1
المنبر الحر / العقلية الذمية في الذاكرة الجمعية لأبناء شعبنا – صراع الذميين من أجل السلطة الجزء الثالث
« في: 11:28 07/08/2023 »العقلية الذمية في الذاكرة الجمعية لأبناء شعبنا – صراع الذميين من أجل السلطة الجزء الثالث
في المقالة السابقة سألني أحد الاخوة لماذا استعمل مصطلح "ذمي" وهو مصطلح إسلامي عندما اشير الى بعض القيادات المسيحية، واتضح لي ان القليلين هم الذين يدركون ابعاد هذا المصطلح وخطورته، فجزء كبير من فشل أبناء شعبنا في بناء كيان سياسي قوي يرجع على العقلية الذمية التي ابتلي بها الكثير من أبناء شعبنا.
من هو الذمي: تاريخيا الذمي هو المسيحي هو اليهودي الذي ارتضى ان يعيش تحت الحكم الاسلامي، وقبل بدفع الجزية بدلا من ترك دينه واعتناق الاسلام او مقاومة الحكم الاسلامي، ولربما قاوم الخضوع للمسلمين لكنه خسر المعركة. بشكل اشمل هم اهل الكتاب الذين وقعت مناطقهم تحت الحكم الاسلامي اما لأنهم خسروا الحرب مع المسلمين او لأنهم عقدوا معاهدة صلح مع الجيوش الاسلامية للخضوع لهم مقابل تركهم بسلام. وحتى الان يبدو الامر طبيعي وحالهم حال اي شعب اخر يخسر المعركة ويقبل بحكم المنتصر عليه.
ولكن الامر لم ينته هنا، فالحكم الإسلامي لا يقبل بالتعددية الدينية كما على سبيل المثال قبلت الدولة الرومانية، بل انه انتهج منهج الفرس في اضطهاد من لم ينتم لديانتهم، وفي سورة التوبة تكلم على اهل الكتاب وان يؤدوا الجزية وهم صاغرون. ومن هنا بدأت رحلة العذاب لأهل الكتاب، فدفع الجزية ليس الشر الوحيد الذي عليهم الاعتياد عليه، بل السورة تدعو الى نوع من الاذلال يجب ان يرافق يدفع الجزية، وهنا اختلف الفقهاء عن كم الذل الذي يجب ان يناله الذمي، فمنهم من اكتفى بأن يؤدي الذمي الجزية وهو واقف، بينما الجابي جالس، واخرون ذهب ابعد من ذلك بأن فسر السورة على ان يلطم الذمي على رقبته من الخلف بعد جباية الجزية كنوع من الإذلال. الامر لم ينتهي هنا، فبعد توسع الدولة الاسلامية بشكل سريع، اصبح عدد قليل من المسلمين يحكمون اعداد كبيرة من اهل الذمة، وهو ما اثار قلقهم من أن تثور هذه الشعوب ضدهم وتزيحهم عن الحكم، وفي زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز ظهرت وثيقة سميت بالعهدية العمرية ونسبت على عمر بن الخطاب، الا ان الكثيرين يعتقدون انها كتبت من قبل الخليفة عمر بن عبد العزيز، وهذه الوثيقة احتوت على تعهدات على اهل الذمة القبول بها مقابل البقاء على دينهم فائدتها التأكد ان هذه الشعوب لن تقوم لها قائمة ولن تشكل اي خطر على المسلمين، ولذلك هدفت العهدة العمرية الى اذلال اهل الذمة وكسر شوكتهم، للتأكد انهم لن يكون فيهم من يكون له عزة نفس وروح ابية لكل يقود اي عصيان، وثانيا التأكد انهم لن يتمكنوا من القيام بأي عصيان حتى ولو رغبوا، حيث حرمت العهدة العمرية على اهل الذمة اقتناء السلاح و ركوب الخيل، كما اجبرتهم على ان يخبروا عن اي مؤامرة تحاك ضد المسلمين او اي جاسوس يوجد بينهم. اما لإذلالهم وكسر همتهم فحدث ولا حرج حيث هناك الكثير من النقاط منعهم من رفع أصواتهم في الافراح والاحزان، وان ينهضوا في المجالس ليجلس المسلم والسير الى جانب الطريق في الاسواق، وفي مناطق اخرى اضيفت فقرات اخرى اكثر قسوة وشدة لا نريد الخوض بها كتعليق الأجراس في الرقبة الخ.
بالرغم من اختلاف مدى تطبيق العهدة العمرية على اهل الذمة من عصر الى اخر ومن حالكم لأخر، الا انها بشكل عام طبقت الى حد ما في معظم العصور الاسلامية في الشرق الاوسط، والدولة العثمانية وهي آخر امبراطورية اسلامية كانت حريصة على تنفيذها ليس على اهل الذمة فقط بل حتى على سفراء الدول المسيحية حيث كان السفير مجبر على ركوب الحمار بدلا من الخيل عند تجواله داخل حدود الدولة العثمانية ايام كانت اقوى قوة في اوربا في قرون النهضة الاولى وبقى الحال هكذا الى ان أتت حكومة محمد علي المدعومة من القوى الغربية والتي ساوت بين كل المواطنين على الأقل في القانون، الا ان التطبيق كان نفسه فخرق أي ذمي للعهدة العمرية كان سبب كافي في نظر المسلمين لاستباحة كل القرية التي كان ينتمي لها وبذلك كان عقاب أي ذمي يخرج عن العهدة العمرية هو مذبحة بحق كل مجموعته او قريته او عشيرته حسب.
العقلية الذمية في الذاكرة الجمعية لابناء شعبنا :
بالرغم من تراجع استعمال مصطلح الذمي تحت حكم الحكومات العلمانية، وظهور نوع من المساوات، وانحسار ظاهرة العقاب الجماعي للذميين في العالم الإسلامي رغم عدم انتهائها كليا (كما هو الحال في مصر وباكستان ) ولكن العقل الجمعي المسيحي مازال مثقلا بأصوات هذه المذابح، كما ان تعامله مع المسلمين، حتى لو لم يكن مطلعا على العهدة العمرية مازال في إطار العهدة العمرية. فمثلا المسيحي الذمي ومنذ سقوط النظام كان وما يزال يبرأ نفسه من اي كيان مسيحي عندما يتحدث مع المسلمين لا بل يحاول وبكل الطرق إثبات انه لا يؤيد اي من السياسيين المسيحيين. حيث اثبتت الانتخابات انه حتى لو كانت نزيهة معظم الاصوات المسيحية تذهب الى كيانات غير مسيحية بحجة انها علمانية او مستقلة في حين الكل يعلم انه لا كيان مستقل او علماني في العراق حتى لو ادعى ذلك.
أما القادة والرؤساء الدينيين فهم الآخرون مبتلون بالذمية اكثر من شعبهم فتراهم يلمعون و يتملقون للأحزاب الكبيرة بينما يحملون السيف ومستعدون لقطع رأس (مجازا) اي شخص من المسيحيين منتمي الى حزب اخر يختلف عنهم، وامثال هؤلاء كثيرون، فهم حملان مسالمون عندما يكون التعامل مع الاحزاب المسلمة و ذئاب قاطعة عندما يكون التعامل مع الاحزاب المسيحية الاخرى. ومن اسوأ الصفات لهؤلاء الذميين هي تجنب المواجهة مع القوى المسلمة وهو ما يمنعهم من ان يكون لهم اي تأثير حقيقي في الساحة العراقية، فهم كالاطفال يصرخون ويبكون ولكن بلا انياب او مخالب، فهم مازالوا في داخلهم الذمي منزوع السلاح، والذي لا يمكن ان يفكر في المواجهة كخيار له خوفا من مجزرة جماعية ترجع اصولها الى ذاكرته الجمعية. وهو ما دافع الكثير من حركاتنا (الا ما ندر ) ان تبحث عن عباءة حزب غير مسيحي لتكون تحت عباءته، وهم لا يعرفون ان هذه الاستراتيجية الذمية قلما نجحت عبر التاريخ، حيث في جميع التحالفات مع القادة والباشوات المسلمين كانت تنتهي بأن ينقض هؤلاء عهودهم عندما تقتضي مصالحهم.
فريان الكلداني اختبأ تحت عباية الشيعة والبطريك لويس ساكو اختبأ تحت عباءة الديمقراطي، وما يقلقني هو الاخير لان تأثيره على المسيحيين اكبر، وهو الان تحت رحمة الكردستاني، والله يعلم ما المطاليب التي سيطلب منه البارتي مقابل "حمايته" ونسى او تناسى كم من المسيحيين في الماضي كانوا يدفعون للعشائر الكردية مقابل حمايتهم من العشائر الاخرى، وما ان كان هنالك خطر حقيقي كانت العشيرة التي وعدت بالحماية تنكث بعهدها وتترك هؤلاء القرويين لمصيرهم القاسي.
لو كان المسيحيون في سهل نينوى كونوا فصيل مسلح خاص بهم، وهو ما عارضته البطريكية الكلدانية منذ عهد البطريك دلي، لما كان بامكان الكلداني او