ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر الحر => الموضوع حرر بواسطة: سالم إيليا في 18:43 13/05/2009

العنوان: حيرة يقين الأسود بين كرمليس وبغديدا والموصل والمنلوج الموصلّي الذي يُنشر لأول مرّة
أرسل بواسطة: سالم إيليا في 18:43 13/05/2009
حيرة يقين الأسود بين كرمليس وبغديدا والموصل والمنلوج الموصلّي الذي يُنشر لأول مرّة

بقلم : سالم ايليا

الشعور بالمواطنة والحنين الى بقعة الأرض التي ندعوها الوطن لها أسبابها . فالوطن ليس بالضرورة معناه الرقعة الجغرافية التي تحددها الحدود الدولية بين بلدٍ وآخر ، إذ أن الشعور بالمواطنة والإنتماء الى الأرض وما عليها يأتي من خلال مشاعر إنسانية عديدة تبدأ مِن حيثُ البقاء على بقعة جغرافية معينة حتى وإن كانت صغيرة نسبياً ولفترة زمنية طويلة نسبياً ومن ثُمّ التواصل مع كل ما يحيطُ البشر من مفردات حياتية على هذه البقعة ، إضافة الى العلاقة المصيرية بين المقيمين على تلك الأرض يولّد الشعور بالمواطنة. كما وإنّ الشعور بالمواطنة يأتي أيضاً من خلال العلاقة الحميمية بين مجموعة من البشر ربما تربطهم علاقات الصداقة القوية ، كذلك الشعور بالمواطنة يأتي من خلال الترابط الوثيق والشعور العفوي بين المواطن ومسقط رأسه حتى وإن لم يحيا فيه لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ ، كل هذه المشاعر تولّدت عند المُعلّم الفاضل الأديب يقين إيليا الأسود حين إستلم أمر نقلهِ من كرمليس الى قرةقوش (بغديدا) سنة 1953م.

فبعدما كان قد تآلف وإستوطن في كرمليس لفترة طويلة إمتدت الى أكثر من عشرة سنوات حين ذهبَ اليها منقولاً بأمرٍ إداري من الخضر والبساطلية في لواء السماوة وذلك للعمل فيها كمعلم لأبناءها النُجباء منذُ بداية الأربعينيات من القرن الماضي وبعدما شعر بشعور المواطنة اللذيذ والممتع بين أهلها الذين أحبهم وأحبوهُ تفاجأ بنقلهِ الى قرةقوش التي يكُنّ لها الحب المماثل كحُبّه لكرمليس حيثُ تربطهُ بأهلها الكرام علاقات صداقة وأخوّة متينة ومنهم أحد أعلامها وأبناءها البررة المعلّم الفاضل المرحوم عبدالمسيح بهنام مؤلف كتاب قرةقوش في كفّة التاريخ ، إذ كان ينعت أحدهما الآخربلقب إبن الخالة . وبين سرور الأستاذ يقين إيليا الأسود بنقلهِ الى قرةقوش حيثُ الأصدقاء وتقريب الخُطى لنقلهِ الى مركز الموصل مسقط رأسه وخوفه من تكرار إرتباطه الوجداني وتعلقه أكثر بقرةقوش وأهلها مثلما حصل له في كرمليس البلدة التي شعر بالإنتماء اليها والى أهلها ، إذ إنه كان يعلم بان نهاية المطاف سيكون إستقراره في مركز الموصل تبعاً لقوانين مديرية المعارف ، لِذا قررَ الجمع بين كل الأماكن التي أحبها وذلك بالبقاء مقيماً في كرمليس والذهاب يومياً على الدراجة الهوائية ( البايسكل ) الى قرةقوش للتعليم فيها وزيارة الأهل ومسقط رأسه أيام العطل في مركز الموصل وبهذا يرضي خلجات نفسه التي تراودهُ في الإحتفاظ بحبه وتواصله مع الجميع. لكن الأقدار لم تمهلهُ الوقت الكافي للتمتع بما كان عليه حيثُ "سارت الرياح بما لا تشتهيه السفن" إذ أصيبَ بحادثٍ وهو في طريقه للذهاب الى قرةقوش وذلك بفقدانه السيطرة في أحد منحدرات التلول وتدحرج الدراجة الهوائية من على سفح التل فأصيب برضوض كثيرة وخاصة ذراعه الأيسر.
لِذا قرر أن يكتب (عريضة) الى مدير معارف الموصل ليضع حدّاً لترحالهِ . وحيثُ انّ العلاقة التي كانت تربطهُ مع مدير معارف الموصل حينذاك المرحوم إبراهيم حسيب المُفتي هي علاقة الأب بإبنه وعلاقة الطالب بأستاذه*، لِذا قرر المربي يقين إيليا الأسود ان تكون عريضته مختلفة عن مثيلاتها المقدّمة من زملائهِ المعلمين لطرح معاناته وذلك بإرسالها على شكلِ منلوج أو شعر شعبي باللهجة الموصلّية الدارجة حتى بين أبناء الأقضية والنواحي والقصبات إضافة لمركز الموصل كلهجة عربية رئيسية فأبتدأ المنلوج والذي أسماه ( البايسكل ) والذي يُنشر لأول مرّة قائلاً :

   

حِغتُ وحَيّغني زمانــــي ـ ـ ـ ـ أنّقـل لو أبقـــــى بمكانـــــي
يوميـاً أنـزل كيلويــــــنْ ـ ـ ـ ـ مِنْ كِثِغْ مشيي عل الغِجلين
ما أعغِفْ أشني النتيجة ـ ـ ـ ـ أبقــــــى لـو الله يفرِجــــــــا
كل يـوم أكـدّي مـِن بيتْ ـ ـ ـ ـ اليغشَعنــي يقلـّـي جَنّيــــــت
تِغشعني غَيّــح جَـيّــــي ـ ـ ـ ـ تـَـيــّـه بـِهَـــــلْ بـَغِيـــــــــــي
وقلبي كلْ وقـتْ تعبــانْ ـ ـ ـ ـ كِـنْ كَصّــت عنـدي لِســــنانْ
مِنْ كِثِـــغْ بَغـْد الصِــبِحْ ـ ـ ـ ـ دوم أتعَثـّـــــغْ وأنكِبــــــــــحْ
غِدتـّو أتعلـّم بايســـــكلْ ـ ـ ـ ـ حتى دَغبـي يصيــغْ سَـــهـلْ
إنشـطحتولك يا ســيدي ـ ـ ـ ـ وإتهَشـــــــَمتلك إيـــــــــدي
قامــت تِصْطِغْ عَلــــيي ـ ـ ـ ـ عَبـالكْ لــَــــــدْغِتْ حَـــــــيّي
أشلونْ بلوي ومصيبي ـ ـ ـ ـ على هَــــذي الضَغـــــــــيـبي
خَلصوني مِنْ هلْ عذابْ ـ ـ ـ ـ لا سوّف كوي العِتـــــــــابْ




وبعد قراءة مدير المعارف لهذه الـ (عريضة) أسرع في طلب الأستاذ الشاعر يقين إيليا الأسود فسأله مبتسماً ومستفسراً منه إن كان قد نشرها في الصحف المحلية ووعدهُ ممازحاً بتلبية طلبه خلال إسبوع واحد في حالة عدم نشرها وأما إذا حدث العكس فسيكون مصيره النقل الى أبعد نقطة ضمن الحدود الإدارية لمديرية معارف الموصل!! وقد نفـّذ الوعد مدير المعارف وتم تسوية الأمر.

في نهاية مقالي هذا أوجه ندائي لمؤرخي وموثّقي التراث الموصلّي وسهل نينوى لتوثيق هذا المنلوج مع جميع الأعمال الأدبية التي أبدع فيها الأديب يقين إيليا الأسود ومنها رواية القديسة بربارة وهي أول مسرحية يتم تمثيلها في كرمليس سنة 1950م. وسأقوم مستقبلاً بنشر منلوجات أخرى للأستاذ الفاضل يقين إيليا ولشعراء ومبدعين آخرين من الموصل وجميعها تنشر لأول مرّة.


* كان إبراهيم حسيب المفتي أستاذاً في دار المعلمين عندما كان المعلّم يقين إيليا الأسود طالباً فيها.