عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - Salim Matar

صفحات: [1]
1
التركمان ومعاناتهم من المشروع العنصري الكردستاني!!


سليم مطر/ جنيف
تموز 2013
www.salim.mesopot.com

ان التركمان يستحقون من جميع الوطنيين العراقيين تقديرا خاصا لدورهم الطبيعي والمحتم في الحفاظ على عراقية عموم شمال العراق، وخصوصا كركوك.
وللتوضيح يستوجب القول ان هذا الموقف الوطني العراقي من قبل التركمان، ليس مدفوعا فقط بروح وطنية عراقية واعية، بل هو معطى طبيعي حتمته الخصوصيات الجغرافية والتاريخية للتركمان، كالتالي:
1ـ ان موقع مناطق التركمان في الخط الفاصل بين الجبال الكردية وسهل النهرين، جعلهم يشكلون حاجزا طبيعيا بوجه مشاريع التمدد العنصري الكردستاني ازاء باقي مناطق شمال العراق.
2ـ ان هذا الموقع لمناطق سكن التركمان، جعلهم يختلطون طبيعيا مع باقي المكونات الدينية والقومية العراقية ويعبرون عن التنوع العراقي الاساسي. فهنالك تركمان مستعربين(مثل عشائر البيات)، وهنالك تركمان مستكردين(مثل سكان قلعة اربيل)، بل هنالك تركمان مسيحيين(مثل مسيحي قلعة كركوك)،. كذلك انتشار التركمان في بغداد جعلهم يمتزجون مع جميع التنوعات العراقية التي تضمها العاصمة. لهذا فأنه ليس صدفة ابدا ان يتوزع التركمان مذهبيا مناصفة تقريبا: شيعة وسنة!!
كل هذه الخصوصيات حتمت على التركمان الاحساس الطبيعي بالانتماء الى هذا التنوع العراقي الاشمل، وبالتالي امتلاك رؤية ومصلحة في الموقف الوطني والتوحيدي العراقي، لان:
وحدة العراق والعراقيين تعني وحدة التركمان، وتفرق العراق والعراقين هو تفرق للتركمان..
ان هذا يفسر هذه الروح الوطنية العراقي للتركمان ورغبتهم في الحفاظ على وحدة العراق، وموقفهم الوطني خصوصا في الحفاظ على عراقية كركوك ورفض ضمها الى المشر وع الانفصالي العنصري الكردستاني.
كذلك هذا ايضا يفسر الحقد الاهوج الذي يحمله العنصريين القوميين الكردستانيين ضد التركمان.
 فمن دون التركمان لاصبح كل شمال العراق ومنذ سنوات عديدة خاضعا بصورة تامة للمشروع العنصري الانفصالي الكردستاني.
                                                     المناطق المتنازع عليها!
ان من ينظر الى خارطة المناطق التي يطالب بها العنصريون الكردستانيون من اجل ضمها الى مشروعهم، فانها بالحقيقة تضم اساسا مناطق الانتشار التركماني:
1 ـ  محافظة كركوك: ويطالب العنصريون بكل المحافظة( خليط من تركمان واكراد وعرب وسريان)، الا انها تاريخيا وثقافيا تعتبر مدينة ذات خصوصية تركمانية حيث ظلت اللغة التركمانية هي المتداولة بين مختلف الفئات.
2 ـ محافظة نينوى:  ويطالب العنصريون باجزاء من مدينة الموصل(خليط بغالبية عربية مع اكراد وكذلك تركمان)/ قضاء تلعفر (غالبية تركمان).
بالاضافة الى مناطق: الحمدانية وتلكيف وبعشيقة وقره قوش (مسيحيون سريان) / وسنجار وزمار وشيخان وسكي كلك (غالبية يزيدية)/ وقضاء مخمور (غالبية عربية مع اكراد).
3 ـ محافظة ديالى: ويطالب العنصريون بـ: مناطق قره تو/ وقرة تبة(غالبية تركمانية) / مناطق الميدان والسعدية(خليط مع تركمان).
بالاضافة الى مناطق : خانقين (اكراد شيعة) وجلولاء (غالبية كردية) ومندلي (اكراد شيعة)
4 محافظة صلاح الدين: ويطالب العنصريون بـ: مناطق آمرلي وطوزخورماتو(غالبية تركمانية).
بالاضافة الى  منطقة قادر كرم (غالبية كردية).
محافظة واسط : ويطالب العنصريون بـ: مناطق بدرة وجصان وزرباطية (فيلية شيعة).
وجميع هذه المناطق مثل باقي المناطق(المتنازع عليها) تتواجد فيها ميليشيات البيشرمركة، التي تقوم بصورة مباشرة وغير مباشرة بنشر الرعب في المناطق التركمانية من خلال الاغتيال والتفجيرات من اجل اجبار التركمان على الرحيل من مناطقهم وتحويلها الى كردية من خلال اسكان اكراد، بما فيهم اكراد من سوريا وتركيا.
ويبدو انه في السنوات الاخيرة حصل نوع من التفاهم غير المعلن بين قيادتي الحزبين العنصريين الكرديين والجهاديين السلفيين، من اجل طرد التركمان من مناطقهم في كركـــــوك اساسا، وايضا في باقي المناطق، مثل مدينتي (آمرلــي وطوزخورماتــو في محافظــة صــلاح الديــن) التي تقطنها غالبية تركمانية شيعية.
اذن، ان التركمان يستحقون كل الدعم والتضامن من قبل جميع الوطنيين العراقيين والحريصين على وحدة بلادنا.
الف تحية سلام ومحبة الى التركمان وجميع العراقيين بجميع قومياتهم واديانهم وطوائفهم..
ولتحل اللعنة على جميع العنصريين القوميين والمتعصبين الطائفيين.  




2

العراقيون، بين فحولة الرعناء ورجولة الشهماء!
الموقف الفحولي القاسي من (رغدة الجابر) مثالا!
سليم مطر/جنيف
آذار 2013
http://www.salim.mesopot.com/

لم نتخيل ان تبلغ بالكثير من العراقيين هذه القسوة والادعاء الزائف بالشرف ازاء فتاة مسكينة جريمتها  الوحيدة انها لم تكن قوية ووقحة بما فيه الكفاية لكي تقف بوجه شلة مقدمي برنامج (عرب ايدول) الذين سخروا منها واهانوها بكل صلافة لانها (عراقية مسكينة وبريئة) ليس لها شعب ونخب ودولة تدافع عنها. انا على كل اليقين لو كانت خليجية او مصرية لما تجرأ اولئك السفلة بالسخرية منها بهذه الوقاحة وقلة الادب واللياقة المفترضة من مقدمي البرامج.
والامر الاكثر ايلاما وخزيا ولا انسانية، ان يبادر الكثير من (الفحوليين ومدعي الشرف) بما فيها كتاب ومثقفين الى شن هجمة شعواء عليها والتنكيل ليس فقط بقيمتها الفنية والاجتماعية بل حتى بانسانيتها، بل تبلغ القسوة والوحشية انهم يتمنون انتحارها!!!!!
(لقد وضعنا في نهاية الموضوع جميع الروابط التي تفيد بمعرفة تفاصيل موضوع هذه الفتاة الضحية).
لكن الحمد لله هنالك اقلية من (اصحاب الرجولة والفروسية) من العراقيين الذين وقفوا بوجه هذه الهجمة ودافع عن هذه الشابة المبدعة الطيبة.
                               الفرق بين الرجولة والفحولة
ان المشكلة الكبرى التي يعاني من العقل العراقي والشرقي عموما، ذلك سوء الفهم والخلط بين هذين المفهومين المختلفين بل المتناقضين تماما:
ـ الرجولة، تعني الفروسية والثقة بالنفس والشجاعة دون غرور وقسوة واحتقار للاخرين. الرجولي هو من لا يخاف ابدا على قيمته ورجولته ان يبدي ضعفه امام الضعفاء، وحنانه للاطفال، واحترامه ورقته امام النساء.
 الرجولي ان يكون مثل (النبي محمد)(ص) الذي كان لا يخجل من استشارة زوجته (خديجة) وطلب نصحها، واللعب مثل الاطفال مع زوجته (عائشة).  وان يدعو بكل جرأة الى : ((ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم)) و((من ابتلي من البنات بشيءٍ فأحسن إليهن كن له ستراً من النار))..
الرجولي ان يكون مثل (السيد المسيح))(ع) الذي كان لا يتوانى عن غسل اقدام تلاميذه، وان يقف بكل شجاعة بوجه الرعاع ويصرخ بهم بهم دفاعا عن (ماجدولين البغية): (من كان منكم بلا خطيئة ليرجمها بحجر)!
ـ الفحولة، تعني بكل بساطة الادعاء الزائف بالمرجلة والفخفخة الفارغة والترداد الاجوف للشعارات الحربية والبطولية التي ليس لها أي اساس تطبيقي في الواقع.
 ان الفحولة هي التي جعلت ولا زالت غالبية العراقيين(للأسف) متعلمين ومثقفين واميين، يقبلون ويخضعون ويتفاخرون بأشخاص فحوليين رعناء مثل (صدام حسين) وبعثه الاجوف، الذي قادهم دائما الى حروب خاسرة وانتصارات وهمية جلبت لهم الخراب والدمار.
ان الفحولة الرعناء هي التي لا زالت تجعل غالبية العراقيين يقبلون ويتفاخرون ويصوتون الآن لهؤلاء القتلة والسراق من رجالات الحكومة والمعارضة والمقاومة والنواب والصحفيين المطبلين، الذي يمارسون فحولتهم ضد اخوتهم في الوطن باسم القومية والطائفة والحزب، ولكنهم يتلحسون مثل الكلاب الوفية لاسيادهم من امريكيين وبرزانيين وطلبانيين وجميع الدول والمخابرات المحيط  ببلادنا.
الفحولة الرعناء هي التي ظلت ولا زالت تجعل العراقي يمارس المرجلة ويقمع ويهين ويسخر غيرة وحسدا اخيه العراقي الذي يتميز عنه بأمر ما، بدلا من ان يتضامن معه ويشجعه ويفتخر به. وبنفس الوقت يطبل ويزمر لكل مبدع عربي واجنبي لمجرد انه ليس عراقي!!
                سيطرة الفحولة وغياب الانوثة العراقية!
ان الفحول مرض نفسي خبيث يصيب رجال الشعوب التي تعاني الهزائم والاخصاء الروحي. وقد سادت الفحولة تماما لدة العراقيين منذ اعوام التسعينات بعد الهزائم والنكسات المريرة والحصار المذل والوحشي والقصف الامريكي الدائم، الذي ظل يذكر الرجل العراقي بأنه مسكين مخصي عاجز مهان وخاسر. وليس صدفة ابدا ان (صدام حسين) وحزبه الارعن، كان كلما عاني من اهانة الامريكان وخنوعه لشروطهم حتى بتفتيش غرفة زوجته، كان بنفس الوقت يقوم بالتعويض واعادة الثقة الى فحولته المسلوبة من خلال زيادة القسوة الوحشية والقمع الذي لا يرحم ضد اخوته وابناء وطنه من العراقيين.
وليس صدفة ابدا، انه منذ اعوام التسعينات، وتعويضا عن الرجولة المهانة المسلوبة لدى رجال العراق، راحوا يميلون اكثر واكثر الى التعويض عن ذلك من خلال اهانة بعضهم البعض وممارسة الغيرة والحسد واخصاء ألآخرين والمبدعين بالذات، لكي يشعروا بنوع من التعويض والارتياح (لاننا كلنا بالمذلة سوى)! وبنفس الوقت ازداد تنكرهم لوطنهم وتواطئهم وعمالتهم للاقوياء من القوى الاقليمية والعالمية.
وليس صدفة ابدا، انه منذ اعوام التسعينات، غابت تماما(الانوثة العراقية) في الحياة الاجتماعية والثقافية. واكبر تعبير عن هذا الغياب، انه حتى الآن ليست هنالك(مغنية عراقية) واحدة تعيش في العراق! فكل المغنيات، اقول جميعهن، يعيشن خارج العراق. ابدا ليس بسبب العنف السياسي، بل بسبب هيمنة الفحولة الرعناء على المجتمع والثقافة. ان آخر المغنيات مثل (انوار عبد الوهاب) و(سيتا هاكوبيان) هجرن العراق منذ اعوام الثمانينات!!
اخيرا يتوجب التنبيه الى اعتراضنا على فكرة سائدة لا تخلو ايضا من الفحولة والعنصرية المحتقرة للذات: اعني بها فكرة الفحولي الشهير(علي الوردي) الذي دوخنا بارجاعه كل  مظاهر الفحولة الى (البداوة)!! ولا ادري هل اهل العراق اكثر بداوة من اهل الكويت والخليج الذين يتفاخرون بمغنياتهم ويبجلون نسائهم ويمارسون السلم الاهلي والتضامن الوطني والتطور الحضاري بكل اريحية ورجولة!
ونعود ونكرر ونذكر بمبدأنا في الحياة والفكر:
 أن تغيير الخارج يبدأ بتغيير الداخل. ان تغيير الواقع يبدأ بتغيير العقلية، بتغيير الثقافة والنفسية. وان(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)..
ــــــــــــــ
لمن يرغب بمعرفة تفاصيل موضوع(رغد الجابر) ليطالع:
http://www.youtube.com/watch?v=yJy9k64Np0s
http://www.youtube.com/watch?v=g8Qkjn7DEK0
http://www.albawaba.com/ar/%D8%AA%D8%B1%D9%81%D9%8A%D9%87/%D8%B1%D8%BA%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1-%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%88%D9%84-2-477987
انظروا الى هذه التعليقات الساخرة القاسية:
http://www.shakwmakw.com/%D8%B1%D8%BA%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1-%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D8%B4%D9%8A%D8%B4-%D9%85%D8%B6%D8%AD%D9%83%D8%A9/
انظروا الى هذا الكاتب الفحولي:
http://kitabat.com/ar/page/17/03/2013/9918/%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B1%D8%BA%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D8%AC%D9%86%D9%88%D9%86%D8%A9-%D9%87%D9%8A%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D9%87%D8%A8%D9%8A.html



3
علي الوردي وعنصريته ضد المجتمع العراقي!
سليم مطر ـ جنيف
آذار 2013
((اننا لا نريد من دراسة الثقافة البدوية ان نتسلى باحاديثها واقاصيصها ، بل نريد ان نفهم انفسنا))
علي الوردي

المؤرخ العراقي المعروف (علي الوردي ) ترك رصيدا مهما من الكتابات التاريخية والاجتماعية التي لا زالت تمارس تأثيرا كبيرا على الفكر العراقي . انه يعتبر من اكثر المثقفين العراقيين زخما في الانتاج  ووضوحا في موقفه وتفكيره (الحداثي) ، اذ ألف العديد من الكتب المعروفة التي سجل فيها بكل صراحة واسهاب آرائه في التاريخ والفكر والسياسة والمجتمع . انه يتميز بقدرته الكبيرة على التعبير الممتع واتقان الاسلوب السلس وسرد الحكايات والامثلة التاريخية ، لهذا فأن تأثير هذا المثقف الرائد بلغ حتى المستويات الشعبية وشبه المتعلمة والفئات المحافظة والدينية والحكومية . بل يمكن القول انه في السنوات الأخيرة ، مع بداية عودة العراقيين الى الذات ومحاولة ترميم الهوية الوطنية ، بدأت ايضا عودة وإعادة اكتشاف لكتابات هذا المثقف الكبير .
علي الوردي له كتب في مختلف المجالات الثقافية ، لكن هنالك مجالين بارزين تخصص فيهما : التاريخ وعلم الاجتماع . ويبقى التاريخ هو المجال الأول والاكبر الذي ابدع به ، وخصوصا من خلال عمله الكبير:( لمحات عن تاريخ العراق الحديث) المكون من ثمان اجزاء ، سجل فيها تاريخ العراق طيلة الحقبة العثمانية وما بعدها.  
اما بخصوص آراء الوردي في المجتمع العراقي فأننا نجدها منتثرة في كل كتبه ، لكن كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) هو اكثر الكتب التي خصصها بصورة مباشرة لطرح آراه في المجتمع العراقي . لهذا فأننا اعتمدنا هذا الكتاب كمرجع اساسي لتوضيح آراء ونظرياته الخاصة بمجتمعنا .  
بصورة عامة يمكن تحديد المميزات التالية لفكر علي الوردي :
1ـ انه يدعو بصراحة الى النظام الديمقراطي ، وله كلام اقرب الى التنبوء قاله في كتابه هذا ، أي في عام 1965 :(( ان هذه فرصة يجب علينا انتهازها، فالعراق الآن يقف على مفترق الطريق، وهذا هو أوان البدء بتحقيق النظام الديمقراطي فيه، فلو فلتت هذه الفرصة من ايدينا لضاعت منا امدا طويلا)).ص382
2ـ تأكيده على الخصوصية الوطنية العراقية ورفضه العموميات القومية العروبية. تراه يرد على اولئك العروبيين الذين بلغت بهم السذاجة القومية الى حد نكران أي واقع وطني وإدانتهم له باعتباره " ميل قطري" خطر! يقول الوردي ردا على انتقادهم له لأنه كتب عن العراق وليس عن الوطن العربي:(( اني اخالفهم في هذا الرأي مخالفة كبيرة. اود ان اسألهم هنا : كيف يمكن دراسة المجتمع الكبير من غير دراسة الأجزاء الصغيرة منه..)). ص8
3ـ من خلال مجمل كتاباته ، يمكن القول ان الوردي مثقف حداثي لكنه غير يساري ، بل هو اقرب الى التيار الليبرالي بمعناه الامريكي تقريبا، بحكم دراسته لعلم الاجتماع في امريكا . وهو يدعو بصراحة الى التمثل بالنموذج الحضاري والاجتماعي الغربي من ناحية الايمان بالعقلانية العلمية وتقديس التطور العصري والتحديث . لقد بين الوردي بوضوح في كتابه( مهزلة العقل البشري)  انه من الناحية الفكرية الفلسفية اقرب الى المدرسة المتشككة المنفتحة التي ترفض الجزم واليقين المطلق على الطريقتين الدينية والمادية الماركسية .
4ـ صحيح انه يدعوالى الثورة في الثقافة والفكر كما عبر بصراحة في كتابيه (وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري) ، الا انه يرفض بشدة كل الميول الثورية في السياسة، خصوصا فيما يتعلق بالشعب العراقي . انه يعتبر كل الانتفاضات والثورات العراقية (مثل ثورة العشرين) ردود فعل قبائلية وامزجة فردية! ان مشكلة الوردي انه لا يعترض فقط على اساليب العنف الثورية المتبعة ، وهذه مسألة يمكننا ان نتفق بها معه ، بل المشكلة انه يعترض اساسا على امكانية وجود اسباب واقعية وانسانية تدفع العراقيين الى التمرد والثورة ! انه بكل صراحة يحكم على العراقيين بفقدانهم لأبسط النزعات الطبيعية الموجود في كل المجتمعات البشرية ، اي (حب الحرية والاستقلال) ، تراه يقول :(( الواقع ان القبائل العراقية بوجه خاص ، واهل العراق بوجه عام ، لم يكونوا يعرفون هذه النزعة ـ الحرية والاستقلال ـ او يدركون لها معنى . فهي نزعة حديثة لم تظهر في العراق الا في عهد متأخر جدا ، وذلك بعد اتصال العراق بالحضارة الحديثة واقتباس بعض مفاهيمها ومصطلحاتها ))!! ص172.
الحقيقة ان موقف الوردي هذا ليس نابعا من موقف اساسي ضد الثورة ، بقدرما هو نابع من موقفه بالذات من المجتمع العراقي ، حيث اعتبر كل سلوك وعقلية هذا المجتمع متأتية من روح البداوة المتأصلة فيه . وهذه هي بالضبط الاشكالية الكبرى التي سنعالجها في دراستنا هذه .
         فكر الحداثة والآيدلوجية الاستشراقية
 رغم التناقضات والصراعات بين التيارات السياسيةـ الثقافية العراقية المعروفة: الليبرالية والماركسية والقومية، الا ان جميع هذه التيارات تجتمع على قاسم مشترك واحد اسمه (الحداثة)! بمعنى النقد الشديد للميراث الديني والشعبي باعتباره (ظلاميا وعثمانيا ومتخلفا ) وتقديس الثورة العلمية والتكنلوجية وعموم الثقافة الاوربية بتياراتها وتنوعاتها المختلفة ، مع الاختلاف في التفاصيل والمسميات والاساليب ودرجة النقد والرفض . لقد شكلت هذه التيارات الثلاثة : (الليبرالية والماركسية والقومية) بمجموعها ( ثقافة الحداثة)، التي قادت الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية في العراق المعاصر منذ اكثر من قرن وحتى والآن .
لهذا فأن دراستنا لفكر علي الوردي ماهي الا محاولة لدراسة احد رموز فكر الحداثة ، من اجل معرفة دور هذا الفكر في تكوين (العقلية العراقية ) المعاصرة وفي صناعة التاريخ الوطني الحديث بمشاريعه وتطوراته المأساوية الكوراثية.
ان الخاصية الأساسية الجامعة لكل تنوعات وتيارات فكر الحداثة ، هي ((الرؤية الاستشراقية)) المستنسخة والمترجمة حرفيا من ((الرؤية الغربية)) عن الشرق العربي: البدوي المتخلف المتعصب دينيا الذي يميل الى الروحانيات بحكم طبعه السامي البدوي الصحراوي !!
ان تأثير هذه الرؤية وتغلغلها في تلافيف الفكر من القوة بحيث ان المثقف يمارسها من دون ان ينتبه لوجودها ولا يشعر بتناقضها مع مبادئه(الوطنية الليبرالية اوالقومية او الاممية) المعلنة . من الطريف مثلا ، ان ترى علي الوردي يأسف لأن المجتمع العراقي لا يبتدع ثقافته بل يستوردها من الخارج : (( انه الآن لا يبتدع المذاهب المستحدثة كما كان يفعل اسلافه، بل هو يستوردها من الخارج ويتنازع عليها. والظاهر ان رقي الحضارة الحديثة التي جاءت اليه جعلت منه "مصبا" للمذاهب ، لا "منبعا" لها )). ص368 لكن ادراك هذه الحقيقة لم يمنع الوردي نفسه من ارتكاب نفس الخطيئة بتبني الرؤية الغربية الاستشراقية في دراسة المجتمع العراقي ، كما سنرى !
ان حجر الزاوية والاساس الذي تستند عليه هذه الرؤية الاستشراقية الغربية في دراسة وتقييم المجتمعات العربية ، هي الفكرة ( العرقية القبائلية) القائلة بأن هذه المجتمعات هي سليلة اصيلة للقبائل العربية البدوية . أي خلق القطيعة التامة بين هذه المجتمعات ووجودها الجغرافي الارضي الوطني وربطها بحقيقة عرقية ازلية لا تؤثر فيها كل تطورات التاريخ ومتغيرات الجغرافيا . بالاعتماد على اساس (البداوة) هذا تم تفسير وشرح كل مكونات الفكر والعادات والسلوك والابداع وكل الميراث الحضاري والعقلي ! ان الخطوة الكبرى التي تم انجازها في اوائل هذا القرن من اجل تعزيز هذه الرؤية ، تمثلت باعادة كتابة تاريخ الحضارة العربية الاسلامية على اساس عرقي قومي طائفي اعتبر ان المصدر ((العربي)) الوحيد لهذه الحضارة هوالقرآن والميراث البدوي الجاهلي، اما المصادر الاساسية لهذه الحضارة فهي يونانية وفارسية وهندية، وليس بالصدفة ان هذه المصادر كلها (هندواوربية) ! باعتبار العقل الشرقي(السامي ـالحامي) بدوي روحاني بطبعه غير قادر على تقبل المنطق العلمي والفلسفي ! وهذه الفكرة نجدها مكررة في الاغلبية الساحقة من الكتب المؤلفة من قبل المستشرقين او العرب انفسهم .( يمكن مطالعة أي كتاب تاريخي عن الحضارة العربية الاسلامية )!
 بناء على هذه الرؤية القومية العرقية تم الالغاء التام لكل الميراث الحضاري للمجتمعات الاصلية في العراق والشام ومصر وشمال افريقيا ، باعتبار هذه المجتمعات عربية قحة ، وبالتالي هي منقطعة بدنيا وحضاريا ، أي عرقيا وقبائليا ، عن كل ميراثاتها السابقة للأسلام ولا تحمل غير الميراث البدوي ! لقد نجح المستشرقون الغربيون ومؤسساتهم التبشيرية والجامعية ، ولغايات تاريخية ودينية واستعمارية ، بفرض هذه الرؤية الاستشراقية التوراتية العنصرية على النخب المثقفة العربية (والعراقية طبعا) ، بحيث اتفقت عليها جميع التيارات، كل حسب طريقته وآيدلوجيته . الليبراليون والماركسيون اعتبروا البدواة سبب تعصبنا وتخلفنا وموقفنا المعادي للتنظيم وللانفتاح على الحضارة الغربية بنوعيها الرأسمالي او الاشتراكي . بل ان الماركسيون ابتدعوا تبريرا تاريخيا لهذه العنصرية من خلال مفهوم (الاستبداد الآسيوي ) بأعتبار النظام الاستبدادي خاصية آسيوية بينما الديمقراطية خاصية اوربية ( يونانية رومانية ) ! اما العروبيون فأنهم اعتبروا البداوة دليلا ساطعا على اصالتنا القومية ونقاوة دمائنا العربية ، وان الابتعاد عنها هو ابتعاد عن العروبة الحقة ، على حد تعبير احد كبار مفكري العروبة (زكي الارزوسي)  . لكن مع هذا التقديس للبداوة من قبل العروبيين فأن تقديسهم للحداثة الغربية جعلهم في النهاية يتفقون مع التيارين الليبرالي والماركسي بأعتبار البداوة سبب تخلفنا .
بأسم رفض ميراث البداوة والعشائرية والتخلف ، وتقديس ثقافة العلم والتحديث (بشكليه الرأسمالي او الاشتراكي) ، اتفقت تيارات الحداثة بمختلف مسمياتها وميولها، على احتقار ثقافة المجتمع والسخرية من تقاليده ومحاربة اسسه الروحية والدينية وتراثه الوطني والمحلي . ان أي دارس لفكر الحداثة في بلداننا يتوصل الى نتيجة مفادها ان هذا الفكر تمكن من اختصار كل تاريخ مجتمعاتنا وتطوراتها واشكالياتها بثنائية واحدة وحيدة : ( صراع الحضارة والبداوة ، أو التقدم والتخلف) ، مع اختلافات سياسية بين هذه التيارات حول الاشتراكية والرأسمالية والثورة الصناعية والعلمية وعن السوريالية والبنوية والدادئية، الى آخره من التفاصيل والمسميات، مع الاتفاق التام حول المشروع التحديثي الغربي والرؤية الاستشراقية لمجتمعاتنا .  
          الوردي مؤرخ كبير وعالم اجتماع سيء
قبل كل شيء ، ولكي نتجنب ظلم هذا المثقف العراقي الكبير ، يتوجب التأكيد على مقدرته الفائقة كمؤرخ وموثق كبير انتج اوسع المؤلفات عن تاريخ العراقي العثماني ، وهو ايضا باحث جريء  طرق مواضيعا اجتماعية (تاريخية وشعبية) طالما ترفع المثقفون عن التطرق اليها . ثم انه حكواتي مبدع يمتلك اسلوبا ممتعا وجذابا بقدر ما هو غني وعميق لم يجاريه به أي مثقف آخر. ثم ان الوردي من الناحية الفكرية الفلسفية له طروحاته التي ترفض الانحياز الاعمى لمنهج معين وتدعوا للإنفتاح على كل الافكار والفلسفات والتمسك ببعض الشك ازاء كل منها تجنبا للتعصب والمغالات. اننا حاليا احوج ما نكون الى مثل هذا المنهج الفكري المتنوع والديناميكي.
لكن مع الأعتراف بكل هذه الأيجابيات الكبيرة والكثيرة لدى الوردي ، الا اننا نضطر للاعتراف ايضا بالجانب الآخر النقيض ، أي منهجه الاجتماعي المعتمد كليا على نظرية ( صراع البداوة والحضارة ) بتفسيرها الاستشراقي ، والتي لعبت ولا زالت تلعب دورا سلبيا كبيرا في تكوين العقل العراقي ، وزيادة التعتيم على حقيقة الشخصية الوطنية بمستويها الاجتماعي والتاريخي.  
يعتبر مفهوم ( صراع البداوة والحضارة) المأخوذ عن العلامة المغاربي (ابن خلدون) الاساس الاول والمنطلق الذي اعتمده باحثنا في تحليله لطبيعة المجتمع العراقي وتاريخه خلال القرون الاخير. والمشكلة لا تكمن في نظرية ابن خلدون المعروفة هذه ، بل في اضطرار باحثنا الوردي ، الى تشويه هذه النظرية من اجل مراعاة الرؤية الاستشراقية الغربية التي كانت ولا زالت مسيطرة على فكر الحداثة بكل خطوطه وتنوعاته . لقد بين الوردي صراحة في جميع كتبه التاريخية والاجتماعية والفكرية عن تبنيه لهذا المفهوم . يعتبر بحثه هذا المعنون (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) اكثر الكتب اعتمادا على مفهوم (صراع البداوة والحضارة ) ، إذ تراه منذ الصفحات الاولى قد لخص بصورة واضحة منهجه التحليلي ، قائلا :
(( لقد اجمع علماء الآثار ان العراق كان مهبط حضارة تعد من اقدم الحضارات في العالم ... وظلت الحضارة تراود العراق حينا بعد حين ... ونجد العراق من الناحية الاخرى واقعا على حافة منبع فياض من منابع البداوة ، هو منبع الجزيرة العربية . فكان العراق منذ بداية تاريخه حتى يومنا هذا يتلقى الموجات البدوية واحدة بعد الاخرى ... هنا نجد الشعب العراقي واقعا بين نظامين متناقضين من القيم الاجتماعية : قيم البداوة الآتية اليه من الصحراء المجاورة ، وقيم الحضارة المنبعثة من تراثه الحضاري القديم ... قد يجوز ان نصف الشعب العراقي بأنه شعب حائر ، فقد انفتح امامه طريقان متعاكسان وهو مضطر ان يسير فيهما في آن واحد . فهو يمشي في هذا الطريق حينا ثم يعود ليمشي في الطريق الآخر حينا آخر ...))ص11ـ12
على اساس هذه الرؤية شرع باحثنا بدراسة المجتمع العراقي وتاريخه في القرون الاخيرة من اجل اثبات بأن اخلاق البداوة هذه ظلت ولا زالت تعيش بالتنافس مع اخلاق الحضارة . بناء على هذا التناقض بين عقلية الحضارة وعقلية البداوة فأن الانسان العراقي يعاني من ازدواجية في الشخصية: ((ان الكثيرين منهم هم متحضرون في الظاهر ، ولكنهم بدويون في الباطن . وهذا الذي جعل بعض معالم الشخصية المزدوجة واسعة الانتشار بينهم ))..ص81 . لقد اطلق ايضا على نظريته تسمية:  ((التناشز الاجتماعي )) ، أي تصادم القيم البدوية مع الظروف الواقعية في الريف . ص214  
يحدد الباحث للأخلاق البدوية ثلاثة خصائص : اولا، روح العصبية ، أي التعصب للقبيلة والمشيخة والثأر والفخر بالنسب وحفظ العرض ..الخ . ثانيا، روح الغزو، أي الافتخار بالقوة والقتال والغنيمة والعزة والصراحة والاباء واحتقار المهن المختلفة ..الخ . ثالثا، روح المروءة ، أي الافتخار بالضيافة والكرم وحماية الدخيل والجار والرفيق والحليف وكل ضعيف ...ص115.ان:((الفرد البدوي يريد ان يغلب بقوة قبيلته اولا، وبقوته الشخصية ثانيا، وبمروءته أي بتفضله على الغير ثالثا)).ص38
وهو يؤكد على ان الميزة الاساسية لدى البدو هي روح القتال والغزو أي ما يسميه بروح الغلبة :(( اذا رأينا البدو يتركون الغزو والقتال ، فمعنى ذلك انهم سائرون في سبيل التخلص من ثقافتهم البدوية ، والدخول في عالم الحضارة )).ص79
ان التمايز بين الحضارة والبداوة يتمثل باختلاف الميول بين الاثنين:
ـ البدوي ميال للغزو والنهب ولكنه يحب المرؤة والكرم ، فمثلا ان عجيل الياور اصبح زعيم قبيلة شمر لأنه (( كان يغزو وينجح في غزواته ، ثم يوزع ما يغنمه في بيوت شمر)) ص83
ـ البدوي لا يميل الى الادخار والتوفير ، بينما الحضري يؤمن بالمبدأ القائل ((القرش الابيض ينفع في اليوم الأسود)) ص 84
ـ البدوي يميل للوفاء ورد الفضل ولكنه لا يحب ان يرى احدا قد تفضل عليه ، وهو قد يبغض من يتفضل عليه ويحمل في نفسه الحسد او الحقد عليه . ص86
ـ ان البدوي ، اكثر بكثير من الحضري ، يميل الى الحسد لأنه يجهل التمايزات الطبقية ولا يتقن تقاليد المجاملة والنفاق الاجتماعي ، ويعيش منغلقا مع افراد قبيلته حيث يكثر التحاسد والمنافسة.ص87
               البداوة والتفسير القسري
لو تمعنا جيدا بالخواص اعلاه التي ينسبها الوردي للبدو، لوجدنا ان المشكلة ليس في صحة او عدم صحة هذه النسبة، بل في قناعة الوردي المطلقة بأن هذه الخواص لا يمكن ان توجد الا في المجتمع البدوي واستحالة وجودها في المجتمع الحضري ، وإن وجدت فأنها ، لامحال متأتية من البداوة!؟ ولهذا تراه في كل كتابه يفتش عن الامثلة مهما كانت لها صلة بهذه الصفات لكي يبرهن على الاصول البدوية للشخصية العراقية .هنا نسجل بعض التساؤلات الاولية عن مدى صحة تلك الصفات البدوية المفترضة :
ـ اذا كانت روح الغزو خاصة بالبدو ، فكيف يمكن تفسير كل هذا العدد الذي لا يحصى من الغزوات والحروب التي خاضتها البشرية منذ وجودها وحتى الآن . هل يمكن ارجاع الفتوحات الاستعمارية الاوربية الى (روح البداوة!) . وهل هتلر مثلا ، عندما (غزى) اوربا قد تأثر بالبداوة؟ اذا صدقنا مثلا ان صدام عندما غزى الكويت قد تأثر بروح البداوة العراقية، فكيف نفسر إذن غزو امريكا للمنطقة ، بل هنالك سيادة(لروح الغزو) والاستحواذ لدى الانظمة الغربية على كل الاصعدة الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية ؟
ـ هل صحيح حقا بأن البدوي لا يميل الى الادخار والتوفير ؟ ان هذه الفرضية قد يصح جزءا منها ، لأن البدوي مثل كل الجماعات المتنقلة التي تعيش في مناطق شبه قاحلة ، من الصعب عليه جمع الممتلكات والثروات . لكن هذا لا يمنعه من جمع المواشي التي يعيش عليها مباشرة . ثم ان البدو ، وخصوصا نسائهم ، يميلون اكثر من الحضر لجمع المصاغات الذهبية والافتخار بامتلاكها والتزين بها في المناسبات . اذا رأينا كل هذا فأن (روح الزهد والتبذير) المفترضة تغدو نسبية جدا .
ـ اذا كان صحيحا ان البدوي يميل الى الحسد وعدم الوفاء لمن يتفضل عليه ، هل يعني هذا ان الحضري اقل حسدا ؟ الا يمكن ان نعكس الفرضية بالقول ان الحضري ، وخصوصا في مجتمع المدينة ، بحكم تعقيدات الحضارة وكثرة وسائل الاثارة والتنافس فأنه عرضة اكثر لدوافع الغيرة والحسد.
ان نقطة الضعف الاساسية في نظريةالوردي ، ليس لأنها خاطئة تماما ، بل لأنه تم اعتبارها هي الطريقة الوحيدة لرؤية المجتمع العراقي وتقييمه . ان خطأ الوردي ، مثل خطأ معظم المثقفين (والسياسيين طبعا) ، انه فضل اللجوء لأسهل الحلول أي الاعتماد على (نظارة) ملونة واحدة تضفي لونا موحدا على كل الموجودات ، من دون أي تمييز . وهذا الأحادية في التفكير والتحليل من اكبر عيوب العقلية العراقية المعاصرة ، وهو عيب تعاني منه جميع المجتمعات الضعيفة المستهلكة للأفكار المستوردة والمستنسخة .  لنا اوضح مثال هي النظرية الماركسية التي تم مسطرتها بصورة كاريكاتورية على مجتمعاتنا ، بحيث تم ارجاع كل ظاهرة وموقف وسلوك اجتماعي او ثقافي او سياسي الى مسببات (طبقية اقتصادوية )، من دون أي تمييز ولا ديناميكية. كذلك النظرية القومية ( بطبعاتها العروبية والكردوية والتركمانوية والآشورية ) التي حاولت ان تستنسخ حرفيا التجارب القومية الالمانية والايطالية ، فتم اعتبار عدم تحقيق ( الوحدة القومية الكبرى ) سبب لكل المشاكل والخطايا !
بناء على هذا الوضع الفكري الوحداني الاستسهالي السائد، فانه بدى امرا طبيعيا للوردي اعتماده الكلي على( عامل البداوة) في تشريح المجتمع العراقي ، مع تجاهل تام لكل العوامل والمسببات الاخرى .    
خلال معظم صفحات كتابه يحاول الوردي بذاكرته الغنية واسلوبه الروائي الشيق ان يمنحنا الامثلة الحياتية عن المجتمع العراقي من اجل تأكيد صحة نظريته عن صراع الحضارة والبداوة ، وهذه بعض النماذج :
ـ يحدثنا عن مجتمع جنوب العراق (منطقة الاهوار) وكيف ان : (( هناك اربع فئات محتقرة في الريف . واكثر هذه الفئات احتقارا هم الحاكة ، ويأتي بعدهم الحساوية أي الذين يزرعون الخضر ، ثم البربرة أي الذين يصيدون السمك بالشبكة. واخيرا يأتي المعدان وهم الذين يعيشون على تربية الجاموس... ان هذه الاعمال في نظرهم معيبة جدا ، إذ هي تجعل اصحابها كالبقالين المتجولين الذين يحملون بضائعهم في القرى والاسواق لبيعها )) ص158  
ومن اجل اثبات فرضيته تراه يقسر تفسير اجوبة الفلاحين ويقحم عامل البداوة بصورة تبسيطية مناقضا لمنهجه العلمي :(( سألت احد شيوخ القبائل في الفرات الاوسط : لماذا تحتقرون البقال ؟ فقال : ان البقال يعيش على الميزان ، وهذا عيب! يبدو ان الشيخ اراد ان يقول : ان البقال يحمل الميزان بدلا من السلاح وهذا مخالف لخصال الرجولة والشجاعة)) ص158.  بدل ان يأخذ الوردي كلام الرجل بما يكفي من الجدية ويحاول ان يبحث بما يعنيه (الميزان) لدى الريفي العراقي في تلك الحقبة وفي الحقب السالفة، الا انه يسارع ومن دون أي تحليل ولا فحص ، الى الجزم بأن الميزان مناقض للسلاح رمز الرجولة ( البدوية ) !
السؤال الذي يفرض نفسه هنا : هل احتقار عملية البيع والشراء ، بالضرورة نابع من موقف(بدوي!) . ان احتقار بعض المهن امر معروف في كل ثقافات الشعوب. من المعروف انه في الديانة الهندوسية هنالك تحريم لبعض المهن الفنية والتجارية، لا تمارسها الا الطبقات السفلى  . ان احتقار السلوك التجاري حالة تسود الكثير من الجماعات الريفية وخصوصا تلك المعزولة في ظروف بيئية خاصة بعيدا عن المدن ، ولأنها تعاني من سوء علاقتها مع المدن واجهزة الدولة التي تتركز فيها . ثم من يقول ان البدو يحتقرون التجارة . كلنا نعرف ان البدو هم اكثر الجماعات التي تمارس التجارة تبعا لتنقلها بين الحواضر والاوطان. بل ان هنالك من الباحثين من يعتقد بأن مهنة التجارة هي من اختراع القبائل الرعوية المتنقلة ، لأنها نقيضة لمهنة الزراعة والاستقرار.  ثم ان المعلومات المتوفرة عن بدو الجزيرة العربية تؤكد انهم لم يؤثروا ، مثلا، على مجتمع مكة قبل الاسلام والذي كان مجتمعا تجاريا بكل معنى الكلمة !
ان الوردي باحث بارع جدا في تجميع المعلومات والتقاط الامثلة ، لكن مشكلته انه يضطر في معظم الاحيان ان يضحي بهذه الامكانيات العلمية التي يتمتع بها ، من اجل ارضاء (الأرادة الاستشراقية العليا ) المهيمنة على عالم البحث والفكر ، سواء في العراق او في غيره . تراه مثلا ، بخصوص سبب احتقار مهنة الحائك في الريف ، يستشهد الوردي بالجواب التالي وهو ذا دلائل غنية جدا، حيث يقول احد الريفيين:((ان الحاكة مغموزون في نسبهم ، ويكذبون كثيرا ، وهم ناقصوا الذمة فقد سرقوا اقراط الحسين وشهدو على مريم عندما ولدت ، وفعلوا امورا مكروهة حفظها التاريخ ))ص159. ان هذا الجواب الذي يحمل معاني تاريخية وانثربولوجية غنية جدا وعميقة في اصولها التاريخية البعيدة ، إذ تتضمن في داخلها ، ليس التراث الشيعي العراقي فقط : (سرقة اقراط الحسين ) ، بل كذلك التراث المسيحي السابق: (شهدوا على مريم ام المسيح) ، حيث ان هذا الدين كان منتشرا في كل العراق قبل الاسلام ، وظل لقرون في الريف العراقي بعد الاسلام . بدل من التفسير التاريخي الانثربولوجي المطلوب ، ترى باحثنا الوردي يقسر التحليل كعادته(الاستشراقية) ، بقوله :(( يبدو ان هذه اعذار مصطنعة جاءت بها القبائل لتبرير احتقارها للحائك . والواقع ان احتقار الحائك تراث بدوي قديم ))ص159 ! وطبعا انه لا يمنحنا اي مثال او توثيق عن فكرة احتقار الحائك من قبل البدو ..هكذا!  
من الملاحظ  ان الوردي في كل كتاباته يستخدم تسمية (قبيلة) التي توحي مباشرة بمعنى القبائل البدوية ، ويتجنب استخدام التسمية العراقية الشائعة (العشيرة) لأنها لا توحي بما يكفي من البداوة !
ـ من اجل دعم نظريته عن تأصل (روح الغزو) البدوية لدى العراقيين ، فأنه يستشهد بمثال ثورة العشرين التي يعتبرها :(( امتداد للمعارك التي قامت بها القبائل ضد الدولة العثمانية .. اما نزعة الحرية والاستقلال التي ظهرت على الثورة في عام 1920، فهي لم تكن سوى مظهر خارجي .. ان القبائل العراقية كانت تنظر الى الحكومة كأنها العدوة الطبيعية لها . وهذه نظرة ورثتها من البداوة .)) ص173 . لكنه في الكثير من صفحات الكتاب يناقض موقفه هذا عندما يكشف عن ان معارضة السلطة العثمانية ثم الانكليزية لم تتأتى من روح البداوة بل بسبب السياسة الجائرة :(( انها ـ أي القبائل ـ لا تزال تعتبر الحكومة رمزا للضريبة والسوط والسجن والقهر والتسخير. ان هذا تراث قديم تمتد جذوره الى مئات السنين ، وليس من السهل ازالته من النفوس دفعة واحدة )) 176 . وهو يضيف في مقطع آخر المثال التالي عن دور الدولة العثمانية في تأجيج الصراع بين الجماعات العراقية : (( عام 1909 احالت الحكومة قسما من اراضي قبيلة جحيش الى شيخ البوسلطان ، فأثار هذا العمل ثائرة الجحيش وتأهبوا لقتال البو سلطان . فلم تكترث الحكومة لذلك ، وقال قائمقام المنطقة "بأسهم بينهم ". وكانت النتيجة ان وقعت الواقعة بين القبيلتين ، وقتل وجرح منها نحو الف او يزيدون))ص200 . وكان الوضع الأمني في زمن العثمانيين من السوء بحيث : (( ان الاغنياء في البصرة لا يتظاهرون بالفخفخة والترف لئلا يطمع الحكام فيبتزون اموالهم))ص132 . وهنالك العديد العديد من نوعية هذه الوقائع القاسية ترد في الكتاب.
 مع كل هذه المبررات الكافية لتمرد وثورة العراقيين على الحكومة ، فأن باحثنا لا يكف عن ترديد تعويذته الاستشراقية المقدسة : (( ان القبائل العراقية كانت تنظر الى الحكومة كأنها العدوة الطبيعية لها . وهذه نظرة ورثتها من البداوة))!!ص173
               الآيدلوجية الاستشراقية لا تعرف التاريخ
رغم امتلاك الوردي لكل المعلومات التاريخية التي تعينه على استكشاف العوامل العديدة التي حددت شخصية المجتمع العراقي وسلوكه ، الا انه للأسف ظل مصرا على التغاضي عن هذه المعلومات التي يوردها هو بنفسه ، ليعود من جديد الى (صنمه المقدس) أي عامل البداوة ، لأن النزعة الاستشراقية كانت اقوى من النزعة العلمية الموضوعية ، بل هي قادرة على الغاء الواقع ومعلوماته الواضحة. يمكن القول ان تسعين بالمئة من الامثلة التي يسردها على الوردي في كتابه ليس لها اية علاقة مباشرة بمفهوم الصراع بين الحضارة والبداوة :
ـ  مثال المعركة التي جرت بين عشيرة المياح المزارعة واهل مدينة الكوفة ، لأن هذه العشيرة رفضت السماح بتمدد المدينة على حساب اراضيها الزراعية . (ص186) ، فأين إذن عامل البداوة .
ـ عن عادة العراقيين في تبادل الهداية ، يقول: (( العراقي ، ينبغي ان يتمنع عن قبولها ويتظاهر بقلة الاكتراث . وكلما زاد المهدى في الحاحه زاد هو في تمنعه  … انها مستمدة من قيم الانفة والعزة والأباء التي هي من خصال الثقافة البدوية))ص268 ـ269 . صحيح ان هذه عادة عراقية لا تخلوا من الغرابة والازعاج ، لكن ليس هنالك ما يؤكد انها عادة بدوية . ان الامر يستحق الدراسة والتقصي.
ـ مثال الصراع الذي دام لسنين طويلة بين الدولة العثمانية وجماعة (ثورية) من اهل مدينة كربلاء سيطرت على المدينة واطلقت على نفسها تسمية(يرمازية ) من التركي بمعنى (العاطلون ، أي الصعاليك ) . وقد ناصر هذه الجماعة معظم سكان المدينة ورجال الدين . ص187 . اين اذن عامل البداوة ، اليس من الاصح عكس هذه الفكرة ، والقول بأن (البدو المخربون!) الحقيقيون في هذه الحالة هم العثمانيين وليس العراقيين!
ـ يعتبر الوردي ان كل العادات المنتشرة في الريف العراقي هي من اصل بدوي ،بما فيه السلوكيات الاكثر طبيعية وضرورية : (( يحاول الشيخ الريفي ان يتشبه بالشيخ البدوي في جميع قيمه واخلاقه . فهو يود ان يكون شجاعا كريما يحمي الجار والدخيل واللاجيء والضعيف ، ويجلس في المضيف ليحل مشاكل قبيلته ، وهو يقود القبيلة في الحرب ويمثلها في المفاوضات ))ص195 . لكنه في نفس الوقت يعطينا جميع الامثلة التي تبين العكس ، أي عن الطبيعة (الريفية) العراقية الخاصة والقديمة جدا. تراه يعترف قائلا : (( ان الضيافة في الريف ، كما هي في البداوة ، لها وظيفة اجتماعية مهمة ، فالشيخ ينال بها السمعة ، واتباعه ينالون بها ما يحتاجون اليه من الطعام اللذيذ ))ص196 .
إذن، للضيافة وظيفة نابعة من المجتمع الريفي نفسه ولا تحتاج الى اصل بدوي. ثم يعترف ايضا بالفروق الكبيرة بين طبيعتي الشيخ الريفي والشيخ البدوي :(( ان الشيخ البدوي هو كما وصفه ابن خلدون :متبوع لا قاهر . فهو يستمد وجاهته ورئاسته من التفاف قبيلته حوله واحترامها له ، فليس لديه قوة ، او حرس خاص ، يفرض بهم امره على القبيلة... اما في الريف العراقي الشيخ منهم يتعهد للحكومة بالتزام جباية الضرائب من العشائر والافخاذ الخاضعة له . وهو يؤلف له حرسا خاصا به، ويتخذ عددا كبيرا من العبيد، ليساعدوه في جباية الضرائب وفرض العقوبات والمغارم على اتباعه... ولبعض الشيوخ الكبار سجونا ووسائل للتعذيب والعقوبة. وهم يتخذون ابراجا للأغراض الحربية تسمى المفاتيل . واستطاع فيصل الخليفة شيخ البو محمد ان يجلب الخبراء لبصنعوا له المدفع...))   ص199.
ـ يقول الوردي :(( لقد ورث الفلاح من سلفه البدوي صفة تجعله يفكر في يومه ولا يحسب حساب غده، حسب المثل القائل "ابذل ما في اليد يأتيك ما في الغيب". انه  يأمل ان يسدد جميع ديونه في موسم الحصاد …))ص204 . لا ندري من اين اتى الوردي بفكرة ان التبذير عادة بدوية ؟!
ـ يتحدث عن (دافع الربح)، الذي انتشر عند اهل الريف وادى الى ظهور (النزعة الفردية) المناقضة للنزعة القبلية . وهو يدعم تحليله بالاستشهاد التالي: (لاحظ الاستاذ داريل فورد مثل هذا في نيجيريا في افريقيا ، وقال : ان التأثير الناتج من الاتصال بأساليب الحضارة الحديثة يؤدي في اكثر الاحوال الى ظهور النزعة الفردية التي تفكك تماسك المجتمع القديم وتخلق تضاربا في مصالح افراده ))ص209. والسؤال الذي يطرح نفسه :لماذا هذه المقارنة المقصودة على الطريقة الغربية مع حالة افريقيا فقط ؟ ان أي مجتمع سوف يعيش هذا التناقض الاجتماعي النفسي لو واجه ثقافة وعادات جديدة قادمة من الخارج ، سواء كان افريقيا او صينيا او اوربيا . ان المقارنة مع افريقيا اتت فقط لتعزز الصورة الاستشراقية عن ثنائية ( البداوة الهمجية ) ازاء (الحضارة الغربية) !!  
ـ (( وقد يحدث احيانا ان ينذر الاب احدى بناته منذ صغرها لسيد من سلالة النبي ، او لمرقد من المراقد المقدسة . فاذا كبرت البنت ذهب بها ابوها فقدمها السيد ، او الى احد سدنة المرقد . وهذا يستطيع ان يتنازل عن حقه فيها لقاء مبلغ معين يتفق عليه ))ص212 ان هذا التقليد الشيعي العراقي ، ليس له اية علاقة بالبداوة بل هو مناقض تماما لكل اعراف البدو. ان هذا التقليد هو بالحقيقة تقليد عراقي صميم يعود بجذوره الى المجتمع العراقي القديم حيث كانت العائلة تنذر ابنتها لتصبح كاهنة في خدمة المعبد . (راجع اي كتاب يتحدث عن المجتمع العراقي القديم ).  
ـ عن قضية قتل المرأة وغسل العار يقول:(( المعروف عن البدو انهم اعتادو منذ قديم الزمان على قتل المرأة عند الاشتباه بسلوكها )) 214 . وهل هذا معروف عن البدو فقط .. ليعد الى شريعة حمورابي مثلا ، التي اكدت على اعدام الزانية خصوصا، وليعد ايضا الى التورات . وليعد الى تقاليد شعوب البحر المتوسط . فمثلا ان شريعة حمورابي تحكم على المرأة الزانية بالقتل غرقا  ..
            التناقض بين الخاص والعام
ان المشكلة الأساسية التي يعاني منها فكر الحداثة هي انعدام روح المقارنة الموضوعية العادلة بين ماهو (وطني خاص) وماهو( انساني عام ). أي الكيل بمكيالين : بالنسبة للحالة الخاصة ، فأن الحداثي لا يرى الا العيوب و(البداوة والتخلف!)، اما بالنسبة للحالة العامة والتي تخص بالذات المجتمعات الغربية ، فأن الحداثي لا يرى الا المحاسن و(التحضر والتقدم!) . فمثلا ، ان الطقوس الدينية والتقاليد الشعبية في مجتمعاتنا ، لا بد ان تكون ( عتيقة ومتخلفة ومتعصبة !) ، اما طقوس وتقاليد المجتمعات الغربية فهي نشاطات (طريفة وفنية وتقدمية):  
ـ  عن  تولع الشيعة بالامام العباس الملقب بـ(ابو الراس الحار) ، يقول الوردي عن هذه الحالة : (( يرجح في ظني ان القبائل انما اولعت بالعباس هذا الولع الشديد لأنها وجدت فيه مثالا رائعا للفروسية البدوية))ص242 . لماذا هذا الاصرار على اضافة (كلمة بدوية) الى الكثير من الصفات الموجودة في كل زمان ومكان ؟ ان صفة (الفروسية) ليست حكرا ابدا على البدو ، وأي مجتمع ، هل بحاجة الى الأصل البدوي كي يتعلق بالفروسية والفرسان؟ ثم ان كل المجتمعات الاوربية(الحداثية جدا!) لا زالت حتى الآن تقدس العديد العديد من القديسين المسيحيين ، حيث لكل قديس خاصية ورمزية معينة ، مثل قديس الحب (فالنتين) الذي يحتفل بيومه هذا عالميا كل عام ، وكذلك قديس الفروسية (جورج) ..الخ.  
ـ عند حديثه عن حالات ( التعصب للجماعة ) السائدة في المجتمع العراقي ، مثل التعصب للقبيلة او للمحلة او حتى للمهنة ، فأنه يرجعها تلقائيا الى روح البداوة :((مما يلفت النظر ان الشرطة او الجنود قد يتعصب بعضهم على بعض في سبيل الثأر احيانا ، كما يفعل افراد القبائل فيما بينهم ))ص177 . لكننا الآن كلنا نعرف ان (التعصب للجماعة) حالة بشرية سائدة ، بدرجات مختلفة ، في كل المجتمعات البشرية بما فيها المجتمعات الغربية ، وتزداد حدتها وعنفها في ظروف التأزم الوطني ، وقد تؤدي الى الحروب الدولية مثل الحربين العالميتين ، او الحروب الداخلية بين الجماعات السياسية والدينية والأقوامية المختلفة كما يحدث في ايرلندا ويوغسلافيا . ابسط حالات التعصب السائدة ، ما نشاهده  في ملاعب كرة القدم التي قد تؤدي الى نشوب العنف الدموي بين انصار الفريقين . اذن روح التعصب و(حروب داحس والغبراء) ليست خاصة بالعرب ولا بالبدو وحدهم كما اقنعونا بذلك مستشرقونا الحداثيون .        
ـ انه يعتبر بعض حالات الكرم والضيافة في المدن العراقية ، متأتية من البداوة: ((هذه المدن الكبيرة لم تكن تخلو على أي حال من بعض تقاليد الكرم والضيافة البدوية . من هذه التقاليد ما يسمى في اللهجة البغدادية بـ"الوير" ، ومعناه ان يدفع الرجل ثمن ما يأكله احد اصدقائه او يشربه في المطعم او المقهى )). ص267. ان تقاليد الضيافة هذه ، هي الحد الادنى الموجود في كل مجتمعات العالم . والمجتمعات الغربية نفسها تحتوي مثل هذه التقاليد الانسانية الشائعة والطبيعية جدا ، وهي ابدا ليست حكرا على البدو .
ـ عن بعض تقاليد الأدب والمجاملة ، يقول : (( اذا تزاحم شخصان على امر دون ان يكون بينهما معرفة مسبقة ، ثم قال احدهما "تفضل"اسرع الآخر فرد عليه بالقول"تفضل انت"… يمكن القول ان الفرد العراقي يشبه البدوي من هذه الناحية ، فهو يود ان يكون هو المتفضل على غيره ، ولا يود ان يكون غيره متفضلا عليه ))ص269. كان بالأمكان ان نصدق فرضية الوردي عن التأثير البدوي في هذه العادة ، لولا اننا نعيشها كل يوم في كل المجتمعات الغربية ، بل يمكن القول ان المجتمع كلما زاد تحضرا وثقافة ازدادت عنده تقاليد الادب واحترام مشاعر الآخر.
ـ عن تقاليد الولائم يقول : (( لا يزال الكثيرون من وجهاء المدن الكبيرة بستمدون مكانتهم من كثرة ولائمهم وكثرة المدعوين اليها . وهذا تراث بدوي قديم )) ص270 . نعتقد ان هذا تقليد انساني عام ، تقتضيه ضرورات المركز والسمعة . وهو في المجتمعات الغربية يأخذ شكلا مختلفا من خلال تبرع اصحاب المؤسسات والبنوك الى الاحتفالات الشعبية والنشاطات الثقافية مع اشتراط الاشارة لأسمائهم في النشريات ، وهذا جزء من النشاط الاعلامي والدعائي الضروري للنجاح والانتشار .
ـ(( ان التماسك العائلي في المدن العراقية هو احد مظاهر التراث البدوي فيها. فالعائلة تشعر كأنها عشيرة صغيرة تجاه غيرها ))ص 278 . من المعروف في علم الاجتماع ان المجتمعات التقليدية تتكون مما يسمى من ( العائلة الكبيرة) التي تضم الاب والام وعوائل الابناء والبنات ، مع وجود اواصر تضامن خاصة مع العوائل القريبة (العشيرة ) . وهذه حالة شاملة لكل المجتمعات القديمة ، وكانت موجودة في مجتمعات الغرب قبل الثورة الصناعية ، وليس لها اية علاقة بالبداوة . اما المجتمعات الصناعية الحديثة فأنها تميل عادة الى (العائلة الصغيرة) المنفردة حيث تفرض حياة المدن ان تعيش كل عائلة وحدها منفصلة عن الاهل والعشيرة.
ـ عن عادة العناية باللحية والشوارب عند بعض الناس ، يقول : (( وقد ورث اهل المدن في العراق هذه العادة من البداوة ، وظلوا متمسكين بها حتى عهد قريب))ص282. ان احتمال البداوة يبدو واهيا ، وخصوصا اذا عرفنا الميراث الاسلامي ودوره في تقدير اللحية ، وكذلك هنالك التأثير العثماني حيث كان للحية تقدير خاص ، بالاضافة الى ان هنالك الكثير من الشعوب قد تبنت اللحية في فترات مختلفة . ان  المجتمعات الغربية حتى اوائل القرن العشرين ظلت تعتبر اللحية والشوارب من علامات الرجولة والسمو. لمعرفة هذه الحقيقة يكفينا معاينة صور القادة والملوك والشخصيات الغربية المعروفة في ذلك الزمن .
ـ عن الميل لكثرة الأكل الدسم في المدن وحالات التخمة والسمنة ، يقول ((لقد ورث اهل الريف هذه العادة من البادية ، ومنهم انتشرت الى اهل المدن ، وهي احد مظاهر المد البدوي بينهم )) ص272 . يحق لنا هنا ان نتساءل إن كان للبداوة العربية تأثير على المجتمع الامريكي باستفحال مرض السمنة بسبب الاقبال على الاكل اللحمي الدسم بشراهة وبتخمة ؟ بل ان اية معاينة للمطبخ التقليدي للمجتمعات الاوربية ، تكشف عن شبه انعدام استعمال المواد النباتية والمغالات بالمواد الحيوانية ، وهذا بالضبط عكس المطبخ الشرقي .  
       التفسير الاستشراقي لنظرية ابن خلدون
من كل هذه الاستشهادات يتبين لنا مدى المبالغة التعسفية في اعتبار الاصول البدوية لكثير من معتقدات وسلوكيات المجتمع العراقي . اننا ابدا لا ننفي تأثير البداوة ، لكننا نرفض هذه المغالات التي تمكنت من فرضها علينا تلك الرؤية الاستشراقية التي تحمل الكثير من العنصرية والرغبة في تأكيد الصورة (البدوية المتخلفة!) للمجتمعات العربية ، من اجل قطع جذورها مع اصولها الوطنية التاريخية المعروفة التي انبثقت فيها اعظم الحضارات والاديان السماوية . ان هذه مهمة آيدلوجية خطيرة نجح الغرب والصهيونية بفرضها علينا الى حد كبير، وبالاستعانة بمثقفينا انفسهم من دعاة الحداثة ( الليبرالية والقومية والماركسية) .
مشكلة الوردي انه تأثر بالرؤية الاستشراقية التي تعتبر المجتمعات العربية بأصول بدوية عربية من كل النواحي الاقوامية والتاريخية والحضارية ، وان أي موضوع يخص العرب (والعراقيين طبعا ) وتاريخهم ، مهما كان يجب ان يبدأ اولا بالحديث عن دور الصحارى والبداوة . ويبدو ان هذه الرؤية الاستشراقية من القوة والهيمنة بحيث تدفع مثقفينا حتى لمناقضة وتشوية نظريات اسلافهم ، بما يتلائم مع مفاهيم الغرب ، كما فعل باحثنا الوردي مع نظرية ابن خلدون عن ( صراع البداوة والحضارة ) ! ترى الوردي يقول بصريح العبارة :((من هذه الأخطاء انه ـ ابن خلدون ـ عندما درس الصراع بين البداوة والحضارة في المجتمع العربي ظن ان هذا الصراع عام في جميع المجتمعات البشرية . ولهذا رأيناه يحاول تفسير التاريخ البشري كله بأنه عبارة عن دورات متشابهة تتابع مرة بعد مرة ولا يختلف فيها العرب عن غيرهم من الأمم ...)) ص22 .
نعم .. هكذا يتصور باحثنا الوردي ، بأنه من اخطاء ابن خلدون انه حاول ان يساوي بين تواريخ المجتمعات العربية وغير العربية في تأثير عامل البداوة . فهل من المعقول مثلا ، ان يتشابه الاوربيون (المتحضرون ابا عن جد ) ، مع العرب (المتخلفون ابا عن جد ) في وجود البداوة في تاريخ كل منهم ؟!
مشكلة الوردي انه في تحليله لطبيعة المجتمع العراقي بقي سجين المفاهيم الغربية التي حاولت ان تلوي معاني المفاهيم بما يتلائم مع رؤاها العرقية العنصرية ، ومفهوم ( البداوة) واحدا منها.  لقد فسر الوردي معنى هذا المفهوم بصورة ضيقة جدا :(( ان البداوة في الواقع نظام اجتماعي لاينشأ الا في الصحراء ... وان الصحراء والبداوة امران مترادفان . فالأمة التي لا تسكن الصحراء يصعب عليها ان تتخذ في معاشها نظام البداوة ))ص17. لهذا تراه يفضل مقارنة العرب مع المغول باعتبارهم ايضا يقطنون صحراء آسيا الوسطى ، وان تميز العرب عنهم بخواص ايجابية انسانية بسبب اختلافات بيئية وموقعية.ص 47.
وهذا عكس ما يقول به ابن خلدون ، الذي كان اكثر عالمية وشمولية في رؤيته: (( ومن هذا العمران ما يكون بدويا، وهو الذي يكون في الضواحي وفي الجبال وفي الحلل المنتجعة وفي القفار واطراف الرمال … يتخذون البيوت من الشعر والوبر او الشجر او من الطين والحجارة … وقد يأوون الى الغيران والكهوف … وهؤلاء مثل البربر والترك واخوانهم من التركمان والصقالبة ـ أي السلاف ـ ))
ان سعة افق ابن خلدون بتعريف البداوة  بحيث تشمل كل بقاع الارض ومختلف المجتمعات ، تعود الى سعة افقه بتعريف معنى كلمة بداوة نفسها التي لاتعني فقط سكان الصحراء ، بل تعني نمط اجتماعي اقتصادي يعتمد بصورة مباشرة على الطبيعة وحدها كمادة اولية ، من دون أي تقنيات (حضارية ) زراعية او حرفية . لهذا فأنه يقول : (( ان اهل البدو هم المنتحلون للمعاش الطبيعي … وهم المقتصرون على الضروري في احوالهم ، العاجزون عما فوقه ، وان الحضر هم المعتنون بحاجات الترف والكمال في احوالهم وعوائدهم …))
ان مفهوم ابن خلدون عن (البداوة) يعني عموما كل الجماعات (الغير متحضرة) أي الغير مستقرة في الارض كفلاحين او مدينيين ، أي الجماعات ( الرحل ـ NOMADES ) .على هذا الاساس يمكن ان نصحح كلمة (بداوة ) الى (بدائية ) ، وبهذا يكون اللفظ الاوضح لمفهوم ابن خلدون هو  : ( صراع الحضارة والبدائية) . وهذا المفهوم بالحقيقة قد فرض نفسه وتبناه الكثير من الباحثين والمؤرخين الغربيين من امثال توينبي . على اساس هذه الرؤية الخلدونية فأن تاريخ البشرية ، مثل تاريخ المجتمعات العربية، خضع لعامل صراع البداوة والحضارة، وحسب توينبي فأن كل الهجرات الكبرى في تاريخ البشرية كانت متكونة من الشعوب (البدوية الرعوية)  ، مثل الآريين والتركستان والمغول ، الذين انتشرو من السهوب الاوراسية (اواسط آسيا وشرق اوربا)وعمروا الهند وايران وروسيا وكل اوربا.
 بأسم الخصوصية العربية والاعتماد على علم الاجتماع الخلدوني المشوه ، تمت ممارسة نوعا من العنصرية الذاتية ضد المجتمعات العربية باعتبارها هي الوحيدة التي تعاني من اجتياحات (القبائل البدوية ) وتخريبها للحضارة !
بالحقيقة ان هؤلاء المؤرخين العروبيين والغربيين لم يأخذوا بنظر الاعتبار الحقيقة التالية:
ان العالم العربي الذي نفضل ان نطلق عليه تعبيرا اشمل تاريخيا وانسانيا أي (العالم الشرقمتوسطي) ، هو مساحة هائلة تمتد على اجزاء من آسيا وافريقيا الشمالية وتحاذي اوربا وتطل على النصف الشرقي من البحر المتوسط وكذلك البحر الاحمر والخليج والمحيطين الاطلسي والهندي . أي ان هذا العالم العربي الكبير هو في مركز العالم القديم والحديث ومحاط بما لا يحصى من الشعوب والاجناس والحضارات الآسيوية والأفريقية والأوربية . انه اشبه ببحر شاسع تصب فيه ما لا يحصى من الانهار والامطار القادمة من كل جهات الأرض . من السذاجة والسطحية ان تحذف مؤثرات كل هذه الشعوب والحضارات المحيطة ويتم فقط تسليط الضوء على (المصدر البدوي العربي)! يكفي لدحض هذه الفكرة ان نلقي نظرة عابرة على التكوين الشكلي (الفيزيولوجي) لسكان هذا العالم العربي ، حيث نجد فيه كل الاشكال والاجناس الافريقية والاوربية والآسيوية !
هل يمكن اعتبار الاحتلالات اليونانية والرومانية والآسيوية ( بدوية عربية) ؟ ثم الهجرات الفينقية (الشامية) الى شواطئ شمال افريقيا هل هي حضرية ام بدوية ؟ ثم الفتوحات العربية هل يمكن ان نعتبرها كلها بدوافع (بدوية تخريبية) لا تختلف عن تخريب (بني هلال) الذين تحدث عنهم (ابن خلدون ) وبسببهم قال قولته الشهيرة:(إذا عربت خربت) . اذا كانت الجيوش العربية الاسلامية الاولى يطغي عليها العنصر البدوي ، فأن الجيوش الاموية والعباسية المتكونة من غالبية سورية عراقية ومصرية ومغاربية ، تحمل من عناصر الحضارة اكثر بكثير من عناصر البداوة .  
صحيح ان من الخطأ نفي اهمية عامل البداوة في تاريخ المجتمعات العربية ، لكنه يبقى عاملا مهما من بين عوامل عديدة لا تقل عنه اهمية . لو اخذنا حالة المجتمع العراقي ، فاننا نلاحظ باستغراب كيف ان الوردي بصورة منافية للحقيقة الجغرافية والعلمية ، اعتبر الحدود الغربية الصحراوية ( بادية الشام والجزيرة العربية ) هي ( الحدود الوحيدة!) ، التي اثرت في المجتمع العراقي من خلال الهجرات البدوية! لقد تناسى مؤرخنا ان للعراق ح

4
ايها السوريون، هذه هي الخطة الامريكية التي تنتظركم
حسب النموذج العراقي: دولة الاقطاب المتصارعة الثلاثة، علوية وسنية وكردية!!!

سليم مطر/جنيف
شباط 2013: http://www.salim.mesopot.com/
جميع المعنيين بالوضع السوري، يستغربون موقف امريكا واوربا ((المتردد)) بحسم الوضع السوري، لصالح المعارضة او لصالح النظام؟!!
والحقيقة ليس هنالك أي(تردد) ابد ابدا ابدا، وكل الايحاءات والتصريحات الغربية بهذا التردد هي مجرد فبركات اعلامية ودبلوماسية من اجل اخفاء الخطة الجهنمية التالية:
ترك الوضع السوري يتعفن ويتعقد اكثر واكثر، لجعل الاطراف المتحاربة تستقوي وتتطرف من دون السماح بأي طرف ان ينتصر بصور تامة. والغاية المطلوبة تنفيذ ذات الخطة التي سبق وان نفذت بكل جهنمية وشيطانية في العراق:
تدمير سورية دولة ووطن وشعب وجعلها مريضة كسيحة لفترة طويلة قادمة من خلال خلق ثلاث اقطاب متصارعة:
ـ القطب العلوي ومعه باقي الاقليات المسيحية والدرزية والاسماعيلة. والذي يسيطر على العاصمة ومدن الساحل.
ـ القطب الكردي والذي يسيطر على شريط البلدات الكردية المحاذية للحدود التركية، وهذا الامر قد تم تنفيذية منذ العام الماضي بالتعاون التام مع ميليشيات البرزاني في شمال العراق، بحيث تم تكوين ادارة كردية برزانية منفصلة في هذا الجزء السوري.
ـ القطب السني والذي يسيطر خصوصا على محافظات شرق وشمال سوريا مثل الجزيرة وحمى وحلب..
                                          التجربة العراقية
علما بأن هذه الخطة سبق وان نفذت بشكل جهنمي شيطاني في العراق بالشكل التالي:
الابقاء على العراق موحدا، ولكنه ضعيفا مريضا مقسما بين ثلاث اقطاب: شيعية وسنية وكردية.
وهذا الوضع العراقي المريض المتفجر المتأزم على الدوم يجب ان يبقى لحين الانتهاء من التنفيذ الكامل للخطة الامريكية في الشرق الاوسط، وبالذات تغيير الوضع في سوريا على الطريقة العراقية، كذلك ارغام ايران بالموافقة الكاملة على دخول الحضيرة الامريكية.
ومن اجل الضمان التام بمنع أي اية محاولة من قبل أي قطب بتجاوز حدوده المرسومة له، فقد قام الامريكان بتقسيم السلطات لصورة غير علنية ورسمية على هذه الاقطاب بطريقة بحيث تكون متساوية في قوتها رغم اختلاف النسب السكانية والامكانات الواقعية. وقد حرصت الخطة الامريكية على التوزيع العقلاني لأهم واخطر سلطتين: العسكرية والاعلامية.  بالعسكر تسيطر على البدن والسكن، وبالاعلام تسيطر على النفس والعقل.  وحسب التالي:
  ـ الشيعة لهم الدولة كلها ولكن بدون اعلام: بما انهم يمثلون اكثرية السكان، فمن الطبيعي ان يسيطروا على الدولة والاجهزة التنفيذية، وبالذات العسكرية والمخابراتية وكذل الاقتصادية(المالية النفطية). اما السلطة الاعلامية فقد تم الاتفاق على حرمان الشيعة منها بصورة شبه كاملة ومنعهم من الاقتراب منها الا بصورة محدودة ومشوهة. والسبب لأنهم يمتلكون  الشارع والحشود المليونية والنخب الثقافية والاعلامية الجاهزة. ولو سمح لشيعة العراق ببناء المؤسسات الاعلامية العصرية والكبيرة فأن هذا يعني بكل بساطة سيطرتهم الاعلامية(النفسية والعقلية) ليس على العراق وحده بل على المنطقة بأكملها، مما يؤدي الى  تخلخل وتخريب كل الاستراتيجية الاعلامية الامريكية ـ الخليجية الهائلة التي فرضت نفسها على المنطقة خلال السنين الاخيرة. والذي يثير العجب في هذا القرار، انه حتى ايران متقيدة به، فهي غائبة تماما عن أي نفوذ اعلامي في المنطقة!
ـ الاكراد لهم البيشمركة واعلام الوطن كله: اما القطب الكردي، فرغم منحه السلطة الكلية على المنطقة الكردية والكثير من مناطق الشمال الاخرى، الا انه في الواقع يبقى ضعيف عدديا واقتصادية واستراتجيا وعسكريا وحتى ثقافيا وتاريخيا وروحيا، وبالتالي فأنه عرضة سهلة للذوبان في باقي الوضع العراقي، بالاضافة الى سهولة اجتياحه من قبل الدولة العراقية بماكنتها العسكرية والبوليسية والاقتصادية.
لهذا فقد تم الاستفادة من التجربة الاعلامية الاسرائيلية والخليجية والتي اثبتت بأن أية قوة مهما كانت ضعيفة في ارض الواقع، فأنها تستطيع ان ترهب وتضعف اية قوة منافسة مهما كانت متمكنة ماديا وواقعيا، من خلال سلاح الاعلام ( الارهاب الثقافي النفسي)! نعم ان سلاح الاعلام لو حسن استخدامه فهو اقوى من سلاح العسكروالاقتصاد! لهذا فأن الامريكان حتى قبل اجتياح العراق في 2003  قد استعانوا بالمستشارين الاعلاميين الاسرائيليين لبناء شبكة كبيرة من المؤسسات الاعلامية العراقية الصغيرة والكبيرة  في الخارج والداخل، بحيث تكون بغالبيتها الساحقة مرتبطة بدرجات متفاوتة بالحزبين الكرديين، وبدرجة اقل بالقطب السني ـ الخليجي. وعلى رأس هذه المؤسسات الاعلامية الجبارة: مؤسسة المدى ومؤسسة الزمان، بالاضافة الى الدور المباشر لمحطة الجزيرة في دعم المشروع التقسيمي الطائفي السني والقومي الكردي.
ـ السنة لهم اعلام الخليج ومنظمات الارهاب: اما القطب السني، فانه ايضا يعاني من الضعف السكاني والاستراتيجي، ثم انه بعد حرمانه من الجيش والمخابرات السابقين، فقد اصبح اعزلا من السلاح. لهذا فقد تم تعويضه بناحيتين:
     ـ اعلاميا، بصورة غير مباشرة من خلال الماكنة الاعلامية السعودية الخليجية(الجزيرة والعربية وغيرها) بالاضافة الى جزء من امبراطورية البزاز.
ـ عسكريا من خلال(المنظمات الارهابية) التي تمارس دورا اساسيا باضعاف القطب الشيعي كلما حاول ان يتجاوز حدوده المرسومة له. وهذه المنظمات غالبيتها وهمية او حقيقية ولكن مخترقة من قبل مرتزقة امريكا والاكراد والسعودية. وهي تنسق عملياتها بصورة مباشرة وغير مباشرة مع القيادة الامريكية. ويتم تسهيل عملها من قبل القيادات الحكومية الشيعية نفسها مجبرة او راضية !!
                                  لماذا العراق وسوريا؟!
ثمة سؤال معقول يفرض نفسه: لماذا  تسمح امريكا واسرائيل وعموم الغرب، بقيام انظمة موحدة شبه مستقرة في باقي دول الشرق الاوسط، مثل تركيا ومصر،وكذلك بلدان الخليج والسعودية وشمال افريقيا.
بالحقيقة ان دول الغرب بحكم معرفتها الجيدة بالعصر الحديث وكذلك بتاريخ المنطقة، تدرك جيدا الحقيقة الخطيرة التالية: ان العراق وسوريا، هما مركز الشرق الاوسط جغرافيا وسياسيا وسكانيا. وجميع ىالمشاريع الحضارية الدينية والسياسية والثقافية والامبراطورية التي قادت الشرق الاوسط خلال آلاف السنين نبعت من هذين البلدين. ومن دون اضعاف هذين البلدين لا يمكن ابدا السيطرة على الشرق الاوسط.
وهنا يكمن سر التحالف العجيب بين هذه القوى التي تبدوا خارجيا مختلفة: المعكسر الامريكي ـ الاسرائيلي ـ الاوربي مع معسكر الاسلام الوهابي القطري ـ السعودي.
لانها جميعها لها مصلحة بالتدمير الكامل للعراق وسوريا دولة وشعبا وووطنا. مع ابقاء كل منهما موحدا لان التقسيم والتشرذم يؤدي الى شرذمة المنطقة كلها وفلتانها التام، ولكن ايضا مع الابقاء على كل منهما هشا مريضا تتقاسم دولته وشعبه اقاسام ثلاثة متصارعة تتحكم بها جميعا امريكا والخليج واسرائيل.
                                          الخلاص
   على جميع النخب العراقية والسورية وكل من له ضمير انساني ووطني، ان تدرك بأن سياسات العنف والحرب والتدمير والتعصب القومي والطائفي، مهما كانت حسنة نية  ومشروعة آنيا، الا انها رغما عنها تخدم خطة تدمير الوطن واضعافه.
أن خلاصنا من هذه المؤامرة لا يتمثل بانتظارنا رحمة الامريكان والقوى الاقليمية، بل بوعينا نحن وتمسكنا بهويتنا ووطننا وكرامتنا، وكفاحنا السلمي والثقافي من اجل دراسة عوامل ضعفنا الثقافية والتاريخية وكذلك فضح الاحزاب والقيادات الخائنة والمتآمرة.
لمزيد من المعلومات طالعوا كتابنا(المنظمات السرية التي تحكم العالم):
http://www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=106:2011-10-06-17-49-58&catid=35
كذلك كتابنا الاخير(مشروع الاحياء الوطني العراقي):
http://www.mesopot.com/default/index.php?option=com_content&view=article&id=266:-2012&catid=39:lougaat



5
الامام علي بن طالب(رض)
رائد النهضة التاريخية العراقية
سليم مطر/جنيف
شباط 2013
http://www.salim.mesopot.com/

هنالك حقيقة طالما تغاضى عنها المؤرخون بما فيهم العراقيون:
ان الامام (علي بن ابي طالب) (رض) ليس فقط رمزا دينيا لكل المسلمين والشيعة منهم خصوصا، بل هو يستحق عن جدارة وموضوعية ان يعتبر من قبل جميع العراقيين بما فيهم غير المسلمين، كرمز وطني عراقي، والمشيد الاول لنهضة العراق التاريخية بعد انقبار وظلام دام اكثر من الف عام، منذ سقوط (بابل) في القرن السادس ق.م.
القرار التاريخي الشجاع
ان دور الامام علي في نهضة العراق يكمن في قراره الشجاع والتاريخي التالي:
 التخلي عن الدور القيادي لـ (لحجاز) و(مكة) بالذات، واختيار (العراق) كمركز للاسلام، وان تكون (الكوفة) وريثة(بابل)، كعاصمة للخلافة بدلا من (مكة). 
ففي 18 ذي الحجة سنة35هـ/ 16م6/656م تمت مبايعة (علي بن أبي طالب) خليفة بعد مقتل الخليفة الثالث (عثمان بن عفان). في 25 ذو الحجة 35هـ/23/6/656م باشر الإمام علي مهامه كخليفة للمسلمين،  حيث اختار(الكوفة) في العراق لتكون عاصمة الخلافة.
وهذا قرار خطير وجبار لصالح الاسلام عموما والعراق خصوصا، لان الامام علي بسليقته التاريخية وحكمته العميقة كان يدرك بأن ان لا نهضة تنبثق ولا حضارة تشيد في الشرق دور الدور الحاسم للعراق. وليس صدفة ان جميع المحتلين السابقين للعراق اضطروا ان يتخلوا عن بلدانهم الاصلية ويجلعوا عاصمتهم في العراق: اليونان والايرانيون اختاروا (بابل) ثم (المدائن ـ جنوب بغداد) كعاصمة لهم.
ولم يكتف الامام علي في اختيار العراق كمركز للدولة الاسلامية الناهضة، بل قام بدور المصلح والمدافع عن كرامة العراقيين وارداد حقوقهم المهضومة. فمن المعلوم انه في عهد الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) كانت أوضاع العراقيين الاصليين ألآراميين(الانباط الموالي) الذين دخلو الاسلام واستعربوا، قد تردت رغم اعتناقهم للاسلام. لقد تفاقم سوء حالتهم عندما أرادت الأرستقراطية العربية أن تجعل من سواد العراق بستاناً لقريش. شرع القادة العسكريين العرب في انتزاع أراضي العراقيين وسلب أرزاقهم واستغلال جهودهم دون رحمة، مما دفعهم الى الانحياز الى جانب ( الخليفة علي) الذي أدخلهم في صفوف جيشه، إذ كان منهم ثمانية آلاف عراقي. وساوى بين الموالي والعرب في العطاء. وكتب الى عماله يأمرهم بحسن معاملتهم.
النضوج العراقي المؤجل
لكن للاسف ان هذا القرار التاريخي الخطير الذي اتخذه (الامام علي) وهذه السياسة الوطنية والانسانية، اصطدمت بحقيقة ان العراقيين ما كانوا مؤهلين حينذاك لتحمل تبعية مثل هذا المهمة الجبارة المتمثلة بقيادة الامة الاسلامية الجديدة والناهضة. لهذا فأنهم فشلوا في دعم الخليفةعلي. كذلك تكاسلوا عن دعم ثورة ابنه(الحسين)(رض). واحتاج العراقيون الى اكثر من قرن من الانتظار والخيبات والنكسات على يد الاموين، لكي ينضجوا اخيرا ويعدوا مشروعهم الحضاري وحركتهم السياسية(العباسية ـ العلوية)، ليقوموا بثورتهم ويشيدوا (الدولة العباسية) وعاصمتها (بغداد)، ليقودا حضاريا النهضة الاسلامية واكبر امبراطورية عالمية لحوالي خمسة قرون.


6
هذا هو سر اسرار الحكم الامريكي للعراق:
الدولة للشيعة، والاعلام للاكراد، والارهاب للسنة!

سليم مطر/جنيف
آب 2012: http://www.salim.mesopot.com/
ان جميع المتابعين للوضع العراقي يطرحون دائما هذين التساؤلين المحيرين:
 1ـ ما هو سر هذه القدرة العجيبة للحزبين الكرديين بالسيطرة على 80% من الاعلام العراقي وامتلاكهم هكذا الساحة مفتوحة بصورة تتجاوز المعقول ، فلا الارهاب يقترب منهم ولا القوى الشيعية والسنية تضايقهم. ولهذين الحزبين الكرديين سطوة بين الاعلاميين والمثقفين العراقيين تتجاوز اضعاف نسبتهم السكانية والحزبية وخارج المنطق الديمقراطي وامتلاكهم اكبر مؤسستين اعلاميتين متحكمتين بالوضع: (المدى ـ فخري كريم)  و( الشرقية ـ الزمان ـ سعد البزاز)؟!
وبنفس الوقت الاصرار العجائبي للاحزاب والنخب الشيعية العراقية على تجنب اقامة أي مؤسسة او مؤسسات اعلامية وثقافية كبيرة ومهمة رغم امتلاكهم الدولة  والمليارات والنخب الاعلامية والثقافية الكبيرة التي تشكل الجزء الاعظم والفعال من النخب العراقية!!
2ـ اما التساؤل الآخر الذي لا يقل اهمية وخطورة من الاول،  فيتعلق بسر هذه القدرة السحرية الخرافية للمنظمات الارهابية (السنية ـ البعثية)، على الاستمرار بعملياتها الارهابية وبصورة تتجاوز في نجاحها حدود المعقول رغم كل هذه التحضيرات الامنية والجدارية والعزلية وحملات الابادة والاعتقالات المئات الالوفية. حتى ليخيل للمتابع كما لو انه هذه المنظمات تضم عفاريت جبارة وشياطين خرافية دائما التوالد يحيث يفوق عددها سكان العراق اجمعهم؟!
                                   عراق موحد ولكنه مريض متأزم
ان الجواب على هذين التساؤلين المحيرين يكمن في حقيقة  الاستراتيجية الامريكية المنفذة بشكل سري في العراق عبر الاتفاق الكامل مع القيادات العليا الشيعية والسنية والكردية، بالاضافة الى المنظمات الارهابية والدول الخليجية، وكذلك ايران بصورة ما. اما جوهرهذه الخطة:
الابقاء على العراق موحدا، ولكنه ضعيفا مريضا مقسما بين ثلاث اقطاب: شيعية وسنية وكردية.
وهذا الوضع العراقي المريض المتفجر المتأزم على الدوم يجب ان يبقى لحين الانتهاء من التنفيذ الكامل للخطة الامريكية في الشرق الاوسط، وبالذات تغيير الوضع في سوريا على الطريقة العراقية، كذلك ارغام ايران بالموافقة الكاملة على دخول الحضيرة الامريكية.
ومن اجل الضمان التام بمنع أي اية محاولة من قبل أي قطب بتجاوز حدوده المرسومة له، فقد قام الامريكان بتقسيم السلطات على هذه الاقطاب بطريقة بحيث تكون متساوية في قوتها رغم اختلاف النسب السكانية والامكانات الواقعية. وقد حرصت الخطة الامريكية على التوزيع العقلاني لأهم واخطر سلطتين: العسكرية والاعلامية.  بالعسكر تسيطر على البدن والسكن، وبالاعلام تسيطر على النفس والعقل.
                            الشيعة لهم الدولة كلها ولكن بدون اعلام!
بالنسبة للقطب الشيعي، بما انه يمثل اكثرية السكان، فمن الطبيعي ان يسيطر على الدولة والاجهزة التنفيذية، وبالذات العسكرية والمخابراتية وكذلك الاقتصادية(المالية النفطية).
اما السلطة الاعلامية فقد تم الاتفاق على حرمان الشيعة منها بصورة شبه كاملة ومنعهم من الاقتراب منها الا بصورة محدودة ومشوهة. والسبب لأنهم يمتلكون  الشارع والحشود المليونية والنخب الثقافية والاعلامية الجاهزة. ولو سمح لشيعة العراق ببناء المؤسسات الاعلامية العصرية والكبيرة فأن هذا يعني بكل بساطة سيطرتهم الاعلامية(النفسية والعقلية) ليس على العراق وحده بل على المنطقة بأكملها، مما يؤدي الى  تخلخل وتخريب كل الاستراتيجية الاعلامية الامريكية ـ الخليجية الهائلة التي فرضت نفسها على المنطقة خلال السنين الاخيرة. والذي يثير العجب في هذا القرار، انه حتى ايران متقيدة به، فهي غائبة تماما عن أي نفوذ اعلامي في المنطقة!
                      الاكراد لهم البيشمركة واعلام الوطن كله!
   اما القطب الكردي، فرغم منحه السلطة الكلية على المنطقة الكردية والكثير من مناطق الشمال الاخرى، الا انه في الواقع يبقى ضعيف عدديا واقتصادية واستراتجيا وعسكريا وحتى ثقافيا وتاريخيا وروحيا، وبالتالي فأنه عرضة سهلة للذوبان في باقي الوضع العراقي، بالاضافة الى سهولة اجتياحه من قبل الدولة العراقية بماكنتها العسكرية والبوليسية والاقتصادية.
لهذا فقد تم الاستفادة من التجربة الاعلامية الاسرائيلية والخليجية والتي اثبتت بأن أية قوة مهما كانت ضعيفة في ارض الواقع، فأنها تستطيع ان ترهب وتضعف اية قوة منافسة مهما كانت متمكنة ماديا وواقعيا، من خلال سلاح الاعلام ( الارهاب الثقافي النفسي)! نعم ان سلاح الاعلام لو حسن استخدامه فهو اقوى من سلاح العسكروالاقتصاد!
لهذا فأن الامريكان حتى قبل اجتياح العراق في 2003  قد استعانوا بالمستشارين الاعلاميين الاسرائيليين لبناء شبكة كبيرة من المؤسسات الاعلامية العراقية الصغيرة والكبيرة  في الخارج والداخل، بحيث تكون بغالبيتها الساحقة مرتبطة بدرجات متفاوتة بالحزبين الكرديين، وبدرجة اقل بالقطب السني ـ الخليجي.
وبنفس الوقت، فقد تم الاشتراط على القطب الشيعي (كذلك مع المنظمات الارهابية السنية) بعدم مضايقة هذه السيطرة الاعلامية الكرديةـ الخليجية في العراق، وفسح المجال الكامل والحماية لأمبراطورية (فخري كريم) وهي كردية 100% وامبراطورية(سعد البزاز) وهي كردية ـ خليجية!
 وكما اسلفنا، كذلك بنفس الوقت منع أي محاولة شيعية بخلق شبكة اعلامية مهمة وافشال كل المحاولات التي قد يقوم بها بعض المثقفين والاعلاميين من اصول شيعية خارج خيمة الاعلام الكردي والخليجي!
                      السنة لهم اعلام الخليج ومنظمات الارهاب!
      اما القطب السني، فانه ايضا يعاني من الضعف السكاني والاستراتيجي، ثم انه بعد حرمانه من الجيش والمخابرات السابقين، فقد اصبح اعزلا من السلاح. لهذا فقد تم تعويضه بناحيتين:
     ـ اعلاميا، بصورة غير مباشرة من خلال الماكنة الاعلامية السعودية الخليجية(الجزيرة والعربية وغيرها) بالاضافة الى جزء من امبراطورية البزاز.
ـ عسكريا من خلال(المنظمات الارهابية) التي تمارس دورا اساسيا باضعاف القطب الشيعي كلما حاول ان يتجاوز حدوده المرسومة له. وهذه المنظمات غالبيتها وهمية او حقيقية ولكن مخترقة من قبل مرتزقة امريكا والاكراد والسعودية. وهي تنسق عملياتها بصورة مباشرة وغير مباشرة مع القيادة الامريكية. ويتم تسهيل عملها من قبل القيادات الحكومية الشيعية نفسها مجبرة او راضية !!
                                               ما العمل؟!
يقينا هنالك من سيردد ضجرا: انها نظرية المؤامرة!
نقول نعم ان المؤامرة موجودة منذ فجر الحضارة، منذ ان وجدت الدول والجيوش والمخابرات. ولكن بنفس الوقت نحن نختلف عن الباقين لاننا نعتقد بأن هذه المؤامرة، ليست قدرا شيطاني محتم لا يمكن الفكاك منه. بل ان اية مؤامرة مهما كانت، يستحيل نجاحها دون تواطئ الضحايا انفسهم ضد انفسهم، وخيانة ضمائرهم واحزابهم وقياداتهم ونخبهم المثقفة والسياسية والدينية.
لهذا فأن خلاصنا من هذه المؤامرة لا يتمثل بانتظارنا رحمة الامريكان والقوى الاقليمية، بل بوعينا نحن وتمسكنا بهويتنا ووطننا وكرامتنا، وكفاحنا السلمي والثقافي من اجل دراسة عوامل ضعفنا الثقافية والتاريخية وكذلك فضح الاحزاب والقيادات الخائنة والمتآمرة.
وان تبادر نخبنا الضميرية من جميع طوائف وقوميات امتنا العراقية الى الالتفاف حول المشروع الوطني الذي يوحدنا ويعيد لنا كرامتنا واستقرار بلادنا.
لمزيد من المعلومات طالعوا كتابنا(المنظمات السرية التي تحكم العالم):
http://www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=106:2011-10-06-17-49-58&catid=35
كذلك كتابنا الاخير(مشروع الاحياء الوطني العراقي):
http://www.mesopot.com/default/index.php?option=com_content&view=article&id=266:-2012&catid=39:lougaat





7

ايران وتاريخ عشقها الامتلاكي للعراق!

سليم مطر/جنيف
آيار 2012
http://www.salim.mesopot.com

قبل ان يساء فهمنا، نقول ان موضوعنا هذا لا يبتغي ابدا تبرير العداء العنصري لايران، بل نحن سبق وان كتبنا باننا مع(وحدة بلدان الشرق الاوسط: تركيا وايران وبلدان المشرق العربي) على غرار الوحدة الاوربية.
اننا نود فقط وصف حالة تاريخية تجمع الكثير من الدول الجارة. يكفي القول العلاقات بين ايران والعراق تشبه الى حد بعيد تلك التي بين فرنسا والمانيا، حيث ظلت المانيا دائما لاسباب جغرافية، تتجه لاحتلال فرنسا.
إن العلاقات بين الأوطان محكومة أساساً بشروط الجغرافية والبيئة; وبما أن هذين العاملين ثابتان على مر التاريخ فإن طبيعة العلاقات بين الأوطان تتمتع بديمومة وثبات «نسبي» رغم تغير الأديان والحضارات والمعتقدات.

 الاحتلال الايراني الدائم
ايران هي الجارة الكبرى المشرفة مباشرة على المشرق عبر سلسلة جبال زاغروس طول الحدود الشرقية لوادي النهرين. تمتد هذه الحدود جنوباً من خليج البصرة حتى الشمال حيث جبال ارمينيا وطوروس الأناضول. إن التجاور الجغرافي الحميم بين الهضبة الايرانية والعراق كان بالحقيقة تجاور النقيضين: ايران، رأس الكائن الآسيوي المرتكز على الهضبة الايرانية وجبالها، والممتد بين هضاب وجبال أواسط آسيا الآرية التركستانية حتى حدود الهند والصين وروسيا. لبثت ايران دائماً ترمق بشغف وحماس ناحية الغرب حيث وادي النهرين وشواطىء سوريا الواعدة. أما العراق، رأس الكائن المشرقي المرتكز على نهري دجلة والفرات والمنفتح على سهول سوريا الخصبة حتى شواطىء المتوسط. لبث العراق دائماً يرمق بخوف وحذر حدوده الشرقية حيث تتربص شعوب ايران وآسيا بانتظار فرصة للانحدار والهبوط واجتياح النهرين كما فعلت طيلة التاريخ!
ايران ظلت دائماً أشبه بالعاشقة الولهة الباحثة عن كل السبل للسيطرة على الحبيب; والعراق ظل دائماً ذلك اليافع المتمرد الهارب من سيطرة الحبيبة. جبال زاغروس ترتفع على النهرين الى مسافة تبلغ أحياناً (4548 قدماً ــ جبل زارد). الهضبة الايرانية وجبالها منحت الايرانيين دائماً قوة حربية حاسمة من خلال الانحدار العسكري والاجتياح السريع. ايران ذات الأراضي الجبلية وصحراء «لوط» القاحلة ظلت دائماً ترمق بإعجاب وشهية الحضارات الكبرى الناشئة في الوادي الخصيب وما تنتجه من ثروات وخيرات وعلوم ومعتقدات. ثم إن موقع العراق ظل ضروريا للوصول الى الشام وشواطىء المتوسط.
على مدى التاريخ لبثت الشعوب الرعوية الآسيوية (الآرية ــ التركستانية)، ما إن تحط الرحال في الهضبة الايرانية قادمة من أواسط آسيا حتى تفتح عيونها على وادي النهرين بنهريه وأراضيه السهلة الخصبة الغنية فتنحدر عليه بسهولة من أعالي زاغاروس. من ابرز هذه الشعوب والجماعات التي اجتاحت العراق منذ عصر السومريين وحتى  القرن الماضي: عيلام، غوت، كوش، حوريين، ميد، اخمين، بارث، ساسان، بعد الاسلام برز : البويهيون والأتراك السلاجقة، المغول، ثم الصفويون، لقد تعددت فترات الاجتياح والسيطرة الايرانية الآسيوية وتراوحت بين عشرات السنين حتى عدة قرون. أما المجموع الكلي لهذه الفترات فيبلغ عشرات القرون المتقطعة. أطول هذه الفترات كانت سيطرة البارثيين والساسانيين التي دامت من القرن الأول ق. م حتى القرن السابع والفتح العربي.
على مر التاريخ ظل الهم الأول والرئيسي للدولة العراقية حماية حدودها الشرقية لدرء خطر الاجتياحات الايرانية الآسيوية. جميع الأنظمة العراقية تجنبت مغامرة السيطرة على ايران بسبب صعوبة الصعود الحربي نحو جبال زاغاروس والهضبة الايرانية. وكان أقصى ما تفعله الدولة العراقية انها تقوم باجتياحات سريعة وعمليات تأديب للدول والقوى المشاكسة في ايران. (يبدو ان صدام لم يفطن لهذه الحقيقة التاريخية الجغرافية فقام بمغامرته الحربية التي انتهت بكارثة). ان الدولة العربية الاسلامية هي الدولة «المشرقية» الوحيدة التي تمكنت فعلاً من عبور جبال زاغاروس وفرض السيطرة على الهضبة الايرانية وعموم آسيا الوسطى. وهذا امر استثنائي في تاريخ المشرق ويعود ربما أساساً الى العنفوان الحربي الذي كانت تتمتع به القبائل العربية الصحراوية القادمة تواً من بوادي الجزيرة العربية.

 التبعية الثقافية الايرانية للعراق
المسألة المهمة التي يمكن ملاحظتها أن ايران خلال جميع فترات احتلالها للعراق لم تستطع أبداً أن تفرض ثقافتها أو سكانها على النهرين، بل كان العكس هو الذي يحصل : في كل مرة تحتل ايران النهرين كانت تكتسب وتتبنى الحضارة العراقية : اكتسبت الكتابة المسمارية والثقافة السومرية منذ الألف الثالث ق. م، ثم الحضارة البابلية التي أثرت بصورة كبيرة على الثقافة الايرانية والديانة المجوسية. وصل الأمر في الحقبة الساسانية انهم جعلوا عاصمتهم في المدائن وسط العراق قريباً من بابل القديمة وصارت اللغة الآرامية (السريانية) العراقيةــ السورية هي السائدة ثقافياً في أنحاء الامبراطورية الفارسية مع بقاء اللغة البهلوية محصورة في البلاط الايراني. المسيحية النسطورية العراقية انتشرت حتى بين العائلة الملكية في ايران ونافست المجوسية. علماً ان هذه المجوسية فشلت تماماً بالانتشار بين العراقيين وبقيت محصورة بين الجاليات الايرانية المقيمة. الديانة المانوية البابلية انتشرت بزخم في ايران حتى أنها شقت الزرادشتية لتخرج منها الطائفة المزدكية التي جمعت بين المجوسية الايرانية والمانوية العراقية.
أتت بعد ذلك الحقبة الاسلامية لتصبح ايران مسلمة بعد أن سبقها العراق. لقد انتشر الاسلام في ايران أساساً بواسطة الجيوش العراقية البصرية والكوفية التي استوطنت ايران خصوصاً في خراسان ونيسابور وقم، وشكلت أساس الجيش الخراساني الذي ساند الثورة العباسية. عندما ساد التشيع في العراق بدأت ايران السنية تدريجياً أيضاً تميل الى التشيع، حتى تمكن الصفويون أن يفرضوا التشيع في القرن السادس عشر. علماً أن الصفويين اعتمدوا على الفقهاء و«السادة» العراقيين واللبنانيين والبحرانيين لنشر المذهب الجعفري. ان فئة السادة في ايران (من بينهم الإمام الخميني) التي تتمتع بقدسية دينية وسياسية في الدولة والمجتمع، لا ينكرون من أنهم من أصول عراقية عربية (لبنانية وبحرانية وإحسائية) وينحدرون من نسل الإمام علي. لكن طبعاً هذا لا يقلل من حقيقة انتمائهم التاريخي والحضاري لإيران.
إن حاجة ايران للسيطرة على النهرين لم تكن مدفوعة بحقد وكبرياء قدر ما هي مدفوعة بعشق ورغبة بالذوبان والاندماج. أوضح صورة لمدى تعلق الايرانيين بالعراق تقديسهم وحبهم للأئمة والعتبات المقدسة في العراق. كم من الحروب خاضها الايرانيون ضد العثمانيين من أجل تحرير العتبات المقدسة؟ وكم هناك من الأساطير عن الجهود العجيبة التي ظل يبذلها الايرانيون من أجل دفن موتاهم في مقبرة النجف في العراق.
حقبة  الشاه الأخيرة كشفت عن تجربة طريفة تستحق الاشارة اليها: عام 1975 في ظل المنافسة بين نظام الشاه ونظام البعث، قام الشاه بتكوين حزب حكومي حمل الكثير من سمات حزب البعث، بل حتى اسمه هو (حزب ريستاخ) ويعني (حزب البعث أو النهضة) في الفارسية!
إذن، مشاعر إيران نحو العراق ظلت دائماً مفعمة برغبة وحب وغيرة. العشق الايراني، نموذج للعشق الامتلاكي حيث تندفع الحبيبة باسم الحب للسيطرة على حبيبها. أما العراق، فيبدو أنه ظل دائماً رافضاً متهكماً من هذا «العشق». ظلت مشاعر العراق نحو ايران مفعمة بتوجس وحيرة مع بعض التعاطف والسخرية. تجربة الحرب مثال واضح لهذه الحالة : صدام حسين عندما اجتاح ايران كان أساساً مدفوعاً بالخوف والقلق من الثورة الايرانية وطموحاتها التوسعية. أرادها ضربة هوجاء خاطفة لإسقاط الثورة وإقامة نظام أكثر أماناً له. أما ايران فانها منذ أول الثورة راحت تعلن عن رغبتها بتغيير النظام في العراق وإقامة نظام اسلامي لانقاذ الشعب العراقي من «الكفرة». حتى الاستمرار بالحرب كان العراق يشن هجماته مدفوعاً بالخوف والأمل بايقاف الحرب مع التبجح السافر باعلان الحقد العنصري على الفرس «المجوس»; أما ايران فقد ظلت على العكس مستمرة حتى آخر رمق باسم الحب للشعب العراقي والعتبات المقدسة وتخليصه من (حكم الطغاة!!).
اخيرا نؤكد، ان تجاوز هذه المشكلة التاريخية الجغرافية، لا يكمن في العداء والحروب، بل في التقارب والوحدة الشرق اوسطية، كما فعلت فرنسا والمانيا..
ـــــــــ
المصدر: اعتمدنا على كتابنا (الذات الجريحة)




8
دعوة الى كتاب العراق والعالم العربي:
المشاركة بمشروع رواية عالمية لتخليد تضحيات الجيش الامريكي في العراق!


سليم مطر/جنيف
آيار 2012
http://www.salim.mesopot.com


مؤسسة الثقافة الانسانية الامريكية(CIA):
 تدعوا جميع كتاب الرواية في العراق والعالم العربي الى المساهمة في هذه المسابقة الروائية، والتي ستمنح الكتب الثلاثة الفائزة جوائز عالمية تقدر بملايين الدولارات بالاضافة الى منافع عديدة.
                                      الفكرة العامة للرواية
الرواية على لسان ضابط امريكي يسرد تجربته الانسانية المثيرة في العراق. كيف انه تطوع في الجيش الامريكي من اجل تحريرهذه البلاد المسكينة والقضاء على مكامن الارهاب العالمي والتخلص من اسلحة الدمار الشامل التي تهدد الحضارة والسلام العالمي، حيث يقول:
 قبل قدومي للعراق درست جيدا كل تقاليد العراقيين وعقليتهم بواسطة كتاب علمي مهم كتبه صحفي امريكي عاش في العراق اسبوعا كاملا متنكرا بشخصية امرأة مسلمة، فتمكن من كشف جميع اسرار الرجال المسلمين وطقوسهم السرية!! ومن العجائب التي يوردها الكتاب، ان المسلمين يحرمون ان ينام الكلب معهم في الفراش.. يا لها من قسوة وقلة انسانية!
وكانت الصدمة الاولى لبطل الرواية، انه بعد ان وصل بريئا حالما بنقاء العراقيين واذا به يفاجأ بمدى سيطرة العنف والتعصب عليهم، وكيف انهم منقسمين الى عدة جماعات متحاربة، وخصوصا الشيعة التابعين لايران التي يتزعمها رجل الدين (آية الله شاه بهلوي) والسنة التابعين للسعودية بزعامة(النبي ملك سعود). ويقول:
ان الخطر الاكبر كان يواجه الامريكي الابيض اكثر من الاسود. لانه من عادة المسلمين تحليل شوي الانسان الابيض، اما الاسود فيعفونه لانهم يعتبرونه مشوي من الاساس. وهنالك آية لديهم تقول:
( وحرمنا عليكم شوي السود، اما البيض والشقر والحمر فالى النار وبئس المصير)!
لكن الحمد لله هنالك الاكراد، الذين رغم انهم مسلمين، ولكنهم بفضل تحالفهم معنا منذ سنوات التسعينات فانهم اصبحوا بشرا يرتدون الثياب وتعلموا ان يأكلوا سندويجات المكدونالد التي غذت في ادمغتهم فيتنامات التحضر الامريكي بحيث اصبحوا يتكلمون كردي ولكن بلكنة امريكية!!
ثم يصف بشكل مؤثر حال المسيحيين:
هم اقلية يعيشون في محميات شبه سرية، وقد اصبحوا مسيحيين منذ ألاف السنيين بفضل المبشرين الامريكيين. لهذا تكفلنا نحن بالدفاع عنهم بوجه الارهابيين والعاطلين عن العمل من المسلمين الشيعة والسنة الذين يمضون وقتهم، في كل مرة بعد ان يتعبوا من التقاتل بينهم، يأتون ليلا ليتسلوا باصطياد المسيحيين وتهديم كنائسهم واخذ احجارها  لبناء المساجد. ثم يبيعوا النساء المسيحيات في مشايخ الخليج والسعودية التي تكثر فيها اسواق العبيد والجواري المخفية عن الامم المتحدة(خصوصا في قاعات سرية في فنادق دبي وابو ظبي). وحسب باحثينا، ان هذا يفسر التطور العقلي والحضاري الحاصل في الاجيال الاخيرة في امارات الخليج، نتيجة تزاوج المسلمين البدو مع الجاريات المسيحيات المختطفات.
        ثم يتحدث الرواي، انه رغم تعصب هذا المجتمع الا انك تجد بينهم علمانيين يعرفون ثقافتنا الامريكية اكثر منا. ولكن الغريب انك عندما تتمعن بوجه العلماني، مهما كان اسمرا اكلحا مثل غالبية العراقيين، الا انك تشاهد في الاعماق ثمة ملامح اوربية مخفية وعيونهم السوداء تلمع بزرقة وخضرة غامضة! وكم ارتحت عندما كشف لي سر هذه الحالة احد دبلوماسينا العاملين في سفارتنا في بغداد، من العارفين جيدا بالوضع: ان العلمانيين العراقيين هم بالحقيقة من اصول روسية قد هاجر اهاليهم الى العراق منذ عدة اجيال من اجل نشر الشيوعية. ورغم تزاوجهم مع المسلمين الا انهم بقيوا محافظين سرا على عقيدتهم الماركسية الروسية التي يخفونها وراء ستار العلمانية.
ومن الطرائف التي يوردها بطل الرواية، كيف انهم ذات يوم قاموا بتوزيع احذية للاطفال في قرية عراقية، الا ان النساء اخذتها وقطعتها ووضعتها في قدور الطبخ ظنا منهن انها لحوم امريكية! والسبب يعود الى ان العراقيين لم يعرفوا الاحذية منذ سقوط حضارتهم المنسية في بابل قبل اكثر من مليون عام. وكما تعرفوا ان الله قد قضى على بابل واهلها لانها ارتكبوا جريمة سبي اليهود وتدمير امبراطوريتهم العظمى التي كانت تشمل كل (قارة فلسطين) وقتل نبيهم موسى خنقا في صحراء سيناء بالتعاون مع منظمة القاعدة الفرعونية الارهابية، بقيادة (بن اخناتن)!
                                           جوهر القصة
هذه هي خلفيات الرواية، اما القصة الحقيقة فتبدأ عندما يقوم الضابط يوما بانقاذ فتاة سنية من موت محقق على ايدي نساء شيعيات متعصبات حاولن ان يخنقنها ويأكلنها حية، بعد ان اكتشفن ملامحها السنية رغم تنكرها بمكياج شيعي!
واثناء الطريق لايصال الفتاة الى اهلها في الفلوجة وقع الاثنان في حب جارف لم يخطر على البال.  لكن المشكلة تحصل عندما يكتشف اخ الفتاة هذا الامر.  وهو طبعا ارهابي من جماعة القاعدة مثل جميع السنة، فيعاقب اخته بشكل وحشي ويحبسها في الدار. رغم ذلك فأن الفتاة تبعث برسالة سرية من الفلوجة الى حبيها الامريكي ترجوه ان يسامح اخيها ويتركه حرا لان امها مريضة ويمكن ان تموت قلقا عليه.
ثم تبلغ الرواية ذورتها في مشهد مؤثر عندما ينقذ الضابط الفتاة من اخيها قبل ذبحها بلحظات بحضور شيخ شيعي. فمن اغرب تقاليد السنة، انهم رغم عدائهم الرهيب للشيعة، الا انهم يجب ان يستعينوا بشيخ شيعي لكي يقرأ التعاويذ الخاصة اثناء ذبح كل فتاة عذراء عند ضفاف الفرات اول ظهور الهلال.
ورغم عفوا الضابط عن الارهابي عطفا على اخته، الا ان هذا السني المتطرف يباغت الضابط بضربة سيف اسقطته بغيبوبة. لكن لحسن الحظ تحصل المفاجأة عندما تأخذ الفتاة مسدس حبيبها الامريكي وتقتل اخيها وهي تردد هذه العبارة التي ستصبح مثل عالمي:
ـ من اجل حبي اضحي باخي..
وترتمي على حبيها الاشقر الاحمر الجريح مقبلة معانقة باكية، وهي تلعق جراحه حسب التقاليد الاسلامية المعروفة.
اخيرا نبلغ مفاجأة المفاجآت عندما نرى كف الفتاة تنساب على صدر الحبيب الناري المثير، وتخرج  من تحت قميصه قلادته الذهبية التي تحمل(نجمة داود)، وتقبلها وهي تردد هذه العبارة التي ستدخل التاريخ:
ـ شالوم حبيبي شالوم..
حينها يفتح الضابط عينيه الخضر ناظرا بدهشة وتساؤل، فتهمس له حبيبته:
ـ نعم حبيبي، اعرف انك يهودي، لانك مختون! (افهموها بقى!!)
وتنتهي الرواية بصوت الحبيبان يصدح في انحاء الفلوجة وتسمع اصدائه حتى ازقة النجف:
ـ شالوم حبيبي شالوم!!
وهذه العبارة ستكون عنوان الرواية.
                                            نتائج الرواية
تضمن مؤسستنا الامريكية الخاصة بالثقافة الانسانية، ان رواية(شالوم حبيبي شالوم) الفائزة سوف تحوز على عدة جوائز نوبل للاداب وللسلام وللعلوم، لانها تخدم البشرية في جميع هذه النواحي. وستترجم الى جميع لغات العالم بما فيهم لغة السبرنتو وقبيلة الواقواق الغير مكتشفة بعد.
وستحول الرواية الى فلم امريكي سكوب ملون وبتمويل يتجاوز المليارات. وستصبح عبارة(شالوم حبيبي شالوم) اكثر عبارة متدوالة التاريخ. وتطلق على ما لايحصى من المخازن والنوادي والسينمات والمراقص ووو..
وسيتم تصنيع حافضات جنسية مكتوب عليها: (اعرف انك مختون يا حبيبي)، كما تؤلف الاغاني المثيرة حولها.
وستعتبر عبارة(من اجل حبي ضحيت بأخي) اكثر العبارات رومانسية التي همست بها شفاه النساء.
كذلك ستبادر مطاعم المكدولاند الى انتاج انواع جديدة من الهمبركر:
 ـ همبركر الجندي الابيض( وهو مشوي جيدا)
ـ همبركر الجندي الاسود(وهو يشبه الكبة النية اللبنانية).
وسوف تدخل هذه الرواية في مناهج الدراسة العالمية وكليات العلوم الانسانية، فبالضافة الى قيمتها الادبية العالية(جدن جدن!!)، فانها كذلك ستعتبر مصدرا غنيا لمعرفة ثقافة العراقيين والعقائد السرية للمسلمين.
اما المنظمات السلمية والانسانية  في انحاء العالم فانها سوف تتبنى هذه الرواية باعتبارها افضل رسالة ادبية انسانية للتقارب والمحبة بين المسلمين والمسيحيين واليهود.
                                       شروط المشاركة والعنوان
ان مؤسستنا تتفهم الظروف الثقافية الصعبة التي تعيشها المجتمعات العربية، لهذا فأننا لم نفرض سوى هذه الشروط العامة البسيطة لكل من يرغب المشاركة بهذه المسابقة:
ـ ان يعرف القراءة والكتابة، وان يكون حسن السيرة والسلوك ولم يرتكب جنحة مخلة بشرف أمريكا.

اما عنوان مؤسستنا فهو:
المؤسسة الامريكية للثقافة الانسانية (CIA)
مقابل مطعم فلافل جورج عثمان النجفي
واشنطن ـ امريكا                               



9
حول ما يسمى بـ(محكمة حقوق الانسان) ولعبة المؤامرات الخفية!!

سليم مطر/جنيف
نيسان 2012
http://www.salim.mesopot.com/

منذ فترة ونحن نتلقى خبريات (محكمة حقوق الانسان في الشرق الاوسط) التي يشرف عليها مجموعة من العراقيين المقربين من اليسار ومن قيادة الاقليم الكردي.(على  رأسهم السيد سمير شبلا).
وقد اختارت هذه المحكمة قضايا عراقية عديدة من اجل تسليط الضوء عليها و(محاكمتها)!!
وهذا نص رسالتنا الى ادراة هذه المحكمته :

ان محكمتكم هذه تحمل نفس العيب الكبير الذي تعاني منه جميع المؤسسات والنخب والاحزاب العراقية:
نقصان الشمولية الوطنية والانحياز ضد اطراف معينة من اجل التغطية على الاعيب اطراف اخرى!!!!!
فانتم في جميع الجرائم المختارة من قبلكم، الجهة الوحيدة المدانة والمشكوك بدورها هي:
 (الارهاب الاسلامي)!!

طبعا نحن تماما ضد الارهاب، خصوصا الاسلامي لانه يمسنا مباشرة واحترق به شعبنا، ولكن هذا لا يجعلنا ابدا ابدا ابدا ان نتناسى جرائم وارهاب الاطراف الاخرى التي ساهمت بتخريب بلادنا.
                                             جرائم المحتل الامريكي
فأنتم تناسيتم بشكل غريب وعجيب الاطراف الفاعلة المعروفة المسؤولة عن الجرائم الكبرى التي حدثت في بلادنا، وبالذات جيش الاحتلال الامريكي وحلفائه من الطائفيين الشيعة والسنة والقوميين الاكراد.
فلكي تعطوا مصداقية لمحكمتكم ، فيجب ان تمس جميع الاطراف الدولية والطائفية والقومية التي ساهمت بتدمير بلادنا منذ عام 2003 وحتى الان.
ـ واولى وكبرى هذه الجرائم الوحشية جريمة اجتياح بلادنا من قبل الجيش الامريكي وتدميره للدولة العراقية عام 2003
ثم تخريبه المتحف العراقي وسرقة الاثار وتحويله موقعي بابل واور الى معسكرين ، وهذا ضد جميع الاعراف الدولية والروح الحضارية التي تدعي بها امريكا.
ـ ثم اخيرا اغتيال الشهيد(دوني جورج) مدير المتحف العراقي لانه اراد ان يفضح جريمتهم:
http://hammdann.net/index.php?option=com_content&view=article&id=5832:2012-03-05-20-09-55&catid=34:2011-01-30-07-37-11&Itemid=74
ـ ثم لا تنسوا جريمة تدمير الفلوجة على يد الجيش الامريكي واستخادم الاسلحة المحرمة دوليا التي ادت الى تشوية الآلاف من الاطفال..
                                 جرائم البعث الكردي
كذلك يجب عدم تناسي الجرائم التي قامت بها الاحزاب العنصرية الكردية الحاكمة في الاقليم، منها:
ـ جريمة اغتيال الشهيد الصحفي الكردي العراقي (سردشت عثمان) في ربيع 2010
على يد مخابرات(اشاوس) البرزاني بسبب كتاباته النقدية ومنها مقالته الشهيرة(انا اعشق بنت مسعود البرزانی)
http://www.aljewar.org/news-24452.aspx
ـ شهداء القمع البرزاني ـ الطلباني ضد المتظاهرين الاكراد في شتاء 2011:
http://www.youtube.com/watch?v=UmS0qb43-yY
http://www.iraqiforum.net/vb/4566.html
بالاضافة الى دور البيشرمكة والاشايس في تفجيرات وجرائم الموصل منذ عدة سنوات وحتى الان:
http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/120649.html

نعم، اخوتي، ان بلادنا بحاجة الى نخب وطنية ضميرية تخرج عن اللعبة الجهنمية السائدة منذ سنوات طويلة وحتى الان:
ادانة ظالم من اجل التغطية على جرائم ظالم آخر..|
اما ان ندين الظلم والظالمين كلهم، او نسكت عنهم كلهم..


10


لنحتفل بعيد الربيع ـ نيروز، عيد الوحدة الوطنية العراقية




سليم مطر ـ جنيف
آذار 2012
www.salim.mesopot.com

الى كل من يحب العراق ويتمنى وحدته،
 لنكن هذه المرة فعلا قدها ونقرر بانفسنا عيدنا الشعبي التاريخي دون الاضطرار لاخذ القرار من  السادة الاجانب.
نعم لقد شبعنا خنوعا وتقليدا للخارج، فجميع اعيادنا غير الدينية هي مناسبات اوربية  ـ امريكية: عيد العمال، وعيد المرأة ، وعيد السلام، واخيرا عيد الحب(القديس فالنتين)!!
طامتنا الكبرى ان نخبنا الحداثية والدينية تعبد الاستيراد والتقليد، باسم التقدمية الاممية او الرابطة الدينية او القومية العروبية، ترتعب من كل ما هو وطني تراثي اصيل.
نعم ان غالبية ابناء نخبنا الفعالة يعانون من (عقدة اليتم الوطني) فيعوضون عن الوطن بتقديس آباء ورموز اجنبية كبرى(عروبية واسلاموية وغربية) تمنحهم بعض الامان والقيمة الوهمية التي لم يستطيعوا خلقها  في وطنهم العراقي.
يا ابناء وبنات النهرين،
انتم الآن بما يكفي من النضج الروحي والمعرفي وتراكم التجارب والخيبات، لكي ترفضوا هذا الضعف الجاثم على نخب الوطن وتقولوا لها:
ـ كفى لهذا الخنوع الصبياني، وكفى لهذا التقليد الاعمى، وكفى لهذا التنكر لهويتنا الوطنية وميراثنا العراقي العظيم، ولنعلنها بصوت واحد موحد:
نعم لنحتفل رمزيا ومعنويا وفعليا بعيد الربيع(نيروز) في 21 آذار القادم، والذي ظل يحتفل به اسلافنا خلال آلاف الاعوام في سومر وبابل ونينوى وبغداد وجميع انحاء الوطن.
للمعلومات والتفاصيل عن هذا اليوم طالعوا موضوعنا هذا:
http://www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=113:2012-02-22-06-26-50&catid=37
اخوتي اخوتي، ليكافح كل منا، حسب امكانياته، لجعل هذا اليوم عيدا وطنيا شعبيا ورسميا.
لنكون التجمعات الاحتفالية، ونكتب المقالات ونؤلف الاغاني والقصائد ونرسم اللوحات ونوزع الباجات والاشارات.
 لنحث وسائل الاعلام والمثقفين ورجال الدين والمسؤولين وزعماء العشائر والاحزاب، على الترويج والاحتفال بهذا العيد..
نعم، لنجعل من (عيد الربيع العراقي ـ نيروز) عيدا للمحبة والوحدة والخضرة..
لنزرع فيه الاشجار والنخيل ونعتني بالبيئة ونخرج الى الحدائق والبساتين ونغني ونتبارك وننشر المحبة والفرح.
على الاقل على الاقل على الاقل ان نبعث التهاني لبعضنا البعض بهذه المناسبة..
ولا تنسوا ان توزعوا هذا النداء في قوائم ايميلاتكم، والى الصحف ووسائل الاعلام،  والى جميع من تعرفون من المسؤولين والبرلمانيين وقادة الاحزاب ورجال الدين..
هلموا يا اخوتي، وليكن شعارانا الاكبر: لنشعل شمعة بدل البكاء من الظلمة..



11
نداء موجه الى ضمائر جميع ابناء وبنات النهرين:
اما ان ندين جميع المفسدين او نسكت عنهم جميعا..


سليم مطر/جنيف
حزيران 2011
http://www.salim.mesopot.com/
الجميع متفق على توجيه النقمة والادانة الى المالكي وحكومته والقيادات الشيعية المساندة له. أي بصورة مختصرة ضد القيادات الشيعية الرسمية!
وقبل ان يساء فهمنا ويتهمنا البعض بالطائفية الشيعية، نرجو منه مراجعة كتاباتنا التي تدين بشدة وقسوة جيمع القيادات الشيعية، بل حتى المرجعية..
لكننا نطرح التساؤلات الضميرية التالية:
ـ هل فعلا ان هولاء الشيعة وحدهم القابضين على قيادة الدولة العراقية، وهم المسؤولون وحدهم عن كوارث الوطن والفساد والارهاب وتقسيم الشعب واضعاف العراق.. الخ؟
ـ هل ننسى ان الطلباني(الكردي السني) رئيسا لهذه الدولة؟
ـ هل ننسى ان حوالي نصف وزراء هذه الحكومة من السنة والاكراد؟
ـ هل ننسى ان الحزب الشيوعي طيلة السنوات الماضية  وحتى وقت قريب، كان له وزيرين في الحكومة. والأن له مسؤول لجنة 140 التي لها دورا خطيرا في مستقبل كركوك وعموم شمال الوطن؟
ـ هل ننسى ان حوالي نصف اعضاء البرلمان من السنة والاكراد، وهذا البرلمان هو المشرع والراعي لاغلب سياسات الدولة الفاسدة؟
ـ ثم كيف يعقل ان ترعى جريدة(المدى) وتدعم التظاهرات ضد الحكومة وبنفس الوقت هي ممولة من قبل رئيس الدولة الطلباني. فهي مثلا لا تكف عن نقد كل قيادات الدولة عدى القيادات الكردية. وتدعو الى التظاهرات ضد الحكومة ولكنها بنفس الوقت تسكت عن قمع تظاهرات الجماهير الكردية وغتيال الصحفيين في السليمانية اربيل؟
لاول في التاريخ يدعم رئيس جمهورية التظاهرات ضد حكومته؟
اسألوا ضمائركم يا اخوتي السؤال التالي:
ـ هل من الممكن ان تبقى هذه الحكومة يوما واحدا، لو انسحب الوزراء السنة والاكراد؟
ـ هل من المكن ان تبقى هذه الحكومة يوما واحدا لو استقال ربع اعضاء البرلمان؟
الا يعني وبكل وضوح حتى في عين الطفل، ان جميع هؤلاء مساهمون ومستفيدون من فساد وتخريب الوطن؟
طيب لماذا فقط يتم تسليط اللعنات على قيادات الشيعة وحدها؟
نحن ابدا لا ندعو للتغطية على هذه القيادات الشيعية الفاسدة والعميلة، ولكن فقط نقول يجب ادانه كل الطبقة السياسية، من شيعة وسنة واكراد وباقي الطوائف..
نعم ان مشكلة امتنا العراقية ليست مع حكومة وطائفة، بل مع طبقة سياسية فاسدة وعملية ومستفيدة من خراب الوطن..
نقول هذا يا اخوتنا يا ابناء النهرين، لكي لا نكرر لعبتنا الجهنمية: نسقط ظالم لنأتي باظلم منه!
لكي لا نكرر كارثتنا الاخيرة عندما اعتبرنا كل مصائب العراق بسبب البعث وصدام، ورضينا بقيادة الفاسدين من طائفيين متعصبين وقوميين عنصريين، الذين شوفونا نجوم الظهر..
نعم يا اخوتي، مشكلتنا في طبقة سياسية كاملة، وليست بحكومة. ونحن بحاجة الى طبقة سياسية جديدة اكثر وطنية وضميرية واقل عمالة وفسادا..
كونوا عادلين وناضجين وضميريين ايها العراقيين ولا تتركوا الشياطين يضحكون عليكم دائما..
اما ندين جميع الفاسدين او نسكت عن جميع الفاسدين..
فلا يوجد نصف شرف..


12
العقل الحداثي والنفس التراثية!

سليم مطر/جنيف
حزيران 2011
http://www.facebook.com/home.php?sk=group_231613403519853


اعرف سيدة عراقية هنا في جنيف ذهبت الى معالجة نفسانية بدائلية. بعد حوارات ومعالجات طلبت منها الطبيية ان تردد ترتيلة تكرر فيها اسم الله بالعربية. فاستغربت السيدة العراقية وقالت للمعالجة:
ـ لكني انا مادية علمية ملحدة لا اؤمن بالله فما فائدة ان اردد اسمه؟
ـ لا يهم انك تؤمنين به ام لا، ولكن في كل الاحوال ان اسمه يؤثر في روحك، لانك تعودت على سماعه منذ طفولتك بل وحتى انت في بطن امك. ان اسم الله مترسخ حتى في جيناتك حيث ظل يردد اسمه اسلافك خلال اجيال واجيال. ان اسم الله في اعماق وعيك الباطني مرتبط بالرحمة والامان. نعم حتى لو ان عقلك الواعي لا يؤمن بالله فان اعماق نفسك ترتاح لنغمة اسمه وتمنحك الطمأنينة التي تحتاجينها الآن.
وفعلا راحت هذه السيدة الملحدة كلما شعرت بالكآبة والقلق تتغنى بترتيلة اسم الله، فتحس ببعض الراحة والامان.
اسرد هذه الحكاية لاصدقائي العلميين الملحدين، الذي يجبرون انفسهم على تجنب ذكر اسم الله واحتقار التقاليد والطقوس والميراثات، باعتبارها خرافات رجعية يتوجب التخلص منها ونبذها.
كل هذا لانهم يعتقدون بان العقل والعلم وحدهما يسيريان الانسان، متناسين دور النفس الانسانية المليئة في دواخلها بالميراثات والتقاليد والعقائد المورثة منذ الطفولة، بل والمترسخة في الجينات بسبب تكرارها والتعود عليها منذ اجيال واجيال.
وهذا اهم سبب في عذابات العراقي وانكساره وانفصامه في العصر الحديث، لان نخبه الحداثية جعلته  يعتقد بكل سذاجة وسطحية بانه يكفيه قرار عقلاني  لكي ينظف نفسه من ميراثات آلاف الاعوام، ويصبح حداثيا تقدميا حضاريا مثل السادة الاوربيين!
وكان من الطبيعي جدا ان يأتي الزمن الذي يتمرد فيه الناس على كبت المشاعر العميقة. وهذا يفسر تلك العودة الكاسحة للدين والتقاليد في السنوات الاخيرة، لان النفس الباطنية الشعبية قد تفجرت وتمردت على هيمنة العقل الحداثي القمعي.
لهذا ندعوا نحن في (الفلسفة الوسطية) الى تطوير الانسان والمجتمع بالاعتماد على خصوصيته الميراثية.





13
رسالة مفتوحة الى السيدعلاوي:
 اخلع عنك ثوب الملاك، فانت شيطان مثل المالكي!

سليم مطر/جنيف
حزيران 2011
http://www.salim.mesopot.com/
http://www.facebook.com/home.php?sk=group_231613403519853&ap=1
   ان خطابك يا سيد علاوي اثار جزعي وانا اشاهدك تتقمص دور الملاك النوراني الطاهر المتباكي على شعبنا المسكين! يا سيد علاوي دعني ابدأ كلامي معك بتذكيرك بهذه الواقعة البسيطة، ولكنها المعبرة بشكل فاضح عن مدى تخلفك الثقافي والضميري مثل باقي اسوء وافسد طبقة سياسية تحكم بلادنا في العصر الحديث:
اتذكر قبل اكثر من عام اخبرني احد اعضاء قيادتكم وهو حزين خائب الامل بعدم امكانية أي تعاون بيننا، وهو يسرد لي هذه الحادثة التي جرت معك شخصيا.  فبعد ان اقترح عليك فتح الحوار مع المثقفين الوطنيين من اجل دعهم وكسبهم الى الحركة، اجبته حضرتك حرفيا:
   ـ ارجوك خلينا من المثقفين وهوستهم، ذولا ما يجيبولنا غير المشاكل باسألتهم وجدالاتهم..
  نعم يا سيد علاوي، فانت بجوابك هذا تعبر عن حقيقة السرطان الذي ينخر في الطبقة السياسية الجاثمة على بلادنا في الاعوام الاخيرة. نعم ان هذا الخوف والاحتقار ولانعزال من قبل هذه الطبقة عن الثقافة والمثقفين هي السبب الاول والاكبر والاعظم لكل الفساد المستشري في بلادنا.
       حتى في القبائل البدائية وحتى في العصر الحجري، لم يتحقق الازدهار والاستقرار الا بالتعاون بين قادة القبيلة ومتعلميها. حتى في العشائر العراقية، الى جانب الشيوخ والاغوات كان هناك السادة والملالي والمتعلمين. وكل الاديان، ومنها الاسلام لم تنتشر وتهيمن الا بالتحالف بين القادة السياسيين والمتعملين(المثقفين).
ان الفساد والخراب الجاري في بلادنا ليس هو نتيجة ارادة القادة الفاسدين وحدهم، بل هو كامن في فساد العقائد السياسية نفسها المهيمنة على الوضع. لأنها عقائد في جوهرها تحتقر وتخاف وترفض أي ثقافة وحوارات وتساؤلات ومشاريع وافكار. لهذا فأن هذه الطبقة السياسية جهدت منذ سنوات الى خلق حشود من المثقفين(الاعلاميين) أي المطبلين والمزوقين والمداحين الذي يرقصون في أي عرس ويبكون في أي مأتم.
وانت يا علاوي وشلتك لعبت الدور الاول والاكبر في تدمير الثقافة العراقية والمثقف العراقي وخلقت هذه الجوقات من الطبالين.
هل تتذكر يا سيد علاوي، انت شخصيا(اعتقد عام 2005) اقتحمت احد مكاتب صحيفتك(بغداد) الصادرة في بغداد ووضعت مسدسك على راس الصحفي(ع.س) مهددا ياه بالقتل في حالة تكراره لكتاباته الساخرة التي ازعجت حضرتك.
اذن انت يا سيد علاوي لا تختلف قيد انملة عن باقي طبقة السياسيين العراقيين الفاسدين الذين اشد ما يرعبهم الاقتراب من الثقافة والمثقف. لانكم اناس فارغيين بلا فكر ولا ثقافة مثل اي رجل اعمال رخيص يبحث عن الربح السريع، وان الاقتراب من الثقافة والمثقف يفضح خوائه وغبائه وانعدام ثقافته.
                              السياسة ليست خطابات بل ممارسات!
ثم انت يا سيد علاوي في خطابك امس، حاولت خداع الناس بادعائك الدفاع عن الشعب والشباب العراقي في كفاحه ضد الفساد والخراب.  لكنك نسيت ان السياسة ليست خطابات بل هي ممارسات على ارض الواقع. دعنا نطرح عليك هذه الاسئلة الضميرية:
ـ اين هم نوابك في البرلمان العراقي؟! لم نسمع اي صوت شريف من احدهم في دعم والمشاركة في تظاهرات الشباب. اليس هم مثل كل جوقة الفاسدين الذين يقبضون الرواتب والمخصصات الطائلة التي تسرق من قوت العراقيين. اليس هم من يساهمون بالتستر على كل عمليات الفساد وتدمير الوطن الجارية على قدم وساق؟!
ـ ثم يا علاوي لو كنت فعلا صادقا في دعمك للشعب والشباب العراقي في تظاهرتهم، لماذا لم تدع الآلاف المؤلفة من انصارك للمشاركة في هذه التظاهرات؟ لماذا صمت مثل الشيطان الاخرس بانتظار عقد الصفقات مع رديفك المالكي؟
يا علاوي اصمت واستمر بدورك الشيطاني الحقيقي ولا ترتدي ثوب الملاك، والتاريخ وحده من يشفي جراح امتنا العراقية ويعيد اليها كرامتها التي سلبتها انت وامثالك من الفاسدين..

14

اخطر اسرار الستراتيجية الامريكية الجديدة: الانتفاضات العربية، والعلاقة بين مقتل ابن القذافي وتمثيلية بن لادن!


سليم مطرـ جنيف
آيار 2011: www.salim.mesopot.com

بالحقيقة ان هذا الكشف الجديد لم يبح لي به صاحبي(الحكيم الامريكي) الذي سبق لكم ان تعرفتم عليه بعد نشري اعترافاته عن اسرار الاستراتيجية الامريكية في منطقتنا، بزعامة (فدرالية الاخوة العالميةIFB) ) وهي المنظمة السرية التي تتحكم بالعالم من خلال سيطرتها على قيادات امريكا والكثير من الدول الغربية:
www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=96:2010-09-05-05-53-13&catid=37
ان صاحبي الحكيم الامريكي كما اخبرتكم قد توفى منذ زمن. لكني بالامس تلقيت هذه الرسالة ـ التقرير من احد المقربين منه، لها علاقة بالاعلان عن مقتل (بن لادن). ولطولها فقد اقتطعت منها المعلومات المهمة التالية:
كما كشف لك اخينا الراحل(H.M) في اعترافاته، بأن هنالك (تيار سلمي) في داخل فدراليتنا الاخوية يكافح من اجل الحد من جموح التيار المتشدد المسيطر الذي يصر على فرض سياسة القمع والحرب على بلدان الشرق الاوسط بحجة مكافحة خطر القاعدة والتطرف الاسلامي، المدعوم سرا من قبل امريكا نفسها!
منذ فترة بدأ هذا التيار المتشدد الغالب على منظمتنا يفقد حججه او ربما بدأ يتعب من سياسة التهييج والتدمير والحروب هذه. وبدأ يتقبل بالتدريج مشروعنا نحن التيار السلمي الداعي الى اتباع ستراتيجية مغايرة تعتمد تشجيع التيارات السلمية والديمقراطية في منطقتكم. ان الازمة الاقتصادية التي تعاني منها امريكا، وتنامي الخطر الصيني ـ الروسي، اقتصاديا وعسكريا، كان سببا مهما لموافقة الغالبية في فدراليتنا على تبني هذه السياسة السلمية الجديدة، من اجل كسب الشعوب والبلدان العربية والاسلامية وجعلها بجانب مصالحنا.
ان انتخاب (اوباما) لم يكن صدفة ابدا. ما كانت الا الخطوة الاولى من وضع سياسة جديدة بمسحة انسانية عالم ثالثية، اسلامية عربية. فكما تعرفون ان اوباما نصفه افريقي ومن اصول اسلامية ويحمل اسما عربيا(باراك حسين). ان خطابه الشهير في القاهرة(4.6. 2009) كان بمثابة الاعلان عن البدأ بسياستنا الجديدة في العالم العربي والشرق الاوسط.


نموذج بلدان المعسكر الاشتراكي السابق
  ان جوهر سياستنا الجديدة، يمكنه ايجازه بالعبارة التالية: تطبيق ما نجحنا بتطبيقه في بلدان اوربا الشرقية بعد نهاية الاتحاد السوفيتي. اي تحويلها الى دول ديمقراطية ليبرالية تدور في معسكرنا بصورة او اخرى. وقد استفدنا خصوصا من النموذج التركي، حيث هنالك حكومة يقودها اسلاميون ديمقراطيون مع عسكر متحالفين معنا وفي عضوية الحلف الاطلسي.
 أي التقليل الى حد كبير من استخدام الجيوش وعمليات التدمير العنفي، والاعتماد على القوات الامنية والعمليات السرية والكسب الثقافي والشعبي. لهذا فأن النقطة المحورية التي يعتمد عليها مشروعنا، تتمثل بسحب الدعم السري عن منظمة القاعدة والحركات المسلحة الاسلامية، وتشجيع التيارات السلمية والمطالبة بالديمقراطية. بالتنسيق مع حلفائنا في الخليج والسعودية وتركيا تم التفاهم مع الاخوان المسلمين لتقبل الديمقراطية وتشجيع الميول الاسلامية الانفتاحية.

ضمان امن اسرائيل والحكومات الحليفة شرط اساسي
   من المهم جدا التوضيح، بأن التيار المتشدد الغالب على منظمتنا، لم يوافق على تبني هذه السياسة الجديدة الا بعد الاتفاق على توفير الضمانات التالية:
1 ـ ان الانظمة الديمقراطية الجديدة هذه يجب ان توافق على السلام الدائم مع اسرائيل وادخالها في سوق مشتركة عربية ـ شرق اوسطية. طبعا تم الضغط على اسرائيل من قبلنا لكي توافق على التعاون او على الاقل الصمت عن هذه التغييرات الديمقراطية الجارية في العالم العربي. فمن المعلوم ان هنالك في النخب الاسرائيلية اتجاهات عنفية متعصبة ترفض تماما اي استقرار وسلام وديمقراطية في المنطقة، فهي تريد ان تبقى واحة الديمقراطية الوحيدة في صحراء الدكتاورية والعنف العربي الاسلامي.
2ـ  ضمان سلامة الحكومات المتحالفة معنا والداعمة لهذا المشروع، مثل العربية السعودية وامارات الخليج والمملكة المغربية. وقد وافقنا على قمع اية محاولة من قبل شعوب هذه البلدان بالتمرد على هذه الحكومات الحليفة، كما حصل مثلا في البحرين. اما بالنسبة لمملكة المغرب فأننا سكتنا عن تمثيلية التفجير الذي قامت به الحكومة والذي نسب الى القاعدة، بعد ايام من المظاهرات الشعبية الكبرى.
3 ـ ضمان وجود قواعد عسكرية امريكية ثابتة في بعض بلدان المنطقة لتكون قريبة من الوضع وتقف بوجه اي محاولة لابعاد هذه الانظمة عن معسكرنا وخصوصا بوجه أي نفوذ روسي ـ صيني. اننا نجهد لاقناع القادة العراقيين بالابقاء على وجودنا، وكذلك نجحنا بتأجيج الاوضاع في ليبيا بطريقة تسمح لنا بخلق وجود عسكري مقبول من قبل النظام القادم.

التخلص من القاعدة وتعاون العسكر
       لقد تم اختيار(روبرت غيتس) وزيرا للدفاع، قبل وصول اوباما ببضعة اشهر ثم استمر معه، من اجل الاشراف على المهمتين التاليتين:
 اولاـ الاشراف المباشر على  التخلص من ملف القاعدة، لأن(غيتس) هو الذي يعرفه جيدا حيث اشرف شخصيا على تأسيس القاعدة بالتعاون مع بن لادن، من خلال عمله في اوائل التسعينات كمدير لوكالة المخابرات الامريكية.  وقد نجح في مهمته هذه، اذا تم في العامين الاخيرين تفكيك الشبكة الرئيسية وسحب الدعم المالي والعسكري والمخابراتي الذي كنا نقدمه لها بصورة سرية. ان تدبيرنا منذ يومين لتمثيلية مقتل (بن لادن) ماهو الا اعلان عن غلق ملف القاعدة. فكما يعلم الكثيرون ان (بن لادن) ليس له اي وجود سياسي منذ سنوات عدة، وكنا نحن نغذي الاعلام بين حين وآخر ببياناته وخطاباته المزيفة، بالتنسيق مع بعض قادة القاعدة وفضائية الجزيرة.
ثانيا، الاشراف المباشر على عملية التنسيق مع القيادات العسكرية والامنية في الدول العربية الحليفة لنا، مثل مصر وتونس واليمن من اجل المساعدة على تغيير الحكام وتقبل التغيير الديمقراطي الجماهيري.
اما الناحية السياسية والحزبية والدعائية فقد جهدنا في العامين الاخيرين من اجل التفاهم مع الكثير من قادة النخب العربية من قادة حزبيين ودينيين ومثقفين واعلاميين، بصورة مباشرة او بصورة غير مباشرة عبر مؤسسات امريكية واوربية مختلفة، لدفعهم ودعمهم الاعلامي والسياسي والمادي للقيام بهذه النهضة الشعبية الديمقراطية في البلدان العربية والشرق اوسطية. وقد اتفقنا مع محطة الجزيرة لكي تقوم بهذه المهمة على اكمل وجه، بالاضافة الى الدعم الكبير والحاسم من قبل اعلامنا الامريكي والعالمي.

ما العلاقة بين غيتس وبانيتا وبترايوس، والقذافي وبن لادن؟
يتوجب الاعتراف، بأن تمثيلة مقتل (بن لادن) لم تكن متقنة وفيها الكثير من النواقص الاعلامية المفضوحة، بسبب الاستعجال الذي تمت به. والحقيقة اننا اضطررنا لهذه العجلة بسبب ظرف طارئ فوجئنا به. ان القذافي بعد مقتل ابنه واحفاده في قصفنا لطرابلس (قبل يوم واحد من مقتل بن لادن)، خرج عن طوره وشرع بتنفيذ خطوة لم نكن نتوقعها: بالتعاون مع عناصر من المخابرات الباكستانية والسعودية العليمة باسرار علاقتنا بالقاعدة، اراد الاتصال بقادة القاعدة الميدانيين الذين يجهلون تماما ارتباط قادتهم بنا، ليعطيهم الدليل القاطع بان (بن لادن) ليس له أي وجود حالي، وان (الزعيم الظواهري) الذي يدعي انه يلتقي به، ما هو الا كاذب وعميل تابع لنا. وهذا يعني بكل بساطة تمرد الفروع الميدانية وخروجها من سيطرتنا بصورة تامة. لهذا اضطرننا للاستعجال بتنفيذ تمثيلة مقتل (بن لادن) لكي نتمكن بسرعة من غلق ملفه، مع الابقاء على امساكنا بالخيوط الرئيسية والاستمرار بعملية تفكيكها بصورة سليمة دون خطر تمرد بعض فروعها.
لهذا فأن (غيتس) ترك منصبه بالدفاع قبل ايام من مقتل (بن لادن)، بسبب عدم قناعته بأمكانية نجاح التمثيلة . وقد حل محله (بانيتا) رئيس المخابرات المركزية، تعبيرا عن البدء بالمرحلة الجديدة القاضية بمنح الجيش الامريكي دورا مخابراتيا يتلائم مع السياسة الجديدة. كذلك تم تعيين الجنرال (بترايوس) القائد السابق للقوات في العراق ثم في أفغانستان، رئيسا للمخابرات المركزية، لانه يمتلك خبرة طويلة بالتعامل مع شعوب الشرق الاوسط، ثم انه سبق وان نجح  بامتياز بدفع جيوشه الى مزاولة النشاط المخابراتي(الشعبي والسياسي) بتأسيس الصحوات العشائرية والمحلية المناصرة للوضع القائم في البلدين.

الوضع العراقي
بالحقيقة ان الوضع العراقي لا زال يواجه بعض المصاعب لضمه الى مشروعنا الديمقراطي الجديد. فهنالك اطراف عديدة علينا اقناعها أو اجبارها لتتفق مع سياستنا الجديدة. والمشكلة اننا خلال السنوات السابقة قد خلقنا على ارض الواقع العراقي الكثير من المؤسسات الحزبية والميليشيات والعصابات السرية(من ضمنها القاعدة)، لكي تساهم كلها بتنفيذ مهمة واحدة: اتمام المرحلة الاخيرة من مشروع تخريب العراق، والتي بدأت منذ اعوام الثمانينات مع اقناع صدام بالحرب ضد ايران، ثم حرب الكويت وفرض الحصار، ثم الاحتلال وتدمير الدولة ونهب الثروات واطلاق الحرب الطائفية. وقد جهدت ادارتنا المتحكمة في العراق لاختيار اسوء العناصر السياسية والحزبية لتتسلم قيادات الدولة والجيش والبرلمان والاحزاب والاعلام وقيادات الاقليم الكردي. وقد ركزنا خصوصا على مؤسسات استثمارات النفط. هكذا خلال اعوام نجحنا بخلق طبقة عراقية واسعة تضم مختلف التيارات والاتجاهات والفئات والمرجعيات الدينية الخاضعة تماما لنا وتتقبل سياستنا لقاء سماحنا لها بممارسة كل انواع الفساد والسرقة والشذوذ. بل حتى قادة المعارضة بأنواعها البعثية والسنية تمكنا من شراء ذمم الكثير منهم لكي يمارسوا دورهم التخريبي المطلوب باسم المقاومة. خلاصة القول لقد نجحنا بأفساد غالبية قيادات العراق ونخبه بأموال العراق نفسه، حتى اصبحوا يتنافسون بينهم مثل البغايا الرخيصة من اجل ارضائنا وتنفيذ اوامرنا. والآن نكتشف كم من الصعب علينا ان ندجن هذه القوى الفاسدة المتوحشة التي خلقناها نحن ومنحناها السلطان المطلق على شؤون العراق، وان نقنعها بأن تغير سياستها الفاسدة القديمة وتتبنى سياستنا الاصلاحية الجديدة.

رأينا؟
قد يفهم من التقرير السري اعلاه، بأن ما يحدث في العالم العربي من نهضة شعبية مطالبة بالكرامة والديمقراطية، بأنها عملية مفبركة غايتها خدمة مصالح امريكا والغرب واسرائيل! لهذا نقول بأننا نفهم هذه التصريح كالتالي:
    ان هذه النهضة الشعبية الديمقراطية في العالم العربي، ليست من صنع امريكا ابدا، بل هي نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من تراكم التجارب الفاشلة منذ الخمسينات وحتى الآن: قومية ويسارية واسلامية، قائمة على الانقلابات العسكرية والعنف المسلح:(ابتداءا من الانقلابات العسكرية المتتالية ثم المقاومة الفسلطينية والحروب الصحراوية والكردية وغيرها، حتى الجهاد المسلح للقاعدة وفروعها). لهذا كان من الطبيعي جدا ان تتوصل غالبية النخب والشعوب العربية الى هذا الاختيار الشعبي الديمقراطي السلمي، لانه بكل بساطة آخر الحلول بعد الخيبات المتتالية من كل الحلول العسكرية والعنفية والمثالية القومية واليسارية والدينية.
     يمكن القول بكل ثقة  أن دور امريكا والغرب لم يكن بالحقيقة في صنع هذه النهضة الشعبية، بل كل ما في الامر ان الغرب من خلال مراقبيه ومختصيه استشرف قرب هذه النهضة ودرسها وتفهمها وادرك اهميتها المستقبلية، لهذا فأنه جهد لتغيير سياسته التخريبية السابقة القائمة على تشجيع العنف والانقلابات، الى سياسة تشجيع النهضة الشعبية السلمية على امل تبنيها والتحالف معها.
   اذن يمكننا ان نعلنها بكل ثقة وضمير: نعم لهذه النهضة الجماهيرية للشعوب العربية وجميع شعوب الشرق الاوسط. نعم للكفاح السلمي الشعبي والثقافي من جل الكرامة والديمقراطية. نعم للتيار الاسلامي المعتدل والديمقراطي. نعم لتحقيق السلام العادل مع اسرائيل وتشجيع مشروع(دولة واحدة لشعبين فلسطيني ويهودي). نعم للسلام العالمي والتحالف العادل والصريح مع امريكا والغرب(على طريقة تركيا) من اجل الاستفادة منهم وتجنب مؤامراتهم. نعم من اجل خلق وحدة ديمقرطية بين دول شرق البحر المتوسط(الدول العربية وايران وتركيا) على غرار الوحدة الاوربية.
      وتبقى النقطة المهمة التي يجب ان تنتبه لها جميع النخب العربية والشرق الاوسطية الباحثة عن الكرامة والديمقراطية: اياكم اياكم من تكرار ما حصل في العراق. فبأسم الديمقراطية ومكافحة ازلام النظام السابق، صعدت طبقة فاسدة عميلة بلا ضمير ولا اخلاق ولا وطنية ولا رجولة ولا انسانية، بل هي طبقة لا تستحق حتى تهمة التعصب القومي والطائفي: فلا قادة الاكراد رحموا الاكراد، ولا قادة الشيعة رحموا الشيعة، ولا قادة السنة رحموا السنة، وجميعهم لم يرحموا العراق. فهم بكل بساطة عبارة عن وحوش كاسرة دمروا الوطن واسالوا الدماء واستقحبوا لجميع المخابرات الاقليمية والعالمية، فقط من اجل ان يسرقوا براحتهم! 



     




 




15
نعم للديمقراطية والعدالة
 ولا لخرافة العلمانية وفصل الدين عن الدولة!

سليم مطر/جنيف
شباط 2011
www.salim.mesopot.com

يبدو ان الكثير من المثقفين العراقيين لم يتعضوا من تجارب تاريخنا السياسي الخائبة والمدمرة. الكثير منهم ما زالوا يميلون الى طرح الشعارات التبسيطية والخلابة التي تسحر الجماهير وتقودوها في كفاحات فنطازية بعيدة عن الواقع. بل هي شعارات مصطنعة تخلق معارك جانبية وتبعدنا عن المعركة الحقيقية: من اجل الديمقراطية الحقة ومحاربة الفساد وساسة التخريب والتدمير الجارية من قبل القوى المعادية للعراق والمستحوذة عليه: امريكان وطائفيين شيعة وسنة وعنصريين اكراد.
 لنتذكر شعاراتنا الكبرى السابقة: (الاشتراكية.. الشيوعية.. الوحدة العربية.. كردستان الكبرى.. تحرير فلسطين.. الخ)، التي امضت جماهيرنا الساحقة المسكينة التعبانة عشرات السنين في التضحية من اجلها، لكي تكتشف بعد خراب العمر انها مجرد شعارات وهمية ساحرة  وهشة مثل لعب الاطفال.
وألان يعود بعضهم علينا، بشعار (فصل الدين عن الدولة)، وهي اسطوانة قديمة مشرخة ولا يمكن تشغيلها الا على غرامفون عتيق من ايام الثورتين الفرنسية والروسية!!
ان العيب الكبير والعتيق والمكرر التي تعاني منه غالبية النخب الحداثية في العراق والعالم العربي، يمكن تلخيصه بالنقطة التالية:
انها تريد ان تأخذ بالنتائج التي بلغتها اوربا، مع الاهمال التام للعوامل والاسباب التي ادت الى هذه النتائج. أي على طريقة صاحبنا الرئيس السابق(حذفه الله) عندما اراد ان يخلق اقوى جيش في العالم و(ينتج) قنبلة نووية، في بلد ومجتمع يعاني من التخلف على كل الاصعدة ويحتاج اساسا الى البناء والاستقرار والكرامة. وكانت النتيجة كما نعرف هي  تلك الكوارث المتوالية التي لا زلنا نعيشها.
                                              الدين عقيدة!
دعونا اولا نناقش المسألة من الناحية النضرية، من خلال السؤال البسيط التالي: ماهو الدين؟
يمكن الاجابة بكل بساطة: ان الدين هو عقيدة، او رؤية كلية ازاء الحياة وعموم الوجود. أي هو مثل أي عقيدة كلية، يؤمن بها مجموعة من الناس ويعتبرونها الوحيدة الصحيحة القادرة على ان تمنحهم الامان النفسي وتجيب على اسألتهم ازاء الحياة وعموم الوجود. وتصاحب هذه العقيدة عادة مجموعة من السلوكيات اليومية والطقوس الرمزية، مثل الصلوات والنذور والاحتفالات الجماعية الحزينة والمفرحة. اي انها تحتوي على مقدسات ومحرمات ورموز وشخصيات مبجلة.
ليست جميع الاحزاب والافكار السياسية هي عقائد. بل العقيدة يجب ان تكون شاملة، أي ان تحتوي، بالاضافة الى برناجها السياسي، كذلك فكرا وفلفسة او رؤية خاصة بها، ازاء الحياة وعموم الوجود.
مثلا، أن الشيوعية عقيدة، لانها منهج سياسي وفلسفة ورؤية كاملة ازاء الوجود. لهذا فأنها جهدت ان تحل محل الدين لدى غالبية شعوب الدول الاشتراكية السابقة. وهي ايضا مثل الدين إذ حوت على الكثير من المقدسات والمحرمات. فمن رموزها المقدسة: الطبقة العاملة، الملكية المشاعية، الفكر العلمي والالحادي، دكتاتورية البروليتاريا، اللون الاحمر والنجمة، حرية المرأة.. الخ
اما محرماتها فهي ايضا كثيرة: الطبقات المالكة، الملكية الخاصة، الايمان الروحاني، التحلل البرجوازي، الحرية الليبرالية.. الخ
وهي ايضا مثل الدين، لها قديسها وانبيائها وأئمتها الصالحين: ماركس وانجلس ولينين وستالين وتروتسكي وماو وكاسترو وووو الخ.. بل هي قد اسست لها (كعبتها) التي كان يحج اليها الملايين كل عام، والمتمثلة في (مرقد لينين) الذي تم تحنيطه لاضفاء هيبة التقديس والخلود عليه. بل هي ايضا لها جهنمها وجنتها ويوم حسابها، حيث تندلع الثورة البرولتارية التي ستقضي على الكفرة البرجوازيين وتدخل العمال المؤمنيين في جنة الشيوعية الخالدة! 
 على هذا المنوال يمكن اعتبار الليبرالية ايضا عقيدة. النازية ايضا عقيدة. البعثية تقريبا ايضا عقيدة. واكبر دليل على دينية هذه العقائد، انها تنزعج من الدين لانه بكل بساطة ينافسها بالسلطة على الناس، ويمنحهم رؤية وفلسفة مغايرة لتلك العقائد. لهذا فأنها تعمل بكل امكانياتها العلنية والخفية على  محاربة الدين و(الكنيسة في اوربا) ثقافيا وسياسيا.
                                              الحكومة والعقيدة!
       دعونا نتحدث عن الحالة في الوضع الديمقراطي. هنالك الدولة التي تتكون من مؤسسات عديدة مثل الوزارات وتوابعها. وتقود الدولة عادة الحكومة والبرلمان، بالاضافة الى دور الاطراف المدنية من احزاب ووسائل اعلام ومنظمات اهلية.
أن جميع هذه المؤسسات التي تقود وتؤثر بالدولة بالنتيجة تضم مواطنيين يحملون عقائدهم الخاصة بهم، سواء كانت دينية او غير دينية. من المستحيل ان تطلب من هؤلاء المواطنين ان يتخلوا عن عقائدهم هذه، فهذا حقهم الطبيعي المكفول ديمقراطيا.
ان اية حكومة منتخبة تمتلك عادة برنامجا للعمل يعتمد على عقيد الحزب او الاحزاب التي تقود هذه الحكومة. قد تكون هذه العقيدة ماركسية او ليبرالية او قومية او كذلك (دينية). في الوضع الديمقراطي لا يمكن الاعتراض على عقيدة الحكومة مهما كانت، مادامت تؤمن بالديمقراطية وتحوز على اغلبية برلمانية. يحق للناس الاعتراض على سياسة الحكومة علنيا من خلال الوسائل الديمقراطية المعروفة. لكن لا احد يحق له مطالبة الحكومة بتخليها عن العقيدة الفلانية سواء كانت دينية او غير دينية. فالمشكلة ليس بعقيدة الحكومة بل بسلوكيات الحكومة وسياستها التطبيقية.
ان اي حزب سواء كان دينيا او غير ديني يحق له قيادة الحكومة في حالة حيازته على الاغلبية ويحترم قواعد اللعبة الديمقراطية المتمثلة اساسا بـ: البرلمان المنتخب. وحرية التعبير، والتعددية الحزبية.
                                        العلمانية وتاريخها الدموي
ان اشكالية العلمانية، تعود جذورها الى تاريخها الدموي والملتبس. فهو شعار اوجدته وتبنته النخب الليبرالية واليسارية الاوربية منذ القرن التاسع عشر وخصوصا بعد الثورة الفرنسية ثم الثورة الروسية. لم يسد ولم يتم تبنيه رسميا الا نتيجة تطور وصراع فكري ـ ديني دام حوالي ثلاثة قرون. بل جذوره تعود الى القرن السادس عشر مع انقسام المسيحية وظهور البروتستانية وما صاحبها من حروب وحشية ادت الى القضاء على اكثر من ثلث سكن اوربا الغربية خلال 30 عام!  نعم لقد اشتغلت النخب الاوربية على تطوير المجتمع والدين، بالدم والحبر، خلال عدة قرون وقامت بألوف المذابح وكتبت آلاف الكتب والبحوث والمؤتمرات والندوات والتجارب التي لا تحصى.
عملية تطوير الدولة في اوربا صاحبه تطوير المجتمع والكنيسة نفسها ومعها العقيدة المسيحية، وتطوير جميع الافكار الاجتماعية السياسية الاقتصادية الفلسفية.  انها عملية تغيير وتطوير كلية وجذرية دامت عدة قرون واشتغل عليها الآلاف المؤلفة من المثقفين قبل السياسيين. كذلك لا ننسى الثورتين الفرنسية والروسية، ما صاحبهن من حروب اهلية مدمرة وتخريب وحرق للكنائس ومذابح ضد رجال الدين، من اجل ان تنتصر العلمانية اخيرا. هل نسينا ان اكبر جرائم تاريخ الانسانية بأجمعه، أي الحربين العالميتين الاولى والثانية التي كلفت اكثر من 60 مليون انسان، مع معسكرات الابادة الجماعية، قامت في ظل انظمة(علمانية) حداثية وباسم العلمانية والحداثة:(النازية والشيوعية والليبرالية)!
اذن مسألة العلمانية حالة خاصة باوربا، بل في اوربا نفسها يتم تطبقيها بدرجات واشكال مختلفة. فهنالك فرق كبير جدا بين علمانية فرنسا الالحادية المتطرفة، وعلمانية انكلترا المعتدلة وشبه الدينية. هل نسينا انه حتى الآن ان ملك انكلترا لا يحوز شرعيته الا بعد مباركة اسقف الكنيسة الانكليكانية! وهل نسينا ان غالبية اعلام دول ومدن وقرى اوربا لا زالت تحمل علامة الصليب! وهل نسينا ان ان غالبية العطل الرسمية في اوربا هي مناسبات دينية مسيحية، مثل اعياد الفصح والميلاد ونهاية السنة وغيرها الكثير. بل ان اختيار يوم الاحد عطلة رسمية لانه يوم مسيحي مقدس. بل حتى منع تعدد الزوجات ليس بدافع علماني حداثي، بل لانه تقليد مسيحي مقدس! 
                                        العلمانية والدكتاتورية
بصورة مختصرة يمكن القول، ان العلمانية في اوربا لم تأت نتيجة طرح شعار ونظال مطلبي، بل هي عملية طويلة دامت قرون حدثت في المجتمع نفسه وثقافته وعقائده، قبل ان تحدث في الدولة. نعم العلمانية عملية اجتماعية ثقافية اولا قبل ان تكون سياسية مطلبية.
نكرر، ان العلمانية يجب ان تحصل اولا في المجتمع وثقافته قبل ان تحصل في الدولة. ان مجرد مطالبة الدولة بتحقيق العلمانية يعني بكل بساطة مطالبة الدولة بفرض عقيدة مخالفة للعقيدة او العقائد الدينية السائدة في المجتع وثقافته. وهنا تكمن العلاقة بين الدكتاتورية والعلمانية. واكبر مثال لنا، تجربة الحرب الاهلية في الجزائر اعوام التسعينات بعد رفض(العلمانيين وعسكرهم) القبول بنتائج الانتخابات التي ادت الى فوز جبهة الانقاذ الاسلامية.
  ـ كيف نطالب الدولة العراقية بفصل الدين عنها، وهذه الدولة نفسها ، 70% من الاحزاب التي تقودها هي احزاب دينية حتى النخاع؟!
ـ كيف نطالب الدولة بفصل الدين عنها، و80% من المجتمع العراقي متدين ويعيش، بشيعته وسنته، ردة فعل دينية مذهبية مرتبطة بالتغييرات السياسية ـ الاجتماعية الكبرى التي تعيشها بلادنا منذ 2003 ؟!
ثم ان التاريخ اثبت لنا ان ايمان الحكومة بالعلمانية والحداثة والعلم، لا يعني شيئا في الممارسة السياسية على ارض الواقع. لنأخذ امثلة حية نعيشها حتى الآن: هل نسينا نظام البعث، كان من اكثر المتشدقين بالعلمانية والحداثة بحيث انه كان يقدس مؤسسه المسيحي(ميشيل عفلق)! كذلك نظام بن علي في تونس، الذي كان يعتبر منذ ايام الرئيس السابق بورقيبة، اول واكبر وانقى نظام علماني حداثي في العالم العربي!! كلذلك نظام مبارك في مصر، لا يمكن لاحد ان يتهمه بأنه نظام ديني! بل الغالبية الساحقة من الانظمة الدكتاتورية الفاسدة في العالم هي انظمة علمانية، او على الاقل معادية للدين!
     ثم لننظر الى هذه الحقيقة المهمة جدا جدا: ان الطبقة الماسكة بالوضع العراقي(حكومة ومعارضة ومقاومة)، ليس محكومة فقط بالاحزاب الدينية، بل ايضا بالاحزاب العلمانية. وجميع العراقيين يعرفون ان فساد العلمانيين وتخريبهم للوطن لا يقل عن فساد المتدينين وتخريبهم.
                                                    ـــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني
مشكلتنا ليست بالدين بل بامريكا!
مع اعتزازنا بالكثير من الشخصيات التي اشرفت ووقعت على هذا النداء، ولا يمكن ابدا التشكيك بوطنيتهم ونزاهتم، الا  انه هذا لم يمنع من وجود تقصير وتسرع كبيرين في  اطلاق هذا الشعار. من اكبر الدلائل انه تم تناسي اول واهم عامل له علاقة مباشرة بتكوين دولتنا الحالية وعلاقتها بالدين ، ونعني به دور(امريكا) القيادي والحاسم هذا في العملية السيباسية الجارية في بلادنا منذ عام 2003؟
انه سؤال ضميري وانساني ووطني. بل هو خصوصا سؤال اكاديمي يطرحه أي باحث اجنبي ومبتدء يريد ان يتناول مسألة(الدولة العراقية والدين) من وجهة نظر علمية حيادية. فكيف اذن يتناساه مثقفون عراقيون يطالبون بالتغيير؟! اما كان من العدل والعقلانية ولو الاشارة بكلمة واحدة الى امريكا ودورها؟! فحتى لو بقينا ضمن موضوع(العلمانية)، فهل ننسى الحقائق التالية:
ـ ان امريكا الديمقراطية العلمانية هي التي جلبت للعراق هذه الاحزاب الدينية. اليست امريكا نفسها التي تدعي محاربة ايران، هي نفسها التي تفاوضت مع الاحزاب الدينية المقيمة في طهران، بالاضافة الى الاخوان المسلمين، وتحالفت معهم وسلمتهم السلطة على طبق من ذهب؟؟؟؟!!!
ـ اليست امريكا نفسها التي اصرت على التقسيم العرقي والطائفي للدولة العراقية، وهي التي ادخلت لاول مرة في تاريخ العراق هذا التوزيع الطائفي والعنصري لادارات الدولة والمجتمتع!
ـ اليست امريكا وخبرائها الديمقراطيين العلمانيين هم الذين كتبوا وفرضوا علينا هذا الدستور العنصري والطائفي والمضاد للوحدة الوطنية؟
ـ اليست امريكا هي التي دمرت الدولة العراقية وتركت الحدود مفتوحة لسنوات طويلة وعملت ما عملت سرا وعلنا من اجل خلق الميليشيات الشيعية والسنية والقاعدة والارهاب وتشجيعها واشعال وتغذية الحرب الطائفية؟
ـ اليست امريكا هي الحامية والراعية والمشرفة على الدولة العراقية الحالية بكل فسادها وتدينها وعلمانيتها؟
                                                سطحية هذا الشعار
اكبر دليل على سطحية هذا الشعار، بل وسلبيته ضد الوضع العراقي، انه سمح بتبنيه والدفاع عنه من قبل شخصيات لها دور فعال ومباشر في تدمير العراق وتخريبه. (نكرر اعتزازنا بالكثير من الشخصيات والزملاء المساهمين بالنداء)، لكن هذا لم يمنع من وجود بعض النماذج التالية:
ـ السيد (كنعان مكية) المتهم بلعب دور المطبل للاحتلال الامريكي، وخصوصا دوره المهم بكتابة هذا الدستور(الطائفي)، بالاضافة الى اتهامه من قبل الدولة العراقية نفسها بالاستحواذ على الآلاف من وثائق دولتنا ووضعها في امريكا!
ـ السيد(محمود عثمان) ممثل البرزاني في البرلمان. الذي لا يطالب فقط بفصل الدين عن الدولة، بل هو خصوصا وطيلة عمره يطالب ويؤمن ويعمل بـ(فصل كل شمال العراق، بما فيه كركوك والموصل واجزاء ديالى، عن الوطن)!! باسم ذلك الشعار التخريبي والمتعصب:(كردستان الكبرى). كيف يمكن ان نتناسى دور الاحزاب العنصرية الكردية في تأسيس هذه الدولة العراقية الخربة بالتحالف مع الامريكان والاسرائيليين. بل ان هذه الاحزاب العنصرية لا زالت مستمرة بتغذية كل عوامل الفساد في الدولة العراقية والتآمر المستمر على سلامة بلادنا. وآخر فصولهم الجهنمية لعبهم ذلك الدور القذر في تهجير المسيحيين نحو شمال العراق من اجل تكوين محمية انفصالية تابعة للبرازني بالتعاون مع اسرائيل!
ـ اننا نطرح السؤال الضميري التالي على كل الرسميين والبرلمانيين وكبار الحزبيين الموقعين على نداء(فصل الدين عن الدولة): اما كان من المشرف لكم فعلا، قيامكم بخطوة رمزية برفض ذلك الفساد (العلني والقانوني) السائد في الدولة والبرلمان نفسه من خلال تلك الرواتب والامتيازات التي لم يتمتع بها أي مسؤول وبرلماني على وجه الارض!
 ثم ايضا نطرح عليكم هذا السؤال البسيط:(( هل توافقون، مثل كل السياسيين المتحضرين والعصريين(كما كتب بالنداء)، على التخلي عن بعضا من رواتبكم الخيالية من اجل تمويل ـ مركز دراسات عراقيةـ  مخصص لدراسة وتطوير اشكاليات الدولة العراقية، وبالذات مطلب العلمانية الذي تدافعون عنه))؟
                                              الشعارات المطلوبة
 لهذا نقول ، ان شعار(العلمانية) هذا ليس ضروريا بل هو مستحيلا، ولا يجلب للعراقيين غير الكفاحات الوهمية وزيادة الشقة بينهم ودفع الاسلاميين الى المزيد من الانغلاق والتعصب. وهو خصوصا يبعد العراقيين عن الشعارات الحقيقية الواقعية المباشرة،  والتي من اهمها بـ :
ـ (تعميق الديمقراطية واصلاح الدولة التي تستولي رئاساتها وحدها على ثلث الميزانية) و(فضح الفساد ومحاربة المفسدين)، سواء كان متدينين او مدنيين.
ـ ادانة العنصرية القومية والسياسة الانفصالية الممارسة من قبل القيادات القومية الكردية، ودورهم المباشر في التآمر على الوطن الذي من آخر فصوله المساهمة بتهجير المسيحيين الى الشمال من اجل تكوين محمية مسيحية تابعة لسلطة البرزاني.
ـ فضح الدور الامريكي التخريبي من اجل الابقاء على العراق والدولة العراقية ضعيفة منقسمة تنخرها الطائفية والعنصرية القومية بالاضافة الى الجماعات الارهابية المدعومة سرا من قبل امريكا.
ـ العمل والكفاح الثقافي والسياسي من اجل، ليس الغاء الطائفية من الدولة، بل خصوصا الغاء الطائفية من الحياة السياسة من خلال الغائها من الاحزاب العراقية نفسها، التي جميعها بما فيها العلمانية منقسمة طائفيا وقوميا. نحن بحاجة الى خلق بنية ثقافية وشعبية لتكوين احزاب وطنية عراقية حقيقية، دينية وغير دينية، منتشرة فروعها في جميع انحاء العراق وتضم في صفوفها جميع العراقيين بمختلف تنوعاتهم القومية والدينية.
اخيرا نقول ونكرر القول، ان معضلة العراق والعراقيين بجميع قومياتهم ومذاهبهم ومناطقهم، لا تكمن بالدين ولا حتى بالدولة نفسها، بل تكمن في(ضعف الهوية الوطنية) لدى غالبية ابناء(النخب العراقية) : مثقفين ورجال دين وسياسيين ومتعلمين.
انظروا الى ملالي ايران، فان تشيعهم لم يمنعهم من تعصبهم لايران واقامتهم دولة، مهما كانت عيوبها، الا انها وطنية بامتياز. بينما نحن ملالينا للأسف غالبيتهم يعتقدون ان الوطنية للعراق نوعا من الكفر والخيانة للطائفة!!
نفس الحال بالنسبة للكثير من متديني العرب السنة، فأنهم باسم الاسلام والعروبة يعتبرون العراق دولة مصطنعة يجب ازالتها لاقامة دولتهم المفترضة. القوميون الاكراد وغيرهم لا يقلون رفضا وكرها للعراق ودولته وحدوده. نعم ان مشكلتنا الحقيقية تكمن في ان غالبية نخبنا الفاعلة والقائدة لا تؤمن بالعراق وترفض الانتماء لماضيه وحاضره ومستقبله، بل هي كثيرا ما تتفاخر بالتخلي عنه ورفضه وادانته والتبجح بشتمه والنيل من شعبه والتذكير فقط بمساوئه وتناسي محاسنه وامجاده.


16
قال لي الحكيم الامريكي:
اخطر اسرار الاستراتيجية الامريكية
في العراق والشرق الأوسط!
سليم مطر/جنيف
تشرين الثاني 2010
www.salim.mesopot.com

       هذا هو الجزء الثالث الاخير من اسرار الستراتيجية الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، التي كشفها لي صاحبي الحكيم الامريكي احد زعماء(فدرالية الاخوة العالمية IFB) وهو على فراش الموت.
سياسة الراية الخداعة
طبعا اننا ما بلغنا هذه النجاحات الكبرى في تدمير العراق خصوصا كنموذج لبلدان الشرق الاوسط، الا لاننا استعنا بخلاصة تجاربنا السابقة التي نفذناها في العالم، والتي اطلقنا عليها تسمية (سياسة الراية الخداعةـ False Flag) والتي تعني قيامنا نحن انفسنا بعمليات ارهابية ضد مصالح بلادنا وننسبها الى خصومنا  لكي نعطي التبرير لاعلان الحرب عليهم. وقد انجزنا عمليات ناجحة كثيرة في هذا الخصوص، من ابرزها هجومنا نحن ضد اسطولنا(Pearl Harbor) عام 1941 الذي منحنا الحجة لمهاجمة اليابان والقاء القنبلتين الذرتين عليها ثم احتلالها. كذلك التخطيط لعملية(opération Northwoods) عام 1962 بتكوين ميليشيات كوبية تقوم بعمليات ارهابية ضد قاعدتنا في كوبا من اجل اعطاء الحجة لمهاجمة كوبا واحتلالها. لكن الرئيس كندي اعترض، ثم اعترض كذلك على مشروع مهاجمة فيتنام، فاضطررنا للتخلص منه ونسبنا اغتياله الى شخص معتوه. 
كذلك تجربتنا بتنظيم ميليشيات سرية في انحاء اوربا بعد الحرب العالمية الثانية تحت اسم(Stay- Behind) من اجل مكافحة النفوذ الشيوعي وتنفيذ عمليات ارهابية تنسب الى اليسار المتطرف، فتمنح حجة لتدخلنا وتجبر الحكومات الاوربية للاعتماد علينا. وضمن هذا السياق في اعوام الستينات والسبعينات طبقنا خصوصا في ايطاليا وتركيا سياسية اسميناها (ستراتيجية الاضطراب ـ Strategy of Tension) خلقت التوتر والعنف من خلال العمليات السرية ودعمت انصار امريكا وبررت تدخل العسكر لتحجيم اليسار وقمعه.
وكانت ذروة نجاحاتنا في تطبيق سياسة (الراية الخداعة) في الشرق الاوسط، هي عملية تدمير برجي نيويورك عام 2001  وخلق اسطورة(بن لادن والقاعدة)، ثم نجاحنا الفائق في العراق بتأجيج الحرب الطائفية ونشر العنف والاحقاد، من خلال فرضنا سياسة (اجتثاث البعث) التي كانت لأجتثاث الدولة العراقية نفسها. بالحقيقة نحن ليس لدينا أي مشكلة مع البعث، فهو كان حليفنا السري لسنوات طويلة، وكان من السهل جدا الابقاء عليه مع بعض التغييرات الشكلية بالاسم والشعارات، ليلعب دورا ايجابيا  ضمن الدولة الجديدة، كما حصل في الانظمة الاشتراكية السابقة حيث ابقي على الشيوعيين ضمن الخارطة الجديدة.  لكننا كنا ندرك ان الابقاء على البعث يعني الابقاء على الدولة وعلى البلد قويا مستقرا، وهذا  خطر علينا لانه يعني سهولة تمكن العراقيين من توجيه حقدهم علينا وتخريب مشروعنا. لهذا اقنعنا عملائنا وحلفائنا بتبني سياسة الاقصاء والاجتثاث، ثم تنفيذ عمليات الاغتيال للكوادر والعلماء والقادة العسكريين والحزبيين من خلال (فرق الموت الشيعية) المدعومة من قبلنا، بذلك تهيأت الاجواء الكاملة لـ(الميليشيات السلفية السنية) لكي تلعب دورها الارهابي المطلوب. وقد ساعدنا حلفائنا القوميين الاكراد كثيرا في تنفيذ سياستنا هذه لقاء فرضنا على (الارهابيين)عدم شمول المنطقة الكردية بعملياتهم التخريبية.
الاعلام اخطر اسلحتنا الحديثة

     كما قال رئيسنا (ريغان) :(ان فشلنا بحرب فيتنام كان بسبب فشلنا بأستخدام الاعلام)! لهذا فأننا شرعنا منذ اعوام الثمانينات، ثم مع الثورة التكنلوجية العظمى في مجال الاعلام في اعوام التسعينات دخلنا بقوة بأستخدام وسائل الاعلام في التأثير الحاسم على الحكومات والتحكم بمواقف الشعوب. وقد نجحنا الى حد كبير في المزج العلمي الفائق الدقة بين (فن الاعلام) و(فن المخابرات)، إذ خلقنا شبكات سرية واسعة من العملاء والمنتفعين في معظم بلدان العالم، وخصوصا في الشرق الاوسط، تتكون من الصحفيين والمثقفين المرتبطين بالاعلام بما فيهم الكتاب والسينمائيين وغيرهم. وخصصنا ميزانيات كبرى في تشييد المؤسسسات الاعلامية المرتبطة سريا بنا: (صحف وفضائيات ومواقع انترنت ووكالات انباء ومراكز دراسات، وغيرها)، ودعم وشراء الكوادر النشطة في الاعلام من اجل تنفيذ سياستنا الاعلامية ـ الثقافية ونشرها على اوسع نطاق.
ان اعظم الخدمات التي لم تكن محسوبة، قدمتها لنا تلك الفضائيات التلفزيونية التي دعمنا اقامتها في منطقة الخليج، والتي بحجة تفعيل الديمقراطية وحرية الرأي، تمكنت من تأجيج الصراعات من خلال التركيز على العناصر المتطرفة من كل التيارات، وخلق الجدالات الفضائحية العنفية وبث اخبار الحركات السلفية والطائفية والبرامج ذات (الاتجاهات المعاكسة) المبتذلة المحرضة المؤججة للتطرف والأحقاد بكل انواعها. فمثلا، اننا بفضل هذه الفضائيات تمكنا من اقناع العالم كله بحقيقة دور(القاعدة) واسطورة(بن لادن) من خلال نشرها تلك البيانات والتسجيلات الصوتية والصور المفبركة. كذلك فضائياتنا هي التي جعلت من (نصر الله وحزبه) اسطورة بطولية عربية اسلامية بوجه اسرائيل، لكي نبرز رموزا شيعية قوية تابعة لايران تخيف وتحفز القوى السلفية السنية التابعة للسعودية. كذلك تمكنا من تهيأة وتغذية اجواء الحقد والصراع الطائفي في العراق من خلال تسليط الاضواء على الشخصيات المتطرفة من كلا الجهتين، وخلق الجدالات العنيفة وابراز الاخبار والمشاهد المؤججة للمشاعر.
التيار التدميري والتيار السلمي
          هنالك حقيقة مخفية مزعجة لنا لا يدركها الا قادتنا، وهي ان هنالك تياران مختلفان في داخل فدراليتنا كما في عموم النخب الامريكية والغربية السياسية والثقافية، اقواهما (التيار المتعصب) الواضع والمدافع عن هذه الستراتيجية التدميرية، وهو الغالب والمتحكم بالدول والمؤسسات العسكرية والمخابراتية والاعلامية، ثم (التيار السلمي المعتدل) وهو الاضعف، لكنه الاكثر شبابية وحيوية وطموح.
 لقد نجح (التيار المتعصب) ان يفرض ستراتيجيته التدميرية الخاصة بالشرق الاوسط، بالاعتماد على الحجة التالية: ((ان شعوب الشرق الاوسط بطبعها وتاريخها عنفية حقودة متصارعة، ولا يمكن تجنب شرها ضد نفسها وضد العالم وضد المصالح الغربية، الا باضعافها من داخلها ومنعها من التوحد والاستقواء))!
    والمشكلة ان هذا التيار المتعصب، نجح باستمرار ان يغذي حجته هذه، من خلال تشجيعه لروح وثقافة الاحقاد والعنف والارهاب في الشرق الاوسط. فكلما حاول (التيار السلمي) ان يطالب بالانسانية والتعقل مع شعوب الشرق، صرخ المتعصبون بحجة الاحقاد السائدة والعمليات الارهابية المنتشرة. 
    لكن (التيار السلمي) لا يكل عن محاولة الدفاع عن اطروحته بضروة مساعدة الشرق الاوسط على تحقيق السلام والاستقرار، بناء على المبررات التالية:
     لنفترض حقا ان شعوب الشرق الاوسط حقودة ومتصارعة وعنفية، لكنها مهما بالغت فأن تاريخها يثبت بأنها اقل عنفا وتطرفا وحقدا من شعوب اوربا الغربية التي، فقط خلال الحربين العالميتين، قتلت حوالي ستين مليون انسان اوربي بأيادي اوربية مع تدمير مدن واوطان اوربية بكاملها واقتراف عمليات ابادة منظمة لملايين اليهود والغجر، ناهيك عن التاريخ الاستعماري والعبودي الطويل ضد الشعوب الضعيفة. لكن مع كل هذا فأن امريكا، ومن اجل ضمان سلامة مصالحها وابقاء اوربا بجانبها، جهدت من اجل مساعدتها وبنائها وتحقيق الوحدة السلمية الانسانية بين هذه الاوطان التي ظلت على مدى التاريخ متصارعة الى حد الابادة: المانيا وفرنسا وانكلترا! اذن لماذا لا تستحق شعوب الشرق الاوسط مثل هذه الجهود لكي تبني اوطانها وتحقق وحدتها وتتحالف انسانيا وسلميا مع جارتها اوربا وكذلك امريكا؟!
من اجل ستراتيجية شرق اوسطية جديدة
بعد هذه الاعترافات والكشوفات الخطيرة لصاحبي الحكيم الامريكي، من الطبيعي ان يطرح ابناء الشرق الاوسط السؤال المشروع التالي:
       ـ اذن، ما العمل، امام هذه الستراتيجية الجهنمية التي نعيشها ونعاني منها منذ سنوات طويلة. هل هي قدر خارق ومحتوم علينا الخضوع له، ام ماذا؟
بعد مداولات وجدالات طويلة وعميقة مع هذا الحكيم، يمكنني بكل ثقة وقناعة ان اخبركم بالخلاصة التالية:
  لا ابدا، ان هذه الستراتيجية الشيطانية ليست قدر محتم، بل هي بكل بساطة لعبة خطيرة يقوم بها بشر مثلنا، لهم مصالحهم وعقيدتهم ونقاط قوتهم وضعفهم، مثل كل البشر. ونستطيع نحن الضحايا ان نجد الستراتيجية المضادة التي تساعدنا على الخلاص.  يمكن اختصار وتحديد هذه الستراتيجية المقترحة على الاصعدة التالية:             
اولا، على الصعيد العالمي، اقامة تحالف وحوار شعبي ونخبوي شرقي ـ غربي                                           
      ان اشد ما يخشاه(التيار المتعصب) الماسك بالـ (IFB) ان تدرك شعوب ونخب الشرق الاوسط حقيقة هذه الستراتيجية الخفية. لهذا يتوجب على النخب والقيادات والحكومات الشرق اوسطية ان تعمل كل مستطاعها لكشف وفضح خفايا هذا المخطط الجهنمي الذي يقوده (التيار الغربي المتعصب)، والتقرب والتحالف مع (التيار الغربي السلمي) ومع جميع القوى والنخب السلمية والانسانية الامريكية والاوربية، الثقافية والحزبية والحكومية والدينية والاجتماعية. أي التخلص من تلك السذاجة والثقة الخنوعية التي تمارسها حكوماتنا ونخبنا بتصديق الخطاب الامريكي ـ الاوربي الدبلوماسي الذي يدعي جلب الديمقراطية والتحضر للشرق الاوسط. كذلك العمل على كشف كل المخططات السرية الجارية وفضح جميع المؤسسات والاحزاب والشخصيات والحكومات المتورطة فيها. وبنفس الوقت، العمل على اقامة شبكة واسعة من العلاقات مع كل الاطراف والمؤسسات واللوبيات والشخصيات الامريكية والاوربية التي تؤمن بصدق بضرورة اقامة علاقة سلم وتعاون وتحالف بين الشرق والغرب. 
على القوى العلمانية الليبرالية واليسارية في الشرق الاوسط ان تدعم علاقاتها مع القوى الليبرالية واليسارية الغربية التي تحترم خصوصية المجتمعات الشرقية ولا تبرر التدخل السياسي والهيمنة الثقافية الغربية على الشرق.
 كذلك ان تشرع القوى والنخب الدينية الاسلامية الى الانفتاح على جميع القوى والنخب الدينية الغربية، مسيحية ويهودية وغيرها. من اكبر الخطايا التي ترتكبها المؤسسات والنخب الدينية الاسلامية انها لم تنتبه الى القيمة الحاسمة للتحالف مع النخب والكنائس المسيحية في اوربا وامريكا. لان هذه النخب المسيحية، وخصوصا الكنيسة الكاثولكية، تعاني كثيرا من الحروب الاعلامية والثقافية التي تشنها ضدها القوى الشيطانية المتطرفة المتحكمة بالغرب التي تدعي العلمانية والعلم والالحاد، لكي تحرم المجتمعات الغربية من بقايا الروحانية وسلطة الله، وبالتالي تسهل عملية إخضاعها بشكل كامل لسلطة المال وثقافة النهم والتفسخ النفسي والاجتماعي وتقديس الاستهلاك الوحشي. لقد نجح المتعصبون في الشرق والغرب حتى الآن من منع أي تقارب (مسيحي ـ اسلامي ـ يهودي) عالمي من خلال دعم القوى السلفية الاسلامية المعادية للمسيحية وبنفس الوقت تعزيز مخاوف المسيحيين واليهود من الاسلام والمسلمين من خلال التشديد على معانات المسيحيين (واليهود)في الشرق الاوسط، وعلى الخطر الارهابي الاسلامي ضد شعوب الغرب.
ثانيا، على الصعيد الشرق اوسطي، العمل على اقامة سوق ووحدة شرق اوسطية مشابهة للوحدة الاوربية                                   
        على شعوب ونخب الشرق الاوسط ان تتخلص من تعصبها القومي الانعزالي وتحتذي بتجربة الوحدة الاوربية، التي رغم كل الاحقاد والحروب العالمية المدمرة بينها، واجهت الحقيقة التالية: اما ان تستمر بخضوعها للمنافسة التاريخية القومية وشن الحروب المدمرة بينها، اما ان تتوحد! وقد اضطرت ان تختار الحل الثاني. ان الوحدة العربية قد فشلت وستفشل دائما لأنها قائمة على اساس قومي عرقي يعزل ويخيف اهم دول الشرق الاوسط غير العربية: ايران وتركيا واسرائيل، كذلك الجماعات القومية الاخرى التي تعيش مع العرب: اكراد وتركمان وسريان واقباط وبربر وافارقة، وغيرهم..
  لقد نجح المتعصبون في الشرق والغرب، بمنع أي توحد شرق اوسطي من خلال الابقاء على الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، وجعله العقبة الكبرى امام أي سلام وتقارب. وتمكنوا من فرض العقيدتين التاليتين: جعل غالبية النخب العربية ترفض بصورة مطلقة أي حوار وانفتاح وتقارب مع المجتمع والنخب الاسرائيلية واليهودية. وبنفس الوقت، تقديم الدعم بكل الوسائل السرية للتيار اليهودي المتعصب الذي يبتغي طرد جميع الفلسطينيين وبناء المستوطنات في كل مكان. ونجحوا خصوصا بجعل الفلسطينين والاسرائيليين يرفضون ذلك الشعار الواقعي والوحيد القادر على حل المشكلة: (دولة واحدة لشعبين، يهودي وفلسطيني). ثم اعتبار الوسيلة الوحيدة للحوار العقيم بين اليهود والعرب هي الحكومات وحدها، مع الاشراف الكامل من قبل امريكا لضمان عدم نجاح الحوار.
      لهذا، فأن ان الحوار الشعبي والنخبوي المباشر بين العرب واليهود عموما، والفلسطينيين والاسرائيليين خصوصا، وحده القادر على تحقيق السلام الحقيقي. حوار شعبي ونخبوي مباشر على كل الاصعدة الثقافية والسياسية والدينية والاقتصادية والسكانية، من دون تدخل ولا اشراف الدول الغربية. ان هذا الحوار واالسلام هو الذي سيكون اساس تحقيق الحل الوحيد الممكن:(دولة واحدة لشعبين)، ثم استقرار وتوحد بلدان الشرق الاوسط، على الطريقة الاوربية.
ومن المهم جدا ضمان الموقف الايجابي للغرب من هذا المشروع. ان التجربة التركية افضل نموذج ناجح لبلدان الشرق الاوسط. فهي تتميز بخصال عديدة تمنحها قوة وشمولية نادرة: مركز عسكري علماني ماسك بالدولة ويلعب دور الضامن لحسن سير العملية الديمقراطية، مع حزب اسلامي تجديدي ومعتدل يجمع بحذاقة بين الاصلاح الديني والتعددية الديمقراطية، مع سياسة وطنية توحيدية واستقلالية تتوافق بحنكة مع انتماء تركيا لحلف الاطلسي!
ثالثا، على الصعيد العراقي، ليكن العراق مركزا للسلام والحوار والتقارب الشرق الاوسطي والعالمي، وليس مركزا للمؤامرات والحروب والآيدلوجيات التوسعية والامبراطورية!
ان طبيعة العراق، تاريخيا وجغرافيا، فرضت عليه دائما اما ان يكون محتلا من قبل الجيران او هو الذي يحتلهم. لهذا فأن الروح والحضارة العراقية، (عكس الروح المصرية الوطنية الانغلاقية)، ظلت دائما توسعية خارجية من جميع النواحي: ثقافيا وسياسيا وسكانيا وعسكريا. وهذه الطبيعية الانفتاحية الخارجية، هي سر العبقرية العراقية وسر الخراب ايضا. فهي التي منحت العراق والعراقيين هذا الخصب الابداعي والدور الحضاري الحاسم في التاريخ، ولكن هي ايضا التي جلبت على العراق والعراقيين هذه التبعية للقوى الخارجية وسهولة التخلي عن الهوية الوطنية والانقسام والتصارع بتأثير هذه التبعية. ان هذه الروح الخارجية العراقية سليقة لا يمكن ابدا التخلص منها. لكنها طاقة، مثل أي طاقة، يمكن استخدامها للتدمير او للبناء، حسب وعي النخب وقدرتها. ومشكلة العراق منذ تاسيس الدولة في العصر الحديث ان نخبه لم تنتبه لهذه الخاصية التوسعية التاريخية، بل خضعت لها بصورة سلبية وغير واعية، من خلال رفض مفهوم(الهوية الوطنية والامة العراقية) وتبني آيدلوجيات قومية ودينية واممية توسعية امبراطورية تدعو للحروب والتعصب والسيطرة على دول الجوار. فليس صدفة ابدا، ان جميع القوميات العراقية تبنت بشكل صريح دعوة الغاء الحدود العراقية الحالية وبناء دول قومية كبرى على حساب دول الجوار: الوطن العربي الاكبر، كردستان الكبرى، الخ. كذلك الاسلاميين الشيعة والسنة، كل منه يدعو الى دولته الاسلامية الكبرى. ناهيك عن الشيوعيين الذين قدسوا الاممية العالمية بصورة خنوعية وتبعية كاملة لعواصمهم المقدسة، مثل موسكو وبكين والبانيا وكوبا، وهلم جرا. بالاضافة الى عقائد تقديس العنف المسلح وشن الحروب الصبيانية باسم تحرير كردستان وفلسطين والجولان والاحواز والاسكندرونة والكويت والصومال وزنجبار، وهكذا دواليك. حتى بدى العراق في العصر الحديث وكأنه سوق شعبية كبرى لبيع وشراء العقائد والشعارات الثورية الامبراطورية العنفية والمؤامرات الداخلية والاقليمية!   
    آن اوان النخب العراقية ان تدرك هذه الحقيقة: ان آيدولجيات التوسع والامبراطوريات القومية والاسلامية والاممية، هي التي جلبت كل هذه الكوارث الى بلادنا، وهي التي تخيف جيراننا الايرانيين والاتراك والسعوديين والكويتيين والسوريين والاردنيين، كذلك اسرائيل وباقي القوى الغربية، وتدفعها لعمل المستحيل من اجل التدخل في العراق وشراء ذمم قادته ونخبه وتدبير المؤامرات وتأليب بعضهم ضد البعض وتوريطهم بحروب داخلية وخارجية.
آن اوان النخب العراقية ان تجعل من (ثقافة الهوية الوطنية) محور كل برامجها وافكارها، وبنفس الوقت تعمل على تحويل الطاقة التوسعية الخارجية العراقية الى طاقة ايجابية للتوسع السلمي الانساني الصداقي والمصالحي. لنجعل من شعار: (السلام  والحوار مع اسرائيل)، و(والوحدة السلمية الديمقراطية لشعوب الشرق الاوسط ) شعاراتنا الكبرى المقدسة الثابتة التي نكتبها بكل صراحة في برامجنا الحزبية ودستورنا، ونتبناها رسميا وشعبيا ونجهد بكل صدق لتحقيقها. نعم ان سلام ووحدة الشرق الاوسط وحده فقط الكفيل بتحقيق السلام والاستقرار في بلادنا. لتكن ثقافة السلام واحترام حدود الوطن والسلم مع الجيران ثقافة سائدة في المدارس ووسائل الاعلام. وان يصبح من العار والخيانة لأي حزب يتبني شعارات قومية ودينية توسعية تحتقر حدود الوطن وتبرر الحروب مع الجيران، كشعار(كردستان الكبرى) و(حق تقرير المصير) الذي يعني بكل بساطة وصراحة حق تقسيم العراق ودول الجوار وشن الحروب القومية الانفصالية ضدها، وبالتالي تغذية المخاوف والتوترات والاحقاد بين شعوب الشرق الاوسط!
لمطالعة هذا الموضوع بأجزائه الثلاث:
http://www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=96:2010-09-05-05-53-13&catid=37


17
نعم للحوار المباشر بين الشعوب العربية والشعب الاسرائيلي ..
ونعم لشعار: دولة واحدة لشعبين..
سليم مطر/جنيف
كانون الاول 2010
www.salim.mesopot.com
    آن اوان النخب الثقافية والدينية والنقابية والسياسية لشعوب العالم العربي، ان تكسر هذا التكلس الجاثم على القضية الفلسطينية. إذ باتت معانات هذا الشعب روتينية عادية مكررة مثل فلم مشوه عتيق وممل وفاقد لكل قيمة. واقصى ما يمتلكه الانسان العربي، انه بين حين وآخر يشاهد على الفضائيات مقاطعا من هذه المآسات، فيصرخ وهو يلعب الدومنة او يتناول الدولمة: (( يا ناس يا عالم وين حكامنا وجيوشنا ، يا للعار ، الفلسطينيون يموتون، وامعتصماه.. الخ ..))!
     ان هذا التحجر الروتيني تكون بسبب هيمنة ذلك الموقف المنافق بخصوص هذه القضية. فترى كيف ان النخب القومية العربية والفلسطينية، تغمض عيونها عن الواقع البائس والمخزي الذي يعاني منه الانسان الفلسطيني المقيم بين العرب انفسهم! فحتى الآن وبعد كل هذي السنين الطويلة من الهجرة والاقامة فأن الفلسطيني لا زال محروما من الحصول على أي جنسية عربية(عدى الاردن)، ويرغم على العيش باوراق ومعونات الامم المتحدة، بلا جنسية ولا جواز ولا وطن. رغم انه يمكنه الحصول على المواطنة الاوربية والامريكية بعد الاقامة خمسة اعوام! وكم هو معروف، سلوك شرطة الحدود والمطارات العربية مع الزائر الفلسطيني، اذ يعامل كمشبوه ويتعرض لكل التحقيقات والاتهامات، لمجرد انه فلسطيني.
      لو أخذنا (لبنان) مثلا، فأن مئات الآلاف من الفلسطينيين رغم اقامتهم منذ سنوات الاربعينات الا انهم حتى الآن لا يمتلكون أي حق للتمثيل في الدولة اللبنانية. انهم (الطائفة الوحيدة) المحرومة من الجنسية والجواز وحق المشاركة بالدولة. فحتى الارمن الذين ايضا اتوا لبنان مهاجرين، حصلوا على كل حقوقهم، بينما لا يحق للفلسطيني حتى ان يكون شرطيا. يعيشون في احياء اتعس من معازل الغيتوات. الجميع يخافونهم:  الشيعي، لأنهم سنة. والمسيحي، لانهم مسلمين. والسني، لأنهم فلسطينيين! بل تبلغ الخرافة حدا، ان الفلسطيني اذا جرح امام مستشفى لبناني لا يحق معالجته بل يتوجب نقله الى مستشفى خاص باللاجئين تابع للامم المتحدة! ويبلغ النفاق اقصاه ان هذه العنصرية تبرر نفسها تحت اسم:(الحفاظ على الهوية الفلسطينية ومنع صهرهم لتبقى قظيتهم حية).. يا له من دجل ما بعده دجل!
نعم هذه هي الكارثة العروبية: ان الفلسطيني يحق له ان يحصل على كل جنسيات وجوازات الارض، حتى الاسرائيلية، عدى جنسيات الدول العربية!
تاريخ من الهزائم والكوارث
         آن الاوان ان تتحلى النخب العربية والفلسطينية منها بالذات، بالشجاعة الكافية لكي تعترف بالواقع كما هو والحوار به بكل صراحة، والتخلص من ذلك الخطاب المنافق والمتذلل الذي يرمي كل المصيبة على عاتق الـ (الحكومات العربية)، بحيث صار من الطبيعي والمكرر والمذل ان نشاهد في الفضائيات اثناء كل كارثة، الام الفلسطينية واقفة وسط الخراب وهي تصرخ: (وينكم ياعرب..)!
     علينا ان نكشف كل الاوراق ونراجع كل الامور بكل جرأة وصراحة. فتاريخ علاقتنا مع اسرائيل منذ اكثر من ستين عام يكشف لنا عن المحصلة الكارثية التالية:
   ـ اننا قد لجأنا اولا لـ (سلاح الحرب الدولية والشعبية)، ففشلنا بكل الحروب وخسرنا ما لا يحصى من الضحايا والاراضي والممتلكات وجبالا من الكرامة والسمعة والثقة بالنفس. بل حتى ما سمي بـ(المقاومة الفلسطينية) التي جندت الآلاف المؤلفة من الشبيية العربية، وبعد عشرات السنين من المغامرات والبطولات والشعارات العروبية والماركسية والاسلاموية، فأن محصلتها الكارثية تتمثل بالرقم العجائبي التالي: ان 70% من ضحايا عملياتها واسلحتها ما كانوا من الاسرائيليين، بل من الفلسطينيين انفسهم، حيث ظلت الجبهات الفلسطينية تخوض الحروب بينها نيابة عن الدول العربية التي كانت تمولها، بالاضافة الى الحروب مع القوات الاردنية والسورية واللبنانية المسيحية والشيعية، وهكذا دواليك. وهذا يعني ايضا ان 70% من شهداء هؤلاء(الفدائيين) ما قتلوا بأيادي اسرائيلية، بل بأيادي فلسطينية وعربية!!
ـ اننا لجأنا لـ(سلاح المقاطعة والحصار)، ففشلنا كليا، لأن اسرائيل لم تعاني بل منحناها الحجة لكي تكون اكثر موحدة داخليا، وتحصل على تعاطف الشعوب والدول الغربية لكي تتضامن معها وتعوضها عن الحصار العربي الزائف والهش من الاساس! والانكى، ان هذا الحصار لم يمنع المنتجات الاسرائيلية من دخول البلدان العربية باسماء ووسائل سهلة معروفة، بل هو حرم المنتجات العربية من دخول اسرائيل!
ـ اننا لجأنا لـ(سلاح المفاوظات) عن طريق حكوماتنا المحترمة وبرعاية السيدة امريكا، ابتداءا من مبادرة السادات مرورا باتفاقيات اوسلو وحتى الآن. وكانت النتيجة(عدى عودة سيناء لمصر وكان هذا امرا محتما حتى بدون مفاوضات)، ان الفلسطينيين لم يحصلوا على سلطة واحدة، بل على سلطتين، في غزة والضفة، لكنهما مسلولتين فاسدتين تتناهشان مثل الكلاب الجائعة على العظام التي تلقيها لها اسرائيل بين وآخر. الشعب منقسم محاصر ذليل مغلوب على امره، والمستوطنات مثل السرطان المستفحل تتكاثر يوما بعد يوم.
خطأ من يظن ان مشكلة اسرائيل هي مع الفلسطينيين وحدهم، بل هي مع شعوب الشرق الاوسط جميعها. لهذا يمكننا ان نضيف الى محصلة هذه السنين الطويلة لتأسيس اسرائيل، تلك المصائب التي اصابت العرب بصورة عامة: استمرار التوتر في بلداننا، فكم من الانقلابات والحروب والاحزاب والصراعات اندلعت وتشكلت وتصارعت بأسم (الدفاع عن القضية الفلسطينية). بل الاتعس والاخطر ان هذا الصراع جلب على العرب والمسلمين، نقمة جميع الجاليات اليهودية في العالم. وكما نعرف ان هذه الجاليات لها وزن كبير جدا في التاثير على الراي العام والقرار الغربي. وهذا ما جعل هذه الجاليات تستخدم كل امكاناتها الاعلامية والسياسية والثقافية والسينمائية للحط من سمعة العرب والمسلمين، ومحاربة الجاليات العربية في الغرب وحرمانهم قدر الامكان، وتشويه سمعتهم وغلق ابواب المستقبل بوجوههم. بالاضافة الى استخدام اسرائيل لكل امكانياتها وحيلها ودهائها لتشجيع التطرف والتوتر في الدول العربية وخلق المشاكل الداخلية والخارجية، بوسائل عديدة منها مثلا دعم المنظمات الاسلامية الارهابية، وكذلك الجماعات المتعصبة الانفصالية كالمنظمات القومية الكردية، وغيرها. 
اذن المحصلة النهائية في عدائنا لاسرائيل خلال ستين عام، كارثية بكل ما تعنيه الكارثة: جغرافيا وسياسيا وعسكريا وانسانيا وقيميا ونفسيا وداخليا وخارجيا.. فنحن المغلوبون عسكريا، ونحن الخاسرون وطنيا، ونحن المحاصرون عالميا، ونحن المشوهون انسانيا واعلاميا....
فما العمل: هل نظل متمسكين بذلك الخطاب المتكلس الثوري الرافض والمنافق؟
الصراحة والجرأة والتواضع امام الحقيقة!
       من اوجه النفاق في الخطاب الرافض، القبول بان تقوم الدول العربية، مثل مصر والاردن وغيرها، بالاعتراف بدولة اسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية معها، ولكن بنفس الوقت التمسك وبقوة وتعصب برفض اقامة أية علاقات حوار مباشرة مع الشعب الاسرائيلي ونخبه. انها معادلة غريبة ومناقضة لكل المنطق الانساني الطبيعي والسياسي الواقعي: نعم للسلام مع الدولة المعتدية ولكن الرفض التام لأية علاقة مع الشعب، بل رفض العلاقة مع كل يهود العالم. أي نعم للسلام والحوار والتفاوض مع الوحش الضاري، لكن الرفض التام لأي تقرب من الحيوانات المسكينة التي تعيش في او قرب غابة هذا الوحش!!
ان التشريح النفسي لهذا الموقف يكشف عن: ان هذه النخب الرافضة في اعماقها لا زالت غير ناضجة وغير واثقة من نفسها ولا زالت تمارس دور المراهق المسكين الخجول الذي يخاف مخالفه اهله(الحكومات) والتجرء على مغازلة بنت الجيران، فيتركهم وحدهم يتكفلون بتدبير الخطوبة له!
نعم ان النخب العربية تتباكى وتتشكى دائما من قمع الحكومات، لكنها  بنفس الوقت تتبنى مواقفها وتخضع لأوامرها فلا تمنح نفسها اية حرية بالتفكير واستنباط الحلول الواقعية بالحوار المباشر مع الخصوم، بدون الاعتماد على السادة الوزراء والسفراء.
    والانكى، ان هذه النخب والشعوب العربية لم تترك الحكومات وحدها تتكفل بالتفاوض مع اسرائيل، بل ارتضت ايضا ان تقوم (امريكا!) بالنيابة عنهم بالتفاوض وطرح الحلول. فترى العرب المساكين اثناء كل انتخابات امريكية يشرعون بالتحليل والسفسطة والتنظير والاستمناء على الرئيس الامريكي القادم الذي سيكون نوعا من الـ(المهدي المنتظر)، يحل لهم المشكلة الفلسطينية ويحقق لهم الجنة على الارض! وطبعا امنا الحنون امريكا في كل مرة تأتينا مثل راقصة داعرة تهز اردافها في كواليس الشرق تداعب القادة العرب والاسرائيليين حتى تسكرهم باغوائها الشيطاني وتكشف عن عوراتهم وهشاشتهم ثم تهدئهم ببعض الهمسات واللحسات وتتركهم ثمالى يتشاجرون من التعب والخيبة! 
حتى الآن لا احد يفهم، كيف يتمكن هذا المواطن الاسرائيلي(مثقف او رجل دين او نقابي او رياضي)، رغم كونه مواطن دولة مصطنعة ومعتدية، ان يسمح لنفسه بكل جرأة وثقة وحرية من الاتصال والتحاور مع الاطراف العربية، بل امتلاك الجرأة بمزاولة السياحة في الدول العربية بشكل مكشوف كما يحصل في الاردن ومصر والمغرب وتونس! بينما على العكس تمام، ترى العربي، رغم كل تاريخه الطويل وميراثه العريق وشعوره اليقين بأن بالحق معه، يغدوا مثل طفل ضائع بمواجهة الاسرائيلي واليهودي، ويتلفت الف يمين ويسار خوفا وارتعاشا وكأنه فتاة تخشى ان تفقد بكارتها!
    نعم هنالك رفض للانفتاح على اسرائيل، بحجة منافقة تدعي (محاصرتها ومضايقتها)، وهذا غير صحيح ابدا، بل هو بحقيقته خوف من ان تدخل فينا وتؤثر في موقفنا وتشتري ضمائر ناسنا ونخبنا.
   بينما أي تفكير عقلاني واقعي ناضج يحترم الذات، يقول لنا العكس تماما: يجب علينا ان نمتلك الثقة بانفسنا وبشعوبنا وبنخبنا لكي نقدم على الانفتاح ونتحاور ونتعايش بكل حرية مع الاسرائيليين. فنحن عدديا وجغرافيا وتاريخيا وثقافيا وميراثيا اكبر واكثر واغنى واعرق منهم بمئات المرات. ومن المنطقي والمعقول انهم هم الذين يجب ان يخشوا ان ندخل فيهم ونؤثر في مجتمعهم سكانيا وثقافيا وسياسيا وانسانيا!
نعم للحوار المباشر من قبل شعوبنا ونخبنا
         ثمة حقيقتان يتوجب اخذهما بنظر الاعتبار من اجل تحديد موقفنا للتعامل مع اسرائيل:
اولا ـ من الخطأ الكبير الاعتقاد ان قرار تكوين اسرائيل وديمومتها جاء تنفيذا لارادة يهودية عالمية ولصالح اليهود. بل هو العكس تماما، انه جاء بارادة غربية اسست ودعمت الحركة الصهيونية، للتخلص من مشكلة يهود اوربا ورميها على عاتق العرب، وخلق دولة لهم مهمتها تهجير يهود الشرق وقطع اليهود عن اصولهم المشرقية، ومنع أي تقارب وتحالف بين يهود العالم مع باقي شعوب الشرق من مسلمين ومسيحيين، لكي يبقى هذا الشرق ضعيفا منقسما متوترا محروما من الاستقرار والقوة التي يمكن ان تهدد مصالح الغرب.(راجع موضوعنا التفصيلي:
www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=96:2010-09-05-05-53-13&catid=37). ضمن هذا السياق يمكن ان نضيف التوضيح التالي: ان المواطن الاسرائيلي، مهما كان صهيونيا ومتعاطفا مع حكومته، يبقى انسانا مثل جميع البشر يفكر بحياته وعائلته ومحبيه ويحتاج الى الامن والسلام والاستقرار. ومن الطبيعي جدا انه في اعماقه يفضل ان يعيش في شعب آمن ومنفتح ومقبول من الشعوب المحيطة به.
ثانيا ـ  خلال اكثر من ستين عام منحنا حكوماتنا الحرية الكاملة في التعامل مع اسرائيل وتجريب كل الاسلحة الممكنة. وهاهي قد فشلت في سلاح الحرب، وفي سلاح الحصار، وفي سلاح المفاوظات الدولية..
اذن لم يتبقى لنا غيرنا نحن(الشعوب والنخب) ان نجرب بأنفسنا هذه المرة، سلاحنا الوحيد الممكن والمتوفر: سلاح السلام والحوار الشعبي المباشر مع الاسرائيليين وجميع يهود العالم.
لا نريده ابدا حوارا هشا انتهازيا فرديا، كما جربه مثلا، اثنان من الصعاليك المحسوبين على المثقفين العراقيين في الخارج، عندما زارا اسرائيل وراحا يمجدان(ديمقراطيتها) ويسخران من الشعب الفلسطيني! ولا نريده مثل ذلك المسؤول الحزبي العراقي الذي نفذ خطة اسياده فسرق منا تسمية(الامة العراقية) لكي يشوه سمعتها بزيارة اسرائيل مرتين والتملق لحكومتها والتنكر لمعانات الفلسطينيين.
     نقول لا، بل نريده حوارا جماعيا منفتحا وشعبيا وصريحا مع الاسرائيليين وجميع يهود العالم، مثقفين ونقابيين وحزبيين ورجال دين، نجريه في اسرائيل وفي الدول العربية وفي جميع انحاء العالم، وفي جميع وسائل الاعلام، واينما تواجدت جاليات عربية ويهودية. نزورهم ونتاجر معهم ونتزاوج معهم، ونبقى بكل ما نمتلك من روح حق وقناعة نحاول ان نتفهمهم ونقنعهم ونؤثر فيها. ولكي يؤدي هذا الانفتاح والحوار الي النتيجة المقبولة، يتوجب منذ البداية ان نخلق ونشيع برنامجا وثقافة وقناعة تتمحور حول الفكرة التالية: ((يا اسرائيليين ويا يهود، اننا مثلكم، تعبنا من الصراع والعداء والخضوع لألاعيب القوى الغربية التي تبتغي اضعافنا نحن الطرفين، عرب ويهود. نريد ان نعمل جميعا من اجل خلق شروط وثقافة السلام والتفاهم والتعايش والتصاهر. وجميعنا نعلن للغرب والعالم بأن التعايش العربي ـ اليهودي وسلام الشرق الاوسط، هو ايضا لصالح الاخوة السلام في  الغرب وفي العالم اجمع)).
لقد جربنا الحروب والعداء والمقاطعة والسلام الحكومي ـ الامريكي، ولم يبقى لدينا غير السلام، السلام الحقيقي الشعبي والنخبوي والشامل والانساني!
    وربما سيؤدي هذا الحوار الى احياء وتشجيع ذلك الشعار الواقعي القديم:(( دولة واحدة لشعبين يهودي وفلسطيني)) على غرار جنوب افريقيا.. وهذا موضوع طويل، نتمنى ان يبادر مثقفونا الى امتلاك الجرأة بطرحه ونقاشه، و قد نعود اليه نحن في مقال قادم!





18
قال لي الحكيم الامريكي:
هذه هي الأسباب السرية جدا لأحتلال العراق!


سليم مطر/جنيف
كانون الاول 2010
www.salim.mesopot.com
هذا هو الجزء الثاني قبل الاخير من اعترافات صاحبي الحكيم الامريكي، وهو على فراش الموت، احد زعماء(فيدرالية الاخوة العالميةIFB )، المنظة السرية العالمية التي تتحكم بامريكا وغالبية الدول الغربية:
 لا احد يدرك كم(العراق) مهم بالنسبة لنا نحن في (IFB). لقد نجحنا بالتضليل على السببين الاكبرين لاحتلالنا له، من خلال التركيز على السببين المعروفين الذين اتفق عليهما الجميع:
1ـ ان العراق، جغرافيا هو مركز الشرق الاوسط. السيطرة عليه تعني السيطرة على قلب الشرق الاوسط، جغرافيا وعسكريا وحضاريا.
2ـ وهو كذلك اقتصاديا يمتلك اكبر خزين نفطي، بالاضافة الى النهرين والكثير من المعادن المهمة المكتشفة وغير المكتشفة.
لكن بالحقيقة ان هذين السببين ثانويين في استراتجيتنا الخفية. فلو كانا هما الاساسيين كما اوحينا للجميع، لما اضطررنا ابدا لاحتلال العراق، لأن صدام حسين كان مستعدا لتقديم كل التنازلات لنا، يمنحنا حق استثمار البترول كما نرغب، وكذلك التعاون العسكري الكامل معنا بما فيه انشاء قواعد عسكرية مشتركة في انحاء العراق.
لكن طموحاتنا ازاء هذا البلد اكبر من امكانات صدام مهما اراد التنازل لنا، اذ تتجاوز الى حد بعيد المصالح النفطية والعسكرية، الى مصالح استراتيجية سياسية وعقائدية وتاريخية تعتبر هذا البلد من اخطر المناطق في استراتجيتنا الكبرى للسيطرة على العالم، وبالتالي تتطلب حضورنا المباشر في ارض العراق:
    1ـ سياسيا ـ دينيا، وهذه نقطة مهمة جدا : ان شعب العراق يتنوع الى شيعة وسنة(بالاضافة الى الاكراد والتركمان والمسيحيين وغيرهم)، ويقع مباشرة وسط القطبين الاسلاميين المتصارعين: القطب الشيعي الايراني والقطب السني السعودي. وهذا يعني انه البلد الوحيد المهيأ جغرافيا وسكانيا، لأن يكون ساحة للصراع بين القطبين المتحاربين وتعميق الشقة في العالم الاسلامي اجمعه بين الشيعة والسنة.(سنفصل هذه النقطة بعد قليل).
2ـ رمزيا وباطنيا، وهذه النقطة تعتبر واحدة من اكبر اسرارنا التي نجهد لاخفائها : ان للعراق اهمية روحية تاريخية خطيرة بالنسبة لنا نحن اعضاء (IFB)، لحسن الحظ لم ينتبه لها احد غيرنا. ليس صدفة ابدا ان رئيسنا بوش اختار يوم اعلان الحرب الاولى على العراق عام 1991 ليعلن عن نهاية نظام القطبين المتنافسين وانبثاق (النظام العالمي الجديد) أي ميلاد اول حضارة عالمية موحدة في التاريخ. 
                                       القيمة التاريخية والباطنية العظمى للعراق
      اننا نؤمن من خلال قناعاتنا الباطنية السرية المورثة بأن الكون تتحكم به قوى جبارة خفية مجهولة، لغتها هي الرموز الكونية المعروفة، من اهمها ابراج النجوم. ان هذه القوى الجبارة منذ خلق الارض قد اختارت بعض المناطق لتكون مقرات ثابتة لها. يبدوا انها قد اختارت الشرق الاوسط ليكون موطنها وارض نشاطها وابداعها التاريخي والحضاري. وقد اختارت عاصمتين لها: (العراق) ليكون مركز الابداع الناري الفعال والاجتياحي والتوسعي. و(مصر) لتكون مركز الابداع المائي الانكفائي والمستقر. لهذا فأن هذين البلدين بقيا مركزا حضارة وتاريخ الشرق الاوسط وعموم العالم القديم، طيلة آلاف الاعوام. ليس صدفة ابدا انهما كانا مقرا لاولى واعظم حضارات البشرية، لأن تلك الحضارات كانت من صنع تلك القوى الجبارة المجهولة.
     من المهم التوضيح: أن الحضارة المصرية لا تخيفنا لانها طيلة التاريخ ظلت حضارة مسالمة، لم تنبثق فيها دولة توسعية ولم تمارس الغزو الخارجي الا لاسباب دفاعية، اذ ظلت دائما معتكفة على ذاتها وعلاقتها مع الجيران قائمة على الحماية والدفاع وليس التوسع والغزو. انها حضارة روحانية أخروية جوهرها تقديس الحياة الاخرى، لهذا فأن اعظم رموزها هي (الاهرام)، اتي هي اساسا قبورا للملوك، وكتابها المقدس هو(كتاب الموتى) الذي فحواه كيفية تجاوز يوم الحساب وبلوغ الآخرة!
    بينما الحضارة النهرينية هي النقيض تماما، انها مادية دنيوية لا تؤمن بالحياة الاخرى ولا بجنة موعودة، بل غايتها الدنيا والمتعة، لهذا فأن اعظم رموزها هو (برج بابل والجنائن المعلقة) وهي رموز دنيوية غايتها العظمة والمتعة، اما كتابها المقدس فهو(قصة كلكامش) الذي اعلن صراحة استحالة بلوغ الخلود وان غاية الانسان هو التمتع بالدنيا. نعم أن الروح العراقية نقيض الروح المصرية، لأنها نارية استحواذية توسعية، فكان العراق مقرا لامبراطوريات كبرى توسعية منذ البابلين والآشوريين، وصولا لأخطرها امبراطورية العباسيين التي حكمت نصف آسيا وشمال افريقيا طيلة قرون. بل ان هذا البلد كان كذلك مقرا وعاصمة لامبراطوريات اجنبية كبرى، مثل امبراطوريتا الاسكندر المقدوني ثم الساسانيين الذين اختاروا المدائن عاصمة لهم.
     لهذا فأننا في (فيدرالية الاخوة العالمية) قد آمنا  بأن الحضارة المصرية لا يمكنها ان تنافسنا، فبقينا دائما في علاقة ايجابية معها بل جعلناها ركنا مقدسا في عقيدتنا الباطنية وتبنينا الكثير من رموزها الدينية. ونجهد دائما لتسليط الاضواء عليها في وسائل الاعلام والمؤتمرات والجامعات والمتاحف والمكتبات.
    اما الحضارة العراقية فهي منافسنا الاكبر لأنها الاقرب الينا، فحضارتنا الغربية هي صورة محدثة عنها، أي ذرورة الحضارة المادية الدنيوية. أننا نعرف ونعترف بأن جذور حضارة الغربية ترجع الى بابل، ونحن لا نتنكر لها، بل نخشى ان نعلن عن ذلك صراحة لألا تسرقنا هذه الحضارة وتستولي علينا، فتصبح (بغداد) هي (باريس ولندن ونيويورك). انها الروح التي نحتاجها ونقدسها في اعماقنا، لكننا لا نريد ان نعترف بها، الا بعد التيقن من قدرتنا على السيطرة عليها. نحن مثل الابناء اليافعين، نحتاج الى الكثير من النضج والاستعداد لكي نتصالح مع معلمنا الاول ونتمكن من التفاهم الايجابي معه والاستفادة من خبراته وثرواته. ان العراق حضارة خطيرة بقدرما هي جبارة وغنية وعظيمة. انه اشبه بالحيوان الحيال المفترس الذي يحتاج الى الكثير من القوة والسيطرة والمراوغة والتركيع والتجويع من اجل تدجينه وترويضه. ان أي ضعف من قبلنا ازاء هذه الروح العراقية النارية المتحفزة سوف يمنحها الفرصة التاريخية المنتظرة لكي تثب علينا وتلتهمنا مثلما التهمت غيرنا من قبلنا. انظرو الى صدام، كان يكفي بعض الغفلة والدعم والتساهل من قبلنا، حتى يشرع فجأة بتنفيذ مشروعه الامبراطوري الشرق الاوسطي، من خلال التوغل في ايران ثم احتلال الكويت للسيطرة على العربية السعودية لينفث حلمه الامبراطوري الموروث والمتجذر في ارض موطنه!
لهذا فأننا منذ سنوات طويلة تمحورت سياستنا ازاء هذه الحضارة الخطرة في ناحيتين:
 ـ التعتيم عليها في جميع وسائل الاعلام والمؤسسات المعنية، رغم تقديسنا السري لها. بل العمل على تشويهها من خلال التركيز على الموقف التوراتي منها ومسألة(سبي اليهود) ونقمة الله على بابل وتدميرها. والتعتيم ايضا على دور العرب والمسلمين والحضارة العباسية في تنوير اوربا. وجعل(الف ليلة وليلة) وحكايات العبيد والجواري هي الصورة الاعلامية الوحيدة الشائعة في الاعلام العالمي.
   ـ بنفس الوقت، فأننا نجهد بكل امكانياتنا للتعمق في معرفة تواريخ وتفاصيل وخفايا هذه الحضارة من  خلال النبش والتنقيب والدراسات السرية، على امل فك اسرارها والسيطرة عليها والاستعداد لمواجهة كل مفاجأتها الغير منتظرة. أننا نؤمن ان هنالك اسرار كبرى تحت الارض تركتها القوى الجبارة المؤسسة لها والمتحكمة بالكون. بل ربما هنالك ادوارا مفترضة لقوى معينة قادمة من كواكب اخرى قد ساهمت بتأسيس الحضارة في سومر وبابل. لهذا فأن من اهم غايات اجتياحنا العراق والسيطرة عليه، ان نستحوذ على آثاره المهمة وننقب بصورة سرية عن بعض الآثار الخاصة التي تقودنا الى تلك الاسرار المخفية الخطيرة. ليس صدفة ان اولى خطواتنا في اول يوم لسيطرتنا على العراق، اننا هيئنا لسرقة المتحف العراقي وتدميره من اجل التعتيم على استيلائنا على بعض الآثار المهمة. كذلك قمنا بالسيطرة على الموقعين الاثريين لمدينتي (بابل) و(اور)، وحولناهما الى معسكرين خلال عدة سنوات من اجل التغطية على عمليات التنقيب السرية بحثا عن بعض الآثار الهامة التي ستساعدنا على فك اسرار هذه الحضارة الجبارة والسيطرة عليها.
   نعم صحيح تماما ادعائنا بأننا اتينا لكي نبني العراق، ولكن ما لم نقله بوضوح، اننا سوف نبنيه بعد ان ندمره ونفكك مفاصله وندرسه ونفهم اسراره ونضمن تماما كل مفاجأته ووثباته الغادرة. فبسيطرتنا الروحية التاريخية على العراق نضمن سيطرتنا الفعلية على الشرق الاوسط كله، وبالتالي عموم العالم.
                                         القيمة السياسية ـ الدينية للعراق
في مطلع الالفية الثانية اقتضت المرحلة الاخيرة من مشروعنا التدميري القائم على التقسيم الطائفي للعالم الاسلامي، ان نفرض الممارسة الفعلية لهذا الصراع أي بلوغ مرحلة الحرب الدامية بين الطرفين. وقد وقع اختيارنا على العراق حيث تتوفر فيه افضل الشروط الملائمة للصراع الشيعي ـ السني. فهنالك طائفة شيعية قوية عدديا ومظلومة تاريخيا ومجاورة للقطب الشيعي الايراني، يقابلها طائفة سنية قليلة عديديا لكنها فعالة ومتمرسة بالحكم ومدعومة طائفيا من الجوار العربي وخصوصا من قبل القطب السني السعودي. اذن موقع العراق الجغرافي المجاور لايران والسعودية خصوصا ثم باقي المشرق العربي بالاضافة الى تركيا، وانقسامه الطائفي الواضح جعلنا نختاره كأفضل ساحة للصراع الشيعي الايراني ـ السني السلفي السعودي!
طبعا هنالك اسباب مكملة داعمة اخرى، فهو ليس فقط ملتقى القطبين الطائفيين، بل ايضا ملتقى التنوعات القومية لبلدان الشرق الاوسط: عرب ، اكراد، تركمان، مسيحيون، وغيرهم..
هكذا، اننا بعد ان قمنا باضعاف وخنق العراق حربيا واقتصاديا وبشريا طيلة اعوام التسعينات، نجحنا بفضل دعم اصدقائنا القادة الاكراد والاسرائيليين والايرانيين والسعوديين، ان نقنع قادة شيعة العراق وباقي الناقمين على صدام من السنة، ان يكونوا اداة طيعة في مشروعنا التدميري للعراق وللعالم الاسلامي بأجمعه، بحجة مكافحة الدكتاتورية وبناء الديمقراطية!
  يتوجب التنويه بدور صديقنا صدام، فهو قد خدمنا منذ صعوده الى السلطة عام1979 ، اذ قام باعدام القادة البعثيين المناوئين لسياستنا وتخريب الوحدة مع سوريا، ثم دخول الحرب التدميرية مع ايران، ثم اجتياح الكويت، وتوفير كل الحجج لنا بضرب العراق وحصاره وتجويعه واذالاله حتى اجتياحه واحتلاله. بل ان المسكين قد خدمنا دون قصد حتى بعد اطاحتنا به، اذ نجحنا من خلال مسرحيات محاكمته التلفزيونية ان نخلق منه بطلا عربيا سنيا راح ضحية المتعصبين الشيعة، وهذا الامر لعب دورا حاسما في تغذية الصراع الطائفي!
 منذ عام 2003 تمكنا بصورة تفوق التوقع ان نجعل من العراق ساحة مكشوفة ومثال فاضح لكل المسلمين للصراع الدامي المحتدم بين القطبين الشيعي ـ السني. بل جعلنا منه ارضا لعذابات المسيحيين والصابئة وباقي الجماعات، بلالاضافة الى اسطورة عذابات الاكراد قبل ذلك. نعم طيلة عقدين من الزمان جعلنا من العراق ارض الخراب ومركزا للظلام الذي ينتظر المنطقة بأجمعها. آملين ان نجعل منه فيما بعد ارض النظام والاستقرار والبحبوحة ومركزا لشرق اوسط ديمقراطي منسجم تماما مع مصالحنا.
                            ستراتجيتنا الحالية في العراق
ان خلاصة سياستنا الحالية في العراق، ان يبقى لسنوات طويلة قادمة تحت سيطرتنا الكاملة(مباشرة وغير مباشرة) سياسيا وعسكريا. والعامل المهم الذي نجحنا بتأسيسه ونعمل على ابقائه، اننا جعلنا الدولة العراقية منقسمة طائفيا وقوميا، بحيث لايمكنها ان تكون دولة مركزية قوية، وهي عرضة سهلة لتفجيرها والتحكم بها. فترانا دائما عندما يستقوي الاكراد ويضعف العرب نبادر الى خلق الخلافات بين الاكراد وتسهيل ضربهم من قبل دول الجوار. وما ان يستقوي العرب حتى نبادر الى تأجيج الصراع الطائفي بينهم ونعطي المجال لبروز الدور الكردي واستخدام ورقة كركوك. واذا ما لا حظنا توحد الاطراف العراقية كلها وبروز نوع من الثقة بالدولة والشعور بالاستقرار وبروز ميول الوطنية المعادية للامريكان، حتى نبادر بتحريك عملائنا وتسهيل الامر للارهابيين للقيام بعمليات تدميرية تزعزع هيبة الحكومة وتحيّ الاحقاد الطائفية وتشجع هجرة الشباب والكوادر، وبالتالي تبرير الاعتماد علينا من اجل حمايتهم من الارهابيين!
هل تعلم، بأننا نحن من يشجع التغلغل الايراني في العراق ونعمل اعلاميا على تضخيمه اضعافا اضعاف، من اجل اخافة الدول العربية وتركيا ودفعها لكي تتصارع في ارض العراق، وايضا اخافة العراقيين ودفعهم للتمسك بنا لحمايتهم من الخطر الايراني.
خذ مثلا، مسألة تأخير تكوين الحكومة خلال اشهر طويلة. كان يكفي منا بعض الضغوط البسيطة على قادة الاطراف المتنازعة لكي يضطروا للاتفاق والموافقة على تكوين الحكومة المناسبة. لكننا تقصدنا الحيادية ولعب دور الاب الناصح الطيب الذي لا يمتلك سلطة حاسمة ازاء الضغوط الايرانية والسعودية والسورية.. كل هذا من اجل ان يدوم ضعف الدولة ويفقد العراقيين ثقتهم بنخبهم وقادتهم ويدعم شعورهم الطفولي بأنهم بحاجة لدورنا الابوي الناصح والحامي لأمن البلاد!
ومن اكبر دلائل نجاحنا الكبير في التحكم بعقول العراقيين وباقي العالم، اننا اوهمناهم بأننا عازمون على ترك العراق بعد ان فشلت سياستنا به. وبين حين وآخر نجري مسرحية اعلامية عن انسحابات عسكرية خداعة. بينما يكفي القليل من الحكمة للتفكير بالامر التالي:
          اننا شيدنا في المنطقة الخضراء في بغداد اكبر واضخم واقوى سفارة في تاريخ البشرية. مساحتها 104 هكتارات وتعد أكبر بستة إضعاف من مجمع الأمم المتحدة في نيويورك، وبعشرة أضعاف من سفارتنا في بكين. كلفتها حوالي مليار دولار وتكلفة إدارتها السنوية مليار دولار. فيها 20 مبنى و1000 موظف، وهي تعتبر مدينة مستقلة حيث تضم السكن والاسواق وكل وسائل الترفيه ومولدات الطاقة والتنقية والتصفية، حتى يمكنها العيش مستقلة تماما لعدة اعوام!
       فكيف يصدق انسان حتى لو كان له عقل طفل، اننا نشيد مثل هذه السفارة الاسطورية في بلد ندعي بأننا في الطريق لمغادرته؟!
ـــــــــــــ
ترقبوا الجزء الثالث الاخير: (هكذا تمكنا من تدميركم، وهكذا يمكنكم النهوض!)


19
يا ابناء الشرق الاوسط، مسلمين ومسيحيين ويهود:
هذه هي حقيقة اخطر مشروع امريكي لتدميركم!!


سليم مطر/جنيف
تشرين الثاني 2010
www.salim.mesopot.com

        هذه الاسرار الخطيرة كشفها لي صاحبي (الحكيم الامريكي) وهو على فراش الموت.  انه احد زعماء (فدرالية الاخوة العالميةIFB) وهي المنظمة السرية التي تتحكم بالعالم من خلال سيطرتها على قيادات امريكا والكثير من الدول الغربية. طلب مني ان افعل كل ما يمكنني لكي ابلغكم هذه الحقائق التي تجهد قيادات امريكا لاخفائها رغم انها متداولة بين العديد من قادة الغرب والمختصين بمتابعة السياسة الامريكية.
       نعم ثمة مشروع سري يخص الشرق الاوسط تقوده هذه(الفدرالية العالمية) يجري تطبيقه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. يهدف هذه المشروع الى منع أي استقرار وسلام وتطور في المنطقة من خلال حروب اهلية ودولية تبقيها دائما ضعيفة متوترة متخلفة. واللجوء احيانا الى التدمير الشامل لبعض البلدان حسب النموذج العراقي، لكي يتم فيما بعد اعادة بنائها بالصورة الملائمة تماما لمصالح امريكا، حسب المبدأ المعروف: النظام ينبثق من الخراب: (Ordo ab chao). هنا مختصر المشروع:
   بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم الاتفاق السري بين القوى الغربية على ان ترث امريكا المستعمرات الاوربية الانكليزية والفرنسية، ولكن بطرق استعمارية جديدة تتميز بالتخطيط البعيد المدى، وتعتمد اساسا الوسائل الثقافية والسياسية والمخابراتية اكثر من اعتمادها على الجيوش.
  بالنسبة لمنطقة شرق البحر المتوسط(البلدان العربية وتركيا وايران)، فقد توصلت القيادات الامريكية الفاعلة، العلنية والسرية، الى القناعة التالية:
  ان هذه المنطقة الواسعة الواقعة شرق البحر المتوسط، شكلت عبر التاريخ المركز الحضاري الخطير المنافس للمركز الحضاري الاوربي(غرب البحر المتوسط). وهي بكل بساطة المنطقة المجاورة مباشرة لاوربا، حيث تمتد من مضيق البسفور التركي الى مضيق جبل طارق المغربي ـ الاسباني. وهذه المنطقة هي التي تفصل اوربا عن باقي العالم القديم(قارتي آسيا وافريقيا). وفيها تشكلت اولا حضارات التاريخ:العراق ومصر وسوريا. ومنها جائت الى اوربا غالبية المعارف والمكتشفات مثل الابجدية، وكذلك العقائد والاديان، ومن ابرزها المسيحية واليهودية والاسلام. ومن هذه المنطقة انطلقت القوى الغازية لاوربا: فينقيون ثم عرب ثم اتراك. وكانت الامبراطورية العثمانية آخر القوى العالمية الشرقية التي احتلت شرق اوربا وظلت تهدد سلامتها لعدة قرون. ولحسن الحظ نجح الغرب بتدمير هذه الامبراطورية من خلال التأثير في النخب العثمانية نفسها وجعلها تتبنى الثقافة الغربية وتتبنى الفكر القومي التقسيمي الرافض للوحدة الاسلامية العثمانية.
       ولخطورة واهمية هذه المنطقة بالنسبة لأوربا، فأنه طيلة التاريخ جهدت القوى الاوربية الفاعلة من اجل اضعافها والسيطرة عليها: الرومان، الصليبيون، ثم الفتوحات الاستعمارية في القرون الاخيرة، حتى سياسة التغلغل والاضعاف والسيطرة الممارسة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن!
بالاعتماد على هذا الفهم لتاريخ العلاقة بين الشرق ـ والغرب، فأن (IFB) وضعت استراتيجيتها التي تتمحور حول الهدف الرئيسي والنهائي التالي:
منع اية امكانية لتوفر شروط ثقافية ودينية وسياسية واقتصادية مستقرة وآمنة تسمح لشعوب المنطقة بأن تتقارب وتتعاون وتبني قوة حضارية كبيرة قد تشكل مستقبلا امبراطوية خطرة تهدد سلامة االغرب، ومصالح امريكا بالذات!! بأختصار شديد، ان سلامة الغرب وامنه يستوجب الضمان الاكيد بوجود انظمة ملائمة ومتحالفة مع الغرب ومع امريكا بالذات. وليس هنالك اية امكانية لتحقيق هذه الضمانة الا باللجوء الى المبدأ المعروف(النظام ينبثق من الخراب)، أي العمل على تهيأة جميع الاسباب لتدمير المنطقة بكاملها من اجل إعادة بنائها، دول وشعوب وثقافات وقناعات ومصالح، بما ينسجم تماما مع مصالح الغرب...
ان هذا الهدف الاستراتيجي للتدمير الكامل يعتمد على توفير العامل الاساسي التالي:
   خلق التوتر والعداء والتعصب بين الجماعات الاساسية التي تتكون منها مجتمعات الشرق الاوسط. صحيح ان هنالك ما لايحصى من الدول والجماعات السياسية والقومية والدينية، الا ان باحثينا قد توصلوا الى تحديد جماعات فعالة تعتبر اساس مجتمعات الشرق، وهي:
ـ المسلمون السنة، المسلمون الشيعة، العلمانيون، المتدينون،اليهود، المسيحيون، بالاضافة الى الجماعات القومية المختلفة من عرب واتراك وفرس واكراد، وغيرهم.
 اما التطبيق الفعلي فقد تركز على  المبدأ التالي:
نحن لا نختلق المشكلة... بل نعثر عليها ونساعد على استفحالها. نحن مثل المنقبين عن النفط، لا نصطنعه بل ننقب عنه وما ان نعثر عليه حتى نحفر الابار من اجل تفجيره واستثماره!
بناء على هذا المبدأ شرعت لجاننا المختصة التي تضم العديد من الباحثين من ابناء الشرق الاوسط وغيرهم في مختلف المجالات، للتنقيب عن المشاكل الكبرى الكامنة تحت الارض والمعتم عليها، من اجل اظهارها وانضاجها وتفجيرها. عليه فقد رسمت استراتيجتنا على المحاور الاساسية التالية:
اولا، تدمير الاسلام من خلال خلق العداء والتناحر بين الشيعة والسنة. ان هذه النقطة تعتبر من اهم واخطر اهداف استرتيجتنا الكبرى في اضعاف المنطقة وانهاكها وتغذية روح الضغينة والحروب بين شعوبها.
يتوجب التوضيح الى اننا نمتلك نظرة الى الاسلام والمسلمين لم نتجرأ ان نفصح عنها بصورة علنية. لقد اقتنعنا بأن الاسلام، وبعد هزيمة الشيوعية، ظل هو العقيدة الوحيدة في العصر الحديث التي تمتلك هذه الطاقة الروحية العجيبة في مواجهة الحضارة الغربية بكل جبروتها وعنفوانها. اكثر ما يثير دهشتنا في المسلمين، انهم مهما اعترفوا بضعفهم وتخلفهم الحالي، الا انهم يصرون على امتلاك تلك القناعة الدينية العميقة بأن(الله والحق) معهم. ومهما اعترفوا بأن الغرب حاليا هو الغالب والمهيمن والمالك للحضارة والعلم، الا انهم رغم ذلك يصرون على التمسك بـ(ماضيهم التليد) و(مجتمعهم السالف العظيم) الذي حسب اعتقادهم، يفوق بعدله وعظمته الحضارة الغربية الحالي! وبالتالي هم يمتلكون كل المبررات للنظر بعين الاحتقار لحضارتنا الحالية، من اجل بناء حضارتهم الاسلامية الموعودة.  
لهذا فأننا قررنا اللجوء الى الحل السحري المعروف لتدمير اية عقيدة عنيدة، أي من خلال المؤمنين بها انفسهم. نعم تدمير الاسلام من خلال المسلمين انفسهم. منذ اعوام الخمسينات ونحن نشتغل على هدفنا هذا بصورة هادئة وحساسة باذلين الجهود والاموال الطائلة، حتى نجحنا اخيرا في بلوغ مرحلة متقدمة. لقد لقد توصلت لجان باحثينا التي تضم مسلمين ومختصين بالاسلام، الى اهم خطوة من اجل ذلك، وتكمن بخلق قطبين متناحرين يشقان الاسلام والمسلمين في الصميم. هكذا في نهاية اعوام الخمسينات، وقع اختيارنا على ان تكون العربية السعودية مركز القطب السني، وايران مركز القطب الشيعي. لقد اشتغلنا بمهارة ودبلوماسية على الدوليتن. فمن ناحية، اوحينا وشجعنا السعودية على نشر الفكر الوهابي بين الحركات الاسلامية وخصوصا الاخوان المسلمين وبناء الجوامع والمؤسسات الوهابية في انحاء العالم الاسلامي والجاليات المسلمة، وتشجيع الافكار السلفية والمتعصبة ضد الشيعة خصوصا. من ناحية ثانية، استعنا بحليفنا شاه ايران لكي يدعم تأسيس الاحزاب والمؤسسات الدينية الشيعية في العراق ولبنان وباكستان وغيرها من البلدان. لكننا للأسف اضطرننا للتخلص من حليفنا الشاه عندما بلغنا المرحلة الثانية من المشروع، اذ دعمنا ولا زلنا ندعم خفية سلطة الملالي في ايران لكي تكتسب مشروعية اقوى كزعيمة دينية طائفية لشيعة العالم، مرادفة للعربية السعودية كزعيمة سلفية للسنة.
في اعوام السبعينات استفدنا  كثيرا من رود فعل المسلمين ضد الاحتلال السوفيتي لافغانستان،  وبالتعاون مع حليفتنا السعودية، استثمرنا الكثير من العناصر الشابة المسلمة الثائرة التي وافقت على التعاون معنا لمكافحة الوجود السوفيتي، وشرعنا من خلال عملائنا بتأسيس الحركات السلفية الاسلامية وعلى رأسها الطلبان والقاعدة. من يصدق بأن (ثقافة العمليات الانتحارية الاسلامية) نحن من ابدعها بواسطة لجاننا المختصة، ثم نجحنا من خلال عملائنا ببثها بين الاسلاميين الجهاديين لكي يمارسونها في عملياتهم الارهابية ضد اخوتهم المسلمين انفسهم!
كانت ذروة نجاحتنا في هذا المجال، ما يسمى  بـ(كارثة 11 سبتمر 2001). نعم ان عملية تدمير البرجين في نيويورك كانت من صنع(القاعدة)، لكننا نحن من صنع القاعدة، ونحن من هيأ كل اسباب نجاح هذه العملية. فبأسم مكافحة الارهاب الاسلامي، تمكننا من استعادة كل قوانا وتنظيم صفوفنا وابعاد وتصفية كل المعارضين لنا في داخل القيادات الامريكية والغربية، وحركنا اساطيلنا لغزو العالم بدأ من افغانستان ثم العراق.
 لا زالت هذا الحركات السلفية تخدم مشروعنا بصورة مباشرة او غير مباشرة من خلال مساهمتها الفعالة في تدمير العالم الاسلامي وتأجيج التناحر الدامي مع الشيعة. اننا تمكنا من خلق شبكات بعيدة عن الشبهة رغم تبعيتها السرية لنا، لكي تغذي وتدعم ماليا وعسكريا ومخابراتيا هذه الحركات الاسلامية العنفية، لاننا ندرك انها بالحقيقة مهما صدقت بمعادات الغرب وامريكا ومهما نجحت بقتل بعضا من جنودنا، الا ان مهمتها الاولى والكبرى تبقى محصورة في تدمير العالم الاسلامي واضعافه من الداخل، ومنحنا كل التبريرات لكي نبعد معارضينا ونمارس هيمنتنا على العالم بحجة مكافحة الارهاب!
وكانت الخطوة الاخيرة في مشروعنا التدميري للاسلام، تتمثل في احتلال العراق لتحويله الى ساحة للصراع الدامي والشامل بين القطبين الشيعي والسني.(هذه النقطة العراقية الخطيرة سوف نفصلها في الجزء الثاني الذي سينشر قريبا).
ثانيا، منع أي تقارب بين الجماعات القومية الاساسية التي تشكل الشرق الاوسط، من خلال دعم التيارات القومية العرقية المتعصبة ذات الاحلام الامبراطورية والتوسعية، مثل تيارات القومية العربية والايرانية والتركية والكردية. فتيار القومية العربية مثلا، قد لعب دورا كبيرا في تأسيس وبث ثقافة الحقد القومي المتعصب ضد جيران العرب من اتراك وايرانيين، وكذلك فرض ثقافة العزل والتغريب للجماعات القومية غير العربية التي تتعايش مع العرب في ذات اوطانهم، مثل الاكراد والتركمان والزنوج وغيرهم. لقد نجحنا في منع أي تفاهم وسلام بين الاكراد وشركائهم في اوطانهم، من خلال دعم الجماعات القومية الكردية المتعصبة والانفصالية ومدها بالسلاح والدعم المعنوي والاعلامي. ان لجاننا المختصة هي التي صنعت للأكراد تلك الفكرة الرومانسية عن(كردستان الكبرى) وضخت في متعلميهم تلك الأساطير القومية والأوهام الكبرى عن تراث قومي عظيم، ليس له أي اساس من الحقيقة الا في داخل لجاننا المختصة. بهذه الآيدلوجية القومية المتعصبة غذينا تلك الاحزاب والحركات التمردية الانفصالية في بلدان الشرق الاوسط من اجل اضعاف أي حكومة قوية قادرة على توفير السلام والاستقرار. لحسن حظنا ان الاكراد، رغم كل هذه التجارب الطويلة والكوارث المستمرة، لم يدركو حتى الآن ان الرابح الوحيد من كل هذه التمردات، نحن وحدنا، بالاضافة الى تلك القيادات القومية المدعومة من قبلنا. لا زالوا حتى الآن بكل حماس يقدمون انفسهم كوقود للمحارق القومية التي نطبخ عليها مشاريعنا.  
ثالثا، منع أي تقارب بين العلمانيين والمتدينين، من خلال دعم الاتجاهات المتعصبة والمتطرفة لدى الطرفين. اننا بالوقت الذي سخرنا كل امكاناتنا الاعلامية والثقافية والسياسية من اجل نشر الثقافة الغربية وتشجيع النخب العلمانية الحداثية، فاننا بنفس الوقت وبصورة غير مباشرة دعمنا دائما التيارات السلفية والمتعصبة من خلال التركيز الاعلامي على رموزها ونشاطاتها والتحالف مع العربية السعودية مركز السلفية الوهابية في الشرق. بل اننا كثيرا ما دعمنا التيارات اليسارية والماركسية لانها بعدائها المتعصب للدين تساهم بصورة فعالة في تغذية الانشقاق العلماني ـ الديني وتعمق التطرف. فمؤسستنا الاعلامية والثقافية هي وراء انتشار تلك الفضائيات المتحاربة والمتطرفة في العالم العربي: اما دينية سلفية ظلامية، أو حداثية تتبنى آخر الصرعات الغربية فنيا وثقافيا واجتماعيا.
رابعا، منع أي تقارب بين العرب(مسلمين ومسيحيين) واليهود. ان أي تقارب عربي ـ يهودي يمكن ان يشكل اكبر خطر على الهيمنة الغربية. يجب تذكر الحقيقتين التاليتين:
      ـ ان اليهود شرقيين بديانتهم وثقافتهم وانتمائهم واصلهم. بالاضافة الى انهم ظلوا خلال القرون الطويلة في تقارب وتحالف مع المسلمين وساهموا في صنع حضارتهم.
      ـ ان الجاليات اليهودية في بلدان الغرب نشطة ومهمة، واي تقارب عربي ـ يهودي، يعني ان تتحول هذه الجاليات اليهودية الى جاليات شرقية فعالة تخدم مصالح الشرق وحضارته المنافسة للغرب.
 لهذا فأن غايتنا الاولى والكبرى من تكوين اسرائيل ودعم وجودها وقوتها، ان تقوم بدور القوة الشريرة المانعة لأي تقارب عربي ـ يهودي. اننا نبذل كل امكانياتنا لكي نخلق التوتر الدائم بين الطرفين، وندعم بصورة خفية العناصر المتعصبة، ونغذي القوى العسكري الحربية لديهما ونشيع النميمة والاحقاد في وسائل الاعلام. فنحن الذي كنا ندعم بصورة غير مباشرة الجماعات الفلسطينية المتطرفة من امثال ابو نضال، الذي ساعدنا بتصفية الكثير من الكوادر المثقفة والسلمية الفلسطينية. ونحن ايضا جهدنا بكل امكانياتنا لكي نفشل انتفاضة الحجارة لانها كانت سلمية ومناقضة لكل سياستنا بتأجيج العنف، واقنعنا اسرائيل لكي تتفق مع عرفات، حتى نجحنا اخيرا بتسهيل عملية فوز حماس الاسلامية والاستحواذ على غزة لكي يدوم الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني، والاسرائيلي ـ الفلسطيني. لكننا بنفس الوقت نحرص على ان نوحي للجميع بأننا نفعل المستحيل لكي نقارب بينهما، وبين حين وآخر نمارس مسرحية دبلوماسية اعلامية للتوسط بينهما، تنتهي عادة بالفشل وديمومة الصراع!  بفضل سياستنا هذه، نجحنا في منع أي تقاري عربي يهودي، وبنفس الوقت تخلصنا من ازعاجات اليهود وعدائهم التاريخي للمسيحية وللغرب من خلال تحويل هذا العداء ناحية العرب، اخوتهم في الدم والتاريخ.
خامسا، منع أي تقارب مسيحي ـ اسلامي في الشرق الاوسط ، خصوصا في(لبنان، والعراق، ومصر)، من خلال دعم العناصر المتعصبة لدى الطرفين، وتشجيع التوترات والحروب والمذابح بينهما. والعمل على خلق نخب مسيحية دينية وعلمانية مرتبطة تماما بالغرب وتشعر بأن مسيحيتها تعني بأنها غربية وليست شرقية. وكذلك تشجيع الهجرة المسيحية الى بلدان الغرب وفتح الابواب لهم. للأسف اننا لم ننجح بتنفيذ مشروعنا بتكوين دولة مسيحية في لبنان لتكون مركز تجمع مسيحي الشرق، على غرار اسرائيل. بصورة لم نتوقعها تراجع القادة المسيحيين عن اتفاقاتهم معنا. ان هدفنا النهائي من هذه السياسة يهدف الى تفريغ مجتمعات الشرق من الوجود المسيحي (بعد ان افرغناها من الوجود اليهودي بتكوين اسرائيل)، وكذلك من باقي الاقليات الدينية، لكي يصبح شرقا مسلما بكل معنى الكلمة. ان وجود اليهود والمسيحيين وباقي الجماعات الدينية وتعايشهم مع المسلمين، يصعب علينا كثيرا مواجهة الشرق واتهامه بالتعصب والتخلف ومعادات الغرب لأننا مجتمعات مسيحية ويهودية!  اننا نبتغي ان يتحول الشرق الى اسلامي 100% لكي تسهل علينا مهمة اقناع شعوبنا ونخبنا بمواجهة هذا الشرق ومعاداته باعتباره قوة اسلامية كاملة خطرة.
ـــــــــــ
ترقبوا الجزء المتبقي الخاص بالعراق

20
حملة للتوقيع على
نداء مثقفين عراقيين من أجل تشكيل حكومة موسعة

ها قد مرت اكثر من ستة اشهر على ظهور نتائج الانتخابات، وكان المؤمل أن تشكل على أساسها الحكومة والبرلمان والرئاسة ولكن حتى اليوم لم تشكل الحكومة والبرلمان معطل، وما يزال الوضع أكثر تعقيداً وتكتنفه الكثير من المخاطر والاحتمالات المدمرة!
 لقد خيب المنتخَبون  آمال ناخبيهم والشعب العراقي بانهماكهم في صراعات ومماحكات أظهرت مدى تعلق هؤلاء بمصالحهم الضيقة واهمالهم لمصلحة الناس والوطن، وقد أثار هذا امتعاض ونفور الشعب العراقي وملايين الناس بمن فيهم المراقبون في العالم  للوضع العراقي!
ونحن في الوقت الذي نعبر فيه عن تذمرنا وقلقنا لما يجري من هدر للوقت والطاقات والثروات جراء التسويف والمماطلة والاستعصاء في عملية تشكل الحكومة، نهيب بالأخوة في القائمتين العراقية وقائمة دولة القانون لكي يمضيا وبجدية وقوة أكبر للتباحث حول تشكيل الحكومة من قبلهما: العراقية بصفتها الفائزة الأولى في الانتخابات، ودولة القانون بصفتها القائمة التي تليها بالحجم والمكتسبة للخبرة  في إدارة الدولة في الدورة السابقة. وان يسعيا ليضما إلى تحالفهما أية كتلة أو قائمة  توافق على مشروعهما الوطني، خاصة ممثلي الكرد والتركمان وباقي اطياف شعبنا لتحقيق الوحدة الوطنية. إن تحالف هاتين القائمتين بينهما اولا  ثم مع القوى الأخرى هو الذي سيضمن لبلادنا حكومة وطنية قوية ذات برنامج متنوع ومتكامل وقاعدة شعبية. ان قيام مثل هذه الحكومة الموسعة وحده الكفيل بقطع الطريق على التدخلات الأمريكية والإيرانية وأية تدخلات خليجية أو أقليمية أخرى، ويضمن أسس المصالحة الوطنية ويبعد العراق عن الانزلاق ثانية في الحرب الطائفية!
نتمنى أن يحظى نداءنا هذا بأذان صاغية من قبل المعنيين وعموم اصحاب الضمائر الوطنية، ونأمل أن ينضم إليه مثقفون آخرون.
المبادرون بهذا النداء
إبراهيم أحمد : كاتب               سليم مطر: كاتب
الداعمون الاوائل
حميد الكفائي: كاتب وإعلامي                                الدكتور بارق شبر: خبير اقتصادي دولي
فراس القيسي  : مستشار شئون مالية                        موفق التكريتي: صيدلاني
الدكتور قاسم حمودي العكايشي: مهندس استشاري          جاسم المطير: كاتب
الدكتور غالب العاني:  طبيب                                   الدكتور جميل  طاهر : مهندس طيران
عبد الخالق كيطان : شاعر                             الدكتورة منى منى الصفار : باحثة في علم الجينات
عرفان رشيد : صحفي ومخرج سينمائي                 الدكتور بديع خلف : استشاري في الطب النفسي
تمارا الداغستاني :  مجال حقوق الإنسان               الدكتور كاظم الحبيب: خبير اقتصادي
 داليا العقيدي :  إعلامية                   القاضية زكية اسماعيل حقي : مجال حقوق الإنسان والمرأة والأسرة
توقيع هذا النداء على احد الرابطين التاليين:
  http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=240

   www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=95:2010-09-05-05-46-09&catid=43                             

21
من اجل مرجعية شيعية عراقية ـ عربية متحررة من ايران!
السيد السيستاني ايراني الهوى والانتماء، وعراقي السلطة والمال!!

سليم مطر/جنيف
آب 2010
يتوجب التوضيح منذ البدء ان هذا الموضوع لا يقصد ابدا التقليل من القيمة الانسانية والدينية لسماحة السيد السيستاني ولا المس بالمشاعر الشخصية. موضوعنا هذا لا ينطلق من دوافع طائفية او معتقدية معادية، فمن الناحية المذهبية انا شخصيا أنتمي لعائلة شيعية، ومن الناحية السياسية انا رافض للسلفية وللوهابية ولجميع المتعصبين من ثورچية وبعثچية ودعاة العنف. كذلك انا ضد الموقف القومي العنصري المعادي لشعوب ايران، لأني أؤمن بالانسانية وأدعو الى علاقات اخوية وتقارب وتوحد بين جميع شعوب الشرق الاوسط: ايرانيون واتراك وعرب. وانا يضا لست من المطبلين للحداثة والعلمانية المعادية للدين لأني أؤمن بالروحانيات وبالدور الحاسم والنافع للدين في حياة الانسان. وكتاباتي المنشورة تشهد على كل هذه الامور..
حتى فترة قريبة كنت عموما وبصورة تقريبية من المتعاطفين مع السيد السيستاني، باعتباره  يحمل الصفتين التاليتين:
1 ـ انه رجل ديني (ناسك وزاهد) بعيد عن طموحات النفوذ وفنون السياسة وموازين القوى. وان(المسكين) رغما عنه متورط برجالات السياسة العراقيين الذين يضغطون عليه للتدخل في امورهم التي تعافها نفسه.
2 ـ صحيح انه من اصل ايراني، الا انه ينتمي للعراق معيشة وثقافة، حيث يعيش في النجف منذ حوالي الستين عام.
لكني، وبعد تردد طويل ومراجعات ومتابعات مستمرة توصلت مؤخرا الى قناعة كافية الى اني كنت مخطأ بتقيماتي الايجابية هذه، وان السيد السيستاني بالحقيقة يحمل الصفات النقيضة تماما.  فهو:
 ـ اولا  ليس بزاهد متعبد بل رجل سلطة ومطامح شخصية..
ـ ثانيا،هو ايضا لا يرتبط بأية عاطفة خاصة بالعراق ولا بشيعة العراق، بل هول ايراني قلبا وقالبا.. وهاكم التفاصيل..
                        المرجع الاعلى، رجل سلطة ومال وليس بزاهد!
بالحقيقة ان الذي جلب انتباهي ذلك الخبرالذي سبق وإن نشرته في حينها جميع وسائل الاعلام عن اللقاء الصحفي الذي اجراه السيد السيستاني (في  14/9/2009)  من اجل الاعلان عن: (انه لا زال بصحة جيدة ويدحض الشائعات التي تقولت عن مرضه). وقد اثار هذا السلوك المناقض للعفة وللزهد عجب حتى اتباعه ومقلديه! فرغم كل الاهوال التي مر بها العراق في السنوات الاخيرة والاشكالات التي لا تحصى، فأنه  السيد وافق مرتين فقط على لقاء الصحفيين، اولهما كان في 24/8/2008 ، وثانيهما بعد عام.  وفي كلتا الحالتين، ليس من اجل قضية كبرى تهم الشعب العراقي او شيعة العالم، بل فقط لكي (ينفي) شائعة مرضه ويؤكد سلامة صحته وقدرته على الحفاظ على سلطانه!!؟؟
ثم قادني هذا الامر، الى التفكير المنطقي التالي:
ـ انه من المستحيل على السيد السيستاني وعلى كل من يتقلد المرجعية العليا ان يكون زاهدا متعففا. والسبب بسيط جدا ومنطقي وانساني تماما: ان (المرجع الاعلى) مثل كل زعيم لمجموعة بشرية، سواء كانت طائفة او عشيرة او نقابة او حزب او جمعية ثقافية او حتى رابطة نسوية، فأنه لا بد ان يتمتع بخصال  (رجل السلطة) بالمعنى الحرفي للكلمة. ان قيادة اية جماعة بشرية مهما كانت صغيرة او كبيرة، يتطلب الكثير من الحنكة والصبر والمراوغة والقدرات الاقناعية والدعائية، وخصوصا الدهاء من اجل التغلب على المنافسين. أي ان (المرجع الاعلى) مثل جميع رجالات السلطة على مر التاريخ، حاله حال البابا الكاثوليكي مثلا، لا بد ان يطمح الى النفوذ ويتقن اللعبة السياسية. لأن الزهد والتنسك يفرض العزلة والتفرد وهجر مغريات الحياة المادية والمعنوية. لهذا من المستحيل ان تكون (مرجعا اعلى) وانت متعفف وزاهد. ان من يطلع على تفاصيل وآليات مرجعيات الشيعة يكتشف بأن (منصب المرجع الاعلى) لا يختلف عن باقي المناصب السلطوية الدينية والحزبية او الادارية في جميع انحاء العالم. فأول الشروط واصعبها ان يكون هنالك اجماع شيعي عام على اختيار (المرجع الاعلى) من بين العديد من (المنافسين) من آيات الله الكبار. وهذا الانتصار على المنافسين لا يمكنه ابدا ان يتم بالتعفف والتنسك والعزلة، بل يتطلب من آية الله العمل مثل أي زعيم حزب سياسي، ليل نهار من اجل كسب الاتباع والمقلدين في جميع انحاء العالم الشيعي. وهذا الكسب(الجماهيري والنخبوي) يتطلب الجهود الجبارة تنظيميا وتثقيفيا واتصاليا، من خلال الزيارات وارسال المندوبين ومنح المساعدات واقامة المشاريع وغيرها من النشاطات الاعلامية التي لا تختلف عن اية نشاطات اعلامية وشعبية وكسبية يمارسها أي زعيم جماهيري. فأين التعفف والزهد من كل هذا؟! من المعلوم ان آية الله، كلما كثر اتباعه ومقلديه كلما كثرت اموال (الخمس والزكاة والتبرعات) التي يجنيها منهم. وكلما كثرت امواله، كلما زادت مشاريعه الدعائية(مؤسسات دينية وخيرية) التي تزيد من سمعته وتكسب له اتباع ومقلدين اكثر واكثر، وهكذا دواليك. 
والغريب في الامر، والمعيب والمناقض تماما لكل اداعاءات التنسك والعفة، ان هذه الاموال الطائلة التي تقدر بملايين الدولارات سنويا التي يجنيها المرجع، تعتبر ملكا شخصيا له ويرثها من بعده ابنائه!!!؟؟؟
اكرر ان هذه الملايين التي يجنيها المرجع سنويا تعتبر ملكا شخصيا له ويرثها ابنائه من بعده!!!!؟؟؟؟؟؟ فأين الزهد والتعفف في كل هذا؟؟
 بل يحق لنا ان نقول قانونيا وضميريا ان بابا الكاثوليك اكثر زهدا وتعففا من مرجع الشيعة، اذا لا يحق للبابا ان يمتلك عائدات المسيحيين بل هي ملكا عاما لدولة الفاتيكان!!
هنالك الكثير من الشيعة من يعتقدون بأن الامام الشهيد(الامام محمد باقر الصدر) الذي اعدمه صدام عام 1980، كان قد حكم عليه بالاعدام المعنوي من قبل مراجع الشيعة انفسهم الذين كانوا يمقتوه اكثر من صدام، لأنه تجرأ ودعى الى خلق مؤسسة رسمية شعبية تدير اموال الشيعة ولا تبقى ملكا شخصيا للمرجع. وقد سمى مشروعة هذا بـ(المرجعية الرشيدة). اذن، هذه الحقيقة المنطقية تفسر لنا كيف ان سماحة السيد السيستاني لا يختلف عن زعمائنا السياسيين والماليين، إذ ان الشيء الوحيد الذي يهمه هو الابقاء على صورته السلطوية وسمعته وتأكيدات قوته وصحته وسطوته المالية!
  يتوجب التوضيح، اننا ابدا لسنا ضد ان يكون الانسان رجل سلطة وسياسة وصاحب طموح ونفوذ، حتى لو كان في المجال الديني. ان الحياة تحتاج الزعماء واصحاب النفوذ كما تحتاج الزهاد والنساك. لكننا ضد ان يحاول رجل السلطة والنفوذ الادعاء والايحاء بانه زاهد متعفف!! فهذا يعتبر خداع وضحك على المؤمنين الشيعة ومخالف للتعفف الديني والضميري.
ونطرح السؤال التالي على سماحة السيد السيستاني:
اذا انت فعلا زاهد ومتعفف عن ماديات الحياة، ما الذي يمنعك ان تبادر بجعل الملايين التي تأتي بأسمك سنويا ملكا لمؤسسة خيرية شيعية رسمية ومنتخبة من المؤمنين الشيعة، بدلا ان تبقيها هكذا تحت تصرف ابنائك ومحازبيك!!؟؟
السيستاني ايراني الهوى والانتماء، وعراقي السلطة والمال!!
     ان ذالك الاكتشاف الاولى حول ادعاء الزهد، قادني الى اكتشاف حقيقة ثانية كانت مخفية اكثر رغم انها لا تتطلب منا غير مراجعة سريعة للموقع الشخصي لسماحة السيد، وعنوانه: www.sistani.org
   ان مطالعة المعلومات الواردة في هذا الموقع تصيبنا بالذهول لاكتشافنا بالتفاصيل والارقام شدة التعلق(ان لم نقل التعصب) الذي يحمله السيد السيستاني ازاء (بلاده ايران)، ومدى التعامل(الثانوي) ان لم نقل الاستهانة والاستخفاف بالعراق وشيعة العراق!!
     فرغم السنوات الستين التي امضاها سماحته في العراق (النجف) التي هي مركز نشاطه وتربيته وحياته وسلطته والملايين من اموال الخمس والزكاة التي يكسبها من شيعة العراق، الا  ان علاقته واهتمامه بالعراق ظل ثانويا جدا جدا مقارنة بايران! فلو طالعنا قسم (المراكز والمؤسسات)، لاندهشنا من ان الغالبية الساحقة من المشاريع المقامة هي في ايران. فمن بين (40) مشروع ثقافي ـ ديني هنالك:
ـ في ايران وحدها(27) مشروع. وفي العراق فقط(9) مشاريع! وواحد في كل من الهند وباكستان ولبنان ولندن.
اما لو طالعنا قسم (الخدمات الاجتماعية) فسوف تتفاقم دهشتنا الى حد الذهول، فمن بين13 مشروع خدماتي(مجامع سكنية لطلاب الحوزات ومستشفيات ومستوصفات)، ليس هنالك ولا حتى مشروع واحد خارج ايران. نكرر ليس هنالك مشروع واحد خارج ايران!!!!!! نعم جميع المشاريع الخدمية لمكتب السيد السيستاني فقط في ايران وحدها!! هنالك ربما شبه استثناء، فمن بين هذه المؤسسات الـ(13) مؤسستين لمساعدة للاجئين العراقيين والافغان، لكن  في ايران ايضا!
والاكثر طرافة، رغم ان مقر السيد في النجف، الا انه لا يمتلك في العراق الا مكتبا واحدا، مثلما له ايضا مكتبا واحدا في دمشق. بينما يمتلك في ايران  مكتبان، في قم وفي مشهد. ثم الاكثر غرابة ان موقع الانترنت للسيد، عنوانه في ايران! تصور العجائب: انك تعيش في بلد وعنوان التراسل مع موقعك الشخصي في بلد آخر!  كل هذه المعلومات تجدونها في موقع السيد!
     هكذا بلغ الحال بأهل العراق، وبالذات شيعتهم: ان من يعيش بينهم كل حياته ويتمتع بتقديسهم وخضوعهم واموالهم، يبلغ به الاحتقار لهم والاستخفاف بكرامتهم، انه لا يبخل عليهم  فقط اموالهم التي كسبها منهم، بل حتى القليل من الثقة لكي يديروا موقعه الشخصي!!!!
ربما هذه الحقيقة، تفسر لنا سبب استنكاف السيد السيستاني عن قبول الجنسية العراقية، بعد ان عرضها عليه ابراهيم الجعفري باسم الحكومة العراقية عام 2004 .
                            السيستاني (مرشد الدولة) العراقية!
ان الضمير الديني والسياسي يطرح السؤال التالي علي السيد السيستاني: هل تتخيلون انه من الممكن في يوم من الايام  ان يوافق شيعة ايران بمختلف اصولهم وفصولهم وميولهم، على أن يكون (مرشد الدولة) اجنبي ، وبالذات عراقي الجنسية؟!  ان هذا كما تعرفون من سابع المستحيلات. بل ان رجل الدين الاجنبي او العراقي الاصل مهما على شأنه لا يمكنه ابدا ان يتقلد أي منصب ديني بارز ومؤثر في الوضع الايراني، ولو كان بسيطا.
وهذا امر طبيعي تتفق عليه جميع الاعراف والقوانين. فحتى العشيرة، يمكنها في حالات معينة ان تتقبل قيادة الغريب بشرط ان يعلن انتمائه الى العشيرة.  فحتى بلد مثل امريكا منفتح تماما على المهاجرين، لا يسمح  لأي شخص ان يشتغل حتى شرطي، ناهيك عن قاضي او مسؤول حكومي، ما لم يحمل جنسية امريكا وينتمي تماما الى ثقافتها وتاريخها واهلها. فمثلا  ان الرئيس اوباما، رغم نصفه الافريقي، فأنه من ام امريكية وقد ولد وعاش وتربى وتثقف في امريكا ولا يحمل اية جنسية غير الامريكية. نعم ان الدولة والمجتمع الذي يعتز بكرامته الوطنية مهما رحب بالاجانب فأن لا يسمح لهم ابدا ان يشتركوا بقيادته.
ومما يزيد هذه المشكلة حدة وتطرفا، ان السيد السيتاني ليس اجنبيا فحسب، بل هو ايراني. ومع كل اعتزازنا بشعوب ايران وايماننا الحقيقي بضرورة التقارب الانساني والاخوي بيننا، الا انه من سوء الحظ ان (دولة ايران) منذ فجر الخليقة ظلت على علاقة استحواذية واستعمارية وغيرية وحسودية ازاء العراق، لاسباب تاريخية وجغرافية وثقافية سبق وان كتبنا عنها. بل حتى لو نسينا التاريخ، فأن السنوات الحالية كافية للحكم على سلبية الدولة الايرانية ازاء العراق وشيعة العراق، وهذا موقف يجتمع عليه 90 % من العراقيين بمختلف ميولهم وطوائفهم واصولهم.
ـ لا تقل لنا يا سماحة السيد، بأن دوركم كـ(مرجع اعلى) ليس له اية مقارنة مع دور(مرشد الدولة). انتم تعرفون جيدا بأن دور مرشد الدولة الايرانية(السيد خامنئي) لا يختلف الا شكليا عن دور سماحتكم. فأنتم منذ عام 2003 تقومون بصورة شبه فعلية بدور (مرشد الوضع السياسي العراقي)، على الاقل بالنسبة للاحزاب والقيادات الشيعية العراقية؟! فأنتم مثلا من منح الشرعية والمقبولية للاحتلال الامريكي. وانتم من منح الشرعية والمقبولية للقيادات والتجمعات الشيعية الحالية وخصوصا في الانتخابات الاولى. وانتم من منح الشرعية والمقبولية لتشكيلة الدولة العراقية الحالية. ودوركم المرجعي الاول يجعلكم تمنحون الشرعية اما بصورة مباشرة من خلال الفتاوى الرسمية، او من خلال تصريحات نوابكم، او حتى من خلال سكوتم عن الامور المهمة.
ـ لا تقولوا لنا بأنكم كـ (مرجع اعلى) معني بامور كل شيعة العالم بما فيهم شيعة العراق. هذا غير صحيح ابدا، فأنتم حتى الآن لم تلفظوا كلمة واحدة بخصوص كل احداث ايران. ولم تلفظوا كلمة واحدة تتعلق بأي اية طائفة شيعة في العالم اجمع، وكل تدخلاتكم تتعلق فقط بالعراق!
                                  أجنبية السيستاني سبب سلبيته
نحن ابدا لسنا ضد ان يتدخل رجل الدين، مهما كانت طائفته،  بأمور السياسة والوطن، لكن على شرط ان يكون ابن الوطن وينتمي اليه ويحمل جنسيته. ان عدم انتماء السيد السيستاني  الفعلي الى العراق لا يتعلق فقط  بالقيمة المعنوية الرمزية الوطنية، بل له تأثير حاسم على علاقته وفهمه واحساسه بالوضع العراقي. بكل تأكيد ومن المعقول جدا جدا، انه لو كان فعلا  من ابناء العراق الحقيقيين، لكان دوره القيادي اختلف تماما تماما عن دوره الحالي. ان شعور السيد السيستاني العميق بأنه لا زال اجنبي ومرتبطا روحيا وعمليا  بايران، هذا بحد ذاته يسبب له ضعفا معنويا داخليا، ويجعله يتردد كثيرا في مواجهة القوى العراقية والتأثير الحاسم والحقيقي على الوضع.
ان اجنبية وايرانية السيد السيستاني هي التي تسبب هذا الغياب العجيب لأي منطق واضح في تدخلاته بالوضع العراقي. حتى الآن جميع المراقبين لا يستطيعون تحديد المنطق الذي يتبعه في اختيار المسائل التي تسمحه له بالتدخل فيها. فهنالك امور صغيرة يتدخل بها وامور كبيرة جدا يصمت عنها! خذوا مثلا، ما حصل في نهاية العام الماضي(2009) من كوارث دموية وفضائحية هزت الوطن بأكملة، ونعني بها (فضيحة سرقة مصرف الزوية) (وتفجيرات الاربعاء الاسود). فالغريب ان السيد السيستاني في نفس هذه الفترة التي انتظر فيها الناس أي كلمة منه  حول الأوضاع المأساوية، اذا به يخرج لنا بفتوى عجيبة غريبة لم تخطر ابدا على البال، تتحدث عن (ضرورة اجراء التعداد السكاني)!!
من آخر الامثلة على (عدم احترام) السيد السيستاني للوضع العراقي وتحسس مشاكل الشعب، هي تلك الخفة الغريبة التي اعلن فيها خلافه مع الغالبية الساحقة من المسلمين وحتى مع الكثير من مراجع الشيعة، وقرر ان يكون (عيد الفطر) يوم الاثنين بدلا من الاحد مع باقي المسلمين. وكأنه بموقفه السطحي والمتسرع هذا اراد ان يساهم في ديمومة الانقسام الطائفي في العراق!
                           من اجل مرجعية شيعية عراقية ـ عربية
كل هذه الحقائق المؤلمة التي تعاني منها المرجعية ويتحمل نتائجها شيعة العراق بصورة خاصة، بالاضافة الى شيعة البلدان العربية. وتبقى ايران هي المستفيد الوحيد منها. فأن (سوء حظ) شيعة العراق والعالم العربي، هو الذي جعل ايران تهجر التسنن في القرن السادس عشر لتتبنى التشيع وتصبح زعيمة شيعة العالم. وبالتالي يتحمل شيعة العراق والعالم العربي وزر السياسة الاستحواذية للدولة الايرانية التي لا تكف عن استخدامهم ورقة مقايضة في طموحاتها التوسعية.
لهذا فأنه من مصلحة شيعة العراق واهل العراق ان يهجر السيد السيستاني بلادنا، ويرحل الى مدينة (قم) مركز التشيع الايراني، لكي يحل محله في (النجف)  احد مراجع الشيعة العراقيين.
ان هذا المطلب ليس نزوة او فقاعة اعلامية، بل هو مطلب واقعي وطني جاد ويعبر عن مشاعر غالبية العراقيين بما فيهم الشيعة المؤمنين، لأنه يستند الى المبررات المهمة التالية:
 1 ـ من اجل اعلاء الهوية الوطنية لشيعة العراق والبلدان العربية، ودفع (تهمة التبعية لايران) التي يشهرها اعدائهم ضدهم.
2ـ من اجل ان يحس شيعة العراق والدول العربية بنضوجهم وأهليتهم لقيادة انفسهم بأنفسهم بعيدا عن هيمنة الاخت الكبرى ايران!
واخيرا نكرر اقتراحنا الذي سبق وان ذكرناه في كتابنا (الذات الجريحة)، بأننا مع ان يكون هنالك مرجعيتان شيعيتان في العالم: واحدة في (النجف) ويكون مراجعها من العراقيين(لا يهم ان كان عربيا ام فيليا ام تركمانيا ام شبكيا..) أو من شيعة الدولة العربية، وتكون مسؤولة عن شيعة العراق والعالم العربي. اما المرجعية الثانية فيكون مقرها في (قم) في ايران، وتكون مسؤولة عن شيعة ايران وعموم آسيا.
نؤكد انه من العار والتخلف ان يبقى ملايين الشيعة تابعين لنزوات وامزجة وطموحات ((افراد))!! مهما بلغت مكانتهم الدينية. من العار والتخلف ان يبقى الشيعة، الطائفة الدينية الوحيدة في العالم التي يقودها فرد وليست مؤسسة. كل الطوائف في العالم لها مؤسستها القيادية. انظرو الى الكاثوليك، لهم (دولة الفاتيكان) التي تنقسم الى اسقفيات وطنية خاصة بكل بلد فيه كاثوليك.. انظروا الى الارثوذكس، لهم قياداتهم ومراجعهم الكنسية الوطنية الخاصة في كل بلد والمستقلة عن بعضها تماما، فهناك كنيسة ارثوذكسية خاصة لكل من: الروس واليونان والرومان والاوكران والصرب.. الخ. انظروا الى المسلمين السنة، فهناك مؤسسة افتاء وطنية خاصة بكل بلد. نفس الحال بالنسبة لجميع الطوائف في العالم: البروتستان والبوذوين والهندوس، واليهود، وغيرهم. نعم كلهم لهم مؤسساتهم الدينية القيادية المنظمة والمراقبة بصورة جماعية ومدروسة. طيب لماذا على الشيعة ان يبقون وحدهم في هذا الكون، بلا مؤسسة دينية عقلانية ومنظمة تجمعهم وتقودهم. كيف يرضى العقل والضمير ان يقود الطائفة افراد يشروعون ويفتون ويوجهون الطائفة هكذا بكل فردية ومزاج شخصي من دون أي حسيب ورقيب وتنسيق جماعي ومؤسساتي. بل الانكى من هذا ان هؤلاء الافراد لهم كل الحق وبأسمهم الشخصي ان يجنون سنويا الملايين الملايين من ثروات الشيعة، ويتصرفون بهم بصورة شخصية بكل حرية ويورثونها لابنائهم!!!!!!؟؟؟؟
لنأخذ على مثال اخوتنا شيعة لبنان، فهم بكل مصاعبهم وعيوبهم، فأن مستوى تمسكهم بـ(كرامتهم الوطنية) كان افضل من مستوى العراقيين. فتراهم منذ عام 1969 شرعوا بتأسيس مؤسستهم الوطنية الخاصة بطائفتهم (المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى) وهي مؤسسة ديمقراطية منتخبة تضم رجال دين ومدنيين. لكن هذه التجربة الواعدة تهشمت مع الزمن بسبب تدخلات حزب الله وايران!
لنا عودة قريبة الى هذا الموضوع انشاء الله، آملين ان يساهم المثقفون العراقيون وخصوصا الاسلاميون في تطوير هذه الافكار والمشاريع التي يتوقف عليها مستقبل بلادنا وعموم المنطقة..

 
 

22
يا قادة اكراد العراق،
لا تضحوا بهذه الفرصة التاريخية النادرة!
سليم مطر/جنيف
تشرين الاول 2009
www.salim.mesopot.com

هاهو الوضع السياسي والانتخابي لبلادنا يشهد تعطيلا بسبب اصرار القيادات القومية الكردية على استغلال ورقة كركوك الى اقصى الحدود. علما بان هذه القيادات تدرك جيدا ان فصل كركوك عن العراق من سابع سابع المستحيلات، فلا سكانها العرب والتركمان يقبلون، ولا باقي العراقيين يقبلون، ولا الامريكان يقبلون، ولا الدول المجاورة تقبل. مع ذلك فأن هذه القيادات لا تكف عن الكذب على الناس واستغلال هذه الورقة، فقط من اجل ابقاء الاوضاع السياسية متوترة في العراق وفرض الشروط على الحكومة المركزية لجعلها تحت رحمتهم.
أن القادة القوميين، ونعني خصوصا السيدين الطلباني والبرزاني، في طريقهم لتضييع اكبر فرصة في التاريخ الحديث لتحقيق السلام والاستقرار والمستقبل الواعد للأكراد وعموم العراقيين. وهذه الفرصة قد وجدت مع التغيير التاريخي الذي يعيشه العراق منذ 2003. حيث توفرت للاكراد الظروف النادرة التالية:
 ـ ان جميع القوى العراقية المؤثرة كانت متحالفة ومتعاطفة مع الاكراد.
ـ ان الغالبية الساحقة من العراقيين كانت متعاطفة مع الاكراد ومع حقوقهم.
ـ ان القيادات الكردية امتلكت ادوارا حاسمة ورئيسية في التغيير وفي قيادة الدولة التي اعقبته.
ـ ان الادارة الكردية  في الشمال كانت اقوى من الدولة العراقية، فهي منذ اعوام التسعينات تبني نفسها وتركز مؤسساتها، بينما الدولة المركزية قد تم تحطيمها من قبل المحتلين.
كل هذه الشروط والظروف كانت لصالح الاكراد وقضيتهم وكانت فرصة نادرة سوف لن تتكرر في التاريخ لا في العراق ولا في أي بلد آخر يعيش فيه الاكراد. لهذا فأن أية قيادة عقلانية ورصينة وحريصة فعلا على مصالح شعبها، كانت تستثمر هذه الفرصة النادرة في المنحى الايجابي العقلاني التالي:
ـ كسب العراقيين جميعهم والعمل على قيادتهم من اجل تحقيق الاستقرار والديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية. نعم ان هذه السياسة الوطنية الايجابية من قبل القيادات الكردية كان بالامكان ان تضع الاكراد وقضيتهم بصورة مؤكدة وثابته في قمة الهرم الوطني العراقي. وكان بالامكان ان تخلق اسسا صلبة وثابتة للحضور الكردي في الدولة وفي المجتمع العراقي.
لو كانت القيادات الكردية تمتلك الحد المعقول من الذكاء وبعد النظر، لبادرت الى فتح ابواب احزابها القومية الى جميع العراقيين وتحويل هذه الاحزاب القومية المغلقة على الاكراد وحدهم، الى احزاب وطنية عراقية ترفع شعارات وطنية توحيدية بدلا من القومية العنصرية التفريقية. يقينا لو انها قامت بهذه الخطوة الذكية والجريئة والرابحة، لأصبحت اكبر الاحزاب العراقية، ولتمكنت، ليس من قيادة اقليم كردستان وحده، بل العراق كله.
لكنها ويا للخيبة ويا للحسرة، لم تكن بمستوى هذه الفرصة التاريخية الكبرى، بل بقيت سجينة عقليتها الجبلية الانعزالية والمغلقة. فهي بدلا من الاستثمار الايجابي الضميري والوطني والانساني لهذه الفرصة النادرة، فأنها على العكس تماما، ركبها شيطان المصالح الانانية والتعنت القومي العنصري، مثلما ركب صدام وبعثه من قبل، وشرعت بممارسة سلوكيات عنجهية وطائشة ادت وتؤدي بالتدريج الى فقدانها كل الامتيازات التي توفرت لها خلال تلك السنوات. تراها بكل رعونية وغرور تزداد تطرفا بسياستها السلبية واللا عقلانية واللا أخلاقية واللا وطنية التي لا تجلب للأكراد غير الاحقاد والمستقبل المظلم. والأخطر من كل هذا، ان هذه السياسة السلبية العنصرية أفقدت الاكراد اكبر حليف تاريخي لهم: الشعب العراقي ونخبه!   
السياسة العنصرية الهوجاء
نعم، ان القيادات القومية الكردية، لأسباب مصلحية وطموحات شخصية ضيقة، قررت تضييع هذه الفرصة النادرة، من خلال السلوكيات التخريبية والسلبية التالية:
1ـ  رغم ان هذه القيادات تشارك بصورة فعالة في قيادة الدولة العراقية، الا انها لا تكف في وسائل الاعلام والتربية والتنظيم، عن تبني البرامج والتثقيف ضد هذه الدولة واعتبارها (تستعمر كردستان!!) والعمل على تقسيم هذه الدولة.  لهذا فأنها لا تكف عن تخريبها من الداخل وتعطيل القوانين والمشاريع الايجابية. والاكثر من هذا انها تمنع بصورة مطلقة أي حضور للدولة المركزية في الاقليم الكردي. وتتعامل مع الدولة وكأنها اجنبية بل خطرة عليها! والنتيجة ان جميع العراقيين ومعهم حتى المسؤولين في الدولة راحوا يرددون هذه العبارة المفعمة بالسخرية المرّة: ((كردستان لهم وحدهم، وباقي العراق يتقاسمونه معنا))!
  2 ـ رغم ان هذه القيادات تشارك بصورة فعالة في قيادة الشعب العراقي كله، الا انها لا تكف عن شحن الاكراد وحتى الاطفال منهم، ليل نهار، بالعنصرية ضد العراقيين وعموم العرب وجميع شعوب الشرق الاوسط، واستغلال جرائم حلبجة والانفال بصورة متطرفة وعدائية تشبه الى حد بعيد استغلال اسرائيل للهولكست. وتشيع الوهم بأن هذه القيادات في طريقها لتحقيق حلم (كردستان الكبرى)، بأنفصال شمال العراق وباقي الاجزاء الكردية في ايران وتركيا وسوريا. وكما يشخص بعض المثقفين الاكراد، ان سلوك هذه القيادات يشبه الى حد بعيد سلوك البعثيين ايام القائد الضرورة، الذين ما كفوا خلال اعوام طويلة عن الضحك على العراقيين وخداعهم بشعارات تحرير فلسطين والوحدة العربية من الخليج الثائر الى المحيط الهادر، وشحنهم ليل نهار بالعداء الساذج والبدائي ضد (الفرس المجوس) وضد الكويتيين والسعوديين والسوريين والاتراك والامريكان وغيرهم.
 3 ـ هذه القيادات لا تكف ليل نهار عن صرف الاموال الطائلة من اجل شراء ذمم السياسيين والمثقفين والاعلاميين العراقيين والعرب، ومعهم الكثير من المؤسسات الاعلامية والحزبية، فقط من اجل تبرير سياستهم العنصرية الانفصالية والبكاء على هولوكوستهم! لكن تبقى مشكلتهم انهم مهما صرفوا من الرشاوي لا يمكنهم الحفاظ على تعاون أولئك الاذلاء المساكين، لان صوت الضمير الوطني لا يمكنه السكوت عن تلك السياسة التخريبية ضد وطننا، ولا عن تلك الطروحات العنصرية ضد باقي الفئات العراقية.
4 ـ ان هذه القيادات القومية لا تكف عن التملق والتباكي الى الامريكان والتعاون السري مع اسرائيل من اجل اقناعهم بتدمير العراق واضعاف الدولة العراقية! بل هنالك شواهد تدل على انهم قد تعاونوا مع الارهابيين والطائفيين من اجل استمرار تخريب العراق وشق العراقيين، على امل ان تبقى ادراتهم اقوى من الدولة المركزية!
6 ـ ان هذه القيادات لا تكف عن توتير الاوضاع وخلق المشاحنات من اجل الاستمرار بسياسة التوسع العنصري في كركوك ونينوى وديالى، وتأجيج الجماعات العراقية ضد بعضها البعض.
ملخص القول ان هذه القيادات القومية العنصرية، قد جهدت بكل تهور وطيش الى تضييع هذه الفرصة التاريخية النادرة لتحقيق السلام والاستقرار للاكراد ولعموم العراقيين، ونجحت بدلا من ذلك في خلق العداوات ضد الاكراد وجعل دربهم المستقبلي مليئا بالمهاوي والمخاطر والاحقاد والحروب، وخسارتهم لأكبر نصير لهم ألا وهو الشعب العراقي ونخبه.
الانفصال المستحيل
نعم ان القيادات العنصرية الكردية ضحت وتضحي بهذه الفرصة التاريخية النادرة بتحقيق السلام والاستقرار للأكراد ولعموم العراقيين، بحجة تحقيق شعار: الانفصال عن العراق، ثم عن باقي بلدان الشرق الاوسط(تركيا وايران وسوريا) وتحقيق امبراطورية(كردستان الكبرى) من الخليج الثائر حتى البحر الهادر!
لكن هذه القيادات القومية الكردية تمتلك ما يكفي من الذكاء والمعلومات لكي تعرف جيدا انه ضمن المستقبل المنظور، يستحيل تماما تماما تحقيق ولو عشر هذا الشعار الامبراطوري الخيالي. ان الانفصال عن العراق يعتبر حاليا وحتى اشعار آخر، من المستحيلات. فلا امريكا موافقة، ولا الدول المجاورة تسمح بذلك.  بالاضافة الى ذلك، ان الانفصال عن العراق سوف لن يكون ابدا حلا لمشاكل الاكراد ولا لمشاكل العراق، بل على العكس تماما، سيكون بداية لمشاكل جديدة اعظم واكبر واكثر مأساوية ودمارا. لان الانفصال سوف يجر الى حروب لا تنتهي بسبب ما يطلقون عليه بـ(المناطق المتنازع عليها) وتشريد الملايين بسبب اندلاع الحروب الاهلية والعشائرية والعسكرية. بالاضافة الى حروب خطيرة ومدمرة مع الجيران الذين سوف لن يقبلوا ابدا بمنطقة كردية منفصلة تؤجج ضدهم اكرادهم.
نعم انهم بتهورهم وانانيتهم يضيعون هذه الفرصة التاريخية لتحقيق السلام والاخوة بين الاكراد وباقي العراقيين. كل هذا يدل على انهم لا يمثلون ابدا مصالح الاكراد، بل يمثلون مصالحهم الشخصية. لأنهم مثل كل القيادات المتجبرة العنجهية، من امثال صدام وهتلر، يعتبرون تجارة الاحقاد والحروب من اكثر المجالات ربحا.
لكن رغم كل هذا، نقول لهم ولكل اخوتنا ابناء النخب الكردية: ان الأوان لم يفت، وان من اعظم ميزات العراقيين قدرتهم الكبيرة والسريعة على تناسي الاحقاد وفتح صفحة جديدة من الاخوة والمحبة من اجل بناء وطننا المشترك... اعرفوا جيدا وتذكروا كلامنا هذا والتاريخ سوف يكون شاهدا: لا تعتمدوا على وعود اسرائيل لكم، فهي ستبيعكم كما باعكم شاه ايران من قبل. ان فقدانكم لتعاطف العراقيين والعرب وتضامنهم معكم، سوف يكون بداية النهاية لقضيتكم. ولا يغرنكم نفاق تلك الحفنة من السياسيين والاعلاميين العراقيين الذين باعوا ضمائرهم وراحوا يطبلون لكم. ان ضمير الشعب العراقي ونخبه لا يمكن تعويضه ابدا. فيا اخوتنا تحلوا بالواقعية والعقلانية ولا تفوتوا هذه الفرصة التاريخية.. على الاقل حبا بأطفال الاكراد وباقي العراقيين، الذين يستحقون مستقبلا مفعما بالسلام والاستقرار والمحبة...
 

 
 





23
ماهي: الهوية الوطنية العراقية؟!

سليم مطر/جنيف
تشرين الاول 2009 
 www.salim.mesopot.com

رغم سوداوية الاوضاع في بلادنا، فأن من يتمعن جيدا سيبصر عبر الدخان والضباب والعتمة، ثمة شمس وقمر ونجوم كثيرة شرعت بالتدريج تتلألأ، وهي تطمئننا على ان ليلنا في طريقه الى الانجلاء وان المستقبل القريب يبشر حقا بعراق جديد.. عراق الهوية الوطنية!
أن تجربة السنوات الماضية اقنعتنا جميعا ان الانتماءات الطائفية والقومية وحدها لا تجلب الا الاحتراب والخراب، وان (الانتماء للعراق ولهويته التاريخية والثقافية والانسانية) هو القاسم المشترك الوحيد الممكن لجميع العراقيين لتجاوز فروقهم الطائفية والقومية والمناطقية والمعتقدية.
نعم ان سنوات الحرب الطائفية كانت آخر انفاس الحقد الطائفي المتراكم منذ أجيال طويلة. كأن تلك الحرب الطائفية اللعينة بكل كوارثها ووحشيتها، كانت ضرورية للتخلص من قيح الاحقاد ودم المخاوف الفاسد الذي كان يسمم البدن العراقي منذ الحقبة العثمانية مرورا بتأسيس الدولة وصولا الى البعث وطيشه الطائفي والقومي .
اسس الهوية العراقية
من المعلوم ان جميع اوطان الارض قامت بفضل عاملين متكاملين : اولهما، توفر الواقع الجغرافي ـ التاريخي، وثانيهما، توفر الارادة الثقافية ـ السياسية:
1ـ الواقع الجغرافي ـ التاريخي: حيث ان غالبية الاوطان تكونت لوجود حدود جغرافية وبيئية طبيعية تعزلها وتميزها عن باقي الاوطان المحيطة.  فبلد مثل فرنسا هو شبه جزيرة معزولة عن باقي الاوطان بالبحار والسلاسل الجبلية والانهار. كذلك مصر حيث تتركز الحياة حول النيل وتفصلها الصحارى والبحار عن باقي الاوطان. كذللك تركيا وايران والصين والغالبية الساحقة من بلدان العالم.  طبعا هذه الوحدة الجغرافية لا تمنع من وجود مناطق بيئية محلية متمايزة داخل الوطن الواحد. فمثلا ان ابناء الوطن الذين يعيشون على البحر يختلفون عن اخوتهم الذين يعيشون في الجبال. نفس الحال بالنسبة للعراق، اذ يمكن اعتباره اشبه بواحة مسقية بالنهرين الخالدين معزولة عن باقي الاوطان بالبوادي والسلاسل الجبلية. لهذا فأن (بلاد النهرين) اسم واقعي يعبر عن الشرط المادي الجغرافي البيئي الذي اجتمع بفضله الناس منذ فجر التاريخ وتعايشوا وبنوا دولتهم وثقافتهم وروحهم المشتركة خلال آلاف الاعوام.
2ـ الارادة الثقافية ـ السياسية: لا يكفي للمرء ان يرث الاموال من اهله لكي يكون غنيا، بل عليه ايضا ان يمتلك الوعي الكافي للاستفادة منها. اذن إرادة الشعب ووعي نخبه المؤثرة تلعب دورا حاسما في الاستفادة من الشرط الواقعي لوجود الامة. ان المشروع الناجح هو الذي يجتمع فيه(الواقع مع الارادة التي تستفيد من هذا الواقع). 
إذن مشكلة العراق منذ تكوين الدولة الحديثة حتى الآن، تتمثل بالجهل الثقافي ـ السياسي  للنخب العراقية بواقع الهوية الوطنية الموروث، وعدم الاستفادة منه. فجميع الاحزاب ظلت منذ اكثر من قرن وحتى السنوات الأخيرة، مشغولة بمشاريع خارجية قومية وطائفية واممية منافية تماما للوحدة الوطنية. بل يمكن تشبيه الحالة العراقية بالنقيض التام للحالة الاسرائيلية. فأسرائيل لم تتأسس بالاعتماد على واقع وطني موروث، بل  تأسست من العدم وبالاعتماد  فقط على اسطورة توراتية وارادة سياسية عنصرية مدعومة دوليا. لكن تبقى هذه حالة استثنائية لا يمكنها ان تدوم.
التزامات الهوية العراقية
ان الهوية العراقية، مثل كل الهويات الوطنية في العالم،عرضة لسوء التفسير والتطرف والتعصب. فهناك من يعتقد بأن الهوية الوطنية لا يمكنها ان تقوم الا من خلال تغذية العداء والتعصب ضد الشعوب والجماعات المختلفة. لهذا يتوجب توضيح الالتزامات التالية:
1ـ الهوية العراقية انسانية ومسالمة. أي انها غير عنصرية ولا عدوانية، لا يمكنها ابدا ان تقوم على اساس(العداء والتحريض) ضد شعب آخر. فمن الخطأ الاعتزاز بالعراق من اجل تبرير الحقد وتأجيج العداء العنصري ضد الشعب الفلاني مهما كان:(الايراني او السعودي او الامريكي، مثلا). يمكن تبرير العداء لأنظمة واحزاب وافكار، لكن من الخطأ تبرير العداء للشعوب والجماعات الدينية والقومية مهما اختلفنا مع حكوماتها او قياداتها.
2ـ الهوية العراقية تنوعية. أي انها غير متعصبة لأن قوتها وحياتها تكمن في تقبلها واستيعابها للهويات المحلية الداخلية، الدينية والمذهبية والقومية والمناطقية. ان الهوية العراقية مثل البحيرة التي تصب فيها مختلف الانهار والغدران والسواقي بالاضافة الى الامطار، وكلها تذوب في مياه وطنية واحدة. يمكن للعراقي ان يكون عربيا او كرديا او تركمانيا او فيليا أو شبكيا أو شيعيا او سنيا او مسيحيا او يزيديا او بصراويا او مصلاويا او ساعديا، ويعتز بقوميته ومذهبه ودينه ولغته وثقافته ومحافظته وعشيرته، ولكن يتوجب عليه بنفس الوقت ان يشعر بأن خصوصيته هذه لا تتنافى مع انتمائه الأكبر للعراق، وان نهره او غديره او ساقيته يصب في بحيرة الوطن.
3ـ الهوية العراقية منفتحة على الخارج. أي انها غير مغلقة على ذاتها بل منفتحة على لا يمكنها الهويات الاقليمية المحيطة بها. يتوجب التذكير بأننا قد تعودنا على الشعور بالتناقظ بين الانتماء للهوية العراقية والهوية العربية. ان هذه الاشكالية تعود الى الفكرة السيئة التي اشاعها العروبيون باعتبار ان الانتماء الى (الامة العربية) يجب ان يلغي الانتماء الى العراق، لأن (الروح القطرية) مناقضة لـ(الروح القومية)!! بينما الحقيقة تقول اننا يمكننا بكل عقلانية ان نمنح هويتنا الوطنية ابعادا لهويات محيطة عديدة. ان العراق مثل أي بلد في العالم يمكنه ان ينتمي لهويته الوطنية وبنفس الوقت الى هويات كبرى مكملة: العربية والشرق الاوسطية والاسلامية والبحر المتوسطية والانسانية. فمثلا، ان الاعتزاز بالهوية الفرنسية او الالمانية لم يتعارض مع الانتماء الى الهوية الاوربية الكبرى. وان الاعتزاز بالهوية الارجنتينية لم يتعارض مع الانتماء الى الهوية الامريكية اللاتينية الكبرى. ان الاعتزاز بالهوية الاثيوبية او المصرية لم يتعارض مع الانتماء الى الهوية الافريقية. اذن يحق لنا القول ان الهوية الوطنية العراقية، يجب ان لا تتعارض مع الهويات الكبرى المحيطة بالعراق: العربية والشرق اوسطية والبحر متوسطية..
                                             الهوية العراقية والماضي!
ونعني بالماضي، هو (التاريخ). وهذه المشكلة تتمثل بعدم اتفاق الجماعات العراقية المختلفة على تاريخ وطني مشترك. فالعروبيون يؤكدون على الحقبة العربية ويستخفون بالحقب السابقة. والشيعة لا يرون من الحقبة العربية الاسلامية الا مظالم الأئمة ونكبات العلوية ويستخفون تماما بكل الابداع الحضاري العراقي في تلك الحقبة. كذلك السنة، يمارسون طائفيتهم بعقلية عروبية عنصرية تحكم بالاعجمية والشعوبية والتفريس على الغالبية الساحقة من الابداع الحضاري العراقي . اما القوميون الاكراد فحدث ولا حرج، فهم يعتبرون حتى النبي ابراهيم من اصول كردية، بالاضافة التكريد شبه الكامل للجزء الاعظم من التاريخ العراقي! كل هذه الانقسامات ازاء الماضي التاريخي بين الجماعات العراقية المختلفة تشكل العامل الحاسم في اضعاف الهوية الوطنية وتقسيم العراقيين سياسيا وروحيا. نعم ان الاتفاق على الماضي الوطني هو اساس الاتفاق على الحاضر، ثم على المستقبل طبعا. لحسن الحظ ان المشكلة في طريقها الى الحل البطيء، بعد ان بدأ مفهوم الهوية الوطنية يفرض نفسه ويكسب اعتراف غالبية العراقيين، وهنالك موجة تنمو مع الزمن من المؤرخين والباحثين العراقيين الذين يعيدون كتابة التاريخ  بروح وطنية انسانية متحررة من النعرات الطائفية والقومية العنصرية.
الهوية العراقية ومشروع المستقبل
ونعني بالمستقبل، هو (مشروع بناء الوطن)، والموقف من(الحداثة) التي تعتبر من اعقد المسائل واخطرها. وهي مشكلة لا تتعلق بالعراق وحده، بل بعموم البلدان النامية، بل هي صارت تعني حتى البلدان الغربية نفسها. اذ يوما بعد يوم راحت البشرية تطرح بصوت يتعالى اكثر واكثر السؤال الخطير التالي:
ـ هل الحداثة الغربية الرأسمالية الحالية مناسبة لتطورنا ام علينا ان نجد طريقا آخر اكثر عقلانية ووسطية وانسانية؟  هذا التساؤل الكبير يتضمن اسئلة كبرى عديدة:
ـ هل النظام الاقتصادي الليبرالي حقا مناسبا، ونحن نعيش انفجار الازمة الاقتصادية الحالية وانكشاف الفضائح والعيوب الكبرى في داخل هذا النظام؟
ـ هل نظام التصنيع الحالي حقا مناسبا، ونحن نعيش كل هذا التفاقم للتلوث ودمار البيئة الذي لم تشهد الكرة الارضية مثيله من قبل؟
ـ هل نظام العولمة وتوحيد السوق والاقتصاد في العالم حقا مناسبا، ونحن نعيش كل هذه السرقات المنظمة لثروات البلدان الضعيفة وعمليات الانمساخ الثقافي الكاسحة بسبب فرض الثقافة الغربية الامريكية على العالم اجمع؟
ـ  هل النظام الديمقراطي حقا ديمقراطي، ونحن نعيش كل هذه الحروب واجتياحات الاوطان والمؤامرات وعمليات التسليح الجنونية وتبرير الارهاب والعنف، كلها باسم الديمقراطية وحقوق الانسان؟
ـ هل العلمانية حقا علمانية، ونحن نعيش كل هذا التفسخ الاخلاقي والمعانات النفسية التي تعاني منها الاجيال الحديثة، بالاضافة الى ادراك الناس يوما بعد يوم في الغرب نفسه ان(الخواء الديني) قد خلق فيهم  خواءا روحيا ونفسيا مدمرا لا يمكن ان تملأه لا المخدرات ولا اللهاث الجنوني وراء المستهلكات التجارية والسياحية والجنسية؟
ملخص الحديث، ان الهوية العراقية، مثل كل الهويات الاخرى في العالم، مضطرة ان تواجه هذا السؤال الخطير المتلعق بالموقف من : الحداثة الغربية! وطبعا ان جزءا مهما من الحل ينبع من الوطن وخصوصيته وتراثه، ولكن يبقى الحل الأكبر لا بد ان يكون شاملا ومشتركا بين الانسانية جمعاء.
اخيرا نقول، ان الهوية العراقية مثل البستان الذي ورثناه من اسلافنا، لكننا اهملناه منذ اجيال وتناسينا تجديده وتخصيب اشجاره، وها نحن بعد كل هذه المعانات والكوارث بدأنا ندرك اهميته وشرعنا نعتني به ونخصبه ونسقيه لكي يستحق فعلا ان يكون (بستان الامة العراقية) المنبعثة من جديد!



 



24
الى اجيال الوطن الشابة: العراق الجديد، ثورة تبحث عن ثوار!

سليم مطر/ جنيف
آب 2006
www.salim.mesopot.com
www.mesopot.com


لقد قال الحكماء : لكل زمن رجاله..
لكنهم نسوا ان يضيفوا : ولكل زمن مخانيثه!!

   
    انه لخطأ كبير التوهم بأن المأزق الذي تعيشه الطبقة السياسية العراقية، منذ ستة اعوام وحتى الآن، يعود الى نواقص حزبية وتكتيكية وسوء الخطة الامنية وتقصير فلان وخيانة علان، وغيرها من الاسباب  التكتيكية العابرة. بل هو مأزق ستراتيجي تاريخي ومرض عضال مزمن وخطير متفشي في مجمل الطبقة الفاعلة في الوطن، على السواء انصار الوضع الجديد ومعارضيه، بجميع قياداتهم الحزبية والثقافية والدينية... ويمكن تلخيص هذا المرض العضال الخطير هكذا:
        انهم جميعا لا يدركون ولا يعترفون بأن البلاد منذ الاجتياح الامريكي عام 2003 تعيش ثورة كبرى في تاريخها الحديث. وان الوضع اكبر واخطر واعظم بكثير الكثير من كل برامجهم ومفاوضاتهم واتفاقاتهم والاعيبهم ومنافساتهم السياسية. انهم جميعا مثل المدرب الطائش الذي يصر على تدجين الاسد الضاري باعتباره كلبا سائبا!
      انظروا لهم، هؤلاء القادة الاشاوس، ببدلاتهم الغربية الزاهية المضحكة التي تشد على كروشهم المنتفخة، واربطتهم العريضة المبقعة التي تخنق عقولهم وضمائرهم قبل اعناقهم، وهم يوقوقون امام شاشات التلفزيون مثل الديوكة المنفوخة بينما ارجلهم في المزابل... هل هؤلاء المخانيث هم فعلا من يمثل شعبا يعاني الحروب والقمع والرعب والتهجير والتجويع منذ اكثر من ثلاثين عام؟! اية دولة بائسة يقودها رجال يزينون اصابعهم بمحابس الذهب والفضة ويمضون الساعات امام المرآة للتجمل والتعطر واتقان البوزات الذئبية التي ترعب المواطن اكثر من اعداء الوطن!؟ أي برلمان بلا خجل ولا ضمير، بكل دعوتيه وهاشميه ومجلسيه وصدريه وشيوعيه وعلاويه، يقبل واحدهم ان يكون راتبه ضعف راتب عضو الكونغرس الامريكي، وتبلغ بهم الوقاحة حد الادعاء انهم يمثلون شعبا ينهشه الموت والفقر والخراب؟!
ثورة بلا ثوار
سبق لنا في مقال سابق ان وضحنا قصدنا بـ(الثورة الحالية) التي يعيشها العراق منذ سقوط النظام السابق والغزو الامريكي عام 2003 . ان الثورة حالة تطور طبيعي محتم تمر بها الشعوب للانتقال من مرحلة الى اخرى. مثل الانسان الذي لابد ان ينتقل الى مرحلة عمرية جديدة، سواء ان كان راغبا بذلك ام لا. ان الثورة لا تعني بالضرورة العنف والدم، بل غايتها نقل (الدولة) و(المجتمع) و(العقلية السائدة) الى مرحلة جيدة ملائمة لتطوره واحتياجاته الطبيعية. لكن هذا التغيير في غالب الاحيان يكون بالضرورة مصحوبا بالعنف والدم، مثل الولادة التي لا بد ان يصاحبها الدم والالم والبكاء.
ان الثورة العراقية الاولى قد حدثت مع الاحتلال الانكليزي ونهاية الدولة العثمانية، وادت الى انبعاث العراق الى الحياة بعد انقباره خلال سبعة قرون، وتكوين اول دولة عراقية حديثة عام 1921. لكن تلك الثورة الاولى، لم تنجز (المشروع الوطني) كاملا، حيث ظلت الدولة معوقة ومريضة لانها لم تنجح بتمثيل جميع التنوعات العراقية المذهبية والقومية، بل بقيت حكرا على( العرب السنة). وهذا النقص لا يمكن ان يتحمله أي طرف وحده، بل جميع النخب السياسية والثقافية والدينية العراقية، كانت عاجزة عن ادراك اهمية(الهوية العراقية الشاملة). ان موت(الملك فيصل الاول) عام 1931 كان موتا لمشروع (الدولة الوطنية الممثلة للجميع)الذي كافح من اجله هذا الملك الحكيم. ان هذا التشويه (القومي ـ الطائفي) للدولة العراقية ظل المرض العضال الذي ينهش في جسم الدولة العراقية والسبب الخفي لجميع الانقلابات والحروب الداخلية والخارجية التي عاشتها بلادنا.
اما الثورة الثانية الحالية فهي ايضا اتت بواسطة غزو خارجي(امريكي هذه المرة). ومهما كانت نوايا المحتل الامريكي ومصالحه، فأن طبيعة المرحلة العراقية تفرض نفسها وتصبح امرا واقعا. ان تدمير الدولة العراقية البعثية ومؤسساتها وجيشها، لم يأت فقط نتيجة مخططات الامريكان وخيانة فلان وغباء علان، بل كان في اعماقه تعبيرا عن الموت الذي اصاب هذه الدولة القومية الطائفية البعثية بعد ان ظل ينهش بها سرطان الانعزال القومي والطائفي خلال اجيال واجيال. ان الثورة الحالية التي نعيشها منذ عام 2003، ما أتت الا من اجل اكمال المهمة الكبرى التي عجزت عن انجازها الثورة الاولى:
تجاوز الانعزالية الطائفية والقومية وخلق دولة عراقية تستند الى(هوية عراقية وطنية) تمثل جميع فئات الامة. والا فأن الوطن سيبقى بلا دولة حقيقية وينهش به سرطان التفرقة والحقد والفساد حتى الموت. نعم ان (ثورتنا الحالية) تستحق عن جدارة تسمية(ثورة الهوية الوطنية) لأنها في طور اكمال تكوين(الامة العراقية)، دولتيا واجتماعيا وعقليا.

وا حسرتاه، اصحاب القوط والاربطة والمحابس يقودون الثورة!
ان المشكلة الخطيرة التي تعاني منها هذه الثورة العراقية الحالية، كما الثورة السابقة، هي(غياب الوعي بها)، و(تجنب الاعتراف بها)!؟ وهذا يفسر حالة التخبط الكبيرة التي تسود القيادات السياسية والحزبية والدينية والثقافية، حكومية ومعارضة، لأنها مضطرة ان تعيش حالة ثورية ليست مؤهلة لها وغير قادرة نفسيا وثقافيا واخلاقيا على التعامل معها.  وسبب هذا الضعف يعود الى الدور الحاسم الذي لعبه الغزو الخارجي الامريكي(كما الانكليزي سابقا). فقيادات العملية السياسية الحالية لم تصعد الى سدة الحكم نتيجة مؤهلاتها ونضالاتها المريرة وقناعاتها الثورية الحقيقية، بل اتتها الدولة لقمة جاهزة لقاء التنازلات والالاعيب السياسية التي قدمتها للمحتل. لهذا تراهم عاجزين عن فهم الاوضاع ومتابعة الاحداث، مثل مراهق طائش وجد نفسه يصبح رب عائلة كبيرة وصعبة.  ان هذه الطبقة الحاكمة حتى الآن ومع كل التغييرات الكبرى لا زالت غير واعية للمرحلة التي يعيشها الوطن وهي حتى الآن محكومة بالهدف الوحيد السابق: ابعاد البعث والبقاء في السلطة!
والانكى من هذا، ان القيادات المعارضة للعملية السياسية، لا تقل سوءا وضعفا عن قيادات الدولة. فهي اما قيادات بعثية بتاريخها الملوث بالقمع والخيانة والدم، او قيادات اسلامية سلفية طائفية ومخترقة وتابعة لما يحصى من القوى الاقليمية والعالمية، من ايران يسارا، حتى الكويت والسعودية يمينا..
ان الاطراف الفاعلة في الوضع الحالي، لا زالت عقائديا وتطبيقيا على وضعيتها القديمة المنافية تماما لحاجات ومهمات الثورة الحالية:
ـ النخب الدينية، شيعية والسنية، لا زالت حتى على ثقافتها وعقائدها واحزابها الطائفية!
ـ النخب القومية(الكردية خصوصا)، لا زالت على ثقافتها وبرامجها القومية العنصرية والانفصالية!
ـ النخب العلمانية يسارية وليبرالية وعروبية، لا زالت حتى الآن على ثقافتها وبرامجها الحداثية المستوردة والتابعة والسطحية والمستهلكة!
ـ النخب المثقفة وبالذات الكتاب والصحفيين، لا زالوا بغالبيتهم، على تبعيتهم القديمة للقيادات السياسية المتحكمة بالدولة او المعارضة!
                                     المثقفون والثورة الحالية
نعم، ان ان ثورتنا الحالية مظلومة مثل طفل مولود من(علاقة غير شرعية)، فيتجاهله اهله انفسهم، ويخجلون من الاعتراف به، ولا يمنحوه حتى اسما او تربية وشخصية خاصة به!
ان التجاهل وعدم الاعتراف بهذه (الثورة العراقية) ادى ويؤدي الى غياب تام لأي فكر وبرنامج خاص بهذه الثورة. وان غياب مثل هذا الفكر والبرنامج الثوري، ادى ويؤدي الى استحالة وجود قادة ثوريين واعين ومؤمنين بمشروع التغيير الثوري الكبير الذي يعيشه الوطن.
ان الثورة لا يمكن ان تستمر وتنجز مهماتها من دون ثقافة وبرنامج ثوري يجعل قادة الدولة والمجتمع يؤمنون ويهتدون به في برامجهم وممارساتهم. ان التغييرات الكبرى في الوطن لا يمكنها ان تتم دون ثقافة تهيئ وتفسر وتدفع الناس لانجازها. 
ان مشكلة هذه الثورة الثانية، انها مثل الثورة الاولى، تعاني من ضعف وتقاعس واهمال النخب المثقفة في صنع افكارها ومشاريعها وبناء العقلية الوطنية الوسطية المطلوبة، والتي تبتغي احداث التغييرات الثقافية الثلاثة التالية:
1ـ بدل الثقافة الاسلامية الطائفية، خلق الثقافة الاسلامية  الوطنية الجامعة:  لا زالت حتى الآن غالبية الاحزاب الفاعلة تعاني من تكوينها الطائفي عقائديا وتنظيميا. من المستحيل تجاوز المحاصصة الطائفية في الدولة ما دامت موجودة في الاحزاب انفسها. اذا كانت الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية، غير قادرة على تجاوز طائفيتها والتحول الى احزاب اسلامية جامعة لكل الطوائف، فكيف يمكنها ان تجعل الدولة تتجاوز الطائفية؟! ان من اهم مهمات المثقفين العراقيين، وخصوصا الاسلاميين منهم، العمل على التنظير والتفكير والتبشير بفكر اسلامي عراقي وطني جامع للشيعة والسنة. ان هذه الثقافة الاسلامية الوطنية وحدها القادرة على تحويل الاحزاب الطائفية الى الى احزاب اسلامية وطنية. وبالتالي الغاء الطائفية من الدولة والمجتمع والثقافة.
2ـ بدل الثقافة القومية العنصرية، خلق الثقافة الوطنية المعبرة عن جميع قوميات الوطن: لا زالت حتى الآن الاحزاب القومية وبالذات الكردوية تتمسك وتتطرف اكثر واكثر في طروحاتها  وممارساتها القومية العنصرية والانفصالية. وهذا التقصير ايضا يعود الى دور المثقفين العراقيين، لأنهم منذ اعوام طويلة كانوا بغالبيتهم الساحقة يتبنون وينضرون للفكر القومي، سواء منه العروبي او الكردوي. وظلت الطروحات الوطنية العراقية تعامل بصورة سلبية وتكال لها تهم(العراقوية والقطرية والشعوبية). وظل الشيوعيون مثلا، رغم كل ادعائاتهم الاممية والطبقية، من اشد المدافعين والمبررين للتعصب القومي الكردوي. ان من افدح اخطاء المثقفين العراقيين والنخب الوطنية، انهم اهملوا خلق تيار كردي وطني عراقي يقف بوجه الطروحات القومية العنصرية الانفصالية المسنودة من اسرائيل سياسيا وثقافيا وماديا. ان التثقيف والتنظير لـ (الهوية الوطنية العراقية)  والتبشير بمفهوم (الامة العراقية) الجامعة للطوائف والقوميات، اصبح مهمة كبرى يتوقف على انجازها وجود العراق بأكمله.
3 ـ بدل الثقافة الحداثية الغربية، خلق الثقافة الوسطية الواقعية: ان من اكبر معضلات العقلية العراقية منذ اكثر من قرن وحتى الآن، هو التمزق بين ثقافتين متعارضتين متناحرتين:
           ـ الثقافة التقليدية الشعبية الدينية الموروثة/ الثقافة الحداثية الغربية المستوردة
ليست المشكلة في وجود مثل هاتين الثقافتين القديمة والحديثة، فهذا امر طبيعي موجود في كل زمان ومكان، بل حتى في اوربا نفسها. لكن المشكلة في مجتمعنا العراقي (كذلك في عموم العالم العربي والاسلامي والثالثي)، تتجلى في عمق الهوة الكبرى التي تفصل بين هاتين الثقافتين، بحيث ان هنالك صراع تناحري وحشي ودامي لا يفسح المجال لاي تفاهم وحوار وتواصل بين هاتين الثقافتين. وهذا الوضع المتوتر خلق نوعا من الشيزوفيرنيا الانفصامية في الشخصية العراقية، بين الانتماء للتاريخ والاهل والدين والميراث، والانتماء للحداثة الغربية بكل تفاصيلها المادية والثقافية والشكلية. وهنا بالضبط يأتي دور (الثقافة الوسطية المعتدلة) لكي تكون اشبه بالجسر بين هاتين الثقافتين المتناحرتين. ان من ميزات الثقافة الوسطية:
 1ـ الوسطية وطنية، رافضة للطائفية والقومية العنصرية، مع احترام حقوق جميع الفئات واشراكها في الدولة. 2 ـ الوسطية تحترم الاصالة والتراث والخصوصيات المحلية والدينية والمناطقية، وبنفس الوقت تتفتح على الثقافة الحداثية والتقنيات الضرورية. 3 ـ الوسطية ترفض العنف بكل اشكاله ومهما كانت مبرراته وحججه، وتدعو الى الكفاح السياسي والثقافي الشعبي والسلمي. 4 ـ الوسطية ترفض الخنوع والتطبيل للمحتل الامريكي، ولكنها في نفس الوقت تؤمن بالواقعية فتعمل على تجنب مواجهتهم بالحرب الفاشلة المدمرة، بل تبقي على الحوار الدائم معهم ومحاولة الاستفادة منهم في حماية الوطن واستقراره. 5 ـ الوسطية تؤمن بأن وحدة العراق واستقراره تعتمد اساسا على وحدة الشرق الاوسط واستقراره(ايران وتركيا وبلدان الشام ومصر والسعودية والخليج)، لهذا فأن من اولى المهمات احياء مشروع (السوق الشرقأوسطية المشتركة).6 ـ الوسطية تؤمن بأن العراق مثل الكثير من بلدان العالم الثالث(مثال مصر وتركيا والجزائر)بحاجة الى دور الجيش الوطني ليكون مراقبا محايدا على صحة سير العملية السياسية ووحدة الوطن وامنه، ويمكنه التدخل لايقاف وتصحيح أي خروقات او تهديدات.   
                                         في أنتظار الرجال!
يا ايها المثقفون العراقيون.. ايها المستقلون.. يا شباب حزب الدعوة والمجلس الاعلى والاسلامي والوفاق والصدر والشيوعي والصحوات ونخب الاكراد والتركمان والسريان وجميع فئات الوطن.. ايها الاداريون وقادة القوات المسلحة.. ايها البعثيون والمقاومون والرافضون للعملية السياسية.. يا جميع الحريصين على سلامة العراق وكرامته ووحدته:
 ان الطبقة الحالية من قادة الدولة والاحزاب والمعارضة والمقاومة والمساومة، اثبتت فشلها الذريع في قيادة المرحلة التاريخية الحاسمة والخطيرة التي تعيشها بلادنا منذ عام 2003. الجميع بلا استثناء، في السلطة والمعارضة في الداخل والخارج، اثبتوا انهم ليسوا رجال بمستوى المهمات التاريخية الملقات على عاتقهم. جميعهم اشتركوا بتدمير الوطن وتراجعه حضاريا وانسانيا وبيئيا وامنيا مئات السنين، سواء عن قصد او عن جهل واهمال. ان الاحتلال الامريكي ليس بريئا ابدا من كل الدماء التي نزفت وتنزف، لانه رغم كل ادعائاته وافلامه الهوليودية، فأنه بالحقيقة يمتلك كل اوراق اللعبة بما فيها الاوراق البعثية والقاعدة، ويحرك الخيوط حسب مصالحه. وان السعودية وايران والكويت واسرائيل تكمل بعضها البعض في اللعبة الجهنمية الجارية في بلادنا.
كفى تهورا وتشدقا وعنتريات على حساب الوطن وسلامته وكرامته. انتفضوا على قادتكم الذين اثبتوا انهم قد تلوثوا اكثر من اللازم بصفقات الدم والدولة. راجعوا كل الطروحات المقدسة القديمة لأحزابكم التي ما جلبت لوطننا غير الخراب والفساد. أعيدوا بناء افكاركم ومشاريعكم بما يلائم المرحلة الثورية التاريخية الجديدة التي تعيشها بلادنا. 
نعم ايتها الاجيال الشابة الصاعدة من مختلف القوى والفئات، انتم مستقبل شعبنا ونخيله الباسق. التاريخ ينتظر دوركم الحاسم، وليبارككم الله واناشيد السياب الصادحة: 
 أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود/ ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال/ حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال... في كل قطرةٍ من المطر/ حمراءُ أو صفراءُ من أجنةِ الزهر/ وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة/ وكل قطرةٍ تُراق من دمِ العبيد/ فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد/ أو حلمةٌ تورّدت على فمِ الوليد/ في عالمِ الغدِ الفتي، واهبِ الحياة... ويهطلُ المطرُ ... 

25
من اجل تيار كردي وطني عراقي يقف بوجه العنصرية التوسعية للقيادات الكردية!
سليم مطر ـ جنيف ـ حزيران 2009
www.salimmatar.com     
 www.mesopotamia4374.com                                           

جميع انظار العراقيين تتجه هذه الايام نحو اخوتهم الاكراد الذين يعيشون فترة انتخابية لتجديد برلمان الاقليم، وخصوصا بعد الاعلان عن مشروع الدستور الجديد للأقليم، الذي اثار الكثير من الردود الوطنية الرافضة حتى من قبل قياديين اكراد، بسبب روحه القومية التوسعية وادعائه بكركوك واجزاء من نينوى وديالي وواسط.
 بعد مداولات ومتابعات عديدة اجريناها مع اصدائقنا من المثقفين الاكراد في داخل العراق وخارجه، يمكن ان نسجل  وجهة النظر المهمة التالية:
 هنالك مؤشرات كثيرة تؤكد وجود متغيرات في داخل البنية (الثقافية ـ السياسية) لأكراد العراق وبلدان الشرق الاوسط، فيما يتعلق بالمشاريع القومية الانفصالية التوسعية المنضوية تحت شعار(كردستان الكبرى) الداعي الى تحقيق نوع من الامبراطورية القومية التي تضم ثلث تركيا وربع ايران وثلث العراق وخمس سوريا، مع اجزاء من ارمينيا والاحواز، فتمتد من الخليج العربي حتى سواحل الاسكندرونة على البحر المتوسط .
الجديد في الامر، هو ظهور(ميول وطنية) منذ عدة اعوام وهي تنمو بخفية وهدوء في داخل الوسط الثقافي والسياسي والشعبي بين اكراد العراق. ان هذه النزعة الوطنية راحت تتعمق خصوصا منذ عام 2003 حيث يعيش العراق متغيرات كبرى بكل قسوتها وعمقها تقوده نحو بناء دولة تعددية انسانية تمثل جميع تنوعات الوطن، وللأكراد حضورا فعالا في هذه التجربة الجديدة. ان هذه الميول الوطنية الكردية العراقية، تتحدد بالنواحي التالية:
ـ  الاقرار الواقعي بأن شعار(كردستان الكبرى) لا يمكن ابدا تحقيقه، فهنالك موانع تاريخية وجغرافية وعملية من المستحيل تجاوزها.
ـ ان هذه المشاريع القومية الانفصالية، لم تعد عملية ولا صالحة للأكراد، فهي مكلفة جدا من الناحية الامنية والانسانية ولم تكسبهم غير الحروب والاحقاد وعداوات الشعوب الجارة الشقيقة: عراقيون واتراك وايرانيون وسوريون..
ـ  ان تطورات العراق بعد عام 2003 تمنح امكانية تاريخية كبيرة لأشتراك الاكراد الفعال في عملية بناء دولة عراقية تعديدة ممثلة للجميع. وهذا يقتضي التخلص الحقيقي من الشعارت القومية الانفصالية والعنصرية، والتحلي بالواقعية لتحقيق السلام والتعايش مع باقي العراقيين من اجل بناء وطن مشترك ينتفع منه الجميع.
التحالف العروبي ـ الكردوي!
ان الحجة الكبرى التي يعتمد عليها انصار(النزعة الوطنية الكردية العراقية)، هي ادراك التشابه الكبير بين التيار القومي ـ البعثي، والتيار القومي الكردي، من ناحية الشعارات ثم التطبيق!
نود ان نوضح اولا ان مصطلح ((كردوي)) لا نقصد به ابدا التهكم والاثارة، بل غايته علمية اختصارية بدلا من ((قومي  كردي))، على وزن  ((عروبي)) اختصارا لـ((قومي عربي)).
  لو وضعنا الشعارات على جنب، وقمنا بالتمعن في تفاصيل التاريخ والعقيدة، للتيار القومي العربي المتمثل اساسا بحزب البعث، وكذلك التيار القومي الكردي المتمثل اساسا بحزبي السيدين الطلباني والبرزاني، لوجدنا ان هذين التيارين متفقين بل متطابقين عقائديا وواقعيا:
 ـ عقائديا: تربية الناس على تقديس الانتماء القومي العرقي اللغوي العنصري، واحتقار كل العوامل الدينية والوطنية والتاريخية والانسانية التي تقرب الناس فيما بينها على صعيد كل بلد، وعلى صعيد الشرق الاوسط.
ـ واقعيا: فأن تواريخ هذه الاحزاب الممتد لأكثر من خمسين عام وهم يلعبون ادورا رئيسية في العراق سواء في السلطة او خارجها، لا نجد غير الشعارات الزائفة وممارسة الدكتاتورية والقمع والصراعات بينها وبث الاحقاد العنصرية وشن الحروب الداخلية والخارجية، ودعم الحركات المسلحة العنفية والارهابية، والاسهام مع اسرائيل في ابقاء حالة الحرب والتوتر والاستنزاف في المنطقة.
    لو اخذنا حالة العراق، فأن الاطراف البعثية والكردوية مهما كانت الخلافات المعلنة بينها فأنها بقيت دائما متفقة على هذه النقطة الجوهرية الكبرى: (ان العراق وتكوينه وحدوده، مثل جميع الدول العربية، حالة مصطنعة ومؤقتة يجب تحطيمه) من اجل ضمه الى مشروع (الوحدة العربية) بالنسبة للبعثيين، ولمشروع (كردستان الكبرى) بالنسبة للكردويين. لهذا، رغم عدائهم الشكلي، فأنهم بسبب هذا الاتفاق الجوهري على الغاء العراق الحالي، بقوا عمليا دائما على علاقات ايجابية وتبادل منفعة وحالات تحالف وتعاون متقطعة: اتفقوا وانضموا الى جبهة واحدة ومعهم الشيوعيين واسقطوا النظام الملكي عام 1958.. ثم اتفقوا على اسقاط عبد الكريم قاسم عام 1963.. ودعم العروبيين في اعوام الستينيات انشقاق الطلباني عن البرزاني. ثم عام 1971 تم عقد اتفاقية آذار بين البرزاني والبعث . وأخيرا عام 1996 تحالف صدام ومسعود البرزاني فدخل الجيش العراقي وطرد قوات الطلباني. ولا ننسى ايضا، ان (مصطفى البرزاني)كان مدعوما من قبل عبد الناصر (زعيم العروبة) نهاية اعوام الخمسينات، وان اول اذاعة قومية كردية كانت تبث من القاهرة، وليس من حلبجة! وان(حزب الطلباني) تأسس رسميا في دمشق عام 1975 تحت رعاية مخابرة البعث السوري. كذلك حزب(اوجلان) القومي الكردي التركي، بقي تحت رعاية البعث السوري لسنوات طويلة. وان الرئيس الليبي القذافي كان من اشد داعمي البرزاني والطلباني اعوام التسعينات. وهكذا دواليك من تفاصيل ووقائع التاريخ التي تبطل تماما حقيقة الصراع المعلن بين العروبيين والكردويين! 
         
الواقعية الوطنية هي الحل
    نعم ان الاكراد في طريقهم لاكتشاف ان شعار(كردستان الكبرى) القومي العنصري، غير واقعي ابدا، كما اكتشف اخوتهم العراقيون من قبلهم ان شعار البعث (الوحدة العربية من الخليج الثائر الى المحيط الهادر)، غير ممكنة التحقيق. وان البعث كان عاجزا حتى من التوحد مع الجارة الشقيقة سوريا التي يحكمها نفس الحزب. بل بل كان عاجزا حتى بالحفاظ  على وحدة الوطن العراقي بعد تخلي صدام عن شمال الوطن في التسعينيات.   
 اذا كان شعب العراق قد تخلص الى الابد من القومية البعثية العنصرية، ودخل في الواقعية الوطنية  والانسانية، ، فأن اكراد العراق خصوصا وعموم الشرق الاوسط، ايضا في طريقهم للتخلص من هذه الطوباوية القومية العنصرية التي ورطتهم في احقاد وحروب لا تنتهي ضد اخوتهم من شعوب الشرق الاوسط. آن أوان النخب الكردية العراقية ان تتحلى بالواقعية الوطنية مثل اخوتهم من باقي النخب العراقية، وينتفضوا على هذا الشعار القومي الساذج والدامي :(كردستان الكبرى) الذي ورطهم ويورطهم في صراعات غير مبررة ضد باقي اخوتهم العراقيين والشرق اوسطيين، ولا يكسبهم غير الاحقاد المؤجلة التي ستتحول الى حروب ومجازر مستقبلا:
 ان القبول بالأمر الواقع والعيش المشترك مع باقي القوميات العراقية في ظل الدولة العراقية الواحدة الممثلة للجميع، والتخلص من النزعة القومية العرقية العنصرية، لهو من شيم الانسانية والتحضر.



26
السر العجيب في موت
السياب والغزالي وقاسم وسليم!
سليم مطر/ جنيف
نيسان 2009
www.salim-matar.com
www.mesopotamia4374.com

ان مقولة (الانسان كائن اجتماعي) لا تنطبق فقط على حياة البشر، بل حتى على موتهم. لو تفحصنا جيدا كل مصائر الاشخاص لأكتشفنا هذا الامر.
لنأخذ مثلا هذه  النماذج من الشخصيات المهمة في التاريخ العراقي الحديث:
الشاعر بدر شاكر السياب(1926-1964)، والمغني ناظم الغزالي(1921 -  1963)، والفنان التشكيلي جواد سليم(1921 - 1961)، والزعيم عبد الكريم قاسم(1914 - 1963)..
سوف نلاحظ التشابه العجيب في مصائرهم، من خلال الامور التالية:
اولا ، ان الاربعة لعبوا ادوارا تجديدية مهمة وحاسمة في مجالهم في مرحلة واحدة من تاريخ العراق، وتركوا بصماتهم على تلك المرحلة التاريخية بصورة ابدية: 
        ـ عبد الكريم قاسم، نقل الدولة العراقية من النظام الملكي الى الجمهوري، وبقيت الاصلاحات الشعبية مثل النظام الجمهوري  والاصلاح الزراعي وغيرها ثابتة في تاريخ الوطن.
      ـ جواد سليم، نقل الفن التشكيلي العراقي وبالذات النحت الى مرحلة حداثية وطنية جديدة، وبقيت جداريته الشهيرة(نصب الحرية) مقبولة وخالدة رغم تغيير الانظمة.
     ـ بدر شاكر السياب، احدث ثورة في الشعر العراقي والعربي ونقله الى ما سمي بالشعر الحديث، وبقي هذا التغيير خالدا في الشعر العربي.
ـ ناظم الغزالي، احدث ثورة في فن الغناء العراقي، ونقل فن المقام الى الطور الشعبي والمستوى العربي الواسع، وبقي هذا التغيير خالدا في الغناء العراقي.
ثانيا، ان الشخصيات الاربعة، ولدو وماتو تقريبا بنفس الفترة وبنفس العمر، أي في ذروة عطائهم في سن الاربعينات (لاحظوا تواريخهم اعلاه).  فهم ابدعو وبرزوا في مرحلة واحدة  من تاريخ الوطن، تقل عن عشر سنوات(نهاية الخمسينات وبداية الستينات)، ثم انهم ماتوا بصورة غريبة وفي ظروف ليست طبيعية بالنسبة لاعمارهم:
ـ قاسم (مات قتلا)، السياب(مات بعد مرض طويل في رجليه)، سليم(مات بسكتة قلبية)، الغزالي(مات ايضا بسكتة قلبية)!
طبعا يمكن ان نذكر العديد من الشخصيات المهمة في تلك المرحلة، مع بعض الاختلافات في العمر، والتي انتهت بنفس المصير السريع والغير طبيعي،  مثل الشاعر العراقي الكردي(عبد الله كوران 1905ـ  1962) الذي احدث نقلة كبيرة في الشعر الكردي العراقي وكان ايضا رمزا اصيلا للوطنية العراقية. وتوفى بالسرطان في الخمسينات مع عمره.
                                        طاقة الفرد وطاقة المجتمع
 لو تحاشينا احتمالات(المؤامرة) التي خططت بسرية للقضاء على هذه الرموز العراقية الكبرى، وهذا امر ممكن ولكن من الصعب القبول به لعدم وجود الدلائل الكافية،  فأننا لن نجد غير التفسير الروحاني التالي:
ان الانسان مهما استقل فأنه يبقى جزءا من الجماعة التي يرتبط بها روحيا وعاطفيا( العائلة والعشيرة والمنطقة والحزب، ثم  الجماعة الكبرى التي تتمثل بالشعب والوطن). نقول جزءا منها بالمعنى الفعلي والحيوي، اي مثل السمكة في الماء، او مثل الاعضاء مع باقي الجسم، تتأثر به، تحيا بحياته وتموت بموته.
 ان العلاقات بين البشر لا تتم فقط من خلال الحواس الخمس، بل تتم خصوصا من خلال حاسة غير مرئية تنتقل عبرها المشاعر والخواطر بين الناس، مثلما ينتقل الهواء الذي يستنشقونه. وهذا العلاقة المشاعرية بين الناس لا تخضع ابدا لقوانين الجغرافية، بل لقوانين الرابطة الروحية. فأن المسافات والحواجز المادية غير قادرة على منع انتقال المشاعر بين الناس، بل هذا يعتمد اساسا على درجة التواصل والتقارب بينهم.   
وهذه العلاقة الحيوية بين الانسان وشعبه، تنطبق بصورة اكثر على الشخصيات الصادقة المبدعة لانها تمتلك حساسية جماعية عالية ومرهفة، وفي هذه الحساسية يكمن سر قدراتهم الابداعية والكفاحية، وكذلك ضعفهم وانحطاطهم وموتهم.
ان طاقة الفرد لا يمكن فصلها عن طاقة المجتمع. واذا اصيبت طاقات الافراد بالخلل والموت، فأن طاقة المجتمع كله تتلوث وتتسمم. كذلك حينما ينتشر التلوث والتسمم في المجتمع، فأن الشخصيات الحساسة والمتفاعلة مع شعبها تكون اولى الضحايا. بالضبط مثل البدن، فأن أي خلل او تلوث يصيب البدن، فأول من يتأثر هو (القلب) الذي ترتبك نبضاته وتتعطل وظيفته.
وهذا بالضبط يفسر لماذا تبرز فجأة شخصيات كبرى ومبدعة في مرحلة ما، او تختفي فجأة، حسب طبيعة المرحلة التي يعيشها الشعب (ونخبه المؤثرة فيه) ونوعية الطاقة التي تنبعث منه، ان كانت ايجابية فعالة تضامنية تفاؤلية، او سلبية انهزامية حقودة تشاؤمية.  نعم ان الشعب ونخبه الفاعلة، حسب نوعية روحه وطاقته، هو الذي ينجب ويصنع الزعماء والمبدعين، وكذلك هو الذي يمنع ميلادهم بل ويقضي عليهم في عز عطائهم، فينفتح المجال امام الرعاع والحاقدين ليقودوا الوطن في دروب الاذلال والتهلكة!
النخب التابعة والولادة القسرية
ان تجارب حياة وموت هذه الشخصيات العراقية لهي تعبيرا صادق عن حياة وموت مرحلة حاسمة في تاريخ العراق الحديث، الا وهي مخاضات ما بعد انتهاء الحرب العالمية، التي بلغت ذروة ازدهارها في اعوام الخمسينات.
  لو كانت النخب السياسية العراقية تمتلك الحد المعقول من الوطنية والواقعية لكانت رعت وعالجت بصورة ذكية وانسانية عملية المخاض العظيم الذي كان يعيشه الشعب العراقي في تلك الاعوام. صحيح ان الطبقة الحاكمة كانت تعيش نوعا من التفسخ والضعف داخلي، بسبب انانيتها وعدم قدرتها على التجدد واشراك الشرائح الاجتماعية الجديدة الصاعدة، من عسكر ومثقفين وبرجوازية الدولة. الا ان هشاشة الدولة لم  تمنع ذلك التطور الطبيعي الجبار الحاصل في المجتمع العراقي على كل الاصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. كانت هنالك نهضة عظيمة وازدهار في كل المجالات وبروز شخصيات مبدعة في الفن والادب والفكر والعلوم. وكان الشعب العراقي في احسن فتراته من ناحية الوحدة الوطنية، فلم يكن هنالك لا احقاد طائفية معلنة ولا تعصبات قومية وتمردات كردية. 
    كان بامكان تلك المرحلة ان تنجب عراقا جديدا حضاريا لو كانت النخب العراقية مهيئة وتمتلك روحا وطنية واقعية. اذ كان بامكانها من خلال الكفاح الديمقراطي والثقافي ان تؤثر على الطبقة الحاكمة وتفرض عليها الانفتاح والتجديد المطلوب من دون الحاجة لأي تغيير جذري تعسفي وانقلاب قيصري وحشي.
      لكن واحسرتاه ان آفة تبعية القوى السياسية العراقية  للخارج هي التي قررت اخيرا مصير بلادنا ووئد وليدنا وادخالنا في دوامة من الدمارات المتتالية التي لا زلنا نعيش آخر فصولها.
ان الخطيئة الفادحة التي ارتكبتها النخب العراقية الفاعلة، انها استعجلت (عملية الانجاب) بصورة مبكرة جدا جدا، من خلال ذلك الانقلاب العسكري الطائش في تموز 1958، الذي كان عبارة عن عملية ولادة قيصرية مورست خلالها ابشع عمليات الذبح الوحشي ضد العائلة المالكة والطبقة الحاكمة. فكان من الطبيعي ان يأتي ذلك (الوليد الجمهوري)، ضعيفا كسيحا ومعوقا.
ان تلك العملية الانقلابية الوحشية تمت بصورة قسرية ورعونية لانها لم تكن نابعة من الحاجة الداخلية للمرحلة بل هي نتيجة تفاعلات الصراعات الخارجية العربية والعالمية المعنية بالعراق. جميع القوى السياسية العراقية التي اشرفت على هذه العملية الانقلابية كانت تابعة للخارج: الشيوعيين لموسكو، والقوميين لدمشق والقاهرة، بالاضافة الى الادوار الظاهرة والخفية لبريطانيا وامريكا وايران والسعودية واسرائيل. لهذا فأن القوى العراقية في قرارها الانقلابي لم تكن تعتمد على معاينة حالة الوطن، بل على رغبات سادتهم في الخارج، فكانت تلك العملية القيصرية الوحشية التي اجهضت كل التطور الايجابي الطبيعي لتلك المرحلة العظيمة من تاريخ العراق.   
                                             تواطؤ الضحايا
المسألة الاخيرة التي تستحق الذكر، ان غالبية ضحايا هذه اللعبة الجمهورية الجهنمية هم من مشجعيها والمشاركين فيها. ليس بالضرورة انهم كانوا عملاء واعين، بل غالبيتهم كانوا مؤمنين بقناعات دوغمائية تتشدق بالحداثة والجمهورية والطبقية والعروبة والكردية، لكنهم يجتمعون بصفة مشتركة واحدة: فقدان الثقة بالذات الوطنية وتقديس الخارج (السوفيتي والغربي والعروبي والاسلامي).
نعم ان غالبية ابناء النخب العراقية الفاعلة في تلك الفترة من مثقفين وسياسيين وعسكريين، قدرما كانوا متواطئين مع تلك الحلول القيصرية الرعناء، قدرما كانوا اول ضحايا الخيبات والنكسات والكوراث التي انتجتها.
 لا ننسى ان  السياب وسليم وحتى الغزالي، كانوا من المحتفين والمبررين لتلك العملية المدمرة. اما ذلك الحالم العصامي المسكين(عبد الكريم قاسم)، فكان بالامكان ان يكون زعيما سياسيا كبيرا ومصلحا يخلده التاريخ، لو لم يتورط في ذلك الانقلاب التموزي الطائش، تلك اللعبة الجهنمية التي جرته اليها النخب السياسية الخائنة للوطن. ولم تسعفه محاولاته المتأخرة بالتخلص من هذه القوى، اذ قتلته شر قتله لأنه حاول التحرر من هيمنتها.   
وبما ان عملية الولادة تلك كانت مبكرة وتعسفية، ورغم كل محاولات القوى الشيوعية والقاسمية العراقية ان تغطي على تشوه ذلك (الوليد الجمهوري) بتلك الافعال الرعناء الطائشة والشعارت والمظاهرات والاحتفالات الخداعة، فان الموت كان هو المصير المحتم. اذ سرعان بدأت هذه النخب الطائشة تتحارب بينها مثل الديكة المتصارعة التي تستمد حقدها ووحشيتها من تشجيع اسيادها المتفرجين عليها من خارج الحدود. فاطلقت مصر ديوك القومية والبعثية، واطلق السوفييت ديوك الشيوعية، واطلقت ايران ديوك البرزانية، وهكذا دواليك. وسرعان ما تم ذبح ذلك (الوليد الجمهوري)  بدون رحمة في شباط 1963. وكان موت ذلك الوليد، هو موت مرحلة المخاضات الكبرى لأجيال عراقية بأكلمها.  قبل ان تسقط الجمهورية شباط 1963 سقطت قبلها كل الروح الحية التجديدية التي كانت شعلة الحياة للاجيال العراقية الحالمة.  ولتتحول طاقة الابداع والازدهار الى طاقة موت وخراب.
لهذا، فأن موت المبدعين ورجالات تلك المرحلة في عز شبابهم كان امرا طبيعيا ونتيجة لموت حلم شعب بأكلمه في عز شبابه وعطائه. بل يمكننا ان نفترض ان موتهم السريع، ما هو الا  نوع من الانتحار اللاواعي، بسبب الخيبات ومشاعر الاسف التي احسوها ازاء الوليد الذي اشرفوا على انجابه.
ان الحساسين والصادقين كانوا اول الضحايا، ليبقى الدهماء والعديمي الضمير يتصارعون بينهم مثل الوحوش الكاسرة ليقودوا الوطن في تجارب جهنمية متتالية من انقلابات ومشاريع ثورجية خلابة وحروب داخلية وخارجية كارثية انتهت بصورة طبيعية الى  اليأس المطلق وفقدان كل اسباب الحياة وبانتحار جماعي على يد الامريكان عام 2003، مثلما تنتحر الضباع اليائسة على يد النمور الجائعة.   
اما الآن، وبعد ان تجاوزنا السنوات الاخيرة العجاف وعملية المخاض العسير التي ادت الى ميلاد شعبنا من جديد، ولادة قاسية بل ايضا قيصرية دامية وحشية، لكنها ولادة ليست مبكرة، بل  ناضجة وفي وقتها.  لهذا يحق لنا ان نتمنى بأن تكون المرحلة القادمة، مرحلة انبثاق الطاقات الايجابية والخيرة في شعبنا: الابداع والتضامن والتسامح... أي طاقة الميلاد والحياة.. طاقة المحبة..

27
الهوية العراقية
وثنائية دجلة والفرات!
سليم مطر/ جنيف
نيسان 2008
www.salim-matar.com
 www.mesopotamia4374.com

ثمة خاصية واضحة في هوية العراق، موجودة اساسا في تكوينه وتفاصيل حياته بكل تجلياتها المادية السكانية والمعنوية الثقافية الحضارية، الا وهي( الثنائية)!
يبدو ان هنالك ظروف بيئية داخلية وجغرافية خارجية حتمت هذه الثنائية العراقية. اول هذه الظروف واكبرها تتمثل بثنائية(دجلة والفرات). لو قارنا العراق مع مصر، فأن تمركز مصر حول( النيل) جعلها متوحدة ومنطوية على ذاتها، سكانيا وحضاريا. اما العراق، فأن هذين النهرين الخالدين جعلاه ثنائيا ومنقسما على ذاته سكانيا وحضاريا. وهذاالانقسام الثنائي، تناقضي وتكاملي بنفس الوقت، او حسب الظروف. فان التناقض يستفحل في فترات الضعف والانحطاط، اما التكامل فيشتد في فترات الاستقرار والازدهار.
ان هذه الثنائية الداخلية النهرينية، قد تعززت بثنائية الموقع الجغرافي  للعراق، بين عالمين مختلفين كثيرا:
ـ عالم شرق نهر دجلة: الآسيوي ـ الآري ـ التركستاني ـ الهندي ـ القفقاسي،  حيث جبال زاغاروس والهضبة الايرانية الممتدة عبر هضاب افغانستان وآسيا الوسطى حتى الهند والصين. وايضا عبر سواحل الخليج حيث العلاقات البحرية مع العالم الهندي. كذلك عبر اعالي دجلة حيث الاناضول وجبال القفقاس.
ـ عالم غرب نهر الفرت: العربي ـ السامي ـ البحر متوسطي، حيث بادية الشام المرتبطة ببوادي الجزيرة العربية، وكذلك أعالي الفرات الممتدة غربا داخل الشام وسواحل البحر المتوسط. 
وهذا الانقسام الجغرافي في المحيط ، له امتداده في داخل العراق، فأنه منقسم ايضا الى شمال وشرق جبلي وشبه جبلي، ثم جنوب وغرب سهلي وشبه صحراوي.
حضور الثنائية
هذه الثنائية (السامية ـ الآسيوية) ملحوظة في التكوين العرقي والثقافي للعراقيين. فهناك العرب والسريان(ساميون)، وهنالك الاكراد والتركمان(آسيويون). ثم هناك الثنائية الدينية ـ المذهبية، بين الشيعة والسنة.
يمكن مثلا ملاحظة الناحية الثقافية الحضارية، حيث جمع العراقيون على مدى التاريخ، وبعبقرية بين الروحين الآسيوية والسامية. يكفي ان ننظر الى الغناء العراقي، فأنه يجمع بين الصوتين الآسيوي والسامي. حتى الطبخ العراقي فأنه يجمع بين هاتين الثقافتين. حتى اشكال العراقيين فأنها تجمع هذه الخواص البيئية المختلفة. على هذا المنوال يمكننا ان نشاهد كل الجوانب المادية والثقافية والبشرية والحضارية في الماضي والحاضر.
 اما في التاريخ  الحضاري فان هذه الثنائية الحضارية تكاد ان تكون ملحوظة حتى في العراق القديم، بين الآشوريين في الشمال، والبابليين في الوسط والجنوب. فرغم وجود الثقافة واللغة الواحدة والديانة الواحدة، الا ان الآشوريين كانوا يقدسون ايضا ألههم الخاص(آشور ـ الثور) رمز القوة والفحولة، بما يخالف البابليين الذين كانوا يميلون اكثر الى (تموز) رمز التضحية والفداء من اجل الخصوبة والحياة.
وبعد ان اعتنق العراقيون المسيحية، انقسوا ايضا بين(نساطرة) في الوسط والجنوب و(يعاقبة) في الشمال وبعض الوسط.
على هذا الاساس التنوعي في الجغرافية الخارجية والموضع الداخلي، فأن البيئة (الاقوامية ـ الثقافية) العراقية قد انقسمت الى نوعين مختلفين اكثر وضوحا، تجمع ما بين(الموضع والموقع)، الا وهي ثنائية(دجلة والفرات). آخذين بنظر الاعتبار ان هذا الانقسام البيئي الثنائي مصحوب ايضا بأنقسام ثقافي ـ لغوي.                                           
بيئة دجلة
وتشتمل على كل المحافظات الواقعة  مباشرة على نهر دجلة( نينوى وصلاح الدين وبغداد واسط وميسان)، كذلك المحافظات الواقعة شرق دجلة( دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالي)
وتتميز هذه البيئة جغرافيا وطبيعيا وسكانيا بالخصوصيات التالية:
ـ من الناحية الجغرافية الخارجية فانها منفتحة على اكبر الهضاب الجبلية في المنطقة: من الشرق حيث الهضبة الايرانية الممتدة حتى هضاب افغانستان وآسيا الوسطى. اما من الشمال فأن دجلة يصب من جبال(طوروس) المرتبطة بجبال القفقاس.
ـ من ناحية الطبيعة الداخلية فانها متنوعة التضاريس، حيث تكثر الجبال والمرتفعات في شمالها  وشرقها وخصوصا في المناطق المحاذية لايران(جبال زاغاروس) وتركيا(جبال طورس). وتحاذي الجبال بمسافات قريبة امتداد دجلة حتى مصبه في شط العرب. وتتكاثر الاهوار الكبرى والانهار(مثل الكارون) في الجنوب.
ـ  اما من الناحية السكانية، فأن الخصوصية الكبرى الملحوظة، هي التنوع السكاني الكبير جدا من النواحي اللغوية والدينية والمذهبية. بل يمكن القول ان جميع الفئات العراقية المختلفة لغويا ودينيا تعيش على او شرق دجلة: ( عرب، اكراد، تركمان، سريان " كلدان وآثوريين"، يزيدية، شبك، فيلية، ارمن.. الخ)..
 بينما الفرات يجلب الانتباه بأنه جميع سكانه، بما فيه القسم السوري، هم(عرب مسلمين)!
ان موقع نهر دجلة  المحاذي لاكبر السلاسل الجبلية في الشرق الاوسط، وكذلك موقعه المنفتح على اكبر هضاب آسيا، جعله مكانا دائما لاستقبال الموجات الاقوامية التالية:
ـ الموجات الكردية، وهي اكبر الموجات الدائمة لأنها الاقرب لأنها تأتي من جبال زاغاروس المحاذية. 
ـ الموجات الآرية القادمة خصوصا من الهضبة الأيرانية.
ـ الموجات التركستانية القادمة من هضاب آسيا الوسطى.
ـ الموجات القفقاسية والاناضولية القادمة من جبال طوروس والقفقاس.
كل هذا جعل بيئة دجلة متنوعة بشكل كبير من الناحية الاقوامية واللغوية، وخصوصا في المنطقة الواقعة شمال شرق دجلة( دهوك واربيل وكركوك والاسليمانية وديالى) وهي المحاذية مباشرة للجبال والهضاب المذكورة. وهي متنوعة لغويا حيث تسود اللغات الكردية(السورانية والبهدانيانية والخانقينية) وكذلك التركمانية والسريانية بالاضافة الى العربية.
اما مناطق ضفاف دجلة ( نينوى وتكريت وسامراء وبغداد والكوت والعمارة) فأن موقعها البعيد نسبيا عن عن الحدود الجبلية وموضعها السهلي، جعلها اكثر  قدرة على الامتزاج السكاني والثقافي وسيطرة لغة واحدة طيلة التاريخ: الاكدية، ثم الارامية ثم العربية. لكن هذه الانسجام الاقوامي اللغوي، لا ينفي حقيقة ان الاصول السكانية لهؤلاء السكان، بما فيهم سكان الاهوار، متأثرة كثيرا بالعناصر والقفقاسية والكردية والآرية والتركستانية..
ان اهم ميزة ثقافية ـ لغوية لهذه البيئة هي(التنوع) حتى في داخل المجموعة الثقافية والمدينة الواحدة. فلو اخذنا الاكراد مثلا، فهنالك اللغات السورانية والبهدنانية والخانقينية. لو اخذنا( مدينة اربيل) فأنها كانت تاريخيا بغالبية(سريانية) ثم في القرون الاخيرة اصبحت مركزا لوجود تركماني كثيف،  ثم اخيرا منذ بضعة اجيال اصبحت بغالبية كردية.
ان محافظة(كركوك) تعتبر ايضا افضل نموذج لهذا التنوع الكبير في (بيئة شمال شرق دجلة)، حيث التعايش التركماني ـ الكردي ـ العربي ـ السرياني ـ  الارمني. كذلك العاصمة(بغداد) فأن تنوعها الكبير لا يعود فقط لأنها عاصمة الوطن، بل ايضا لأنها تقع على دجلة.
من الناحية التاريخية الحضارية فأن (نينوى) تعتبر مركزا حضاريا عراقيا بخصوصية( دجلوية)، حيث شكلت مركزا جامعا لكل التنوعات الاقوامية والثقافية لبيئة شمال دجلة، مع سيادة الثقافة السامية(الاكدية بلهجتها الآشورية). خلال آلاف الاعوام ظلت (نينوى) الآشورية، في حالة تنافس سياسي وتكامل حضاري مع (بابل) التي مثلت الحضارة العراقية بخصوصيتها(الفراتية).
ليس صدفة ان شمال العراق اجمعه، بقي في ظل الدولة العثمانية، تابعا اداريا وثقافيا واقتصاديا الى الموصل. ان مركزية الموصل بقيت بالنسبة الى شمال دجلة حيث اهميتها الاقتصادية والتجارية ودورها الكبير والمؤثر على اصقاع شرق دجلة المتنوعة والمختلطة لاقوام عربية ريفية وشبكية ويزيدية وكالدانية وسريانية وكردية بهدينانية وتركمانية، وما يتفرع من كل هذه الاصول من ثقافات تجد الوانها شاخصة في الموصل التي تعتبر متحفا لثقافات لا حصر لها ابدا.
بيئة الفرات
وتشتمل على المحافظات الواقعة على نهر الفرات او قربه: ( الانبار، كربلاء، النجف، بابل، القادسية، المثنى، ذي قار). وهي بيئة مختلفة تماما عن بيئة دجلة، من حيث طبيعة الموقع والموضع، وبالتالي من حيث التكوين السكاني واللغوي.
من ناحية الموضع، فأن بيئة الفرات شبه صحراوية وسهلية منفتحة. وهي من ناحية الموقع، فأنها متصلة من الجنوب الغربي ببادية الشام المتدة جنوبا الى بوادي الجزيرة العربية، اما من الشمال الغربي  فأنها تتصل في نواحي سوريا حتى ضفاف البحر المتوسط.
لهذا فأن بيئة الفرات ظلت دائما من الناحية الاقوامية والثقافية ، بيئة(سامية بحر متوسطية)، تسودها دائما وحدة لغوية سامية(اكدية ثم آرامية ثم عربية)، مع تأثير واضح بالقبائل الرعوية وكذلك ثقافة الشام والبحر المتوسط والجزيرة العربية.
من الناحية التاريخية الحضارية فأن (بابل) تعتبر مركزا حضاريا عراقيا بخصوصية(فراتية)، حيث شكلت مركزا جامعا لكل التنوعات الاقوامية والثقافية لبيئة الفرات، حيث سادت الثقافة السامية(الاكدية بلهجتها البابلية). خلال آلاف الاعوام ظلت (بابل)، في حالة تنافس سياسي وتكامل حضاري مع (نينوى) التي مثلت الحضارة العراقية بخصوصيتها(الدجلوية).
الثقافة(النهرانية) الجامعة
ان الثقافة العراقية منذ فجر التاريخ وحتى الآن، هي ملتقى هاتين البيئتين المختلفتين المتكاملتين، اقواميا ولغويا. ان هذه(الثنائية) هي نوع من (القدر) الجغرافي التاريخي الذي يميز العراق منذ الازل:
ـ بيئة دجلة الآسيوية الجبلية
ـ بيئة الفرات السهلية شبه الصحراوية البحر متوسطية
هنالك ثلاث مدن رئيسية جمعت بين هاتين البيئتين المتناقضتين المتكاملتين: نينوى وبغداد والبصرة.
ان (بغداد) تعتبر افضل مثال على هذه الثقافة النهرانية الجامعة لبيئتي دجلة والفرات. رغم ان بغداد تقع على نهر دجلة، الا انها تتميز بناحيتين:
ـ انها تقع في اقرب نقطة يقترب فيها النهران، وهذا ما جعلها فعلا ملتقى لهذين البيئتن.
ـ انها تقع في وسط بلاد النهرين، بين الشمال والجنوب.
 ان العبقرية العراقية(العباسية) هي التي اختارت (بغداد) في هذا الموقع  الوسطي الجامع بين الشمال والجنوب، ودجلة والفرات، من اجل تجنب الخطأ الكبير الذي وقع فيه اسلافهم، عندما ظلوا مشتتين بين مركزين متنافسين(نينوى) و(بابل).
ان بغداد منذ تأسيسها وحتى الآن ، ظلت تعبر بصورة مكثفة عن التكوين الاقوامي والثقافي لبيئة دجلة، حيث يتمزج فيها العربي مع الكردي مع التركماني مع السرياني مع الارمني مع الصابئي، كذلك هي ملتقى جميع الاديان والمذاهب العراقية.
رغم ان ثقافات عالم ما بين النهرين دجلة والفرات متنوعة وشاملة للبيئتين، الا انها ظلت عموما (سامية ـ عربية) لكونها ارض سهلية(تسهل) عملية التمازج وتفرض على الجماعات الجبلية تفقد قولتها الثقافية وتمتزج بالثقافة السهلية (السامية ـ العربية).
اما (البصرة) فأنها  لها خصوصيتها العراقية الشمولية، من النواحي السكانية والثقافية.  فهي جامعة للنهرين في نهر عراقي عظيم ثالث هو شط العرب. ثم ان البصرة، من دون المدن العراقية، جمعت في موقعها بين مختلف المؤثرات الجغرافية المحيطة: بيئة البادية الممتدة ناحية الغرب حيث الشام والجنوب حيث الجزيرة العربية. اما من الشرق فبيئة ايران وجبال زاغاروس القريبة ناحية الاحواز. يضاف الى هذا جغرافية جديدة خاصة بالبصرة، الا وهو الخليج العربي الممتدة في حتى المحيط الهندي وجنوب آسيا. ومن هذا الخليج ارتبطت البصرة بالسواحل العربية والسواحل الايرانية والهندية، بل حتى مع السواحل الافريقية. كل التنوع الجغرافي البيئي، جعل البصرة مركزا حضاريا وسكانيا كبيرا ومتميزا  له خصوصيته الجامعة الشمولية التي تجتمع فيها المؤثرات السامية ـ العربية، والايرانية والهندية والافريقية.   


28
نصائح مغترب تعبان
لكل من يركض ورا النسوان!
سليم مطر/ جنيف
آذار  2009
www.salim-matar.com
 www.mesopotamia4374.com

من المعروف ان غالبية احكامنا ازاء مجتمعاتنا الشرقية، تستند اساسا على المقارنة مع الجتمعات الغربية. فعندما نقول بأننا متخلفين او متعصبين او دكتاوريين او فقراء.. او.. او..  فأننا في كل هذه الامور، نقوم بصورة واعية او غير واعية بعملية مقارنة مع المجتمعات الغربية التي تعودنا ان نعتبرها هي المقياس لكل شيء.
لكن المشكلة ان تصوراتنا عن المجتمعات الغربية في غالبيتها سطحية ومكبرة اكثر من اللازم لأنها تعتمد بالأساس على البهرجة الاعلامية والانبهار الخارجي.
من اجل ان تكون احكامنا وتصوراتنا عن انفسنا وعن مجتمعاتنا وعن حكوماتنا واقعية وعقلانية، يتوجب ان تكون تصوراتنا واحكامنا عن المجتمعات والتجارب الغربية ايضا واقعية وعقلانية. لهذا فأننا فعلا بحاجة ماسة الى تخصصات ثقافية وجامعية لترجمة وتقديم الشهادات والتفاصيل التي تتحدث عن دواخل وخفايا المجتمعات الغربية، خارج هذه البهرجة الاعلامية والسينمائية الخداعة. ان مثقفينا المقيمين في الغرب، هم افضل من يستطيع ان ينقل الينا بعض الصور والشهادات النابعة من تجاربهم الشخصية. نعم ان اعظم خدمة نقدمها لشعوبنا ولأجيالنا الشابة الحائرة امام النموذج الحضاري الغربي، ان نحدثهم بكل بساطة وصدق وصراحة عما عشناه نحن في هذه المجتمعات، دون بهرجات ومبالغات وبطولات زائفة.
                                             صورة المرأة الغربية
موضوعنا الحالي يبتغي توضيح جزء هام من هذه الوقائع المشوهة التي نحملها عن الغرب، الا وهي(وضعية المرأة الغربية)!
من المعروف ان الصورة الاكثر شهرة وتطرفا وحضورا في ذهن الانسان الشرقي والعالم الثالثي، هي التالية:
((ان المرأة الاوربية سهلة في العلاقة العاطفية والجنسية مع الرجل. وان المجتمعات الغربية قد تجاوزت مشكلة الاشباع الجنسي والعاطفي وتفرغت لأمور علمية وحضارية هي اسمى وارقى من الجنس والعواطف التي لا زالت تشغلنا نحن ابناء المجتمعات المتخلفة))!
ويتمم هذا التصور باعتقاد شائع بأن الشاب الشرقي(الاسمر) المقيم في اروبا، يعيش في اجواء دائمة من الف ليلة وليلة.. يعني (شقرة طالعة وسمرة داخلة)، بحيث ان المسكين يستنزف قواه ويصاب بالتعب!
وعموما تبدو اوربا في عيون الشرقي مثل انثى جميلة شبقة بانتظار الفحل الشرقي!
      قبل ان اتعبكم بالتفلسف والحذلقة والتحليل، اكشف لكم بكل صراحة وتواضع الحقيقة التي اقتنعت بها، انا ومعظم اخوتي المغتربين، وبعد حوالي 30 عام من الاقامة الدائمة في اوربا:
((الغالبية الساحقة من االحكايات التي تسمعونها عن البطولات والانتصارات الجنسية للرجل الشرقي، هي محظ اوهام وخرافات واكاذيب غايتها التعويض عن الخيبة المريرة، وتغطية مشاعر الهزيمة وحفظ ماء الوجه الذي اريق آلاف المرات منذ الاسابيع الاولى على الاقامة في اوربا))!
قبل ان تستغربوا وتعتبروني مغاليا، تعالوا معي يا اخواني(واخواتي طبعا) اطلعكم على بعض من تجاربنا نحن اخوتكم (فحول الشرق) كيف رفعنا رايات الانتصارات الجبارة في سوح العشق الاوربية!
بغايا وغجريات وشيوعيات
كما تدرون ان العراقيين شعب غير مسافر ولا مهاجر، مقارنة بالشاميين مثلا. فلهذا حتى اعوام السبعينات من القرن الماضي، فقط ابناء الطبقات العليا كانوا يسافرون الى اوربا. وكان العراقي المفرفش يسوح الى  لبنان وسوريا، واذا ابتعد فنحو مصر، بل ان السفر الى تركيا كان بالنسبة للعراقي نوعا من بلوغ اوربا.
لكن في اعوام السبعينات ومع الفورة النفطية بفضل البعث والرئيس القائد (حفظه الله ورعاه)، بدأ العراقيون يشدون الرحال الى اوربا، وبالذات الى اوربا الشرقية، مثل بلغاريا وهنغاريا ورومانيا ويوغسلافيا. فكان العراقي الشعبي يجمع بضعة مئات من الدورلارات ويحملة عليجته ويسافر لاسبوع او اسبوعين.  وكان غالبية هؤلاء عندما يعودون من زياراتهم، يبدون محملين بصور فتيات، يطلعونا عليها وهم يرددون حكايات غرام عجيبة غريبة:
(( ياعيني.. بنات عذروات جامعيات شيوعيات، مثل حوريات الجنة، وقعن بحبنا وعزمنا في بيوتهن وانطنا قلوبهن واجسامهن، وحتى فلوسهن.. يا ويلي لما ودعناهن، ذرفن دموع ودموع حتى نؤجل سفرنا ونبقى يمهن... يا عيني عليهن...))..
وعندما تسألهم من اين حصلوا على مثل هذه الفتيات.. كانوا يمسدون شواربهم ويقولون بكل ثقة:
((اخي المسألة بسيطة، يكفيك تقعد في مقهى يالطا ـ في صوفيا عاصمة بلغارياـ ، وخلي قدامك علك(ابوالسهم) وعلبة سيكاير (كريفن او دنهل او روثمان)، حتى تشوف احدى البنات التقدميات، او اكثر، تجيك ترفرف مثل الحمامة وتحط عليك وتقدم لك نفسها بكل طيبة وبراءة.  واذا عرفت انت شيوعي او حتى لو ابن خالتك شيوعي، راح اكيد تضيفك عند اهلها وتفتح لك قلبها وغير قلبها وتعتني بيك ليل ونهار. تطبخ لك وتداريك وتنطيك كل اللي تريد.. يابا هم اوربيين شيوعيين مثقفين، مو مثلنا معقدين مجعمرين))!
 وبعد مداولات طويلة عريضة مع هؤلاء السواح، نحن اللذين نعيش في اجواء العراق المفعمة بالكبت والحرمان، كنا نفهم من كلامهم، بأن غالبية نسوان اوربا، وخصوصا في البلدان الاشتراكية، يعانين من برودة رجالهن:
ـ (اخي، رجالهم مو مثلنا، هم باردين لأنهم شبعانين جنسيا من الطفولة)!
 لهذا كنا نتخيل كيف ان المرأة الاوربية المسكينة تمضي ليلها ونهارها جالسة امام الشباك وعيونها على الحدود الشرقية تحلم بلقاء الفحل الشرقي الاسمر الذي يمنحها(حرارة الشرق) ويخلصها من الضجر والجوع!
 ولم يخطر في بالنا حينها، ان  نطرح السؤال المنطقي التالي:
ـ طيب كيف حصل ان الرجال الاوربيين شبعوا عاطفيا وجنسيا، بينما نسائهم لم يشبعن؟! 
                                     سيد عادل وعذروات بودابست
اتذكر عام 1980 في (دمشق) كان صاحبنا البغدادي (سيد عادل) الله يرحمه، قد سبقنا  بالتجوال في اوربا. كان يشتغل بنقل السيارات من المانيا وبيعها في سوريا. كان اسمرا جميلا انيقا بملامح حالمة كأنه ممثل هندي. لكنه كان بنفس الوقت بسيطا وشبه امي.  كنا نلتقيه في احدى مقاهي دمشق  فيسرد لنا الحكايا عن مغامراته العجاب مع نسوان اوربا:
((يا اخوان، في بودابست، عندي سيارة مارسيدس حمرة آخر موديل. داعيكم قبل الساعة اربعة بعد الظهر، اصف السيارة جنب احدى اعداديات البنات. يعني قبل نهاية الدوام. اترك الباب الوراني مفتوح، واروح اشرب كاس في بار قريب. بعد ربع ساعة ارجع الى سيارتي. وبصورة اكيدة لا تقبل الجدل، القى بنتين او ثلاثة او حتى اربعة جالسات ينتظرن في داخل السيارة. عيني شلون بنات هنغاريات يخبلن تخبل. ومثل ما تدرون آني ما اعرف حتى كلمة هنغاري. من دون كلام، اقفل الباب واطلع بالسيارة مباشرة على الشقة. عيني ومن دون كلام افتح باب السيارة واخليهن ينزلن وراي. ومن دون كلام افتح باب الشقة وهن وياي. ومن دون كلام مباشرة على غرفة النوم. ومن دون كلام افتح الهن قنينة فودكا، ونبدأ نشرب ونشتغل الليل كله.. يعني افهموها بقى، على قولة المصريين..))!
ونحن طبعنا كنا نفهمنا تمام التمام. ونصدق كلامه حرفيا، وننظر حولنا في المقهى الدمشقي العاج بدخان النرگيلة والعطاس والقحاح والوجوه المتعبة والشوارب المنتعضة والبصاق واصوات مغنية المذياع الباكية، فنحس بالويل الذي ما بعده ويل، افضع من عذابات جهنم، فلا نمتلك حينها غير ان نجر الحسرات الحارقة ونكبت صرخات متفجرة:
ـ (( يا من ياخذنا على هنغاريا.. يا عالم، الله خليكم ويخلصكم، خلصونا من هذا الشرق التعيس وخذونا على  هنغاربا.. يا ويلي على هنغاريا وبنات هنغاريا))..
صدمة الاكتشاف
       كل هذه الصور السياحية الجنسية الخلابة كانت في أذهاننا عندما بلغنا نحن الشباب الثوریین (صوفيا) عاصمة (بلغاريا). صحيح اننا كنا نعتبر انفسنا مناضلين نرطن بالثورة والاشتراكية، الا اننا في اعماقنا كنا ننتظر بلهفة الحصول على بعض مغانم اوربا الشيوعية التي اتخمنا رفاقنا والسياح بحكاياتها الخلابة.  قلنا لنجرب اولا (مقهى يالطا) الشهيرة بعذرواتها المثقفات الشيوعيات. بعد سؤال وجواب بلغنا قلعة الحب الأممي الموعود، في قلب العاصمة. كل واحد منا قد جهز نفسه بعدة الغزل المنصوح بها، فملأنا جيوبنا بعلب(علك ابو السهم) وسكائر (الروثمن والدنهل والكريفن). كنا متيقنين بأننا سنجد المقهى عامرا بالطالبات الجامعيات الرفيقات الوديعات بنظاراتهن الطبية واسمائهمن التقدمية. دخلنا المقهى وجلسنا بكل ادب واستعلاء مصطنع، لكي نبعد عنا شبهات (التخلف الجنسي)، فنحن كما تعرفون، اناس تقدميين وبطبعنا شبعانين ولا نفكر بمثل هذه الحاجات البشرية الغريزية المنافية لروح المناضل الاممي الحقيقي!
بعد ساعات من الانتظار وإتخاذ "البوزات" الرومانسية الحالمة بإنتظار العصفورات الشقروات الحمروات اللواتي سيرفرفن علينا، بدأنا بالتدريج ننتبه من حولنا ونكتشف الحقيقة المرعبة التي لم نكن ابدا نتوقعها:
 أن هذا المقهى الملائكي الشهير، لا فيه طالبات عذروات ولا هم يحزنون، بل هو عبارة عن حانة بائسة تعتبر مقرا لكل من هب ودب من (سقط المتاع)، من مهربين وتجار عملة وسوق سوداء ومخابرات بلغارية وعملاء السفارات العربية التقدمية آنذاك(ليبيا والعراق وسوريا والسودان، طبعا مع فلسطين!). اما الفتيات، فكن من اتعس البغايا الغجريات اللواتي يحفظن عن ظهر قلب كل العبارات البذيئة بلهجات الدول العربية التقدمية المذكورة. فكانت البغي تأتي الى الزبون لتصرف له الدولارات بالسوق السوداء وتحصل منه على بنطلونات الكاوبوي وغيرها من البضائع التي كانت تعتبر نادرة في الدول الاشتراكية.
 اما بالنسبة لصاحبنا(سيد عادل)، فلا نحتاج ان نخبركم بأننا بعد سنوات وبعد العيش في اوربا، اكتشفنا حقيقته المحزنة. كان المسكين يعيش مع اوروبية بائسة خرساء شبه مقعدة يمضي معها الوقت بالسكر والتحشيش حتى مات من المرض والخيبة في عز شبابه.
                                           حقيقة المرأة الاوربية
نعم لقد احتجنا الى سنوات طويلة من الاقامة في اوربا مليئة بالخيبات والصدمات لكي نقتنع بالحقيقة البسيطة التالية:
(( ان المرأة الاوربية،رغم كل الاغلفة السينمائية الخداعة التي تحيط بها، فأنها تبقى في حقيقتها مثل كل نساء الارض، لا تمنح الجنس الا لقاء ثمن، وعادة يكون لقاء الحب والاخلاص وثبات العلاقة وتحقيق حلم الامومة، وهن الغالبية الساحقة... وهنالك اقلية من النساء يمنحن انفسهن لقاء المال والمصلحة، وهن من اطلق عليهن في كل مكان وزمان تسمية البغايا واشباه البغايا..))!
 إذن المرأة الاوربية ليست سهلة ابدا، لأنها بكل بساطة تبقى (إمرأة) تحمل نفس البدن وتعيش نفس العادة الشهرية وتحمل وتنجب وتخشى عضلات الرجل. بل هي تكاد ان تكون اصعب امرأة في العالم، لأنها بكل بساطة ((تحاول)) ان تكون مسترجلة وتعمل على ان تفرض مزاجها على اقوى الرجال. ليس لأنها بطبعها قوية، لكن القوانين ووسائل الاعلام والتثقيف كلها معها، وتضخ في رأسها ليل نهار :
((يا إمرأة انت قوية.. انت حرة.. انت دائما وابدا تمتلكين الحق ازاء الرجال الذين استعبدوك واهانوك خلال عشرات الآف من السنين. عليك ان تلبسي وتمارسي وتظهري كل خلاعاتك وتفاهاتك بحرية مطلقة ولا تهتمي ابدا لمشاعر الرجل.  واذا ابدى رجل اعتراضا على سلوكك المثير الوقح فأنه لا بد ان يكون معقدا وبعقلية فحولية مشوهة ومعادية للمرأة. واذا اكتشفت ان هذا الرجل الرافض لخلاعتك، شرقي عربي مسلم، فهو بكل يقين من اولئك الاسلاميين المتعصبين من انصار القاعدة والارهاب))!
اعرفوا، انه هنا في اوربا حضورا مرعبا للخلاعة والجنس والعشق في الشوارع وواجهات المحلات وبوسترات الدعاية والصحافة والتلفزيون والسينمات والغناء والحفلات، نعم في كل مكان هنالك طغيان جبار لمشاهد الخلاعة.. ولكن ولكن ولكن.. كل هذا ليس تعبيرا عن حضوره الفعلي في الحياة الحقيقية، بل على العكس تماما، انه نوع من التعويض المصطنع الزائف عن نقص مرعب في الحياة العاطفية والجنسية!!
      أن الثقافة الحداثية والبهرجة الاعلامية المزيفة قد فرضت على المرأة الغربية دورا استبداديا وقحا وخلاعيا، هو ضد طبيعتها الانثوية الحقيقية. تلاحظ مثلا، انه من الطبيعي جدا ان تظهر المرأة امام الرجل شبه عارية او حتى عارية تماما، في الحياة العامة وفي الشواطئ والحمامات.  لكن الرجل المسكين امام هذا الجو الخلاعي الارهابي الذي يجعل الكون كله يصرخ بالشبق الجنسي، هيهات هيهات ان يتجرأ بابداء اية حركة بل حتى كلمة غزل واحدة او  حتى كلمة سلام. فاذا كانت حضرة السيدة مؤدبة ورائقة البال فأنها قد تتفضل على الرجل بتجاهله، والاّ فأنها إن كانت منزعجة وعليها العادة مثلا، فأنها يمكن ان ترد على المسكين برفض واحتقار وكأنه تجرأ وتحارش بقديسة طاهرة محجبة بألف والف حجاب!
                                             معانات الكبت والحرمان
لا تتصوروا ان هذه الوضعية المتطرفة التي تفرض الاسترجال على المرأة والاستخناث على الرجل، نافعة حقا للمرأة وتمنحها امتيازات التمتع بالحياة. لا ابدا ابدا، بل العكس تماما. فهذه الوضعية المفتعلة المتطرفة زادت من الشقة بين المرأة والرجل وعقدت علاقتهما وصعبت حياتهما وجعلتها مليئة بالمحاذير والمشاكل التي لا تنتهي. وان غالبية النساء والرجال في اوربا يعيشون حياة عزابية وحرمان دائم من العلاقة العاطفية والجنسية، وانتشار كبير لظاهرة الطلاق الى اكثر من نصف الازواج.  وكذلك انتشار عجيب لظاهرة البغايا القادمات من اصقاع العالم، وخصوصا من اوربا الشرقية والبرازيل وآسيا وافريقيا. وكذلك ظاهرة السياحة الجنسية حيث يستفيد الرجال الاوربيون من ارتفاع قيمة العملة الاوربية لكي يمارسوا شعوذاتهم الجنسية الطفلية واللواطية في البلدان السياحية الفقيرة، بصورة اكثر ابتذالا ولا انسانية مما يمارسه السائح الشرقي الغني في اوربا. 
تصوروا ان الكثير من رجال القانون في اوربا صرحوا وحتى كتبوا الكتب التي يدعون فيها الى مراجعة القوانين وسلوكيات البوليس ازاء ما يسمى بـ (شكاوي الاغتصاب)، التي تؤدي عادة الى احكام قاسية ومدمرة ضد الرجال تكلفهم السنين الطويلة من السجن والتشويه. فكثيرا ما يحدث ان الفتاة تمضي الليلة مع شاب او عدة شباب وتسكر وتحشش معهم وتمارس كل حركات الاغراء والاثارة والابتذال، وعندما يفقد الشاب او الشباب صبرهم ويمارسوا معها الجنس، تبدأ بالبكاء والعويل على طهارتها المغتصبة!!
        لو تعرفون كم نسبة الرجال والنساء الذي يعيشون وحيدين بلا عائلة. لو تعرفون كم نسبة حالات الاغتصاب التي تعاني منها النساء، ففي فرنسا وحدها تبلغ سنويا اكثر 50 الف حالة اغتصاب تقدم فيها شكوى. هنالك سنويا حوالي الف أمرأة يقتلن من قبل ازاوجهن في فرنسا، مع اكثر من مليونين يتعرض للعنف. هنالك آلاف وآلاف البغايا العلنيات والسريات، المتفرغات وغير المتفرغات. بالاضافة الى البغايا الذكور. وهنالك آلاف الرجال الذين يضطرون بسبب الحرمان الجنسي والعاطفي ان يجدوا متعتهم فقط بالحوار الهاتفي مع إمرأة قد تكون عجوزا او ربة بيت تعبانة، لكنها تصطنع التغنج والشبق الزائف في الهاتف لتربح اضعاف الاجرة المعتادة للعامل. (لمن يرغب بمعلومات رسمية وتفصيلية، ما عليه الا ان يبحث في الانترنت  عن العبارات المعنية بهذه المشاكل بأية لغة اوربية: الاغتصاب ـ العنف العائلي ـ العنف ضد المرأة ـ البغاء).
اما حكاية مواقع الانترنت المتخصصة بالتعارف، فهي غالبيتها زائفة غايتها سرقة الرجال خصوصا. هنالك فضيحة حدثت في سويسرا عندما اكتشفوا ان الاجوبة التي يتلقائها الرجال على رسائلهم التي يبعثنوها للنساء الطالبات للتعارف، تأتي بالحقيقة من مستخدمين يعيشون في افريقيا، مكلفين من قبل الموقع بالاجابة على الرسائل، لأن النساء المعلنات هن بالحقيقة افتراضيات ليس لهن أي وجود.
نفس الحال بالنسبة لمكاتب الزواج، فهنالك فضائح كثيرة تؤكد زيفها بل ان الكثير منها بالحقيقة مكاتب للبغاء الغالي الثمن.
العودة الى المجتمع الشرقي(المتخلف)!
قد تستغربون يا اخوتي، واخواتي، ان اخبرتكم بالحقيقة الطريفة التالية:
 نعم ان حال المهاجر الاجنبي تقريبا افضل من حال المواطن الاوربي، في الحصول على زوجة. ليس لأن المرأة الاوربية تفضل الاجنبي، لا ابدا، بل لأن هذا الاجنبي ربما يمتلك امكانية أخرى للزواج بأمرأة من بلاده الاصلية!! نعم ان الكثير من الشرقيين باتوا مقتنعين بأن الحصول على زوجة في المجتمع الشرقي اسهل بكثير، فعملية تكليف المعارف بالبحث عن زوجة، اكثر صراحة ونزاهة وصدق من تلك الوسائل الغربية التجارية المبهرجة والخداعة.
فيا اخوتي من ابناء الشرق الحالمين بالمرأة، ارجوكم انسوا اوربا ونسوان اوربا، ونظموا حياتكم ومشاريعكم على اساس امكانياتكم الحقيقية. وحتى لو رغبتم بالسفر الى اوربا، فليكن موضوع الغزل آخر ما تبتغونه، فغزل اوربا ليس افضل من غزل بلادكم، لأنه في كل الاحوال يعتمد على (حال)الشخص نفسه وليس المجتمع.
تخلصوا الى الابد من هذا التقديس الحداثي العلماني لنمط الحياة الغربية. انه نمط اثبت ويثبت يوما بعد فشله وسطحيته ونتائجه الكارثية. لا نقول ان النمط الشرقي هو الافضل، بل نقول علينا ان نطور نمطنا الشرقي بما يناسب ظروفنا وتقاليدنا وحاجاتنا المتطورة.
لا تغشنكم افلام اوربا وخلاعتها الزائفة، ولا تلك الحكايات الخيالية التي تسمعونها من بعض اخوتكم الذي زاروا أو عاشوا في اوربا. فلو صدقتموها فلن تجنوا منها غير الخيبة التي عانينا نحن منها قبلكم. وسوف تضيعون الكثير من الوقت والطاقات وراء اكذوبة كبرى اسمها: نسوان اوربا! 

29
ايها العراقيون اعترفوا بثورتكم اليتيمة!

سليم مطر/ جنيف/ شباط 2009
www.salim-matar.com
www.mesopotamia4374.com

ان ادانتنا للغزو الامريكي(عام 2003) لا تمنعنا من اعتباره نتيجة طبيعية لفساد وانحطاط الوطن العراقي بأكمله دولة ومجتمع وعقلية، وانعدام القدرة على الاصلاح البطيء والمناسب. وعندما يغيب الاصلاح السلمي الواعي في الدولة والمجتمع فأن التغيير العنفي الدامي والمدمر هو الذي يحل بصورة تلقائية وحتمية، سواء بواسطة الغزو الاجنبي او بواسطة الحرب الاهلية الداخلية، او الاثنين معا، وقد حصل هذا بالضبط مرتين في تاريخ العراق الحديث: الاول،عام 1914 مع الغزو الانكليزي وما اعقبه من حروب داخلية ومجاعات وطواعين بلغت ذروتها في انتفاضة 1920. الثاني، عام 2003 مع الغزو الامريكي وما اعقبه من حرب طائفية مدمرة.
                                                  الثورتان الاولى والثانية
نقصد بالثورة، ليس كما يفهم عادة بأنها الانتفاضات العنفية ضد الدولة او الحكام الاجانب، بل نعني خصوصا التغييرات الجذرية التي تحدث في الدولة والمجتمع والعقلية السائدة. ان الانتفاضات والحروب هي مقدمات الثورة، اما الثورة الحقيقية فهي المتغيرات الجذرية التي تنقل الوطن بأكمله من عصر قديم الى عصر جديد، دولة ومجتمع وعقلية.
 يمكن تشبيه حال الوطن مثل طفل ينمو ويكبر جسمه وحاجاته وعقليته، لكن اهله(الدولة والمجتمع والعقلية السائدة) يجبرونه على البقاء طفلا والاحتفاظ بذات الثياب والطعام والادوات والعقلية الطفولية. بعدها لا بد ان يأتي اليوم الذي يثور فيه الغلام ليمزق ثوبه ووضعيته الحياتية القديمة ويؤسس لوضعية ملائمة جديدة تناسب عمره وحاجاته.
  بناء على هذا، فأننا لو دققنا جيدا في تاريخ العراق الحديث، سنكتشف ان الانقلابات العسكرية التي اطلق عليها(ثورات) وخصوصا تلك(التموزيات العسكرية: 14 و 17 و30) بالاضافة الى (شباط 1963) وقبلها (حركة الكيلاني 1941)، ماهي الى(جعجعات عسكرية) و(تغييرات حكومية داخلية) فاشلة او ناجحة. رغم كل الممارسات العنفية التي رافقتها، الا انها لم تمس غير القيادات الحكومية، وابقت على الدولة واجهزتها ومؤسساتها والفئات التي تتكون منها والهرم الاجتماعي والعقلية(الحداثية) السائدة. ربما يمكن اعتبار انقلاب(14 تموز 1958) اكثرها جذرية واقربها الى الثورة، لأنه ازاح الفئة الملكية ومعها فئة الاقطاع، الا انه ابقى على اهم عامل مكون للدولة العراقية، ونعني به : التكوين الطائفي ـ القومي، بالاضافة الى التكوين الثقافي الآيدلوجي الحداثي، بمنوعاته اليسارية والقومية والليبرالية. اما التغييرات الجذرية الحقيقية التي عاشها العراق فأنها حصلت مع الثورتين الكبيرتين اللتين غيرتا تماما بنية الدولة والمجتمع والعقلية:
ـ الثورة الاولى ( 1914 ـ 1921) التي ازاحت الدولة العثمانية وبنيتها الاجتماعية وعقليتها الاسلامية العثمانية بكاملها لتحل محلها الدولة العراقية(1921) الملكية ثم الجمهورية، ومعها البنية الاجتماعية الجديدة والعقلية الحداثية ـ القومية ـ الطائفية.
ـ الثورة الثانية(2003 ـ 2009)، التي اكملت نواقص الثورة الاولى، فازاحت الدولة القومية الطائفية السابقة، وغيرت تماما الهرم الاجتماعي المشوه والعقلية الحداثية المتحكمه فيه، لتحل محلها الدولة الوطنية الممثلة لجميع الطوائف والقوميات والهرم الاجتماعي شبه المتوازن والعقلية الواقعية التي تعبر عن عقائد وميراثات الشعب.
     
الثورة العراقية الاولى 1914 ـ 1921
ان هذه الثورة تعتبر (اعادة ميلاد الامة العراقية) واخراجها من حالة (الانقبار) التي عاشتها خلال حوالي سبعة قرون، أي منذ انتهاء آخر دولة عراقية بعد سقوط بغداد  العباسيةعلى يد المغول عام 1258.
ان الاحتلال الانكليزي الذي بدأ عام 1914 كان (القابلة) التي اشرفت على (حالة المخاض) القاسية الدامية التي اطلقت وحوش الدمار بحروب دولية وداخلية ومجاعات وامراض وانتفاضات شعبية، دامت حوالي سبعة اعوام(1914 ـ 1921)، ادت اخيرا بالانكليز الى الموافقة على تكوين دولة عراقية مستقلة بقيادة الملك فيصل الاول.
ان هذا التغيير يعتبر ثوريا لأنه غير بصورة جذرية (الدولة والمجتمع والعقلية)، وأعاد احياء امة عريقة منسية، هي الامة العراقية. فالدولة انتقلت من جزء من امبراطورية اسلامية عثمانية مقرها اسطنبول، الى دولة عراقية مستقلة مقرها بغداد ويقودها عراقيون ويحميها جيش عراقي ويحرس امنها شرطة عراقيون. اما من الناحية الاجتماعية، فقد تمت ازاحة كاملة للطبقة العثمانية السابقة القادمة من خارج العراق(بلقان واتراك وقفقاس)، لتحل محلها طبقة عراقية مع عقلية وممارسات وثقافة مختلفة تماما. بل ان التغيير قد مس حتى لغة الدولة وثقافة المجتمع، بحيث اصبحت العربية هي اللغة الرسمية والسائدة، بعد ان كانت(التركية العثمانية).
يبقى ان نشير، الى ان هذه التغييرات الثورية لم تكن (قومية) ضد(الاتراك) كما صورها العروبيون، بل هي ثورة شاملة لكل شعوب الدولة العثمانية ضد امبراطورية عجوز مهترية. واوضح دليل، ان النخب التركية نفسها كانت اول من عمل على التغيير، وقد قامت بثورتها فيما بعد بقيادة الزعيم(مصطفى كمال)، حيث اطيح بالنظام العثماني وأسس الجمهورية التركية.
ان العيب الكبير الذي عانت منه الثورة العراقية(مثل غالبية ثورات العالم الثالث في تلك الفترة) هو ضعف النخب المثقفة والدينية العراقية وعدم قدرتها على التحالف والتعاون من اجل صنع الثقافة والمشاريع الوطنية الواقعية المناسبة للمرحلة الجديدة. لقد حدث شرخ هائل بين المثقف العصري والمثقف الديني، ادى الى عزل النخبة الدينية وسيطرة المثقفين وتبنيهم الساذج للثقافة الحداثية الغربية البعيدة تماما عن الواقع الوطني، تحت رايات اليسار والليبرالية والقومية.
ان هذا التشويه الثقافي من اهم الاسباب التي جعلت هذا التغيير الثوري عاجز عن تنفيذ متطلبات اكمال(الهوية الوطنية) لهذه الامة العراقية الوليدة. صحيح ان دولة عراقية قد قامت ويقودها عراقيون، ولكن بسبب سيطرة العقلية القومية (والطائفية المستترة) فقد تم ابعاد الشيعة والاكراد والتركمان وباقي الفئات العراقية من قيادة الوطن،(الا بصورة تكتيكية محدودة) حيث ظلت القيادة حكرا على (العرب السنة). وهذا التقصير لا يتحمل مسؤوليته فقط العرب السنة وحدهم(بميراثهم الطائفي العثماني)، بل الشيعة والاكراد والتركمان ايضا. الشيعة لانهم تاريخيا وبسبب المنافسة العثمانية الايرانية، بقوا (دينيا) تابعين للتأثير الايراني، من ناحية، وتأثير المراجع الانعزالية المتعالية وشبه الاجنبية، من ناحية ثانية.  اما الاكراد فقد ظلوا ضحية القيادات(الجبلية الانعزالية) التي ترفض الاستفادة من الامر الواقع وتتمسك بمشاريع قومية متعصبة وانفصالية وامبراطورية جعلت جميع دول المنطقة تخشى اشراكهم. التركمان تقريبا لنفس الاسباب مشتركة ولكن بصورة اقل حدة وتطرف.
الثورة  العراقية الثانية 2003 ـ 2009
ان هذه الثورة الثانية اتت وهي الآن في طريقها لانجاز ما عجزت عنه الثورة الاولى، أي مهمة (اتمام تكوين الهوية الوطنية) لهذه(الامة العراقية) التي هي في طور النضوج. أي الغاء (التشوية القومي ـ الطائفي) بسبب استحواذ(فئة العرب السنة) على قيادة الدولة، والعمل على رد الاعتبار الى (العرب الشيعة) و(الاكراد) و(التركمان) في الدولة والمجتمع. وكذلك المهمة الثانية الاصعب فهي التي تبتغي تغيير (العقلية القومية ـ الحداثية الغربية) المهيمنة، لتحل محلها :عقلية وطنية وسطية واقعية معبرة عن الواقع العراقي بخصوصياته الدينية والمذهبية والقومية والمناطقية والحياتية.
نهضة الشيعة الشراگوة
ان هذه الثورة الوطنية ما حصلت الى نتيجة تراكم المتغيرات الاجتماعية والعقلية في داخل المجتمع العراقية طيلة القرن العشرين. واكبر هذه المتغيرات تمثلت بصعود فئات جديدة الى قيادات الهرم الاجتماعي، بسبب المتغيرات الحاسمة حصلت لدى شيعة العراق. ان تكوين الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وما تطلبه من جيش وشرطة وادارات وصناعات، ادت الى هجرات تاريخية كبيرة من الجنوب وخصوصا من محافظة ميسان الى المدن العراقية الكبرى، وبالذات  البصرة وبغداد. حتى تحولت هاتين المدينتين الى غالبية شيعية جنوبية(شرگاوية ـ أي من جنوب العراق). الملايين من المهاجرين الفقراء الذين يعيشون في اطراف العاصمة وباقي مدن الجنوب والوسط (مدينة الثورة نموذجا) ظلوا مهمشين محتقرين، حتى تمكن ابنائهم من فرض انفسهم في الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية. ومع الزمن برزت نخب سياسية وثقافية(شيعية شرگاوية) تختلف تماما عن النخب الشيعية السابقة. فهي نخب عراقية جنوبية اصيلة خارج النفوذ الايراني وخارج سيطرة المرجعيات الانعزالية المتعالية وشبه الاجنبية. نعم ان ابناء مهاجري الجنوب أخذوا يتعلمون ويبرزون في مختلف المجالات، حتى فرضوا انفسهم في داخل مؤسسات الدولة والاحزاب وفي اعالي الهرم الاجتماعي.
 ان هذه التغييرات البطيئة كانت تتطلب وتحتم تغييرا في قيادات الدولة وفي سلوكيات الهرم الاجتماعي وطبيعة العقلية السائدة. لكن الحكومات العراقية ظلت متمسكة بالمناطقية الطائفية في قيادات الدولة والمجتمع، مبررة ذلك بخطاب حداثي عروبي ثوري زائف ومنافي للواقع. ثم ان القوى السیاسة العراقیة الشعبية القومية والشيوعية، جمیعها کانت متواطئة مع هذا التشويه الطائفي السائد، ورغم معارضتها للحكومة الا انها تشترك معها في تبني الخطاب الحداثي العروبي المنفصل عن الواقع. وقد ادى هذا الوضع الى لجوء النخب الشيعية الشرگاوية خصوصا( كذلك باقي الفئات الشيعية المهمشة مثل التركمان والفيلية وكذلك الشبك) الى خلق قوى سياسية شيعية خاصة بها(مثل حزب الدعوة)، معارضة للدولة وبنفس الوقت بعيدة عن هيمنة ايران والمرجعيات الانعزالية، وبعيدة ايضا عن هيمنة القوى الحداثية المزيفة. بل ان هذه النخب الجديدة افرزت مراجع دينية وطنية شعبية ملائمة لها، مثل (الامام محمد باقر الصدر ثم الامام صادق الصدر). طبعا ايران كعادتها قامت بمحاولة الاستحواذ على هذه النخب الشيعية الناهضة، من خلال تأسيس المجلس الاعلى، لكن هذا التأثير ظل مؤقتا ونسبيا، وفي طريقه الى الانحسار.
الهجرة الكردية من الجبال الى السهول
ثمة ظاهرة اجتماعية ثانية حدثت ايضا طيلة القرن العشرين، وساهمت في تراكم اسباب التغيير الثوري في الوضع العراقي. وهي الهجرة الكبيرة لاكراد العراق من مناطقهم الجبلية المعزولة، الى سهول شمال العراق حيث المدن العامرة، وبالذات الى اربيل والموصل وكركوك بالاضافة الى العاصمة بغداد. ان انتقال الاكراد الى هذه المدن العراقية، منحهم قدرة التأثير المباشر على الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية في الوطن وجعلهم يختلطون من كل النواحي مع باقي اخوتهم في الوطن. كذلك هذه الهجرة اكسبتهم وعيا وثقافة جديدة. وهذا الوضع يفسر سبب تمسك القيادات التقليدية الكردية ذات العقلية الجبلية العتيقة بالخطاب القومي العنصري، على امل الحد من تأثير هذه الانفتاح السهلي للاكراد. نعم ان هذه الهجرة نحو السهول العراقية قدر ما منح الاكراد قدرة للتأثير المباشر على الوضع العراقي، قدرما منح ايضا للوضع العراقي قدرة للتأثير على الاكراد مجتمعا وعقلية، ودفعهم اكثر واكثر بالانصهار بالحالة العراقية. وهذه الحالة الكردية المزدوجة هي التي تواجهها الآن الثورة العراقية الحالية.
   ان السنوات القاسية الماضية للثورة قد حلت الاشكالية الطائفية من خلال عقلنة التفاهم(الشيعي ـ السني)، والسنوات القادمة في طريقها لحل الاشكالية القومية من خلال عقلنة التفاهم(العربي ـ الكردي ـ التركماني).
وبهذا تستحق الثورة العراقية الحالية عن جدارة ان تسمى( ثورة اكتمال الامة العراقية) من الناحيتين الطائفية والقومية.
ربما يمكن اعتبار الانتخابات الاخيرة لـ (مجالس المحافظات) في مفتتح هذا العام(2009) نقطة التحول التاريخية الكبرى لهذه الثورة وانتقالها من مرحلة(حفر الاسس) وما صاحبها من دمار عنف، الى حالة التجذر والبناء.
فأيها العراقيون، انتبهوا الى ثورتكم الحالية واعترفوا بها وطوروها ولا تبقوها هكذا ثورة مجهولة يتيمة..
ـــــــــــــــــــــــــــ
ـ اما الناحية العقلية(الثقافية) لهذه الثورة  ودور النخب العراقية المثقفة والدينية، فلنا موضوع قادم.


30
القضية الكردية وخطر الانقراض!!
سليم مطر/ جنيف/ كانون الثاني 2009
www.salim-matar.com
www.mesopotamia4374.com

يتداول بعض المثقفين الاكراد من الذين خابت آمالهم بتجربة الادارتين الكرديتني في شمال العراق، الاطروحة الخطيرة التالية:
ان القضية الكردية في طريقها الى الانتهاء!!
وحينما تحاورهم عن مقصدهم بمثل هذا الكلام الخطير، يجيبونك بكل قناعة:
ـ  اننا نعني بنهاية القضية الكردية، بأنها سوف تنتهي كـ (قضية قومية كبرى) بالنسبة للعراق وللعراقيين، وتأخذ(حجمها الحقيقي) الذي تستحقه بعد ان كانت خلال اجيال واجيال اكبر من حجمها الحقيقي بعشرة اضعاف على الاقل، شعبيا وسياسيا وثقافيا وعسكريا. أي انها ستصبح بمستوى قضية اكراد ايران واكراد تركيا واكراد سوريا، ذلك المستوى الحقيقي المساوي لحجمها السكاني والجغرافي.   وربما يكون هذا الانحدار بداية النهاية؟!
 لا ننسى ان المحافظات الكردية العراقية، هي ثلاث من بين 18 محافظة، وان نسبة الاكراد 17% حسب الارقام الرسمية الحالية(وتتضمن جميع اكراد العراق)، بينما هذه القضية ظلت تحتل من الاهمية والتأثير وكأن الاكراد يشكلون ثلاثة ارباع العراق شعبا ومساحة!!

العراقيون هم الذين نفخوا القضية الكردية!
وعندما تسأل هؤلاء المثقفين الاكراد، عن السبب الذي قد جعل هذه القضية بتلك الضخامة المبالغ بها، ثم السبب الذي سيجعلها تفقد هذا الامتياز وتنخفظ الى حجمها الحقيقي الواقعي، يجيبونك:
ان الفترة الاخيرة بدأت تكشف لنا  نحن الاكراد، تلك الحقيقة التي هي من القوة والوضوح بحيث اننا لم ننتبه اليها  من قبل:
ان القضية الكردية العراقية من دون تضامن غالبية العراقيين وتبنيهم لها، فأنها لا يمكن ان تحيا وتستمر ابدا ابدا.
نعم لقد اقتنعنا بهذه الحقيقة القاسية التي يصعب علينا الاعتراف بها: ان قضيتنا رغم انها في جوهرها موجهة ضد العراقيين، الا انها ما عاشت واستمرت بالحياة والنمو اللا بفضل دفاع العراقيين عنها بل تقديسهم لها!!!
نعم ان السنوات الاخيرة، قد بدأت تقنع حتى قياداتنا القومية نفسها، بأنه القضية الكردية بالنسبة للتضامن العراقي معها، ظلت دائما مثل السمكة في الماء. لو راجعنا بواقعية وضميرية تاريخ الحركة الكردية منذ اعوام العشيرنات وحتى الآن، سوف نجد ان العراقيين(من غير الاكراد) نخبا واحزابا ظلوا يدافعون وبدرجات مختلفة عن هذه القضية. ومنذ اعوام الاربعينات وحتى اعوام الثمانيات حيث اصبح الحزب الشيوعي العراقي الحزب الاكبر والمؤثر الاساسي في العقل العراقي، ظلت القضية الكردية هي القضية المحورية الكبرى لدى هذا الحزب ولدى جميع اعضائه وانصاره والمتعاطفين معه، بل ان الجزء الاعظم من قيادي هذا الحزب كانوا من الاكراد المؤمنين تماما بهذه القضية.
ان الحزب الشيوعي العراقي هو الذي علمنا نحن الاكراد وعلم جميع العراقيين كيفية تقديس هذه القضية، باعتبارها ( قضية عادلة)، وعمل على تطبيق جميع الطروحات السوفيتية المعادية للاستعمار عليها، من مثل فكرة (حق الشعوب بتقرير مصيرها)، وان(الاكراد قد تم تقسيمهم وضمهم بالقوة الى بلدان الشرق الاوسط)، بينما بالحقيقة اننا  نحن الاكراد نعرف جيدا بأننا منذ فجر التاريخ بقينا متفرقين ولم نستطع ابدا ابدا ان نؤسس أية  دولة كردية موحدة، واقصى ما انجزناه هي امارات كردية متحاربة وتابعة لدول المنطقة. جميع اخبار التاريخ تتفق على ان اكراد ايران كانوا دائما ضمن ايران، وان اكراد العراق كانو دائما ضمن العراق، وان اكراد الاناضول(تركيا) كانو دائما ضمن الاناضول.
نعم ، ان ايمان ودفاع العراقيين وبتأثير الشيوعيين عن هذه القضية قد فرض نفسه حتى على حزب قومي عروبي مثل حزب البعث، الذي اضطر ان يتعامل ع هذه القضية(على الاقل نظريا وعلنيا)  بصورة انسانية متقدمة جدا من خلال مشروع الحكم الذاتي.
لقد بلغ ايمان الاجيال العراقية بهذه القضية ان الكثير من اليساريين العراقيين ومنذ اعوام الستينات قد تطوعوا للقتال وضحو بحياتهم من اجلها، رغم ان الميليشيات القومية الكردية استقبلتهم بالمذابح الجماعية.
ان العراقيين ونخبهم الفاعلة ظلوا دائما يمنحون الطاقة الحيوية للقضية الكردية، ليس على الصعيد العراقي وحده، بل حتى الصعيد العربي والشرق اوسطي. فلولا العراقيين لما عرف العرب وخصوصا اليساريين العرب هذه القضية ودافعوا عنها واعتبروها قضية عادلة تكاد ان تكون بمستوى قضية فلسطين.  وهذا الدفاع العراقي والعربي عن هذه القضية هو الذي منحها ايضا هذه الرصيد العالمي الذي تمتعت به حتى سنوات قريبة.

العراقيون هم الذين بدأوا بفشٍِ القضية الكردية!
ويضيف هؤاء المثقفون الاكراد الذي يعيشون نوعا من الثورة في مراجعة جميع اطروحاتهم القومية التي آمنو بها خلال سنوات وسنوات، وهم ويأملون الآن ايجاد بديل عقلاني لهذه القضية التي بدأت تفقد حيويتها وهالتها المعروفة:
  نعم مثلما العراقيون هم الذين نفخوا هذ القضية ومجدوها الى حد التقديس، تراهم هم  ايضا الذين بدأوا يفشونها، بعد ان خابت آمالهم تماما بها واكتشفوا انهم مخطئون بالتضامن معها!
ان افضل واسطع تعبير مكثف لتبدل الموقف ازاء هذه القضية يكمن في الصورة التالية:
  ـ ان العراقيين ومعهم العرب، كانوا يشبهون القضية الكردية بقضية فلسطين، بينما هم الآن يميلون الى تشبيهها بالمشروع الصهيوني!!
ان سنوات بعد الاجتياح الامريكي 2003 كانت حاسمة تماما بانهيار هذه القضية في عيون العراقيين، بل ايضا في عيون الاكراد انفسهم. ويعود هذا الى عاملين حاسمين:
ـ لأول مرة في تاريخ هذه القضية، تحصل قياداتها القومية على نوع من الاستقلال، وتمارس سلطتها الخاصة بها في المحافظات الشمالية الثلاث: اربيل والسليمانية ودهوك. كل العراقيين يعرفون الآن نوعية الممارسات العنصرية والتعصبية التي قامت بها هاتين السلطتين، ضد الاكراد انفسهم وضد جميع الفئات العراقية، من كل النواحي: القمعية والاستغلالية والعنصرية. فلم يعد هنالك صديقا واحدا لهذه القضية بين جميع الفئات العراقية وخصوصا في شمال الوطن. فلا السريان المسيحيون ولا التركمان ولا اليزيدية ولا الشبك، بالاضافة الى العرب في الموصل وكركوك وديالي الذين عانوا الويلات من قمع البيشمركة والاشاوس(الامن) الكرديين.  لقد انكشفت امام العراقيين جميع الطروحات والممارسات العنصرية التي تبتغي الاستحواذ على شمال وبعض وسط العراق وتكريده بصورة تماثل تقريبا ممارسات اسرائيل في فلسطين.
ـ  اما العامل الثاني بحسب هؤلاء المثقفين الاكراد، وهو ايضا حاسم في اضعاف تأثير هذه القضية على العراقيين، هو:  ضعف اليسار العراقي وبالذات الحزب الشيوعي، الذي كان بالحقيقة يستحق ان يطلق عليه (الحزب الكردي الشيوعي العراقي)، لأن المناضلين الشيوعيين صدموا في اعوام التسعينات وبعد قيام السلطتين الكرديتين شبه المستقلتين، كيف ان غالبية قيادي الحزب الشيوعي(امثال السكرتير الاول عزيز محمد، والقادة كريم احمد وبهاء الدين نوري وغيرهم) كشفوا عن تعصبهم القومي الكردي وقرروا الرحيل الى كردستان وارتدوا الشراويل واللفات واعلنوا الانفصال عن الحزب الشيوعي العراقي وتكوين(الحزب الشيوعي الكردستاني)، وراحوا يزاودون بالطروحات القومية حتى على القوميين الاكراد انفسهم!

خيانة التضامن!
  يضيف هؤلاء بكثير من المرارة والخيبة:  نحن المثقفون الاكراد نتحمل الجزء الاكبر من الخطأ، لأننا المعنيين اكثر من قياداتنا السياسية بتقصي الحقائق والكشف عنها، فلم ننتبه ابدا الى هذه الاهمية الحاسمة في موقف العراقيين الداعم لقضيتنا. بل اننا على العكس اصبنا بالغرور بعد حصولنا على هذه السلطة شبه المستقلة وتصورنا بكل سذاجة بأننا سوف ننتصر في مشروعنا القومي ولن نحتاج الى أي تضامن وتحالف معنا. تكفينا ذاتنا وأحقادنا المتراكمة على شعوب الشرق الاوسط من جيراننا( الاتراك والعراقيين والايرانيين والسوريين). بدأنا بالتنكر لكل التضامن العراقي والعربي التاريخي معنا، ورحنا نعلن عدائنا الشرس لكل ما هو عراقي وعربي. بل بلغ بنا الحال اننا رحنا نعادي حتى اللغة العربية باعتبارها لغة المستعمرين، رغم انه حتى الشعوب الاسلامية الكبرى مثل باكستان وايران واندونسيا يعتبرون العربية لغة اساسية بسبب ميراثها وحضورها الديني والتاريخي. ورحنا نربي الاجيال الكردية ليل نهار على ان كل مصائب الاكراد آتية من العرب، وانهم بدو همج وحتى ان وجد فيهم مثقف فأنه لا بد ان يكون بعثيا! وان العرب منذ قدم التاريخ يقومون بنهب النساء الكرديات ويحولنوهن الى جواري وبغايا. وربينا الاطفال على ان الانجاز الوحيد الذي قام به العراقيون في كردستان هو( مجازر حلبجة) بحيث ان الطفل الكردي صار عندما يسمع كلمة عراقي او عربي تأتيه تلقائيا صور مجازر حلبجة!!
ما هو الحل؟!
ويستمر هؤاء المثقفون الثائرون  في طروحاتهم النقدية المتألمة على الحالة المرثية التي انحطت اليها القضية الكردية. ان حكاياتهم شروحاتهم ومراجعاتهم يمكن ان تملأ الكتب والبحوث. وحينما تقول لهم انه لا يكفي النقد والتشكي، بل من الضروري ايجاد الحلول، فأنك بعد مداولات وجدالات تفهم منهم النتيجة التالية:
ان القضية الكردية العراقية، مهما كانت خصوصيتها، فانها بالحقيقة جزء من قضايا الشعوب التي يعيش معها الاكراد. فأنها في العراق يجب ان تكون قضية كل العراقيين، ولا يمكن ان تحيا وتستمر الا بأيمان العراقيين بها ودفاعهم عنها. ومهما فعلت قياداتنا بشراء ذمم بعض الاعلاميين والمثقفين العراقيين من اجل التطبيل لهم، فأن هذا لا يكفي، لأن المطلوب اعظم بكثير من حملات اعلامية وتزويقات تلفزيونية.
 المطلوب الحقيقي هو كسب العراقيين واحياء ايمانهم  وثقتهم المفقودة في القضية الكردية. ومن اجل هذا يتوجب على النخب والقيادات الكردية ان تتخلى الى الابد عن الطروحات العنصرية والانفصالية ومشروع(كردستان الكبرى). أي أن تتحول القضية الكردية الى قضية عراقية مئة بالمئة، بدلا ان تكون ضد مصالح العراق ووحدته واستقراره كما هي عليه الآن.  أي بصورة اوضح : ان تكون مطالب حقوق الاكراد جزءا من مطالب حقوق العراقيين جميعهم. وان يؤمن الاكراد انفسهم قبل باقي العراقيين، بأن مصالحهم القومية لا تتعارض ابدا مع مصالح الوطن العراقي ووحدته.  وهذا يعني بكل بساطة العودة الى الشعار القديم الذي كانت ترفعه النخب العراقية الكردية واليسارية حتى اعوام التسعينات:
الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان!
والا فأن القضية الكردية سوف تنقرض مثل الكثير من القضايا التي تطرفت فيها قياداتها واصابها الغرور والتعجرف فتناست الواقع وفقدت الحلفاء. لنتذكر على الاقل تجربة البعث ونظام صدام.

31
رحماك يا رب.. لقد قتلت اخي!!
سليم مطر/ جنيف/ كانون الثاني 2009
www.salim-matar.com
www.mesopotamia4374.com

الى ارواح جميع اخوتي في العراق وفي الارض جمعاء، الذين قتلهم اخوتي في العراق وفي الارض جمعاء!!

آوه يا لخطيئتي التي ما بعدها خطيئة.. لقد قتلت اخي، بيدي الآثمتين هاتين .. نعم  انا قابيل ابن آدم، قد قتلت اخي وحبيبي هابيل. وا ويلتاه ها انت يا حبيبي، بدن بلا حياة..، فمك لا ينطق وعيناك نائمتان..
 لا ادري منذ كم من ازمان وازمان وانا احملك على ظهري هائما في البراري حائرا استغيث بالله وامي وابي لتعود الي كما كنت دائما. انت جامد بلا حياة،  اداعبك فلا تضحك.. امنحك الطعام فلا تأكل.. اناديك، استغيث بك، فلا تسمعني...  يا أخي،  اهمس لي وله بشهقة، اشفق علي ولو بنظرة..
يا الله يا خالق الاكوان  هب الحياة من جديد الى حبيبي هابيل.. انت الذي َزَيَّنَّت السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْتها رُجُوماً للِّشَّيَاطِين. إنت الذي يعلم غيب السماوات والأرض وما نبدي وما نكتم.. انت الذي شئت ان تجعل في الأرض خليفة وتخلق بشراً من طين. رغم احتجاجات ملائكتك الذين قالوا:     
   ـ انك ستجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟
نعم انك يا ربي  خلقت أبي  آدم من تراب، كالفخار، وخاطبته: كن فيكون..
ثم أمرت ملائكتك: اسجدوا لآدم.  فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين.
وبعد ان خلقت امي حواء من ضلع ابي، خاطبته: يا أدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين.
 لكن شهوة التمرد وملاكك ابليس الثائر ضدك انتقم وأزلهما عن طريقك وأخرجهما من نعيمك.
فاهتزت صرختك الغاضبة ياربي هادرة في اقاصي الكون:
ـ اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين.
وعندما شرع ابي وامي بالبكاء وطلب الغفران، خاطبتهما أنت التواب الرحيم:
ـ إهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
*     *     *
كيف يا الهي تركتني اقتل شقيق عمري وعضيدي وخليلي.. كيف اعيش من بعده.. كيف ابقى في هذه الدنيا وانا قاتله وهو توأمي، هو ذاتي انا.. آه من الغيرة، كم هي جبارة طاغية لا ترحم. كنت راعيا واخي مزارعا، نعيش بمحبة وتعاون. وعندما طلبت يا ربي قربان لك، قدم اخي حمل سمين وقدمت انا ثمار ، لكن نيرانك الهابطة من السماء اكلت حمل هابيل وأبت ثماري. وعندما صرخت انا به دون تفكير(لأَقْتُلَنَّكَ)، اذا به يرد علي بهدوء:
ـ  إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ من  الْمُتَّقِينَ. لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ..
حينها اجتحاني غضب ارعن فحملت حجرا اسود ورميته به. انا يا ربي اردت فقط ان أوذيه وابكيه، لا لأقتله، لكنه اطلق صرخة وجع لم اسمع لها مثيلا ما زال صداها يلهب اعماقي، وسقط ارضا وسوائل حمراء حارة تنزف من رأسه مثل حمم براكين. واذا بصوتك الجليل يا الهي يهز الوجود صارخا:
ـ ماذا فعلت يا قابيل يا ابن آدم؟ هاهو دم أخيك يعول شاكيا في  انحاء الأرض. لتحل عليك اللعنة  من ذات الأرض التي فتحت فاهها لتشرب دم أخيك من يدك. مهما كافحت فلن تمنحك ثمارها. ستظل الى الابد تائهاً هارباً  في البراري والقفار .
*     *     *
ايه يا وحوش الغابات والبراري تعالي ابكي معي، اندبي هابيل، انهشيني عذبيني خذي مني روحي كما اخذت انا روح اخي.. وانت يا حجر، آه نعم انت ياحجر من اين اتتك تلك القدرة العجيبة لتسلب مني روح  مَن لا روح عندي من بعده؟ كيف اذوق الطعام  يا حبيبي وانت جائع.. كيف انام وانت في نومتك الابدية.. سأظل احملك على ظهري حتى يستجيب الله لدعائي ويعيد الحياة اليك..
وانتم يا أبي وامي واخوتي، لا تسامحوني ابدا على خطيأتي، ولن اعود اليكم الا وأخي يسير امامي حيا مثلما كان.. انت يا حواء يا امي وسيدتي ومانحتي الحب والحياة، كيف لي انا اعود اليك وقد قتلت ابنك وحبيبك هابيل.
وانت يا شقيقتي يا توأمتي ومعبودتي، اهجريني امقتيني فانا لا أستحق منك غير الصد والهجران لان حبي لك وغيرتي عليك هي التي زرعت الضغينة في قلبي ضد اخي وسولت لي قتله لكي تظلين انت توأمي  لي وحدي..
تعالي يا طيور احملينا انا واخي الى اقاصي الاكوان، الى سابع السموات، هنالك في عرش الخالق العظيم، اريد ان اطلب الرحمة، ابكي واستغيث واستجير بالحاكم الجبار ان يأخذ روحي ويمنحها لأخي كي يعود حيا وانا ارحل الى عوالم الغياب..
آه تبا للحب الذي يخلق الحقد.. كيف لشتلات النور ان تثمر الظلام.. ولأغاني الفرح ان تبكي العيون؟!


32
نعم أيها المالكي، نحن معك.. ولكن؟
سليم مطر/ جنيف
تشرين ثاني 2008
www.salim-matar.com
 www.mesopotamia4374.com

ان الضمير الوطني العراقي يتطلب من كل الحريصين على سلامة شعبنا ومعالجة جراحه، ان يلجأوا الى العقلانية والواقعية في حكمهم على الامور، من دون مزاودات وثورچيات وبطولات زائفة تحكمت بنا خلال اجيال واجيال ولم تجلب لنا غير المغامرات الفاشلة والثورات الدامية والحروب الخاسرة.  دعونا نضع شعاراتنا الخلابة البراقة على جنب، وننظر الى الامور بعين واقعية، مثل طبيب امام انسان عزيز يعاني عذابات المرض. فلا نبتغي غير الحلول العملية التي تجنبنا الكارثة وتحل الشفاء والسلام والاستقرار في وطننا الجريح. 
من اهم شروط الرؤية الواقعية الوسطية، تجنب التطرف في الاحكام السلبية او الايجابية، اما الرفض العنيف او الخنوع المتملق، بل اعتماد الاحكام العقلانية الوسطية التي تشيد بالمحاسن وتنتقد العيوب، وتطرح الحلول.
هنا محاولة لتطبيق هذه الرؤية الواقعية الوسطية ازاء شخصية مهمة جدا في الوضع العراقي الحالي، الا  وهي شخصية الرئيس نوري المالكي.
                                               وضعية المالكي
تقلد المالكي منصب رئاسة الحكومة العراقية منذ حوالي ثلاثة اعوام. وهو يواجه بصورة مستمرة تجاذبات وضغوطات مختلف القوى العراقية المتنافسة والمتصارعة، بالاضافة الى القوى الاقليمية والعالمية وعلى رأسها امريكا ودول الجوار.
هنالك القوى الطائفية، شيعية وسنية، التي تخشى على مصالحها الطائفية من استقرار الدولة العراقية وقوتها. فمثلا، ان جماعة الحكيم لا زالوا يحلمون بتكوين(امارتهم) الطائفية في الجنوب، على غرار الامارات القومية في الشمال. ثم ان الجماعات العنفية المسلحة، مثل القاعدة والبعث، رغم تراجعها الكبير، ما زالت تعمل على تدمير الدولة العراقية بحجة مقاومة الامريكان.
منذ فترة والاعلام القومي الكردي يشن حملة شعواء ضد (المالكي) بسبب اقتراحه تعديل الدستور وتكوين (مجالس اسناد شعبية). وعلى عادة هذا الاعلام العنصري فأنه لا يعرف أي قيم وحدود في طرح خلافاته مع الآخرين حتى لو كانوا حلفائهم وشركائهم في الحكومة! وقد بدأت هذه الحملة الشعواء  بالتصريح الناري الذي اطلقه السيد البرزاني واصفا اعضاء مجالس الاسناد بـ (الجحوش والخونة) وهذه دعوة صريحة الى قتلهم، بل يمكن ان تبرر حتى قتل المالكي نفسه!!
انجازات المالكي
مهما اختلفنا مع المالكي، فأن الواجب الضميري الوطني يحتم علينا الاشادة بأنجازاته الوطنية. حتى خصومه يعترفون بأنه خلال سنوات حكمه حقق اعظم خطوة يحتاجها العراق:
ـ قيادة سفينة الوطن في لجة طوفان الحرب الطائفية ومخاطر التفتت والدمار، الى شاطئ الأمان والسلام والوحدة الوطنية.
ان نجاح المالكي هذا يقينا يعود الى عوامل عديدة، اهمها روح السلام والتوحد التي ظلت متوهجة في اعماق العراقيين رغم الاعاصير التي اجتاحت بلادهم.  لكن هذا النجاح يعود ايضا الى شخصية المالكي نفسه وتمتعه بصفات اساسية للقائد السياسي الذي يحتاجه العراق:
ـ من الناحية العقائدية، فأنه يتحلى بأهم  واول ميزة يجب ان يتحلى بها أي زعيم عراقي:
((الوطنية العراقية...))
 فرغم ماضيه الحزبي الطائفي(كأحد زعماء حزب الدعوة) الا ان المالكي وبعد تجربة الحكم، اثبت انه قادر على الارتفاع الى مستوى رجل الدولة العراقي الحريص على تمثيل العراقيين بمختلف تنوعاتهم، والكفاح من اجل احترام الدولة وفرض حضورها في كل انحاء الوطن..
ـ اما من الناحية الشخصية، فان المالكي يجمع بين ميزتين متكاملتين وضروريتين جدا لأي زعيم: ((الحزم والمرونة)). أي انه يتقن الى حد كبير، كيفية التمسك بقراره والاصرار علي تنفيذيه مهما كانت التحديات والصعاب، ثم بنفس الوقت، تجنب الوقوع في الغرور والتعنت والفردية الطائشة، بل الاستخدام الناجح والمحنك لأسلوب الحوار والتشاور والصبر من اجل اقناع الاطراف الفعالة، دينية وسياسية واجتماعية. ( للتذكير، أن الغرور وغياب المرونة والطيش الفردي، ظلت مشكلة اغلب زعماء العراق، امثال عبد الكريم وعبد السلام وصدام، باستثناء الملك فيصل الاول الذي كان قائدا ناجحا، اذ جمع بين الحزم والمرونة)..
ـ تحقيق المصالحة، ان المالكي تمكن ان يبني اساسا صلبا للمصالحة بين الشيعة والسنة، من خلال الضرب العادل والحازم للمتطرفين في كلا الناحيتين: قوات المهدي وقوات القاعدة.. ثم الاشراك الفعال للعشائر وابناء الشعب في عملية فرض الامن والحوار والتقارب بين المختلفين، من خلال الصحوات ثم مجالس الاسناد.
ـ  مجابهة التعصب العنصري، حيث أنه تمكن حتى الآن من الحد من روح الاستحواذ القومي التوسعي للقيادات العنصرية الكردية، وخصوصا في الابقاء على عراقية كركوك.
ـ كسب دول الجوار، إذ تمكن وبحنكة وصبر ان يقيم علاقات مسالمة وتعاونية بين الدول المتنافسة المحيطة بالعراق، ونعني بها تركيا وايران والسعودية وسوريا والكويت، بالاضافة الى مصر، ويجعلها تلعب ادوار ايجابية لدعم السلم العراقي بدلا من دعم الحرب الطائفية..
ـ حل مشكلة الاتفاق مع امريكا، فقد تمكن من تحقيق شبه اجماع وطني على عقد اتفاقية امنية مع امريكا، والتوصل الى نوع من الحل الوسط بين مصالح امريكا ومصالح العراق، وتحقيق اتفاقية، مهما كانت عيوبها،  فأنها تستحق ان توصف بأنها ضرورية لتجنب اذى الامريكان وخبثهم. واذا تمكن العراقيون من تطوير تآلفهم وخلق قادة وقوى وطنية حقيقية وواقعية، فان هذه الاتفاقية سوف تكون بكل يقين لصالح العراق ومستقبله....
ـ تثبيت مركزية الدولة، اذ انه شرع في  الكفاح من اجل تعميق مركزية الدولة العراقية والحد من روح الانفصال والانسيابية المتفاقمة باسم الفيدرالية القومية والطائفية..
                                  عيوب المالكي
اما عيوب المالكي فيمكن تلخصيها بالتالي:
ـ فساد مؤسسات الدولة، ان المالكي ما زال محاطا بالعديد (ولا ندري كم نسبتهم مقارنة بالمخلصين) من المسؤولين الفاسدين والمرتشين والذي يستخدمون سلطاتهم للاستحواذ على الاموال وافساد الدولة والمجتمع، مثال فضيحة الوزير صولاغ الاخيرة. ولا ندري مدى قناعة وقدرة المالكي على القيام بعملية اصلاح جذرية للتخلص من المسؤولين الفاسدين وتقريب مسؤولين اكثر نزاهة، وخلق مؤسسات حكومية وشعبية تقود عملية الاصلاح والبناء..
  ـ  الانتماء الحزبي الطائفي، يوجد تناقض غريب بين دور المالكي كقائدة دولة، ودوره كقائد حزبي. فهو كرئيس حكومة يمارس دورا وطنيا خاليا من الطائفية، الا انه لا زال كقائد لـ(حزب الدعوة الاسلامي الشيعي) ضمن دوره الطائفي القديم. (علما بأن هذا التناقض بين الدورين الحكومي والحزبي يعاني منه غالبية قادة العراق الحالي، امثال الطلباني والهاشمي)! اننا فوجئا ان القائمة الانتخابية الاخيرة التي شكلت بزعامة المالكي (قائمة ائتلاف دولة القانون)، تظم سبعة كيانات حزبية، رغم تنوعها القومي لشمولها اكراد وفيلية وتركمان، الا انها ظلت شيعية تماما! ان المراقبين يستغربون كيف سمح المالكي لنفسه الوقوع بمثل هذا الاشكال الانعزالي الطائفي المناقض تماما لكل مواقفه وسياسته الوطنية! لكن ثمة أمل كبير ان يقوم المالكي بخطوتين، اولاهما آنية سريعة، والثانية مستقبلية:
ـ آنيا يتوجب العمل بكل الامكانيات من اجل التحالف مع اطراف سنية عربية وكردية وتركمانية بل حتى مسيحية وصابئية وعلمانية كذلك، لكي يحتفظ المالكي، انتخابيا، بدوره الوطني الشمولي الذي يستحقه عن جدارة.
ـ اما الخطوة المستقبلية التي لو قام بها المالكي فأنه سوف يدخل فعلا التاريخ، ليس فقط كزعيهم دولة بل كزعيم (امه عراقية) ناهضة. ونعني بذلك ان يشرع  بخلق كيان حزبي اسلامي جديد يمثل كل المسلمين العراقيين: شيعة وسنة، عرب واكراد وتركمان وشبك. وللتذكير نقول، ان اكثر من 90% من العراقيين مسلمين، وان الاسلام هو العنصر الحاسم في الهوية العراقية، لأنه يجمع مختلف الفئات العراقية القومية والدينية. ولنا في التاريخ تجارب كثيرة، منها التجربة الاسلامية في تركيا، كذلك الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني، الذي بدأ كحزب كاثوليكي ثم تحول الى حزب مسيحي شامل لكل الالمان بعد ضم البروتستان، ثم بعد ذلك اليهود، ثم المسلمين في السنوات الاخيرة، رغم انه بقي يسمى ويعتمد على الخط العام للضمير المسيحي الالماني والانساني.
ان عملية التحول التاريخية الحاسمة التي تمر بها بلادنا تعتبر فرصة مناسبة جدا لمثل هذه المشاريع الوطنية الكبرى. على النخب الاسلامية العراقية ان تستثمرها من اجل تحقيق الوحدة الاسلامية الوطنية حزبيا وسياسيا، بعد ان تحققت في الحياة وفي الدولة. نعم أن الشعب العراقي احوج ما يكون الى اسلام وطني عراقي جامع للشيعة والسنة، العرب والاكراد والتركمان والشبك، ولما لا ايضا المسيحيين والصابئة واليزيدية؟!
ـ الموقف السلبي من الثقافة والمثقفين، من المؤسف ان المالكي ومجموعتة لا زالوا مثل جميع القيادات السياسية العراقية، حكومية ومعارضة، تقف موقفا سلبيا، ان لم يكن عدائيا، إزاء الثقافة والمثقفين! انهم مثل جميع القادة العراقيين، لا يهمهم من الثقافة والمثقفين، غير الاعلام والاعلاميين. ليعرف المالكي انه لن يصبح قائدا وطنيا حقيقا ويلعب دوره التاريخي المطلوب الا بعد ان يتقرب ويتعاون ويستشير النخب الثقافية، مثلما نجح بالتعاون مع النخب السياسة والعشائرية والدينية. لا زال معاونوا المالكي المعنيون بالثقافة والاعلام اناس انانيون ضيقوا الافق ولا ينظرون ابعد من مصالحهم الشخصية والحزبية والطائفية، اما مصلحة الوطن وثقافته وسمعته فهي آخر اهتماماتهم.
ان المثقفين العراقيين في الداخل، وخصوصا في الخارج، لا زالوا يعانون الفاقة والحرمان من ابسط الدعم المادي والمؤسساتي، وهم عرضة لمعانات الحياة وضغوطات ومذلات ومغريات الاطراف العنصرية والمعادية للوطن التي تشتري بعضهم بأبخس الأثمان من اجل ان يبيعوا ضميرهم الوطني ويدبجوا المقالات التي تمتدح السياسة العنصرية والانفصالية والتدميرية.
ان تاريخ الامم والدول، يؤكد ان جميع المشاريع العظمى الناجحة، ما تمت الا بالتحالف بين السياسيين والمثقفين. وان اهم ميزة لدى جميع القادة الكبار الذين خلدهم التاريخ، هي قدرتهم على كسب المثقفين وبناء مؤسسات ثقافية واكاديمية، واستشارتهم والاعتماد عليهم في التفكير والتخطيط للمشاريع الوطنية. يكفي التذكير بأن قادة العراق الذين خلدهم التاريخ هم من حقق مثل هذا التعاون، امثال حمورابي وآشوربانيبال ونبوخذنصر وهاورن الرشيد والمأمون وفيصل الاول..
ـــــــــــــــــــ
حول مشروع(الاسلام العراقي)، راجع ملفنا في مجلة(ميزوبوتاميا):
http://www.mesopotamia4374.com/adad12/fahrest12.htm

33
حول المشروع الدولي الخطير لإخلاء العراق من سكانه وجلب غيرهم!!
بيان صادر عن الامم المتحدة ـ اللجنة الدولية
الخاصة بتخليص الكرة الارضية  من اهل العراق
سليم مطر/ جنيف
كانون الثاني 2008
www.salim-matar.com
 www.mesopotamia4374.com

      اننا لم نعرف شعبا متنكرا لذاته واصله وتاريخه الوطني مثل الشعب العراقي. فمنذ اعوام طويلة واللجان الانسانية التابعة لهيئتنا الدولية، تبعث لنا التقارير التي تتشكى وتستغرب ما يطرحه العراقيون من مختلف الفئات القومية والدينية والمذهبية، عن بعضهم البعض. فكل فئة تتهم الفئة او الفئات العراقية الاخرى بأنها(اجنبية)!!!
 العرب يتهمون الأكراد بأنهم قدموا من جبال ايران. والاكراد يتهمون التركمان والآثوريين بأنهم قدموا من تركيا. والمسيحيون يتهمون المسلمون بأنهم عرب غزاة اتوا من السعودية.
    واكثر الاصوات تطرفا هي الاطراف القومية العروبية والسلفية السنية، التي تدعونا دائما الى تنقية العراق من الفئات الاجنبية التي تلوثه، ويعنون بالذات الاكراد والشيعة، حيث يطالبون بانتزاع الجنسية العراقية منهم باعتبارهم اجانب وافدين على العراق. فالاكراد(آريون) اتوا من ايران. اما الشيعة، فحسب رأي السادة الخبراء البعثيون والاسلاميون السلفيون، فهم منقسمون بين طرفين:
قسما منهم فرس صفويون (وهم عادة اهل المدن الشيعية المقدسة).
 اما القسم الثاني فهم هنود، وهم المعدان الشراگوة، أي اهل الارياف الجنوبية وبالذات مناطق الاهوار. وقد جلبهم المسلمون الاوائل لرعاية الجواميس، حسب الوثائق التاريخية والاركيولجية التي يمتلكها كبار علماء القاعدة والبعث وعباقرتهم الافذاذ!!
والمشكلة ان هذه الاتهامات بالاجنبية من الجميع للجميع، منعكسة بصورة شاذة ومستفحلة على رؤية العراقيين لتاريخ وطنهم بكل مراحله، منذ فجر الحضارة وحتى الآن. لم نعرف شعبا متنكرا لتاريخه العريق والغني والاصيل مثل هذا الشعب. فكلهم، باسم القومية او الدين او المذهب، يلعنون تاريخهم ورموزهم واعلامهم، ويعتبرون تاريخهم اجنبي واسلافهم غرباء عنهم، ويميلون عادة الى تقديس تواريخ الشعوب المجاورة!
   بما اننا هيئة دولية محايدة فقد طلبنا من خبرائنا التحقيق بالمسألة والبحث بجذور الشعب العراقي الحالي.
وبعد المداولات الطويلة والمعمقة اتفق اهل الصفوة والخبرة، على الحقيقة التالية:
جميع سكان العراق الحاليين هم( اجانـــــــــــــــــــببببببببببببب)!
فالعرب السنة، بما انهم (عرب اقحاححححح) بدماء عروبية صافية مئة بالمئة ومنحدرين مباشرة مباشرة من السيدين المبجلين(قحطان وعدنان)، وهذا يعني انهم ايضا اجانب قادمين من السعودية واليمن. كذلك التركمان فهو قادمون من بلاد (جوج وماجوج) أي من (بلاد جورج وماجورج) حسب الترجمة الامريكية. اما السريان فهم في كل الاحوال نصارى من آل دنخا، وهذا يعني حسب بحوث البنتاغون، يقينا ان اصولهم تعود الى روما حاضرة النصرانية  الاولى حتى قبل ميلاد المسيح(ع). يبقى الصابئة فبما ان اصلهم مجهول فمن المستحسن(حسب الخبراء الضليعين بالمشكلة) احتسابهم على اخوتهم المعدان الهنود!
ان الذي يهم هيئتنا الدولية وعموق الامم الراقية، هو (العراق) نفسه كأرض وسماء، والذي يعتبر من الاوطان النادرة بغناه الطبيعي  وارثه الحضاري وموقعه الستراتيجي، لكن مع الاسف قد ابتلاه التاريخ بشعب لا يستحقه ويرفض ان ينتمي اليه.
بل الانكى من كل هذا، ان كل فئة عراقية تحلم بتكوين امبراطورية( قومية او دينية او مذهبية) تشمل اجزاء من الاوطان الاخرى، لكي تهيمن بل وتلغي الفئات العراقية الاخرى.
بناء على هذا فأننا قد قررنا تخليص هذا الوطن من هذا الشعب المشاكس، وبنفس الوقت تخليص هذا الشعب التائه المسكين من عذابات الاقتلاع واللا إنتماء، وجعله حقيقة يعيش(الحالة الاجنبية) التي يتهم ذاته بها!!
  حل التقسيم
والذي يزيد من حدة المشكلة، ان(حل التقسيم) قد درسناه منذ اعوام طويلة وحاولنا في السنوات الاخيرة تطبيقه على ارض الواقع بمعاونة اعزاءنا الامريكان، لكنه تأكد لنا انه(حل مستحيل) ونتائجه الخطيرة ستدمر منطقة الشرق الاوسط بأكملها! فهؤلاء العراقيون، حقا غرباء الاطوار، فهم رغم اتهام بعضهم البعض بالاجنبية، الا انهم عند الجد يظهرون متماسكين ومتضامنين بصورة تتجاوز التصديق. لقد اقتنعنا ان حالة العراقيين، أشبه بالازواج اللذين يعبرون عن عشقهم لبعضهم البعض من خلال النكد والخصام، وعندما يعرض عليهم طرف اجنبي حل الطلاق، يكشرون عن انيابهم معلنين عن حبهم  وترابطهم الابدي!
والمشكلة الاعظم، ان هذه الفئات العراقية كل منها مشبك مع دولة مجاورة، لدفعها بالتدخل في شؤون العراق بحجة تخليصه من تأثير الدول المجاورة الاخرى، وبالنتيجة ان جميع الدول المجاورة اتفقت وتعودت وتعمل ليل نهار على تقسيم العراقيين ودفع بعضهم ضد البعض، ولكنها بنفس الوقت ترفض تقسيم العراق وتعمل على بقاءه موحدا، لانها تدرك جيدا، ان العراق هو العمود الذي تستند عليه جميع سقوف الاوطان المجاورة، واذا إنهار سوف تسقط جميع السقوف الباقية على شعوبها.
 نعم لقد حيرنا هذا الشعب العجيب. لهذا قررنا حل مشكلته بصورة حاسمة وجذرية وتلقينه درسا لن ينساه ابدا. بعد ان اذلناه ودمرناه وقسمناه وبثثنا روح الغيرة والتنافس والاحقاد في ثناياه، سوف نطلق عليه طوفان الرحمة الاخير: محاق وانسحاق الحياة، بشرا وحيوانا ونباتا، ولن نبقي منه غير ارضا جرداء بلا همس او نفس.
ومن اجل هذا تم الاتفاق على ان يتحدد هذا المشروع  الاممي الثوري العظيم، في ثلاثة مراحل!
المرحلة الاولى، تنقية العراق وتنظيفه من اهله!
  يتوجب التخلص التام من هذا الشعب العراقي الاجنبي اللعين، شعب الحضارات والنكسات والامبراطوريات، شعب الارض والسماوات، شعب تموز وعشتار والطوفانات. ليتم اخلاء هذا الوطن من جميع سكانه الحاليين. نعم جميعهم بدون استثناء، فهم كلهم اجانب، والأتعس من هذا انهم جميعهم اصحاب سوابق ومشاكل من الصعب اصلاحهم. فلتحل اللعنة على عربهم وكردهم وتركمانهم وسريانهم وشيعتهم وسنتهم وصابئتهم، فهم كلهم مشاكسون ناريون في خيرهم وشرهم. وقد خلقهم الله ليكونوا عالة على الامم الراقية الرقيقة المتحضرة امثال السيدة امريكا واخواتها.
وبما ان الاوطان الاصلية القديمة لهذه الجماعات العراقية، مثل ايران والهند والسعودية ودولة الكويت ومملكة البحرين وامارة عجمان وافغانستان وارمينيا وتايلاند والصومال وجزيرة سومطرة، قد رفضت كلها استقبال هذه الملايين من المشكلجية الحاملين لجراثيم الخبصة والهوسة، فقد تكفلت الامم المتحدة وبالاتفاق مع الطيبة العزيزة الولايات المتحدة الامريكية نصيرة حقوق الانسان، والمسؤولة المباشرة عن الملف العراقي، والتي تفضلت بكل كرم وشيمة ببذل الجهود الانسانية والحضارية من اجل انقاذ هذا الوطن المسكين الذي دمره اهله الاجانب الدهماء، والموافقة على استقبال هؤلاء السكان وتوزيعهم على مختلف الولايات الامريكية، كالتالي:
ـ بالنسبة للشيعة الفرس الصفوية، يتم تهجيرهم الى جزر الهاواي، لكي يلتهوا ويتسلوا مع اخواتنا النسوان الهاوايات ويخففوا من لطمياتهم وبكائياتهم التي ادمعت حتى عيون الامريكان..
ـ اما الشيعة الشراگوة الهنود، فيتم تهجيرهم الى مستنقعات كاليفورنيا، لكي يمتزجو مع اخوتهم الهنود الحمر، ويصنعوا جنسا جديدا يمكن تسميته بـ(جنس الشراگوة الحمر)..
ـ اهل الانبار(وهم العرب الاقحاححححححح جدا جدا) وما حولهم من توابع، فيتم ترحيلهم الى صحراء نيفادا الامريكية لكي  يتذكروا اسلافهم البدو وكذلك يتم عزلهم عن باقي الامريكان، فهم اكثر العراقيين مشاكلا وسوابقا. وسوف نزودهم بخبراء متخصصين بالعلاجات الديمقراطية من اجل تعليمهم كيف يكونوا برقي اخواننا من عشاير(الكاوبوي) ويعملوا لنا (صحوات) امريكية اكثر حداثة وتمدنا.
ـ اهل تكريت، يتم تشتيتهم على احياء الزنوج في انحاء امريكا، عسى ان يمتزجو وينتجوا لنا زعيما جديدا من نوعية( اوباما حسين) تعويضا عن (صدام حسين)(اكبر المشكلجية والمفرقين للعراقيين)..
ـ اهل الموصل بكل تنوعاتهم الاسلامية والمسيحية والشبكية واليزيدية، نؤكد جميعهم يرحلون الى مدينة نيويورك، ليكونوا تحت رحمة ابناء عمومتهم اليهود المسيطرين على المدينة.
ـ اما الاكراد، فمن المستحسن وضعهم في منطقة الاسكا الثلجية البحرية، لكي يحرموا بشكل كلي من الجبال التي ظلت دائما جاذبا سحريا لعصيانهم الدائم.
ـ بالنسبة للتركمان فمن المستحسن وضعهم في مدينة شيكاغو لكي يتعلموا الشقاوات والشقندحيات عسى ان يعوضوا عن السنوات العجاف التي قضوها في ظل أخوتهم واحبائهم الاكراد..
المرحلة الثانية، الغاء الحياة تماما من العراق
بعد تلك الخطوة التهجيرية وتنظيف العراق من جميع سكانه الاجانب والمشكلجية، تقترح الامم المتحدة العمل بالخطوات التعقيمية التالية:
اولا، سوف نفتح ينابيع نفطه لكي تغمر بحممها جميع ارض العراق، ونحيل انهاره الى جروح نازفة، وجباله الى براكين هائجة، وبواديه الى مقابر قاحلة، واهواره الى وديان جحيم.
عند طوفان النفط العظيم سنلقي  عليه قنابل نابالنا الرحيمة لكي يعم الحريق انحاء الوطن ويشتعل تماما عن بكرة ابيه وامه، ولا يبقى فيه لا اخضر ولا يابس، ويصبح ارضا داخنة سوداء بلا حياة.
هكذا فأن هذا البلد الذي صنع للبشرية اسطورة الطوفان العظيم، سوف ننهيه باسطوره طوفان اعظم من نار وجحيم. اعاصيرنا طائرات وصواعقنا قنابل تمحق الحياة وما قبل الحياة. سنحيل هذا الوطن من شماله الى جنوبية وغربه وشرقه الى حريق جبار لم تشهده الارض حتى في عصور الكوراث الكونية.
 سوف نعيد عشتار وتموز الى عوالمهما السفلية، ولن نبقى غير خواء ما قبل الخليقة.. جاعلون دجلة يفيض دما، والفرات دموعا، والسماء انينا..
ثانيا، بعد ان تخمد النيران ويتشتت الدخان تقوم طائراتنا الاممية والامريكية برش السوائل المعقمة(الجافل والاسيدفنيك) على كل ارض العراق، ويترك لينشف ويتعقم تحت الشمس خلال عام بأكمله، لكي يتم القضاء حتى على الجراثيم التي قد تحمل بعضا من بقايا الروح العراقية السالفة.
المرحلة الثالثة، تخصيب وخلق نسلا جديدا
بعد كل هذا يتم البدء بتعمير العراق وتخصيبه من جديد بعناصر بشرية عاقلة ومتحضرة ومطيعة، واكثر تمسكا بوطنهم وانتماءا لتاريخهم واحتراما واعترافا ببعضهم البعض.
بعد مداولات عديدة وبحوث علمية ومختبرية كلفتنا الكثير من الوقت والجهود والاموال الطائلة، توصلت لجنتنا الى الاقتراح التالي الذي طرحه احد العلماء من اصل عراقي( طبعا من النوادر جدا من العقال غير المشكلجية). ويتلخص هذا الرأي بـ:
ـ الاعتماد على استراتيجية(النبي نوح) أي (من كل زوجين اثنين)!
 لهذا ستقرر هيئتنا فتح الابواب لكل سكان الكرة الارضية من الراغبين بالهجرة الى العراق وتعميره وتخصيبه، بشرط ان لا يقبل من أي قومية او طائفة  اكثر من رجل وإمرأة، يعني كما كان يقول العراقيين السابقين قبل انقراضهم( لملوم.. من كل قدر كباية)..
ولا نعلم حتى الآن، لماذا اكد هذا الخبير العراقي على ضرورة هجرة الشقروات الحمروات! ربما لأسباب مناخية.. الله اعلم!
ومن اجل اغناء الانسانية بمثل هذه التجربة الجديدة، قررنا ان لا نفرض على الناس الجدد اية لغة، بل سوف نتركهم لوحدهم يتعايشون ويتدالون لغاتهم التي لا تحصى، حتى يتمكنوا اخيرا ان يمتزجوا ويتناكحوا (على سنّة امريكا ورأيسها)، فيصنعوا لغة جديدة هي خليط عظيم من كل لغات الكرة الارضية، يمكن تسميتها بـ (اللغة العراقانية)، ينطق بها جنس جديد يظهر لأول مرة على الكرة الارضية،هو خليط من كل اجناس واعراق وطوائف الكرة الارضية، اسمه العلمي المختبري :
( الجنس العراقاني ـ RACIONOLOGIE  IRAKIONOLOGIE)!!
وبما اننا لجنة اممية (ديموقوراطوية وانسانوية جدا جدا)، فأننا نتقبل جميع الاقتراحات من جميع الاخوة والاخوات من انحاء الارض، الا من العراقيين انفسهم(مع اعتذارنا الشديد) لانهم بكل بساطة: (عراقيين)، وهذا يعني انهم (اجانب)،  ليس عن العراق وحده، بل عن الكرة الارضية كلها، لأنهم هم انفسهم يعتبرون بعضهم البعض كذلك، فالذي لا يعترف بنفسه، كيف يتوقع ان يعترف به الآخرون، والذي لا يؤمن بحق المواطنة لأخية في الوطن والتاريخ، لا يستحق ابدا ان يظل في هذا الوطن!!!!!!


34
(( التسييس)) اخطر
امراض الشعوب العربية!

سليم مطر/ جنيف
كانون اول 2008
www.salim-matar.com
 www.mesopotamia4374.com


نقصد بـ (التسييس)، ان يتم تحويل أي موضوع مهما كان اجتماعيا او علميا او فنيا او ادبيا، الى موضوع سياسي يتعلق بـ ((الحكومات والاحزاب))!!!!
لو تحدثت مثلا عن الغناء او الشعر او حتى الطماطة ، فأن جليسك او جلاسك العرب، وبقدرة قادر، سرعان ما يحولوا هذا الموضوع الى موضوع سياسي، ويبدأون يتشكون ويتباكون عن (خيانة حكوماتنا) وعن (الانحطاط العربي)، ويشرع احدهم بالقاء خطبة بركانية عن(قمع الحريات) و(الامبرالية الامريكية) و(الصهيونية العالمية).. واذا بـموضوع (الغناء) يصبح(حكومة) و(الشعر) يصبح(امبريالية) و(الطماطة) تصبح(صهيونية)!!!!!
وكثيرا ما تتحول الجلسة الى (اتجاه معاكس) حيث يتركز الجدال الحارق بين شخصين، احدهما (مع) والآخر(ضد)، ولا يهم فحوى الموضوع المختلف عليه، بل المهم هي(مسرحية الاتجاه المعاكس) بين الطرفين. فهذه المسرحية الحماسية تقوم بالحقيقة بوظيفة نفسية تفريغية لهموم شخصية جدا ليس لها أي دخل بالسياسة! فلو تمعنت جيدا في اعماق اولئك الاشخاص، لاكتشفت انهم في شكاويهم وشتائمهم ضد الحكومات فأنهم بالحقيقة يشكون ويشتمون بصورة تعويضية بعض الاشخاص من  العائلة او المعارف او رب العمل او ربما احد الاشخاص الحاضرين!
وانت المسكين، اذا ما قلت( يا اخوان لنرجع الى موضوعنا وخلونا شوية من الحكومات والسسياسة)، سرعان ما تواجه بنظرات شزر، وتتهم مباشرة او غير مباشرة بأنك(بطران) و(خيالي) و(لا يهمك معانات شعبنا القابع تحت القمع والفساد والدكتاتورية والامبريالية والصهيونية والقوى الشيطانية الكردية والعربية والتركية والايرانية والشيعية والسنية والمسيحية... الخ.. الخ.. ))!

من اين اتت جراثيم هذا المرض الخبيث؟

كلنا نتذكر كيف كان اهالينا يتداولون في لقائاتهم نوعا من الثقافة الجميلة والمنوعة التي يمكن تسميتها بـ(ثقافة السوالف). فتراهم يمضون جلساتهم بسرد الحكايات التراثية والدينية والشعبية، ومعها الحكم والامثلة والنوادر، اضافة الى القضايا والمشاكل الشخصية التي يتم تداولها على امل الاسهام بحلها. وطبعا هم يتداولون ايضا المواضيع السياسية، ولكنها تبقى تشكل جزءا محدودا من مجمل احاديثهم. وهذا حال الجماعات البشرية الطبيعية في كل زمان ومكان. لان السياسة لا تشكل الا جزءا صغيرا من(الفضاء المعرفي)، فهنالك ما لا يحصى من المجالات المعرفية التي تهم الانسان عمليا وامتاعيا، من علوم واديان وآداب وفنون بمختلف تفرعاتها وتفاصيلها اللامنتهية. فحتى الجنود القابعون في خنادق القتال، يتداولون احاديثا متنوعة وطرائفا من دونها لا يستطيعون تحمل معانات الحرب.
اما بالنسبة للثقافة السياسية فقد ظلت حتى اعوام الثمانينات من القرن الماضي تنمو بصورة طبيعية وتأخذ حيزا اكثر فأكثر بدفع من اتباع الاحزاب والنخب السسياسة، يسارية وقومية ودينية. لكن هذه الاحزاب والنخب لم تكن تمتلك الوسائل الاعلامية والتثقيفية القادرة على  الغاء(ثقافة السوالف الشعبية والانسانية) وفرض(ثقافتها السياسية الحزبية المحدودة)..
لكن الطفرة السياسية العملاقة ( ان لم نقل الكارثية) حدثت في اواخر اعوام التسعينات مع ظهور(محطة الجزيرة) وبرنامجها الشهير(الاتجاه المعاكس). بحيث تمكنت هذه المحطة من تحقيق ذلك الحلم الطائش الذي تتمناه في اعماقها جميع الاحزاب والنخب السياسية في العالم العربي:
( الغاء الثقافة الانسانية والشعبية، وفرض الثقافة الحزبية السياسية)!
 وقد ساهمت غالبية الفضائيات العربية بهذه المهمة(التثقيفية التجهيلية)، بصورة حماسية ليل نهار، وجرفت معها جميع مكونات الشعوب العربية. ويكمن السر الكبير لنجاح هذه الثقافة الحزبية السياسية بفرض نفسها بهذه الصورة الجبارة شبه المطلقة، الى انها:
( ثقافة سطحية وسهلة جدا لا تحتاج الى أي تفكير وبحث، بل يكفيك ان تتابع الاخبار وتحفظ بعض اسماء المسؤولين وبعض العبارات التشدقية الطنانة وترفع صوتك بالزعيق وتكتب بعض المقالات التعليقية(وينصح ان تكون حادة وشتائمية)، حتى يتم اعتبارك(خبيرا سياسي) و(مختصا بشؤون فلسطين أو العراق أو حقوق النسوان وقبائل السودان، أو حتى  ظليعا بقضايا الارهاب والكباب)..
بل ان هذه المحطات قد بلغت حدا مذهلا من القدرة على التحكم بالمخيال العربي. فهي وحدها التي تقرر من هو(البطل المنقذ) المناسب للمرحلة.  فهي التي قد صنعت لنا( بن لادن والقاعدة)، بل هي التي اثبتت للعالم اجمع بأن(بن لادن) موجود حقيقة وليس صناعة افتراضية أمريكية اسرائيلية! وهي التي فجأة رفعت(صدام) من دكتاتور ممقوت من العرب اجمعهم، الى(بطل عربي اسلامي سني) راح ضحية(الشيعة والايرانيين)!! وهي التي جعلت من(حسن نصر الله) رمزا للمقاومة العربية ثم فجأة حطته الى(رمز طائفي)!!!
 نعم هذه الفضائيات ومعها جوقات الاعلاميين و(الخبراء السياسيين) حولت الثقافة السياسية في المجتمعات العربية الى ثقافة اسطورية دينية نفسية بصورة تتجاوز المعقول. بحيث انه صار من الطبيعي جدا ان تشاهد الناس المساكين امام التلفزيونات في البيوت وفي المقاهي، يبكون على مشاهد دمار الفلسطينين ومذابح العراقيين وبنفس الوقت يلعبون الدومنة ويأكلون، بل حتى يتضاجعون وهم يفحون حزنا على حال العرب والمسلمين!!!!
مسخ المثقفين غصبا عنهم
دعوني اعطيكم مثلا من تجربتي الشخصية:
حتى سنوات قليلة كانت الفضائيات والاذاعات العربية تدعوني مباشرة او تستجوبني هاتفيا. وكانت الاسئلة دائما تتمحور حول(احداث العراق). ودائما يقدموني (الباحث او الخبير السياسي). واتذكر ان محطة الجزيرة اخذت تتصل بي لفترة طويلة لتقدمني في برنامج(الاتجاه المعاكس) على اني(خبير بالشؤون الكردية). وكنت دائما ارفض واجيبهم : (انا خبير بالشؤون العراقية عموما وليس الكردية). لكنهم اصروا، ثم نجحوا اخيرا باقناعي بعد احداث العراق وشروع القيادات العنصرية الكردية بهجومها الكاسح للاستيلاء على كل شمال العراق.
وكانت دائما اسئلة المذيعين سياسية اخبارية بصورة مكررة ومملة الى حد لا يطاق:
ماهو تعليقك على تصريحات اياد علاوي... كيف ترى موقف الصدر.. هل تعتقد ان السيد السيستاني.. الا ترى ان خطاب الرئيس بوش..الخ الخ من هذه الاسئلة السطحية الخبرية التي لا تتطلب الاجابة عليها أي عمق ثقافي، فيكفيك ان تقول(نعم اتفق) او(كلا لا اتفق).. ومعها بعض الجمل التشدقية بوقار مصطنع او صراخ ثوري.
علما انهم يفرضون عليك منذ البدء ان لا تتجاوز اجابتك على كل سؤال بضعة ثواني. اتذكر ان ربع طاقتي كنت اصرفها بالتفكير بفحوى الجواب، وثلاثة ارباعها اصرفها على كيفية اختصار جوابي ببضعة كلمات!! انها حقا لعبة متعبة ومقرفة، بحيث اني كنت احيانا احس بالانهيار العصبي بعد استجواب اخباري هاتفي لم يتستغرق مني سوى بضعة دقائق..
وقد بلغت المشكلة ذروتها، عندما فوجئت، قبل اندلاع المذابح الطائفية في العراق ببضعة اسابيع، ان المذيعين راحوا يسألوني هكذا:
ـ استاذ سليم مطر، باعتبارك باحث شيعي.....
الله الله الله.. هكذا اذن نجحت هذه الفضائيات بتحويلي من باحث عراقي، الى (خبير بالشؤون الكردية)، واخيرا الى (باحث شيعي).. ياالله اية قوة شيطانية تقود هذه الفضائيات لكي تصر هكذا  على مسخ عقول العرب، بل هاهي تشرع بمسخ حتى عقول المثقفين العرب وتفرض عليهم ادورا سياسية  دينية وعرقية وطائفية لكي يصبحوا جزءا من هذا السيناريو التجهيلي  العالمي الجبار الجاري تطبيقية بصورة جهنمية رهيبة!!!
حينها قررت ان اوقف هذه الانزلاق الذي اعيشه من دون وعي.. ان احترم نفسي واطالب بالذي اعتقده. اعلنت رفضي ان يتصلو بي من اجل التعليق على الاحداث. قل لهم:
اسمعوا انظرو الى كتبي وكتاباتي. الجانب السياسي منها لا يتجاوز العشرة بالمئة، والباقي فكر وتاريخ وعلم اجتماع، كذلك الادب القصصي والروائي..طيب اطرحوا علي اسئلة اكثر عمقا تخص العراق او الشرق الاوسط او حتى العالم، عن المجتمع والتاريخ والقوميات ومشاكل الهوية والماضي والحاضر والمستقل.. كل ما ترغبون، لكن بلاش تعليقاتي على تصريحات فلان ومواقف علان.. فهذه الاسئلة الخبرية يمكن ان تطرحوها لأي طالب في الابتدائية!
ومنذ ذلك الحين، منذ اكثر من ثلاثة اعوام، وبصورة مفاجأة توقفت جميع الاذاعات والفضائيات العربية عن الاتصال بي ودعوتي..
سبحان الله وكأنهم تلقوا امرا واحدا من قيادة عليا مشتركة!!!؟؟؟

35
يا قادة ونواب الوطن، ويا تركمان العراق.. كركوك فخورة بوطنيتكم.. سيروا ونحن معكم!
سليم مطر/ جنيف
آب 2008
www.salim-matar.com
salimmatar@bluewin.ch

ان الجدل والصراع الحالي المحتدم والمشتعل حول( كركوك) في البرلمان العراقي، مع كل معانيه المختلفة، الا ان له معنا ايجابيا كبيرا وعظيما جديدا يبرز لاول مرة بهذا الوضوح الخلاب:
(( ان نخلة الوطنية العراقية قد عادت الى الحياة وبدأت تثمر، رغم كل الجفاف والامراض التي عانتها خلال اعوام واعوام))..
نعم ان (الكفاح من اجل عراقية كركوك) قد اصبح الآن في الضمير العراقي تعبيرا مكثفا وعن (روح الوطنية العراقية)، وان التخلي عن كركوك لتنهشها مخالب وانياب الميليشيات العنصرية الانفصالية وتجار الدم وأمراء الحروب، يعني التخلي عن العراق بأكمله.
ان الموقف الحالي للنخب السياسية والثقافية والدينية العراقية شبه الاجماعي على (عراقية كركوك)، ومواجهة روح الاستحواذ والتوسع، هو امر ايجابي بكل معنى الكلمةّ!
نعم هذا الموقف الوطني العراقي، هو امر جديد مقارنة بما كان عليه منذ اعوام.
للأسف الشديد حتى وقت قريب، كنا نسمع ونقرأ للكثيرين من سياسي العراق ومثقفيه تصريحات حول كركوك، خالية تماما من اية روح وطنية، فتراهم يتحدثون عنها بنوع من البرود والحيادية وكأنهم يتحدثون عن احدى جزر الكاريبي!
وشهادة للتاريخ وللضمير العراقي نقول:
ـ ان التركمان كانوا لسنوات طويلة، وحتى وقت قريب، وحدهم في الساحة من يحمل (شعلة عراقية كركوك)!
وبما ان غالبية الاحزاب العراقية ومعه النخب المثقفة المعارضة، كانت متحالفة بل حتى مشترات من قبل القيادات العنصرية الكردية، فأن التركمان وقياداتهم عانوا ماعنوا من تهم العمالة لتركيا والطورانية والتعصب وغيرها من التهم الزائفة التي ظل يشيعها الاعلام العنصري الكردي المدعوم اسرائيليا.
وعندما كنت انا أكتب وأحلل الواقع العراقي لكركوك، وأفضح المؤامرات للاستحواذ عليها وعلى كل شمال العراق، كنت كثيرا ما اواجه بمواقف غير متفهمة من قبل غالبية اخوتي المثقفين والسياسيين، بل ان الكثيرين منهم كانوا يتهموني بالتطرف والمغالات والعداء لحقوق الشعب الكردي!
نعم لم يكن احد يصدقنا وطالما عانينا وعانينا من تهم المغالات والتعصب عندما كنا نقول ونكتب:
  ـ ان هذه القيادات العنصرية تغذي الحقد لدى اخوتنا الاكراد ضد باقي العراقيين وجميع شعوب الشرق الاوسط، بأسم المظلومية! وانها ربت وتربي ابناء السليمانية واربيل ودهوك على روح العداء لاخوتهم في الوطن، باعتبارهم كلهم بدو همج تجري فيهم دماء البعث والحقد على الاكراد. حتى اصبح في ذهن المواطن الكردي ان كل ما هو عراقي وعربي(كذلك طبعا التركي والايراني)، يمثل الهمجية والعدوان، وصار بعرف هؤلاء الرافضين حتى لميراثهم الاسلامي الكردي، من المعيب حمل اسما اسلاميا مثل (محمد وعمر وعلي وخديجة..)، باعتباره اسما عربيا  منافيا للقومية الكردية!
 ـ أن هذه القيادات تخلق العداوات وتغذي الحروب في العراق وعموم الشرق الاوسط من اجل ذلك الحلم الامبراطوري الساذج المسمى بـ (كردستان الكبرى)! فهي تريد الاستيلاء على كل شمال العراق بما فيه كركوك والموصل وديالي وحتى اجزاء من الكوت وبغداد، بالاضافة الى اجزاء كبير من تركيا وسوريا وايران.
 ـ أن هذه القيادات ونقولها بكل واقعية وأسف، اثبتت منذ اعوام انها معادية تماما لمصالح العراق وتحلم بدماره، لانها تؤمن بأن ضعفه وخرابه هو قوة لها ولمشاريعها الامبراطورية! وللتذكير نقول، ان هذه القيادات في اعوام التسعينات، بحنكتها وخبرتها الاسرائيلية وتحالفها القديم مع الامريكان تمكنت من التغلغل في (معارضة لندن) وسيطرت على القيادات السياسية والثقافية العراقية وجيرتها لصالح مشاريعها التدميرية. حتى تمكنت من اقناع الامريكان باجتياح العراق، ثم دفعهم لاتخاذ ذلك القرار الجنوني بتدمير الدولة العراقية وجيشها، ثم التشجيع السري للحركات الارهابية والحرب الطائفية.
                                     الروح الوطنية الجديدة
لقد احتاج العراقيون ومعهم اكراد العراق، لاعوام لكي يشاهدوا بأعينهم انكشاف الحقيقة الخفية والمرعبة لتلك القيادات العنصرية التي ظلت طيلة تاريخها تعيش على نهش البدن العراقي، وبنفس الوقت ترتدي اقنعة البؤس والمظلومية وتذرف دموع الضحية.
نعم، هكذا نحن العراقيون، عرب واكراد وتركمان وسريان، طيبوا القلوب وسهلي الانخداع وكسب عواطفنا من قبل طغاتنا وجلادينا، خصوصا اذا كانوا يتقنوا التمثيل والتباكي والتغطية. ونحتاج الى براهين كثيرة وكثيرة وخيبات وانكسارات، لكي ندرك حقيقة هؤلاء المخادعين تجار الحروب.
لهذا فأننا للأسف ترانا دائما (نسير وراء الاحداث)، ولا يمكننا ان نتنبأ بها ونسبقها.. يعني تكون ردود افعالنا بعد ان (يقع الفاس في الراس)!
لكننا والحمد لله، ها نحن ننهض ونلحق على(كركوك) قبل ان تنهشها ايادي العنصريين الانفصاليين.
وهذا دليل على ان هنالك نهضة كبيرة في الوعي العراقي، زخم شعاعي من الحياة في الضمير العراقي، ولادة جديدة للروح العراقية، ودليل ساطع على ان وطننا الجريح، مقبل على نهضة كبرى مثل نخلة عملاقة تزهو وتثمر مستمدة نسغها وحياتها من جذورها المتددة عميقا عميقا في تربة الوطنية والمحبة والاصالة والاعتزاز بالذات..
 وان شعبنا ونخبه السياسية والدينية والثقافية، قد نضج واستفاد من نكساته السابقة، واصبح قادرا على ان يكافح بجدارة من اجل  قضاياه الوطنية الكبرى، وان يتنبأ ويستعد للاحداث قبل ان يفوت الأوان...
 وكما قلنا مرارا: إن (كركوك قلب العراق)، لأنها بحياتها يبقى العراق حياً، وإن ضاعت ضاع العراق. إن كركوك هي العمود الذي يستند عليه سقف الوطن، وإن سقط هذا العمود سقط السقف كله. هي التي تربط شمالنا كله بوسطه وجنوبه، وهي التي تربط كرده بتركمانه بسريانه وبعربه، وإن ضاعت كركوك ضاع هذا الرابط الذي يشد هذه الفئات الى بعضها البعض..
فشكرا لقيادات العراق، وبالذات (الرئيس المالكي) الذي اثبت جدارة سياسية وحرصا وطنيا وحنكة وصبرا في التعامل مع تلك القيادات العنصرية المتعصبة الشرسة.
وشكرا لنواب العراق ممن حولوا البرلمان الى ساحة للنضال دفاعا عن عراقية كركوك والموصل وديالي وكل شمال الوطن.. ونذكر منهم رمزين وطنيين اصيلين: النائب الوطني (فوزي أكرم ترزي)، ونائب الموصل الوطني الشجاع (اسامة النجيفي)..
وشكرا لجميع السياسيين والمثقفين ورجال الدين، ممن يدافعون عن عراقية كركوك..
وشكرا لأكراد العراق الرافضين لمشاريع القيادات العنصرية التوسعية الحربية، والمكافحين من اجل خلق تيار وطني كردي عراقي..
وشكرا للتركمان وقياداتهم التي تحمل شرف ريادة الدفاع عن عراقية كركوك..
عاشت كركوك قلب العراق النابض والخالد..


36

الدولة العراقية واهمالها
الفاضح للاعلام الوطني!

سليم مطر/ جنيف  

salimmatar@bluewin.ch

www.salim-matar.com

هنالك مقولة شهيرة للرئيس الامريكي ريغان:
(( اننا خسرنا معركة فيتنام بسبب اهمالنا لدور الاعلام))!
 وهاهي امريكا منذ اعوام التسعينات تبلغ ذروتها الامبراطورية عسكريا وسياسيا بعد تكوينها لامبراطورية اعلامية ثقافية جبارة تهيمن على العالم اجمع.
لكي ندرك مدى خطورة دور الثقافة والاعلام في حياتنا، لنتذكر الدور الحاسم للتحريض الطائفي الذي مارسته عدة مؤسسات اعلامية عراقية وعربية، وعلى راسها محطة الجزيرة القطرية (الاسرائيلية ـ الامريكية)، لتهيئة وتغذية الحرب الطائفية التي دمرت بلدنا.
 ان هذا الاعلام الخبيث و(اتجاهه المعاكس)، كان له الدور الحاسم في توجيه طاقة العنف الجبارة المكبوتة لدى العراقيين منذ اجيال، لتكون ضد بعضهم البعض، بدلا من توجيهها ضد عدوهم المشترك.
نعم هذا الدور الحاسم للثقافة والاعلام، لان السيطرة على عقول الناس ومشاعرهم يؤدي الى السيطرة على افعالهم.
                                      متغيرات اللعبة الاعلامية
ان حجر الزاوية والمفتاح السحري الذي يعتمد ويستند عليه الاعلام في العالم في العقود الاخيرة، يتكثف بالمقولة الخطيرة التالية:
((اذا لم تستطع ان تدافع عني مباشرة، فعلى الاقل لا تساهم بتشويه سمعتي..))..
نعم هذه المقولة الخطيرة جداً قلبت تماما مفهوم السياسة الاعلامية والثقافية السابق والقائم على المقولة الحزبوية التبسيطية التالية:
((اذا لم تدافع عني مباشرة وتطبل لي، فأنت عدوي))..
 وافضل مثال ناجح جدا في هذا السياق هي السياسة الاعلامية السعودية منذ اعوام الثمانينات من القرن الماضي. فهي قد اتصلت بالمثقفين العرب وخصوصا من خصومها القوميين واليساريين ودعمتهم شخصيا وساعدتهم على تكوين مؤسساتهم الثقافية الكبرى من صحف وفضائيات ومنظمات وغيرها. كل هذا على اساس المبدأ السابق:
(( يا عزيزي، يا مثقف يساري وقومي وحداثي وملحد ومعادي للسعودية حتى النخاع.. ارجوك كن عاقلا وتقبل مساعدتي لك، واذا لا ترغب ان تدافع عني، فعلى الاقل لا تشتمني ولا تسمح لأحد ان يشتمني بواسطة منبرك..)).
 وهكذا امتد الاخطبوط الاعلامي والثقافي والديني السعودي الى جميع انحاء العالمين العربي والاسلامي، وبفضله اصبحت السعودية الآن من القوى السياسية والمعنوية والدينية الكبرى في العالمين العربي والاسلامي..
مفردات الاعلام العنصري الكردي
يعتبر الاعلام القومي الكردي، منذ اعوام التسعينات، من اهم التجارب الناجحة في هذا المضمار. والسبب الاول في نجاحه، هو استفادته التقنية من خبرات (الاعلام الاسرائيلي العالمي)، القائم على مبدأين:
ـ مبدأ تأثيم الآخر واشعاره بأنه مساهم بصورة واعية وغير واعية بالجرائم المرتكبة ضد اليهود. ان الاعلام الصهيوني تمكن في العقود الاخيرة من فرض السيطرة شبه المطلقة على الضمير الاوربي من خلال الاستخدام الناجح والذكي بتأثيم الاوربيين على انهم ساهموا بجرائم المحرقة وابادة ملايين اليهود. وادانة أي ناقد او مختلف مع الطروحات الصهيونية والسياسة الاسرائيلية، بتوجيه التهمة الجاهزة له باعتباره (معادي للسامية) أي معادي لليهود، وبالتالي هو عنصري نازي من دعاة ابادة اليهود!
ـ مبدأ الاختصار والتركيز على مفردات اعلامية محددة وواضحة ومكررة. فمن اهم مرتكزات الاعلام الناجح، اختيار(المفردات الاعلامية) المعدودة والواضحة التي يتفق عليها جميع الاعلاميين المعنيين ويتم ترديدها بتكرار وتكرار حتى تصبح عادية وبديهية من الصعب معارضتها.
 ويمكن ملاحظة الاعلام العنصري الكردي كيف انه نجح بصورة متميزة بتحديد هذه المفردات واستخدامها ببراعة تفوق احيانة براعة الاعلام الصهيوني.
رغم الخلافات بين القيادتين الكرديتين، الا انهما منذ اعوام التسعينات اتفقتا على (مفردات اعلامية) محددة يتمحور حولها كل نشاطهما الاعلامي:
ـ البكاء على معانات الاكراد، وبالذات ما يسمى بكارثة حلبجة والانفال. واعتبارهم ضحية دائمة لوحشية الشعوب المحيطة من (عرب بدو اجلاف) و(اتراك همج متعصبين) و(فرس شيعة متخلفين)!!
ـ اعتبار القيادات الكردية(ديمقراطية وحضارية وتقدمية) في وسط  دكتاتوري همجي، من بعثيين واسلاميين، يريدون الانقضاض على التجربة الكردية المسكينة المسالمة؟
ـ الدفاع عن ما يسمى بـ(حق تقرير المصير) وما يعنيه من حق الاكراد بالاستقلال وتكوين كردستانهم الكبرى من الخليج العربي الى البحر المتوسط..
ـ اعتبار(الخطر الاسلامي) هو الخطر الاكبر الذي يهدد المنطقة، وان الاسلاميين الشيعة خصوصا هم التابعين لايران، وهم متعصبون ومتخلفون ويهددون الحضارة والتقدمية التي يمثلها القطب القومي الكردي!
هذه هي الخطوط العامة للاعلام الكردي. منذ نهاية التسعينات ونتيجة التعاون بين القيادات القومية الكردية والخبرات الاعلامية الغربية والاسرائيلية، تمكن الاعلام الكردي ان يخلق شبه امبراطورية اعلامية ثقافية في الوسط العراقي، في الخارج والداخل، لها امتدادات حتى في العالم العربي. من خلال الرشاوي ودفع الرواتب والهدايا والدعوات والمهرجانات مثل (مهرجان المدى) الشهير الذي يعقد سنويا في (اربيل) ويدعى اليه المئات من المثقين العراقين والعرب من العراق والعالم، ليلقي عليهم السيدين البرزاني والطلباني خطبهم القومية.
هنالك ما لا يحصى من مواقع الانترنت والصحف والمنظمات بل وحتى الاحزاب والفضائيات المستفيدة مباشرة من الدعم الكردي، بحيث صار من شبه المستحيل التحرش بهذه القيادات مهما اقترفت من خطايا. وهنالك رواتب كبيرة جدا مخصصة الى العديد من المثقفين والاعلاميين العراقيين (يساريين وقومييين واسلاميين شيعة وسنة )... وتعتمد الاساليب التالية:
ـ كسب وشراء ودفع مكافئات ورواتب ثابتة الى المئات من المثقفين والاعلاميين العراقين العرب، وكذلك من انحاء البلدان العربية. من اجل ان  يكتبوا ضمن تلك الطروحات المتفق عليها. في جميع انحاء العالم وفي جميع البلدان العربية هنالك لوبيات ثقافية اعلامية مرتبطة بالقيادات الكردية.
 ـ تنظيم عشرات المؤتمرات والمشاركة بجميع المؤتمرات العراقية، من اجل ايصال هذه الطروحات.
ـ دعم وتكوين العشرات من الصحف ومواقع الانترنت والاذاعات ومحطات التلفزيون، العراقية والعربية، من اجل نشر هذه الطروحات.
ـ شراء مؤسسة(المدى) وصاحبها(فخري كريم) من اجل الكتابة ضمن هذه الطروحات،وتنظيم المؤتمرات السنوية في اربيل والسليمانية والتي يدعى اليها المئات من المثقفين العراقيين والعرب من اجل الاستماع الى خطب الطلباني والبرزاني والاشادة بالتجربة الكردية.
ـ شراء جزء من (مؤسسة الزمان) وتلفزيون الشرقية من اجل نشر هذه الطروحات.
ـ شراء جزء من تلفزيون الفيحاء، من اجل نشر هذه الطروحات.
ـ شن حملات التشوية والتهديد لكل كاتب وعلامي يتجرأ على الاختلاف مع هذه الطروحات الكردية، بحيث انهم نجحوا تقريبا بفرض هذه الطروحات في الوسط العراقي والعربي واعتبارها شبه مقدسة! حتى صار من الطبيعي لدى الكثير من العرب الاعتقاد بان العراقيين كان يمضون وقتهم مثل النازيين بذبح اطفال الاكراد واغتصاب نسائهم وقتل رجالهم؟! وان كركوك هي كردية منذ العصر الحجري.
من اجل اعلام عراقي وطني
من المعروف ان الاعلام العراقي الحالي، تشرف عليه مؤسسة شبه حكومية اسمها(هيئة الاعلام العراقي)، تحت ادارتها جريدة الصباح ومحطات الإذاعة والتلفزيون ومكاتب اعلامية عدة.
  لا نريد الدخول في تفاصيل مشاكل هذه الهيئة.  لكن تبقى المشكلة الكبرى التي تعاني منها هي:
((  ان نشاطها ظل محصورا بالمؤسسات الاعلامية التابعة لها فقط))!
 فهذه الهيئة ليس لها اية علاقة بالعدد الهائل من المؤسسات الاعلامية العراقية المنشرة في الوطن وخارجه.
قد يفهم من كلامنا بأننا نطالب بفرض هيمنة هيئة الاعلام الحكومية على باقي النشاط الاعلامي العراقي في الخارج والداخل!
نقول لا، نحن نطالب بدعم هذا الاعلام ومساعدته على  التوجه الوطني، وتخليصه من سيطرة القوى المعادية للوطن.
يجب ان لا ننسى الحقيقة المرة التالية:
ان الجزء الاكبر من النشاطات الاعلامية العراقية في الداخل والخارج، تضطر ان تعتمد على تمويل جهات حزبية عنصرية وارهابية وقوى اجنبية (بما فيها اسرائيل!)، من اجل خدمة مصالح هذه الجهات التي هي عموما لا تريد مصلحة العراق.
واكبر دليل على قولنا هذا، ان هنالك الكثير من المنابر الاعلامية العراقية في الخارج والداخل، ممن ساهمت ولا زالت تساهم بتغذية ثقافة الحقد والتفرقة القومية والطائفية، من اجل ابقاء الوطن ضعيفا مهمشا خدما لمصالح المشاريع العنصرية الانفصالية والقوى الارهابية والاجنبية الرافضة لعودة الحياة الى العراق.
لهذا يغدو من المبرر، بل من الواجب على الحكومة وعلى القيادات السياسية الوطنية، ان تدخل من اجل تخليص الحالة الاعلامية والثقافية العراقية من هذه الهيمنة العنصرية والطائفية والاجنبية.
نحن نعتقد ان الفرصة رغم تأخرها الطويل، فأنها لا زالت ممكنة امام القوى الوطنية الشريفة لكي تأسس لحالة ثقافية واعلامية بمستوى حجمها وطموحاتها الوطنية. ويتم هذا اولا وقبل كل شيء بتعديل اساس وجوهر السياسة الاعلامية والثقافية الحالية، من خلال التغيير الجذري لطريقة التعامل مع الاعلاميين والمثقفين ومؤسساتهم.
 يمكننا ان نقترح القيام بالخطوتين التاليتين:
اولا، الاتفاق على المفردات الاعلامية الوطنية الاساسية
ان أي نشاط اعلامي ثقافي وطني مهما كان لا يمكن ان يبدأ من دون الاتفاق اولا على مفرداته الوطنية. ان تحديد هذه المفرادات يتم عبر الاجابة على السؤال الثنائي التالي:
   ماهي النقاط والمواضيع والغايات التي يتوجب الدفاع عنها واشاعتها بين الناس؟
   ماهي النقاط والمواضيع التي يتوجب ادانتها وتفنيدها بين الناس؟
تحضرنا هنا مثلا المفردات الاساسية التالية:
ـ الدفاع عن السلام الاجتماعي  وادانة العنف مهما كان وبأية حجة وطنية او اخلاقية او دينية ..
ـ الدفاع عن الوحدة الوطنية ضد الدعوات التعصبية، طائفية كانت ام قومية؟
ـ الدفاع عن الاستقلال الوطني مع تجنب التطرف باحد الموقفين المعروفين:
         ـ التهليل للامريكان وتبرير خطاياهم وجرائمهم.
         ـ العداء السافر لهم وتبرير المقاومة العنفية ضدهم.
المعقول والمناسب، هو الموقف الوطني الوسطي الواقعي البراغماتي، القائم على اساس الصراحة وفضح خطايا الامريكان وادانتها، ولكن ايضا القبول بأن مصلحة العراق ووضعه الحالي تحتم التعاون معهم. وهذا هو ذات الموقف الوطني للملك الراحل فيصل الاول من الانكليز.
ـ الدفاع عن الوحدة الاسلامية ومفهوم (الاسلام العراقي / الشيعي ـ السني)  ببعده الحضاري، والاحتفاء برموزه وشخصياته التاريخية المعروفة.
ـ  الدفاع عن عراقية كركوك وكل شمال الوطن..
ـ الدفاع عن الخصوصيات الثقافية للفئات الدينية والاقوامية العراقية واحترام معتقداتها والاحتفاء بمناسباتها، مع التأكيد بنفس الوقت على انها جزء لا يتجزأ من الوطن العراقي، تاريخيا وجغرافيا وثقافيا.
ـ الدفاع عن الاخوة والتفاهم مع الشعوب المجاورة، عربية وشرق اوسطية: ( الشعوب العربية وايران وتركيا). ونبذ العنصرية والاحقاد ضد أي شعب كان. والتأكيد على ان علاقتنا الطيبة مع الشعوب المجاورة  يلعب دورا حاسما في السلام والاخوة بين العراقيين انفسهم.
ثانيا، الدعم المباشر للمثقفين وللنشاط الاعلامي الوطني
بعد تحديد المفرادت الاعلامية والثقافية الوطنية، يصبح من اهم واجبات (هيئة الاعلام العراقية) القيام بالمهمة التالية:
ـ الاتصال المباشر والشخصي بالاعلاميين والمثقفين والناشطين العراقيين، وكذلك العرب(اصحاب مواقع وصحف ومجلات وفضائيات، وحتى مسؤولي منظمات وأحزاب) من مختلف القوميات والاديان والطوائف والاتجاهات، وفي كل مكان في داخل الوطن وفي المهاجر، من اجل تقريبهم ودعمهم وتمويل مشاريعهم الثقافية والاعلامية، ضمن هذا الشرط الاعلامي المعاصر والحاسم:
(( أن لم تستطع ان تدافع عن الوطن وسمعته ووحدته وسلامته، فعلى الأقل لا تسمح بنشر ما يعاديه بواسطة منبرك ومؤسستك وقلمك))..
نعيد ونذكر كل القوى الوطنية الحريصة على عودة العافية الى وطننا الجريح:
 ان كسب المثقفين والمنابر الاعلامية  كانت وما زالت من اهم وسائل السيطرة والنفوذ الداخلي والخارجي. هذه الوسيلة الفاعلة هي التي سهلت لأمريكا هيمنتها على العالم، وللسعودية هيمنتها على المنطقة، وللقيادات العنصرية الكردية هيمنتها على العراق!


37
ليس دفاعا عن الطلباني، بل من اجل الحقيقة:
لنتخلى عن النفاق والدجل في موقفنا ضد اسرائيل!

سليم مطر/جنيف
 تموز 2008
 salimmatar@bluewin.ch
www.salim-matar.com

في الأيام الاخيرة اثيرت زوبعة ضد السيد جلال الطلباني رئيس الجمهورية، لانه التقى الرئيس الاسرائيلي الاسبق، في مؤتمر الاشتراكية الدولية، بصحبة الرئيس الفلسطيني.. نعم لاحظوا جيدا، بصحبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس!!!!
بغض النظر عن خلافنا المعروف مع السيد الطلباني والقيادة القومية الكردية بسبب سياستهم العنصرية التوسعية الانفصالية، الا اننا رغم ذلك، نعتبر هذه الزوبعة الاعلامية السياسية ضد أي حوار مع اسرائيل، تعبير عن ذروة النفاق والدجل الذي يسود العقل السياسي العراقي.
بالله عليكم، قليلا من الصدق والضمير،اعرضوا المسألة التالية حتى على الاطفال:
ـ الحكومة الفلسطينية الشرعية والبرلمان الفلسطيني والقوى الحزبية الفلسطينية، كلها تعترف بأسرائيل وتتعايش وتتحاور معها بصورة علنية ورسمية!
ـ جارتنا العزيزة الاردن، نفس الحالةّ!
ـ جمهورية مصر، زعيمة العالم العربي وماسكة الجامعة العربية، نفس الحالة!
ـ حتى ليبيا زعيمة الامتين(الجماهيريتين الخضراويتين) العربية والافريقية، نفس الحالة!
ـ غالبية الدول العربية، لها علاقات سرية وعلنية مع اسرائيل على مختلف الاصعدة!!
طيب ، لماذا نحن فقط، علينا وحدنا يطبق هذا التحريم والمنع، ونتهم بالخيانة والمروق والكفر كل من يصافح مسؤولا اسرائيليا؟!
يا اخوان، دعونا لمرة واحدة في حياتنا نمتلك الشجاعة ونكون عراقيين حقيقين وننظر الى واقعنا ونتخلص من الزعيق بالشعارات والبطولات والمحرمات التي يفرضها علينا الآخرون من خارج بلادنا، وكأننا نحن ابناء العراق (ولد الخايبة)، يطبق علينا وحدنا، ما لا يطبقه الآخرون على انفسهم.
لماذا نحشر رؤوسنا في الاطيان. كفانا جعجعات وخطابات منافقة نصرخ بها رغم عدم ايماننا بها ابدا. كم من الاعوام ضيعناها في حروب تافهة من اجل شعارات ثورجية لا ناقة لنا بها ولا  بغل:
ـ شعارت الوحدة العربية من الخليج الثائر الى المحيط الهادر.. وتدبير الدسائس والمؤامرات والانقلابات والحروب ضد الاشقاء والجيران من اجل ادخالهم بالقوة الى بيت الطاعة البعثية العروبية..
ـ شعارات تحرير فلسطين وتجييش الجيوش المليونية التي آذت الشعب الفلسطيني ولم تنفعه ابدا..
ـ اخيرا ومنذ سنوات،اتتنا شعارت الامة الاسلامية لتحولنا الى مطايا تابعة الى القوى الاسلامية العالمية، ايرانية وسلفية بن لادنية، وهلم جرى..
ـ طبعا، يضاف الى كل هذا، شعارات كردستان الكبرى وتكوين الامبراطورية الكردية العظمى الممتدة من البحر الابيض شمالا الى الخليج العربي جنوبا، التي ستستولي على ثلث العراق وربع ايران وثلث تركيا وربع سوريا؟؟!!
كل هذه الشعارات العنترية الخيالية هي السبب الاول والاكبر في كل معانات شعبنا منذ اجيال واجيال، لانها ادخلتنا في صراعات وحشية فيما بيننا وكذلك ضد جيراننا، وجلبت لنا العداوات الداخلية والخارجية.
 اني اتحدى أي من هؤلاء الزاعقين برفض اية علاقة عراقية مع اسرائيل، ان يصرح بكلامه هذا ضد الاردن او مصر.. علما بأن غالبية هؤلاء العروبيين والاسلاميين الثورجية لهم علاقات حميمة مع مصر والاردن، بل الكثير من قادتهم يقطنون هناك؟؟!!
لماذ هذا النفاق، لماذ هذا الدجل؟!
*     *      *
  نرجو ان لا يفهم من كلامنا هذا، على انه دعوة لدعم سياسة اسرائيل ومعادات حقوق الشعب الفلسطيني. لا ابدا. بل بالعكس، ان تجربة كل من مصر والاردن مع اسرائيل، بينت بأن العلاقات الرسمية والدبلوماسية، يمكن ان تساهم بالضغط السياسي والدبلوماسي على اسرائيل لتعديل سياستها وكذلك دعم حقوق اخوتنا الفلسطينيين.
ثم ان العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين العراقية والاسرائيلية، لا يمكن ان تمنع القوى الحزبية والمدنية العراقية من الكفاح الانساني والسياسي لدعم حقوق اخوتنا الفلسطينيين.
ان تجربة الاعوام الستين من الحروب والقطيعة مع اسرائيل، بينت بصورة حاسمة استحالة حل المشكلة الفلسطينية بهذا الاسلوب العنفي العدائي. فلا موازين القوى لصالحنا، ولا القوى العالمية تسمح بذلك. وكانت حصيلة هذه السنين الطويلة من العداء والحروب، كوارث رهيبة على شعوب الشرق الاوسط وعلى الشعب الفلسطيني خصوصا. ان جيوشنا(الجرارة) وعنتريات قادتنا الاشاوس، بدل ان تلقي اليهود في البحر، حسب ادعاءاتهم، ادت الى القاء نصف الشعب الفلسطيني في متاهات الاذلال والتشتت في انحاء العالم.
يكفينا ان نذكر بالحقيقة الدامغة التالية التي تتحدى كل ادعاءات الثورجية :
ـ ان غالبية ضحايا الفلسطينين قتلت على يد الجيوش والميليشيات العربية في الاردن ولبنان؟؟!!!!
   نعم، لقد آن أواننا نحن ابناء العراق الجريح، ان نعلن كلنا بصوت واحد، قادة ونخب سياسية ودينية وثقاقية، عرب واكراد وتركمان وسريان، حداثيون ودينيون:
          ها نحن بعد هذه السنين الطويلة العجاف من الخيبات والكوارث، قد نضجنا وتخطينا عمر الطفولة والمراهقة واصبحنا قادرين على التحرر من تبعيتنا الذليلة للقوى الخارجية، عربية واسلامية وعالمية..
      ومن اولى علامات نضجنا وتعقلنا، اننا تخلصنا الى الابد من تلك الشعارات المنافقة العنترية الغوغائية الطنانة الفارغة القاتلة، واصبحنا نحكتم الى العقل والواقع ونتبع سياسة برغاماتية وسطية معتدلة..


38
دعوة للكتابة في:
(خمسة آلاف عام من الكتابة العراقية)
موسوعة تاريخ اللغات العراقية وآدابها
السومرية، الاكدية، السريانية، العربية،
الكردية، التركمانية، الفيلية، المندائية
 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدر في بغداد العدد 15  من مجلة (ميزوبوتامياـ بلاد النهرين) الخاصة بالهوية العراقية. وهذا العدد البالغ حوالي 200 صفحة، يحتوي كالعادة على مختلف المواضيع التي تتمحور حول (الهوية العراقية) بكل تنوعتها: المثقف والسياسي، تاريخ الطائفية،البيئة، الاحواز،اكراد العراق، الطب البديل،المرأة، الكوفية والعقال، الشبك، اليزيدية، الاكراد، الصابئة، الحسن البصري، الاب الكرملي، الفنان رضا علي، ملف كركوك والتهديدات العنصرية، العراق القديم، جذور الفنون الشعبية، نكات...
ويمكن تصفح هذا العدد مع جميع الاعداد السابقة على موقع المجلة التالي:
www.mesopotamia4374.com

دعوة للمساهمة في العدد القادم

سوف يكون العدد القادم الذي يصدر نهاية آب من هذا العام، عدد مزدوجا ممتازا يخصص للتعريف بتاريخ اللغات العراقية(القديمة والحية) وآدابها. وكالعادة سوف تصدر هذه الموسوعة ايضا على شكل كتاب خاص، بعد المجلة التي تصدر ورقية في بغداد.
ندعو كل الاخوة الكتاب والباحثين الى المساهمة في هذه الموسوعة التي تعتبر اكبر عمل تعريفي عن تاريخ اللغات العراقية وآدابها. نحن بحاجة الى الكتابة في المواضيع التالية:
ـ كل ما يتعلق بالكتابة المسمارية، والأدب العراقي القديم، السومري والاكدي(بلهجتيه البابلية والآشورية).
ـ كل ما يتعلق باللغة الآرامية/ السريانية، منذ الحقبة المسيحية السابقة للأسلام، ثم دور الادباء السريان في الادب  العربي العراقي في الفترة العباسية، ثم في العصر الحديث.
ـ كل ما يتعلق باللغتين الكرديتين، السورانية والبهدنانية، والادب المنتج بهما في العراق. والحديث عن الشخصيات الادبية الكردية العراقية المعروفة. نحن بحاجة الى دراسات توضح الفروق والتقاربات القواعدية واللفظية بين هاتين اللغتين.
ـ كل ما يتعلق بتاريخ اللغة التركمانية العراقية، والتعريف بالشخصيات الادبية التركمانية المعروفة منذ فضولي البغدادي وحتى الآن. وكذلك عن اشكالية محاولة بعض المثقفين بتبني الابجدية التركية(اللاتينية) بدلا من العربية الحالية. مع نماذج من النصوص باللغة التركمانية وترجماتها العربية.
ـ التعريف باللغة المندائية( الصابئية)، والنصوص الدينية المكتوبة بها، وعلاقتها بالآرامية والعربية، مع نماذج من النصوص بهذه اللغة وترجماتها العربية. ومدى حضور هذه اللغة الآن.
ـ التعريف باللغة الفيلية، التي تعتبر مستقلة قواعديا ولفظيا وقاموسيا عن اللغات الكردية. وتقديم نصوصا بهذه اللغة مع ترجمتها العربية. كذلك التعريف بالادباء العراقيين الفيليين، من الذين ساهموا باغناء الثقافة العراقية باللغة العربية.
ـ التعريف بدور العراقيين في ابداع الكتابة العربية وتطوير لغتها، وابداع اعظم ادب عربي عراقي في الفترة العباسية. كذلك عن النشاط الادبي العراقي في الحقبة المغولية ثم العثمانية حتى العصر الحديث.
ـ التعريف بالوضع الادبي العراقي في العصر الحديث، والتعريف خصوصا بحياة وتجارب كبار الشخصيات الادبية العراقية المعروفة، الراحلة والحية.
ـ التعريف بدور المؤسسات الجامعية العراقية في تدريس اللغات العراقية، والحوار مع الاستاذة والمسؤولين المعنيين. وكذلك التعريف بالمجلات الادبية الناطقة بمختلف اللغات العراقية.
ملاحظة: نتقبل المواضيع المنشورة سابقا. ويمكن ارسال هذه المواضيع، مطبوعة على الكومبيوتر، حتى اواسط شهر آب من هذا العام، على ايميل رئيس التحرير: سليم مطر/جنيف
salimmatar@bluewin.ch
يمكن مطالعة جميع اعداد مجلة ميزوبوتاميا في موقعها الخاص:
www.mesopotamia4374.com
 يستحسن أن ترسل مع النصوص صورة الكاتب على شكل وثيقة مستقلة(jpg) لكي تنشر مع نصه.
ونحن نرحب بأي مقترح لتطوير هذه الموسوعة..


39
أخي السياسي العراقي: تخلى عن منافستك للمثقفين، واكسبهم، تكسب الوطن بأكمله!


سليم مطر/جنيف
آيار 2008

 salimmatar@bluewin.ch
www.salim-matar.com
           
من اعظم واخطر الامراض المستعصية التي يعاني منها(الوضع السياسي والعقلي العراقي)، منذ اجيال طويلة وحتى الآن، ذلك الموقف السلبي ضد (الثقافة والمثقفين) الذي يحمله (القادة السياسيون) أي قادة المجتمع والدولة. ونعني بهم كل الاشخاص الذي يحتلون مرتبة عليا في الهرم الاجتماعي ومؤسساته: (كبار الحزبيين والاداريين ومالكي الثروة ورجال الدين ورؤساء العشائر)، سواء منهم الحكوميين او المعارضين. اما (المثقفون) فنعني بهم كل المشتغلين والمتخصصين في المجالات الفكرية والعلمية والادبية والفنية، مثل الكتاب والباحثين واساتذة الجامعات والفنانين.
صدام، المفكر والروائي!
الطريف انك لو فتشت في رؤوس غالبية هؤلاء القادة، مهما اختلفت ميولهم وعقائدهم ومناصبهم واموالهم وسلطاتهم، لوجدت(حلما) سريا مخبوءا في اعماق كل واحد منهم:
ـ ان يكون مثقفا معروفا يقرأه الناس ويتأثر به اصحاب القرار!!
ولنا افضل مثال على هذ، نموذج (صدام حسين)، الذي بعد ان حارب واخضع كل المثقفين العراقيين، واغتال الصعبين منهم، بما فيهم البعثيين، مثل عبد الخالق السامرائي ومنيف الرزاز، حاول المستحيل لكي يصبح(مفكرا وروائيا). ظل يصدركتيباته الخطابية، مثل(خندق او خندقان)، حتى ختم (حياته الثقافية) برواياته الشهيرة التي تستحق(جائزة نوبل)للآداب الساذجة. طبعا كل كتاباته هذه، لم تكن بدافع حبه للثقافة والمثقفين، بل لانه كان يعاني، رغم كل سلطاته الجبارة، من الغيرة ازاء السلطة الروحية التي يتمتع بها المثقف. (وله شبيه هو الرئيس القذافي الذي اصدر عدة روايات وكتابا بلا لون، سماه ـ الكتاب الاخضرـ ).
ولنا مثال الزعيم الشيوعي المعروف(فهد)، وهو نموذج اقدم واكثر تأثيرا، وهو من صنف آخر لأنه (قائد معارض) وانتهى معدوما عام 1949. هذا الزعيم السياسي العراقي، كان خصما لدودا لكل المثقفين العراقيين الحقيقيين، لانهم كانو ينافسونه بسلطته الحزبية(الستالينية) المطلقة. تراه كرس كل نشاطه لمحاربتهم وطردهم من الحزب ونعتهم بكل الصفات السلبية المتداولة في القاموس الستاليني: ( برجوازي صغير، انتهازي، منحرف، عميل الطبقة البرجوازية، اشتراكي ديمقراطي خائن للطبقة العاملة..)..الخ.. وهو مثل صدام، حاول ان يحل محل المثقفين من خلال تدبيج المقالات الثورية السطحية الخطابية التي تبين فيما بعد انه قد ترجمها من مقالات حزبية روسية. وقد ورث الحزب الشيوعي العراقي هذه العقلية الستالينية التي تفرض سيطرة القائد الحزبي على المثقف. ومع الاعوام اشيع هذا السلوك في الحياة الحزبية والثقافية العراقية وتبنته كل الاحزاب. بل انكى من هذا ان المثقف العراقي قد تعود على هذا الدور التابع، واقتنع بأنه يجب ان يكون مفسرا وشارحا ومطبلا لشعارات حزبه وقائده السياسي.
اما تجربة الشهيد(آية الله محمد باقر الصدر)، فتكشف عن نموذج للقائد السياسي ذي الحس الضميري الحقيقي: رغم ان هذا المفكر الاسلامي، قد بدأ حياته سياسيا ويعتبر مؤسسا لحزب الدعوة، لكنه قرر هجر الحزب وكل العمل السياسي المباشر، لأنه ادرك حقيقة ميوله (الثقافية) وان الجمع بين القيادة والثقافة، يحتاج الى مداهنة وانانية والاعيب. لقد احترم نفسه وقدراته وميوله واختار(الثقافة)، وترك القيادة للراغبين بها.
ولنا ايضا نموذج الملك الراحل(فيصل الاول)، الذي يكاد ان يكون الزعيم العراقي الوحيد، الذي اعترف بالدور المتميز للمثقفين واحترمهم وقربهم،. ان حكاية علاقته المتقلبة والطريفة مع الشاعر الكبير(محمد مهدي الجواهري) تكشف الكثير عن انسانية وسعة افق هذا الملك.
ويمكن ان نعود الى الازمان العراقية القديمة، فنذكر نماذج ايجابية لقادة عراقيين مجدهم التاريخ لأنهم احترموا الثقافة والمثقفين، مثل(نبوخذ نصر) و(آشور بانيبال) و(الخليفة هارون الرشيد والخليفة المأمون).
لكن للاسف الشديد، ان هذه النماذج الايجابية نادرة بين القادة العراقيين المعاصرين، لان غالبيتهم مع احترامنا لهم، بمختلف اصنافهم، في الخارج وفي الداخل، حداثيين وتقليديين، معارضين وحكوميين، نقول غالبيتهم وليس كلهم، حتى الآن يقلدون بصورة حرفية الرئيس السابق صدام، لأنهم مثله يعانون من (المنافسة) إزاء المثقف المبدع الحقيقي.
 لهذا فأنهم لا يعترفون الا بالمثقف الذي يصفق لهم شخصيا. او قل بالاحرى، انهم لا يعترفون اصلا بالمثقف، وبالذات الكاتب المفكر ذي المواقف. نعم ان السياسي العراقي، كل ما يهمه من الثقافة والمثقف هو:(الاعلامي)! نعم (الاعلامي)، وليس أي (اعلامي)، انما فقط (الاعلامي) الذي يطبل له ويصفق بصورة مباشرة وذليلة، وفي احسن الاحوال (المثقف الشارح والمزوق). اما باقي المثقفين المبدعين الحقيقيين، فبكل بساطة يتم تجاهلهم وعدم الاعتراف بأهميتهم وعدم الاتصال بهم. بل اذا أمكن فأنهم يحاربون ويلغون من الوجود كل مثقف يختلف معهم ولو بكلمة واحدة!
هذه هي القاعدة المعمول به من قبل قادتنا الكرام ومؤسساتهم الحكومية والحزبية والدينية والعشائرية والاقتصادية:
    ايها المثقف، كلما اصبحت مبدعا ومتميزا ومستقلا ومؤثرا في العقل العراقي، كلما اصبحنا نشعر بأنك منافس لسلطتنا على ناسنا، فنخشاك ونعمل على تجاهلك واذلالك وحتى محاربتك!!
السياسي الزائل والمثقف الابدي
انها ازدواجية عجيبة: ان ترغب بالشيء، وتعاديه بنفس الوقت!؟
يعني مثل الذي يرغب ان يكون رياضيا مرموقا، وعندما لا يستطيع، يحسد ويعادي كل الرياضيين!
السبب الممكن لهذا الموقف(الشيزوفريني)، يعود الى  أن هؤلاء القادة، بسبب عدم ثقتهم بأنفسهم وبشعبهم العراقي، يعتقدون ان سلطتهم مهما عظمت فأنها زائلة ومنسية، ولا تظاهي في تأثيرها الروحي وديموتها التاريخية مستوى الكتابة والكتب الابداعية الاصيلة. فأن النهايات المأساوية التي عاشها غالبية قادة العراق، الحكوميين والمعارضين، منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 وحتى الآن، قتلا  وسجنا  وتجاهلا، تعزز فقدان الثقة لدى السياسي إزاء الشعب والتاريخ، وان دوره مؤقت وزائل.
لهذا فأنهم  بصورة واعية او غير واعية، يحسدون المثقف المنتج المبدع الحقيقي، لأنه عكس السياسي تماما: يعاني من التجاهل والعازة والحرمان في حياته، لكنه يتلقى المجد والخلود في تاريخ الوطن وضمير الشعب. ولنا امثلة عديدة على هذه الحالة، مثال شاعرنا الخالد (السياب) الذي حاربه السياسيون واصحاب القرار ومات في الكويت في عز شبابه مريضا فقيرا.
نعم ان (السلطة الروحية ومجد التاريخ) السبب المعقول، الذي يجعل السياسي العراقي يعتبر المثقف الحقيقي البارز، ندا ومنافسا له، بل خصما خطرا يتوجب، اما السيطرة عليه واخضاعه، او اسكاته، او على الاقل تجاهله وتناسيه والاستخفاف به.
لهذا فان (سائسنا) المحترم، بصورة لا واعية يخاطب المثقف العراقي قائلا: اذا كان لك مجد التاريخ وراحة الضمير، فأترك لي على الاقل الحاضر والحياة المادية، اتمتع بحضوري وامارس سلطتي المطلقة، من دون منافستك اللعينة!
اربحوا المثقفين لتربحوا التاريخ!
بالحقيقة ان هذه المشكلة، لا تخلو من العمومية البشرية، فقد يعاني منها جميع السياسيين والقادة في العالم اجمع. ولكن الامر مختلف في المجتمعات التي تعيش نوعا من الاستقرار والتحضر. هناك يحس السياسي بقيمته اوباعتراف المجتمع والتاريخ بدوره الوطني، فتكون هذه المنافسة خفيفة ومقننة. نعم في المجتمعات التي تعيش اوضاعا طبيعية مستقرة، فأن  السياسي يدرك بأنه لا يمكن ان يقوم بالدورين معا: سياسي ومثقف!
لوتمعنا في المجتمعات الغربية فأننا نلاحظ ان هنالك اعترافا واضحا بتمايز كل من دور السياسي والمثقف. المثقف له سلطته الفكرية والتحليلية والفنية والادبية، وله تأثيره المباشر على سياسة الدولة وبرامج الاحزاب وقادة الحكومة والاحزاب، من خلال كتاباته وبحوثه وتفصيله لخفايا الواقع، وكذلك آراءه ومواقفه المعلنة. وهذه حالة طبيعية عرفتها البشرية في كل زمان ومكان، بل حتى في تاريخنا الاسلامي حيث يعتمد قادة والدولة والجماعات المعارضة على الفقهاء والمثقفين في وضع مشاريعهم والتأثير بالناس.  ان من اهم عوامل الاستقرار الذي تعيشه المجتمعات الغربية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يعود الى ذلك التفاهم غير المعلن بين(السياسيين والمثقفين) باحترام كل منهما لدور الآخر، والتعاون فيما بينهما من اجل مصلحة الدولة والوطن. 
نعم ان العلاقة بين المثقف والسياسي، مرتبطة مباشرة بالمستوى الحضاري والانساني للوطن والشعب. كلما كان الانحطاط الاجتماعي والسياسي والثقافي سائدا، كلما كانت العلاقة بين المثقف والسياسي سلبية واخضاعية. وكلما تحسنت العلاقة بين الطرفين وقامت على الاحترام والتعاون، كلما تحسن وضع الانسان والوطن.
اخيرا، نرجو ونتمنى ونقول لعزيزنا القائد السياسي العراقي:
اقتنع بنفسك وبتخصصك في قيادة المجتمع والدولة والدين والاقتصاد. ضع ثقتك بنفسك وبشعبك العراقي، واذا اردت فعلا ان تجعل التاريخ والضمير الوطني ينصفك ويخلدك حتى الابد، فاعمل بهذه النصيحة الاكيدة والمضمونة والمجربة في كل مكان وزمان:
ـ تخلى عن غيرتك غير المعقولة من المثقفين العراقيين، واعترف بدورهم المتميز والضروري، واعمل على كسبهم واحترامهم وتشجيعهم، وشيد وادعم المؤسسات الثقافية. طالبهم بطرح آرائهم وشجعهم على مشاركتك في التفكير والتحليل ووضع المشاريع المفيدة لمؤسستك الحكومية والحزبية والدينية والعشائرية والاقتصادية، ولعموم المجتمع..
 ثق يا اخي القائد، أن اي احترام وسمعة يحوزها هؤلاء المثقفون سوف تكون لصالح قضيتك وعقيدتك ومشاريعك وارباحك، ومن ثم لصالح الشعب والوطن والاستقرار والسلام والتطور.  نعم ان كل الذي يربحه المثقفون يعود عليك، يا اخي القائد، مضاعفة، انت ومشروعك، كسمعة وتقدير ونفوذ  وذكرى ايجابية في التاريخ والضمير!


40
المنبر الحر / لغز الملك المغدور!
« في: 23:43 16/03/2008  »
لغز الملك المغدور!

سليم مطر/ جنيف
آذار 2008
salimmatar@bluewin.ch
www.salim-matar.com

ان لغز هذا الملك العراقي القديم، قد حير جميع المؤرخين والآثاريين الذي اشتغلوا عليه. منذ سنوات طويلة وهم مترددون بين مختلف التخمينات والحلول، وكل فترة يبادر احد العلماء الى نشر فرضيته لحل هذا اللغز، ولكنه سرعان ما يعود ويعتذر عن تسرعه.
المشكلة أن شخصية هذا الملك، مجهولة تماما في المصادر التاريخية المتداولة. حتى الآن ليس هنالك غير هذه الوثيقة الوحيدة التي تحتوي على حكايته وتثير الريبة حوله!
لهذا اخذت على عاتقي نشر هذه ( الحكاية ـ الوثيقة) لكي تطلعوا عليها وتحكموا بأنفكسم على طبيعتها ومدى صحتها والحل المناسب للغزها. هذه الوثيقة هي عبارة عن صفحة فخارية حجمها حوالي نصف متر، ومكتوبة باللغة العراقية لقديمة( الاكدية). وكما هو واضح من طبيعة الخط المسماري المستخدم، ان الفقرات المختلفة قد كتبت من قبل اشخاص مختلفين، كل شخص كتب تعقيبه في اسفل الفقرة السابقة.
هاكم الحكاية كما هي:

                                              انا الملك المغدور
ها هي الاعوام تمر وانا هنا وحيد في عزلتي. بحر المجاهيل يحيطني من كل ناحية، ولا اعرف أي شئ عن هذه الجزيرة النائية. لا انسان ولا حيوان، سوى نباتات شوكية متناثرة في الانحاء كأنها مزروعة في روحي، تخدشني كلما نسيت. غرباء قساة رموني هنا، لكي احفر بأظافري كهفي في باطن الارض أستجير به من لهيب الشمس. بين حين وآخر، يأتوني بقاربهم، مدججين بسلاح وصمت، يذلوني ويتشفون بتعذيبي ثم يرمون لي بضعة ارغفة يابسة متعفنة وكمية مياه في حفرة، لكي ابقى حيا وانا اقضمها معفرة بطين ووجع.
 ها انا الملك  المخلوع، بعد ان غدر بي الزمان، اعيش وحيدا منبوذا وسط ريح هوجاء وصخور صماء وارض جرداء وسماء كالحة رعداء. حتى السحالى تهابني والأسماك تنآني، والطيور ضلالها يخشاني..
لقد تخلى عني اقرب اتباعي. تحالفوا سرا مع اعداء الوطن، وفي ليلة ليلاء غاب عنها البدر والنجوم وعبقت في الفضاء رائحة الخيانة وانفاس (ارشيكال) الهة الموت، قاموا بانقلابهم الغادر وفتحوا ابواب (بابل) الحصينة لجيوش الغزات. فتكوا بحاشيتي وابنائي ونسائي وحرقوا قصري واجبروني على التنازل عن عرش اسلافي، ووضعوني في قفص معتم، وجالوا بي الاراضي والبحار خلال ازمان وازمان، حتى وجدت نفسي مرميا هنا وحيدا مهجورا..
                                         
                                         انا ضابط الحراس                                         
لقد قرأت ماكتبه اعلاه ذلك السجين الاحمق المرقم(953410). كما يبدو واضحا ان حالته العقليه قد بلغت ذروة انحطاطها، وصارت روحه مرتعا للشياطين. يدعي انه كان ملكا وقد تآمر اتباعه ضده مع اعداء الوطن. ان هذا محظ خيال جامح ليس له أي اساس من الصحة. هاكم انظرو، فليس هو في جزيرة وليس هنالك أي بحر. انه في سجن منيع حيث يعيش مثل المئات من السجناء، آمنا في زنزانته تحت الارض. نرمي له الطعام والماء من فتحة في باب. لا اعرف ما هي جريمته، لكنه يقينا لم يكن ملكا مخلوعا، بل آثما لعينا استحق غضب ملكنا الجليل.
تراه يشكوا العزلة والاذلال وهو محاط بكل اولئك السفلة من امثاله، يمضون حياتهم في أمان وخدر في سراديب عتمة. آه لو يدرك حقيقة ما اعيشه انا. كيف امضي كل ساعة من يومي في عذاب ما بعده عذاب. من يراني من الخارج، يقول عني، ما اسعدني، وانا أمير من عشيرة الملك، مسؤول سجن يضم مئات الاشرار. لا احد ينافسني  في سلطتي المطلقة على حياة سجنائي. مثل اله جبار، بقرار سريع اميت جوعا من اشاء وامنح الحرية لمن اشاء. لكني، يا للهول، انا اعاني واعاني واعاني. بل ان شدة معاناتي متأتية من جهلي بما اعاني. لا ادري أي جني احمق يقطن في روحي، ويجعلني ليل نهار، قلقا متهيجا احوم مثل ذئب جريح في زنازين عزلتي. آه لكم اود بصدق ان اتعرى عن كل ثيابي وسلطتي والقابي وتاريخي ومحارمي، لاركض حرا آمنا بين سهول وبساتين وشطآن، مثل طفل من ابناء اولئك الهمج الذين يعيشون في البوادي والجبال.
ايه، يا عشتار، يا الهتي الحنونة الجبارة.. اشفقي بي يا امي وحاميتي، فأنا ما عدت سجان سجن الاشرار، بل سجان سجن روحي...     
                                             انا كاهن منزل المعتوهين
عجيب امر هؤلاء المجانين؟! احدهم يدعي انه ملك مخلوع، وثان يكذبه ويدعي انه امير سجن. صحيح ما يقال ان الجنون فنون. الحقيقة كما ترون ان هذا منزل للحمقى والمعتوهين ملحق بمعبد آلهتنا عشتار. لقد قرر جلالة الملك عزلهم فيه لكي ينأي عن الناس شرور العفاريت التي تملكتهم.
ها انا امضي وقتي مسؤولا عن سلامة هؤلاء المساكين الذين نبذتهم ارواحهم قبل ان ينبذهم اهلهم واناسهم. بالصلوات والتراتيل والتعاويذ والقرابين، احاول ان اخلصهم من شياطينهم.
لكن يا الهي اني اتعذب بصمت. رغم كل صلواتي الكهنوتية واغتسالي اليومي بمياه الهتي المقدسة، الا اني اخشى ان عفاريت الخبل قد خدعت حراس نجومي، وتمكنت من اختراق جدار انواري المقدسة، وتسللت الى اقبية روحي .
 احس يوما بعد يوم اني اشارك اتباعي حمقهم. لكم اود ان اضحك ملئ شدقي مثل مخبول، ان ارقص مثل عربيد سكير، اجول في دروب وحارات، انسانا بسيطا امارس نزواتي واطلق عنان طيشي واصرخ حتى يتناثر زبدي، بلا وقار كهنة واستعلاء عقلاء.
يا الهتي وخالقتي وسيدة دنياي، يا عشتاري. ليشعل سيد الكون(ايلو) بساتين بابل لك شموعا، وينثر نجوم سمائها حولك دررا، ويجمع نطفات رجالها في رحمك نسلا سرمديا. يا معبودتي، ادركي حالي واسمعي صلواتي وتقبلي دعائي وخلصيني من حيرتي وعذابي، فأنا ما عدت كاهن منزل المعتوهين، بل كاهن منزل عتهي وضياعي آني ...

انا رئيس الكتبة
طريف امر هؤلاء. كل منهم يكذب الآخر، بينما هما جميعا يقولون الحقيقة: الملك كان حقا ملكا، وكان فعلا يعيش في جزيرة نائية، حتى فقد عقله. عطفا عليه، امر ملكنا الجليل، ان نحول الجزيرة الى سجن، ليرد عنه الاشرار وحدته. ومدير السجن كان فعلا مديرا للسجن، لكنه لم يكن يعرف بأن ذلك السجن كان منفى، وان المعتوه كان ملكا سابقا. ضجر السجان قاده للتمرد على سيده الملك، فالقوه في ذات السجن. والكاهن كان حقا كاهنا، لكنه لم يكن يعرف ان منزل المعتوهين كان في السابق سجنا، وان اغلب نزلائه كانوا سجناء، ومن بينهم الملك المخلوع ومدير السجن السابق. وحينما قرأ الكاهن تلك الفقرات لم يكن يتصور انهم كانوا صادقين.
انا هنا رئيس كتبة مكتبة ملكنا الجليل. ها انا في هذا القصر الشامخ الذي كان سجنا وتحول الى مكتبة. منذ اعوام طفولتي وانا اشرف على اعداد اللوحات الطينية وفخرها بالنيران ثم ترتيبها حسب مضامين نصوصها. لا يطلع عليها الا الملك وكهنته وحاشيته. ورثت ابي لأعيش وسط هذا اللوحات العظيمة اتلذذ بمس اطيانها الحرة الحمراء واتدفأ حتى في عز تموز بنيران فخارها عابقة بخلائط ارض وصفاءات سماء. مثل ام حنون احافظ عليها واقلق على سلامتها حتى اني احس بنصوصها كائنات تعيش في دواخلي ورفوفها تتشكل منها اضلاعي وكل صفحة منها قطرة دمي.
لكني لا ادري يا الهي، منذ حقبة راح ينتابني احساس مقلق غريب. لا ادري اهي الدنيا حقا راحت تنمسخ من حولي ام انا الذي انحدر نحو قعران كياني. كأن السماوات من حولي تستحيل حيطان وسقوف، وانهار الارض وسهولها وجبالها ممرات وزوايا. صارت الدنيا بيتي، شمالها باب ميلادي وجنوبها شباك رحيلي.
هاهي دنياي تستحيل مكتبة وها انا اقبع فيها لوحة على رف. طينها بدني وحروفها مشاعري ودارسيها اربابي.
يا الهتي وملهمتي، انا تعب من تعبي،  تعالي هنا في احضان تعبدي، فأنا تواق لأذوب كلمة بلورية  ناصعة في اثير وجودك، حلم حكيم وضحكة طفل وقانون سلطان...     
                                     
                                                  انا الملك الحالي                   
لقد نجح (إيليا) ذلك الكاتب اللعين ان يختلق تلك اللعبة الشيطانية. بالحقيقة ان كل الفقرات السابقة كانت من تأليفه هو، فلا هنالك ملك مغدور ولا سجان ولا كاهن ولا مكتبي، بل هم محض خيال خرج من رأس ذلك الكاتب العابث. لقد اختلق لي هذه اللوحة ليسليني بلعبة من الحكايا.
كلهم يكذبون، الا انا الملك، لاني انا  الخالع والمخلوع، انا السجان والمسجون، انا العابد والمعبود، انا الكاتب والمكتوب ...... انا الدنيا والآخرة، انا الراحل والآتي، وانا الخالد والفاني، انا الصادق والواهم، انا الباني والهادم، انا الازل والزائل....انا كل شيء واللا شيء... انا انا!
ــــــــــــــــــــــــــ
( ملاحظة من عندنا: للأسف ان نهاية الصفحة الفخارية مكسورة ولا نعرف عدد الفقرات التالية، التي ربما ليست لها نهاية)!!

41
فدرالية المحافظات العراقية
في ضوء التجربة السويسرية

سليم مطر/جنيف
salimmatar@bluewin.ch
www.salim-matar.com

في مقالنا السابق بينا اهمية نظام(فدرالية المحافظات) إذ هو الحل الوسط والعقلاني بين الحلين المتطرفين المطروحين: النظام المركزي، ونظام فدرالية الاقاليم الطائفية القومية. انه يعتبر حلا مناسبا وحاسما لعدة اشكاليات خطيرة ومعقدة تعاني منها الدولة العراقية:
 ـ انه يحل مشكلة (نظام المحاصصة الطائفية والعرقية) المتبع حاليا في تكوين الدولة. فيكون الانتماء للمحافظة وليس للطائفة او القومية.
ـ انه يحل واحدة من اعقد المشاكل، الا وهي مشكلة كركوك. فبدلا من ان يتم الجدال حول (ضمها!) الى الاقليم الفلاني ام العلاني وعن هويتها القومية .. الخ.. تكون كركوك محافظة تتمتع بحقوق فدرالية حالها حال جميع محافظات العراق.
وذكرنا ان غالبية التجارب الفدرالية المعروفة، وعلى راسها الفدرالية الامريكية والسويسرية والالمانية، تعتمد التقسيم الاداري حسب المحافظات(مقطاعات او ولايات)، بصورة متحررة تماما من التقسميات الطائفية والقومية واللونية.
 وقد حاز مقالنا على اهتمام كبير لم نتوقعه، وقد اتصل بنا الكثير من الاخوة والاخوات من اصحاب الضمير الوطني، مطالبين ان نتوسع في موضوعنا عبر التطرق لتجارب الشعوب الاخرى. وها نحن نلبي طلبهم ونوضح التجربة السويسرية.
التجربة السويسرية
الحالة السويسرية تعتبر نموذجا ناجحا ومناسبا تماما للحالة العراقية. خصوصا ان سويسرا تشبه العراق، من حيث التنوع الطائفي والقومي. فالمجتمع ينقسم تقريبا مناصفة الى بروتستان وكاثوليك، كذلك الى غالبية ناطقة بالالمانية( حوالي من 74%)،  وحوالي 20% من الناطقين بالفرنسية، مع 5% من الناطقين بالايطالية، و1% من الناطقين بالرومانش.
ان الاتحاد السويسري قام اولا على عاتق المقاطاعات الناطقة بالالمانية. في القرن الثالث عشر، كانت هذه المقاطعات تحت سيطرة الاقطاعيين النمساويين. وللتخلص من الظلم اجتمع سكان بعض المقاطعات الناطقة بالالمانية وقطعوا على أنفسهم عهدا أزليا يقضي بالتعاون والتكتل ضد أية محاولة تهدف إلى مس حريتهم ومصالحهم. واعتبر يوم الاتفاق يوم تأسيس سويسرا الذي يستعيد السويسريون ذكراه في أول يوم من أيام آب من كل سنة. وتجدر الإشارة إلى أن اسم (سويسرا) مشتق من لفظة مقاطعة "  شفيتس" وان علمها الوطني هو راية المنطقة بالذات وهو كناية عن صليب مسيحي أبيض وسط راية حمراء.
ومع الزمن توسعت هذا الاتحاد وضم بالقوة المناطق الاخرى الناطقة بالفرنسية والايطالية، والتي كانت تابعة لتحالفات واقطاعيات عديدة متنافسة.
الحروب الطائفية والحزبية
 عانى الاتحاد السويسري، من حروب داخلية خطيرة كادت ان تؤدي به. ففي القرن السادس عشر، انقسمت المسيحية في اوربا الغربية إلى كاثوليكية وبروتستانية، واندلعت حروب مدمرة ومجازر وحشية في كل انحاء اوربا بين هاتين الطائفين، ادت الى القضاء على الملايين من الناس ومحق مدن ومناطق بأكملها. انعكست هذه الحالة طبعا على سويسرا، اذ اندلعت الحرب الاهلية بين الطائفتين. لكن الكاثوليك والبروتستانت أدركوا أخيرا خطر الخلافات الطائفية وأن التعايش هو الحل الوحيد. ومع ذلك لم يختلط أفراد الفئتين وظهرت حدود دينية داخل سويسرا لا تزال هذه الحدود باقية حتى أيامنا هذه . والاختلاط الوحيد الذي حدث ابتداءا من القرن الفائت كان فقط في المدن الكبرى.إذ تعلم الكاثوليك والبروتستانت العيش بانسجام بالرغم من طرقهم المختلفة في مخاطبة الله. علما بأن هذا الانقسام الطائفي، حدث في داخل الفئتين اللغويتين الكبيرتين. ففي المقطاعات الناطقة بالالماني ثمة انقسام بروتساني كاثوليكي، ونفس الحال في المقاطعات الناطقة بالفرنسي.
اما الحرب الاهلية الثانية فقد حدثت في القرن الثامن عشر بين المحافظين الكاثوليك والليبراليين البروتستان. فمع نمو التجارة والصناعة ، وبتأثير الثورة الفرنسية، وكذلك وجود عدد كبير من اللاجئين السياسيين في سويسرا، انتشرت الأفكار التحررية، فنشأت بين المحافظين والليبراليين مخاصمة شديدة ولدت نزاعا مكشوفا سبب حربا أهلية سنة 1847 بين تكتل المقاطعات الكاثوليكية المحافظة من جهة والمقاطعات البروتستانتية الراديكالية من جهة أخرى.
ان هذه الحقبة من العنف قد فتحت الطريق نحو إعادة الهيكل السياسي الكونفدرالي. وأقرت دستورا جديدا سنة  1848 يمنح سويسرا الوحدة التي كانت تنقصها .  دون المساس بمبدأ الحكم الذاتي لمقاطعات . واقتبس هذا النظام الجديد  بعض عناصره عن النظام السياسي للولايات المتحدة الأمريكية . وهكذا أنشأ النظام الديمقراطي الذي لا يزال منذ ذاك الحين ساري المفعول بشكل مرض ، موفرا للبلاد استقرارا سياسيا واجتماعيا نادرا في البلدان الأوربية الأخرى .
النظام الفدرالي
لسويسرا برلمان شأن كل الدول الديمقراطية. وهو يتألف من مجلسين :
اولا، المجلس الوطني وعدد أعضائه 200 عضوا ينتخبون حسب نسبة عدد سكان كل مقاطعة، وتسمى " كانتون "( Canton   ).
ثانيا، مجلس الدولة، وتتمثل فيه كل مقاطعة بنائبين بصرف النظر عن حجمها، ويضم 46 عضوا.
 ويعبر(المجلس الوطني) عن المبدأ الديمقراطي(البرلمان)، بينما يعبر (مجلس الدولة) عن المبدأ الفدرالي للدستور.
 من مجموع هذين المجلسين يتألف (المجلس الاتحادي)، وهو يقوم بانتخاب أعضاء الحكومة من بين اعضائه، مراعيا التنوع الحزبي وتمثيل المقاطعات المختلفة.  كما يملك هذا(المجلس الاتحادي) حق إسقاط الحكومة.
وينتخب أعضاء الحكومة بصفة شخصية لمدة أربعة سنوات، وعدد أفرادها سبعة. ويحق لكل فرد من أعضاء الحكومة أن يستقيل في أي وقت دون الرجوع إلى أحد. ويقبل معظمهم أن يبقى في الحكم لأكثر من 4 سنوات، ويعاد انتخابهم من جديد ومنهم من مارس الحكم لفترة 20 عاما دون انقطاع. وبفضل هذا الوضع تبقى الحياة السياسية في سويسرا هادئة وخالية من أي تحول مفاجيء .
ويلاحظ أن كثيرا من السويسريين يجهلون اسم رئيس دولتهم . يكون رئيس الدولة من أعضاء الحكومة وهو يعين بصفة دورية لمدة سنة واحدة. عندما ينتخبه البرلمان ولدى تسلمه مقاليد الحكم يلمع اسمه وتظهر صورته من خلال حملة إعلامية واسعة النطاق، لكنها لا تلبث أن تخفت بعد أسابيع قليلة . بعدها يدخل رئيس الدولة في حيز النسيان ولا يعد بالأمكان تمييزه عن بقية أعضاء الحكومة الستة الآخرين .
ومن الميزات المهمة والاساسية جدا في قيادات الدولة السويسرية، اضافة الى طبيعتها الفدرالية، انها تعتمد كذلك مبدأ (الائتلاف الحزبي)، أي محاولة تمثيل جميع الاحزاب الاساسية في البلاد، يمينية ويسارية، في داخل جميع القيادات البرلمانية والحكومية، وعدم تركها خارج الدولة لتشكل معارضة وتؤثر على الحياة السياسية والاجتماعية. ان هذه (الفدرالية والائتلافية)، هي التي منحت سويسرا دائما هذا الاستقرار والعقلانية والوسطية.
يتقاسم الدولة عادة مجموعتين، يمينية، وهي:الحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الليبرالي، والاتحاد المسيحي(المتطرف). ويسارية، وهي : الحزب الاشتراكي، وحزب البيئة والحزب الشيوعي.
تختلف أشكال ممارسة السلطة بين مقاطعة وأخرى. فلكل مقاطعة حكومتها ومجلسها حيث تناقش القضايا ذات الصفة المحلية. وفي القرى الكبيرة ينتخب المواطنون سلطة تشريعية ترعى شؤون القرية .
مباديء الدستور
على عكس ما يعتقده الكثير من العلمانيين عندنا، من ان (ذكر اسم الله) منافي للديمقراطية والعلمانية، فأن الكثير من الدساتير الغربية تبدأ بـ( اسم الله) ، ومنها الدستور السويسري الذي يبدأ بعبارة( الله القدير)، بالاضافة الى وجود الصلبان المسيحية على غالبية اعلامها!
 وتحاول بعض الأوساط المنعوتة بالتقدمية حذف عبارة " الله القدير " من الدستور . ولكنه يبدو واضحا أنه لو طرحت هذه المسألة على الاقتراع الشعبي ستبقى الأكثرية متمسكة بها.
المبدأ الأساسي عند السويسريين هو "لأكن سيدا في داري" . والدار هي أولا القرية ثم المقاطعة وبعدها سويسرا. ويطبق السويسري الحرية والسيادة ضمن هذه الحلقات الثلاث مع مراعاة القوانين واتفاقات الكونفدرالية والتمسك بمبدأ اللامركزية والاستقلال الذاتي لكل مقاطعة. 
يعتبر الالتزام القيمة الأساسية الثانية التي تلي الحرية . ويقصد به تنفيذ كل ما يتعهد به دائما . ترجع هذه الميزة إلى نشأة سويسرا لأن قرار تأسيس الكونفدرالية الذي يشكل ميثاقا والتزاما أخذ باسم "الله القدير " .
يأتي الدستور الاتحادي أصلا من ميثاق تأسيس سويسرا . وهو يرتكز على مباديء أساسية ثلاث :
ـ المبدأ الديمقراطي وبموجبه أصبح الشعب سيد نفسه وهو صاحب السلطة العليا في البلاد.
ـ والمبدأ الليبرالي الذي يضمن حريات وحقوق الفرد في المجتمع .
ـ والمبدأ الاتحادي الذي يكرس الكونفدرالية التي تتألف من مقاطعات ذات سيادة تتمتع بحكم ذاتي .
ومن الخصائص للنظام السياسي السويسري ممارسته للديمقراطية مباشرة وليس كسائر الديمقراطيات التي لا تمنح المواطنين سوى حق انتخاب ممثلين عنهم . ويملك المواطن السويسري حق التدخل المباشر في شؤون الدولة . وهكذا تخضع القوانين والقرارات الاتحادية ذات الأهمية العامة للتصويت الشعبي إذا ما طلب ذلك من المواطنين يصل عددهم إلى خمسين ألف مواطن . كذلك يأخذ الشعب حق المبادرة في أن يطالب بتعديل دستوري ما بشرط توقيع المبادرة من قبل مائة ألف مواطن . وبموجب هذا النظام يستطيع المواطن إبداء رأيه كاملا .
الفدرالية التي لا تتناقض مع الوطنية
رغم ان دولة سويسرا قائمة على اساس( الكونفدرالية) التي تتجاوز في "لا مركزيتها" نظام (الفيدرالية) من حيث تمتع المقاطعات (المحافظات) باستقلالية إدارية واسعة، الا ان هنالك ميزات عديدة تستحق ان يطلع عليها العراقيون ويأخذونها بنظر الاعتبار في مشروع بناء دولتهم وهويتهم الوطنية:
اولا،  ان نظام سويسرا الكونفدرالي وتقسيم المقاطاعات، غير قائم على اساس اقاليم عرقية او طائفية (على عكس مشروع فدرالية الاقليم الكردي والعربي )، وانما على اساس المقاطعة وحدها. فلا تجد مثلا، اقليم فرنسي، او اقليم بروتستاني، بل كل مقاطعة تعامل بصورة منفردة، وهنالك مقاطعات عديدة، متنوعة الاقوام والمذاهب.
ثانيا، رغم التنوع الأقوامي والطائفي ، ورغم هذا النظام اللامركزي، ورغم احاطة سويسرا (مثل العراق)  بشعوب متشابهة مع اقوامها لغويا ومذهبيا( المانيا والنمسا وفرنسا وايطاليا)، الا انه لم يحدث ابدا إن ظهر أي تيار يطالب بالانفصال من أجل الاتحاد مع أحد الشعوب المجاورة. هنالك استثناء بسيط  في اعوام الثلاثينات اثناء المد النازي الالماني، حيث ظهر ميل سياسي محدود لدى بعض الناطقين بالالمانية للمطالبة بالانفصال والاتحاد مع المانيا والنمسا، لكن هذا الميل سرعان ما انتهى تماما مع نهاية النازية.
ثالثا، ليس هنالك في كل سويسرا أي حزب او تيار خاص بمقاطعة او مجموعة عرقية لغوية، أي ليس هنالك أي احزاب (قومية) على الطريقة العراقية حيث توجد احزاب قومية عروبية وكردية وتركمانية وآشورية، بل ان جميع الاحزاب السويسرية هي احزاب وطنية شاملة لكل السويسريين مهما كانت لغتهم ومنطقتهم وطائفتهم. فمن الطبيعي ان ينشأ حزب في منطقة لغوية معينة، الالمانية مثلا، فيكون قادته في البداية من الناطقين بالالمانية، لكنه سرعان ما يفتح له فروعا في المقاطعات الناطقة بالفرنسية والايطالية ويضم كوادرا وقادة من تلك المقاطعات ويتحول الى حزبا وطنيا شاملا  لكل السويسريين. كذالك ليس هنالك أي حزب محصور بطائفة دينية معينة، بروتستاني أو كاثوليكي. طبعا توجد احزاب ذات اساس ديني مسيحي، مثل الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب المسيحي الاجتماعي، لكنها أحزاب مسيحية وطنية لجميع السويسريين  بمختلف مذاهبهم، بل في السنوات الاخيرة انفتحت هذه الاحزاب وضمت اليها الكثير من الملحدين واليهود والمسلمين.
رابعا، لكي يحمل إنسان الجنسية السويسرية يجب أن يكون أولا مواطنا له أصل في قرية مهما كان حجمها .ويبقى مواطنا إلزاميا فيها . حتى لو انتقلت عائلته إلى منطقة أخرى منذ أجيال عديدة . وعلى الأجنبي نفسه ،الذي يود الحصول على الجنسية السويسرية أن يحوز أولا على صفة الانتماء إلى بلدة معينة تصبح مكانا لأصله. وهكذا لا يصبح هذا المواطن سويسريا فقط ،بل في الوقت نفسه من مواطني المقاطعة حيث توجد هذه البلدة . أي أنه يصبح اولا مواطنا من " جنيف " أو من " بازل"،  بعدها يصبح مواطنا سويسريا كاملا .
اننا نكرر دعوتنا لكل اصحاب الضمائر الوطنية من الكتاب والسياسيين وجميع المعنيين بسلامة وطننا، الى اعادة احياء (مشروع فدرالية المحافظات) وطرحه للحوار في الساحة العراقية ليكن حلا معقولا وواقعيا لمستقبل دولتنا المريضة ووطننا الجريح.
ـــــــــــــــــــــــــ
 هذه الدراسة اعتمدت على عدة مصادر باللغة الفرنسية من اهمها كتيب للباحث السويسري روجيه دي باسكيه، عن تاريخ سويسرا.

42

فدرالية المحافظات.. الحل المنسي
من قبل احزاب وقادة العراق؟!

سليم مطر/جنيف
salimmatar@bluewin.ch
www.salim-matar.com


هنالك سر عجيب يجعل جميع الاطراف العراقية، حكومية ومعارضة، تصر على تجاهل واحد من اهم موضوعات المعضلة العراقية، الا وهو ( مشروع فدرالية المحافظات). ان هذا المشروع الذي كان متداولا حتى قبل عامين، نراه بقدرة قادر قد غيب عن ساحة الحوار العراقي رغم بقاء المعضلة الوطنية عالقة وحارقة:
 ( معضلة ماهية النظام المطلوب للعراق.. فدرالي ام مركزي)؟
 السيدين الطلباني والبرزاني ومعهم السيد الحكيم، يصرون على (فدرالية قومية ـ طائفية)، أي دولة هشة منقسمة الى اقاليم كردية وسنية وشيعية!
 سنوات الكارثة الاخيرة جعلت غالبية العراقيين واحزابهم بما فيها غالبية احزاب الحكومة، تعي وتقتنع بفشل مثل هذا المشروع الفدرالي لانه يقسم العراقيين على اساس قومياتهم وطوائفهم ويبقي الدولة ضعيفة والشعب منقسم والوطن عرضة للتجزئة.
لكن المشكلة التي تدعو الى الاستغراب والعجب ان هذه الاغلبية المعارضة للمشروع الفدرالي القومي الطائفي، لم تطرح أي مشروع مقابل، وتغض الطرف تماما عن المشروع المعقول العملي والبديل والمناسب تماما للوضع العراقي، الا وهو (مشروع فدرالية المحافظات)!

                                      الفدرالية الانسانية
ان (نظام فدرالية المحافظات)، هو افضل الحلول الديمقراطية والإنسانية. وهذا النظام هو المعمول به في جميع الانظمة الفدرالية ومنها الانظمة الامريكية والسويسرية والالمانية. فليس هنالك مثلا في امريكا، اقليم من عدة ولايات خاص بالسود، واقليم خاص بالناطقين بالاسبانية..الخ، كذلك نفس الامر في المانية وسويسرا. صحيح ان هذا النظام بالنسبة لتطبيقه في العراق قد يواجه بعض الصعوبات بسبب وجود بعض الامر الواقع، خصوصا بالنسبة للمنطقة الكردية، واصرار الاحزاب القومية على التعامل معها كـ(إقليم كردستان) خاص ومتميز.
لكن خبراء الحالة الكردية يتفقون على ان نظام الاقليم الواحد غير مطبق عمليا، فهناك (مركز محافظة اربيل) الذي يتمتع به حزب السيد البرزاني بالهيمنة المطلقة، ثم (مركز محافظة السليمانية) الذي يتمتع به حزب السيد الطلباني بالهيمنة المطلقة، وهنالك منافسة وتمايز معروف بين الادارتين، رغم كل الواجهات التوحيدية.
  ثم ان نظام (فدرالية المحافظات) ليس بالضرورة ضد وجود( الاقليم الكردي)، فهو لا يمنع من وجود اتفاقات خاصة بين المحافظات المتقاربة والتنسيق فيما بينها في مختلف المجالات. ان تجارب البلدان الفدرالية المعروفة، مثل المانيا وسويسرا وامريكا، تبين لنا ان نظام (فدرالية المحافظات) يعني:
ـ ان تجري الانتخابات، ليس على اساس القوائم الممثلة للاقاليم والتحالفات القومية والطائفية، بل على اساس كل محافظة( قد تسمى مقاطعة او ولاية)، بما تحتويه من مناطق انتخابية مختلفة. وحسب عدد سكان كل محافظة يتم انتخاب ممثلين الى البرلمان الوطني(مجلس الامة). يعني ان يكون نواب (مجلس الامة) ليسوا ممثلين لطوائفهم وقومياتهم، بل ممثلين لمحافظاتهم.
ـ اما بالنسبة لتكوين الحكومة، فالامر يختلف تقريبا. حيث يتم اختيار اعضاء الحكومة من جميع المحافظات الثمانية عشر، بحيث تكون كل واحدة منها لديها على الاقل وزير واحد في الحكومة. ونعتقد ان التقسيم الامثل هو: وزير واحد لكل محافظة سكانها اقل من مليون. ووزيرين لكل محافظة تتجاوز المليون. اما بغداد فثلاثة وزراء. وفي حالة وجود عدد فائض من الوزراء، يكون بعضهم وزيرا بلا وزارة. ويتم تداول رئاسة الحكومة والوزارات المهمة على جميع المحافظات بصورة تناوبية عقلانية.

الحل المناسب
جميع من فهم مضمون (مشروع فدرالية المحافظات) ، يعتبره حلا مناسبا وحاسما لعدة اشكاليات خطيرة ومعقدة تعاني منها الدولة العراقية:
اولا، انه يحل مشكلة (نظام المحاصصة الطائفية والعرقية) المتبع حاليا في تكوين الدولة.  فغالبية العراقيين يتفقون الآن على خطأ نظام المحاصصة، لأنه يلغي القيمة الوطنية والإنسانية عن المواطن، ويحوله الى قيمة عرقية وطائفية انعزالية. لقد اثبتت السنوات الفائتة ان نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، لا يحقق ابدا التوازن والمساواة بين الفئات المختلفة، بل هو بالحقيقة يضيف اشكالية جديدة، تتمثل بانعدام التوازن بين ابناء مناطق الوطن. فبأسم التمثيل القومي والطائفي يتم اختيار معظم ممثلي القومية والطائفة من المحافظات الفلانية والفلانية على حساب ابناء باقي المحافظات!
ثانيا، ان(فدرالية المحافظات) تعزز مشاعر الانتماء الى الارض ومكان العيش والاقامة لدى المواطن، قبل القومية والطائفة والعشيرة والحزب وغيرها. انه يجعل مبدأ الانتماء الى المحافظة هو المعيار الوحيد لتقاسم سلطات الدولة والاحزاب وجميع المؤسسات السياسية. قد يحدث مثلا ان يمثل محافظة الرمادي او الموصل شخصا كرديا  او سريانيا او فيليا شيعيا، مقيما في المحافظة منذ اجيال او سنوات طويلة ويحوز على رضا غالبية السكان. وكذلك ضمن هذا السياق قد يمثل محافظة النجف او الحلة شخصا سنيا او صابئيا، مقيما فيها وهو جزء من اهلها... وهكذا دواليك في جميع المحافظات العراقية، حتى تكون المحصلة العامة، ان الانتماء الى الارض الصغيرة (المحافظة) هو المعيار للانتماء للارض الكبيرة (الوطن العراقي).
ثالثا، انه يحل واحدة من اعقد المشاكل العراقية، الا وهي مشكلة كركوك. فبدلا من ان يتم الجدال حول (ضمها!) الى الاقليم الفلاني ام العلاني وعن هويتها القومية .. الخ.. تكون كركوك محافظة تتمتع بحقوق فدرالية حالها حال جميع محافظات العراق، يديرها اهلها، وهي لا تنتمي الى اي اقليم او قومية او امبراطورية، بل هي تنتمي اولا وقبل كل شيء الى ذاتها واهلها وتاريخها، ثم طبعا الى الوطن العراقي.

ان (مشروع فدرالية المحافظات) لا يمكن ان يكون متكاملا بصورة تامة، بل هو بحاجة دائمة الى نقاش ودراسة من اجل تطويعه بما يناسب وضع بلادنا. لكنه يبقى الامثل لتجنب الانشقاقات الطائفية والعرقية السائدة.
اننا ندعو الكتاب والسياسيين وجميع المعنيين بسلامة وطننا، الى اعادة احياء مشروع فدرالية المحافظات وطرحه للحوار في الساحة العراقية ليكن حلا معقولا وواقعيا لمستقبل دولتنا المريضة ووطننا الجريح.

43


أحبب نفسك والناس ايها الانسان...


سليم مطر/جنيف
salimmatar@bluewin.ch
www.salim-matar.com

المحبة هي طاقة الحياة. المحبة هي الأساس الأول الذي يقوم عليه وجود الافراد والمجتمعات. محبة الذات والحياة هي الطاقة الجبارة التي تدفع الفرد الإنساني إلى البقاء وتحدي كل الصعوبات منذ لحظة الميلاد وحتى الممات. بدون محبة الذات والحياة يستحيل على الإنسان، حتى الرضيع، أن يبقى لحظة واحدة في العمر. الموت، مهما كانت أسبابه الظاهرية، في جوهره تعبير عن تعب الإنسان من الحياة ونضوب طاقة محبته لذاته وللحياة ورغبته الباطنية في الاستقالة منها.

المرض والحروب دليل على نقص المحبة
ان قانون المحبة مثل قانون الفيزياء:( لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه). أية نية وأية فكرة وأية كلمة وأية عاطفة، هي فعل، هي طاقة. فأن كانت تتضمن محبة وخير فأن رد فعلها على الذات، محبة وخير. وان كانت تتضمن ضغينة وشر فأنها رد فعلها على الذات، ضغينة وشر.
 المحبة طاقة جبارة تنبع من القلب وتشع في انحاء البدن وحوله، لتمنحه الحياة وتحميه من كل شر وتقوده نحو الخير. ان مشاكل الانسان، فردا وجماعات تزداد مع نقص المشاعر الايجابية من محبة وكرم وتضامن وفرح وتسامح، وزيادة المشاعر السلبية من ضغينة وغيرة ونميمة وغضب وتآمر. ان الامراض والمشاكل والحروب والاستعمار، لا تحل بين الناس ولا تصيب أية جماعة أو مؤسسة أو أمة، إلا بعد أن تضعف المحبة والتضامن بين أهلها، وتسود الغيرة والبغضاء، فتتراجع طاقة المحبة والخير لتحل محلها طاقة الحسد والحقد والشر، فتكثر الفواجع وتحل النوائب ويتكالب الأعداء مثل ذباب على طفل مهمل.
المحبة تبعث في الفرد والجماعة روح التضامن والقوة والقدرة على مواجهة الصعاب، وتبعد عن الوطن أية إمكانية لأن يقع بأيدي الرعاع والمغامرين والقوى الخارجية. أن تريد أن تبعد الشر عن أي إنسان عزيز عليك، فابعث له طاقة المحبة الصادقة من أعماق قلبك، لأن المحبة وحدها كفيلة بإبعاد الشر مهما كان مصدره.

المحبة تعني السلام وليس للخنوع
كثيرا ما اسيء فهم مقولات السيد المسيح الشهيرة عن( احبب عدوك.. وادر له خدك الأيسر)، على انها تعني الخنوع للظلم! لا ابدا. لانك بالمحبة والتسامح تحمي نفسك من حقد الآخر وأذاه، وتجعل طاقة شره تعود عليه، فأن لم ينتبه ويعتذر، فانه لا محال سوف يحترق بنيران شره فتأتيه الامراض والمشاكل من كل ناحية.
إن "سلاح" المحبة والتضامن لمن يستخدمه بصدق وإيمان بالذات وبالله، لهو أقوى تأثيرا من سلاح الحقد والضغينة والتضحية بالنفس. إن المحبة ليست مشاعرا فقط، بل هي فعل أيضا. المحبة الصادقة تحدث ثورة عظمى في سلوك الأفراد والمجتمعات. إنها تحمي حاملها من كل نوايا الشر ومشاعر الحسد وغدر الزمان. المحبة تعني السلم والحوار والتسامح ورفض العنف، ولا تعني الخنوع والتملق والسكوت عن الظلم. المحبة الصادقة، تمنحك الشجاعة لتقول الحقيقة وتواجه الجبروت، لأنها تمنحك الثقة بنفسك وبالحياة وبالله.

المحبة اعظم من العقل
خاطئة تلك الفكرة الحداثية السائدة التي تؤكد فقط على (العقل والمصالح) في تحريك البشر والطبقات والدول. في الحقيقة، حتى المصالح، في أعماقها، تخفي مشاعر، ايجابية وسلبية. المحبة هي أساس المجتمع، وبدون المحبة ليست هنالك أمومة وأبوة ولا عائلة ولا أخوة ولا صداقة ولا جماعات وطوائف وأحزاب وحياة اجتماعية.
 إن فكرة (البقاء للأقوى) الغربية، غير صحيحة وتبتغي تحويل الإنسان إلى كائن آلي لا تحركه غير الحسابات والمصالح الجامدة. قانون الحياة هو: (البقاء للأكثر محبة لذاته وللحياة)..
 
محبة الذات ليست انانية
خاطئة أيضا تلك الفكرة الشعبية السائدة، بأن (محبة الذات) تعني (الأنانية وكره الآخرين). بل الحقيقة هي العكس تماماً: إن (الأناني) هو من يكره نفسه. أن الذي يحب نفسه، من مصلحته أن يجعل الآخرين يحبونه. لكن الأناني في كل مكان وزمان، غير محبوب من قبل الآخرين. وأقصى ما يمكنه أن يفعله، أن يكسب رضا الناس بالمال أو بالقوة، لكنه أبدا لن يكسب قلوبهم. إن (الأناني) يعاني من (كره الذات)، وكل سلوكه الظاهري من عناية بالذات وحرمان الآخرين، ما هو إلا سلوك مصطنع لخداع نفسه التي يخشاها ويمقتها، مثل الذي يخادع عدواً رابضاً في داخله. إن المحب الحقيقي لذاته لا بد أن يحب الآخرين. من دون محبة الذات لا يمكن للإنسان أن يحب الحياة. ومن يحب الحياة لا بد أن يحب البشر والبيئة التي تتكون منها.

المحبة ليست تملكا بل أخذا وعطاء
 خاطئة تلك الفكرة القائلة بأن محبة الآخر تعني الاستحواذ عليه. إن المحبة تختلف عن التملك، لأنها منفتحة على كل البشر. الذي يغار عليك ويبتغي إبقاءك حكراً له، لا يمكنه أن يحبك، بل يبتغي امتلاكك. إن من لديه محبة لإنسان أو لقضية، يحرص على أن يشاركه جميع الناس محبته. إن من يريدك له وحده، لا يمكنه أن يحبك، بل هو في أعماقه يبتغي أذاك وحرمانك من محبة الناس. الإنسان التملكي لا يمكنه أن يحب الآخرين، لأنه أساسا لا يحب ذاته وفاقد الثقة بها ويخشى أن تهرب منه نحو الآخرين.

  المحبة لا تدعو للتضحية بالنفس بل الى تقديسها
خاطئة تلك الفكرة القائلة بأن (الشهداء) يضحون بحياتهم لانهم (يحبون) قضيتهم وشعبهم. ان التضحية بالنفس استهانة بها، ومن يستهين بنفسه كيف يمكنه ان يحب نفوس الآخرين؟! ان جوهر المحبة هو تقديس النفس الانسانية، ومن لا يقدس نفسه لا يمتلك اية محبة. أن الذين يضحون بأنفسهم لا يهتمون بمصير اهلهم واحبتهم وشعبهم، ولا يهتمون بالعقاب والانتقام والاذى الذي يسببونه لهم.
ان التضحية والاستشهاد تعبير عن بغض الذات والحياة..

                                             لنقدس المحبة
آن الاوان لنزرع في ناسنا (محبة الذات) و(تقديس النفس)، ونخلصهم من ثقافة (التضحية بالنفس) التي شحنتها فيه كل المعتقدات والأحزاب: ((التضحية من أجل الآخرين.. التضحية من أجل الدين.. التضحية من أجل الحبيب.. التضحية من أجل الحزب.. التضحية من أجل الوطن..الخ..)).. الكل يطالبهم بالتضحية، حتى غدت (التضحية) هي العقيدة الكبرى التي يتعلمها المواطن في البيت وفي الشارع وفي المدرسة وفي الحزب وفي وسائل الإعلام.. ليست صدفة أبدا، هذه الكوارث المتلاحقة الذي نعيشها منذ أجيال وأجيال، لأن (ثقافة التضحية) ونداءات (بالروح بالدم نفديك يا ...!؟) هي احتقار للذات. وهذه النفسية المحتقرة للذات لا بد أن تهلك الذات من خلال خلق الكواراث التي تتطلب التضحيات!
إن المحبة تبدأ بـ(محبة الذات)ثم(محبة الناس والحياة) لتبلغ ذروتها بـ (محبة الله).. إن من لا يحب نفسه والناس لا يمكنه أن يحب الله. فمن لا يحب المخلوق، كيف يمكنه أن يحب خالقه؟! إن محبة الخالق تبدأ بمحبة المخلوق، و(ذاتنا) هي أول وأقرب مخلوقات الله إلينا. إن محبة الله تعني محبة كل خليقته، الإنسان والأكوان. أي محبة الإنسانية بكل شعوبها وأديانها وطوائفها، ومحبة الطبيعة بنباتاتها وحيواناتها وسمائها وأرضها..
  ليتعلم انساننا أن يقولها بكل ثقة وإيمان: ((أنا أحب نفسي.. لهذا أنا أحب الحياة، ولهذا أنا أحب الناس والوطن والإنسانية جمعاء والطبيعة الشاسعة، ولهذا أنا أحب الله ضميرنا وحبيبنا الأعظم))..


44
فرنسي الجنسية يشرف على لجنة طرد عرب كركوك!!



سليم مطر/ جنيف
salimmatar@bluewin.ch
www.salim-matar.com

تتوالى الاخبار عن استمرار تهجير العوائل العراقية العربية عن بيوتها في محافظة كركوك. ويشرف على هذه الجريمة المضادة للانسانية والمواطنية والتي تذكر بما تقوم اسرائيل في فلسطين، لجنة برلمانية يقال عنها انها مشتراة من قبل القيادات القومية العنصرية الكردية. ويرأس هذه اللجنة السيد (رائد فهمي ) الشيوعي القادم من باريس والذي يدعي الاممية وحقوق الانسان والديمقراطية!
لنسأل السيد رائد السؤال الضميري التالي:
ـ انت نفسك تحمل الجنسية الفرنسية، ولقد حصلت عليها بعد بضعة سنوات من اقامتك في فرنسا، ويحق لك ان تصوت وحتى ان ترشح نفسك للبرلمان الفرنسي. وليس هنالك اية قوة فرنسية ولا قانون ان يحرمك من حق الاقامة في كل انحاء فرنسا.
اذن كيف يحق لك يا ايها المناضل الاممي الشيوعي الديمقراطي الانساني المساواتي، ان تقرر طرد مواطنين من بيوتهم ومن مناطقهم التي يقطنوها منذ عشرات السنين، لمجرد انهم ليسوا اكراد، وانهم اتوا فقط  منذ اكثر من ثلاثين عام.. نعم فقط منذ ثلاثين عام.. بينما انت حصلت على الجنسية الفرنسية بعد خمسة اعوام فقط؟؟!!
انت تعرف يا سيد رائد، ان من بين اهم الحقوق الانسانية والوطنية التي اقرتها جميع الشرائع الدولية، هو (حق اختيار مكان الاقامة في اية بقعة من الوطن)..
أياك ان تقل لي:
ـ لكن هؤلاء العرب اتوا لطرد الاكراد من بيوتهم..
وهذه اكذوبة كبرى انطلت على الكثيرين:
اولا ان غالبية عرب كركوك من اهلها الاصليين، مثل التركمان والاكراد وغيرهم.
اما القسم الاقل، فهم الذين اتوا اوائل سبعينات القرن الماضي وهم الذين يطلق عليهم مجازا (عرب كركوك). الحقيقة التي يجب ان توضح بخصوص هؤلاء، انهم  لم يأتوا ليطردوا الاكراد.. نعم صحيح لقد جرت عملية طرد لقسم من لأكراد والتركمان من كركوك، ولكن بصورة منفصلة تماما عن عملية توطين العرب. عرب كركوك اتوا في احياء جديدة في ضواحي كركوك لم تكن مبنية سابقا ولا يقطن فيها أي انسان. ولم يخبرهم احد انهم اتوا لكي يحلوا محل الاكراد. بل اتوا كعمال وموظفين وعسكريين وقطنوا في احياء مبنية حديثا وقطنوا فيها، مثل جميع موظفي العراق والعالم.
لقد قطن العرب كركوك، مثلما يقطن الاكراد في الموصل والبصرة وبغداد. نعيد ونؤكد: ان عرب كركوك يقطنون كركوك، مثل ملايين الاكراد الذين يقطنون بغداد والموصل وباقي محافظات الوطن.. وهذه حقيقة يجب ان لا تنسى ابدا عند الحديث عن كركوك.
نعم، يتوجب فصل هاتين العملتين عن بعضهما تماما:
ـ عملية استيطان العرب في كركوك، وعملية طرد قسم من الاكراد والتركمان منها.
ان استيطان العرب في كركوك، مسألة طبيعية ومواطنية وانسانية ومقبولة ولا يمكن ابدا اعتبارها جريمة، وبالتالي لا تحتاج ابدا الى أية عملية تصليح وتعويض. ويجب ان يترك هؤلاء في ديارهم. ويجب خصوصا ان لا تمارس عليهم اية ضغوط ولا مغريات لكي يتركوا ديارهم. بل يجب رفض حتى التشهير الاعلامي والسياسي بهؤلاء العراقيين واعتبارهم من ادوات نظام صدام ومساهمين في جريمة طرد الاكراد. ان عملية التشهير هذه جريمة تشويه واعتداء على كرامة المواطنين ويجب ان تدان وتمنع.
 اما عملية طرد نظام صدام الاكراد والتركمان من كركوك، فهي جريمة وخطأ كبير ضد حقوق المواطنة والانسانية، ويجب تصليح هذا الخطأ بتوفير كل الامكانات المادية والقانونية لكي يحق لكل راغب العودة الى كركوك وان يقطن اينما يشاء.
نعم، ان ارض كركوك واسعة، ولا داعي ابدا ان يتم طرد ناس لكي يتم اعادة ناس. انكم بطرد العرب من ديارهم تمارسون بكل بساطة جريمة ضد الانسانية اسمها( جريمة التصفية العرقية)!!
ثم ما هي حكاية العودة الى احصاء(1957)!؟ يعني ان كل مواطن عراقي لن يحق له التصويت ان لم يكن مقيما منذ عام 1957. تخيلوا تطبيق هذه القاعدة على كل مناطق العراق. ان هذا مستحيل. انها ثورة همجية سوف تقلب الامور رأسا على عقب. لماذ يجب ان تطبق على كركوك وحدها مثل هذه القوانين العنصرية التي تحرم العراقي من حق الاقامة والتصويت لمجرد انه ليس من سكان المحافظة منذ اكثر من خمسين عام؟!
اذا كنتم تتحدثون عن القوانين الفدرالية.. طيب نحن معكم. هاتوا لنا دولة واحدة في العالم اجمع، نؤكد في العالم اجمع، ان كانت فدرالية او كونفدالية او كونكونكونكونفدرالية، تمنع المواطن من التنقل والاقامة في باقي المقاطعات. هنا في سويسرا، التي هي نموذج مثالي وتاريخي للانظمة الاتحادية، يحق لكل سويسري، من اية مقاطعة، وبصورة تلقائية وروتينية، ان يقيم في اية مقاطعة اخرى. ويحق له المشاركة في التصويت بل وحتى قيادة حكومة المقاطعة بعد اقامة ودفع الضرائب لفترة عامين لا اكثر!! فكيف يحق لك يا سيد رائد ان تطرد مواطنا يقيم منذ اكثر من ثلاثين عام!!
نتمنى من السيد رائد فهمي ان يتجرأ ويسأل حكومة اربيل القومية العنصرية، ان تسمح لباقي العراقيين الاقامة في اقليمهم، ليسوا كأجانب اذلاء كما هو حاصل الآن، بل كمواطنين حقيقيين لهم حق الاقامة والمشاركة الفعلية في الحياة الاجتماعية والسياسية.
نتمنى من السيد رائد فهمي، ان يتجرأ ويطرح مسألة عشرات الآلاف من الأكراد، وبينهم الكثير من غير العراقيين(ايرانيين وسوريين واتراك)، الذين تم جلبهم الى كركوك بعد 2003، ومنحت لهم هويات مزورة.
نود التذكير، لكل من يتصور بأننا ضد الاكراد: ان هذا غير صحيح ابدا. بل اننا ضد العنصرية والاستبداد مهما كان عربيا ام كرديا ام هنديا. اننا مع تمتع الاكراد بكل حقوقهم الثقافية والسياسية ضمن الحق الاكبر الذي هو حق الوطن العراقي. اننا مع ان يشارك الاكراد بقيادة الدولة العراقية. بل نحن ومنذ سنوات طويلة كنا اول من كتب وطالب ان يكون رئيس الدولة كرديا. بل نحن لسنا ضد ان تتحول البصرة او العمارة الى ناطقة بالكردية، ولكن بشرط ان تبقى عراقية. خلاصة الكلام، اننا ابدا لسنا ضد الاكراد كأكراد، بل ضد القيادات والطروحات القومية العنصرية الانفصالية. بالضبط كما اننا لسنا ضد العرب كعرب، بل ضد الطروحات العروبية العرقية العنصرية.
اننا ندعو كل المعنيين بشأن كركوك، حكومة واحزاب وبرلمان، وجميع النخب الثقافية والدينية العراقية، الى الاخذ بنظر الاعتبار الامور التالية:
ـ كركوك كانت واستمرت وستبقى ارضا مشتركة لكل العراقيين، بجميع قومياتهم واديانهم ومذاهبهم. واننا ضد دعوة فصلها عن العراق وضمها الى المشاريع القومية العنصرية .
ـ  اننا ندعو لايقاف جريمة تهجير عرب كركوك من بيوتهم. انها جريمة عنصرية ضد حقوق الانسان والمواطنة. حتى في المواثيق الدولية، يحق لكل انسان حرية سكنه. حتى الاجنبي يكفيه ان يقطن في بلد بضعة سنوات، لكي يحق له ان يطلب الجنسية. فكيف يصح طرد عوائل عراقية قطنت جزءا من ارض بلادها منذ عشرات الاعوام؟!
ـ نعم اننا مع عودة المهجرين الاكراد والتركمان الى كركوك، ولكننا ضد تهجير العرب. كركوك وطنا لجميع العراقيين، وهي واسعة وتستوعب الكثيرين. وليس هنالك أي ضرورة لطرد البعض.
ـ كما يحق لاكراد البصرة وبغداد والموصل البقاء في بيوتهم، كذلك يحق لعرب كركوك البقاء في بيوتهم.
ـ كركوك منذ اجيال عديدة اتصفت بخصوصية ثقافية تركمانية، وقد قبل جميع سكان المدينة، من عرب واكراد وسريان وارمن، بهذه النكهة التركمانية الانسانية الشعبية. وهذا فخر ودليل على تنوع وغنى مناطق العراق. لهذا يجب العمل على ابقاء هذه الخصوصية التركمانية لمدينة كركوك، وتشجيعها اعلاميا وثقافيا، وادانة المحاولات القومية العنصرية لتكريد المدينة والغاء طابعها التركماني.
ـ كركوك محافظة عراقية، ويجب ان تبقى العربية لغتها الرسمية والمشتركة بين جميع الفئات، مع تشجيع وتدريس اللغات العراقية الاخرى: الكردية والتركمانية والسريانية، وحتى الارمنية.

45
تنديد عالمي بالمشروع الاستعماري العراقي لتقسيم امريكا!

سليم مطر/جنيف
salimmatar@bluewin.ch
www.salim-matar.com


 

( PHOTO 1)الرئيس الطلباني يجتمع بقيادات جيش الاحتلال العراقي،
بعد  اعلانه لمشروعه الاستعماري لتقسيم امريكا



اصيب الرأي العام العالمي والامريكي بحالة ذهول من قرار الكونغرس العراقي، بتبني المشروع الخطير لتقسيم امريكا، الذي تقدم به السيد (الطلباني) رئيس دولة(المحافظات المتحدة العراقيةـ
The United govirnoretis of IRAK/ UGI
مدعوما من قبل الزعيمين( المالكي والهاشمي). ويتضمن (مشروع الطلباني) فكرة تقسيم امريكا الى عدة دويلات على اساس عرقي وطائفي :
ـ الولايات الجنوبية مثل ( تكساس ونيومكسيكو و فلوريدا وكاليوفورنيا ولويزيانا واريزونا) تشكل دويلة (لاتينية) خاصة بالناطقين بالاسبانية، وخاضعة للنفوذ الكاثوليكي المكسيكي.
ـ  ولاية واشنطن وبضعة ولايات حولها، تشكل دويلة خاصة بالزنوج.
ـ الولايات الشمالية والشرقية(عدى نيويورك) تشكل دويلة خاصة بالبروتستان الناطقين بالانكليزية.
ـ نيوريوك وما حواليها، تربط مباشرة بهيئة الامم المتحدة، من اجل تسهيل نشاط هذه المنظمة الدولية وتجنب الاشكالات الادراية التي كان يعاني منها موظفيها من قبل الادارة الامريكية.
ـ ولاية (الاسكا) يتم ارجاعها الى روسيا بعد ان تتعهد بضمان حقوق سكانها الاصليين.

وقد اعترض القادة الكاثوليك والبروتستان على هذه المشروع الاستعماري، بينما رحب به القادة الزنوج الذي يسيطرون على المحافظات الشمالية الغربية ذات الميول الانفصالية، والداعية لضم المناطق الزنجية في كندا والمحيط الاطلسي، وتكوين ما يسمى بـ (زنجستان الكبرى). وقد رحب السيد(مايسود بايرساني) رئيس سلطة(زنجستان) ذات الحكم الذاتي، بأنه يرحب بالمشروع العراقي، ويعتبره يتطابق مع طموحات الشعب الزنجي الذي يطمح ان يبني مشروعه القومي الذي يمتد في كل البقاع التي يتواجد فيها الزنوج في امريكا وافريقيا وعموم العالم المتمدن. واشار بصورة غير مباشرة الى تقديسهم لمدينة البصرة التي يعتبرونها(قدس زنجستان) لانها معقل اول ثورة زنجية في التاريخ، وفيها منابع (النفط الاسود) الذي تكون من دماء ضحايا الثورات الزنجية.
 علما بان اللوبي اليهودي في الكونغرس العراقي هو الداعم الاساسي لمشروع(الطلباني)، لان الجاليات اليهودية في امريكا ستكون المستفيد الاول من عملية التقسيم هذه، وبالذات في ولاية نيويورك التي ستتحول عمليا الى دويلة يهودية ولكن تحت غطاء الامم المتحدة. وستكون هذه الدويلة اليهودية مركز نفوذ ومحطة استعمارية لتعزيز النفوذ العراقي والعربي والاسلامي في القارة الامريكية.
من المعلوم ان دولة( فلسرائيل) ( العبرية الفلسطينية) هي الحليف الاكبر لدولة (المحافظات العراقية المتحدة) في حربها الظالمة ضد الشعب الامريكي الاعزل. وآن لها ان تجني بعض المغانم من موقفها هذا.
اما بالنسبة لتطورات الاحتلال العراقي لامريكا، فأن آخر الاخبار تؤكد استمرار تخلي حلفاء العراق عن دعمه في غزوه الاحمق. فبعد قرارات تركيا ومسقط  وافغانستان والبانيا بسحب فرقها المشاركة، هاهي الحكومة الصومالية تعلن بصورة رسمية بأنها ستحب قواتها من منطقة تكساس بعدما تكبدت خسائر كبيرة بلغت اكثر من سبعين عسكريا في العملية التي اعلنت عنها (منظمة القاعدة) المسيحية المتطرفة. وقد بثت (محطة الجزيرة) الهايتية، تسجيلا صوتيا باسم ( سام بن لايدن
Sam of LAIDEN
زعيم هذه المنظمة، انذر فيه : ( جميع القوات الكافرة المعتدية في حربها الهلالية الاستعمارية، لتعود الى بلدانها خلال اربعة وعشرين ساعة، والا فأننا سننقل حربنا الجهادية الصليبية الى عقر داركم في عواصم الفسق والانحلال، بغداد ودمشق والقاهرة والرباط واسطنبول وطهران ونواقشوط..)!
 
(photo 2)صورة فضيعة  وصادمة عن الممارسات الوحشية للجيش العراقي ضد الحمير الامريكية!
( ملاحظة مهمة: الرجاء تجنبوا ان تطلعوا اطفالكم على هذه الصورة المؤلمة).

ولم يتبقى حتى الآن من القوات الحليفة غير القوات السورية التي تسيطر على الشمال الامريكي، لكنها تعاني كثيرا من نفوذ المخابرات الكندية المعادية، وكذلك بسبب المنافسة الدائرة بين التنظيمين البروتستانيين المهيمنين على الشارع: ( المجلس المسيحي الاعلى) المدعوم كنديا، و(جيش المخلص) بقيادة الزعيم البروتستاني الشاب( موكتاد سايدر Moktad OF SAIDER). ويتداول الآن مجلس الشعب السوري مشروع تقدمت به المعارضة الفلاحية لسحب قواتها، وخصوصا بعد الفضيحة التي تورط بها احد العقداء الحمصيين بقيامه بالاعتداء على شابة امريكية متدينة واجباره لها ان تخلع نظارتها وتعطيه(بوسة) من عيونها في احدى المطاعم وعلى مرأى الجميع. وبهذه المناسبة صرح النائب الشهير(علوس) عن اليمين السوري المتطرف، قائلا: (عيب على شباب حمص يهملوا نسوانا الحلوات الماليات الشواطي، ويغازلوا بنات الشعوب المتخلفة). ومن المعروف ان هذا النائب من اشد دعاة وحدة بلدان الشام وتنظيفها من المهاجرين الاوربيين الذين بلغ عددهم حوالي خمسة ملايين مهاجر غالبيتهم من فرنسا وانكلترا. وفي دمشق وحدها، هنالك اكثر من مليوني مهاجر اوربي غالبيتهم من فقراء السويد والدانمارك الذي يعيشون في معازل في احياء اليرموك وفلسطين والسيدة زينب.
 
(PHOTO 3)السيدة الامريكية المتدينة بثوبها المحتشم، وهي في حالة يرثى لها
 بعد ان اجبرها الضابط السوري على ان تعطيه بوسة من عيونها! وقد طالب مندوب
 الكونغو زائير في هيئة الامم المتحدة بعقد مؤتمر طارئ لمجلس الامن الدولي لادانة هذه العملية اللا أخلاقية.

اما بالنسبة لردود الفعل في داخل العراق، فيلاحظ تعزز التيار السلمي الداعي لسحب القوات العراقية من امريكا. وقد انطلقت في الاسبوع الماضي في العاصمة بغداد اكبر تظاهرة سلمية في تاريخ العراق، قدر عدد المشاركين بها بحوالي المليون، ضمت العديد من رجال الدين من كل الاديان والطوائف وبعض قادة المعارضة، إذ اصطف جنب الى جنب كل من السيد مقتدى الصدر والشيخ الضاري وكاكا حما وعزة الدوري، رافعين العلم الامريكي ترفرف عليه حمامة السلام وهم يضربون على صدروهم بلطمية عراقية، صارخين بالعربي والانكليزي:

  Peace..peace والف صلاة على النبي..Peace..peace

وقامت احدى الناشطات السلميات بالقاء عبوة كوكتيل عراقية(خلطة جاجيك مع عرق زحلاوي) على عضو الكونغرس (حنتاو آل صباح) رئيس (المحافظة السادسة عشر) والمرشح القادم للرئاسة وأشد الداعين الى استمرار الاحتلال العراقي لامريكا.
وعلى اثر هذه المظاهرة التاريخية، صرح السيد ( دانيل عبد الحسن الدليمي) رئيس مجلس الحرب واحد زعماء (حزب الدعوة) وممثل محافظة الانبار في مجلس الحكم، بأن هولاء المتظاهرين ما هم الا شرذمة من المتنكرين لوطنيهتم ويخدمون دون قصد الحركات الارهابية المسيحية، ومدعومين لوجستيا من قبل المخابرات الهندية، من اجل ايقاف النفوذ العراقي الحضاري في العالم.
 ثمة شائعات تداولها بعض الاوساط العارفة، عن قرب اقالة ( الجنرال حنتوش برزان اوغلو) قائد القوات العراقية في امريكا، بعد الفضيحة التي كشفتها احدى الصحف العراقية عن قيام الضابطة(صبرية التلفزيونجي) بتعذيب السجناء الامريكين في سجن (غوانتانامو)، من خلال اجبارهم على مشاهدة كليبات اغاني عربية، ادت بالكثير من السجناء الى حالات كآبة مزمنة وهلوسة وانتحار. وقد اصدرت بحقها المحكمة العسكرية حكما بالسجن لمدة شهرين مع تعريضها يوميا لعدة ساعات للتعذيب بمشاهدة نفس الكليبات العربية. ولكن رئيس الجمهورية السيد الطلباني اضاف الى هذا الحكم فترة اسبوع تمضيها في احد سجون السليمانية لمشاهدة كليبات أغاني كردية.

 
(PHOTO 4) الضابطة صبرية التلفزيونجي بعد وجبة تعذيب للمعتقلين الامريكيين

وتذكر الاخبار، ان هنالك انخفاض كبير بعدد العمليات العنفية في امريكا، وخصوصا بعد نجاح الجيش العراقي، بتكوين ما يسمى بـ (مجالس الصحوة العائلية)، حيث تم تكوين ميليشيات بقيادة شيوخ العوائل الامريكية الكبرى، وخصوصا من شيوخ الكاوبوي السابقين. وصرح (السيد جورج آل بوش) شيخ مشايخ تكساس ورئيس (مجلس الصحوة) فيها، قائلا: (أن حربنا ضد الارهاب تقترب من نهايتها).
بهذه المناسبة، اصدرت (قيادة المقاومة الامريكية) المقربة من الكاثوليك، بيانا تدين فيه المؤامرة التقسيمية العراقية، يتضمن المقطع المؤثر التالي:
(( ايها الشعب العراقي الكريم، انت منبع الحضارات الانسانية، واول من صنع القوانين في التاريخ، كيف تسمح لقادتك ان يحتلوا بلادنا. تخيل ايها العراقي، لو ان جيشنا الامريكي هو الذي يحتل بلادكم، وان قيادة بلدنا هي التي تقرر مصير بلدكم وتناقش وحدتكم وتقسيمكم.. نقول فقط تخيلوا ايها العراقيون.. فقط تخيلوا لا اكثر))!!

46
المنبر الحر / حوار مع سليم مطر
« في: 18:28 09/11/2007  »

حوار مع سليم مطر
عن الامة العراقية وهويتها التاريخية..
أجراه في برلين
لطيف الحبيب ومصطفى قره داغي       

رغم التنوع والغنى الكبير الذي تشمله نتاجات( سليم مطر)المتوزعة بين الفكر والسياسة والتاريخ بالاضافة الى القصة والرواية، الا اننا آثرنا أن يدور الحوار حول نقطة اساسية تهم كثيرا الوضع الحالي في بلادنا الجريحة، ونعني به موضوع (الهوية الوطنية) بالصورة التي قدمها (سليم مطر) في كتبه العديدة، وتبنيه لمفهوم(الامة العراقية) الذي يتخذ الآن اهمية كبرى ومصداقية واقعية في ظل مشاريع التقسيم الطائفي والقومي التي تهدد بلادنا.
 ما قدمه كاتبنا من أنشطة وبحوث فكرية ينصب جلها في فضاءات الوطن والهوية العراقية وما يطلق عليه "الأمة العراقية". له مؤلفات عديدة في المجالين الروائي والفكري، تتمحور حول موضوع (الهوية العراقية)، وقد جعل هدفه الأول والأكبر في حياته الإبداعية تكوين مشروع ثقافي يعيد إحياء" الأمة العراقية " التي أنهكتها الحروب والصراعات الاقوامية  والطائفية، كما عبر هو عن ذلك.
 يشرف حاليا على مجلة "ميزوبوتاميا" التي تصدر في بغداد وهي فصلية خاصة بالهوية العراقية. صدرت له عام 1991 رواية "امرأة القارورة" التي حازت على جائزة الناقد. عام 1997 صدر كتابه الفكري "الذات الجريحة" عن إشكالية الهوية العراقية بتفاصيلها الاقوامية والطائفية والتاريخية والفلسفية والسياسية. عام 2000 صدرت رواية "التؤام المفقود". عام 2003 صدر كتابه الفكري"جدل الهويات: عرب، اكراد، تركمان، سريان، يزيدية" عن اشكالية التنوعات الاقوامية "العرقية" في العراق المعاصر. بالاضافة الى كتابات فكرية وسياسية في الصحافة معروفة ومستمرة تتعلق مباشرة بتطورات الوطن. يكرس وقته الآن لأنجاز مشاريعه الادبية منها (سيرة  ذاتية) وكذلك (رواية)..

 *هناك من يردد ان العراق دولة مصطنعة كما تقول بعض النظريات و حيث إن لكل طائفة وقومية طقوسها واشتراطاتها الخاصة؟
  ـ هذه فكرة للأسف أشاعها القوميون العرب لان العراق وبلدان الشام كما يقولون حدودها مصطنعة، دول صنعتها معاهدة " سايكس بيكو ". وهم يكررون دائما هذا في سبيل تبرير مفهوم الوحدة العربية. وهذا المفهوم تبناه ايضا القوميون الأكراد لتبرير طموحاتهم الانفصالية. كل التيارات القومية تبنت هذه الأطروحة التي بدأها العروبيون لتبرير طروحاتهم الانفصالية.
ولكن حقائق التاريخ تقول عكس ذالك تماما. لم يتعرض الانكليز لأي ضغط لخلق وتحديد الحدود الحالية. ان هذه الحدود موجودة أصلا من الزمن العثماني، فالعثمانيون ليس حبا بعيون العراق حينما شكلوا ثلاث ولايات "ولاية الموصل، ولاية بغداد، ولاية البصرة " وإنما لتسهيل عملية السيطرة على أنحاء بلاد النهرين. ولاية بغداد ظلت هي مركز العراق وواليها هو الحاكم الفعلي للعراق. العراق الحالي هو نفس العراق العثماني. بل ان العراق الحالي هو اقل من العراق  الطبيعي الاصلي، بلاد النهرين، حيث اقتطعت منه بعض الأجزاء التي ضمت الى الدول المجاورة. ليس هناك في العالم دولة لا تعاني من مشاكل الحدود. الفاصل الطبيعي بين إيران والعراق هو جبال " زاكاروس " وهذا الفاصل جغرافي واقوامي وتاريخي. ان الفيلية مثلا، ليس إيرانيون هاجرو إلى العراق، بل لأنهم تاريخيا وجغرافيا عراقيون، حيث ان مناطق تواجدهم جزء من السهل الجنوبي العراقي الذي اصبح فيما بعدا تابعا الى ايران مثل الاحواز.

  *   تبني سليم مطر مفهوم (الأمة العراقية) فما هي ملامح هذا المفهوم. علما ان هناك مفهومان للأمة، احدهما يهتم بخاصية العرق مثل الأمة الجرمانية ، العربية، الفارسية ، ومفهوم آخر لا يهتم بشرط العرق، بل شرط الارض وشرط الدولة، مثلما تقول الأمة الأمريكية ، الانكليزية، الفرنسية، السويسرية.. أين يقع مفهومك للأمة العراقية؟
     ـ    أنا من أتباع المفهوم الثاني، القائم على اساس الانتماء للدولة والارض المشتركة لمختلف الجماعات العرقية والدينية. بالحقيقة ان المفهوم الاول القائم على الانتماء العرقي المشترك، هو مفهوم زائف وغير واقعي ابدا. فحتى الجماعات القومية التي تدعي بأنها من اصل عرقي مشترك، هي بالاصل خليط من اعراق مختلفة امتزجت مع بعضها البعض وغلبت عليها لغة مشتركة. ثمة سوء فهم بين (الوحدة اللغوية) و(الوحدة العرقية او القومية). عندما نتحدث مثلا عن(الجماعات الهندو اوربيية) او(الجماعات السامية) نعني مجموعات تتكلم لغات متشابهة، ولكن ابدا ليس من اصل عرقي واحد. خذ مثلا، العرب، فأية علاقة عرقية بين السوري والسوداني، من ناحية الشكل والبشرة والاصل. كذلك خذ الهندي الاسود والالماني الاشقر، الاثنان يتكلمان لغتان محسوبتان على (المجموعة الآرية)..

*   لكن مفهوم الدولة الوطنية، هو حديث ليس له اساس تاريخي..
ـ لا أدري ما يعنون بأن مفهوم ( الدولة الوطنية) هو حديث. هذا خطأ. ليست الدولة الوطنية هي الحديثة، بل التنظير الآيدلوجي لها هو الحديث. نعم ان الأيدلوجية الوطنية ( أي القومية) هي الحديثة، بدأت في القرن التاسع عشر، في اوربا. منذ تكون الحضارة على الارض، تكونت الدول الوطنية، في العراق ومصر وعموم الشرق الاوسط  وفي العالم اجمع. وكان الشرط الاولي الحاسم لتكوين الدول هو عامل الوحدة الجغرافية، وليس العرقية، والذي كان يخلق التقاربات بين الجماعات ويسهل على الدولة الهيمنة. خذ مثلا، من اوائل الدول في التاريخ، هن الدولتين العراقية والمصرية. وكل واحد منهما قامت على اساس وحدة العامل الجغرافي، فدولة مصر حول النيل، ودولة العراق حول النهرين.
فيما بعد، عندما تستقوي هذه الدول (الوطنية الجغرافية)، ولكي تضمن حدودها وايقاف هجمات الجماعات القادمة من حواليها، كانت تضطر ان توسع مساحة هيمنتها نحو الأوطان المحيطة بها. وهذا ما فعلته مثلا الدولة العراقية زمن(سرجون الاكدي) اول ملك عراقي وحد الدويلات والامارات المتنافسة وخلق اول دولة عراقية موحدة على امتداد النهرين في الالف الثالث قبل الميلاد، ثم اضطر للتوسع نحو الشمال والغرب، فخلق اول امبراطورية في التاريخ تمتد من جبال زاخاورس حتى سواحل المتوسط.
 نفس الكلام ينطبق على جميع الدول والامبراطوريات. خذ مثلا الدولة الرومانية، والتي قامت اولا في مساحة محددة جغرافيا وهي شبه جزيرة ايطاليا التي تقع وسط البحر المتوسط، لكن مصالحها وتهديدات محيطها واخطرهم الدولة القرطاجية في تونس، فرضت عليها ان تمتد لما حولها وتهيمن على جميع انحاء البحر المتوسط. يعني ان العامل السياسي الجغرافي وليس العرقي، هو العامل الحاسم بتكوين الدول والامبراطوريات.

* لكن هنالك قوميات واعراق متميزة عن بعضها لغويا، فماذا تقول ؟
ـ يجب تجنب الخلط ما بين التقارب اللغوي والاصل العرقي. اللغة تنتشر وتفرض نفسها بسرعة على المجموعات البشرية المختلفة عرقيا. خذ مثلا اللغة الاسبانية السائدة حاليا في امريكا اللاتينية، وهي شعوب بغالبيتها ليست اسبانية بل هندية. كذلك اللغة الانكليزية التي تتكلمها في امريكا واستراليا وانحاء العالم شعوب ليست لها اية علاقة عرقية بانكلترا. بل حتى انكلترا نفسها، رغم ان لغتها الانكليزية فرضتها القبائل الجرمانية( الانكلو ساسكونية) فأن الاصل العرقي لغالبية سكانها هم سلت ودانمارك ولاتين!

* الا تعتقد بأن الوحدة اللغوية المتمثلة حاليا بالعربية التي يتكلمها عرب العراق والذين يشكلون حوالي 80% من السكان، لهي دليل على وجود وحدة قومية عرقية تجمعنا مع باقي الشعوب العربية؟
 ـ لا ابدا. ليس في العراق وحده، بل الشعوب الناطقة بالعربية، هي بغالبيتها الساحقة ليست لها اية علاقة عرقية بقبائل الجزيرة العربية. بل هم السكان الاصليون الذي تبنوا الاسلام واللغة العربية. هنا يوجب علينا ان نعود الى دور الموقع الجغرافي. خذ المصريين مثلا، فهم تاريخيا يتكونون من عرقين اساسيين، العرق الشمالي الذي ظل يأتي من الشام منذ فجر التاريخ وحتى الهجرات الشامية في اوائل القرن العشرين، ثم العرق الجنوبي الافريقي الذي  ظل يأتي من السودان ايضا منذ فجر التاريخ وحتى الوقت الحالي حيث هنالك جالية سودانية نوبية في مصر تبلغ عدة ملايين. بالاضافة الى اعراق عديدة افريقية واوربية وآسيوية قطنت مصر على مر التاريخ، منذ اليونان والرومان حتى العرب والاتراك والمماليك والارمن وغيرهم.     
العراق أيضا تكون من عدة أعراق، منها الآسيوية مثل الآرييين والأتراك والهنود الذين ظلو يأتون طيلة التاريخ من جهة الشرق والخليج، ثم الساميون الذين ظلوا يأتون من الجنوب والغرب خصوصا عبر بادية الشام واعالي الفرات، ثم الاعراق القفقاسية والاوربية التي كانت تأتي من الشمال. كل هذه الاقوام ظلت حتى وقت قريب تحط الرحال في هذه الوادي الخصيب بحثا عن الخصب وعن الحضارة، وتذوب مع بعضها البعض لتتبنى لغة واحدة، مثل السومرية والاكدية والآرامية والعربية.. خذ مثلا سهل ومدينة اربيل، حتى قبل قرن كان غالبية سكانه من السريان والتركمان، لكن هجرة العشائر الكردية من الجبال المحاذية جعلتها منذ سنين بغالبية كردية. على هذا المنوال يمكن معاينة تاريخ كل المناطق العراقية.

* هل باعتقادك ان مسألة الاصل غير العربي لمعظم الناطقين بالعربية، ينطبق ايضا على اكراد العراق، الذين يعتقدون انهم (عرقيا) آريون(هندو اوربيون)، لكونهم محميين وسط الجبال؟
ـ  نعم انها قاعدة تنطبق على جميع الجماعات اللغوية، بما فيهم الاكراد. بالحقيقة ان القوميين الاكراد يركزون كثيرا على مسألة (الاصل العرقي الآري) (الهندو اوربي) بسبب عقدة الخواجة ومن باب التفاخر الساذج. اتذكر ان صدمتنا الاولى هنا في اوربا، عندما وجدنا بعض اخوتنا الاكراد يرددون امام الاوربيين بكل انتهازية وتنكر: ( نحن لسنا بدو متخلفين مثل العرب.. نحن هندو اوربيون)! معتقدين بان هذا يجعلهم على علاقة عرقية بالاوربيين، مثل (القرعة التي تتباهى بشعر اختها).
وهذا يشبه قيام عرب السودان بالسخرية من اخوانهم غير المستعربين وتسميتهم بـ(العبيد)، رغم ان الطرفين هم سود البشرة افارقة!
بالحقيفة ان الاكراد منذ عشرات ألآلاف من السنين يسكنون جبال زاخاروس التي تفصل ايران عن العراق، وهم جماعات يقينا تعود الى نفس اصل الجماعات الاولى التي قطنت العراق. لان هذه الجبال المطلة على وادي النهرين ظلت طيلة التاريخ وحتى الآن تضخ بالجماعات النازحة من الجبال بحثا عن الخصب. فنحن العراقيون حتى سكان الاهوار منا، يقينا نحمل في دمائنا الكثير من دماء الجماعات النازحة من الجبال الكردية وخصوصا في نواحي دجلة، بينما التأثير الشامي السامي واضحا في نواحي  الفرات.
 صحيح ان اللغات الكردية الحالية، مثل السورانية والبهدنانية والزازائية والخانقينية والفيلية، كلها محسوبة على مجموعة اللغات الآرية، الا ان هذا التأثير الآري اتى نتيجة سيطرة بعض العشائر الآرية التي نزحت في الالف الاول قبل الميلاد وفرضت هيمنتها العسكرية واللغوية على السكان الاصلييين لجبال زاخاروس. وقد تأثرت باللغة الآراية الكثير من الجماعات القاطنة والنازحة الى شمال العراق، منهم السومريون والاكديون والآراميون والعرب والتركمان. خذ مثلا حيا، هناك الكثير من عشائر الجبور العربية وكذلك السريان المسيحيون وبعض التركمان من يتكلمون احدى اللغات الكردية بتأثير الجيرة والامتزاج. وقد حدث نفس الشيء لباقي وادي النهرين حينما فرضت بعض الجماعات العربية بعد الفتح الاسلامي، لغتها على سكان العراق الاصلييين احفاد سومر وآشور وبابل.

* اذن انت تعارض تماما المفهوم القومي العرقي للوطن والامة؟
 ـ ان مفهوم (الاصل العرقي القومي المشترك) ابتداع عنصري اوربي طورته الحركة القومية الالمانية وطبقته النازية من خلال سياسة التصفية العرقية. وقد شجع الاستعمار الاوربي هذه الحركات القومية في الشرق الاوسط من اجل تدمير الدولة العثمانية. لقد تبناه اولا القوميون الاتراك، ثم العرب والارمن والاكراد، وكذلك اليهود الذين على اساس هذا المفهوم القومي العرقي العنصري نجحو بتكوين (الحركة الصهيوينة) ثم (دولة اسرائيل). بالنتيجة ان الفكرة القومية العرقية، النازية واليهودية والعربية والكردية، لها نفس الاساس الآيدلوجي العرقي العنصري.

  *ماهو مفهوم الامة الذي تدعو اليه؟
   ـ من الخطأ تماما ربط تسمية( امة) بشرط (الوحدة اللغوية)، مثل القول ب(الامة الكردية) و(الامة العربية). ان من اول شروط الامة، هي (الوحدة الجغرافية ـ التاريخيةـ السياسية)، وليست الوحدة اللغوية. خذ فرنسا مثلا، فأن اللغة الفرنسية كانت بالاصل لغة باريس وما حولها، وغالبية الفرنسيين الحاليين لا زالوا يحتفظون بلغاتهم الاصلية، مثل البروتون والباسك والكورس والاكسوتان، وغيرهم. وبنفس الوقت لم يفكر الفرنسيون ابدا، بالمطالبة بالمناطق المحاذية التي تتكلم الفرنسية، في سويسرا وبلجيكا. وان مفهوم(الامة الفرنسية) يشمل كل سكان الدولة الفرنسية مهما اختلفت اصولهم العرقية، وليس له أي دخل بالجماعات الناطقة بالفرنسية في الدول المجاورة. وآخر الجماعات التي بدأت تدخل في مفهوم الامة الفرنسية هي الجماعات العربية والمسلمة التي بدأت استيطان فرنسا في اوائل القرن العشرين وفي طريقها لان تصبح تماما جزءا من الامة الفرنسية، رغم محافظتها على تمايزها الديني الاسلامي.
نفس الامر ينطبق على سويسرا. رغم وجود جماعات لغوية متعددة، الفرنسية والالمانية والايطالية، الا انهم جميعا يؤمنون بوجود (امة سويسرية) وينتمون لنفس الاحزاب ويتشكل اتحادهم الكونفدرالي على اساس المحافظات(المقاطعات) وليس على اساس الاقاليم القومية والطائفية.

            *  بناءا على هذا الخطاب تبنيت مفهوم " الأمة العراقية "؟
ـ نعم بالضبط. فأنا اعتبر ما ينطبق على غالبية دول العالم، يجب ان بنطبق على العراق. ان التنوع العرقي والديني في العراق ليس استثنائي ابدا، بل يشبه 80% من اوطان العالم. فلما اذا يجب ان ينطبق علينا وحدنا مفاهيم القومية العرقية التي ترفض الاعتراف بوحدتنا كشعب عراقي وكوننا امة، نمتلك شروط الامة، مثل وحدة الجغرافية والتاريخ، بالاضافة الى الوحدة السياسية، الممتدة منذ دول العراق القديم مرورا بالعرب والعثمانيين حتى انبثاق الدولة عراقية الحديثة منذ حوالي القرن.
  ثم لا تنسى ان حوالي 80% من العراقيين يتكلمون بلغة واحدة هي العربية، وهي لغة حضارية ودينية يقدسها جميع المسلمين بما فيهم الاكراد والتركمان، كذلك ان حوالي 95% من العراقيين يحملون نفس الاصل الديني الا وهو الاسلام. يعني ان شرط (الوحدة الثقافية) (الدينية ـ اللغوية) متوفر ايضا في (الامة العراقية).

 *هناك من يدعي انك ابتدعت امرا غير موجود..
ـ ارجو ان يكون معلوما، انا لم اخترع تسمية(امة عراقية) من فراغ، بل هذه التسمية كانت موجودة وسائدة في الفترة الملكية، وهذا التعبيير موجود في الدستور العراقي الاول، وحتى البرلمان العراقي كان اسمه(مجلس الامة).
 ليس انا من خلق الاشكالية، بل القوميين العرب والاكراد وغيرهم هم الذين خلقوا لنا اشكالية ليست موجودة لدى الشعوب الاخرى. كلمة (امة) استخدمها الملك فيصل  ولم يرد عليه احد والدستور العراقي الأول استخدمها أيضا. لكن القوميين جائونا بنظرياتهم التي ربطت الأمة بمعنى القومية أي العرق. وهذا المعنى ليس موجودا في أي بلد آخر. من الطبيعي ان يقال(الامة الامريكية) رغم انه ليس هنالك (قومية امريكية)، ومن الطبيعي جدا ان يقال(الامة السويسرية) رغم وجود ثلاث جماعة لغوية مختلفة(فرنسية والمانية وايطالية).
 القوميون العرب اخترعوا لنا مفردات، غير موجودة بأية لغة أخرى ولا يمكن حتى ترجمتها. اعني بالذات مفردتي "قومية ووطنية " باعتبارهما كلمتين مختلفتين، الاولى تعني (ابناء الامة العربية)، والثانية تعني(القطر)! خذ مثلا، هناك إشكالية يعاني منها المترجمون الى اللغات الاوربية عند ترجمة عبارتي (القيادة القطرية)  و(القيادة القومية) لحزب البعث. اللغتان الانكليزية والفرنسية تترجمان تعبير( القيادة القطرية) إلى (الوطنية ـ NATIONAL) ومنها كلمة(امة ـ  NATION ) أي الشعب الذي يقطن الوطن، اما ( القيادة القومية) فتترجم الى (الاقليمية ـ REGIONAL)، وهذا التعبير ليس له اية علاقة بتسمية( قوم وعرق وامة)، بل يعني (منطقة تتكون من عدة اوطان، مثلما تقول مثلا( اقليم الشرق الاوسط) او (العالم العربي).

* انتم منذ عدة اعوام تصدرون مجلة فصلية باسم(ميزوبوتاميا)، وهي بأعتراف الكثير من المتابعين، تعتبر من افضل المجلات الثقافية الصادرة في العراق، بالاضافة الى انها اول مجلة تعبر فعلا عن (الوحدة العراقية) أي (الهوية العراقية) بكل تنوعاتها الاقومية والدينية والمناطقية. كيف نشأت فكرة هذه المجلة، ومعها مركز دراسات الامة العراقية، هل هي فكرة شخصية؟
ـ الحقيقة انه حلم راودني منذ سنين طويلة، لكن تحقيق الامر قبل سقوط النظام، كان من الناحية التقنية والسياسية صعبا. فكرة المجلة اتتني نتيجة انتباهي للنقص الكبير الذي تعاني منه المنشورات العراقية بالاهتمام بالثقافة العراقية. للأسف الشديد إن النخب العراقية لم تكن مهتمة بالهوية العراقية، رغم ان هذه مهمة اساسية لتكوين اية دولة في العالم. فكيف يمكنك ان تخلق حتى ولو شركة تجارية، دون ان تخلق معها فكرة ان لها قواسم مشتركة بين اجزاءها واعضائها منها المصلحة والاسم والعاطفة وغيرها.
   لنأخذ مثلا بسيطا لعقلية النخب التي كانت حتى سنوات قريبة مسيطرة تماما على المجلات الثقافية العراقية، حكومية ومعارضة. لو تصفحت مثلا مجلة (الثقافة الجديدة) الناطقة باسم الحزب الشيوعي، فستجد من بين عشرين عنوانا، ربما موضوعين او ثلاثة تتحدث مباشرة عن العراق، والغالبية الباقية  تخص امورا ليس لها أي دخل بالعراق. عن السوفيت والصين وشيلي وفلسطين والهند ومصر وامور عديدة.  بنفس السياق تكون المجلات القومية العروبية، فهي مهتمة بموضوع الجزائر أو اليمن وإشكالية الصومال أكثر مما تهتم بالموضوع العراقي.نفس الحالة بالنسبة للمنشورات الاسلامية. العراق دائما بالنسبة للثقافة العراقية، ثانوي او حتى مغيب، والخارج، العالمي والعروبي والاسلامي دائما هو الاهم وهو المقدس.
ليس هذا النقص فقط في النشريات العراقية، بل هنالك نقصا افضع، هو ان هناك مواضيعا عديدة اتفقت النخب العراقية على تجنب التطرق اليها، مثل خصوصيات الفئات العراقية المختلفة، والتقاليد الدينية، والمناطق ، والعشائر. لنعطيك مثلا، ان مجلتنا هي اول مجلة حداثية عراقية تتحدث عن موضوع(الملايا العراقية) الذي كان يعتبر موضوعا رجعيا متخلفا بالنسبة للنخب الحداثية العراقية، وحتى بالنسبة للنخب الدينية التي حكمت على (الملايا) بالمروق عن الطريق الصحيح! 

* هل تعتقد ان(ميزوبوتاميا) قد تمكنت من تحقيق رسالتها؟
   ـ ان رسالة مجلة(ميزوبوتاميا) إلى المثقفين العراقيين، تقول لهم انه من المكن أن نصدر مجلة عراقية مئة بالمئة، وان بلادنا بتنوعها الديني والاقوامي والمناطقي تستحق مجلة خاصة بها. انها مجلة غايتها الاولى والاخيرة(التعريف) بالخصوصيات العراقية. من المعلوم ان عملية التنوير التي تمت في فرنسا، قبل أن تأتي من قبل الفلاسفة والسياسيين، بدأت بما سمي بـ(الموسوعيين) الذين قامو بكل بساطة بالتعريف بكل ما هو موجود في الحياة الفرنسية، من اسماء وتواريخ ودين ومطبخ وزراعة وعلوم وفنون واقوام ومذاهب وجماعات ومناطق وغيرها من الامور. أي العمل على جعل الفرنسي ينتمي لواقعة ولحاضره من خلال التعرف عليه بأقرب صورة وصفية ممكنة. وهذه هي بالضبط الرسالة التي نجهد لايصالها الى المثقفين العراقيين.

* اين يكمن القصور في الفكر العراقي؟
ـ اولا وقبل كل شئ يكمن هذا القصور في (احتقار الذات) و(تقديس الخارج).. نحن ابدا لسنا ضد الانفتاح والتعلم حتى من خصومنا واعدائنا، لكن يجب ان لا يعني هذا الاحتقار لثقافتنا ومبدعينا وخصوصياتنا. للأسف الشديد ان جميع التيارات الحداثية، الماركسية والقومية، تجاهلت واحتقرت خصوصياتنا الثقافية والدينية والاجتماعية، باسم مكافحة الرجعية والتعصب والانفتاح على الحداثة والخارج الاممي والقومي والديني.
لاحظ ان جميع الرموز الثقافية والسياسية الكبرى التي تقتدي بها النخب الثقافية والسياسية العراقية هي دائما خارجية، أجنبية وعربية واسلامية، من امثال كارل ماركس، وماو، وعبد الناصر، وميشيل عفلق، وسيد قطب، والخميني، وغيرهم، مع احترامنا لهم، الا انهم ليسوا عراقيين وافكارهم قد تناسب ظروفهم وبلدانهم.
 خذا مثلا، ميشيل عفلق، كيف كان من الممكن ان يصبح مثل هذا الـ(نصف مثقف) مؤثرا في الوضع العراقي، سياسيا وثقاقيا، لو كانت نخبنا تمتلك الحد الادني من الاحترام لنفسها؟
 هذا الرجل  لم يكن يعرف أي شيء عن العراق، بل هو جاهل حتى ببلاده؟ هو لا يعرف من هم بني لام أو  الصابئة أو الزيبارين، ولا يعرف معنى الشيعة أو السنة. والانكى من هذا هو حتى لم يهتم بمعرفة هذه الامور لأنه لم يكن مؤهلا لذلك، وكل ثقافته ونتاجه لا يتعدى لغة خواطر المراهقين السطحية الفارغة التي تقرب الى الشعر الرومانتيكي منه الى النثر والتحليل المسؤول والمفهوم. لا ادري كيف تمكن هذا الرجل من ان يصبح منظرا عربيا. والانكى من هذا انه اصبح منظرا لحقبة عراقية كاملة، دولة ونخب واجيال كاملة تبنت رطينه الساذج؟! وهذا دليل محزن ومخزي على مدى الانحطاط الروحي والثقافي الذي كانت تعاني منه بلادنا وشعبنا بجميع نخبه.

 *اخيرا، نسألك عن حياتك في جنيف، بالعلاقة بالكارثة الحاصلة في بلادنا، كيف تمضي الايام؟
       ـ خلال اعوام طويلة وحتى دخول الامريكان، كنا ننتظر سقوط صدام، لكي يفرجها الله علينا. اما الآن فيقولون لنا يجب ان ننتظر سقوط بوش، حتى يأتينا الفرج. وفي كل الأحوال تبدو حسبتنا طويلة. المهم الله كريم. اما بالنسبة لحياتي في جنيف، فأنها لا  تختلف عن اية مدينة غربية: نفس المكدونالدات وانماط الشوارع وماركات السيارات واشكال البنايات والاغاني السائدة واجواء الحانات، وحتى تنوع الوجوه وتعدد الاعراق والجاليات تكاد ان تكون نفس النسب.
    الشيء الوحيد الذي يمكن ان يختلف هو(الانا).. نعم (اناي) كيف يمكنها تجد نفسها الحقيقية ولا تضيع وسط هذه العواصف الهوجاء والبحر المتلاطم من المؤثرات السمع ـ بصرية والدعايات الخلابة عن جنان لم يتخيلها لا سيدنا المسيح ولا نبينا محمد. كيف اجعل روحي المرهفة الحساسة المسكينة الطيبة تقاوم المغريات المهلكة والمتعبة والمضنكة لهذه الحضارة المعاصرة التي تستحق بجدارة تسمية : ( حضارة الوعود الزائفة) ( حضارة المكياج الخداع).. حضارة التجديد والتجديد الى حد اللهاث وفقدان القوى. كل شيء نقتنيه اليوم حتى لو كان حبيبا او كتابا سماويا، لا بد ان نغيره بعد فترة وجيزة، لأن الجميع يرددون علينا ( انه اصبح عتيقا وهناك غيره افضل وارخص منه..)..
لعل الكتابة بالنسبة لي هي (شباك العباس) التي اتمسك بها لكي احافظ على سفينتي وأحميها من لجاج هذا الطوفان الحداثي. ومنذ بضعة اشهر، قررت التوقف عن الكتابة الفكرية والسياسية للتفرغ لانجاز مشاريعي الادبية المؤجلة: مجموعة قصص ورواية وسيرة. وحاليا بطور الانتهاء من سيرة ذاتية(ادبية نفسية) نشرت منها عدة فصول، وستصدر قريبا بالعربية وكذلك بالفرنسية.

47
حضرة السرطان..عندما زار صديقي الكاتب العراقي!


سليم مطر
جنيف / آب 2007
salimmatar@bluewin.ch



اعرف يا اصدقائي ان اسم(السرطان) يرعبنا جميعا. لكني الآن اقل رعبا واكثر تفهما، بعد ان عرفته من خلال تجربة صديقي(ن) الذي يقطن في مدينة قريبة من مدينتي (جنيف). لقد زاره (حضرة السرطان) منذ عدة اعوام، ومكث زمنا في بدنه وروحه، ثم رحل. وقد خرج صديقي بالخلاصة الغريبة التالية عن هذا المرض:
هو مثل جميع الامراض الخطيرة،  ليس عدوا، بل رسولا حاملا لرسالة شكوى والم نابعة من اعماق الروح والبدن!   
حكاية صديقي (ن) مع السرطان لا تخلو من الخصوصية، ليس طبيعة المعانات فحسب، بل ايضا وجهات نظره الطبية والفلسفية المثيرة للاهتمام. ولكي تكونوا على بينة مباشرة بما جرى، اتركه هو نفسه يسرد عليكم حكايته المشوقة:

(( ذات صباح ربيعي دافئ مشرق من عام 2001، في الساعة العاشرة تقرييا، كان موعدي في المستشفى، مع الطبيبة التي ستخبرني بنتيجة فحص الدمامل التي تم اقتلاعها من وتري الصوتي بعملية صغيرة منذ ايام. كان وجهها طييا ونظراتها لا تخلو من محبة وعطف وصوتها دافئا متضامنا، وهي تلفظ جملتها التاريخية:
ـ النتيجة المختبرية ياسيد، بينت ان هنالك سرطانا في حنجرتك..
هكذا بكل محبة وبساطة فجرت الطبيبة جملتها التي احسستها جبلا وسماءا وقنبلة ماحقة سقطت على كياني واحالت دنياي الى وجود مظلم صامت جامد ميت!
لم اعد احيا في عالم الواقع، كما لو كنت قبلها صيبا مغرور يختال  في درب ريفي اليف يرتداده بلا تفكير ولا حذر منذ اعوام واعوام، وجد نفسه فجأة يسقط في هوة مظلمة مرعبة لم يتوقعها ابدا.
هكذا يا صديقي، خلال لحظات فقط انقلبت حياتي رأسا على عقب. صرت فراشة هائمة تحوم حول بركان نيران هائل. نبضات قلبي ضجيج مطارق عملاقة تدوي في كل خلية من بدني : ( دوم م م.. دوم م م.. دوم م م..)!
عبر هدير الرعب الذي سيطر على روحي واحالها الى ماكنة موت كونية، كانت تأتيني كلمات الطبيبة لتحاول ان تخفف عني وقع الخبر، مثل رعود نائية تتفجر في سماء وجودي دون ان اميز معانيها. كنت انظر اليها واشاهد عيونها عسلية تشع حنانا، وشفاهها وردية رقيقة تنطق بصوت دافئ خجول، لكنها لم تعد امامي حقيقة واقعية، بل صارت ممثلة تحتل شاشة رؤياي في واحد من تلك الافلام المأساوية التي تنتهي بموت البطل.
كل ما تبقى لدي من عقلي الواعي، سمح لي بأن التقط من الطبيبة بضعة كلمات فهمت منها بأن استاذهم الكبير مدير القسم سوف يعاين حالتي  بعد ايام لكي يقرر ان كنت بحاجة الى عملية خاصة.
طبعا لم افهم منها ماذا تقصد بالعملية الخاصة، لكني بعد وقت طويل، بعد شفائي التام، فهمت مقصدها:
ـ حضرة الاستاذ كان هو الذي سيقرر ان كان سرطاني يمكن ان يشفى بواسطة العلاج بالاشعة الخاصة، ام ان  هنالك ضرورة قصوى لأجراء عملية اقتلاع وتري الصوتي منعا لأنتشار السرطان.. أي فقداني الابدي للقدرة على الكلام!
الحمد لله اني حينها لم افهم كلامها هذا، والا لا ادري ماذا كان يمكن ا يحصل لي؟ فهمت فقط بأن الاستاذ سوف يقرر العملية ام لا . أي  نوع من العملية.. لم انتبه.. او لعلها هي التي تقصدت عدم التوضيح!
      لا ادري كيف عدت الى البيت. سرت على اقدامي لمسافة اكثر من كيلومترين، بين شوارع المدينة المزدحمة تماما في تلك الساعة. كنت ثملا بالصدمة منقطعا عن الحياة، وفكرة واحدة وحيدة هيمنت على كياني:
ـ كيف حصل هذا؟!
لم انتبه لأي من الوجود حولي، لا الناس، ولا الشمس الساطعة، ولا نهر الرون الاخضر الدفاق المتوهج، ولا الحدائق المزدهرة بورودها المتفتحة، ولا نساء المدينة اللواتي ينتظرن اية ساعة دافئة لكي يكشفن عن مفاتنهن التي حلل الله رؤياها والتي حرمها. عبرت عشرات الشوارع وصدمت العديد من الناس ومرقت امام ما لا يحصى من السيارات، ودافعت وزعقت واعتذرت وشتمت وصفنت ودمدمت مع نفسي، وانا في انقطاع تام عن الوجود:
ـ يا الله، ليش هيك تغدر بي.. شنو جريمتي.. من طفولتي وانت تعذبني وتحرمني، ومع هذا آني رجعت لك واعتذرت منك ورحت اقضي وقتي بشق طريقي المناسب لبلوغ حقيقتك.. ليش يا الله ليش؟!
كانت روحي ساعتها قد عادت الى زمن سحيق عند اسلافي البدائيين ما قبل الحضارة، وانعزلت في واحد من كهوفهم المظلمة الكامنة في تلافيف كياني. لم ابك ولم انتفض ولم اسقط فاقدا وعي، بل حافظت على وجودي البدني ولكن من دون أي روح ولا شعور ولا اية علاقة بالحاضر.
 بقيت طيلة ساعات وحيدا في شقتنا، بلا زوجتي التي كانت كعادتها تحاضر في الجامعة، ولا ابني الذي تجاوز العشرة اعوام في مدرسته المجاورة.
في المساء كان ظلام الكارثة قد استقر مرتاحا وامتدد في كل تلافيف كياني. لم امتلك الجرأة بأن اخبر زوجتي. عندما عادت وسألتني عن النتيجة، أجبتها بتردد، بأن الطبيبة قالت لي بأن هنالك دماملا قد تصبح خطيرة،  يتوجب علاجها الآن. المهم أنا لم اتجرأ والفظ كلمة(سرطان).  لكنها من روحي المعتمة ومن صوتي المبحوح الحزين شعرت بأن هنالك امرا خطيرا اخفيه عنها. اما ابني الوحيد الطيب الجميل، فقد شعر هو الآخر بما يجول في دواخلي، لكنه اضطر ان يقتنع بكلامي بأن هنالك دماملا عادية في حنجرتي تستحق العلاج البسيط.
طبعا اضطررت بعد أيام ان اخبر زوجتي بالحقيقة المرعبة، اما ابني فلا!

                                                    *      *      *
في تلك الايام  وانا اعيش صدمة اكتشاف المرض، سيطرت علي فكرة واحدة وحيدة.. كل ساعة، بل كل لحظة ولحظة ولحظة ، كنت اطرح علي نفسي ذلك السؤال العصي :
ـ كيف حصلت هذه الكارثة، وكيف التخلص منها؟؟!!
كل كياني استحال الى جهاز سحري لكشف الحقائق المخبئة. كل خلية وكل فكرة وكل شهقة حياة، كانت تشتغل بوحشية وتنبش بعنف مثل رجل آثار مخبول يبحث عن بقايا اسلاف لا زالت اطلالهم تعبث بها الريح في بوادي نائية. رحت استرجع كل لحظة من حياتي، حتى قبل ميلادي ولحظات تكوني في رحم امي:
 ـ  ياالله كيف حصل هذا؟!
 انه قدر غدار سقط مثل غضب رباني على قوم عصاة!
 رحت اردد مع نفسي مثل جميع الذي تقع فجأة الكارثة على رأسهم:
ـ كنت اتوقع ان يحدث هذا لكل الناس، الا  لي؟!  هكذا السرطان مرة واحدة.. يا الله هكذا تبتليني باخطر الامراض واكثرها شراسة ورعبا!! ولماذا انا ؟ من دون هذه المليارات، او تلك الآلاف من الخاطئين الذين يستحقون اقسى انواع العقاب، او على الاقل اولئك اليائسين الفاقدين للأمل بكل انوار الحياة والباحثين عن الهجران والموت. لماذا يا الله اخترتني انا بالذات، وانا الذي ما توانيت عن الاقتراب منك منذ اعوام واعوام، بعد ان تخليت عن الحادي، ورحت اقترب منك مثل بدوي تائه في صحراء يبحث عن واحة نجاة. كما تراني يا الله، ها انا، رغم عطشي وجوعي وانهاكي، لا زالت مصرا على تيهي وتجوالي بحثا عن سراب ايماني بك. يا الله، يا سيدي الجليل الرحيم، تسامى بي عن مستنقع اليأس هذا، الى سماوات طهرك النوراني.. يا الله لا تخذلني ولا تهجرني ولا تخيب املي بك. ياالله انا لك كما انت لي.. يا الله..

لقد عافني النوم. كنت اترك سريري، لامضي الليل في الصالون(غرفة الاستقبال)، اعمل المستحيل لكي انام. تارة اسخن شراب اعشاب مهدئة، وتارة افتح التلفزيون، وتارة اقرأ، وتارة اتذكر ماضي، العراق وبغداد  واهلي، فأبكي او اضحك واناجي جبار الوجود بحثا عن الطمأنينة وهدوء النوم. وعندما تعصى حالتي، كنت في آخر الليل وفي الفجر اخرج الى الشوارع المعتمة والحديقة القريبة بأشجارها العملاقة لكي اركض وامارس تمارين شهيق وزفير آملا بابعاد شبح الموت الذي كنت اراه رابضا بعينيه الحزينتين الجائعيتن عند بوابة دنياي. نعم كان هنا تحت قلبي، بالضبط عند معدتي، كنت احس بنيران حارقة تهتاج بين حين وآخر كلما تذكرت بأن حضرة السرطان، شبح موت، يتجول في اعماقي مثل جيش جرار مستمر بأجتياح مملكتي!
    مع الايام بدأت اتفاهم بصورة عقلانية مع فكرة تعرضي لخيانة من قبل الكون اجمعه. عدت الى تلك الفلسفة التي انا مؤمن بها منذ اعوام، لكني تناسيتها اثناء الصدمة:
     أن الضحية مهما كان بريئا فأنه لا بد ان يكون بصورة لا واعية متواطئا مع الجلاد.. واذا كانت ثمة خيانة ما، فانها من قبل دواخلي نفسها. لولا تواطئي انا نفسي لما تمكن هذا المرض المفترس من اختراق قلعة كياني. نعم، ثمة تواطئ خطير من قبل روحي وبدني، علي ان اعرفه.
 بدأت ادرك بالتدريج بأن هذا المرض، مثل كل الامراض والازمات الخطيرة التي تقع على الانسان، ما هي الا نذير واحتجاج من قبل الكينونة الداخلية ضد نمط حياة غير صحي وتدميري. مثلما يحتج الشعب ضد ظلم الدولة عبر التمرد والثورة، كذالك يعلن الكيان عن رفضه لسياسة الانسان ونمط حياته الظالم للروح والبدن، عبر الامراض والازمات الحياتية الكبرى.
 لقد آن لي ان اعترف لنفسي باني امضيت السنوات السابقة، اعوام التسعينات، في نمط حياة غير طبيعي ولا صحي بل انتحاريا وتدميريا. منذ حرب الكويت وما لحق ببلادي من هزيمة وما اعقبها من سنوات حصار وما جلبته من مصائب ونكسات انسانية ووطنية ظلت تتفاقم يوما بعد يوم، جعلتني امضي ساعات يومي في تفكير سلبي ومشاعر اثم وكأني انا المسؤل عما يحدث لشعبي واهلي. لم يهدئ ضميري بأني لم اكن مسؤولا عما حصل، بل انا ايضا كنت ضحية لخطايا الآخرين، اعاني الغربة والحاجة وما اكف عن التقشف من اجل ارسال النقود الى اهلي لاعينهم على مواجهة الحصار. لكن صوت العقل كان عاجزا عن اسكات صرخات الاثم التي كانت مثل الوحوش تفترس روحي وتجعلني اشعر بعار العجز والهزيمة، فكنت الجأ الى الخمرة والحشيشة عسى ان اداوي جراحاتي. ما فاقم من معاناتي اني وجدت نفسي اهجر الادب والرواية وانكببت على الكتابة القكرية والسياسية في الصحافة وخوض الحرب الجدالية ضد القوى السياسية العراقية التي اعتبرتها مسؤولة عن الكارثة، ما جعلني اتعرض للعنات وحملات تشوية وحرب اعصاب واجهتها وحدي ضد مؤسسات اعلامية جبارة نجحت بان تؤذيني نفسيا لأني نجحت ان أؤذيها ثقافيا.
ما زاد في ضعفي وانحداري نحو الهاوية، اني لجأت الى الخمرة والحشيشة والتسكع ليلا في الحانات والمراقص، على امل ان انسى وانفقد في عوالم ثمالة ورقص جنوني. كنت اهجر عائلتي واصدقائي وامضي الليالي وحيدا كئيبا منعزلا في المراقص  لكي انزف حزني ودموع عاري واثمي في باحات رقص تستحيل الى بحار كونية من الوان واحلام، اصحو منها عند الفجر فأعود الى الدار وقد زاد حزني واثمي وعاري.
كنت عندما استيقظ في الصباح، اعاني الصداع الذي لا تنفع معه حتى عشرة حبات اسبرين، ثم ابدأ بالتقيوء والشكوى من الآلام في كل نقطة من جسمي. ابقى طيلة اليوم اجول مثل وحش في قفص، اتناول الاسبرين واتقيأ واشرب الماء واشتم نفسي واقسم بكل ما لدي من ايمان، بأن تلك كانت المرة الاخيرة التي اقترب فيها من الخمرة والحشيشة، حتى تخف آلامي بالتدريج عند المساء..
لكن ما ان تمضي بضعة ايام، واعود الى الحياة اليومية وما تحمله لي الاخبار من نكسات واذلال على كل الاصعدة الشخصية والوطنية، حتى ابدأ انتكس من جديد واتخلى بخجل عن قراري واعود في نهاية الاسبوع الى نفس المسرحية التراجيدية المعتادة: امضي الامسية مع الاصدقاء لكي نتباكى على اخبار الوطن، ونتبادل الشكوى والخمرة والحشيشة والنميمة والغيرة والحسد والخصام، حتى يحل منتصف الليل فأعتذر منهم وافارقهم لكي اتسكع حتى الصباح في الحانات والمراقص. 
يبدو ان الجماعات البشرية التي تعاني الهزيمة والانكسار والاذلال من قبل الاقوياء، بصورة لا واعية تبحث عن ضحايا اضعف منها لكي تفرغ فيها ذلها وهزيمتها لكي تستريح وتشعر بأنها قوية وقادرة على الاستمرار بتحمل ظلم الاقوياء. بل الانكى من هذا ان هذه الجماعات المنكودة، كثيرا ما تختار ضحيتها من اقرب الناس اليها واكثرهم محبة وتعلقا بها. انها المازوشية بكل معنى الكلمة، والتي تتجلى برغبة الانتقام من الذات وحرمانها من الذين يحبونها ويفيدونها. لهذا ان من اول علامات انحطاط أي حضارة واي شعب، انه يبدأ بمعادات وتدمير العناصر الخيرة فيه.
  هذا بالضبط ما كان يحصل معي من قبل اصدقائي العراقيين في مدينتي، الذين ما كفوا عن محبتي وادراك اهميتي لهم، اذ كنت امضي ليلي ونهاري لكي احبهم واتآلف معهم تعويضا عن عائلتي الكبيرة المنسية في الوطن. كنت اجهد بكل اخوة لكي اجمعهم وانشر روح المحبة والحوار بينهم، الا اني مع ذلك، لم اكن اتلقى منهم غير الغيرة والحسد والنميمة التي بلغت حد تآمر بعضهم ضدي مع سفير العراق آنذك الذي كان من عائلة صدام، وتحطيم سمعتي بنشر أشاعات وتهم ساذجة مضحكة ليس لها أي اساس من الصحة.  كان بالامكان ان اسخر من تلك الشائعات واتعامل معها بأريحية ورجولة، لو كنت في حالة نفسية مقبولة. لكني بما اني كنت اعاني الهزيمة الداخلية ومشاعر الاثم الجنونية ازاء تاريخي الشخصي وما يحصل لوطني وشعبي، فأني كنت ممزقا متعبا ضعيفا، قابلا لأن اثير في الآخرين تلك الشهوات الذئبية للأفتراس. وهاهم  اقرب الناس لي، الأذلاء المنهزمين مثلي، الذين ما كفو عن محبتي والتعلق بي، ما كفوا ايضا عن افتراسي بلا رحمة!
ان ما حصل لي من اذى من قبل النخب العراقية في العالم ومن قبل اصدقائي في مدينتي، لهو تعبير مكثف عما كان يحصل لقوى الخير في مجتمعنا من خيانة وتآمر وتجاهل وتواطئ مع قوى الشر والدكتاتورية. هكذا هي الشعوب عندما يصيبها الانحطاط، تنتشر فيها روح المازوشية والانتحار الذاتي، فتتآمر حتى مع اعدائها لكي تقضي على مبدعيها وانبيائها. فلا يتبقى من يقودها غير المنحطين مثلها والجبناء والعملاء والمخادعين، وهكذا تدوم الكارثة..
كل هذه الاوضاع المحيطة بي، ومعاناتي من الاحباط والمحاربة والعزلة من قبل اناسي الذين احبهم واجهد لكي انفعهم، اضافة الى ماكان يحصل في بلادي من كوارث، وما ورثته انا من طفولة قاسية ما كفت جروحها تنزف رغم مرور الاعوام الطويلة.. كل هذه الضربات والاحباطات المتتالية احاطتني مثل وحوش مفترسة راحت تنهش بلحمي وروحي بلا رحمة... فسقطت.. نعم ها انا اسقط اخيرا صريعا جريحا بين براثن السرطان..
*      *      *
         في تلك الأيام فقط بدأت اكتشف حقيقة مشاعري التي لم اكن اتوقعها ابدا:
 ان الذي كان يشدني الى الحياة هو حبي.. نعم حبي لزوجتي وابني، اولا، ثم لأهلي في العراق ولاصدقائي واحبتي في سويسرا والعالم. كان الموت بالنسبة لي هو الفراق..فراق الاحبة.. فراق الاحبة .. فراق الاحبة. آه من فراق من الاحبة. لو قال لي الله، عندما أموت سوف اجد هناك احبتي معي في عالم الموتى ،لسوف اقبل الموت بكل رحابة صدر، ما دام لن يعني فراق الاحبة عني!
يقينا انتم تسخرون قائلين:
ـ شوف الملعون.. يريد ايموت ويأخذنا وياه..
حتى الآن لا استطيع تقبل فعلة اولئك المجانين الذين ينتحرون ويقتلون بنفس الوقت احبتهم معهم. لكني مع ذلك اتفهمهم، لأنهم مجانين يمتلكون نفس لوثة حبي، باعتبار الحياة هي المحبة، والمحبة هي الحياة حتى لو كانت في عالم الموتى!
     بعد اسبوعين، حسب قرار مسؤول الاطباء، بدأت اتبع علاجا بالاشعة الخاصة من جل القضاء على جذور الدمامل السرطانية الكامنة في وتري الصوتي.  كل يومين، كنت امر على المشفى الخاص بالاشعة، تستقبلني ممرضتان شابتان، يجعلاني استلقي علي سرير في غرفة معتمة معزولة شعاعيا، ويضعان حول وجهي وصدري  قناعا معدنيا يسمح بمرور الاشعة فقط حول عنقي، وبالذات عند النقطة التي يقع عندها ورم وتري الصوتي. كم كنت ارغب بتصوير نفسي  وانا في تلك الوضعية. كان مشهد القناع المعدني حول وجهي مرعبا وحزينا ذكرني بذلك الفلم الذي يصور معاناة شاب فرنسي يشبه تماما توأمه وأخية الملك الذي اجبره على العيش طيلة حياته متخفيا بقناع حديدي لكي لا يتمكن ان يتحايل عليه ويأخذ مكانه. اخبرتني الممرضة الطيبة بأن لا اتحرك اثناء تسليط الاشعة على نقطة سرطاني في عنقي، لكي يتم علاج مرضي بصورة يقينية، وايضا لكي لا يحترق المكان السليم من عنقي.
 كان وقت علاجي بالاشعة لا يستغرق اكثر من ربع ساعة، لكن التوتر النفسي والاجهاد الذي يصاحبه، من استلقاء وقناع وشعاع، يجعل المسألة وكأنها جولة حربية تقتضي كل فنون الدفاع والصبر والصمود.
كنت في وقت الانتظار قبل العلاج، اراقب الناس المنتظرين مثلي. البعض يعالج بالاشعة، والبعض بالسوائل الكيمياوية. غالبيتهم الساحقة كن من النساء. فمرض السرطان، هو مرض العزلة والمعانات الداخلية. نعم يقال ، انه مرض انثوي، تعاني منه النساء اكثر من الرجال. كم كان يحزنني مشهد تلك الفتاة الجميلة التي اراها تأتي مع امها وهي تحنو عليها وتعانقها بحرارة كما لو كانت تعانقيني انا. كنت اتعذب وانا ارى تلك الفتاة الساحرة كيف تشحب وتهرم وتفقد شعرها يوما بعد يوم مع استمر العلاج. لم تكن تنتبه لي رغم كل ابتساماتي التضامنية ورغبتي الحميمة ان اواسيها. لكن اشد ما كان يحزنني الى حد البكاء احيانا، مشهد تلك السيدة الجميلة المتكبرة التي رغم كل غرورها لم تنجح بأن تخفي عذابها وضعفها، وهي تأتي مصطحبة معها ابنها  الحلو الصغير الذي ينتظرها جالسا جنبي حائرا خائفا، بينما امه في الكابينة تتلقى علاجها من سرطان الثدي. لم تكن هي التي تحزنني، قدرما كان مشهد الطفل الوحيد الحزين الخائف الذي ينتظر امه.. آه، كم ذكرني بطفولتي انا.. لو تدرون كم صليت من اجل شفاء تلك الام. ليس من اجلها وحدها بل من اجل ابنها الذي كان انا!   
*   *   *
استمر علاجي بالاشعة خلال شهري تموز وآب، كنت خلالها ابحث بكل جهدي من اجل العثور على علاجات الطب البديل( الطب الصيني والهندي والاعشاب والطاقة.. الخ). منذ سنوات طوال وانا بطبعي اميل الى العلاجات البديلة، لكني لم اكن اشعر بالضرورة للتقيد بها. اما الآن وبعد ان اصبحت حالتي تتعلق مباشرة بالموت والحياة، صار العلاج البديل امرا هاما في تفكيري، بل قل هو الامر الاساسي، وخصوصا بعد صدمتي بخيبتي الكبرى من الاطباء الرسميين الذين كنت واثقا منهم تماما، لكنهم اثبتو بأنهم غير قادرين على التنبوء بحالتي وتنبيهي بالخطر الذي كان يحدق بصحتي منذ سنوات قبل ظهور لمرض.
تذكرت ما كنت قد سمعته مرارا: ان الطب الرسمي مفيد للعلاج المباشر للحالات الخطيرة، اما الطب البديل فهو مفيد للعلاج الوقائي الطويل المدى.
لهذا بدأت ابحث من حولي عن العلاج البديل، حتى وجدته. بعد ايام قليلة كنت في عيادة تلك السيدة المعالجة. كانت الفكرة الجوهرية في طريقة علاجها، تتحدد بالحوار مع بدن المريض من اجل ان يكشف هو نفسه عن مكامن علته. من مبادئ الطب البديل، الاعتقاد بأن عقل الانسان لا يكمن فقط في رأسه، بل في كل خلية من بدنه. وانه ليس هنالك فارق بين النفس والبدن، بل هما كلين متداخلين. ان النفس بالنسبة للبدن،  مثل الهواء الذائب في الماء. وان جميع الاعضاء قادرة على ان تدرك علتها وطبيعة العلاج المفيد لها، وما على الانسان، الا ان يتحرر من هيمنة العقل، لكي يتواصل مع جميع مكونات كيانه واعضاء بدنه، ويستمع الى شكواها ومطالبها، لكي يعرف امراضها وطرق علاجها. وان افضل الطرق واسهلها لاتصال الانسان بمكونات كيانه، هي (التأمل والصلاة والاستبصار)، أي الانقطاع  خلال وقت معين عن العالم الخارجي والعقل الدماغي، من خلال اغماض العين والاسترخاء وتركيز الذهن على الشهيق والزفير، مما يسهل الاتصال بالعقل الباطني والاستماع الى رسائله النصحية والانذارية التي يبعثها كصور واصوات.   
بقيت خلال اشهر طويلة اشعر فيها كأني اسير على عمود موضوع بين جبلين، وأي ارتباك وتردد مني سوف اسقط لا محالة في الهاوية المهلكة. ان اكثر الامور التي جعلتني اتمسك بالحياة هو حبي لأبني ولزوجتي، ولباقي الأحباب.
 لقد علمتني تلك السيدة المعالجة ان خلاصي الوحيد يكمن اولا في حفاظي على امل الشفاء وإرادة البقاء، وثانيا في الاصرار على تغيير نمط حياتي. فبقيت يوميا وفي كل ساعة اعود نفسي على التصالح مع حياتي ومع ماضي، وممارسة الرياضات الروحية والبدنية، وتجنب الخمرة والحشيش والسكاير وحياة العبث والسهر والخصام مع المحيط ومع السياسة. خلال عام تقريبا شفيت تماما، وبعد مرور كل هذه الاعوام يمكنني ان اقول الآن وبكل يقين ان المرض اصبح في خبر كان.
  لقد عرفت ان هذا المرض الخطير الذي عانيت منه، كان مثل أية أزمة خطيرة، يحمل رسالتين، اولاهما آنية مباشرة تتعلق بالحاضر، وهي الدعوة لتغيير نمط الحياة. اتذكر اني خلال سنوات التسعينات وقبل مرضي، كنت اصارع نفسي التي كانت تطالبني بتغيير نمط حياتي المتعبة لي ولعائلتي. لكن اطنان الاحزان المتراكمة في روحي وأخبار الوطن وهزائمه ومعانات اهالينا من الحصار والاذلال والدكتاتورية، كانت تدفعني الى الانتقام من نفسي بتعذيبها بحياة العبث والوجع والخصام مع الذات ومع المحيط. يقينا لولا المرض الذي اجبرني على التغيير، لكنت بقيت على نمط حياتي العابث المدمر حتى الجنون او الانتحار.
 اما الرسالة الثانية التي تجلبها أية أزمة خطيرة، فأنها تتعلق بالماضي، وهذا ما فعله معي مرضي، لكني لم انتبه اليها الا بعد فترة طويلة. اتذكر اني طيلة عمري، ومنذ طفولتي المبكرة، بقيت اعاني من(رعب الموت). لا ادري كيف اصبت بهذ الرعب وكيف تكون في نفسي.
(الموت) بالنسبة لي يعني(الفراق).. فراق الاحبة ومرابع الحياة. وانا والفراق خصمان من الصعب التصالح بينهما. بقي رعب الموت هذا يصاحبني في كل مراحل حياتي. حتى اني في طفولتي كنت ارهب ساعة النوم خشية ان يستغل (عزرائيل) ملاك الموت نومي ويقبض روحي فلا استيقض ابدا. حتى في سنوات الشباب الاول والكفاح السياسي، اتذكر اني اقنعت نفسي بضرورة الموت من اجل القضية، لكني مع هذا بقيت في اعماقي رافضا للموت، وقد وافقت عليه مرغما من اجل الكرامة والتحدي، لا اكثر.
  لكن المعجزة حدثت هنا بعد تعرضي لهذا المرض الخطير! في البداية تصاعد في روحي رعب الموت الى اقصى الحدود، واصبح شبحه يصاحبني في كل لحظة من يومي، بل حتى في نومي الذي صار مليئا بالكوابيس. لكن مع الزمن ومع استمراري بالتحسن كان هذا الرعب يتبدد مع تنامي الامل بالشفاء، حتى انتهى تماما خلال سنتين تقريبا. كأن طاقة الرعب التي ظلت فعالة في روحي منذ طفولتي، قد استنفذت كلها خلال مرضي. نعم ان مرضي الخطير، كان مفيدا لي بصورة فعالة، لأنه اجبرني على تغيير نمط حاضري، ثم خلصني من رعب ماضيَ.
*    *    *
اذا كما ترون يا اصدقائي، هذه هي حكاية صديقي(ن) مع حضرة السرطان. تركته براحته يسردها لكم. انت تتفقون معي انها تجربة ساخنة وغنية بمعانيها ودروسها.
بالحقيقة اني اصبت بالذهول حينما كشفها لي. كانت مفاجأة لم اتوقعها ابدا! كيف تمكن طيلة هذه الاعوام ان يخفي عني هذه الحقيقة القاسية؟ صحيح انا لا اقطن معه في نفس المدينة، ولكن كنا دائما نتزاور ونتحادث بالهاتف ولا نترك مسألة لم نتطرق لها.
حينما سألته لماذا فقط الآن وافق ان يكشف لي الحقيقة، اجابني بهذا التبرير الطريف:
   (( بالحقيقة آني اخفيت معاناتي عن كل معارفي، عدى زوجتي والمعالجين. حتى ابني الوحيد، لم اخبره بالحقيقة الا بعد ستة اعوام، أي منذ ايام!
نعم منذ ايام فقط تجرأت وكشفت الحقيقة لابني الذي بلغ توا عمر السبعة عشر عاما.
     لا ادري كيف حصل الامر. منذ ايام كنا انا وهو نتناول طعام الغداء، ونتحدث عن موضوع الامراض وخبايا النفس الانسانية، واذا بي فجأة اجد نفسي اكشف له السر الذي خبئته عنه خلال اكثر من ستة اعوام:
ـ ااااممم.. بالحقيـ.... يعني.. اعتقد يا عيني.. احب اقولك.. تتذكر مرض حنجرتي قبل سنوات.. كان بالحقيقة سرطان..!
 المسكين، جفل وتوقف عن الاكل. جمده الخبر الذي لم يتوقعه. وانا ايضا جفلت اكثر منه، لأني لم اتوقع ان اكشف هكذا بكل بساطة مثل هذه الحقيقة الخطيرة التي خبأتها عنه طيلة الاعوام الست الماضية!
 ليست خطورة المرض وحدها التي صدمت ابني وخصوصا وانه كان قد تابع جيدا معاناتي في حينها. كم قلق وخاف عندما ظل صوتي لعدة اشهر مبحوحا يكاد ينقطع، وانا انطق له بكلمات طمأنينة بالكاد تكون مسموعة:
ـ ما كو شي يا حبوبي.. بعد ايام وتنهتي البحة..
اما الآن ، فأن الذي ادهشه اكثر، اكتشافه بأني يمكن اقترف مثل هذه الاكذوبة الكبيرة. فنحن بيننا اشبه بالعهد الغير معلن، بأن نقول الحقيقة لبعضنا مهما كانت قاسية. لكن الذي خفف من وطأة الخطيئة تتمة جملتي الاخيرة:
ـ مثلما تعرف يا عيني، اكشف لك هذه الحقيقة، لأن المرض انتهى تماما، وصار جزء من الماضي، وبأمكاني كشفه من دون قلق.. 
ثم اضفت وهو لا زال يبلحق بي بعيونه السود الوسيعة ووجه الجميل الناطق بطيبة وبرائة ورثها عن امه:
ـ اعذرني يا حبوبي يا عيني.. طبعا ماما كانت تعرف.. لكني كنت مضطر اخفي عنك هذه المسألة.. واعترف لك بأني كنت ضعيفا.. كنت افكر بأنك صغير وما تتحمل مثل هذه الامور.. اعذرني..
قمت وقبلته من خده، وتعانقنا ضاحكين..))..
بعد صمت طويل، نظر الي صديقي ودموع راحة ومحبة في عينيه، وقال بصوت معتذر:
ـ بعد ان اخبرت ابني بالحقيقة.. ما بقى علي غير ان اخبرك انت..

48
الحزب الشيوعي العراقي
وازمته التاريخية المستعصية!

سليم مطر/ جنيف / آب 2007
salimmatar@bluewin.ch

منذ سنوات عديدة يتداول اعضاء الحزب الشيوعي الكلام عن كيفية تخليص حزبهم من ازمته التاريخية المستفحلة عاما بعد عام. الكثيرون منهم يأسوا من امكانية الاصلاح وفضلوا غسل ايديهم من المسؤولية وهجر الحزب. والبعض قبل بالامر الواقع بسبب تعلقه العاطفي بالحزب منذ سنوات الشباب وخوفا من الشعور بالضياع ومواجهة الحقيقة المرة. الغالبية من العارفين مقتنعون بأن وضع الحزب ميؤوسا منه، بسبب أصرار القيادة على رفض النقد والاصلاح، مثل المريض المستعصي الذي يستمر بالاستخفاف بنصائح الاطباء والبقاء على سلوكيته العبثية من سكر وتدخين وسهر وغذاء سيء، ويعتبر كل من ينصحه ساذج غبي ان لم يكن عدو لدود!؟
لكننا مع ذلك، بما يخصنا نحن الحريصون على وطننا، ندرك جيدا بأن الحالة الكارثية التي يمر بها شعبنا، ليس وحدهم الامريكان ولا القوى الخارجية مسؤولة عنها، بل مسببها الاول والاكبر جميع الاحزاب العراقية الاسلامية والقومية والليبرالية، وان خلاص شعبنا لا يمكن ان يتم الا باصلاح احزابنا.
لهذا فأن الأمل باصلاح الحزب الشيوعي جزء من الأمل باصلاح باقي الاحزاب العراقية، وخصوصا ان لهذا الحزب تاريخ طويل في الحياة السياسية والثقافية العراقية، وقد يكون فيه بقايا من روح لولادة جديدة؟!
 نحن المثقفون العراقيون نظل نكافح لنوصل صوتنا ونكشف الهفوات ونقدم المقترحات، ونعتبرها كما يقول العراقيون: (حجارة في الظلمة)..عسى ان تقع على رؤوس بعض القياديين من ابناء الحلال ويستفيدوا منها في كفاحهم لاصلاح احزابهم.
   اننا نأمل من اصدقائنا الشيوعيين ان يصبروا على نقدنا هذا، لأنه مهما كان قاسيا فهو لا يطأ  مستوى قسوة الازمة المتفاقمة والخسائر المتراكمة التي يعاني منها الحزب منذ سنوات طويلة. وليعرفوا باننا لا نبتغي الاساءة الى الحزب والتشهير به، بل على العكس، المساهمة المتواضعة بعملية الاصلاح مع باقي جهود المناضلين المخلصين في الحزب.

مقترحات الاصلاح والتجديد الجذري
هذه المقترحات لم نكونها جزافا أو من خلال التنظير التجريدي، بل من خلال متابعتنا منذ سنين طويلة لتطورات الحزب ونكساته المتراكمة وتراجعه الدائم. كذلك اغنتنا الحوارات مع اصدقائنا الشيوعيين الذين يتداولون هذه المقترحات، بعضهم صامت عليها، وبعضهم طرد من الحزب بسبب الدعوة اليها. هنا خلاصة بهذه المقترحات :

اولا، استقلالية الحزب وتخلصه الكامل من التبعية الدائمة للقوى العالمية والداخلية:
ان هذه المشكلة ليست خاصة بالحزب الشيوعي وحده، بل تعاني منها جميع الاحزاب العراقية بصورة تكاد ان تكون مطلقة. أي مراقب للحالة السياسية العراقية سوف يكتشف بكل سهولة، ان كل حركة سياسية عراقية تابعة لقوى خارجية. وكثير من الاحيان تبرر بشكل علني هذه التبعية بحجج اممية او قومية او اسلامية.
اما الحزب الشيوعي العراقي، فهو الحزب التبعي بامتياز وبصورة مكشوفة ومتطرفة ومرّضية والذي يحتاج إلى الإهتمام والتحليل ليس من قبل المحللين السياسيين بل النفسانيين كذلك.و يمكن تسميتها بـ(عقدة البحث عن الاب)..وقد تنوع هذا الاب للـ(الطفل الشيوعي اليتيم) حسب تنوع المراحل التاريخية. حيث ظل (الاب الخارجي الاكبر والثابت ) طيلة سنوات يتمثل بـ(الرفاق السوفييت). فالحزب طيلة تاريخه قد ربط قرارته الكبرى وحدد تحالفاته وسياسته ازاء باقي الاحزاب والحكومات العراقية حسب مصالح وقرارات موسكو.
يبدو ان روح التبعية الخارجية والحاجة النفسية للخضوع لأب دولي جبار قد صارت جزءا من روحية الحزب وعقلية قادته، بحيث انهم شعروا باليتم والفراغ بعد موت(الاب السوفيتي)، عام 1991، فسارع الحزب وقتها بزيارة بكين وطلبوا رعاية(الاب الصيني) الذي رفض ذلك. فما كان من الحزب الا ان اتجه الى (القوى الامبريالية) السابقة، وانتقلت قياداته التي كانت تعيش البحبوحة في موسكو وبراغ وصوفيا واليمن الجنوبي الى عواصم "الامبريالية الغربية" في السويد والمانيا وهولنده وانكلترا،  وراحوا يطرقون ابواب الفرنسيين والانكليز بحثا عن رعايتهم الابوية الحنونة، حتى اتاهم اخيرا الغيث من (واشنطن) (العاصمة السابقة للامبريالية العالمية ومصاصة دماء الشعوب ووو الخ..)!! فبعد احتلال العراق عام 2003، نظف الحزب نفسه من جعجعته الثورية السابقة وهجر الفودكا الروسية وتوقف عن الثمالة والتسكع في حانات الدول الاشتراكية التي اعلنت افلاسها وتحولت الى ديسكوات غربية عادية. حلق الحزب لحيته اللينينة وتبخر بعطور فرنسية ورتب هندامه وراح يذرف دموع الندامة بحضرة (بابا بوش) لكي يسمح له بدخول بيت الطاعة وليصبح ولدا حلوا ومطيعا وبنفس الحال نشطا في العملية السياسية ونظام المحاصصة الطائفية في العراق الجديد!
 لكن مشكلة التبعية هذه لدى الحزب الشيوعي لا تتوقف عند الحاجة لـ(اب عالمي)، بل هنالك ايضا ثمة حاجة دائمة لـ (أب داخلي)يكون قريبا يمنحه المال والحنان!
طيلة تاريخ الحزب، ظل هذا(الأب الداخلي) يتغير مع التغيرات المتلاحقة في العراق، وحسب تغيير موازين القوى: ابتداءا من الزعيم الاوحد عبد الكريم قاسم، ثم الملا مصطفى البرزاني، ثم نظام البعث وصدام حسين الذي اطلقوا عليه تحببا (كاسترو البعث). اما بعد خراب الجبهة الوطنية اواخر السبعينات، فأن الحزب ظل يتيما تائها يتخبط في متاهات السياسة بحثا عن ابيه العراقي المفقود، فتردد بين احمد الجلبي وأياد علاوي، حتى استقر في اواخر التسعينات وحتى يومنا هذا على  أب من نوع خاص، بشخصية واحدة ولكن برأسين وكرشين وأسمين مختلفين: الطلباني والبرزاني!!
وهكذا اصبح الحزب بتبعية كاملة لقوى سياسية قومية توسعية انفصالية تمتلك السلطة والمال. ولا يخفي الحزب حقيقة انه يقبض المال والمساعدات من قبل السلطات الحاكمة في شمال العراق بحجة رسمية ان له اعضاء في البرلمان الكردي!
ومن المعروف ان الحزب قد سبق وعانى من ازمة وفضيحة كبيرة في اواخر الثمانينات عندما تبين بصورة علنية ان ثلاثة ارباع قيادة الحزب من الاكراد، بما فيهم السيد عزيز محمد سكرتير عام الحزب. والجديد في الامر ليس كرديتهم، بل لأنهم اكراد قوميين متعصبين، إذ فجأة وبقدرة قادر كشفوا عن قناعهم القومي وتخلوا تماما عن عراقيتهم ولبسوا الشراويل والعمائم الكردية واعلنوا انفصالهم عن الحزب وتكوين حزبهم الشيوعي الكردستاني وانضموا بصورة رسمية الى بيت الطاعة البرزاني- الطلباني.!؟ والاكثر غرابة ان عملية التكريد شملت حتى القياديين الشيوعيين المحسوبين على العرب، مثل السيد فخري كريم(وهو فيلي بغدادي عراقي مستعرب ولا يعرف حتى اية لغة كردية!) وكان مسؤول قيادة الخارج وماسك خزانة الحزب وجهازه الثقافي والاعلامي، وأخيرا اكتشف كرديته(المصلحية) واصبح مستشارا للسيد الطلباني وجير الحزب للدعاية والتطبيل للقيادة القومية في اربيل. وهناك قيادي عربي آخر هو السيد كاظم حبيب، ابن مدينة كربلاء، الذي اكتشف ايضا فجأة اصوله الكردية(المصلحية)!! فتخلى عن تنضيره(الماركسي العروبي السابق) وكرس جل كتاباته في التنظير للسياسة القومية البرزانية!؟
للتوضيح نقول، وتشهد على هذا جميع كتاباتنا وكذلك مجلتنا (ميزوبوتاميا)، اننا لا نهتم ابدا ان تكون قيادة الحزب الفلاني وحتى الدولة العراقية كلها من الاكراد، بل حتى لو كانوا من عشيرة او بلدة واحدة. عسى ان تكون كل قيادات العراق دليمية او زيبارية او تلكيفية او بياتية او موسوية او مندائية.. المهم بالنسبة لنا هو ان يكونوا مؤمنين بصورة صادقة بالانتماء العراقي ويحملون برنامجا عراقيا. فهذا السيد الخميني( العلوي العربي، الهندي الكشميري)صار زعيما مقدسا للشعب الايراني. وهذا السيد ساركوزي( من ام يونانية واب هنغاري) انتخبه الشعب الفرنسي بأغلبية لأنه حمل لواء الدفاع عن الهوية الفرنسية.
 المشكلة ان تبعية الحزب الشيوعي المالية والسياسية للقيادات القومية الكردية لم تتوقف رغم انفصال القسم الكردي والعناصر المستكردة من الحزب، وتكوينهم للحزب الشيوعي الكردستاني، بصورة منافية تماما لكل ادعاءات الوحدة الوطنية !
وقد تجلت هذه التبعية ولا زالت مستمرة حتى الآن بتبني سياسة داعمة او على الاقل صامتة إزاء كل الطروحات والسياسات القومية التوسعية الكردية في شمال العراق، وخصوصا بالنسبة لقضية كركوك التي يراد فصلها عن العراق، والتي اضطرت الكثير من الشيوعيين العراقيين ان يختلفوا ويتخلوا عن حزبهم بسبب اصرار قيادتهم على التملق لتلك القوى القومية الكردية الانفصالية.
 ان هذه التبعية ايضا جعلت قيادة الحزب في السنوات الاخيرة تشارك بصورة مذلة وبوليسية وتطبق سياسة شيطانية لتحقيق سيطرة الحركة القومية الكردية على الشيوعيين العراقيين انفسهم! فمثلا، قامت قيادة الحزب منذ حوالي العامين باقناع الحكومة العراقية وبالتنسيق مع القيادات القومية الكردية باستصدار قانون لاقرار التقاعد للانصار الشيوعيين العراقيين الذين سبق وان قاتلوا ضد حكومة البعث اعوام الثمانينات والتسعينات من شمال العراق بجانب البيشمركة الكردية. والغريب أن هذا القانون يمنح الحق لحكومة اربيل بدفع رواتب المتقاعدين المرسلة من خزينة بغداد! بالإضافة الى منح قطع أراضى لهم في شمال العراق كانت تابعة للمسيحيين العراقيين الذين هجروها تحت ضغط سياسة التكريد المستمرة. وهذا يعني ارتباط المناضلين الشيوعيين المشتتين في انحاء العالم بصورة مباشرة بحكومة أربيل القومية الكردية! وهذا هو الحاصل فعلا حيث يستغرب المناضلون الشيوعيون عدم الطلب من الحكومة العراقية، مثل كل حكومات العالم، أن تدفع رواتبهم من مدن إقامتهم في وطنهم وكذلك من السفارات العراقية في الخارج. لماذا هذا القرار الغريب والمفتعل بإجبارهم على السفر الدائم الى أربيل للتذلل للموظفين وتقديم التنازلات وتقبل الاهانات، ناهيك عن سرقة أجزاء من رواتبهم!

ثانياـ التخلي عن التعصب الماركسي، والانفتاح الديمقراطي نحو الافكار الاشتراكية والانسانية المختلفة:
الغريب ان الكثير من الأحزاب الشيوعية في العالم وفي أوربا نفسها، أدركت سذاجة التمسك الوحداني بالنظرية الماركسية، ما دام نفس النظام الاشتراكي العالمي حامل لواء هذه النظرية قد انتهى. وقد اثبتت تجربة سبعين عاما فشل هذه النظرية وسذاجة طروحاتها المستقبلية، وان الادعاء بامكانية تحقيق (مجتمع شيوعي) أشبه بالادعاء بخلق الجنة المثالية على الأرض. فما الداعي اذن الى هذا التمسك التعصبي واللا واقعي بصفة(الشيوعية) وجعل الحزب يحمل اسمها!؟ اليس من الحكمة والواقعية والصدق مع الضمير حمل تسمية(اشتراكي)؟!
   ان هذا التحجر الفكري يحرم المناضلين اليساريين العراقيين من الانفتاح على الفكر الاشتراكي بكل تراثه الإنساني الممتد الى قرون عديدة والذي شاركت فيه جميع الشعوب فكريا وكفاحيا من اجل العدالة والمساوات المادية والكرامة والبحث الازلي من اجل خلق نظام إنساني عادل اقل ظلما واقل فروقا ولا تستحوذ فيه اقليه على ثروات الأغلبية.
إن الانغلاق والتقيد بالمذهب الماركسي وحده دون باقي الفكر الاشتراكي الواسع والغني جدا، أشبه بالاسلامي السلفي الذي يتقيد بمذهب معين حارما نفسه من هذا الكون لإسلامي الواسع ، من افكار وفلسفات وعقائد صوفية وشيعية ومعتزلية وعقلانية لا تحصى. كمن يغلق روحه على نهر صغير ويحرم نفسه من بحر هائل تصب فيه انهار لا تحصى.
  ان تحرر الحزب الشيوعي من التحجر الماركسي والانفتاح على الفكر الانساني الاشتراكي في العالم اجمع، سوف يحرر المناضلين اليساريين العراقيين من تلك الكليشات الالحادية والتبسيطية المحتقرة للدين، والتي تصر بسذاجة على اعتبار الكون خاضع لنظام الصدفة وان التاريخ لا تحركه غير المصالح الاقتصادية(الطبقية)!
   في العقود الأخيرة ظهرت في اوربا وعموم العالم افكار(ما بعد الحداثة) التي هي بجوهرها وبصورة مختصرة تعني رفض( التعصب الليبرالي والماركسي) الضيق، والانفتاح نحو جميع تيارات الفكر الانساني بما فيها الافكار الروحانية والبيئية والبدائلية التي تحاول ان تجد حلولا اكثر واقعية وانسانية وعملية لأزمة العالم المتفاقمة.  فهناك الاستحواذ المتنامي للطغم الرأسمالية على ثروات العالم، وعودة الامبريالية الى التوسع الإمبراطوري العسكري، وتلوث البيئة الذي اصبح خطره يفوق حتى مخاطر الفقر واللامساوات، بالإضافة الى استفحال العولمة الثقافية التي راحت تقضي على الخصوصيات الروحية والثقافية للشعوب بما فيها الشعوب الأوربية نفسها. كل هذا المشاكل الجديدة والمتراكمة بحاجة الى تحرر فكري وسعة افق انساني متفتح على كل الافكار بما فيها تلك الأفكار التي حكم عليها الماركسيون (السلفيون!) بالرجعية والتخلف!

ثالثاـ تبني الوطنية العراقية بصورة واضحة ورئيسية، وجعل الشعارات الطبقية وحقوق القوميات بخدمة الوحدة الوطنية ومفهوم الهوية العراقية.
ان من يتابع تاريخ الحزب الشيوعي العراقي طيلة اكثر من ستين عام، يلاحظ انه شغل نفسه تربويا وفكريا بقضيتين وحيدتين: القضية الكردية وكفاح الكادحين!! نعم هكذا تم اختصار قضايا شعب مثل الشعب العراقي بعمقه التاريخية العريق وغناه الاقوامي والديني والمذهبي وتنوعه المناطقي والحضري والعشائري، بهاتين القضيتين! وقد كشفت السنوات الاخيرة، عن مدى الجريمة الفكرية والسياسية التي ارتكبها الحزب الشيوعي وباقي النخب العراقية عندما ظلت طيلة تاريخ العراق الحديث مصرة بتعنت غير منطقي على تغييب أهم واكبر واعقد قضية عراقية، ألا وهي: (القضية الطائفية) والسكوت العجيب عن حرمان الشيعة من المشاركة العادلة بإدارة الوطن. 
ان الحزب الشيوعي العراقي يكاد ان يكون من الاحزاب القلائل في العالم التي تربي شعبها على الانقسام وتعلمه بأن الافتخار بالانتماء العراقي والدعوة للوحدة الوطنية هي نوعا من التعصب المنبوذ!؟ وقد اصبح مطلب(حق تقرير المصير) من المطالب الرئيسية التي ظل يحملها الحزب ويدفع بها الأقوام العراقية وبالذات الأكراد نحو الثورة والانفصال. بنفس الوقت كان يغض الطرف عن الاضطهاد الكبير الذي ظلت تعاني منه شعوب الاتحاد السوفيتي. ناهيك عن ان 80% من اوطان الارض تضم عدة اقوام واديان، بما فيها الدول الاشتراكية والدول الغربية مثل فرنسا وانكلترا والمانيا،ولا احد يطالبها بتطبيق حق تقرير المصير!
ان التناحر الطائفي ليس وليد السنوات الاخيرة وليست الاحزاب الدينية وحدها مسؤولة عنه، بل هو نتاج طبيعي جدا لحالة التغاضي التام والتدليس و"الطمطمة" التي مارستها جميع النخب العراقية طيلة القرن الماضي. اشبه بالذي اعتقد بكل سذاجة ان السكوت عن المرض يؤدي الى الشفاء منه!
ان تغييب الوطنية العراقية عن الحزب الشيوعي، لا يتمثل فقط بالشعارات والمواقف السياسية، بل ايضا بالتغييب التام للثقافة والتربية الوطنية بكل تفاصيلها ومعانيها. ان من يطلع على الاطنان الهائلة من ادبيات ومطبوعات الحزب الشيوعي لأكثر من سبعين عام، لا يجد الا النادر جدا لبعض النصوص التي تتحدث عن تاريخ العراق الاسلامي والمسيحيي القديم. بالاضافة الى التغييب التام لأي اهتمام بالتراث الشعبي وخصوصيات وميراثات الجماعات العراقية المختلفة، من عرب واكراد وتركمان وسريان وصابئة ويزيدية. ان العراق وتاريخه وميراثه وثقافته بالنسبة للحزب الشيوعي لا يتعدى التاريخ السياسي للعراق الحديث، وخصوصا ما يسميه بنضالات الطبقة العاملة، ومعها طبعا القضية الكردية!
لقد اشاع الشيوعيون العراقيون اكذوبة كبرى لا زال هناك من يرددها: انهم مثقفون!!
بينما الحقيقة انهم ساهموا بصورة فعالة جدا بمسخ الثقافة العراقية وتحويلها الى ثقافة سطحية تحتقر ميراثها الديني والشعبي والتاريخي وتقدس كل ما هو أجنبي بحجة انه تقدمي! وقد تمكنوا من خداع المواطن العراقي المسكين من خلال الفذلكة الكلامية والجعجعة بمصطلحات وعبارات واسماء غريبة وسطحية واجنبية وترديد المقولات المقدسة "لآية الله" كارل ماركس و"مفتي روسيا" العلامة لينين، من اجل ابهار السامع والايحاء له بأنهم( يفتهمون ومثقفين)! له كل الحق من يقول بان لغة صدام حسين الشهيرة بسطحيتها وتصنعها وفذلكتها ما هي الا محاولة بائسة لتقليد لغة الشيوعيين البائسة ايضا.
لقد ورط الحزب الشيوعي خيرة المثقفين العراقيين طيلة اجيال عديدة، بتنبني افكار وطروحات ومواضيع ليس لها أي علاقة بالواقع العراقي، وكلها تقليد سطحي وساذج للكتابات السوفيتية عن: (الطريق اللارأسمالي نحو لاشتراكية.. والشيوعية اعلى مراحل الاشتراكية.. وفكر الطبقة العاملة.. وانحراف البرجوازية الصغيرة..ودكتاتورية البروليتاريا.. المادية الديالكتيكية والتاريخية...) الخ .. الخ من الجعجعات المتفذلكة والسطحية الساذجة والتافهة التي صرفت عليها اطنان الصحف والكتب وضحى من اجلها الملايين من العراقيين بزهرة شبابهم بل وحتى عرضهم وعوائلهم وحياتهم، ليكتشفوا فيما بعد انها طروحات وشعارات وافكار كلها خاطئة وليس لها أي دخل، لا بالواقع الروسي ولا الاوربي  ولا العراقي، وان ما سمي بالأنظمة الاشتراكية التي قامت على هذه الافكار، كانت عبارة عن قصور من رمال ذرتها رياح الزمان!!!؟؟؟

من اجل حزب عراقي يساري جديد
ان الكثير من اعضاء الحزب الشيوعي الحاليين والسابقين، يرددون هذه المقترحات، علانية وهمسا، وهم مقتنعون بأن خلاص حزبهم وخلاص التيار اليساري العراقي، يكمن بتبني هذه المقترحات.
نعم لقد آن الأوان للتخلص من المقولات والافكار العتيقة والتحلي بروح الواقعية والابداع والانفتاح من اجل تكوين حزب يساري عراقي اصيل وجديد بأسم: الحزب الوطني الاشتراكي العراقي
ويتحلى هذا الحزب الجديد بالصفات التالية:
الوطنية العراقية، والاستقلالية الحزبية، والاشتراكية المتفتحة، والديمقراطية التعددية..
 نعم، ثمة فراغ كبير جدا في الساحة السياسية والفكرية العراقية، وخصوصا في قسمها الوطني الديمقراطي، وان قيام حزب يحمل مثل هذه الافكار والاهداف والشعارات الوطنية والواقعية سوف يجعله فعلا حزبا قياديا رائدا مؤهلا لقيادة شعبنا نحو السلام والوحدة والاستقرار والعدالة.

49
احياء الهوية الوطنية..الخلاص الوحيد امام العراقيين..
سليم مطر/ جنيف
salimmatar@bluewin.ch

ان الاعوام الاخيرة، والكوارث المتلاحقة التي لا زال يعاني منها وطننا، جعلت الغالبية الساحقة من العراقيين يدركون بصورة واقعية وعملية معنى ( الانتماء الى الهوية العراقية). ان هذا المبدأ، لم يعد نوعا من البطر الاستثقافي الذي تتغنى به اقلية من الحالمين الذين لا يعترفون بالواقع. بل صار الامر على العكس تماما: ان الرافضين لمبدأ الهوية الوطنية، هم اهل البطر والخيال الذين يريدون بناء امبراطوريات قومية واسلامية واممية كبرى، بالوقت الذي فيه هم عاجزون عن توحيد وطننا وانقاذ شعبنا من الفرقة والاحتراب!
     صار واضحا للناس، ان الدعوة للهوية الوطنية العراقية، هي بكل بساطة دعوة الى الواقعية واحترام امكانياتنا نحن ابناء هذا الوطن الذي اسمه عراق، لكي نتدبر حالنا ونشترك بادراة بلادنا بصورة عادلة وعقلانية، من دون أي تعصب واستحواذ طائفي وقومي وحزبي. أي بكل بساطة ان نطبق ذلك المثل العراقي المعروف: (مد رجليك على قد غطاك..)، ان نمد ارجلنا ونصوغ شعارتنا على قد بيتنا العراقي، ونترك تلك المشاريع الطوباوية عن( الوحدة العربية من المحيط  الهادر الى الخليج الثائر) وعن( كردستان الكبرى من الخليج الى البحر) وعن(الخلافة الاسلامية من الهند الى البلقان والاسبان).. وهكذا دواليك..
ان المشكلة الكبرى التي تعاني منها الوطنية العراقية، هو ذلك المرض العضال الذي اسمه(التعصب القومي والطائفي)، المنتشر في الطرفين الاساسين المتحكمين في الوضع العراقي: الدولة والاحزاب!!                                     
الاحزاب ودورها في دولة المحاصصة
 ان الدولة العراقية الحديثة، منذ تأسيسها عام 1921،ظلت تعاني من سوء التقسيم الطائفي والقومي(سيطرة عروبية سنية)، وإن بصورة غير معلنة، رغم ان الوقائع والارقام تؤكد هذا المرض الذي كان السبب الاول في كل الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي سادت تاريخنا الحديث. وزاد الطين بلة، عندما لجأت الدولة العراقية بعد الاحتلال الامريكي، الى نظام (المحاصصة القومية الطائفية) بحجة التخلص من الظلم الطائفي والقومي السابق!
    من الخطأ اعتبار نظام المحاصصة الطائفية والقومية، هو قرار امريكي فرضه(بريمر)، بل هو وليد طبيعي وشرعي لتلك الثقافة القومية والطائفية السائدة لدى جميع الاحزاب العراقية ومنذ سنوات طويلة. جميع الاحزاب، الصغيرة والكبيرة، هي اما قومية(عروبية وكردوية وتركمانوية وآشورية.. الخ)، او دينية طائفية، شيعية سنية.. وهي جميعها لها طمومحات ومشاريع امبراطورية قومية ودينية تمتد خارج حدود العراق وتشمل دول شرق اوسطية او عربية اوسلامية عديدة. اما الحزب الشيوعي الذي كان مهيمنا على الحياة الثقافية العراقية طيلة اجيال، فأن الوطنية العراقية بالنسبة له، ظلت ضبابية وثانوية مقارنة بأهمية الانتماء الطبقي والارتباط الاممي بباقي الاحزاب والدول الشيوعية.
 هكذا اذن، ان المبالغة بالدعوات الامبراطورية الخارجية بأسم القومية والدين والاممية، ادت الى عكسها تماما: حالة الانكماش والانعزال الداخلي على الذات الطائفية والقومية والحزبية. ومن ابشع مظاهر هذا الانكماش هو نظام المحاصصة الطائفية والقومية. حتى الحزب الشيوعي، وافق على الدخول في البرلمان حسب نظام المحاصصة!
لهذا، ان خلاص بلادنا من (داء المحاصصة) الذي استشرى مثل السرطان في كل اجزاء الجسم العراقي، يتطلب العلاج الجذري للطرفين الفاعلين في هذه المعادلة: الدولة والاحزاب:                                         
 اولا، نعم للمحاصصة المناطقية.. وكلا للمحاصصة القومية الطائفية
ان المدافعين عن نظام المحاصصة الحالي، يطرحون حجة تبدو مقنعة وقوية:
ـ اذا لم نراعي نظام المحاصصة هذا، هنالك خطورة ان غالبية طائفية او قومية معينة هي التي تسيطر على مقاليد الامور، كما كان يحصل دائما في تاريخ العراق الحديث!
نعم هذ حجة تبدو معقولة.. لكن هنالك حل واقعي وعقلاني معمول به تقريبا في جميع الدول الديمقراطية، حتى في الانظمة الفدرالية. فمثلا، رغم انه في امريكا، ثمة تنوع طائفي(كاثوليك وبروتستان)، وديني(مسيح ومسلمين ويهود وغيرهم)  وقومي(انكلوساكسون وايرلند وايطاليين ولاتينيين، وغيرهم) وعرقي( بيض وسود وهنود حمر)..الخ.. لكن لم يفكر احدا ابدا، ان يتم العمل بالمحاصصة حسب هذه التقسيمات الاجتماعية العديدة، بل تم الاعتماد على التقسيمات الادارية. أي حسب الانتماء للولايات وتوابعها. فقد يمثل نيويورك شخص اسود بروتستان، او كاثوليكي لا تيني، وقد يمثل واشنطن شخص يهودي او مسلم.. الخ. نفس الحال في المانيا المنقسمة بين كاثوليك وبروتستان، ثم اضيف اليهم اخيرا المسلمين. كذلك فرنسا، اللتي تحتوي على قوميات عديد، بروتون والزاس وباسك وكورس واكسوتان، بالاضافة الى المسلمين.
   إذن  يحق لنا نحن ابناء العراق ان نقول:
   نعم للمحاصصة، ولكن على اساس الانتماء للتقسيمات الادارية المعمول بها في الوطن. يعني ان يتم اختيار الوزراء والبرلمانيين وكوادر الدولة، حسب الانتماء للمحافظات العراقية. مثلا، قد يخرج من محافظة اربيل اشخاص منهم الكردي والتركماني  والسرياني من ابناء المحافظة ليمثلوها في الحكومة وفي البرلمان. ونفس الحال، قد يخرج من محافظة البصرة اشخاص منهم الفيلي والسني والصابئي.. وهكذا دواليك جميع محافظات العراق..
وهذا سوف يؤدي، اننا عندما نتحدث عن الكادر الفلاني، لا نقول انه سني او شيعي او كردي او تركماني ، او سرياني، بل نقول انه من المحافظة الفلانية.
ثانيا، تبني الاحزاب العراقية لمفهوم الهوية الوطنية
قد يبدو للوهلة الاولى هذا المقترح صعبا او ربما مستحيلا. فكيف يمكنك ان تفرض على احزاب مختلفة الآيدلوجيات والاتجاهات، ان تتبنى فكرة واحدة؟!
لكننا نجيب، ان الامر على العكس تماما. ان الغريب والعجيب واللامنطقي هو السائد حاليا بين احزابنا. فنظرة بسيطة لغالبية بلدان المعمورة، تجد أن مبدأ (الاقرار بالهوية الوطنية) هو مبدأ طبيعي وعادي وتلقائي وسائد بصورة لا تقبل الجدل، مهما اختلفت آيدلوجيات الاحزاب. فكيف يمكن لحزب سياسي ان يحصل على شرعية العمل العلني والمشاركة في البرلمان وهو في آيدلوجيته وثقافته الحزبية  لا يقر دستور بلاده، ولا يعترف بحدودها، ويعتبر دولته وحدود وطنه حالة وقتية ومناقضة لطموحه ببناء دولة دينية او قومية على انقاض بلاده الحالية؟؟!!!
كيف لحزب ان يحصل على الشرعية، بل ان يقود السلطة في بلد، وهو بنفس الوقت لا يحمل حتى اسم بلاده، ولا يعترف بعلمها، بل يطالب بالانفصال عنها وتقسيمها؟؟؟!!!
نعم ان الغريب والعجيب واللامنطقي هو السائد حاليا بين احزابنا ودولتنا. وان مطلب الاقرار بالهوية الوطنية هو مطلب اولي وطبيعي وشرعي تقره كل الشرائع الدولية والضمير الوطني والانساني.
  ان الفترة الحالية تشهد تنامي حالة اقتناع غالبية العراقيين، بأن الحل الوحيد امام شعبنا هو بالتمسك بـ(الهوية العراقية) كخلاص وحيد بوجه الدمار الوحشي الذي اثارته (ثقافة الفرقة والتعصب) وتقديس الهويات المتناحرة، القومية والطائفية.  ان المثقفين العراقيين خصوصا ومعهم كل الخيرين من ابناء الامة العراقية مطالبين بأن يمارسوا الضغط بكل الوسائل الثقافية، كتابات وحوارات ورسائل، على جميع الاحزاب  الفاعلة، الحكومية والمعارضة، لكي تتبنى مفهوم(الهوية العراقية)، مع حفاظها على خصوصيتها الدينية والقومية:
ـ لتتحول الاحزاب الدينية الشيعية والسنية، الى احزاب(اسلامية عراقية) بعقيدة اسلامية وطنية وانسانية خالية من الصبغة الطائفية المقيتة. احزاب تحمل اسم العراق وتنتمي الى الاسلام العراقي، اسلام جعفر الصادق وابي حنيفة والمعتزلة واخوان الصفا والكندي والجاحظ  وعبد القادر الكيلاني وجميع عضماء الاسلام العراقي، وان تفتختر بتاريخ العراق بكل مراحله، دون أي لبس وغموض. احزاب تمثل كل القوميات المسلمة العراقية، عرب واكراد وتركمان وفيلية وشبك وكاكائية، وترفض بصورة علنية التبعية الفكرية والسياسية لأي دول اسلامية.
ـ لتتحول الاحزاب القومية العروبية والكردية والتركمانية والآشورية وغيرها، الى احزاب وطنية عراقية وتتخلص من تلك المشاريع الامبراطورية الساذجة والغير عملية، عن الوطن العربي الاكبر، وكردستان الكبرى، وتركيا الوطن الام، وآشورستان، وغيرها من الطروحات القومية التوسعية المنافية للهوية العراقية والرافضة لحدود العراق الحالية..
ـ لتستثمر الاحزاب الوطنية واليسارية العراقية، مثل حركة الوفاق والحزب الشيوعي، ومنظمات اليسار العراقي، هذه الفرصة التاريخية اللتي مل فيها العراقيون من كل الدعوات التقسيمية القومية والطائفية، من اجل الاعلان الصريح والصادق عن تبني مفهوم(الهوية العراقية) وتتصدر المرحلة التاريخية القادمة التي ستشهد (احياء الامة العراقية) بثقافة وطنية انسانية تعددية وسلمية.
     ان مآسات السنوات الاخيرة اقنعت غالبية العراقيين ان مفهوم (الهوية الوطنية) و(الامة العراقية) هو الحل المعقول والعملي القادر على لم شمل جميع الفئات العراقية مهما اختلفت قوميا ودينيا ومذهبيا، مع التأكيد على ان هذه (الهوية الوطنية) ليست تعسفية وقسرية والغائية للهويات الفرعية. يعني يمكن للعراقي ان يعتز اولا بعراقيته وانتمائه المشترك الى جميع فئات الوطن المختلفة، بنفس الوقت يمكنه ايضا ان يعتز بهويته الفرعية الدينية والمذهبية والقومية والمناطقية وحتى العشائرية، بصورة انسانية ووطنية تقوم على المحبة والتضامن مع باقي فئات الوطن.

50
مام جلال والنخب الكردية العراقية،والفرصة التاريخة التي لن تعوض!

سليم مطر/ جنيف
salimmatar@bluewin.ch

منذ زمن طويل، كتبنا وراهنا على بروز تيار وطني عراقي بين النخب الكردية العراقية. لم يصدقنا احد، واعتبرونا من الحالمين، لأن الظاهر ان اكراد العراق، حتى الشيوعيين والاسلاميين منهم، منجرفين تماما في التيار القومي الانفصالي ومشروع كردستان الكبرى. لكننا كنا ننظر الى البعيد، ابعد من موجات الثمالة العابرة التي تمر بها كل المجتمعات، فتأخذها نشوة الاحلام البعيدة المناقضة للواقع الفعلي. كنا نعرف ان اكراد العراق، مثل عرب العراق، وتركمانييه وسريانيه، وجميع فئاته، مهما جرفتهم الآيدلوجيات القومية الفئوية العنصرية الانعزالية، الا ان واقع الانتماء العراقي الفعلي وتاريخ الاخوة بين العراقيين وعيشهم المشترك عبر آلاف السنين، اقوى بكثير من تلك الموجات العابرة والآيدلوجيات الطائرة..
نعم اننا كنا ولا زلنا نؤمن ان الضمير الكردي يبقا ضميرا عراقيا مهما غطاه غبار المعارك والدكتاتوريات وآثار الانفالات والحلبجات.. وانه لا بد ان يأتي اليوم الذي يتشكل فيه ببطئ ولكن بعمق وقوة ذالك التيار الكردي الذي يعتز بالانتماء العراقي قدرما يعتز بانتمائه الكردي، ويعتبر بغداد عاصمته اكثر من اربيل، وينظر الى كركوك كمدينة لكل العراقيين خارج الاحلام الامبراطورية العروبية والكردوية.
هذا التيار الوطني، بدأت معالمه تظهر اولا في الشارع الكردي، ومن ابرز مظاهره، عندما تحمس آلاف الاكراد في بيوت وشوارع ومقاهي المدن الكردية لصالح الشابة العراقية(شذى حسون) وصفقوا لانتصارها بكل فرح كأنها كردية مثلهم. وتجلى هذا الانتماء العراقي ايضا في مئات الحالات لمثقفين اكراد، يساريين وديمقراطيين، يكتبون ويبدعون عبر الانتماء العراقي دون أي شعور بالتناقض مع انتماءهم الكردي.
وحسب تقدير بعض المثقفين والسياسيين العراقيين القريبين من الاطراف الكردية، رغم اننا قد نختلف معهم في تفاؤلهم السريع، ان هذا الميل الوطني العراقي راح يتجلى بكل وضوح يوما بعد يوم، لدى السيد جلال الطلباني(مام جلال)، والعديد من قيادات ونخب (الاتحاد الوطني الكردستاني). عبر الكثير من التصريحات والطروحات والمبادرات والسلوكيات، وهذا ليس مستغرب، لان قيادة السلطة ليس مثل معارضتها. ولأنهم اكتشفوا ان الانتماء الى العراق ودولة العراق، فيه من المكاسب والمنافع المادية والانسانية يفوق الانتماء لكردستان جزءه الاصغر. رغم اختلافنا ومعارضتنا للكثير من سياسات السيد الطلباني وتلك النخب القومية الكردية، الا ان وطنيتنا العراقية تفرض علينا رصد واحترام وتشجيع أي ميل وطني عراقي يساعد بلادنا على التخلص من تشرذمها الطائفي والقومي.
ولهذا، تحملنا ولا زلنا نتحمل معانات تلك الحرب الشعواء التي تشنها ضدنا الاجهزة الاعلامية القومية الكردية المتعصبة. ونحن نفخر بأننا، رغم كل شيء بقينا مصرين على التفريق بين اخوتنا اكراد العراق وتلك الجماعات البوليسية التي تدعي القومية. منذ اواسط التسعينات، كتبنا ليكون الاكراد في قيادات الدولة العراقية، لأن هذا من حقهم، ولأن هذا هو الذين يشعرهم بالانتماء الحقيقي للعراق. وهذه حالة مشروعة وانسانية تنتبه لها جميع دول العالم العاقلة، باشراك مختلف فئات الامة بقيادات الدولة من اجل تعزيز شعور نخبها بالارتباط بهذه الدولة.
لهذا، ربما يحق للكثير من الوطنيين العراقيين ان يعولوا على (مام جلال)، وان لا تعتبر آمالهم هذه ساذجة وسطحية، بل هي ايمان فعلي عقلاني وحسابي وصريح ومبرر، يعتمد على الفكرة التالية:
أن القيادات الكردية، منذ قيام الدولة العراقية الاولى عام 1921، لعبت ادوارا تخريبية تقسيمية للدولة وللوطن العراقي، والتقصير لا يتحملوه هم وحدهم، بل خصوصا بسبب غباء وقومجية النخب الحاكمة العراقية، التي لم تهتم بأن تشعر وتضمن للاكراد عراقيتهم، بل عاملتهم دائما كقومية مشكوك بها، مثلما عاملت غالبية الفئات العراقية الاخرى، كفئات مشكوك بها..
اذا من المعقول ايضا، ان تتمكن هذه القيادات الكردية، مثلما لعبت ادورا سلبية تقسيمية، ان تلعب ايضا ادوارا ايجابية توحيدية في الدولة والوطن العراقي، في حالة انها اقتنعت بأن وحدة العراق وقوته وعزته، لا تؤدي الى قمع الاكراد وسلبهم حقوقهم، بل الى العكس، الى تعزيز مكاسب اكراد العراق، ماديا ومعنويا. وهذا يتطلب اتخاذ كل جانب من المعادلة موقفا ايجابيا ازاء الآخر:
ـ اولا، ان تقوم النخب العراقية، الحاكمة والفاعلة، السياسية والدينية والمثقفة، بنبذ كل الطروحات القومية والطائفية التي تعزل العراقيين عن بعضهم البعض، وان يتم التمسك بمفهوم الهوية العراقية والايمان الحقيقي والتفصيلي بانتماء جميع فئات وقوميات وطوائف العراق، الى خيمة عراقية واحدة، اسمها (الامة العراقية).. وان قيادات الدولة العراقية، يجب ان تكون مفتوحة يحق لابناء جميع الفئات المشاركة الفعالة بأدارتها.
ـ ثانيا، ان تبادر النخب الكردية العراقية، الى نبذ الطروحات القومية الانفصالية الانعزالية الامبراطورية، وتتحلى بالواقعية من خلال التمسك الحقيقي بالوطنية العراقية والانتماء الفعلي والضميري لمفهوم الامة العراقية الجامعة لكل طوائف وقوميات العراق. ويعول كثيرا في هذا السياق، على اليسار الكردي العراقي، ومعه الفرع الكردي للحزب الشيوعي العراقي.
خلاصة الكلام، ان هولاء الوطنيين العراقيين، اكراد وعرب وتركمان وسريان وغيرهم، يخاطبون مام جلال، واخوتهم في قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني، وجميع النخب الكردية، يسارية وقومية واسلامية:
(( آن الاوان يا اخوتنا، ان تستغلوا هذه الفرصة التاريخية وحاجة جميع العراقيين الى السلام والوحدة، ولكونكم الآن في موقع القوي المؤثر المباشر في الوضع العراقي، ان تبادروا، انتم ابناء جبال العراق، بلعب دوركم التاريخي الحقيقي، بقيادتنا نحن ابناء سهول العراق، نحو الوحدة الوطنية وبناء دولتنا العراقية القوية المستقرة.
نعم انتم اهل الجبال، يشهد لكم التاريخ، قدرتكم الطبيعية بقيادة اهل السهول، في حالة تخليكم عن عزلتكم الجبلية وانفتاحكم على باقي اخوتكم في الوطن.. فتعالوا، لننتمي معا الى هوية وطنية واحدة، ولنبني خيمتنا العراقية.
هذه هي فرصتكم التاريخية، يا مام جلال ويا اخوتنا في الاتحاد الوطني الكردستاني، ان تعلنوا تبنيكم للوطنية العراقية ورغبتكم بقيادة العراقيين، من خلال تحويل حزبكم(الاتحاد الوطني الكردستاني) الى(الاتحاد الوطني العراقي) ليكون حزبا وطنيا عراقيا مفتوحا لجميع العراقيين. وسوف تكونوا انتم شخصيا، كقيادات وكنخب، اول الرابحين، لا نكم ستربحون العراق كله، بسهوله وجباله واهواره وصحاريه.. بدلا من جزءه الجبلي المحدود..))..
ونرجو ان لا يعتبر هذا الكلام هذا، لا نوعا من الخيال الساذج، ولا نوعا من المجاملة النفعية، بل كلاما عقلانيا واقعيا نابعا من ضمير وطني صادق باحث عن مصلحة جميع العراقيين، عرب واكراد وتركمان وسريان ويزيدية وصابئة وشبك..   

51
مقطع من سيرة عراقية*:
هنا ترقد الشاكرية.. بلادنا العابرة..

سليم مطر/ جنيف
salimmatar@bluewin.ch

يا اصدقائي لعلكم تتفقون معي، بأن بلاد الانسان الاولى هي مرابع طفولته، لأن وعي الطفل لا يدرك من الوجود غير ما يراه بعينيه ويعيشه في حياته اليومية، فبلاده بالنسبة له، لا تتعدى حارته او قريته.
   انا، كانت(الشاكرية) هي بلادي الاولى، اذ ولدت وعشت فيها حتى سن السابعة. هي مدينة فقيرة نبتت مثل الفطر، في اواسط القرن الماضي، عند اطراف حي بغدادي غني ومعروف اسمه(كرادة مريم). آلاف العوائل نزحت من الجنوب، وبالذات من ريف العمارة، وبنت بيوتها على عجل من طين وتبن وسعف وبواري(حصر قصبية). 
لعل ذكرياتي الاولى عن الشاكرية تعود الى سن الرابعة(1960). كنا نحن زمرة الاطفال الحفاة، في طريقنا الى ضفاف دجلة(الشط)، نضطر الى إجتياز منطقة (كرادة مريم) المحاذية، بوجل وعجل، كما يجتاز الكبار حدود البلدان الاجنبية. كنا نشعر بأننا نجتاز بلاد اخرى، بقصورها الفارهة وكنيسة الارمن الكبيرة الخلابة وسياراتها النظيفة، ورجالها مدنية تقدمية افندية بثياب عصرية، ونسائها سافرات انيقات بيضاوات حمروات صفراوات مثل حوريات الجنة. يختلفون عن أهالينا الشرگاوية(من جنوب شرق العراق) التعبانين، وآبائنا المعـگلين (لابسي العقال) المتخلفين،وامهاتنا اللواتي مهما كن جميلات او بيضاوات فأنهن يبدون بعيوننا ملحات كالحات شاحبات لأنهن مبقعات بحزن وفقر وسواد. وعندما سألت اخي الاكبر(قيس) عن سر البشرة الرقيقة البيضاء اللتي يتميز بها هؤلاء المدنية، قال لأنهم يغسلون يوميا بالحليب. فعاهدت نفسي، عندما اكبر وتصير عندي فلوس، سأغسل يوميا بالحليب. وكم اصبت بالخيبة عندما بلغت اوربا فوجدت الناس، على العكس، يدفعون الفلوس لكي تكتسب بشرتهم الاسمرار بأشعة شمس طبيعية  وصناعية!
كنا نحن اطفال(الشاكرية) نقتنص فترات الظهيرة حين يهجع ابناء (كرادة مريم) الى قصورهم، لكي نجتاز بلادهم بسرية وخوف ونحن حفاة راكضين، بحثا عن ضفاف دجلة. نجتمع تحت (جسر الجمهورية) في المكان التي تحول فيما بعد الى وزارة التخطيط، ونطلق الصرخات لكي يرجع لنا صداها، ونقذف طيور الماء بالحجارة، وننتسلق اعمدة الاسس العملاقة، ونبحث في المزابل عن لقي نادرة تخلى عنها الاغنياء سهوا، فنعثر على دگم(ازرار) مذهبة تضعها امهاتنا في ثيابنا المرقعة، وادوية طيبة المذاق نشربها ونأكلها كقطع حلوى، وجنين طفل نغل(لقيط) بعناه بخمسين فلسا لساحرة عوراء تصنع منه تعاويذ اخصاب لعذارى في ليلة عرسهن.
كنت عموما منسجما مع حياتي في ( الشاكرية) بلادي الصغيرة. كنا جميعا نتشابه في حياتنا، ولم اشعر بأني انا وعائلتي كنا بائسين، لأني كنت اشاهد الجميع يعيشون نفس البؤس، ولهذا لم اعرف انه كان بؤسا. كنا جميعا نسكن في بيوت من طين يصنعها اهلنا أمامنا من نفس الارض التي نسكن عليها، وقد شاركت ابي بضعة مرات في اعداد خميرة الطين والتبن من اجل تعمير حوشنا(بيتنا) وتصليحه. كان حوشنا يتكون من حجرتين، واحدة تقوم بمهمة مخزن اغراض ومطبخ وحمام ومنام اختي الكبيرة ليلى وحبوبتي (جدتي)روبية حينما تزورنا بعد تجوالها على بناتها الثلاثة عماتي الشهيرات (نوعية وصبرية ومكية). اما الحجرة الثانية فكانت لحياتنا كلها ليلا ونهارا، نعيش فيها وننام جميعا، امي وابي على ﭼربايا(سرير) في طرف الحجرة، ونحن الاخوة الخمسة ننام لى الارض فوق بساط واحد وغطاء واحد.
نحن اطفال الشاكرية كنا جميعا نحمل في ابداننا النحيفة اكوام من امراض العالم الثالث: البلهارزيا والملاريا والتيفوئيد، وامراض عابرة تحل فينا وترحل عنا دون ان ندري بها. اصابتني جميع هذه الامراض، واجتزتها بنجاح باهر. وعندما كان يستعصي شفاءنا، تأخذنا أمهاتنا الى(الامام الكاظم) لكي يلف السيد على معاصمنا علگ (خيط )اخضر من راية الامام الحسين، لكي يحمينا ويشفينا.
وكان عزرائيل ملاك الموت يأتينا ضيفا عاديا بين حين وآخر، فكانت امهاتنا ينجبن الاطفال في كل عام مثل البزازين(القطط)، ومثل البزازين ايضا كان يموت الكثير منهم. امي انجبت (13) طفلا، مات منهم خمسة، عدى الكثيرين الذين اسقطوا قبل الاكتمال، وبقينا نحن الثمانية: ليلى وقيس وراضي وانا الاصغر حينذاك، قبل ان يأتي فيما بعد اخوتي الاربعة، احلام وطارق وليث ثم بعد سنوات طويلة وقد تجاوز عمر ابي السبعين اتانا بزر الگعدة(آخر العنقود) اخي قائد. وقد شاهدت بعيني لاول مرة في حياتي وانا في سن الخامسة موت اختي الرضيعة(انعام) الجميلة التي كنت الاعبها بمحبة بديلا عن دمية لم احصل عليها. قد يكون (قلق الموت) الذي رافقني طيلة حياتي، قد بدأ عندما شاهدت امي تمرغ نفسها في التراب وتطلق نحيبها الذي يفطر القلب واختي ليلى تحتضن انعام. ثم مشهد ابي يبكي وهو يحمل الرضيعة مكفنة بين يديه محاطا بأبناء الحارة وعويل امي واختي، ليدفنها بعد سكة القطار في(مقبرة مريم) عند الجتة (مزرعة الجت). حتى الآن وانا في جنيف يخيل لي احيانا رؤية ملامحها الرقيقة الطيبة في وجوه بعض الصغيرات.
وعندما كنا ننجو من تلك الامراض، كان ملاك الموت يجذبنا الى اماكن عديدة كثيرة لكي يقبض ارواحنا: مستنقعات المياه الآسن التي كنا نسبح بها مع الكلاب والجواميس، والشاحنات والقطارات المارقة، كذلك في نهر دجلة القريب. حتى الآن وسوف تظل الى الابد صورة(ام فلاح) تلك الام الجنوبية ذات العيون الزرق وهي تعول وتبكي بحثا عن جثة ابنها(صلاح) الذي ابتلعه النهر. صديقي (صلاح) ذلك الطفل الابيضاني الجميل. كنا في الصباح قد تسللنا خفية بعيدا عن عيون امهاتنا الى الشط. نبحث عما يجلبه لنا النهر من حاجات طافية. فجأة انتبهنا الى صلاح وهو يستغيث بنا، ولا احد يعرف كيف انزلق في النهر. كنا مندهشين متجمدين لا نعرف ماذا نفعل، ونحن نشاهدالخوارة (دوامة الماء) تبتلع صديقنا صلاح. بقينا نبكي ونستغيث بالله والناس حتى غاب عنا صلاح الى الابد. بقيت(ام فلاح) تجول هائمة عند ضفاف النهر لايام وايام تنادي ولدها المفقود، حتى تمكن غواص من العثور على جثته في زاوية من النهر. 
     كان آباءنا يذهبون صباحا الى اعمالهم، شرطة وفراشون ومنظفون وبنائون، كذلك عسكر يموتون في حروب تحدث في اماكن مجهولة بعيدة. وكنت اسمعهم احيانا حينما تأتي جثة عسكري قتيل، يرددون اهزوجة شائعة: طرگاعة لفت برزان، بيس بأهل العمارة.( مصيبة تقع على برزان، قسى على اهل العمارة). وكان من الطبيعي جدا ان يتقاتل آبائنا فيما بينهم، فنسمع كل ليلة اطلاقات نارية، قد تكون لطرد اللصوص او لاغتيال شخص ما.
      رغم المحبة والتعاطف والتعاضد بين الناس، هنالك ايضا خوف وحذر. فأول شيء تعلمته مما يسمى بـ(النضال السري)، عندما اخبرني اهلي بأن اخفي سر انتمائنا الى عشيرة(الحلاف)، لأن في ذلك خطر علينا. فعشيرتنا المنتشرة في جنوب العراق، هي مثل كل عشائر الوطن لها ثارات معروفة ومجهولة. ففي الشاكرية، كثيرا ما كان يحدث ان يتم اغتيال شخص ما لمجرد انتمائه للعشيرة الفلانية، لأن احد ابناء عشيرته قد ارتكب جريمة ضد احد ابناء عشيرة اخرى تقطن في الجنوب.
نحن اطفال الشاكرية، كنا جميعا نجتمع مع امهاتنا عند حنفية الماء الوحيدة التي تتغذى على مائها مئات العوائل. نغسل الابدان والثياب والاواني قرب الحنفية. وكنا ايضا جميعا نجتمع عند سكة حديد خط البصرة، لكي نلوح بأيادينا الى ركاب القطارات المارقة، ونضع قطعة الفلس الاحمر على السكة، لكي تتمدد وتكبر بعد مرور القطار عليها. ونتبادل الاتصالات عبر بوريات(انابيب)النفط العملاقة التي يعادل قطرها حجم طفل، والممتدة على طول السكة. وحينما كنا نمل، كنا نضع التبن والبيض على السكة آملين ان ينزلق القطار. لكن القطار كان ابدا لا ينزلق، ونحن لا نفقد الامل، فكنا نعود لسرقة البيض والتبن لنضعه على السكة، وحينما يمرق القطار نغمض عيوننا واكفنا على قلوبنا الهلعة وننطوي على ابداننا المقشعرة من خوف وترقب ونطلق صرخات نشوة جنونية تمتزج بهدير وصرير القطار المارق، ونحن ندعوا الله ان ينقذه هذه المرة ايضا، فنفرح عندما نكتشف انه قد استجاب لدعواتنا. 
    نعم يا اصدقائي، الشاكرية جذوري وطفولتي وبلادي الاولى، وكثيرا ما يحدث وانا في عمري الحالي، ان اهرب الى ذكرياتها عندما اشاهد تعلق الآخرين بأوطانهم. منذ فترة، كنت اتمشى عصرا في ازقة مدينة(جنيف) القديمة، فوجدت نفسي امر بموكب كبير لمحتفلين بأحد الاعياد الوطنية، كبار وصغار مبتهجين صارخين وسط غناء وموسيقي عسكرية. ثمة شمس غاربة وعتمة شرعت تتخلل الازقة، وعبقت في الجو رائحة مساء، فشعرت فجأة برعشة خفيفة من كآبة وقلق، وعادت لي مثل حلم باهت ذكرى بعيدة يوم تهت في الشاكرية. ربما في الرابعة من عمري، كنت مع(سكينة) ابنة عمتي التي بعمري، وجدنا انفسنا ذات عصرية نسير خلف (موكب عزاء الشاكرية). نركض وراء الحشود ونهزج معهم بنداءات عاشوراء ونضرب صدورنا مع قرع الطبول ( وا حسيناه .. وا شهيداه..)، دون ان نفهم بالضبط من هو المقصود، معتقدين بأنه احد شيوخ عشائر الشاكرية. انتبهنا لانفسنا تائهين وسط الازقة المجهولة والظلام الذي خيم. تهيأ لنا بأنا تهنا في عالم آخر غريب وخطر وليس ثمة امل بالعثور على اهالينا. رحنا نبكي ونستغيث بالله واولاد الحلال بحثا عن المنقذ. لكن الناس كانوا يتغاضون عنا معتقدين بأنا نبكي على الحسين. ولم يصدقونا الا بعد ان راحت(سكينة) تتمرغ على الارض صارخة بالله والاهل. اغاثنا الناس وحملونا الى اهالينا. لا زالت حتى الآن ثمة أحاسيس قلق من ضياع تأتيني في المواقف المشابهة.
   كنا منسجمين تماما مع حياتنا، لأننا كنا نعرف كيف ننتقم من بؤسنا. نتقبل بكل طيبة عقوبات امهاتنا اللواتي بعد ان يتعبن من ضربنا بنعلهن البلاستيكية السوداء، يشكين الىآبائنا لكي يكملوا حفلات الرعب بعد عودتهم مساءا. وعندما يتراكم الغيض فينا، كنا نبحث عن اية وسيلة لتفريغه. كنا مثل جميع اطفال الارض نعشق الحيوانات.. حتى الموت! وكنا نطبق على اصدقائنا الكلاب والقطط ، ذلك المثل المعروف( من الحب ما قتل). اكتشفنا تسلية رائعة. كنا نغافل اهالينا وننصب طشوت الغسيل كشراك للقطط. نصطادها ونشرع بكل براءة ورقة طفولية بتعذيبها وتكسير اطرافها بـالهيم الحديدي(المكسار) ونحن نتصارخ بعبث ونتضاحك ببراءة وفرح لا يمتلكها حتى غلمان الجنة. وكنا نكمل طقوسنا الجهنمية هذه بالهجوم على الكلاب، نحيطها من كل جانب، ننهال عليها بالحجارة والعصي وهي تنبح وتعول مستغيثة بآلهتها الخاصة بها التي لم تكن اقل منها حيوانية وسخرية، حسب اعتقادنا. كنا ندفعها ونحن نتضاحك ببرائة الى مستنقعات مياه الآمطار الآسنة التي سبق وان غرق فيها الكثيرين منا.
بعدها ان نفرغ من جنونا البدائي، نعود الى اهالينا الغاضبين من قسوتنا والمعتذرين لله عن جرائمنا التي لا تغتفر، لكي نتعرض لعقوبات بدنية قبل النوم، وعقوبات روحية اثناء النوم على شكل كوابيس رعب تفترسنا خلالها مرات ومرات تلك القطط والكلاب التي عذبناها وغدرنا بها.
 حينما اتذكر حكايتي مع القطط، احس بالعار لأني كنت ناكرا للجميل لجنس القطط الذي انقذني من موت محقق.  لا ادري إن كنت اتذكر حقا تلك الحكاية، وهذا امر غير معقول، ام اني سمعتهم يحكونها لي فانطبعت في ذاكرتي: كنت راقدا في الكاروك(المهد) واذا بثعبان يتجاوز طوله ذراع، ابيض مرقط، يزحف على عمود محاذي. وفي اللحظة التي كاد فيها ان يبلغني واذا بقط يهجم عليه وينهشه، وقد هبت امي وجدتي على صوت بكائي.
الغريب ان قسوتي الوحشية هذه ضد الحيوانات، لم تترك في نفسي غير اثرا معاكسا تماما. اصبحت فيما بعد وحتى الآن، بالغ الرقة والحساسية، بحيث اني لا اتحمل مشهد عنف ودم حتى في الصور والسينما. هنا في جنيف، كم من مرات تركت قاعة السينما وسط العرض بعد إن فوجئت بمشاهد عنف ودم اتتخلل الفلم. وعندما اجلس احيانا للتبرع بالدم، اغمض عيني تجنبا لرؤية الابرة وهي تسحب دمي. لعل حساسيتي هذه تعود اساسا الى اني انا شخصيا كنت مثل تلك القطط، عانيت ايضا من عنف وقسوة من الكبار. كذلك شاهدت بعيني فيما بعد، كيف يعذب الرجال في سجون دائرة الامن، إذ لا زالت اصوات المعتقلين الشاكية الباكية الطالبة للرحمة تصدح في روحي ممتزجة بصراخ ضحايا طفولتي من كلاب وقطط!
في الشاكرية شاهدت لأول مرة إمرأة تنجب. لم تكن أمي، رغم انها انجبت بعدي العديد من الاطفال. بل جارتنا (لعلوية العميا) وهي شابة عمياء رقيقة حلوة بيضاء، ومن سلال الامام علي. ذات صباح ونحن نلعب في الزقاق، دون ان نهتم بضجيج وزحام اهالينا حولنا، واذا فجأت ينطلق صراخ من بيت(العلوية)، فركضنا نحن الاطفال خائفين منتظرين كارثة ما، واذا بالكبار يقفون بوجهنا ويمنعونا من دخول الغرفة التي تجمعت النساء داخلها وعند بابها. لا ادري كيف تمكنت من مغافلة الحارسات وصعدت الى الرازونة(النافذة) ورحت اتمعن بذلك المنظر الذي لم اشاهد مثيله من قبل ولا من بعد. حتى هنا في جنيف عندما اجبروني في المستشفى عام 1990، حسب التقليد الحديث، ان احضر عملية انجاب زوجتي (مارگريت) لولدي(باسم)، اغمضت عيناي وانا اقف جنب زوجتي امسك كفها وكتفها واستحثها الشجاعة والصبر وهي تصرخ من الوجع. لكني في ذلك اليوم في الشاكرية كنت فاتحا لعيني اقصى ما يمكن، فرأيت القابلة (ام جاسم) تخرج جنينا من من العلوية العمياء. كنت على يقين انها كانت دمية صغيرة، لم افهم ابدا لماذا كانت مخبئة في داخل العلوية. زاد عجبي عندما رأيت الحجية تمسك الدمية من قدميها وتضربها عدة ضربات على ظهرها فتنطلق بصرخات مثل طفل حقيقي! وقبل ان افهم ما يحصل، واذا بي اشعر بقبضة جبارة تمسكني من ثوبي وترفعني بحيث يتدلي رأسي نحو الارض واقدامي فوق. وانا في حيرتي والارض تدور احسست بصفعات خفيفة على ظهري ولعنات ابي، فانطلق من حنجرتي عويل صارخ امتزج بعويل الجنين الذي رأيته يخرج من العلوية.
في الشاكرية عرفت لاول مرة السينما، ربما عام 1961. حتى الآن اتخيل مشهدي في اول يوم العيد مع اخي وابي اختال فرحا فوق جسر الجمهورية لأني ارتدي بدلة ملوكية زرقاء كلها زراكش ونجوم مذهبة. سمعتهم يقولون انها على نمط بدلة الملك غازي، قد حصل عليها ابي منذ سنوات طويلة من عطايا احد الاغنياء، وقد ارتداها اخوتي قبلي في العيد عندما كانوا بحجمي. اتذكر جيدا كيف اني جلست في حضن ابي في سينما ميامي قرب ميدان الباب الشرقي، لأشاهد لاول مرة في حياتي فلم (طرزان في الغابة). 
في الشاكرية كذلك عرفت لأول مرة المدرسة. في عمر السادسة سجلوني في مدرسة(كرادة مريم). اصابني الرعب عندما تركتني امي ورحلت. احسست كأني وحش غاب تركوه وسط زحام مدينة عامرة. ارهبني مشهد هذه الجموع العظيمة من فتيان يتراكضون ويتصارعون ويتمازحون في باحة المدرسة. رحت ابكي واردت العودة الى بيتي وحارتي واصحابي. لكن رؤيتي لابتسامة الاستاذ (ادور) الحنونة المرتسمة على وجهه الجميل، وصوته الدافئ قد هدأ من روعي وبعث الطمأنينة في روحي. كان اخي راضي في نفس المدرسة ولكنه في الدوام الآخر. رغم انه يكبرني بعامين لكني كنت اضاهيه في حجمه، لهذا كنا نلبس نفس الثياب، فكنت انتظره في الطريق لكي يعطيني البنطلون ويأخذ دشداشتي، او العكس. لا ادري بعد كم من الايام، اصبت بحادث في قدمي عندما كنت راكبا الدراجة(البايسكل) خلف اخي قيس. كان هذا الحادث حجة لكي اتمارض واقنع اهلي بترك المدرسة ذلك العام. 
في الشاكرية اكتشفت التلفزيون، عند جيراننا(بيت ام فلاح). كنا بين حين وآخر نذهب عندهم لنشاهد برنامج(قرقوز) تلك الدمية المضحكة التي تخاطب الاطفال. لكن الذكريات الاولى للتلفزيون ارتبطت بذلك المشهد الذي بقي حيا في ذاكرتي. ذات ليلة من شتاء 1963 صحوت على ضجيج اهلي واناس الحارة ودوي اطلاقات تصدح في السماء. كانوا يتراكظون فتبعتهم الى بيت(ام فلاح). لا ادري كم الناس، عشرات او مئات مجتمعين حول التلفزيون. بعد ملحة وصعوبة سحبتني اختى ليلى لكي اتمكن من رؤية ذلك المشهد الذي جعلهم ينحبون الما وحزنا: ثمة رجل بقميص عسكري جالس على كرسي ورأسه منكس والدم ينزف منه. واذا برجل واقف يقبض على شعره ويرفع رأسه لنكتشف انه كان ميتا. بلغ المشهد ذروته عندما رأينا الرجل الواقف يبصق بوجه الرجل الميت. قالوا انه الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اطاح به البعثيين وجلبوا جثته الى التلفزيون ليكشفوها الى الناس. كم بدت لي واضحة ملامح ذلك الزعيم وعيناه المغمضتين ووجهه الذي ظل رغم الموت محتفظا بأبتسامة طيبة.
نحن اهل الشاكرية لم نصدق موت الزعيم. قلنا ليس هو الذي ظهر في التفزيون بل ممثلا يشبهه. اما زعيمنا الحقيقي، فقد رحل الى القمر(كما كان يقول اسلافنا العراقيون القدماء عند موت تموز اله الخصب الذكوري كل عام). فبقينا ننتظر بشوق اكتمال البدر لكي نمضي الليل ونحن نفتش فيه عن وجه الزعيم. صدقوني اني شاهدت بعيني وجه الزعيم على سطح القمر، لكني خفت ان ابوح للناس بذلك، لأنه كان ذات الوجه الجريح الميت المبتسم الذي شاهدته في التلفزيون!
حتى الآن وانا في جنيف، انتظر ليلة اكتمال البدر لكي اخرج وحيدا الى شاطئ البحيرة أتأمل وهجه في السماء وانعكاسه في الماء. دون ان ادري ارى ملامح الزعيم ترتسم على سطح القمر، وهو لم يزل جريحا يبتسم، فاتلفت حولي بحثا عن اهلي واناس الشاكرية، فلا اجد غير صمت وعتمة.
ذكريات وذكريات لا تحصى لا زالت حية في روحي  عن الشاكرية:
اتذكر عندما تمكن حرامي(لص) من التسلل ليلا الى حجرة حبوبتي وسرق الـ(20) دينارا التي كانت هي كل ثروة ابي، مع ماكنة الخياطة التي كانت تستعملها اختي لخياطة دشاديشنا(ثيابنا).
اتذكر عندما كاد اخي راضي يغرق في حوض الساقية الواقعة بعد السكة، وانقذته اختي ليلى، ثم اصيب بالتيفوئيد وقال عنه الطبيب انه سوف لن يعيش حتى غدا، لكنه ظل حيا حتى الآن!
واتذكر بيت(زهرة الحواس) تلك الفلاحة القاسية التي تقطن في مزرعة الجت، والتي قيل عنها انها قتلت ابنتها ودفنتها سرا، بعد ان علمت انها كانت حامل سفاحا.
واتذكر بيت اهل النگرة(اهل الحفرة)، اللذين مثل سكان الاهوار، بنو بيتهم وسط (الحفرة) ذلك المستنقع الآسن وتركوا جواميسهم تعيش في الماء حولهم.
اتذكر نفسي اول طفولتي ببدن سمين ووجه منتفخ مثل اهل الصين، وانا ارقص في مزرعة الجت على تصفيق اخوتي وغنائهم لي: بديبود يرقص بالجتة.. بديبود يرقص بالجتة..
ذكريات الشاكرية لا تنتهي، فهي مرابع طفولتي وبلادي الاولى..
 اواه يا اصدقائي  لو تعرفوا كم انا مشتاق لها، لاطفالها الحفات واهلها الطيبين القسات، واحواشها الطينية ومزرعة جتها الخضراء ومستنقعاتها العفنة وسكة حديدها وانابيب نفطها وضفاف دجلتها، وكل ذكرياتها، النيرة منها والمظلمة. لكنها يا للحسرة، رحلت واندثرت مثل مدن عالم قديم غيبها الله في اعماق الارض. مهما فتشتم عنها سوف لن تعثروا عليها في خارطة ولا في اية بقعة من انحاء العراق. مع ذلك هي ليست  من نسج خيال، بل هي مدينة عابرة كونها اناس عابرون.
عندما زرت بلادي عام 2003 بعد غياب اعوام واعوام، ذهبت لرؤية الشاكرية، او قل لذكراها، لأني اعرف ان الحكومة قد امرت بهدم بيوتها وترحيل اهلها منذ اوائل الستينات عندما وزع الزعيم عبد الكريم على سكانها اراضي (مدينة الثورة) مشترطا ان يبنوا بيوتهم من طابوق. وكانت عائلتنا آخر المقاومين، حيث صمدنا حتى نهاية عام 1963.
قلت لعلي اعثر على بقايا مندثرة واشاهد ذكريات منسية، او على الاقل امشي على ارضها واضع الفلوس والبيض والتبن على سكة حديدها، وابعث اشارت محبة لاصدقائي الذين غابوا عبر بواري نفطها، واصلي لأله الكون في كنيسة ارمنها.. لكن الصدمة كانت بأنتظاري، عندما لم اتمكن حتى من الاقتراب منها، لأنها كانت محاطة بأسوار وحواجز حربية مدججة بسلاح وحراس. منذ ايام صدام، المنطقة بأكملها  اصبحت جزءا من مقر القيادة القومية لحزب البعث والقصر الجمهوري. وبعد الاحتلال اصبحت جزءا من المنطقة الخضراء، مقر الامريكان واتباعهم.
نعم يا اصدقائي، بلادي الشاكرية صارت أرض حرام اسطورية لا تستطيع بلوغها الا تلك الكائنات المختارة المدججة بسلاح وقوانين عليا.
 احيانا يخطر في بالي امرا خياليا طريفا، لا ادري هل اعيش حتى اليوم الذي اراه يتحقق فيه. ان نبادر نحن بعض ابناء الشاكرية، بأختيار اية بقعة صغيرة من ارض الشاكرية القديمة، ونضع فيها نصبا تذكاريا، عبارة عن حوش طيني من تلك الحقبة، ونكتب عليه: هنا ترقد الشاكرية.. بلادنا العابرة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذا مقطع من كتاب سيرة ذاتية في طور الاعداد
 www.salim-matar.com

52
عقلية التدمير الذاتي العراقية والحنكة الامريكية الاسرائيلية..

سليم مطرـ جنيف
salimmatar@bluewin.ch

 الكثير من القوميين واليساريين والمتعاطفين مع النظام العراقي السابق، يرددون مقولة فحواها بأن روح العنف والخراب الحالية والحقد الطائفي ليس لها اي اساس مسبق، وان العراقيين فيما مضى(عهد صدام وقبله) كانوا عقال ومتطورين ومتحابين ومتصالحين، ولم يعرفوا مثل هذا العنف والحقد الا بتأثير القوى الطائفية والامريكية الحالية. وان روح الخراب المستشرية منذ اعوام هي من صنع القوى السياسية المؤثرة حاليا في الوضع : الاطراف الدينية(سنية وشيعية) والحكومية والامريكية والاسرائيلية.. الخ.
مبدأيا، ولكي لا يتصور البعض اننا نبرئ القوى الحالية، نقول نعم صحيح، ان هذه الاطراف جميعها، وخصوصا امريكا واسرائيل، لعبت وتلعب ادورا اساسية في تفجير وديمومة الحالة الجنونية لخدمة مصالحها الخاصة بها..
لكن يتوجب القول ايضا بأن أية قوى مهما كانت مهيمنة وفعالة وجبارة في مجتمع ما، من المستحيل عليها ان تنجح في فرض حالة شعبية كبيرة وفعالة مثل هذه الحرب الطائفية المستعرة، من دون وجود استعداد عقلي (ثقافي ونفسي) متجذر في رؤوس ونفوس الناس.
 هذا لا يعني ابدا اننا نتفق مع تلك المقولة العنصرية والساذجة المعروفة والمكررة من قبل الكثيرين من مثقفين وغيرهم، عن(الطبيعة العنفية للعراقيين)!! ان تاريخ العراق منذ خمسة آلاف عام وحتى الآن، بقدرما هو مليء بالعنف والمذابح والكوراث، فأنه ايضا مليء بالابداعات الانسانية العظيمة والحضارات المزدهرة والانجازات الثقافية والاجتماعية التي تؤكد على روح الاخوة والمتعة والفن والادب والرفاهية والمحبة والفكاهة والغزل، الخ.. اننا نقصد بالحالة العقلية، ليست كصفات ثابتة جينيا وغريزيا، بل كحالة(ثقافية ونفسية) مرتبطة بحقبة تاريخية معينة، تتغيرمع تغير الظروف التي انتجتها.
ان اية سياسة مهيمنة مهما كانت، سلمية او عنفية، لم ولن تستمر وتسيطر على وطن بأكمله الا بالاعتماد على هذه البنية العقلية الظرفية التي تبررها وتجبر السياسيين، مهما كانوا منقطعين وتابعين، على وضع برامجهم وممارسة سياستهم حسب متطلباتها..
                                                      الطاقة الايجابية والسلبية
ان المجتمع الانساني، مثل الفرد، حسب ظروفه وتطورات حياته، قد تتراكم فيه طاقة ايجابية تقوم على محبة الذات والآخر والسلام والتسامح والتضامن وتفضيل الراحة والمتعة، تؤدي طبيعيا الى الصحة والازدهار والتطور الابداعي والحضاري. وقد تتراكم فيه طاقة سلبية(حزن وغضب وحقد وغيرة وحسد..الخ) نتيجة الخيبات والجروح والاندحارات والمتاعب وغيرها، لكي تتفجر عندما تحين الفرصة على شكل مرض خطير او ازمة مستعصية بالنسبة للفرد، وعلى شكل ثورات دموية وحروب اهلية او خارجية، بالنسبة للمجتمع.
ـ الاساس النفسي:
لنفترض مثلا، لو اننا تمكنا من صنع قيادات واحزاب ومنظمات طائفية مع قوات امريكية، شبيهة تماما بأمثالها العراقية المتحاربة الحالية، ووضعناها في المغرب أو مصر او تونس، مع ذلك فانه من المستحيل عليها ان تعيد حالة العنف السائدة في العراق، لأن عقلية(ثقافة ونفسية) المجتمع المغربي والمصري والتونسي غير مهيئة حاليا لتقبل سياسة العنف والقتل والتفجير والابادة الجماعية. لأن أي حالة عنف شاملة تنطلب خزينا هائلا ومتراكما من الطاقة السلبية.
  بالنسبة للحالة النفسية العراقية، فأنه منذ اجيال عديدة تراكمت على الانسان العراقي الخيبات من التجارب السياسية والانقلابات المتتالية والمشاريع الوطنية والقومية، كذلك هزائم الحروب العديدة وفراق الابناء والاحبة في السجون والمنافي وسوح الحروب، بالاضافة الى القمع المنظم ثم المجاعات وعمليات الاذلال بسبب الحصار.. كل هذه العوامل المتراكمة منذ اجيال جعلت الطاقة السلبية من احقاد ضد الذات وضد الآخر، ومخاوف وغضب وحسد وغيرة، هي التي تهيمن على نفوس العراقيين وتطغي على المشاعر الايجابية والانسانية، وتصبح اشبه بالوقود المهيأ للاشتعال بأي سبب كان.
 ان هذه الطاقة السلبية المتراكمة عرفتها جميع الشعوب، وهي التي تدفع عادة الى  تفجير الثورات الدموية والحروب الاهلية والصراعات الدولية. ان طاقة الحقد على الذات وعلى الآخر هذه تبحث عن اية حجة لكي تتفجر، بأسم الصراع بين الطبقات او الاحزاب او القبائل او القوميات او المناطق او الطوائف. لنتذكر مثال الحرب الاهلية في الجزائر اعوام التسعينات، حيث مورست تقريبا نفس عمليات العنف والحقد بين الناس كما هو حاصل حاليا في العراق، رغم ان الجزائريين كلهم مسلمين ومن نفس المذهب(المالكي)، بحيث ان الارهابي كان يفجر قريته وعائلته وابناء عمومته، بأسم الجهاد ومحاربة الكفرة. لنتذكر كذلك الحقد المدمر الذي اندلع ابان الثورات الفرنسية والروسية والصينية، ثم آخرها الحرب اليوغسلافية،وغيرها ..
على هذا الاساس، يمكن القول ان الطاقة السلبية المتراكمة لدى العراقيين، كان بالامكان ان تتفجر بحجج اخرى غير الحجة الطائفية، كأن تكون على شكل حرب شعبية ضد الامريكيين، او بين البعثيين وخصومهم، او بين العلمانيين والمتدينين، الخ..  ان اختيار طريقة التنفيس عن الطاقة السلبية المتراكمة لدى أي شعب، تعتمد قبل كل شيء على مخزونه الثقافي وعلى نوعية النخب السياسية والثقافية المؤثرة فيه، فهي التي تقوده بصورة مقصودة وغير مقصودة نحو الاسلوب الذي يمكنه به ان يفجر طاقته السلبية المتراكمة. وهنا يأتي دور الاساس الثقافي المتراكم..
ـ الاساس الثقافي:
منذ بدايات القرن العشرين وتأسيس العراق الحديث،عانى الانسان العراقي من حالة انمساخ ثقافية قاسية وسريعة، إذ شنت جميع الحكومات منذ العهد الملكي حتى عهد صدام،مع غالبية الاحزاب الليبرالية واليسارية والقومية، حملات تحديث وتغريب ومحاربة للثقافة الشعبية والتراثية والدينية بأسم مكافحة التخلف والرجعية ومن اجل التحضر والتطور والعلمانية والتقدم. لقد حاولت النخب، الحكومية والمعارضة، ان تختصر بعدة سنين التغيير الثقافي الذي انجزته اوربا بعدة قرون. ان حالة العودة المرعبة الى الثقافة الدينية السائدة حاليا في المجتمع العراقي، لهي دليل ساطع ويقيني على مدى عنف وتطرف وسذاجة عمليات التثقيف التغريبية والتحديثية التي حاولتها الحكومات والنخب العراقية خلال قرن بأكمله.
 هنالك مشكلة ثقافية اخرى اهم واعظم تضاف الى هذا الانمساخ التغريبي السطحي والمصطنع الذي عانى منه المجتمع العراقي، الا وهي مشكلة الفشل والتجاهل التام لواجب احياء(الهوية الوطنية) التي هي اول واهم خطوة من اجل بناء اية دولة واية امة. للأسف الشديد ان النخب الثقافية والسياسية والدينية العراقية، لاسباب ومؤثرات داخلية وخارجية عديدة، تغافلت عن هذه المهمة الحاسمة، بل انها لجأت الى العكس، حيث تبنت المفاهيم القومية والاممية والدينية الطائفية بصورة متطرفة خارجية منافية للوحدة الوطنية. وهذا ما ادى الى فقدان المجتمع العراقي للقاسم الثقافي الوطني المشترك القادر على جمع مكوناته المختلفة، وشعور كل فئة عراقية(شيعة، سنة، اكراد، تركمان، سريان، الخ..) انها مختلفة بل متناقضة سياسيا مع باقي الفئات، ويتوجب عليها اللجوء الى دعم خارجي، قومي او ديني او طائفي، لكي تحمي نفسها من منافسة الفئات الاخرى!
 ان هذا الانمساخ الثقافي الحضاري والوطني، مع التشوه النفسي، هو السبب الاول والاكبر في تمزيق المجتمع العراقي واضعافه من داخله، وجعله فاقدا لثقته بذاته وبوطنه. خلال قرن تقريبا، ومع مرور الزمن تراكمت التشوهات الثقافية والخيبات النفسية فأنحدر الانسان العراقي اكثر واكثر الى حالة من الهشاشة والضعف والانهزامية، واصبح مريضا فاقدا للمناعة النفسية والثقافية، اشبه بطفل خائف غيور حسود يمقت اخوته الذين يتميزون عنه. كل هذا سهل انقياده من قبل تلك الحفن من الرعاع الذين نجحوا، منذ اعوام واعوام، بالتعامل معه كقطيع خنوع وجره الى حروبهم، الصدامية السابقة ثم الطائفية الحالية.
                                           الحنكة الامريكية الاسرائيلية
    ان النخب العراقية(السياسية والثقافية) المؤثرة، لو كانت اكثر اصالة واكثر وطنية، لكانت غيرت تماما اختيار العراقيين لهذا الاسلوب الطائفي المقيت لتفجير الطاقة السلبية المتراكمة. ان  علماء النفس والاجتماع الامريكيين والاسرائليين بحكم تخصصهم ودراستهم لتجارب الشعوب، كانوا متيقنين تماما بأن الشعب العراقي يمتلك مخزونا مرعبا من الطاقة السلبية المتراكمة، وان هذه الطاقة لا بد ان تتفجر يوما ما، وخصوصا بعد زوال الغطاء الحديدي الذي يكبتها والمتمثل بنظام صدام. نعم ان الامريكيين كانوا يدركون جيدا ان طاقة الحقد العراقية يمكن ان تتفجر ضدهم من خلال ثورة شعبية عظمى تشبه ثورة العشرين، لهذا فأنهم بحنكتهم وذكائهم واستخدامهم الشيطاني للفضائيات (العروبية الطائفية) التابعة لهم، وفتح الحدود لتسهيل دخول جماعة القاعدة، وكذلك تصفية وابعاد القيادات العراقية الوطنية والمعتدلة مثل(محمد باقر الحكيم) و(احمد الكبيسي) و(عز الدين سليم)، لاعلاء شأن القيادات الطائفية المتطرفة، كذلك التركيز على المسرحية الطائفية المفضوحة بمحاكمة صدام ثم اعدامه التلفزيوني( دائما الحاكم كردي والمدعي العام شيعي موسوي ومحامي الدفاع سني دليمي)!!!!! بهكذا سياسة شيطانية نجحوا بصورة فائقة بتوجيه هذه الطاقة العراقية نحو الحقد الطائفي القديم والمتراكم. والذي سهل كثيرا نجاح الامريكان والاسرائيليين في خطتهم الجهنمية هذه، هو ضعف وهشاشة وتآمر النخب العراقية، الثقافية والسياسية، المتحالفة معهم والمعارضة لهم. جميع النخب العراقية، بقصد وغير قصد، ساهمت بأنجاح الخطة الامريكية الاسرائيلية لتوجيه طاقة العنف العراقية ضد العراقيين انفسهم.
 من كل هذا يحق لنا القول: ان الخلاص الوحيد امام العراقيين يعتمد اولا ةاخيرا على كفاح النخب الثقافية العراقية خصوصا مع جميع الخيرين من ابناء الوطن، بالتأكيد على ثقافة عراقية جديدة ضمن المبادئ التالية:
 اولا، ثقافة السلام والتسامح والتصالح ونبذ العنف بكل اشكاله ومهما كانت حججه، والعودة الى المقاومة السلمية الشعبية والثقافية.
ثانيا، ثقافة الاصالة والاعتدال والوسطية التي تحترم تراثنا الوطني الديني والتاريخي والشعبي، مع قبول ضرورات الحداثة العقلانية.
ثالثا، ثقافة(الهوية الوطينة العراقية) كقاسم ثقافي وسياسي مشترك لجميع الهويات الفرعية، مع مفهوم(الامة العراقية) كخيمة شاملة لجميع القوميات والطوائف.

53
مقاطع من سيرة عراقية*:
سينمات بغداد.. جناني المفقودة..
سليم مطر ـ جنيف
     
 
  قد تستغربون يا اصدقائي، لو اخبرتكم بأني في طفولتي ومراهقتي، دفئ الامومة المفقودة وجذور الانتماء الوطني الغائب، وجدته في قاعات السينما! تقريبا طيلة السنوات العشرين التي عشتها في بلادي، كان العالم بالنسبة لي منقسم الى قسمين: العالم الطبيعي خارج السينما، وهو عالم قاسي متعب مذل، ثم عالم السينما، وهو عالم طيب رطب مريح شاسع حر بلا حدود فيه الفن والمتعة والمحبة والكرامة والجمال.  منذ الطفولة، في كل مرة كنت ادخل فيها الى قاعة السينما كانت تسري في بدني قشعريرة شوق وخوف ولذة والفة كأني اعود من جديد الى (بيت الرحم). حتى الآن وانا في جنيف، ما ان تطئ قدماي قاعة السينما، تعود بي روحي الى سينمات بغداد، فأشتاق الى دفئ وعتمة وعبق روائح اليفة هي خليط من ذرة مشوية (الشامية) ومشروبات باردة ودخان سيكاير وتعرق وعفن، وانفاس اناس باحثين عن متعة واحلام.
   اتذكر المرة الاولى، ربما في سن الخامسة (عام1961)، اخذني ابي الى (سينما ميامي) في ميدان الباب الشرقي في وسط بغداد. كان فلم (طرزان في الغابة) مع محبوبته جيني وابنه وقرده(الشيتة). كان ذلك اليوم بالنسبة لي اكتشافا عظيما لا يضاهيه اهمية الا اكتشافي لمجلة(سوبرمان)، بعد عام او عامين.
     ليست الافلام وحدها، هي التي كانت تشدني الى السينما،انما تلك الاجواء العجيبة الغريبة المحيطة بها في القاعة نفسها: العتمة والترقب وتعليقات المشاهدين وتحذيراتهم للبطل(الولد) من المخاطر التي تحيق به:(لك دير بالك.. ترى راح يغدر بيك العصابجي.. لك الحية وراك عيني را ح تلدغك.. آخ يابا.. اويلاخ الملاعين التمو عليه..)). ثم حماستهم في كل مرة يحقق فيها البطل(الولد) انتصارا على اعدائه، فيتصاعد التصفيق والصفير وصرخات الفرح:( لك عيني فدوه اغديلك.. حيل .. يابا شوف شبعة كتل.. لك عوافي عليك .. تستاهل.. عيني بوسها وبوس ابوها وياها... )). واشد اللحظات حزنا وغضبا كانت عندما ينقطع عرض الفلم فجأة لخلل ما، وما اكثره، فينفجر الصفير والزعيق وصرخات الاحتجاج والشتائم: (لك اعور.. لك اعور.. ))، وما ان يعود العرض حتى تتصاعد صرخات البهجة والتشجيع والتصفيق، ثم يعم الهدوء لمتابعة الفلم.
  كانت فترة انتظار بدأ الفلم، من اكثر الاوقات توقا وتململا. لا ادري لماذا كانت جميع السينمات تقريبا تبث اغاني ام كلثوم اثناء فترة الانتظار تلك. لعلي لهذا السبب لم اتعلق بصوت هذه المغنية الكبيرة، لأنها ارتبطت بفترة الانتظار المملة هذه. اما لحظات انقطاع الغناء ودق جرس الانذار وبدء انطفاء الاضوية، فأنها كانت من اجمل اللحظات واكثرها متعة وتشويقا وحماسا، وعندما تبدأ الستارة بالانفتاح وتتكشف بالتدريج الشاشة البيضاء وسط العتمة الهابطة، اشعر حينها كأن قوى سحرية ترفعني وتطير بي وسط نسيم من نور الهي مفعم برحمة لذيذة لا توصف.
 بقيت حتى سن العاشرة اذهب للسينما مع ابي واخي الاكبر (قيس) واخي (راضي) الاكبر مني مباشرة، كذلك احيانا مع اختي الكبيرة (ليلى) لمشاهدة افلام (العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ). كانت اختي تأخذني معها خصوصا من اجل حماية نفسها من ضنون الناس وتحرشات الشبان. واتذكر حتى الآن فلم(الخطايا) في (سينما روكسي) في شارع الرشيد، والزحام الشديد والتدافع واعتداءات الشبان لإستغلال الفرصة والتحرش(الطبق على البنات). وحدوث الشجارات العديدة وحالات الاختناق للحصول على التذاكر. بقي في ذاكرتي فلم(ام الهند) الذي شاهدته مع اخي واختي في (سينما البيضاء) الصيفية( بلا سقف حيث نشاهد نجوم السماء) في مدخل شارع الكفاح، وكان ذروة الافلام العاطفية الهندية التي تجعل المشاهدين يبكون ويشهقون بأصوات عالية.
 كنا انا واخي راضي، مثل غالبية فتيان العراق، السينما هي تسليتنا الاولى ايام العيد. كنا نشاهد عدة افلام في اليوم الواحد. نأخذ عيديتنا التي لا تتجاوز بضعة دراهم، ونذهب الى سينما السندباد وبعدها الى سينما الخيام، ثم الى سينما ميامي، وهكذا دواليك. وكل سينما تعرض فلمين بآن واحد، فكنا نعود الى البيت منهكين ثملين سينمائيا وقد اختلطت علينا مشاهد الافلام وتداخلت ملامح (هرقل الجبار محطم السلاسل) مع العصابجي (رنكو ومسدسه الذهبي) مع (شامي كابور في باريس). وطبعا لا تكتمل متعة سينما العيد الا مع سندويشات الفلافل والبيض والعنبة.
 مع مرور الزمن واستفحال مشاعر الحرمان والغربة ومعاناتي من شغلي في حانوت ابي وما يفرضه علي من مشاهدات يومية لعذابات المعتقلين في دائرة الامن العامة، بالاضافة الى مصاعب المدرسة وتفاقم احساسي بالعار من فقر اهلي ومن اصلي الشرگاوي(جنوب شرق العراق)، بدأت احس بالسينما هي ملاذي ومخدري الذي يجعلني انقطع تماما عن واقعي. ما ان تنطفئ الاضواء ويعم الظلام وتشع الشاشة بكونها اللامحدود حتى انتقل الى عالم جديد من احلام البطولة والمحبة والتضحية التي افتقدها في حياتي اليومية.  الى الآن وانا في جنيف، كلما دخلت قاعة السينما، يسري في نوع من خدر طفولة ورهبة عابد يدخل الى معبده، فأشرع بتمتمة تعويذات مبهمة بألفة وتبجيل لمعبودي الذي أدعوه ان لا يخيب املي، ومعبودي انا هو الفلم الموعود.
  في سن العاشرة بدأت اذهب الى السينما وحدي. احيانا قليلة بعلم ابي، واحيانا كثيرة من دون علمه. استغل اية فرصة للغياب عن الحانوت، فادخل الى السينما. كنت اجمع النقود من عملي احيانا بتنظيف السيارات، بجانب عملي في الحانوت، كذلك كنت اضطر احيانا الى اكمال المبلغ المطلوب( 60) فلسا، بسرقة بعض من ارباح الحانوت. كنت استغل خصوصا المناسبات التي يبعثني بها ابي لاشتري له من شارع السعدون بطاقات اليانصيب، او الى ساحة النهضة لاشتري له(دجاج مي). وكثيرا من الاحيان كنت اضطر الى عدم اكمال الفلم خوفا من عقاب ابي على تأخري. واظل انتظر اية فرصة للعودة لنفس السينما، فقط لمشاهدة الجزء الاخير الذي فاتني. حتى الآن، أحيانا يراودني ذلك الشعور المزدوج الممزوج باللذة والقلق، لذة مشاهدة الفلم والقلق من العقاب المنتظر. 
كانت قاعات السينما منقسمة الى درجات واسعار مختلفة: في الامام قرب الشاشة هو الارخص، ثم يليه القسم الوسطي، ثم القسم الاخير، بعدها القسم الاعلى(اللوج) وهو الاغلى ومفضل من قبل العشاق والعوائل. طبعا انا وامثالي(ولد الملحة)، كنا دائما في القسم الارخص قرب الشاشة، ولا زلت حتى الآن في جنيف، رغم ان السعر واحد في كل القاعة، افضل ان اكون قريبا من الشاشة لكي اشعر بأني داخل الفلم تماما.
  المشكلة الوحيدة التي كانت تزعجني وتسبب قلقي عند دخولي السينما، عدى عن مسألة تأخري عن والدي، هي تحرشات الرجال الشاذين(الفرخـﭼية والدودكية). هذه مشكلة يواجهها غالبية فتيان بغداد، في الشوارع والمدراس والباصات واماكن العمل، حيث كانت تسود ظاهرة اللوطية. وهي عادة تاريخية معروفة  لدى العراقيين، لها تفاصليها التي لا تعنينا هنا. لكن لحسن الحظ ان هؤلاء الشاذين كانوا يمتلكون ما يكفي من العقلانية والادب، لكي يبتعدوا عنك ما ان تبدي لهم رفضك لتحرشاتهم. لكن يبقى امرا متعبا ومقرفا، ان تظل دائما متيقضا حذرا وانت جالس في قاعة السينما المظلمة، لكي تغير مكانك في كل مرة تشعر بأن شاذا يجلس جنبك. خصوصا انك طفل لا تمتلك أي قوة عضلية للدفاع عن نفسك، وليس امامك غير تهديد الشاذ بالفضيحة.
   في اول سن المراهقة، في الصف الاول المتوسط، اكتشفت عادة جديدة مع اصدقائي في متوسطة السعدون(قرب الجندي المجهول، ساحة الفردوس حاليا). رحنا نعبر عن تمردنا على قمع المدرسين، بالهرب من المدرسة. كنا نتفق كمجموعة ونطفر حائط المدرسة ونهرب لكي نتسكع في الطرقات. كنت اهرب مع اصدقائي(عوديشو الآثوري) و(عماد التلكيفي)، ونبحث عن أي فلم هندي لكي نشاهده. في تلك الفترة تعلقت بالسينما الهندية الى حد الولع والخبل. لا يمر فلم هندي واحد في سينمات بغداد دون ان اشاهده. واحيانا اشاهد الفلم الواحد مرات عديدة. رحت اشتري كتيبات الاغاني الهندية لكي اتعلم لفظها الصحيح. حتى الآن لازلت احفظ بعض الاغاني الهندية واتقن غنائها. ولازلت احيانا استمع الى الاغاني الهندية وارقص وابكي معها.
 اما ابطال الافلام فكانوا مثلي الاعلى من اجل تحمل حياتي الحالية. كنت مثل غالبية المراهقين، بعد كل فلم أشاهده كانت شخصية البطل تتقمصني واتماها بها. اذا كان من نوعية ابطال افلام الكابوي مثل رنكو وجانكو، فأني اتخذ مظهر الحزين الصامت ذو النظرات الصارمة المتفحصة الباردة، واجبر نفسي على عدم الكلام والابتسام والضحك، واكون مستعدا لكل حركة مريبة من حولي لكي اسحب مسدسي(الوهمي) واقوم بقفزة بهلوانية نحو الارض مطلقا النيران على الاعداء الذين يتربصون بي. اما اذا كان من ابطال الافلام الهندية، امثال شامي وشاشي كابور وراجندر كومار ودارمندر، فأني تارة اتخذ مظهر الحالم الحزين وانا اصدح بتلك الاغاني الساحرة، وتارة مظهر المغازل اللعوب وانا اقوم بحركات راقصة ومنشدا تلك الالحان الفرحة. حتى الآن اتذكر جيدا عندما شاهدنا انا وصديقي عماد بطو فلم(القاتل ذو الوجه الملائكي) في سينما غرناطة، من بطولة الممثل الفرنسي الشهير(آلان ديلون) فتقمصتنا نظرات البطل الباردة الهادئة الخارقة، حتى خيل لي بأن عيوني قد اصبحت زرقاء مثل عيون البطل.
نعم يا اصدقائي، صدقوني ان قاعات السينما في عمر المراهقة، صارت هي امي ووطني. فيها اجد عوالم الدفئ والحنان والتضامن الانساني المفقود. بلغ بي الامر، اني كنت على استعداد وبصورة صادقة ان اقبل العيش داخل قاعة السينما. امضي حياتي ليلي ونهاري في داخل القاعة اعيش وانام واصحو والافلام تدور وتدور، كما يدور الزمان في جنان الله الموعودة.
 اما في عمر الشباب الاول، بعد ان اصبحت شيوعيا قبل بلوغي سن الثامنة عشر، فأن علاقتي بالسينما اتخذت بعدا ثقافيا ونضاليا لم اعرفه من قبل. لقد كتشفنا ما يسمى بـ (السينما التقدمية) ودورها بتوعية الجماهير ودفعهم الى الى تغيير الواقع. كان ذلك في اوائل السبعينات وقيام ما سمي بـ(الجبهة الوطنية) التي كانت عبارة عن تحالف تكتتيكي بين(حزب البعث) الحاكم و(الحزب الشيوعي) المحكوم، وكان بالحقيقة اشبه بتحالف الذئاب والخرفان. المهم، في تلك الفترة بدأت قاعات السينما في بغداد تعرض افلاما عالمية يسارية مثل(زد) و(ساكو وفانزيتي) وغيرها. كذلك راحت تقام بين حين وآخر مهرجانات سينما الاتحاد السوفيتي وباقي الدول الاشتراكية. فكان علينا نحن الشيوعيين اشبه بالواجب مشاهدة تلك الافلام ودفع اصدقائنا لمشاهدتها من اجل كسبهم لحزبنا. والطريف انه عند عرض احد تلك الافلام كانت قاعة السينما تغص بالطرفين النقيضين، الشيوعيين وانصارهم، ثم اعضاء المخابرات والامن من اجل مراقبة الوضع. اتذكر مرة في سينما سمير اميس في شارع السعدون في الفلم الروسي(الغجر يصعدون الى السماء) غصت قاعة السينما بالتصفيق الحار لمجرد ان احد شخصيات الفلم قال العبارة التالية: (ان هذا جواد عربي اصيل). ويبدو ان هذا التصفيق كان بمبادرة من افراد المخابرات والبعثيين، وقد شاركهم الشيوعيين حماستهم العروبية من باب التضامن الجبهوي لا اكثر.
اما انا، فرغم وضع المالي السيء وتقتيري على نفسي حتى بالطعام، اذا كنت اشتغل كاتب طابعة في مجلس الخدمة ثم في وزارة الصحة، فكنت اخصص جزءا اساسيا من مرتبي للسينما. المشكلة اني كنت اضطر احيانا الى مشاهدة نفس الفلم التقدمي مرات عدة لأني كنت في كل مرة أصطحب معي احد المعارف لكي اكسبه للحزب. اتذكر مرة اصطحبت معي مجموعة من اصدقاء الحزب اعضاء الحلقة التي كنت مسؤولا عنها لمشاهدة احد افلام مهرجان السينما اليوغسلافية في (قاعة الخلد). وكم احسست بالخيبة والخجل والغضب وانا افاجأ بأن قصة الفلم تتحدث عن عائلة يوغسلافية تعاني الويلات من البيروقراطية الحاكمة، حزبا ودولة. يا للاحراج، انا جلبت هؤلاء الاصدقاء من اجل كسبهم للشيوعية وأذا بي اجعلهم يشاهدون فلما من اشد منتقدي وفاضحي النظام الشيوعي! لم يتبقى امامي بعد نهاية الفلم غير ان ارقع المسألة باللجوء الى التفسير المصطنع التالي:
 ـ مثل ما تعرفون يارفاق، هذا الوضع البيروقراطي السيء موجود بس في يوغسلافيا، لانها خرجت من التحالف مع الرفاق السوفييت، وهذا سبب انحطاط الأوضاع عندهم!؟
ورحت اشرح لهم مقولات(الرفيق العبقري لينين) عن(الدولة والثورة) وخطابات الرفيق المحبوب(بريجنيف) عن صعوبات بناء الاشتراكية، واشتريت لهم من جيبي المسكين عدة نسخ من مجلة(المجلة) الصادرة من المانيا الديمقراطية، ومجلة(المدار) السوفياتية، وهي مجلات كانت تحدثنا عن(جنان الاشتراكية العامرة بالمؤمنين والمؤمنات)، من خلال صورعمال بوجنات تفاحية وعاملات شقراوات ساحرات اشبه بالحوريات، وكانوا دائما يضحكون، نعم دائما يضحكون في كل الصفحات وفي كل الاعداد وبأصرار غريب! احتجت لسنوات عديدة لكي ادرك انهم بالحقيقة كانو يضحكون علينا، احنا ولد الخيابة اللي نذرنا حياتنا وخيالنا واحلامنا لمشاريعهم التعبانة. وكنا نحن الشيوعيين العراقيين، دون ان ندرك، عبارة عن كومبارس بائس في افلامهم الاممية السيئة الاخراج!
     حتى الآن لم انسى آخر فلم شاهدته في بلادي، قبل هربي وهجرتي الابدية نهاية عام 1978. كان فلم(الفراشة) الشهير، المأخوذ عن قصة حقيقية لسجين فرنسي عانى الويلات من اجل هروبه من المعتقلات العديدة التي عاش فيها، وكيف انه اصر وقام بمغامرات عجيبة من اجل الحصول على الحرية. شاهدته مرتين خلال اسبوع واحد، قبل سفري بأيام، لأنه كان مناسبا للفترة العصيبة التي كنا نعيشها حيث كانت اجهزة السلطة تشن حملة اعتقالات وقمع وقتل ضد كل المعارضين لاجبارهم على الانتماء الى حزب البعث. وكنا نحن الشيوعيين نقوم بأكبر انجاز في تاريخ العراق القديم والحديث، بتدشيننا لأول واكبر هجرة جماعية عراقية الى بلاد الله الواسعة، لتكون فاتحة تاريخية لموجات الهجرات الوطنية الكبرى المستمرة حتى الآن، والتي لم تعرفها (بلاد النهرين) منذ ان خلقها الله قبل وبعد عصر الطوفان.   
  هذه هي قصتي يا اصدقائي مع قاعات السينما في بلادي. كما ترون انها شكلت جزءا اساسيا من دنياي، ورافقتني في جميع مراحل الطفولة والمراهقة والشباب الاول، بحيث اني لا يمكن ان اتخيل حياتي في بلادي من دون السينما. لهذاكانت الفاجعة الكبرى عندما زرت بلادي نهاية عام 2003، اول مرة بعد غياب دام 25 عاما بالتمام والكمال. كانت الاماكن الاولى التي ارغب بزيارتها بعد بيوت اخوتي واخواتي، هي سينمات بغداد. آه لو تعلمون كيف كنت ولا زلت محملا بالحنين الى مرابع طفولتي تلك، الى عبقها وعفنها وظلامها ومخاوفها واحلامها التي لا تنتهي. بعد يومين من وصولي، اصطحبني اخي الاصغر(طارق) في جولة تفقدية لسينمات بغداد التي اعرفها واحدة واحدة حتى الواقعة منها في مناطق شعبية بعيدة. بدأنا في شارع الرشيد، ثم في شارع السعدون. كانت صدمة قاسية، وغالبت نفسي لكبت حاجة جياشة الى البكاء، لأني حينها فقط ادركت مدى الخراب الذي حل في بلادي. عندما بلغنا (سينما الخيام)، رغم انها كانت تعرض فلمان خلاعيان تافهان، الا اني رغبت ان ادخل، ولو لبضعة دقائق، لمجرد ان استعيد بعضا من نفح الطفولة. لكن العجب حدث حينما رأيت علامات الاعتذار والتردد على وجه اخي وكأني كنت اطلب منه امرا خارقا معيبا، اذا قال متحرجا آسفا:
  ـ (( يا اخي ارجوك سامحني، نسيت مسدسي في البيت..)).. 
نعم، لكي تدخل الى سينما في بغداد، عليك ان تحمل مسدسا!! اقول هذا دون أي مبالغة ويمكن ان تسألوا أي بغدادي. هكذا الحال في جميع سينمات بغداد(لا ادري ان كان نفس الوضع في باقي العراق)، التي منذ ايام صدام قد اغلقت نصفها، وتحولت الى كراجات وكابريهات، اما النصف المتبقي، فجميعها بلا استثناء تحولت الى اوكار للشاذين واللصوص والاشرار. هذه الكارثة لم تحدث بعد الاحتلال الامريكي، بل منذ ايام البعث القومي التقدمي الاشتراكي، في فترة الحصار اعوام التسعينات. بما ان قاعات السينما كانت تعتبر تجمعا للناس خارج نطاق حزب السلطة، فقد اصرت المخابرات على طرد الناس الطبيعيين منها وتحويلها الى اوكار شذوذ لا تهدد الامن. كم اندهشت عندما اكتشفت ان جيل التسعينات في بغداد يجهل تماما السينما، ولما سألت ابناء اخي إن دخلوا السينما في حياتهم، استغربوا وإستهجنوا كأني اسألهم عن الكباريه والمبغى!
هكذا إذن، اثمن قطعة من ذكريات طفولتي ومراهقتي وشبابي الاول، وفيها وجدت دفئ الامومة ومتعة الانتماء، قد اصابها الخراب والنسيان! 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذا مقطع من كتاب سيرة ذاتية في طور الاعداد

54
مجلة "الفرات" تدعو اطفال المدارس الى تكفير الآخر
[/b]



سليم مطر ـ جنيف
WWW.aldammir.com

بعث لنا اخوتنا في بغداد،عدة نسخ من مجلة موجهة لاطفال العراق، وتوزع على المدراس بصورة شبه اجبارية، اسمها (مجلة الفرات)، وتعرف نفسها بـ (مجلة الجيل الجديد) وعنوانها (الكاظمية ص ب 9030 بغداد) وتصدر عن مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الاسلامي، وهي مؤسسة برعاية المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، حيث تنشر المجلة دائما صور ومقولات  (حجة الاسلام والمسلمين سماحة السيد عبد العزيز الحكيم)!؟
من المعروف ان هذا المجلس، كان ولا زال الطرف الاساسي في جبهة انصار امريكا في العراق، حيث تحالف معهم  منذ ايام لندن قبل اعلان الحرب. اما ما تبثه وسائل الاعلام عن رفض امريكا للاطراف الاسلامية، فهذه مجرد الاعيب اعلامية غايتها خداع الرأي العام العالمي واقناعه بأن امريكا (عدوة الاسلاميين وحليفة العلمانيين والديمقراطيين)!! وهذا غير صحيح ابدا. فهي حليفة الاسلاميين وخصم الديمقراطيين منذ ايام العربية السعودية، ثم حرب افغانستان، واسلاميوا الجزائر، صولا الى الوضع الحالي في العراق..
وامريكا تستخدم حلفائها الاسلاميين، بصورة محنكة جدا، بحيث انهم ينفذون خططها بكل سذاجة دون ان يدركوا.. بالنسبة للعراق، مثلا، فهي بتحريكها الاطراف الاسلامية الطائفية، السنية والشيعية( كذلك الاطراف الكردية المتعصبة)، نجحت بأيهام العالم اجمع، بأن العراق من دون امريكا سوف يقع بحرب اهلية طائفية عرقية، وان امريكا المسكينة، متورطة في العراق ودورها انساني غايته انقاذ العراقيين من الارهاب والحرب الاهلية؟؟!!
على هذا الاساس، ليس مستغربا ابدا، ان هذه الاطراف الاسلامية الحليفة لامريكا والمشاركة بقيادة السلطة الحالية، تمارس سياستها التكفيرية والطائفية من خلال مؤسسات ثقافية مدعومة بصورة رسمية من امريكا نفسها. فلو اخذنا مجلة( الفرات) هذه، كنموذج بسيط من بين آلاف النماذج الشائعة الآن والمهيمنة على الوضع الثقافي الرسمي، فأنها تدعو اطفال المدارس بصورة مباشرة ومبتذلة الى تكفير الآخر، بل بلغ بها الابتذال ان تسمي المسيحيين وتعتبرهم من الكفرة، وتحكم عليهم بالهلاك في حالة رفضهم اعتناق الاسلام!!
في العدد المكتوب عليه انه صادر  في (شهر ذي القعدة سنة 1425)، حيث لا يوجد رقم عدد، هنالك صفحة تحت عنوان(آية وحكاية) وتحت عنوان كبير (المباهلة)، حيث تبدأ الحكاية بالآية الكريمة المتعلقة بتعامل المسلمين مع الكفار. وطبعا هنالك تزييف كبير لفحوى الحكاية، بحيث تصور ان الآية تتحدث عن نصارى نجران! وكيف ان المسلمين قد خيروهم  بين (المباهلة)( أي الهلاك)!!  او اعتناق الاسلام. وتختم المجلة تلك الحكاية بالمقطع التالي: (( والمباهلة بمعنى الهلاك واللعن والطرد من رحمة الله حيث يجتمع الذين يدور بينهم جدلا بشأن مسألة دينية مهمة يتضرعون الى الله سائلين منه ان يفضح الكاذب ويعاقبه. وهذا الامر فعله النبي في مواجهة نصارى نجران عندما رأى النبي ان الاقناع والحجة لم تعد مفيدة بثنيهم عن تمسكهم بعقائدهم الباطلة كزعمهم بالوهية المسيح))!!. (لمن يرغب الاطلاع على صورة الحكاية المنشورة، ان يطالع موقع: www.aldammir.com )
 لا  احد يمكنه ان ينكر من وجود تحريض مباشر وقاسي واهوج للاطفال المسلمين العراقيين ضد اخوتهم المسيحيين العراقيين. ثم لنفترض في احسن الاحوال ان هذا الحكاية لم  تسمي المسيحيين، بل الكفار بصورة عامة.. فهل من الصحيح وفي ظروف العنف والدمار السائد في الوطن، ان نربي اطفالنا على ممارسة(المباهلة!!) ضد من يختلفون معهم.. اهكذا يقوم حلفاء امريكا بتربية اجيالنا من اجل بناء (العراق الامريكي الجديد) ؟!! عراق العنف والموت والحقد والطائفية؟!! 
                                                 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نحن ابدا لسنا ضد التربية الاسلامية للاطفال ولجميع الناس. وسبق لنا في كتابات كثيرة ان طالبنا باعتبار الاسلام مصدر مهم واساسي من هويتنا العراقية، حيث اكثر من 90 % من العراقيين هم مسلمين. ونحن تماما ضد اولئك الذي يهاجمون الاسلام ويكفرون المسلمين باسم الحداثة والعلمانية. ولكن نحن نريده اسلاما انسانيا خاليا من التعصب والتحريض والتكفير ضد المختلفين. اسلاما يشجع التقارب بين العراقيين بمختلف مذاهبهم ومعتقداتهم حتى الملحدين منهم. ان عظمة أي معتقد تكمن في قدرته على كسب احترام وثقة الآخر المختلف معه. ومن اكبر علامات انحطاط اي معتقد، قدرته على خلق الاعداء وفقدان الحلفاء.
ونحن على ثقة تامة، بأن الجزء الاعظم من الحركات والطروحات المتعصبة والارهابية المتبرقعة بالاسلام، مدعومة بصورة سرية ومحنكة وغير مباشرة من الموساد الاسرائيلي والمخابرات الامريكية واللوبي العالمي  المعادي للاسلام. حيث نجحت هذه الجهات بخلق شبكات من الحركات الارهابية الاسلامية (الموساد الاسلامي) تحت اسماء بن لادن والزرقاوي وغيرهم، وضمت اليها الكثير من الاسلاميين المراهقين والسذج. وللترويج لهذه الحركات تم انشاء تلك الفضائيات(العروبية الثورجية المدعية بمعادات امريكا) حيث يقع مقر اشهرها بجانب قيادة القوات الامريكية في الخليج!!!!؟؟؟
 لقد نجحوا اخيرا بجعل اسم الاسلام مرتبطا بالتعصب والعنف والارهاب. واصبح المسلم في كل مكان، قبل ان ينطق بكلمة واحدة عليه ان يثبت بانه ليس ارهابيا ولا من جماعة بن لادن. والعجيب الغريب، ان الضحايا الحقيقيين لهذا الارهاب الاسلامي، ليسوا من المسيحين ولا من الغربيين، بل ان 99% منهم هم من المسلمين!! ولتذكر ضحايا افغانستان والجزائر ثم العراق..هكذا اذا، قد نجح الموساد الاسرائيلي والمخابرات الامريكية  واعداء الاسلام وحلفاءهم من المسملين السذج ومعهم الفضائيات الثورجية، ان يحطوا تماما من سمعة الاسلام وبنفس الوقت ان يجعلوا المسلمين كبش فداء لطروحاتهم التكفيرية المتعصبة؟!
وعلى الله العطوف وعلى الضمائر الحية ليتوكل المتوكلون..

صفحات: [1]