحزبية وربما امتيازات شخصية في هذه الدولة أو تلك. في سبعينات القرن الماضي طرحت المنظمة الآثورية لبنان وطناً بديلاً للآشوريين(سريان/كلدان)،وأملاً بتحقق أحلامها الرومانسية عندما فتح باب التجنيس تقدمت معظم قيادات المنظمة والكثير من قواعدها وأنصارها في سوريا أوراقهم للحصول على الجنسية اللبنانية.وفي التسعينات أشيع أن نيوزيلندا فتحت باب الهجرة، سارعت الكثير من قيادات وقواعد المنظمة الآثورية لتقديم طلبات الهجرة الى السفارة النيوزلندية في سوريا. هذا السلوك المنحرف، والمتعارض أو المتناقض مع ابسط المبادئ والأخلاق القومية والوطنية، إنما يعكس حالة الانفصام السياسي التي تسيطر على القيادات الهجينة للمنظمة الآثورية الديمقراطية. ومثل هذه المتاهات القومية والسياسية ليست بغريبة على منظمة لا وطن لها أو لا قيمة و اعتبار للوطن والوطنية لديها، منظمة يخلو دستورها حتى الآن من ذكر (سوريا)، التي نشأت فيها قبل نصف قرن، كوطن للآشوريين (سريان/كلدان) السوريين وهي تدعي ليلاً نهاراً بأنهم أبناء سوريا الأصلاء.بسبب هذه التناقضات السياسية والديماغوجيا الفكرية والازدواجية في الخطاب بقيت المنظمة الآثورية عرضاً للانشقاقات المستمرة.جديدها، قبل أشهر انشقت عنها مجموعة مهمة في سوريا ضمت العديد من القياديين عرفت بميولها الديمقراطية الليبرالية واتجاهاتها الوطنية، شكلت فصيلاً آشورياً سورياً واصدرت بيانها التأسيسي باسم( التجمع الديمقراطي الآشوري السوري).

 

سليمان يوسف يوسف... سوري آشوري

shosin@scs-net.org

107
  مسيحية عراقية: من يحمينا انتم ام بوش ؟ 


 

لا خلاف على أن مأساة العراق طالت وتطال كل مكونات الشعب العراقي دون استثناء. ولو أخذنا عدد ضحايا المسيحيين، الذي بلغ أكثر من اربعة مائة قتيل ومئات الجرح حتى الآن بينهم العديد من رجال الدين آخرهم الأب رغيد عزيز كني وثلاثة من الشمامسة قتلوا في الثاني من حزيران الماضي في مدينة الموصل(نينوى)، قد لا يشكل شيئاً بالمقارنة مع العدد الاجمالي للضحايا العراقيين من المدنيين والذي تجاوز الثمانمائة ألف قتيل منذ بدء الغزو الأمريكي للعراق في آذار 2003، لكن يرى الكثير من المهتمين بالوضع العراقي، أن محنة المسيحيين بمضاعفاتها المختلفة على المجتمع المسيحي تفوق محنة باقي العراقيين، ذلك بسبب خصوصيتهم الاجتماعية والدينية والتاريخية.فاستهداف شريحة عراقية آمنة مسالمة، ليس لها ميليشيات مسلحة كغيرها من الطوائف والتشكيلات العراقية،وتكاد تقتصر مطالبها على عودة الأمن المفقود والدولة الغائبة لوطنٍ تتمزقه حروب الأخوة من جهة، وحروب الأعداء من جهة أخرى، أمراً يثير الكثير من التساؤلات والمخاوف حول مستقبل ومصير هذه الشريحة.إذ يبدو جلياً أن الهدف الأساسي للمجموعات الإسلامية المتشددة والتنظيمات الإرهابية، التي تستهدف المسيحيين بشكل منظم وتهجرهم بشكل قسري من مناطقهم وأحيائهم التاريخية، هو اخلاء العراق من هذا المكون العراقي الأصيل وتقويض الوجود المسيحي في المنطقة عامة. قبل اسابيع اصدرت منظمة (حمورابي) لحقوق الانسان العراقية تقريرا خاصا حول الاعمال الاجرامية التي تستهدف الأقليات الغير المسلمة في العراق،كالمسيحيين والصابئة المعمدانيين والإزيديين والشبك.وقد رصدت المنظمة في تقريرها انتهاكات حقوق المسيحيين (الكلدواشوريين السريان والأرمن) مدعوما بالوثائق والاسماء والارقام والاحصائيات التي تكشف فظاعة والحجم الحقيقي لمأساة المسيحيين العراقيين،نتيجة تردي الوضع الأمني والتراجع الكبير في مستوى الحماية التي يتوجب ان تتمتع بها القوميات الصغيرة والاقليات الدينية والاثنية وفق الدستور العراقي. وقالت الامم المتحدة في تقرير لها هذا العام انه كان هناك 1.5 مليون مسيحي اشوري يعيشون في العراق قبل 2003 نصفهم فر من البلاد في السنوات التالية بعد الغزو.أي بما يشكل نحو 40% من العدد الاجمالي للمهجرين العراقيين خارج بلدهم والمقدر بنحو ملوني شخص بحسب تقارير المفوضية الأوربية للاجئين.وفي هذا السياق تعتقد معظم المرجعيات الدينية والمدنية المسيحية ومعها بعض النخب الثقافية والفكرية العربية والإسلامية،ان اعمال العنف ضد المسيحيين،في العراق وخارج العرق، لا يمكن عزلها أو فصلها عن ظاهرة تنامي الاتجاهات الإسلامية الأصولية التي بدأت تجتاح مجتمعات المنطقة. تجدر الإشارة هنا الى ان الاعلام يتناول اليوم أكثر من عشرين تنظيماً اسلامياً جهادياً متشدداً، بعضها معلوم وبعضها الآخر مجهول،تمارس العنف والإرهاب تحت مسميات مختلفة في المنطقة والعالم وهي مدعومة من جهات إقليمية ودولية. جميعها ترفض الحداثة وقيم المدنية والعلمنة.استراتيجيتها تقوم على إحداث تغيير سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي جذري في  دول المنطقة وتطبيق الحكم الإسلامي فيها،وربما في العالم اجمع لا حقاً، وبما يتوافق مع رؤية هذه التنظيمات السلفية للحياة والدين والإنسان والمرأة.وهي تزعم وتدعي تضليلاً بأن هدفها الأساسي هو الدفاع عن قضايا العرب والمسلمين و  مواجهة مشاريع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية والغربية على المنطقة العربية الإسلامية.

محنة المسيحيين العراقيين، فضلاً عن الاعتداءات التي يتعرض لها المسيحيون في العديد من دول المنطقة من حين لآخر على ايدي متشددين اسلاميين والخوف من امكانية أن ينتقل المشهد العراقي الأليم الى هذه الدول، أعادت طرح قضية المسيحيين في الشرق العربي الإسلامي من جديد، بعد عقود طويلة من الأمن و الاستقرار النسبي الذي نعموا به.وقد قدمت الكثير من الأقنية الفضائية حلقات وبرامج خاصة عن واقع المسيحيين العراقيين ومحنتهم،كذلك نشرت الصحف العربية والآشورية والأجنبية العشرات من التقارير و المقالات التحليلية عن القضية ذاتها وألقت مزيد من الضوء عليها. وكان البابا بنديكتيوس قد أعرب عن قلقه في أكثر من مناسبة بسبب الهجرة الجماعية للاقلية المسيحية من العراق ومن أجزاء أخرى في الشرق الاوسط بسبب العنف والاضطهاد.كما أثار البابا خلال لقاءه الاول مع الرئيس الاميركي جورج بوش في الفاتيكان في حزيران الحالي، الوضع الإنساني المأساوي في العراق واعرب له عن قلقه الشديد حيال تردي الوضع الأمني فيه وعلى مصير المسيحيين العراقيين.وبحسب وكالات الأنباء، اكتف الرئيس بوش بالقول: اننا نعمل جاهدين لكي يحترم الناس الدستور العراقي الذي يؤكد على التسامح بين الأديان.بعد لقاء،بوش البابا، نظم مكتب الصدر والكنيسة الكلدانية لقاءاً جمع العديد من المهجرين العراقيين تحت شعارات ((لا اكراه في الدين  و تضامنا مع المسيحيين المهجرين)).وردا على سؤال عما اذا كان الرئيس الاميركي جورج بوش قادر على حماية المسيحيين في العراق، قالت بحدية و بمرارة شديدة،جيهان لويس منصور،وهي سيدة مسيحية، من ضحايا التهجير القسري من منطقة الدورة في جنوب بغداد: ((من يجب ان يحمينا، انتم ام بوش؟ عليكم انتم حمايتنا كعراقيين. واضافت جيهان لماذا تخلى الجميع عنا؟ لقد شوهوا الدين، والى متى تتركنا الحكومة؟ هناك منشورات تطالبنا بترك بيوتنا ومنطقتنا. يقولون لنا :لا نريدكم هنا نحن (امارة اسلامية) في الدورة، اما تعتنقون الاسلام او تدفعون جزية او تخرجون من هنا )).كلام السيدة المسيحية جيهان لويس الذي قالته وهي في أقسى الظروف، كذلك الفتور الذي ابداه الرئيس الأمريكي بوش أمام البابا تجاه محنة المسيحيين العراقيين في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق الذي يتحمل هذا الاحتلال مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية تجاه محنة المسيحيين و العراقيين عامة، يدحضان بقوة مزاعم بعض الإسلاميين وكل من يتهم المسيحيين المشرقيين باللاوطنية وبالولاء لأمريكا و للغرب المسيحي.وكانت وكالة آكي الإيطالية قد أوردت أن شخصيات سياسية ودينية مسيحية حملت الحكومة العراقية والقوات المتعددة الجنسيات، مسؤولية ما تتعرض له العوائل المسيحية في العراق. في سياق هذه القضية يجب أن لا يغيب عن بالنا دور ومسؤولية الفكر الإسلامي التكفيري المنغلق وثقافة رفض الآخر والآيديولوجيات المتعصبة السائدة في المنطقة، في صناعة الموت والقتل في العراق عامة ومحنة المسيحيين المشرقيين تحديداً.وقد زادت مخاطر هذه الآيديولوجيات والفكر التكفيري بانتشار الأقنية والمنابر الفضائية المفتوحة.ففي سياق حلقة خاصة قدمتها (فضائية العربية)بتاريخ  11-12- 2006،حول نظرة الإنسان المسلم للوجود المسيحي في المجتمعات الإسلامية،قال الشيخ، محمد عبد الكريم،من جامعة الإمام سعود بن عبد العزيز في الرياض: ((نحن في السعودية لا نتحسس من الكفار الذين يعيشون بيننا فنتعامل معهم في كل شيء في التجارة والصناعة، حتى في السعودية يفضلون ان يكون الخادم  او الخادمة من الكفار))سألته مقدمة البرنامج: من تقصد بالكفار، قال: ((المسيحيين وغير المسلمين عامة))وهنا تساءلت: هل يصح تكفير الناس هكذا فقال: ((أنا لا أكفرهم هذا الوصف الحقيقي لهم)).وسألت شيخاً آخر مصرياً  مشاركاً في البرنامج عن رأيه بما سمعه قال: ((هذه كلمة استعمالها دارج في مجتمعات الخليج وبعض المجتمعات الإسلامية الأخرى)).من دون شك، مثل هذه البيئة الثقافية والاجتماعية تشكل أرضية خصبة لنمو كل أشكال التعصب والتطرف الديني وتحرض على القتل  وتشجع على اعمال العنف الطائفي والمذهبي والفتن داخل المجتمع الواحد. خوفاً من المضاعفات الخطيرة لمثل هذا الفكر الإسلامي التكفيري،التي بدأت تظهر بقوة اليوم في العراق،والى حد ما في مجتمعات اسلامية أخرى، تفضل مختلف المرجعيات المسيحية المشرقية ومعها شرائح واسعة من المسيحيين بقاء الأنظمة الأمنية اللاديمقراطية الحاكمة لدول المنطقة، بالرغم من فسادها وقمعها لشعوبها واستبدادها لها ،على أنظمة أخرى اسلامية أو غير اسلامية ضعيفة، قد تجد التنظيمات الإسلامية المتشددة فيها فرصتها لفرض بعض مبادئها وبالتالي النيل من مكانة المسيحيين وتغيير نمط حياتهم والحد من هامش الحريات الدينية والاجتماعية التي ينعمون بها في ظل الأنظمة النصف علمانية القائمة.

 

سليمان يوسف.... سوريا...مهتم بحقوق الأقليات.

shosin@scs-net.org

 

108
                                                                           
     البيان التأسيسي 




من اجل:

- رفع الغبن عن الآشوريين السوريين والاعتراف الدستوري بهم.

- سوريا دولة مدنية ديمقراطية ووطناً نهائياً لكل السوريين.

أيها الأخوة الآشوريون... أيها المواطنون السوريون:

        منذ سنوات ومنطقة الشرق الأوسط تشهد أوضاع سياسية غير مستقرة وتوترات أمنية مقلقة، على خلفية العديد من الملفات الإقليمية الساخنة،من لبنان الى ايران مروراً بالعراق الذي دخل في حرب اهلية مريرة على أرضية التناقضات السياسية والثقافية والاجتماعية والطائفية التي نمت في ظل الدكتاتورية، و تفجرت بعد الغزو الامريكي له ربيع  2003.وهناك خشية حقيقية من أن تنتقل شرارة الحرب الأهلية لأكثر من دولة، حيث لها قابلية على ذلك.وبدا واضحاً من المشهد العراقي أن الشعب الآشوري والمسيحي عامة هو أكثر الخاسرين من الفراغ السياسي ومن تدهور الأوضاع الأمنية في دول المنطقة.هذه المناخات الأمنية المتوترة والاحتقانات الطائفية المتزايدة، فضلاً عن تأزم الحالة السورية و تردي واقع الحركة السياسية الآشورية في سوريا والفراغ الذي تركته في الساحة، دفعت بنخبة من المثقفين الآشوريين السوريين للالتقاء والتشاور فيما بينهم حول ما يمكن فعله والقيام به من اجل تفعيل الشارع الآشوري في سوريا واخراجه من حالة الإحباط واليأس التي تجتاحه. نتيجة هذه الأوضاع الشاذة.وعلى مدى ستة اشهر تدارست هذه النخبة عبر حوار ديمقراطي وبروح من المسؤولية القومية والوطنية جملة من الأفكار والخيارات الممكنة والمتاحة، اثمرت في النهاية الى وضع اسس ومبادئ عامة(وثيقة تأسيسية) لاطار سياسي آشوري وطني، اطلق عليه (التجمع الديمقراطي الآشوري السوري)، ليعبر بمفرداته عن توجهاته السياسية ومنهجه الفكري، وعن الثوابت القومية والوطنية التي ينطلق منها ويعمل عليها.ابرزها: الولاء للوطن السوري كوطن نهائي لكل السوريين، الوجود الآشوري حقيقة تاريخية وموضوعية قائمة في سوريا، الآشوريون جزء اساسي وأصيل من النسيج الوطني السوري، الاعتراف بهذا الوجود، في اطار الاقرار بالتعددية القومية في سوريا دستورياً، فبقدر ما هو حاجة آشورية هو ايضاً ضرورة وطنية لتمتين الجبهة الداخلية واعادة التوازن والتماسك للمجتمع السوري الذي يتصف بالتنوع القومي والثقافي والديني. كما ينطلق التجمع من رؤية جديدة وموضوعية  للمسألة الآشورية في سوريا،ويعتمد فكراً سياسياً منفتحاً على الآخر بحثاً عن آفاق جديدة للعمل القومي،لأجل هذا أبقى باب العضوية فيه مفتوحاً لكل مواطن سوري يؤمن برسالة التجمع واهدافه.

       يعتبر التجمع التسميات(الآشورية، الكلدانية، السريانية)هي تسميات لشعب واحد،تتجاوز ببعدها التاريخي والثقافي الهوية الطائفية والانتماءات المذهبية التي حصرت بها إثر الانشقاقات الكنسية.تأسيساً على ما تقدم، يرى التجمع في هذه التسميات ثلاثة اقانيم قومية لشعب واحد وأمة واحدة.لكن نظراً لما انطوت عليه الآشورية من بعد سياسي ونضالي في العصر الحديث من جهة، ولما تنطوي عليه من عمق حضاري وتاريخي يشهد بهما الكثير من المؤرخين والباحثين من جهة أخرى،اعتمد التجمع (الآشورية) كانتماء وهوية لشعب بلاد ما بين النهرين،حيث اسس فيها دولة قوية وأقام حضارة عريقة منذ آلاف السنين،وازدهرت فيها ثقافة ومدنية ولغة عرفت في العصور المتأخرة باللغة السريانية انتشرت في سوريا وبلاد الشام، وتركت بصماتها على ثقافة معظم شعوب المنطقة. 

      إن ولادة هذا التجمع ليس مجرد اضافة اسم جديد الى الساحة السياسية الآشورية، وإنما هو كيان سياسي  يعبر عن حالة قومية متميزة من حيث التوجه و الفكر وآليات العمل،نشأ استجابة لمتطلبات الواقع الآشوري الراهن في سوريا. وهو مقاربة سياسية وفكرية جديدة لهذا الواقع استعداداً لمواجهة الاستحقاقات التي تفرضها المرحلة الراهنة الحبلى بالتطورات والحافلة بالأحداث.كما أن ولادته تأتي استكمالاً  لمسيرة النضال الآشوري ووفاءً لقوافل الشهداء الذين سقطوا على مر التاريخ من اجل حرية وحقوق الشعب الآشوري ونصرة قضيته.وهو بالتالي يعكس ارادة صلبة ورغبة حقيقة في تفعيل النضال الآشوري عبر آليات العمل الديمقراطي والمساهمة مع مختلف القوى الوطنية ومنظمات وهيئات المجتمع المدني في الحراك الفكري الديمقراطي والحقوقي الذي تشهده الساحة السورية للعمل معها على المشتركات الوطنية من أجل أن تكون سوريا وطناً حراً ديمقراطياً،ودولة مدنية تقوم على مبدأ حق المواطنة، يسودها العدل والقانون،تجسد قيم ومفاهيم العيش المشترك،توفر الحياة الكريمة لجميع  أبناءها دون تمييز او تفضيل بين مواطن وآخر.

التجمع الديمقراطي الآشوري السوري  لن يوفر جهداً في مد الجسور مع مختلف الشرائح والأوساط الآشورية، وفي مد يده الى جميع الأحزاب والحركات والتنظيمات الآشورية، على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، في سوريا والمنطقة والعالم لتكثيف الجهود وتوحيد الصفوف ورفع وتيرة العمل الآشوري الى مستوى الاحداث والتحديات التي تواجه الشعب الآشوري، وللقيام بكل ما من شأنه يخدم ويفيد القضية الآشورية ودعمها في المحافل الدولية.

 

تحية للشعب السوري بكل طيفه القومي والديني والسياسي

                                                                   

                                                                                                   
الهيئة التأسيسية

                                                                                   
 للتجمع الديمقراطي الآشوري السوري

سوريا  1-6-2007

 

 6757 آشوري

 

109
           
الجزء الثاني من الحلقة الخاصة حول مشكلة القوميات في سوريا

 غداً  الاثنين 4-6-2007   الجزء الثاني  من الحلقة الخاصة  عن مشكلة القوميات في سوريا على  قناة ANN الفضائية، في الساعة الثامنة وعشر دقائق بتوقيت سوريا،السابعة وعشر دقائق بتوقيت أوربا الوسطى .وسيقدم  الكاتب الآشوري (سليمان يوسف) رؤيته لحل مشكلة القوميات في سوريا. وسيكون هناك متحدثون آخرون من الأخوة الأكراد والأرمن. جدير بالذكر أن قناة ANN تبث على قمر HOTBIRD 1-5   .
نشير الى أن البرنامج يعاد صباح اليوم التالي  في تمام الساعة التاسعة صباحاً...

110
 
          حلقة  تلفزيونية خاصة حول  القوميات في سوريا

غداً  الأحد  3-6-2007 ستقدم قناة ANN الفضائية، في الساعة الثامنة وعشر دقائق بتوقيت سوريا،السابعة وعشر دقائق بتوقيت أوربا الوسطى، حلقة خاصة ومباشرة عن مشكلة القوميات في سوريا.وسيكون الكاتب الآشوري (سليمان يوسف) من مدينة القامشلي متحدث رئيسي في البرنامج ، وسيكون هناك متحدثون آخرون من الأخوة الأكراد والأرمن. جدير بالذكر أن قناة ANN تبث على قمر HOTBIRD 1-5   .
نشير الى أن البرنامج يعاد صباح اليوم التالي الاثنين في تمام الساعة التاسعة صباحاً...

111
هل من ارادة اسلامية ببقاء المسيحيين المشرقيين؟


مع انفتاح أبواب الهجرة الى القارتين الأوربية والأمريكية في القرون الأخيرة وجد الكثير ممن تبقى من المسيحيين المشرقيين- بعد غزو الإسلام للمنطقة وحملات التسليم التي قام بها(أسلمة شعوبها)- في الهجرة خلاصاً سريعاً من المآسي والمحن التي يتعرضون لها من حين لآخر في أوطانهم على أيدي الأغلبيات المسلمة،حتى بدأ يتلاش ويندثر الوجود المسيحي من مناطق واسعة كانت يوماً مركز الثقل المسيحي في الشرق.هذا وقد هبطت نسبة المسيحيين في عموم الشرق الأوسط الى نحو 5% من نسبة السكان،معظمهم في مصر و بلاد الشام.في فلسطين،مهد المسيحية، هم اقل من 3%.هذه النسبة هي في تناقص مستمر  مع استمرار هجرة المسيحيين وتركهم لأوطانهم بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وتصاعد موجة العنف واستهدافهم من قبل تنظيمات اسلامية متشددة. حتى لبنان المتميز بنظامه السياسي وتركيبته الاجتماعية، الذي شكل عامل دعم معنوي واستقرار نفسي  مهم وكبير ليس لمسيحيي لبنان فحسب وإنما لمسيحيي الشرق الأوسط عامة، تزعزع الوجود المسيحي فيه بعد الحرب الأهلية 1975 التي أفرزت واقعاً سياسياً واجتماعياً جديداً في غير صالح المسيحيين اللبنانيين.في مصر ارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة اعتداءات الإسلاميين على الأقباط في ظل انحياز واضح للسلطات الأمنية والقضائية الى جانب المعتدين من الإسلاميين المتطرفين.وفي العراق، يقول العديد من العراقيين المسيحيين الفارين الى سوريا،التقيناهم:أنهم هربوا من الخطف والموت وطردوا من بيوتهم من قبل مجموعات اسلامية متطرفة تستغل ظروف الاحتلال وغياب الدولة وانفجار الأوضاع الأمنية في اجبارهم على دخول الإسلام أو دفع الجزية وإما القتل ،أضاف هؤلاء: أن غالبية الكنائس ببغداد أغلقت. وتقدر المرجعيات المسيحية أن نصف سكان بغداد من المسيحيين،كان يبلغ تعدادهم نحو نصف مليون قبل عام 2003،إما فروا أو قتلوا. وتخشى هذه المرجعيات أن يكون لدى بعض الأطراف في الحكومة العراقية، دوراً خفياً فيما يحصل للمسيحيين العراقيين وتفاهم مع الإرهابيين لطرد هذه الشريحة العراقية الأصيلة والوطنية التي لم تنخرط في الصراعات الداخلية العراقية.وقد وجه بطاركة الكنائس المسيحية في العراق نداءات الى الحكومة العراقية ناشدوها لحماية وإنقاذ المسيحيين من الهجمات الإرهابية التي يتعرضون لها في بغداد ومناطق اخرى من العراق من خلال  تكثيف جهودها لفرض الأمن والقانون. وقد اتهم البطاركة العراقيين في بياناتهم ما يسمى  بـ(الدولة الاسلامية في العراق) التي دعت اليها مجموعة تنظيمات اسلامية مسلحة ترتبط بتنظيم القاعدة وحملوا هذه المجموعات مسؤولية اعمال الابتزاز والعنف والخطف التي تطال المسيحيين.واللافت في هذه القضية هو التزام الزعامات والمرجعيات الإسلامية في العراق وخارج العراق الصمت والسكوت عن القتل الممارس بحق المسيحيين العراقيين باسم (الإسلام).في حين أن معظم هذه المرجعيات  كانت قد انتفضت وأثارت الشارع الإسلامي احتجاجاً على بضع كلمات اقتبسها البابا (بنديكتيوس السادس عشر) من نص قديم بشأن نشر الإسلام بالقوة.ما يحصل للمسيحيين العراقيين، فضلاً عن الخوف من تكرار المشهد العراقي الأليم في دول أخرى تختزن الكثير من عناصر الانفجار وارتفاع دعوات اقامة الحكم الإسلامي فيها، أعاد طرح قضية المسيحيين في الشرق العربي الإسلامي من جديد بعد عقود طويلة من الأمن و الاستقرار النسبي الذي نعموا به في ظل الحكم الوطني.فمع هذا التدهور الكبير في الأوضاع الأمنية لم تعد قضية المسيحيين المشرقيين كما كان ينظر اليها في الماضي على أنها قضية سياسية قانونية مرتبطة بمسألة الديمقراطية والحريات وحقوق المواطنة، وإنما أضحت قضية تمس وجود وبقاء هذه الشريحة الأساسية والأصيلة في أوطانها،التي بات وضعها اشبه بجزر صغيرة في وسط بحر اسلامي هائج من غير تحصين وطني أو ذاتي.

بلا ريب،أن خلو الشرق من المسيحيين، بما يشكلونه من حالة حضارية ومدنية، سيترك مضاعفات سلبية وخطيرة على البيئة الثقافية والاجتماعية للمجتمعات العربية والإسلامية.إذ أن هجرتهم ستوفر أرضية خصبة لنمو الأفكار المتطرفة وتكاثر التيارات المتشددة. كما أن هجرة المسيحيين ستعزز من التهم والشكوك الموجهة للمسلمين بعدم قدرتهم على تقبل الآخر والعيش معه. فضلاً عن أنها تعني انسداد أفق الحوار المسيحي الاسلامي وفقدان هذا الحوار الكثير من مبرراته واسباب استمراره. وأيضاً هي استنزاف قسم مهم من الطاقات الوطنية الخلاقة وتوقف استثمارات المسيحيين في المنطقة وخسارة لملايين الدولارات المحولة سنوياً.أما بقاء المسيحيين وتمسك العرب والمسلمين بهم هو تمسكهم بخيار الديمقراطية والعيش المشترك وبمشروع الدولة العصرية(الدولة المدنية) ورفضهم للدولة الدينية (الدولة العنصرية).وبقاء المسيحيين في الشرق العربي الإسلامي هو بالمحصلة قوة ودعم لقضايا العرب والمسلمين بما للمسيحيين من صلات وعلاقات تاريخية متميزة مع الغرب. 

يبدو أن(المؤتمر القومي العربي) استشعر المضاعفات السلبية لهجرة المسيحيين بعد أن بلغت مستويات خطيرة لها.ففي مؤتمره الثامن عشر المنعقد في البحرين في نيسان الماضي، وجه نداءً يحث فيه جميع الفعاليات الثقافية والسياسية والاجتماعية في الوطن العربي لبذل الجهود الممكنة للتصدي لهذه الظاهرة ويحذر من تأثيرها على الثقافة الوطنية العربية الإسلامية التي يشكل المسيحيون أحد عناصرها  الأساسية.أنها المرة الأولى التي يتوقف القوميون العرب عند هذه الظاهرة.لا شك، أنها خطوة إيجابية وإن جاءت متأخرة، لكنها خطوة ناقصة وضعيفة من القوميين العرب، ذلك بإغفالهم الأسباب الجوهرية لهجرة المسيحيين وتحميل المسؤولية للخارج المتآمر. جاء في نداءهم :((الهجرة الواسعة للمسيحيين العرب لم تكن بمعزل عن مخطط خارجي مرسوم لتفريغ المجتمعات العربية من إحدى مكوناتها الثقافية الأساسية، وإظهار الصراع بين العرب والغرب على أنه صراع بين مسلمين ومسيحيين)).إذ كان الأولى أن يطالب المؤتمرون حكومات بلدانهم بتحمل مسؤولياتها تجاه هذه الشريحة الوطنية والقيام بخطوات عملية من شأنها تعزيز الوجود المسيحي في الشرق وتحد من هجرة المسيحيين.لكن يبدو أن رؤية القوميين العرب لقضية الهجرة المسيحية بقيت اسيرة موقفهم الايديولوجي والسياسي التقليدي من الغرب الأمريكي الأوربي.كما أن تجاهل الأسباب الحقيقة لهجرة المسيحيين المشرقيين يخفي خلفه الرغبة بعدم احراج الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية التي ما زال يتسم موقفها بالتعتيم والصمت التام حيال محنة المسيحيين.يتجلى هذا الموقف العربي والإسلامي الرسمي  في تجاهل جميع القمم العربية والإسلامية قضية المسيحيين.إذ لا توصيات ولا قرارات تخص هجرة المسيحيين المشرقيين وقضيتهم.بالطبع هذا يثير الشكوك في موقف القادة والزعماء العرب والمسلمين من مسالة بقاء المسيحيين بينهم و في مجتمعاتهم.

أخيراً:

إن بقاء المسيحيين في دول المشرق العربي الإسلامي مرهون بجملة من الشروط والعوامل، أولها: وجود رغبة اسلامية فعلية وارادة اسلامية حقيقة ببقاء المسيحيين  في الشرق والقبول بهم كشركاء حقيقيين يتمتعون بكامل حقوق المواطنة والواجبات الوطنية دون انتقاص. ثانيها: إنهاء نظرة التشكيك بهوية وانتماء وولاء المسيحيين المشرقيين والنظر اليهم كشعب أصيل ومكون اساسي في مجتمعات الشرق وليس كشعب دخيل غريب، أو هم من بقايا الحروب الصليبية كما تزعم وتذهب بعض التيارات الإسلامية.ثالثها: وضع برامج تثقيفية تربوية وتعليمية وطنية شاملة تنشر ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية واعتماد مناهج تعمل على تغيير نظرة الإنسان المسلم الى الانسان المسيحي، من نظرة غريب الى نظرة شريك في الدنيا والآخرة، نظرة تنطلق من أن أحداً لم يختار دينه وإنما هكذا وجد نفسه.رابعاً: قيام دولة عصرية يفصل فيها الدين عن السياسة، وتقوم على مبدأ حقوق المواطنة يسودها القانون وتحقق العدل والمساواة بين المواطنين دون تمييز أو تفضيل.


سليمان يوسف... سوري آشوري.. مهتم بحقوق الأقليات

112
                               
سوريا:التغير الديمقراطي  يمر عبر رئيس مسيحي والمرشح  ميشيل كيلو
 

في نهاية نيسان الماضي جرت الانتخابات الشكلية لأعضاء مجلس الشعب السوري للدور التشريعي التاسع، وقد قاطعها غالبية السوريين احتجاجاً على نظام الانتخابات، ولانعدام ثقتهم بهذه المؤسسة التشريعية التي لا تعبر عن ارادتهم وإنما عن ارادة سلطة صادرت حريتهم وارادتهم في اختيار ممثليهم.وفي هذه الأيام تستعد سوريا للاستفتاء على التجديد لولاية ثانية للرئيس بشار الاسد مدتها سبع سنوات والمقرر اجراءه في السابع والعشرين من الشهر أيار الحالي.وكان مجلس الشعب قد وافق بالإجماع على التجديد للرئيس بشار الاسد.وقد شُكلت لجان أساسية وفرعية في جميع المحافظات والمدن والجامعات السورية وخصصت ملايين الليرات لتنفيذ خطة النشاط الجماهيري والإعلامي التي وضعتها القيادة القطرية لحزب البعث،من تنظيم مسيرات واقامة مهرجانات خطابية وفتح المضافات، في اطار حملة الاستفتاء التمديدي للرئيس بشار الأسد.هذه الاجراءات تعكس قلق السلطات من أن تكون نسبة المشاركة في الاستفتاء ضعيفة وتكرار ما حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة، خاصة بعد أن دعت قوى المعارضة السورية الشعب السوري لمقاطعة عملية الاستفتاء. وقد أثار آليات وطريقة اختيار الرئيس في سوريا مجدداً جدلاً  حامياً لدى مختلف الأوساط السياسية والثقافية والشعبية السورية،خاصة لدى أوساط المعارضة. إذ أن  الدستور السوري الذي وضعه حزب البعث الحاكم ينص على أن يكون الرئيس عربياً سورياً بعثياً مسلماً، وتنص المادة الثامنة من الدستور على أن حزب البعث هو (قائداً الدولة والمجتمع).ومن المعروف أن القيادة القطرية للبعث هي التي تسمي الشخص المرشح لرئاسة الجمهورية وتنحصر مهمة أعضاء مجلس الشعب بالمصادقة والموافقة على مَن ترشحه القيادة القطرية لهذا المنصب من غير نقاش أو اعتراض. مما يعني أن الغالبية العظمى من الشعب السوري،أكثر من 90%، لا يحق لها الترشح للرئاسة وتبؤ هذا المنصب وبالتالي غياب أي مستوى من المنافسة والممارسة الديمقراطية في اختيار الرئيس.  ربما يرى البعض من السوريين وغير السوريين في الدعوة لانتخاب رئيس مسيحي لسوريا نوع من الطرفة السياسية أو الهذيان السياسي.وقد يتساءل البعض الآخر، لماذا رئيساً مسيحياً لسوريا وفي هذه المرحلة تحديداً.بلا شك، أنها تحفظات وتساؤلات مشروعة.
 بداية أود التأكيد على أن هذه الدعوة قطعاً هي ليست للانتقاص من مكانة أحد في سوريا أو التقليل من شأن ومنزلة  الأشقاء المسلمين السوريين شركاء المسيحيين في الوطن السوري. كما أنها ليست استعلاءً دينياً،ولا تخفي أية أهداف أو غايات دينية ضيقة، وإنما أطلقها لاعتبارات ومصالح وطنية بحتة.وهي أولاً وأخيراً مجرد رؤية أو فكرة من مواطن سوري مسيحي وآشوري يعمل في الشأن العام حريص على إخراج سوريا من المأزق السياسي والديمقراطي الذي قادها اليه النظام القائم ومن حالة الاستبداد القومي التي فرضها عليها البعث الحاكم منذ قرابة نصف قرن. وجد في التوافق الوطني على شخصية مسيحية مناسبة ومستقلة ببرنامج وطني لتكون رئيساً لسورية لمرحلة انتقالية محددة حلاً معقولاً لإخراج سوريا من أزمتها السياسية الراهنة. واقعية هذا الحل تأتي أولاً: من البسيكولوجية التاريخية والثقافية والخصوصية الاجتماعية للمسيحيين.هذه الخصوصية تجعلهم أكثر شرائح المجتمع السوري مهيأة لنقل سورية الى مرحلة الديمقراطية والليبرالية والدولة العصرية وجعل سوريا وطناً لكل السوريين وتحييد الدولة(السلطة السياسية) تجاه المسألة الدينية والقومية واتجاه المعضلة الطائفية التي بدأت تقلق الكثيرين في سوريا في ظل ما تشهده دول الجوار من احتقانات طائفة ومذهبية.ثانياً: من الوضع الأقلوي للمسيحيين السوريين، تعدادهم نحو 10% من سكان سوريا.هذا الوضع لا يُمكن المسيحيين من التمسك بالسلطة والاستئثار بها،حتى لو أرادوا ذلك،خاصة وأنهم لا يشكلون كتلة سياسية واحدة ومتماسكة ولا أحزاب أو تنظيمات خاصة بهم،كما أن المسيحيين ليسوا منخرطين في المؤسسة العسكرية الى المستوى الذي يُمكنهم من توظيف هذه المؤسسة في خدمة أطماع سياسية سلطوية فئوية.ثالثاً: و هو الأهم،من أن المسيحيين هم أكثر شرائح المجتمع السوري حرصاً على السلمي الأهلي وتمسكاً بالوحدة الوطنية وبسوريا كوطن نهائي لكل السوريين،هذا ليس تشكيكاً بوطنية أي مجموعة أو مكون من مكونات المجتمع السوري،وإنما أقول هذا لأن المسيحيين أكثر فئات المجتمع السوري تضرراً من أية فتنة داخلية قد تنجر اليها سوريا تحت ضغط وتأثيرات تفجر المعضلة الطائفية والمذهبية والصراعات العرقية في العديد من دول المنطقة.لا شك،أن التوافق على رئيس مسيحي يبدو صعباً في ظل الراهن السوري المعقد لكنه ليس بمستحيل إذا توفرت النوايا والإرادة في تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية والحزبية الضيقة.ومن خلال معرفتي بمختلف القوى السياسية ومتابعتي لخطابها واحتكاكي بالطيف السوري المتنوع أرى هناك إمكانية وفرصة لتحقيق التوافق الوطني على رئيس مسيحي  لمواجهة استحقاقات المرحلة وتحدياتها. حتى جماعة الأخوان المسلمين من غير المتوقع أن يعترضوا على تبؤ مسيحياً رئاسة البلاد، إذا ما التزموا بالميثاق الوطني الذي وضعوه صيف 2002 والذي يحدد (الإسلام) دين الدولة وليس دين رئيس الدولة،كما هو وارد في الدستور السوري الحالي.والسيد صدر الدين البيانوني، المرشد العام لأخوان سوريا والذي يأخذ من لندن(منفاه) مقراً له، قال، في إحدى مقابلاته التلفزيونية، رداً على سؤال فيما إذا كانوا سيوافقون كحركة اسلامية على وصول مسيحياً الى رئاسة الدولة السورية: لا يوجد لدينا ما يمنع  ذلك، فهذا من حق كل مواطن سوري بغض النظر عن انتمائه الديني أو القومي.لهذا فيما يخص تحقيق هذا التوافق الوطني  تبدو الكرة هي في مرمى السلطة.
هذا التوافق عل رئيس مسيحي إذا ما تم سيشكل ،كما أعتقد،مدخلاً  للتغير الديمقراطي والتداول السلمي والهادئ للسلطة في سوريا وسيبعث في المجتمع السوري الاطمئنان والآمان وسيحقق (المصالحة الوطنية) التي تدعو اليها المعارضة السورية. الى جانب هذه الفوائد السياسية التي ستتحقق لسوريا بوجود رئيس مسيحي مستقل ومحايد ببرنامج وطني، سيشكل المسيحيون رافعة حقيقة لتقدم البلاد وازدهارها ونافذة كبيرة للانفتاح على العالم.إذ سينتعش الاقتصاد السوري بفضل حالة الاطمئنان والاستقرار والشفافية  التي ستسود المجتمع وتحييد القضاء واستقلاله عن السلطة التنفيذية وعن تدخل الأجهزة الأمنية وبفضل ضمان تكافؤ الفرص وتوزيع عادل للثروة في البلاد،فضلاً عن تشجيع المسيحيين السوريين المغتربين، يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين مغترب،على استثمار أموالهم داخل سوريا وربطهم بالوطن السوري. كما أن تولي مسيحياً رئاسة الدولة السورية سيعزز الوجود المسيحي في سوريا بعد أن اهتز هذا الوجود بسبب تنامي الاتجاهات الإسلامية المتشددة واستهداف المسيحيين من قبل مجموعات إسلامية متطرفة.إذ سيوفر الرئيس المسيحي نوع من الاستقرار النفسي والمعنوي لمسيحيي سوريا وتخليص (الشارع المسيحي) من مشاعر الإحباط واليأس وهواجس القلق من المستقبل،وهذا من دون شك،سيحد من نزيف هجرة المسيحيين السوريين وتركهم لوطنهم. وأيضاً ستُقدم سوريا للعالم الحر على أنها دولة حضارية عصرية وليست عنصرية  تقوم على مبدأ (الدين لله والوطن للجميع) وسيشكل  الرد العملي والصحيح على جميع المتعصبين دعاة التفرقة الدينية وعلى جميع الأفكار العنصرية الغريبة على ثقافة وحضارة سوريا. كما أن التوافق على رئيس مسيحي، سيعيد الاعتبار للمسيحيين السوريين،هذه الشريحة الوطنية الأساسية، التي لم تبخل يوماً في الدفاع عن سوريا وإنجاز استقلالها الوطني في زمن الاستعمارات والانتدابات الأجنبية وفي جميع معاركها الوطنية والقومية الأخرى مع اسرائيل.جدير بالذكر هنا، أن أكثر من مائتي شاب من آشوريي الجزيرة السورية تطوعوا للقتال  في حرب فلسطين عام 1948 دفاعا عن فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي وقد وقع منهم ثلاثة عشر شهيداً استقبل الأهالي جثامينهم بالأهازيج.مع هذا بقي الآشوريون والمسيحيون السوريون عامة مغيبين ومبعدين سياسياً وعن المشاركة في ادارة البلاد وحرموا دستورياً من تبؤ رئاسة البلاد كما حرموا من تسلم مناصب سياسية ووزارات سيادية. ثم أننا نتساءل: لماذا تتوفر للسوري المسيحي فرصة أن يصبح رئيساً في دول أخرى وهو مغترب- انتخب كارلوس منعم وهو مسيحي من أصل سوري رئيساً للأرجنتين- في حين يحرم من هذا الحق في موطنه وبلده الأصلي سوريا. بلا ريب،هناك في سوريا دوماً الكثير من الشخصيات المسيحية الوطنية،مثلما يوجد شخصيات اسلامية، تتوفر فيها كل المؤهلات و الإمكانيات لقيادة سوريا.وهنا أعطي لنفسي الحق في ترشيح الكاتب والمفكر المعتقل( ميشيل كيلو)،فك الله أسره،لهذا المنصب.وتزكيتي له قطعاً ليس استفزازاً لأحد في السلطة التي زجت به وبرفاقه، رموز الحراك الديمقراطي والحقوقي ونشطاء المجتمع المدني، في السجن ظلماً بسبب مواقفهم وآرائهم السياسية التي لا تتوافق مع توجهات هذه السلطة،وإنما أرشحه على ضوء معرفتي الشخصية به ومن خلال كتاباته وأفكاره الديمقراطية والليبرالية ومن خلاله مواقفه الوطنية، وقد أظهر الشارع السياسي السوري والعربي تعاطفاً واضحاً معه ومع زملائه المعتقلين.بالطبع،بموجب الدستور الحالي لسوريا لا يحق للمسيحي أن يتبوأ منصب رئاسة الجمهورية حيث يشترط  الدستور على الرئيس أن يكون مسلماً.لكن هناك مساحة زمنية كافية لإلغاء أو تعديل هذه المادة. ألم يعقد مجلس الشعب - بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000- جلسة خاصة وبزمن قصير وقياسي ووافق بالاجماع على تعديل المادة الخاصة بعمر الرئيس في الدستور وتم تخفيض العمر الى أربعة وثلاثون عاماً ليتوافق مع عمر الدكتور بشار الأسد وأصبح رئيساً لسوريا.وأكاد أجزم بأن أحداً من أعضاء مجلس الشعب السوري الحالي لن يجرأ على الاعتراض فيما إذا قررت السلطة القائمة تعديل الدستور لفتح الطريق أمام مسيحي للوصول الى القصر الجمهوري بدمشق.
 
 سليمان يوسف.... كاتب وناشط سوري آشوري.
القامشلي   shosin@scs-net.org

113
                           
  من المسؤول عن جٌرح المالكية السورية ؟
                                                    (وقائع رواها شهود عيان)
بعد تهدئة النفوس،نتمنى أن تكون قد هدأت فعلاً، وانحسار موجة الغضب والتوتر في مدينة المالكية(ديريك) وانقشاع الغيوم السوداء التي لبدت أجواء المدينة وأمطرت أحجاراً كردية على بعض أحيائها الآشورية المسيحية إثر جريمة مقتل شاب كردي في الثاني من نيسان الماضي، بدأت تتكشف وتتضح بعض الملابسات التي احاطت بهذه الجريمة التي كادت أن تحولها، ثورة الغرائز المنفلتة وعقدة الاضطهاد في ظل مناخات الاحتقان والتوتر في المجتمع السوري التي أنتجها الاستبداد القومي والسياسي  القائم في البلاد،الى فتنة طائفية واثنية في المدينة. نعم،أن المساعي الخيرة ودعوات التهدئة تمكنت من وأد الفتنة هذه المرة- مع قناعتنا التامة بخطأ المراهنة على الوساطات العشائرية أو الدينية في حل ومعالجة هكذا قضايا خطيرة لأن أسبابها اكبر وأعمق من أن تزال عبر هذه الأطر التقليدية التي تجاوزها الزمن- لكن ماذا لو تكرر الأمر ووقعت حوادث قتل مشابهة،على هذه الساحة أو تلك،وهو أمر متوقع حصوله في بيئة اجتماعية وثقافية خصبة، تختزن الكثير من عناصر التوتر والانفجار وفي ظل الخلل القائم في العلاقة الوطنية بين المكونات المتمايزة والاصطفافات الفئوية التي بدأت تتشكل بقوة في المجتمع السوري،خاصة في الجزيرة السورية بسبب تركيبتها الاجتماعية وغياب تام لمنظمات المجتمع المدني.فكل شيء في الجزيرة مفصل ومركب على اساس إثني أو ديني أو قبلي،من فعاليات اقتصادية واجتماعية وثقافية الى الأحزاب والتنظيمات السياسية،حتى مؤسسات الدولة تتلون بلون العنصر الغالب فيها.
البداية: على أثر الجريمة النكراء التي هزت مدينة المالكية، بكل طيفها القومي والديني والاجتماعي والمتمثلة باغتيال المدرس الآشوري (غازي يونان) في العاشر من آذار الماضي نهاراً جهاراً بدم بارد من قبل مجموعة عربية مسلمة،اجتاحت مشاعر الغضب والاستياء الشارع الآشوري(السرياني) والمسيحي عامة،وارتفعت حرارة الحساسيات الاثنية والدينية في مجتمع المالكية،خاصة بتلكؤ وتهاون السلطات الأمنية في القبض على الجناة بالرغم من المعرفة التامة بهم.في هذه الأجواء المحتقنة تكررت استفزازات بعض الشبان الطائشين من الأخوة الكورد في حي آشوري مسيحي بالمدينة.يوم الاثنين ليلاً ( 2-4-2007)، تحول تحرشات شباب الكورد بآشوري داخل محله التجاري وفي ذات الحي المسيحي الى تلاسن ثم مشاجرة، انتهت بانسحاب الشبان الأكراد لكنهم هددوا بالعودة.في هذه الإثناء قدمت دورية شرطة(جنائية) برفقة ضابط الى المكان، حققت في الموضوع وقيل للضابط بأن الشبان الأكراد هددوا بالعودة،لكن الدورية لم تأخذ الموضوع بالجدية المطلوبة، وبدلاً من أن تقوم الشرطة بتعقب المعتدين وتلاحقهم لمنع عودتهم وتجدد المشاجرة،اعتقلت الشاب الآشوري،صاحب المحل التجاري، وغادرت المكان مبقية فقط على عنصرين منها.وبالفعل لم تمض دقائق حتى عاد أكثر من عشرين شاب كردي في سيارة شحن متوسطة الحجم،وبدءوا يطلقون الشتائم المهينة للمشاعر الدينية والاجتماعية للمسيحيين متحدين أهالي الحي، مما دفع بمجموعات شبابية آشورية مسيحية بالتصدي لهم والاشتباك معهم من جديد وتطور الموقف بشكل دراماتيكي، انتهى بانسحاب الشبان الأكراد بعد اصابة اثنين منهم، احدهم جروحه خفيفة،والآخر(جوان أحمد) وقع على الأرض بالقرب من أحد المحال التجارية استنجد صاحبه وهو آشوري لإسعافه وقد تقدم منه شخص(صيدلي) خرج من منزله صدفة لغرض خاص من غير أن يعلم بما جرى،واستعدا معاً لإسعافه،وقد أكد من شاهد جوان على خلو جسده من أية جروح  بسكاكين أو ما شابه.في هذه الإثناء حضر أحد أقرباء جوان،كما وصلت الى المكان دورية الشرطة بأمرة ضابط أخذ أسماء المتواجدين وأمر بوضع المصاب في سيارة الدورية لكنه(جوان) تشبث بالأرض رافضاً الذهاب معهم الى أن تحدث اليه الرجل المقرب منه بالكردية.هذا دليل آخر على أن حالة جوان لم تكن خطيرة كما صورها البعض.تجدر الإشارة أن الدورية رفضت مرافقة الرجل الكردي للمصاب جوان وهو من معارفه وقيل له الحق بنا الى المشفى الوطني.كان الوقت بحدود التاسعة ليلاً وبعد نحو نصف ساعة استدعي الطبيب الجراح (ج)الى المشفى لكن بعد فوات الأوان حيث كان جوان قد فارق الحياة؟ مما ترك شكوكاً وتساؤلات في الشارع حول أسباب وفاته.وكالعادة قامت الشرطة بحملة اعتقالات عشوائية للعشرات من الشبان السريان والأكراد.جدير بالذكر أن الشاب الكردي الذي افتعل المشكلة(ج.ن) وتسبب بموت زميله (جوان) توارى عن الأنظار لعدة أيام قبل أن يسلم نفسه للسلطات الأمنية.في اليوم التالي وإثناء تشييع جنازة المرحوم جوان قامت مجموعات كبيرة من الأكراد المحتجين الغاضبين باجتياح الحي الغربي ذات الغالبية المسيحية في المدينة وسادت حالة من الرعب والفزع بين الأهالي، نتيجة أعمال الشغب والتخريب التي قام بها المتظاهرون،مستخدمين الحجارة والهراوات،الحقوا اضرار مادية بليغة بالكثير من المنازل والمحال التجارية والسيارات، طالت كنيسة (مار دود)، وهذه تعد سابقة خطيرة في الإساءة للمقدسات الدينية لم تشهدها سوريا من قبل.وقد نقل عن شهود عيان أن قوات الشرطة وحفظ النظام في البداية تساهلت كثيراً مع المتظاهرين الأكراد الى أن تصاعدت وتيرة التخريب وشيوع أخبار عن استنفار جميع المسيحيين في المدينة واستعدادهم للتصدي للغوغائيين من الشباب الكرد وطردهم من الأحياء المسيحية مهما كلفهم ذلك من ثمن.وبالفعل خرج مسيحيون،وإن بشكل محدود،وتصدوا للمتظاهرين بمؤازرة بعض الأخوة الأكراد ممن استهجنوا تلك المشاهد الغريبة عن مدينتهم وأدركوا خطورة الوضع  ومضاعفاته على السلم الأهلي،وهنا اضطرت الشرطة لاطلاق العيارات النارية في الهواء واستخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.
ما وراء الحدث:أن تتطور مشاجرة عادية بين شبان متهورين من قوميتين أو من ديانتين مختلفتين وبطريقة دراماتيكية خطيرة الى فتنة أهلية أمر بالغ الخطورة ويثير الكثير من التساؤلات يستدعي التوقف عندها والبحث عن أسباب ما آلت اليه الأوضاع في مدينة المالكية. ما من شك،بأن مقتل الشاب جوان هو جريمة نكراء ومدانة أياً تكن الجهة الفاعلة.لكن بالمقابل ردة فعل الشارع الكردي على هذه الجريمة وبالطريقة السلبية التي تمت هي الأخرى مرفوضة ومدانة وغير مبررة تحت أي مسمى وهي أساءت للحق الكردي أكثر مما أفادت.تجدر الإشارة هنا الى أن في العقدين الأخيرين قتل عدة أشخاص آشوريون (سريان)مسيحيون على ايدي اكراد على أرضية خلافات فردية،أذكر منهم (فيليب شارلمان وسوسو في القامشلي،جورج في الحسكة، غزال في الدرباسية)وأكاد أجزم بان جميع الضحايا غدر بهم ولم يكونوا معتدين، مع هذا لم نر أي ردة فعل مسيحية مخلة بالسلم الأهلي ولم يصدر عن الآشوريين ما يسيء للعلاقة الكردية الآشورية، وتم التعاطي معها على انها جرائم فردية تحصل ضمن الشريحة الواحدة وأحياناً ضمن الأسرة الواحدة وتركت للقضاء على عيوبه وفساده. السؤال الذي يطرح نفسه في سياق أحداث المالكية: هل ما جرى هو محض هبة عفوية غاضبة من الشارع الكردي ، أم أن هناك من خطط وأثار هذا الشارع؟. معظم الآراء التي سمعناها ترجح الاحتمال الأول والبعض من النخب الكردية قال: للأسف شارعنا يتسم بالتطرف وهو الذي يقود أحزابنا.أنا شخصياً أميل الى هذا الاحتمال. وهذا يزيد من الأمر تعقيداً، لأن عدم قدرة الحركة الكردية على التحكم وضبط الشارع الكردي،أو ان تنقاد خلف الاتجاهات الكردية المتطرفة، يترك الباب مفتوحاً لمزيد من التعصب والغلو القومي الكردي، كما يترك شكوكاً بقدرة الحركة الكردية الانخراط الجاد في أي مشروع وطني للتغير الديمقراطي.أما إذا كان حقاً يقف خلف ما حصل وما أقدم عليه الشبان الأكراد من أعمال شغب وتخريب بعض الجهات أو التنظيمات الكردية،كما تعتقد بعض الأوساط الآشورية والعربية، فالأمر يبدو أكثر تعقيداً وخطورة. وما يزيد من خطورة الوضع وتعقيده، سيل من الخطابات التضليلية والمقالات التجييشية والتحريضية،من هنا وهناك، التي ظهرت على صفحات الانترنيت، وبالغت كثيراً في تصوير الحدث واخرجته عن سياقه وحجمه الطبيعي، الى درجة قامت بعض مواقع الانترنيت الكردية بتركيب صورة، لا صلة لها بالواقع، لشخص مصاب وبمنظر مقزز على أنه الشخص الذي قتل على أيدي الآشوريين.وفي السياق ذاته أصدرت إحدى المنظمات الكردية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD ) بياناً جاء فيه: ((تعرب المنظمة عن قلقها البالغ من تطورات الأحداث في مدينة ديرك بعد مقتل الشاب الكردي جوان أحمد طعناً بالسكين وجرح أثنين آخرين ...على يد مجموعة من السريان يقدر عددهم بحوالي مائة شخص وتمثيلهم بجثته بطريقة أقل ما يقال عنها بأنها بشعة وبشعة جداً.((..إذا كان هذا هو خطاب ونهج المنظمات الحقوقية الكردية في تعاطيها مع الأزمات الحساسة والخطيرة، فكيف سيتصرف الأميون والجهلة والمتعصبون والغوغائيون في الأوساط الكردية؟. هل هذه اللغة والمفردات يخدمان دعوات التهدئة وضبط النفس التي أطلقتها المنظمة الحقوقية ذاتها؟.وبالمقابل  صدرت مقالات وكتابات وبيانات آشورية سريانية ومسيحية صورت جريمة مقتل الشاب جوان على أنها مفخرة أو بطولة مسيحية و انتصار سرياني آشوري تاريخي على الأكراد والمسلمين، في الوقت الذي رفض جميع الموقوفين الآشوريين تهمة قتل جوان بالرغم من قسوة وبشاعة التعذيب الذي تعرضوا له إثناء التحقيق معهم في قسم الشرطة بالمالكية.وقد نم تحويل ثمانية عشرة منهم الى قاضي التحقيق العسكري بحلب(محكمة الجنايات) وواحد الى سجن تدمر العسكري. بالطبع هذه الكتابات والبيانات السريانية الآشورية آلمتنا كثيراً وخدشت مشاعرنا الإنسانية والوطنية، وهي من دون شك، مرفوضة جملة وتفصيلاً.أنها لا تختلف عن الخطابات الكردية المتطرفة،جميعها تسيء لعلاقات ومفاهيم العيش المشترك.حتى هناك من يروج من الآشوريين بأن ما حدث في المالكية يأتي ضمن خطة أو مشروع كردي لتهجير الآشوريين السريان من الجزيرة السورية وكأن الأكراد هم الذي يحكمون الجزيرة و سوريا.عجباً ماذا كان سيقول هؤلاء الآشوريين المعتوهين فكرياً لو أن القتيل كان آشورياً سريانياً؟.إذا كان من مشروع للجزيرة السورية فهو مشروع الشيوفينين العرب بسعيهم لطرد الآشوريين والأكراد وكل من هو غير عربي خارج سوريا تحقيقاً للأفكار العنصرية للبعث الحاكم(يجلى عن الوطن العربي كل من لا يؤمن بالعروبة ويرفض وحدة العرب).في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي تمر بها سوريا والمنطقة تتضاعف مسؤولية القوى والمرجعيات الوطنية،الآشورية والكردية والعربية،في تحصين مجتمعاتها من خطر ما يروج من شائعات وما تبثه الأقلام المأجورة والمشبوهة التي تصدر بأسماء كردية حيناً وآشورية حيناً آخر و عربية بعض الأحيان،فهي ذات أهداف مغرضة للإيقاع بين الأكراد والآشوريين والعرب وإحداث شرخ في العلاقة الوطنية بين القوميات الثلاث،خاصة بين الحركة الكردية والحركة الآشورية بعد التقارب الذي تحقق بينهما في السنوات الأخيرة.
سليمان يوسف.... كاتب وناشط سوري آشوري.... القامشلي
shosin@scs-net.org

114
                                             
   1500000+1 شهيد أرمني 
                                       (أوربا تطالب تركيا للاعتراف بابادة الآشوريين)   


وأنا أتابع عبر الفضائيات جنازة الصحفي التركي الأرمني الأصل الشهيد (هرانت دينك)، رئيس تحرير صحيفة (اغوس) الذي اغتيل نهاراً جهاراً أمام مكاتب الصحيفة في اسطنبول على يد فتى تركي مسلم يدعى(ساماسات اغون) في التاسع عشر من كانون الثاني الماضي، لفت نظري في ذاك المشهد الرسمي والشعبي الحاشد الحزين، في واحدة من أكبر الجنازات تشهدها اسطنبول، منظر سيدة عجوز وهي تودع الشهيد من على شرفة منزلها المطل على الشارع الذي فيه سار الموكب، حاملة يافطة كتب عليها  1500000+1 في إشارة واضحة الى عمليات التطهير العرقي(الجينوسايد) بحق الأرمن وباقي مسيحيي السلطنة العثمانية في  ربيع وصيف 1915، التي وقع ضحيتها مليون ونصف مليون شهيد أرمني وقد زادوا شهيداً باغتيال الصحفي هرانت دينك.ويبدو أن السيدة العجوز أرمنية من ضحايا التهجير الجماعي القسري الذي أعقب تلك المذابح.وعبر هذه اليافطة أريد القول للحشد الكبير وللعالم: بأن اغتيال دينيك هو استمرار لتلك الأعمال البربرية ضد كل من هو غير مسلم في تركيا،وأن الجهة التي قررت واغتالت دينيك تحمل ذات الثقافة العثمانية الإسلامية والنزعة القومية العنصرية التي عرف بها قادة الاتحاد والترقي الذين وجدوا في الحرب العالمية الأولى فرصتهم للتخلص من الشعوب المسيحية - (الأعشاب الضارة) بحسب وصفهم لها- الواقعة تحت حكمهم. ولأجل هذا أعلنوا في 24 نيسان 1915 الجهاد الإسلامي على المسيحيين ونظموا بعض العشائر الكردية ضمن ما عرف بـ(الكتائب الحميدية) الى جانب فرق من الجيش التركي النظامي وقاموا معاً بتنفيذ (الإبادة الجماعية). سعت الدولة التركية لمحو تلك المذابح من ذاكرة التاريخ بالرغم من وجود مئات الوثائق وشهادات أحياء نجوا من المذابح ،ووجود تحقيقات وبحوث لمؤرخين وباحثين أجانب مستقلين تؤكد وقوع المذبحة،منها مذكرات المؤرخ البريطاني المعروف(ارنولد توينبي) الذي يقول فيها:((لم يكن المخطط يهدف إلا الى إبادة السكان المسيحيين الذين يعيشون داخل الحدود العثمانية)). ويعتبر السفير الألماني في تركيا آنذاك من أهم الشهود على تلك المذابح الفظيعة،وقد كتب في تقرير له الى وزارة خارجيته عام 1916: (( إن ما جرى هو عملية إبادة بحق الشعب الأرمني ومسيحيي السلطنة عامة)).
في العقود الأخيرة كثف الأرمن من حملتهم الدبلوماسية والإعلامية العالمية،مستفيدين من المناخات الإقليمية والدولية الجديدة، لحمل تركيا على الاعتراف بمسؤوليتها التاريخية،الأخلاقية والقانونية، عن (الجينوسايد الأرمني)،وتحمل ما يترتب على ذلك من حقوق وتعويضات مادية وسياسية وربما جغرافية.وقد نجح الأرمن حتى الآن في اقناع العديد من الدول الأوربية بإصدار قانون يعترف بالابادة ويعاقب كل من يتنكر لها من مواطنيها،منها: اليونان سويسرا إنكلترا ودولة الفاتيكان ومؤخراً فرنسا.بهذا الانجاز السياسي الكبير تجاوزت قضية مذابح الأرمن مرحلة الإثبات والتحقق من وقوعها ودخلت مرحلة حمل تركيا وإرغامها على الاعتراف بها.القادة الأتراك باتوا يدركون مضاعفات هذا التحول في موقف المجتمع الدولي من القضية الأرمنية، وفي مسعى منهم لتخفيف من الضغوط الدولية على بلدهم بدأت الحكومات التركية بالتقرب من اسرائيل وتقيم معها علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية متميزة بغية دفعها لحث الإدارة الأمريكية،على عدم السير على خطى الدول الأوربية وإبعاد تركيا عن شبح اعتراف المجتمع الدولي بـ(الجينوسايد الأرمني المسيحي).في حين يرى الكثير من المحللين والمراقبين المتابعين لهذه القضية أنه لم يعد أمام تركيا، إذا كانت جادة في الانضمام الى الاتحاد أو الفردوس الأوربي وإقامة علاقات طبيعية مع جارتها أرمينيا،سوى خيار الجلوس على (كرسي الاعتراف) أمام العالم الحر ومواجهة ماضيها الدموي وتتصالح مع التاريخ ومع نفسها.
بلا ريب، أن الموقف الأوربي من (المسالة الأرمنية) ينطلق من الحقائق التاريخية التي تؤكد وقوع(المذبحة الكبرى) وبالتالي من بعدها الإنساني والقانوني،لكن يبدو أن القضية باتت بالنسبة للكثير من الأوربيين سياسية أكثر مما هي تاريخية إنسانية،تتعلق بالدرجة الأولى بتردد الكثير من الدول الأوربية في قبول انضمام تركيا الى الاتحاد الأوربي ولهذا التردد ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.هذا الموقف الأوربي دفع العديد من المثقفين والسياسيين الأرمن –أبرزهم الصحفي الشهيد (هرانت دينك)- الى التشكيك بجدية الأوربيين في تعاطيهم مع المسالة الأرمنية وعبروا عن خشيتهم من أن توظف (المأساة الأرمنية) سياسياً في وجه تركيا الإسلامية فقط لعرقلة دخولها الاتحاد الأوربي.بغض النظر عن الأهداف الاستراتيجية أو السياسية للدول الأوربية، التي وضعت اعتراف تركيا بالمذابح واحترامها للديمقراطية وحقوق الأقليات شرطاً لقبولها في (الاتحاد الأوربي)، بدأ هذا الموقف الأوربي يأخذ مفعوله على صعيد تليين تركيا موقفها من المذابح.إذ اضطر البرلمان التركي بتاريخ 13-4-2005 لعقد جلسة خاصة لمناقشة موضوع المجازر وتوجيه كتاب رسمي موجه الى الكونغرس الأمريكي الذي كان يستعد لعقد جلسة خاصة لمناقشة الموضوع ذاته، كذلك الى برلمانات الدول الأوربية التي صادقت على قانون يجرم انكار تعرض الأرمن لمذبحة على يد الأتراك، يتضمن الكتاب وجهة النظر التركية في هذه القضية، وتأكيدات تركيا على فتح الأرشيف العثماني بالكامل أمام جميع الباحثين والمؤرخين للتأكد من صحة وقوع المذبحة.لا شك،يعد هذا تحول مهم في موقف تركيا من قضية المذبحة،فهي لم تعد ترفض قطعياً حصول المذبحة متجاوزة بذلك الكثير من التحفظات السابقة عليها.كما أنها اليوم تعترف بموت مئات الألوف من الأرمن، وإن هي تقول: أنهم ماتوا ليس بسبب المجازر وإنما بسبب الجوع والفقر والأمراض اثناء التهجير القسري للأرمن الى خارج حدود السلطنة ومنهم من قتل لأنه تمرد وقاتل الى جانب القوات الروسية خلال الحرب.والتطور الأهم في الموقف التركي، هو مبادرة الحكومة التركية نفسها لفتح نقاش علني حر داخل تركيا حول مسألة المذابح،فقد أوعزت الى الجامعة الرسمية في اسطنبول في آذار 2006 لعقد مؤتمر عالمي لهذه الغاية.بعد تلك النقاشات تشجع العديد من الأكادميين والباحثين الأتراك لمطالبة حكومة دولتهم للاعتراف بالابادة، منهم الروائي(اروخان باموق) والمؤرخ ( خليل بركتاي) الذي وصف أحداث 1915 بالتطهير العرقي، وقال: ((كان يوجد منظمات سرية حكومية تركية، لتنفيذ سياسية التطهير العرقي المقررة، من قبل، أنور وطلعت وجمال، قادة الاتحاد والترقي)). تصريحات( بركتاي)هذه، كانت قد أثارت ردود فعل واسعة وسجالاً حامياً في مختلف الأوساط التركية في شأن مسؤولية تركيا عن مذابح الأرمن، مما دفع برئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) بتوجيه دعوة الى تشكيل لجنة من باحثين تاريخيين لتقصي الحقائق حول المذابح.ما كان لأردوغان أن يقدم على هذه الخطوة ما لم يقتنع هو ومعه الكثيرين من قادة تركيا، بأن حلمهم بالانضمام الى (الاتحاد الأوربي) لن يتحقق من دون (ثمن سياسي) معين يترتب على الدول التركية دفعه،خاصة فيما يتعلق بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان وتعتذر للشعب الأرمني ولاحقاً لباقي الشعوب التي طالتها المذابح.إذ تؤكد الكثير من الوثائق والمصادر أنه قتل الى جانب الأرمن نحو نصف مليون آشوري(سريان/كلدان) وهجر بشكل قسري عشرات الآلاف منهم من مناطقهم التاريخية التي ضمتها تركيا وهي أجزاء كبيرة من بلاد ما بين النهرين،كذلك قتل في تلك المذابح عشرات الآلاف من الروم (اليونان). هذه الحقائق موثقة في كتاب (قتل أمة) لهنري مورغنطاو، السفير الأمريكي في تركيا بين عامي 1913-1916،جاء فيه: (( لم يكن الأرمن الشعب الوحيد بين الامم التابعة لتركيا عانت من نتائج سياسة جعل تركيا للأتراك حصراً، فهناك اليونان والآشوريين/السريان..)).جدير بالذكر أن السلطات التركية كانت قد أوقفت عام 2001 الكاهن السرياني(يوسف ابولت) في مدينة (ديار بكر) على خلفية تصريح له للصحافة التركية قال فيه: أن مذابح  1915لم تكن بحق الأرمن فحسب وإنما طالت الشعب الآشوري (السرياني) ايضاً.بعد الاهتمام الدولي الذي حظيت به قضية المجازر الأرمنية بدأ شيء من التفاؤل يسود الأوساط الآشورية(السريانية),فهم يتأملون بأن تحظى قضيتهم- نصيبهم من المذابح- بمزيد من الاهتمام الأوربي بعد أن شقت طريقها في السنوات الأخيرة، الى بعض البرلمانات الأوربية، حيث نُقشت في أكثر من جلسة من قبل برلمان دولة (السويد).ولأول مرة تضمن تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوربي الصادر في 4 أيلول 2006، دعوة للسلطات التركية للاعتراف بالابادة الجماعية للأرمن والآشوريين واليونان في تركيا.تم تهيئة التقرير من قبل العضو الدانمركي في البرلمان، دانييل اورلينغس.وقد عقد البرلمان الأوربي في 26آذار الماضي في بلجيكا جلسة استماع جديدة وخاصة حول مذابح الآشوريين(سريان/كلدان) في تركيا. 
أخيراً: لقد أحييت الكنيسة الأرمنية في القامشلي، هذا العام كما في كل عام، ذكرى شهداء الأرمن ذلك باقامة ندوة عن المذابح ثم بتنظيم في 23 نيسان ليلاً مسيرة على اضواء الشموع وايقاع معزوفة الشهيد، في حين أن الكنيسة السريانية وكما يتضح من التصريحات المتكررة للقائمين عليها،قد تخلت عن دم شهداء السريان وداست عليه على أبواب السفارات التركية، لا بل تنكرت لدماء مئات الآلاف من السريان.فبعد الفضائح والخطايا السياسية المتكررة للبطريرك زكا فيما يخص الهوية القومية للسريان وانتمائهم ، أقدم مؤخراً(حزائيل صومي)-ابن القامشلي- مطران السريان الأرثوذكس في بلجيكا، على ما هو أبشع واقترف خطيئة تاريخية كبيرة بحق الشعب السرياني(الآشوري) لن يغفرها له التاريخ ولا سيده المسيح مهما صلى له وسجد،ذلك بذهابه الى السفارة التركية في بلجيكا ليدافع عن تركيا ونافياً أن يكون لها أية علاقة بالمجازر التي تعرض لها السريان عام 1915.من يتنكر لدماء الشهداء لا يمكن له أن يكون مسيحياً مؤمناً ويؤمن بـ(المسيح)، الشهيد الأول في المسيحية.
سليمان يوسف... سوري آشوري... مهتم بحقوق الاقليات.
shosin@scs-net.org
 

115
                               
   في سوريا: انتخابات أم مآتم سياسية ؟
منذ خمسينات القرن الماضي شهدت سوريا انتخابات برلمانية حرة وديمقراطية، وأقام شعبها نظاماً جمهورياً متقدماً على الكثير من أنظمة دول المنطقة. كان يمكن لتلك التجربة الديمقراطية أن تنمو و تتطور لتجعل من سوريا نموذجاً ديمقراطيا ليبرالياً في الشرق العربي الإسلامي لو لا أن القومين العرب فرطوا بها لأجل شعارات قومية طوباوية وأعلنوا الوحدة مع مصر عام 1958.ومن ثم بعد الانفصال أطلق حزب البعث العربي الاشتراكي طلقة الرحمة على تلك التجربة الديمقراطية بانقلابه على السلطة في آذار 1963 وفرض نفسه ومازال قائداً للدولة والمجتمع باسم الشرعية الثورية، قاطعاً بذلك الطريق أمام أية محاولات وفرص اقامة انتخابات حرة جديدة تفضي الى التداول الديمقراطي للسلطة في سوريا.فمنذ وصول حزب البعث الى السلطة بقيت الحياة السياسية والحزبية في سوريا وكل محاولات الإصلاح التي تسعى اليها من حين لآخر بعض المجموعات والقوى من داخل النظام،حتى الأفكار والمبادئ الإصلاحية التي طرحها الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم تموز 2000،بقيت اسيرة عقدة تمسك البعث بالسلطة واستمرار النظام القائم.خاصة في موضوع الانتخابات، التشريعية والرئاسية، التي  هي إحدى أهم آليات العمل الديمقراطي الحقيقي لتدول السلطة، والشكل الحضاري للممارسة السياسية الصحيحة التي تتيح للشعب حق المشاركة عبر من ينتخبهم نواباً عنه في تقرير مصيره و رسم سياسية الدولة واتخاذ القرارات،كذلك حق مساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية(الحكومة).لهذا نرى في الدول الديمقراطية تترقب الشعوب الحرة موعد الاستحقاق الانتخابي وتتحضر له باعتباره يشكل منعطفاً تاريخياً كبيراً في حياتها السياسية، في حين في الدول اللاديمقراطية  تأتي الانتخابات وتمر من غير أن يهتم أو يكترث الشعب بها.
في سوريا،حيث ستنطلق في الثاني والعشرين من نيسان الحالي انتخابات الدور التشريعي التاسع وهي الثانية في الولاية الأولى للرئيس بشار الأسد،بسبب طبيعة النظام السياسي القائم والقانون الانتخابي الذي يتناقض مع ابسط شروط ومبادئ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، بقيت الانتخابات التشريعية منذ الدور الأول لها 1973 شكلية ومن غير أن تحدث أي تغيير أو تأثير على الحياة السياسية في البلاد .فهي ليست أكثر من طقوس وشعائر حزبية بعثية تفرض على الشعب السوري كل أربع سنوات.وبتعبير آخر هي (مآتم سياسية)،إذا جاز التعبير، تنعى فيها الحقوق الديمقراطية والحريات السياسية للشعب السوري.على ضوء هذه الحالة السورية  أرى من الخطأ الحديث عن وجود انتخابات تشريعية في سوريا.وكيف يمكن الحديث عن انتخابات واسماء غالبية المرشحين الفائزين تحدد وتظهر مسبقاً قبل أن تبدأ عملية الاقتراع، ذلك من خلال فرض فوز قوائم مرشحي الجبهة الوطنية التي تضم الأحزاب الموالية لحزب البعث الحاكم. فوفق القوائم النهائية التي اعلنت رسمياً في سوريا لمرشحي الجبهة الوطنية-جبهة البعث- لانتخابات القادمة، خُصص للجبهة  167،منها 134 مقعداً للبعث، في حين تركت المقاعد المتبقية  83 من اصل 250 مقعداً هي إجمالي مقاعد المجلس. فضلاً عن أن البعث والأجهزة الأمنية تتدخل بشكل أو بآخر بفوز المستقلين- وهم بغالبيتهم من رجال الأعمال والتجار وابناء العائلات الاقطاعية  مقربين من الحكم وممن لهم القدرة على ضخ الأموال لشراء الأصوات وتحمل نفقات الحملة الانتخابية، وجميعهم يخوضون حملتهم الانتخابية من غير برامج وبيانات سياسية، لقناعتهم بعدم جدوى البرامج الانتخابية من حيث تاثيرها على الناخب ومن حيث قدرة المرشح على تحقيق الحد الأدنى من ما قد يطرحه فيما لو وصل الى مجلس الشعب- وهذا  يعني عملياً وصول معظم المرشحين إلى مجلس الشعب بطريقة التعيين وليس الاقتراع.بلا ريب،أن النائب المعين من قبل الحاكم من غير المتوقع لا بل لا يمكن له  أن يقوم  بالدور المنتظر منه وهو الدفاع عن حقوق وقضايا الشعب وإنما سيدافع عن مصالح والجهة التي أوصلته الى مجلس الشعب.مما جعل مجلس الشعب السوري، وهو أعلى سلطة تشريعية في البلاد، مؤسسة شكلية معطلة وتحولت قاعة البرلمان الى منبر مغلق لخطاب بعثي سلطوي بدلاً من أن يكون منبراً مفتوحاً لطرح ومناقشة القضايا المعيشية والسياسية للشعب.
 تحت سقف الأحكام العرفية وفي ظل قانون الطوارئ وبغياب قانون عصري يرخص وجود الأحزاب ويشرعن عمل المعارضة ونشاط المنظمات الأهلية ولجان حقوق الإنسان والمجتمع المدني وفعاليات مختلف ألوان الطيف القومي في البلاد ،كذلك من غير أن يحقق مبدأ فصل السلطات وتحييد القضاء، يستحيل أن تجرى في سوريا انتخابات ديمقراطية حرة.فبدون هذه القوانين والاجراءات ستستمر الأجهزة الأمنية في التضييق على المعارضة والعسف بها وملاحقة ناشطي الحراك الديمقراطي واعتقالهم، وحتى يبقيهم من غير حصانة إذا ما فازوا في الانتخابات.كما حصل مع النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي عام 2001،فسرعان ما رفعت عنهما الحصانة بعد مطالبتهما مجلس الشعب بفتح ملفات الفساد لبعض المتنفذين في الدولة، وزج بهما في السجن مع نشطاء آخرين برزوا في مرحلة باتت تعرف بربيع دمشق الديمقراطي. في ظل هكذا مناخات سياسية وأمنية وغياب لجان مراقبة وطنية أو دولية محايدة لسير العملية الانتخابية، لم يكن قرار قوى المعارضة السورية المحظورة،العربية والكردية، بمقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة مفاجئاً،وإن كانت بعض أطرافها كانت تفضل خوض الانتخابات لتختبر قدراتها على تحريك الرأي العالم السوري باتجاه مطالبه وحقوقه الديمقراطية المصادرة من قبل النظام وإحراج النظام بلفت أنظار العالم الى ممارساته اللاديمقراطية وأساليبه القمعية لمعارضيه.وربما من جملة ما أرادته المعارضة من قرارها النهائي بالمقاطعة، الى جانب تسجيل موقف الرفض لهكذا انتخابات غير عادلة وغير متكافئة، اخفاء مستوى ضعفها وعدم قدرتها على التحدي واختراق قوائم جبهة البعث الحاكم ولو في بعض الدوائر الانتخابية. ونحن نتحدث عن لا ديمقراطية النظام،تتطلب الموضوعية والواقعية السياسية منا أن لا نقفز على حقائق وظواهر مرضية أخرى ذات تأثير سلبي على الحياة السياسية والديمقراطية في سوريا لا علاقة مباشرة للنظام بها.من هذه الحقائق، افتقار المجتمع السوري إلى الثقافة والتقاليد الديمقراطية الصحيحة والسليمة.فإذا كانت السلطة لا تختار مرشحيها على اساس الكفاءة ونظافة الكف، وإنما من هم أكثر ولاءً وطاعة لها، بالمقابل الذي يتحكم في توجيه الصوت الانتخابي للمواطن السوري بالدرجة الأولى هو الانتماء القبلي والطائفي والمذهبي والعرقي وليست المؤهلات السياسية والمعرفية والنضالية للمرشح ومدى التزامه بالدفاع عن القضايا المعيشية والحياتية للطبقات الفقيرة. يبدو أن الانتخابات الحرة والديمقراطية في سوريا لم يحن أوانها بعد.إذ لا النظام قادر على ممارستها ولا هو راغب بها أصلاً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، من جهة، ولا المعارضة، لأسباب ذاتية وموضوعية،هي قادرة على انتزاع حقوقها الديمقراطية  وإجبار النظام على تنظيم انتخابات،تشريعية ورئاسية، ديمقراطية حرة ونزيهة، من جهة أخرى.

  سليمان يوسف .... سوري آشوري...القامشلي
shosin@scs-net.org
 
للاضطلاع على مزيد من مقالات الكاتب زوروا موقعه الفرع في موقع  الحوار المتمدن:
http://www.rezgar.com/m.asp?i=292

116
آشوريو سوريا يقاطعون الانتخابات 
GMT 22:45:00 2007 الجمعة 13 أبريل
 بهية مارديني
 
 

--------------------------------------------------------------------------------
 

بهية مارديني من دمشق: أبدى الشارع الآشوري، كجزء من الشارع السوري عامة، عدم اهتمام بالانتخابات التشريعية بالرغم من ترشح بعض الآشوريين والمسيحيين "المقربين من السلطة" بحسب ناشطين. وفي حين لم يبق سوى ايام على بدء عملية الاقتراع في سوريا لانتخاب أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 250 عضواً  للدور التشريعي التاسع، قال الكاتب والناشط الآشوري سليمان يوسف انه يبدو الشارع الآشوري متجاوزاً وأكثر نضجاً بموقفه السياسي من موقف التنظيمات الآشورية الهزيلة   التي قررت خوض معركة انتخابات خاسرة وصرف أموال  طائلة من غير جدوى استجابة لجهات أمنية سلطوية .

واوضح يوسف ان "عدم اكثراث الآشوريين والمسيحيين السوريين بهذا الاستحقاق الانتخابي له أسبابه السياسية والمنطقية". وتساءل كيف يمكن للمواطن السوري أن" يتحمس لانتخابات وقد ظهرت نتائجها مسبقاً وقبل أن تجرى عملية الاقتراع،من خلال صدور قوائم جبهة البعث الحاكم والفائزة حتماً والحديث عن قوائم ظل  تلحق بقائمة الجبهة". وقال "لهذا من الخطأ الحديث عن وجود انتخابات في سوريا في ظل انعدام المناخ الديمقراطي والتي تجري بموجب نظام انتخابات قاصر يتناقض مع ابسط شروط ومبادئ الديمقراطية وحرية الانتخاب فضلاً عن عدم وجود قانون ينظم ويرخص عمل الأحزاب مما يجعل ناشطيها عرضاً للاعتقال والاستجواب الدائم.لهذا فالانتخابات السورية ليست أكثر من طقوس وشعائر بعثية سلطوية تفرض على الشعب السوري كل أربع سنوات. وهي اشبه بمآتم تنعى فيها الحقوق الديمقراطية للشعب السوري... حتى القلة من المواطنين الذين يقترعون إنما يذهبون بدافع الالتزام العشائري أو العائلي أو الطائفي مع المرشح ليس إلا..."

وراى يوسف انه "تسود الشارع الآشوري مشاعر الغبن والاستياء بسبب التهميش السياسي للآشوريين ومصادرة حزب البعث الحاكم حقهم الديمقراطي والقومي في انتخاب ممثليهم الى مجلس الشعب.فكما هو معروف يقوم البعث   بتعيين بعض الآشوريين البعثيين المستعربين الموالين للنظام".  واشار الى انه "تم في الدورات الانتخابية السابقة قامت عناصر المخابرات والبعث الحاكم بطرد الكثير من مندوبي المرشحين الآشوريين المستقلين من مراكز الاقتراع خاصة من   تلك الموجودة في الريف العربي في محافظة الحسكة، ذلك من أجل أن تتدخل هذه العناصر بعملية الاقتراع وفرز الأصوات..".

وقال "يبقى السبب الأساسي والأهم الذي يجعل الناخب الآشوري والسوري عامة غير معني بالانتخابات: هو غياب أي دور أو وظيفة فعلية لمجلس الشعب في محاسبة أو مساءلة الحكومة واصدار التشريعات المطلوبة ذلك بسبب طبيعة النظام السياسي القائم في سوريا واحتكاره لكل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، واعتبر ان مجلس الشعب وهو أعلى سلطة تشريعية في البلاد تحول الى مؤسسة صورية معطلة ، خاصة مع استمرار فرض حالة الطوارئ وتعطيل الدستور".   

و خلص يوسف الى "ان مدينة المالكية، أقصى الشمال الشرقي الجزيرة السورية، ما زالت قوات حفظ النظام والجيش  منتشرة بكثافة وبشكل لا فت في شوارع المدينة وقال ان سلطات الأمن تستمر باعتقال المزيد من الشبان الآشوريين السريان،تجاوز العدد مائة شاب، الكثير منهم من الأحداث، وتتبع مختلف وسائل التعذيب الجسدي والنفسي   إثناء التحقيق معهم، ذلك على خلفية مقتل شاب كردي وجرح آخرين في مشاجرة لهم مع شبان آشوريين وقعت في المدينة في الثاني من نيسان الحالي" .
 
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2007/4/226115.htm

117
       
  سوريا وصدام الهويات
     
انتهت حقبة الأحلام والطموحات العربية الكبرى من غير أن يتحقق شيئاً منها.واجتاحت مشاعر الإحباط واليأس الشوارع والمجتمعات العربية شرقاً وغرباً. كما زادت الشكوك بالمستقبل العربي مع انسداد أفق الخروج من الأزمات التي تعصف بهذه المجتمعات وطالت كل بناها، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى الروحية.وبقي الفكر العربي المأزوم يخوض معارك قديمة- قومية وآيديولوجية- حسمت منذ زمن وتجاوزها العصر،كما أنه يخوض معاركه الجديدة بذات العقلية والوسائل التقليدية التي كانت سبباً أساسياً لهزيمته.رافضاً الاعتراف بما فرضته التحولات والتغيرات العالمية من قيم وأفكار ومصالح كونية،وبما أبرزته أو طرحته من مشكلات وقضايا جديدة.وبقيت(سياسة النعامة) هي المفضلة والمعتمدة لدى الحكومات والأنظمة العربية التي اعتادت على تجاهل مشكلات وأزمات مجتمعاتها والتنكر لها مهما بلغت من التأزم والخطورة، وإذا ما تفاقمت وانفجرت حتى حُملت المسؤولية للخارج المتآمر.على ضوء هذه الوصفة العربية ليس غريباً أن يرفض القوميون العرب، موالاة ومعارضة، طرح مسألة الهوية الوطنية لسوريا كاشكالية قائمة ترتبط بتركيبة المجتمع السوري وتعدد ثقافاته.فقد وقعت مسألة(الهوية الوطنية)،مع قضايا أخرى مهمة، ضحية الآيديولوجيا والسياسات الخاطئة للقومين العرب الذين تعاطوا مع مسالة الانتماء الى العروبة على أنها قضية محسومة وبديهية لجميع شعوب المناطق التي دخلها العرب المسلمون ونشروا فيها لغتهم وثقافتهم،دون أن يعيروا أي اهتمام أو اعتبار للثقافات واللغات الأخرى التي كانت سائدة فيها منذ آلاف السنين.ففي سوريا بدلاً من أن يأخذ القوميون العرب بالهوية السورية كهوية أصيلة وموحدة جامعة لثقافات كل الأقوام والشعوب السورية،فرضوا هويتهم العربية وثقافتهم ولغتهم بقدر ما استطاعوا على الجميع. بسبب نظرة الاستعلاء القومي هذه، والتعاطي السلبي مع ظاهرة التنوع والتعدد الإثني والديني واللغوي والثقافي التي يتصف بها المجتمع السوري، انحرفت هذه الظاهرة التاريخية والصحية عن مسارها الطبيعي وأضحت التمايزات الثقافية والاجتماعية شروخاً وتصدعات وانقسامات عمودية في البناء السوري،حتى بات يخشى أن تتحول الى كيانات سياسية متصارعة داخل كيان الدولة السورية،كما هو حاصل اليوم في العراق ولينان.
تجدر الإشارة هنا الى أن دستور 1950كان يسمي سوريا بـ(الجمهورية السورية)،لكن بقيام الوحدة القسرية مع مصر وإعلان (الجمهورية العربية المتحدة) 1958ومن ثم الانفصال1961،سميت بالجمهورية العربية السورية،وقد تمسك حزب (البعث العربي الاشتراكي) بهذه التسمية.وبعد وصوله الى الحكم 1963 رفع الهوية العربية الى مرتبة القداسة حتى بدأت الهوية الوطنية لسوريا تتآكل شيئاً فشيئاً وتختفي رموز الاستقلال الوطني أمام طغيان الرموز القومية العربية والحزبية التي فرضها البعث من شعارات وعلم ونشيد قومي ودستور جديد للبلاد نصب فيه(البعث) نفسه قائداً للدولة والمجتمع، واختزل الوطن والوطنية في شخص الحاكم وتعظيمه الى درجة التأليه. فضلاً عن تعريب شامل لمختلف مناحي الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية والتعليمية، واجراء تغيير ديمغرافي في منطقة (الجزيرة السورية) حيث التجمعات الآشورية والكردية والأرمنية، من خلال توطين فيها آلاف العائلات العربية التي استقدمها من محافظات أخرى.لا جدال، على أن سوريا اليوم هي جزء من محيطها العربي والإسلامي، لكن اطلاق صفة (العروبة) على الدولة السورية واختزال هويتها وحضارتها بالعروبة والإسلام يشكل انتقاص من مكانة الحضارة السورية العريقة التي تمتد لأكثر من ست آلاف عام قبل الميلاد، فضلاً عن أن في هذا الوصف مغالطات تاريخية وتناقضات سياسية عديدة،إذ ليس كل السوريين عرب كما ليس كل العرب مسلمين.والأخطر في موضوع الهوية السورية هو ما يلقنه حزب البعث للأجيال السورية من ثقافة اجتماعية وتربوية عبر مناهج ومقررات، تدرس في مختلف المراحل الدراسية والجامعية في سوريا ضمن خطة ممنهجة ومدروسة الهدف منها غرز عقيدته القومية وآيديولوجيته الحزبية في عقول ونفوس الأجيال السورية القادمة وضبط عملية التنشئة الثقافية والسياسية والاجتماعية لهذه الأجيال وتوجيهها بحيث تضمن ديمومة واستمرار النظام البعثي القائم.ذات الشيء ينسحب على الإعلام السوري (المسموع والمرئي والمقروء)،الذي يسيطر عليه البعث.مثل هذا النظام التعليمي والتربوي والإعلامي المؤدلج  والمنحازة كلياً لفكر وآيديولوجية البعث و للتاريخ العربي الإسلامي يساهم،بشكل أو بآخر، في تصدع الهوية الوطنية لسوريا كما أنه المسؤول،بدرجة كبيرة، عن استنبات جذور التعصب القومي والإثني والديني والانحدار بالوعي الوطني والثقافة الوطنية للشعب السوري.فالعربي الذي يعطي لنفسه حق التطلع لدولة عربية واحدة تضم كل العرب،يبرر سعي الأكراد والآشوريين والبربر في أن يتطلعوا لوحدة أبناء جلدتهم وقوميتهم.وإلا ما تفسير أن يشعر العربي المسلم في سوريا بأن العربي والمسلم في جيبوتي وباكستان اقرب اليه من جاره الآشوري والأرمني، وبالمقابل الآشوري والمسيحي عامة في سوريا يتعاطف مع الآشوري و المسيحي أينما كان في حين تتسم علاقته مع جاره المسلم بالفتور والجفاء،وهكذا بالنسبة للكردي وغيره.وقد شاهدنا على مدرجات ملعب القامشلي لكرة القدم آذار 2004،جمهور عربي يحيي صدام حسين والفولجة المقاومة للاحتلال الأمريكي في العراق، يقابله جمهور كردي يحيي مسعود البرزاني وكردستان ابتهاجاً بسقوط  صدام وتعبيراً عن نزعة أو رغبة كردية بالاستقلال عن الحكم العربي.هذا النفور والرفض المتبادل بين أبناء الوطن الواحد من جهة يعكس مستوى الانحدار في العلاقات الوطنية، ومن جهة أخرى هو أحد تعبيرات أو تجليات أزمة الهوية الوطنية لسوريا التي تبدو بعد ستة عقود مضت على الاستقلال، في تصادم مع ذاتها وبمواجهة العديد من الهويات القومية والمشاريع السياسية والعقائد والآيديولوجيات الدينية والمذهبية،جميعها ترفض صراحة أو ضمناً القبول والاعتراف بالكيان السوري القائم كوطن دائم ونهائي. بعض هذه العقائد تسعى لدمج(الكيان السوري) في كيانات سياسية قومية أو دينية أكبر، وبعضها الآخر تفضل تقسيمه الى كيانات أصغر تحت عنوانين مختلفة.فالقوميون العرب: يطمحون الى دولة عربية واحدة تذوب فيها جميع الكيانات العربية بما فيها الكيان السوري. والإسلاميون (الإسلام السياسي): هدفهم الاستراتيجي،على الأقل بعض تياراته، جعل سوريا دولة اسلامية ووضعها تحت حكم الخلافة الإسلامية- ورد في الميثاق الوطني لجماعة الإخوان المسلمين السوريين الذي أعلنوه من لندن آب 2002 (انتماء قطرنا إلى إسلامه، هوية ومرجعية)- .أما القوميون السوريون:فمشروعهم هو إقامة (سوريا الكبرى)،تضم بلاد الشام وبلاد الرافدين وقبرص.بعد تطورات الحالة العراقية والحقوق القومية والسياسية التي حققها أكراد العراق، بدأت العديد من الأحزاب الكردية في سوريا تطرح صراحة كردستان سوريا وتجاهر بصيغة الفدرالية كحل للمسالة الكردية، فضلاً عن تطلع الكثير من القوميين الأكراد الى قيام دولة كردستان الكبرى.وفي السنوات الأخيرة ظهرت تنظيمات سريانية آشورية محدودة الانتشار، تتطلع  لكيان آشوري على أرض بلاد ما بين النهرين،الوطن التاريخي للآشوريين،تشكل الجزيرة السورية جزءاً أساسياً منه.كما هناك دعاة إحياء الهوية الآرامية القديمة لسورية ولبنان. بلا ريب،هذه الآيديولوجيات والعقائد تشكل، بنسب متفاوتة، خطراً كامناً أو مؤجلاً على مستقبل واستقرار الدولة السورية،وهي بمثابة قنابل موقوتة ما لم يتم نزع فتيلها.فإذا كانت مشكلة الهوية السورية قد أخذت في الماضي طابعاً صامتاً فهذا لا يعني أنها غير موجودة، وقد تأخذ طابعاً دراماتيكياً بعد أن خرجت من دائرة المحظورات وبرزت الى السطح في عالم مزعزع بالصراعات حول الهوية.وقد شهد المجتمع السوري في السنوات الماضية أحداث عنف عديدة لا يمكن فصلها عن هذه الصراعات.يبدو أن نظرية(صدام الثقافات)، لصموئيل هنتنغتون، تنسحب على الثقافات داخل الدول الواحدة.
 إن تحصين الوحدة الوطنية واعادة التوازن للمجتمع السوري يتطلبان التعاطي الايجابي مع التعددية القومية والسياسية والثقافية واللغوية كظاهرة تاريخية وطنية، ومد الجسور المقطوعة بين ماضي سوريا وحاضرها من خلال اعادة كتابة تاريخها و صياغة هويتها الوطنية من جديد بعيداً عن العقائد السياسية والإيديولوجيات القومية والدينية، واعادة الاعتبار للحقب التي اسقطت من تاريخ سوريا، كالحقبة الفينيقية والكنعانية والآرامية والسريانية المسيحية،وصولاً الى صياغة هوية وطنية سورية موحدة جامعة، تعبر عن كل الطيف السوري، تكون فوق كل الهويات والخصوصيات المتحجرة،أو الهويات القاتلة،بحسب تعبير أمين معلوف. ليس من المبالغة القول: أن حل مسالة الهوية الوطنية لسوريا يشكل المدخل الصحيح والسليم لحل العديد من القضايا العالقة في المجتمع السوري، في مقدمتها مشكلة القوميات الغير عربية، وعليها يتوقف مستقبل الوحدة الوطنية والدولة المدنية والديمقراطية في سوريا.

سليمان يوسف... سوري آشوري
مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org

118
دعوة للحكمة والتعقل
                                      ( نداء وطني)
ما من شك، بأننا تألمنا وحزنا بعمق شديد لجريمة اغتيال المدرس الآشوري غازي يونان قبل اسابيع في المالكية على أيدي أسرة عربية مدعية ثأر قديم مع والده. وبالقدر ذاته تألمنا وحزنا  لما حدث في مدينة المالكية ذاتها مساء يوم الاثنين الماضي 2-24-2007،من جريمة قتل شاب كردي ( جوان محمد) وجرح آخرين على أيدي شبان(آشوريين) إثر مشاجرة عادية بينهم.من المؤكد أن هذه الجريمة والجريمة التي سبقتها ليس لهما أية  ذيول أو ابعاد أو أهداف تتجاوز حدود و اطار ومستوى الجرائم الفردية التي تحصل في مجتمعنا من حين لآخر بسبب بيئتنا الثقافية ومورثنا الاجتماعي الذي ما زال يحمل الكثير من بذور ومظاهر التخلف والعادات والتقاليد والقيم البدائية. وكثيراً ما وقعت جرائم مشابهة لها بين ابناء الشريحة أو القومية أو أتباع الديانة الواحدة،لا بل  أحياناً تحدث بين الأخوة وأبناء العائلة الواحدة وفي مختلف الأوساط، وهناك شواهد ووقائع قريبة وبعيدة  كثيرة حصلت لسنا بصددها الآن.كما أننا تألمنا و تأسفنا لما قام به في اليوم التالي بعض الشبان الأكراد الغاضبين والمحتجين على قتل  جوان محمد من تكسير لبعض واجهات المحال التجارية والسيارات ورشق العديد من المنازل بالحجارة طالت بعض الكنائس في مدينة المالكية،ونقدر عالياً تحلي شعبنا بأعلى درجات ضبط النفس حيث استطاع امتصاص ردة الفعل السلبية هذه رغم وطأتها القاسية عليه، قطعاً ليس خوفاً أو جباً وإنما منعاً للفتنة وحرص شعبنا الشديد على  عدم حصول مضاعفات خطيرة ليست في مصلحة أحد.وبفضل الجهود الخيرة وحكمة العقلاء من جميع الأطراف والقوميات والشرائح  الاجتماعية والقوى السياسية والمنظمات الأهلية في الجزيرة السورية وبتعاون السلطات المحلية في المدينة تم تطويق الأزمة واحتوائها، وقد عادت الحياة الطبيعية الى المدينة.
لكن يبدو هناك بعض الجهات لا ترغب بعودة الأمن والاستقرار الى الجزيرة السورية، أكثر مناطق سوريا معاناة وحرماناً وفقراً،ولا يطيب لها التآخي بين ابنائها، لهذا بدأت بتوظيف هذه الحوادث المؤسفة وتضخيمها لأهداف مغرضة،ذلك من خلال نشر عبر مواقع الانترنيت وبأسماء مستعارة ووهمية، خطاباً مسموماً وكلاماً مثيراً للغرائز ومؤججاً للمشاعر وبطريقة بدائية، وتوجيه الاتهامات شرقاً وغرباً الى هذا الطرف أو ذاك  بهدف خلط الأوراق وصب الزيت على النار. وما يؤسفنا جداً أن نقرأ مثل هذا الكلام المسموم على صفحات بعض مواقع الانترنيت التي يقوم عليها ويحررها آشوريين سريان ومسيحيين- من هذه الكتابات مقالاً  مذيل بتوقيع ، أهالي ديريك، بعنوان( أن أحداث المالكية هي مؤامرة 2007)،يتهم المقال أحزاباً كردية بهذه المؤامرة-  .أننا نؤكد لجميع هؤلاء وكذلك للقائمين على مواقع الانترنيت،ولأصحاب الأقلام المأجورة والمسمومة التي تدعي الدفاع عن حقوق ومصالح الآشوريين والمسيحيين السوريين، نؤكد كآشوريين أولاً ومسيحيين ثانياً ومن موقع الشعور بالمسؤولية الوطنية والغير والحرص على أمن واستقرار بلدانا سوريا وتالياً استقرار شعبنا الآشوري(سريان/كلدان)، بأن مثل هذا الخطاب البعيد عن الحقيقة والواقع و المنافي لنهجنا القومي والوطني، لا يخدم أحداً، وبالدرجة الأولى أنه لا يخدمنا نحن الآشوريون والمسيحيون عامة، أكثر فئات المجتمع السوري تضرراً من أية فتنة داخلية، باعتبارنا اضعف حلقات المجتمع من جهة، وأكثرها رفضاً ونبذاً للعنف كأسلوب وطريقة في مقاربة مشاكلنا وقضايانا، من جهة أخرى، هذه حقائق علينا أن نقر بها ولا نقفز فوقها ويجب أن لا تحجبها عنا مشاعرنا.
لهذا، ودرءاً لمخاطر الفتنة التي قد يريدها البعض ويخطط لها، ولأبعاد مجتمعنا عن مضاعفات مثل هذه الكتابات المسمومة و المهددة للسلم الأهلي،  نناشد الجميع بالعودة الى ضمائرهم والحكمة والتعقل  ونطلب من القائمين على مواقع الانترنيت من أبناء شعبنا الآشوري (سريان/كلدان) وكذلك من الأخوة الأكراد والعرب،داخل سوريا وخارجها، بعدم تحويل مواقعهم الى منابر للفتنة وإثارة الذعر في المجتمع  السوري والتوقف عن نشر أي كلام أو مقال يسيء لأي طرف أو قومية أو ديانة أو ينال من مكانة أي جهة حزبية أو سياسية أو قومية أو دينية ويشكك بولائها الوطني، كذلك كل كلام يتعارض ويتنافى مع مساعي المصالحة التي تحققت وكل لغة مثيرة للفتن والقلاقل والبلبلة بين الآشوريين السريان والمسيحيين من جهة والأشقاء الأكراد من جهة ثانية في مدينة المالكية الذين يؤلفون الى جانب الأشقاء العرب أسرة سورية واحدة. كما نهيب بالجميع ونطلب منهم حذف وإزالة كل الخطابات والكتابات والمقالات التي نشرت حتى الآن والموجودة على صفحات الانترنيت والتي تأتي في السياق التخريبي والتحريضي ذاته...كلنا أمل باستجابة الجميع لهذا النداء الوطني .

                                 نخبة من المثقفين والكتاب الآشوريين السوريين

 سوريا: 4-4- 2007

119
                     
سوريا في ذكرى انقلاب البعث   
             
 بلا ريب، أن انقلاب البعث العراقي على حكم عبد الكريم قاسم في الثامن من شباط 1963 مهد بعد شهر الطريق أمام مجموعة من الضباط البعثيين السوريين، من بينهم الرئيس الراحل حافظ الأسد، للانقلاب على حكم الانفصال في دمشق والاطاحة بالرئيس ناظم القدسي.وقد قدم الانقلابيون، في كل من بغداد ودمشق، حركتهم  على أنها ثورة جماهيرية شعبية فجرها حزب البعث وانتصار تاريخي للمشروع القومي العربي الوحدوي التحرري على الرجعية والتخلف والإقطاع.لكن لم تمض أشهر حتى بدأت تسوء العلاقة بين البلدين الجارين وسرعان ما تعمقت التناقضات السياسية والعقائدية والحزبية بين جناحي البعث بلغت مستوى التهديد بنشوب نزاع مسلح بين سوريا والعراق، واستمرت القطيعة الدبلوماسية بين البلدين حتى  قبيل الغزو الأمريكي للعراق وسقوط بغداد في التاسع من شهر نيسان 2003 وانهاء حكم البعث في العراق.
 كما هو حال جميع أنظمة الحزب الواحد،أقام البعث في سوريا حكماً شمولياً احتكر لنفسه السلطة والقرار ولم يوفر جهداً في قمع الآراء الخارجة عن الخط الرسمي للنظام واعتبار كل رأي معارض خروج عن الشرعية الثورية وتهديد للوحدة الوطنية وإضعاف الشعور القومي و النيل من هيبة الدولة وتوهين نفسية الأمة.حتى أضحت هذه النعوت اليوم تهم جاهزة يدان بها غالبية المعارضين والناشطين السياسيين من قبل المحاكم الاستثنائية التي تشكلت في سوريا بموجب قانون الطوارئ الذي فرضه البعث على البلاد منذ اليوم الأول لانقلابه على السلطة.حمل انقلاب التصحيح الذي قاده الرئيس الراحل حافظ الأسد في تشرين الثاني 1970، بعض التغيرات والإصلاحات على النظام السياسي وآليات الحكم في سوريا، ابرزها إحداث مجلس الشعب- أعلى سلطة تشريعية- وتأسيس الجبهة الوطنية التقدمية،ضمت غالبية الأحزاب الموجودة على الساحة السورية آنذاك، لكن من غير أن تُحدث هذه الهيئات والأطر السياسية المستحدثة أي تغير مهم على بنية النظام القائم وهي لم تفيد كثيراً الحياة السياسية في سوريا،لا بل أنها مكنت النظام من التمسك بالسلطة بشكل افضل وإحكام سيطرته على جميع مفاصل الدولة والمجتمع.وبحسب،الباحث والمحلل السياسي الفرنسي،باتريك سيل: ))كان حافظ الأسد ينظر الى الديمقراطية على أنها الفوضى التي قد تهدد وتفكك وحدة وتماسك كيان الدولة السورية من جهة،ويخشى من أن تتحول الديمقراطية الفعلية الى مصدر قلق وارباك لحكمه وتحد من طموحاته الإقليمية((.وبالفعل اتسمت السياسية السورية بالانغماس المتزايد في القضايا العربية والإقليمية في عهد الرئيس حافظ الأسد الذي كان يبحث لنفسه عن دور و نفوذ سياسي قوي أكبر من حجمها ووزن سوريا في ادارة أزمات المنطقة،مستفيداً من ظروف الحرب الباردة وتناقضات المجتمع الدولي،كان هذا الدور على حساب قضايا داخلية عديدة واساسية كقضية التنمية والديمقراطية.بعد انهيار الاتحاد السوفيتي،الحليف التقليدي للنظام السوري، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على العالم بدأت سوريا تدفع ثمن تلك السياسات الإقليمية الخاطئة،حيث هي تعاني منذ سنوات من عزلة إقليمية ودولية على خلفية العديد من الملفات الإقليمية الساخنة. في تموز 2000 دخلت سوريا عهداً سياسياً جديداً مع الرئيس الشاب بشار الأسد، الذي خلف والده في الحكم بطريقة هادئة ومن غير أن يحصل ما كان يتوقعه أو يخشاه البعض.فقد شكل خطاب القسم للرئيس بشار،بما حمله من لغة سياسية جديدة تجاه الرأي الآخر ووعوداً باجراء اصلاحات هامة في سوريا ،مصدر تفاؤل وارتياح لدى مختلف الأوساط السورية.وبعد عقود طويلة من الانحباس السياسي والتضييق على المعارضة والعسف بها، شهدت سوريا حراكاً سياسياً وثقافياً وإعلامياً وحقوقياً معارضاً لنهج السلطة ولخطاب البعث الحاكم، بدت فيه المعارضة وكأنها في سباق مع الزمن السوري من أجل إحداث معجزة سياسية ما، ينتظرها الشعب السوري المستاء من أوضاعه الاقتصادية والسياسية، من غير أن تزن وتقدر المعارضة وزنها الحقيقي في الشارع ومدى قدرتها على التحدي والدفاع عن فسيحات الحرية التي وفرها العهد الجديد في سياق جملة تحولات مهمة وعميقة حصلت في المناخ الإقليمي والدولي لصالح قضية الديمقراطية والحريات في العالم.إذ لم تمض أشهر حتى  تراجع النظام السوري عن هذا الهامش المحدود من الحريات وأقدمت السلطات الأمنية على إغلاق المنتديات والمنابر التي أقامتها المعارضة وقمع الاعتصامات الرمزية التي كانت تنفذها احتجاجاً على استمرار حالة الطوارئ في البلاد،متذرعاً (النظام)بالضغوط الخارجية المتزايدة على سوريا، زاعماً بوجود مؤامرة تستهدف أمن واستقرار البلاد، ومتهماً بعض قوى المعارضة بالتواطؤ مع هذه الضغوط والاستفادة منها في سعيها لزعزعة الاستقرار الداخلي ،خاصة وقد تزامن تأسيس (اعلان دمشق) للتغير الديمقراطي الذي انضوت تحته غالبية قوى المعارضة العربية والكردية والآشورية في تشرين الثاني 2005،مع ذروة هذه الضغوط الخارجية التي تصاعدت على النظام بسبب الأزمة اللبنانية.هذه الاجراءات الأمنية دفعت المعارضة السورية للانكماش والانكفاء على الذات من جديد، وعادت معها مشاعر الإحباط واليأس الى الشارع السوري. تأتي ذكرى انقلاب البعث هذا العام عشية موسم الانتخابات السورية، انتخابات مجلس الشعب،مجالس البلديات، الاستفتاء على ولاية ثانية للرئيس.بالطبع لا أحد يراهن على هذه الانتخابات في إحداث تغيير سياسي ما في سوريا،باعتبارها ستجري في ظل دستور وضعه البعث فرض بموجبه نفسه قائداً للدولة والمجتمع وبغياب قانون يرخص عمل الأحزاب كما أنها ستجرى وفق قانون انتخاب يضمن للبعث الحاكم أغلبية المقاعد فضلاً عن التدخل المباشر وغير المباشر للأجهزة الأمنية  في ترشح وانتخاب النواب المستقلين، لهذا قررت قوى المعارضة المحظورة تلك المنضوية في اعلان دمشق مقاطعة هذه الانتخابات.وبالنسبة للاستفتاء على تجديد ولاية الرئيس بشار لا أظن أحداً في أوساط المعارضة السورية يقف عندها و يناقشها لأنها قضية محسومة.جدير بالذكر أن الرئيس بشار الاسد في لقاء متلفز له مع الوفد الاعلامي الامريكي، بدمشق يوم الخميس 13-5-2004، قال: ))الانتخابات الحرة في سوريا قادمة. أنا لا اهتم بمنصبي، فقد أكون خارج وظيفتي في اية دقيقة. لكنني كسوري لدي واجب تجاه بلدي. هذه هي الطريقة الوحيدة للحكم من هذا المنصب.وعندما اشعر بأنه لا يمكنني أن أقدم شيئاً لبلدي قد أغادر..((.يبدو أن موعد  الانتخابات الحرة والديمقراطية وتداول السلطة في سوريا لم يحن بعد.وهذا يعني أن مسيرة الإصلاح والتطوير، التي قال الرئيس بشار على أنها ستستمر بالرغم من كل ما يعترضها من عقبات وعثرات، لم تنطلق بعد،ويبدو أنها لن تنطلق.إذ ما من مجتمع يمكنه التطور والتقدم، بدون وجود مناخ كاف من الحريات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والفكرية تعمل وتتنشط فيه فعاليات المجتمع المدني ومختلف قواه الحية.ومن غير صحافة حرة، ومعارضة سياسية في الداخل، تكتب، بحرية وبدون خوف. تقييم دور الحكومة وتنتقدها على أخطاءها وتقصيراتها وتلاحق مصادر الفساد في أجهزة الدولة، وكذلك من غير قضاء نزيه ومستقل يحاكم ويحاسب المسيئين والمقصرين. لا جدال على وجود مصاعب حقيقة تعترض اصلاح الدولة السورية التي ترهلت بسبب البيروقراطية والمحسوبيات والفساد السياسي والمالي المستشري فيها،وقد شبه الرئيس بشار في أحد خطاباته حال الدولة السورية بسيارة قديمة لا قدرة لها على السير بسرعة عالية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل هذه المصاعب تبرر كل هذا البطء والتأخير والجمود في مسيرة الإصلاح والتحديث وقد شارفت الولاية الأولى للرئيس بشار على الانتهاء، خاصة إذا ما توفرت إرادة حقيقة للإصلاح؟. حتى فيما يخص الإصلاحات الاقتصادية التي أعطاها الرئيس الأولوية ما أنجز منها لا يذكر. ويبدو أن القرارات والتوصيات التي اتخذها المؤتمر القطري الأخير (العاشر) لحزب البعث الحاكم الذي عقد صيف 2005،المتعلقة بتصحيح العلاقة بين الحزب والسلطة وصدور قانون الأحزاب وتعديل قانون المطبوعات ومنح الجنسية السورية للمحرومين منها، تأجل تنفيذها وربما تم التخلي عنها.اليوم وقد مضى نحو نصف قرن على حكم البعث لسوريا،يبدو الزمن السوري قد توقف عند تلك الشعارات والمقولات الآيديولوجية المهزومة والمتآكلة التي تحصن البعث بها مسوغاً لانقلابه على السلطة واحتكاره لها،أضرت كثيراً بالمفاهيم الديمقراطية وبحقوق الإنسان وحقوق المواطنة،حتى أضحت سوريا اليوم دولة خرج عصرها.
 
سليمان يوسف..... سوري آشوري
shosin@scs-net.org

120
                                                        تصريح لوسائل الإعلام       
استياء وغضب في الشارع الآشوري والمسيحي في الجزيرة السورية عشية الاحتفالات بأعياد الأكيتو والفصح المجيد.

لا يكاد، آشوريو ومسيحيو الجزيرة السورية عامة، يطوون جراحهم وحزنهم العميقين اللذان تسببا بهما اغتيال الشابين ميخائيل حنا وسائقه جميل شمعون، يعملان في المصرف الزراعي بمدينة المالكية، من قبل جهة مجهولة على طريق عام وفي وضح النهار، بقصد سلب مبلغ من المال وهم في طريقهم الى المصرف. من غير أن يلقى القبض على القتلة المجرمين حتى الآن. حتى اهتزت مدينة الحسكة لاغتيال الشابين الآشوريين، ابراهيم عبد الأحد ويلدا يعقوب في تشرين الأول 2004، ومن غير سبب وبطريقة ابتزازية  أمام أهالي الحي على أيدي عرب متطرفين في مدينة الحسكة.
وقبل أيام،عشية احتفالات الآشوريين بطوائفهم المختلفة(سريان/كلدان) بأعياد الأكيتو (بداية السنة الآشورية) الذي يصادف في الأول من نيسان من كل عام  وهو ابرز أعيادهم القومية،والاحتفال بأعياد الفصح المجيد في الأسبوع الأول من نيسان،من جديد عم الاستياء والاحتقان الممزوج بالقلق الشارع الآشوري والمسيحي عامة في الجزيرة السورية إثر اغتيال الشاب المدرس غازي يونان الوحيد لأسرته والأب لأربعة صغار، في العاشر من آذار الحالي في أحد شوارع مدينة المالكية من قبل مجموعة عربية مدعين أنهم قتلوه لثأر قديم مع عائلته وقع قبل نحو نصف قرن، جدير بالذكر أن حالة القتل الأولى التي تمت في خمسينات القرن الماضي غير مؤكدة على المتهم والد المغدور به غازي، فضلاً عن أن عملية مصالحة كانت قد تمت  آنذاك بين العائلتين بفضل وجهاء عشائر عربية ومسيحية.ومنذ اغتيال الشاب غازي يسود حالة من الغليان والاحتقان الشعبي والتوتر في مدينة المالكية.وقد زادت وتصاعدت حالة الاحتقان في الشارع بالمدينة بسبب تلكؤ وعدم القاء القبض على القتلة من قبل السلطات الأمنية بالرغم من المعرفة بهم.وقد لاقت هذه الجريمة البشعة استنكار واستهجان شعبيين في معظم الجزيرة السورية. ومن المتوقع أن تشهد مدينة المالكية اليوم السبت 17 آذار مسيرة شعبية سلمية غاضبة استنكاراً للجريمة وللمطالبة السلطات المعنية بتحمل مسؤولياتها والقيام بواجبها في القبض على القتلة.كما من المقرر أن تعلق  جميع الكنائس في المدينة احتفالاتها بأعياد الفصح المجيد القادم حداداً واحتجاجاً على جريمة اغتيال الشاب غازي...
وفي بلدة القحطانية(قبور البيض)، التي تبعد عن القامشلي شرقاً نحو ثلاثين كلم. في الثالث والعشرين من شباط الماضي فوجئ خوري البلدة الأب سمعان عيسى بوجود صليباً ألقي به في حديقة منزله من قبل جهة مجهولة، ارفقت معه رسالة قصيرة كتبت بخط اليد تحمل رقم واحد جاء فيها حرفياً:(( أيها النصارى....أيها القس....أنزعوا الصليب الموضوع على أعلى العمود فنحن ها قد نزعنا الصليب المجاور له. وإن لم تنزعوه فسنجعلكم تندمون على ما فعلتم. ..... والله يشهد...)).يذكر أن الصلبان المشار اليها هي  ما تبقى من صلبان زين بها الحي الآشوري (السرياني) في احتفالات عيد الصليب.المثير في هذه القضية ليس نزع الصليب بحد ذاته على أهميته وإنما الرسالة وما حملته من تهديد وصيغة الجمع التي كتبت بها. فهذه مؤشرات ترجح أن الجهة التي خططت ونفذت العملية وكتبت الرسالة ليست فرداً وإنما مجموعة مرتبطة بأحد التنظيمات الإسلامية التكفيرية و السلفية مثل القاعدة التي بدأت تنمو وتنتشر بكثرة في المنطقة العربية الإسلامية.فتعبير (النصارى) درجت على استخدامه وإطلاقه قادة هذه التنظيمات في خطابها العدائي التكفير للغرب والذي غالباً تكفر اليهود والنصارى.في حين أن العامة من المسلمين عادة يستخدمون تعبير المسيحيين وليس النصارى.
للوقف على حقيقة ما جرى ذهبت الى المجلس الملي- الهيئة الإدارية- لكنيسة السريان الأرثوذكس بالقحطانية، التقيت  خوري الكنيسة الأب سمعان عيسى و رئيس المجلس السيد،سليمان ملكي.في حديثهم الينا استنكر الجميع بشدة هذا العمل المستهجن الذي وصفوه بالغريب والشاذ عن أخلاق أهل بلدتهم بمسيحييها ومسلميها الذين عاشوا على مر التاريخ بوئام ومحبة وسادت بينهم أطيب العلاقات.أكد المتحدثون أنهم ليسوا مع التصعيد، لكنهم لن يسكتوا عما جرى لأنه قد يكون مقدمة لأعمال استفزازية أخرى مستقبلاً، لأجل هذا أبلغوا الجهات المعنية في الدولة لتتحمل مسؤولياتها في الكشف عن الجهة التي تقف خلف هذا العمل ولمنع حصول أعمال مشابه، كذلك أعلموا المرجعيات الدينية العليا للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، مطران الجزيرة والبطريرك زكا عواص الذي يأخذ من دمشق مقراً له.
 قال رئيس المجلس الملي: ((من أجل اصال رسالتنا الى المتعصبين والظلاميين، كخطوة أولى أعدنا وضع الصليب المنزوع الى مكانه ومن ثم سنرفعه مع الصليب الآخر لاحقاً بعد فترة، ذلك لقطع الطريق على من يريد زرع الفتنة بين أهالي البلدة وزعزعة الاستقرار في وطننا سوريا الذي نعتز بانتمائنا اليه .وأضاف: منذ حصول الواقعة ونحن نعمل جاهدين للتخفيف من حالة الاحتقان والتوتر في الشارع السرياني والمسيحي عامة الذي شعر بالمهانة والاستياء مما حصل، خاصة في أوساط الشباب المستنفرين.وبالفعل عند خروجنا من الكنيسة كانت جموع كبيرة من شباب السريان الغاضبين في ساحة الكنيسة جاؤوا للضغط على مجلس الطائفة ليبقي على جميع الصلبان مرفوعة في الشارع بشكل دائم.
ما أريد قوله هنا ككاتب وناشط سياسي : أن ما حصل في بلدة القحطانية  لم يكن حدثاً دموياً ،لكنه بدلالاته  يعد حدثاً خطيراً باتجاه زعزعة استقرار المسيحيين ودفعهم لهجرة وطنهم كونه مس المشاعر والحساسيات الدينية في مجتمع متحفظ، للدين قدسيته ومكانته الخاصة في وجدان أبنائه،خاصة وأنه جاء في مرحلة دقيقة تخيم الاحتقانات الطائفية والمذهبية والعرقية على أجواء المنطقة كإحدى مضاعفات الغزو الأمريكي للعراق . أن ما حصل في القحطانية يكشف عن المستوى الخطير الذي بلغته الأصولية الإسلامية المتطرفة في نموها وانتشارها في قاع المجتمع السوري بعد أكثر من أربعة عقود من حكم نظام قومي يدعي العلمانية.
 فهي المرة الأولى في تاريخ سوريا الحديث، ينزع فيها صليباً بهذه الطريقة المهينة ويهدد مسيحيون على  تزيين شارعهم بالصلبان.جدير بالذكر أن الآشوريين السوريين وإن هم محرومون من حقوقهم القومية والسياسية لكنهم كمسيحيين يتمتعون بحريات دينية جيدة قياساً لما هو عليه حال المسيحيين في بقية الدول العربية والإسلامية. لذلك يخشى أن يكون ما حصل في بلدة القحطانية مؤشر خطير وخطير جداً باتجاه إثارة المزيد من القلاقل والفتن  وزعزعة الاستقرار ليس في الجزيرة السورية فحسب وإنما في سوريا عامة،خاصة إذا ما صدقنا رواية السلطات السورية عن وجود خلايا لمجموعات إسلامية تكفيرية ارهابية تطلق عن نفسها(جند الشام)،اشتبكت معها قوات الأمن السورية في مناطق عدة من سوريا وتم اعتقال وقتل العديد منهم، بعضها جرت في مدينة الحسكة. وقبل أيام تحديداً 11آذار الحالي على المدخل الجنوبي لمدينة القامشلي اشتبكت دورية من الأمن السوري مع مجموعة ارهابية قيل أنهم جند الشام قتل أثنين وجرح آخرين من المجموعة ومصادرة أسلحة ومتفجرات،كما أفيد عن اصابة عنصر من الأمن السوري.
 بلا ريب، لا نريد أن نحمل هذه الحدث أكثر مما يحتمل ولا نهدف من الحديث عنه الإثارة وتأجيج المشاعر، لأن لا أحد مستفيد من إثارة الفتن والقلاقل في المجتمع سوى أعداء الوطن، لكن ثمة أسئلة عديدة وإشارات استفهام يطرحها هذا الحدث المثير للجدل والغريب عن الحياة السورية هذه الأسئلة تتعلق بأسباب إخفاق الأجهزة المعنية المحلية في الوصول الى الجهة التي قامت بهذا العمل في بلدة صغيرة ،علماً هناك خيط (الرسالة) لا بد وأنه يفيد التحقيق في القضية؟.
أملنا كبير أن تحث هذه الأحداث الخطيرة القيادة السورية على لفت انتباهها لما يحصل في الجزيرة السورية ولما يخطط لها، النقطة الأضعف في البناء الوطني،خاصة وأنها (الجزيرة) لم تطو جراحها بعد، الناجم عن الأحداث المؤلمة التي شهدتها في آذار وتشرين الأول 2004.

الكاتب الصحفي والناشط السياسي الآشوري
سليمان يوسف... سوريا- القامشلي
هاتف محمول: 093910177

 shosin@scs-net.org

121
                         
      المنظمة الآثورية في يوبيلها الذهبي
ما زال البعض داخل المنظمة وخارجها يشكك ويتساءل: لماذا تطرح قضايا الخلاف بكل حيثياتها التنظيمية والسياسية داخل المنظمة الآثورية على الرأي العام عبر وسائل الإعلام ونشر غسيلها الوسخ في هذه الفترة وعشية اليوبيل الذهبي لها؟
بالطبع،نحن نتفهم هذا التحفظ لأننا ندرك أن التعاطي بهذه الطريقة مع قضايا الخلاف داخل الأحزاب،هي ظاهرة جديدة وغير مألوفة في حياتنا السياسية والحزبية الآشورية والسورية والشرقية عامة. إذ اعتاد الناس في منطقتنا على الهروب من الحقيقة والسكوت عن الأخطاء والتستر على المفضوح وعلى طمر الرؤوس في الرمال.هذا النمط من الثقافة والسلوك مرتبط بمورثونا الثقافي والاجتماعي المتخلف الذي حارب و حرم(الفكر النقدي) وأقصاه عن حياتنا، الاجتماعية والسياسية والدينية، وعمم بدلاً عنه، ثقافة القمع و التلقين وتأليه الحاكم والخنوع للسلطان والركوع لرجل الدين. فالسائد في مجتمعنا الشرقية، هو المراهنة على الزمن أو بالأحرى على المجهول في حل قضايانا ومشاكلنا وفي خلاصنا  من المستبدين والظالمين والفاسدين. في حين أثبتت تجارب التاريخ بأن الإقرار بالأخطاء هو الخطوة الأولى لإصلاحها، ونشر الغسيل الوسخ هو المقدمة الأساسية والضرورية لغسله وتنظيفه.
- قد يتساءل البعض: إذا كان هذا هو حال المنظمة الآثورية حقاً، فلماذا لا يتحالف الآثوريون المصلحون والمحتجون داخل المنظمة ويقومون بحركة إصلاحية والتخلص من الوصوليين الانتهازيين والفاسدين؟. بلا ريب أنه سؤال وجيه ومشروع،مثلما هو سهل وبسيط، لكن الايجابة عليه ليست بذات السهولة والبساطة. ولتقريب صورة المنظمة من ذهنية القارئ سأجيب على هذا التساؤل بسؤال آخر:كما هو معلوم، أن معظم أنظمة وحكومات الدول العربية هي أنظمة دكتاتورية فاسدة ومستبدة وظالمة لشعوبها وسالبة لحقوقها، لا بل أن هذه الأنظمة تعمل ضد مصالح شعوبها وأوطانها.وأكاد أجزم أن هذه الأنظمة لا تحظى إلا بشعبية وتأييد أزلامها والمنتفعين منها، لكنها مع ذلك تبقى في الحكم لعقود طويلة وتعجز شعوبها عن التخلص منها لأسباب كثيرة لسنا بصددها الآن.إن حال المنظمة الآثورية وغيرها من الأحزاب التي ينخر الفساد فيها لا يختلف كثيراً عن الحكومات والأنظمة السياسية الفاسدة والمستبدة.حتى أن المهرجانات والكرنفلات الاحتفالية التي تقيمها المنظمة الآثورية هذه الأيام بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها(العيد الذهبي) والخطب الرنانة والشعارات الطنانة التي تلقى فيها، تأتي على  طريقة الاحتفالات المزيفة والمخادعة  التي تقيمها الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، للتضليل على الرأي العام كما أنها مناسبة وفرصة لمزيد من نهب وسرقة المال العام.
- لماذا الحديث الآن عن المنظمة الآثورية؟.لا شك، عندما يتواجد شخص ما داخل حزب أو يعمل مع مجموعة معينة، من الطبيعي أن يلتزم بالحد الأدنى مع التوجهات العامة لهذه المجموعة، حتى وإن جاءت مخالفة لقناعاته الشخصية بحدود وجوانب معينة،وإلا يستحيل استمرار العمل الجماعي. ودوماً هناك مسار عام للخلافات والتناقضات تمر فيه حتى تبلغ مرحلة الانفجار واللاعودة.إذ من غير المعقول أن يفجر المرء خلافاته مع أشخاص يعمل معهم من أول مشكلة تعترضه أو من أول خلاف معهم. لكن عندما تتطور وتتحول الاختلافات في الرأي ووجهات النظر الى خلافات وتناقضات في الرؤى والتوجه تمس الثوابت والأهداف عندها يستحيل التفاهم والاستمرار في العمل مع ذات المجموعة أو الحزب. لهذا من الخطأ أن ننظر الى التحول الذي يطرأ على موقف شخص ترك حزبه والمباشرة في الكتابة عن تجربته السياسية بحرية على أنه تحول مفاجئ ، ففي هذه النظرة تقزيم وتحجيم لقضايا الخلاف ولجوهر المشكلة.بالطبع،بسبب وقوع البعض في اسر العلاقات الشخصية و الأفكار والمواقف السياسية والحزبية المسبقة،لم يتمكنوا بعد، أو هم لا يريدون، من التقاط الأسباب الحقيقية لأزمة المنظمة الآثورية التي تشهد منذ سنوات طويلة انسحابات بالجملة من صفوفها ومن كل السويات والمستويات.ولفهم طبيعة العلاقات التنظيمية والرفاقية داخل المنظمة ولمعرفة الطريقة التي تعالج فيها مشاكلها وأزماتها، ونهج التآمر المزمن بين قياداتها،لا بد من العودة الى الوراء سنوات:
-  الكثير من الآثوريين،خاصة ممن كانوا في مواقع متقدمة، يدركون بأن كتاباتي في الجريدة المركزية للمنظمة (نشرو) كانت دوماً، ومنذ ثمانينات القرن الماضي - آنذاك كانت نشرو  يصدرها فرع سوريا-  مثار خلاف حاد داخل قيادة المنظمة الآثورية،حيث كانت هناك اعتراضات دائمة على الخط السياسي المعارض للنظام السوري الذي كان بارزاً في مقالاتي.إذ كنت أرفض أن أكون مجرد كاتب عند الطلب في المنظمة، كما كان يفعل البعض.وعندما أصبحت عضواً في تحرير نشرو وباتت فرصة وحظوظ مقالاتي أكثر للنشر في جريدة المنظمة، وإصرار فرع سوريا على التمسك بحقه في اصدار نشرو وممارسة مهامه السياسية على الساحة، انفجرت أزمة بين فرع سوريا والمكتب السياسي-الذي هيمنت المخابرات السورية على قراره بعد اعتقالات 1987- قرر على أثرها المكتب السياسي عقد مؤتمر عام استثنائي 1995 وجرد (فرع سوريا) من جميع لجانه ومهامه الثقافية والسياسية وجعل  اصدار جريدة نشرو والنشاطات السياسية من مهمة وصلاحيات المكتب السياسي حصراً.
- للعلم كنت أتقاضى - مع آخرين في المكتب السياسي ومواقع أخرى في المنظمة- مبلغاً خمسة آلاف ليرة سورية منذ نهاية 2003،ما يعادل أقل من مائة دولار أمريكي،حتى انسحابي من المكتب السياسي في آذار 2006. وقد شككت منذ البداية أن هذا المبلغ قد يكون طعماً ونوع من الإغراء لقبولي ببعض الأملاءات وتمرير بعض المواقف، والحد من معارضتي لانحرافات البعض داخل قيادة المنظمة الآثورية، وقد تيقنت في الآونة الأخيرة بأنهم أرادوا فعلاً  ذلك. وعندما أيقنوا بأن المغريات المادية لم ولن تؤثر على مواقفي وقناعتي، زاد مسؤول المكتب السياسي من الضغوط وافتعال المشاكل لتبرير هجمته الشعواء علي وممارسة التضليل داخل المنظمة تمهيداً لدفع الأمور باتجاه الانفجار وهذا ما حصل. وقد دخل أحد القياديين الآثوريين السابقين في المنظمة على خط الأزمة الراهنة وهي ببداياتها،ذلك بإطلاعنا على قضايا قديمة تتعلق بالفساد المالي تخص شخصيات قيادية، في حين أخفى هذا الآثوري هذه القضايا وسكت عنها طيلة ثلاث دورات كان مسؤولاً لفرع سوريا و عضواً في المكتب السياسي.بالطبع دخوله على خط الأزمة بهذه الطريقة الرخيصة والماكرة كان الهدف منها هو  وضع مزيد من الزيت على نار الأزمة ودفع الأمور باتجاه الانفجار وخلط الأوراق أملاً بعودته الى المكتب السياسي من الشباك بعد أن تم طرده من قبل حلفائه السابقين من الباب في المؤتمر العام الأخير بفضل التكتل الذي قادوه.وقد تحقق لهذا الآثوري ولغيره ممن دخل على خط الأزمة بنفس الطريقة والأسلوب وتحقق لهم ما أرادوه وعادوا الى المكتب السياسي بعد قرار انسحابنا( أنا ونائب مسؤول المكتب السياسي).نعم  هذه هي أخلاقهم وأسلوبهم في الوصول الى كراسي لا لون ولا طعم ولا رائحة لها في منظمة هزيلة لا اعتبار لها، فكيف سيتصرف هؤلاء لو اتيح لهم فرصة التسلق الى مناصب هامة في الدولة؟، بكل تأكيد أنهم يبيعون المنظمة والقضية والشعب الآشوري معاً..!. 
- عشية الهمروجات التاريخية الاحتفالية للمنظمة الآثورية بعيد يوبيلها الذهبي، أهدى عضو المكتب السياسي (كبرئيل موشي كورية) المنظمة والشعب الآشوري في سوريا مقالاً بعنوان (القضية الكردية وعمقها الوطني) بدلاً من أن يكتب بهكذا مناسبة تاريخية عن ما أنجزته المنظمة الآثورية على صعيد القضية الآشورية في سوريا بعد خمسين عاماً مضت على تأسيسها. يبدو أن عضو المكتب السياسي لم يجد ما يكتبه على هذا الصعيد لذلك فهو معذور بالكتابة عن القضية الكردية.لكن السيد كبرئيل موشي بمقالته عن القضية الكردية المنشورة على موقع منظمته ومواقع كردية، فضح من حيث لا يدري نهج التآمر والتكتلات الرخيصة وطغيان العلاقات الشخصية والمصالح الأنانية الضيقة داخل المنظمة الآثورية.خاصة وأن مقاله جاء بعد أشهر من فضيحة سياسية فجرها مسؤول المكتب السياسي  بتوجيه من المخابرات السورية مستفيداً من تخاذل أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية على خلفية كلمة وفد المنظمة في حفل تأبين ضحايا الأكراد في أحداث آذار بمدينة القامشلي.فقد أقام الدنيا ولم يقعدها السيد (بشير سعدي) تسانده زوجته، مسئولة ما يسمى (النساء الآشوريات)، ذلك احتجاجاً على كلمة الوفد الآثوري في تأبين ضحايا الأكراد، وعلى وصف الشيخ المرحوم معشوق الخزنوي بـ(الشهيد)الذي اغتيل في ظروف غامضة.في حين التزم مسؤول المكتب السياسي الصمت والسكوت هو وغيره في القيادة الهجينة للمنظمة ومن وقف معهم من السذجاء الآثوريين،على مقالة عضو المكتب السياسي(كبرئيل موشي) حول القضية الكردية وعمقها الوطني، واضعين رؤوسهم الجبانة في الرمال كالنعامة، بعد أن مرروا مشروع مسؤول المكتب السياسي الذي خطط له بالتنسيق مع جهات أمنية منذ أكثر من سنتين بالتخلص من عضوي المكتب السياسي (كبرو شالو وسليمان يوسف). واحتجاجاً على هذه الفضيحة السياسية الكبيرة، دعا رابي يوسف، وهو كادر في المنظمة، في مقال له (المنظمة الآثورية ترتدي الشروال الكردي)، نشر على موقع (عينكاوا)، دعا: جميع كوادرها الى تجميد عضويتهم الى حين عقد مؤتمر عام استثنائي وفصل بشير سعدي من المنظمة.
- أخيراً،أليس من حق الكادر الآثوري أن يتساءل: لماذا فجرتم أزمة داخل المنظمة،مازالت مضاعفاتها تتفاعل داخل المنظمة وفي الشارع الآشوري ، على بضع كلمات وجمل وجدانية على ضحايا أكراد ما كان يجب أن يقتلوا بهذه الطريقة في مدينة القامشلي،في حين نراكم اليوم تمدحون وتمجدون القضية الكردية بطريقة فاجأت  الكثيرين، حتى من الأخوة الأكراد.وقد أورد(وليد الشامي) في سياق مقال كتبه رداً على مقال السيد كبرئيل موشي:اعتقدت بداية أن كاتب مقال( القضية الكردية وعمقها الوطني) هو كردي انتحل صفة آثوري قيادي في المنظمة الآثورية !.وتساءل آخر في مقال له (خزعبلات موشي في الوطنية):هل انتخابات الإدارة المحلية بدأت أم اجراس انتخابات مجلس الشعب قد دقت.؟ وبالتالي  كتبتم هذا المقال لكسب صوت الناخب الكردي في الانتخابات من اجل نائب في مجلس الشعب السوري لا وظيفة له سوى التصفيق والمديح للنظام!.
- للموضوع تتمة فحديثنا، معكم عن المنظمة الآثورية سيطول ....

سليمان يوسف... سوريا- القامشلي
shosin@scs-net.org[/b][/font][/size]
 

122
خاص بموقع عينكاوا                 
                     
زواج المتعة، بين المنظمة الآثورية والوطني الآشوري
[/color]
كنت قد قررت عدم الكتابة والرد على  مقالات وردود كتبها البعض رداً وتعقيباً على سلسلة مقالات كتبتها،وهي لم تنته بعد،حول (قضايا الخلاف) داخل المنظمة الآثورية والانحرافات السياسية لبعض قياداتها.بالطبع ليس عجزاً أو تهرباً، وإنما حرصاً على عدم تضييع مزيد من الوقت في مرحلة مليئة بالأحداث والتطورات الأمنية والسياسية، تتطلب منا المتابعة المستمرة،لتداعياتها ومضاعفاتها المباشرة علينا نحن الآشوريين والمسيحيين عامة.لكن مع دخول السيد (عمانوئيل خوشابا)،القيادي في (الحزب الوطني الآشوري)العراقي،على خط أزمة المنظمة،بهدف تسجيل و تسويق لمواقف سياسية وحزبية معينة، بهذا الاتجاه أو ذاك،من خلال كتابته مقالاً- نشر في موقع (عينكاوا كوم) في الثالث من الشهر الجاري بعنوان (قراءة في موضوع، آشوريو العراق وديمقراطية البرزاني)- يرد فيه على مقال كتبته حول(آشوريو العراق وديمقراطية البرزاني)،وجدت نفسي مطراً للكتابة هذه المرة للتعقيب على قراءات غير دقيقة لوقائع سياسية مضى عليها بعض الوقت اثارها السيد خوشابا في مقاله المشار اليه،كذلك للرد على العديد من المغالطات السياسية والتهم التي ساقها في مقاله من غير سبب أو مبرر.بداية أرى أن الأخ خوشابا ربط وبطريقة غاب عنها المنطق والمنهج بين انتقاداتي للحكومة الكردية من جهة أولى، وانتقاداتي لمواقف الأحزاب الآشورية التي راهنت كلياً على الموقف الكردي في إقامة الحكم الذاتي للآشوريين في(إقليم سهل نينوى) من جهة ثانية، وما كتبته حول الأزمة الداخلية في المنظمة الآثورية من جهة ثالثة.
قبل خمس سنوات،وفي مثل هذه الأيام من (كانون الثاني 2002)، قمنا( أنا والأستاذ زهير عبدو-عضو مكتب سياسي في المنظمة آنذاك)، بجولة الى الشمال العراقي تلبية لدعوة من (الحركة الآشورية الديمقراطية-زوعا) التي بينها وبين المنظمة ميثاق عمل مشترك منذ عام 1992،وهي الزيارة الأولى لوفد آثوري الى العراق. جدير بالذكر أن كلانا اليوم(سليمان و زهير) خارج المنظمة، وقد سبقني الأخ (زهير عبدو) في ترك المنظمة بحكم وصوله قبلي الى القيادة،وبالتالي سبقني في اكتشاف ظاهرة الفساد السياسي والمالي المتفشية فيها.فيما يخص تلك الجولة، يتهمني السيد خوشابا بتزييف الحقائق وافتقاري إلى الجرأة فيما كتبته عن الجولة، في إشارة منه الى  اقتصار كلامي عن لقاءاتنا مع زوعا، وعدم الإشارة الى لقاءاتنا مع الحزب الوطني الآشوري وحزب بيث نهرين الديمقراطي. وهنا أتساءل: هل مجرد عدم ذكر كل لقاءاتنا هو (لوي لعنق الحقيقة) وتزييف لها كما جاء في مقاله؟ .ثم أية جرأة تلك التي تتطلب مجرد الإشارة الى زيارتنا لمكاتب هذين الحزبين؟.قطعاً عدم ذكرها لم يكن عن قصد ولا بهدف التعتيم على هذه الأحزاب الشقيقة التي نكن لها كل الاحترام والتقدير،وإذا كنا نقصد من عدم ذكرها إقصائها أو تجاهل وجودها، ما كنا بادرنا الى زيارتها أصلاً ،والتي كانت مبادرة منا نحن أعضاء الوفد،وما قمنا به كان خلافاً لتوجيهات قيادة المنظمة التي كانت تقتضي أن تقتصر جولتنا على مقرات ومؤسسات زوعا فقط. وللحقيقة أقول: عندما طرحنا على الأخوة في زوعا فكرة الذهاب الى مقرات الأحزاب الأخرى أنهم لم يعترضوا بل رحبوا بالفكرة وأوصلونا الى مكاتب هذه الأحزاب بسيارتهم.وكان الحزب الوطني الآشوري قد نشر خبر جولتنا واجتماعنا مع قيادة الحزب في جريدته الرسمية (قويامن)،في حين أن المنظمة الآثورية لم تنشر عن تلك الجولة شيئاً.حقيقة لا أعرف ما هي المخاطر والمخاوف التي يراها السيد خوشابا و جعلتني أتجنب الإشارة الى لقاءنا مع هذه الأحزاب.ولا أجد تفسيراً أو سبباً لاتهامات السيد عمانوئيل سوى أنه ساقها فقط لإرضاء حلفاءه الجدد في مطكستا من جهة أولى،كما حملها رسائل سياسية الى قيادة الحركة الآشورية الديمقراطية، وكأن به أراد القول لها: (( ها قد تخلى عنكم حليفكم الأساسي،المنظمة الآثورية ))،بعد الزيارة التي قام بها مؤخراً الى الشمال العراقي عن طريق الحزب الآشوري الديمقراطي،الخصم اللدود للحركة، وفد المنظمة والذي ضم كل من (بشير سعدي ويونان طليا). لا شك، أن الأستاذ عمانوئيل يدرك جيداً أن الطريقة والأسلوب الذي تمت فيهما هذه الزيارة  هي مخالفة لأصول وقواعد العلاقات السياسية والحزبية،فهي تحمل إساءة لميثاق العمل المشترك الذي وقعته المنظمة مع زوعا،وربما هي تخلي غير معلن من جانب المنظمة عن هذا الميثاق الذي بقي أصلاً حبر على ورق . وهنا أكاد اجزم بالمطلق ما كان للقيادة الهجينة للمنظمة الآثورية أن تخص الحزب الوطني الآشوري بهذه الزيارة لو لا الفتور الحاصل بينها وبين الحركة الآشورية الديمقراطية من جهة أولى،ولولا وجود للحزب الوطني الآشوري وزيراً في حكومة الإقليم من جهة ثانية.إذ لا عمق ولا استراتيجية قومية محددة للمنظمة الآثورية في علاقاتها مع الآخرين، وإنما جميع تحالفاتها مع الأحزاب والتنظيمات الأخرى تقوم من أجل الترف السياسي أو هي نوع من (البربوغاندا السياسية) لا أكثر، فهي أشبه بـ(زواج المتعة)، الذي يعقد لفترة محددة وقصيرة بين رجل وامرأة في ظروف خاصة وغير طبيعية لا يترتب عليه أي مسؤوليات.سقت هذه المعلومات،ربما تفيد السيد عمانوئيل وغيره في تكوين صورة أوضح وأكثر دقة عن العقلية الانتهازية السائدة في المنظمة الآثورية التي يتباهى اليوم السيد عمانوئيل بالعلاقة معها ويلومني على نشر غسيلها الوسخ على الرأي العام.وبدلاً من أن يبدي تأسفه لما وصلت اليها أوضاع المنظمة، التي يعتبرها عريقة، من تفكك وانحسار واستمرار انسحاب قياديين وغير قياديين منها، في مرحلة مصيرية لشعبنا الآشوري تتطلب التعاضد والوحدة والتماسك، أجده كتب بنوع من التشفي والتهكم، معقباً على انسحبنا من المنظمة. ولمزيد من التوضيح أقول: أن ما كتبته عن تلك الجولة لم يكن تقريراً سياسياً  كلاسيكياً كما تجري العادة في الأحزاب،وهي عادة غير مستحبة لدي، حتى أتطرق الى تفاصيل لقاءاتنا السياسية، وإنما ما كتبته،بعنوان(رحلة الى بلاد آشور)، غلبت عليه الشجون والمشاعر والروح القومية التي فاضت في نفوسنا حتى طغت على كل شيء شاهدناه،تماماً كالمؤمن الذي يحج الى بيت المقدس لا  يهمه سوى أن يرى تجليات الله والروح القدس في كل شيء يقع أمام نظره. وقد حرصت على نقل هذه المشاعر والانطباعات بأمانة وصدق للقارئ للكريم،كذلك تضمن المقال شيء عن أحوال و أوضاع شعبنا التي يعيشها وعن بعض التحولات الايجابية التي طرأت على أوضاعه بعد انسحاب سلطة صدام حسين من مناطق الشمال 1991 وانتقاله الى الإدارة الكردية، خاصة من النواحي الثقافية والسياسية والقومية وعن نشاط المؤسسات القومية الآشورية والخدمات التي كانت تقدمها للآشوريين في الإقليم . بالطبع كانت جميع تلك المؤسسات تدار وتشرف عليها الحركة الديمقراطية الآشورية وهذه حقيقة يعرفها السيد عمانوئيل قبل غيره.وفيما يخص الموقف من (الحكومة الكردستانية) في الإقليم، بدا الأخ عمانوئيل ملكاً أكثر من الملك في الدفاع عن هذه الحكومة.وكأننا في عالم آخر لا نسمع عن احتكار عائلة البرزاني وحزبها لكل السلطات والقرارات في الإقليم وعن التجاوزات الكثيرة على أملاك وأعراض وأرواح شعبنا من قبل المتنفذين والخارجين على القانون،من غير أن يحاسبوا أو يلاحقوا،وهذا ما تؤكده العديد من المصادر وشهود عيان وحتى كتاب أكراد أنفسهم، أمثال (نزار آغري). إثناء جولتنا في مدينة دهوك التي يقطنها نحو ثلاثين ألف آشوري سألت البعض ممن التقيناهم: كم من الآشوريين ومن المسيحيين عامة لهم محلات تجارية في أسواق المدينة؟. كان الجواب نادرة جداً وتكاد تكون معدومة، سألنا عن السبب: كان الجواب لأنهم التجار الآشوريين يحاربون من قبل التجار الأكراد ويحاصروهم ولا قدرة لشعبنا على التحدي والمنافسة التجارية. بالطبع نحن نتفهم هذا التحول السياسي في موقف الحزب الوطني الآشوري من حكومة الإقليم والذي جاء بعد بتعيين الأستاذ (نمرود بيتو) وزير للسياحة والآثار في حكومة الإقليم وهو السكرتير العام للحزب- وما كان له أن يدخل الحكومة الكردية، هو وغيره من الآشوريين، لو تزكية من الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم للإقليم والذي يترأسه السيد مسعود البرزاني. نعم،لا بد للآشوريين من التعاطي مع الآخرين الذين يعيشون معهم،أكراداً كانوا أم عرباً، وأن خياراتهم وإمكانياتهم وقدراتهم الذاتية متواضعة ومحدودة في فرض شروطهم على الأطراف الأخرى. لكن في ظل التدهور الخطير للوضع الأمني في العراق،وعلى ضوء المآسي الكثيرة التي حلت بشعبنا على أيدي شعوباً أمدنا لها يد السلام،من حقنا أن نبدي شكوكاً ونعبر عن مخاوفنا من الآخر الذي نتعاطى معه اليوم، كردياً كان أم عربياً أم تركمانياً، سنياً كان أم شيعياً.. هل يستطيع السيد عمانوئيل أن ينكر أن الهدف الأساسي للقيادات الكردية من طرح الحكم الذاتي لسهل نينوى هو توسيع خريطة إقليم كردستان (توسيع حدود الدولة الكردية المنشودة)؟.ما الذي يمنع الحكومة الكردستانية من تبديل اسم سهل نينوى وجميع المعالم الآشورية الأخرى بعد ضمها وتكريدها مثلما حصل لأربيل التي جعلوها( هولير) ونوهدرا التي جعلوها (دهوك)،وغيرها من الأوابد والمعالم الحضارية الآشورية؟. ألا  يسمينا اليوم الكثير من الساسة والكتاب الأكراد بمسيحيي كردستان أو المسيحيين الأكراد؟. أعتقد بأن المطلوب من القيادات والسلطات الكردية أن تقدم على الكثير من الخطوات العملية على الأرض تجاه الشعب الآشوري الواقع تحت حكمها من أجل بعث الطمأنينة في نفوس أبناءه وإزالة تراكمات الماضي السلبي والتاريخ الذي ترك جروحاً عميقة وذكريات أليمة في نفوس وقلوب الآشوريين،جراء المظالم التي لحقت بهم على أيدي الأكراد وغيرهم من الشعوب الإسلامية في المنطقة.ومن المهم بالنسبة للآشوريين هو تغيير ما في  نفوس الأكراد وغيرهم وليس ما سيكتبونه في النصوص،لأن العبرة دوماً في تنفيذ القوانين والقرارات وليس في تدوينها. الوضع العراقي مقلق ومقل جداً ، من حقنا أن نتوجس على مصير ما تبقى من الآشوريين والمسيحيين العراقيين في ظل تصاعد موجة العنف الطائفي والمذهبي والعرقي في العراق واستهدافهم من قبل مجموعات إسلامية إرهابية.أننا لا نبكي على الماضي وإنما نخشى من المستقبل الذي يبدو قاتماً ومن غير أفق إلا عبر خيارين، الأول: إعادة الأمن والاستقرار الى العراق وانتقاله الى دولة مدنية تقوم على العدل والمساواة والقانون وعلى حقوق المواطنة،دولة بدستور ديمقراطي علماني يفصل الدين عن السياسية ويضمن حقوق الجميع دون تمييز أو تفضيل. الثاني: إنشاء إقليم فدرالي آشوري آمن في (سهل نينوى) يضم معظم المناطق ذات الغالبية الآشورية/السريانية/الكلدانية، يحكم ويدار من قبل الآشوريين، يرتبط بحكومة المركز في (بغداد)، يتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها إقليم كردستان أو غيره من الأقاليم الفدرالية التي ستنشأ لا حقاً.
سليمان يوسف .... سوريا- القامشلي
shosin@scs-net.org[/b][/font][/size]

123
                           
  آشوريو العراق وديمقراطية البرزاني
[/color]
 
لقد انسحبت سلطة ومؤسسات وجيش الدولة العراقية في آذار 1991 من الشمال العراقي ذات (الغالبية الكردية)، بعد دخول قوات (التحالف الدولي) الى العراق،وهو التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991 لتحرير الكويت من الغزو العراقي لها.إذ اعتبر الشمال العراقي حتى خط العرض(36) (منطقة آمنة) يحظر على قوات (صدام حسين) دخولها.وبموجب الدستور الجديد الذي وضع للعراق وإعلانه (دولة اتحادية فدرالية)،بعد الغزو الأمريكي له وإسقاط نظام صدام حسين،في نيسان 2003،اعترفت الحكومة المركزية في بغداد بإقليم كردستان كإقليم فدرالي ضمن الدولة العراقية يتمتع بالحكم الذاتي وانتخب السيد (مسعود البرزاني) رئيساً للإقليم.منذ بداية هذه التحولات السياسية والعسكرية الدراماتيكية التي حصلت في العراق،نحن السوريون المهتمون بالشأن العراقي نقرأ ونسمع عن (التجربة الديمقراطية) الرائدة للحكومة الكردية التي تحكم الإقليم وتدير شؤونه بطريقة هي اقرب إلى سلطات(الدولة المستقلة)،مستفيدة من شلل وعطالة(حكومة المركز) في بغداد، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والتناقضات السياسية والمذهبية والعرقية بين الكتل والأطراف الأساسية التي تتشكل منها.
بتاريخ 2/12/2006, نشر موقع (كوردستان بوست) الالكتروني خبراً مفاده: ((ان وزير المالية في الكابينة الخامسة لحكومة الاقليم المدعو (سركيس اغاجان)، وتصفه بالشخص المقرب من عائلة البارزاني وتربطه علاقات قوية وخاصة مع السيد نيجيرفان البارزاني, بأنه منكب ولفترة طويلة لتحقيق حلم الآشوريين.وبأنه استطاع وبمساعدة ودعم عائلة البارزاني وعلاقاته القوية مع شخصي مسعود البارزاني وجلال الطالباني, استطاع ان يقنع نيجيرفان البارزاني لمساندته في انشاء وطن للآشوريين ومنحهم حق الحكم الذاتي))- الخبر قرأناه باللغة العربية على  - www.ankawa.com  في 5 كانون الأول 2006-12 ).بالطبع، الخبر لا يخفي الافتخار والتباهي والتبجح بالنفوذ الغير محدود للسيد (نيجيرفان البرزاني) في حكومة وسلطة الإقليم.ويبدو أن نشوة الانتصار القومي الكردي والاستئثار بالسلطة والقرار والثروة في الإقليم من قبل القيادات والزعامات الكردية التقليدية، أنساهم أن نشر مثل هذه الأخبار والكشف عن هكذا وقائع وممارسات سياسية تكشف وتعري زيف ادعاءات هذه القيادات والزعامات فيما يخص الديمقراطية وسلطة القانون والمؤسسات التي يقولون أنهم أرسوا أسسها في (إقليم كردستان) منذ انسحاب سلطة وإدارة حكومة المركز منه و بدء سلطتهم الفعلية عليه.ويؤكد مثل هذا الخبر،أن الحديث والكتابة عن الحريات والحقوق والديمقراطية الكردية شيء وما هو مطبق على أرض الواقع شيء آخر.ويبدو أن الحكومة الكردية لن تختلف عن باقي أنظمة وحكومات دول المنطقة،جمهوريات كانت أم ملكيات، مشيخات كانت أم إمارات، التي حولت دولها الى مجرد مزارع واقطاعيات مملوكة للعائلة أو للطائفة الحاكمة أو بأفضل الحالات للحزب الحاكم،وجعلت من الشعوب مجرد قطعان و(رعايا) لديها وليسوا بمواطنين.بالطبع لم يكن أحداً يتوقع أن يتحول (الشمال العراقي) في ظل الحكومة الكردية الى (سويسرا الشرق) في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبناء دولة المواطنة خلال عقد ونصف من الحكم الذاتي، لكن بالمقابل لم نكن ننتظر أبداً أن تقلد الحكومة الكردية، في تركيبتها وطريقة حكمها، الدكتاتور البائد (صدام حسين)، الموجود في قفص العدالة وينتظره حبل المشنقة، وتعيد إنتاج من جديد عدي وقصي وبرزان التكريتي وطارق عزيز وطه ياسين رمضان بأسماء كردية، خاصة وإن الأخوة (أكراد العراق) هم أكثر من عانى من مظالم حكم وبطش نظام صدام حسين.إذ كان من المفترض أن تكون القيادات الكردية،بعد هذه المعاناة الطويلة، اكثر قابلية واستعداد ونضوج لإقامة سلطة القانون والمؤسسات والقضاء المستقل وأكثر دفاعاً عن الديمقراطية والحريات السياسية، وأكثر الحكومات تحسساً لمعاناة الآخرين وأكثرها  تجاوباً مع المطالب المشروعة للقوميات الأخرى التي تعيش في الإقليم وأكثرها احتراماً لحقوق الإنسان ولحقوق المواطنة.لنتأمل الخبر الذي نشره الموقع الكردي، الذي يؤكد على السلطات والصلاحيات، التشريعية والتنفيذية والقضائية،المطلقة التي يتمتع بها الأستاذ(نيجيرفان)،رئيس حكومة الإقليم، وهو ابن أخيه لرئيس الإقليم السيد(مسعود البرزاني).وقد أوهم السيد نيجرفان بصلاحياته المطلقة ونفوذه الذي لا حدود له في حكومة الإقليم، الكثير من الآشوريين (سريان/كلدان) والمسيحيين،حتى أحزابهم وتنظيماتهم السياسية ومؤسساتهم الدينية، ليس في العراق فحسب وإنما خارج العراق أيضاً،أوهمهم بأنه هو أملهم الوحيد ومخلصهم المنتظر في تحقيق (حلمهم القومي) بإنشاء (وطن للآشوريين ومنحهم الحكم الذاتي)،تكريماً وتقديراً للعلاقة الخاصة والمتميزة للأستاذ (سركيس آغاجان)-الوزير الآشوري في الحكومة الكردية وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم- بالسيد نيجيرفان البرزاني ومع عائلة البرزاني. فأين الناحية المبدأية والقاعدة الحقوقية والقانونية والديمقراطية في تعامل الطرف الكردي مع الحقوق المشروعة للآشوريين،إذا كان طرح مشروع الحكم الذاتي للآشوريين يعود فقط لوجود السيد سركيس آغاجان بحكومة الإقليم؟.بمعنى آخر ما كان ليطرح  هذا المشروع لولا وجود السيد سركيس آغاجان في الحكومة الكردية وعلاقاته المتميزة مع عائلة البرزاني، حتى لو طالبت به جميع الأحزاب والتنظيمات والكنائس والمؤسسات الآشورية.
لا شك،أن (الأحزاب الآشورية)، على اختلاف تسمياتها، السريانية الكلدانية، التي تقف اليوم متحمسة خلف السيد سركيس آغاجان ووضعت كل البيض الآشوري في سلة (حكومة الإقليم)، وأسقطت من حساباتها حكومة المركز، هي تغطي، بشكل أو بآخر، على إفلاسها السياسي والقومي وعدم توفر البديل لديها لما يطرحه نيجيرفان، أو بالأحرى هي تخفي عجزها التام عن تقديم البديل، خاصة امام تدهور الأوضاع الأمنية وبشكل خطير في العراق، وموقف هذه الأحزاب الآشورية هنا هو أشبه بالغريق الذي يتعلق بالقشة.ربما لا نختلف على توصيف الحالة العراقية عامة والآشورية المسيحية خاصة، وعلى ضعف (المجتمع الآشوري) ومحدودية الخيارات السياسية أمام الآشوريين العراقيين وصعوبة المرحلة والمخاطر التي تهدد وجودهم في العراق، لكن من الخطأ القاتل إذا ما استسلم الآشوريون كلياً لقدرهم وللظروف التي يمرون بها وأعلنوا بأن لم يبق أمل لهم سوى بما يطرحه الآخرون عليهم، أكراد كانوا أم غير أكراد.إذ أعتقد بأن ما زال بالامكان أن يفعل الآشوريون أشياءً والقيام بخطوات عملية من شأنها أن تحسن شروطهم السياسية والقومية على الساحة العراقية، طبعاً إذا ما توفرت (الإرادة والعزيمة الآشورية) و(روح التضحية) لديهم، وإذا ما تضافرت جهود جميع الآشوريين، بجميع مؤسساتهم وأحزابهم وفعالياتهم، السياسية والاجتماعية والدينية، داخل العراق وفي العالم،خاصة وأن الصورة النهائية للدولة العراقية مازالت غير نهائية وغير محسومة، وأن التوازنات السياسية داخل العراق قابلة لأن تتبدل وتتغيراً تبعاً لتبدل سياسات بعض الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة العراقية .لا أحد ينكر بأن آشوريي العراق هم أدرى بظروفهم وبمصالحهم، لكن أعتقد من حقنا، بحكم الانتماء القومي المشترك وارتباط المصير وفي ظل المخاوف من الضبابية التي تلف المشهد العراقي عامة وموقف الحكومة الكردية من المسألة الآشورية خاصة والتي تسعى لتوسيع خريطة إقليم كردستان ولو على حساب حقوق الآشوريين والتركمان وغيرهم،من حقنا أن نتساءل: أي آفاق مستقبلية للآشوريين العراقيين إذا كان مشروعهم القومي اليوم يرتبط بشخص بعينه،أياً يكن هذا الشخص؟.فهل حقاً مصير الآشوريين العراقيين اليوم يتوقف على قرار من السيد نيجيرفان البرزاني(رئيس الحكومة الكردية) ورغبة سركيس آغاجان بتحقيق ذلك؟.بالطبع الإجابة هي برسم الأحزاب والتنظيمات الآشورية الكلدانية السريانية عامة، داخل  وخارج العراق !.

سليمان يوسف يوسف.... سوريا...مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org[/b][/font][/size]

124
مسيحيو سوريا والخوف من الطريق الى الديمقراطية
                                      (الجزء الثاني)
[/color] بالعودة الى مقال الدكتور منير الغضبان (( يا مسيحيي سوريا لا تخافوا من الديمقراطية))، الذي كتبه رداً على مقال لي بعنوان:(( مسيحيو سوريا والخوف على المصير))،الذي أثرت فيه مخاوف مستقبلية أراها مشروعة للمسيحيين السوريين.أضيف،الى ما كتبته في(الجزء الأول)،حول المخاوف من آليات التغير الديمقراطي في سوريا:
- في استقراء عام للخطاب الديني لـ (الإسلام السياسي)،بكل تياراته واتجاهاته، نجده يطرح ويمارس الدين بشكل إيديولوجي ويوظفه لأغراض سياسية نفعية بحتة،ويؤسس خطابه السياسي على يقينيات دينية مطلقة، مما يجعل التلاقي بينه وبين بقية القوى الوطنية والأحزاب السياسية غير ممكن على خط (الديمقراطية) وفصل الدين عن السياسية،أو أنه سيكون آنياً،لا مستقبل له.فالإسلام السياسي وكما يقول الدكتور نصر حامد أبو زيد:((إنه يخلط عن عمد وبوعي ماكر وخبيث بين فصل السلطة السياسية عن الدين وبين فصل الدين عن المجتمع والحياة في محاربته للعلمانية وليكرس اتهامه لها بالإلحاد)).قد يحصل التلاقي على توصيف وتشخيص النظام في سوريا على أنه نظام (لا ديمقراطي) وينتهك حقوق الإنسان السوري وحرياته،لكن هناك شكوك ومخاوف،وربما قناعة راسخة، لدى معظم القوى الوطنية بأن قدوم الإسلاميين الى السلطة يفقد مجرد الأمل بحلول الديمقراطية والحريات في سوريا ويطيح بالحقوق المدنية، لأن من طبيعة(الاستبداد الديني) يرتكز الى العقيدة الدينية والشريعة المنزلة والمطلقات المقدسة الغير قابلة للنقد والنقاش.ومن هنا أرى عدم واقعية ما كتبه الدكتور منير الغضبان عن مشروع الإخوان المسلمين لسوريا: (( إن الجماعة تدعو الى إقامة دولة حديثة، تكون الحاكمية فيها لله والسيادة للقانون والسلطان للأمة..)).أتساءل ما هذه الدولة الديمقراطية الحديثة العادلة التي ستقيمها جماعة الأخوان المسلمين تكون الحاكمية(المرجعية) فيها لله،والسلطان للأمة، بالطبع (أمة الإسلام) والحاكمية هي كما جاءت في القرآن،الذي تعود أحكامه الى أكثر من أربعة عشرة قرناً خلت، خاصة بوجود خلاف لاهوتي عميق حول طبيعة الله ووظيفته وأحكامه ليس بين الإسلام والديانات الأخرى فحسب، وإنما بين الفرق والمذاهب الإسلامية ذاتها من جهة، ووجود شعوب وأقوام غير اسلامية تشارك المسلمين العيش في سوريا من جهة أخرى.ألا يرى معي الدكتور استحالة قيام دولة حديثة تواكب العصر وتستجيب لمتطلبات الحداثة، تكون الحاكمية فيها لله (مرجعيتها في السماء) وسكانها على الأرض،وهو باحث إسلامي يعلم ويدرك بأن الإسلام حدد موقفه من اتباع الديانات الأخرى بشكل قطعي ونهائي، بالآية القرآنية: (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا بيوم الآخرة ولا يحرمون ما حرمه الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) (سورة التوبة، الآية 29).  فالحقوق التي أعطاها الإسلام لأهل الكتاب جاءت بمقتضى ذمة الله وذمة محمد والمسلمين، فهم أهل ذمة لا حقوق مدنية لهم إذا ما تعارضت مع الشريعة الإسلامية وأحكام القرآن.
- لا شك،أنني أختلف مع التوجهات السياسية والمنطلقات الفكرية لأخوان سوريا، لكن قطعاً أرفض بقاء القانون 49 الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي الى جماعة الإخوان المسلمين. فإذا كان ثمة مبرر للنظام في اصدار هذا القانون إبان حوادث العنف والعنف المضاد التي شهدتها بعض المدن السورية في الثمانينات من القرن الماضي، لكن الزمن السوري تجاوز موجبات بقاء مثل هذا القانون وغيره من القوانين والمحاكم الاستثنائية التي تشكلت بموجب قوانين الطوارئ وكبلت البلاد منذ انقلاب البعث على السلطة 1963.فسوريا أحوج ما تكون اليه في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها  هو (المصالحة الوطنية) وإطلاق الحرية للقوى الحية و الفاعلة في المجتمع المدني،بالطبع،وهذا لن يتحقق إلا عبر الخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة وإقامة دولة القانون والعدل والمساواة ووضع دستور جديد للبلاد يعيد للمجتمع توازنه ويضمن الشراكة الحقيقة في الوطن،لأن الاستئثار بالسلطة والقرار،كما هو حاصل اليوم، من قبل أي طرف او حزب، يشل حركة المجتمع ويعطل تطور الدولة ويقوض حرية المواطن والوطن معاً.
- بماذا يختلف الدكتور منير الغضبان عن (النظام السوري) عندما يتهم، كل من يعترض على توجهات وبرامج (الأخوان المسلمين)أو حتى يرفض أو يتخوف منهم في حال حكموا البلاد، بالعمالة للنظام وخدمة سياساته، تماماً مثلما يتهم النظام معارضيه بالعمالة لأمريكا والغرب وخدمة إسرائيل.قد يكون هناك تقاطع وتلاقي بين التيارات السياسية( العلمانية والليبرالية والديمقراطية) في المعارضة السورية مع النظام السوري القائم، فيما يخص الموقف من (إخوان سوريا)، لكن هذا التقاطع لا يضعهما ولا يجوز وضعهما، في خندق سياسي واحد،فكل منهما يتخوف من الأخوان ويعترض على وصولها للسلطة من لأسبابه الخاصة.فهل مجرد التقاطع بين مطالب المعارضة الوطنية في سوريا مع الدعوات الأمريكية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط وحثها النظام السوري على ضرورة القيام بإصلاحات ديمقراطية وسياسية حقيقة- بغض النظر عن جدية ومصداقية أمريكا في دعوتها هذه- يضع المعارضة السورية في دائرة الشك بوطنيتها والخيانة والعمالة لأمريكا كما يذهب النظام السوري؟.
- أننا نعيش في دول محكومة بالاستبداد والقمع، أخفقت في تطوير مفاهيم ومضامين المواطنة،وبالتالي هي دول لديها قابلية للانفجار والتجزئة واندلاع الفتنة الداخلية والحرب الأهلية،بسبب تركيبتها الاجتماعية والإثنية والدينية وضعف الاندماج الوطني وتنامي الولاءات القبلية والبدائية(ما قبل الدولة) في ظل الاستبداد الذي غيب ثقافة الحوار والديمقراطية وحقوق الإنسان،وعمم بدلاً عنها ثقافة الإقصاء و إلغاء الآخر.والدرس العراقي، بكل مضاعفاته وتداعياته( الأمنية والسياسية والاجتماعية) هو بالغ الأهمية يجب الاتعاظ منه،فما حصل في العراق قد يحصل في سوريا وفي معظم دول المنطقة،حتى من غير تدخل أجنبي ومن غير احتلالات.حيال هذه الأوضاع المقلقة، إذا ما خُيرتُ اليوم بين المشهد السوري الذي عنوانه(الاستبداد والفساد والفقر والأمن) وبين المشهد العراقي الذي عنوانه( الاحتلال والديمقراطية والفوضى والقتل على الهوية)، بكل تأكيد لن أتردد باختيار (المشهد السوري) بالرغم من قتامته.قطعاً ليس تمسكاً بالنظام ولا حباً بالفساد ولا ولعاً بالفقر وإنما رغبة بالأمن و خوفاً على سوريا والشعب السوري من المجهول، الى حين تنضج الظروف المحلية للتغير الديمقراطي الآمن والهادئ وليكون تغيراً بأقل الخسائر والأثمان.ان فظاعة المشهد العراقي فرملت حتى الدعوات الأمريكية والغربية فيما يخص نشر الديمقراطية في المنطقة وحال دون أن تصعد هذه الدول من ضغطها على النظام السوري خوفاً من وصول الإسلاميين الى السلطة بغياب البديل الديمقراطي المدني والمؤهل من جهة، ومن أن يؤدي اضعاف النظام الى انتقال المشهد العراقي الى الداخل السوري من جهة أخرى.فبعد نحو أربع سنوات من دخول أمريكا الى العراق أخفقت في تثبيت الأمن،مما اضطرها الى اعادة النظر بمجمل خططها العسكرية والسياسية في العراق ووضع استراتيجية جديدة على ضوء نتائج تقرير لجنة (بيكر-هاميلتون)،و بدأت( الإدارة الأمريكية) تفضل ما يعرف بالاسترخاء الديمقراطي مقابل التشديد على ملف الأمن والاستقرار في العراق.لا شك هناك أخطاء عديدة وقعت فيها الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع المشكلة العراقية، لكن باعتقادي أن الأسباب الأساسية لتدهور الوضع العراقي تعود الى طبيعة وتركيبة المجتمع العراقي وضعف الاندماج الوطني بين مكوماته وعدم تقبله الديمقراطية والتحولات السياسية التي حصلت في الواقع العراقي الجديد بعد سقوط الدكتاتورية، فكلمة الفصل اليوم في العراق هي للمشايخ وعلماء الدين ووجهاء القبائل ولزعماء الميليشيات المسلحة ولفقهاء القتل والإرهاب،بكل أسف انها ليست لرجال العلم والسياسية والقانون والفكر،وهنا مكن الخطر على وحدة العراق ومصيره،فالفشل هو فشل عراقي قبل أن يكون فشلاً أمريكياً.
- يتهمني بالانحياز والتألم للضحايا المسيحيين وتجاهل آلاف الضحايا من المسلمين في العراق،بالطبع القضية ليست كما يتصورها الدكتور منير، فأنا أتألم لجميع ضحايا العراق،خاصة الأبرياء والمدنيين العزل منهم وأدين بشدة قتل هؤلاء أياً يكن دينهم وانتماءهم.لكن معظم القتلى من المسلمين هم ضحايا احتراب طائفي بين السنة والشيعة يتحاربون على من يحكم العراق،في حين يقتل المسيحيون من غير أن يكونوا  طرفاً في هذا الصراع. وأكاد أجزم بأن مسيحياً عراقياً لم يقتل مسلم عراقي بسبب دينه أو قوميته،في حين أن المسيحيين يقتلون على ايدي متشددين مسلمين لا لذنب ارتكبوه، وإنما فقط لأنهم مسيحيون، ولهذا نميز بين قتل(المسيحيين والمندائيين والصابئين)،والتمييز هنا ليس بدوافع دينية، وإن يبدو كذلك،وإنما تبعاً لخلفيات القتل وأهداف القتلة،فهذه أقليات عراقية هي مهددة اليوم بوجودها بسبب سياسية التطهير الديني والعرقي التي تمارس بحقها.ثم ألا يرى معي الدكتور أن ظاهرة استهداف المسيحيين من قبل مجموعات إسلامية إرهابية في معظم دول المنطقة الإسلامية باتت ظاهرة خطيرة ومقلقة، ومن غير أن نسمع إدانات صريحة ورفض حاسم من قبل المرجعيات الإسلامية وحكومات المنطقة لهذه الأعمال الإجرامية.
- قطعاً،لم أفتخر بالدور البارز للمسيحيين السوريين في تأسيس أبرز أحزاب سوريا وبلاد الشام( البعث والسوري القومي والشيوعي) كما وصفني السيد منير الغضبان في رده،فلم أنضم يوماً الى أحد هذه الأحزاب الثلاث التي ترتكز الى عقيدة شمولية أضرت كثيراً بالعملية السياسية والديمقراطية في سوريا والمنطقة، وإنما أردت من الإشارة الى هذه الحقيقة التأكيد على انخراط المسيحيون في الحياة السياسية السورية دون أن يميزوا أنفسهم عن الأغلبية المسلمة، والذي ميزهم وقلص هامش حرياتهم السياسية و أعاق اندماجهم الوطني هي (الأغلبية المسلمة) بانتهاجها نهجاً طائفياً ووضعها دستوراً طائفياً للبلاد. لا شك،في أن قضية المسيحيين السوريين لا تختزل بحرمانهم من حق تولي رئاسة البلاد بموجب المادة الثالثة من الدستور، وهم لا يتباكون على هذا المنصب، وإن هو من حق كل مواطن سوري بغض النظر عن انتمائه الديني او المذهبي أو القومي او السياسي، فالمسيحيون يدركون جيداً استحالة وصولهم الى رئاسة الجمهورية حتى لو سمح لهم الدستور بحق الترشح،طالما بقي الانتماء الديني والمذهبي والعرقي يشكل والى درجة كبيرة وحاسمة الاستقطاب السياسي في سوريا ويحدد اتجاهات التصويت للمواطن في جميع الانتخابات، لكن وجود نصوص ومواد في دستور البلاد تميز وتفضل بين المواطنين السوريين، تشكل مانعاً قانونياً وسداً منيعاً في إقامة الديمقراطية وتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع ومثل هذه القوانين العنصرية تقوض اسس ومقومات العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد.
سليمان يوسف يوسف...سوري آشوري مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org[/b][/font][/size]

125
                             
مسيحيو سوريا والخوف من ثمن الديمقراطية
                                     (الجزء الأول )
[/color]                                   
كتب الدكتور (منير محمد الغضبان)- وهو من التيار الإسلامي السوري المعارض في الخارج-  مقالاً بعنوان ( يا مسيحيي سوريا لا تخافوا على مصيركم من الديمقراطية)، نشر في موقع أخبار الشرق بتاريخ 26-11 -2006،(المقال جاء رداً على مقال كتبته ونشر بتاريخ 22 أكتوبر الماضي  في جريدة (إيلاف) الإلكترونية بعنوان ( مسيحيو سوريا والخوف على المصير) يمكن قراءته على الرابط.
بداية أود أن أشير بأنني لا أتحدث باسم الآشوريين أو المسيحيين السوريين وإنما كواحد منهم لديه هواجس وتوجسات مستقبلية، أعتقد بأن الكثير من الأوساط والشرائح الآشورية(سريان/كلدان)والمسيحية عامة في سوريا تشاركني هذه الهواجس.أما فيما كتبه الدكتور منير الغضبان تعقيباً على مقالي، وهو الباحث الإسلامي والأكاديمي، أدهشني جداً، بسبب ما وقع فيه من مغالطات سياسية وفكرية وقراءته الغير دقيقة،أو بالأحرى المؤدلجة،لما كتبته واجتزائه لبعض الأفكار والجمل وإخراجها من السياق العام للموضوع وتأويلها بطريقة تناقضت كلياً مع مقاصدي، لا بل أساءت الى الرسالة التي أردت إيصالها لمفكري السلطة والمعارضة معاً.لذا استوجب مقاله الرد لتوضيح الصورة والموقف كما أردتهما للقارئ الكريم لا كما أراد الباحث منير، الذي بدأ مقاله:(( واجدني مساقاً للجواب على كل المخاوف التي اثارها الكاتب- سليمان يوسف- حول قدوم المد الإسلامي وقيام الدولة الإسلامية في سوريا التي ستقضي على المسيحيين وتسلبهم حقوقهم مهما ادعى الإسلاميون غير ذلك. ولا يجد حلاً إلا الهجرة عن البلاد قبل قدوم هذا البعبع)).وهنا أعيد ما كتبته بالحرف حول المخاوف والموقف من الأصولية الإسلامية وأدعو القارئ للتدقيق فيه ومطابقته مع ما ذهب اليه الدكتور في تحليله وقراءته لما كتبته:((...لأن المشروع النهائي للإسلام السياسي هو إقامة (الحكم والشرع الإسلامي) مهما حاول الادعاء غير ذلك وتطعيم خطابه بتعابير الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان. بالإضافة الى المخاوف السياسية العامة من وصول الإسلاميين الى السلطة في سوريا، هناك مخاوف، (فوق سياسية)،تسود الشارع المسيحي.الخوف من فقدان الهامش المقبول للحريات الدينية والشخصية الذي نعمت بها سوريا  طيلة الحقبة الماضية،...،هذه الأوضاع الخطيرة ستدفع بالمسيحيين في سوريا الى المزيد من الانكفاء والانطواء على الذات والتفكير بالهجرة لمن استطاع لها سبيلاً بحثاً عن حياة من غير قلق.كما قد تدفع بالبعض الى تأسيس أحزاب و(تنظيمات مسيحية) تحسباً لتطورات محتملة قد تشهدها سوريا وتكرار المشهد العراقي الأليم فيها)). فهل حقاً في هذا الكلام ما يشير أو يوحي  بأن (الدولة الإسلامية)، إذا ما قامت في سوريا،ستقضي على المسيحيين، أو فيه دعوة، صريحة أو مبطنة، للمسيحيين ليهجروا البلاد؟.أم أنه كلام يعكس مخاوف حقيقية ومشروعة تسود قطاعات واسعة في الشارع السوري، ولا أقول فقط المسيحي، من الأصولية الإسلامية، لما تحمله في عقيدتها وايديولوجيتها من رفض لقيم الحداثة والعصرنة وعداء للديمقراطية الحقيقية والحريات الشخصية والدينية؟.وهل يوجد من يشكك بأن إذا ما حكمت سوريا من قبل الإسلاميين سترتفع وتيرة الهجرة من سوريا وبشكل أكثر في أوساط المسيحيين، خاصة وقد ارتبط اسم حركة (الأخوان المسلمين) في ذاكرة (الإنسان السوري) بالعنف والإرهاب الذي مارسته في الثمانينات من القرن الماضي؟. كما إن معظم أعمال العنف والقتل والإرهاب التي تمارس في هذه الأيام في جميع مجتمعات المنطقة والعالم تقوم بها مجموعات إسلامية.ثم أنني اشرت في مقالي المذكور الى احتمال أن تدفع، تطورات الحالة السورية وصعود الإسلاميين الى السلطة،ليس فقط الى الهجرة، وإنما الى بروز (أحزاب مسيحية) في سوريا، لكن السيد منير لم يعلق على هذا الخيار.ربما الدكتور معذور في عدم ملامسته أو معايشته لمخاوف الشارع السوري من الأصولية الإسلامية لأنه يعيش منذ سنوات طويلة منفياً خارج وطنه بعيداً عن الواقع السوري.جدير بالذكر في رمضان عام 2005 أودع مواطن سوري في جرمانا (ريف دمشق) السجن بسبب إفطاره علناً وأمام العامة، حصل هذا في ظل حكم حزب (البعث) الذي وضع منطلقاته النظرية مسترشداً بالماركسية اللينينية وجعل من سورية دولة (نصف علمانية) في بدايات حكمه، فكيف سيكون حال السوريين والمسيحيين لو حكمت البلاد من قبل الإسلاميين، خاصة من حيث الحريات الاجتماعية والدينية التي تميزت بها سوريا منذ نشأتها كدولة مستقلة في أربعينات القرن الماضي.أن رفضي لأي نظام أو حكم اسلامي في سوريا،قطعاً لا يعني بأنني متمسك بهذا النظام القائم في سوريا وحزبه (البعث) أو أنني من المدافعين عنه.وليطمئن الدكتور غضبان وغيره من الإسلاميين أن اقصر طريق لوصول الإسلاميين الى السلطة في سوريا هو بقاء حزب البعث على راس السلطة(قائداً للدولة والمجتمع)، الذي بات أقرب الى الإسلام من العروبة، هذا ما أعتقده،ذلك بإقفاله باب التغيير الديمقراطي وتداول السلطة في البلاد، فقد ثبت أن (العروبة) هي الوجه الآخر (للإسلام) وهذا يفسر عزوف المسيحيين والليبراليين عن (الحركة القومية العربية) والعودة الى الأحزاب والحركات الوطنية.وقد بدأ النظام السوري يغازل الإسلاميين، وإن المعتدلين منهم، وركب حزبه (البعث) الموجة الإسلامية الصاعدة في المنطقة لقطع الطريق امام التيارات الإسلامية المتشددة وربما لاحتوائهم وكسبهم في مواجهته الراهنة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين،مما أعطى مد وقوة لـ(التيار الإسلامي) في المجتمع و داخل البعث الحاكم،الذي لن يتردد(التيار الإسلامي) بالانقلاب على النظام في اقرب فرصة سانحة تمكنه من ذلك مستفيداً من الضغوط الخارجية المتزايدة على النظام وتململ الشعب السوري بسبب سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية وتفشي ظاهرة الفساد في البلاد.
لقد أوحى الدكتور غضبان للقارئ بأنني أخشى الديمقراطية وأرفض التغير الديمقراطي في سوريا خوفاً من مجيء الإسلاميين الى السلطة وهو يرى بأن مثل هذه التوجهات والمواقف تخدم سياسات النظام وتبرر له رفضه للتغير الديمقراطي في البلاد والإمعان في الاستبداد، قطعاً أنا لا أخشى الديمقراطية الصحيحة حتى لو جاءت بالإسلاميين الى السلطة- وإن كنت استبعد هذا  بسبب تركيبة وطبيعة المجتمع السوري- بالطبع لست مع ديمقراطية الأغلبية الطائفية فهذه ليست ديمقراطية وإنما إجهاض للديمقراطية الصحيحة التي تقوم على أغلبية سياسية تجمع وتضم من كل الطيف السوري.لكن مخاوفي قطعاً هي ليست من الديمقراطية السليمة،وإنما من الديمقراطية المشوهة أولاً ،ومن الطريق الى الديمقراطية ثانياً، أو بالأحرى من (ثمن الديمقراطية).لا جدال ولا خلاف على أن لا ديمقراطية ولا حريات من دون ثمن،لكن في سوريا يخشى أن يكون الثمن باهظاً جداً الى درجة تفوق قدرة الشعب السوري على تحمله نظراً للخصوصية الشديدة للنظام القائم في سوريا، خاصة في هذه المناخات الطائفية والمذهبية المخيمة على المنطقة والتي بدأت تلقي بظلالها على المجتمع السوري الذي يتصف بالتعددية الدينية والمذهبية والقومية.إذ يخشى أن تكون دعوة، الإخوان المسلمين وجبهة الخلاص ومن غيرهم من قوى المعارضة في الخارج والداخل،الشعب السوري الى الاعتصام والنزول الى الشارع قفزة في المجهول تدخل البلاد في الفوضى. فمن المؤكد ان النظام لن يتخلى عن الحكم طواعية و لن يقدم سورية هدية على طبق من ذهب الى الإخوان المسلمين ولا إلى أي جهة أخرى تريد انتزاع السلطة منه.وقد رأى العالم في التاسع من شهر آذار الماضي كيف واجهت فرق المجموعات الطلابية البعثية المسلحة (الاعتصام الرمزي) السلمي،الذي دعت اليه قوى المعارضة المنضوية في (إعلان دمشق) وشاركت فيه احتجاجاً على استمرار قانون الطوارئ في البلاد،أمام أنظار كبار القضاة وضباط الشرطة في القصر العدلي بدمشق حيث أقيم الاعتصام، بالعصي والهراوات ودممت رؤوس البعض واعتقل البعض الآخر بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقوة حفظ النظام،فكيف ستكون ردة فعل النظام على المعارضة فيما إذا تحركت لإسقاطه.أعتقد بان الدكتور منير يدرك جيداً بان النظام السوري لن يسقط ولن يتغير بتلاوة (الفاتحة) عبر الفضائيات من قبل قادة (الإخوان المسلمين) أو من قبل(جبهة الخلاص) من إحدى العواصم الأوربية حيث هم متواجدون، أو بنشر وتوزيع بيان أو(بلاغ سياسي) عبر الانترنيت من قوى (إعلان دمشق) الذي ثبت، بعد عام من انطلاقته،أن قوى المعارضة، لأسباب ذاتية وموضوعية،هي أعجز من أن تحرك (الشارع السوري) الذي أدخله النظام،عبر عقود من الاستبداد والقمع وتخويف الناس من السياسة ومن العمل في الشأن العام، أدخله في (سبات سياسي وثوري) لأجل غير مسمى، مما أصاب المعارضة الوطنية في سوريا بخيبة أمل كبيرة ودخلت في كآبة سياسية، لا يبدو أنها ستخرج منها على المدى المنظور،خاصة بعد أن فشلت، في تغيير النظام، حتى الآن، آلهة الأرض(أمريكا وحلفائها الغربيين)،مثلما فشلت من قبل آلهة السماء بـ(وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد).إذ كانت تتوقع ، أو بالأحرى تتأمل،بعض الأطراف الداخلية والخارجية، أن تكون نهاية النظام السوري مع رحيل( الرئيس حافظ الأسد) مؤسس هذا النظام، لكن يبدو أنه (النظام) مازال قوياً ومتماسكاً، أو أنه أقوى الضعفاء، بحسب تعبير الصحفي السوري( شعبان عبود).
للموضوع تتمة....

سليمان يوسف يوسف... سوري آشوري مهتم بقضايا الأقليات
shosin@scs-net.org[/b][/font][/size]

126
   
(سهل نينوى): بين الأمل الآشوري والمشروع الكردي
سليمان يوسف

بعد كل ما عاناه شعب العراق طيلة العقود الماضية تحت حكم الدكتاتورية والاستبداد، كان من المفترض أن تعالج مشاكله، خاصة مشكلة القوميات، بشكل جذري وسليم في اطار دستور جديد، يؤسس لدولة عراقية  فدرالية تعددية ديمقراطية، مستفيدة من تجارب ناجحة لدول عديدة في هذا المضمار. دستور يسمح بإنشاء مناطق للحكم الذاتي القومي لجميع القوميات، صغيرة كانت أم كبيرة، وبما يحقق علاقات قومية ووطنية منسجمة ومستقرة ومتوازنة ويعزز الثقة والتعاون فيما بينها ويحقق العدالة والمساواة في توزيع السلطات والثروات و تؤمن حقوق وفرص متساوية ومتكافئة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وبهذه الخطوات كان يمكن أن تتقدم العملية الديمقراطية والسياسية بشكل متسارع في العراق. لكن بكل أسف هذا لم يحصل، ما حصل استئثار زعماء الطوائف والقوميات الكبيرة وقادة الميليشيات بالقرار وفرض سياسية أمر الواقع، وتصرف جميع هؤلاء بطريقة غرائزية بدائية غير مدنية، وكل سعى لتوسيع جغرافيته السياسية والطائفية والقومية على حساب وحدة الوطن العراقي. وبالتالي همشت القوميات والأقليات الدينية الصغيرة كالآشوريين(سريان/كلدان) والتركمان والصابئة والمندائيين والأرمن، وكانت النتيجة إيصال العراق الى ما هو عليه اليوم من تفتت و إدخاله في حرب أهلية مريرة ومدمرة.وقد تصرفت حكومة (إقليم كوردستان)بمنطق الدولة المستقلة ذات السيادة، وانسجاماً مع هذا النهج والسياسة الكردية طرحت مستقبل سهل نينوى عبر السيد سركيس آغاجان(الوزير الآشوري في حكومة الإقليم) بغية توسيع حدود الإقليم، أو(الدولة الكردية المنشودة)، لتظهر للعراقيين وللعالم بأن ضم سهل نينوى هو رغبة أو خيار آشوري،مستفيدة من حالة الآمان والاستقرار النسبي التي تنعم بها مناطق الإقليم قياساً لما هو عليه الحال في الوسط والجنوب والموصل. وقد كشف عن هذه الأطماع الكردية الرئيس العراقي (جلال طالباني)،عندما طرح على التركمان (حكماً ذاتياً) لكركوك،ذات الغالبية التركمانية، شريطة أن يوافق التركمان على ضم كركوك الى إقليم كردستان كمخرج لعقدة كركوك المستعصية.بالطبع الرئيس جلال لم يطرح على الآشوريين حكماً ذاتياً لهم في سهل نينوى، لأنه ويبدو أنه يعتبر أمره محسوم فيما يخض ضمه الى الخريطة الكردستانية،وهنا وقع الرئيس جلال في خطأ سياسي كبير،إذ لا يجوز لرئيس دولة أن يتحدث باسم قوميته أو ينحاز لفئة عراقية معينة. يبدو لي ومن خلال استقراء الساحة السياسية الآشورية أن هناك لغطاً كبيراً حول مصير ومستقبل سهل نينوى، وهو ما تبقى من كل (بلاد آشور) لأن يتحدث عنه الآشوريون ويأملون بحكمه وفيه يقررون مصير ما تبقى، أم ما سيتبقى، من الآشوريين العراقيين. وعلى ما أعتقد بأن معظم الأحزاب والتنظيمات الآشورية داخل العراق وخارجه أخطأت منذ البداية في التعاطي مع (المسالة الآشورية) في العراق ومثلما أخفقت في تعبئة الرأي العام الآشوري تجاه قضيته، كذلك هي أخفقت في نقل قضيته الى الرأي العام العالمي وإثارتها في المحافل الإقليمية والدولية. أين الاعتصامات  الآشورية في الغرب وعواصم العالم، حيث جاليات آشورية كبيرة للفت أنظار العالم لمأساة الآشوريين وقضيتهم في العراق؟أين اللوبي الآشوري في دول القرار  وأحزابنا في المهجر أكثر مما هي في الوطن؟هذا التقصير يعود بالدرجة الأولى الى افتقار الأحزاب الآشورية  لرؤية مستقبلية سياسية واستراتيجية واضحة ومحددة فيما يخص مشكلة الآشوريين.فقد راهنت على الآخرين أكثر من أن تراهن على ذاتها في إحقاق حقوق الآشوريين، وتهافتت خلف المكاسب الحزبية والمنافع شخصية أكثر بكثير مما عملت للقضية الآشورية.وبسبب افتقارها الى الحدس أو القدرة على التحليل السياسي أخطأت كثيراً في قراءة المشهد العراقي وبالغت في رهانها على أن العراق سيتحول الى دولة عراقية ديمقراطية تعددية نموذجية بمجرد قدوم الأمريكان وسقوط نظام صدام حسين.

لا جدال، على أن الآشوريين من القوميات أو الشعوب الصغيرة نسبياً  في العراق وبالتالي هم ضعفاء بإمكانياتهم وقدراتهم وهم من غير حليف إقليمي أو دولي،ولا خلاف على ان معظم الأحزاب الآشورية هي  حديثة العهد وضعيفة الخبرة والتجربة في السياسة لكن مع هذا كان يجب أن لا تسقط الأحزاب الآشورية من حساباتها  السياسية المطالبة  بإقامة (كيان قومي آشوري)، ذاتي وحتى مستقل في اطار الدولة العراقية، خاصة وأن كل المؤشرات كان تدل على أن العراق سائر نحو التقسيم إلى أقاليم فدرالية وربما دويلات مستقلة على اسس عرقية ومذهبية وقومية.لماذا يعطى هذا الحق للعرب والأكراد ولا يعطى للآشوريين والتركمان، والآشوريون هم أصل العراق وتاريخه وبناة حضارته. تتحدث كثيراً الأحزاب والتنظيمات الآشورية عن حكم ذاتي في سهل نينوى، لكن ماذا وفرت من عوامل قوة، وماذا أعدت من أموال ومقومات مادية ولوجستية على الأرض في سهل نينوى وباقي المناطق والتجمعات الآشورية لدعم مقومات صمود الآشوريين وبقائهم في سهل نينوى؟.هل فكرت بإرسال  متطوعين آشوريين للدفاع عنهم في سهل نينوى إذا ما تعرضوا لهجوم واعتداء من قبل أطراف ما،وهو متوقع أن يحصل في ظل ما يشهده العراق من حرب طائفية؟. هل خلاص الشعوب يتم بالبيانات والخطب الرنانة والمؤتمرات والجلسات الصالونية الآشورية أمام الكاميرات للظهور على الشاشات.الآشوريون من الشعوب الصغيرة في المنطقة،لكنهم أكثرها في عقد المؤتمرات والجلسات الموسعة، ماذا كانت النتيجة وماذا قدمت هذه المؤتمرات الى الشعب الآشوري بالطبع لا شيء،فقط تتحول(المؤتمرات)الى حلبة للمزايدة القومية والدجل السياسي ، إذ تنتهي المؤتمرات لكن من غير أن يترتب عليها أي التزامات ومسؤوليات، حتى الالتزامات المالية تتهرب أحزابنا من الإيفاء بها، كما فعلت المنظمة الآثورية في مؤتمر بغداد 2003 ، إذ أعلنت امام الحضور بأنها تتبرع ب (5000) آلاف دولار لتغطية نفقات المؤتمر والى تاريخ اليوم هي لم تدفع سنتاً واحداً مما وعدت به،فلما عقد المؤتمرات القومية.

ثم هناك سؤال مهم واساسي يفرض نفسه في هذه القضية وفي هذا الظرف العصيب وهو: فيما إذا قررت الحكومة الكردية، أو قوى عربية إسلامية متطرفة، اجتياح إقليم سهل نينوى بالقوة، وهذا ما سيحصل غالباً، وحتى بدون أخذ المطالب الآشورية بعين الاعتبار، ماذا سيكون موقف الأحزاب والقوى الآشورية من عملية الضم والاجتياح هذه،هل هناك من بدائل وخيارات أخرى في استراتيجيتها أو هل من وسائل وبدائل قادرة الأحزاب الآشورية من خلالها على الدفاع عن آشورية سهل نينوى غير اسلوب التودد والمناشدات الذي نراه اليوم والذي لن يجدي نفعاً امام تصاعد أعمال العنف وانتصار لغة السلاح على لغة المنطق والحق ؟.أعتقد إنه من المهم جداً أن يتوقف الجميع عند هذا الاستحقاق القومي المهم وربما هو الأمل الأخير والمتبقي للآشوريين العراقيين بعد فقدان الأمل بعودة العراق وطناً لهم ولكل العراقيين.في هذا الظرف الكارثي والمأساوي الذي يمر به الشعب الآشوري والمسيحي عامة وسياسة التطهير العرقي التي يتعرض لها، أرى من المهم جداً أن تتركز الجهود الآشورية والمسيحية داخل العراق وخارجه حول ضرورة توفير (منطقة آمنة)توفر لهم عوامل الاستقرار في سهل نينوى دون الخوض في الأبعاد السياسية لمستقبل هذه المنطقة في المرحلة الحالية. فالقضية اليوم لم تعد مسالة حقوق ثقافية أو ادارية بالنسبة للآشوريين والمسيحيين في العراق وإنما قضية موت وحياة، وجود أو عدم وجود. ليترك  التابعية السياسية والإدارية للمنطقة الآمنة للمستقبل وعلى ضوء الصورة الجديدة للعراق.لا شك،أن المنطقة الآمنة تحتاج لضمانات دولية من الأمم المتحدة وإن كان هذا يبدو صعباً في هذه المرحلة لكن يجب العمل على هذا الاتجاه وتحريك القضية الآشورية ببعدها الإنساني وليس السياسي. وقد ظهر بالفعل بعض الشخصيات والمؤسسات في العالم تؤيد إيجاد مثل هذه المنطقة آمنة للآشوريين العراقيين لدواعي إنسانية. فإذا ما استمرت الأوضاع الأمنية في التدهور من غير أن يتوفر للآشوريين (ملاذ آمن) لا أعتقد بان يبقى آشوريون في العراق، لا في الجنوب والوسط  ولا حتى في الشمال  الآمن الذي يستقطب الآشوريين والمسيحيين الهاربين من الخطف و الموت الذي يلاحقهم في كل مكان.فبالرغم من الاستقرار و بعض المكاسب القومية للشعب الآشوري في ظل الحكومة الكردستانية للإقليم الشمالي ،تسود الشارع الآشوري مشاعر اليأس والإحباط بسبب كثرة التجاوزات على املاك والقرى الآشورية وحصول أكثر من حالة اغتيال لقيادات وكوادر سياسية آشورية (فرنسيس شابو وسمير وبيرس وغيرهم) ولآشوريين عزل على أيدي أكراد من غير أن يحاسب  أو يلاحق القتلة، واستمرار بعض الممارسات العنصرية وسياسة التكريد بحق المناطق الآشورية واتجاه الآشوريين والمسيحيين عامة.هذا ما لامسناه  في جولة قمنا بها الى الشمال العراقي 2002،كما يؤكد استمرارها أكثر من كاتب وسياسي كردي ابرزهم (نزار أغري) الذي يقول: (( يعمد الأكراد في سلوك عنصري واضح الى تبديل اسم اربيل باسم كوردي(هولير) واربيل معروفة بماضيها وتاريخها السرياني الآشوري وهي تعني بالسريانية الآلهة الأربعة. وهم الآشوريون(سريان / كلدان) يتعرضون لسوء المعاملة والإساءة والرعاع يهجمون على قراهم والمتطرفون يخطفونهم ويقتلونهم... والمتنفذون في الأحزاب الكردية يستولون على أراضيهم خاصة في فيش خابور وشقلاوة، ليس لهم أن يقولوا ما في داخلهم خشية من التعرض للأذى والحرمان من فرص العمل والوظيفة)).وبسبب التركيبة القبلية والعشائرية والإقطاعية لـ(الحزب الديمقراطي الكردستاني)، المسيطر الرئيس على الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية وعلى قوات البشمركة(الجيش) والأجهزة الأمنية،يستبعد أن يقيم حياة ديمقراطية وحريات سياسية صحيحة في الإقليم،جدير بالذكر لم يسمح  حتى الآن ببروز أحزاب وتنظيمات سياسية،كردية وغير كردية، معارضة لحكومة البرزاني في إقليم كردستان.
  shosin@scs-net.org[/b]

127
خاص بـ (عينكاوا كوم)                       

                      المنظمة الآثورية والوصاية الأمنية: خيال أم واقع؟

 أجرى موقع (عينكاوا كوم)، قبل ايام، حوار مع السيد (بشير اسحق سعدي)، مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية. ومن جملة الأسئلة كان السؤال التالي: يتهمكم أحد رفاقكم السابقين بوجود علاقات بينكم وبين حزب البعث والمخابرات السورية، ما هو تعليقكم على ذلك؟ أجاب السيد بشير: (( مثل هذه الافتراءات أمور تعودنا على سماعها والكل يعرف ومروج هذه الافتراءات بذاته يعرف اكثر من غيره أنها من صنع خياله ولذلك لا يستحق هذا الأمر هدر أي وقت للحديث فيه)). وباعتباري أنا المعني بهذا الموضوع الحساس والذي أثار ومازال جدلاً داخل المنظمة الآثورية وفي الأوساط الآشورية، أضع سلسلة من الوقائع والحقائق(السياسية والتنظيمية) والتساؤلات، أمام القارئ الكريم التي تؤكد، وبما لا يترك أي مجال للشك، بان المنظمة الآثورية هي واقعة تحت وصاية المخابرات السورية ومنذ زمن طويل، وإن هذه الوصاية هي حقيقة شاخصة وملموسة وليست افتراءات ومن صنع الخيال كما يذهب السيد بشير سعدي.

أبرز هذه الوقائع:

- إثناء اعتقال وتوقيف غالبية أعضاء قيادة المنظمة الآثورية عام 1987، ومن ضمنهم السيد بشير سعدي، على خلفية رسالة ضبطت مع أحد الآثوريين المسافرين الى أوربا،أصدرت (الهيئة المكلفة) التي تولت المسؤولية إبان التوقيفات بياناً سياسياً أدانت فيه الاعتقالات وطالبت السلطات السورية بالإفراج عن جميع المعتقلين،تفاجئنا بعد الإفراج عن قيادة المنظمة بأنها تبرأت من بيان الهيئة المكلفة وأدانته في المجتمع وأمام السلطات السورية وفجرت أزمة تنظيمية وسياسية داخل المنظمة على خلفية  البيان المشار اليه.

- شكلت قيادة المنظمة وفداً كبيراً وذهب الى البطريرك زكا والى شخصيات سريانية بعثية سعت للإفراج عنهم وقدموا لهم الهدايا الثمينة.

- أكد أحد الموقوفين الآثوريين بأن مجموعة القيادة الآثورية اقترحت على السلطات السوري حل المنظمة مقابل الإفراج عنهم لكن السلطات السورية لم توافق على هذا الاقتراح...

- صرح السيد بشير بعد أن أفرج عنه أمام  وفد المعارضة بان سوريا (سويسرا الشرق) والسجون السورية ملأ بالمعتقلين السياسيين..

- بأمر من، من  أجبر السيد بشير سعدي ،ومن دون العودة الى قيادة المنظمة، أجبر محرر موقع المنظمة على حذف وإزالة كل ما يتعلق، من أخبار ومقالات وتصريحات وتعليقات، بقضية اغتيال الشابين الآشوريين في الحسكة تشرين الأول 2004 وبالاحتجاجات الآشورية التي خرجت الى الشارع على خلفية هذه الجريمة النكراء.

- إثناء جولتنا في أوربا بعد هذه الجريمة بأشهر قال محرر الموقع: ((أريد أن أعرف ممن يأخذ بشير تعليماته: من الأمن السياسي أم من المكتب السياسي ، مضيفاً في يوم واحد اتصل معي  خمس مرات ملحاً علي إزالة كل ما يتعلق بقتل الشابين الآشوريين من الموقع )).

- بقرار من، من اعترض ومنع  وحده السيد بشير على  نشر في جريدة المنظمة(نشرو) البيان الذي وقعته المنظمة مع المعارضة السورية وهو المشارك في وضع مسودة هذا البيان  وكان أول بيان سياسي توقعه المنظمة مع قوى المعارضة السورية(عربية وكردية) على خلفية أحداث آذار في القامشلي 2004.

- لماذا يعترض وحده من بين جميع أعضاء المكتب السياسي على تناول المنظمة الآثورية للحزام العربي الذي أقامه البعث السوري في الجزيرة السورية والذي جرد العشرات من القرى الآشورية والكردية من اراضيها الزراعية وولد ضغطاً نفسياً واجتماعياً على شعبنا... بحجة أنه يخدم التوجهات الكردية في الجزيرة السورية.

- لماذا اعترض وبشدة وتخوف من لقاءي في باريس مع المعارض السوري هيثم مناع، وقد خلق أزمة داخل المكتب السياسي  على خلفية هذا اللقاء.

- بقرار من، من أجبر المكتب السياسي على اصدار التصريح المشبوه في تموز 2005الذي بموجبه جرد جميع أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي من حقوقهم في التصريحات السياسية لوسائل الإعلام .

- بقرار من، من انقلب على اجماع المكتب السياسي في قضية الخلاف الأخيرة حول كلمة المنظمة في حفل التأبين الكردي في آذار 2006 وفجر الأزمة الراهنة.

- المؤتمر العام الأخير للمنظمة 2003 قرر أن ترفع المنظمة مذكرة الى الحكومة السورية والرئيس السوري تحدد فيها مطالب المنظمة من حقوق قومية للآشوريين في سوريا،  لقد مضى اكثر من ثلاث سنوات على المؤتمر والسيد بشير وحده  يرفض رفع هذه المذكرة بحجج واهية  لا تقنع أحداً.

- لماذا كان يلح على المكتب السياسي على ضرورة القيام بزيارات دورية للفروع الأمنية  في القامشلي وعندما رفضت غالبية أعضاء المكتب تبين بأنه كان يقوم بمثل هذه الزيارات مع آخرين في المنظمة مقربين منه.

- إثناء التحقيقات معي في الفروع الأمنية سمعت منهم كلاماً جرى داخل اجتماعات المكتب السياسي.

- عضو مكتب سياسي حالي وهو مازال في القيادة مقرب من السيد بشير قال أكثر من مرة: ((هناك أمرين لا يمكن لبشير أن يتخلى عنهما: علاقاته مع المخابرات السورية ، وخضوعه لكنيسة السريانية الأرثوذكسية)) .

- منذ اعتقالات عام 1987 والى تاريخ اليوم ومسؤول المكتب السياسي ومسؤول اللجنة المركزية  في المنظمة الآثورية هم من المجموعة التي اعتقلت....

أترك التعليق والحكم للقارئ الكريم ولأعضاء وكوادر المنظمة الآثورية الديمقراطية....

سليمان يوسف .... سوريا shosin@scs-net.org

عضو مكتب سياسي سابق في المنظمة الآثورية

 

128
حوار تلفزيوني
[/color]
سيكون الكاتب الآشوري السوري( سليمان يوسف) ضيفاً أساسياً ،عبر الهاتف،على البرنامج الأسبوعي الحواري الذي يقدم بالعربية وعلى الهواء مباشرة، في تحليل سياسي  للوضع الآشوري الراهن وللحالة السياسية السورية الراهنة،على (الفضائية الآشورية) التي تبث من الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك يوم السبت القادم ( 2-12- الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت سوريا).
تعمل الفضائية الآشورية- Bet  Nahrain –
على القمر الأوربي: Hotbird 1-5   
التردد:  11116
السرعة/الرمز: 27500
                      3/4   
الاتجاه:   v         عامودي

سليمان يوسف.... بالتنسيق مع الفضائية الآشورية
 29-11-2006 [/b] [/font] [/size]

129
كوليت خوري: لم أعين لإرضاء المسيحيين
 
2006 الجمعة 24 نوفمبر
سليمان يوسف يوسف

في مناخات سياسية، سورية وإقليمية، ملبدة بغيوم الطائفية والمذهبية والعرقية، جاء تعين الأديبة (كوليت الخوري) مستشارة أدبية للرئيس (بشار الأسد)- وهي مسيحية دمشقية مستقلة ليبرالية، حفيدة (فارس الخوري)، أحد أبرز رجالات الاستقلال و زعماء الكتلة الوطنية في سوريا، تسلم رئاسة البرلمان، ثم رئاسة الوزراء 1947- حاملاً هذا التعين أكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه، هذا ما أشارت اليه كوليت نفسها في تصريح لها لوكالة الأنباء الايطالية (آكي)، فور صدور قرار تعيينها، قالت: ((هذا التعيين يرتبط بأسباب سياسية، يحمل رسائل الى الداخل ولبنان والغرب، و فيه ما يبعث على التطمين للمستقلين والدمشقيين والمسيحيين الذين يشعرون بأنهم مهمشون ولا دور لهم في مواقع القرار)).
وكأنها(كوليت)، وهي تحت نشوة الفوز بهذا المنصب الرفيع، أرادت أن تبشر كل هذه الشرائح والأوساط السورية المغبونة والمهمشة بأن قرار تعينيها يشكل نقطة انعطاف مهمة في الحياة السياسية السورية، وأنه سيؤسس لمرحلة سياسية جديدة في البلاد. لكن لم تمض ايام حتى نقلت عنها نشرة(كلنا شركاء) في عددها 1-11-2006، تصريحاً لها نفت فيه ما نسبته اليها وكالة ( آكي)، وقالت: ((تعيينها كمستشارة هو تكريم للأدب والأدباء في سوريا، ولم يأت للإرضاء المستقلين والدمشقيين والمسيحيين)).
جدير بالذكر كنت قد كتبت مقالاً ((مسيحيو سوريا والخوف على المصير )) لجريدة (ايلاف) نشر بتاريخ 22 أكتوبر الماضي، أشدت فيه بالتصريحات الأولى للسيدة (كوليت)باعتبارها المرة الأولى التي تقر شخصية رسمية سورية بكون المسيحيين أكثر فئات المجتمع السوري تغيباً وإبعاداً عن المشاركة السياسية في ادارة البلاد.
لا أعتقد بأن الأسباب التي دفعت المستشارة كوليت لهذا النفي تخفى على المهتم بالشأن السياسي السوري،فقد اعتاد الشعب السوري على سرعة تراجع المسئولين في الدولة عن تصريحاتهم ومواقفهم التي يدلون بها للصحافة وهم في (غفوة سياسية)، وإعادة تفسير تصريحاتهم وتأويلها بما لا يتعارض أو يتناقض مع سياسات النظام وتوجهاته الوحيدة الاتجاه، في الداخل أو الخارج.ففي نظام شمولي غير ديمقراطي لا مكان فيه لحرية الرأي والتعبير والاجتهاد، للمسئولين في الدولة، حتى في ابسط القضايا والمسائل السياسية وأصغرها وأياً يكن موقعه في هرم السلطة.
هذه الحقيقة السورية ليست غائبة عن السيدة كوليت وهي تدرك، من دون شك، أن في ظل الأنظمة الشمولية المنغلقة على نفسها يستبعد أن يكون لمستشاري الرئيس أو لنوابه، أي دور مهم أو تأثير في صناعة واتخاذ القرارات السياسية، خاصة أنها أولاً وأخيراً هي مستشارة (أدبية) لا (سياسية)، وبالتالي عليها أن لا تحشر نفسها في تعقيدات المشهد السياسي السوري وتناقضاته. كما أنها لا تريد تحميل قرار تعينها أكثر مما يحتمل، وقد سئم الشعب السوري من اطلاق الشعارات ومن سياسة اطلاق الوعود التي ينتهجها النظام والتي أوصلت الشعب الى مرحلة اليأس والإحباط من إمكانية تحقق الإصلاحات السياسية والغير سياسية التي تم الحديث عنها.
وبالطبع أن السيدة كوليت، وهي الأديبة الرقيقة، تدرك جيداً حساسية المرحلة ودقة الظروف والأوضاع التي تمر بها سوريا، وما يسود (الشارع المسيحي) من مشاعر الإحباط واليأس وهواجس القلق على المستقبل،والتي تعود بالدرجة الأولى الى سوء الأوضاع(السياسية والاقتصادية والحقوقية وتفشي ظاهرة الفساد) في سوريا.
كما أن هواجس المسيحيين السوريين ترتبط بشكل أو بآخر بالظروف الصعبة والمقلقة التي تحيط بالمسيحيين المشرقيين عامة، بسبب تنامي الاتجاهات الإسلامية المتشددة وتصاعد أعمال العنف والصراعات القومية العرقية والمذهبية والطائفية في منطقة الشرق الأوسط التي غدت فيه المسيحية، بعد أن كانت ديانة الأغلبية، مجرد أقليات دينية وعرقية متناثرة في مجتمعاته الإسلامية المحافظة والمتشددة تجاه العقائد الأخرى واتجاه الحريات الدينية والشخصية.
كما ويتعرض المسيحيون في بعض المجتمعات الإسلامية الى مظالم وتعديات شتى،تصل في بعضها الى حدود القتل العمد والتهجير القسري والتعدي على كنائسهم ومحرماتهم وخطف واغتصاب نسائهم وبناتهم(مصر، العراق ،السودان ،الصومال...).
وبفعل عوامل الجغرافيا والتاريخ المشترك والعلاقات الاجتماعية والسياسية المتميزة والمنفتحة بين الشعبين اللبناني والسوري، ألقت الأزمة اللبنانية وتعقيداتها ومضاعفاتها الخطيرة، التي هزت مكانة وموقع المسيحيين في التركيبة أو المعادلة الديمغرافية والاجتماعية والسياسية اللبنانية، ألقت بظلالها على مشاعر ونفوس المسيحيين السوريين وزادتهم إحباطاً ويأساً وقلقاً على المستقبل.
بالطبع لا يمكن تجاهل أو إغفال تأثير الأوضاع الأمنية المتدهورة وانفجار الحرب الطائفية في العراق، التي طالت نيرانها المسيحيين العراقيين، من غير أن يكونوا طرفاً، على وضع المسيحيين السوريين.إذ يشكك المراقبون بقدرة النظام السوري على تجنيب سوريا مضاعفات الأوضاع الصعبة التي تحيط بها من كل حدب وصوب، وهو(النظام) نفسه واقع تحت ضغوط إقليمية ودولية، خاصة إذا ما صدقنا رواياته حول نشاط الخلايا الإرهابية والمجموعات الإسلامية التكفيرية( جند الشام وغيرها) التي بدأت تطل برأسها من حين لآخر وتشتبك مع قوات الأمن السورية.
بدون شك، وبغض النظر عن مدى صحة ما نقلته وكالة آكي الإيطالية من تصريحات عن المستشارة (كوليت) من عدمه، أن نفيها لما نسب اليها لا يغير من حقيقة واقع حال المسيحيين السوريين وقضيتهم،كونهم أكثر مكونات الشعب السوري مهمشين سياسياً ومبعدين عن مواقع القرار في البلاد(حرمانهم من تولي المناصب السياسية السيادية في الدولة)، جراء قوانين التميز الديني التي انتقصت من حقوقهم (السياسية والمدنية والديمقراطية) التي تعد من أساسيات حقوق المواطنة، وهم (المسيحيون) جزء أساسي وأصيل من النسيج الوطني السوري، ناضلوا الى جانب بقية مكونات الشعب السوري من أجل استقلال سوريا وأخذوا دورهم في بناءها وتطويرها في كل مناحي الحياة.
وبفضل الوعي الوطني المتنامي في أوساط النخب المسيحية في سوريا وحرصها الزائد على تماسك ووحدة المجتمع السوري بكل طيفه الديني والقومي والثقافي والمذهبي، وسعيها لجعل سوريا دولة لكل مواطنيها تقوم على العدل والمساواة وتحكم بالقانون والدستور وبآليات ديمقراطية، لم تفكر يوماً (النخب المسيحية) بتأسيس أحزاب وتنظيمات مسيحية، وإنما انخرطت هذه النخب في معظم الأحزاب السورية، لا بل كان لها الدور الأبرز في تشكيل وتأسيس أهم ثلاث أحزاب سياسية في سوريا وبلاد الشام(البعث، الشيوعي، السوري القومي).
لكن بكل أسف وحزن وطني شديدين أقول ما أخشاه، هو:أن يضطر المسيحيون السوريون، بعد أكثر من ستة عقود على الاستقلال والحكم الوطني، أن يجدوا أنفسهم مضطرون للعودة الى الوراء وتشكيل (أحزاب مسيحية) تحت ضغط تنامي ظاهرة الاصطفافات السياسية على أسس طائفية ومذهبية واثنية في المجتمع السوري.
فهذه الاصطفافات والولاءات البدائية المتعارضة مع الولاء للوطن، لا بد لها، من أن تزيد مشاعر القلق والاغتراب الوطني لدى المسيحيين السوريين، وأن تخل بشروط العيش المشترك والشراكة الحقيقة في الوطن.وربما يكتشف المسيحيون في سوريا، تحت ضغط (المعضلة الطائفية)، أن عدم تشكلهم في كتلة سياسية واحدة وغياب أحزاب خاصة بهم تشكل إحدى أهم نقاط ضعفهم السياسي في المعادلة السياسية السورية.
لا شك، أن الإطالة في عمر الاستبداد وديمومته في سوريا وسياساته الخاطئة تجاه معظم القضايا الوطنية ومشكلات الواقع السوري، في مقدمتها قضية التنمية الشاملة و الديمقراطية وحقوق الإنسان والتوزيع العادل للثروة واستقلالية القضاء، سببت انحسار القوى الليبرالية والتيارات العلمانية والليبرالية، ووفرت تربة، اجتماعية وثقافية ونفسية، خصبة ومناسبة لبروز وتنامي مختلف أنوع العصبيات والانتماءات والولاءات البدائية وتنامي الاتجاهات الإسلامية المتزمتة وانتشار (الفكر الظلامي) وثقافة كره الآخر في المجتمع، ليس في الأوساط الشعبية والفقيرة فحسب، وإنما داخل مختلف الأوساط والشرائح والطبقات الاجتماعية والنخب الإسلامية بما فيها مرجعياتها الروحية والقائمين على المؤسسات التعليمية والتربوية الإسلامية.
هذا ما كشفت عنه الرسالة التي رفعها مؤخراً عدد من (العلماء المسلمين) يتقدمهم (محمد سعيد رمضان البوطي)الى الرئيس(بشار الأسد)، احتجاجاً منهم على قرار الغاء المدارس الدينية في المرحلة الإعدادية،إذ تهجموا في رسالتهم على التعليم المختلط ووصفوه بـ(بؤر الفساد الأخلاقي) وبأنه آفة خطيرة له آثار ونتائج شائنة على المجتمع والإنسان.

كاتب سوري- القامشلي مهتم بقضايا الأقليات
shosin@scs-net.org[/b][/size][/font]
 

130
هل من يوم غضب مسيحي..؟
   
                       
مهزلة العقل السياسي الآشوري.


لا أعتقد بأن (المشهد الآشوري والمسيحي) الراهن الأليم في العراق،وهو جزء من المشهد العراقي العام، يحتاج الى جهد كبير لقراءته واستشفاف آفاقه المستقبلية القريبة. أنه بكل بساطة ينذر بوقوع كارثة حقيقة للمسيحيين في العراق، من أقصى جنوبه الى أقصى شماله،معظمهم من الآشوريين(سريان/كلدان) والأرمن، حيث تتواصل عمليات الخطف والقتل لأناس عزل أبرياء، لا لشيء فقط لأنهم مسيحيين، وتزداد التفجيرات الإرهابية ضد الكنائس والمنازل وعمليات التهجير القسري، التي تقوم بها منظمات اسلامية وقومجية إرهابية، تمولها منظمات اسلامية وعربية إقليمية وعالمية. أجبرت هذه الأعمال البربرية حتى الآن أكثر من نصف المسيحيين على النزوح والخروج من العراق.
ومع استمرار تدهور الأوضاع الأمنية وارتفاع حدة العنف الطائفي والصراع العرقي في العراق تزداد مأساة المسيحيين تفاقماً، وقد تطال لاحقاً معظم آشوريو ومسيحيو المنطقة، من سوريا الى لبنان ومصر، إذا ما بقيت المنطقة تغلي وتلتهب بنار الطائفية، وبالتالي قد يسدل الستار على التاريخ أو الوجود الآشوري الذي يعود الى أكثر من ستة آلاف عام في بلاد مابين النهرين مهد حضارتهم، وتتحقق نبوءة المخرج الفرنسي( روبير آلو) الذي وضع قبل سنوات فلماً وثائقياً عن الآشوريين، بعنوان( آخر الآشوريين) أو (القافلة الأخيرة), بعد أن جالا وتنقل في معظم مناطق والتجمعات الآشورية(سريان/كلدان)(سوريا والعراق وايران وتركيا) مستطلعاً أحوالهم وتابع حركة نزوحهم الديمغرافي ولحق بهم حتى في أوطانهم الجديدة في بلاد الاغتراب، في أمريكا وأوربا،حيث تتوسع وتكبر تجمعات الجاليات الآشورية هناك،بالمقابل تتقلص وتنحسر التجمعات الآشورية والمسيحية في أوطانهم في المشرق العربي الإسلامي.
بالرغم من حجم المأساة وهول الكارثة التي لحقت بالمسيحيين في العراق وتنذر بالمزيد، أعادت الى الذاكرة الآشورية والمسيحية المشرقية ويلات ومآسي (المذبحة المسيحية الكبرى) التي جرت لهم في تركيا العثمانية في بدايات القرن الماضي،فأن مظاهر الفرح والبهجة من رقص وغناء وحفلات سهر ومرح تشغل أكبر المساحات الزمنية والمكانية في البرامج الفضائيات الآشورية وكذلك بالنسبة لمعظم فعاليات التنظيمات والمنظمات وأشباه الأحزاب الآشورية وجميع المؤسسات القومية والاجتماعية الأخرى، داخل الوطن وخارجه.
إذ يبدو أن هذه التنظيمات الآشورية فضلت التصدي للمخاطر والتحديات المحدقة بالشعب الآشوري بالرقص والحفلات الساهرة ورفع نخب الوطن (بيث نهرين)، جاعلين من مأساة شعبهم ملهاة يتلذذون ويتاجرون بها.هذا التعايش السلبي أو بالأحرى التكييف المرضي الخطير مع  الواقع المرير للشعب الآشوري من قبل عموم التنظيمات والحركات والمنظمات القومية الآشورية، يكشف المستوى الهابط لهذه التنظيمات والانحطاط الشامل التي وصلت اليه،أقل ما يمكن أن يقال عن هذه الحالة والظاهرة الخطيرة والغريبة على التاريخ الآشوري إنها: (مهزلة العقل السياسي) الآشوري.
إذ، كان المنتظر والمطلوب أن تثور التنظيمات الآشورية ومعها جمهورها- إذا بقي لها من جمهور- وتحرك الجاليات الآشورية في دول المهجر للتظاهر احتجاجاً على الكارثة التي حلت بالشعب الآشوري جراء سياسة التطهير الديني التي تمارسها المنظمات الإسلامية والمجموعات الإرهابية بحق المسيحيين العراقيين.فالتظاهر والاحتجاج  هو اقل ما يمكن أن تفعله التنظيمات الآشورية من أجل لفت أنظار العالم لمأساة الآشوريين والمسيحيين في العراق وتحميل المجتمع الدولي مسؤوليته الأخلاقية والإنسانية تجاه هذا الشعب الذي وقع في القرن الماضي ضحية الصراعات الدولية وتناقض مصالح القوى الكبرى في المنطقة، وها هو اليوم يعيد التاريخ نفسه على الآشوريين والمسيحيين في المنطقة وتتكرر محنتهم بعد نحو قرن  لتقضي على ما تبقى منهم.
قبل اسابيع استنفر مسلمو الشرق والعالم على بضع جمل للبابا بنديكدتوس اسيء فهمها، وقبلها استنفروا على رسومات كاريكاتيرية على نفس الوزن وخرجوا الى الشوارع غاضبين يطالبون بالانتقام والقصاص من كل من ينتقد الإسلام أو يتهجم ويتطاول على دينهم ونبيهم. في حين اليوم يتعرض مسيحيو العراق لعمليات تطهير ديني وابادة جماعية على أيدي منظمات ومجموعات اسلامية ارهابية وباسم الإسلام، لكن لا نرى ردة فعل الشارع المسيحي في الشرق ولا في الغرب هي بمستوى الحدث والخطورة التي ينطوي عليها.
ألا يستحق ما يحصل للمسيحيين العراقيين ومعظمهم من الآشوريين يوم غضب مسيحي أو آشوري تدعو اليه التنظيمات والمؤسسات الكنسية والقومية (الآشورية/السريانية/الكلدانية)، أم أنها فضلت الصمت والسكوت ودفن الشهداء الآشوريين على أنغام الموسيقى والطرب ودعوات البابا بنديكدتوس للسلام،هرباً من مواجهة الحقيقة المرة ومصارحة الجماهير الآشورية بها ولتغطي(التنظيمات الآشورية) على إخفاقها وإفلاسها، هذا الإفلاس بات يطرح تساؤلات مشروعة تتعلق بمبررات وجود التنظيمات الآشورية ودواعي بقائها،خاصة بعد أن ثبت عجزها التام في القيام بالحد الأدنى من أجل الشعب الآشوري في ايام الشدائد والمحن، وبعد أن اتضح  بأن هذا التنظيمات الآشورية على اختلافها لم تعمل يوماً من أجل حقوق ومستقبل الآشوريين، التي تتغنى بها ليلاً نهاراً، وإنما من أجل ضمان وتأمين بعض المنافع والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة هنا وهناك.وها هي اليوم قيادتها  تتسابق في الحصول على (غرين كارت ) والجنسية الأمريكية والكندية، وتهرب أبناءها بحجة الدراسة في الجامعات الأوربية والأمريكية للإقامة والاستقرار هناك،(المنظمة الآثورية الديمقراطية في سوريا نموذجاً)، ليرحلوا على أول طائرة، في حال تدهور الوضع الأمني في سوريا.
 بالرغم من التحولات السياسية والفكرية العميقة التي أصابت العالم شرقاً وغرباً وطالت الجميع، دولاً و مؤسسات وأحزاب ومنظمات وأفراد ، لكن يبدو أن المنظمة الآثورية تجمدت وبقيت خارج الزمن وبعيدة عن حركة التاريخ. لهذا هي أضحت متخلفة ومتأخرة عن عصرها وزمانها، في غالبية مواقفها وخطاباتها السياسية، آخرها المشهد السياسي الحزين- حزين لمن يفهم ويستوعب- الذي ساد أجواء الندوة التي أقامتها القيادة الهجينة للمنظمة الآثورية قبل ايام في القامشلي حاضر فيها الباحث الآشوري العراقي (هرمز أبونا)، حيث قدم أحد الحضور، وهو سرياني مستعرب، من أتباع (البعث الصدامي البائد) أمضى أكثر من خمسة عشرة عاماً في السجون السورية على خلفيته السياسية، خاطب قيادة المنظمة الآثورية ومن خلالها الحضور على الطريقة البعثية القديمة، امتدح الدكتاتور المخلوع (صدام حسن) ووصفه بالرفيق ورفعه الى مستوى الأبطال الآشوريين التاريخيين العظماء وأشاد بالعصابات الصدامية التي تعبث بمصير العراق والحقت به الدمار والخراب وجرت على أهله الويلات، وختم المداخل الكريم كلامه بترديد مقولة(( من نبوخذ نصر الى صدام حسين)).
والفضيحة السياسية الآثورية التي برزت في هذا المشهد السياسي الكارثي والتي تكشف مجدداً (مهزلة العقل السياسي الآثوري)، هي: بدلاً من أن يتصدى مدير الندوة، وهو قيادي في المنظمة الآثورية، للخطيب المداخل ويعتذر من الضيف المحاضر ومن الحضور على هذا الخطاب المتخلف والمؤدلج بالآيديولوجيا البعثية المهترئة والمهزومة، قبل الخطاب بتصفيق حار من قبل قيادة المنظمة الآثورية ومن خلفها كوادرها وأنصارها في القاعة، بسذاجة سياسية لا توصف، ومن غير أن يحترم أحداً منهم، وجود ممثل الحركة الآشورية الديمقراطية(زوعا- العراقية) التي أعدم صدام كوكبة من مناضليها، كذلك من غير أن تحترم مشاعر ضيفهم المحاضر القدير(هرمز أبونا) الذي ترك وطنه(العراق)، وآلاف مؤلفة من العراقيين مثله، هرباً من بطش حكم صدام حسين وإرهاب عصاباته.
أيها الآشوريون(سريان/كلدان)، إذ لم يكن بإمكانكم أن تثوروا على أعدائكم وتنتقيمون منهم، ثوروا على التنظيمات والأحزاب الآشورية/السريانية /الكلدانية، والعنوها قبل أن تبيعكم في الأسواق السياسية، في دولة كردستان الوليدة أو في دولة العراق التي تحتضر أو في سوريا المهزوزة، من أجل مقعد في مجالسها و برلماناتها الهزيلة أو بحفنة من الدولارات في سوق النخاسة في إحدى الدول الأوربية الى مافيات الهجرة.

سليمان يوسف يوسف.... كاتب سوري
shosin@scs-net.org[/b][/size][/font]


131
مسيحيو سوريا والخوف على المصير
 
سليمان يوسف يوسف
2006 الأحد 22 أكتوبر
(تحية الى كوليت خوري)


سوريا، بحدودها التاريخية والثقافية المعروفة، شكلت(المسيحية المشرقية)، بلغتها وثقافتها السريانية(الآرامية)، هويتها الوطنية لحقبة تاريخية طويلة امتدت حتى نهاية القرن الثامن الميلادي، حيث حدثت في المنطقة تبدلات وتحولات ديمغرافية واجتماعية وثقافية كبيرة مع انتشار الإسلام. ومنذ أن ظهرت دولة (سوريا) بحدودها السياسية الحالية في العصر الحديث عاش فيها المسيحيون دون أن يميزوا أنفسهم عن بقية أقوام ومكونات المجتمع السوري. الذي ميزهم لاحقاً هم (الأغلبية المسلمة) التي وضعت دستوراً يحرم على (المسيحي) تولي رئاسة البلاد وأخذت من (الشريعة الإسلامية) مصدراً أساسياً للتشريع، وبالتالي أنزلت مرتبة
 المواطنة للمسيحيين السوريين وانتقصت من حقوقهم المدنية والسياسية، وبذلك وضعت مانعاً أو عائقاً قانونياً ودستورياً في طريق تحقيق العدالة و مساواتهم مع الأغلبية المسلمة( شركائهم في الوطن). مع هذا اندمج المسيحيون في المجتمع السوري وبروح من المسؤولية الوطنية العالية شاركوا في صناعة استقلال سوريا وأخذوا دورهم في بناءها وتطويرها في كل مناحي الحياة وانخرطوا في معظم الأحزاب، لا بل كان لهم الدور الأبرز والفضل الكبير في تشكيل وتأسيس أهم ثلاث أحزاب سياسية في سوريا وبلاد الشام(البعث، الشيوعي، السوري القومي). ويعتبر (فارس الخوري)، مهندس مفاوضات الاستقلال، أحد ابرز الرجالات السياسية الوطنية في تاريخ سوريا الحديث، تسلم رئاسة البرلمان المستحدث لسنوات طويلة، ثم رئاسة الوزراء لمرات عديدة. وأنا أكتب هذه المادة تناقلت وسائل الإعلام بشيء من الاهتمام خبر تعين الأديبة (كوليت الخوري) – حفيدة فارس الخوري- مستشارة للرئيس السوري بشار الأسد. وأفيد نقلاً عنها:بأن هذا التعيين يرتبط بأسباب سياسية، يحمل رسائل الى الداخل ولبنان والغرب، وقالت (كوليت) في تصريح لها لوكالة الأنباء الايطالية (آكي): (( أن القرار فيه ما يبعث على التطمين للمستقلين والدمشقيين والمسيحيين الذين يشعرون بأنهم مهمشون ولا دور لهم في مواقع القرار)). بالطبع، مثلما لا يجوز أن نقلل من أهمية أن تعين (مسيحية) مستقلة مستشارة لرئيس دولة مثل سوريا، كذلك يجب أن لا نستكثر على المسيحيين في (وطنهم الأم) هكذا منصب وهم الفئة الثانية من حيث العدد والإمكانيات والمؤهلات العلمية والسياسية على الخريطة المذهبية والدينية في سوريا، وأن لا نضخم أو نبالغ من أهمية هذا الحدث، خاصة والكل يعلم طبيعة (النظام السوري)، الذي يتميز بـ(مركزية شديدة) وهيمنة العقلية الأمنية(العسكرية) على العقلية السياسية(المدنية)، وأولوية (القرار الأمني) على (القرار السياسي)، الى درجة أقصيت السياسية عن المجتمع وغيبت حرية الرأي والتعبير، حتى في أصغر القضايا السياسية، إذ يستبعد أن يكون لمستشاري الرئيس أو لنوابه، أي دور مهم أو تأثير في صناعة واتخاذ القرار السوري، خاصة تلك المتعلقة بالتوجهات السياسية للنظام، داخلياً وخارجياً. بالطبع نتمنى للسيدة (كوليت) النجاح والتوفيق بمهمتها ونرفع لها ألف تحية وطنية على صراحتها وإقراراها بأن المسيحيين مهمشين سياسياً ومغيبين عن مواقع القرار في سوريا. فهذه المرة الأولى التي تقر وتعترف شخصية رسمية، مسيحية وغير مسيحية، بكون المسيحيين أكثر فئات المجتمع السوري تغيباً وإبعاداً عن المشاركة الفعلية في ادارة البلاد وحرمانهم، طيلة العقود الماضية، من المناصب المهمة (سيادية) في الدولة. هذه الجرأة التي باشرت بها(كوليت) مهمتها، هي باعثة أمل وتفاؤل بمستقبل سياسي أفضل ومكانة وطنية للمسيحيين تليق بهم وبتاريخهم الوطني الذي جسده جدها (فارس الخوري)، ستبقى صورته الوطنية محفورة في ذاكرة الشعب السوري. وإن كنا لا نتوقع أن تخفف، هذه الخطوة الخجولة والمـتأخرة جداً من قبل (القيادة السورية)، من مخاوف وقلق المسيحيين السوريين وتطمئنهم على مستقبلهم في هذا الظرف الإقليمي المتوتر والمضطرب إسلامياً والمكلف جداً مسيحياً على مستوى المنطقة، و(الزمن السوري) الصعب الذي يشهد انحسار القوى الليبرالية والديمقراطية والتيارات العلمانية وتنامي الاتجاهات الإسلامية المتطرفة في المجتمع السوري و داخل البعث الحاكم والأحزاب الأخرى، من قوميين ويساريين، واستمرار نهج الهيمنة الطائفية (الإسلامية) وأحكام التمييز الديني (تفضيل المسلم على غير المسلم)، وسياسية القهر القومي على القوميات الغير عربية، وحصول اصطفافات طائفية واثنية ومذهبية، تكشف عنها الكثير من مظاهر الحياة العامة في المجتمع السوري وسلوك الموظفين في الدوائر والمؤسسات الحكومية وكذلك في المدارس والجامعات. هذه الاصطفافات المادون وطنية، تبرز بشكل فاضح ومخجل في (مهزلة الانتخابات)، (مجلس الشعب، مجالس البلديات، النقابات، انتخابات حزب البعث الحاكم ذاته، وانتخابات جميع الأحزاب الأخرى الدائرة في فلكه، من (شيوعيين وقوميين)، حيث الانتماء الديني والمذهبي والعرقي، هو الذي يشكل اليوم الاستقطاب السياسي في سوريا ويحدد اتجاهات التصويت للمواطن في جميع هذه الانتخابات. بعد أن أضحت (المعضلة الطائفية والأثنية) في سوريا، كما في جميع المجتمعات العربية والإسلامية، (ظاهرة سياسية مؤدلجة) تعمل العديد من الأطراف والجهات، بشكل أو بآخر، على تخصيبها وتسييسها وبالتالي الرهان عليها في تحقيق أهداف وتغييرات سياسية معينة. مما يوحي ويشير على أن سوريا تنحو باتجاه (الطائفية السياسية) التي نبذتها في الماضي. من دون شك، هذه الأوضاع السلبية وغيرها، تركت آثار سلبية في نفوس المسيحيين وغير المسيحيين وزعزعت ثقتهم بإمكانية أن ترتقي سوريا الى (دولة مواطنة ومؤسسات)، وبالتالي بقاءها دولة غير مستقرة سياسياً وأمنياً، إذ هناك شعور عام في الشارع السوري، بأن الاستقرار والأمن الذي تنعم به سوريا اليوم لم يعد يستند الى دعائم و مؤسسات الدولة وتماسك المجتمع المدني، بقدر ما يقوم على (استبداد السلطة) والقمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، لهذا ثمة تساؤلات وشكوك حول ديمومة هذا الاستقرار السوري، خاصة إذا ما صدقنا رواية النظام حول نشاط الخلايا الإرهابية والمجموعات الإسلامية (السلفية التكفيرية- جند الشام وغيرها) التي بدأت تطل برأسها من حين لآخر وتشتبك مع قوات الأمن السورية.
ربما، لأهداف سياسية(داخلية وخارجية)، يبالغ (النظام السوري)في المخاوف من تنامي قوة (الأصولية الإسلامية) في المجتمع السوري، لكن بالمقابل بعض أطراف في (المعارضة السورية) ولأهداف سياسية، داخلية وخارجية، أيضاً، تقلل من زخم وحجم شعبية التيارات الإسلامية. بغض النظر عن قراءة ورؤية كل من السلطة والمعارضة للواقع السياسي السوري، وعلى ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة في كل من مصر وفلسطين والعراق وتركيا التي حقق فيها الإسلاميون فوزاً مهماً، يرجح الكثير من المحللين السياسيين، صعود (الإسلام السياسي) الى الحكم في معظم الدول العربية والإسلامية في أول انتخابات حرة. هذا التأييد الشعبي الذي تحظى به التيارات الإسلامية، من جهة يعكس احتجاجاً على سياسة الأنظمة القائمة التي لم تنتج ولم تقدم لشعوبها على مدى عقود طويلة سوى الاستبداد والفساد والفقر، ومن جهة ثانية يعود الى نجاح هذه التيارات في توظيف واستغلال الدين لأغراضها وأهدافها السياسية، عبر التضليل الايديولوجي والسياسي الذي تمارسه على الرأي العام، خاصة في تبرير عدائها الآيديولوجي لأميركا والغرب بتحميليهما مسؤولية مآسي وويلات شعوب المنطقة، مستفيدة من ثغرات و أخطاء السياسات الأمريكية في المنطقة ورعايتها، بشكل أو بآخر، للأنظمة القائمة. بالطبع لن تبقى سوريا بمنأى عن رياح (التغيير الإسلامي) التي تهب على المنطقة، مهما حاول النظام إبعاد شبح (الأخوان المسلمين) أو غيرهم من التيارات الإسلامية عن سوريا، خاصة بعد أن سد أبوابها في وجه رياح (التغيير الديمقراطي) والتداول السلمي للسلطة أمام القوى الوطنية المدنية. بلا ريب، صعود الأصولية الإسلامية، تثير مخاوف النظام، كما تثير مخاوف القوى الديمقراطية والليبرالية في المعارضة السورية. النظام يخشى من فقدان السلطة، والمعارضة الليبرالية تخشى انتقال سوريا من الاستبداد السياسي الى استبداد مزدوج (ديني وسياسي) معاً وتحويلها الى (دولة اسلامية)، وهي مخاوف وهواجس مشروعة ومبررة، لأن المشروع النهائي للإسلام السياسي هو إقامة (الحكم والشرع الإسلام) مهما حاول الادعاء غير ذلك وتطعيم خطابه بتعابير الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان. بالإضافة الى هذه المخاوف السياسية العامة من وصول الإسلاميين الى السلطة في سوريا، هناك مخاوف، (فوق سياسية)، تسود الشارع المسيحي، الخوف من فقدان الهامش المقبول للحريات الدينية والشخصية الذي نعمت به سوريا طيلة الحقبة الماضية، وإمعان الإسلاميين في فرض الثقافة والتقاليد الإسلامية على غير المسلمين، بذريعة ضرورة احترام وخضوع الأقليات الدينية لأحكام ورغبات الأغلبية المسلمة، مثلما تفرض اليوم الأغلبية العربية الحاكمة إرادتها وثقافتها القومية على الأقليات الغير عربية، كالآشوريين والأكراد والأرمن وغيرهم..
 ما يزيد من حالة الإحباط واليأس والقلق من المستقبل وعلى المصير لدى المسيحيين السوريين، تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في العديد من دول المنطقة العربية والإسلامية التي تحيط بسوريا، والظروف المأساوية التي تعيشها الأقليات المسيحية في هذه الدول بسبب سياسة التمييز والاضطهاد الديني التي تمارس بحقهم، كما يحصل للأقباط في مصر، حيث تفاقمت ظاهرة اختطاف الفتيات والنساء القبطيات واجبراهن على الزواج واعتناق الإسلام واسترخاص الدم القبطي والهجوم على الكنائس من قبل تنظيمات اسلامية، بقصد ترهيب الأقباط ودفعهم للهجرة، في ظل سكوت وتخاذل الحكومة المصرية في حماية مواطنيها. وفي العراق استبيحت دماء المسيحيين وأعراضهم وكنائسهم من قبل تنظيمات اسلامية ارهابية، تتهم المسيحيين بالعمالة لأمريكا والغرب، تمارس سياسية التطهير الديني ضدهم بهدف إفراغ العراق والمنطقة من المسيحيين. قبل أيام أقدمت مجموعات ارهابية على اختطاف كاهن مسيحي في نينوى وقطعت رأسه وألقت جثته في الشارع. بلا ريب، هذه الأوضاع الخطيرة ستدفع بالمسيحيين في سوريا الى المزيد من الانكفاء والانطواء على الذات والتفكير بالهجرة لمن استطاع لها سبيلاً بحثاً عن حياة من غير قلق. كما قد تدفع بالبعض الى تأسيس أحزاب و(تنظيمات مسيحية) تحسباً لتطورات محتملة قد تشهدها سوريا وتكرار المشهد العراقي الأليم فيها، فيما إذا تصاعدت الضغوط الخارجية على سوريا ونظامها القائم. تبدو فرص ظهور تنظيمات مسيحية أكبر في (منطقة الجزيرة)، التي تتكاثر فيها التنظيمات الإثنية والعرقية والطائفية، والتي شهدت اضطرابات عرقية وأحداث عنف دموية في السنوات الأخيرة، نبهت المسيحيين، وغالبيتهم من الآشوريين(سريان/ كلدان) والأرمن، الى المخاطر المحدقة بهم في حال حصول أي فراغ أمني وغياب سلطة الدولة، خاصة بعد مقتل شابين آشوريين وبطريقة وحشية ومن غير سبب أو مبرر على أيدي متطرفين عرب في مدينة الحسكة 2004.

سوري آشوري- القامشلي/ مهتم بقضايا الأقليات
 shosin@scs-net. org[/b][/size][/font]

 

132
تركيا وشبح الاعتراف بالمذبحة الكبرى
   
سليمان يوسف يوسف
2006 الخميس 19 أكتوبر
 
في خطوة غير مفاجئة، صادقت (الجمعية الوطنية الفرنسية) في قراءتها الأولى بتاريخ 12-10-2006 على مشروع قانون يجرم إنكار تعرض الأرمن لمذبحة على يد الأتراك اثناء الحقبة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى عام 1915.

بالطبع كانت تركيا تعلم بأن حلمها بالانضمام الى (الاتحاد الأوربي) لن يتحقق من دون (ثمن سياسي) معين يترتب عليها دفعه،لكن قطعاً لم تكن تعلم بأنها ستفتح باب (جهنم) على نفسها وهي تسعى للوصول الى هدفها،وبأنها ستحث الدول الأوربية لفتح ملفات القضايا التاريخية المنسية(المذابح) وأخرى سياسية راهنة تتعلق بحقوق الإنسان والحريات في تركيا (الملف الكردي وحقوق الأقليات المسيحية من آشوريين/سريان وغيرهم).
ويبدو واضحاً أن هذه الملفات ستبقى قنابل موقوتة في طريق تركيا الى حين تبادر بنزعها عبر الاعتراف بالمذابح وتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، وتعتذر للشعب الأرمني ولباقي الشعوب والأمم التي ارتكبت بحقها المذابح. حيث قتل الى جانب الأرمن نحو نصف مليون آشوري(سريان/كلدان) وعشرات الآلاف من الروم واليونان.
جدير بالذكر أن السلطات التركية كانت قد أوقفت،قبل سنوات، الكاهن السرياني(يوسف ابولت) في مدينة ديار بكر على خلفية حديث له مع صحيفة تركية حول مذابح الآشوريين.

ربما في الماضي كانت مصالح الدول الغربية تقتضي التستر على جرائم تركيا في مقدمتها(مذابح المسيحيين) التي تسعى لمحوها من ذاكرة التاريخ، خاصة وإن تركيا هي عضواً في (الحلف الأطلسي) وتمتعها بعلاقات جيدة مع اسرائيل، ويميل بعض السياسيين بأن أحد أهداف التقارب التركي الإسرائيلي هو دفع اسرائيل -التي نجحت في اصال قضية مذابح النازية (الهولوكوست اليهودي) الى العالم- حماية تركيا من شبح الاعتراف بـ(الهولوكوست المسيحي).
لكن في ظل التوجهات الجديدة للسياسة العالمية ومع ازدياد اهتمام العالم الحر بالجرائم التي ارتكبت وترتكب بحق البشرية لم يعد مقبولاً أن تصمت وتتستر أوربا والعالم على ما اقترفته تركيا من جرائم حرب وعمليات إبادة بحق رعاياها من المسيحيين.
ولم يعد خياراً أمام تركيا إذا كانت جادة في الانضمام الى العالم المتمدن وإقامة علاقات طبيعية مع جارتها الأرمنية، سوى مواجهة تاريخها الدموي مع المسيحيين وأن تجلس على (كرسي الاعتراف) أمام العالم وتتصالح مع هذا التاريخ ومع نفسها وتتحمل ما يترتب على ذلك من مسؤوليات والتزامات تجاه الأمم والشعوب التي أبادتها، ولا أظن يفيدها قطع العلاقات التجارية مع فرنسا وتهديد آخرين بهذا السلاح الذي تنسحب آثاره على مصالح تركيا أيضاً. فقد تجاوزت (قضية المذابح)مرحلة الإثبات والتحقق من وقوعها ودخلت مرحلة حمل تركيا وإرغامها على الاعتراف بها.
إذ هناك المئات من الوثائق والشهادات ومن مصادر مختلفة ومتعددة ومن باحثين عالميين مستقلين على حصول المذابح وعمليات الإبادة، منهم المسئول البريطاني( هربرت جيس) والألماني(فرانك فيرسل) والمؤرخ البريطاني المعروف(ارنولد توينبي) الذي يقول في مذكراته: ((لم يكن المخطط يهدف إلا الى إبادة السكان المسيحيين الذين يعيشون داخل الحدود العثمانية)).

بالتأكيد ساهمت عوامل عديدة في صناعة ونضج (القانون الفرنسي)، أبرزها الدور المهم الذي لعبته (الجالية الأرمنية) في فرنسا.ثم (الرأي العام) الفرنسي والأوربي المعارض لانضمام (تركيا المسلمة) الى المجتمع الأوربي وهي محملة بإرثها (الثقافي والاجتماعي) التاريخي المتخلف وسجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان.
وهناك عوامل سياسية داخلية تتعلق بالانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة وأهمية أصوات نصف مليون فرنسي من أصل أرمني، ومعروف أن أصحاب مشروع القرار في الجمعية الوطنية هم من (قوى المعارضة)، المعروفة بمواقفها الرافضة لدخول تركيا الى الاتحاد الأوربي والمتشددة تجاه المهاجرين في فرنسا، خاصة بعد أعمال الشغب والتخريب والحرق التي شهدتها معظم المدن الفرنسية قبل نحو عام، قامت بها الجاليات المسلمة في فرنسا بتحريض من العديد من المنظمات الإسلامية المتطرفة.
وفي سياق هذه القضية علينا أن لا ننسى التقاليد التاريخية الفرنسية في مجال احترامها للقانون والقضاء،إذ يقال: أن الرئيس الفرنسي الأسبق( ديغول) تدخل شخصياً في قضية (رجل تونسي) مطلوب للقضاء الفرنسي لطي ملف القضية لأجل مصالح اقتصادية لفرنسا مع تونس، كانت فرنسا آنذاك في ضائقة اقتصادية، لكن رفض طلب ديغول ورد القضاء الفرنسي عليه:(( لتمت فرنسا ويبقى القضاء الفرنسي حراً مستقلاً)).
وبالطبع كان للتصريح الأخير للرئيس جاك شيراك، في أرمينيا: (( على تركيا الاعتراف بالمذابح إذا أرادت الدخول الى الاتحاد الأوربي..))، صداه الايجابي في جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية للتصويت على مشروع القانون، الذي به حصرت تركيا أوربياً. وهو يعد خطوة مهمة ومتقدمة على صعيد ملف (القضية الأرمنية) وعلى طريق إنصاف الأرمن وانتصار (الضمير العالمي) على الظلم والطغيان، ومن المتوقع أن تحث فرنسا بموقفها هذا العديد من الدول الأوربية، على اتخاذ مثل هذه الخطوة وفتح باب الضغوط الأوربية والعالمية على تركيا لحملها على الاعتراف بارتكابها المجازر، خاصة ألمانيا التي كانت في تحالف عسكري مع تركيا آنذاك فهي تتحمل شيء من المسؤولية الأخلاقية تجاه المظالم التي ألحقتها تركيا بالمسيحيين بسكوتها عنها.
ويعتبر السفير الألماني في تركيا آنذاك من أهم الشهود على تلك المذابح الفظيعة،وقد كتب في تقرير له الى وزارة خارجيته عام 1916: (( إن ما جرى هو عملية إبادة بحق الشعب الأرمني والمسيحيين)). لا شك، أن الموقف الفرنسي من (المسالة الأرمنية) ينطلق من الوثائق التاريخية التي تؤكد وقوع(المذبحة الكبرى)، لكن القضية بات بالنسبة للكثير من الفرنسيين والأوربيين سياسية أكثر مما هي تاريخية إنسانية،تتعلق بالدرجة الأولى بالتردد الأوربي في قبول تركيا الى الاتحاد الأوربي ولهذا التردد ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن المهم جداً أن لا تكون (المأساة الأرمنية) بالنسبة للأوربيين مجرد ( قضية للاستثمار السياسي) وتنتهي عند حدود عرقلة دخول تركيا الى الاتحاد الأوربي، وإنما أن تستمر فرنسا بموقفها وتحذو حذوها جميع دول الاتحاد الأوربي وأمريكا ودول العالم الحر لتشديد الضغط والحصار على تركيا حتى تعترف بمسؤوليتها عن المذابح.

بعد الانتصار الأرمني في الجمعية الوطنية الفرنسية، بدأ بعض التفاؤل يدخل قلوب الآشوريين(السريان), فهم يتأملون بأن تحظى قضيتهم(نصيبهم من المذابح) بمزيد من الاهتمام الأوربي بعد أن شقت طريقها في السنوات الأخيرة، وإن بصعوبة، الى بعض البرلمانات الأوربية، حيث نوقشت في أكثر من جلسة من قبل برلمان دولة (السويد) وكذلك من قبل لجنة (الشؤون الخارجية) في البرلمان الأوربي.
ويرى الآشوريون بأن قضيتهم لا تقل في جوهرها وظروفها عن مأساة الأرمن، وإن كانت هذه الأخيرة تفوق بعدد ضحاياها (المأساة الآشورية).
فقد حفظ التاريخ للأرمن كياناً سياسياً خاصاً بهم ولو على جزء صغير من أرضهم التاريخية (أرمينيا)،لكن الآشوريين فقدوا كل شيء(البشر والحجر) في موطنهم التاريخي(بلاد ما بين النهرين).

سوري آشوري: مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org [/b][/size] [/font]

 
 

133
سوريا بين التغير الديمقراطي والعنف الطائفي 
 

 سليمان يوسف يوسف
 
 

--------------------------------------------------------------------------------
 

سوريا التي تقع في قلب منطقة (الشرق الأوسط)، أكثر مناطق العالم توتراً واضطراباً، يبدو أنها مرشحة لتكون مسرحاً لأحداث وتطورات أمنية وسياسية مهمة في المرحلة المقبلة، قد تشكل الخطوة الثانية بعد العراق، للوصول الى خريطة (الشرق الأوسط الجديد) التي نشرها موقع أمريكي رسمي هو (مجلة القوة العسكرية- تموز 2006)مرفق بمقال معنون (حدود الدم).تظهر هذه الخريطة تعديل حدود معظم دول المنطقة، من ضمنها سوريا، وولادة دول جديدة من رحم هذه الخريطة على أساس وقائع ديمغرافية (الدين، القومية، المذهبية)، بعد حروب وقلاقل تسفك فيها دماء شعوب كثيرة.
في اطار هذه المخططات والمشاريع المعدة للمنطقة تقوم بعض المنظمات والجهات، المحلية والإقليمية والدولية، بشحن وتعبئة شعوبها بالفكر الظلامي الجاهلي وإثارة لديها كل أنواع العصبيات والنزعات الفئوية البدائية من طائفية وعرقية وجهوية وغيرها من الانتماءات والهويات القاتلة، مستفيدة من الاحتقانات والتناقضات، الثقافية والاجتماعية والسياسية والمذهبية والدينية، العميقة القائمة بين شعوب المنطقة وداخل مجتمعات الدولة الواحدة.هذه التناقضات هي نتاج الموروث الثقافي والاجتماعي التاريخي المتخلف من جهة أولى، ونتاج القمع والاستبداد السياسي والديني والاجتماعي الذي تقبع تحته شعوب المنطقة من جهة ثانية، كذلك نتاج سياسات التفريق والتميز العنصري والنهج الطائفي لحكومات دول المنطقة من جهة ثالثة.في سياق هذه السياسات المحرضة على الاقتتال الداخلي والفتنة الطائفية تأتي تصريحات فريد الغادري- رئيس حزب (الإصلاح السوري)الذي يأخذ من واشنطن مقراً له- لـ (فضائية الحرة) الأمريكية في برنامج (أحد الأسئلة)، ليوم 27-8 -2006- التي جاء فيها بالحرف: ( (على العلويين أن يتخلوا عن السلطة ويتركوا دمشق ويعودوا الى جبالهم، دمشق عاصمة الأمويين وليست عاصمة العلويين.وأضاف: من حق الرئيس الإيراني أن يطالب بعودة اليهود من فلسطين الى ألمانيا كذلك من حقنا أن نطلب من العلويين أن يتركوا دمشق لأهلها ويعودا الى من حيث أتوا، الى جبالهم، لأن لا يمكن لنا نحن السنة أن نعيش مع هذه الطائفة التي أخذت منا السلطة بالحديد والنار...علينا استعادة سلطتنا ومجدنا، وأضاف: لدينا الاستعداد لتقديم ضمانات أمريكية ودولية لحمايتهم وعدم التعدي عليهم إذا ما تخلوا عن السلطة ونفذوا ما هو مطلوب منهم)). ألا يؤدي هذا الكلام في نهاية المطاف الى خريطة (الشرق الأوسط الجديد)؟ فأي إصلاح وأي مستقبل ينشده لسوريا حزب (الإصلاح السوري)الذي يتزعمه فريد الغادري، إذا كان لا يجد مستقبل للتعايش بين طائفتين سوريتين من دين واحد ووصلت به النزعة الطائفية الى درجة المطالبة بطرد العلويين من دمشق، وربما سيطالب لاحقاً بطرد من سوريا كل طائفة لا تقبل أن تتحول سوريا الى (دولة سنية)وفي النهاية قد لا يجد أمامه، لتحقيق مشروعه الطائفي، سوى خيار تقسيم سوريا الى كيانات طائفية وعرقية.إذا أخذنا بكلام الغادري هذا قاعدة ومعياراً لـ (حقوق الشعوب)، فعلى (العرب الأمويين السنة) قبل غيرهم، ليس ترك دمشق فحسب، وإنما الخروج من كامل سوريا ويعودوا الى من حيث أتوا، الى صحرائهم في (شبه الجزيرة العربية)، أما (العلويون) فهم ليسوا بعرب، أنهم من الأقوام السورية القديمة والأصيلة، ينحدرون من أصول (فينيقية)سكنوا الساحل السوري منذ ما قبل التاريخ. فتاريخ دمشق وحضارة سوريا لم يبدءا مع العرب الأمويين، سوريا (مهد الحضارات) أقامت فيها شعوب وأمم كثيرة قبل أن يغزوها العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي لنشر دينهم الجديد (الإسلام)، وبقيت دمشق لقرون طويلة ق.م (عاصمة الآراميين) وعن (السريان الآشوريين)، سكان سوريا الأوائل، أخذت اسمها ( ASSYRIAN )، ومازالت نسبة جيدة منهم، مسيحيين ومسلمين، يتحدثون بـ (السريانية)- الآشورية القديمة- لغة العراق وبلاد الشام.
القراءة السياسية المنطقية للخطاب الطائفي المسموم الذي أتحفنا به السيد فريد الغادري هي:أنه يعكس حجم الإفلاس السياسي والحزبي الذي وصل اليه، لذلك أراد من خلال العزف على (الوتر الطائفي) أن يكسب تأييد وتعاطف الشارع السني ذات الميول الأصولية في سوريا، بعد أن عجز عن كسب هذا الشارع من خلال شعاراته الديمقراطية وطروحاته الليبرالية والعلمانية.اللافت في تصريحات الغادري أنها جاءت بعد أن شكلت جماعة (الأخوان المسلمين)قبل نحو شهرين في بروكسيل، مع نائب الرئيس السوري المنشق، عبد الحليم خدام، جبهة (الخلاص الوطني)، وصفت من قبل البعض بأنها (جبهة طائفية)، وربما أراد الغادري، الذي ابعد عن هذه الجبهة، من خطابه الطائفي أن يزايد في قضية الإسلام والحقوق السياسية للطائفة السنية على جماعة (الأخوان المسلمين).
بغض النظر عما يمثله الغادري من وزن شعبي وجماهيري بين أبناء الطائفة السنية في المجتمع السوري، أو بما له من ثقل سياسي داخل المعارضة السورية في الخارج، ومستوى علاقاته بالإدارة الأمريكية وطبيعة هذه العلاقات، أرى أنه من الخطأ تجاهل ما ينطوي عليه هذا الخطاب من مخاطر حقيقية على وحدة وتماسك المجتمع السوري، هذه المخاطر لا تأتي من القنابل الطائفية الانشطارية التي حملتها تصريحات الغادري فحسب، وإنما من حساسية المرحلة وتوقيت إطلاقها في هذا الزمن السوري الصعب، خاصة إذا أخذنا بالحسبان المشاريع المعدة للمنطقة و طبيعة وظروف المرحلة التي تمر بها وما تشهده من توترات طائفية وعرقية واحتقانات سياسية. كنا نتمنى، أو بالأحرى كان يجب على الغادري، طالما هو يدعوا الى الإصلاح و الديمقراطية ويزعم بأن مشروعه هو مشروع (ديمقراطي ليبرالي علماني)، أن يطرح قضية (التغيير الديمقراطي) للنظام في سوريا على أساس (الأغلبية السياسية) وليس على أساس ( الأغلبية الطائفية) وأن يكون مشروعه بناء دولة عمادها (حقوق المواطنة) وليس (حقوق الطائفة).لا جدال على أن في سوريا هناك غبن وقمع وسوء أوضاع اقتصادية وفساد عام مستشري في كل مفاصل الدولة والمجتمع السوري جراء الاستبداد السياسي و جراء السياسات الخاطئة والعقلية الأمنية الإقصائية للنظام وحزبه الحاكم (البعث)، لكن بكل تأكيد هذه الأوضاع الشاذة هي غير مقتصرة على الطائفة السنية وحدها، وإنما تنسحب على معظم فئات وقوميات الشعب السوري وعلى أغلبية أبناء الطائفة العلوية ذاتها، بالمقابل أن المنتفعين من هذه الأوضاع الشاذة في البلاد هم من معظم فئات وطوائف الشعب السوري ومناطق سوريا أيضاً.جدير بالذكر أن أكثر أحزاب المعارضة السورية تشدداً تجاه النظام الحاكم كان (حزب العمل الشيوعي) الذي كانت الغالبية الساحقة من كوادره وأعضاءه من أبناء الطائفة العلوية ومن المسيحيين السوريين وقد اكتظت السجون السورية بهم في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وما زال العديد من أبناء هذه الطائفة يلعب دوراً بارزاً في الحراك الديمقراطي والحقوقي المعارض وبعضهم معتقل على خلفية هذا النشاط، أبرزهم الدكتور (عارف دليلة).وإذا كان ثمة نزعات طائفية، هنا وهناك، لدى بعض أركان وعناصر النظام الحاكم يجب أن توضع في سياق الموروث الاجتماعي التاريخي المتخلف لشعوب الشرق العربي الإسلامي عامة، ثم هي لا تواجه أو تقابل، أو بالأحرى علاجها لا يتم عبر نهج طائفي آخر أكثر خطراً على تماسك الدولة.فمن شأن مثل هذه اللغة الطائفية أن تنمي النزعات الطائفية والفئوية وتشجع على الاصطفافات العرقية وعلى الفرز الطائفي في المجتمع السوري الذي يتصف بالتنوع القومي والديني والمذهبي. أن السيد فريد الغادري تجاوز بخطابه الطائفي المستهجن كل الخطوط الحمر في السياسية السورية، ليس تلك التي رفعها النظام في وجه المعارضة فحسب، وإنما تلك التي ترفض المعارضة الوطنية مجرد الاقتراب منها. فهو لم يكتف بالمطالبة بتغيير النظام القائم كما ترغب وتشتهي المعارضات السورية وإنما طالب بخروج أبناء الطائفة العلوية التي تنتمي اليها (عائلة الأسد) من دمشق محملاً إياها مسؤولية ووزر سياسات النظام.مخطئ كثيراً إذا كان الغادري يظن بأنه قادر على زعزعة النظام السوري وتغييره بهذه التهديدات والمغامرات الطائفية التي من شأنها أن تلحق ضرراً بالغاً بعملية التغيير الديمقراطي وقد تجر البلاد الى الهلاك. إذ من المتوقع أن يأخذ النظام من تصريحات الغادري ذريعة إضافية لتشديد القبضة الأمنية على المجتمع والتنكيل بالمعارضة الوطنية في الداخل والغير معنية أصلاً بمواقف وتصريحات الغادري.كما أن هذه اللغة والشعارات الطائفية هي، من دون شك، تزيد من إحباط ومخاوف الشارع السوري من أي تحرك سياسي معارض أو احتجاج شعبي على سياسات النظام قد يحصل مستقبلاً، الخوف من أن يأخذ هذا التحرك بعداً طائفياً أو يفهم هكذا ويقابل بردة فعل طائفية وبالتالي يجر البلاد الى حرب أهلية مدمرة.حيال هذا المشهد السوري المقلق والمخيف، يبقى السؤال الأهم في هذه المرحلة هو: كيف لسوريا أن تقاوم ما يهددها من مخاطر وتحديات خارجية وتجنيبها
 عنفاً طائفياً وحرباً أهلية قد تنزلق اليها بسبب أخطاء النظام والمعارضة معاً؟.بالطبع السبيل الوحيد لذلك هو استجابة النظام لمطالب الشعب السوري، بإجراء اصلاحات سياسية واقتصادية وادارية وثقافية حقيقة في البلاد، كإلغاء المادة الثالثة (الإسلام دين رئيس الدولة) والمادة الثامنة (حزب البعث قائد الدولة والمجتمع) من الدستور السوري وتحديد ولاية الرئيس بدورة أو دورتين على الأكثر، كخطوة ضرورية للإسراع في عملية التغير الديمقراطي واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية مفتوحة حرة وديمقراطية . ألم يحن الوقت لنتعظ من الوضع اللبناني الحزين ومن المشهد العراقي الأليم، لماذا نتهرب من حقائق التاريخ، فمثلما للطبيعة شروطها و للعلوم الطبيعية قوانينها، كذلك للمجتمعات شروطها وللعلوم الإنسانية قوانينها، لا يمكن للشعوب إلا الأخذ بها إذا أرادت التطور والازدهار والتخلص من الآفات الاجتماعية والسياسية والتحرر من أسباب التخلف والإرهاب والعنف والتطرف والقضاء على التكسر المجتمعي. هذه الشروط و القوانين هي دولة القانون والعدل والمساواة وحقوق الإنسان والليبرالية والديمقراطية والعلمانية والحريات الاجتماعية والفردية والسياسية والمدنية (الزواج المدني) وفصل الدين عن الدولة وعن (السياسة)، وقد جربتها وأخذت بها شعوب وأمم كثيرة قبلنا ونجحت في بناء دولها وازدهار مجتمعاتها والسير في طريق التقدم الحضاري، فلماذا لا نأخذ بها نحن شعب سوريا ومعظم شعوب هذه المنطقة. ألا يكفي ما عانته وتعانيه سوريا من آثار نهج التميز القومي والاستبداد السياسي لحزب البعث ومن ايديولوجيته المهترئة وفكره المتكلس وخطابه المتهالك، حتى تقع من جديد ضحية الآيديولوجيات الطائفية والمذهبية والاستبداد الديني، الذي يدعو اليه فريد الغادري والتيارات الإسلامية، الأكثر بؤساً وعنصرية من الاستبداد القومي والسياسي.

كاتب سوري آشوري مهتم بحقوق الأقليات

 shosin@scs-net.org

 [/b]

134
لبنان والفرصة التاريخية
 
04-09-2006
سليمان يوسف يوسف
 
كما كان متوقعاً، لمعظم المهتمين بالشأن اللبناني، ما أن تهدأ (العاصفة العسكرية الإسرائيلية) التي ضربت لبنان على مدى نحو شهر واجتاحت نيرانها الحارقة معظم بلداته ومدنه، حتى يجد (لبنان) نفسه في مواجهة عواصف من نوع آخر(سياسية)، تحركها التناقضات اللبنانية- اللبنانية ومن خلفها التناقضات العربية – العربية والتناقضات الإقليمية والدولية التي أضحى لبنان ساحة مفتوحة لها.وبالفعل ما أن وضعت الحرب أوزارها حتى انفجرت الخلافات بين الأطراف اللبنانية(بين قوى 14 آذار و8 آذار ومن يقع على يمين أو يسار هذا الفريق أو ذاك) حول قرار مجلس الأمن 1701 وآليات تطبيقه وما يجب فعله لمنع تكرار ما حدث في الثاني عشر من تموز الماضي.بلا ريب هذه الخلافات تعكس انقسام اللبنانيين، طوائف وأحزاب ومذاهب، واختلافهم على معنى الاستقلال والاستقرار والسيادة والحرية.

حيال هذه الأوضاع السياسية والأمنية الجديدة، التي وضعت لبنان أمام استحقاقات داخلية وخارجية كثيرة، وبمواجهة تحديات صعبة وربما مصيرية بالنسبة لمستقبله السياسي، يرى الكثير من المراقبين والمحللين: بأن على (الدولة اللبنانية) أن تستفيد من (الفرصة التاريخية) التي وفرها لها المجتمع الدولي بوقوفه الى جانبها ومساعدته لها في فرض سلطتها وسيادتها على كامل الأرض اللبنانية عبر تطبيق كامل قرار 1701 الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية بالإجماع وبموجبه توقفت الحرب وينص على تطبيق كامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 (2004) و1680 (2006) اللذين يطالبان بنزع اسلحة كل المجموعات المسلحة في لبنان، لتصبح الدولة اللبنانية وحدها وطبقا لقرار الحكومة اللبنانية في 27 تموز/يوليو 2006، تملك اسلحة وتمارس سلطتها في لبنان وعلى كامل حدوده، فمن شأن تطبيق هذه القرارات الدولية أن تضمن للبنان أمنه واستقراره وحمايته من أي اعتداء إسرائيلي جديد.بالطبع إنجاز كل هذا لن يتم من دون ثمن سياسي تدفعه الدولة اللبنانية ومن غير أن تتحرك وتتحمل مسؤولياتها الوطنية و اتخاذ خطوات ومواقف جريئة وحاسمة على صعيد الداخل اللبناني من شانها أن تعيد الهيبة والمكانة للدولة اللبنانية التي فقدتها في العقود الأخيرة وتسحب كل الذرائع التي تبحث عنها اسرائيل لشن حروب عدوانية جديدة على لبنان وعدم تركه ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية.

إذ أن تأجيل البحث في الأزمات وترحيل قضايا الخلاف، خاصة الحساسة منها، كالسلاح الخارج عن سلطة الدولة، لا يمكن أن يشكل حلاً لها وإنما يزيدها تعقيداً و تأزماً، ولبنان دفع وما زال يدفع ثمن مضاعفات التطبيق المشوه لـ(اتفاق الطائف).ويجتاح الشارع اللبناني اليوم قلق عام من أن ينقلب السجال الحامي بين اللبنانيين، حول مرحلة ما بعد الحرب وحول تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، الى (فوضى سياسية) وبالتالي ينحرف هذا السجال عن مساره الديمقراطي وينحو باتجاهات خطيرة. خشية اللبنانيين من أن تعاد، مع سلاح حزب الله، تجربتهم المرة مع السلاح الفلسطيني على الأرض اللبنانية بعد أن تمرد (القرار الفلسطيني) عن شرعية وسلطة الدولة اللبنانية، ومعلوم لكل مهتم الدور الذي لعبه السلاح الفلسطيني في تفجير (الحرب الأهلية اللبنانية 1975) وفي اطالة أمدها، وكيف اصطدام هذا السلاح مع معظم الفئات اللبنانية.بالطبع لا يقارن السلاح الفلسطيني مع سلاح حزب الله، فمهما تعاطفت بعض الأطراف اللبنانية مع الموضوع الفلسطيني يبقى وجوده على الأرض اللبنانية وافداً وغريباً، أما حزب الله فهو نتاج البيئة السياسية والاجتماعية اللبنانية وهو جزء أساسي منها وقد كان لسلاحه الدور البارز في تحرير الجنوب عام 2000.لكن مهما كانت، نبيلة ووطنية، دوافع وغايات امتلاك فئة بعينها من المجتمع للسلاح لا بد من أن يثير تحفظات ومخاوف الفئات الأخرى، خاصة في دولة مثل لبنان القائم على توازنات حساسة ويعاني من (المعضلة الطائفية) المنتجة لجميع حروبه الداخلية، حتى أن الكثير من اللبنانيين باتوا يشعرون بأن لبنان(الدولة والمجتمع) بات أسير تنامي القوة العسكرية والسياسية والامتدادات الإقليمية لحزب الله، خاصة بعد المواجهة الأخيرة مع اسرائيل، فهي كانت حرباً إقليمية ودولية على أرض لبنانية، وتجاوزت بتأثيراتها ومضاعفاتها السياسية لبنان وطالت محيطه العربي والإقليمي. وقد تشكل هذه الحرب، التي أظهر كل طرف نفسه منتصراً فيها، بنتائجها العسكرية والسياسية، مرحلة انعطاف تاريخية ومهمة ليس بالنسبة لمستقبل لبنان فحسب وإنما للمنطقة عامة.فمن جهة أعطت الحرب زخماً جديداً لـ(سياسة المحاور أو الأحلاف) التي عادت الى المنطقة.

 وبقوة بعد الأحداث والتطورات التي شهدتها في السنوات الأخيرة، ومن جهة أخرى عمقت من أزمة (النظام العربي) وصعدت من وتيرة الخلافات والتناقضات العربية- العربية، قد تصل الى درجة القطيعة، خاصة بالنسبة لسوريا التي غابت عن اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة يوم الأحد (20- 8 -2006) لبحث تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان. هذا الغياب السوري جاء بعد (خطاب التحدي) للرئيس (بشار الأسد) أمام مؤتمر اتحاد الصحفيين بدمشق ( 16- 8-2006)، بعد ثلاثة أيام من وقف الحرب، الذي أشاد فيه بالمقاومة الوطنية اللبنانية وبتضحياتها وتهجم بقوة على قوى الرابع عشر من آذار ووصفها بـ(المنتج الإسرائيلي) وبالعمل لخدمة المصالح الإسرائيلية وبسعيها لتوقيع (اتفاق 17 أيار) جديد معها وبالوقوف خلف الضغوط الأمريكية والغربية على سوريا والمقاومة، وأيضاً انتقد الرئيس الأسد في خطابه وبشدة العديد من (الأنظمة العربية) على موقفها من(المقاومة) ومن طريقة تعاطيها وتعاملها مع قضية النزاع العربي الإسرائيلي، وقد أوضح الأسد: على أن تمسك بلاده بخيار السلام لا يعني تخليها عن خيار (المقاومة)إذا ما فشل خيار (السلام) في استرداد الحقوق الوطنية لسوريا واعتبر الأسد اتهام سوريا من قبل البعض بوقوفها مع المقاومة هو شرف وافتخار لشعب سوريا.وإيران، أقوى حلفاء حزب الله وسوريا، من جهتها لم تتأخر في التأكيد على وقوفها الى جانب حلفائها في المنطقة وفي توظيف هذه الحرب في دعم التنظيرات السياسية لإيديولوجيتها الإسلامية وتقوية مواقفها في أزمتها مع القوى العظمى حول ملفها النووي، فقد سارع الرئيس الإيراني (محمود محمد نجاتي) للقول: ((ستقف إيران الى جانب سوريا إذا ما تعرضت لهجوم إسرائيلي))، ووصف الحرب بأنها: (( كانت انتصاراً للإيديولوجية الإسلامية)).بدا واضحاً أن إيران أرادت، من خلال تصريحات رئيسها وتصريحات أخرى مشابهة لمسئولين إيرانيين كبار، القول: بأن الحرب ألأخيرة بين حزب الله واسرائيل هي حرب دينية- وهي بالفعل كانت كذلك، بأدواتها وشعاراتها، وقد وصفها السيد حسن نصر الله بأنها (حرب الأمة)- كما أرادت التأكيد على زخم (البعد الإسلامي) للنزاع العربي الإسرائيلي، وسحب هذا(البعد الإسلامي)، الذي عززته(المقاومة الإسلامية) في كل من لبنان وفلسطين، على النزاع أو بالأحرى على (الحرب الباردة) بين إيران والغرب الأمريكي الأوربي على خلفية ملفها النووي.

كاتب سوري آشوري مهتم بحقوق الأقليات...
 shosin@scs-net.org  [/b] [/size] [/font]

135
محنة المنظمة الآثورية (9)
و(كرم السلطة)

في الأسابيع القليلة الماضية فاجأت، (سلطات الأمن السورية)،الأوساط السياسية، بسماحها للمنظمة الآثورية الديمقراطية بإقامة احتفالين مفتوحين (علنيين) في مدينة (القامشلي)، الأول بمناسبة ذكرى تأسيس المنظمة(15- تموز) والثاني بمناسبة يوم الشهيد الآشوري(7 آب)، بعد أن كانت قد حرمت من إقامة هذه الاحتفالات في السنوات الأخيرة.بالطبع المثير في هذا التطور المفاجئ  ليست الاحتفالات بحد ذاتها فمثلها كانت تقام في الماضي وإنما في توقيت السماح بها، حيث جاءت في مرحلة تشهد عودة النظام في سوريا الى ممارسة سياسة تشديد (القبضة الأمنية) على المجتمع السياسي ومحاصرة الحراك الديمقراطي في البلاد،ومنع الأحزاب المحظورة ومعظم منظمات ولجان حقوق الإنسان والمجتمع المدني من ممارسة أي نشاط سياسي و عقد اجتماعاتها ولقاءاتها المعتادة حتى على أصغر مستوى لها،ويتم استدعاء الناشطين واستجوابهم وتوقيف بعضهم فيما إذا علمت الأجهزة الأمنية بعقد مثل هذه الاجتماعات سراً.ثمة أسئلة وإشارات استفهام كبيرة تركتها هذه (الاحتفالات الآثورية) لدى مختلف الأوساط السياسية والثقافية،وبشكل أكثر لدى أوساط المعارضة، عن مغزى ودوافع هذا (الكرم السياسي) الذي خصت به (الجهات الأمنية) المنظمة الآثورية الديمقراطية من دون باقي قوى وأحزاب المعارضة السورية المحظورة. حتى داخل المنظمة الآثورية ذاتها لم يتردد البعض من الآثوريين في إثارة الشكوك حول خلفيات ودوافع هذه (المكرمة الأمنية) التي حصلت عليها المنظمة بعد مفاوضات مع الجهات الأمنية، وذات الشكوك أثارتها الأحزاب والشخصيات المدعوة للاحتفال. وما يزيد ويعزز الشكوك لدى الأوساط السياسية حول سماح السلطات السورية للمنظمة الآثورية بإقامة مثل هذه الاحتفالات،أولاً: كونها جاءت بعد أشهر من توقيع المنظمة على (إعلان دمشق) الذي يضم غالبية قوى المعارضة السورية المحظورة(عربية وكردية).ثانياً: جاءت في مرحلة يجتاح الشارع الآشوري استياء عام بسبب ما يعصف بالمنظمة الآثورية من أزمة داخلية نالت من مصداقيتها ومن مكانتها في المجتمع، تحوم الشبهات والشكوك حول دور ما لـ(الأجهزة الأمنية) في تفجير هذه الأزمة.
 ما حصل ليس لغزاً ،لا يحتاج الى تفسير أو تحليل،فدوافعه مكشوفة لكل متتبع للشأن السياسي السوري ولمن يعرف طبيعة ودور الأجهزة الأمنية في البلاد وإنجازاتها الكثيرة على صعيد  شق الأحزاب و تشتيت القوى السياسية. إذ لم يسلم حزباً سورياً واحداً،معارض وغير معارض،قديم وجديد،من الانقسام والتشرذم،بعضها لأكثر من مرة، بفعل دهاء وذكاء الأجهزة الأمنية وخبرتها الطويلة في هذا المجال، بالطبع مستفيدة من الخلافات التنظيمية والفكرية والسياسية التي تحصل داخل الأحزاب والتنظيمات من حين لآخر، ومن حب البعض للزعامة.لهذا يمكن الجزم بأن هذه المهرجانات الآثورية المفتوحة ليست من دون ثمن سياسي دفعته وستدفعه المنظمة الآثورية،أنه تطور بالغ الأهمية والخطورة،يحمل أكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه.فمن جهة يعكس رضا وارتياح سلطات الأمن السورية، ،على ما أقدم عليه مسؤول المكتب السياسي (بشير سعدي)في تفجير المنظمة من الداخل  وشق (المكتب السياسي) وإبعاد الأعضاء الناشطين والمحسوبين على المعارضة.ومن جهة ثانية يحمل في طياته انقلاباً على خطوة المنظمة باتجاه المعارضة وتراجعاً عن توقيعها على (اعلان دمشق). ومن جهة ثالثة زعزع ثقة قوى المعارضة الوطنية بالمنظمة ونال من مصداقيتها في الأوساط السياسية. ومن جهة رابعة هذه (الرعاية الأمنية) للاحتفال أعطت نوع من الغطاء والشرعية السلطوية لـ(القيادة الهجينة) للمنظمة الآثورية التي تشكلت بعد شق المكتب السياسي.فعبر تاريخ الانشقاقات في أحزاب وتنظيمات الحركة السياسية السورية كانت السلطات السورية دوماً تقف الى جانب الجهة الموالية للنظام ورعايتها.وربما الأخطر في هذا (الاحتضان الأمني) للقيادة الهجينة أنه يحمل رسائل تحذير وتهديد الى معظم الآثوريين الذين يتنشطون داخل الحراك الديمقراطي المعارض في البلاد والخارجين عن الطاعة والرافضين للإملاءات الأمنية على المنظمة الآثورية،التي تمارس،من داخل وخارج المنظمة،وعبر مجموعات آشورية(سريانية) ترعرعت في أحضان البعث. وقد نبهنا في حلقات سابقة الى مخاطر وقوع  المنظمة الآثورية تحت تأثير ونفوذ هذه المجموعات الانتهازية التي لا  هم ولا قضية لها سوى جمع المزيد من المال،مستفيدة بشكل أو بآخر من آفة الفساد المستشرية في البلاد،وهي تتحرك بإيحاءات سلطوية،ولم تخف معارضتها الشديدة لتوقيع المنظمة الآثورية على (اعلان دمشق).
بالطبع،كان من المفترض أن يُحدث انخراط المنظمة الآثورية مع قوى المعارضة الوطنية عبر توقيعها على اعلان دمشق انقلاباً في نهجها السياسي ومواقفها التي كانت طيلة السنوات الماضية أقرب الى السلطة من المعارضة.لكن على ضوء الحالة الراهنة للمنظمة الآثورية الديمقراطية،وما تعانيه من حالة عدم الانسجام الآيديولوجي  والفكري والسياسي بين أعضائها، الى درجة التناقض والتعارض في الرؤية السياسية والموقف من المعارضة(بشقيها العربي والكردي) ومن النظام وفي توصيف المرحلة،لا يمكن لها أن تحسم خياراتها ما بين السلطة والمعارضة بمجرد توقيعها على اعلان دمشق، أو على أي بيان أو وثيقة مع أي جهة سياسية سورية أخرى مستقبلاً.فالتوقيع على (اعلان دمشق) ليس أكثر من خطوة ارتجالية تحمس لها البعض في قيادة المنظمة للظهور والبروز،ويمكن وصف علاقة المنظمة بالمعارضة بـ(زواج المتعة)،إذا جاز التعبير.إذ لا يمكن لشخص(بشير سعدي) يخفي في جيبه (الجنسية الأمريكية) وسبق له أن هدد بالتبرؤ والتخلي عن كل آثوري في حال تم اعتقاله بسبب كتاباته وتصريحاته الناقدة للحكم في سوريا، أن يكون جدياً ليس في توقيعه على (اعلان دمشق) ومعارضته للنظام فحسب، وإنما في كل الشعارات والقضايا التي يطرحها ويتحدث عنها، كما لا يمكن لمنظمة غير متماسكة سياسياً وآيديولوجياً وغير مستقرة تنظيمياً،معزولة عن وسطها الاجتماعي والشعبي، أن تتحمل أعباء وتبعات العمل السياسي المعارض.وهي(المنظمة الآثورية) لم تنضم الى(اعلان دمشق) إلا بعد أن فشلت، بعد أشهر من الحوارات المشتركة- شاركتُ في جميعها- جرت في مدينة حلب واستكملت في دمشق، في الوصول الى صيغة من التحالف ووضع اعلان مشترك على غرار (إعلان دمشق)، مع مجموعة من الأحزاب الكردية- يصفها الكثير من الآثوريين بالتطرف- وأحزاب وقوى ليبرالية سورية أخرى تلك التي بقيت خارج اطار اعلان دمشق،وهي:( حزب آزادي الكردي، حزب يكيتي الكردي ، تيار المستقبل الكردي، حزب النهضة الوطني الديمقراطي ،حزب الديمقراطي السوري،الحزب السوري القومي الاجتماعي،حزب الديمقراطيين الأحرار، لجان الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان،التجمع الليبرالي الديمقراطي العلماني ،لجان إحياء المجتمع المدني،مركز الشام للدراسات الديمقراطية). وقد توضح لنا فيما بعد بأن بعض أطراف اعلان دمشق(كردية وعربية) لعب دوراً مهماً في إفشال تلك اللقاءات وإجهاضها، لأنها كانت تخشى من بروز تكتل أو تحالف سياسي جديد آخر بموازاة (اعلان دمشق).وبالنسبة للمنظمة الآثورية الديمقراطية، كان لسكرتير حزب (الديمقراطي التقدمي الكردي)- وهو من المنضويين تحت إعلان دمشق- دور مهم وأساسي في انضمامها المتأخر الى قوى اعلان دمشق،حيث لسكرتير هذا الحزب علاقة شخصية متميزة مع مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية، السيد (بشير سعدي)،الى درجة كان هذا الأخير يقطع اجتماعات (المكتب السياسي) ليتصل مع سكرتير هذا الحزب لأخذ رأيه في بعض القضايا السياسية خاصة تلك التي تتعلق بالموقف من النظام والمعارضة، وحتى من (الحركة الكردية) ذاتها، قبل أن يحسم موقف المنظمة الآثورية منها داخل المكتب السياسي.وأكاد أجزم بأن المنظمة الآثورية الديمقراطية ما كان لها أن تدخل هذا النادي السياسي (اعلان دمشق ) ما لم يكن يتواجد فيه الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي .

سليمان يوسف... سوريا- القامشلي
منسحب من قيادة المنظمة الآثورية
shosin@scs-net.org[/b][/size][/font]

 

136
                                              محنة المنظمة الآثورية(8)
                                                   (المؤتمرات العامة)
تنويه:
- نشرت في الآونة الأخيرة العديد من المقالات في بعض مواقع الانترنيت رداً على ما أكتبه عن محنة المنظمة،بالطبع لم نتفاجأ بهذه الردود بل نتوقع المزيد منها، إذ من حق المرء أن يدافع عن نفسه أياً تكن التهم والجرائم المنسوبة اليه، حتى المجرمون يتبرع محامون للدفاع عنهم. لكن تلك الردود بما تحمله من مغالطات وافتراءات مكشوفة الأهداف والغايات تجاوزت حدود حق الدفاع وانحرفت عن أخلاقيات وقواعد هذا الحق وعن آداب الكتابة.واللافت في تلك الردود- وهذا ما تأكد لنا- أنها كتبت من قبل (قياديين في المنظمة الآثورية) بأسماء وهمية،تارة بأسماء كردية وأخرى بأسماء آشورية،ليأخذوا راحتهم في تزوير الحقائق والإكثار من تلفيق التهم والأكاذيب. ولإبعاد الأنظار عنهم وليظهروا للرأي العام بان هناك من يدافع عنهم من خارج المنظمة وحتى من غير الآشوريين قاموا بنشر مقالة (بلند حسن- دمشق) بداية في موقع أحد (الأحزاب الكردية) التي يتمتع السيد (بشير سعدي) بعلاقات حميميه مع سكرتير هذا الحزب.هذه الأساليب الرخيصة(على طريقة  العملاء في كتابة التقارير ) والتخفي خلف الآخرين والاحتماء بهم هي تؤكد من جديد عجز هؤلاء عن مواجهة الحقائق وامتهانهم لسياسة التضليل والخداع والأخذ منها منهجاً لهم في الحياة.على أية حال سرعان ما سقطت الأقنعة و(انقلب السحر على الساحر)،نترك الحكم عليهم للراي العام الذي ضللوه بشعاراتهم ولمن ضللوا  وانخدعوا بهم من كوادر وقواعد المنظمة الآثورية طيلة السنوات الماضية. 
- منذ زمن ليس بقصير، حتى قبل أن أدخل المكتب السياسي قبل ثلاث سنوات، امتلكتني رغبة ملحة في الكتابة عن تجربتي السياسية داخل المنظمة الآثورية.هذه الرغبة في الكتابة بالتأكيد ليست بدافع الحديث عن الذات,وإنما من أجل تقديم رؤية نقدية لمسيرتها ونقل انطباعاتي التي كونتها عنها على ضوء الوقائع والحقائق التي عايشتها وعاصرتها على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، والبحث عن تفسيرات محددة لأسباب ضعف المنظمة وانحسارها الى رقم غير قابل للقسمة بلغة السياسية وقوانين الأحزاب، كذلك للإجابة على تساؤلات مشروعة يطرحها الشارع الآشوري حول مستقبل العمل القومي الآشوري في سوريا على ضوء تطورات الحالة العراقية.والمحاولة الأولى للكتابة في هذا المنحى كانت في تشرين الثاني 2000، إذ كتبت مقالاً  نقدياً بعنوان(( وجهة نظر في الخطاب الآشوري)) وقد اقامت (هيئة تحرير نشرو)،مشكورة، ندوة حوارية لمناقشة ما جاء فيها من أفكار ورؤى سياسية.لكن بعد حدوث ما لم أكن أتوقعه( صعودي الى المكتب السياسي 2003)آثرت التريث في الكتابة والانتظار ريثما تنتهي دورتي في (المكتب السياسي) التي اتاحت لي الفرصة للاقتراب لمعرفة كيفية اتخاذ القرارات وبناء المواقف والتوجهات السياسية للمنظمة، ومع تجدد الأزمة داخل المنظمة، وانسحابي من قيادة المنظمة قبل عام من انتهاء دورة المكتب السياسي،لاستحالة استمرار العمل مع هذه الفئة المتسلطة على المنظمة عبر شبكة علاقات اجتماعية قائمة على الروابط العائلية والأسرية والمنافع المشتركة،وبالتالي انسداد كل الأفق أمام إنقاذ المنظمة من براثن الفساد،المالي والسياسي، الذي ينخر بها،على أثر كل هذا قررت المباشرة بالكتابة عن تجربتي السياسية في المنظمة الآثورية. فما أكتبه اليوم عن محنة المنظمة هو قطعاً ليس، كما يظن البعض و يروج  بأنها مجرد ردة فعل سلبية على الأزمة الراهنة  للنيل من اللذين اختلفنا معهم،بالطبع لا أنكر تأثيرات هذه الأزمة على مسار الكتابة، لكن من غير أن تأثر على المنهج العام لها.
لقد انتقدني البعض على طرح (قضايا الخلاف) وهي بهذا المستوى من الخطورة والتعقيد على صفحات الانترنيت بدلاً من أن تطرح في المؤتمرات العامة للمنظمة باعتبارها الأطر التنظيمية الشرعية والمناسبة لمعالجة هكذا قضايا، ويرى هؤلاء أن طرحها بهذه الطريقة أعطاها بعداً شخصياً وافقدها أهميتها. بالطبع من حيث المبدأ اتفق مع هؤلاء،واقدر مشاعرهم وحرصهم على مستقبل المنظمة، لكن وكما يقال: ( أهل مكة أدرى بشعابها)، فالذي لا يعرف المنظمة من الداخل  ينظر لها وكأنها مؤسسة سياسية قائمة بذاتها ومستقلة،تعمل بشكل جماعي وديمقراطي.حقيقة وبكل أسف وألم أقول: أن صورة المنظمة ليست كذلك  لا بل هي عكس ذلك تماماً.ومن غير أن أدخل في التفاصيل، فقط سأذكر بعض الوقائع والمشاهد من داخل جلسات وأروقة (المؤتمرات العامة) للمنظمة- حضرت آخر مؤتمرين- لتمكين الكادر الآثوري والقارئ الآشوري من تكوين صورة قريبة وواقعية عن حال المنظمة وطريقة تعاطي القيادات مع المشاكل والقضايا الجوهرية والأكثر حساسية حتى داخل (المؤتمرات العامة)، التي هي بنظري (مقبرة سياسية)، فالموت البطيء للآثوري الطموح المتحمس للعمل يبدأ من اللحظات الأولى لبدء جلسات المؤتمر، تحت تأثير الإحباط واليأس الذي يصاب به وهو يراقب المستوى الضحل والمتدني جداً في تناول القضايا، خاصة بعد أن يتأكد من أن مصير كل القرارات والتوصيات المتعلقة بالقضايا القومية والسياسية التي تتخذ في المؤتمر على ضعفها وهزليتها، هو (سلة المهملات) بعد انتهاء المؤتمر مباشرة وحتى قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، باستثناء بعض القرارات التنظيمية التي غالباً ما تأخذ بدوافع ونزعات خاصة لا علاقة لها بتفعيل الأداء التنظيمي. جدير بالذكر أن المؤتمر  العام الأخير قرر تشكيل لجنة من ثلاثة أشخاص لدراسة النظام الداخلي ووضع مسودة تعديلات عليه، لكن مضت ثلاث سنوات من غير أن تعقد اللجنة اجتماعاً واحداً علماً  أن كل أعضاءها هم في مدينة واحدة، بالطبع سيأتي موعد المؤتمر القادم،بعد عام، من غير أن تفعل شيئاً.

وقد مضت ثلاث سنوات على المؤتمر الأخير من غير أن يعود المكتب السياسي أو اللجنة المركزية ولو لمرة واحدة لمقررات وتوصيات المؤتمر لوضع آليات وخطط عمل لتحقيق ما يمكن تحقيقه. وأكاد أجزم بالمطلق بأن الجميع يتعامل مع المؤتمرات العامة على أساس أن وظيفتها الأساسية تنحصر فقط في انتخاب (اللجنة المركزية) الجديدة التي تقوم بدورها في انتخاب (المكتب السياسي).فهذه المهمة هي وحدها التي ينشغل بها الجميع حيث تشكل التكتلات ليس على أساس برامج سياسية وإنما على أساس المحسوبيات والولاءات الشخصية.ولتوضيح الصورة أكثر نعود الى مشكلة (فرع السويد) التي عصفت به قبل سنوات. ففي الوقت الذي كانت تتطلب تلك الأزمة مؤتمراً عاماً استثنائياً لمعالجتها، قررت قيادة المنظمة- كان السيد بشير سعدي- مسؤولاً للجنة المركزية ومسؤول المكتب السياسي من المقربين جداً اليه-  تأجيل المؤتمر العام الدوري قبل أيام من موعده المقرر وبعد أن وصل بعض مندوبي فرع السويد الى سوريا لحضور المؤتمر، طبعاً تقصدوا التأجيل لإبعاد فرع السويد عن المؤتمر ودفع الأزمة بالاتجاه الذي يريدون، وبالفعل انعقد المؤتمر بغياب فرع السويد وانتهت الأزمة بانقسام الفرع وبقاء أكثرية أعضاءه خارج المنظمة الآثورية الى تاريخ اليوم. وفي ذات المؤتمر أثيرت بعض قضايا الفساد المالي داخل المنظمة والتي كانت حديث الشارع، لكن من غير أن يهتم المؤتمر بالموضوع باستثناء أحد أعضاء المكتب السياسي السابق إذ بقي وحده متمسكاً بهذا الملف طيلة فترة وجوده في قيادة المنظمة لكن بسبب تلوث العديد من القيادات بالفساد، لم تحظ القضية بأي اهتمام وأقفل الملف بكل بساطة وكأن شيئاً لم يكن،بالرغم من إقرار الكثيرين بحصول تلك الفضائح المالية، وكانت النتيجة خسارة المنظمة لهذا الآثوري(عضو مكتب سياسي) المتميز بإخلاصه والتزامه وأدائه،فقد ترك المنظمة مباشرة بعد المؤتمر احتجاجاً على هذا التواطؤ المخزي، وخسرت معه المبالغ المنهوبة، وبقي المفسدون في مواقعهم وكأن شيئاً لم يكن.في حين أن السيد (بشير سعدي) ومريديه أخذوا من بضع جمل وكلمات لم تروق لهم قيلت في مأتم ذريعة لتفجير أزمة داخل المنظمة وشق (المكتب السياسي) دون رادع  ضمير، فما أبرعهم في شخصنة القضايا الجوهرية وتمييعها وتضخيم الصغائر وتكبيرها عندما يشتهون ذلك.
نعم هذا هو مستوى (المؤتمرات العامة) للمنظمة الآثورية الديمقراطية وبهذه الطريقة تعالج مشاكلها وكل قضايا الخلاف، فهل من آمال يمكن وضعها على المؤتمر العام القادم- المقرر انعقاده صيف  2007- في معالجة الأزمة الراهنة وذات النفوس المريضة والفاسدة تهيمن على المنظمة وتحتكر قراراها وهي لا تنظر للعمل القومي إلا من خلال مصالحها الأنانية الضيقة والتي تتعارض مع المصالح الحقيقية للشعب الآشوري والوطن السوري . علينا أن لا نكون طوباويون أكثر من اللازم، كمن يطالب من نظام قائم على الاستبداد والدكتاتورية والفساد أن يتحول الى نظام ديمقراطي عادل  يحترم الدستور وحرية الرأي فهذا مستحيل، إذ لم يذكر لنا  التاريخ مرة واحدة بحصول مثل هذا التحول النوعي في مواقف الطبقات الحاكمة، فالظواهر في المجتمعات،مرضية كانت أم صحية، سلبية أم إيجابية، هي من طبيعة المنظومة الاجتماعية والسياسية التي ترتبط بها وملازمة لبنيتها الفكرية والثقافية، فلا يمكن التخلص من الظواهر السلبية والمرضية إلا بالتخلص من الطبقة الاجتماعية والسياسية التي ارتبطت بها وعاشت معها والمستفيدة منها.قد يتساءل البعض: إذا كان هذا هو حال المؤتمرات العامة فكيف صعدت أنا(سليمان يوسف) الى القيادة في المؤتمر السابق؟ لا شك هذا سؤال مشروع ومحق.الحقيقة انتخابي كان إحدى مفاجئات المؤتمر، فقد فزت بأقل الأصوات من بين اللذين تم انتخابهم،وربما غياب البعض عن المؤتمر منحني الفرصة،وهذا يؤكد بأنني جئت من خارج قائمة (التكتل) الذي رتب له من قبل البعض قبل المؤتمر.والصورة تبدو واضحة على الأقل بالنسبة لي،فقد انتخبني  من كان مؤيداً لمواقفي السياسية، تقاطعت أصواتهم مع من أرادني شوكة في حلق اللذين رتبوا للتكتل وأبعدوهم عنه مع أصوات أخرى من أرادني في القيادة ليس مناصرة لمواقفي وإنما لاحتوائي(محاصرتي) كصوت تميز بالمعارضة لنهج القيادة ونهج النظام السوري،وقد علق البعض مباشرة بعد فرز الأصوات وظهور النتائج، بالقول: ((لقد انتهت المعارضة داخل المنظمة بصعود سليمان الى القيادة))،لكني  أكدت لهم بأنني ثابت على نهجي ومواقفي بغض النظر عن الموقع الذي أشغله،وقد أثبتت الأيام هذه الحقيقة وخسروا رهانهم.

سليمان يوسف يوسف.... سوريا- القامشلي
منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org
 

137
نتألم لـ( قانا) ونتذكر (سميل) 



 سليمان يوسف يوسف
 
 تبدو منطقة (الشرق الأوسط)، أكثر مناطق العالم توتراً واضطراباً، تعيش تحت وطأة عنف مختلف الايديولوجيات والأصوليات، القومية والدينية واليسارية والعسكرية. على خلفية هذه العقائد والأيديولوجيات المقدسة والغير مقدسة، تندلع من حين لآخر، بين دول وشعب المنطقة وأحياناً بين مجموعات داخل الدولة الواحدة، حروب وصراعات تجلب المزيد من المآسي والمحن لشعوبها، وهذا يجعل من (الشرق الأوسط) مجرد(مسلخ) لذبح البشر بالجملة والمفرق. تارة عبر حروب وصراعات على الجغرافيا ومن أجلها وتارة على التاريخ ومن أجله، تارة بين من يريد الهجرة باتجاه (الماضي) وصولاً الى (الدولة الدينية) وبين من يريد الهجرة باتجاه (المستقبل) وصولاً الى (الدولة المدنية- العلمانية)، تارة بين سلطة الاستبداد والمعارضة وأخرى بين الإرهاب والحرية. ولا يبدو في الأفق نهاية قريبة لهذه القلاقل، طالما كل يدعي بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة ويدافع عن حقوق مقدسة ثبتتها له الآلهة في كتبها وسجلاتها الآتية من خارج التاريخ ومن عوالم أخرى سابقة للزمن. وقد علمنا التاريخ بأن أخطر الحروب هي تلك التي تندرج في اطار (الحروب المقدسة) والتي تقام باسم الآلهة، كالحرب الراهنة بين حزب الله واسرائيل، حيث الخسارة أو الهزيمة فيها مرفوضة وغير واردة، لأن الآلهة لا تهزم.
في هذه اللحظات التاريخية العصيبة التي تعصف بلبنان وتهدد بإشعال المنطقة، نتألم فيها لضحايا مجازر(قانا) و(غزة). لكن من غير أن ندخل في تفاصيل المشهد اللبناني ونحدد مسؤوليات مآسيه والمحن التي تعصف به جراء العدوان الإسرائيلي عليه منذ أكثر من ثلاثة أسابيع والتي استنفر لها العالم بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، نذكر هذا العالم، خاصة العرب والمسلمين، بأن هناك شعوب ومجموعات بشرية أخرى، ارتكبت وترتكب بحقها مذابح وجرائم إنسانية، في العراق ومصر وتركيا وفي دول ومناطق أخرى، تارة على يد الدولة وتارة على يد الإرهاب، ويكاد لا توجد دولة في المنطقة، عربية وإسلامية، بريئة من دم شعبها ومواطنيها. كما نلفت أنظار العالم العربي والإسلامي المستمتع بـ(مأساة العراق)، حيث تحصد (العمليات الإرهابية) التي تنفذها عناصر عراقية وغير عراقية يومياً العشرات من سكانه الآمنين، من كل القوميات والأديان، بالإضافة الى ضحايا الاحتلال الأمريكي البريطاني له، ومن غير أن يبدو في الأفق القريب نهاية لهذا (العنف الطائفي) الأعمى الذي أدخل العراق في حرب أهلية ملعونة قوضت وجوده وتهدد وحدته، كما أنها تكاد تفرغ العراق من المسيحيين والآشوريين(كلدان/سريان)، أقدم سكان بلاد ما بين النهرين، وكأن الذي حل بهم وأصابهم من مذابح وويلات على امتداد القرون الماضية ليس كافياً. أن مذابح (قانا)و(غزة)وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل بحق العرب، على فظاعتها وبشاعتها، يجب أن لا تنسي العالم ما يجري للعراقيين على يد (الإرهاب الوطني) والمستورد، وما حل بالمسيحيين (أرمن وآشوريين وروم ويونان) من رعايا الدولة العثمانية/التركية التي نفذت بحقهم عمليات (إبادة جماعية) وترحيل قسري لهم من مناطقهم في ربيع وصيف عام 1915. أن ما جرى للآشوريين العراقيين في (مذبحة سميل) وفي قرى سهل نينوى آب 1933، التي يحي الآشوريون في هذه الأيام ذكراها، لم تكن مجرد جرائم إنسانية فحسب، وإنما بالقدر ذاته كانت جرائم سياسية بحق الوطن العراقي، خاصة إذا علمنا بأن الآشوريين انطلقوا منذ البداية كحركة وطنية عراقية ناضلت من أجل إحقاق الحقوق القومية والدينية للآشوريين في إطار (الدولة العراقية) الواحدة، وقد أكدوا على تمسكهم بعراق ديمقراطي موحد من خلال المطالب التي أعلنوها في 16 حزيران 1932 (اعتراف دولة العراق بالآشوريين شعباً عراقياً أصيلاً, وليسوا بأقلية طائفية وافدة، وجوب إعادة المناطق الآشورية في تركيا إلى العراق، أن يمثل الآشوريون في الحكومة والبرلمان العراقي). لكن بدلاً من أن تستجيب حكومة الاستقلال (حكومة الكيلاني) للمطالب الآشورية المشروعة وتخفف عنهم معاناتهم، صورتهم على إنهم (أقلية وافدة وانفصالية) تعمل لصالح (الإنكليز) لتبرر الحملة العسكرية عليهم بهدف صرف (الرأي العام) العراقي عن المشاكل الداخلية التي كانت تواجهها، وهي بذلك افتتحت عهد الاستقلال بإقامة (شعائر الموت) وعمليات القتل والتهجير الجماعي للآشوريين العراقيين، وجبل كيان الدولة العراقية الفتية بالدم الآشوري وزرع بذور الحقد والكراهية والتأسيس للنهج الطائفي ولكل أشكال الاستبداد والفساد في المجتمع العراقي. وهي (مذبحة سميل) تعد أولى إنجازات (الحكم الوطني) على صعيد (المقابر الجماعية) المزروعة اليوم بكثرة في أرض العراق. وصف شهود عيان ما جرى في سميل الآشورية: بأنه كان من أكثر الجرائم الإنسانية فظاعة وبشاعة في تاريخ المنطقة. وقال عنها أحد الضباط البريطانيين مندهشا: ((لقد رأيت و سمعت الكثير عن الأعمال المريعة والبشعة خلال الحرب، إلا أن ما شاهدته في (سميل) يفوق تصور البشر)). بلا ريب، تركت مذبحة سميل مضاعفات اجتماعية وآثار سياسية خطيرة ليس على مستقبل الآشوريين فحسب وإنما على مستقبل العراق ككل، حيث شكل ذلك الاصطدام المفتعل مع الآشوريين، نقطة البداية للانحراف في مسيرة الحياة السياسية للعراق وانتهاك الدستور، وهيأ الأجواء داخل العراق للحكم الدكتاتوري العسكري المتشبع بالفكر القومي الغوغائي والنزعة الشوفينية للقومية والتعصب الأعمى للدين، الذي استمر في خداع الجماهير وتضليل المواطنين بالشعارات الوطنية والقومية الزائفة التي أوصلت العراق الى ما هو عليه اليوم من نار ودمار. في ذات السياق يقول الأستاذ (عبد المجيد القيسي) في كتابه (تاريخ القضية الآشورية في العراق):((وما الرقص في برك الدم وسحل الجثث يوم 14 / تموز /1958 و 8 شباط/1963 وأحداث عام 1959 في الموصل وكركوك، وما فرحة الانتصار الوطني والفخار القومي على الجثث المتساقطة في (حلبجة) بفعل الكيماوي، ما هذا كله إلا أثرا من أثار (التنظير العقائدي) الذي وضع (رشيد عالي الكيلاني) بذرته الأولى عام 1933 - من خلال افتعال الاصطدام مع الآشوريين وسحق انتفاضتهم)).

سوري آشوري
shosin@scs-net.org

 

138
أخبار شعبنا / كلمة شكر واعتذار
« في: 10:26 04/08/2006  »
كلمة شكر واعتذار

كلمة شكر وتحية آشورية أوجهها الى القائمين على ( الكونفيشن )- مؤتمر الجمعيات الآشورية في الولايات المتحدة الأمريكية- أخص بالشكر الأستاذ ( اليدين خامس)،على دعوتهم لنا (سليمان يوسف) كـ(كاتب آشوري) لحضور مؤتمرهم السنوي لهذا العام والمقرر انعقاده في 31آب- 4 أيلول 2006.
واعتبر هذه الدعوة (شهادة قومية) وتكريم من الكونفيشن اعتز بهما، فهي تؤكد حرص القائمين على الكونفيشن أن يكون مؤتمرهم منبراً آشوريا ديمقراطياً مفتوحاً، يتيح الفرصة للكتاب الآشوريين المدافعين عن قضايا وحقوق أمتهم وشعبهم، لأغناء وإثراء المؤتمر بأفكارهم ويقدموا آرائهم و تصوراتهم حول آفاق العمل القومي و (القضية الآشورية) في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها العراق(بلاد ما بين النهرين) ومنطقة الشرق الأوسط التي تعيش فيها غالبية شعبنا الآشوري(سريان/كلدان) وهو يشكل جزءاً أساسياً وأصيلاً منها.
لا شك، يشرفني جداً حضور هذا (الكونفيشن) لما يحقق من فرصة للتواصل مع نخبة من أبناء شعبنا من الجالية الآشورية الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم. لكنني اعتذر عن الحضور، بسبب عدم السماح لي بالخروج من بلدي (سوريا) إذ يوجد بحقي (منع مغادرة سوريا) من قبل سلطات الأمن السورية، بالطبع لأسباب سياسية تتعلق بنشاطاتي السياسية وبمواقفي التي لا تعجب ولا تريح (النظام السوري).هذا المنع يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان والمواطن التي نص عليها (الدستور السوري) ذاته، و(الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)،كذلك التي نصت عليها جميع المواثيق الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان.لكن يبدو أن السلطات السورية لا تعير أي اهتمام لدستور البلاد ولا للمواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي وقعت عليها الدولة السورية.
أملنا كبير بأن تتحسن أوضاع حقوق الإنسان في سوريا ونتمكن حضور مؤتمركم(الكونفيشن) في السنوات القادمة. نتمنى لكم التوفيق ومزيد من التقدم والنجاح على طريق ابراز (القضية الآشورية) على المسرح السياسي العالمي وإحقاق الحقوق القومية للشعب الآشوري في العراق وسوريا وتركيا وفي كل مناطق تواجده.

الكاتب الآشوري
سليمان يوسف ...
سوريا- القامشلي .. 4-8-2006
shosin@scs-net.org[/b]
 

139
المنبر الحر / لماذا لبنان...؟
« في: 15:37 29/07/2006  »
لماذا لبنان...؟

الخميس, 27 يوليو, 2006
سليمان يوسف يوسف

منذ الثاني عشر من تموز الجاري وأنظار العالم تتجه من جديد الى لبنان، هذه المرة ليس لمتابعة تداعيات اغتيال إحدى شخصياته السياسية أو الإعلامية، وإنما لسماع أخبار الهجوم الإسرائيلي الشامل ،جواً وبراً وبحراً، على لبنان ولمشاهدة ما يخلفه هذا الهجوم من دمار وخراب ومآس إنسانية، تتسابق الفضائيات في نقل صور حية ومباشرة لها من قلب المعارك التي أعادت الى ذاكرة اللبنانيين ويلات الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. يقول كانط: “إذا كان قتل طفل بريء يسعد البشرية جمعاء فأن قتله جريمة”، ماذا كان سيقول كانط وهو يشاهد ما يحصل هذه الأيام للبنان وقد تحول الى نار ودمار فوق رؤوس أطفاله وابنائه الأبرياء ويسمع صرخاتهم تحت الأنقاض وهم يستغيثون!.لماذا كل هذا الذي جرى و يجري للبنان الجريح والمنهك،الخارج من حرب أهلية طويلة ومريرة،إذ لا يكاد يخرج من محنة حتى يدخل في أخرى أشد وأكثر قسوة؟، وإلى متى سيبقى لبنان تتجاذبه قوى محلية وإقليمية ودولية لكل منها أجندتها الخاصة، وبالتالي يبقى يدفع من حين لآخر فاتورة حروب الآخرين(حروب بالوكالة) على أرضه وهو غير قادر على تحمل أعبائها؟.كما في كل الحرب اللبنانية السابقة، لم يقرر لبنان هذه الحرب ومن المؤكد أنه لا يريدها، ولأنه يرفضها بقي الجيش اللبناني بعيداً عن المعركة بالرغم من تعرض بعض مواقعه للقصف الإسرائيلي ووقوع العديد من جنوده بين قتيل وجريح. في الطبيعة، عندما يخضع جسم ما لضغط متزايد يفوق قدرته على التحمل ينفجر ذاك الجسم بدءاً من أضعف نقطة فيه، في علم الاجتماع السياسي هناك ما يوازي أو يعادل هذا القانون الفيزيائي. فمع استمرار تزايد الضغوط، السياسية والعسكرية والاقتصادية، على منطقة (الشرق الأوسط) في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وتأزم الأوضاع داخل فلسطين بعد فوز حماس وتشكيلها للحكومة، كان لا بد من أن تنفجر الأوضاع في المنطقة للتخفيف من حال الاحتقان القائمة، وباعتبار لبنان أضعف دول المنطقة وأكثرها اختراقاً من قبل الخارج، انفجر هذا (الاحتقان الإقليمي) على أراضيه بدءاً من أضعف نقطة لبنانية، وهي أرض (الجنوب)، حيث لا سلطة للدولة اللبنانية عليها، وإنما لمقاتلي حزب الله الذي أبقى الجنوب، بعد تحريره، جبهة ساخنة مع اسرائيل. بلا ريب، أن (الحروب)، كل الحروب، مقيتة، مرفوضة ومكروهة إنسانياً، وبالتالي هي غير مبررة أخلاقياً تحت أية تسمية أو ذريعة، لكن إذا نظرنا الى الحروب من زاوية أخرى (فلسفية)- بمنظار هيغل:(الحروب هي التي تحكم التاريخ وتحدد مساره)- تبدو أحياناً ضرورة لتأدية دور تاريخي أو هدف سياسي معين، في هذه المنطقة أو تلك من العالم، التي توجد فيها أزمات و قضايا معقدة يصعب حلها عبر التفاوض في وضع سياسي وأمني بارد وهادئ. وقد قيل في السابق: “أن الحروب هي استمرار للسياسة لكن بوسائل أخرى”، والبعض يرى فيها “امتحاناً للشعوب” حيث تقوم بإتاحة الفرصة لأشكال وأساليب جديدة من التفكير والعمل والحياة.
على صعيد أزمات المنطقة لعبت بعض الحروب، العربية الإسرائيلية، مثل هذه الأدوار السياسية، خاصة حرب تشرين 1973 التي وصفها البعض، منهم الرئيس المصري (أنور السادات) الذي خاض الحرب الى جانب سورية، بأنها كانت “حرب تحريك” أكثر من كونها “حرب تحرير”، فقد فتحت تلك الحرب طريق القدس أمام السادات ووقع اتفاقية سلام بين مصر واسرائيل. ويرى الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين أن الحرب الإسرائيلية الراهنة على لبنان ربما تأتي في هذا المنحى وقد تؤدي ذات الدور السياسي في ما يتعلق بالأزمة اللبنانية بكل تفرعاتها وبأزمات الشرق الأوسط عامة التي استعصت على الحل عبر التفاوض وبالطرق السلمية، لذلك هي باتت تتطلب إشعال حروب محدودة حولها لخلط الأوراق وإحداث تغيير ما على الأرض على ضوئها يمكن دفع المعنيين بها للتفاوض من جديد والبحث عن حلول ممكنة لها. إذ، يستبعد أن تكون هذه الحرب الشاملة والمضمرة على لبنان فقط من أجل تسليم حزب الله الجنديين الإسرائيليين اللذين خطفهما، فلم يعد سراً بان اسرائيل تسعى لتقويض حزب الله وإنهائه كلياً أو على الأقل ابعاده عن حدودها الشمالية وبما يضمن وضع حد لتهديداته لها، وربما أرادت اسرائيل من هذه الحرب أيضاً إرسال أكثر من رسالة تحذير وإنذار ولأكثر من طرف في المنطقة ترى اسرائيل فيه خطراً على أمنها ووجودها، وبالمقابل يستبعد أن تقف أهداف حزب الله من عملية خطف الجنديين وجر لبنان الى هكذا “حرب مضمرة” في هكذا أوضاع لبنانية وإقليمية ودولية متوترة- ربما لم يكن يتوقع أن تكون ردة الفعل الإسرائيلية بهذه الشراسة- عند حدود تحرير ثلاثة أسرى لبنانيين، وإنما لكلا الطرفين ومن خلفهما الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بهذه الحرب، أهداف تتعدى قضية الأسرى،وربما تتجاوز الموضوع اللبناني وتنفيذ ما تبقى من قرار مجلس الأمن 1559 (بسط الدولة اللبنانية سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية،ترسيم الحدود مع سورية وتجريد سلاح حزب الله)، لتمتد الى قضايا وملفات إقليمية أخرى، مثل قضية النزاع العربي الإسرائيلي والوضع في العراق والملف النووي الإيراني وأزمة العلاقات السورية الأميركية ــ الغربية، وربما أيضاً لتحريك مشروع (الشرق الأوسط الكبير والجديد) الذي تتحدث عنه الإدارة الأميركية منذ سنوات وفي كل أزمة تنشب في المنطقة. بطبيعة الحال، لا يمكن فصل الحرب الراهنة على لبنان، بدوافعها وأهدافها، المباشرة وغير المباشرة المعلنة وغير المعلنة، عما يخطط لهذه المنطقة الحيوية من قبل القوى العظمى التي تأمل أن تحدث الحرب الراهنة واقعاً عسكرياً وسياسياً جديداً يسهل عليها اعادة تشكيلها وترتيب أوضاعها بما يضمن مصالحها الاستراتيجية فيها. لا جدال على أن لبنان ومعه المنطقة سيدخلان بعد هذه “الحرب المباغتة”، مرحلة سياسية وتاريخية جديدة، طبعاً من الصعب تحديد صورة لبنان الجديد وقراءة آفاق المرحلة المقبلة قبل أن تهدأ العاصفة، التي تهدد بحدوث زلزال عسكري وسياسي في المنطقة ما لم يتم تطويقها قبل فوات الأوان، وبالتالي قبل أن تتضح النتائج النهائية للعمليات العسكرية وتنجلي الشروط الجديدة التي على أساسها وعلى سكتها ستبدأ العملية السياسية بالتحرك في المنطقة.[/b][/size][/font]
 
 

140
محنة المنظمة الآثورية الديمقراطية (  7 )
     اعتقالات 1987وسقوط ورقة التوت



بالعودة الى ملف الاعتقالات والتوقيفات التي تعرضت لها قيادة المنظمة الآثورية، نهاية 1986 وربيع  1987.
بالطبع،معظم الأوساط السياسية والشعبية، الآشورية وغير الآشورية،المقربة من المنظمة الآثورية في الجزيرة السورية، تعلم بأن تلك (الاعتقالات) لم تحصل على خلفية موقف أو حدث سياسي (قومي أو وطني) بارز اتخذته المنظمة الآثورية يمكن لها أن تفتخر به ويعطيها شيء من الرصيد السياسي في المجتمع، إنما تلك (الاعتقالات)، أو التوقيفات، حصلت نتيجة خطأ أو بالأحرى استهتار بأمن المنظمة وبأًًصول العلاقات التنظيمية.ذلك من خلال تحميل إرسالية الى (فرع أوربا) لشاب صغير من كوادر المنظمة،ضبطت الرسالة معه من قبل المخابرات الجوية السورية في المطار.كان ذلك في كانون الأول  1986، على أثرها تم توقيفه وبعدها بأيام تم اعتقال ثلاثة أشخاص من المنظمة لهم علاقة مباشرة بتلك الرسالة، بينهم (بشير سعدي)، كان آنذاك عضواً في المكتب السياسي. وقد علمنا فيما بعد من المعتقلين أنفسهم: بأنه(بشير) هو الذي أفشى بأسماء جميع أعضاء الهيئات القيادية في المنظمة وقد اعتقلوا جميعهم (أعضاء فرع سوريا ومكتب سياسي ولجنة مركزية) في آذار 1987، وتم نقلهم الى دمشق.
 بعد الدفعة الثانية من الاعتقالات(اعتقال  كامل قيادة المنظمة)، كان لزاماً لا بل واجباً تنظيمياً وأخلاقياً وسياسياً، أن يتحرك الصف الثاني في المنظمة الآثورية  لملء الفراغ الذي خلفته الاعتقالات وتحمل المسؤولية في قيادة المنظمة في أحرج وأصعب مرحلة مرت بها، وعدم ترك مصيرها للمجهول لأن لا أحد، طبعاً داخل المنظمة،كان يعلم كم ستطول فترة اعتقالهم، وبدافع هذه المسؤولية التاريخية والواجب القومي، تحركتُ(سليمان يوسف) مع مجموعة من الآثوريين الغيورين والمخلصين لتشكيل قيادة مؤقتة سمينها ( الهيئة المكلفة)، وباشرنا اتصالاتنا مع القواعد للتواصل معها عبر آليات خاصة ناسبت ظروف المرحلة،وأخرجنا قواعد وجماهير المنظمة  من حالة الإحباط واليأس التي سيطرت عليهم واجتاحت الشارع الآشوري و جعلناهم يتفاعلون بشكل ايجابي مع حدث الاعتقال الذي لم تكن المنظمة مهيأة له، وقد نجحنا بنسبة كبيرة في إعادة التوازن للمنظمة الآثورية والتخفيف من هول الصدمة على الجماهير الآشورية. وقد سارعت(الهيئة المكلفة) الى اصدار بياناً سياسياً، تميز بالجرأة والشجاعة، برأي العديد من القوى السياسية الأخرى، طبعاً قياساً مع مستوى القمع الذي كان يمارس في سوريا آنذاك، توجهنا فيه الى الرأي العام الآشوري والقوى السياسية الوطنية في البلاد، أدانت الهيئة المكلفة في بيانها الاعتقالات وطالبت بالإفراج الفوري عن الآثوريين وعن جميع المعتقلين السياسيين في سوريا، وقد تم توزيع البيان في مدن الجزيرة السورية و حلب و العاصمة دمشق.كانت تقديراتنا في الهيئة المكلفة، بأننا قد نلتحق برفاقنا الآثوريين في السجن بعد وصول البيان الى يد سلطات الأمن السورية، لكننا لم نكن نتوقع قطعاً أن تأخذ (قيادة المنظمة الآثورية المعتقلة) بعد خروجها من السجن دور (المخابرات السورية) في محاربتنا على خلفية البيان الذي أصدرنا باسم (الهيئة المكلفة). فبعد أيام من صدور البيان المذكور أفرج عن جميع الآثوريين المعتقلين وبشكل مفاجئ، بأقل من أسبوعين على اعتقال(الدفعة الأخيرة) ومن غير أن يتعرض الكثيرين منهم للضرب أو التعذيب، طبعاً ومن غير أن تصدر أية أحكام بحق أحد منهم. إذ،يبدو أن قيادة المنظمة وبعد أن قرأت (بيان الهيئة المكلفة) أصيبت بالذعر والهلع خوفاً من أن تعود الى السجن ثانية وتفقد مصداقيتها أمام سلطات الأمن السورية، لذالك سارعت الى التبرؤ من البيان واتهام الهيئة المكلفة بالارتباط مع المعارضة للتضليل على الجماهير وعلى قواعد المنظمة ودعت الى عقد اجتماع طارئ وقررت اصدار بيان معاكس لبيان الهيئة المكلفة لإثبات براءتها  منه أمام سلطات الأمن السورية و إرضاء لها،وقد كلفوا (سعيد لحدو) بوضع (مسودة البيان)، لكن خشيتها من الفضيحة السياسية تراجعت في اللحظات الأخيرة عن اصداره، طبعاً بعد أن تبرأت شفهياً منه أمام سلطات الأمن.
بالرغم من مضي أكثر من ثلاثة أشهر على اعتقال الدفعة الأولى ( الأربعة ) الذين اعتقلوا في كانون الأول 1986 لم تصدر قيادة المنظمة الآثورية- قبل أن تعتقل في آذار 1987-أي بيان أو بلاغ  يدين اعتقال أربعة آثوريين ويطالب بالإفراج عنهم،وهذا أمر بالغ الأهمية سياسياً، فهو يعكس ضحالة التفكير السياسي لدى القيادة الآثورية وطريقة تعاطيها مع مسألة الاعتقالات. فكل ما فعلته تلك القيادة الآثورية التقليدية في حينها وعلى مدى ثلاثة أشهر أنها تحركت باتجاه الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والبطريرك زكا شخصياً- معروف في سوريا أن الكنيسة كمؤسسة دينية واجتماعية التي تقوم عليها (طبقة الإكليروس) هي جزء من مؤسسات السلطة وهي تخضع لها وتتبعها- وباتجاه بعض الشخصيات الآشورية/السريانية البعثية المستعربة والتي كانت تحتل مواقع ومناصب رسمية في الدولة من أجل الإفراج عن الأربعة الآثوريين المعتقلين بأي ثمن، بدلاً من أن  تتوجه بخطاب سياسي آشوري وطني الى القوى السياسية الوطنية السورية والرأي العام الآشوري والسوري تدين اعتقال رفاقها وتطالب السلطات بالإفراج عنهم وتوظف اعتقالهم سياسياً لصالح (القضية الآشورية) في سوريا.بالطبع هذا يؤكد مرة أخرى بأن تلك القيادات لم تفكر يوماً بعقلية (الحزب السياسي) وإنما بعقلية رجل الدين وشيخ العشيرة والمجلس الملي الطائفي، وكانت ومازالت تتخذ من هؤلاء مرجعية لها- جدير بالذكر أن المجلس الملي للسريان الأرثوذكس في القامشلي لعب دوراً سلبياً وتحريضياً ومشبوهاً في توتير وتصعيد الأزمة الراهنة داخل المنظمة،فقد قال أحد أعضاءه في اجتماع للمجلس، طبعاً قالها عن خبث وبنوايا مغرضة وسيئة، معلقاً على كلمة المنظمة الآثورية في حفل تأبين ضحايا الكرد، موجهاً كلامه للعضو الآثوري في المجلس الملي: (( يبدو أن المنظمة الآثورية وقعت بأحضان الحركة الكردية))، وقد وظف السيد بشير سعدي ومريديه هذا الكلام المشبوه في حملتهم الهوجاء ضدنا، بدلاً من أن يدافعوا عن كلمة المنظمة. جدير بالذكر أن قيادة المنظمة الآثورية بعد الإفراج عنها قدمت هدايا ثمينة للبطرك زكا ولبعض الشخصيات السريانية الأخرى تقديراً ومكافئة لهم على جهودهم التي ساعدت على الإفراج السريع عن الآثوريين،في حين لو أن السلطات السورية وجدت في المنظمة موقفاً أو اتجاهاً معارضاً لسياسة النظام ولو بنسبة ضعيفة، لما كان سيفرج عنهم بهذه السرعة لو اجتمع كل بطاركة ومشايخ العالم المسيحي والإسلامي.وإثناء زيارة وفد من المعارضة السورية الى السيد بشير سعدي للتعبير عن موقفهم المتضامن معه كمعتقل سياسي ومع المنظمة الآثورية  صدموا بكلامه ومديحه للنظام السوري بالقول: ((سوريا سويسرا الشرق)).وقد تبين فيما بعد، بأن أسباب الإفراج السريع عن الآثوريين تعود الى توصل السلطات السورية ومن خلال التحقيق معهم بأن (المنظمة الآثورية الديمقراطية) لا تحمل من السياسة إلا أسمها. وقد نقل عن أحد المعتقلين الآثوريين بأن ضابط التحقيق علق عليهم بالقول: (( أذهبوا جمعية نسائية أفضل وأجرأ منكم )). كما كشف أحد الآثوريين المعتقلين بأن البعض في قيادة المنظمة الآثورية وإثناء التحقيق معهم عرضوا على (الأمن السوري) تفكيك (المنظمة الآثورية) وحلها، لكن السلطات الأمن السورية  لم توافق على هذا المقترح  القومي والوطني الشجاع، طبعاً ليس حرصاً من الأمن السوري على المنظمة وعلى مستقبل الشعب الآشوري، وإنما لاستخدام هؤلاء في ضبط المنظمة والتحكم بها، فحل المنظمة قد يخلي الساحة ويدفع لبروز تنظيمات آشورية خارج السيطرة الأمنية.كما نقل عن بعضهم  بأن (سعيد لحدو) أفشى حتى بأسماء النساء والفتيات الآثوريات وقد برر موقفه  بالقول: ((هل يعقل أن نؤسس حزب ومنظمة ديمقراطية من غير نساء أو فتيات)).وقد التزم الأبطال الآثوريون بشروط وطلبات الجهات الأمنية  منذ اليوم الأول للإفراج عنهم، حيث استقتلوا من أجل أن يعودوا الى مواقعهم في قيادة المنظمة، خلافاً لجميع الأعراف وقواعد العمل التنظيمي في الأحزاب التي تعمل وتتنشط بشكل سري في ظل نظام استبدادي كالنظام السوري. في حين كانت قد ارتأت (الهيئة المكلفة) التريث بعودتهم للهيكل التنظيم، حفاظاً على أمن المنظمة من أي اختراق أمني جديد قد يحصل،هذا الخلاف في الموقف من عودة المعتقلين الى الهيكل التنظيمي هو الذي فجر ما بات يعرف بـ(أزمة الهيئة المكلفة). وعندما رفضت الهيئة المكلفة عودتهم بالطريقة التي أرادوها وكأن شيء لم يكن،اخترقوا قواعد المنظمة مستغلين علاقات القرابة والصداقة والعلاقات الاجتماعية والعشائرية والأسرية التقليدية السائدة في المنظمة ومن خلال سياسة الترغيب مع البعض والترهيب مع البعض الآخر ممن عند ورفض في البداية، وكأنهم جاؤوا من دورة إعداد حزبي وسياسي وليسوا خارجين من أحد الفروع الأمنية. ومنذ ذلك التاريخ  والوصاية الأمنية مستمرة على المنظمة، حيث بقي موقع (مسؤول المكتب السياسي) و (مسؤول اللجنة المركزية) حكراً على المعتقلين. وقد استمرت الهيئة المكلفة ومعها أكثر من عشرين من خيرة كوادر المنظمة الآثورية تعمل بشكل مستقل لمدة أكثر من خمس سنوات، وكثيراً ما هددت بالجهات الأمنية من قبل البعض منهم في حال استمرت بإصدار البيانات والنشرات كهيئة مكلفة باسم المنظمة الآثورية.بلا شك، لقد ارتكبنا خطئاً سياسياً كبيراً كهيئة مكلفة بعودتنا الى صفوف المنظمة والعمل مع تلك القيادة المشبوهة بعد خمس سنوات من عملنا المستقل، خاصة وأن عودتنا تزامنت مع انشقاق مجموعة أخرى مهمة عن المنظمة، ما زال البعض منهم يعمل باسم (المنظمة الآثورية الديمقراطية - تيار الإصلاح)، وغالباً انشقاق تلك المجموعة هو الذي دفع بقيادة المنظمة للاستعجال بعودتنا. 
لقد ثبت اليوم وبعد ربع قرن من الزمن، صحة وجهة نظرنا كهيئة مكلفة وعقلانية موقفنا السياسي من الاعتقال والمعتقلين ومن القضية الآشورية في سوريا ،وقد تبينا بأننا كنا نسبق تلك القيادة التقليدية بعقود في الرؤية السياسية لمستقبل المنظمة الآثورية وآفاق العمل السياسي في سوريا.تلك القيادة التي تهمتنا بالعلاقة مع المعارضة عندما اختلفنا معها حول الموقف من النظام السوري وحول طبيعة الخطاب السياسي للمنظمة ويوم كان قمع النظام للمعارضة في ذروته، ها هي اليوم ذات الأشخاص في المنظمة وبعد نحو ربع قرن من الزمن يتباهون بالتوقيع على بيانات مشتركة مع ذات الأحزاب في المعارضة السورية وبعد الانفراج النسبي في الحياة السياسية السورية. لقد حولوا التخاذل  والاستسلام في السجن وبعد أن سقطت ورقة التوت عنهم الى انتصارات سياسية وبطولات قومية،مثلما هم اليوم يجعلون من تلك البيانات الخجولة والمؤقتة مع المعارضة السورية انجازات ومكاسب قومية وسياسية للشعب الآشوري.
 
سليمان يوسف.... سوريا- القامشلي
منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org
 [/b]

 




141
محنة المنظمة الآثورية الديمقراطية (6)
في عامها الخمسين


تمر ذكرى تأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية هذا العام بخلاف السنوات الماضية، حيث تمر بأزمة داخلية منذ آذار الماضي،انفجرت على خلفية حدوث انشقاق داخل مكتبها السياسي حول بعض القضايا والمواقف السياسية.ألقت هذه الأزمة  بظلالها السلبية على أجواء الاحتفالات وزعزعت مكانة المنظمة بين الجماهير وتراجع كثيراً رصيدها السياسي والقومي،وزادت من حالة الإحباط واليأس في الشارع الآشوري.وما يزيد من مضاعفات الأزمة الراهنة والمرشحة للتصعيد،استمرار القائمين في انتهاج (سياسة النعامة)،حتى بعد أن انكشف حال المنظمة وتعرت أمام الرأي العام الآشوري والسوري، وكأنهم في جزيرة معزولة وليسوا في عالم جديد منفتح على بعضه.أن سياسية القفز فوق الأزمات وتجاهل الحقائق ليست غريبة على حياتنا السياسية في سوريا، فكما هو الحال في معظم الدول اللاديمقراطية والتي لم تذق طعم حرية الرأي والتعبير بعد، تعودت الأحزاب، سلطة ومعارضة، أن تجعل من ذكرى التأسيس مناسبة للحديث، وبشكل مبالغ به، عن الإنجازات حتى إن لم يكن هناك منجزات،فهي نوهم نفسها والشعب بوجودها واطلاق الوعود بتحقيق المزيد، وتصوير الهزائم على أنها بطولات والخسائر انتصارات يحتفل بها.المعارضة تحمل أسباب فشلها وإخفاقاتها الى السلطة، والسلطة تحمل الخارج  مسؤولية كل هزائمها.الجميع يتهرب من المسؤولية ولا أحد يمتلك الجرأة والشجاعة على قول الحقيقة والاعتراف بأخطائه وبفشله. في المنظمة الآثورية،بدلاً من أن يعترف القائمون عليها بأخطائهم ومسؤوليتهم في ما وصلت اليه من انحدار وانحسار وفشلها في إبراز القضية الآشورية كقضية شعب مضطهد،في سوريا والمنطقة، وبدل من أن يعلن هؤلاء إفلاسهم السياسي، يبررون إخفاقاتهم، على مدى خمسين عاماً، فقط بإشكالية التسمية القومية، ويطالبون بتغيير اسم المنظمة الى (سريانية) والشعب (سرياني)، وكأن في تغيير التسميات تكمن المعجزات، أو أن الانتماءات القومية والثقافية والحضارية للشعوب هي مجرد وصفات طبية تجرب على الشعوب وتبدل كلما زادت حالتها سوءاً.
لا شك،تعد (المنظمة الآثورية الديمقراطية)،على ضعفها وعللها، الفصيل الرئيس في الحركة الآشورية السورية، ولها الفضل في نشر الوعي القومي في بعض الأوساط الآشورية(سريان/كلدان)، منذ انطلاقتها عام 1957،بمبادرة من مجموعة من الطلبة الآشوريين في المرحلة الإعدادية والثانوية، في بيئة اجتماعية شعبية ريفية،وواقع آشوري صعب تمزقه الانتماءات الطائفية والمذهبية، قادتهم عواطفهم القومية، وغالباً بردة فعل على الأحزاب والحركات القومية الأخرى في المنطقة( عربية وكردية وأرمنية)، من غير أن يكون لديهم رؤية سياسية مستقبلية واضحة.انطلقوا بأفكار طوباوية وأحلام قومية رومانسية لا تلامس الواقع الآشوري ومشكلاته، توهم البعض منهم، ربما روج لجذب الشارع الآشوري، بوجود مقعد شاغر في(هيئة الأمم المتحدة) مخصص لـ(الدولة الآشورية) المنتظرة.وقد بقيت الطوباوية السياسية والرومانسية القومية والضبابية في الشعارات سمة ملازمة للمنظمة الآثورية ودستورها الذي عدل أكثر من مرة، جاء في المبدأ الأول منه: (( المنظمة الآثورية الديمقراطية هي منظمة قومية سياسية ديمقراطية تهدف إلى الحفاظ على الوجود القومي للشعب الآشوري وتحقيق تطلعاته القومية المشروعة(السياسية، الثقافية، الإدارية) في وطنه التاريخي(بلاد ما بين نهرين)..)).مما يؤكد على أن الوعي القومي الذي بشرت به المنظمة كان وعياً ناقصاً وقاصراً،إذ لم يقترن بوعي وطني سليم، وإنما كان فكراً قومياً مبتوراً عن جذره وبعده الوطني، ومن غير أن ترسو(المنظمة) على أرضية وهوية وطنية محددة ومن غير أن تحدد لنفسها قضية سياسية مركزية، وبهذا بدت كـ(منظمة عالمية بلا حدود) لا وطن لها،لا تختلف عن الكنيسة بشيء في هذا،فهي انتشرت عبر الجاليات الآشورية (السريانية الكلدانية) في أوربا وأمريكا،أكثر من انتشارها داخل الوطن.في سجالات حامية داخل المكتب السياسي وهيئات قيادية أخرى حول قضايا وطنية سورية، كان يرد البعض، بالقول: من قال أننا منظمة آشورية سورية حتى نغوص في قضايا ومشكلات المجتمع السوري، نحن (منظمة قومية) لكل الشعب الآشوري السرياني في كل مناطق ودول تواجده. هذه الذهنية الآثورية تكشف كم هي متأثرة بالفكر القومي الشمولي لحزب البعث وشعاراته القومية الفضفاضة التي هي ليست سوى للإستهلاك السياسي المحلي ومتاجرة بالقضايا العربية ،كما أن هذه المواقف الآثورية تفسر ابتعاد المنظمة عن قوى المعارضة السورية لعقود طويلة وعدم انخراطها في الحياة السياسية والحراك الديمقراطي في سوريا، لا بل كانت لسنوات قليلة محسوبة على حزب البعث وأقرب الى السلطة من المعارضة.ولم يعد سراً أن غالبية أعضاء المنظمة، قواعد وقيادات، انخرطت في حزب (البعث العربي الاشتراكي) بعد مجيء حافظ الأسد الى السلطة بمن فيهم (مسؤول المكتب السياسي)، الذي بقي لسنوات طويلة عضواً عاملاً ملتزماً الى حين تم فصله من حزب البعث مع آخرين غيره من أعضاء المنظمة بتهمة الازدواجية السياسية، والمفارقة الكبيرة أن (القيادي الآثوري) أحتج وبشدة على قرار فصله من البعث.بالطبع، كان الخوف من (المخابرات السورية) سبباً مهماً في تستر الآثوريون بعباءة البعث، خاصة لمن كان يبحث عن وظيفة في الدولة، لكن لا يمكن لأي ذي عقل سياسي سليم أن يبرر، تحت أية ذريعة أو مسمى، أن ينخرط أعضاء المنظمة في صفوف حركة قومية أخرى(عربية) مغايرة تتناقض معها في الأهداف والتوجهات،إذ يستحيل على المنظمة الآثورية أن تتبنى خياراً سياسياً خاصاً بها أو أن تكون جادة في مطالبتها بالحقوق القومية والسياسية للشعب الآشوري وقيادتها تخضع لأوامر وتوجيهات حركة قومية لا ديمقراطية لشعب آخر تحكمها وتسعى لابتلاع كل القوميات الأخرى وصهرها في بوتقة القومية العربية.لقد دفعت المنظمة الآثورية الكثير من مصداقيتها السياسية والقومية في المجتمع الآشوري والسوري عامة ثمناً لهذه الازدواجية في الانتماء السياسي والقومي.فقد ألقت بظلالها السلبية على العلاقة مع مختلف القوى والأحزاب الوطنية السورية، خاصة مع قوى الحركة الكردية التي تتعايش معها .وقد أخفت(ظاهرة الازدواجية)خلفها نزعة آثورية انتهازية عكست هشاشة وضعف العقيدة الآثورية، وهي تعبر عن عمق محنة (العقل السياسي) في المنظمة، وحجم التناقضات السياسية التي كانت ومازالت تعيشها.لو دققنا وتعمقنا قليلاً في تفاصيل وتلابيب (المشهد الآثوري) اليوم لوجدنا إن تلك الذهنية الآثورية الوصولية التي ترعرعت في أحضان البعث السوري وتشبعت بثقافته الشمولية الإقصائية، والتي مازالت تحكم وتتحكم بمصير المنظمة الآثورية، هي التي زرعت بذور الفساد السياسي والمالي الذي فتك بالمنظمة وهي التي وقفت وتقف خلف الهزات التنظيمية والسياسية التي تعرضت وتتعرض لها وقوضت وجودها، بدءاً من أزمة عام 1978 المعروفة بأزمة(دانيال هومه) مروراً بأزمة الهيئة المكلفة على خلفية اعتقالات 1987،وصولاً الى الأزمة الراهنة، كذلك هي تقف خلف ما تعانيه المنظمة الآثورية من أزمة بنيوية حادة والتي طالت وشملت جميع فروعها وهيئاتها، في الوطن والمهجر، كما أنها(الذهنية الآثورية البعثية) كانت سبباً أساسياً في إبعاد وابتعاد معظم المثقفين والكتاب عن المنظمة، لأنها ترفض وجود في صفوفها سياسيين ومثقفين جادين في نضالهم و معارضتهم للنظام السوري، لهذا بقيت السمة البارزة لـ(المنظمة الآثورية الديمقراطية) هي اللاديمقراطية والبطالة الفكرية والعطالة السياسية، وهي اليوم أعجز من أن تطرح وتتبنى أي برنامج أو مشروع سياسي قومي ووطني والعمل من أجله، فضعف البنية الفكرية للمنظمة خلف بنية تنظيمية هشة وهزيلة ومشلولة.
لقد بدأت(المنظمة الآثورية الديمقراطية)حياتها السياسية بعقلية وبيئة ريفية وبقيت كذلك،وبالتالي فهي حملت بذور ضعفها وعجزها وتخلفها السياسي والفكري في اعشائها منذ ولادتها،ولهذا جاءت قراءة المنظمة للواقع الآشوري قراءة سطحية و تعاملت مع الموضوع الآشوري ببعده القومي وكأنه حالة قائمة منجزة، في حين الواقع يقول غير ذلك، حيث لم تتمكن المنظمة من اختراق جدار الطائفية والمذهبية التي تمزق البناء الآشوري وأخفقت في الوصول الى شرائح  آشورية مهمة وكبيرة، خاصة تلك المقيمة في المدن،و بالرغم من مضي خمسين عاماً على تأسيسها، بقيت المنظمة الآثورية محصورة في بعض الأوساط الشعبية والريفية في الجزيرة السورية ، تحكمها وتتحكم بها العلاقات والروابط الاجتماعية التقليدية بكل ما تحمله من موروث اجتماعي وثقافي متخلف والتي تتناقض وتتعارض مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي والقومي.إذ  لم تترك العلاقات الطائفية والاجتماعية والأسرية التقليدية التي تسود المنظمة أي مكان أو دور أو قيمة للعلاقات السياسية والتنظيمية بين أعضائها ،خاصة وإن الغالبية العظمى منهم يقيمون في مدينة ريفية صغيرة (القامشلي) وهم بمعظمهم من طائفة واحدة( السريان الأرثوذكس).
ونظراً لمحدودية الإمكانيات السياسية والفكرية لهؤلاء الطلبة الذين بادروا لتأسيس المنظمة الآثورية، وبسبب ظروف العمل السياسي السري، اتسم نشاطهم لسنوات طوال بالشفهية و بطابع اجتماعي فني بحت متسترين بعباءة الكنيسة، حتى تحديد يوم الخامس عشر من تموز للاحتفال به بتأسيس المنظمة،اختير لأنه يصادف الاحتفال بعيد القديس(مار قرياقس) في قرية (كرشامو)،كانت في الماضي أحد معاقل المنظمة الآثورية في ريف القامشلي واليوم تحولت الى أطلال لم يبق فيها سوى الكنيسة.كما ما من وثيقة (بيان أو اعلان) في أرشيف المنظمة توثق هذا الحدث السياسي والقومي الهام في التاريخ الآشوري المعاصر،فيما يخص يوم التأسيس و أسماء المؤسسين للمنظمة،لذلك هي تبدو اليوم من غير تاريخ تنظيمي و سياسي، الى درجة تفاجأ الكثيرون في الوسط الآشوري (السرياني)،حتى من أعضاءها،عندما نعت المنظمة الآثورية بوفاة الدكتور (سنحاريب شابو) في كانون الثاني عام 2006 كأحد مؤسسيها،إذ لم يرد ذكر اسمه في جميع البيانات أو المقالات التي كانت تصدر وتكتب سنوياً في ذكرى تأسيس المنظمة.وقد أثار ظهور المنظمة وبشكل مبالغ فيه في مراسيم الدفن والعزاء، دهشة الكثيرين وترك نساؤلاً وشكوكاً لدى الأوساط السياسية التي تدرك جيداً أسباب ابتعاد المرحوم عن المنظمة في السنوات الأخيرة.وفيما يرى البعض بأن المرحوم لم يكن أحد المؤسسين،وإنما زعمت قيادة المنظمة وادعت ذلك ،رغبة منها في توظيف حدث الوفاة والمتاجرة به سياسياً وقومياً،وهذا ما قاله البعض من الآثوريين في مجالسهم الخاصة.وما يرجح هذا الاحتمال خلوا بيان المنظمة الآثورية هذا العام الصادر قبل أيام بمناسبة التاسيس، من الإشارة الى فقدانها لأحد مؤسسيها(د.سنحاريب شابو).في حين يرى البعض الآخر قد يكون(سنحاريب) من المؤسسين لكن تجاهله من قبل القائمين على المنظمة طيلة المرحلة الماضية لم يكن بريئاً فهو يأتي ضمن نهجهم الاقصائي وإبعاد وتهميش لا بل محاربة كل من لا يتفق مع توجهاتهم، خاصة إذا كانت شخصية محترمة ومتواضعة لها اعتبارها ومكانتها في المجتمع الآشوري،كشخصية المرحوم سنحاريب،فقد أرادوا من تهميشه إبعاده عن الأضواء لتخلو الساحة لهم وينفردوا بالزعامة.


سليمان يوسف...سوريا .. القامشلي
منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org[/b]

142
سورية واعتقالات "إعلان بيروت ــ دمشق"
الجمعة, 09 يونيو, 2006

     

سليمان يوسف
قبل سنوات وبمناسبة مرور مئتي عام على (الثورة الفرنسية) 1789 التي قامت على المبادئ الإنسانية والقيم الكونية في الحقوق والحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية التي نادى بها (فكتور هوغو) وغيره من الكتاب والمفكرين الفرنسيين رواد عصر التنوير الأوروبي أمثال (روسو)، أبرزت جريدة ( لوموند) الفرنسية رسماً كاريكاتيريا يظهر (نابليون)، على عظمته، قزماً أمام عملاق الفكر والثقافة والأدب الفرنسي (فكتور هوغو). أراد اولرسام بهذه المناسبة لفت انتباه العالم الى عظمة دور رجال الفكر والثقافة في صناعة التاريخ ونهضة الشعوب وبناء الأمم، والذي هو أهم بكثير من دور الجنرالات وقواد الحملات العسكرية. من التجربة الفرنسية وغيرها من تجارب (النهضة الأوروبية) يمكن لنا أن نستقرئ الأسباب الأساسية لإخفاق (سورية) ودول المشرق العربي والإسلامي عامة في إحداث (نهضة حقيقية) في مجتمعاتها. هذه الأسباب تعود بالدرجة الأولى الى تغييب الأفكار المستنيرة ولجم الثقافة وتهجينها عبر فرض الحصار على حركة الفكر الحر وقمع المثقفين والتضييق عليهم من قبل العسكر وجنرالات الأمن وتدجينهم على مقياس النظام الحاكم. في اطار سياسة التهجين والتدجين هذه، تقوم سلطات الأمن السورية من حين لآخر بحملة اعتقالات للمثقفين ونشطاء التغيير الديمقراطي والحراك الثقافي في سورية، آخرها جرت في أيار الماضي، طالت أكثر من عشرة ممن وضعوا وثيقة (اعلان بيروت ــ دمشق) أو وقعوا عليها، أبرزهم (ميشيل كيلو وأنور البني). ثمة تساؤلات كبيرة وكثيرة تركتها هذه الاعتقالات، في الشارع السوري ولدى مختلف الأوساط والنخب السياسية السورية، بخاصة وأنها جاءت في مرحلة تتزايد فيها الضغوط الخارجية على النظام السوري، وهي لم تطل شخصيات سورية ساهمت منذ البداية مع مجموعة المثقفين اللبنانيين في إنجاز وصياغة وثيقة (اعلان دمشق ــ بيروت)، في حين اعتقل من وقع عليها عبر البريد الإلكتروني. أول هذه التساؤلات: هل حقاً (اعلان دمشق ــ بيروت)، الذي يدعو الى تصحيح العلاقة المتأزمة بين سورية ولبنان، فيه ما يضعف الشعور القومي وينال من هيبة الدولة السورية وايقاظ النعرات العنصرية وغيرها من المخاطر المهددة لأمن الوطن السوري التي اتهم بها ممن اعتقل بسبب هذا الإعلان؟ جدير بالذكر أن هذه التهم عادة توجه لغالبية معتقلي الرأي في سورية. وهل حقاً أن (اعلان دمشق ــ بيروت)، وبما حمله من مطالب سياسية وبما تضمنه من مبادئ يمكن على أساسها إقامة علاقات متوازنة ومتكافئة بين سورية ولبنان، شكل اختراقاً مهماً وتجاوزاً خطراً للخطوط الحمر، وما أكثرها، في السياسة السورية استوجبت كل هذا الاستنفار الأمني السوري..؟ أم أن اعتقال هؤلاء وإن جاء تحت عنوان واحد له أسباب أخرى تتعلق بوضع كل معتقل لم يعلن عنها بعد، وربما لا علاقة لها بالإعلان المذكور، على سبيل المثال هناك في سورية، وأنا منهم، من يرجح أن اعتقال (ميشيل كيلو) جاء على خلفية مقاله ( نعوات سورية) نشر في جريدة (القدس العربي) قبل يومين من اعتقاله والتي شخص فيها، من وجهة نظره طبعاً، بعض مظاهر (الطائفية) في المجتمع السوري؟.على أية حال، مهما تعددت أسباب الاعتقال السياسي، ومهما حاولت السلطات السورية تبرير الاعتقالات الأخيرة، انها تعد انتهاكاً جديداً لحرية الرأي والتعبير في سورية وتعدياً على حقوق الإنسان والمواطن التي ضمنها الدستور السوري. كما أن هذه (الاعتقالات)، الى جانب كونها تأتي ضمن سياسة تهجين الفكر وتدجين المثقفين، لها جذرها الإيديولوجي والعقائدي، حيث يقدم النظام خطابه على أساس انه (الحقيقة المطلقة) ورفض كل فكر أو خطاب آخر يتعارض مع ايديولوجيته وتخوين صاحبه ومعاقبته. لا خلاف، على أن النظام السوري يمسك وبقوة بكل أشكال السلطة في بلاده، ويقف خلفه حزب كبير(حزب البعث) له أكثر من مليون ونصف المليون عضو، ومجموعة من الأحزاب الأخرى المتحالفة معه في اطار (الجبهة الوطنية التقدمية)، لكن عوضاً من أن تمنحه كل هذه القوة والسلطة المزيد من الثقة بالنفس وإطلاق الحريات السياسية والديمقراطية وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية حرة وديمقراطية يتنافس عليها كل مواطن سوري بغض النظر عن انتمائه الديني أو الحزبي والسياسي أو القومي، نجده يمارس العكس، إذ يزيد من درجة الضغط والحصار على نشاط المعارضة وعلى كل دوائر المجتمع السياسي والمدني. ثم ان حالات الاعتقال السياسي والرأي، توقع النظام في إشكال وتناقض واضحين مع نفسه، فهي (الاعتقالات)، بشكل أو بآخر، إقرار صريح من النظام بانعدام الحياة الديمقراطية والحريات السياسية في سورية، إذ من غير المعقول أن يقال عن نظام انه ديمقراطي وهو يلاحق ويعتقل مواطنيه لأسباب تتعلق بمواقفهم وآرائهم السياسية، فمن أهم شروط الديمقراطية وجود معارضة تمارس حقوقها الديمقراطية وتعلن عن برنامجها السياسي بكل حرية هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية، في الوقت الذي يصر النظام على انكار وجود معارضة في سورية، تأتي حملات الاعتقال السياسي لتؤكد اعتراف النظام ليس بوجود معارضة فحسب، وإنما بوجود معارضة يخشاها النظام وتقلقه، ومن جهة ثالثة، أنها (الاعتقالات) تعكس بقدر معين أزمة النظام وعدم قدرته على مقاربة مشكلات الواقع السوري بعقلية مدنية منفتحة بعيداً عن العقلية الأمنية الاقصائية، وعجزه عن إيجاد حلول معقولة ومناسبة لأزمات سورية، تخفف من تصاعد ونمو حالات الاحتقان السياسي والقومي والاجتماعي، بخاصة مع اتساع دائرة الحرمان والفقر والعوز والبطالة التي بدأت تطال شرائح كبيرة من السوريين وتمتد الى خريجي المعاهد والجامعات. فهذه جميعها، الى جانب الضغط الممارس على المجتمع، تعد من الأسباب الأساسية للتوتر والتطرف. وهنا يحضرني قول لـ (ميشيل كيلو)- فك الله أسره- قاله في برنامج حواري حول الواقع السياسي الراهن في المنطقة قبل اشهر عبر إحدى الفضائيات العربية: “أخشى أن نتحول جميعنا الى إرهابيين”، ربما ميشيل يدفع اليوم ثمن صراحته وقلقه على وطنه وحبه الزائد له.

143


                     
محنة المنظمة الآثورية الديمقراطية (3)

سعيد لحدو: شاهد زور، في قضية خاسرة..! (الجلسة الأولى).




قبل أيام، وعبر جريدة (عينكاوا الإلكترونية)، أطل علينا السيد (سعيد لحدو) من وطنه الجديد(هولندا) بمقال،عنونه: بـ (سليمان يوسف أمام القضبان)،بدا فيه(سعيد) محامياً وشاهد زور يدافع عن صديقه الحميم( بشير سعدي) مسؤول المكتب السياسي في المنظمة الآثورية،ليتبادل معه التحايا والمدائح على مبدأ: (( أمدحني لأمدحك وأشتم الآخرين بدلاً مني)). شاتماً من عجز موكله(بشير) على النيل من مكانته والتقليل من شأنه، معتمداً قاعدة قديمة- يمارسها (النظام السوري) هذه الأيام مع معارضيه- :((أضرب الشجاع يرتجف أمامك الجبان)). لكن السيد بشير لم يوفق باختياره لسعيد محامياً عنه و كشاهد زور في قضية خاسرة،إذ فاته بأنه يلعب بورقة محروقة ملقاة في سلة مهملات المنظمة الآثورية،خاصة بعد أن هاجر متحدياً رغبة رفاقه وزملائه في المنظمة،فقرروا مقاطعته وطلبوا من فرع أوربا بعدم ضمه للمنظمة، والبعض منهم وصفه بـ(الخائن)،وقد أصيب الكثيرين منهم بالمغص السياسي عندما قرءوا قبل أيام خبر ذهابه ضمن وفد المنظمة للقاء المعارضة السورية في فرنسا.

  نعم يا أخ سعيد، أنا ما زلت أمام قضبان (السجن الأصغر)، لكنني أعيش داخل أسوار وخلف قضبان السجن الأكبر (الوطن السوري)، أعيش مع شعبي، أشاركه مر الحياة وحلوها، أعمل مع غيري من الشرفاء الوطنيين، من آثوريين ومن سائر القوى الوطنية الأخرى، من أجل التغيير الديمقراطي في سوريا ومن أجل مستقبل أفضل لنا كآشوريين وللشعب السوري عامة، نتحدى عسف النظام واستبداده، ومن الجائز في أي لحظة أن أعتقل و أصبح خلف قطبان (السجن الأصغر) والتحق بالذين لهم شرف الأسبقية إليه. لكن أسال نفسك أين أنت اليوم ومن أين تتحدث ..؟من  خلف البحيرات والمحيطات تبيع الوطنيات وتزايد علينا بالقومية والمبادئ.أنك لم تخرج عن صمتك بدافع الحرص والغيرة على المنظمة الآثورية، وإنما لأهداف مغرضة،تفصح عنها طريقة وأسلوب دخولك على خط الأزمة، فقد جئت مسرعاً لتضع الزيت على النار.ليتك بقيت صامتاً، لا خوفاً مما كتبته أو من الذي ستكتبه لاحقاً، وإنما حفاظاً على ما تبقى من سمعة ومكانة للمنظمة في المجتمع، بعد مرحلة سوداء في تاريخها، كنت أنت أحد رمزها، تميزت بالفساد،السياسي والمالي والفوضى والاستهتار بمشاعر وعواطف الناس وعدم احترام حتى عقولهم.إذ كانت المنظمة الآثورية بالنسبة لك ولأمثالك، (بقرة حلوبة) هاجرتها بعد أن نضب حليبها وتقلص نفوذك فيها وانعدمت فرص منفعتك منها.ففي الوقت الذي كنت( أنا) أدرس الجامعة في دمشق على حساب لقمة عيش أولادي وأسرتي، كنت أنت تدرس الجامعة في لبنان على نفقة المنظمة الآثورية.بعض أصدقائي استكثروا أن أرد عليك لأنني برأيهم أمنحك قيمة لا تستحقها، لكنني آثرت الرد، لعلك تتعظ وتتعاطى بصدق، على الأقل مع القضايا الحساسة،إذ أن حبل الكذب لم يعد قصيراً فحسب، وإنما ضعيفاً أيضاً، في عالم جديد منفتح على بعضه عبر وسائل الاتصال الحديثة. وحتى لا يقول القارئ الكريم بأنني متحامل عليك، لا بد من أن اذكرك ببعض مآثرك في (الانتحال الثقافي) قبل الكشف عن زيف مواقفك السياسية والقومية:في إحدى مقالاتك في جريدة (نشروا)الناطقة باسم حزبك (المنظمة الآثورية الديمقراطية)، استشهدت بكلام للباحث المعروف (جورج قرم)،نقلاً عن مجلة (الوحدة العربية)، يطالب(قرم) في بحثه، حكومات دول المنطقة بضرورة الاهتمام بـ(التراث السرياني) باعتباره ترثاً وطنياً لبلاد الشام وبلاد الرافدين،عندما قرأ أحد الزملاء مقالك في (نشرو) وقارن بما نقلته عن قرم مع ما قاله في مجلة الوحدة لاحظ هناك تحريفاً فاضحاً ونقل غير أمين، فاحتج الزميل الآثوري على تصرفك، هل تتذكر بماذا بررت خيانتك لأمانة النقل والاقتباس، قلت: ((كم واحد مثلك سيقرأ مجلة الوحدة ويدقق بما نقلته عن جورج قرم)).كما أذكرك بسرقتك عام 1996 لما كتبته أنا (سليمان) مقالاً بعنوان ( التاريخ الآشوري في خطر) رداً على رواية (مسيرة الحرية في كردستان) للروائية الكردية العراقية (وهبية شوكت محمد)،التي التقيناها معاً في القامشلي، وكانت المنظمة الآثورية قد طبعت الرد وقامت بتوزيعه كما أنه نشر في مجلة ( أثرا)، لكن قمت أنت بدون رادع أخلاقي أرسلته باسمك لمجلة (صور كول) الكردية التي كانت تصدر في لبنان، وقد أتيتك مستفسراً عما حدث كانت المفاجئة إصرارك على أن المقال لك الى حين وضعت أمامك نسخة من تلك التي طبعتها المنظمة الآثورية، بكل تأكيد لن تكون أكثر أمانة وصدقاً مع قضايانا السياسية والقومية.لا شك،لست أول من هاجر ولن تكون الأخير،لكنك (يا سعيد ) كنت أكثر المتحدثين عن مخاطر(الهجرة الآشورية) ومساوئها على(القضية الآشورية) وعلى الوجود الآشوري على أرض الآباء والأجداد،وقد قمت بجولة على فروع المنظمة الآثورية في أوربا، كنت في جميع محاضراتك تطالب الحضور بعدم مساعدة آخرين على الهجرة، في حين كنت تبحث سراً عن من يساعدك على الهجرة والإقامة في أوربا.وفي هذا السياق أذكرك بما قلته لرئيس أحد الفروع الأمنية في القامشلي،حين كنت من ضمن وفد آثوري بعد خروجكم من السجن بزيارة له لتقديم الطاعة والولاء، في مرحلة كانت (النساء الآشوريات)،مع باقي النساء السوريات، يضربن بالسياط والكرباج من قبل الشرطة وهن واقفات في طوابير على أبواب المؤسسات الحكومية للحصول على علبة سمن أو زيت،قلت: ((... لا نريد منكم  سمنة أو زيتاً ولا أي شيء آخر، فقط نريد أن لا تعطوا لشبابنا السريان (لا مانع) للحصول على (جواز سفر) حتى لا يهاجروا ويتركوا وطنهم..))،لم تمض سنوات حتى لحقت بقافلة الهاربين.

أراكم، أنت وغيرك، من اللذين تبرعتم للدفاع عن السيد (بشير سعدي)،متباهين فخورين بمواقفه المشرفة من (القضية الكردية) في سوريا ودفاعه عن حقوق الأكراد، ومطالبته بالجنسية السورية للمحرومين منها من الأكراد، وقد كررت ذلك في مقالك مرات،لكنك لم تأت على ذكر مواقف واحد مشرف للسيد بشير من قضيته الأساسية (القضية الآشورية) في سوريا، و لم تذكر بماذا طالب للآشوريين السوريين من حقوق قومية وسياسية على مدى أربع سنوات أمضاها في مجلس الشعب..؟ طبعاً لم تذكر،لأنك تعلم والكل يعلم بأن السيد بشير  لم يأت على ذكر وجود (قضية آشورية) في سوريا ولم يطالب بشيء للآشوريين السوريين.  وفي الوقت الذي لم يعد يخفى على أحد، بأن (الأزمة الراهنة) التي تهدد المنظمة بالتفكك والتشرذم،فجرها مسؤول المكتب السياسي(بشير سعدي) بالتنسيق مع بعض مريديه على خلفية (كلمة المنظمة التي ألقيناها في احتفال كردي)، نجد من يتهمنا من الآثوريين، أمثال سعيد لحدو، بأننا أقحمنا المسألة الكردية في الخلافات داخل المنظمة.والمفارقة الكبيرة أنهم برروا قرار تجميد عضويتنا( كبرو شالو و سليمان يوسف)،كما أوضح لنا أحد أعضاء المكتب السياسي،بأن البيان الذي أصدرناه للراي العام- الذي أوضحنا فيه خلفية الأزمة وحقيقة ما جرى وأعلنا فيه انسحابنا من قيادة المنظمة احتجاجاً- أساء للعلاقة الآشورية الكردية.لا شك، أن الأزمة الراهنة ألقت بظلالها على العلاقة الكردية الآشورية، لكن لماذا هذا الخلط الفاضح بين الأسباب والنتائج من قبل المكتب السياسي وتهربه من مسؤوليته في هذه القضية. لقد كانت كلمة المنظمة الآثورية التي ألقيت في الاحتفال الكردي  خطوة مهمة باتجاه توثيق وتوطيد العلاقة مع الحركة الكردية، لكن انقلاب مسؤول المكتب السياسي على هذه الخطوة وتبرؤه من كلمة المنظمة ومن ثم تجميد عضويتنا وتفجيرهم للأزمة على خلفية الكلمة، هو الذي أساء للعلاقة بين الحركة الكردية والحركة الآشورية. وقد جاء مقالك يا سيد سعيد في ذات المنحى،داعماً لادعاءات ومزاعم المكتب السياسي بهذا الاتجاه،حيث تتهمني فيه بالاستقواء بـ(الطرف الكردي)، وهذا أسوأ ما في المقال لأن هذا الافتراء يحمل من السموم ما يكفي لزرع بذور الفتنة ليس داخل المنظمة فحسب وإنما داخل المجتمع الآشوري عامة.لا يا سعيد، لقد أسئت الظن والتقدير والقراءة، فأنا لم ولن استقوي بـ(الطرف الكردي) ولا بأي طرف آخر ولن أستجدي بأحد خارج المنظمة الآثورية والرأي العام الآشوري الذي هو مرجعيتي ومنه استمد قوتي ومن خلاله أتلمس مبررات وجودي وكل كتاباتي ونشاطاتي، يجب أن تعلم ويعلم من هم على شاكلتك وبمستواك الضحل من التفكير والأخلاق السياسية، بأنني لن أستقوي بأحد، لسبب جداً بديهي وبسيط وهو: أنني لا أجد نفسي أخوض معركة مع أعداء لي أبغي النصر عليهم بأي ثمن، انأ في خلاف حول قضايا ومواقف سياسية ومسائل تنظيمية وآليات عمل محددة، مع أخوة لي عملت معهم لعقود أشعر بأنني جزء منهم وما يجمعني معهم أكثر بكثير عن ما يفرقني عنهم، لا بل علاقاتي معهم هي ابعد وأعمق من مجرد علاقة تنظيمية. عليك أن تدرك أنت وغيرك : بان الاستقواء بالآخر ، أياً كان هذا الآخر، هو خط أحمر ممنوع الاقتراب منه  ويجب أن يبقى كذلك مهما اختلفنا وتخاصمنا.فالاستقواء بالآخر سلوك ومبدأ مرفوض، يتعارض مع مبادئنا الآثورية كما يتناقض مع قيمنا الآشورية والوطنية التي فطمنا عليها في بيوتنا. لن أقول لك أكثر من هذا، فقط أحيلك الى مقال مؤثر وبالغ الأهمية في مضامينه السياسية والقومية والوطنية والأخلاقية، مقال كتبه كادر آثوري له من العمر نصف عمرك، المقال فيه من الحكمة والعقلانية ما يعكس فيه شعور الآثوري الصادق تجاه ما يحصل ويعبر فيه عن ألمه العميق لما آلت الأمور في المنظمة، المقال منشور في موقع(زهريرا نت) موقع باسم آريو الخابوري والمعنون( نداء للأخوة في قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية).

 

الجلسة الثانية( مهزلة اعتقالات 1987، ودور سعيد في أزمة الهيئة المكلفة).

 

سليمان يوسف...

آثوري منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية

shosin@scs-net.org[/b]

144


                                  رد:  على بلند حسن



نشر بتاريخ 15-5-2006، موقع ( gulistan.info)،الذي يبدو لي  أنه يتبع للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، مقالاً بعنوان ((سليمان يوسف.. بعد 35 عاما يسمي البيض ( قاقي ) بتوقيع (بلند حسن-دمشق).
لن أذهب بعيداً في تفسير وتأويل نوايا ودوافع السيد (بلند حسن) من كتابته لمقال يحمل  مغالطات سياسية وتزييف لحقائق يعرفها الكثير من الأكراد قبل غيرهم.في وقت تمر فيه  المنظمة الآثورية الديمقراطية في أزمات متفاقمة تهددها بالتفكك والانقسام. كنت أتمنى أن لا يأتي مقاله كمن يصب الزيت على النار.وسأكتفي بالقول: أن المقال يعكس الجهل التام لصاحبه بواقع المنظمة الآثورية وبتاريخها السياسي  من جهة، وبالكاتب سليمان يوسف ودوره المتميز في إخراج المنظمة من القوقعة التي كانت تعيشها لعقود طويلة الى الفضاء السوري من جهة ثانية. كما أن السيد بلند يعكس بمقاله هذا مستواه الفكري المتواضع. يقول في مقاله: ((منذ فترة وتحديدا بعد انضمام المنظمة الآثورية إلى ( إعلان دمشق ) والسيد سليمان يوسف يبحث عن ذرائع للتهجم على المنظمة والإساءة لها، وكأنه يريد منع المنظمة من الانخراط في العمل الوطني الهادف إلى إحداث التغيير الديمقراطي السلمي في سوريا، وفي مواجهة هذا الإعلان الذي يقر وللمرة الأولى في تاريخ سوريا بحقوق القوميات ( الكرد والآشوريين )، وهو بذلك يقف في الخندق الذي تقف فيه السلطة. ... ويضيف: بعد طرده من المنظمة الآثورية ..)). لا يا سيد بلند: أولاً أنا لم أطرد من المنظمة الآثورية ، وإن كانت هذه رغبة السيد بشير الذي تدافع عنه، أنا انسحبت من قيادة المنظمة مع عضو مكتب سياسي آخر هو الأستاذ (كبرو شالو) احتجاجاً على عنجهية بشير وعلى تبرؤه من كلمة المنظمة التي ألقيناها في حفل تأبين شهداء الأكراد في المقبرة، وقد أصدرنا بياناً توضيحياً الى الرأي العام بهذا الشأن.ثانياً: أنا لم ولن أكتب من أجل التهجم أو الإساءة للمنظمة الآثورية الديمقراطية التي أنتمي إليها ولا يمكن أن تكون أنت أو أي شخص آخر من خارج المنظمة وحتى من داخلها أكثر غيرة وحرصاً مني عليها.  ما أقوم به،من وجهة نظري على الأقل، أنني أنتقد الممارسات السياسية والتنظيمية لبعض الشخصيات في قيادة المنظمة التي تهيمن عليها وتحتكر قراراها، بهدف تنوير القواعد ودفع هذه القيادات الى التراجع والكف عن مثل هذه الممارسات. وهذا من أبسط مبادئ العمل الديمقراطي وحرية الرأي، أما إذا كنت أنت وغيرك في الحركة الكردية وكذلك في الحركة الآشورية لم ترتقوا  بعد الى هذا المستوى من حرية الرأي والتعبير والديمقراطية في نقد قيادات الأحزاب فهذا شأنكم، و يبدو أنك تريد أن تمارس قمعك الفكري واستبدادك السياسي حتى على من هم خارج حزبك، طبعاً مع احترامي لكل قيادات الحركة الكردية وأنا لا اعرف لأي منها أنت تنتمي، فهذا لا يعنيني. هل تعلم  يا سيد بلند، نظراً لعلاقاتي الوطيدة مع قوى المعارضة لسورية منذ الثمانينات من القرن الماضي أيام العمل السري ومخاطره، كان السيد بشير وغيره من أعضاء القيادة في المنظمة آنذاك،يتهمونني بالعمل مع المعارضة، وأنا عضواً في قيادة فرع سوريا في المنظمة الآثورية. وهل تعلم ماذا يقول الآثوريون المعارضون  لدخول المنظمة في (اعلان دمشق)، يقولون: (( أخيراً استطاع سليمان يوسف، دفع المنظمة وجرها الى صف المعارضة..)) وقد جاءتنا رسائل احتجاج الى المكتب السياسي من قياديين سابقين يحتجون على دخول المنظمة اعلان دمشق وإن هناك العديد منهم مستنكفين عن العمل والنشاط احتجاجاً على انخراط المنظمة في المعارضة السورية، وهؤلاء ينتظرون الفرصة المناسبة  للانقلاب على الموقف الحالي للمنظمة، وبتقديرات أنهم سينجحون ولو بعد حين مستفيدين من الأخطاء القاتلة للسيد بشير وغيره في طريقة قيادتهم للمنظمة وتعاطيهم مع الرأي الآخر.ثم، وهو الأهم في هذه القضية، هل تعلم بان السيد (بشير سعدي)، بسبب تردده وعدم تحمسه، يتحمل شخصياً مسؤولية تأخر المنظمة في التوقيع على (اعلان دمشق) منذ البداية يوم أعلن عته،وقيادة حزب الديمقراطي التقدمي الكردي، تدرك هذه الحقيقة قبل غيرها- حتى قبل قيادة المنظمة نفسها- ثم ما كان لك أن تجد المنظمة اليوم بين قوى (إعلان دمشق) لولا جهود الأستاذ عبد الحميد درويش شخصياً- السكرتير العام للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا- وحثه لبشير على التوقيع. لأن ما لمسته من خلال تجربتي في المكتب السياسي  في المنظمة الآثورية على مدى ثلاث سنوات، أن السيد بشير يسمع ويستشير الأستاذ عبد الحميد، الذي أكن له كل الاحترام، فيما يخص العلاقة مع المعارضة والنظام والحركة الكردية، أكثر مما يستشير رفاقه في قيادة المنظمة نظراً للعلاقة القديمة والمتميزة بينهما. أنك تتهمني جزافاً بالوقوف في خندق النظام، هل تعلم يا سيد بلند بأنني الوحيد من المنظمة الآثورية الديمقراطية وقع على (إعلان بيروت دمشق) الذي تشن سلطات الأمن السورية في هذه الأيام حملة اعتقالات للموقعين على الإعلان.. وقد عززت موقفي المؤيد للإعلان بمقال دفاعاً عن المعتقلين بعنوان (( ميشيل كيلو، ضمير وطن))، المنشور في غالبية المواقع العربية والسورية.جاء في مقالك: ((والمزعج في الأمر أنه يحشر ( القضية الكردية ) بين تلك الذرائع غير المقنعة للتهجم على رفاقه، والتي لا تنطلي على أحد وخاصة علينا نحن الأكراد الذين خبرنا أساليب التضليل جيدا من تجربتنا الذاتية المريرة مع مثل هذا الصنف من ( السياسيين ) ولا يخفى علينا مدى ( صداقة ) السيد يوسف للشعب الكردي ، خاصة على من قرأ  كتاباته العنصرية تجاه الأكراد التي يقر هو بنفسه أنها لم تكن برضى حزبه ،و معروف متى تحول الى نجدة المزاودين الكرد ومساندة نشاطاتهم الاستعراضية التي أثارت الشكوك عند الكرد أنفسهم وعرضتهم لمآسي وويلات إلى درجة أن حضوره إلى جانب أؤلئك (في المقبرة ) الأمر الذي كان بمثابة القشة التي ( قصمت ظهره ) أمام رفاقه..)). لا يا سيد بلند،إن الذي أقحم الموضوع الكردي في الخلافات داخل المنظمة هو،السيد بشير سعدي ومريديه، فقد فجروا أزمة داخل المنظمة وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، على خلفية مضمون الكلمة التي ألقيتها باسم المنظمة في حفل تأبين شهداء الأكراد في أحداث آذار. وأكثر ما أثار حفيظتهم هو وصفي للشعب الكردي بالشعب الأبي العاشق للحرية وعلى وصفي لضحايا آذار بالشهداء وللمرحوم الخزنوي ( بشيخ الشهداء). وهل تعلم بسبب الحملة الهوجاء التي يشنها السيد بشير ومريديه في المنظمة على خلفية هذه الكلمة، هناك من يشير لي اليوم من السريان الآشوريين في شوارع القامشلي، بالإصبع: (هذا هو سليمان المؤيد للأكراد). أما أن تشكك في مواقفي وتعاطفي مع الحق الكردي في سوريا لأنني أظهر الى جانب قوى وأحزاب كردية لا تتفق معك أو مع حزبك في الموقف السياسي والرؤية من حل القضية الكردية في سوريا، فهذا أسوأ ما يمكن أن يمارسه الإنسان في السياسية وأرخص الأساليب وأكثرها ابتذالاً وانحطاطاً في تقييم الناس وتحديد الموقف منهم. تقول بأن كتاباتي  تحمل ما يكفي من العنصرية تجاه الأكراد لدرجة أنني أقريت بأنها لم تكن ترضي حتى حزبي. طبعاً من غير أن تذكر مقالاً واحداً لي فيه من العنصرية تجاه الأكراد، ومن غير أن توثق كلامك بزمان ومكان ما تدعيه على لساني. وأسمح لي يا سيد بلند هنا بان أقول لك: بأنك خنت أمانة الكلمة وبدأت تلعب بالألفاظ ولغايات مغرضة ومكشوفة  و ما هكذا يكتب المثقفون المحترمون وليس بهذه الطريق ستكسب تعاطف وتأييد الآخرين للحق الكردي.. هل تعلم يا سيد بلند في ندوة مشتركة أقمناها أنا و السيد بشير في حلب بعد أحداث القامشلي وصفني بعض الحضور بـ(المستكرد)، طبعاً هم من الآشوريين السريان، وتلقيت أكثر من رسالة تتهمني بأنني بت كردياً أكثر من الأكراد. لا أقول هذا لنيل شهادة حسن سلوك منك ومن غيرك من الأكراد وإنما لتفنيد ادعاءاتك المغرضة وتهمك الباطلة التي تلقيها جزافاً ومن غير وجه حق. هل تعلم بأن ما كتبته حول أحداث الأكراد سبب لي مشاكل داخل المنظمة ليس بسبب ما تحمله من عنصرية تجاه الأكراد كما تدعي افتراءاً، وإنما بسبب انتقاداتي للنظام السوري في الموضوع الكردي وعن الاستبداد الذي يمارسه حزب البعث الحاكم على القوميات الأخرى من آشوريين وأكراد وغيرهم.وهنا أحيلك للكاتب والشاعر الكردي المعروف (ابراهيم اليوسف) الذي استشهد في كتاباته في أكثر من مقال لي... أما إذا كنت تعتبر أنت وغيرك انتقاداتي لبعض الممارسات الكردية الخاطئة أو لرفضي بعض المصطلحات والمفاهيم السياسية في خطاب بعض الفصائل في الحركة الكردية السورية، مثل (كردستان سوريا) مواقف عنصرية تجاه الأكراد، أسمح لي بأن أقول لك هذا قصور في وعيك السياسي وضعف في مفهومك للديمقراطية لا بل رؤيتك للآخر هي العنصرية والشيوفينية بعينها.ثم أطمئن أنت وغيرك ، لا يوجد شخص آشوري سرياني ، لا داخل المنظمة ولا خارجها، يقر ويقبل بمفهوم ( كردستان سوريا). جاء في مقالك: ((فالسيد ( يوسف ) آخر من يحق له الادعاء بالتعاطف مع ( شهداء الأكراد )، ولن نذكر سوى مثال واحد من كثير من مواقفه، يدحض زعمه، فليتذكر معنا تصريحه الو شائي المشهور لوكالة الأنباء الألمانية والذي كان بمثابة إخبارية ملفقة ضد الشعب الكردي بقوله ( إن أول طلقة رصاص صدرت من الأكراد ) خلال التداعيات التي حصلت بعد اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي محاولا وضع الضحية مكان الجلاد علما انه متأكد بان الأكراد لم يكونوا مسلحين يوما ونحن نسأله: من المستفيد من هذه الكذبة ضد الكرد ولمصلحة من ؟. ..)). لا شك، أنك معذور بعض الشيء في هذا، لأن حقيقة حصل التباس وخطأ في نقل الخبر بين وكالات الأنباء العالمية، وغالباً يعود ذلك الى الترجمة من العربية الى اللغات الأخرى.فالذي جرى هو: اتصل معي مكتب وكالة (أسوشيستيدبريس ) الأمريكية بدمشق مستفسراً عن حقيقة خبر مقتل عنصر أمن سوري في الأحداث، طبعاً وقبل أن تتصل معي الوكالة الأمريكية، كنت قد اتصلت مع العديد من الأصدقاء الأكراد ممن يتابعون الأحداث ويشاركون في التظاهرات الكردية، سألتهم عن الأمر، جميعهم قالوا لا نعرف حقيقة ما جرى، المتداول أنه قتل برصاص كردي، طبعاً بحسب رواية السلطات المحلية. وقد جاء كلامي مع الوكالة الأمريكية مستنداً لما كان متداول حينها، وأنا لم أؤكد الخبر كما لم أنفيه. وأنني أكدت في جميع تصريحاتي لوسائل الإعلام بأنني لم أرى شخصاً كردياً مسلحاً في التظاهرات الكردية. لهذا أنا أرفض وبشكل قاطع  صيغة الخبر كما أوردته وكالة الأنباء الألمانية، خاصة وإنها لم تتصل معي هذه الوكالة. قيل فيما بعد بأنه قتل برصاص طائش لم يعرف مصدره. جدير بالذكر هنا، بأنني قرأت الخبر في الصحف العربية لكن بغير هذه الصيغة التي نقلها السيد بلند حسن. فهو لم يكن دقيقاً حتى في نقله الخبر عن الوكالة الألمانية، ولا اعرف ما هي مصلحته، أو ماذا يفيد القضية الكردية،في هذا التحريف المغرض.
في الختام: أرجوا من السيد بلند حسن أن يعيد النظر في ما قاله في مقاله ، وأن يلتزم الدقة والموضوعية والعقلانية في كتاباته في المرات القادمة.

 سليمان يوسف
آثوري منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية.
shosin@scs-net.org
 

145
محنة المنظمة الآثورية الديمقراطية (2)                                     

(( قهقهات آثورية))

قبل أيام، وأنا في لحظة منكب فيها على كتابة الجزء الثاني من محنة المنظمة الآثورية الديمقراطية، رن هاتف المنزل... رفعت السماعة وإذا بقهقهات(ضحكة) عالية التوتر والنشاز، على وزن قهقهات زعماء عصابات المافيا في الأفلام عندما يتحدثون مع خصمهم بقصد استفزازه والاستهتار به وبقدراته.تخيلت بادئ الأمر بأن لا بد وأن هناك خطأ ما وقع فيه المتحدث، أو إن المنظمة الآثورية فتحت (فضائية آشورية) وهي تنقل احتفالات الآشوريين بقرب اعلان (الدولة الآشورية) بالتزامن مع اعلان (الدولة الكردية) على أرض النهرين الضائعة،والمتحدث ربما متحمس لزف خبر هذا الحدث القومي الهام، ومن شدة سعادته لم يكن بمقدوره إلا أن يضحك وبصوت عالي.طبعاً، سرعان ما تبين بأنني واهم، ذهبت بعيداً وبعيداً جداً في خيالي،فالأمر لم يكن لا هذا ولا ذاك، وإنما هذه القهقهات كانت للدكتور (طانيوس أيو)، عضو المكتب السياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية، وهذا ما لم أكن أتوقعه، بعد صدور قرار سياسي استراتيجي بالغ الأهمية والحساسية عن القيادة الحكيمة للمنظمة الآثورية وبسرية تامة في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي تمر بها المنطقة وسوريا،فعلى ضوء نتائج هذا القرار سيتقرر المستقبل القومي والسياسي للشعب الآشوري. يستند القرار الآثوري الى البند السابع من (ميثاق الأمم المتحدة) الذي يجيز حق استخدام القوة بحق كل كادر أو عضو في المنظمة الآثورية لا ينفذ هذا القرار المصيري الذي يقضي بفرض مقاطعة شاملة على كل من (كبرو شالو و سليمان يوسف)بعد أن اكتشفت القيادة الآثورية الحكيمة فجأة وبوحي قومي حل عليها، بأنهما خونة مجرمان بحق المنظمة و الشعب الآشوري، إثر انسحابيهما من قيادة المنظمة احتجاجاً على السلوك السياسي والتنظيمي الغير متوازن لبشير سعدي. لهذا لم يكن متوقعاً أن يكون القيادي(طانيوس آيو) أول الخارجين عن طاعة وإرادة الجماعة في هذا الزمن الآثوري الصعب.. بلغة السياسة(المقاطعة) تعني اعلان (حالة الحرب) على الأعداء أو على الأقل خطوة تسبق بدء المعركة الحاسمة لتحقيق النصر المبين.

 عبر، عضو المكتب السياسي (طانيوس أيو)  من خلال قهقهاته الساخرة على الهاتف، عن سخريته من ما أكتبه حول محنة المنظمة ومفاسد القيادة وتخبيصاتها،قال ساخراً: أن هذه الكتابات جيدة وجميلة لكن لا قيمة لها وهي لا تهمنا ولا تؤثر علينا وهي لا تقدم ولا تؤخر في موضوع الأزمة. وبعدها أراد التشكيك بدوافع وأهداف مما أكتب وأراد الربط، وعلى طريقة تعاطي السلطات السورية مع المعارضة الوطنية، المتهمة دوماً من قبلها بالارتباط بالخارج، كما تفعل في هذه الأيام مع الكتاب والناشطين الموقعين على ( إعلان بيروت دمشق)- أنا واحد من الموقعين عليه- وقيامها بحملة اعتقالات طالت حتى الآن نحو ثلاثة عشر من الموقعين على الإعلان المذكور. أراد طانيوس أن يربط بين ما أكتب عن محنة المنظمة واستدعائي الأخير (لإدارة أمن الدولة) بدمشق ومن غير ان يؤنبه ضميره على هذا الافتراء المفبرك.ونظراً لضحالة مستوى الحديث وتفاهة ما يريد قوله، أقفلت جهاز الهاتف قبل أن ينهي وصفته المسمومة الجاهزة والمعدة مسبقاً.

بالطبع لست بحاجة لأن أدافع عن نفسي وأرد التهم التي أرسلها الدكتور طانيوس عبر قهقهاته الشيطانية، أترك ذلك لكوادر المنظمة وللشارع الآشوري ولقرائي المحترمون ولمتتبعي مواقفي على الساحة الوطنية. لكن  قررت أن لا أفوت الفرصة على الشارع الآشوري للاستمتاع بهذه القهقهات والفكهات الآثورية، خاصة وإنها جاءت من طانيوس آيو المعروف بروح الدعابة والفكاهة والنفس المرحة والنكتة الجاهزة،حتى في الاجتماعات الرسمية وعند مناقشة أهم القضايا الحساسة، وقررت أن لا أدعها تمر من غير صدى أو  تأثير في الوسط الآثوري والآشوري عامة، لكن ليس على طريقة المهرج طانيوس آيو، بالافتراء والرياء، وإنما على طريقة ممن يعشق قول الحقيقة ويريد مواجهتها مهما كانت مرة وقاسية.ولهذا قررت أن أنقل، للكادر الآثوري أولاً وللقارئ الآشوري ثانياً،بكل ألم وأسى وحزن قومي وسياسي، بعض المواقف المخزية للدكتور طانيوس آيو، القيادي في المنظمة الآثورية الديمقراطية. ساترك التعليق عليها والحكم على طانيوس للقارئ والشارع.مع التأكيد على أنه (طانيوس) كان صادقاً فيما قاله: بأن كل ما اكتبه وأنشره حول محنة المنظمة، لا يؤثر عليه ولا يعنيه بشيء، إنه صادق فقط في هذا الجانب من القهقهات الشيطانية، لأنه شخص عديم الإحساس بالمسؤولية القومية والوطنية وهو لا يعرف الحرج ، والدليل:

قبل سنوات أصيب أحد أعضاء المنظمة (زهير عبدو) بحرق في جسده عندما كان يزود دراجته النارية بالوقود في إحدى المحطات في يوم صيفي حار ، ليبدأ بتوزيع بيانات بمناسبة عيد (الشهيد الآشوري) في السابع من آب.. نقل الأخ زهير على أثرها الى المستشفى الوطني بمدينة القامشلي وبحكم مهنته كطبيب كان طانيوس آيو متواجداً في المستشفى، أطمأن زهير لوجود طانيوس  في المستشفى خاصة وإنه يخفي معه بيانات للمنظمة، لكن الصدمة الكبيرة التي أصيب بها زهير أنسته ألم الحرق، هي رفض طانيوس أن يأخذ البيانات منه ويخرجها من المشفى متذرعاً بوجود شرطة،فقد همهم الدكتور وانسحب هارباً تاركاً زهير بحاله حتى من غير أن يقوم بواجبه الإنساني كطبيب تجاه صديق ورفيق له، بعد أن تخلى عن واجبه التنظيمي والأخلاقي والقومي تجاهه واتجاه منظمته  وشعبه بسبب جبنه وانعدام أي شعور بالمسؤولية ومن غير أن يؤنبه ضميره، في هذه الإثناء حضر أهل زهير الى المشفى  وأخذوا البيانات بدون تردد ومن غير حرج.

في الدورة الماضية كنا معاً في (هيئة تحرير نشرو)، نادراً ما كان يحضر طانيوس أيو الاجتماعات ومرة قررنا أن نعقد الاجتماع في منزله  لإلزامه وإحراجه على حضور الاجتماع، لكن لم تنجح خطتنا لأنه شخص لا يعرف الحرج أو الخجل، فهو لم يأت الى البيت تلك الليلية إلا بعد أن خرجنا  منه مطرودين...

مضى على وجودنا في المكتب السياسي قرابة ثلاث سنوات، خلالها شاركت المنظمة بالكثير من الفعاليات السياسية والثقافية في مدن سورية عديدة خاصة حلب ودمشق، لكن السيد طانيوس آيو لم يشارك في أي من هذه الفعاليات ولو لمرة واحدة وهو لم يخرج طيلة هذه السنوات خارج محافظة الحسكة بحجة التزامه في العيادة ومشفاه الخاص، لكن عندما طرح موضوع جولة الى  أمريكا كان أول الجاهزين واصر على أن يكون ضمن الجولة وتحققت رغبته بالذهاب الى أمريكا... كما أن السيد طانيوس لا يتخلف عن حضور الحفلات الترفيهية وسهرات المرح التي تقيمها المنظمة أو غير المنظمة. هذه هي طبيعة التزامه السياسي، أنه يريد منظمة آثورية للسياحة والسفر والمرح ومثله الكثيرين من كوادر المنظمة.

عندما عقدت المنظمة (جلسة حوارية) في مدينة القامشلي، جمعت فيها ممثلين عن أحزاب الحركة الكردية مع وفود المعارضة السورية ولجان المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان والعديد من الصحفيين والكتاب الذين قدموا الى المدينة إبان حوادث  القامشلي 2004، تأخر طانيوس كعادته بعض الوقت عن بدء الجلسة ، وعندما دخل قاعة الاجتماع ووجد وفود المعارضة والحركة الكردية جلس دقائق معدودة وانسحب بطريقة خفية ودون أن يعتذر... عندما سألناه في اليوم التالي في اجتماع المكتب السياسي عن سبب انسحابه من الجلسة قال: ليس لدي استعداد لتحمل نتائج هكذا مغامرات سياسية في ظل هكذا نظام..

في الوقت الذي انخرطت المنظمة الآثورية مع المعارضة السورية وباتت جزءاً منها وهي ترسل الوفود للمشاركة في الاعتصامات والحراك الديمقراطي المعارض يقوم السيد طانيوس مع العديد من زملائه الأطباء من المنظمة بينهم قياديين في اللجنة المركزية بزيارة الفروع الأمنية ليقدموا لهم الطاعة والولاء والتهجم على المعارضة السورية التي باتت المنظمة طرفاً فيها ، ذلك حفاظاً على مصالحهم الخاصة. بالمناسبة هذه الزيارات للفروع الأمنية ليست سراً فهم يتباهون بها في المجتمع.

 طانيوس آيو كان منذ البداية معترضاً وبشدة على قيام المنظمة الآثورية بإثارة قضية قتل شابين آشوريين على أيدي متطرفين عرب عام 2004، بمدينة الحسكة، وهي بنظره حادثة قتل عادية لا تستحق الوقوف عندها، وقد اتهم المنظمة بالمتاجرة بدماء الضحايا...

طانيوس آيو- ينحدر من أسرة آشورية فقيرة نعزها ونكن لها كل الحب والاحترام- عندما كان طالباً يدرس الطب في جامعة حلب كان يتقاضى مساعدة مالية من صندوق مساعدة الطلبة،على أن يعيد ما أخذه الى الصندوق بعد التخرج والعمل  ليستمر الصندوق في مساعدة غيره من الطلاب... طانيوس آيو تهرب من دفع ما يترتب عليه من واجبات والتزامات مالية ومن غير أن يؤنبه ضميره وهو اليوم لا يدفع قرشاً واحداً  لصندوق مساعدة الطلاب، تسأله لماذا.. يقول لك: أنا فقير  وهو يضحك... علماً أن ماليته تقدر بملايين الليرات  وفي كل عام يغير سيارة موديل حديث الله يزيد ويبارك.... ثم أنه  نادراً ما يضع سيارته تحت خدمة المنظمة في مهام رسمية خارج مدينة القامشلي ، وإذا اضطر على ذلك يطلب ثمن البنزين حتى قبل أن تتحرك السيارة.

أعتقد بأن هذه المواقف المشينة للسيد طانيوس لا تحتاج الى تعليق، كما قلت ساترك ذلك لأعضاء المنظمة ولأبناء الشعب الآشوري  ... فقط أقول: بهذه الروح الانهزامية والنفس الجبانة والانتهازية يعمل الدكتور( طانيوس آيو) كقيادي في المنظمة الآثورية الديمقراطية. ما من شك، بأن حالة طانيوس ليست حالة شاذة وفريدة في حياة المنظمة وإنما ظاهرة عامة وشائعة، تشكل جزء أو جانب مهم من محنة وأزمة المنظمة الآثورية الديمقراطية، خاصة  في أوساط شريحة الأطباء- سأخصص حلقة خاصة للحديث عن طبيعة علاقة (لجنة الأطباء) مع المنظمة، في سياق هذه الدراسة النقدية للمنظمة الآثورية الديمقراطية- وربما في النهاية نكتشف أنا  وأمثالي بأننا نحن الحالة الشاذة في المنظمة الآثورية بوضعها الراهن.قد، يسال البعض إذا كان هذا هو طانيوس أيو فلماذا انتخب وصعد الى القيادة؟.لا شك هذا سؤال مشروع، لكن جوابه سهل ، إن الانتخابات داخل المنظمة  الآثورية تتم على طريقة حزب البعث السوري الحاكم وتشكيل الحكومة السورية، بمعنى هناك توجيهات وتوصيات- باتت قاعدة- لتطعيم (قيادة المنظمة)، بعناصر من الأقليات المذهبية(الطائفية) داخل المنظمة حتى لا يقال على المنظمة بأنها (منظمة سريانية)، وهي كذلك، طانيوس أيو على ما أعتقد بقي الوحيد في المنظمة الآثورية من أتباع الكنيسة أو الأقلية الكلدانية وفهمكم كفاية.

سليمان يوسف
آثوري منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org[/b][/size][/font]

 

146
دفاعا عن ميشيل كيلو
ميشيل كيلو ضمير وطن

سليمان يوسف يوسف:
2006 الأربعاء 17 مايو

إلى أين تذهب سوريا..؟ سؤال كبير تركه اعتقال الكاتب والمفكر (ميشيل كيلو)،أحد رموز العمل الديمقراطي في سوريا والناشط البارز في لجان أحياء المجتمع المدني ورئيس مركز (حريات) للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير،وهو من الأسماء المعروفة في (اعلان دمشق) للتغير الديمقراطي في سوريا. السؤال ليس بجديد، فقد سبق أن اختاره ميشيل كيلو نفسه عنواناً لمقال له قبل أشهر، بعد موجة اعتقالات واستجوابات طالت العديد من الكتاب ونشطاء الحراك الديمقراطي وأعضاء ادارة منتدى الاتاسي. عرض ميشيل في ذاك المقال رؤيته لتطورات الحالة السياسية السورية وقد حدد سيناريوهين:سيناريو (الاصلاح السياسي) الذي يحقق المصالحة الوطنية وتطبيع الحياة السياسية في البلاد، ينبثق عن(حوار وطني)بين السلطة والمعارضة.وسيناريو (أمني سلطوي) يقوم على رفض (الإصلاح السياسي الحقيقي)من قبل السلطة والمحافظة على جوهر ما هو قائم وضبط الوضع الداخلي من خلال تشديد (القبضة الأمنية)،وقد أبدى(ميشيل) تخوفه من هذا السيناريو (الأمني)، لأنه قد يجر البلاد الى حرب أهلية.اعتقل ميشيل كيلو يوم الأحد الماضي 14-5، من قبل إدارة أمن الدولة بدمشق، بعد يوم واحد من مقال له بعنوان( نعوات طائفية) نشر في صحيفة (القدس العربي). يصور ميشيل كيلو،بحس وطني صادق وشفاف، في مقاله التمايزات الطائفية التي بدأت تتضح وتفقع ألوانها في قاع وعلى سطح المجتمع السوري، وبالتالي، ليلفت أنظار المعنيين الى مخاطر استمرار هذه الظاهرة، وغيرها من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية السلبية، على التماسك المجتمعي، كذلك محذراً من الانعكاسات السلبية، وربما الخطيرة، على الوحدة الوطنية ،التي قد تنجم من الاكتفاء بالسيناريو الأمني في حل ومعالجة مشكلات الواقع السوري وأزماته المزمنة.  نكرر السؤال من جديد: سوريا الى أين..؟ بعد أن زادت مخاوفنا من (الحل الأمني)، الذي حذر (ميشيل كيلو) من مخاطره، مع اتساع دائرة الاعتقالات وتشديد القبضة الأمنية من جديد على المجتمع السوري. ما من شك، بأن اعتقال ميشيل كيلو ضاعفت حالة الإحباط و التشاؤم واليأس لدى مختلف الأوساط السياسية والثقافية في سوريا، لكن هذا التشاؤم رافقه شعور بالتفاؤل، بدأ   مع هذا السيل الوطني والإنساني الصادق من، داخل وخارج سوريا، من الرسائل والاحتجاجات والبيانات والمقالات التي تدين وتحتج وتشجب وتستنكر اعتقال ميشيل وتطالب بالإفراج عنه وعن جميع معتقلي الرأي في السجون السورية.   لا جدال، على أن اعتقال ميشيل كيلو سيزيده شهرة ، لكن الأهم أنه سيزيد وبأضعاف عدد المؤيدين والمتضامنين مع دعوته للتغير الديمقراطي السلمي في البلاد، فهو شخصية وطنية بامتياز، لا بل أنه يمثل، بأخلاقه الوطنية العالية، (الضمير الوطني الحي). كان ميشيل متميزاً بخطابه وكتاباته وبطريقة تعبيره عن حبه
  لوطنه، وفي إظهار حرصه وخوفه على هذا الوطن السوري الذي أحبه و نحبه جميعاً. ولهذا يرى الكثير من المراقبين والمتتبعين للشأن السياسي السوري، في اعتقال ميشيل كيلو أشياء كثيرة ورسائل عديدة وبأكثر من اتجاه، في هذا الزمن السوري الصعب،حيث لم يعد للوطن السوري عنوان سوى (الاعتقال والسجن والاستدعاء). فما أصعب من أن يعيش الإنسان منفياً في وطنه،وأن يعتقل الشخص ويهان بسبب حبه لوطنه وخوفه عليه... إذ يبدو أن في
  سوريا حتى حب الوطن صار جرماً
  يعاقب عليه القانون... باعتقال ميشيل كيلو، أدركت لماذا انهزم الوطن في كل   معاركه القديمة والجديدة، كما أيقنت أن زمن الهزيمة لم ينته بعد، طالما الاستبداد باق ولطالما اعتقال أهل الفكر مستمر من قبل أهل الحكم...باعتقال ميشيل كيلو، أدركت كم يخشى النظام من الكلمة الحرة ومن الديمقراطية ...وباعتقاله، أتتضح حجم الفراق الكبير بين عقلية السلطة القمعية وبين ذهنية المثقف الديمقراطي، بين مفهوم السلطة للوطن وحقوق المواطن وبين مفهوم المواطن للوطن ووظيفة السلطة. ببقاء السجون مفتوحة لاستقبال ميشيل كيلو وغيره من الناشطين السياسيين ومن المدافعين عن حرية الرأي والتعبير وعن حقوق الإنسان السوري، أيقنت بأن (جمهورية الخوف) لم تزل قائمة في سوريا، وما زالت تفصلنا مسافات زمنية وثقافية وسياسية طويلة وشاسعة عن ( دولة مدنية) تحكم بالدستور والقانون، وتقوم على الحق والعدل والمساواة وعلى (روح المواطنة)..باعتقال ميشيل كيلو وغيره من السياسيين والمثقفين تأكدت شكوكي بأن المعاملة الجيدة التي لقيتها في (ادراة أمن الدولة) التي استدعتني للتحقيق في آذار الماضي، لم تكن تعني بأن تحولاً مهماً وجوهرياً قد
 طرأ على
 طريقة تعاطي (الأجهزة الأمنية) مع نشطاء المعارضة والمثقفين دعاة التغيير الديمقراطي في البلاد...اعتقال كيلو يدفعنا للتساؤل من جديد: بماذا يفيد الوطن اعتقال الدكتور عارف دليلة ورياض ضرار وعلى العبدلله وولديه وفاتح جاموس ويعقوب شمعون وغيرهم كثر.. هل بهذه الاعتقالات نضمن أمن الوطن ونقوي جبهتنا الداخلية في وجه التهديدات الخارجية ؟ بالطبع لا
 ! نتساءل من جديد مع ميشيل كيلو: إلى أين تذهب سوريا...؟.

 كاتب سوري آشوري
shosin@scs-net.org [/b] [/size] [/font]
 

147
المنظمة الآثورية والانقلاب على المواقف

سليمان يوسف يوسف
2006 الثلائاء 16 مايو
 
مؤخراً، وقعت (المنظمة الآثورية الديمقراطية)، الفصيل الرئيس في الحركة الآشورية السورية، على (اعلان دمشق) للتغير الديمقراطي في سوريا، الذي يضم غالبية قوى المعارضة السورية من (عربية وكردية).بهذا التوقيع تكون المنظمة الآثورية قد خطت خطوة مهمة باتجاه انفتاحها على الحركة الوطنية السورية بكل تياراتها السياسية وطيفها القومي وعلى منظمات ولجان المدافعة عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان واحياء المجتمع المدني. وكان المنتظر من المنظمة أن تعزز هذا الانفتاح وتدعمه عبر المزيد من الانخراط بالشأن العام والمشاركة بفعالية في نشاطات الحراك الديمقراطي المعارض والتواصل معه،بما يخدم ويساهم في عملية التغيير الديمقراطي في سوريا وحل مشكلة القوميات حلاً  ديمقراطياً عادلاً  يضمن الحقوق القومية والديمقراطية للآشوريين السوريين ومساواتهم بباقي فئات الشعب السوري.لكن يبدو أن المنظمة الآثورية الديمقراطية، وبالرغم من توقيعها على (اعلان دمشق)، هي لم تحسم خياراتها السياسية بعد، وبالتالي هي أعجز من أن تعزز موقعها في صف المعارضة في المرحلة الراهنة. هذا العجز يعود من جهة أولى: الى ضعف وتردد (قيادة المنظمة) والى حالة عدم الانسجام والتوافق بين أعضائها حول الكثير من القضايا السياسية الهامة،مما يجعلها تتخبط باستمرار ويبقيها عرضاً للهزات والأزمات السياسية.ومن جهة ثانية: الى وقوع المنظمة تحت تأثير ونفوذ مجموعات آشورية، من داخل وخارج المنظمة، ذات عقلية منغلقة على ذاتها متوجسة من الآخر، وهي بمثابة (لوبي ضاغط)، يتحرك بإيحاءات سلطوية، ترفض هذه المجموعات الضاغطة، بشدة دخول المنظمة في تحالف سياسي معارض للنظام القائم وعدم رغبتها بأن تذهب المنظمة بعيداً في العلاقة مع المعارضة السورية بشكل عام،هذه المجموعات تشكك بمصداقية ومواقف المعارضة بشقيها( العربي والكردي والإسلامي) في مسألة الديمقراطية وفي موقفها من حقوق الآشوريين بشكل خاص.على أرضية هذا الخلاف الآثوري والتعارض في الموقف من النظام ومن العلاقة مع المعارضة والحركة الكردية، انفجرت أزمة حادة داخل المنظمة الآثورية الديمقراطية، على أثر الكلمة التي ألقاها وفد المنظمة في حفل تأبين شهداء الأكراد، أقيم بمدينة القامشلي في الذكرى الثانية لأحداث آذار 2004،هذه الأزمة مرشحة للتصعيد وتنذر بحدوث انشقاق وانقسام في المنظمة، خاصة بعد تعليق مهام أعضاء قياديين فيها على خلفية هذه الأزمة، كانوا من ضمن الوفد الآثوري المشارك في الحفل الكردي. واللافت في هذه التجاذبات والاصطفافات داخل المنظمة الآثورية، هو تقدم مسؤول المكتب السياسي (بشير سعدي)، الذي يمثل المنظمة في (اعلان دمشق)، قائمة المعترضين على كلمة الوفد الآثوري، لا بل كان من المحرضين الأساسيين على رفض الكلمة وتبرأ المنظمة منها رغبة منه بالتخلص ممن يرى فيهم الجدية والحماس في تعزيز العلاقة مع المعارضة(العربية والكردية)، متذرعاً ببعض الردود السلبية على الكلمة داخل المنظمة وفي الأوساط الشعبية الآشورية. هذه الردود تعود بجوهرها الى ترسبات الماضي وتراكمات التاريخ والى ظروف الاستبداد والحرمان، التي أبقت العلاقة الوطنية بين مختلف مكونات وأقوام المجتمع السوري، ضعيفة ومتوترة يعتريها الكثير من الخلل والحساسية. لكن وبكل أسف، أراد البعض من الآثوريين،منهم مسؤول المكتب السياسي،ولأهداف مغرضة في إخراج ردود الشارع الآشوري عن سياقها الطبيعي، لافتعال أزمات ومعارك هامشية تبعد المنظمة عن مهامها وأهدافها الأساسية، وثنيها عن الاستمرار في خط المعارضة،غير آبهين  بمصداقية المنظمة ومكانتها على الساحة السورية وبين القوى الوطنية، في مرحلة تتطلب توظيف وتعبئة كل الجهود في معركة التغيير الديمقراطي في سوريا وحل مشكلة القوميات حلاً عادلاً.
لا شك،أن ما حصل ويحصل، للمنظمة الآثورية الديمقراطية، لا يمكن فصله أو عزله عن أزمة (الحركة السياسية السورية) عامة وعن أزمة المعارضة بشكل خاص،في ظل نظام شمولي لا ديمقراطي، طيلة أكثر من أربعة عقود مارس كل أشكال العسف والقمع بحق المعارضين،من اعتقال ونفي وملاحقات، تمكن خلالها من تدجين الكثير منهم على قياسه، ومن تفجير أزمات وخلافات داخل صفوف الحركة السياسية المعارضة وداخل كل حزب، حول تشخيص النظام وتوصيف المرحلة وحول تحديد أولويات وآليات العمل، في بيئة سياسية وفكرية واجتماعية فاسدة ومريضة أنتجها الاستبداد، ومن غير أن يتيح الفرصة لهذه الخلافات وتباين الآراء وتعدد الأفكار والرؤى داخل المجتمع السياسي والمدني لكي تتبلور وتبرز كتيارات سياسية وفكرية جديدة على الساحة تكون قادرة على إحداث نقلة نوعية في مستوى وحجم العمل السياسي المعارض.ومن الطبيعي أن تكون الأحزاب والحركات السياسية الضعيفة أكثر تأثراً بالقمع الممارس وبظروف الاستبداد وأكثر استعداداً للتجاوب مع طلبات وشروط النظام الأمني. كما هو الحال بالنسبة للمنظمة الآثورية الديمقراطية التي تعاني من هشاشة بنيتها الفكرية والتنظيمية ومن الفقر الثقافي والسياسي. فهي منظمة قومية ذات تجربة ضعيفة في ميدان السياسية، بالرغم من مضي نصف قرن على تأسيسها، وهي وليدة في تعاطيها في الشأن العام و حديثة العهد في انفتاحها على المجتمع السياسي وانخراطها مع المعارضة، وبات من الواضح أن توقيع المنظمة الآثورية على (اعلان دمشق) لم يكن بالأصل خيار استراتيجي يعكس توجه سياسي عام داخل المنظمة، بقدر ما كان خيار بعض القياديين فيها.وفي ظل الانقسام الحاد الذي تعاني منه المنظمة الآثورية، وعلى ضوء موازين القوى التي تتجاذب وتتصارع على قراراها السياسي،لا يمكن لها أن تحسم خياراتها السياسية،قبل المؤتمر العام المقرر انعقاده صيف 2007، وبالتالي لا يمكن لها أن تتعاطى بجدية مع قوى (اعلان دمشق)، وهذا يضع مصداقية المنظمة على المحك، ويبقي توجهاتها السياسية موضع تساءل وتشكيك من قبل الأوساط السياسية السورية والمتتبعين للشأن الآشوري. فقد سبق أن انقلب مسؤول مكتبها السياسي على (البيان الى الرأي العام)،الذي صدر بمدينة القامشلي عن ممثلين من مختلف فعاليات الحراك الديمقراطي المعارض والحركة الكردية والمنظمة الآثورية، إبان أحداث آذار 2004، علماً أنه كان من ضمن الوفد الآثوري المشارك في صياغة البيان المذكور.

آثوري منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org [/b][/size] [/font]

 
 
 

 

148
خاص بموقع عينكاوا


محنة المنظمة الآثورية الديمقراطية..(1)


الجزء الأول:  لماذا هذا الذي يجري داخل المنظمة.

سؤال يتردد هذه الأيام على لسان كل آشوري (سرياني/كلداني)، داخل الوطن السوري وخارجه، وعلى لسان كل مهتم أو متتبع للشأن الآشوري من غير الآشوريين.أن أهمية الإجابة، بدقة وشفافية على هذا السؤال المثير للجدل وعلى غيره من الأسئلة الهامة المتعلقة بماضي وراهن المنظمة الآثورية الديمقراطية والمحنة( الأزمة) التي تعصف بها مجدداً والتي هزت مكانتها ومصداقيتها في الشارع الآشوري،تأتي من أهمية وحساسية المرحلة الراهنة ومن حرارة المناخ السياسي في سوريا الذي يتطلب أن نكون بمستوى المسؤولية في التعاطي مع التطورات والأحداث.لا أدعي المثالية أو (الطهور الثوري) في الكتابة وفي حياتي السياسية، فأنا لست بناسك ديني أو قومي، وإن كان إيماني بـالآلهة (الأكادية/ البابلية/ الآشورية) القديمة، من (مردوخ الى آشور) التي جبلت الإنسان (النهريني) بجبروتها وعظمتها وباركت حضارة(بلاد الرافدين)، أقوى بكثير من إيماني بالآلهة الجديدة التي زرعت (الخوف والقلق والشك والجبن والذل) في نفس البشرية.
 لقد جاءتني العديد من الرسائل عبر البريد الإلكتروني من بعض الأصدقاء يطالبونني فيها بعدم فتح ملفات المنظمة والكتابة بهذا الأسلوب ونشر لباسنا الوسخ على الملأ، لأن بنظرهم هذا يضر المنظمة أكثر من أن يفيدها وفيه اساءة للشعب الآشوري وليس فقط لأشخاص في المنظمة.حقيقة أنا أستغرب من هذه النظرة السطحية القاصرة والتقليدية لمسائل هامة وحساسة، ومن الطريقة التي يختزل بها شعب كامل بشخص أو بضعة أشخاص سخروا المنظمة لمصالحهم وضللوا الشعب بشعاراتهم. فهل الكتابة عن هؤلاء وتعريتهم وتشخيص الحالات المرضية ونقد الظواهر السلبية في حزب آشوري بعينه، فيه اساءة للشعب الآشوري، أن القضية بالنسبة لي هي عكس ذلك تماماً.وأنا على ثقة تامة بأن لو تم تعرية المفسدين وفضح الانتهازيين في المنظمة، وغيرها من الأحزاب والحركات الآشورية، منذ زمن لما كانت وصلت الى ما هي عليه اليوم من وضع مزري.بالطبع أنا أدرك جيداً حجم الألم والمرارة التي يشعر بها كل آثوري وكل آشوري ذي ضمير حي وذي حس وطني صادق، لما يجري للمنظمة في ظل مناخات سياسية وأمنية إقليمية ودولية متوترة، تتطلب توظيف وتعبئة كل الجهود في معركة التغيير الديمقراطي في سوريا، وإحقاق الحقوق القومية والديمقراطية للآشوريين السوريين. وأنا شخصياً، ما كنت أتخيل يوماً بأن أجد نفسي بعد خمسة وثلاثون عاماً من العمل في المنظمة الآثورية الديمقراطية، أن ندخل هذه (المهزلة) التي جرنا إليها السيد (بشير سعدي)، مريض الزعامة والمناصب.  من المؤكد بأن الكثير من الآثوريين لن يريحه تناول هذه الأزمة الداخلية وتعميمها على الرأي العام ونشرها عبر الصحافة ،وأنا قطعاً أشاركهم هذا الرأي ولا أختلف معهم في هذا من حيث المبدأ. إذ،يفترض أن تحل قضايا الخلاف داخل أطر وهيئات المنظمة وعبر الحوار الديمقراطي، لكن ليعذرني هؤلاء على تجاوزي للقواعد والدوائر التنظيمية وعلى اختراقي للمناطق المحرمة في السياسة،فقد فعلت هذا مكرهاً لا راغباً،بعد أن تأكد لي بأن المنظمة اليوم قد اختزلت بشخص مسؤول المكتب السياسي (بشير سعدي) وارتبطت برغباته  ونزعاته الشخصية أكثر مما هي مرتبطة بمبادئها وقواعدها التنظيمية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى أثبتت تجارب التاريخ أن من الأسباب الأساسية لاستمرار القيادات السياسة الفاسدة  هو أخفاء مفاسدها، السياسية والمالية والأخلاقية، على الجماهير والرأي العام، لهذا أرى من المهم جداً أن يساهم الجميع في فضح المفسدين وتعريتهم أمام الشعب والرأي العام، خاصة وإننا نعيش في عالم مفتوح حر زالت فيه الحواجز بين الخاص والعام، وانتهى زمن العمل السياسي السري وسقطت كل التقاليد التنظيمية الكلاسيكية. ثم أن اعتراض القيادة المتسلطة على طرح الخلافات والمشاكل على الرأي العام وعلى العلن زاعمة بأن ذلك يكشف أسرار المنظمة و يسيء لها وللشعب الآشوري، ليس أكثر من حق يراد به باطل، أنه كلام تضليلي على القواعد والجماهير معاً، فهي(القيادة المتسلطة) بهذه الذريعة تريد أن تجرد معارضيها وكل المحتجين على سياساتها وتعفيساتها من سلاحها، سلاح كشف فسادها وأخطاءها للراي العام، تماماً كما يفعل النظام السوري، وكل أنظمة الاستبداد، مع معارضيهم، حيث تتهم المعارضة بالخيانة الوطنية والعمالة بمجرد حديثهم وكتابتهم عن مساوئ النظام.ثم دعونا نتساءل: ماذا بقي من أسرار لدى المنظمة، بعد أن قررت العمل العلني والإعلان عن جميع قياداتها وغالبية قواعدها وطالما هي تبنت نهجاً وطنياً وواثقة من خطها السياسي، و هي لا تتآمر على الوطن ولا على أية جهة أخرى في سوريا، إذا ما هي الأسرار التي تزعم القيادة بأننا أفشيناها، لا أعتقد بأن بقي من أسرار  سوى مفاسدها وانتهاكاتها والنفاق الذي تمارسه على قواعدها وفي المجتمع.
لا جدال، على أن ما حصل ويحصل، للمنظمة الآثورية الديمقراطية، لا يمكن فصله أو عزله عن أزمة (الحركة السياسية السورية) عامة وعن أزمة المعارضة بشكل خاص، في ظل نظام شمولي لا ديمقراطي، طيلة أكثر من أربعة عقود مارس كل أشكال العسف والقمع بحق المعارضين، من اعتقال ونفي وملاحقات، تمكن خلالها من تدجين الكثير منهم على قياسه.هذا الضغط الأمني المتواصل والمتزايد،فجر أزمات وخلافات داخل صفوف الحركة السياسية وداخل كل حزب، حول تشخيص النظام وتوصيف المرحلة وحول تحديد أولويات وآليات العمل، في بيئة سياسية وفكرية واجتماعية فاسدة ومريضة أنتجها الاستبداد، ومن غير أن يتيح الفرصة للخلافات وتباين الآراء وتعدد الأفكار والرؤى داخل المجتمع السياسي والمدني لكي تتبلور وتبرز كتيارات سياسية وفكرية جديدة على الساحة تكون قادرة على إحداث نقلة نوعية في مستوى وحجم العمل السياسي المعارض.ومن الطبيعي أن تكون الأحزاب والحركات السياسية الضعيفة أكثر تأثراً بالقمع الممارس وبظروف الاستبداد وأكثر استعداداً للتجاوب مع طلبات وشروط النظام الأمني. كما هو الحال بالنسبة للمنظمة الآثورية الديمقراطية، ذات التجربة الضعيفة في ميدان العمل السياسي المعارض، بالرغم من مضي نصف قرن على تأسيسها، فهي وليدة في تعاطيها في الشأن السياسي العام و حديثة العهد في انفتاحها على المجتمع السياسي و انخراطها مع المعارضة.فهناك أكثر من مؤشر ومعطى، لمن يريد أن يرى ويفهم، على أن ما يمارسه (مسؤول المكتب السياسي) السيد (بشير سعدي) باتجاه ضبط وتوليف الخطاب السياسي للمنظمة وتقييد مواقفها من النظام الحاكم وتقنين نشاطها السياسي بشكل عام، وما يمارسه من ضغوطات مستمرة على الناشطين والبارزين فيها، ما هي إلا استجابة للضغوط وطلبات الجهات الأمنية، بدءاً من انقلابه على البيان الى (الرأي العام) الذي وقعته المنظمة مع قوى المعارضة والحركة الكردية في القامشلي على خلفية أحداث آذار 2004، إذ رفض السيد بشير نشره في جريدة المنظمة(نشرو)، وإجباره محرر (موقع الجريدة الإلكترونية ) التابع للمنظمة على سحب كل ما يتعلق، من تصاريح وكتابات، بـ(التظاهرة الآشورية)، في مدينة الحسكة في تشرين الأول 2004 على خلفية استشهاد شابين آشوريين على أيدي عرب متطرفين، مروراً بالكتاب(التصريح) المشبوه الذي أجبر المكتب السياسي على إصداره، و القاضي بعدم مسؤولية المنظمة عن كل ما يكتب أو ما يدلى به من تصاريح لوسائل الإعلام من قبل أعضاء المنظمة، طبعاً كنت أنا المستهدف الأول من هذا التصريح، والذي كان قد سبب أزمة حادة حينها داخل المنظمة- سنعيد فتح ملفها من جديد لتوضيح الظروف والملابسات التي أحيطت بها- وصولاً لانقلابه اليوم على كلمة المنظمة الآثورية الديمقراطية التي ألقيت في حفل تأبين شهداء الأكراد بمناسبة الذكرى الثانية لأحداث آذار 2004، واحتجاجه الدائم على إدلائي بتصاريح لوسائل الإعلام وعلى ذكر صفتي السياسية في المقالات التي أكتبها في الصحافة وضغوطه المستمرة باتجاه إبعادي عن المنظمة لأكون لقمة سهلة لـ(المخابرات السورية)، أو على الأقل لتبرئة ذمته الشخصية من كل كلمة أو تصريح ينتقد أو يخدش النظام الحاكم.وقد قالها السيد بشير أكثر من مرة وفي اجتماعات رسمية: بأن(سليمان يوسف) بات يشكل عبئاً ثقيلاً على المنظمة،في حين أنني، بمواقفي السياسية وكتاباتي الناقدة، أشكل عبئاً حقيقياً على السيد بشير وإحراجاً له أمام سلطات الأمن السورية،وليس على المنظمة وعندما يقول: بأنني عبء على المنظمة فهو يدرك جيداً بأنه قد اختزل المنظمة الآثورية الديمقراطية بشخصه.
 كم هو مؤلم لكل آثوري ملتزم ولكل آشوري مثقف يمتلك شيء من الحس السياسي والقومي والوطني،  كما لكل مثقف بغض النظر عن قوميته وانتمائه السياسي- عندما يقول قيادي، وأي قيادي( مسؤول المكتب السياسي) في المنظمة الآثورية الديمقراطية، لزميل قيادي معه (كاتب وناشط سياسي) بأنك أصبحت عبئاً ثقيلاً على المنظمة،ويكاد يكون هذا الشخص الوحيد الذي يكتب من بين أعضاء المنظمة في الشأن السياسي(الوطني والقومي)، وفي وقت أكثر من 90% من كوادر وأعضاء المنظمة هم( تحت خط الفقر السياسي والثقافي)، بمعنى آخر هم في بطالة سياسية وثقافية مطلقة، في حين أنا أستطيع القول وبكل تواضع بأن لي دوراً مهماً وبارزاً، - بشهادة الكثيرين من داخل وخارج المنظمة- في تسليط الضوء على الحالة الآشورية السورية ونقلها الى الفضاء السوري والخارجي بمستوى معين والتعريف بالمنظمة الآثورية الديمقراطية كحركة سياسية آشورية وطنية وبجعلها جزء من الحركة الوطنية السورية، إن كان من خلال الفعل السياسي الذي أمارسه داخل المنظمة وفي الأوساط السياسية والثقافية السورية أو من خلال ما أكتبه من مقالات سياسية في بعض الصحف العربية ومواقع الانترنيت. يا لها من كارثة أو (محنة) سياسية وفكرية خطيرة تهدد المستقبل السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية نتيجة قصور العقل السياسي لدى مسؤول المكتب السياسي في المنظمة وضحالة فكره القومي، وبسبب تعامله العدائي مع المثقفين والناشطين داخل المنظمة ..! أي انحطاط هذا.. والى أين يريد السيد بشير الذهاب بالمنظمة بمخخطه الرامي الى التخلص من كل ناشط ومثقف آثوري يختلف معه ولا ترضى السلطات السورية عليه ..؟ في حين لا توجد للسيد بشير أية مشكلة مع من لا يؤدي أي دور ايجابي أو فعل داخل المنظمة لا بل نراه يتمسك بكل متسكع وتاجر داخل المنظمة..!. مشكلتي الوحيدة معه أنني أرفض أن أكون آثورياً على مقياسه وبشروطه، مثلما أرفض أن أكون سورياً بمواصفات النظام السوري. طبعاً، بالنسبة لي أنا أتفهم جيداً دوافع وأسباب سلوك السيد بشير ورغبته في التخلص من كل صاحب قلم يخدش النظام السوري، أنه لا يريد وبأي شكل من الأشكال، خلق لنفسه أية مشكلة مع هذا النظام وحتى لا يمنع من السفر خارج القطر مثلما يمنع غالبية نشطاء المعارضة السورية، وأنا واحداً منهم، وبالتالي يحرم بشير من جولاته الأوربية والأمريكية باسم المنظمة، خاصة وأنه يخفي في جيبه( غرين كارد) أمريكي منذ سنوات، وبات من المؤكد بأنه يخطط للإقامة والعيش في أمريكا بشكل نهائي.أمام هذه الحقائق والوقائع أين بقيت المبادئ والمصداقية مع الآثوريين  وجدية الدفاع عن حقوق الشعب الآشوري والسيد بشير يخضع كل سياسات ومواقف المنظمة الى مصالحه واعتباراته الخاصة وليس للمصالح الحقيقة للشعب الآشوري وحقوقه الديمقراطية في سوريا.لا شك، أن السيد بشير هو حر في أن يختار المكان الذي يعيش فيه وهذا من حقه كما هو من حق كل شخص، لكن ليترك القضية لأصحابها الحقيقيين والصادقين مع أنفسهم ومع شعبهم وللذين هم أهلاً لها، وكفى تضليلاً ونفاقاً عليهم باسم القضية والشعب
الى جانب الاستجابة للضغوط الأمنية التي يمارسها الاستبداد، يجب عدم التقليل من أهمية ودور الجوانب الشخصية والدوافع الفردية في إثارة الخلافات وتعميق الأزمات داخل الأحزاب والقوى السياسية،خاصة عندما تتواجد قيادات انتهازية وصولية على راس الأحزاب.وتاريخ السيد (بشير سعدي) يشهد له بقدرته على اختلاق الأزمات للتخلص ممن يختلف معهم في الرأي والتوجهات السياسية وتصفية كل ذي رأي حر وجريء.فلسنا نحن ( كبرو شالو و سليمان يوسف) وحدنا فقط ضحايا النهج التآمري المتأصل في ثقافة وأخلاق السيد بشير السعدي ومن المؤكد بأننا لن نكون الأخيرين، فالمنظمة لم تتخلص بعد من آثار وتداعيات المؤامرة المفضوحة التي حاكها ضد مسؤول اللجنة المركزية السابق (أبجر مالول)- الخصم اللدود له آنذاك- في الدورة الماضية عام 2001 وأخذ مكانه، بذريعة وجوده في المهجر( أمريكا)، بالتنسيق مع بعض المزايدين في موضوع الهجرة من داخل اللجنة المركزية آنذاك. فالسيد بشير لا يطيق أن يرى شخصاً بارزاً ومتميزاً في المنظمة. فبطريقة لا تخلو من الرياء والتضليل مدفوعاً بنزعاته الشخصية التي غالباً ما تتقاطع مع رغبات وتوجهات الأجهزة الأمنية، بالغ وضخم كثيراً في تصوير ونقل الردود السلبية على كلمة المنظمة في حفل التأبين الكردي، بهدف تأليب قواعد وجماهير المنظمة على (عضوي المكتب السياسي - كبرو شالو وسليمان يوسف ) والنيل منهما مستغلاً المشاعر العفوية والبريئة لبعض أبناء شعبنا وحساسيتهم تجاه الموضع الكردي. وقد هدد في اجتماع طارئ غير شرعي دعا إليه منفرداً بقراره- بعد أن رفض المكتب السياسي طلباته- لأعضاء اللجنة المركزية بالاستقالة وترك المنظمة ما لم يتخذ إجراء بحق (سليمان يوسف) أقله التجميد وإعفائه من مهامه. وقد كشف عن أنانيته القاتلة وعقده النفسية بأكثر من مناسبة وموقف، آخرها قالها بدون حياء وببلادة سياسية مطلقة في أخر اجتماع لي مع المكتب السياسي وأمام أعضاء اللجنة المركزية في سياق سرده لتجاوزاتي، قال: ((تصوروا يتصل به صحفيون لأخذ تصاريح سياسية منه وأنا معه لم يقل لهم بأن مسؤول المنظمة موجود ولم يطلب منهم ليتحدثوا معي ))، لقد فات السيد بشير بأن الصحافة تعلم بأن لكل حزب مسؤولاً وهي ليست بعاجزة عن الاتصال به إذا رغبت بذلك.بموازاة الحملة التي يشنها السيد (بشير سعدي) علي منذ أكثر من عام، قامت (زوجته) هي الأخرى بدورها البارز وباسم ما يسمى(لجنة النساء الآشوريات) التي ترأسها، بالمساهمة بهذه الهجمة الرفاقية.حيث أقامت الندوات وعقدت الجلسات للتحدث عن الإساءة التي تزعم هي وزوجها ومن دار في فلكيهما من داخل وخارج المنظمة، بأنني تسببت بها للمنظمة وللشعب الآشوري عبر الكلمة التي ألقيتها باسم المنظمة في حفل تأبين شهداء الأكراد،وهي لم تكتف بهذا وإنما بعثت برسالة تهكمية باسم النساء الآشوريات الى المكتب السياسي للمنظمة تتهمني باللامسؤولية والانحراف السياسي والتخاذل القومي لأنني ظهرت  في الكلمة مدافعاً عن حقوق الأكراد وقضيتهم- لي الشرف أن أكون مدافعاً عن حقوق أي مجموعة سورية مضطهدة ولحق الغبن بها جراء سياسات النظام، كردية كانت أم عربية أم آشورية أم غيرها- وقد طالبت في رسالتها بفصلي من المنظمة عقاباً على ما أقدمت عليه. أتمنى أن يتحلى السيد (بشير سعدي) بالشجاعة والجرأة ويقوم بنشر تلك الرسالة على موقع المنظمة وغيرها من المواقع، ليطلع عليها الرأي العام، طالما تسلح  وافتخر بها، داعماً مطلبه بتجميد عضويتي في المنظمة.
أخيراً:أين باتت (المنظمة الآثورية الديمقراطية) من الديمقراطية إذا كانت اليوم، وبعد نصف قرن، مجرد مجموعة طائفية متشرنقة على ذاتها، تقاد من قبل السيد( بشير سعدي) و (السيدة  زوجته).. عذراً من كل دكتاتوريات الشرق على ما قلناه بحقها..!.

- الجزء الثاني: مصداقية المنظمة ومخاطر بقاء  بشير سعدي مسؤولا..

 سليمان يوسف يوسف
آشوري منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org[/b]

149
نعم: سوريا أولاً..
 
 2006 الخميس 4 مايو
 سليمان يوسف يوسف

 و.. أخيراً أثارت انتقادات الرئيس بشار الأسد

 لشعار (الأردن أولاً)، في مؤتمر الأحزاب العربية الذي انعقد في دمشق بداية شهر آذار الماضي، ردود أفعال سلبية في بعض الأوساط الأردنية التي رأت في كلام الأسد اساءة لبلدهم (الأردن)، بينما تشهد العلاقات السورية الأردنية فتوراً ملحوظاً على خلفية التباين في المواقف والرؤى من القضايا والملفات الإقليمية، خاصة بعد تحذير الملك الأردني (عبدالله الثاني) قبل أشهر من مشروع (الهلال الشيعي) الذي تقوده ايران في المنطقة. من دون الدخول في سجال حول أهداف وخلفيات صدور وثيقة(الأردن أولاً)، التي يرى فيها الأردنيون (مشروع نهضة واستنهاض) لبلدهم، أعتقد بأن هذا الشعار، وغيره من الشعارات المماثلة التي بدأنا نسمعها مؤخراً في العديد من دول المجموعة العربية(لبنان أولاً... عراق أولاً.. مصر أولاً ..)والتي يفهم منها تقديم (الوطني) على (القومي)، قد جاءت في سياق جملة تحولات فكرية وتطورات سياسية مهمة وكبيرة، عصفت بالعالم منذ نهاية القرن التاسع عشر وامتدت تأثيراتها الى منطقة الشرق الأوسط. هذه التحولات أحدثت انقلابا في الأفكار والمفاهيم، دفعت الكثيرين، دول وأحزاب وأفراد، الى اعادة النظر في شعاراتهم و مراجعة أطروحاتهم ومواقفهم السياسية القديمة التي ارتبطت بمرحلة تاريخية معينة وبأحزاب ذات ايديولوجيات شمولية، قومية كانت أم يسارية أم دينية، أساءت كثيراً للمفاهيم الديمقراطية ولحقوق الإنسان والمواطنة. و(سوريا) لم تسلم من هيمنة (الايديولوجيات الشمولية)، فهي عانت، وما زالت، من حكم واستبداد (نظام شمولي) لأقدم أحزاب القومية العربية (البعث العربي الاشتراكي)، الذي يسعى لإبقاء سوريا (قطراً عربياً)، دولة منقوصة السيادة والمكانة، ربط نهوضها وتقدمها بأوهامه القومية، وببقائه حزباً قائداً للدولة والمجتمع(المادة الثامنة) من الدستور الذي وضعه لنفسه.جاء في مقدمة الدستور:((في القطر العربي السوري واصلت جماهير شعبنا نضالها بعد الاستقلال واستطاعت عبر مسيرة متصاعدة أن تحقق انتصارها الكبير بتفجير ثورة الثامن من آذار عام 1963 بقيادة البعث العربي الاشتراكي، الذي جعل السلطة أداة في خدمة النضال لتحقيق بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد)).على أرضية هذه الايديولوجيا القومية وتحت شعاراتها الطوباوية، انغمست السياسة السورية طيلة المرحلة الماضية وبشكل كبير في القضايا الإقليمية، خاصة عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد(1970-2000)، الذي كان حريصاً على استمرار دوره الإقليمي والمزيد من النفوذ السوري في ادارة أزمات المنطقة، على حساب العديد من القضايا الداخلية الأساسية في مقدمتها قضية الديمقراطية والتنمية، وبحسب (باتريك سيل): ((كان(الأسد) يخشى من أن تتحول الديمقراطية الفعلية في الداخل السوري الى مصدر قلق وارباك لحكمه وتحد من طموحاته الإقليمية)).

لا شك، ظروف(الحرب الباردة) ساعدت في تحقيق بعض الطموحات الإقليمية لـ(الأسد الأب)، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفجيرات ايلول 2001، حصل تبدل مهم في توجهات وأهداف السياسة الدولية، خاصة تجاه(الشرق الأوسط) الذي منه انطلق منفذوا العمليات الإرهابية في كل من نيويورك وواشنطن، في سياق هذا التحول الكبير في السياسة الدولية جاءت الحملة الأمريكية البريطانية على المنطقة واحتلال العراق تحت عناوين مختلفة، وعزل سوريا وتجريد نظامها من أوراقه الإقليمية بدون مقابل. بدءاً من(الورقة الكردية) مع تركيا(حزب العمال الكردستاني pkk) الذي قاتل النظام التركي في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وقد سبب احتضان سوريا لزعيمه(عبدالله أوج آلان) في توتير العلاقة مع الدولة التركية وكادت أن تندلع حرب معها عام 1994، لولا تراجع سوريا عن موقفها وابعادها لـ(أوج آلان) عن أراضيها، وتوقيعها اتفاقية أمنية (اتفاقية أضنة) بشروط تركية، تخلت بموجبها سوريا عن المطالبة بـ(لواء اسكندرون)، كما نقلت بعض المصادر الصحفية.في حين كان يمكن أن تكون هذه الاتفاقية لصالح سوريا، خاصة في موضوع الخلاف على مياه نهر الفرات والعلاقات التجارية بين البلدين، حين كانت تركيا تسعى لنزع ورقة pkk من يد سوريا عبر التفاوض. كذلك الحال بالنسبة للورقة اللبنانية، حيث خرجت القوات السورية من لبنان في نيسان2005، قسراً تحت الضغط الدولي بموجب القرار 1559 الذي صدر عن (مجلس الأمن الدولي) بعد جريمة اغتيال الحريري، في مرحلة شهدت أسوأ العلاقات اللبنانية السورية، في حين لو خرجت القوات السورية من لبنان طوعاً وبموجب تفاهم لبناني سوري كانت ستحتفظ سوريا بأفضل العلاقات مع لبنان و كانت ستشعر كل اللبنانيين بأنهم مديونين لسوريا بوقفها الحرب الأهلية في لبنان.

بعد أن تلاشى (الحلم القومي العربي)، وتعاظمت أخطاء سياسات النظام التي جلبت لسوريا العزلة الدولية والعربية، في وسط العواصف السياسية والعسكرية الأمريكية والغربية التي تحيط بالمنطقة، يفترض أن تقوم (الطبقة الحاكمة) في سوريا بمراجعة مشروعاته السياسية وأطروحاتها القومية واعادة بناء علاقات سوريا مع العالم الخارجي على ضوء المصالح الوطنية العليا للبلاد، بعيداً عن الشعارات والعقائد المعلبة و المقولات والأفكار الايديولوجية والقومية الجامدة التي انهزمت أمام تحديات الواقع.والعمل على عقلنة (الفكر الوطني) وبما يؤسس لمرحلة سياسية وثقافية جديدة في سوريا، عنوانها: من أجل (سوريا أولاً وأخيراً)، عمادها (الوطنية) بدل القومية و(الديمقراطية) بدل الاستبداد. و من أجل مجتمع سوري تعددي ديمقراطي ليبرالي علماني، آمن ومستقر، يقوم على العدل والمساواة والقانون وفصل السلطات وتوزيع عادل للثروة، مجتمع تقوم فيه مؤسسات المجتمع المدني بمراقبة السلطة وأداء الحكومة ومحاسبة المسيئين والمفسدين عبر إحالتهم الى قضاء مستقل ونزيه. مجتمع تتحرر فيه (حقوق الإنسان) و(حقوق المواطنة)ومفهوم (الوطنية) من ثقافة السلطة وقوانينها.أن سوريا أحوج ما تكون اليه في هذه المرحلة هو: دستور وطني جديد ينهي احتكار الحكم من قبل البعث ويفسح المجال أمام التداول الديمقراطي للسلطة، دستور يعيد للمجتمع السوري، الذي يتصف بالتنوع القومي والديني والمذهبي، توازنه السياسي والثقافي والاجتماعي، وبما يعزز(الانتماء الوطني) الذي تراجع أمام الانتماءات الإثنية والدينية والمذهبية والقومية التي برزت وبقوة في السنوات الأخيرة وهي تحمل معها مخاطر تفكك (الهوية الوطنية) لسوريا وتشرذم المجتمع السوري، في أجواء و مناخات إقليمية يخيم عليها شبح الصراعات العرقية والمذهبية.

على ضوء ما تشهده الساحة السورية مجدداً هذه الأيام من تشديد الخناق على الحراك الديمقراطي واعتقال نشطاء المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان و ناشطي المجتمع المدني، لا يبدو أن النظام هو في وارد التراجع عن سياساته القديمة وعن العقلية الأمنية التي يحكم بها سوريا والنظر في قضية الحريات والديمقراطية والمعتقلين السياسيين وحقوق القوميات الغير عربية (آشوريين وأكراد) وغيرهم. إذ من الواضح أن النظام أدار ظهره لقضايا الداخل ولحاجات المجتمع السوري، فهو منشغل بالدرجة الأولى بإعادة ترتيب أوراقه الإقليمية من جديد والبحث عن أوراق بديلة، ذات طابع اسلامي (حماس، حزب الله، ايران) بعد أن فقد الأمل والثقة بالنظام القومي العربي.

كاتب المقال سوري آشوري مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org [/b][/size] [/font]
 

150
                                           بيان الى الرفاق في المنظمة الآثورية الديمقراطية

في الوقت الذي كان ينتظر شعبنا الآشوري(سريان/كلدان)،في سوريا والمهجر، من المنظمة الآثورية الديمقراطية أن تعمق وتوسع خطوتها المتواضعة باتجاه انفتاحها على القوى الوطنية و ترسيخ حضورها السياسي والقومي على الساحة السورية والآشورية، استعداداً لمواجهة الاستحقاقات والتحديات التي تحملها هذه المرحلة الصعبة،يسعى بعض المتسلطين والمتنفذين في قيادة المنظمة ولأغراض ومصالح خاصة لافتعال أزمات ومعارك هامشية داخل المنظمة بقصد ابعادها عن مهامها وأهدافها الأساسية،وبغية إقصاء من يختلفون معهم في الرأي وآليات العمل ووجهات النظر حول بعض القضايا الوطنية والقومية، مستفيدين من شبكة العلاقات الاجتماعية والأطر التقليدية القائمة على المصالح والنزعات المشتركة، التي بدأت تبتلع الهيئات والتشكيلات التنظيمية وتطغى عليها.وأكثر ما تتجسد، هذه الظاهرة السلبية والمرضية،بسلوك وممارسات مسؤول المكتب السياسي (بشير سعدي) الذي يسعى مع بعض الرفاق في القيادة قلب الحقائق و تكريس هذه الظاهرة الخطيرة في حياة المنظمة وجعلها نهجاً تسير عليه وآليات عمل تعتمدها في معالجة مشاكلها،أوصلت المنظمة الى ما هي عليه اليوم من مستوى ضحل ومستهجن في مقاربتها لمشاكلها ومعالجتها للخلافات والأزمات التي تعترض مسيرة نضالها من حين لآخر. وقد تجلى ذلك بوضوح تام في الاجتماع الاستثنائي لأعضاء اللجنة المركزية المتواجدين في سوريا، والذي دعا اليه مسؤول المكتب السياسي بقرار انفرادي متجاوزاً حقوقه وصلاحياته ومستهتراً بالنظام الداخلي.في هذا الاجتماع فجر الأزمة التي خطط لها وبطريقة استفزازية،حيث هدد بالاستقالة وترك المنظمة ما لم يأخذ المجتمعون بقراراته ورغباته التي رفضها المكتب السياسي قبل أيام في اجتماع سابق له بكامل أعضائه. فبدلاً من الدخول في حوار ديمقراطي مسؤول حول قضايا الخلاف وتوسيعه ليشمل لجان المكتب السياسي والفرع للخروج بحلول توافقية مناسبة، حول مسؤول المكتب السياسي بأسلوبه الاستفزازي المستهجن الاجتماع الى حلبة صراع وجلسة محاكمة وشتائم وتخوين وتشكيك استطاع، بعد رضوخ المجتمعون الى استفزازاته وتهديداته، تمرير قراراته وتحقيق غاياته ورغباته المشبوهة، مما دفعنا الى الانسحاب من عضوية المكتب السياسي واللجنة المركزية احتجاجاً، عبر بيان أصدرناه أوضحنا فيه خلفية وحقيقة الأزمة التي افتعلها مسؤول المكتب السياسي، آخذاً من الكلمة التي ألقيناها في حفل تأبين ضحايا الأكراد في أحداث آذار ذريعة له. وما يؤكد صوابية رؤيتنا وتحليلنا لهذه الأزمة، هو سكوت القيادة على اشتراك كل من السيد (بشير سعدي)و( كبرئيل موشي كورية) في (الاعتصام الكردي) بدمشق في ذات اليوم( 12 آذار) وبذات المناسبة وبدون موافقة مسبقة من المكتب السياسي. وبدلاً من أن يكلفنا (المكتب السياسي) الناقص والمشلول، بمهام جديدة داخل هيئات المنظمة ويدعو الى اجتماع استثنائي بأقصر وقت ممكن للجنة المركزية وبكامل أعضائها لبحث ومناقشة الأزمة وتداعيات انسحابنا من عضويتها واستكمال أعضائها من المرشحين في المؤتمر العام الأخير وانتخاب مكتب سياسي جديد كامل العضوية، فضل بقاء الأوضاع على ما هي علية من خلل تنظيمي وأزمات فكرية وسياسية حادة تعصف بالمنظمة، لأن يبدو أن القائمين عليها مهتمين وحريصين على سمعة ومكانة مسؤولهم(بشير سعدي) أكثر من مصير ومستقبل المنظمة، وهي تعاني من انحسار تنظيمي وتفشي ظاهرة البطالة الفكرية والسياسية بشكل كبير ومخيف في صفوفها. وسرعان ما اجتمع ما تبقى من أعضاء المكتب السياسي واتخذوا قرار يقضي بتجميد عضويتنا في المنظمة على خلفية بياننا المذكور، خلافاً للنظام الداخلي الذي يحدد في (باب العقوبات) أن قرار تجميد عضو المكتب السياسي هي من حق وصلاحيات اللجنة المركزية حصراً،إذ لا يحق لهيئة أدنى أن تتخذ أي اجراء بحق أي عضو منتخب من هيئة أعلى منها. وبقراره الغير شرعي هذا، الذي نرفضه شكلاً ومضموناً، خاصة أنه صدر عن مكتب سياسي ناقص، صعد الرفاق من وتيرة الأزمة المفتعلة واضعين الزيت على النار.ومن المستغرب والمستهجن حقاً أن لا نبلغ بقرار التجميد بشكل رسمي وفق الأصول التنظيمية بالرغم من مرور أكثر من خمسة عشرة يوماً عليه، في الوقت الذي يتم تداوله من قبل عامة الناس في المجتمع، حيث يروج له قياديي المنظمة وكأنهم به نالوا الحقوق القومية للشعب الآشوري وحققوا انتصاراً مهماً وتاريخياً للشعب الآشوري على أعداءه، كل هذا يأتي في سياق التضليل على الراي العام وابعاده عن حقيقة المشكلة وفي سياق حملتهم المغرضة علينا.فاتهم أن سمعتنا ومكانتنا داخل المنظمة وبين شعبنا وجماهيرنا وعلى الساحة القومية والوطنية أعظم من أن تنالها مثل هذه الأساليب والألاعيب الرخيصة.أمام هذا الموقف الحرج الذي جرنا اليه مسؤول المكتب السياسي بعنجهيته، نؤكد لرفاقنا في مختلف هيئات ومقاصل المنظمة، أن هذه الممارسات والاجراءات اللاشرعية لن تثنينا عن القيام بواجباتنا ومسؤولياتنا القومية والوطنية، ومن الاستمرار في نشاطنا التنظيمي والثقافي والسياسي، داخل المنظمة وخارجها. كما نؤكد على أن تجربتنا السياسية والتنظيمية التي تمتد لسنوات طوال لا يمكن لها أن تمحى أو أن تشطب عبر تجميد عضويتنا بجرة قلم من أية جهة أو شخص كان، ونحن في ذروة عطائنا وحماسنا في الدفاع عن قضية شعبنا وحقوقه وعن مكانة المنظمة، متحررين من المصالح الضيقة والأنانيات القاتلة التي بدءنا نتلمسها في سلوك بعض الرفاق في القيادة. ختاماً: أصدرنا هذا البيان لشرح حيثيات وخلفيات الأزمة الراهنة التي تعصف بالمنظمة الآثورية الديمقراطية مجدداً ووضع الحقيقة بين أيدي رفاقنا. نحمل القائمين على المنظمة مسؤولية استمرار هذه الأزمة  وما سينجم عنها من آثار ونتائج، سياسية وتنظيمية سلبية.
 
 عضو المكتب السياسي                                                                               نائب مسؤول المكتب السياسي
   سليمان يوسف                                                                                                 كبرو شالو

سوريا- القامشلي 2-5- 2006


151
دعوة من الكاتب: سليمان يوسف

في تموز القادم تدخل (المنظمة الآثورية الديمقراطية) عامها الخمسين ويحتفل الآثورييون بعيد اليوبيل الذهبي لمنظمتهم، أول فصيل سياسي آشوري في العصر الحديث، في سوريا والعالم.
بهذه المناسبة أدعو كل الغيورين على مستقبل المنظمة وعلى (حركة التحرر الآشورية) عامة، والحريصين ليس على بقاء المنظمة الآثورية الديمقراطية فحسب، وإنما على ضرورة أن تتطور وتتقدم نحو الأهداف التي وجدت من أجلها، وأدعو بشكل خاص الذين ابعدوا عنها قسراً أو تركوها احتجاجاً على ظلم لحق بهم أو على سلوك وممارسات خاطئة مورست من قبل هذا القيادي أو ذاك المسؤول، أدعوهم للكتابة، وبدون تحفظ،عن تجربتهم السياسية والتنظيمية والثقافية فترة وجودهم داخل المنظمة وتشخيص الظواهر السلبية التي رافقت هذه التجربة وقراءتهم لراهن ومستقبل المنظمة، وفتح كل الملفات القديمة والجديدة المتعلقة بالأزمات التي  واجهتها عبر مسيرتها الطويلة وأهم التحديات التي تواجهه في هذه المرحلة، وطرح الحلول التي قد تساعدها على الخروج من محنتها ومن الدائرة المغلقة التي بدأت تضيق عليها شيئاً فشيئاً.

إن مسؤوليتنا التاريخية والقومية تجاه المنظمة واتجاه الشعب الآشوري(سريان/كلدان) الذي طالما تحدثنا باسمه ودافعنا عن قضيته وحقوقه، تقتضي ان نجيب على جملة تساؤلات يتناولها الشارع الآشوري في سوريا والمهجر: لماذا تبتعد أو ُتبعد وباستمرار الكوادر النوعية عن المنظمة بعد سنوات طوال من العمل والتفاني  ويتمسك بها أشخاص  معدودة  دون غيرهم متهمون اليوم من قبل الكثيرين بالانتهازية والوصولية وعدم النزاهة والمصداقية..؟
لماذا لم تسمع أو تعلم معظم الأحزاب السورية بالمنظمة الآثورية إلا قبل سنوات بالرغم من مرور نصف قرن على تأسيسها..؟ ولماذا انحسرت المنظمة وتراجعت الى هذا المستوى المتدني وارتفعت نسبة البطالة السياسة داخل المنظمة الى أكثر من 90% ؟ 
لماذا بدأت كـ(حركة قومية) وانتهت بعد خمسين عاماً الى حركة طائفية أو بالأحرى الى (مجموعة طائفية) تكاد تنحصر في أتباع كنيسة (السريان الأرثوذكس) مع قلة قليلة من الكنيسة الآشورية الشرقية؟ ومن ثم لماذا فشلت المشاريع الاقتصادية التي قامت بها المنظمة وبقيت تعاني من وضع مالي سيء ..؟
كل هذه الأسئلة وغيرها، أجد من الضرورة والأهمية، بعد نصف قرن مضى على تأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية، أن نبحث معاً على إجابات واضحة محددة لها، وأن نلقي نظرة  شاملة و موضوعية من الداخل والخارج على هذه المنظمة، خاصة بعد أن فشلت في أن تصبح حزباً أو مشروعاً قوميا (آشوريا) جامعاً موحداً، يساهم في استنهاضه أبناء (الأمة الآشورية) من مختلف مذاهبها وطوائفها الكنسية ومن مختلف مناطق تواجدهم.

مع التأكيد بأن الهدف الأساسي من دعوتنا لفتح ملفات المنظمة الآثورية الديمقراطية في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة من تاريخ شعبنا الآشوري-التي هي بنظر البعض ملفات داخلية تخص المنظمة وحدها يجب أن لا تفتح  وعدم نشرها على الراي العام- هو مصلحة المنظمة أولاً وأخيراً, وليس الانتقاص من مكانتها، كما قد يظن البعض، بعد أن أعلنت مع الأخ (كبرو شالو) الانسحاب من المكتب السياسي واللجنة المركزية مؤخراً.
إذ من المهم جداً أن نقف وبجدية عند الظواهر السلبية في حياة المنظمة الآثورية الديمقراطية، أملاً  بتجاوزها من جهة وتشخيص مخاطر العقلية الانتهازية والإقصائية التي تهيمن وتتحكم بالمنظمة منذ سنوات طوال والتي شكلت وتشكل خطراً حقيقياً على مستقبلها السياسي إذا ما استمرت في موقع القيادة والقرار، تلك العقلية التي كانت سبباً،ومازالت، في ابعاد وإقصاء بشكل أو بآخر العشرات، لا بل المئات، من كوادر المنظمة المخلصة والمعطاءة منهم: الدكتور المرحوم سنحاريب شابو، آدم دانيال هومي، كبرئيل افرام، الياس شاهين، صليبا مراحة، نينوس آحو، جاك اسكندر، جان مالول، سمير افرام، زهير عبدو، وغيرهم كثر واليوم نحن وغداً آخرون سيلحقون بقوافل المبعدين.

ملاحظة: اعتباراً من شهر ايار المقبل وحتى 15 تموز عام 2007،عيد اليوبيل الفضي لتأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية، سأنشر ملف عن المنظمة على حلقات سأتناول فيها العديد من الظواهر السلبية، كما عايشتها ووجدتها  تتعلق بالنواحي السياسية والفكرية والتنظيمية والاجتماعية والمالية....

ونشكر كل من يمدنا بمعلومات ذات قيمة سياسية أو معرفية أو تنظيمية وحتى اقتصادية (مالية) تفيدنا في دراستنا هذه حول المنظمة لنشرها باسمه، إن رغب، في سياق الموضوعات المطروحة بغية الدقة والتوثيق والإفادة.

ويمكنكم ارسال معلومتكم على البريد التالي، وباللغة العربية : shosin@scs-net.org

 الكاتب: سليمان يوسف
المنسحب من عضوية المكتب السياسي واللجنة المركزية في المنظمة الآثورية الديمقراطية
سوريا- القامشلي[/b][/size][/font]

 

152
تركيا المذنبة: هل ستحرم من الفردوس الأوربي..؟
سليمان يوسف يوسف 
2006 الإثنين 24 أبريل
 
يقول الباحث الآشوري التركي (صبري اتمان): ((عام 1914 كان عدد سكان تركيا بحدودها الحالية حوالي 14، 5 مليون نسمة، منهم 4، 5 مليون مسيحيي، أي أكثر من 30% من النسبة الاجمالية للسكان، أما اليوم نسبتهم لا تتجاوز 0، 1%. ... أين وكيف اختفى مسيحيو تركيا..؟ يضيف(اتمان): الجواب لدى زعماء الأتراك حينذاك، اللذين وجدوا في الحرب العالمية الأولى فرصتهم للتخلص من (الشعوب المسيحية) الواقعة تحت حكمهم والتي وصفوها بـ (الأعشاب الضارة)، ولأجل هذا قاموا بتنظيم قوى الظلام الكردية مستغلين العامل الديني وبدأوا معاً بعمليات ابادة فظيعة ضد الأرمن والآشوريين واليونان، ولم ينجو من القتل والتهجير القسري الا من اعلن اسلامه...
بهذا تكون (الدولة التركية) الحديثة قد قامت على دماء الأبرياء المسيحيين..)). وفي السياق ذاته، يروي (هنري مورغنطاو)- السفير الأمريكي في تركيا آنذاك- في كتاب له ( قتل أمة): كيف كان الجنود العثمانيين ورجال القبائل الأكراد يقتحمون البلدات والقرى المسيحية يقتلون الرجال والنساء والأطفال من دون تمييز مع حرق كامل لبيوتهم...
يضيف: دفع التعصب الديني عند الغوغاء والرعاع الأتراك ومن معهم من الأكراد لذبح معظم الأمم المسيحية (آشوريين/سريان واليونان والروم أحفاد البيزنطيين التابعة لهم الى جانب الأرمن)). لسنوات، كان الخطاب التركي الرسمي ينفي وقوع ( الهولوكوست الأرمني)، مستنداً الى النظرية التركية التقليدية القائلة: إن ما جرى للأرمن والمسيحيين المتمردين المدعومين من القوات الروسية يحصل خلال كل الحروب.
لكن بعد التطورات والتحولات السياسية المهمة التي أصابت العالم منذ سقوط (الاتحاد السوفيتي) وانتهاء الحرب الباردة التي قللت من أهمية الدور التركي في حلف (الناتو) وحصول ارمينيا السوفيتية على استقلالها 1990، طرأ تحول مهم على الموقف التركي من هذه القضية وتجاوزت كل التحفظات السابقة.
فقد بادرت الدولة التركية لفتح نقاش علني حر داخل تركيا حول مسألة المذابح، كما خطت الاوساط الاكاديمية التركية، الاكثر معارضة لوصف المجازر بأنها "ابادة"، خطوة أولى بهذا الاتجاه بعقدها في آذار الماضي مؤتمر عالمي في اسطنبول، حول العلاقات الأرمنية السريانية ومناقشة قضية المذابح. واللافت في هذه الحوارات ازدياد عدد الاتراك المطالبين بالاعتراف التركي بالابادة وبروز من يقر بوقوع (الإبادة) منهم الروائي (اروخان باموق) والمؤرخ ( خليل بركتاي) الذي وصف أحداث 1915 بالتطهير العرقي، وقال: كان يوجد (منظمات سرية) حكومية تركية، لتنفيذ سياسية التطهير العرقي المقررة، من قبل (أنور وطلعت وجمال) قادة الاتحاد والترقي...
و أن (قرار الإبادة)، الذي اتخذ في 24/نيسان عام 1915، كان في أصله تطهيراً عرقياً، ولم تكن عمليات التطهير محصورة بمنطقة الحرب في شرق الأناضول فقط. وقد استخدموا في تنفيذ عمليات التطهير (الكتائب الحميدية) التي ضمت العديد من العشائر الكردية، لهذا يقول الاتراك: نحن لم نقتل... الأكراد هم الذين قتلوا، في حين الحقيقة أن الأكراد كانوا بإمرة العثمانيين.
هذا وقت أثارت تصريحات( بركتاي)هذه، ردود فعل واسعة وسجالاً حامياً في شأن مسؤولية تركيا عن مذابح الأرمن ومدى قبولها في الاتحاد الأوربي. مما دفع برئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) بتوجيه دعوة الى تشكيل لجنة من باحثين تاريخيين لتقصي الحقائق. ومن جانبه قال الرئيس الأرمني (روبرت كوتشاريان): في احياء الذكرى التسعين للابادة:
ان الاعتراف الدولي بالابادة الجماعية وادانتها هدف يجب ألا تسعى اليه ارمينيا وحدها... ارمينيا مستعدة لإقامة علاقات طبيعية مع تركيا، لكن ليس قبل أن تعترف بمسؤوليتها عن ابادة الأرمن.
وقد كثف الأرمن من حملتهم العالمية، مستفيدين من المناخات الإقليمية والدولية، لحمل تركيا على الاعتراف بمسؤوليتها التاريخية (السياسية والقانونية) عن (الهولوكوست الأرمني)، وبما يترتب على ذلك من حقوق وتعويضات.
وقد نجح الأرمن حتى الآن في اقناع 12دولة أوربية بإصدار قانون يعترف بالابادة، منها: اليونان فرنسا سويسرا إنكلترا ودولة الفاتيكان. لا شك، رغبة العديد من الدول بعدم تعريض مصالحها الاقتصادية للخطر مع تركيا، يحول دون اعترافها بالمذبحة.
ويركز الأرمن حملتهم اليوم تجاه امريكا مستفيدين من فتور العلاقة التركية الأمريكية لاستصدار قانون من الكونغرس الأمريكي يعترف بالابادة. ويفسر العديد من المراقبين: ذهاب تركيا بعيداً في علاقتها مع اسرائيل محاولة منها لمنع صدور مثل هذا القانون الأمريكي ولتخفيف من الضغوط الدولية عليها بسبب القضية الأرمنية، التي استمدت زخماً جديداً، بعد أن وضعت الدول الأوربية اعتراف تركيا بالمذابح واحترامها للديمقراطية وحقوق الأقليات شرطاً لقبولها في (الاتحاد الأوربي).
وإن كان يشكك بعض المثقفين الأرمن (هرانت دينك، رئيس تحرير صحيفة (أغوس)الصادرة في تركيا باللغة الأرمنية) بالسياسة الأوربية، فهؤلاء لا يرون في موقف الدول الأوربية سوى (استثمار سياسي) لقضية المذابح لعرقلة دخول تركيا الاتحاد الأوربي وليس دفاعاً عن القضية الأرمنية. فهل ستحرم تركيا من دخول الاتحاد (الفردوس)الأوربي بسبب ذنوبها التاريخية بحق المسيحيين؟.

 سوري آشوري مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org[/b][/size][/font]

 

153
تصريح: على دعوة لحضور ندوة سورية في لندن

 

تلقيت اليوم دعوة  من  (اللجنة السورية للتنسيق الوطني في أوربا)، عبر البريد الإلكتروني، لحضور والمشاركة، مع مجموعة من المثقفين والكتاب السوريين  في ندوة (فكرية سياسية) تعقد في لندن يوم 15-4-2006  تحت عنوان (( مستقبل سوريا السياسي بين تشتت المعارضة وتصلب النظام)).

أود التأكيد على أنني ومن حيث المبدأ أرحب بالدعوة ولا تحفظ أو مانع لدي من حضور والمشاركة في أي مؤتمر أو ندوة تعقدها قوى وطنية سورية في الداخل أو الخارج على أن يكون هدفها الأساسي مصلحة الوطن أولاً وأخيراً وبعيدة عن كل الشبهات واملاءات الخارج.

حيث أننا نعيش في عالم متغير ومفتوح ومتداخل، يستحيل الفصل فيه بين ما هو داخل وما هو خارج أو عزل الداخل السوري عما يجري في الخارج. خاصة وعدد السوريين الذين يقيمون في الخارج الأوربي والأمريكي يقدرون بالملايين ألا يحق لهم عقد جلسات حوارية بينهم يتباحثون فيها شؤون وطنهم ومستقبله. أعتقد بأن علينا كسوريين (سلطة ومعارضة) أن نشجعهم على ذلك ونشاركهم حواراتهم... لأن في ذالك فائدة سياسية ووطنية. وربما حضورنا كمثقفين من الداخل مثل هذه الندوات تفيد أخوتنا في الخارج في تصحيح  بعض المعلومات المغلوطة لديهم وننقل لهم صورة موضوعية وواقعية عما يجري في الداخل السوري .لكنني اعتذر عن الحضور لأسباب خارجة عن إرادتي.فالدعوة جاءت متأخرة جداً ، ثم ممنوع علي من السفر خارج البلاد  لأسباب سياسية ، وذلك بعد عودتي من جولة أوربية قمت بها عام 2004.

 

 

 

الكاتب الآشوري

 

 سليمان يوسف يوسف

سوريا

12-4-2006

 

154
سوريا: هل مضت جمهورية الخوف؟
 
 سليمان يوسف يوسف
2006 الجمعة 7 أبريل

 في الآونة الأخيرة، كثرت اتصالات الأجهزة الأمنية تسأل عني، لدرجة أوصيت أفراد أسرتي في حال كان السائل رجلاً  لا يتحدث (السريانية)- عذراً من أصدقائي العرب والأكراد وهم كثر- أجيبوه فوراً بأنني غير موجود.لكن المشكلة أن أولادي، وجميعهم في سن الطفولة، لم يتعلموا فن الكذب بعد، لهذا من السهل على (المخابرات السورية) اختراق الاجراءات والاحتياطات الأمنية المتبعة في المنزل. رن الهاتف...ألو... بابا بالبيت... نعم... بابا رد ... ألو...أستاذ (سليمان)...نعم  خيراً ...معك أبو(...) من أمن الدولة: عليك مراجعة قسم التحقيق في الفرع حالاً...! هكذا وبصيغة (الأمر العسكري) تحدث معي.مع أن كل طلبات (الجهات الأمنية) في سوريا هي أوامر عسكرية غير قابلة للنقاش،لكن لا أعرف ما الذي جعلني أشعر هذه المرة بأن رنة الهاتف كانت بمثابة ( صفارة انذار) واستنفار مخابراتي علي.
 خشية من أن يأتوا ويأخذوني موجوداً وبالقوة،كما يحصل في هذه الأيام مع غالبية النشطاء السياسيين المعارضين،على الحال غادرت المنزل سيراً على الأقدام أبحث عن فرع (أمن الدولة) في مدينتي (القامشلي).ذهبت الى أول مبنى للمخابرات فإذا به فرع ( الأمن السياسي) تابعت المسيرة وصلت الى مبنى أمني آخر فإذا به (الأمن العسكري)،تابعت رحلة البحث، من غير أن أمر على (الأمن الجوي) بحكم وجوده في مطار المدينة، أخيراً دلني المارة على فرع ( أمن الدولة)، وهم خائفين. طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي تطلبني المخابرات، ولكنني أحاول دوماً أن أنسى في مدينتي الصغيرة يوجد العديد من (الفروع الأمنية)،تحمل جرحاً أليماً في ذكريات الكثير من أبناء المدينة وزرعت الخوف في قلب كل من يتعاطى السياسة والشأن العام، في حين لا يوجد في (القامشلي) سوى (مركز ثقافي عربي) يتبع لحزب (البعث) الحاكم،لا يسمح فيه نشاطاً إلا باللغة العربية، والقامشلي تتحدث بأربع لغات وطنية.
في فرع (أمن الدولة) أخذني موظف الاستعلامات الى قسم التحقيق، حيث بلغوني بأن علي أن اراجع (دائرة أمن الدولة) بدمشق فرع (300 )في الساعة العاشرة من صباح يوم التاسع والعشرين من آذار أي بعد أقل من 48 ساعة من تاريخ ابلاغي، طبعاً من غير أن استشر فيما إذا كنت قادراً على السفر خلال هذه المدة القصيرة والقامشلي تبعد عن دمشق عشرة ساعات سفر في السيارة.على أية حال، وقعت على تصريح التبليغ وغادرت الفرع عائداً الى المنزل مهموماً، أسأل نفسي: ماذا وراء هذا الاستدعاء الأمني ؟ ولماذا الآن..؟. هل من خطوط حمر ، وما أكثرها في السياسة السورية، قد تجاوزتها في تصريحاتي أو مقالاتي من غير أن أعرف...ربما؟. بالرغم من أنني كنت مطمئناً الى حد ما من عدم وجود ما يستوجب اعتقالي، لكن في سوريا هذا غير كافي لكي يطمئن المرء على نفسه من الاعتقال والحبس ومن شر الأجهزة الأمنية. فكثيرون قبعوا في السجون وفروع التحقيق لسنوات طوال من غير أن يعرفوا سبب اعتقالهم وخرجوا من غير أن يقدموا الى القضاء.لهذا كنت أخشى أن يخبأ هذا الاستدعاء لي مكروهاً(سجناً أو تعذيبً)،خاصة وهي المرة الأولى التي استدعى الى التحقيق في العاصمة( دمشق)،وهو الخوف الذي يقبع ويعشعش في قلب كل كاتب أو صحفي أو ناشط سياسي سوري معارض وممن يتعاطون في الشأن العام، إذا ما استدعته ( المخابرات).وقد زادني الرقم(300) قلقاً، فأنا لا أفهم بلغة الأرقام ورموز الاستخبارات وماذا تعني هذه الأرقام مهنياً ولا بأي نوع من صنوف وفنون التعذيب هي مختصة.
بدون تردد في اليوم التالي غادرت (القامشلي) ليلاً، تاركاً الأسرة في قلق بالغ على مصيري، متوجهاً الى (دمشق) العاصمة،حيث مقر جميع أجهزة المخابرات السورية ومركز كل القرارات والأوامر وحيث الغرف والمكاتب المغلقة التي فيها ترسم السياسة السورية وتحدد الخطوط الحمر والصفر والخضر وتقرر مصير البلاد والعباد. في إحدى هذه الغرف والمكاتب أدخلوني وجرت مجريات الاستجواب والتحقيق ومن ثم ( الحوار). اللذين قابلتهم ثلاث أشخاص: موظف مدني وعميد في (الأمن الداخلي) واللواء ( رئيس الإدارة).للتاريخ أقول: جميعهم كانوا لطفاء معي واستقبلوني بطريقة حضارية مهذبة جداً، لدرجة أشعروني بأنني في زيارة لأشخاص أعرفهم منذ زمن وليسوا بكبار رجالات وجنرالات الأمن السوري اللذين اشتهروا بهيبتهم وقسوتهم.أن يقوم اللواء (رئيس الإدارة) من كرسي المسؤولية والموقع الرسمي له ليستقبلك ويجلس بجانبك, ظاهرة لم نعتاد عليها في سوريا من قبل، لم نجدها لدى المسئولين المدنيين فكيف بالعسكريين.ما لقيته في (ادارة أمن الدولة) من حسن الاستقبال والمعاملة الحضارية، هو مؤشر على أن ثمة تحول مهم في سلوك الأجهزة الأمنية وطريقة تعاطيها مع الناشطين السياسيين المعارضين.طبعاً الأساس في هذه القضية أن لا تبقى هذه الظاهرة الايجابية مجرد مبادرات شخصية تتعلق بالأخلاق الرفيعة والخصال الحميدة للأشخاص و تنتهي بتغييرهم، أو مجرد سياسة تكتيكية مرحلية تفرضها ظروف وضرورات المرحلة.فالمهم هو أن تعمم هذه الظاهرة وتتحول الى نهج وآليات عمل مؤسساتي لجميع الأجهزة الأمنية والحزبية، تكون مقدمة لمرحلة وحياة سياسية جديدة في سوريا ومؤشر واعد على انتهاء زمن (جمهورية الخوف) التي بناها الاستبداد طيلة الحقبة الماضية والأمل بانتقال سوريا من (دولة أمنية) الى (دولة مدنية ديمقراطية)، وأن تعود الى سابق عهدها (جمهورية مدنية دستورية) تحكم بالقانون والدستور والقضاء المستقل، بعيداً عن قوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية.
في البداية، كان اللقاء مع (د.عميد) في (جهاز الأمن الداخلي) بحضور موظف مدني،امتد الحديث لساعات، وإن غلب عليه طابع الحوار والنقاش الهادئ لكنه كان استجواباً وتحقيقاً،حيث كان يدون الموظف المدني بعض من أجوبتي حول موضوعات تتعلق بالمنظمة الآثورية الديمقراطية التي انتمي اليها وبنشاطاتي السياسية وكتاباتي وعن جولتي الى أوربا وحضور (ندوة لندن) التي نظمها (المعهد الملكي البريطاني) للدراسات السياسية عام 2004.لا شك،مهما كان الحور رفيعاً ومفتوحاً مع رجالات الأمن يبقى في النهاية استجواباً يحمل شيء من الإكراه وبالتالي يفتقر الى أحد أهم مقومات وشروط الحوار الديمقراطي المتوازن. لكن،نظراً للتماثل والارتباط الوثيق بين المؤسسة (السياسية /الحزبية) والمؤسسة (الأمنية/العسكرية) في سوريا- لا بل هيمنة المؤسسة العسكرية على السياسية-
 يجب عدم التقليل من القيمة الوطنية أو الفائدة السياسية،للحوارات واللقاءات بين شخصيات من المعارضة السورية وجنرالات الأجهزة الأمنية، وإن جاءت هذه اللقاءات عبر الاستدعاءات الأمنية،فهي بشكل أو بآخر نوع من الحوار الغير مباشر بين (السلطة) و(المعارضة) التي أقر العميد بها وبوطنيتها.وحين ذكرت له بأن هذه المعارضة التي يصفها بالوطنية،نعتت بالخيانة والعمالة والتجسس لإسرائيل والخارج وبطش بها من قبل طلبة بعثيين وعناصر أمنية أمام ضباط الشرطة وكبار موظفي وزارة العدل، اثناء الاعتصام السلمي الذي نظمته في التاسع من آذار الفائت امام القصر العدلي لمجرد مطالبتها برفع (حالة الطوارئ)، قال معقباً:مثلما نحن نعترف بوجود، في السلطة، اشخاص سيئين وانتهازيين، كذلك على المعارضة الوطنية أن تعترف بوجود أطراف أو اشخاص مسيئة لا تهمها مصلحة الوطن،وعندما طلبت منه تحديد هذه الأطراف المندسة في المعارضة الوطنية، لم أسمع جواباً واضحاً.
بالنسبة للقاء مع اللواء( رئيس ادارة أمن الدولة)جرى بحضور العميد، بدون الموظف المدني،كان قصيراً نسبياً، لكنه كان بحق حواراً متبادلاً.استفسر  اللواء عن طبيعة الضغوطات والمضايقات التي تتعرض لها المنظمة وعن رؤيتها لمستقبل سوريا ومواقفها من ما يجري في الداخل والخارج وتوجهات المنظمة بعد صدور قانون الأحزاب الذي لن يرخص لأحزاب آشورية وكردية ودينية.وقد أكدت في حديثي على النهج الوطني للمنظمة الآثورية الديمقراطية وحرصها الشديد على الوحدة الوطنية، لأن في الفوضى وزعزعة استقرار سوريا سيكون الآشوريين والمسيحيين عامة أكثر فئات الشعب السوري تضرراً والحالة العراقية نموذجاً.وأوضحت طبيعة الغبن والاضطهاد الذي لحق بالآشوريين(السريان) السوريين جراء السياسات الخاطئة لحزب البعث الحاكم وسياسة الاستبداد القومي التي يمارسها والتي أدت الى هجرة أكثر من ربع مليون آشوري(سرياني/كلداني) من الجزيرة السورية منذ استلامه السلطة عام 1963.وتوقفت عند مخاطر استمرار الدولة السورية في تجاهل حقوق الإنسان الآشوري في وطنه و بقاء تعاطيها مع التراث والحضارة الآشورية(السريانية ) بعقلية سياحية ( الترويج السياحي) وليس بدافع الغيرة والحرص الوطني على هذا التراث السوري الأصيل واحيائه وتحبيبه بالمواطن السوري،وتأثيرات ذلك على استقرار الآشوريين(سريان/كلدان).إذ هناك خشية حقيقة، إذا ما استمر البعث الحاكم في توجهاته السياسية ولثقافية والاقتصادية والاجتماعية الخاطئة، من أن يأتي يوم نرى فيه سوريا (الموطن الأول للسريان الآشوريين والتي تحمل اسمهم) من غير آشوريين وقد خلت من هذا المكون السوري الأصيل.الجميع كانوا يصغون بشكل جيد للحديث، وأعتقد بأنهم تفهموا   هواجس المنظمة. وعن قضية، المعتقل (يعقوب حنا شمعون) منذ أكثر من عشرين عاماً في سجن صيدنايا، سمعت منهم كلاماً ايجابياُ ومشجعاً.و اللافت أنهم لم يعد يدافعوا، كما كانوا في السابق، بالمطلق عن ممارسات الأجهزة الأمنية وعن سياسات حزب البعث، إذ بدءوا يقرون ببعض الأخطاء ويدافعون عما يرونه هم في الصالح العام وأمن الوطن.
بدا واضحاً أن هذا الاستدعاء وفي هذه المرحلة، يحمل أكثر من رسالة وفي أكثر من تجاه. ألي ككاتب ناقد لسياسات النظام والى (المنظمة الآثورية الديمقراطية)التي انتمي أليها والموقعة على (اعلان دمشق). فالاستدعاء يأتي في اطار إفهام قوى (المعارضة السورية) في الداخل، خاصة تلك الموقعة على (إعلان دمشق)بأن التعاطي مع الخارج والتعاون مع (جبهة الخلاص الوطني) التي تشكلت مؤخراً في بروكسيل من (عبد الحليم خدام) النائب السابق للرئيس والمنشق عن النظام و(جماعة الإخوان المسلمين)- وهي طرف داخل في اعلان دمشق- ومن بعض الشخصيات والتنظيمات السورية في الخارج، هو خط أ حمر رقم واحد.فمن المعروف أن النظام في سوريا يربط تحركات المعارضة السورية في الخارج وتشكيل هذه الجبهة مع الضغوط الخارجية (الأمريكية والأوربية) التي تمارس عليه.
 

shosin@scs-net.org [/b][/size] [/font]
 

155
المسيحية وجذورها الآشورية
 
 2006 / 31 /مارس
سليمان يوسف يوسف
 
بمناسبة حلول السنة الآشورية الجديدة

منذ القديم أعطى الإنسان الأكادي(البابلي/الآشوري) ظواهر الطبيعة بعداً وظيفياً،من خلال طبع هذه الظواهر بغايات ومقاصد كان يطمح إليها وربطها بالمناسبات والممارسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الآشوري القديم.وقد دفعت،ضرورات التنظيم وضبط الأحداث السياسية والدينية والظواهر ذات التأثير المباشر على الحياة والنشاط الزراعي،الإنسان الأكادي في (بلاد ما بين النهرين) ليضع تقويماً سنوياً (روزنامه) حدد فيه الأول من نيسان بداية السنة الجديد. ويعد (التقويم الآكادي)- الذي سيبلغ في الأول من نيسان 6756 -أقدم (تقويم) أوجده الإنسان. شكل هذا التقويم مرحلة انعطاف فكري وتاريخي كبيرين في حياة المجتمعات القديمة. فمع ظهور التقويم الأكادي بدأت تتشكل (الذاكرة التاريخية) و (الوعي الكوني) لدى الإنسان،بمعنى آخر إليه يعود الفضل في كتابة التاريخ البشري وتدوين الكوارث الطبيعية وتسجيل الأحداث السياسية التي كانت تختصر قديماً على تأريخ الحروب ووفاة الملوك وتنصيب ملوكاً آخرين بديلاً عنهم. والذي ساعد الإنسان الأكادي (البابلي/ الآشوري) على الوصول الى هذا الابداع العظيم هو الفكر الأسطوري (الميثيولوجيا الأكادية) القديمة المتمحورة حول: (الطبيعة) و (الآلهة) و(الإنسان)،وكان لها دوراً هاماً وأساسياً في الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية لدى شعب (بلاد ما بين النهرين).فقد حملت (الميثيولوجيا الأكادية) في طياتها إرهاصات فلسفية عميقة تركت بصماتها على معظم الفكر الديني في الشرق القديم. فتحديد بداية السنة الجديدة مع تجدد دورة الحياة في الطبيعة في نيسان يضعنا أمام التصور (الآكادي – البابلي / الآشوري)للتاريخ من حيث هو حركة دائرية مغلقة- وربما فكرة أرسطو: (( إن الطبيعة تضمن الخلود للنوع عن طريق العودة الدورية لها))، مستوحاة من الميثيولوجيا الأكادية القديمة- وفي هذا السياق تأتي الأهمية الخاصة لملحمة/اسطورة  الخلق والتكوين البابلية ( اينوما ايليش)- تعني باللغة الأكادية (عندما في الأعالي)_ التي تعود الى أواسط القرن الثاني عاشر ق0م.حيث كانت تقدم هذه الملحمة على شكل( مسرحية الآلام) في احتفالات السنة الجديدة، تبلغ ذروتها بتتويج (مردوخ) ملكا إلها على الكون، احتفاءً بانتصاره على (التنين) صاحب الجبروت وتخليداً لذكرى موته وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث بصفته (مخلصا) عظيما للإنسان.فقديماً كان الآشوريون يعبدون الإله (مردوخ) في شخص الإله/الملك (آشور)،لأنهم كانوا يعتقدون بأن الإنسان يشارك (الآلهة) بقدر ما كانت الآلهة مشاركة للإنسان في إنسانيته ،بصيغة (الإله إنسان) و (الإنسان إله)، هذا الاعتقاد يفسر قيام الآشوريون
 بـ (تأليه) عظماء الملوك وهبوط آلهتهم إلى العالم السفلي موطن الإنسان، هبوط الآلهة (عشتار) وزواجها من الإله (تموز) وصعودها ثانية.تماماً مثلما يؤمن المسيحيون اليوم بسر (التجسد)، تجسد الله على صورة الإنسان بشخص السيد المسيح ونزوله الى الأرض وموته صلباً وقيامته في اليوم الثالث وصعوده ثانية ليتحد مع الله، نستنتج من هذا: أن فكرة ( التجسد) و(الانبعاث) و (الخلاص ) التي تشكل جميعها جوهر (العقيدة المسيحية) هي بجذورها وأصولها، عقائد آكادية (بابلية/آشورية)قديمة.وما احتفالات المسيحية في ربيع كل عام بعيد (الفصح-القيامة) تخليداً لـ (انتصار السيد المسيح) على الموت (قوى الشر)،إلا تواصلاً واستمراراً لتلك الاحتفالات التي كان يقيمها الآشوريون القدماء. وربما هذا التقارب أو التشابه الكبير بين الميثيولوجيا الآشورية القديمة والفلسفة المسيحية يفسر لنا: لماذا الآشوريين (السريان) في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين هم أول شعوب المنطقة اعتنقوا المسيحية خارج فلسطين.لهذا يمكننا القول: أن شهر نيسان الآشوري هو بحق عيد (الطبيعة والآلهة والإنسان) معا، فهم ثلاثة أقانيم في واحد هو(الوجود/الكون) عمل الإنسان الأكادي (البابلي/ الآشوري) منذ القديم على مد الجسور بينها، مفصحا عن العلاقة التاريخية بين الله والإنسان أولا، وعن العلاقة العضوية بين الإنسان والطبيعة ثانيا.من هنا تبرز أهمية احتفالات الآشوريين القدماء في الأول من نيسان، بداية السنة الآشورية الجديدة -كان يسمى بعيد (الأكيتو)، أي البيت الريفي _ تقام خلالها طقوس وشعائر خاصة، على مدى اثنا عشر يوماً بين أحضان الطبيعة، تقدم القرابين للآلهة والهدايا للملوك وحفلات الزواج الجماعي وغيرها.وجرياً على عادات وتقاليد الآباء والأجداد واعتزازاً بذاك التراث الآشوري السوري العراقي الرافدي العريق يحتفل آشوريو اليوم (سريان/كلدان) في سوريا و بلاد ما بين النهرين والعالم في الأول من نيسان من كل عام ببداية (السنة الآشورية )الجديدة بصفته عيداً قومياً آشوريا،حيث يقيم الآشوريون بهذه المناسبة   مهرجانات فنية وشعبية بين أحضان الطبيعة يفوح منها عبق الحضارة الآشورية العريقة وأريج التراث السرياني الأصيل.

كاتب المقال آشوري سوري... مهتم بحقوق الأقليات.

shosin@scs-net.org [/b] [/size] [/font]
 

156
بيان الى الرأي العام الآشوري والسوري
سليمان يوسف
 
أثارت، (كلمة) المنظمة الآثورية الديمقراطية في الحفل التأبيني لضحايا أحداث آذار 2004 الذي أقامته بعض الأحزاب الكردية في القامشلي،  جدلا حامياً في الأوساط السياسية والثقافية والشعبية الآشورية(السريانية) والى حد ما المسيحية في الجزيرة السورية.
وقد  تباينت ردود الأفعال حول هذه الكلمة وأهميتها، شكلاً ومضموناً.
قطعاً لم تفاجئنا هذه الردود، فنحن نتفهم أسبابها وخلفيتها، خاصة السلبية منها، فهي تعود بجوهرها الى  ترسبات الماضي وتراكمات التاريخ والى  ظروف الاستبداد والحرمان، التي أبقت العلاقة  بين مختلف شعوب وأقوام المنطقة، حتى داخل الدولة الواحدة، متوترة  يعتريها الكثير من الخلل والحساسية.
لكن من السذاجة السياسية والضحالة الفكرية أن  نختزل أسباب كل هذا الجدل المثار حول كلمة المنظمة بالحساسية القائمة تجاه الطرف الكردي  وإسقاط  عوامل أخرى ساهمت وبشكل كبير في توتير الأجواء  وتوسيع مساحة الخلاف.
في مقدمة هذه العوامل، الطريقة الخاطئة والغير مسؤولة التي تعاطى بها البعض داخل المنظمة، على رأسهم ( بشير اسحاق سعدي- مسؤول المكتب السياسي)، مع الكلمة وقيامهم بالمبالغة والتضخيم بحجم ومستوى الردود السلبية وتوسيع دائرتها، وبطريقة لا تخلو من الرياء والتضليل، بهدف تأليب قواعد وجماهير المنظمة على (عضو المكتب السياسي - سليمان يوسف) الذي قرأ كلمة المنظمة، وجعل منه شماعة أو (مشجباً) تعلق عليه كل مشكلات وأزمات المنظمة، مستغلين المشاعر العفوية والبريئة لأبناء شعبنا، للنيل من مكانة (سليمان يوسف) في الشارع الآشوري(السرياني)، طبعاً لأسباب ودوافع لم تعد تخفى على أحد.
جدير بالذكر،أن (كلمة) المنظمة، درست وقررت من قبل الوفد المكلف بالمشاركة في التأبين وكان برئاسة نائب مسؤول المكتب السياسي ( كبرو شالو).والكلمة  لم تكن خارج سياق نهج وخطاب سياسي معارض تبنته المنظمة في السنوات الأخيرة. ومشاركة الوفد في حفل التأبين ، شكلاً ومضموناً، لا تختلف في بعدها السياسي قط عن مشاركة المنظمة الآثورية الديمقراطية- ممثلة بمسئول المكتب السياسي وأحد أعضاءه-  في الاعتصام الذي دعت اليه أحزاباً من (الحركة الكردية) بدمشق في نفس اليوم بمناسبة ذكرى أحداث آذار والتي حملت ذات المطالب والشعارات الكردية.
هذا وقد دافع (أعضاء المكتب السياسي) عن كلمة المنظمة بغض النظر عن مضمونها وعن الجدل الذي أثير حولها، واتفق في اجتماع المكتب السياسي على ضرورة استيعاب  ردود الأفعال والتعاطي معها بعقلانية وحكمة، وقد رفض الأعضاء طلب مسؤول المكتب السياسي بسحب الكلمة من (الموقع – الجريدة الإلكترونية) للمنظمة ورفض اتخاذ أي اجراء تنظيمي بحق ( سليمان يوسف) أو بحق ( كبرو شالو) الذي ترأس الوفد المشارك في التأبين.
طبعاً هذا لم يرض مسؤول المكتب السياسي، لهذا في اليوم التالي قرر بمفرده ودون العودة الى (المكتب السياسي) وخلافاً لنصوص ومواد (النظام الداخلي) للمنظمة، دعوة أعضاء اللجنة المركزية في الوطن لاجتماع طارئ مع المكتب السياسي لإثارة القضية من جديد واتصل مع محرر موقع المنظمة  لسحب الكلمة منه وأبلغ فروع المهجر باسم (المكتب السياسي) بأن المنظمة تتبرأ من الكلمة وعمم موقفه هذا على الشارع.
هذا الممارسات البعيدة عن روح الالتزام والمسؤولية دفعت البعض لوضع  اشارة استفهام كبيرة حول أسباب ودوافع انفراد مسؤول المكتب السياسي بموقفه المناقض لموقف المكتب السياسي  من هذه القضية وعن المرجعية النهائية له أو ا لجهة التي يعود اليها في اتخاذ  قراراته.

بالنسبة للاجتماع الطارئ لأعضاء (اللجنة المركزية): كعادته قدم مسؤول المكتب السياسي خطاباً تعبوياً محرضاً تجاه عضو المكتب السياسي( سليمان يوسف).
وهدد بالاستقالة وترك المنظمة ما لم يتخذ أشد العقوبات اقلها التجميد بحقه،بذلك وضع اللجنة المركزية أمام خيارات صعبة.
وأثار من جديد موضوع استمرار( سليمان يوسف) بإعطاء التصاريح  لوسائل الإعلام وكتابة صفته السياسية في مقالاته الناقدة للنظام القائم في سوريا، علماً بأن هذه المواضيع اتفق عليه وأعطي هذا الحق لـ (سليمان يوسف) في الاجتماع الدوري السابق للجنة المركزية الذي عقد في تشرين الثاني عام 2005.
وبالرغم من التعبئة التي قام بها مسؤول المكتب السياسي  لم ينل طلب التجميد سوى صوته وصوت آخر وقد وافقت أغلبية الأعضاء على توجيه عقوبة تنبيه بحق( سليمان يوسف)، طبعاً بدون أي  مبرر أو مسوغ  سوى ترضية مسؤول المكتب السياسي وعلى اعتبار هذا يشكل مخرجاً من الأزمة بأقل الخسائر.

أن المتتبع للشأن (الآشوري) في سوريا، يدرك جيداً بأن الجدل المثار حول كلمة (المنظمة الآثورية الديمقراطية) يعود بالدرجة الأولى الى خلاف وتباين في وجهات النظر، داخل المنظمة وخارجها، حول العديد من القضايا الفكرية والسياسية، في مقدمتها الموقف من النظام الحاكم والعلاقة مع المعارضة، إذ  يوجد في المنظمة من يعترض ويتحفظ على نهجها الجديد  وعلى دخولها في تحالف سياسي مع المعارضة  في اطار (اعلان دمشق) وعدم رغبة البعض بالذهاب بعيداً في العلاقة مع (الحركة الكردية) ومع المعارضة السورية بشكل عام، ذلك بسبب الخوف  من ردة فعل السلطات السورية على هكذا علاقة من جهة  وشكوكهم في مصداقية (الحركة الكردية) و(المعارضة العربية والإسلامية) تجاه الموضوع الآشوري من جهة أخرى.
لكن وبكل أسف، أراد البعض من داخل المنظمة ولأهداف مغرضة في مقدمة هؤلاء (مسؤول المكتب السياسي)، إخراج ردود الشارع الآشوري على كلمة المنظمة عن سياقها السياسي والثقافي الطبيعي، غير آبهين بأن ذلك  سينعكس سلباً على المكانة السياسية للمنظمة على الساحة السورية ويثير شكوك الآخرين بمصداقية القائمين عليها.
لا شك، أن رضوخ القيادات الحزبية والسياسية لابتزاز الشارع  وللمزاج الشعبي العام في القضايا الحساسة و المختلف عليها يعكس حجم القصور الفكري والسياسي لدى هذه القيادات من جهة أولى ، ويعبر عن افتقارها للرؤية السياسية والاستراتيجية وعجزها عن إقناع الشارع بخطابها وفكرها من جهة ثانية.
وفي هذا السياق نشير الى قضية بالغة الأهمية، تتمثل بقيام قيادة (المنظمة الآثورية الديمقراطية)، قبل سنوات،  بسحب بيان لها وأوقفت نشره، تدين فيه الاعتداءات التي كانت تحصل على شعبنا في تركيا بعد أن  احتج البعض من داخل المنظمة ومن أوساط شعبية من الطائفة (السريانية) على تعبير( القرى الآشورية) في طور عابدين ورد في البيان المذكور.
مما يؤكد على أن ( المنظمة الآثورية الديمقراطية) ستبقى عرضاً لمزيد من الهزات والأزمات طالما بقي فيها، خاصة في القيادة، من يتهرب من مواجهة الحقائق ومقاربة الواقع بعقلية طائفية منغلقة على ذاتها وينهج سياسة النعامة في مواجهة التحديات ويتخذ من السياسية وجاهة لا مسؤوليات.
على ضوء ما جرى وما أثير من لغط وتشويش حول كلمة (المنظمة الآثورية الديمقراطية) نحمل مسؤولية الأزمة الراهنة، التي تعصف بالمنظمة من جديد  والمرشحة لمزيد من التصعيد والتفاقم، بالدرجة الأولى الى  مسؤول المكتب السياسي بسبب موقفه اللامسؤول من كلمة المنظمة، الذي  يخفي خلفه نوع من التضليل والرياء السياسي على المنظمة وجماهيرها أولاً، وعلى (الحركة الكردية) والمعارضة السورية عامة ثانياً.

ومن أجل جلاء الحقيقة للرأي العام الآشوري والسوري حول القضية المثارة نشرنا هذا البيان واحتجاجاً على تفرد مسؤول المكتب السياسي باتخاذ القرارات وفرض ارادته على كامل أعضاء اللجنة المركزية عبر التهديد بالاستقالة والاستفزاز، واحتجاجاً على رضوخ اللجنة المركزية لهذا الابتزاز الرخيص قررنا نحن الموقعين على هذا البيان انسحابنا من المكتب السياسي واللجنة المركزية في المنظمة الآثورية الديمقراطية.

نائب مسؤول المكتب السياسي
عضو المكتب السياسي
كبرو شالو  سليمان يوسف

سوريا- القامشلي:  27-3-2006[/b][/size][/font]


157
معركة الديمقراطية في سوريا
 
 2006 الإثنين 20 مارس
 سليمان يوسف يوسف
 
حدث في سلم أولويات (المعارضة السورية) في السنوات الأخيرة، حيث قفزت (المسألة الديمقراطية) الى واجهة الاهتمامات والأولويات، بعد أن أثبتت، الحقبة السورية والعربية الماضية المليئة بالهزائم العسكرية والسياسية والثقافية، بأن الشعب المقموع والمسكون بالرعب والمنهوب اقتصادياً لا يمكن له أن يقاوم ويحرر أرضاً أو أن يبني وطناًً سليماً مزدهراً. فمن طبائع الاستبداد أنه ينزع السياسية عن (المجتمع المدني) ويلغي دوره ويشل حركة وفعاليته، كما ومن شأن القمع أن يحول المواطن الى انسان مهزوم هروبي، يقوي لديه نزعة الخلاص الفردي ويضعف فيه الروح الجماعية وبالتالي يجر الى الانحطاط والظلامية و الهزيمة الوطنية الشاملة.هذه الحقيقة التي أدركتها قوى المعارضة السورية، الى جانب ظروف الاستبداد، دفعتها لتوحد صفوفها والانضواء تحت شعار "من أجل التغيير الديمقراطي" ضمن اتلاف سياسي سمي بـ (اعلان دمشق)، ضم أطراف عربية وكردية وآشورية وشخصيات وطنية مستقلة- مثلما فرضت، في الماضي، ظروف (الاحتلال الأجنبي) على تيارات وفصائل الحركة الوطنية السورية الانضواء والعمل معاً في معركة التحرير تحت شعار ((الاستقلال الوطني))- التزاماً بنهج التغيير وفي طار (معركة الديمقراطية) نفذت قوى (اعلان دمشق) يوم التاسع من آذار الحالي اعتصاماً سلمياً حضارياً أمام (القصر العدلي) بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعون لتطبيق قانون الطوارئ في البلاد، وقد شاهد العالم شرقاً وغرباً كيف جندت سلطات الأمن السورية المئات من الطلبة البعثيين، شباباً وشابات، بعد أن ضللتهم بشعارات معينة وسلحتهم بالعصي وبثقافة التخوين لقمع الاعتصام وتفريق المعتصمين وبطريقة همجية غريبة عن التقاليد الوطنية السورية وعلى مرأى من كبار الموظفين في وزارة العدل، حيث قام هؤلاء الطلبة بضرب المعتصمين والبطش بهم، أغمي على الروائية (سمر يزبك)،ونعتهم بالخونة والعمالة لأمريكا واسرائيل، لمجرد احتجاجهم على استمرار حالة الطوارئ ومطالبتهم بشكل سلمي وحضاري بإنهاء الاستبداد والعودة بسوريا الى دولة القانون والدستور والحق والعدالة. هذا (المشهد المأساوي) أمام (القصر العدلي) يعكس من جهة، مدى خشية النظام من (المعارضة السورية) بالرغم من ضعفها وانحسارها،الخشية من أن تتحول هذه الاعتصامات الرمزية، إذا ما استمرت وتواصلت،الى(كرة الثلج) السياسية تدحرج معها الشارع السوري وتجر خلفها (المعارضة الشعبية) الصامتة الواسعة التي تتكون من الفئات المسحوقة صاحبة المصلحة الحقيقة في الإصلاح والتغيير الديمقراطي، ومن جهة أخرى يدلل هذا المشهد المرعب الذي يحمل في طياته  تهديداً لـ (السلم الأهلي)، على أن الخوف الحقيقي في سوريا لم يعد على مستقبل الديمقراطية والحياة السياسية فحسب،إذ لا ديمقراطية ولا حياة سياسية يخشى عليهما،وإنما على (الوطن) ذاته، ليس من خطر خارجي، وإن كان احتمال هذا الخطر قائماً،وإنما من (غزو داخلي)، من العقلية الأمنية المتحكمة بالبلاد والعباد صانعة الاستبداد والتي   قادت الى هذا المشهد المأساوي أمام (القصر العدلي)، الخطر من هذا الإصرار على التماثل بين أمن (الوطن) وأمن النظام والنظر الى مصالح الشعب والوطن بدلالات النظام وحده لا شريك له.
على ضوء موازين القوى الحالية على الأرض، تبدو معادلة (التغيير الديمقراطي) في سوريا صعبة وربما شبه مستحيلة الى حين، إنها معركة قاسية و طويلة وقد تكون مكلفة، حيث (معارضة ضعيفة) عاجزة على (تغيير النظام) أو حتى إجباره على التحول نحو الديمقراطية الحقيقة ، يقابلها نظام قوي يرفض، حتى الآن، تداول السلطة .حيال هذه الحالة السورية المعقدة من المهم جداً أن تتنبه قوى المعارضة السورية لخطورة الوضع ودقة المرحلة وتعيد حساباتها قبل كل خطوة تتخذها وأن تقييم نتائج هذه الاعتصامات الرمزية الهزيلة والبحث عن آليات عمل جديدة وجدية أكثر فعالة ومناسبة للحالة السورية تمكنها من تحريك المعارضة الصامتة بشكل سلمي وهادئ لتجنيب الوطن مخاطر الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه.وعدم الانخداع بتحليلات وقراءات البعض هنا وهناك، خاصة تلك التي صرح بها المراقب العام لجماعة (الإخوان المسلمين) علي صدر الدين البيانوني في بروكسيل "نعتقد أن هذا النظام استوفى الآن جميع أسباب الانهيار" أو قول خدام، المنشق عن النظام، "سوريا على أبواب ثورة شعبية تطيح بنظام بشار الأسد"، هذه التصريحات جاءت في أعقاب اجتماعاتهم مع بعض فصائل المعارضة المقيمة في الخارج وإعلانهم قيام((جبهة الخلاص الوطني من أجل تغيير النظام السوري)). فـ (النظام السوري)، وكما يبدو، مازال قوياً ومتماسكاً بالرغم من كل الهزات والضغوطات التي تعرض ويتعرض لها، ومن المؤكد أنه لن يرضخ للابتزازات، الداخلية أو الخارجية، وبالتالي لن يقدم سوريا هدية لأية جهة أو قوى تريد انتزاع السلطة منه.أن الخروج من هذا المأزق أو بالأحرى من النفق وتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق الى الفوضى وتكرار المشهد العراقي الأليم في سوريا، هي مسؤولية كل من النظام والمعارضة معاً. لا شك،أن مسؤولية النظام هي أكبر لأنه يملك مفاتيح الحل، إذا ما توفرت لديه ارادة ورغبة حقيقة في الإصلاح، تترجم   بقرارات جريئة وخطوات عملية وسريعة يتخذها، في مقدمتها الغاء (المادة الثامنة) من الدستور وتحديد ولاية الرئيس بدورتين وتقصير مدتها لخمس سنوات، واجراء انتخابات رئاسية حرة وديمقراطية ووضع قانون انتخابات جديد وديمقراطي لمجلس الشعب يضمن تكافؤ الفرص والتمثيل العادل للجميع.

كاتب المقال قيادي في المنظمة الآثورية الديمقراطية- سوريا
shosin@scs-net.org [/b] [/size] [/font]

 

158
كلمة المنظمة الآثورية الديمقراطية بمناسبة الذكرى الثانية لأحداث مدينة القامشلي في آذار عام 2004

التي ألقاها عضو المكتب السياسي الأستاذ: سليمان يوسف...في الحفل التأبيني الذي أقيم بمناسبة الذكرى الثانية للأحداث الأليمة التي شهدتها مدينة القامشلي في الثاني عشر من شهر آذار عام 2004.

أيها الحفل الكريم .... باسمي وباسم أخوتي وأصدقائي في المنظمة الآثورية الديمقراطية  أقدم: تحية إكبار وإجلال لأرواح شهداء الأخوة الأكراد وشيخ الشهداء محمد معشوق الخزنوي ولجميع شهداء الحرية في سوريا...

أيها الحفل الكريم .. أيها الجمهور الكردي الأبي...العاشق للحرية كما هو عاشق لوحدة وطنية حقيقة, لدولة سورية وطنية تنتفي فيها كل اشكال الاستبداد والقمع ، القومي والسياسي والديني والفكري...دولة لجميع السوري دون تمييز...

حقاً أنه لشيء مؤلم لنا جميعاً أن تكون معظم لقاءتنا في مناسبات أليمة كهذه المناسبة التي جمعتنا اليوم..لكن أملنا كبير باليوم الذي نلتقي فيه وقد انتزعنا حقوقنا القومية والديمقراطية كورداً وآشوريين وأرمن في سوريا.

أيها الحفل الكريم...

ما زال ذالك المشهد المأساوي حياً ماثلاً أمامنا، حيث تحولت مدينة القامشلي الآمنة المسالمة الى جحيم استبيحت فيها أرواح الأبرياء العزل من أطفال وشباب أكراد سوريين، على أيدي قوات أمن كان يفترض بها أن تحمي هؤلاء المواطنين  الغاضبين لا أن تقتلهم.
فما من عاقل  يبرر  مواجهة مواطنين عزل غاضبين ومحتجين على وضعهم المأساوي  بالطريقة الوحشية التي شاهدناها في الثاني عشر والثالث عشر من شهر آذار 2004 في مدينة القامشلي التي جسدت عبر تاريخها القديم والحديث قيم ومعاني العيش المشترك بين أهلها من عرب وكرد وآشوريين(سريان) وأرمن ويزيد ، مسلمين ومسيحيين.
على القيادة السورية أن تتفهم مشاعر وحالة الألوف  من الشباب العاطلين عن العمل والمحرومين من كل شيء  حتى من حق حمل جنسية وطنهم سوريا.

أمام هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق وكرامة الإنسان السوري كم تبدو سوريا خارج التاريخ والعصر الذي نعيش فيه... حيث تشهد الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان كالاعتقال التعسفي والاعتباطي والمحاكم الاستثنائية والغير قانونية التي تصدر أحكاماً تعسفية بحق الناشطين في مجال حقوق الإنسان وبحق ناشطين في المعارضة الوطنية.
كما هناك في السجون السورية معتقلين منسيين  وقد مضى عليهم  سنوات من غير أن يقدموا الى محكمة أمثال المعتقل الآشوري ( يعقوب حنا شمعون) من مدينة القامشلي المعتقل منذ أكثر من عشرين عاماً..كما تمارس في سوريا سياسة تمييز بحق القوميات الغير عربية من أكراد وآشوريين وغيرهم...

وقد شاهد العالم قبل ايام الطريقة الوحشية التي عاملت بها قوات الأمن السورية والطلبة المجندين من قبلها،الاعتصام السلمي والحضاري الذي نظمته قوى المعارضة السورية ومنظمات حقوق الإنسان، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعون لتطبيق قانون الطوارئ في البلاد، وكيف اعتدي على المعتصمين بالضرب ونعتهم بالخيانة والعمالة واعتقال العديد منهم، لا لجرم ارتكبوه وإنما لمجرد مطالبتهم برفع قانون الطوارئ والحرية والعودة الى الدولة الدستورية.
وبنفس الطريقة الهمجية عاملت قوات الأمن السورية الاعتصام الذي دعت اليه اليوم  الأحزاب الكردية في دمشق بهذه المناسبة، حيث اعتدي بالضرب على المعتصمين واعتقل العديد منهم.

لا خلاص  لسوريا من أزماتها التي تتخبط بها والتي قادتها اليها السياسات الخاطئة للنظام ، إلا عبر الانتقال الى دولة ديمقراطية دستورية تقر بالتعددية القومية والسياسية وبحقوق القوميات الغير عربية من أكراد وآشوريين وأرمن وغيرهم. ووضع دستور جديد للبلاد يعيد للمجتمع السوري توازنه السياسي والاجتماعي والثقافي ويضمن التداول السلمي والديمقراطي للسلطة.

المجد والخلود لشهداء الحرية في سوريا والعالم

المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب السياسي[/b][/size][/font]


159
المسلمة لاجئة سياسية
 
2006 الأربعاء 8 مارس
سليمان يوسف يوسف

لا جدال على أن (قضية المرأة) هي جزء لا يتجزأ من قضية الحريات والديمقراطية والتقدم والتحرر الاجتماعي والفكري في أي مجتمع. فهي قضية ترتبط بطبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة وبوضع حقوق الإنسان، وبدساتير الدول وقوانينها خاصة قوانين الأحوال الشخصية.
لكن يبقى لقضية المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية خصوصية معينة تنفرد بها عن باقي قضايا المجتمع،أنها (قضية إنسانية) بقدر ما هي (قضية سياسية)، كما أنها اشكالية اجتماعية وقانونية، شائكة ومعقدة، ترتبط بالموروث الثقافي والديني والاجتماعي والأخلاقي والقيمي المتخلف للمجتمعات العربية والإسلامية في المنطقة، حيث يحظر فيها الخوض في حقوق المرأة، وتعتبر من المناطق الحساسة والخطرة يمنع الاقتراب منها أو اختراقها.
و تعد (المرأة) في هذه المجتمعات أكثر فئات وشرائح المجتمع عرضاً للاضطهاد والاستغلال والحرمان،حيث ينظر اليها الكثيرين على أنها كائن ناقص ونجس وتعامل معاملة (الحيوان) وهي مجرد حرمة لا وظيفة لها سوى الإنجاب وامتاع زوجها وسيدها الذكر وخدمته.
وقد أورد المفكر والكاتب المصري(سيد القمني) مثالاً على تحقير المرأة في المجتمعات الإسلامية في مقال له (المرأة والتراث) نشرته مجلة روز اليوسف عام 1998، يقول فيه: ((تقطع صلاة المصلى المسلم اذا مر امامه اثناء الصلاة كلب او حمار او امراة. وفي هذا السياق نشير الى واقعة مهمة- أوردها الكاتب الليبي صادق النيهوم في كتابه (إسلام ضد الإسلام)، تحت عنوان ( المسلمة لاجئة سياسية) - تدور حول قراراً أصدرته الحكومة الكندية، قبل سنوات، بضم (المرأة المسلمة) الى خانة الفئات المضطهدة التي يخول الدستور الكندي منحها حق (اللجوء السياسي).
وقد بدأ تطبيق هذا القرار بالفعل بمنح هذا الحق لـ(سيدة خليجية) كانت قد دخلت كندا، قالت في إفادتها في المحكمة: بانها هاربة من (الإسلام) ومن التقاليد الإسلامية ومن النظام السياسي والاجتماعي الخليجي الذي يضطهد المرأة ويحرمها من أبسط حقوقها الإنسانية ويصادر حريتها ويجعل حياتها جحيماً لا يطاق. أعتقد بأن هذه الواقعة تلخص واقع حياة ووضع المرأة الشرقية ليس في السعودية وحدها، وإنما في معظم الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، وإن بنسب متفاوتة من مجتمع لآخر.

لهذا يبدو طريق المرأة الشرقية نحو التحرر والحرية شاق وصعب جداً، ومعركتها شرسة، قاسية ومريرة، فهي تخوض حرباً مفتوحة على أكثر من جبهة و مع أكثر من طرف، في المنزل والشارع والمدرسة وفي مكان العمل ومع النظام السياسي والديني والاجتماعي وحتى الاقتصادي، إنها في مواجهة الحلف المقدس بين (رجال الدين، حراس الشريعة، فقهاء التخلف والجهل ومنظري الاستبداد الديني من جهة، وبين رجال السلطة، فقهاء القمع والاستبداد السياسي من جهة ثانية). وقد تابعنا في سوريا- وهي أكثر الدول العربية والإسلامية في المنطقة، انفتاحاً على قضايا المرأة وحقوقها- في الأشهر الأخيرة كيف قام العديد من خطباء المساجد وفقهاء التكفير والتخلف ومشرعي الاستبداد الديني والجهل الاجتماعي وأمام أنظار وتحت مسامع السلطات السياسية في سوريا، كيف قاموا بشن حملة هوجاء على بعض النساء في سوريا اللواتي بدأن يتنشطن في جمعيات ومنظمات نسائية مدنية للدفاع عن حقوق المرأة ورفع الغبن والاضطهاد عنها وسعيهن لتعديل القوانين العنصرية بحق المرأة، في مقدمتها قوانين الأحوال الشخصية الجائرة بحقها والتي تنتقص جميعها من الحقوق السياسية والشخصية والمدنية للمرأة السورية وتقلل من مكانتها ومن شأنها كإنسان في المجتمع. في النهاية تبقى قضية المرأة بالدرجة الأولى قضية تحرر: التحرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري والجنسي، التحرر من (النظام البطريركي) الأبوي، الذي فرض عليها (المجتمع الذكوري).
ولا أبالغ القول: بان تحرر المجتمع ذاته وتقدمه مرهون ومتوقف على تحرر المرأة، إذ كيف يمكن لمجتمع أن يتقدم وينمو ويتطور ونصفه ( المرأة) مشلول، فكرياً واقتصادياً وثقافياً.

في ظل الأوضاع والقوانين والمفاهيم السائدة والمجحفة بحق المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية، من الطبيعي أن تبقى المرأة غائبة عن مسرح الحياة السياسية وعن مختلف أوجه العمل الحقوقي ونشاطات المجتمع المدني.
وإن ظهرت هنا أو هناك فيكون حضورها ضعيف ومحدود جداً. وكيف للمرأة أن تأخذ دورها في الحياة، السياسية وتمارس العمل الحقوقي وتتنشط في مؤسسات المجتمع المدني وأن تدافع عن حقوقها وقضاياها وتنخرط في الشأن العام ونسبة الأمية بين النساء مازالت مرتفعة جداً في المجتمعات العربية والإسلامية.

 أعتقد بانه من المهم جداً، في هذه المرحلة، أن تحول المرأة العربية والمسلمة يوم المرأة العالمي( 8آذار) من مناسبة للاحتفالات الرسمية لرفع الشعارات الرنانة والمزايدة في الدفاع عن حقوق المرأة الى مناسبة للاعتصام في الشوارع والساحات العامة احتجاجاً على وضعها المزري وعلى الظلم الذي يلحق بها ومن أجل تحطيم القيود التي قيدت بها ومن أجل تحريرها من السجون التي تقبع بها. ورفضاً لجميع قوانين التمييز العنصري ضد المرأة، قوانين دينية كانت أم مدنية. كحق الرجل في تعدد الزوجات والطلاق دون العودة الى الزوجة والورثة وغيرها.
وخير هدية للمرأة في عيدها هي وقفة الرجل، الأخ والأب والزوج، الى جانبها والنضال معاً من أجل حريتها وكرامتها ومساواتها معه في الحقوق والواجبات، لأن كرامة وحرية الرجل جزء لا يتجزأ من كرامة وحرية المرأة.

سليمان يوسف كاتب سوري آشوري

shosin@scs-net.org [/b][/size] [/font]

 

160
سوريا الأحزاب تحت الإقامة الجبرية 



GMT 14:00:00 2006 الإثنين 27 فبراير
 . سليمان يوسف يوسف
 --------------------------------------------------------------------------------
 
بعد أكثر من خمس سنوات مضت على خطاب القسم للرئيس (بشار الأسد)، الذي وعد فيه باطلاق مسيرة الإصلاح والتحديث والتطوير في سوريا، وضعت (الشعبة الحزبية)، وهي لجنة من مجلس الشعب، قبل اسابيع، مسودة (قانون الأحزاب) هو أشبه بـ(قانون طوارئ)جديد. إذ تبدو الغاية الأساسية منه:اجهاض حالة المخاض والحراك السياسي والديمقراطي التي يشهدها المجتمع السوري بالرغم من تشديد القبضة الأمنية من جهة، وتقييد نشاط الأحزاب التي يمكن أن يرخص لها بموجب هذا القانون ووضعها تحت (الإقامة الجبرية) من جهة ثانية، و اجتثاث بقية الأحزاب، العربية والآشورية والكردية، تلك المنضوية في (اعلان دمشق) للتغير الديمقراطي، وهو أكبر تجمع للمعارضة السورية من جهة ثالثة. بالطبع لم يفاجأ أحداً في سوريا بمسودة القانون، فمن غير المتوقع أن يضع حزب (البعث) قانون ديمقراطي للأحزاب مخالف لطبيعة النظام السياسي القائم ويقلص من صلاحياته ويحدد من امتيازاته كحزب حاكم، وربما يفقده السلطة بعد حين. لكن مع ذلك أثارت مسودة القانون جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والثقافية السورية، خاصة لدى قوى ( اعلان دمشق) نظراً لما سيتركه هذا القانون من تأثيرات سلبية وربما خطيرة - إذا ما أقر بالصيغة التي ظهر بها- على الحياة السياسية السورية التي تسير حتى الآن من غير قانون أو ضابط تخضع له سوى توجيهات وقرارات (النظام الأمني) المهيمن على الدولة والمجتمع. فقد استند القانون المقترح بشكل اساسي الى (الدستور السوري) الذي وضعه حزب البعث، والذي يكرس فيه نفسه حاكماً أبدياً لسوريا وقائداً أوحد للدولة والمجتمع. ويلزم القانون جميع الأحزاب بالحفاظ على مبادئ ثورة البعث (انقلاب الثامن من آذار عام 1963)، وأن لا تتعارض أهدافها مع أهداف الثورة، كما يمنع على الأحزاب أن تدعي وجود أقليات على الأرض السورية، ويحول دون تأسيس أحزاب دينية أو عرقية أو مذهبية. ويشترط على العضو المؤسس ( ألا يكون قد سلك سلوكاً معادياً للثورة)، كما تضمنت مسودة القانون الكثير من الشروط التعجيزية أمام تشكيل الأحزاب في سوريا، بالإضافة الى العديد من التعابير الفضفاضة والغير محددة بحيث يمكن تأويلها وتفسير أي نشاط أو موقف لحزب ما لا ترضى عليه السلطة بأنه معادي لأهداف الثورة وللعروبة ويمس بالأمن القومي للبلاد، وبالتالي تأخذ منها ذريعة لحل الحزب ومعاقبة مسئوليه بالغرامة المالية والحبس لسنوات. يبدو وبوضوح شديد، أن مشروع القانون المقترح ولد وهو مقيد بأوهام الأيديولوجية القومية المهزومة لحزب البعث وأسير (عقدة احتكار السلطة)، ويقوم على رفض أهم قواعد الديمقراطية وشروطها المتمثلة بمبدأ (تداول السلطة). وبالتالي عكست مسودة القانون قصور (الفكر السياسي والوطني) والعقل الشمولي لحزب البعث الحاكم، هذا الفكر الذي لا يرى مستقبل لوحدة وطنية سورية إلا من خلال دولة استبدادية يقودها البعث، وتهيمن عليها القومية العربية والغاء القوميات الأخرى من آشوريين(سريان/كلدان) وأكراد وأرمن وتركمان وشركس وغيرهم، وفي هذا السياق لا تبدو (الوحدة الوطنية) التي تتغنى بها المسودة أكثر من ((حق يراد به باطل)). لنرى كيف تبدو هذه الوحدة، بعد أكثر من أربعة عقود من الحكم المطلق لحزب البعث وتطبيق قانون الطوارئ وتغيب دور الأحزاب ونهج التعريب والاستبداد؟، أعتقد بانها ليست أفضل حالاً عما كانت عليه قبل استلام البعث للسلطة. فبسبب السياسات القومية والدينية والأمنية الغير متوازنة لحزب البعث ونظامه السياسي، برزت وتنامت بقوة الاصطفافات والانتماءات الإثنية والطائفية والمذهبية، على حساب (الانتماءات الوطنية)، كما أحدثت خللاً(شرخاً) كبيراً في العلاقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري. مما يؤكد استحالة تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق اندماج مجتمعي ووطني سليم عبر وسائل وآليات القسر والإقصاء والقمع والاستبداد، والحالة العراقية خير نموذج أمامنا. كما لا يمكن أن تحل مسألة الأقليات الدينية والقومية بالتنكر لوجودها أو القفز فوقها، وإنما فقط من خلال علمنة المجتمع والدولة، والاعتراف بالأقليات وبحقوقها الديمقراطية والمدنية وبنقل سورية من (دولة تسلطية) الى (دولة وطنية) ديمقراطية دستورية. بالرغم من إدراكنا العميق بأن الأساس في الأحزاب ليس هويتها القومية أو الدينية أو الثقافية وإنما إيمان هذه الأحزاب بالديمقراطية والتزامها بمبدأ تداول السلطة عبر صناديق الانتخاب الحر واحترامها لحقوق الإنسان وحقوق المرأة واحترم حرية العقائد. لكن من حيث المبدأ، ومن أجل تحقيق أفضل (العلاقات الوطنية) بين ابناء المجتمع الواحد، لا جدال على أهمية اعادة تأسيس جميع ال أحزاب والجمعيات والمؤسسات السياسية والثقافية والاجتماعية على أ ساس (هوية وطنية سورية) واحدة جامعة-كما كانت في بداية عهد الاستقلال و قبل الوحدة المشئومة مع مصر- و على مبادئ و مفاهيم عصرية حديثة وأن يتخلى الجميع في سوريا، بمن فيهم حزب (البعث)وبقية الأحزاب العربية، عن مشاريعهم وأحلامهم القومية لصالح مشروع بناء (الوطن السوري) كوطن نهائي لجميع السوريين دون تمييز أو تفضيل. فإذا كان القوميون العرب لا ينظرون للعروبة على أنها حالة عرقية أو أثنية، أعتقد بأن حال الآشورية(السريانية) والكردية، لا تختلفان كثيراً عن حال العروبة، فهما أيضاً قوميات ثقافية تشكلت في فضاءات فكرية واجتماعية وفي سياقات تاريخية وحضارية معينة، ولهذه القوميات، كما للعروبة، استطالات وامتدادات بشرية وثقافية في دول الجوار. لهذا يستبعد أن يلتزم الأكراد والآشوريون وبقية أحزاب قوى المعارضة السورية بهذا القانون الجائر الذي يتعارض في الكثير من مواده مع (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) ويتنافى مع أبسط مبادئ وقواعد الديمقراطية والحريات، وإنما ستبقى تعمل، كل القوى والأطراف المقهورة، من أجل (قانون أحزاب) ديمقراطي عادل ومن أجل دستور جديد للبلاد يعيد للمجتمع السوري توازنه السياسي والاجتماعي والثقافي، دستور يؤسس لمرحلة سياسية واقتصادية وإعلامية وفكرية جديدة في سوريا وينهض بها من أزماتها المستفحلة، في مقدمته مشكلة البطالة والتنمية وظاهرة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة والمجتمع.

كاتب المقال سوري آشوري/ قيادي في المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org

 

 [/b]

161
تدويل قضية أقباط مصر
 
سليمان يوسف يوسف
20 فبراير /2006

يشكل (الأقباط المسيحيون) في مصر أكبر الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط ( يقدر عددهم بأكثر   10ملايين).كان لهم دوراً متميزاً في (الحركة الوطنية المصرية) التي قاومت الاحتلال البريطاني تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع).
وقد نفت القوات البريطانية البابا (كيريللوس) الخامس ووضعته تحت الإقامة الجبرية في دير (وادي النطرون) بسبب دعمه ومباركته لـ(ثورة عرابي). بعد انجاز (الاستقلال الوطني) ساهم الأقباط بشكل كبير وفاعل في بناء الدولة المصرية الحديثة وازدهارها، حيث كان لهم حضورهم (السياسي والثقافي والاقتصادي) البارز في الحياة المصرية، وصلت نسبة تمثيلهم في البرلمان الى أكثر من 13% في العهد الملكي.
لكن مرحلة انكماش الأقباط على الذات بدأت مع انقلاب (الحركة الناصرية) تموز 1952 بقيادة (جمال عبد الناصر) التي أسست منذ البداية للاستبداد السياسي وللنهج الطائفي ونشرت بذور الغلو والتطرف القومي والديني وكرست سلطة العسكر، ليس في مصر وحدها فحسب وإنما في معظم دول منطقة الشرق الأوسط، وأصدرت قوانين التأميم باسم الاشتراكية التي أنهكت الاقتصاد المصري و صادرت بموجبها المنشئات الاقتصادية الهامة التي كانت تعود ملكية الكثير منها للأقباط المسيحيين.
وقد زاد وضع الأقباط سوءاً في عهد الرئيس (أنور السادات) الذي اضطر تحت ضغط الأحداث للاعتراف بأن مصر تعاني من (أزمة طائفية) متفجرة في خطابه بتاريخ 28-9- 1977في اعقاب الاشتباكات المسلحة بين المسلمين والأقباط وحرق كنيسة قبطية في إحدى قرى الفيوم.
وعندما بدأت المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان تشجب وتدين أعمال العنف والتعديات ضد الأقباط وارتفاع أصوات الأقباط في الداخل والخارج احتجاجاً على ما يتعرضون له من مظالم، توترت العلاقة بين الحكومة والكنيسة القبطية واتخذ السادات قراراً تعسفياً بحق البابا (شنودة) في أيلول 1981 بخلعه ونفيه إلى دير في الصحراء المصرية ووضعه تحت الإقامة الجبرية لأكثر من ثلاث سنوات.
لا شك، أن حل (القضية القبطية) يرتبط باحترام حقوق الإنسان وإحقاق الديمقراطية والحريات العامة والفردية، واقامة نظام سياسي يستند الى دستور وطني يحقق (فصل الدين عن السياسة) ويعيد للمجتمع المصري توازنه السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، دستور يعيد بناء (الدولة المصرية) وينقلها من دولة العقيدة والايديولوجيا الى دولة مدنية قائمة على مبدأ ( المواطنة) تنتفي فيها كل اشكال التمييز أو التفضيل بين المواطنين.
إذ، بات من الواضح، أن لقضية الأقباط في مصر بعد سياسي وآخر ديني وثالث انساني.   

سياسياً: حصر رئاسة الدولة بالمسلمين وحرمان الأقباط من جميع المناصب السيادية والسياسية الهامة في الدولة المصرية، ويكاد اليوم ينعدم تمثيلهم السياسي،إذ نادراً ما يفوز مسيحياً في الانتخابات البرلمانية حتى على قوائم (الحزب الوطني) الحاكم، وهذا ينذر بمستقبل جداً سيئ للأقباط المصريين الواقعين بين مطرقة إرهاب (التطرف الإسلامي) وسندان (استبداد النظام) فعدم فوزهم ينطوي على رفض (الغالبية المسلمة)اندماج الأقباط المسيحيين في المجتمع المصري،حيث بات ينظر لهم على أنهم (رعايا) وليسوا بمواطنين.
هذا وقد زادت مخاوف الأقباط من المستقبل بعد الفوز الكبير الذي حققته ، في لانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب،حركة (الأخوان المسلمين) تحت شعار( الإسلام هو الحل) والهزيمة التي لحقت بالأحزاب الليبرالية والحركات الديمقراطية والعلمانية.

دينياً:اعتماد( الإسلام ) دين الدولة، وفرض (الشريعة والثقافة الإسلاميتين) بطرق غير مباشرة على المسيحيين ووجود العديد من القوانين التي تحد من النشاطات الخاصة  بالأقباط و تقيد حريتهم الدينية والاجتماعية (حرية بناء الكنائس وممارسة شعائرهم المسيحية،خطف فتيات قبطيات للزواج منهن وإجبارهن على اعتناق الإسلام، رفض تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يحفظ ويضمن الحقوق الدينية والاجتماعية للأقباط المسيحيين ).

انسانياً: مسلسل أعمال العنف والاعتداءات المسلحة التي تقوم بها جماعات اسلامية متطرفة ضد الأقباط العزل.فبحسب مركز (ابن خلدون): وقع أكثر من 4000 قتيل وجريح قبطي بدون سبب سوى لكونهم مسيحيين، منذ حادثة الخانكة 8-9- 1972 عدا الأضرار بالممتلكات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات.
يبدو أن الهدف الاستراتيجي من تضييق الخناق على الأقباط المصريين هو فرض (العروبة والإسلام) عليهم، أو دفعهم الى الهجرة وترك وطنهم، تطبيقاً لسياسة طمس وتذويب شعب مصر الأصيل(الأقباط)، كما هو الحال في تعاطي (العرب المسلمين) مع بقية الشعوب الأصيلة في المنطقة كالآشوريين(سريان/كلدان) والآراميين والفينيقيين في كل من لبنان وسوريا (بلاد الشام) وبلاد الرافدين، حتى تبدو  هذه المناطق (مراكز الحضارات القديمة في الشرق) كما لو أنها كانت أرض قاحلة خالية قبل غزو العرب المسلمين لها.

مع تصاعد أعمال العنف والاعتداءات المسلحة، في السنوات الأخيرة، ضد الأقباط واستمرار الحكومات المصرية في انتهاج سياسة التمييز العنصري مع المسيحيين عامة وغض النظر عن الوضع المأساوي لهم وانحيازها الى جانب المعتدين الإسلاميين، تبقى (المشكلة القبطية) مرشحة للتفاقم والانفجار وتنذر بإشعال حرب طائفية بين الأقباط المسيحيين والعرب المسلمين(زيادة الضغط يولد الانفجار).
إذ، من المتوقع أن تدفع هذه الأوضاع المأساوية الأقباط باتجاه تأسيس احزاب وحركات قبطية داخل مصر تتولى الرد على التعديات التي يتعرضون لها، طالما تخلت الدولة عنهم.
وقد بدأت تتنشط المنظمات والمؤسسات القبطية في المهجر من أجل تحريك (الراي العام العالمي) باتجاه معانات اقباط مصر، ولأجل هذا الغرض عقدت مؤتمرات قبطية دولية ( في زيوريخ عام 2004 وفي واشنطن 2005) وتعد هذه  المؤتمرات أولى الخطوات باتجاه (تدويل) القضية القبطية في مصر.جدير بالذكر أن أول مؤتمر قومي/ ديني للأقباط كان باسيوط عام 1911 وفيه صاغوا لأول مرة جملة من المطالب السياسية منها: زيادة التمثيل القبطي في المجالس المنتخبة والمساواة في إسناد الوظائف الإدارية وتخصيص الموارد المالية، الخ.

كاتب سوري آشوري..مهتم بحقوق الأقليات.

shosin@scs-net.org [/b] [/size][/font]

 

162
أبرز رسائل الانتفاضة الإسلامية على الرسوم
سليمان يوسف

لم تهدأ بعد (ثورة الإسلام) على رسوم (كاريكاتورية) مسيئة للإسلام نشرتها صحيفة(جيلاندز بوستن) الدنمركية في ايلول الماضي ،حيث تسببت هذه الرسوم بانفجار أزمة كبيرة بين (العالم الإسلامي) وبين دولة الدنمرك ودول أوربية  أخرى أعادت نشر الرسوم.
وقد فاجأت،السرعة والطريقة التي تفاعلت فيها ردود الأفعال العربية والإسلامية، الكثير من الأوساط في كل من الشرق والغرب معاً، وتركت إشارات استفهام عديدة لدى هذه الأوساط، خاصة ما جرى في كل من (سوريا ولبنان)، أكثر دول المنطقة اعتدلاً وتسامحاً في قضايا الدين.
فهي المرة الأولى التي يتم فيها حرق سفارات وقنصليات دول أجنبية ( الدنمرك والنرويج) في (بيروت ودمشق) من قبل متظاهرين محتجين.وكادت (تظاهرة بيروت) الإسلامية، يوم الأحد الأسود في الخامس من شهر شباط الجاري، أن تشعل (حرب أهلية) جديدة في لبنان بعد أن قام الغوغاء والهمج المندسين بين المتظاهرين بحرق وتخريب العديد من المباني والمحلات التجارية والهجوم على بعض الكنائس في منطقة الأشرفية ذات الغالبية المسيحية، فقد أحدثت التظاهرة اضطراب وتوتر أمني في العاصمة بيروت، ويرجح البعض من احتمال أن يكون هناك أطراف، محلية وخارجية، أرادت تفجير الأوضاع المتوترة وخلط الأوراق في لبنان.
لا شك،أن الجريدة الدنمركية، أكانت قصدت أو لم تقصد ذلك، هي تجاوزت حدود حقوقها في حرية (الرأي والتعبير) التي بررت بها نشرها لتلك الرسوم، لأن هذه الحرية  لا تعني قطعاً المساس بعقائد ومقدسات الآخرين والنيل من رموزهم المقدسة.ومما لا شك فيه أيضاً، أن من حق المسلمين الاحتجاج على الاساءات التي لحقت بهم وبدينهم، لكن كان يجب أن لا تتعدى (التظاهرات الإسلامية) حدود القضية وأن لا ترد على الإساءات بإساءات اشد انعكست سلباً على القضية التي دافعت عنها.
فما علاقة (الدفاع عن الرسول والإسلام)،بأعمال التخريب والنهب والهجوم على الكنائس والسفرات وقتل أبرياء مسيحيين في العراق وتهديد بتفجير الكنائس في غزة بفلسطين.
فمثل هذه الممارسات البربرية والأعمال الهمجية وما رفع من شعارات متطرفة-حتى بنظر الكثير من المسلمين- أساءت للإسلام، وربما أكثر من رسوم الكاريكاتوري ذاتها،وربما تعطي الحجة والمسوغ لنشر هكذا رسوم بحق الإسلام .
 من الواضح، أن إثارة ( قضية الرسومات) وبهذه الطريقة في العالم (العربي والإسلامي) بعد أكثر من أربعة أشهر من نشرها في الدنمارك،لا يمكن عزله أو تحييده عن الاحتقانات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وعن العلاقة المتوترة أصلاً بين العديد من أنظمة دول المنطقة من جهة وأمريكا وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، لأسباب يدركها الجميع، خاصة لما يحصل في العراق ولبنان وفلسطين.
ويبدو أن الجهات المحرضة على التظاهرات الإسلامية تسعى لإبقاء هذه الأزمة مفتوحة لغايات وأهداف محددة، و لترسل عبر هذه (التظاهرات الإسلامية)أكثر من رسالة سياسية وبأكثر من تجاه، تفسر سبب تراخي وتساهل سلطات الأمن السورية- المعروفة بقدرتها على التحكم وضبط التظاهرات- في منع المتظاهرين من الوصول الى سفارات (الدنمرك والنرويج) وحرقها .
فمن جهة: أرادت (الأنظمة المأزومة) في المنطقة تصدير أزماتها الداخلية الى الخارج وإبعاد الشعوب المقهورة عن قضاياها الأساسية، المتمثلة بالديمقراطية والحريات وتحسين الوضع المعيشي والتعليم واحترام حقوق الإنسان، كما أنها أرادت تخويف هذه الشعوب (المحافظة والمتدينة) من الديمقراطية والحريات بتصوريها، للديمقراطية على أنها: (حرية الإساءة للأديان ورموزها المقدسة وانتهاك القيم والأخلاق العامة).
ومن جهة أخرى: أرادت، هذه الأنظمة، أن تظهر قدرتها على تحريك الشارع العربي الإسلامي الغاضب ضد المصالح الأمريكية والغربية في حال تمادت( أمريكا وحلفائها) في ضغطها ومحاصرتها للأنظمة العربية والإسلامية المستهدفة. ومن جهة ثالثة: وربما هو الأهم من كل هذا وذاك ، أرادت هذه الأنظمة التي تخشى الديمقراطية، القول لأمريكا وحلفائها ولكل المطالبين بالديمقراطية في دول الشرق العربي والإسلامي: (( أن الديمقراطية هي أسهل وأقصر الطرق لوصول هؤلاء الإسلاميين المتشددين، اللذين خرجوا للشوارع للتظاهر وقاموا بحرق السفارات، الى السلطة)) بمعنى آخر ((إفهام المعارضة الداخلية والخارجية بان البديل عنهم هو الإسلام المتطرف)).
ومن جهة رابعة: سعي هذه (الأنظمة المأزومة) الظهور بمظهر المدافع عن الإسلام لكسب (التيارات الإسلامية) المتنامية الى طرفها في معركتها الراهنة مع الغرب الأمريكي والأوربي الضاغط عليها.وبالمقابل أرادت عموم (التيارات الإسلامية)التي كان لها الدور الكبير في التحريض على التظاهر وإخراج الناس للشارع،ابراز قوتها الشعبية والسياسية و الظهور بمظهر المدافع القوي عن قضايا الشعوب العربية والإسلامية وبالتالي طرح نفسها بديلاً عن الأنظمة (القومية واليسارية) القائمة والمسئولة عن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة.
أنهم جميعاً أرادوها معارك (سياسية) وعلى أكثر من جبهة تحت (عباءة الإسلام) وبحجة الدفاع عن حقوق الله الذي ليس بحاجة لمن يدافع عنه ، مستغلين بذلك المشاعر الدينية للمؤمنين وللجماهير المسحوقة ، في الوقت الذي يمنع عليها أن تخرج للاحتجاج على أوضاعها المزرية والمطالبة  بتحسين أوضاعها الحياتية.
كما وقد أثارت أزمة الرسوم هذه العديد من القضايا والمسائل الفكرية والأخلاقية والسياسية الشائكة. أبرزها: (اشكالية العلاقة) بين الشرق (الإسلامي) والغرب (العلماني)، وقدرة كل منهما على فهم واستيعاب الآخر بما هي كيانات جغرافية وثقافية وتاريخية متمايزة عن بعضها،وبالتالي رفعت من رصيد نظرية ( صدام الثقافات أو صراع الحضارات) في مقابل أنصار(الحوار بين الثقافات والأديان).
إذ من الممكن أن تتطور الأحداث المأساوية التي سببتها بعض التظاهرات الإسلامية على خلفية هذه الرسوم، أو قد تندلع أزمات واضطرابات ، في هذه المنطقة من العالم أو تلك،حول قضايا اخرى مشابهة، وتزيد من درجة الاحتقان والتوتر بين (الشرق والغرب) الى مستوى يصعب فيه السيطرة على الأوضاع  والتحكم بها،و تفقد القوى الأخلاقية أو (العقلانية) في المنطقة والعالم زمام المبادرة وانتقالها الى ايدي فئات غوغائية هوجاء مستهترة، هنا وهناك، منقادة بنوازعها الغريزية والعاطفية، وبالتالي تشكل خطراً حقيقياً على الأمن والسلم العالميين.
كذلك أثارت، الهبات الإسلامية، اشكالية العلاقة بين (الدين والسياسية) في (العالم الإسلامي) وفرص نجاح العلمانية والديمقراطية في المجتمعات العربية والإسلامية وكشفت عن مدى سيطرة الدين على وجدان وعقل (الإنسان المسلم) والدور الكبير والمهم الذي يمكن أن يلعبه (الدين) في تحريك  الشارع العربي والإسلامي.

سليمان يوسف ...كاتب سوري آشوري ..مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org[/b][/size][/font]

163
انشقاق: شارون وخدام في الميزان الديمقراطي

سليمان يوسف

ما من شك، بأن (إسرائيل) دولة معتدية على حقوقنا الوطنية السورية وعلى حقوق الفلسطينيين.ولأنها (دولة معتدية) فكل حديث ايجابي عنها يثير الاستفزاز السياسي أو (الحساسية السياسية)، لدى الكثير من السوريين والعرب، خاصة لدى الطبقات السياسية والأحزاب الحاكمة إذا كان هذا الحديث يتعلق بنظام الحكم والديمقراطية، لهذا يتحفظ غالبية السوريون والعرب، لا بل يحذر عليهم، الحديث عن ما هو إيجابي في (اسرائيل)حتى لو كان هذا الشيء حقيقة واضحة ومعروفة من قبل الجميع.
لكن حرارة (المناخ السياسي) المسيطر على (الوطن السوري) والمنطقة عامة وتشابك الأحداث وتسارعها، ناهيك عن ضرورات ومستلزمات التعاطي في السياسة، تدفع (الكاتب) أحياناً الى تجاوز هذه المحاذير والحساسيات السياسية والوطنية.
فعند الكتابة عن ظروف انشقاق نائب الرئيس السوري السابق (عبد الحليم خدام) وأسباب اختياره المنفى،ولماذا بدا انقلابه للكثيرين (قنبلة سياسية) أريد منها تفجير الوضع السوري، وربما هي كذلك..؟
من المهم جداً التوقف عند انشقاق (أريئيل شارون)، وهو على راس الحزب والحكومة في اسرائيل عن حزب (الليكود) وكان أحد مؤسسيه، بعد أن اختلف هو الآخر مع بعض أركان حزبه (الليكود) حول بعض القضايا الأساسية في اسرائيل.
لكن شارون لم يلتجئ الى دولة أوربية-كما فعل خدام- وإنما بقي في (اسرائيل) وباشر بتأسيس حزب جديد سماه (كاديما)واستقطب لحزبه الجديد شخصيات سياسية بارزة - أمثال (شيمعون بيريز) زعيم حزب العمل ورئيس حكومة اسرائيل الأسبق، أقوى الخصوم السياسيين لحزب الليكود- وقررت الحكومة التي يرأسها(شارون) تقديم موعد انتخابات الكنيست(البرلمانية) ليخوض شارون وهو على رأس حزبه الجديد(كاديما) هذه الانتخابات وبالتنافس الديمقراطي مع حزبه القديم(الليكود)، وقد رجحت معظم استطلاعات الرأي بفوز حزب شارون الجديد(كاديما) بأغلبية مقاعد الكنيست. بالنسبة لخدام أوضح بأن أسباب اختلافه مع (الرئيس وقيادة الحزب والحكومة) تتمحور حول طبيعة وآليات (الإصلاح) وطريقة الحكم في سوريا، متهماً الرئيس (بشار الأسد) بالإنفراد بالسلطة،قال خدام: (( تشكلت لدي القناعة ان عملية التطوير والإصلاح سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو ادارياً لن تسير))، بهذه الكلمات المقتضبة برر خدام انشقاقه عن نظامه وحزبه (البعث العربي الاشتراكي) وأختار المنفى الأوربي(باريس)، ليعلن من هناك ثورته على (النظام) ويقود معركة التغيير وإحقاق الديمقراطية والعدالة في سوريا، ويسعى خدام لإقامة  تحالف من قوى (المعارضة السورية) مناهض لحكم (بشار الأسد) ونقل عنه مؤخراً بأنه يستعد لتشكيل( حكومة) بديلة في المنفى.
إذاً،حالة خدام تتشابه الى حد كبير مع حالة شارون (خلاف سياسي وانشقاق عن الحزب الحاكم)، لكن خيار خدام أختلف كثيراً عن خيار شارون. هذا الاختلاف يعود بشكل أساسي الى اختلاف البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية في (سوريا) عن تلك الموجودة في (اسرائيل)،بمعنى آخر يرتبط هذا الاختلاف باختلاف نظام الحكم في البلدين وبكيفية ممارسة السلطة وحدود ممارستها والحقوق الديمقراطية التي يتمتع بها الأفراد في معارضة الحكم وانتقاد سياساته.
وخدام، باعتباره جزء من الطبقة السياسية الحاكمة ، يدرك أكثر من غيره، طبيعة (النظام السوري) والحياة السياسية في سوريا وعواقب انقلابه السياسي في حال أختار البقاء في دمشق وقرر تشكيل حزب جديد، لذلك فضل (خدام) الهروب والانتقال الى باريس خوفاً من (الاعتقال والسجن) أو الانتحار على طريقة صديقه (غازي كنعان).

سياسياً:خدام أخطأ بسلوك طريق (باريس)، وخوفه على مصيره لا يبرر له هذا السلوك، لأن معركة تغيير النظام أو (التغيير الديمقراطي) في سوريا لا تقاد عن بعد،من  فرنسا أو من غيرها من العواصم الأوربية،وإنما من قلب العاصمة (دمشق) وباقي المدن السورية.
لا جدال على أن ما قاله خدام، وهو أحد أركان النظام السوري، حول طبيعة (السلطة السياسية) وآليات الحكم في سوريا كان غاية في الأهمية،لكن صدى اعترافاته كان ضعيفاً جداً على الساحة السورية لأن ما صدر عن خدام كان بنظر غالبية الأوساط السياسية السورية، حتى في أوساط المعارضة، على أنه ليس أكثر من انتقام من النظام وتصفية حسابات بعد إقصائه من مسؤولياته وابعاده عن مركز السلطة والقرار في سوريا،خاصة بعد أن أقحم (خدام) نفسه في مجريات التحقيق الدولي وملابسات جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق(رفيق الحريري) وتحميل الرئيس بشار الأسد مسؤولية هذه الجريمة السياسية الكبيرة.
وقد بدا انقلاب خدام، في هذا الظرف (الإقليمي والدولي) الدقيق الضاغط على النظام والأخطار المحدقة بسوريا، ليس انقلاباً على حكم (بشار الأسد) والحزب الحاكم فحسب، وإنما انقلاباً على (الوطن السوري)، وبالتالي خروجاً الثوابت الوطنية للمعارضة ذاتها، بغض النظر عن تفسيرات وتأويلات خطاب وإعلام السلطة لسلوك خدام وسعيها لإظهاره بمظهر( الخائن).
على أية حال، أن انشقاق نائب رئيس الجمهورية (عبد الحليم خدام)، مهندس السياسية السورية لسنوات طويلة عن نظامه وحزبه وانتقاله الى المنفى، يشكل سابقة خطيرة في الحياة السياسية السورية ،لا تزال موضع نقاش وتساؤل داخل سوريا وخارجها.فبغض النظر عن مدى شعبية خدام ومصداقيته ووزنه السياسي داخل حزب البعث وفي الشارع السوري، لا بد من أن يكون لانشقاقه تبعات وتأثيرات مهمة على (الحياة السياسية) السورية وعلى مستقبل النظام نفسه، خاصة وانقلاب خدام جاء بعد أسابيع من انتحار اللواء (غازي كنعان) وزير الداخلية الذي كان بدوره ولسنوات طويلة أقوى جنرالات الحكم.
فمهما حاول (النظام) إظهار نفسه قوياً، فأن هذه (الأنزياحات السياسية) نالت من هيبته وقوته وشكلت تصدعات مهمة في جدار سلطته.
وبالرغم من حالة الإحباط واليأس من النظام القائم والحزب الحاكم التي تسود الشارع السوري اليوم، ما زال الأمل قائماً بأن تدفع، التطورات الأخيرة وجدية المخاطر المحدقة بسوريا، أركان الحكم باتجاه مد الجسور المقطوعة بين السلطة والشعب وأن يكون الإفراج عن خمسة من معتقلي ربيع دمشق مؤخراً قد جاء في سياق (نهج اصلاحي حقيقي شامل) وعلى قاعدة اعادة النظر في السياسات القديمة للنظام تجاه المعارضة والمجتمع السياسي والمدني الأهلي، وليس في اطار مجرد حسابات سياسية آنية تكتيكية تهدف الى تخفيف الضغوط عن النظام.
حالة(خدام)، أعادت طرح من جديد وبقوة قضية (الديمقراطية) ووضع دستور جديد للبلاد ينهي حالة الاستبداد و احتكار السلطة في البلاد ويضمن التداول الديمقراطي لها.دستور يحقق التوازن السياسي والثقافي والعدالة الاجتماعية في (المجتمع السوري) الذي يتصف بالتنوع القومي والديني والسياسي والثقافي،دستور يكفل الحريات العامة وحرية الراي والتعبير وحرية الصحافة واستقلال القضاء، فهذه جميعها تشكل ركائز (الدولة الحديثة) وانعدامها يعني انعدام (الاستقرار السياسي) في سوريا وبقاء السلم الأهلي مهدداً.

سليمان يوسف ..كاتب  سوري  ...(قيادي في المنظمة الآشورية الديمقراطية )
shosin@scs-net.org [/b] [/size] [/font]     

164
(المسيحية) تصلب في الشرق الأوسط ..!
سليمان يوسف

ان تبقى وتعيش (مسيحياً)، في الشرق (العربي الإسلامي)، القابع تحت نير الاستبداد (السياسي والديني) و الملوث بشتى اشكال الإرهاب والبؤس والتخلف، عليك ان تحمل صليبك على كتفك وتسير وسط جحور الأفاعي وحقول الألغام،التي يقوم الإرهابيون المتأسلمون بتفجيرها في طريقك. هذه القنابل زرعتها (أنظمة الحكم) عبر نهجها الطائفي الفاشي في الحكم وسياسة التمييز الشوفيني والعنصري التي تتبعها مع شعوبها.
هذه الأنظمة الدكتاتورية المستبدة (الاوليجاركية- حكم القلة الفاسدة)،حاصرت، منذ الأيام الأولى لاغتصابها السلطة، الفئات المستنيرة التي تدعوا إلى ثقافة التسامح واحترام الآخر المختلف وتحقيق مقولة:(( الدين لله والوطن للجميع)) بفصل الدين عن الدولة.
وتمكنت (أنظمة الاستبداد)بواسطة أجهزتها القمعية التسلطية وعبر خطابها وإعلامها الديماغوجي الكاذب وأباطيلها (أساطيرها) السياسية التي حولتها عبر تاريخها الطويل في الحكم والتسلط، الى (تابوهات) من غير المسموح على أحد الاقتراب منها او مناقشتها، وأقفلت أمام هذه الفئات المستنيرة كل المنابر والساحات لتعبر عن رأيها وتقول كلمتها، بالمقابل شرعت المدارس الدينية وشجعت التيارات الظلامية التي تنشر التعصب والفكر التكفيري وتحلل قتل الإنسان على الهوية باسم (الجهاد المقدس) وأدخلت، بخطابها الطائفي الديماغوجي الفاشي، مجتمعاتها في صراعات وحروب أهلية مباركة ومقدسة عند أولياء الله على الأرض.
فالنهج الطائفي القائم على رؤية عنصرية لا يشكل خطرا على الآخر المسيحي فقط،وإنما خطره الماحق هو على الجميع وعلى الوطن ذاته، فمعه تتلاشى (الكرامة الوطنية) ويتصدع المجتمع وهذا أخطر ما في الأمر على الوحدة الوطنية.
في هذا الزمن العربي الإسلامي الشرق أوسطي، الذي هو بكل تأكيد وبكل المقاييس خارج الزمن والتاريخ العالمي الطبيعي، ليس غريباً ولم نتفاجأ أبداً من السكوت المخجل والصمت المخزي الذي ساد ويسود الشارع العربي والإسلامي، الرسمي والشعبي، على ما يجري في العراق منذ أكثر من سنتين من قتل وذبح على الهوية الدينية والعرقية والمذهبية وعلى تكرار الهجمات البربرية التي تتعرض لها (الكنائس) ويقتل مسيحيون أبرياء في العراق ومصر من غير سبب أو مبرر سوى لكونهم مسيحيين، على ايدي مجموعات اسلامية مشبعة بثقافة التعصب والإرهاب والقتل وهي تردد شعارات مناهضة للمسيحية والأديان الأخرى ونعتهم بالكفرة والزندقة وعملاء الأمريكان  والصهيونية، وكأن مسيحيي العراق والشرق عامة هم الذين أتوا بالأمريكان للعراق وأفغانستان، أو أنهم جاءوا بـ (العلم الإسرائيلي) الذي يرفرف في سماء القاهرة.
ولهذا أيضاً،ليس مستغرباً قط أن ينشرح ويبتهج هذا الشارع على فتاوي تصدر من بعض رجال الدين المتأسلمين (تجار الدين) تدعو لطرد (المسيحيين) من الشوارع والمدارس والمؤسسات العراقية ومن كل ديار المسلمين، لان صحيفة (دنماركية)أساءت لنبي الإسلام(محمد)، وكأن هذه الصحيفة تتحدث باسم مسيحيي الشرق الأوسط أو مسيحيي العالم ، أو أن كتابها ومحرريها يعنيهم أمر المسيح والمسيحيين.
ألا يدرك أصحاب هذه الفتاوى الجهادية، أن سكوت الغرب وصمته الفاضح على المذابح التي ينفذونها بحق المسيحيين الشرقيين لمجرد الرابطة الدينية التي تجمعهم مع الغرب، خير دليل على أنه هذا الغرب لا يعنيه أمر المسيحيين بشيء وهو غير مهتم بهم وبمصيرهم.
وأن في الغرب الأوربي والأمريكي يكاد لا يمر يوماً من غير أن  يسخروا  من (المسيح ) إما عبر صحيفة أو فلم سينمائي أو مسرحية أو ما شابه ذلك.
وفي هذا السياق نشير الى واقعة حصلت في (دولة السويد) قبل سنوات، عندما تظاهر مسيحيون شرقييون مهاجرون احتجاجاً على عرض فلم يسيء للسيد المسيح فهجم المتظاهرون من قبل جمهور سويدي رفع يافطة كتب عليها ((خذوا مسيحكم وارحلوا عن بلدنا)).
هكذا تتعاطى غالبية الشعوب الأوربية مع الرموز الدينية، في حين الإساءة اليها في احدى دول (الشرق الأوسط)، ربما تسبب حروب وويلات وتسيل الدماء في الشوارع. قد تكون مبررة موجة الغضب الرسمية والشعبية التي سادت بعض الدول العربية والإسلامية احتجاجاً على الرسم الكاريكاتوري في صحيفة ( جيلاندز بوستن) الدانمركية الذي حمل اساءة لنبي الإسلام(محمد).
لكن قطعاً لا يمكن أن تبرر الأعمال الهمجية والسلوك البربري الذي قامت به مجموعات اسلامية ضد المسيحيين وكنائسهم في العراق، لأن لا ذنب لمسيحيي العراق بما نشرته الصحيفة الدنيماركية ولا مصلحة لها فيها.قد يقول البعض: ما دمر من جوامع وقتل من مسلمين يفوق بكثير ما قتل من المسيحيين وما أصاب كنائسهم من دمار، لا شك في هذا، وهي أعمال مدانة ومرفوضة بكل تأكيد، فقتل أي انسان بريء مسالم أياً كانت ديانته أو مذهبه أو عرقه هو جريمة إنسانية لا جدال عليها.
لكن علينا أن نميز ونفرق بين ما يحصل للمسلمين وما يحصل للمسيحيين في العراق أو خارج العراق، التعدي على المساجد وقتل المسلمين يأتي في سياق حرب طائفية وصراع بين المذاهب والطوائف والأحزاب الإسلامية على توزيع السلطة والثروة في العراق أو غيرها من الدول العربية والإسلامية، لكن ما يحصل للمسيحيين في العراق أو مصر ليس له علاقة بهذه الصراعات وإنما فقط يقتلون لكونهم مسيحيين تحت ذرائع وحجج باطلة، يتذرع بها متأسلمين يتلذذون بقتل غير المسلم لأنهم يرون في قتله مفتاح جناتهم الخالدة مثلما أخذوا من (الصحيفة الدنيماركية) ذريعة لتفجير الكنائس فوق رؤوس المصلين يوم الأحد الماضي  (29كانون الثاني)في بغداد وكركوك وضرب الطلبة المسيحيين في جامعات الموصل.
وهنا أكاد أجزم بأن (مسيحياً) عراقياً لم يقتل مسلماً واحداً في العراق لمجرد أنه مسلم منذ الغزو الأمريكي له.
لا شك، أن مثل هذه الأعمال السافرة ضد المسيحيين لا يمكن عزلها أو فصلها عما تشهده المنطقة من توترات واحتقانات سياسية وأمنية وأحداث عنف دموية.لكنها أيضاً هي تأتي ضمن اطار حملة منظمة مناهضة للمسيحية، تروج لها بشكل أو بآخر بعض وسائل الإعلام والفضائيات العربية والإسلامية، الرسمية والخاصة، التي جعلت من نفسها منبراً مفتوحاً لفقهاء الجهاد والقتل والذبح على الهوية، في سياق تقييمها وتحليلها لأسباب ودوافع (الحملة الأمريكية) والغربية العسكرية على المنطقة،حيث تضع هذه الحملة في اطار نظرية (المؤامرة الغربية الصليبية الصهيونية) التاريخية على العرب والإسلام والمسلمين.
وبالتالي فمثل هذا الإعلام المسموم  يبرر ويشجع التيارات الإسلامية المتطرفة التي تعمل على ترويع وترهيب المسيحيين وكل من هو غير مسلم في منطقة (الشرق الأوسط) لإخراجهم منها، تحت شعارات وعنوانين كثيرة، ربما تعميم وتطبيق  على جميع البلاد العربية والإسلامية، ما أوصى به الرسول(محمد) : ((بألا يجتمع في جزيرة العرب دينان)).

إن الصمت (العربي والإسلامي) الرسمي عن المذابح التي تنفذها مجموعات اسلامية متطرفة بحق المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط بحجة ولاء المسيحيين للغرب، يعود بالدرجة الأولى الى  أن تصوير (الغرب)، من قبل هذه المجموعات الإسلامية،على أنه عدو العرب والمسلمين ينسجم ويتوافق مع الخطاب التضليلي لأنظمة الاستبداد العربي والإسلامي التي جعلت من هذا الغرب (مشجب تاريخي)علقت عليه كل هزائمها وجميع نكساتها ونكباتها، وأوهمت شعوبها على أن الغرب الإمبريالي هو سبب ويلاتها و فقرها وجوعها وتخلفها، للتغطية على مسؤوليتها المباشرة والكبيرة عن هذا الفقر والتجويع عبر نهبها وسرقة المال العام، وعن كل الإخفاقات العربية وعن ما وصلت اليه بلدانها من مآسي وويلات وكوارث، وعن حقيقة كون هذه الأنظمة هي حامية وراعية لمصالح الغرب في المنطقة.
بينما نجد أن هذا (الغرب)- الذي هو كافر بنظر المتأسلمين- وفر لملايين المهاجرين (العرب و المسلمين)، الهاربين من ظلم وعسف أنظمتهم وحكامهم ومن الجوع والفقر والعوز الذي اقبعوهم فيه، كل وسائل واسباب الأمان والراحة والعيش الكريم و الحرية الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية.

أخيراً: أن ما يشهده الشرق الأوسط من أحداث عنف وصراعات دموية داخلية يذهب ضحيتها مسيحيين لا ذنب ولا مصلحة لهم بها، تطرح وبجدية مستقبل ما تبقى من المسيحيين و المسيحية التي بدأت تصلب من جديد في هذا الشرق( مهد المسيحية) . 

سليمان يوسف...سوري آشوري... مهتم بحقوق الأقليات...

shosin@scs-net.org[/b][/size][/font]

 

 

165
قلق وحزن سياسي في سورية 



سليمان يوسف
مع احتفال شعوب العالم بتوديع عام مضى وباستقبال عام جديد ودع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام النظام البعثي القائم في سورية من منفاه الباريسي الاختياري عبر »العربية« مساء يوم الجمعة 30/12/2005 بكلمات نارية وتصريحات مدوية بدأ يسمع صداها في كل قرية سورية.اهمية ما اعلنه خدام ل¯ »العربية«, لا تأتي فقط من المحتوى والمستوى السياسي لحديثه, ومن الموقع القيادي المهم الذي كان يشغله خدام في السلطة والحزب على مدى اكثر من ثلاثة عقود,وانما ايضا من دقة المرحلة التي جاءت فيها هذه التصريحات التي هزت الجميع في المنطقة,حيث سورية تمر في اصعب ظروفها والنظام في اشد ازماته.وبالرغم من ان حديث نائب الرئيس للعربية لم يحمل اي جديد حول الفساد السياسي والمالي والاداري المستشري في البلاد,لكن ثمة تساؤلات كبيرة وكثيرة وسجالات حادة تركها خدام في الشارع السوري باعترافاته وتصريحاته النارية هذه وبانقلابه على شركائه في الحكم.ابرز هذه الاسئلة: هل استبق خدام احداث وتطورات سياسية محتملة في الساحة السورية وبالتالي اراد صك غفران من الشعب السوري, تجنبا للمساءلة والمحاسبة القانونية عن الفساد والازمات التي تحدث عنها باعتباره احد اركان النظام القائم وجزءا من المرحلة السياسية السابقة?. ام ان تصريحات خدام ليست اكثر من سلوك انتقامي من النظام بعد اقصائه من مسؤولياته وابعاده عن مركز السلطة والقرار في سورية من قبل الحرس الجديد المقرب من الرئيس?ام ان تحرك خدام مقدمة لسيناريو التغير في سورية كي يعود خدام فاتحا الى دمشق بالتنسيق مع قوى اقليمية ودولية..? .بعيدا عن كل هذه الاسئلة والتكهنات, وبغض النظر عن مدى مصداقية خدام وصحة المعلومات التي ادلى بها للعربية, سيكون لتصريحاته وانشقاقه عن النظام القائم تبعات وتأثيرات سياسية كبيرة ومهمة على الحياة السياسية السورية وعلى مستقبل النظام وحزب البعث الحاكم ولو بعد حين.فاللافت في حديث خدام انه اظهر موقفا ايجابيا من حركة (الاخوان المسلمين) ودعا الى اشراكهم في الحياة السياسية الى جانب بقية قوى المعارضة الوطنية في سورية, ومن جهتها رحبت المعارضة السورية باعترافات خدام,وان بتحفظ شديد, على لسان الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض حسن عبد العظيم الذي قال لجريدة (البيان): ((ان حديث نائب الرئيس مهم من حيث المضمون وخطير من جهة التوقيت.واضاف ان باب المعارضة (اعلان دمشق) مفتوح لاهل النظام ولاهل الحزب الحاكم ممن لديه رؤية للتغير الديمقراطي..)).طبعا, وخلافا لتوقعات البعض يستبعد, في ظل امساك النظام الحالي بزمام الامور وتشديد القبضة الامنية على المجتمع السياسي, ان يحدث, انقلاب خدام وانشقاقه عن النظام ,اية اصطفافات سياسية جديدة وفورية داخل الحزب الحاكم او قرب حدوث تصدعات في مؤسسة السلطة.و بلا ريب, ان تصريحات خدام التي كشف فيها عن تعرض رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري الى ضغوط قوية وتهديدات خطيرة من قبل جهات وشخصيات قيادية في لبنان و سورية قبيل اغتياله منها الرئيس ستؤثر على مجريات التحقيق في قضية اغتيال الحريري, وستزيد الموقف السوري ضعفا وارتباكا امام المجتمع الدولي في هذه القضية.فبعد تصريحات خدام سارعت لجنة التحقيق الدولية الى تقديم طلب الى السلطات السورية من اجل اللقاء مع الرئيس بشار الاسد ومع وزير الخارجية فاروق الشرع.
وليس ادل على حالة الارتباك والقلق السياسي لدى النظام في سورية, التي سببتها تصريحات خدام للعربية, من اسراع مجلس الشعب السوري الى عقد جلسة خاصة وصاخبة لادانة وشجب تصريحات خدام والطريقة البدائية والانفعالية في مقاربة النواب لهذه الازمة, فبدلا من ان يناقش النواب وبروح من المسؤولية الوطنية وبشكل ديمقراطي تصريحات نائب الرئيس للوصول الى رؤية موضوعية وعقلانية تبنى عليها الخطوات السياسية اللاحقة لاحتواء الموقف وتجنيب سورية المزيد من الازمات والتصدعات.نجدهم اكتفوا باتهام خدام مع افراد اسرته بالفساد, وانتقدوا دوره في لبنان عندما كان مكلفا بالملف اللبناني وحملوه مسؤولية الاخطاء السورية في لبنان,والطلب من وزير العدل بالشروع في تحريك الدعوة العامة لمحاكمة خدام بجرم (الخيانة العظمى).فمشهد النواب تحت قبة البرلمان, اثار شفقة السوريين عليهم من جهة كما انه اشاع نوعا من الحزن السياسي في الشارع السوري من جهة اخرى,وهم يتسابقون لكيل اشد التهم وباقسى تعابير التكفير والتخوين الوطني لخدام والمثبتة في قاموسهم الخطابي الجاهز دوما لالقائه في وجه كل من ينتقد السلطة وممارساتها الخاطئة. هذه هي السياسة في الدول التي تختزل الوطن باشخاص السلطة وينظر له بدلالات النظام وتعبيراته ووفقا لمصالحه. فبالامس كان عبد الحليم خدام نائبا للرئيس وشخصية وطنية وقومية بارزة ومحترمة,مخلصة لقضايا الوطن والامة,واليوم صار عميلا كبيرا متأمرا متهما بجرم الخيانة الوطنية الكبرى, بعد ان اعلن انشقاقه عن النظام القائم, وكأن العمالة والخيانة الوطنية لشخص تاتي بين ليلة واخرى.قطعا ليس دفاعا عن خدام, ويخطئ بحق الوطن والشعب السوري كل من يدافع عن خدام وعن امثاله, فهو احد المسؤولين الكبار عما وصلت اليه البلاد من مفاسد ومظالم وانتهاكات لحقوق الانسان, وخدام الذي تحدث للعربية عن غياب الحريات السياسية والديمقراطية في سورية, كان اول من وقف في وجه منتديات ربيع دمشق وتسبب في اعتقال ناشطيها.لكن الا يرى مجلس الشعب بانه يدين نفسه بعرض فضائح الفساد الكبيرة لنائب الرئيس واولاده, وابرزها تهريب النفايات النووية ودفنها في صحراء تدمر?.واذا كان من حق النواب التشكيك في نوايا واهداف تصريحات خدام في هذا التوقيت..?. يبقى من حق المواطن السوري ان يتساءل ايضا: لماذا سكت السادة النواب على فضائح خدام واولاده طيلة هذه المدة, طالما لديهم كل هذه القرائن والادلة على خدام وغيره من رموز الفساد?ولماذا انتظر النواب حتى يخرج خدام من البلاد ويهرب امواله وينشق عن النظام..?.كان حريا بالنواب,ان يطالبوا, ومنذ ان اكتشفوا امر خدام كاحد رموز الفساد, بمحكمة وطنية مستقلة ومحايدة وعلنية للتحقيق معه ومع جميع شركاء خدام واولاده في الفساد, ممن هم في السلطة وخارج السلطة, طالما هم تحت اعين النواب, ام ان ملفات المفسدين والفاسدين لا تفتح الا عندما يتمردون على النظام وينقلبون عليه, امام هذه السابقة الخطيرة في الحياة السياسية السورية المتمثلة بالتستر الفاضح لمجلس الشعب على احد رموز الفساد في البلاد وتقصيره في ملاحقة ومحاسبة المفسدين, يتوجب حل مجلس الشعب الحالي واحالة المتسترين ومنهم خدام وغيره من رموز الفساد الى القضاء, واجراء انتخابات نيابية حرة وديمقراطية, تشترك فيها جميع القوى الوطنية,بما فيها قوى المعارضة العربية والاشورية والكردية.

* كاتب سوري ¯ عضو المكتب السياسي في المنظمة الاشورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org
 

166
خدام يحرج النظام والمعارضة 



GMT 8:15:00 2006 السبت 7 يناير
 . سليمان يوسف يوسف
 
 بينما شعوب العالم تحتفل بتوديع عام مضى وباستقبال عام قادم (2006)،ودع نائب الرئيس السوري(عبد الحليم خدام) (النظام البعثي) الذي كان (خدام) أحد أركانه، بكلمات نارية عبر (الفضائية العربية) التي أجرت حديث مطول مع نائب الرئيس من منفاه الباريسي الاختياري مساء يوم الجمعة ( 30-12-2005)، أطلق خلالها تصريحات ضد النظام القائم، بدت وكأنها (قنبلة سياسية)لتفجير الوضع السياسي السوري عن بعد.
  ما من شك، بأن أهمية ما أعلنه (عبد الحليم خدام) للعربية، لا تأتي فقط من المحتوى والمستوى السياسي لحديثه، ومن (الموقع القيادي) الهام الذي كان يشغله خدام في السلطة والحزب على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وإنما أيضاً من دقة المرحلة التي جاءت فيها هذه التصريحات، حيث المنطقة تشهد توترات سياسية على أكثر من جبهة وسوريا تمر في أصعب ظروفها ونظامها في أشد أزماته. وبالرغم من أن حديث نائب الرئيس للعربية لم يحمل أي جديد حول الفساد السياسي والمالي والإداري المستشري في البلاد، لكن ثمة تساؤلات كبيرة وكثيرة وسجالات حادة تركها خدام في (الشارع السوري) باعترافاته وتصريحاته النارية هذه وبانقلابه على شركاءه في الحكم. أبرز هذه الأسئلة: هل استبق خدام أحداث وتطورات سياسية محتملة في الساحة السورية وبالتالي أراد صك غفران من الشعب السوري، تجنباً للمساءلة والمحاسبة القانونية عن الفساد والأزمات التي تحدث عنها باعتباره جزء من المرحلة السياسية السابقة؟،أم أن تصريحات خدام ليست أكثر من سلوك انتقامي من النظام بعد إقصائه من مسؤولياته وابعاده عن مركز السلطة والقرار في سوريا من قبل الحرس الجديد المقرب من الرئيس بشار الأسد..؟أم أن تحرك خدام مقدمة لسيناريو التغير في سوريا بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية يعود بـ(خدام) فاتحاً الى دمشق..؟..!. بعيداً عن كل هذه الأسئلة والتكهنات وبغض النظر عن مدى المصداقية والشعبية التي يتحلى بهما خدام في الشارع السوري سيكون لاعترافاته وانشقاقه عن حلفاء الأمس وتصعيده من لهجة التحدي للنظام تبعات وتأثيرات سياسية كبيرة وهامة على (الحياة السياسية) السورية وعلى مستقبل النظام وحزب البعث الحاكم ولو بعد حين، أقلها أنه أحرج النظام في الخارج أمام المجتمع الدولي وأضعفه في الداخل وقد تتعمق أزمته الداخلية لاحقاً، كما أن خدام بانقلابه على الحكم أنهى الركود وكسر الجمود الذي يخيم على الحياة السياسية السورية منذ عقود طويلة بسبب انفراد البعث بالسلطة واحتكاره للقرار السياسي في البلاد. واللافت في حديث خدام أنه أظهر موقفاً ايجابياً من حركة (الأخوان المسلين) ودعا الى اشراكهم في الحياة السياسية الى جانب بقية قوى المعارضة الوطنية في سوريا. وفي مقابلة له مع جريدة الشرق الأوسط يوم أمس(6-1-2006) قال: (( أنه لم يكن هناك شخص ذو وزن يمكن أن يقف بوجه النظام. المعارضة السورية تعرف مواقفي وأنا كنت على اتصاله بها حتى كنت في سوريا. المقابلة (مع العربية) زادت من ثقة المعارضة بنفسها وهي ستلتحم مع بعضها البعض بكل أطرافها وأنا أسعى لذلك..)). ويبدو أن خدام بكلامه هذا أحرج المعارضة السورية في الداخل التي سارعت بعض شخصياتها( ميشيل كيلو و ورجاء الناصر) الى نفي ما قاله خدام حول اتصالاته وتنسيقه معها،في حين كان المعارضة قد رحبت بداية باعترافات خدام،وإن بتحفظ شديد، على لسان الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض (حسن عبد العظيم) الذي قال لجريدة (البيان): ((ان حديث نائب الرئيس مهم من حيث المضمون وخطير من جهة التوقيت. وأضاف أن باب المعارضة (اعلان دمشق) مفتوح لأهل النظام ولأهل الحزب الحاكم ممن لديه رؤية للتغير الديمقراطي..)).طبعاً، وخلافاً لتوقعات البعض، في ظل إمساك النظام الحالي بزمام الأمور وتشديد القبضة الأمنية على المجتمع السياسي، يستبعد أن يحدث، الارتداد السياسي لخدام وانشقاقه عن النظام، تصدعات في مؤسسة السلطة وداخل الحزب(البعث) الحاكم، أو أن تنتج اصطفافات سياسية جديدة في المجتمع السوري، كما يستبعد حصول تغييرات جوهرية، سريعة ومباشرة، على الخريطة السياسية السورية الحالية، خاصة وقد تخلت المعارضة السورية عن حقها في (السلطة) بسبب عجزها وضعفها لصالح النظام القائم أملاً بإصلاحه.
و بلا ريب، أن تصريحات خدام التي كشف فيها عن تعرض رئيس وزراء لبنان الأسبق (رفيق الحريري)الى ضغوط قوية وتهديدات خطيرة من قبل جهات وشخصيات قيادية في لبنان و سوريا منها الرئيس (بشار الأسد) قبيل اغتياله ستؤثر على مجريات التحقيق في قضية اغتيال الحريري، وستزيد الموقف السوري ضعفاً وارتباكاً أمام المجتمع الدولي في هذه القضية.فبعد تصريحات خدام سارعت (لجنة التحقيق الدولية) الى تقديم طلب الى السلطات السورية من أجل اللقاء مع الرئيس بشار الأسد ومع وزير الخارجية فاروق الشرع.
وليس أدل على حالة الارتباك والقلق السياسي لدى النظام في سوريا، التي سببتها تصريحات خدام للعربية، من إسراع (مجلس الشعب) السوري الى عقد جلسة خاصة وصاخبة لإدانة وشجب تصريحات خدام والطريقة البدائية والانفعالية في مقاربة النواب لهذه الأزمة (الخبطة السياسية)الجديدة.فبدلا من ان يناقش النواب وبروح من المسؤولية الوطنية وبشكل ديمقراطي تصريحات نائب الرئيس للوصول الى رؤية موضوعية وعقلانية تبنى عليها الخطوات السياسية اللاحقة لاحتواء الموقف وتجنيب سوريا المزيد من الأزمات والتصدعات.نجدهم اكتفوا باتهام خدام مع أفراد اسرته بالفساد، وانتقدوا دوره في لبنان عندما كان مكلفاً بالملف اللبناني وحملوه مسؤولية الأخطاء السورية في لبنان، والطلب من وزير العدل بالشروع في تحريك الدعوة العامة لمحاكمة خدام بجرم (الخيانة العظمى).فمشهد النواب تحت (قبة البرلمان)،أثار شفقة السوريين عليهم من جهة كما أنه أشاع نوع من (الحزن السياسي) في الشارع السوري من جهة أخرى، وهم يتسابقون بكيل أشد التهم وبأقسى تعابير التكفير والتخوين الوطني لخدام المثبتة في قاموسهم الخطابي الجاهز دوماً لإلقائه في وجه كل من ينتقد السلطة وممارساتها الخاطئة.هذه هي (السياسة)في الدول التي تختزل الوطن بأشخاص السلطة/
وينظر له بدلالات النظام وتعبيراته ووفقاً لمصالحه. فبالأمس كان (عبد الحليم خدام) نائباً للرئيس وشخصية وطنية وقومية بارزة ومحترمة،مخلصة لقضايا الوطن والأمة،واليوم عميلاً كبيراً متآمراً متهم بجرم (الخيانة الوطنية) الكبرى، بعد أن أعلن انشقاقه عن النظام القائم، وكأن العمالة والخيانة الوطنية لشخص تأتي بين ليلة وأخرى.
قطعاً ليس دفاعاً عن خدام، ويخطئ بحق الوطن والشعب السوري كل من يدافع عن خدام وعن أمثاله من رمز الفساد، فهو أحد المسئولين الكبار عما وصلت اليه البلاد من مفاسد ومظالم وانتهاكات لحقوق الإنسان، وخدام الذي تحدث للعربية عن غياب الحريات السياسية والديمقراطية في سوريا، كان واحداً ممن وقفوا في وجه منتديات ربيع دمشق وتسبب في اعتقال ناشطيها.لكن ألا يرى (مجلس الشعب) بأنه يدين نفسه بعرض فضائح الفساد الكبيرة لنائب الرئيس وأولاده، أبرزها(تهريب النفايات النووية ودفنها في صحراء تدمر)؟.وإذا كان من حق النواب التشكيك في نوايا وأهداف تصريحات خدام في هذا التوقيت..؟. يبقى من حق المواطن السوري أن يتساءل أيضاً: لماذا سكت السادة النواب على فضائح خدام وأولاده طيلة هذه المدة، طالما لديهم كل هذه القرائن والأدلة على خدام وغيره من رموز الفساد؟ولماذا انتظر النواب لأن يخرج خدام من البلاد ويهرب أمواله وينشق عن النظام..؟.كان حرياً بالنواب،ان يطالبوا، ومنذ أن اكتشفوا أمر خدام كأحد رموز الفساد، بمحكمة وطنية مستقلة ومحايدة وعلنية للتحقيق معه ومع جميع شركاء خدام ورموز الفساد في البلاد، ممن هم في السلطة وخارج السلطة، طالما هم تحت أعين النواب، أم أن ملفات المفسدين والفاسدين لا تفتح إلا عندما يتمردون على النظام وينقلبون عليه.أمام هذه السابقة الخطيرة في الحياة السياسية السورية المتمثلة بالسكوت الفاضح لمجلس الشعب على أحد رموز الفساد في البلاد وتقصيره في ملاحقة ومحاسبة المفسدين، يتوجب حل (مجلس الشعب) الحالي وإحالة المتسترين منهم على خدام وغيره من رموز الفساد الى القضاء، واجراء انتخابات نيابية حرة وديمقراطية، تشترك فيها جميع القوى الوطنية،بما فيها قوى المعارضة العربية والآشورية والكردية.

سليمان يوسف يوسف....كاتب سوري عضو مكتب سياسي في المنظمة الآشورية الديمقراطية- سوريا


shosin@scs-net.org

 

167
من المشهد السياسي السوري

ثمة جدل واسع يدور هذه الأيام حول المشهد السياسي السوري, سلطة ومعارضة ومجتمعا مدنيا, حيث تتشابك عناصره وتتداخل في حركة ضبابية متموجة, غير محددة الاتجاه والأهداف, في ظروف وأوضاع, محلية وإقليمية ودولية, صعبة ومقلقة, ليبدو هذا المشهد السوري, وكأنه قدر تاريخي أو حلقة في مسلسل طويل ومخيف اعد لمنطقتنا المبتلية بكل أشكال العنف والإرهاب والبؤس والاستبداد.هذه الأوضاع القاتمة, دفعت غالبية تيارات المعارضة السورية للالتقاء والحوار فيما بينها حول المستقبل السياسي للبلاد أثمرت, في السادس عشر من اكتوبر الماضي, عن إصدار وثيقة سياسية اعلان دمشق أكد الموقعون عليها على أنهم سيعملون »من أجل إنهاء مرحلة الاستبداد والاستعداد لتقديم التضحيات الضرورية من أجل ذلك« وقد سارعت مجموعة من الشخصيات الوطنية و أحزاب المعارضة السورية في الخارج, مثل حزب (الإصلاح) وجماعة (الإخوان المسلمين) الانضمام الى هذا الإعلان.وبعدها بأيام طالب رياض الترك- وهو من ابرز شخصيات المعارضة, وعبر فضائية الديمقراطية- الرئيس بشار الأسد ومجلس وزرائه بتقديم استقالاتهم الى مجلس الشعب.هذا التحول في موقف المعارضة السورية, وانتقالها من نهج الإصلاح الى نهج التغيير, ترك تساؤلات عدة:حول قدرة هذه المعارضة على التحرك وترجمة ما جاء في اعلان دمشق الى فعل سياسي ينهي احتكار (البعث) للسلطة ويحقق حلمها الديمقراطي الذي دفعت ثمنه الكثير في السجون والمعتقلات السورية وفي المنافي.إذ لم يعد يخفى على أحد الضعف والانحسار التنظيمي لمعظم قوى وأحزاب المعارضة السورية وافتقارها الى القاعدة الشعبية والزخم الجماهيري في الشارع السوري الصامت والمصاب ب¯ (عقدة الخوف من السياسية) بعد عقود طويلة من عسف السلطة وقمعها لكل نشاط سياسي وفكري وحقوقي معارض. ويبدو أن هذا التصعيد السياسي من قبل المعارضة السورية يعكس, بشكل أو بآخر, مدى الإحباط واليأس الذي أصابها بعد خمس سنوات من وعود النظام بالإصلاح السياسي والاقتصادي والانفتاح الديمقراطي. وخطوة المعارضة هذه ليست أكثر من محاولة يائسة منها للإفادة من الظروف الإقليمية والدولية الاستثنائية الضاغطة على النظام, الذي ما زال قوياً أو أنه أقوى الضعفاء بحسب تعبير الكاتب شعبان عبود.لكن الرئيس بشار الأسد لم يتأخر كثيراً بالرد على جماعة اعلان دمشق وعلى القوى الدولية الضاغطة.فقد ألقى خطاباً, في العاشر من اكتوبر الماضي, حذر فيه المعارضة السورية من محاولة الدخول على خط أزمته الراهنة مع القوى الدولية المعنية بالملف اللبناني, ومن التحرك بالتوازي مع الضغوط الخارجية, قال الأسد: »ما لم يأخذوه بالضغط الخارجي لن يأخذوه بالضغط الداخلي«.وقد شكك الرئيس الأسد بوطنية كل من يرتفع صوته بالتوازي مع الخارج المتآمر- أميركا وحلفائها- الذي وضع المنطقة, كما يراها الأسد: »امام خيارين لا ثالث لهما.إما المقاومة والصمود أو الفوضى«, وقد فضل الأسد »المقاومة والتصدي« منعاً ل¯ (الفوضى), مما ترك انطباعاً لدى الجميع بأن سورية لن تتجاوب كما يجب مع قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالتحقيق في قضية اغتيال رفيق الحريري, وهذا يعني مزيد من الاضطراب والتوتر مع المجتمع الدولي وفتح باب التكهنات و التساؤلات حول المستقبل السياسي والاقتصادي لسورية.فبعد هذا الخطاب للرئيس الأسد, الذي سيطرت عليه لغة المواجه والتحدي, بدأ الإعلام السوري الرسمي المرئي والمقروء والمسموع, وبشكل مبالغ فيه, يدق طبول الحرب وأقيمت, في العاصمة دمشق ومعظم المدن السورية, خيم التصدي والاعتصام و سيرت المسيرات والتظاهرات المنددة بالتهديدات الأميركية والدولية لسورية, وارتفعت الشعارات والأناشيد الوطنية والقومية المحفزة على المقاومة استعداداً ل¯ (المنازلة الكبرى). من دون شك, استفاد النظام من سياسة التعبئة الجماهيرية هذه ضد الضغوط الخارجية والمبالغة فيها في محاصرة وربما تعطيل نشاط (المعارضة السورية) في الداخل والخارج التي تحركت بشكل لافت وصعدت من خطابها السياسي ضد النظام في الفترة السابقة للتطورات الأخيرة التي جاءت على خلفية نتائج التحقيق الدولي التي قام بها القاضي ديتليف ميليس وفريقه في جريمة اغتيال رفيق الحريري والتي حملت اتهامات الى ضباط سوريين يشتبه بتورطهم بهذه الجريمة الى جانب ضباط لبنانيين , وإسراع مجلس الأمن الدولي لإصدار القرارات 1636 و 1644 التي تدفع باتجاه المزيد من الضغوط الدولية على النظام في سورية وتطالبه بالتعاون التام والتجاوب من دون شروط ومن غير تأخير مع اللجنة الدولية لاستكمال التحقيق في هذه القضية.لكن هذه الأجواء المتوترة التي اصطنعها الإعلام السوري قبل غيره وبدت فيها سورية وكأنها تعيش حالة حرب, أعادت الى ذاكرة السوريين بديات أزمة العراق مع مجلس الأمن, وكيف قادت الى غزو أميركي للعراق في مارس 2003 وهو غارق اليوم في دم أبنائه الذين يقتلون على أيدي الاحتلال الخارجي والإرهاب الداخلي معاً, بدأت, هذه الأجواء المتوترة, تثير مخاوف السوريين وتقلقهم وأشاعت في المجتمع السوري شيئا من الفوضى والبلبلة الاقتصادية والتيه السياسي, خاصة مع التراجع السريع لقيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي حتى قبل اتخاذ أي اجراءات أو عقوبات دولية بحق سورية, على الرغم من كل التطمينات الحكومية حول قوة الاقتصاد السوري واستقراره, سرعان ما فقد المواطنون ثقتهم بأداء الحكومة وقراراتها, كما أن, هذه الأجواء والتطورات, فتحت باب النقاش والجدل بين السوريين حول مأزق بلادهم مع المجتمع الدولي وسبل الخروج منه من جهة وحول مستقبل العلاقة السورية اللبنانية من جهة اخرى والمرشحة لمزيد من التدهور والتوتر بعد اغتيال النائب والصحافي جبران تويني مدير تحرير جريدة النهار اللبنانية والمعروف بانتقاداته الشديدة للنظام السوري في الثاني عشر من ديسمبر الماضي.
لا جدال على أن الاهتمام الأميركي وحلفاءه الغربيين ب¯ (الملف اللبناني) يتجاوز قضية الحقيقة في اغتيال رفيق الحريري, إذ لهذه الدول مصالح ستراتيجية في هذه المنطقة الحيوية من العالم تسعى للحفاظ عليها وتقوية نفوذها فيها.لكن الأخذ ب¯ (نظرية المؤامرة), من قبل النظام في سورية, في تحليل التوجهات الجديدة للسياسة الدولية وفي تفسير ما يجري في الداخل السوري من حراك سياسي معارض, لم يعد يجدي نفعاً في عالم مفتوح تحكمه مفاهيم ومعايير جديدة, بات يستحيل في ظلها عزل ما يجري في الداخل عما يحصل في الخارج.كما أن حل أزمات سورية مع الخارج ومعالجة معضلات الداخل لا يأتي بالمراهنة على عامل الزمن وعلى ما قد يحصل في المستقبل من مستجدات وخلط للأوراق في المنطقة والعالم, أو بالانغماس المتزايد للسياسة السورية في القضايا الإقليمية ولا عبر مزيد من الاجراءات الأمنية في الداخل. وإنما هذه الحلول فقط تأتي باعتماد سياسة واقعية في علاقات سورية مع العالم الخارجي والأخذ بمبدأ (البرغماتية), أساسها المصالح الوطنية لسورية, بعيداً عن الأيديولوجيات والعقائد والأفكار المسبقة, ومن خلال انفتاح النظام على الداخل والتعاطي الديمقراطي للحكم مع المجتمع السياسي المعارض وفعاليات المجتمع المدني والالتفات الى مشكلات الواقع السوري ومعالجة حالات البؤس فيه, في مقدمتها مشكلة البطالة والتنمية والتعليم والديمقراطية والحريات وحقوق القوميات غير العربية, كالآشوريين والأكراد وغيرهم ومنح الجنسية للمحرومين منها , فمثل هذه الخطوات من شأنها أن تخفف من حدة الاحتقانات والتوترات المحلية والإقليمية, وتؤسس لمرحلة سياسية جديدة في سورية تعيدها الى سكة التطور والتقدم والازدهار و تجنبها المزيد من الأزمات.

* كاتب سوري- عضو المكتب السياسي في المنظمة الآشورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org
 
 سليمان يوسف

168
المنبر الحر / بطاقة معايدة
« في: 16:44 24/12/2005  »
بطاقة معايدة


السادة والأساتذة الأفاضل:
في الوطن الحبيب سوريا ودول المنطقة والعالم أجمع:

بمناسبة أعياد الميلاد والعام الجديد أقدم لكم أطيب التهاني والتحيات وأتمنى لكم حياة مفعمة بالسعادة والهناء ومكللة بالنجاح والعطاء لما فيه خير البشرية جمعاء.ليتوحد جميع المظلومين والمضطهدين ، شرقاً وغرباً، والعمل معاً من أجل عالم حر يسوده السلام والأمن، خال من كل أشكال الظلم والاضطهاد.عالم  أكثر إنسانية وجمالاً،تتمتع فيه جميع الشعوب والأمم بحقوقها وحريتها، وتتخلص من كل أشكال الاستبداد والاستعمار.عالم تسوده لغة الحوار بدلاً من لغة السلاح والإرهاب.عالم بدون مجاعة وحروب، تتحرر  فيه المرأة من سطوة الرجل وتسلطه وتعيش حياتها حرة كريمة، عالم بلا سجون ومعتقلات وبدون اغتيالات ومن غير مشردين ودكتاتوريات متسلطة على رقاب شعوبها.عالم تحترم فيه حياة وحقوق كل البشر ،أفراد وشعوب ومجموعات قومية وسياسية ودينية ولغوية، في القول والتعبير عن رأيهم بحرية ، عالم لا تغتال الكلمة الحرة وتحطم الأقلام الجريئة، كما حصل للكاتب والصحفي، اللبناني العالمي البارز (جبران تويني) شهيد الرأي الحر والكلمة الجريئة، ومن قبله سمير قصير وغيرهم الكثيرين ممن قضوا على مذبح الحرية وستبقى كلماتهم شعلة مضاءة وثورة دائمة لا تخمد، لأن في البدء كانت (كلمة الحق) وستبقى الى ابد الآبدين للوصول الى عالم بلا انتماءات سوى الانتماء الى (الإنسانية) وقيمها النبيلة، آمين .



                                                                       الكاتب
سليمان يوسف....سوريا[/b][/font][/size]

169
لبنان لم يعد لبنان




سليمان يوسف •

يبدو اليوم كل شيء في لبنان مختلفاً، كما لو أنها نهاية التاريخ السياسي للبنان وللمنطقة عامة...كما لو أن الذي حدث ويحدث في لبنان، قد جاء من خارج التاريخ...كما لو أن لبنان الراهن لم يعد ذاك الذي يعرفه العالم....
لبنان دخل مرحلة سياسية وتاريخية جديدة، لكن من نوع آخر ومختلف، لم يشهد مثيلها أي بلد آخر في العالم من قبل، انها "مرحلة الاغتيالات السياسية"، ليس الهدف منها زعزعة أمن واستقرار لبنان فحسب، وإنما تبدو القضية أخطر من ذلك بكثير..إنها مرحلة انعطاف كبير في تاريخ لبنان والمنطقة عامة، الهدف منها اغتيال "لبنان الرسالة" أولاً واعادة تشكيله من جديد ثانياً، ليكون على نقيض كلي لما كان وتأسس عليه..! كما لو أن المراد من كل ما يحصل هو اعادة كتابة تاريخ لبنان والمنطقة! إذ، لا يمكن أن نفهم ونستوعب أبعاد ودوافع هذا المسلسل الإجرامي الذي يمارس في لبنان، من دون أن نضع أحداثه في سياق ما يحدث للمنطقة عامة منذ سنوات طويلة.
لبنان الذي كان يتميز بكل شيء، بنظامه السياسي وبنائه الاقتصادي وفضائه الثقافي ونسيجه الاجتماعي... لبنان الصغير بجغرافيته والكبير بتاريخه وإرثه الحضاري، كان يوماً سوقاً مفتوحة لليد العاملة، العربية والأجنبية، كان "درة الشرق" يجذب الملايين سنوياً للسياحة والاستمتاع بسحر جماله الخلاب...والأهم من كل هذا وذاك، كان لبنان منبراً سياسياً وإعلامياً حراً ومفتوحاً، وملجأ آمناً للأحرار والمنفى الاختياري، لا بل وطناً، لكل السياسيين والمثقفين العرب وغير العرب الهاربين من بطش واستبداد حكام أوطانهم في هذا الشرق العربي والإسلامي المضطرب. لكن لبنان اليوم لم يعد ذاك الذي عشناه وعاش فينا. فقد بات لبنان أضعف من أن يؤمن الأمن والرزق لأبنائه ويحمي الأحرار منهم.
لبنان ذاك الواحة الديمقراطية والقلعة السياسية، بات بلداً مكشوفاً لأعداء الحرية والديمقراطية ومسرحاً لكل أنواع الجريمة التي بدأت تنهش بجسده المنهك، بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية المريرة، لتخطف الوطنيين الأحرار واحداً بعد الآخر من اللبنانيين المتمسكين ببقاء "لبنان الرسالة" والمصرين على أن يعود لبنان كما كان وطناً حراً لكل أبنائه .
إذ،لا يكاد لبنان يهدأ من فاجعة ألمت به، حتى ينصعق من جديد لفاجعة أخرى أكثر بشاعة وأكبر هولاً، كان آخرها، وقد لا تكون الأخيرة، في هذا المسلسل الدموي المروع، اغتيال النائب والصحافي الكبير جبران تويني، مدير تحرير جريدة النهار اللبنانية، عبر انفجار سيارة مفخخة استهدفت موكبه وهو في طريقه الى دار الجريدة.
جبران تويني، شهيد الكلمة الحرة والجريئة، تضاف جريمة اغتياله النكراء، الى سابقاتها من الجرائم السياسية التي ألمت بلبنان في السنوات الأخيرة، وطالت العديد من شخصياته الوطنية والسياسية والإعلامية البارزة. من دون شك، سيكون لهذه الجريمة آثار وتداعيات سياسية وأمنية كبيرة على لبنان، خصوصاً في ظل ما تشهده الحكومة اللبنانية من انقسام في الموقف والرأي من القضايا الأساسية المطروحة على جدول أعمالها، في مقدمها مطالبة لبنان بمحكمة دولية للنظر في قضية الحريري ومحاكمة المتهمين بها وتوسيع مهامها لتشمل جريمة اغتيال تويني وباقي الاغتيالات السياسية الأخرى، وقد تكون هذه الجريمة هي الأخطر بتوقيتها وظروفها السياسية والأمنية المتوترة، لبنانياً وإقليمياً، فقد تزامنت جريمة اغتيال جبران تويني مع تقديم القاضي الدولي ديتليف ميليس تقريره الى مجلس الأمن الدولي، حول جريمة اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، والذي تضمن اتهامات لضباط أمنيين سوريين يشتبه بتورطهم في هذه الجريمة الى جانب ضباط لبنانيين. إذ يخشى الكثير من المراقبين من أن تسبب نتائج تقرير ميليس في "انفجارات سياسية" قد تدفع باتجاه "الانفجار الكبير" الذي يهدد المنطقة والفوضى التي حذر البعض منها، خصوصاً إذا ما تم فرض عقوبات على سورية ومحاصرة نظامها السياسي القائم .
بلا شك، الأسئلة كثيرة وكبيرة، تلك التي يطرحها المشهد اللبناني الراهن والمرير في وسط هذا السجال المفتوح حول مسلسل الاغتيالات والتفجيرات التي تحصد الأبرياء وحول الاختراق الأمني للدولة اللبنانية والصخب الحاد حول المستقبل السياسي لهذه الدولة، لكن ما من أحد قادر على تقديم الإجابات المحددة والواضحة في ظل تشابك الأحداث وتسارعها وتداخل المحلي مع الإقليمي مع الدولي، في هذا المشهد اللبناني الهائج. لهذا أعتقد بأن الأولوية اليوم وفي هذه المحنة الشديدة والخطيرة التي تعصف بلبنان، لم تعد هي معرفة من يقف وراء مسلسل الاغتيالات والجرائم السياسية، بغض النظر عن هذه الجهة - طبعاً من غير أن نقلل من أهمية هذه القضية في فك لغز المشهد اللبناني- وإنما الأولوية يجب أن تكون لما يجب على لبنان، حكومة وشعباً، ان يفعله ويقوم به من اجراءات سريعة ووقائية وضرورية، أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة، تضمن وحدة لبنان وعدم دفعه باتجاه المنزلق الخطير، أي حرب طائفية جديدة، يخطط لها من يقف وراء هذه الاغتيالات وتفويت الفرصة عليهم في الوصول الى "الاغتيال الكبير" الذي يستهدف لبنان المتميز بوجوده ورسالته، والحيلولة دون تحقيق هؤلاء لمشاريعهم الفئوية والطائفية في لبنان. ان ما يحدث للبنان اليوم وما يواجهه من تحديات ومخاطر، هي أكبر من قدرة لبنان على تحملها ومواجهتها بمفرده، خصوصاً والكل يعلم ما يعانيه لبنان من ضعف وتمزق في بنيانه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فلبنان لم يتعاف بعد من جراحه العميقة وآلامه الكثيرة التي تسببت بها الحرب الأهلية المريرة التي عانى من ويلاتها على مدى عقدين من الزمن. إنقاذ لبنان من محنته، بات يستوجب إدخاله غرفة العناية السياسية الدولية المشددة.


• كاتب سوري

 [/b]

170

الحوار (المسيحي الإسلامي) والأفق المسدود
[/size]

    
سليمان يوسف يوسف                                                                        GMT 18:45:00 2005 السبت 10 ديسمبر
________________________________________

في وسط عالم مضطرب يضج بالأحداث والتطورات المتلاحقة تتصاعد فيه أعمال القتل والعنف وكل أشكال الإرهاب والصراعات الدينية العرقية والمذهبية، تقام من حين لآخر (مؤتمرات وحوارات)، تجمع قيادات ومرجعيات دينية، مسيحية واسلامية ويهودية وأحياناً من ديانات أخرى، الى جانب شخصيات ومفكرين أكاديميين، للحوار فيما بينهم حول مستقبل العلاقة والتعايش بين أهل هذه الديانات.وقد ازداد الاهتمام بالحوار بين الأديان بعد صدور نظرية (صدام الحضارات ) لصموئيل هنتنغتون عام 1993، التي فتحدت جدلاً واسعاً بين مختلف الأوساط الثقافية وعلماء الاجتماع والسياسة حول طبيعة وأسباب الصراعات والحروب بين شعوب وأمم الأرض.
سأخصص هذه الدراسة لإبداء بعض الملاحظات على الجانب (المسيحي الإسلامي) الشرق الأوسطي، وهو ما يهمنا من هذه الحوارات، حيث جزء من سكان هذا (الشرق) مسيحيون يعانون من سوء العلاقة والمعاملة على أيدي الأغلبية المسلمة الحاكمة والمتعالية والتي تنظر للمسيحيين على أنهم (رعايا لا مواطنين)، حتى وصل وضع المسيحيين في بعض دول الشرق (تركيا ايران باكستان السودان العراق فلسطين والى حد ما مصر) الى المستوى الكارثي، وقد بدأ ينحسر وجود(المسيحية) في بلاد الشام ومصر (الموطن الأصلي والقديم للمسيحية)، بعد أن تلاشت كلياً من دول الخليج والجزيرة العربية وبعض مناطق شرق أسيا، نتيجة الحصار الذي فرضه الإسلام عليها (المسيحية) منذ غزوه لمناطقها.
بداية، نؤكد على أهمية وضرورة استمرار الحوار والتواصل الإيجابي بين كل المجموعات البشرية (دينية، سياسية، اجتماعية، ثقافية، إثنية...) من أجل التوصل لأفضل العلاقات فيما بينها و تكريس قيم العيش المشترك والتآخي بين كل الشعوب والأمم.لكن وحتى يستقيم ويتقدم أي حوار ويؤتي ثماراً، يفترض أن يكون حواراً متكافئاً بين أطرافه وتسوده الثقة المتبادلة والشفافية والصراحة في طرح القضايا والمسائل.لكن وبكل أسف اقول:هذا غير متوفر في معظم الحوارات الإسلامية المسيحية، كما هناك الكثير من المعوقات والعقبات تقف في طريق تطوير الحوار بين مسلمي الشرق ومسيحييه وتجعله حواراً ضعيفاً ومبتوراً من الأساس، إذ لا أهداف ولاأجندة واضحة ومحددة لهذا الحوار.والأهم من كل هذا وذاك، إن الحوارات (المسيحية الإسلامية) تجري وتقام في مناخات سلبية وغير مشجع على الإطلاق.إذ تغيب، بنسب متفاوتة، عن معظم المجتمعات (العربية والإسلامية)، الحريات السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية، بالمقابل تتنامى فيها الأفكار السلفية الظلامية وتنتشر روح الحقد والكراهية ضد كل ما هو غير مسلم وغير عربي، حيث بقيت تسيطر عقدة (الحروب الصليبية) على ذهنية وتفكير الكثير من المسلمين في الشرق. فقد اتهم أحد المتكلمين الرئيسيين (عبد المجيد الصغير)الأكاديمي في جامعة الرباط، في مؤتمر حوار الأديان في الدوحة(قطر) الذي عقد في شهر يونيو 2005: اتهم العالم المسيحي بقيادة الولايات المتحدة بشن( حملة تنصير واحتلال) على العالم الإسلامي.وأضاف: ((ان الجميع تقريباً بمن فيهم رؤساء الدول والمفكرون ورؤساء كبرى الكنائس مختلفة المذاهب منخرط في تكريس ايديولوجية علنية واحدة مفادها ضرورة دعم اسرائيل واحتلالها القدس واعادة اقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى باعتبار هذا الثالوث ميثاقاً عقدياً مسيحياً أصيلاً واستراتيجية ضرورية تمهيداً لنهاية التاريخ واستعجالاً لعودة المسيح)).
جدير بالذكر أن بابا الأقباط ( شنودة) اتخذ قراراً بالحرمان الكنسي – وهو أخطر ما يقع على المسيحي من حيث علاقته بكنيسته - بحق كل قبطي يحج الى( القدس) وهي محج جميع مسيحيي العالم حيث فيها أقدس مقدسات المسيحية، تذرع بأن القدس محتلة من قبل اليهود الصهاينة.مع احترامنا الشديد لقداسة البابا شنودة، لكن قراره هذا لا ينسجم قطعاً مع القيم والأخلاق الدين المسيحي وروحه القائمة على التسامح والمحبة، و البعيدة كل البعد عن السياسة والتسييس.وأغلب الظن أن قرار (شنودة) هذا يعكس الشعور القبطي والمسيحي عامة بالضعف وهو جاء لإرضاء الشارع الإسلامي المتطرف وتجنب غضبه وشروره.كما وقد اعترض البابا (شنودة) على حضور وفقد قبطي مصري مؤتمر الأقليات بحجة أن الأقباط ليسوا أقلية بل أنهم من صلب النسيج الوطني المصري، وهو يتحفظ على المؤتمرات القبطية في الخارج. لكن مع هذا، عندما اشار(شنودة) الى بعض معانات الأقباط المصريين وضعف تمثيلهم في البرلمان والمؤسسات المصرية، شنت عليه العديد من الصحف المصرية هجوماً كاسحاً وشككت بوطنيته.في حين أن شيخ الأزهر(الشعراوي) كان قد صلى ثلاث ركعات لهزيمة العرب في حرب حزيران 67، إذ كان يخشى من أن تحكم (الشيوعية) مصر والبلاد العربية لو انتصر العرب على الإسرائيليين.وعندما عاد الرئيس المصري(أنور السادات) من زيارة القدس عام 1977خرج لاستقباله أكثر من أربعة مليون مصري وتم وصفه بـ(بطل السلام).وفي أحد الحوارات (الإسلامية المسيحية) لعام 2004، بدلاً من أن يطرح بطريرك السريان الأرثوذكس (زكا عواص الأول) ما يتعرض له السريان والمسيحيين عامة من تهميش سياسي وتعريب في سوريا ويطالب بحقوقهم الثقافية ومساواتهم بالعرب المسلمين، بدا موقفه وكأنه يستجدي الطرف الإسلامي، ليظهر ملكاً أكثر من الملك، فقد مجد التاريخ العربي الإسلامي وطالب برفع راية العروبة والإسلام عالياً وضرورة الإسراع في تحقيق الوحدة العربية، وتنكر على السريان انتمائهم للقومية الآشورية والهوية السريانية وألبسهم العباءة العربية، لينال شهادة بالوطنية والقومية العربية من الطرف العربي المسلم.
ومن المهم جداً أن نشير في سياق هذه الدراسة الى (القمة الاسلامية) الاستثنائية الأخيرة التي عقدت في مكة ( 6-7/12-2005) وقد تجاهلت كلياً حالة الظلم والحرمان والاضطهاد الديني والسياسي الواقع على المسيحيين في الدول الإسلامية ولم يحمل بيانها الختامي أية إشارة الى ضرورة احترام حقوق وحرية الأقليات المسيحية في المجتمعات الإسلامية ومساواتها مع المسلمين.في حين تباك المؤتمرون على وضع المسلمين في كل من كشمير وقبرص.وقد دعا البيان الختامي للقمة الى بذل الجهود من أجل استعادة مدينة القدس والمحافظة على طابعها (الإسلامي) والتاريخي، وكأن القدس-وهي تضم أقدس مقدسات المسيحية، من كنيسة المهد وكنيسة القيامة-لا يوجد فيها مسيحيين وهي ليست (مهد المسيحية) وقبل أن يغزوها الإسلام.كما طالب البيان بعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، وكأن به يفتي أو لا يمنع تكفير أتباع الديانات الأخرى وبالتالي مشروعية (سفك دمائهم).فهذه (القمة الإسلامية) لم تبتعد كثيراً عن جوهر ما اتخذته (القمة الإسلامية) في باكستان 1981من توصية تقضي:((بإفراغ الشرق العربي الإسلامي من المسيحيين)).كما أن تمسك حكومات هذه الدول ببقاء(الإسلام) دين الدولة أو دين رئيسها والشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع، ترك آثار سلبية على الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في مجتمعاتها وافقد المسيحيون دورهم التاريخي المتميز.حتى (لبنان) التي كانت تتميز بنظامها السياسي والاجتماعي
 الديمقراطي الحر، بدأ الحصار على هذا النظام وهي مهددة اليوم بالتحول الى دولة اسلامية شيعية على النمط الإيراني.على ضوء هذه الوقائع والمعطيات يبدو أن هناك مسعى اسلامي رسمي وشعبي، غير معلن، جاد لتهميش المسيحيين وإخراجهم من المعادلة السياسية والثقافية والاجتماعية للمنطقة- وهم السكان الأصليين لهذا الشرق- بحجة التشكيك بولائهم لأوطانهم وانحيازهم للغرب المسيحي.
ألا تعكس هذه المواقف والسياسات الرسمية لحكومات الدول الإسلامية، سياسة عنصرية تجاه (المسيحيين) واتجاه كل من هو غير مسلم..؟. وهنا نتساءل:هل في ظل مثل هذه الأجواء والمناخات يمكن أن يقام حوار اسلامي مسيحي جاد ومثمر..؟ قطعاً لا.فهذه المناخات الغير طبيعية والغير صحية تجعل من الحوارات (الإسلامية المسيحية) من غير أفق أو أمل ومن غير جدوى.وهي ستبقى في اطار المجاملات، تحوم حول العموميات والقضايا اللاهوتية والمشكلات الأخلاقية، كالموقف من الإباحية والعلمانية والحلال والحرام، و الحديث عن التاريخ المشترك، دون الدخول في عمق المشكلات الحياتية والقضايا الجوهرية الراهنة التي تشغل وتقلق المسيحيون في دول العربية والإسلامية والبحث في الأسباب الحقيقة لهجرتهم من هذه الدول، في مقدمة هذه التحديات يأتي:
- القهر الديني والاجتماعي، ظاهرة (التمييز الديني)، تفضيل المسلم على غير المسلم، التي تسود المجتمعات الإسلامية.
- (الخوف على المصير) في ظل دولة (الخلافة الإسلامية) التي ينشدها وتسعى اليها غالبية التيارات الإسلامية، خاصة إذا كان القائمين على هذه (الدولة الإسلامية) من الإسلاميين المتشددين والمتطرفين في تطبيق الشريعة الإسلامية على كل ما هو غير مسلم، و قد تعيد بالمسيحيين الى (نظام الذمية).
- القهر القومي والسياسي ظاهرة( التمييز القومي والسياسي)، بالنسبة للمسيحيين من غير العرب، وهم يشكلون النسبة العظمى من مسيحيي المنطقة، كالأقباط والآشوريين(سريان/كلدان) والأرمن، والسعي لتذويب وطمس هويتهم القومية وخصوصيتهم الثقافية في بوتقة القومية العربية والإسلامية.ويمكن وصف الوضع السياسي الراهن للمسيحيين من غير العرب بـ(النظام الذمية السياسية).
إذاً، لا مستقبل لأي حوار (مسيحي اسلامي) ما لم يضع في أولى مهامه وعلى أجندته معالجة كل هذه التحديات وغيرها من المخاطر المحدقة بالمسيحيين في الشرق، والتي لا تعيق اندماجهم في مجتمعاتهم فحسب وإنما تهدد استمرار بقائهم في أوطانهم الأم، فبقاء هذه التحديات يعيق انتشار الديمقراطية والحريات و تمنع قيام دولة القانون والحق والعدالة والمساواة في حقوق المواطنة في دول الشرق العربي الإسلامي.



كاتب المقال سوري/ مهتم بحقوق الأقليات، عضو مكتب سياسي في المنظمة الآشورية الديمقراطية


shosin@scs-net.org [/font] [/b]




171
                                           الخطأ والخطر في (اعلان دمشق) 




حظي (اعلان دمشق- للتغيير الوطني الديمقراطي)،الذي أصدرته أحزاب ومجموعات سياسية وحقوقية ومدنية سورية معارضة في السادس عشر من تشرين الأول الماضي،باهتمام اعلامي لافت على اعتبار أن هذا الإعلان شكل نقلة نوعية وتطور مهم في خطاب وموقف المعارضة من (النظام القائم) في سوريا،بانتقالها من نهج (الإصلاح) الى نهج (التغيير) بتأكيدها وعبر (إعلان دمشق)على :((أن عملية التغيير الجذري قد بدأت، بما هي فعل ضرورة لا تقبل التأجيل نظراً لحاجة البلاد اليها...والموقعون على هذا الإعلان: يرفضون كل أشكال الإصلاحات الترقيعية أو الجزئية أو الالتفافية ...وهم يعاهدون  على العمل من أجل إنهاء مرحلة الاستبداد واستعدادهم لتقديم التضحيات الضرورية من أجل ذلك، وبذل كل ما يلزم لإقلاع عملية التغيير الديمقراطي...)).وتأسيساً على هذا الكلام، بعض الأوساط السياسية اعتبرت(اعلان دمشق):(بلاغ رقم 1) وبدء العد العكسي لتحرك المعارضة باتجاه (اسقاط النظام) وانهاء حالة (الاستبداد السياسي) في سوريا.
 من دون شك،ان الاهتمام الإعلامي الذي حظي به (إعلان دمشق) لا يأتي فقط من اللهجة الجديدة والتصعيدية التي خرج بها، وإنما أيضاً من توقيت صدوره في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي تمر بها المنطقة والضغوط الدولية التي تمارس على سوريا ونظامها السياسي على خلفية جريمة اغتيال الحريري.وترى العديد من الأطراف السورية،خاصة تلك المقربة من السلطة،أن صدور (إعلان دمشق)لا يمكن عزله أو تحييده  عن هذا الظرف الإقليمي والدولي الراهن والضاغط على سوريا، وزادت شكوك هؤلاء بأهداف( اعلان دمشق)،بعد مسارعة العديد من تيارات المعارضة السورية في الخارج- الممنوعة في سوريا في سوريا- للانضمام لإتلاف اعلان دمشق و تضامنها معه، كـ(حركة الأخوان المسلمين)و (حزب الإصلاح) الذي يتزعمه فريد الغادري المقيم في واشنطن.في حين نفت أطراف المعارضة أن تكون للأوضاع الراهنة أية علاقة بصدور هذا الإعلان.وقد قال الأستاذ(ميشيل كيلو) في مقال له يرد على المشككين: (( أن الحوارات حول اعلان دمشق جرت منذ ستة اشهر وأنه كان من الممكن أن يصدر قبل ميليس ولجنته الدولية...عندها كان المشككون سيبحثون عن حجج أخرى لتهمهم)). و في مكان آخر قال : ((أن معارضة الداخل ليست مسئولة عن تأييد أطراف من معارضة الخارج لإعلان دمشق، فهي لم تنسق معهم ولم تحاورهم في شأن هذا الإعلان)).
وإثر صدور قرار مجلس الأمن 1636،الذي فتح باب العقوبات الدولية على سوريا في حال أبدت عدم تعاونها التام مع اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق في جريمة (اغتيال الحريري)،ارتفعت حرارة النقاش والجدل الدائر في الأوساط السياسية والثقافية السورية حول (اعلان دمشق)، بين من أيده بتحمس شديد وبين من رفضه بشكل قاطع وبين من قبل به مع التحفظ على بعض بنوده. واللافت في هذا السجال المفتوح،أن الجميع يستند بموقفه الى (الخطر القائم) على البلاد،المؤيدون للإعلان يرون في الإسراع بتحقيق التغيير أو البديل الديمقراطي،أفضل الخيارات وأضمنها لإنقاذ سوريا من الخطر الذي يهددها، والرافضون له  يجدون بان الأولوية يجب ان تكون لمواجهة الخطر  وليس للحديث عن الديمقراطية والتغيير في سوريا وهم يعتبرون الضغط من الداخل على النظام المضغوط من الخارج يعقد الأوضاع و يدفع باتجاه تفاقم الخطر على سورية ويهدد وحدة الدولة والمجتمع.وبالرغم من التوضيحات التي قدمها الموقعون على إعلان دمشق بأن اعلانهم هو برنامج للانتقال بسوريا من دولة أمنية الى دولة سياسية ديمقراطية، وتأكيدهم على الخيار السلمي في الوصول الى هدفهم، لكن هذا لم يبدد مخاوف السوريين -التي يعمل النظام على تضخيمها- من عملية ومضاعفات التغير في سوريا، هذه المخاوف تعود بأسبابها الأساسية الى خصوصية وطبيعة كل من النظام القائم والمعارضة في سوريا.
إذ مازال الكثير من السوريين يتخوف من أن يؤدي اضعاف النظام، إن كان بفعل الخارج أو الداخل، الى فراغ و فوضى عامة في البلاد، أو المجيء بـ(الإسلاميين) الى السلطة عبر (صناديق الاقتراع)في ظل ميزان القوى السياسية الراهن، بمعنى آخر الخوف من استبدال (الاستبداد السياسي) القائم في سوريا الذي بدأ ينحسر ويتآكل وتتفكك  أركانه من داخله شيئاً فشيئاً بـ(استبداد ديني) جديد، وربما يحتاج الشعب السوري لحقبة تاريخية سياسية طويلة للتخلص منه خاصة وأن هذا (الاستبداد الإسلامي) سيرتكز على مقولات ومفاهيم دينية محاطة بالقداسة المطلقة وهي غير قابلة للنقد والتحليل.وقد زادت هذه المخاوف بعد الانتخابات البرلمانية المصرية التي حقق فيها الإسلاميين فوزاً مهماً في دورتها الأولى والثانية وسقطت فيها جميع قوى وأحزاب المعارضة الأخرى، من يسارية وقومية وليبرالية،إذ أن اللوحة السياسية السورية لا تختلف كثيراً عن اللوحة السياسية المصرية.فالكل في سوريا يدرك ضعف تيارات المعارضة المدنية (اليسارية والقومية والليبرالية) السورية ومدى تعشعش فكر (الأصولية الإسلامية) في قاع المجتمع السوري،وقد برزت وبوضوح قوة الإسلاميين في اعلان دمشق وتأثيرهم أو نفوذهم داخل المعارضة ذاتها والممثلة بشكل أساسي بـ(التجمع الوطني الديمقراطي)، ذلك من خلال تضمين( إعلان دمشق) افكار ومقولات اسلامية مأخوذة من خطاب (الإخوان المسلمين) مثل: (اعتبار الإسلام المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب) - طبعاً من غير أن يحدد هذه الأمة، فقد تكون (الأمة الإسلامية) هي المعنية- وبسبب إقحام هذه المقولات والمفاهيم الإسلامية في اعلان يدعو لـ(التغير الديمقراطي) رفض الآشوريون و معظم القوى والتجمعات الليبرالية والعلمانية  السورية،الانضمام الى هذا الإتلاف.لا شك،أن اعتبار سوريا جزء من (المنظومة العربية) بدلاً من جزء من (أمة عربية) يعد تطوراً لافتاً ومهماً في موقف المعارضة (العربية) السورية من قضية الانتماء والهوية الوطنية لسوريا، لكن التأكيد على (الإسلام) واعتباره (المكون الأبرز) في حياة الأمة والشعب، قلل ليس من شأن والمكانة الوطنية للمكونات الثقافية والدينية السورية الأخرى التي سبقت الإسلام بقرون طويلة ودخلت في تركيبة الهوية الوطنية لسوريا ومازالت شرائح واسعة من السوريين تتعايش مع هذه الثقافات، كالثقافة الآشورية(السريانية) والمسيحية عامة فحسب، وإنما قلل من أهمية ومكانة الانتماء للعروبة والثقافية العربية ذاتها ايضاً.فإبراز (الإسلام) وتفضيله أو تمييزه على بقية الانتماءات السورية الأخرى جاء على حساب الانتماء للهوية الوطنية السورية الجامعة وتقويضاً لها،كما أنه يشرعن لظاهرة  (أسلمة) المجتمع السوري، وهذا أخطر ما في الإعلان، وهو ينسف منذ البداية مفهوم (الدولة الوطنية)لصالح الدولة الدينية العقائدية (الإسلامية) ويلغي (دولة المواطنة)، كما ويمنع قيام ديمقراطية ومساواة حقيقة في المجتمع السوري وهذا، من دون شك، يتنافى مع مبادئ وشرعة حقوق الإنسان ويتعارض مع الديمقراطية التي يدعو لها الإعلان.أعتقد أنها غلطة سياسية كبيرة وقعت فيها (المعارضة السورية) بإقحامها (الإسلام)في الإعلان ودخول (الإخوان المسلمين) على خط التغيير الديمقراطي، فهذا الإقحام (الإسلامي الأخواني) لم يكن في صالح المعارضة السورية ومشروعها الديمقراطي،وقد يكون سبباً في الفشل السياسي لـ(إعلان دمشق) بالرغم من النجاح الإعلامي المقبول الذي حققه في أيامه الأولى.
سليمان يوسف ... كاتب سوري  آشوري

----------------------
نشر المقال في ايلاف
عضو مكتب سياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org
 

172
سورية أمام المحك
[/b]



اتجاهات
التاريخ: الثلاثاء, 01 نوفمبر, 2005 
سليمان يوسف

بعد أن، رحب مجلس الأمن الدولي بالنتائج الأولية التي قدمها القاضي ديتليف ميليس في تقريره الخاص بالتحقيق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وقد حمل التقرير اتهامات واضحة وصريحة لضباط أمنيين كبار، لبنانيين وسوريين، يشتبه بتورطهم في هذه الجريمة السياسية، ووافق جميع أعضاء مجلس الأمن على القرار 1636 الذي يلزم سورية بالتعاون التام مع اللجنة الدولية لاستكمال التحقيق ويهدد ببحث "اتخاذ مزيد من الاجراءات-عقوبات- إذا لزم الأمر ضد سورية في حال امتنعت عن التعاون"، ثمة سؤال كبير يطرح نفسه في هذه القضية: هل قرأت القيادة السورية،بشكل جيد، الرسالة الدولية وتوقفت عند "الإنذار" الذي ينطوي عليه هذا الإجراء الدولي وهو يستند الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن تنفيذ أي قرار لمجلس الأمن اجباري بالنسبة لجميع أعضاء المنظمة الدولية ويحدد أسس فرض العقوبات.
بغض النظر عن مدى صحة ودقة الاتهامات التي حملها تقرير القاضي الدولي ديتليف ميليس لسورية وافتقاره الى الأدلة والقرائن القطعية، وضع هذا التقرير سورية في مواجهة المجتمع الدولي وامام خيارات صعبة جداً. فقد أعطى هذا التقرير كل الحجج والذرائع التي كانت تبحث عنها وتنتظرها الإدارة الأميركية للضغط على سورية ومعاقبة نظامها القائم لأكثر من سبب. من دون شك، هذه الأسباب تتجاوز "الموضوع اللبناني" وتتصل بطريقة تعاطي النظام السوري مع الملفات الإقليمية الساخنة، لكن كل هذه التفاصيل والقضايا الهامشية التي تتحدث عنها سورية وتحاول إقناع المجتمع الدولي بصحة وسلامة الموقف السوري منها للحد من الضغط عليها، لا تهم الأسرة الدولية ولن يتوقف عندها أعضاء مجلس الأمن الدولي عند مناقشته لـ"الملف اللبناني".
ان الواقعية السياسية تتطلب اليوم من القيادة السورية الحكمة والموضوعية في التعاطي بجدية كاملة مع أزمتها الراهنة مع المجتمع الدولي، فلم يعد مفيداً ومجدياً للدبلوماسية السورية الاكتفاء بنفي التهم ورفض نتائج التحقيق التي حملتها تقارير ميليس ولارسن الخاصة بـ"الملف اللبناني" واتهامهما بتسييس التحقيق، فهذا الرفض لن يؤثر على موقف المعنيين في هذه القضية. وإنما المفيد لسورية هو أن تقوم القيادة السورية بكل ما من شأنه أن يبدد غيوم العاصفة التي تتجمع فوق سورية ويخرج البلاد من دائرة الشك والاتهام والخطر، ذلك بسحب الذرائع من يد أميركا، التي لم تخف رغبتها بتغيير النظام السوري أو على الأقل إجباره على تغيير سلوكه وسياساته الإقليمية. المتتبع للسياسة السورية وقراءة خطابها الرسمي وهو يستعيد لغة وشعارات محنطة ومقولات سياسية مؤدلجة مهزومة عفا عليها الزمن، ويراقب ما شهدته شوارع المدن السورية من مسيرات وتظاهرات جماهيرية حاشدة، للتنديد بالضغوط الأميركية ورفض التهم التي حملها تقرير ميليس لسورية- وهو يذكرنا بخطاب وسلوك النظام العراقي الذي قاد العراق الى الحرب والدمار- يبدو له "النظام السوري، حتى الآن وهو في أشد وأصعب أزماته، لم يقدّر بشكل جيد مخاطر وتداعيات استمرار أزمته الراهنة مع المجتمع الدولي وانفجارها، كما أنه لم يقرأ المتغيرات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على المنطقة كما يجب، وخاصة ما جرى ويجري للعراق. فما أكبر التظاهرات التي شاهدها العالم، ليس في المدن العراقية فحسب وإنما في العديد من العواصم الأوروبية الرافضة للحرب على العراق، لكن هذه التظاهرات والاحتجاجات لم تحول دون وقوع الحرب ووقف الغزو الأميركي للعراق. فهل سنجد سيناريو عراق آخر في سورية..؟ أم ستنجح القيادة السورية، في الوقت الإضافي المتبقي أمامها، حتى الخامس عشر من شهر كانون الأول المقبل، في انتزاع فتيل الأزمة وتجنيب البلاد من خطر الانزلاق الى المواجهة مع المجتمع الدولي...؟
لا شك، تبدو هذه مهمة صعبة على الدبلوماسية السورية التي تقودها وتتحكم بها "العقلية العسكرية"، وقد أثبتت فشلها وضعفها حتى الآن في إقناع العالم ببراءة سورية من جريمة اغتيال الحريري وازالة الشكوك بسلوكها السياسي في تعاطيها مع العالم الخارجي. لكنها، بكل تأكيد، ليست بمهمة مستحيلة، إذا تخلت الدبلوماسية السورية عن طبيعتها الأمنية وأحسنت التصرف والدخول من البوابة الأوروبية والاستفادة من التباين القائم بين الموقف "الأميركي/البريطاني" وموقف بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خصوصا الموقف الروسي والصيني والفرنسي، من قضية فرض العقوبات على سورية ومعاقبة نظامها السياسي، وكسب ثقة الأسرة الدولية في الأمم المتحدة، من خلال التعاطي بايجابية وشفافية كاملة مع رغبة المجتمع الدولي في معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الحريري.
ويمكن للدبلوماسية السورية أن تبدأ من حديث الرئيس بشار الأسد لشبكة التلفزة الأميركية "CNN" في 12-10- 2005، الذي نفى فيه تورط سورية بهذه الجريمة وأبدى استعداده للتعاون التام مع لجنة التحقيق ومحاسبة كل شخص سوري متورط في هذه الجريمة، وقوله: "يعتبر في القانون السوري خائن ويعاقب بأشد العقوبات وهذه خيانة ومن الطبيعي أن نحاكمه أو أن يحاكم في مكان آخر".
فلم يبق أمام سورية من خيارات، لتجنب خطر الإعصار السياسي والعسكري الذي يهددها، سوى خيار تنفيذ ما نص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1636، أي التعاون التام مع اللجنة الدولية لاستكمال التحقيق والوصول الى الحقيقة في جريمة اغتيال الحريري. فلتثبت سورية براءتها من هذه الجريمة التي انشغل العالم بها أو التضحية بكل سوري يثبت التحقيق وبالدليل القاطع تورطه فيها.
• كاتب سوري آشوري
مهتم بحقوق الأقليات

 

--------------------------------------------------------------------------------
هذا المقال من قبل AlbaladOnline.com
 

173
رياح التغيير تعصف بالمنظمة الآثورية الديمقراطية
سليمان يوسف

لقد قطعت(المنظمة الآثورية الديمقراطية)، في السنوات الأخيرة، شوطاً مهماً باتجاه ابراز قضية (الحقوق القومية والديمقراطية) للآشوريين السوريين الى الرأي العام السياسي السوري عبر انفتاحها على الحركة الوطنية السورية بكل تياراتها السياسية وطيفها القومي والثقافي وعلى منظمات ولجان المدافعة عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، وحققت حضوراً إعلامياً مقبولاً داخل الوطن وخارجه.
هذه الإطلالة السياسية لـ (المنظمة الآثورية الديمقراطية) واقترابها من قوى وتيارات المعارضة السورية وانخراطها كفصيل آشوري وطني فاعل ونشط في الحراك السياسي الساعي للتغير الديمقراطي في سوريا أثار حفيظة السلطات السورية التي تتبع سياسة (فرق تسد) بالداخل السوري،لذلك بدأت بالضغط على المنظمة، كما تفعل مع بقية قوى المعارضة الوطنية، بطرق وأساليب مختلفة، كالأستدعاءات الأمنية  والتهديد بالاعتقال ومنع نشاطاتها العلنية، لثنيها عن خطها السياسي ومواقفها القومية والوطنية.
وبكل أسف،استجاب البعض في قيادة المنظمة سريعاً لهذه الضغوطات الأمنية، في مقدمتهم مسؤول المكتب السياسي( ب.س)، وبدأ يشكل وجوده في موقع القيادة إرباكاً حقيقاً لعمل المنظمة، بعد أن أخذ يمارس دور (الرقيب الأمني السلطوي)و الوصاية على (خطابها السياسي)وعلى جريدتها الرسمية (نشرو)، حتى بدت خاوية فكرياً وفاقدة لقيمتها السياسية، كذلك بدأ يتدخل في تحرير وما ينشر من مواد في  الموقع الإلكتروني للمنظمة وأوصى القائمين عليه بعدم نشر أي مادة للكاتب وعضو المكتب السياسي( سليمان يوسف).
وقد قال لي أحد القائمين على هذا الموقع غاضباً إثناء جولتي الأخيرة الى أوربا- وقد طلب إعفاءه من مهمة تحرير الموقع بسبب التدخلات الغير مبررة والسافرة بشؤون الموقع من قبل السيد ( ب.س)- قال حرفياً : (( أريد أن أعرف هل السيد(ب . س) ينفذ توجيهات (المكتب السياسي) للمنظمة أم توجيهات (الأمن السياسي) السوري)). هذا وقد بات دور (الوصاية الأمنية) للسيد(ب . س) أكثر واضحاً ومكشوفاً، مع تراجع (السلطات السورية) عن سياسة (غض النظر)تجاه نشاط الأحزاب المحظورة-تعد المنظمة الآثورية الديمقراطية من ضمن هذه الأحزاب-وتشديد (القبضة الأمنية) والحصار على الحراك السياسي الديمقراطي المعارض.
ومنذ (التظاهرة الآشورية) في مدينة الحسكة على خلفية مقتل شابين آشوريين على أيدي متطرفين عرب في تشرين الأول من عام 2004، بدأ يعترض(مسؤول المكتب السياسي) ويحتج على ما أكتبه كـ(عضو مكتب سياسي) من مقالات في بعض الصحف اللبنانية والعربية والتصاريح السياسية التي أدلي بها لوسائل الإعلام حول أبعاد وتداعيات هذه (التظاهرة الآشورية)، وحول مواقف المنظمة من التطورات والأحداث السياسية التي تحصل في سوريا من حين لآخر، والتي تحمل غالباً انتقادات صريحة لسياسات النظام وحزب البعث تجاه حقوق الآشوريين والقوميات الغير عربية والحقوق الديمقراطية للشعب السوري عامة.
وبدأ السيد(ب . س) يملي مواقفه وآراءه على (المكتب السياسي) بطريقة لا تخلو من التسلط والدكتاتورية والتفرد بالرأي، ويهدد بإصدار تصريح يبرئ (المكتب السياسي  والمنظمة) من كل ما أكتبه ومن كل ما أدلي به من تصاريح. في هذه الإثناء،استدعيت مرات عديدة،من قبل الفروع الأمنية في مدينة القامشلي،آخرها الأمن السياسي (بتاريخ 27/تموز 2005)- بناءاً على كتاب شعبة الأمن السياسي بدمشق- على خلفية ما أكتبه في الصحف،وتم إنذاري من عواقب استمراري في انتقاد البعث والسلطة.وكانت المفاجئة والصدمة: أن فرع (الأمن السياسي) وكذلك( أمن الدولة) هم على علم كامل بكل ما  يجري من نقاش وخلافات داخل اجتماعات (المكتب السياسي) للمنظمة.
وقد كشفت لي الجهات الأمنية بان العديد زملائي في (المكتب السياسي) غير موافقين على ما أكتبه و على ما أصرح به وأنا لا امثل سوى نفسي بكل ما أكتبه، لذلك سأدفع وحيداً ثمن مواقفي السياسية.بعد هذا الاستدعاء الأخير، واستمراري بالكتابة، أسرع السيد(ب.س)، وبطريقته المعهودة (العنجهية) على إصدار (التصريح) الذي طالما هدد به،وقد صدر فعلاً بتاريخ(27-آب الماضي) جاء فيه :((..أن ما يكتبه بعض الرفاق أعضاء المنظمة الآثورية الديمقراطية، من مقالات في الصحف أو المواقع الالكترونية المختلفة، أو ما ينقل عنهم من تصاريح لوسائل الإعلام المختلفة، إنما تعبر عن آرائهم وقناعتهم الشخصية فقط...وان الناطق الرسمي هو تحديداً مسؤول المكتب السياسي...)، وبموجب هذا (التصريح المشبوه) جرد جميع أعضاء (المكتب السياسي)من صلاحياتهم  وحقوقهم السياسية ومن حق التعبير عن سياسية ومواقف المنظمة من أي حدث سياسي داخل الوطن وخارجه،طبعاً محتفظاً لنفسه فقط  بهذا الحق.
بالطبع هذا التصريح يتعارض بشكل كلي مع (النظام الداخلي) للمنظمة الآثورية الديمقراطية،الذي يعطي جميع أعضاء المكتب السياسي، بشكل صريح لا لبس فيه، (في المادة 41- فقرة سادسة) حق: (( التحدث باسم المنظمة أمام المحافل الدولية والهيئات الوطنية والدولية))، لا بل هذا واجب عليهم.جدير بالذكر أن مسودة التصريح كانت قد أعدت وهي تحمل أسمي لتخصني وحدي لأنني أكاد أكون الوحيد، من بين أعضاء المنظمة، الذي يكتب في الصحف ويصرح لوسائل الإعلام، لكن بعد أن أبلغت الزملاء في (المكتب السياسي) بأنني أعطي لنفسي (حق الرد) على التصريح وتعريته إذا حمل أسمي، تم تعديل صيغته الى صيغة عامة مشترطاً السيد (ب .س)بالتوقف اعطاء التصاريح والكتابة في الصحف بصفتي عضو مكتب سياسي،وقد هدد بإعفائي من مهامي في حال لم ألتزم بالتصريح، علماً أن كل ما كتبته وصرحت به الى تاريخه  لم يخرج عن الثوابت الوطنية والقومية وعن نهج وسياسة المنظمة الآثورية الديمقراطية.
و يشهد الكل بأن كتاباتي وتصاريحي السياسية ساهمت بشكل كبير ولا فت في تعميم وترويج (المنظمة الآثورية الديمقراطية) كحزب سياسي آشوري وطني، في الأوساط السياسية والثقافية، داخل سوريا وخارجها. لكن بكل أسف أقول: أن السيد(ب.س)-وتحت ضغط السلطات الأمن السورية- كان يطالبني دوماً بالكف والتوقف عن انتقاد السلطات السورية والتوقف عن إعطاء التصاريح  والكتابة بصفتي السياسية كـ(عضو مكتب سياسي).هذا وهناك أكثر من معطى ومؤشر على أن (مسؤول المكتب السياسي) يعمل بحسب التوجيهات والنصائح الأمنية.
طبعاً الغاية من هذا التصريح لم تعد سراً، فهي تبرئة ذمته من كل ما أكتبه أو يكتبه أي عضو في المنظمة مستقبلاً ، يحمل انتقادات لسياسات لـ(لنظام السياسي السوري) هذا من جهة ومن جهة ثانية بسبب غيرته وأنانيته القاتلة من كل عضو آثوري يبرز على الساحة السياسية والإعلامية فهو يتعامل مع المنظمة كأنها(ماركة تجارية) مسجلة باسمه فلا صوت يعلو فوق صوت المسؤول، ومن جهة ثالثة أنه ما زال يحلم بموقع ما في الدولة السورية في ظل النظام القائم.
جدير بالذكر، أن صدور هذا (التصريح المشبوه – الكتاب الأسود) أثار موجة من السخط والاستنكار والشجب في مختلف الأوساط السياسية والثقافية الآشورية، داخل المنظمة وخارجها، في الوطن والمهجر، والتي أظهرت، مشكورة، تعاطفاً كبيراً معي ككاتب وكعضو مكتب السياسي ومع النهج السياسي الذي أعمل من أجل تكريسه وتجذيره داخل المنظمة،  ذلك عبر العديد من البيانات والرسائل الإلكترونية التي تلقيتها .
وبدأ يتفاعل(الشارع الآشوري) وبوتيرة عالية مع هذه القضية الحساسة والسابقة الخطيرة في تاريخ وحياة المنظمة الآثورية الديمقراطية، وهذا الاهتمام الجماهيري، من دون شك، يعكس حرص وغيرة هذه الجماهير على المنظمة وتمسكهم بها كطليعة سياسية للشعب الآشوري(سرياني / كلداني).وما كنت سأطرح هذه القضية الى الرأي العام لو لا ضغط (الشارع الآشوري) الذي تجاوز حالة الصمت والسكوت واللامبالاة المخجلة من قبل بعض القياديين الآثوريين تجاه التسلط والعنجهية التي يمارسها السيد مسؤول المكتب السياسي.قد يعاتبني وينتقدني البعض من الزملاء ومن أبناء شعبنا على المستوى الذي طرحت هذه القضية وتعميمها على الراي العام ونشرها عبر الصحافة، باعتبارها قضية تنظيمية داخلية يفترض أن تحل داخل أطر المنظمة.
هذا صحيح من حيث المبدأ، لكننا اليوم نعيش في ظل العولمة والانفتاح والثورة المعلوماتية،الطرق التقليدية والكلاسيكية في العمل السياسي لم تعد تجدي نفعاً وباتت كمن يواجه (الصاروخ بالمقلاع)، خاصة بالنسبة لنا كشعب وكمنظمة نتوزع في أنحاء العالم.
ثم التجارب السياسية أثبتت بان من الأسباب الأساسية لاستمرار الأنظمة والقيادات الدكتاتورية ( دول وأحزاب) لعقود طويلة في السلطة، هو أخفاء مشاكلها وعيوبها وفسادها باسم ضرورات السرية وأمن الدولة أو الحزب، عن الجماهير والشعب وعن الصحافة، لكن الحقيقة أن كل القيادات الدكتاتورية(سياسية وحزبية) تخفي عيوبها خوفاً من غضب الجماهير ومحاسبتها لها. وكما هو حال عموم الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، فهي لم تفكر بالتغيير وإصلاح ذاتها ما لم تضغط من (الخارج القوي) لأنها لا تخشى (الداخل الضعيف) والمسيطر عليه.
من هذا المنظور علينا أن نشارك جماهيرنا بمشاكلنا التنظيمية والحزبية ونحترم رأيها ونحتكم اليها، لأننا في النهاية منها نستمد قوتنا وشرعيتنا. وبات جلياً إن لم يتحرك الراي العام الآشوري وكوادر المنظمة وأنصارها وكل الغيورين عليها، وخاصة في المهجر الأكثر قدرة على الحركة والحرية في التعبير عن رأيها، وما لم تتسارع اللجنة المركزية للاجتماع والدعوة لـ(مؤتمر عام استثنائي) وإخراجها من النفق الذي أدخلها فيه مسؤول المكتب السياسي(ب.س) نتيجة احتكاره لمواقف المنظمة واختزاله لها بشخصه واستفراده بقراراتها ومصادرة أرادتها وارتهانها لسلطات الأمن السورية، ستعصف هذه الأزمة الخطيرة بالمنظمة الآثورية الديمقراطية وقد تسبب في وأدها.
إذ من المتوقع أن تتصاعد تداعيات الأزمة، وقد تحدث انشقاقات وتصدعات خطيرة في بنية المنظمة، في أدق وأخطر مرحلة تمر بها سوريا وشعوب المنطقة عامة،من ضمنها شعبنا الآشوري(سريان/كلدان). مرحلة تتطلب توحيد وتصعيد وتيرة العمل الآشوري وتكثيف الجهود من اجل رفع الغبن والاضطهاد الواقع على الآشوريين وإحقاق حقوقهم القومية والديمقراطية في سوريا وعموم دول المنطقة. 
ختاماً أقول وأؤكد: لكل الزملاء المخلصين في المنظمة الآثورية الديمقراطية ، ولكل الغيورين والمناصرين لها من أبناء الشعب الآشوري( سريان/كلدان)، داخل الوطن والمهجر، وقد مضى على وجودي في هذه المنظمة أكثر من ثلاثين عاماً متواصلة ، أقول: أن التزامي بالمنظمة لم ولن يكون يوماً لأجل المنفعة الشخصية  أو من أجل الوجاهة والمناصب، وإنما المنظمة كانت ومازالت بالنسبة لي مشروعاً وطموحاً،سياسياً، قومياً ووطنياً، وآلية و أداة لتحقيق، بقدر ما تستطيع، من حقوق للآشوريين ورفع الغبن والاضطهاد عن هذا الشعب العريق الذي غدر به التاريخ.
وعندما أصل الى قناعة بان لا أفق لهكذا مشروع سياسي، بسبب تركيبة المنظمة وعدم قدرتها على التحرر والتخلص من طبيعة الذهنية أو العقلية الانتهازية التقليدية والقاصرة سياسياً المسيطرة عليها، ساترك طوعاً وبضمير مرتاح هذه المنظمة. إذ هناك طرق وبوابات كثيرة لخدمة (القضية الآشورية) لمن يريد أن يخدمها. 
تقبلوا تحياتي القومية والوطنية الصادقة.

سليمان يوسف.....(عضو المكتب السياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية)-
shosin@scs-net.org
سوريا/ القامشلي
 [/size] [/font] [/b]

174
ماذا بقي لحرية الرأي في سورية؟


سليمان يوسف

بخلاف توقعات المتفائلين، الذين تنبأوا بحدوث مزيد من الانفراج السياسي والانفتاح الديموقراطي، على ضوء التوصيات والقرارات التي خرج بها المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم، تشهد سورية عودة الى سياسة تشديد القبضة الأمنية، بهدف التضييق على الحراك السياسي والثقافي المستقل، الذي تميزت به الساحة السورية في السنوات التي تلت تولي الرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم,فبعد اغلاق منتدى الاتاسي للحوار الديموقراطي في مايو الماضي، وسعت السلطات السورية دائرة المضايقات الأمنية لنشطاء هذا الحراك وكيل التهم لهم واعتقال البعض ومنع البعض الآخر منهم من مغادرة البلاد، وزادت من الخطوط الحمر امام وحول هذا الحراك بعد أن كانت الخطوط الحمر في السابق، تشمل فقط حركة الاخوان المسلمين التي خاضت عصياناً مسلحاً ودموياً ضد النظام وقامت بأعمال ارهابية داخل سورية في الثمانينات من القرن الماضي, وقد حالت الاجراءات والمضايقات الأمنية المشددة، دون انعقاد اللقاء التأسيسي للتجمع العلماني الليبرالي الديموقراطي الذي كان مقرراً في منطقة الزبداني في الخامس من شهر اغسطس، وفي السادس منه فاجأت قوات الشرطة والأمن لجان أحياء المجتمع المدني في دمشق، وهي تعقد اجتماعها الدوري العام، وقد أجبرتها على فض الاجتماع ومغادرة المكان، وفي العاشر منه حصل الشيء نفسه لملتقى العمل الوطني الديموقراطي في مدينة السويداء، وتكرر المشهد ذاته في العديد من المدن السورية، كما طالت المضايقات الأمنية، أحزاباً آشورية وأخرى كردية, جرى كل هذا بحجة أن «القانون يمنع عقد مثل هذه الاجتماعات واللقاءات» في حين أن الدستور السوري ــ المعطل بسبب قوانين الطوارئ ــ يكفل حرية الرأي والتعبير والكلمة والاعلان والاجتماعات السلمية لجميع المواطنين السوريين.
ان بعث الروح والحياة في القوانين الاستثنائية وانعاش العقلية الأمنية من جديد ــ والتي اعتبر البعض انها باتت جزءاً من الماضي ــ في مرحلة أحوج ما تكون سورية فيها الى مزيد من الانفراج السياسي للتخفيف من حالات الاحتقان وزيادة اللحمة الوطنية في المجتمع، انما تعكس، بشكل أو بآخر، عجز النظام عن تقديم الحلول والمعالجات الصحيحة لمشكلات وأزمات الواقع السوري، بدءاً من قضية الديموقراطية ومشكلة الفقر والبطالة واستفحال ظاهرة الفساد والبيروقراطية في مؤسسات الدولة,كما أن العودة الى نظرية المؤامرة وسياسة كيل التهم لناشطي ومثقفي الحراك السياسي (اتهم وزير الاعلام السوري مثقفين وكتاباً سوريين يكتبون في صحف تصدر في الخارج بأنهم سيكونون في المستقبل كتاب جريدة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية) يعكس مدى تخبط وارتباك السياسة السورية تجاه الأحداث والتطورات الدولية والاقليمية الضاغطة على سورية, ويشكل، التراجع عن الهامش المحدود للحريات، امتحاناً سريعاً لمدى جدية حزب البعث في تطبيق وتنفيذ تلك القرارات والتوصيات الخجولة التي خرج بها مؤتمره الأخير، والمتعلقة بالتعددية الحزبية والحريات الاعلامية والسياسية، وحصر استخدام قانون الطوارئ في قضايا أمن الوطن، وبات واضحاً أن تلك القرارات كانت التفافاً بعثياً على مطالب التغيير والتحول الديموقراطي في البلاد، وليحمي موقعه، كحزب قائد للدولة والمجتمع.
ان تراجع السلطات السورية عن الانفراج النسبي والتخلي عن سياسة غض النظر والتسامح مع الرأي الآخر،يؤكد من جديد، أن الديموقراطية الحقيقية والحريات لا يمكن أن تأتي بتوصية أو بقرار من حزب حاكم، وانما تحقق عبر صيرورة نضالية طويلة ومن خلال حدوث تحولات ثقافية وفكرية واجتماعية عميقة تبنى وتؤسس عليها الديموقراطية وتحتضنها,فبسبب افتقار المجتمع السوري الى التقاليد الديموقراطية والثقافة الليبرالية، وضعف المجتمع السياسي المدني والأهلي، سرعان ما تأخذ سياسة القبضة الأمنية مفعولها وتربك مختلف قوى وتيارات المعارضة السورية وتقلق معظم ناشطي الحراك الديموقراطي وتشل حركتهم, وللأسباب التي سقناها الى جانب أسباب أخرى، ذاتية وموضوعية، في مقدمتها الظروف السياسية والأمنية الصعبة التي أحاطت بالمعارضة السورية طيلة العقود الماضية، دفعت بالكثير من السوريين الى العزوف عن العمل السياسي وعدم التعاطي بالشأن العام، ونشوء معارضات نخبوية، غير متماسكة سياسياً وديموقراطياً، لم تستطع مد الجسور وفتح أقنية وبوابات التواصل والتفاعل بينها وبين قطاعات واسعة من الفئات المحرومة من الشعب السوري صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الديموقراطي وفشلت في تكوين رأي عام سوري قوي وفاعل يحتضن القضايا والمطالب التي تطرحها المعارضة ويدافع عنها.
مع استمرار الضغوط الخارجية على سورية، وتحرك الشارع السوري عبر الاحتجاج السياسي السلمي والهادئ (الاعتصامات الرمزية) على الأوضاع السائدة وصعود مشكلة الأقليات في الداخل السوري، من المتوقع أن تستمر السلطات السورية في سياسة تضييق الخناق على المجتمع السياسي المدني والأهلي المستقل، الذي يقف خلف الحراك السياسي والديموقراطي والنشاط الحقوقي المعارض، وسد كل ما تبقى من المنافذ والمنتديات المحدودة للرأي الآخر التي أثمرها ربيع دمشق القصير.
من دون شك، ان العودة من جديد الى سياسة الابعاد والاقصاء ومصادرة الحريات، ستزيد من تعميق الأزمة الداخلية وستسبب المزيد من الاحتقانات السياسية والاجتماعية في المجتمع السوري، وتقود في النهاية الى عكس النتائج المتوخاة منها، اذ لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ويزدهر من غير أن تتحرك قواه الحية التي تشكل مصدر فعاليته وديناميكيته، بحرية وبعيداً عن هيمنة السلطة ووصاية الحزب القائد، ومن غير أن تسوده العدالة والمساواة، ومن أن توجد فيه صحافة حرة تراقب عمل وأداء الحكومة وتلاحق مصادر الفساد وتشير الى مراكز الخلل في أجهزة السلطة ومؤسسات الدولة، ومن غير قضاء مستقل ونزيه، يعاقب المسيئين ويردع الظالمين ويرد الحق لأصحابه.

كاتب سوري آشوري مهتم بحقوق الأقليات، عضو مكتب سياسي في المنظمة الآشورية الديموقراطية سورية

175

نعم... يا قداسة البطريرك (زكا)...!

( دم العروبة يجري في عقولنا، وليس في عروقنا )

نظراً لحساسية المرحلة ودقتها بالنسبة للمستقبل السياسي والقومي للشعب الآشوري (السرياني) في سوريا والمنطقة عامة، ولأهمية القضية التي افتعلها البطريرك (زكا عواص) بقوله- متحدثاً باسم السريان-: ((..فنحن شعب عربي واحد،دم العروبة يجري في عروقنا، فلنوطد الوحدة الوطنية في الوطن العربي كله،لنرفع راية العروبة عالياً.))في مقالته المنشورة في جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 12-حزيران الماضي،ما زالت ردود الأفعال تتوالى على هذا الخطاب السياسي العروبي للبطريرك، الذي جاء بمثابة (بيان سياسي) صادر عن أعلى المرجعيات الدينية للسريان الأرثوذكس، أثار عاصفة قوية من الاحتجاجات والاستياء الشعبي ولدى الكثير من الأوساط السياسية والثقافية السريانية،داخل الوطن وخارجه، تستهجن موقف البطريرك من قضية الانتماء القومي للسريان، وهي تطالبه بالإسراع الى تصحيح الموقف والاعتذار عن خطأه التاريخي الكبير، والذي لا يقل خطورة عن الانقسامات المذهبية السابقة التي قوضت الوجود القومي للشعب الآشوري ومزقت وحدته وحولته الى طوائف ومذاهب وملل، وبسبب النزعات الطائفية والموقف اللامسؤولة للزعامات الدينية،حولوا الطوائف الى امارات وملكيات خاصة بهم، باتت كل من هذه الطوائف اليوم وتحت ضغط انتفاضة القوميات التي تعم المنطقة، تبحث لنفسها عن هوية قومية خاصة بها تميزها عن الأخرى، تبعدها عن تاريخها وانتمائها القومي الحقيقي لـ(القومية الآشورية) الأم.ومن المتوقع أن تتفاعل وتتصاعد الأزمة التي افتعلها البطريرك في هذه المرحلة الحساسة الحافلة بالأحداث والتطورات، التي تمر بها المنطقة، أحوج ما نكون فيها نحن (الآشوريون)- سريان، كلدان، آثوريين-الى توحيد رؤيتنا ومواقفنا مما يجري في المنطقة وعلى الساحة السورية من حراك سياسي وديمقراطي، لمواجهة التطورات والاستحقاقات التي ستفرضها المرحلة القادمة، والتي ستقرر من دون شك، المستقبل (السياسي) لهذا الشعب العريق الذي غدر به التاريخ. ولا استبعد أن يطالب الكثير من السريان بتنحي البطريرك زكا عن عرش (الإمارة السريانية) البطريركية  إذا ما أصر على موقفه السلبي.
  وبالطبع، سيكون لهذه الأزمة انعكاسات سلبية وخطيرة على وحدة ومستقبل (الكنيسة السريانية الانطاكية) ذاتها، فكما هو معروف، أن هذه الكنيسة، وهي أم الكنائس المشرقية واقدمها،بسبب الخلافات اللاهوتية والثقافية والإدارية عرفت، عبر تاريخها الطويل، انقسامات عديدة وتحولت الى كنائس وجماعات مختلفة فيما بينها،كان لتداخلات السياسية والسياسيين دور مهماً فيها،ويبدو أنها اليوم مهددة من جديد بالانقسام ، لأسباب (سياسية وأيديولوجية)، بدا نذيرها على خلفية المواقف السلبية الخاطئة لبعض رجال هذه الكنيسة من قضية الانتماء القومي والإثني لـ(الشعب السرياني) والنظر الى (السريان) على أنهم مجرد طوائف مسيحية، عربية الانتماء والهوية والقومية، تمشياً مع فكر وايديولوجية حزب (البعث العربي الاشتراكي) وبقية تيارات الحركة القومية العربية، التي ترفض النظر  لـ(السريان) على أنهم قومية متميزة والتنكر لحقوقهم السياسية والديمقراطية، خاصة وإن البيئة السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية السريانية مهيأة ومناسبة لحدوث مثل هذا الانقسام.
 في سوريا،  شعب سوري واحد وليس شعب عربي واحد:
 لا جدال على أن (العرب) هم أقرب الشعوب الى السريان(الآشوريين)، ولا أحد يتنكر لعمق العلاقة التاريخية والحضارية والثقافية والاجتماعية التي تربط بين الشعبين، لكن أن يفتخر المرء بهذه العلاقة ويعتز بها ويدعو للعمل من أجل تطويرها وتوطيدها لما فيه خير الشعبين و شعوب المنطقة وأوطانها شيء، وأن يطلب من (السريان)،وهم  أصحاب حضارة عريقة و مكون أساسي وأصيل في النسيج الوطني السوري،أن يتخلوا عن هويتهم وخصوصيتهم الثقافية والقومية ويبدلوا دمهم السرياني بالدم العربي ويلبسوا (العباءة العربية) حتى يقبل بهم العرب ويمنحنهم (صك الوطنية) وحق المواطنة، شيء آخر مختلف تماماً ومرفوض لا يقبل به السريان، تحت أية ذريعة كانت ومن أية جهة يصدر عنها هكذا موقف، لأن في هذا انتقاص من حقوقهم ومس لكرامتهم وإقصاء لهم والغاء لوجودهم.كان  من الأجدر بالبطريرك  زكا أن يقول:(( نحن  في سوريا، شعب سوري واحد، بثقافات ولغات وانتماءات وديانات متعددة، تجمعنا وتوحدنا الهوية السورية )) فكم يبدو هذا الكلام واقعياً ومقبولاً، وهو يعبر عن رغبة (السريان) ويعكس تطلعاتهم السياسية وتمسكهم بالوحدة الوطنية السورية التي تعرضت لانتكاسات عديدة في السنين الأخيرة.
وهنا نسال البطريرك زكا، وكل من يدعي عروبة (السريان):لماذا لم يحرك القوميون العرب وقادتهم، ساكناً عندما تعرض (السريان) لأبشع جريمة شهدها القرن العشرين، ربيع وصيف عام 1915 وذهب ضحيتها أكثر من نصف مليون شهيد (سرياني/كلداني/آشوري)،وقعوا في ( المذبحة الكبرى) التي نفذتها القوات العثمانية (التركية) بحق جميع مسيحيي السلطنة ، من أرمن وسريان وروم ويونان.حتى أن معظم كتب التاريخ العربي تتجاهل مذابح (السريان) الكثيرة التي حلت بهم إبان الاستعمار العثماني والأوربي للمنطقة، ولم تأت على ذكرها أبداً، في حين كتب التاريخ العربي في المدارس والمكتبات العربية، محشوة بعشرات المذابح العربية التي لم يتجاوز ضحايا الكثير منها بضعة عشرات من القتلى.نسأل أيضاً، البطريرك زكا، أين أنت من موقف البطريرك (الياس الثالث)، الذي أوفد في شباط 1920 المطران (أفرام برصوم) رئيس مطرانية سوريا، على راس وفد خاص يمثل الآشوريين السريان الى ((مؤتمر السلام)) في لندن ومن ثم الى باريس و لوزان، ليعرض عليه أحوال وأوضاع الشعب السرياني( الآشوري) وما تعرض له من نكبات اثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، حاملاً معه مذكرة من ست نقاط تتضمن مطالب وحقوق الآشوريين في بلاد ما بين النهرين، جاء في مقدمة المذكرة: (( نتشرف لنبلغ مؤتمر السلام بان قداسة بطريرك انطاكيا للسريان الأرثوذكس (الياس الثالث) أمنني وكلفني لنقدم أمام المؤتمر معاناة وأمنيات أمتنا الآشورية..)). 
على أية حال، لا أعتقد أن أهداف الترويج لمقولة( السريان هم عرب) باتت تنطلي على أحد، فلا يمكن النظر لمقال البطريرك (زكا عواص) في جريدة النهار، ولمقالات وتصاريح سابقة صدرت عن بعض رجال الكنيسة السريانية، خاصة في سوريا التي تضم أكبر تجمع للسريان وموطنهم القديم، وعاصمتها (دمشق) كانت أكبر الممالك الآرامية في القرن العاشر ق.م، إلا في اطار سياسة التعريب للتاريخ الآشوري(السرياني) التي تقوم بها (دولة البعث)، كذلك هي تأتي في سياق حملة التشويش والتضليل التي تتعرض لها (الحركة السياسية الآشورية) في السنوات الأخيرة والتضييق عليها، بعد أن بدأت تنفتح وتتفاعل مع حركة التغيير الديمقراطي في سوريا وباتت جزءاً منها،وفي وقت تشهد الساحة العراقية وخارجها مساعي مكثفة وحثيثة، تقوم بها مختلف الفعاليات السياسية والثقافية، (السريانية، الكلدانية، الآشورية)، لأجل توحيد (التسمية القومية) وتثبيتها في دستور الدولة العراقية وتعزيز وجودها كقومية أساسية وأصيلة ودعم مطالبها القومية والسياسية في العراق، كشعب واحد، مهما التصقت به من تلاوين مذهبية وطائفية.
ثمة حقيقة أساسية تبرز هنا، بعد هذا الجدل الحامي والسجال حول الأزمة التي فجرها البطريرك زكا، مفادها أن (الدم العربي) يجري في عقولنا نحن السريان وليس في عروقنا، كما ذهب قداسته في مقالته، فالبطريرك زكا عواص يدرك أكثر من غيره، بان (السريان) ليسوا عرباً، لكن بسبب هيمنة الثقافة العربية المؤدلجة لعهود طويلة و استمرار ثقافة الخوف وغياب الحريات الفكرية والقومية في سوريا،يرى نفسه مرغماً على قلب الحقائق والتنكر لها والاختفاء خلف ثقافة التضليل التي كرسها الاستبداد الشرقي في نفوس أبناءه.وقداسته لم يكتف بإشهار عروبته وسلخ الشعب السرياني عن تاريخه وهويته الآشورية، وإنما تجاوز مسالة الانتماء لـ(العروبة  الثقافية) الى الانغماس في (العروبة السياسية) وتبني أهدافها القومية بالدعوة الى إحياء مشروع (الوحدة العربية) ورفع راية العروبة عالياً، بعد أن  تلاشت آمال القوميين العرب أنفسهم بتحقيق هذا الحلم القومي، ليظهر البطريرك زكا بموقفه هذا، ملكاً أكثر من الملك، في صحوة عروبية  متأخرة جداً،كمن ذهب ليحج والناس راجعة.
سليمان يوسف يوسف...كاتب سوري آشوري.. مهتم بحقوق الأقليات
عضو مكتب سياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org
-----------------------------------------
هذا المقال نشر في موقع ايلاف           

176
لا.. يا قداسة البطريرك (زكا عيواص) !.
[/b]



 ((السريان... ليسو ...عرباً))

بالرغم من كل المكتشفات الأثرية القديمة والحديثة، وآلاف المصادر التاريخية التي  تؤكد وبشكل علمي قاطع، حقيقة كون (السريان- ASSYRIAN)، بمعظم مذاهبهم الكنسية، ينحدرون في أصولهم وجذورهم التاريخية، من آشوريي ما قبل التاريخ، الذين أسسوا مملكة ( دولة) آشورية سامية في (بلاد ما بين النهرين) في القرن الواحد والعشرون ق.م،وبالتالي هم ليسوا عرباً.لكن مع هذا، بقيت قضية الانتماء (الإثني أو القومي) للأقليات المسيحية التي تعيش اليوم في المنطقة، وخاصة (السريان)، مثار جدل دائم ونقطة خلاف بين العديد من  المثقفين والسياسيين العرب ومعهم بعض (السريان) المستعربين من جهة  والمثقفين الآشوريين(السريان) من جهة ثانية.أعتقد، بأن مواقف غالبية المثقفين و المؤرخين العرب من  قضية (انتماء السريان وأصولهم)تنبع من دوافع سياسية وأيديولوجية، قائمة على مبدأ  الغاء الآخر وصهر كل القوميات والأقليات الغير عربية في بوتقة ( القومية العربية).في حين أن مسالة الانتماء الإثني أو العرقي والقومي للشعوب، هي مسالة علمية موضوعية أنتربولوجية، لا تستطيع الرغبات أو الهواجس أن تغيرها أو تبدلها. قد يحصل أن تتغير البيئة السياسية لمجموعات بشرية محددة، وتمر بتحولات دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية، تكسب هذه المجموعات البشرية  ثقافة ولغة معينة تختلف عن ثقافتها ولغتها الأصلية، مثلما حصل لمجموعات سريانية عبر تاريخ طويل، لكنا هذا لا يغير من حقيقة أصولها الإثنية والقومية. فقد توالت على السريان(الآشوريين)، منذ سقوط آخر كيانهم السياسي 612 ق.م في بلاد ما بين النهرين،حكومات و شعوب وجيوش عديدة لها لغاتها وثقافتها المختلفة، غزت بلاد السريان(الآشوريين) واستعمرتها لقرون طويلة، وهذا يفسر حالة التنوع الثقافي واللغوي والديني التي نجدها اليوم لدى(السريان)،حيث توجد مجموعات سريانية/كلدانية/آشورية، تتحدث العربية وأخرى تتحدث التركية ومجموعات تتحدث الفارسية وأخرى  تتحدث الكردية،وهكذا بحسب توزعها الديمغرافي، مع احتفاظ أغلبية الآشوريين(سريان/كلدان) بلغتهم  القومية الأم الواحدة وهي (السريانية)،كما هناك الكثير من السريان (الآشوريين) اعتنقوا الاسلام، إبان (الحكم الاسلامي) للمنطقة ذابوا وانصهروا كلياً في الشعوب والقوميات الاسلامية.كما أن معظم القبائل العربية التي تنصرت ودخلت المسيحية، مثل قبيلة بني تغلب وطي وكندى، قد التحقت بالقبائل العربية الأكبر واعتنقت معها الاسلام،وهذا يفسر خلو (الجزيرة العربية)الموطن الأصلي للعرب،من المسيحيين بشكل كامل ومنذ القرون الأولى للإسلام.
وقد جاء المقال،الذي كتبه قداسة البطريرك (زكا عيواص الأول) الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، بعنوان( الاسلام والمسيحية: تكامل تاريخي في بناء الحضارة العربية) ونشرته جريدة (النهار) اللبنانية يوم الأحد 12-حزيران- 2005، والذي قال فيه:((..فنحن شعب عربي واحد،دم العروبة يجري في عروقنا، فلنوطد الوحدة الوطنية في الوطن العربي كله،لنرفع راية العروبة عالياً....)) ليثير من جديد الجدال والنقاش، في الأوساط الثقافية السريانية والعربية معاً،حول أصل(السريان) وهويتهم القومية،بعد الضجة التي اثارتها مقالة الكاتب والصحفي( شعبان عبود) في جريدة النهار 30-تشرين الثاني 2004 والتي قال فيها على لسان المطران (متى روهم)،رئيس ابرشية السريان الأرثوذكس في الجزيرة السورية: (( بان السريان  عرب، ينتمون الى قبيلة (بني تغلب) العربية)).أعتقد بان كلام كل من البطريرك (زكا عيواص) والمطران (متى روهم) لا يحتاج الى الكثير من العناء لتفنيده، فهو  يحمل من المغالطات التاريخية الفاضحة والمجحفة بحق (الشعب السرياني) هذا الشعب العريق والمتميز بعطاءاته الحضارية للإنسانية جمعاء،كما أن كلاميهما يجافي الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي الراهن للسريان.من دون شك، يعتبر (العرب) اقرب الشعوب الى السريان(الآشوريين) في التاريخ والعقائد والتجاور الجغرافي، لكن هذا لا يعني، قطعاً،بانهما شعباً واحداً يشكلان أمة  أو قومية واحدة.فهناك الكثير من الحقائق العلمية والوقائع التاريخية وثقها المؤرخون وعلماء الآثار في كتبهم، تميز بين العرب والسريان ، كشعبين منفصلين مستقلين عن بعضيهما. ولا أريد أن أذهب بعيداً في هذا المنحى، فقط أحيل القارئ الكريم لكتاب متوفر في المكتبات السورية، هو في غاية الأهمية، (ثقافة السريان في القرون الوسطى) للكاتبة الروسية( نينا بيغوليفسكايا)- وهي ليست بأوربية غربية حتى تتهم بالتآمر على العرب- ترجم الكتاب، من الروسية للعربية، الدكتور(خلف الجراد)، وهو اليوم رئيس تحرير جريدة تشرين السورية الحكومية، الكتاب صادر عن دار الحصاد بدمشق عام 1990، وقد كتب البطريرك (زكا عيواص)بنفسه مقدمة هذا الكتاب، بعد أن قرأه وأبدى اعجابه به، وفي سياق حديثه عن ما كان للسريان من مكانة مرموقة في مضمار الثقافية والحضارة و انتشار لغتهم السريانية و تأثيرها في حضارات العالم المتنوعة قديماً، يقول،البطريرك (زكا) في مقدمة الكتاب،مستشهداً بكلام الكاتبة نفسها:(( حتى غدت (اللغة السريانية) على مدى عدة قرون لغة دولية عالمية في بلدان الشرق، ولم يقتصر استعمالها على السريان وحدهم وإنما على جيرانهم أيضاً الفرس والبيزنطيين والعرب)).وفي نفس السياق تقول مؤلفة الكتاب(نينا)، ص38: (( أحد عوامل انتشار اللغة السريانية، بلا أدنى شك هو العلاقة التجارية العتيقة، عبر الخطوط المائية والبرية بين بلدان البحر المتوسط وبلدان الشرقين الأوسط والأقصى وشعوبها، والتي كانت بايدي (السريان) الى حد كبير، حيث قادت الطرق التجارية السريان بعيداً عن (بلاد ما بين النهرين) وقد تنافسوا في هذا المجال الحيوي مع الفرس، لكن (العرب) فقط تمكنوا من اضعاف النفوذ (السرياني) الى حد ما، مع انهم ( أي العرب) لم يقدروا على الحلول محلهم تماماً... وقد وقع العرب القاطنون بين ايران وبيزنطة تحت تاثير (السريان) الذين استطاعوا تنصير جزء من قبائلهم الشمالية... وبفضل السريان دخلت التعاليم الانجيلية الى جنوب الجزيرة العربية أيضاً....)).فهذه الحقائق والوقائع التاريخية،السياسية والاقتصادية والثقافية، هي تؤكد بشكل قاطع وعلمي، بان (السريان) ليسو عرباً، وقد ميزت الكاتبة (نينا) بينهم و بين العرب، مثلما ميزت بين السريان والفرس والبيزنطيين. وهنا أذكر البطريرك (زكا عواص) بالكلمة التي ألقاها قداسته في افتتاح ( مؤتمر التراث السرياني التاسع) الذي أقيم في مكتبة الأسد بدمشق من 13-15-4-2004، والذي تقيمه عادة (الرهبنة المارونية اللبنانية)، بحضور وزير الثقافية السوري(محمود السيد)، راعي المؤتمر، وعشرات الباحثين والمهتمين بالتراث والثقافة السريانية، من مختلف أنحاء العالم، وأذكر جيداً كيف صفق الحضور بحرارة لكلمته التي جاء فيها: ((..نحن السريان نفتخر بأننا أحفاد أولئك الذين وهبوا العالم الأبجدية وشقوا الطريق إلى الحضارات والعلوم، فنحن وسوريا نسيج واحد، هي أخذت منا اسمها ونحن أخذنا منها اسمها... وسوريا التي نعني ليست تلك المحصورة في الحدود التي رسمها المستعمرون بل تلك التي أوصلت شعاعها وعلومها ودينها إلى الصين وأفغانستان والهند وغيرها.نحن السريان الذين نفخر باسم وطننا ويفخر وطننا بنا لسنا فقط السريان الأرثوذكس بل نحن جميع الطوائف السريانية المارونية والكاثوليكية والكلدانية والآشورية وكل الذين يرفعون صلواتهم باللغة السريانية، وبل وكذلك اخوتنا المسلمون الذين ما زالوا يتحدثون باللغة السريانية في مناطق عديدة من سوريا.والعرب ليسوا بعيدين عنا فكم وكم من القبائل العربية اعتنقت المسيحية وكانت أصلاً في الكنيسة السريانية. حتى أن اسم العرب آتٍ من اللغة الآرامية السريانية، والسريان والعرب هم من جذورٍ ساميةٍ واحدة..)).بحسب علم التاريخ وفلسفة الحضارة،أن الشعب الذي يطلق أسماً على غيره من الأقوام يكون وجود هذا الشعب سابقاً لهذا القوم وأكثر منه مدنية  وعلماً وحضارة وثقافة.فكم يبدو كلام البطريرك(زكا) هنا واقعياً ومنطقياً ومنسجماً مع حقائق التاريخ وفلسفة الحضارة والواقع الراهن للشعب السرياني. وبالمقابل،كم يبدو كلامه مخالفاً، لا بل مناقض، لما قاله قداسته في مقاله المنشور في جريدة النهار، والذي يضعنا في حيرة حقيقة حول موقف البطريرك من تاريخ شعبه وقضية هذا الشعب، وتدفعنا الى طرح تساؤلات عديدة عن أهداف هذا المقال والغاية من كتابته في هذه المرحلة التاريخية تحديداً،التي تشهد نمو الحالة القومية عند السريان(الآشوريين) وبروز قضيتهم في سوريا، وقد تكون هذه المرحلة، مصيرية بالنسبة للسريان(الآشوريون)، ليس في سوريا فحسب، وإنما في المنطقة عامة،حيث تنتظرهم استحقاقات سياسية وقومية مهمة.لا أحد يشكك بالقدرات الثقافية للبطريرك(زكا) وسعة اضطلاعه، خاصة في مجال اللاهوت والتاريخ، لكن لم يسبق له أن كتب مقالاً في جريدة، بهذه اللغة السياسية المؤدلجة بالفكر القومي العربي المهزوم، وهو يدعو فيه الى أحياء مشروع (الوحدة العربية)، بعد أن تخلى عن هذا الحلم(الوهم)، أشد المتحمسين له من القوميين العرب.لهذا فمن غير المستبعد أن تكون جهة ما قد أملت على (البطريرك) كتابة مثل هذا المقال وفي هذه المرحلة تحديداً، أو أنه واقع تحت ضغط توجسات ومخاوف يعيشها ويتوقعها من عواقب،عملية تسييس (الوجود السرياني) الذي تقوم به (الحركة السياسية الآشورية) في سوريا، ومن انخراط (التنظيمات السريانية) في حركة التغيير الديمقراطي في سوريا، وربما أراد من مقاله هذا التبرؤ من المطالب والحقوق السياسية والقومية التي تطالب بها الأحزاب والتنظيمات الآشورية ، وبالتالي تجنب الوقوع بموقف يحرجه أمام  (السلطات السورية) التي ترفض النظر للآشوريين(سريان/كلدان) على أنهم قومية متميزة وهي تتنكر لحقوقهم السياسية والديمقراطية. على أية حال، أن موقف البطريرك (زكا) يأتي في اطار (التحالف المقدس) بين الاستبداد الديني والاستبداد السياسي، كما أن موقفه هذا، يأتي منسجماً مع الموقف العام للكنيسة (كمؤسسة دينية)من السلطة، إذ باتت (المؤسسات الدينية) في سوريا جزءاً من (مؤسسات السلطة) وهي وخاضعة لها، بشكل أو آخر. وبالطبع البطريرك زكا عواص،كرئيس أعلى للكنيسة السريانية، ومعه طبقة الاكليروس، لا يريدون أن يخسروا الامتيازات والمكاسب، المادية والمعنوية، ويفقدوا السلطات الزمنية، التي يتمتعون بها في ظل هامش الحريات الدينية في سوريا.

سليمان يوسف يوسف...كاتب سوري آشوري.. مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org
 

177
الحركة السياسية الآشورية السورية بين السلطة والمعارضة

سليمان يوسف يوسف     

بفضل الأمن والاستقرار النسبي، الذي نعم به آشوريو سورية، بعد ترسيم الحدود مع تركيا عام 1923وخلاصهم من نير الاستعمار العثماني التركي الذي أودى بحياة أكثر من ثلثي الآشوريين السريان طيلة فترة حكمه للمنطقة، تمكنوا من لملمة جراحهم والعودة إلى مسرح الحياة واعادة بناء كيانهم الثقافي والاجتماعي، من خلال اقامة العديد من الجمعيات الثقافية والنوادي الاجتماعية والمدارس الخاصة التي سمح بها في اطار هامش الحريات الدينية في سورية. وقد شكلت تلك المؤسسات الأرضية الخصبة والبيئة المناسبة لانطلاقة العمل القومي الآشوري المنظم وتأسيس أول تنظيم سياسي آشوري في سورية عام 1957وهو المنظمة الآشورية الديمقراطية التي تشكل اليوم أحد الفصائل الأساسية في الحركة السياسية الآشورية.

ولم تكد تثبت الحركة السياسية الآشورية في سورية أقدامها على الأرض، حتى جاء حكم الوحدة مع مصر عام 1958 الذي أجهض التجربة الديمقراطية الفتية وقضى على الحياة الليبرالية في سورية بإلغائه جميع الأحزاب وممارسة الاستبداد على القوميات غير العربية، إذ فرض حصاراً حقيقياً على المؤسسات الآشورية السريانية الكلدانية. وقبل أن تكتمل فرحة الشعب السوري بالعودة الى الحياة الليبرالية بعد سقوط نظام الوحدة عام 1961ورفع غطاء الاستبداد عنه، جاء انقلاب حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في آذار عام 1963 ليقوم بمصادرة الحريات السياسية واحتكار السلطة وليبقي الشعب السوري تحت حكم قانون الطوارئ. وقد عانت الحركة السياسية الآشورية في ظل حكم البعث، كسائر الأحزاب والقوى الوطنية السورية الأخرى، شتى أشكال القمع والاستبداد السياسي والفكري، حيث تعرض نشطاؤها للملاحقة والاعتقال ونفيهم من مكان عملهم الى محافظات أخرى، وأعادت سلطات البعث فرض الحصار على المؤسسات الآشورية، التي أقيمت في الثلاثينات من القرن الماضي، والتضييق على نشاطاتها. هذه الأوضاع السياسية الصعبة التي أحاطت بالآشوريين وحركتهم السياسية، أجبرتهم على الانكفاء على الذات والتحرك بحذر شديد على الساحة السياسية، كما دفعت بآلاف العائلات الآشورية السريانية الكلدانية الى الهجرة من سورية باتجاه لبنان والدول الأوروبية.

لا شك في أن إحقاق الحقوق القومية والديمقراطية للشعب الآشوري السوري، يرتبط بمدى تقدم كل من العملية الديمقراطية والحريات السياسية ومسألة حقوق الإنسان في سورية، فهذه قضايا ما زالت غائبة عن الحياة السورية. لكن هذه الظروف السياسية الصعبة التي أحاطت، وما زالت تحيط بالحركة الآشورية والتي أعاقت تطورها ونموها، لا تعفيها كحركة سياسية يمتد عمرها قرابة نصف قرن من الزمن، من مسؤولية إخفاقها في إبراز الحالة الآشورية الى الرأي العام السوري باعتبارها مسألة وطنية سورية، وبقائها هي كحركة سياسية معزولة عن بقية القوى الوطنية الأخرى، فقد كان للحركة السياسية الآشورية الكثير من الأخطاء والتقصير في أدائها السياسي. من أبرز هذه الأخطاء، فكرياً: تمحور خطاب الحركة الآشورية حول الداخل الآشوري متجاهلاً الآخر السوري وتركيزه كثيراً على المسائل التاريخية والقضايا الاجتماعية والتراثية، على حساب القضايا السياسية والحقوق الأساسية للآشوريين ومعاناتهم. كما اتسم فكرها القومي بالضعف والضبابية واعتمد بالدرجة الأولى، على الشعور القومي مهملاً جانب الوعي، وهو الأهم في السياسة؛ كان فكراً مبنياً على تصورات وتأملات معينة هي أقرب الى الرومانسية القومية من الواقعية السياسية، فكراً منفصلاً عن الواقع، وفي احيان كثيرة متناقضاً مع هذا الواقع.

سياسياً: افتقرت الحركة الآشورية لبرنامج سياسي واضح الأهداف والتصورات حول المستقبل الآشوري في سورية، كما أنها افتقرت الى آليات عمل فعالة واستراتيجية قومية، لتواجه مشكلات الواقع الآشوري المأزوم (أزمة الهوية، واشكالية التسمية) والتقدم نحو الحقوق الآشورية. لقد طرحت الكثير من الأسئلة حول الموضوع الآشوري ، لكن من غير أن تقدم أجوبة محددة وواضحة عن هذه التساؤلات. كما أن الحركة السياسية الآشورية أخطأت كثيراً برضوخها التام لمحاذير وتهديدات السلطة وابتعادها عن قوى المعارضة الوطنية وعدم انخراطها في حركة التغيير الديمقراطي في سورية، التي تسعى لبناء نظام سياسي ديمقراطي تعددي، يمكن في ظله فقط حل مسألة التعددية القومية والسياسية في سورية وحصول الآشوريين على حقوقهم. ولا شك في أن الحركة السياسية الآشورية بدأت في السنوات الأخيرة استدراك هذا الخطأ، بفتح الحوار مع مختلف قوى المعارضة السورية في الداخل ومد الجسور معها، وبدأت تظهر وتتواجد في العديد من فعاليات الحراك السياسي والثقافي الذي تشهده الساحة السورية، وهي اليوم تطمح لتصبح جزءاً من الحركة الوطنية السورية، لكنها ما زالت مترددة في الدخول ضمن تحالفات سياسية مع قوى المعارضة السياسية. وهذا التردد يعود بالدرجة الأولى الى الخشية من معاقبة السلطات السورية، وبالدرجة الثانية الى عدم وضوح موقف ورؤية المعارضة السورية ذاتها من مسألة التعددية القومية في سورية عامة ومن الموضوع الآشوري وحقوق الآشوريين خاصة. فالحركة الآشورية السورية تنظر بعين الى سلطة قوية وقمعية تخشاها، وبالعين الأخرى الى معارضة ضعيفة مشتتة تثير الشكوك حولها وبقدرتها على أن تكون بديلاً ديمقراطياً للنظام القائم واقامة مجتمع تعددي ديمقراطي ليبرالي علماني في سورية. إلى ذلك، ترى شخصيات عديدة في الحركة السياسية الآشورية أن نتائج وقرارات المؤتمر الأخير لحزب البعث الحاكم، جاءت مخيبة للآمال، خصوصاً بالنسبة لقانون الأحزاب والحريات السياسية والإعلامية. فما أوصى به المؤتمر "على أن لا تكون الأحزاب العاملة في سورية ذات هوية أثنية أو دينية أو مناطقية" جاء مجحفاً بحق القوميات غير العربية، وبخاصة الآشورية، باعتبارها أقدم المكونات أو القوميات السورية وأكثرها أصالة وعمقاً في تاريخ وحضارة سورية، كما أنها أقرب الى الـقومية الثقافية من الـقومية الإثنية أو العرقية، فهي تشمل مختلف الأديان والعقائد السورية. لهذا ترى الكثير من الأوساط السياسية والثقافية الآشورية أنه من الخطأ أن ينظر للحركة الآشورية السورية على أنها مجرد حركة إثنية أو طائفية، وإن كانت غالبية أعضائها من المسيحيين الآشوريين (سريان- كلدان). فهي لا تتخذ من دين العضو وعقيدته شرطاً لقبوله في صفوفها وهي لا تمتنع عن ضم أي شخص سوري يؤمن بأن الهوية الآشورية/السريانية/الكلدانية هي جزء ومكون أساسي من الهوية الوطنية لسورية.

-------------------
نشر هذا المقال كذلك  في جريدة صدى البلد 8/8/2005

178
لبنان الرسالة يهتز من جديد!

سليمان يوسف يوسف
shosin@scs-net.org
     
لم يكن يهدأ لبنان بعد من الزلزال السياسي الكبير الذي سببته جريمة اغتيال رئيس وزرائه الأسبق، رفيق الحريري والنائب باسل فليحان وآخرين كانوا معهما، في الرابع عشر من شباط الماضي، حتى صدم بجريمة سياسية اخرى نكراء لا تقل عنها بشاعة وفجاعة في الثاني من شهر حزيران الماضي تمثلت باغتيال الصحافي اللبناني المتميز والمناضل البارز في حركة اليسار الديمقراطي اللبنانية، سمير القصير.

وفي صبيحة يوم الثلثاء 21-6، من جديد، اهتز لبنان، لفاجعة أخرى، ذهب ضحيتها الأستاذ جورج حاوي الأمين العام الاسبق للحزب الشيوعي اللبناني، وتكاد تفوق هذه الجريمة السياسية النكراء، ببشاعتها ومخاطرها سابقاتها، من حيث الظرف السياسي والاجتماعي، الذي يمر به لبنان، فهي جاءت بعد يوم واحد من انتهاء الانتخابات النيابية وبداية مرحلة سياسية جديدة، فيها الكثير من الاستحقاقات والتحديات تنتظر لبنان.

مرة أخرى يهتز لبنان ويهتز له الضمير العالمي، وتهتز شروط بقاء لبنان واستمرار رسالته الحضارية وأنموذج التعايش بين الأديان والثقافات والمذاهب، في هذا الشرق العربي المنكوب بكل أنواع العنف والقمع والإرهاب والظلم والذل، في مقدمها الإرهاب السياسي الذي ينزع دوماً الى تدمير كل ما هو خارجه. كان جورج حاوي من ابرز الشخصيات السياسية والوطنية اللبنانية اليسارية والتقدمية والعلمانية، التي تمسكت بالخيارات والثوابت الوطنية للبنان، فكان يسعى دوماً للمصالحة الوطنية وطي ملف الحرب الأهلية، التي نبذها ولم ينجر لها، كان همه الأول طرد المحتل الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، وإخراج القوات السورية بعدما أدت واجبها، ليعود لبنان وطناً ديمقراطياً مستقلاً سيداً حراً من كل وصاية، عسكرية أو سياسية، إقليمية أو دولية. ولأجل هذه الأهداف بادر الحزب الشيوعي اللبناني الى تأسيس "المقاومة الوطنية" في الجنوب. بقي جورج حاوي مخلصاً وفياً للبنان ولشعب لبنان وللقضية الفلسطينية، ذهب شهيداً ضحية مواقفه الوطنية، انضم الى قافلة شهداء الحرية والكلمة الجريئة.

 

من يغتال الوطنيين اللبنانيين؟

الأسئلة كثيرة، تلك التي يطرحها الواقع اللبناني الراهن في ضبابيته والمتشابك في أزماته، لكن السؤال الأهم الذي يشغل بال اللبنانيين وغير اللبنانيين هذه الأيام: من يغتال السياسيين والوطنيين الأحرار في لبنان؟ أمثال، الحريري والقصير وحاوي وقبلهم النائب مروان حمادة- الذي نجا باعجوبة - وبعدهم تبدو القائمة طويلة؟! ومن هو المخرج الحقيقي والممول الأساسي لهذا المسلسل الدموي الخطير عنوانه (الإرهاب السياسي)؟ !

بدون شك، من الصعب الاجابة على هكذا أسئلة- قانونياً وقضائياً، إن لم تثبت التحقيقات ذلك بالأدلة القطعية- خصوصاً وان لبنان كدولة وكمؤسسات وكنظام أمني، مخترق من اكثر من طرف وجهة، محلية وإقليمية، لكن من السهل جداً معرفة أهداف ودوافع الجهة أو الجهات التي تقف وراء هذه السلسلة من الاغتيالات السياسية، إذ أن أهدافهم واضحة ومكشوفة، هي تفريغ لبنان من الشخصيات الوطنية المميزة في الوسط السياسي والثقافي والإعلامي والاجتماعي والاقتصادي، التي تشكل بمواقفها وافكارها التقدمية والوطنية، عائقاً يحول دون تحقيق هؤلاء لمشاريعهم الفئوية والطائفية في لبنان والمنطقة.

إن الجهات المخططة لهذه الاغتيالات تسعى للتخلص من رجال وشخصيات لبنانية قادرة على تحريك الرأي العام، اللبناني والدولي، ضد الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية الشاذة التي يعيشها لبنان في هذه المرحلة الحرجة، التي يقف فيها على أعتاب مرحلة سياسية مفصلية يستعيد فيها عافيته وحريته وسيادته، وبالتالي منع لبنان من تحقيق هذه النقلة التاريخية، عبر هذا "الإرهاب السياسي" والاجتماعي، ومن خلال خلق البلبلة والفوضى والاضطراب وزرع الرعب والخوف في المجتمع اللبناني، وفي النهاية تستهدف هذه الجهات إعادة لبنان الى النفق المظلم. ان اغتيال شخصيات وطنية من خارج اطار "الميليشيات" وأمراء الحرب الأهلية، مسألة يجب التوقف عندها، فهي تضع اكثر من اشارة استفهام على الجهة التي تقف خلف هذا المسلسل الإجرامي، الذي يأتي في نطاق المؤامرات السياسية على لبنان.

دوماً لـ "الاغتيال السياسي" أبعاد ومخاطر تفوق حالات القتل العادية والاغتيالات الأخرى، إذ لا تتوقف آثاره ونتائجه على الشخص الذي اغتيل، وإنما تتعداه لتطال شرائح واسعة وربما تصيب شعباً باكمله ودولة بمؤسساتها، وفي لبنان المتميز في تركيبته السياسية والاجتماعية، للاغتيالات والجرائم السياسية، مخاطر كبيرة ومضاعفة، في هذا الجو الطائفي المحتقن والمشحون وأجواء الحرب المتوترة المخيمة على المنطقة، ووجه الخطورة في الإرهاب الممارس في لبنان، انه غالباً، يتم بادوات لبنانية وتغطية وبحماية من جهات لبنانية، وفي ظل سلطة مخترقة ونظام أمني مخترق.

أمام هذا المشهد اللبناني القاتم، المرعب والمخيف، يبقى أمل اللبنانيين كبيراً ببقاء وطنهم وتجاوزه لهذه المحنة، وبان لبنان الكبير بتاريخه والقوي بشعبه المستنير سيهزم في النهاية أصحاب العقول والأفكار الظلامية القابعين في الكهوف والقرونوسطية، فطوال التاريخ الانساني، "الاغتيال السياسي" لم يحقق أهدافه ولم يكن أبداً مدخلاً لاحداث أي تغيير سياسي في هذا البلد أو ذاك، والامثلة والنماذج التي يزخر بها تاريخ البشرية اكثر من أن تحصى، فاميركا لم تتغير باغتيال ابراهام لينكولون وجون كندي... وسياسة مصر لم تتبدل باغتيال السادات، وديمقراطية الهند استمرت مزدهرة باغتيال صانع استقلالها (المهاتما غاندي) ومن بعده أنديرا ومن ثم راجيف غاندي.

فعمر الإرهاب والاغتيالات السياسية والحرب الأهلية لم تصنع ثورة ولن تبني أوطاناً، واليوم لبنان وشعب لبنان سيهزمان مافيات القتل والإجرام وكل أعداء لبنان، لبنان باق ولا خوف عليه طالما بقي فيه من يؤمن برسالته ومتمسك بوحدته ويناضل من أجل حريته، ومن دون شك، هم كثر، سائرون على درب شهدائه الوطنيين الأحرار، من فرج الله الحلو ومهدي عامل وكمال جنبلاط ورشيد كرامي ورفيق الحريري وباسل فليحان وسمير القصير وجورج حاوي.

-----------
نشر في صدى البلد

179
"البعث السوري" يمدد ولايته حتى إشعار آخر




اختتم "حزب البعث العربي الاشتراكي" الحاكم في سورية، يوم الخميس في التاسع من شهر حزيران الجاري، مؤتمره القطري العاشر.
وجاء انعقاد هذا المؤتمر في عالم سريع الحركة، يعج باحداث وتطورات كثيرة، ضاغطة على سورية ونظامها السياسي، لتتحرك هي الأخرى وتواكب حركة التاريخ باتجاه الانفتاح والديمقراطية والحريات.
وقد قيل الكثير عن مؤتمر البعث هذا، بانه سيشكل محطة مهمة ومفصلية وانعطافا سياسيا وتاريخيا وسيحدث قفزة كبيرة في حياة الحزب والدولة. لكن انتهى المؤتمر من غير ان نرى أي تحول سياسي مهم ولم يخرج بقرارات من شانها أن تحدث نقلة نوعية في مسار الحزب ونهج النظام، فقد خرج الرفاق البعثيون من مؤتمرهم، مثلما دخلوا، حريصين على بقاء السلطة بيدهم، متمسكين بثوابت نظامهم السياسي ومبادئ حزبهم المقدسة، لا للديمقراطية....لا لتعديل الدستور...لا للحريات السياسية لا للإعلام الحر والمستقل..لا لتداول السلطة .. لا للإصلاح السياسي. لا للتعددية السياسية والقومية في سورية ..لا لرفع قوانين الطوارئ والأحكام العرفية....لا للمعارضة....لا، لا.....نعم للتمسك بالحكم واحتكار السلطة والثروة ، نعم لحزب البعث قائد الدولة والمجتمع.. مما يعني استمرار العطالة والبطالة السياسية والاقتصادية والفكرية والإبداعية في الحياة السورية حتى إشعار آخر. طبعاً لم يكن متوقعاً أن يحدث مؤتمر البعث تحولا ديمقراطيا حقيقيا في البلاد، طالما بقي البعث أسير عقدة استمرار (النظام القائم) وبقائه، ونزعة الإمساك بالدولة والاحتفاظ بالسلطة.
إن كل ما خرج به مؤتمر البعث من قرارات وتوصيات، لا ترتقي الى مستوى التحديات والاستحقاقات التي تتطلبها المرحلة، وهي ليست أكثر من تجميلية وشكلية واصلاحات محدودة لا تمس طبيعة النظام السياسي والسلطة المطلقة للحزب، إنما الغاية منها تحسين صورة النظام والتخفيف من حالة الاحتقان في المجتمع السوري.
لهذا جاءت نتائجه مخيبة للآمال بنظر الكثير من شخصيات المعارضة، وزادت من حالة الإحباط واليأس المسيطرة على الشارع السوري، وقد أبقى حزب البعث سورية تدور حول ذاتها ودولة خارج الزمن والتاريخ حتى القرارات والتوصيات التي خرج بها المؤتمر، على تواضعها ومحدوديتها، هناك من يشكك بتنفيذها وتطبيقها، فهي ستحال الى لجان وهذه اللجان ستجتهد في تفسيرها وتطبيقها بعد أن تكون قد فرغتها من مضمونها ومحتواها.
بالنسبة للتعددية الحزبية والسياسية وقانون الإعلام التي اوصى بها المؤتمر، لن تكون أكثر من ترخيص أحزاب الجبهة الوطنية المتحالفة معه في الحكم وبكل حزب أو منبر إعلامي يرضخ لشروط العمل السياسي والحزبي التي يحددها ويفرضها عليه حزب البعث وبشرط أن لا يتعارض نشاط وأهداف هذا الحزب أو تلك الصحيفة، مع نهج وسياسة البعث، وسيتم استبعاد حزب الاخوان المسلمين واحزاب القوميات غيرالغربية، آشورية وكردية وأرمنية، في أي قانون قد يصدر للأحزاب، بحجة محاربة ورفض الطائفية والتعصب الإثني والديني، وكأن حزب البعث حزب منزه عن هذه النزعات والانتماءات، فهناك دراسات اجريت حول حزب البعث تقول: إذا خرج حزب البعث من السلطة سينقسم الى تيارات عدة، تيار اسلامي معتدل، تيار اسلامي متطرف، تيار قومي عربي صرف، تيار قومي سوري صرف.
أما بالنسبة لمراجعة قانون الطوارئ والقول: بان تطبيقه سيبقى محصوراً( بكل ما يمس أمن البلاد وسلامتها، وبما لا يسيء الى كرامة المواطن). هذا تعبير فضفاض ومطاط، قد تقمع أي تظاهرة سلمية مهما كانت مطالبها ويوقف أو يعتقل أي شخص لنشاطه أو لموقفه المعارض لنهج النظام وسياسته، تحت ذريعة (المس بأمن البلاد). ولا أعتقد تغيير غالبية أعضاء القيادة القطرية يعتبر أمراً مهماً أو مؤشراً على أن هناك تحولاً أو تجديداً في مسار الحزب، لأن العبرة في تغيير الأفكار والمناهج وليس في تغيير الأشخاص.
لا شك، كان يشكل في الماضي "حزب البعث العربي الاشتراكي" قوة سياسية واجتماعية وفكرية مهمة وكبيرة في المجتمع السوري، لها مكانتها ودورها التاريخي في حياة سورية. لكن اليوم يعتقد الكثير من السوريين بان حزب البعث يعاني من أزمة بنيوية شاملة، وصل الى مرحلة الإفلاس السياسي والتكلس الايديولوجي، لهذا يرون فيه، عبئاً سياسياً ومادياً، على الدولة والمجتمع السوري، فهو لم يعد يشكل جزءاً من حل الأزمة التي تعيشها البلاد، وإنما أصبح جزءاً من المشكلة ذاتها ومسبباً لها، فهو يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عما وصلت اليه الحالة في سورية، عبر مسيرته الطويلة في السلطة التي تميزت بالحكم الشمولي والاستبداد السياسي والفكري ونزيف في الثروة الوطنية، عبر تعميم الفساد المالي والاداري وغياب المحاسبة، إذ تعد سورية اليوم من أكثر الدول في الشرق الأوسط، فقراً وتخلفاً وتأخراً وفساداً، تقدر أموال السوريين في بنوك الدول الغربية بأكثر من( 120 مليار دولار) معظمها أموال مسروقة من المال العام.
فمنذ استلام حزب البعث السلطة في سورية عام 1963وهو يعمل لاحتكار كل شيء لنفسه ولابقاء الدولة والمجتمع رهينة سلطته ونظامه السياسي، الى درجة بدأنا نسمع من بعض البعثيين بأن مصير سورية وبقاءها دولة موحدة وآمنة ومستقرة، بات مرهوناً بمصير حزب البعث وبقائه على رأس السلطة، قائداً للدولة والمجتمع، وان إبعاد حزب البعث عن السلطة قد يحصل لسورية ما حصل (للإتحاد السوفياتي) عندما ابعد غورباتشوف (الحزب الشيوعي)عن السلطة وقرر حله.
أعتقد، أن الشعب السوري هو على قدر كبير من المسؤولية والوعي الوطني، وسورية ليست (الاتحاد السوفياتي) المصطنع، جمهوريات ودويلات مختلفة الثقافات والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا، جمعها النظام الشيوعي وحكمها بالقوة ، تفرقت بمجرد سقوطه عن السلطة، سورية وطن طبيعي وتاريخي واجتماعي واقتصادي وديني وجغرافي واحد متكامل لكل السوريين، سورية لم تأت مع حزب البعث ولم تذهب معه ، سورية وطن وتاريخ وحضارة بناه الشعب السوري بكل فئاته ومكوناته القومية والدينية والسياسية، عبر صيرورة تاريخية طويلة تمتد لآلاف السنوات قبل الميلاد.إن صمام أمان الوحدة الوطنية السورية، لا يمكن أن يكون ببقاء حزب البعث على رأس السلطة، وإنما بوجود دستور جديد وديمقراطي للبلاد، ينهي احتكار حزب البعث للحكم ويكفل التداول الديمقراطي والسلمي للسلطة لجميع القوى السياسية في البلاد وعبر صناديق الانتخاب، دستور يخلو من أي مادة أو فقرة تميز بين المواطنين على اساس ديني أو قومي أو سياسي، دستور يجعل من سورية دولة ووطن لكل مواطنيها.

سليمان يوسف

-----------------------------
هذا المقال منشور في جريدة صدى البلد
 

180
تسونامي كردية في القامشلي, وغزو عربي لأسواق المدينة
[/b]



 سليمان يوسف يوسف* 
 
لم تكن, مدينة القامشلي, قد تخلصت بعد من تداعيات الاحداث المؤلمة التي شهدتها في مارس من عام ,2004 على خلفية مباراة بكرة القدم وقع ضحيتها العشرات من الاكراد بين قتيل وجريح, حتى تهتز من جديد, بسبب اعمال العنف والصدامات التي شهدتها بعض شوارع المدينة بين اكراد متظاهرين سلميا منددين باغتيال الدكتور معشوق الخزنوي وقوات الامن السورية, ذهب ضحيتها, احد عناصر الامن وامرأة كردية وجرح الكثير من المتظاهرين, كذلك بسبب عمليات نهب وسلب تعرضت لها اسواق المدينة, غالبيتها تعود لاكراد, قام بها بعض الغوغاء.
ان ما شهدته مدينة القامشلي, مساء يوم الخميس 2-6-2005 اثناء تشييع جنازة الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي الذي قتل في ظروف غامضة على ايدي مجموعة كانوا قد خطفوه في العاشر من شهر مايو الماضي من العاصمة دمشق, يمكن وصفه ب¯(تسونامي كردية), حيث الالاف من الجماهير الكردية تدفقت الى المدينة, تسير خلف جثمان الشيخ الشهيد, الذي استقبل جثمانه من قبل الجموع الكردية المحتشدة, كشهيد وبطل كردي, حيث لف جثمانه بعلم كردستان واقيم له عزاء سياسي رسمي توافدت عليها الجماهير الكردية من مختلف المناطق, كذلك وفود من مختلف الطيف السياسي والاجتماعي السوري, الاشوري والعربي والارمني, ولجان وفعاليات المجتمع المدني لتقديم واجب العزاء واستنكار الجريمة التي احدثت صدمة كبيرة في الوسط الكردي والسوري عامة, باعتبارها ظاهرة خطيرة وغريبة على الحياة السورية.
تميز الشيخ الدكتور معشوق الخزنوي, الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مركز الدراسات الاسلامية في سورية كرجل دين اكاديمي ومفكر اسلامي بالاعتدال والانفتاح على الاخر المختلف معه في الدين والقومية والفكر, تفتقر مجتمعاتنا الى امثاله, في هذا الزمن الصعب, حيث تسود ثقافة التطرف والعنف والتعصب, وان اغتياله هو اغتيال لمدرسة اسلامية تجديدية في الاسلام السياسي تقوم على الفكر الليبرالي وفصل الدين عن الدولة, ونبذ العنف والتطرف وكل انواع التعصب, الذي يصدر عن بعض التيارات الاسلامية المتشددة, وربما لهذه الاسباب جميعها اغتيل الشيخ الدكتور معشوق الخزنوي.
كنا قد نبهنا في مقالات سابقة- من على صفحات جريدة »السياسة« الكويتية- لمخاطر استمرار خطف الخزنوي وتعرض حياته للخطر, واليوم, بعد ان وقعت الجريمة التي كنا نخشى حصولها, لا اعتقد, بأن قضية الخزنوي ستنتهي, او تدفن, بدفن جثته وانتهاء مراسيم العزاء, اذ من المتوقع ان يكون لها تداعيات لاحقة على صعيد الملف الكردي وحقوق الانسان والوضع السياسي في سورية, وهي مرشحة للتفاعل والتصعيد, الى جانب قضايا اخرى, في ظل نمو وتصاعد الحالة الكردية في المنطقة وفي ظل المناخ الاقليمي والدولي السائد والضاغط على سورية, خاصة وان الحركة الكردية السورية تعاملت مع (قضية الخزنوي) منذ البداية باعتبارها (قضية سياسية), فعلى الرغم من نفي مصدر مسؤول في وزارة الداخلية السورية اية مسؤولية او علاقة للسلطات السورية بعملية خطف الخزنوي واغتياله, شككت الحركة الكردية بنتائج التحقيق التي اعلنتها السلطات القضائية السورية حول الجريمة, وطالبت بفتح التحقيق من جديد في القضية من قبل جهات قانونية وحقوقية محايدة, وقد ايدتها بذلك الكثير من الهيئات الحقوقية, المحلية والعربية والدولية (اللجنة السورية واللجنة العربية لحقوق الانسان, و منظمة العفو الدولية), وكان قد رفض ابنا الشيخ الخزنوي, مراد ومرشد, الرواية التي قدمها التلفزيون السوري حول مجريات ونتائج التحقيق في قضية اغتيال والدهما وقالا ان ما اظهره التلفزيون ليس الا جزء من الحقيقة, وعاهدا بمواصلة مسيرة ابيهما.
لا شك, من حق الاكراد, كما هو من حق كل مجموعة بشرية وفئات المجتمع السوري, عندما تشعر بظلم يقع عليها, الاحتجاج بشكل سلمي وحضاري بطريقة لا تسيء لبقية شرائح المجتمع التي تشاركها العيش, وتعبر عن موقفها بطريقة تكسب تعاطف وتأييد الاخرين لقضاياها, لكن ما حصل في مسيرة تشييع الشهيد الخزنوي وما تلاها من مسيرات كردية سلمية, خرجت عن هذا الاطار وعن التقاليد الوطنية للاكراد السوريين, وتجاوزت حالة الغضب والاستنكار والشجب للجريمة وتحولت الى تظاهرة كردية, مستفزة للاخر, كانت الكلمة فيها للغوغاء الكردي المتطرف يطلق شعارات وهتافات مهينة لكل ما هو غير كردي في سورية, مثيرة للغرائز ومحرضة على الفتنة, وقام بممارسات مسيئة, مست مشاعر الشارع الوطني السوري بكل اطيافه ومكوناته, اذ تعارضت مع اسس العيش المشترك واساءت للحركة الكردية اكثر ما افادتها, نذكر منها (لا عرب ولا سريان, هذه كردستان), ونترفع عن ذكر غيرها لسوقيتها, كما قام بعض شباب الكرد باجبار البعض على اقفال محلاتهم التجارية تحت التهديد وانزال العلم السوري عن بعضها الاخر. ومن باب حرص (المنظمة الاشورية الديمقراطية) على استمرار العلاقات الوطنية السليمة بين الاكراد ومختلف مكونات الشعب السوري, واجهت(المنظمة) مختلف الاحزاب الكردية بهذه التجاوزات التي حصلت ونبهتها لمخاطرها, تبرأت غالبية الاحزاب الكردية( جبهة وتحالف) من هذه الممارسات, ووصفت مسببيه بالغوغاء, وادانتها في بيان لها وطالبت بعدم تكرارها واكدت على ضرورة احترام الاخر وعدم المس بثوابت واسس العيش المشترك, لكن لا اعتقد بان بيانا يكفي لازالة اثار هذه الاساءات وتجاوز ما حصل, فهي تتحمل, بشكل او باخر, مسؤولية هذا الغوغاء الكردي لانه بالنهاية هو حصيلة خطاب سياسي وقومي كردي معين, وثقافة كردية معينة, مئات من الفتيان والفتيات والشباب الاكراد السوريين, في سن العمل لا عمل لهم, الفقر والعوز عنوان حياتهم, ينزلون للشارع في مسيرة حزن وتشييع جنائزي, بدت الاحزاب غائبة عنها بالرغم من مشاركتها بها , حاملة الاعلام الكردية, طبعا من غير ان ترفع العلم الوطني , يهتفون, لوحدة وحرية كردستان, ويرفعون شارات النصر, ويطالبون بدولة كردية في سورية, اليس امرا يثير التساؤل والمفارقة ويضع اكثر من اشارة استفهام على الخطاب الكردي?. عما يتحدث اربعة عشرة حزبا كرديا في سورية للجماهير الكردية, وعن اية ديمقراطية وحقوق يتحدثون و يطالبون بها لاكراد سورية. هل يمكن تبرير ما قام به بعض ابناء عشائر العرب من نهب وسرقة للاسواق الكردية والسكوت عنها, بالقول بانهم بعض الصبية الجهلة والغوغائيين العرب, لا احد يتحمل مسؤوليتهم, بكل تاكيد سترفض الاحزاب الكردية هذا التبرير, ومن حقها ان ترفضه, لان هؤلاء الغوغاء العرب لم يتحركوا من تلقاء ذاتهم. فمثلما هي الاحزاب الكردية تحمل السلطات و(حزب البعث) الحاكم والاحزاب العربية الاخرى مسؤولية الغوغاء والشوفينية الموجودة في الوسط العربي, هي الاخرى كقوى كردية تتحمل مسؤولية الغوغاء والتطرف في الوسط الكردي, وان هي لا تمتلك سلطة مادية او قانونية, لكنها تمتلك سلطة معنوية واخلاقية على الجماهير الكردية التي تتحدث باسمها وتعبر عن تطلعاتها وتعيش بينها ومعها, أليست احدى اهم مهمة ووظائف الاحزاب عقلنة وتهذيب وتوجيه سلوك الجماهير وتكوين الرأي العام.
نؤكد هنا على ما قلناه في مناسبات سابقة, حول مخاطر تعميم مصطلح كردستان سورية في الخطاب السياسي والقومي الكردي والثقافة الكردية, والانعكاسات السلبية لهذا الخطاب على صعيد سلوك والوعي الوطني للانسان الكردي السوري من جهة اولى, وعلى صعيد العلاقة الكردية مع بقية الفئات والقوى الوطنية السورية من جهة ثانية, ونجدد اليوم دعوتنا لمعظم الاحزاب والتنظيمات الكردية السورية للتخلص من الاوهام والاحلام القومية وان لا تذهب بعيدا في مشاريعها وطروحاتها القومية, حتى لا تبتعد عن القضايا والمصالح الحقيقية للاكراد السوريين والمصالح الحقيقية للمجتمع السوري, وان لا يكرروا او يقلدوا اخطاء القوميين العرب التقليدين في خطابهم وايديولوجيتهم المهزومة, بعثيين وغيرهم, الذين سئمت غالبية الشعوب العربية, الجائعة والمقموعة, خطاباتهم وشعاراتهم القومجية (امة عربية واحدة... وبلاد العرب اوطاني... حماة الديار..) الى بقية الشعارات العربية الثورجية التي لم تعد تطعم خبزا ولم تعد تصرف في سوق السياسة.
لا شك انه في كل وسط, اجتماعي وسياسي وثقافي, هناك المعتدل والمتطرف, ومن دون شك ايضا, توفير فرص العمل والمناخ الديمقراطي واحترام الحريات وحقوق الانسان- غير المتوفرة للشعب السوري- مسائل مهمة واساسية في تخفيف حالة الاحتقان والتعصب والتطرف في المجتمع, اذ ان الحرمان والكبت والقمع والاستبداد, ينمي التعصب والتطرف بكل اشكاله ويولد الاحتقان والغلو ويسبب الانفجار, حيث تكون السياسة ردود افعال سلبية اكثر من ان تكون فعلا ايجابيا.
أخيرا:
نؤكد على دعمنا وتأييدنا للحقوق القومية الديمقراطية وحقوق المواطنة لاكراد سورية مثلما نؤيد ونطالب بهذه الحقوق لاشوريي سريان ¯ كلدان سورية ولكل ابناء سورية. وامام هذه الاحتقانات والاضطرابات المستمرة والمتصاعدة في المجتمع السوري, القيادة السورية مطالبة اكثر من اي وقت مضى, بان تعيد النظر في مسألة التعددية القومية في سورية وحلها على اسس ديمقراطية عادلة والمساواة التامة بين جميع ابناء سورية وعلى ارضية الوحدة الوطنية.

* عضو المكتب السياسي في المنظمة الاثورية الديمقراطية
shosin@scs-net.org
   

صفحات: [1]