عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - عدنان حســـين

صفحات: [1] 2
1

عدنان حسين
ولماذا أنتم مُستفزّون ومُستنفرون، مثلنا، ضد (داعش) في ما خصّ تهجير المسيحيين وتهديدهم في الموصل؟.. كيف ومن أين نزلت شآبيب الرحمات على نفوسكم لتنوحوا على هؤلاء الذين لا تعترفون في قرارة أنفسكم بهم وبدينهم، وفي أحسن الأحوال تُعدونهم مواطنين من الدرجة الثالثة؟نعم.. إنني أعنيكم جميعاً يا جماعات الإسلام السياسي.. شيعتكم وسنتكم.. أحزاباً وميليشيات.. أنتم لا تختلفون عن (داعش) في شيء.. انه يمثلكم في الواقع .. هو صورتكم من دون ماكياج أو رتوش، وهو نسختكم الفاقعة .. قبل أن يأتي (داعش) الى الموصل بسنوات كنتم السبّاقين الى تهجير المسيحيين وقتلهم بدم بارد.. فعلتم هذا في بغداد والبصرة والموصل والحلة والناصرية والعمارة وتكريت وكركوك.. فجّرتم بيوتهم وكنائسهم ومدارسهم .. هجرّتموهم واستحوذتم على مساكنهم وممتلكاتهم.. لم توفروا مدينة واحدة في البلاد لكي يحيى فيها بسلم المسيحيون، سكان البلاد الذين عاشوا فيها قبل أن يأتي اليها أجدادكم فاتحين.. قبِلوا بدفع الجزية للبقاء على دينهم، وانتظروا قروناً لكي تقوم الدولة المدنية التي تساويهم في الحقوق والواجبات بسائر مواطنيها، فضمنوا عدم انتهاك كرامتهم، فابدعوا وصاروا عماد النهضة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في دولة العراق الحديثة التي آل حكمها أخيراً إليكم في غفلة من الزمن، فأسأتم الأدب والإدارة والسياسة والحكم.اسألوا دولتكم التي تقاسمتم حصصها الطائفية، وتقاتلتم على المزيد من هذه الحصص طمعاً في المزيد من المال والسلطة والنفوذ.. اسألوها كم بقي من المسيحيين في البصرة والموصل وفي دورة بغداد وزيّونتها وبغداد الجديدة؟.. اسألوا دولتكم الفاشلة هذه كم بقي الآن من مسيحيي العراق الذين قُدر عددهم في الثمانينيات من القرن الماضي بما يزيد كثيراً عن المليون نسمة؟.. تلفّتوا حواليكم وانظروا كم من أعضاء أحزابكم وميليشياتكم قد استحوذوا على بيوت المسيحيين احتلالاً أو شراءً بأبخس الأثمان بعد تهديدات بالقتل؟وهل كثير عليكم إساءة معاملة المسيحيين والصابئة المندائية والإيزيديين، وانتم قبل ذلك وبموازاته قد تقاتلتم في ما بينكم، سنةً وشيعةً، فهجّر السني منكم جاره الشيعي وهجّر الشيعي جاره السني، فأضحت أحياء المدن، بما فيها العاصمة بغداد، شيعية خالصة أو سنية خالصة، بل صار المسلم السني منكم يذبح أخاه المسلم الشيعي ويفجّره ثم يلعنه بوصفه رافضياً من أهل النار، وغدا المسلم الشيعي يُطلق رصاص الكاتم والرصاص ذا الأزيز العالي على أخيه المسلم السني ثم يلعنه بوصفه من أهل الجحيم النواصب!نعم هذه هي سيرتكم الذاتية.. كتابكم الذي في يمينكم .. تاريخكم القريب وحاضركم المُعاش الذي أتاح لـ(داعش) أن يجتاز الحدود ويكتسح المدن والبلدان، ليكمّل ما بدأتم ولينجز لكم ما كنتم تعملون له: حكم الدين والشريعة والمذهب.(داعش) منكم واليكم .. وانتم جميعاً داعشيون وإن لم تعترفوا!

2
المنبر الحر / طبق الأصل: عارهم!
« في: 00:26 05/06/2014  »
شناشيل
طبق الأصل: عارهم!

عدنان حسين


لا أعرف د.علاء الطاهر، ولم يسبق لي القراءة له، وهذا بالتأكيد عيبي وليس عيب الرجل.. المهم إنني قرأت له أمس "نظرات" و"عبرات" كتبها على هامش مهمة خيرية ونشرها عبر "فيسبوك"، تحدث فيها عن "عارنا" حيال بعض من أهل البلاد القدامى، المسيحيين.. انه عارهم في الواقع.. عار دولتنا والقائمين عليها من أهل الإسلام السياسي الشيعي والسنّي سواء بسواء. هنا ما كتبه:
"وأنا استقل السيارة المخصصة لذهابنا في رحلة للبحث عن بعض العوائل المسيحية المتعففة، لم يكن يدور في خلدي أني سأشاهد ما شاهدته صباح هذا اليوم.. لقد تعودت أن ارسم للعوائل المسيحية في العراق صورة في ذهني كطبقة ميسورة في كل شيء.. في التعليم .. في الثقافة.. في المال وطبعاً في الجمال. ورغم حبي لهم واعجابي بطريقة حياتهم كنت أعتقد في أحد مراحل عمري انهم مفضلون علينا من قبل الدولة فكنت أنفر من ذلك. ومما ساعد في ترسيخ هذا الاعتقاد لدي هو الإشاعات التي كان يتحدث بها المجتمع أيام الحصار بأن المسيحيين تصلهم مساعدات خاصة عن طريق الكنيسة تبعد عنهم شبح الحصار وآثاره التي ساهمت في اختفاء الطبقة المتوسطة ونكوصها الى طبقة فقراء في تسعينيات القرن الماضي، وكانت هناك إشاعات بأن نظام صدام حسين يفضل المسيحيين ويجعلهم في بحبوحة من العيش باتفاق بين طارق عزيز والامم المتحدة، يجري تنفيذه بينما يموت باقي الشعب جوعاً بسبب الحصار، وهذا ربما كان احد الاسباب المهمة للعنف الذي تعرّض له المسيحيون بعد سقوط نظام صدام.
لقد زرتُ اليوم مع مؤسسة خيرية دولية عوائل مسيحية عديدة في مناطق مختلفة من بغداد ورأيت طريقة عيش لتلك العوائل لم أكن أظن أنها موجودة.
اليوم رأيت بأم عيني مصداق قول الجواهري الخالد:
ويستقي دمها جيلٌ وينكرها
ويغتذي روحها خلقٌ وتعتفدُ
(تعتفد: تغلق بابها على نفسها فلا تسأل أحداً حتى تموت جوعاً).
عوائل مسيحية فقيرة تعاني الخوف والفقر، ونحن نزورهم كنت اقرأ في عيونهم الخوف والطيبة وعزة النفس والامتنان.
لقد أحبوا وطناً فأذلّهم. رفضوا تركه فخنقهم. التصقوا بهذي الأرض يريدون فقط الموت عليها لأنهم أصحابها الحقيقيون.
امرأة مسنّة أردت مساعدتها فغمزتُ لزميلي لكي نعطيها حقيبة مساعدات ثانية بعدما رأيتُ بؤس حالها مع ولدها المختل عقليا فاقتربت مني وقالت بأدب جمّ: "لا، نحن عائلة واحدة مو اثنين سنأخذ حقيبة واحدة" .. هل تسمعون يا قادة الفساد في بلدي يا من تتسابقون على السرقات غنائم لكم .... تباً لكم.
امرأة أخرى ترفض أن تأخذ المساعدة دون أن نُعطي لجارها المسلم ضعفَ ما سوف نعطيها لأن عائلته كبيرة، فحققنا لها مرادها.. وأخرى تُعيل عائلتها رغم عوقها ومرضها دون أن يلتفت لها أحد.. وأخرى جاءت هاربة من بعقوبة خوفاً من التهديد والقتل... وفي بيت آخر رأيت فنانة معروفة مثّلت ذاكرة جيل وعطاء لأكثر من أربعين عاماً في الدراما العراقية تُغلق عليها بابها لتموت ببطء وهي تعاني من أمراض الشيخوخة وضعف الذاكرة، كانت تتكلم بمرارة عن عطائها ومعاناتها والتزامها بفنها طيلة عقود، ثم التجاهل المتعمد لها ولتأريخها، لم تعد تنتظر الآن الا الموت.
لم أتكلم مع أحد منهم الا اغرورقت عيناه بالدموع وهو يتكلم عن جفاء هذا الوطن، وعن حبّه الذي يجعلهم يرفضون بإصرار مغادرته رغم ان معظم أقاربهم في المنافي التي تسهل استقبالهم.
كانوا يتكلمون بطيبة وخوف وتحفظ.. استمعت لهم وانا اشعر بالذنب لما فكرت فيه يوماً.. أشعر بالعار يلفني ويذهب بي بعيداً في أغوار التأريخ.. كنت أريد تقبيل يد كل منهم اعتذاراً عما فعلناه بهم.
كنت أريد تقبيل يد كل منهم نيابة عن أجدادنا الغزاة.. ولكن!!... لم أفعل!!.. فصلف البداوة مازال يجري في عروقي .
(يا ليتني متُّ قبل هذا أو كنت نسيا منسياً).
اعتذر عن نشر أي صورة تُظهر عارنا" .
(انتهى ما كتبه د. الطاهر ، ولا تعليق سوى: انه عارهم - دولتنا والقائمين عليها من الإسلاميين – وليس عارنا).


3
المنبر الحر / رخصة للقتل..؟
« في: 12:26 23/02/2014  »
شناشيل

رخصة للقتل..؟

عدنان حسين


كنا نعتقد ان عصر افلام الـ"ويستيرن" والمغامرات الجيمسبوندية سجل نهايته مع الفيلم البريطاني - الأميركي "رخصة للقتل" (Licence to Kill) المنتج العام 1989 باخراج جون غلين وبطولة تيموثي دالتون، لكننا نفاجأ الآن بان حكومتنا قد أعلنت عن فيلم جديد، واقعي هذه المرة.
وزارة الدفاع كشفت منذ ثلاثة أيام عن تخصيصها 20 مليون دينار مكافأة لكل من يقتل إرهابياً أجنبياً من تنظيمي داعش والقاعدة، و30 مليون دينار لكل من يلقي القبض على أحد هؤلاء الارهابيين.
أمر جيد ومشروع في إطار الحرب ضد الارهاب ان تُخصص مكافآت جوائز للتشجيع على ملاحقة الارهابيين وتسليمهم الى السلطات ليواجهوا القضاء وينالوا جزاءهم العادل، ولكننا لم نعرف كيف ستميّز الوزارة بين عربي أو أجنبي داعشي أو قاعدي وآخر لا علاقة له من قريب أو بعيد بداعش والقاعدة، وانه موجود في البلاد لأغراض أخرى.
الإعلان بهذه الطريقة من دون آليات وقواعد محددة يعد بمثابة منح لكل فرد رخصة بقتل العرب والأجانب المقيمين في بلادنا والادعاء بانه من عناصر داعش او القاعدة، فليس من المفترض أن يحمل الإرهابيون هويات منظماتهم يمكن من خلالها التثبت على نحو قطعي من انهم فعلاً من عناصر هذين التنظيمين الإرهابيين.
الحال سليمة مع من يُلقى القبض عليه، فالتحقيق سيثبت ما اذا كان المقبوض عليه داعشياً أو قاعديا أم لا، ولكن ماذا عن الذين سيُقتلون بموجب رخصة القتل هذه؟ كيف ستتوثق وزارة الدفاع من تبعية المقتول لداعش أو القاعدة؟
لقد ثبت حتى الآن ان المنظمات الإرهابية نجحت في تجنيد بعض الشباب العاطل عن العمل والمحبط في عملياتها لقاء المال .. هذا النمط من الناس يمكن له الآن أن ينطلق في عمليات لقتل الاجانب بدعوى انهم من داعش او القاعدة طمعاً بالمال الحكومي هذه المرة.
حتى لا يتحول اعلان الوزارة الى طريقة لكي يأخذ البعض القانون بيديه لابدّ من اعلان شروط واضحة ومحددة وحازمة لمنح المكافآت بما يضمن الا يُقتل بريء بالشبهة أو من أجل المال، وان تقترن هذه الشروط بعقوبات صارمة على من يمكن أن يرتكب خطأ في هذا الشأن.



4
المنبر الحر / مكابدات الجمعة
« في: 20:13 22/02/2014  »
شناشيل
مكابدات الجمعة
عدنان حسين

 يخيّل اليّ انه في غضون خمس سنوات من الآن سيصبح محظوراً مرور السيارات على نصف شوارع بغداد يوم الجمعة، أقله من التاسعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر .. والسبب (غير المعلن) صلاة الجمعة، فاسبوعاً بعد أسبوع نُفاجأ بإغلاق شوارع وطرق جديدة في العاصمة يوم الجمعة. وبالطبع فان القوات الأمنية لا تعطي معلومات مسبقة عن هذه الإغلاقات لكي يتدبر الناس أمورهم قبل أن يتورطوا بالاتجاه الى مقاصدهم عبر طرق تكون قد تقرر إغلاقها من دون سابق إنذار.
افتراضي بحظر السير في نصف شوارع بغداد يقوم على واقع ان الجوامع والمساجد والحسينيات تتكاثر مثل الفطر هذه الأيام .. ليتنا كان لنا بعدد نصفها من المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية التي تمسّ اليها حاجة الناس بدرجة قصوى من فرط التدهور في الصحة العامة وتفشي التلوث في كل الأمكنة والأرجاء. وليتنا كان لنا بعدد نصف الجوامع والمساجد والحسينيات من المدارس المناسبة لتعليم بناتنا وابنائنا بالمستوى المعقول.
في السابق كان يُقال عن بغداد ان بين كل مقهى ومقهى فيها مقهى، أما الآن فان بين كل جامع وجامع في بغداد جامعاً، وبين كل مسجد ومسجد مسجداً، وبين كل حسينية وحسينية حسينية، وبين كل جامع ومسجد أو حسينية جامعاً او مسجداً أو حسينية .. ربما زاد عدد الجوامع والمساجد والحسينيات عن عدد المصلين!
لست أدري إن كان صحيحاً ما يقال ان بعض ما يجري بناؤه من جوامع ومساجد وحسينيات جديدة يدخل في باب "البيزنس" أكثر منه في باب التقوى وطلب مرضاة الله.. يقال ، والعهدة على من يقول، ان بعض الجوامع والمساجد والحسينيات يبنى من أجل غسل الأموال أو التعمية على فساد فاسدين ومفسدين أو لـ "تحليل" مال حرام مكتسب بوسائل غير شرعية وغير مشروعة .. الله أعلم!
ليست لدي مشكلة مع عدد ما يبنى من جوامع ومساجد وحسينيات.. مشكلتي وغيري مع الجوامع والمساجد والحسينيات تكون يوم الجمعة بالذات، وهو اليوم الذي أحرص وكثيرون من أمثالي من غواة الثقافة، فضلاً عن المثقفين، على الذهاب الى شارع المتنبي (أظن ان عدد رواده هذه الأيام يزيد عن عدد المصلين) .. كان يمكنني في السابق ان اعبر من الكرخ الى الرصافة عبر جسر العطيفية – الاعظمية، حتى فوجئت منذ ايام بقطع طريق العبور الى الاعظمية عند نقطة التفتيش القائمة عند رأس الجسر. والغريب ان القوات الأمنية لم تكلف نفسها وضع علامة عند رأس الجسر من الطرف الآخر تعلن عن منع المرور.(كتبت عن هذا سابقاً) .. الطريق البديلة هي المارة بجسر الصرافية (الحديد)، لكن المرور بهذه الطريق تتحول جمعة بعد جمعة الى مكابدة حقيقية، فجانب من الطريق يُحظر المرور عليه منذ الصباح، والسيب جامع براثا وصلاة الجمعة فيه.
بعد التي واللتيا نعبر الى الرصافة فنفاجأ هذه الأيام بقطع شارع الجمهورية من باب المعظم .. لماذا؟ صلاة الجمعة أيضاً! .. والمقصود الصلاة في جامع الخلفاء وجامع الخلاني .. اذا احتججت أو سألت مجرد السؤال: ما أبعد باب المعظم عن الجامعين! فلن تجد من يردّ عليك!
لا أظنه عملاً صالحاً وخيّراً أن تُقطع الطرق المؤدية الى مصالح الناس والمستشفيات وسواها .. الصلاة يُمكن اقامتها في البيوت وفي كل الأمكنة، لكنّ مصالح الناس لا تؤدى إلا في أماكنها.


5
المنبر الحر / كلام عسكري مفيد
« في: 20:38 19/02/2014  »
شناشيل
كلام عسكري مفيد
عدنان حسين

هذه أول مرة نسمع فيها كلاماً من مسؤول عسكري يختلف عما ألفنا سماعه بشأن الحرب ضد المنظمات الإرهابية. وما كنا نسمعه، بما فيه تصريحات القائد العام للقوات المسلحة، كان يعطي الانطباع باننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر المؤزر على هذه المنظمات.
على الدوام كنا نسمع كلاماً يقلل من قدرات المنظمات الإرهابية، وبخاصة القاعدة، ويعطي الانطباع بانها في النزع الأخير، وهو انطباع كانت تعززه إعلانات مبالغ فيها عن أعداد القتلى والمعتقلين من عناصر هذه المنظمات. في المقابل بقينا نواجه على الأرض وضعاً تتصاعد فيه حدة الهجمات الإرهابية ويتّسع نطاقها، ولا أحد من القيادات العسكرية يفسّر لنا كيف يحصل ما يحصل ولماذا يجري الذي يجري.
يوم الأحد أبلغ المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد العميد سعد معن وكالة "المدى برس" أن قيادته "لا تستطيع إعلان انتهاء العمليات العسكرية" ضد تنظيم "داعش" في الأنبار أو سواها، وان "الحرب مع التنظيم" لاتزال "كبيرة وشرسة".
هذا كلام مفيد ومسؤول، لا يبالغ في قدرات قواتنا، ولا يهوّن من قدرات داعش، ولا يشوّش صورة ما يدور في الفلوجة والرمادي.
لو كان العميد سعد معن قد صرّح بخلاف ما جاء في تصريحه هذا، لوضع نفسه ومؤسسته في حال لا تسر الصديق، ففي اليوم نفسه نُشرت معطيات أطلقتها مؤسسة دولية مرموقة أفادت بأن العام المنصرم سجل تقدماً كبيراً في مستوى الإرهاب الذي تمارسه "القاعدة" وفروعها ليس فقط في العراق وإنما في العديد من البلدان الأخرى.
هذه المؤسسة هي مركز بحوث الإرهاب والنزاع المسلح في مؤسسة (IHS) الدولية. وقد أعلن مدير المركز ماثيو هينمان أن عدد الهجمات "الإرهابية  في العالم ارتفع في العام الماضي ليصل إلى 18 ألفاً و524 عملية، بزيادة نسبتها 150% عن العام 2009، وان عدد الهجمات الانتحارية في العراق زاد أربعة أضعاف عددها في العامين السابقين، وقال إن "الحالة هنالك (العراق) أسوأ كثيراً، إذ زادت العمليات الإرهابية التي يشنها تنظيم القاعدة بنحو دراماتيكي"، مؤكداً أن "الأعمال الإرهابية المسجلة في العراق تفوق تلك التي تحدث في سوريا وأفغانستان"، لافتاً إلى أن "العدد الكلي للهجمات الانتحارية في العراق في 2013، بلغ ثلاثة أضعاف عدد الهجمات المسجلة في سوريا، وتقريباً ضعف العدد المسجل في أفغانستان".
بصرف النظر عن الأسباب التي جعلت من تنظيم القاعدة يصبح بهذه القوة التي مكّنته من التصرف بحرية لافتة في البلاد الى درجة احتلال مدينتين مهمتين، الرمادي والفلوجة، فأن مصارحة الشعب بالواقع أمر مهم لتحشيد القوى في عملية الكفاح ضد هذا التنظيم، فالحروب لا تُكسب بالتمنيات ولا تضع أوزارها بنشر المعلومات الكاذبة.


6
شناشيل
السيد المالكي.. أجبني!
عدنان حسين

بوصفي مواطناً عراقياً يرتّب له الدستور حقوقاً مثلما يرتّب عليه واجبات، وبوصفي مناضلاً عنيداً ضد دكتاتورية صدام حسين، وبوصفي أيضاً عضواً في النخبة الثقافية في البلاد، أتوجّه بكلامي هذا على نحو مباشر إلى السيد نوري المالكي، بوصفه رئيساً لحكومة الدولة التي أنا أحد مواطنيها، وبوصفه القائد العام للقوات المسلحة كلها في هذه الدولة.
السيد المالكي: أمس صرّح مصدر أمني بان"عبوة ناسفة انفجرت مستهدفة رتل النائب السابق في البرلمان مشعان الجبوري أثناء مروره في أحد الطرق بقضاء الشرقاط شمالي (محافظة) صلاح الدين"(الفرات نيوز). وأوضح المصدر ان"الحادث أسفر عن اصابة اثنين من الجنود المكلفين بحماية الرتل بجروح خطيرة"، مبيناً ان"الجبوري لم يصب بأذى".
السيد المالكي: لماذا وبأي حق وضعتَ جنوداً من الجيش العراقي تحت تصرف مشعان الجبوري؟ ما صفته في الدولة لكي يحظى منك بهذا الامتياز؟ ألأنه نائب سابق؟ أي قانون يُلزم الدولة والحكومة بتوفير مواكبة عسكرية لنائب سابق وتعريض حياة جنود لخطر الموت؟ شخصياً ركبتُ في العديد من المرات مع نواب سابقين في سياراتهم ولم يكن يواكبهم جندي واحد، بل إنني ركبت في العديد من المرات مع نواب حاليين في سياراتهم ولم يكن يواكبهم جندي واحد.
السيد المالكي: إنني اتهمك، بوصفك رئيساً للحكومة وقائداً عاما للقوات المسلحة، بخرق قوانين البلاد وبالتصرف بما هو ملكية عامة لتحقيق مصالح شخصية، والا بأي حق جنّدتَ قوة عسكرية في مواكبة مشعان الجبوري؟ وباي مسوّغ عرّضتَ حياة أفراد في الجيش العراقي للخطر من أجل تأمين تنقلات شخص ليست له أي صفة في الدولة العراقية؟ هل فعلتَ هذا لأن بينك وبينه علاقة خاصة؟
السيد المالكي: بتصرفك هذا تجعلني اعتقد بانك تخرق أيضاً قانون مكافحة الإرهاب، فمشعان الجبوري مشمول بأحكام هذا القانون.. أرجو أن تطلب من مساعديك توفير النص الكامل لهذا القانون، ونماذج مما كانت تعرضه قناتا"الزوراء"و"الشعب"اللتان موّلهما وأدارهما مشعان الجبوري لسنوات عدة.
السيد المالكي: ألا تعلم ان مشعان الجبوري كان يُحرّض علناً عبر القناتين على ارتكاب عمليات إرهابية ضد المواطنين العراقيين ومؤسسات الدولة العراقية؟ الا تعلم انه كان يبثّ البرامج التي تُعلّم كيفية صنع العبوات الناسفة وطرق تفجيرها؟ الا تعلم أيضاً ان مشعان الجبوري كان يصف حكومتك بالحكومة الصفوية العميلة لإيران وانك شخص صفوي وعميل لإيران؟
السيد المالكي: ان مجرد وجود مشعان الجبوري طليقاً يستفزنا نحن وطنيي العراق ومثقفيه الذين ناضلوا ضد دكتاتورية متوحشة خدمها مشعان الجبوري.. ويستفزنا وجود مشعان طليقاً ايضاً لانه لا انت ولا أي شخص في حكومتك ومكاتبك ولا هيئة الادعاء العام قد بادر الى مساءلة مشعان الجبوري عن نشاطه المشمول بقانون مكافحة الارهاب.
السيد المالكي: بصفتي مواطناً عراقياً اتمتع بكامل حقوق المواطنة ولم يسبق أن حُكِمَ عليّ داخل البلد وفي المنافي بجناية أو جنحة مخلة أو غير مخلة بالشرف، وبصفتي وطنياً عراقياً قارع دكتاتورية صدام، أطلب منك، بصفتك رئيساً لحكومة بلادي والقائد العام لقواتها المسلحة، أن تفسّر لي ولغيري لماذا جنّدتَ أفراداً من الجيش العراقي في خدمة مشعان الجبوري ووضعت أرواحهم ودماءهم على كف عفريت، وأن تخبرني وغيري عما ستقوله لعائلتي الجنديين المُصابين بجروح خطيرة اذا ماتا.. هل ستقول انهما ذهبا فداءً للوطن؟ هل أصبح مشعان الجبوري هو وطننا، أنت وانا وسائر العراقيين؟



7
شناشيل
داعش تقاتلنا .. وندعم حاضنتها!
عدنان حسين
ما كنا في حاجة لأن يعترف وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لرئيس مجلس وزرائنا نوري المالكي حتى نتبين ان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يعمل على نحو مباشر لصالح النظام السوري، فهذا ما أعلنته وقدّمت الدلائل عليه القوى السورية المنخرطة في الكفاح المسلح والسلمي ضد نظام بشار الأسد.
في حديث الى احدى محطات التلفزيون التركية أخيراً، قال داود أوغلو ان النظام السوري "يستهدف جميع المعارضين له بالقصف الجوي؛ لأنه لا يمتلك الجرأة على القتال البري، وعندما يضطر المعارضون للانسحاب من المناطق المقصوفة؛ فإن داعش تتقدم لملء الفراغ".
وكشف الوزير التركي عن انه في اللقاء الأخير مع المالكي "قلت له لقد كنت على حق ونحن على خطأ؛ عندما التقينا قبل أربع سنوات وأخبرتني أن الأسد أنشأ معسكرات للقاعدة؛ وأنه يستخدمها ضد العراق وسيأتي اليوم الذي يستخدمها فيه ضد تركيا وضد شعبه، والآن وبعد أربع سنوات أقول أنكم كنتم على حق".
داود اوغلو الذي محضت حكومته "داعش" ( القاعدة) دعمها  العسكري واللوجستي، يكتشف الان انه كان على خطأ لأنه لم يصدّق بان داعش ، تحظى برعاية مباشرة من النظام السوري.
قبل داود اوغلو قدّمت القوى السورية المناهضة لنظام بشار ( وبخاصة الائتلاف الوطني والجيش الحر) وقائع ودلائل على العمل المنسق بين هذا النظام وداعش وعلى مسؤولية التنظيم الارهابي عن مقتل المئات من عناصر الجيس الحر وتسليم آخرين الى النظام السوري. وزيادة على هذا عرضت قناة "العربية" اعترافات لداعشيين أكدوا فيها هذه المعلومات.
السؤال الآن : اذا كان السيد المالكي قد حذّر تركيا عبر وزير خارجيتها منذ أربع سنوات من داعش (القاعدة) صنيعة سورية وان نظام بشار سيستخدمه ضد تركيا مثلما يوظفه ضد العراق، وانه ثبت الآن ذلك الكلام حتى للاتراك، لماذا اذاّ تواصل حكومتنا دعمها للنظام السوري سياسياً ودبلوماسياً في المؤتمرات العربية والدولية؟ ولماذا تدعمه ، أو تتساهل معه في الاقل، مادياً، بالسماح بعبور الاسلحة والمقاتلين من افراد المليشيات الحدود للقتال في سوريا بحجة الدفاع عن المراقد المقدسة؟ (بشهادة الصور المنتشرة على حيطان معظم مدننا لشبان في عمر الزهور قضوا في القتال داخل سوريا).
داعش تجاوزت الخطوط الحمراء واصبحت قواتها تشتبك مع قواتنا على مرمى حجر من عاصمتنا، فهي تهدد الآن بافدح الاخطار أمن بلادنا وشعبنا . لماذا ولمصلحة من وبطلب ممن تتناسى حكومتنا ان هذا التنظيم الارهابي وُلد وترعرع داخل الاراضي السورية بعلم نظام بشار وباسناد مباشر من أجهزته الأمنية؟  ولماذا ولمصلحة من وبطلب ممن تواصل حكومتنا دعمها لنظام بشار حاضنة داعش؟



8
شناشيل
شفافية وزارة التربية
عدنان حسين

زارتنا في الأيام القليلة الماضية الصحفية الأردنية – الفلسطينية الشجاعة حنان الكسواني التي عرفناها على نحو خاص من خلال تحقيق صحفي استقصائي (صحيفة الغد الأردنية) كشفت فيه عملية تغيير تاريخ صلاحية البسكت الإندونيسي الخاص بتلاميذ المدارس والأمهات الحوامل المورّد الى العراق بواسطة برنامج الغذاء الدولي التابع للأمم المتحدة.
تجلّت شجاعة الزميلة الكسواني في اختيارها وتنفيذها موضوعاً صعباً للغاية، تعرضت بسببه الى المضايقات والتهديد ومحاولات التشهير، لثنيها عن الكشف عمّا توصلت اليها من حقائق صادمة ليس فقط لجهة تغيير تاريخ الصلاحية وإنما أيضاً لجهة ظروف العمل غير الإنسانية في ورشة التغيير. كما تجسّدت شجاعتها في زيارة بغداد في هذا الظرف الذي هو من أصعب ظروف بغداد، وبخاصة على الصعيد الأمني.
الزميلة الكسواني التي حضرت الى بغداد بدعوة من النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين لتعريف زميلات المهنة وزملائها بخبرتها في مجال الصحافة الاستقصائية، وبتجربتها في إعداد وتنفيذ تحقيق البسكت، حرصت على استثمار الزيارة للحصول على المزيد من المعلومات بشأن القضية من الجانب العراقي، فجرى الاتصال بوزارة التربية لهذا الغرض. لا أخفي دهشتي، وتقديري، للسرعة الفائقة التي تجاوب فيها وزير التربية الدكتور محمد تميم مع رغبة الزميلة الكسواني.
الرغبة نُقلت الى الوزير مساء الخميس، وصباح السبت (أمس)، وهو يوم عطلة، وجدنا في انتظارنا في ديوان الوزارة وكيل الوزارة ونصف دزينة من المدراء العامين فيها.. حضروا مع ملفاتهم السمينة بوثائق المكاتبات الداخلية والمتبادلة مع الوزارات الأخرى وبرنامج الغذاء الدولي. وعلى مدى ساعتين أجاب الوكيل والمدراء العامون عن أسئلة الزميلة الكسواني بشفافية عالية.
ستحتاج الزميلة الى بعض الوقت لمراجعة الوثائق كيما تُعدّ الحلقة الجديدة من تحقيقها. وبالطبع فأنها لن تُصدر حكماً وانما يقتصر دورها، بوصفها صحفية مهنية، على عرض المعلومات المتوفرة لديها ومطابقتها مع المعلومات التي تحصلت عليها من المصادر الأخرى.
أظن ان مسؤولي وزارة التربية محقون في إخلاء مسؤولية وزارتهم مما جرى على الاراضي الاردنية، ومن أية تبعات مترتبة على عملية تغيير تاريخ صلاحية البسكت، فلا علاقة من قريب أو بعيد للوزارة بالعملية، بحسب الوثائق التي اطلعنا عليها أمس. وما يعزّز هذا الظن ويرفعه الى مرتبة اليقين عدم تردد الوزارة في فتح ملفاتها ووضعها في متناول الزميلة الكسواني ومن رافقها، وكنت أحدهم.
هذه الشفافية تبعث على الثقة بسلامة موقف وزارة التربية. وهذه التجربة أضعها برسم سائر الوزارات ومؤسسات الدولة التي يتعين أن تدرك ان من واجبها فتح صناديق أسرارها للاعلاميين، لتمكينهم من الوصول الى المعلومات ونقلها الى الناس، فحقُّ أساس للناس أن يعرفوا الحقيقة حتى لو كانت صادمة وجارحة.


9
المنبر الحر / أهو كذلك؟
« في: 19:53 15/02/2014  »
شناشيل
أهو كذلك؟

عدنان حسين

سواء أهو الإهمال أم التواطؤ يكمن وراءه، فان الهروب من السجن جريمة ، المسؤولية عنها وعقابها يتجاوزان مرتكبها المباشر الى مسؤولي السجن وحراسه المهملين أو المتواطئين. وفي سجوننا حدثت الجريمة ليست مرة واحدة ولا مرتين ولا ثلاثاً .. العدد خرج عن الحساب، وحجم الجريمة ومستواها مضاعف، فالهاربون هم عتاة الإرهابيين القتلة الذين ظلوا يفرّون بالعشرات والمئات في كل مرة. وفي المرات كلها كان السبب هو التواطؤ وليس الإهمال، لكننا لم نسمع ان أحداً من المتواطئين، وبخاصة كبارهم، قد نال جزاءه العادل عن جريمته.
الاربعاء الماضي نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً مثيراً للاهتمام عن هروب السجناء والمعتقلين من إرهابيي القاعدة وداعش من السجون العراقية، أعدّه مراسلها النشيط في بغداد تيم ارانغو ،ومحررها المتخصص في شؤون الإرهاب والأمن الوطني إريك تشميت، بمعاونة فريق متوزع  بين العراق وسوريا. التقرير لفت الى أن السجناء والمعتقلين الفارّين عاد مئات منهم الى الالتحاق بصفوف منظماتهم الإرهابية فزادوا من قوتها وعززوا من سلطة قياداتها، وانهم يساهمون الآن بفعالية في جبهات القتال الممتدة من الأنبار الى سوريا، وهذا ما يفسّر ازدياد مستوى النشاط المسلح للقاعدة وداعش في العراق وسوريا خلال العام الماضي، كما ان النجاح المتكرر لعمليات الهروب شجّع على تنامي أعمال العنف داخل السجون والمعتقلات العراقية.
مما نستنتجه من التقرير ان الوضع الأمني الصعب الذي تعيشه مدن محافظة الأنبار منذ شهر ونصف الشهر ربما ما كان له أن يكون لولا هروب المئات من إرهابيي القاعدة وداعش وسواهم من المنظمات الإرهابية، وهو هروب ما كان له أن يحدث لو لم يكن هناك مَن ارتكب جريمة الإهمال أو التواطؤ. فما الذي جرى مع المهملين أو المتواطئين، إن كانوا من وزارة العدل التي تدير السجون أو من وزارتي الداخلية والدفاع اللتين تؤمنان الحراسة للسجون، كما أفترض؟
ترتّب على هروب إرهابيي القاعدة وداعش من سجوننا مقتل وإصابة المئات، في الأقل، من العراقيين وترويع آخرين والحاق أضرار فادحة بممتلكات عامة وخاصة، ثم احتلال مدن بكاملها (الفلوجة والرمادي وسواهما) والتحصّن فيها. وهذا كله نتيجة لجريمة كبيرة مرتكبة، إهمالاً أو تواطئاً، تستحق العقاب المشدّد.
كان من اللازم ان تجري محاكمات للمتورطين في هذه الجريمة وان تُعلن نتائج التحقيقات فيها والأحكام الصادرة في حق المدانين لنعرف الحقيقة، وهذا حقنا، ولنطمئن الى ان مرتكبي جرائم الإهمال والتواطؤ لن يفلتوا من العقاب، وليُلقَّن المهملون والمتواطئون الدرس حتى لا تتكرر جرائم الإهمال والتواطؤ وحتى لا تتجدد حالات الفرار بالعشرات والمئات لإرهابيين محترفين فتتقوى أكثر المنظمات الإرهابية ويتعزز أمل عناصرها في تحقيق أهدافهم الشريرة.
بخلاف هذا سنظن ان الإهمال أو التواطؤ حاصل في أعلى المستويات في دولتنا .. أهو كذلك؟


10
المنبر الحر / افتراضات
« في: 22:52 12/02/2014  »
شناشيل

افتراضات

عدنان حسين

الحمّى تأتي دائماً من الرجلين، بحسب الموروث الشعبي. أفترض ان الحكومة – حكومتنا ما غيرها – فيها حمى شديدة الآن، صاعدة اليها من رجليها، ورجلا الحكومة هما حلفاؤها، وبالذات حلفاء حزب الدعوة بوصفه الحزب الحاكم.
افتراضي هذا قائم على افتراض آخر هو ان حزب الحكومة مُحرج مما فعله حلفاؤه بالتعدي بالمتفجرات على مكاتب إحدى الصحف المحلية، وتهديد العاملين فيها، وتنظيم تظاهرة في قلب بغداد جرى فيها تمجيد زعيم دولة اجنبية كما لم يُمجّد أي زعيم عراقي في السنوات الأخيرة.
أفترض ان الحكومة وحزبها في حرج شديد وحمّى شعواء لأنه لم يعد من السهل عليهما مواصلة حملاتهما ضد دول جوار أخرى، كالسعودية وتركيا وقطر، بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، فأي كلام من هذا القبيل سيبدو مثيراً لعلامات التعجب والاستفهام، بل الاستهزاء والاستنكار. فما من عاقل سيصدق ان الحكومة – حكومتنا - مهتمة بالسيادة الوطنية ومكترثة بالاستقلال الوطني، فيما هي تغضّ الطرف وتوصد الآذان بالصمغ عن نشاطات من النوع الذي جرى أول من أمس في العاصمة.
من الان فصاعداً، أي كلام يتهم السعودية وتركيا وقطر بالتدخل في شؤوننا الداخلية سيعطي صدقية للكلام الذي يتهم حكومتنا وحزبها ورئيسها بالانحياز الى ايران أو في الأقل التهاون معها.
ما كان للحكومة ورئيسها وحزبها أن يقابلوا بالصمت ما حدث أول من أمس .. انه صمت مريب للغاية، ولابد من القيام بشيء، قولاً أو عملاً، لتدارك الأمر.
عندما قُتلت الأميرة البريطانية دايانا في حادث سيارة في 31 آب 1997، عقد الذهول ألسنة أفراد العائلة المالكة، فيما خيّم حزن بالغ على الشعب البريطاني الذي انتظر من ملكته كلمة لمواساته وتأبين أميرته، ولما طال الانتظار ثلاثة أيام خرجت احدى الصحف اليومية الشعبية بمانشيت يقول: (( قولي شيئاً يا أمنا !))، وكان ذلك واحداً من أقوى المانشيتات في تاريخ الصحافة، حتى ان الملكة اليزابيث الثانية المعنية بالمانشيت ظهرت الى الناس عبر شاشة التلفزيون مساء ذلك اليوم وقالت كلاماً في الأميرة الفقيدة المحبوبة أقرب الى الشعر.
ما كان يجدر بالحكومة أن تتهاون حيال ما حدث، لأن السكوت عما حدث يزعزع اركان شرعيتها، فما معنى أن تكون لدينا حكومة ولا تفعل شيئاً لمواطنيها المهددين داخل اراضيها وفي حدود سلطتها وسيادتها بسبب دولة أجنبية؟ وما كان للبرلمان هو أيضاً أن يصمت ولا يستنكر الفعل ولا ينتقد الحكومة عن موقفها المفرّط بالسيادة والاستقلال.
أفترض الآن ان هذا الكلام سيجعل الحكومة تستحي على حالها وتأمر برفع الصور الكبيرة التي تُركت في ساحة الفردوس وغيرها، فبقاؤها سيظل شاهداً على تفريط هذه الحكومة بسيادتنا واستقلالنا الوطني.







11
المنبر الحر / وين رايحين؟
« في: 19:19 11/02/2014  »
شناشيل
وين رايحين؟   
عدنان حسين
أمس كنتُ شاهداً على ان قواتنا الأمنية يُمكنها أن تتصرف بمهنية، إن أرادت أو وُجهت اليها الأوامر بذلك. في ساحة الفردوس تفرجتُ وقتاً مناسباً على التعامل المهني لهذه القوات مع مئات كانوا ينظمون وقفة احتجاجية أو مظاهرة.
لم تفعل هذه القوات سوى حراسة التظاهرة وتأمين بدئها وتواصلها وانفضاضها بسلام وسكينة بالوقوف على مسافة من المتظاهرين وعدم مضايقتهم، وتسهيل مهمة الاعلاميين الذين حضروا بالعشرات لتغطية الحدث، فلم تصدّ صحفياً أو تعتقله أو تضربه بالكرابيج، ولم تكسّر لمصور كاميرته ولم تمنع سيارات النقل الفضائي الحي (SNG).. هذا هو التصرف المهني للقوات الأمنية في بلد يكفل دستوره حرية التعبير، بما فيها تنظيم التظاهرات.
لكن، من حقنا أن نسأل: لماذا تكيل قواتنا الأمنية والقائمون عليها بمكيالين؟ لماذا تسمح بتنظيم تظاهرة وتمنع أخرى؟ لماذا تتعامل بمهنية مع متظاهرين سلميين ولا تتعامل بالمثل مع متظاهرين سلميين آخرين، فتهاجمهم وتمنعهم من التحرك ومواصلة تظاهرتهم، وتتعامل بعدوانية مع الاعلاميين الساعين لتغطية التظاهرة؟
التظاهرات التي جرت منذ شباط 2011 حتى الان، معظمها لم تتصرف معها القوات الأمنية بمهنية، ابتداءً من منح رخصة التظاهر وانتهاء بالتظاهر نفسه.. أستثني من ذلك التظاهرات الموالية للحكومة ولحزب الدعوة ورئيسهما، فهذه كانت تحظى دائماً، كما تظاهرة أمس، بخدمة أمنية خمس نجوم، فيما التظاهرات الرافعة شعارات الاصلاح السياسي وتحسين الخدمات العامة والحصة التموينية ومكافحة الارهاب والفساد المالي والاداري والفقر والبطالة والتقليل من امتيازات النواب وأمثالهم واطلاق سراح المعتقلين الابرياء، تعاملها القوات الأمنية بعدوانية، ودائماً بذريعة عدم الحصول على رخصة لا تمنحها وزارة الداخلية أبداً الا للتظاهرات الموالية.
لابدّ ان تظاهرة أمس قد مُنحت الترخيص، لكن مع هذا كان هناك أكثر من سبب قوي لمنع تنظيمها. من هذه الاسباب انها نُظِّمت ضد عمل يدخل في اطار حرية التعبير التي كفلها الدستور، والسبب الثاني انها تلت وترافقت مع عدوان ارهابي على الجهة التي خرجت التظاهرة للاحتجاج عليها. والسبب الثالث ان المتظاهرين الذين توفرت لهم كل وسائل الرفاه والدلال، كانوا يرددون شعارات ويحملون لافتات وصوراً تمجّد زعماء لدولة اجنبية فيما اناشيد التمجيد تشق عنان السماء. ومن المفترض الا تقبل الاجهزة الامنية ووزارة الداخلية والقيادة العامة للقوات المسلحة والحكومة بذلك، فهذا سيفتح باباً لن تُغلق.
كل دول الجوار لها محبون وأنصار وموالون في البلاد. ايران وتركيا وسوريا والاردن والسعودية والكويت.. هل، اذا ما نشرت غداً أحدى الصحف أو بثت إحدى محطات الاذاعة والتلفزيون مادة لا تعجب قيادات هذه الدول، سنسمح بانطلاق احتجاجات على غرار احتجاجات أمس والقاء المتفجرات وتهديد العاملين في الصحف بالقتل؟ هل سنقبل بان يُنظّم أنصار تركيا أو السعودية أو سوريا تظاهرات وتفجيرات وتهديدات كالتي جرت أمس اذا ما كتب أحدنا مقالاً أو بثّ برنامجاً لا يُرضي حكام تركيا والسعودية وانصارهم والموالون لهم في العراق؟
وين رايحين إذاً؟ . هل من مجيب؟



12
المنبر الحر / ما معنى هذا؟
« في: 21:47 10/02/2014  »
شناشيل
ما معنى هذا؟
عدنان حسين

قبل أسبوعين كتبتُ هنا تعليقاً على قرار مجلس الوزراء إعادة الدوام يوم السبت في المدارس والمعاهد والجامعات وسائر المؤسسات التربوية والتعليمية، وقلتُ ان دافع القرار سليم وكذا هدفه، لكنني اجتهدت بانه "ليس القرار الصحيح الذي يُقدّم الحل الناجع لمشكلة كبيرة تتفاقم العام بعد الآخر".
مجلس الوزراء برّر قراره بـ "تأثّر المستوى العلمي لطلبة المدارس والكليات والمعاهد بسبب كثرة العُطل"، وهو تبرير صحيح، لكن العُطل الكثيرة ليست تلك التي تصادف مناسبات وطنية وقومية، وإنما التي تترافق مع مناسبات دينية، وهي كثيرة للغاية، ويمتدّ إحياء بعضها، والتعطل عن الدوام في المدارس والمعاهد والجامعات وسائر دوائر الدولة ومؤسساتها، الى أسبوع وأكثر.
في ما كتبته آنئذ برأتُ عطلة يوم السبت من التأثير على المستوى التعليمي والعلمي للتلامذة والطلبة من الأول الابتدائي الى الدراسات العليا في الجامعات، وقلتُ ان العطل غير الرسمية الكثيرة هي التي كان لها التأثير الأكبر، تليها عملية تسييس العملية التعليمية الممتدة من زمن النظام السابق حتى اليوم.
وفي ما كتبت أيضاً لفتُّ الانتباه إلى ان المشكلة هي في "أن إدارات المدارس وعمادات الكليات ورئاسات الجامعات ومديريات المؤسسات التعليمية أخذت تتبارى في ما بينها للزجّ بالتلامذة والطلبة والمدرسين والأساتذة في مناسبات الزيارات، ويُرغم البعض على تشكيل مواكب تمشي على الاقدام. والاسباب والدوافع في كل الأحوال ليست إيمانية، بل هي انتهازية، فكما جرى تملّق حزب صدام في الماضي في عيد ميلاد الدكتاتور ومناسباته الأخرى يجري الآن تملّق زعماء الأحزاب الإسلامية ومسؤوليها في وزارتي التربية والتعليم العالي في مناسبات الزيارات، وتُنظّم هذه العملية بكتب وتوجيهات رسمية".
رداً على هذا تسلمتُ رسالة من وزارة التعليم العالي تفيد بان الوزير السيد علي الأديب وجّه بنفي وجود تعليمات أو توجيهات في هذا الخصوص. وكفالةَ لحق الردّ، نشرنا رسالة الوزارة. ويؤسفني القول ان الرد لم تكن معلوماته صحيحة، فلديّ شواهد على ما كتبت عنه، وهنا واحد منها:
بالعدد رقم 532 وبتاريخ 25/11/2013 صدر كتاب من قسم الإعلام والعلاقات العامة في رئاسة جامعة بغداد، موجّه إلى "عمادات الكليات والمعاهد كافة" و"مكتب معاون العميد للشؤون الادارية"، وموضوعه "موكب عاشوراء". الكتاب يقول:
"على خلفية المشاركة الفاعلة لجامعتنا في موكب عاشوراء المركزي لطلبة الجامعات العراقية في كربلاء المقدسة مؤخراً والتي أكدت أصالة الولاء المطلق للإمام الحسين(عليه السلام) والايمان العميق بأهداف الثورة الحسينية الحقيقية. وبهذه المناسبة راجين (كذا) ترشيح عدد من التدريسيات والطالبات وبعدد لا يتجاوز الثلاثين تدريسية وطالبة للمشاركة في موكب عاشوراء لطلبة جامعة بغداد في كربلاء المقدسة والتي (كذا) لم يتسن لهن المشاركة في الوجبة الأولى بسبب توجيهات الامانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة في حينها...". وأُرسلت نسخٌ من الكتاب الى مكتب رئيس الجامعة ومكتب المساعد العلمي ومكتب المساعد الإداري".
تُرى، ما معنى هذا؟





13
المنبر الحر / مشروع علاوي
« في: 15:11 09/02/2014  »
شناشيل
مشروع علاوي
عدنان حسين
 ليست مجرد أزمة عابرة يمكن حل عقدتها باجراءات بسيطة في وقت قصير، فنحن الآن في مشكلة عويصة ومحنة حقيقية .. لا سلم أهلياً في البلاد، ولا أمن للناس محفوظاً ، ولا ضمان للارزاق والممتلكات قائماً، ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية جارية، وفوق هذا كله البلاد في حال حرب حقيقية تعداد ضحاياها بالالف كل شهر، وهي حرب لها طابع طائفي برغم النكران.
هذه المحنة التي يختنق بها نظامنا السياسي ومجتمعنا بأسره، يمكن لها أن تؤول الى خراب شامل ما لم يكن هناك حل يجري العمل عليه في الحال.. كيف يكون هذا الحل؟ الخطوة الاولى تبدأ بالحوار بين جميع الاطراف صانعة هذه المحنة والمتأثرة بها. في هذا الإطار أظن ان ما طرحه رئيس ائتلاف "الوطنية" اياد علاوي منذ ثلاثة أيام يمكن أن يكون المخرج من المحنة  وإطار الحل المرتجى. انه يدعو الى عقد مؤتمر وطني لبحث المحنة بطبيعتها واسبابها وعواقبها وسبل الخروج منها وجعلها ذكرى من الماضي.
بطبيعة الحال لن يكون مجدياً أن تقتصر أعمال المؤتمر على الوضع الراهن في الأنبار برغم مخاطره الجسيمة وتداعياته غير الحميدة، ولا أظن ان علاوي يريد لمؤتمره أن ينحصر في هذا وحده، فالوضع في الانبار ليس الا واحداً من التجليات الحادة لمشكلتنا العويصة، وحلّ أزمة الانبار أمنياً لن يوفّر لنا مخرجاً من هذه المشكلة، بل يزيد من تفاقمها.
لكي ينجح هذا المؤتمر يتعيّن أن يشمل كل الاطراف السياسية. أعني القوى السياسية الممثلة في الحكومة والبرلمان ونظيرتها الموجودة خارج الحكومة والبرلمان، إضافة الى ممثلين عن متظاهري الانبار ومتظاهري بغداد الذين نزلوا الى ساحة التحرير قبل ثلاث سنوات ورفعوا شعارات لاصلاح العملية السياسية ولم يستمع لهم أحد فتفاقمت الأمور الى مرحلة المحنة الحالية. ولابدّ ايضاً من مشاركة ممثلين عن المجتمع المدني ومراقبين من الأمم المتحدة.
ونجاح المؤتمر يتطلب، في ظني، ألا يُثقل بجدول أعمال طويل عريض ولا بمناكفات ومزايدات من النوع الذي توطّن في مجلس النواب. وربما الأفضل أن يكون جدول الاعمال مفتوحاً. المشاركون يقدّم كلٌّ واحد منهم رؤيته لما هو قائم (المحنة) ولما يتصوره مخرجاً منها، وتُشكّل لجنة  لتلخيص هذه الرؤى، ويُعرض المُلخّص على المجتمعين من جديد ليُصار الى فرز الرؤى المتماثلة والأخرى المختلفة، فيجري النقاش على هذه الاخيرة من أجل التوصل الى تسويات بشأنها، فينتهي المؤتمر بخارطة طريق أو برنامج محدد للخروج من المحنة، يلتزم به الجميع، وتوضع آلية عملية لمراقبة هذا الالتزام.
أغلب الظن ان طرفاً رئيساً في المشكلة، وهو ائتلاف دولة القانون الذي يُمسك بالسلطة في البلاد، لن يتجاوب مع مشروع علاوي، ليس فقط لانه مشروع علاوي، وانما كما علمتنا تجربة السنوات الماضية لإن الطرف الحكومي لا يرغب في مشروع للحل مطروح من غيره، والمشكلة انه ليس لديه مشروع للحل .. انه يضع رهانه في القوة المسلحة الغاشمة وفي قوة المال، وهو متمسك بهذا الرهان برغم خسارته الأكيدة.

 


14
المنبر الحر / مغالطات .. ممن؟
« في: 15:34 08/02/2014  »
شناشيل
مغالطات .. ممن؟
عدنان حسين
ما كنّا ننتظر أن تقول وزارة العدل أو وزارة شؤون المرأة ان ما ورد في التقرير صحيح، وانهما تأسفان لحدوث ذلك وستتخذان الاجراءات المناسبة لمعالجة الأمر وضمان عدم تكراره في المستقبل، أو في الأقل ان الوزارتين أو أياً منهما ستحققان في الأمر لإجلاء الحقيقة.
عن آخر تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" (مراقبة حقوق الانسان) أكتب الآن، وهو تقرير يتهم السلطات العراقية باعتقال الآلاف من النساء بصورة غير قانونية ومعاملتهن معاملة غير انسانية تصل في بعض الحالات الى حد الاغتصاب.
تراوح ما قالته الوزارتان، رداً على التقرير، بين ان "المعلومات الواردة فيه غير دقيقة"، وانه "احتوى على مغالطات عديدة". ومن غير المستبعد ان تردّ الحكومة على لسان أحد الناطقين باسمها ووزراء دعايتها بالقول ان المنظمة المحترمة ( من جانبي وليس من جانب الحكومة) تتلقى معلوماتها من جهات مُغرضة، بالضبط كما كان يقول نظام صدام ووزراء دعايته رداً على تقارير هذه المنظمة ومنظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، فذلك النظام كان على الدوام ينفي نفيا مطلقاً انه ينتهك حقوق الانسان مع ان الجميع، ونحن معارضوه الذين كنّا في الخارج وبيننا من هم الآن يتولون الحكومة والوزارات بما فيها وزارة الدعاية (أقصد المستشارية الاعلامية لرئيس الحكومة)، كانوا يعرفون ان تقارير "هيومن رايتس ووتش" و" إمنستي انترناشنال" وسواهما كانت صادقة تماماً، بل كنا أحياناً نشعر ان هناك وقائع وحقائق أكثر وأقوى مما تتضمنه تقارير هذه المنظمات التي عادة ما تدقق كثيراً في ما يردها من هذه المعلومات قبل اجازة نشرها.
حتى لو لم يصدر تقرير "هيومن رايتس ووتش" الأخير، فان عدداً غير قليل من العراقيين يعرفون ان الاعتقال بصورة غير قانونية هو من الممارسات المتواصلة في بلادنا حتى اليوم منذ عهدالنظام السابق، وان التعذيب الجسدي والنفسي قائم في المعتقلات، وان الضحايا هم من النساء والرجال سواء بسواء، وان بعض النساء المعتقلات يتعرضن للتحرش الجنسي وحتى الاغتصاب، وان مثل هذا يحدث لمعتقلين رجال أيضاً. هذه المعلومات متداولة في البيوت وفي المقاهي وفي أوساطنا نحن الاعلاميين، ولا دخان من دون نار. ولن يقلل من أهمية هذه المعلومات عدم وجود أدلة مادية تثبتها على نحو باتّ وقطعي، فنظام صدام حسين لم يكن يُعطي أدلة على وحشيته.
أنفع لوزارة العدل ولوزارة شؤون المرأة، وللحكومة عامة، ولنا جميعاً أن تتأنى في الردّ على تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، لتحقق أولاً على نحو نزيه وشفاف، قبل أن تردّ على التقارير بوقائع محددة تثبت انها احتوت على "معلومات غير دقيقة" أو على "مغالطات عديدة" إذا كانت هي كذلك بالفعل. أما النفي والإنكار والمغالطة فمثلها عرفنا الكثير في عهد نظام صدام.


15
المنبر الحر / الأخضر بسعر اليابس
« في: 21:16 05/02/2014  »

شناشيل
الأخضر بسعر اليابس
عدنان حسين
صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تعرضت أمس الى هجوم .. هو هجوم حميد وليس خبيثاً، "نيرانه" صديقة وليست عدوة، وهي لم تكن قاتلة على أية حال. كل القذائف تقريباً كانت موجهة الى مجلس النواب بسبب الصيغة الجديدة – القديمة لقانون التقاعد الموحد.
لم أجد أي مراسلة راضية عن القانون الذي أجازه المجلس أمس الاول، فالمعلقون غاضبون ويعتقدون ان أعضاء البرلمان الذين صوتوا على القانون ومرروه قد مارسوا الغش والخداع مع الشعب، وبالذات اؤلئك الذين كانوا على مدى الاشهر الماضية الأعلى صوتاً ضد الصيغة السابقة التي تمنح كبار المسؤولين في الدولة، وبخاصة أعضاء البرلمان أنفسهم، امتيازات مبالغاً فيها ولا يستحقها البرلمانيون بالذات.
أهم مراسلة كانت في شكل صورة كاريكاتيرية .. على يسار الصورة طفلان في عمر تلاميذ الابتدائية، وعلى يمينها احدى عضوات مجلس النواب وقد وقفت رافعة سبابة يدها اليمني في وضعية تشبه وضعية معلمة داخل صف مدرسي. المعلمة (النائبة) تسأل: الكذاب وين يروح؟؟؟ أحد الطفلين (التلميذين) يجيب: ست، للبرلمان!
على هذا النسق جاء في مراسلة أخرى:
حوار بين برلمانيين(اثنين) بعد التصويت على قانون التقاعد الموحد:
البرلماني 1: لك عيني نعمة، الراتب التقاعدي راح يستمر،
البرلماني 2 : خطية، الشعب سوة مظاهرات وحملات حتى يلغون التقاعد وعلكوا الدنيا وفي النهاية ضربناهم بوري معدّل!
المعنى في المراسلتين ان النواب كذابون، يعدون ولا يفون بوعودهم.
منذ ثلاث سنوات سمعت النكتة التالية التي ربما يمتد تاريخها الى ما قبل ذلك:
اثنان مرّا بساحة كهرمانة في بغداد فوجدا ان كهرمانة لم تعد تهرق الزيت الحار في الجرار الاربعين التي يُفترض وجود الحرامية فيها.
الأول سأل: ليش كهرمانة لا تصبّ الزيت؟
الثاني: لأن لا حرامية في الجرار،
الأول : ليش وين راحوا؟
الثاني: الى البرلمان!
هذه هي، حقيقة، الصورة العامة لأعضاء مجلس النواب (ومعهم الوزراء واعضاء مجالس المحافظات) لدى الناس: كذابون وحرامية.. بالطبع هو حكم جائر في حق عدد غير قليل من الأعضاء الشرفاء... لكن غالباً ما يحترق الأخضر بسعر اليابس، وبخاصة في ظروف كظروفنا الراهنة التي نسمع فيها من أعضاء الحكومة والبرلمان الكثير الكثير من الجعجعة ولا نرى طحناً، وقانون التقاعد الموحد مثال صارخ.

 

16
المنبر الحر / سينما الكيّات
« في: 19:20 04/02/2014  »
شناشيل
سينما الكيّات
عدنان حسين

في التنقل بسيارات النقل العمومي (الكيات والكوسترات وباصات الطابقين الحمراء الحكومية) في بغداد متعة كبيرة أحرص على عدم حرمان نفسي منها.. بالطبع ليس لأن مقاعد هذه السيارات وثيرة ولا لأنها مُبرّدة في الصيف ومُدفّأة في الشتاء، فمعظمها مستهلك أو "تعبان" بالتعبير الشعبي، باستثناء الباصات الحكومية الجديدة... إلى حين!
القدر الأكبر من المتعة، بالنسبة لصحفي مثلي، يتحقق عادة عندما تختنق الشوارع بالسيارات عند نقاط التفتيش لمسافات تمتد إلى كيلومترين أو ثلاثة.. بعض الركاب يتحمل الانتظار في الغالب لعشر دقائق أو ربع ساعة، حتى اذا بدا مسير السيارات بطيئاً للغاية غادروها ليمشوا راجلين الى دوائرهم أو جامعاتهم أو محال عملهم. والذين يبقون يقتلون الوقت الثقيل بالحكايا والاحاديث والنقاشات التي يدور معظمها حول معاناتهم اليومية التي يحمّلون المسؤولية عنها إلى الحكومة، وبخاصة الأجهزة الأمنية، والى مجلس النواب.
صباح أمس، وهو كان للمتنقلين في العاصمة مزعجاً للغاية بسبب التشديد في الاجراءات الأمنية وهطول المطر، التحق بـ "كيتنا" رجل خمسيني أقسم أغلظ الإيمان انه غادر بيته عند الساعة السادسة صباحاً كيما يضمن الوصول الى وجهته قبل الثامنة.. كان الوقت التاسعة الا عشر دقائق، وكان عليه قبل الوصول إلى وجهته، أن يترجل مثلنا عند النقطة التي نزلنا عندها، فالزحام كان لعيناً، وسائق الكيا أعلن انه لن يستطيع مواصلة الرحلة... "ما نوصل للظهر" قال السائق بلهجة اجتمع فيها اليأس والقرف.
هذي الحال تثير نقمة الناس، فانت تسمع انتقادات لاذعة للحكومة والبرلمان واعضائهما الذين تترسخ لدى هؤلاء الناس صورة عنهم بوصفهم "حرامية" و"طماعين" و"غير وطنيين".
في إحدى فترات الانتظار، قبل أن نغادر الكيّا، تجادل اثنان حول اسباب المحنة التي نحن فيها. قال الأول: الجماعة (الذين في الحكم) لا يعرفون شيئاً، قاطعه الثاني: لا والله يعرفون.. يعرفون البوك (السرقة)!. واصل الاول: لا لا ما عندهم علم ولا معرفة بأي شيء.. الاميركان فرضوهم علينا. ردّ الثاني: والله يا عمي كلشي يعرفون، لكنهم يعملون مثل صدام!.. لم ينتظر أن يسأله أحد منا عن علاقة صدام بالأمر وبـ"الجماعة"، فقد واصل قائلاً: عمي، صدام حكمنا بالقوة وعدم الاهتمام بالناس.. ما كان يهمه غير نفسه وعائلته، والجماعة مثله، يريدوننا نبقى نلهث وما نرتاح حتى يبوكون على راحتهم.
في الأثناء مرّ موكب لأحد المسؤولين.. كانت سيارات الموكب تزعق على نحو مزعج.. بعد دقيقتين تقريباً نزل بعض المسلحين وراحوا يجبرون السيارات على التنحي جانباً لتنفتح الطريق للموكب، وإذ كان الأمر متعذراً انتقل الموكب بسياراته السبع أو الثماني الى الجانب الآخر من الطريق، عابراً الرصيف، ليمشي مسرعاً في الاتجاه المعاكس!.. سائق الكيّا علّق بمزيج من الغضب والسخرية: يقولون إرهاب .. هذا مو ارهاب؟
متعة، كما السينما، فالأفلام التراجيدية فيها متعة هي أيضاً.



17
المنبر الحر / صدام حيّ !
« في: 21:10 03/02/2014  »
شناشيل

صدام حيّ !

عدنان حسين

هل سيثير العجب والاستغراب القول أنه بعد إحدى عشرة سنة من اسقاط نظام صدام حسين، لم يزل الدكتاتور السابق يحكمنا ويُطبق الخناق علينا مثلما كان في حياته؟ .. لست أمزح، ففي منتهى الجد أنا الآن.
كيف هيمن صدام على الدولة والمجتمع على نحو مريع لما يزيد عن ربع قرن؟ .. فعل ذلك بالقوانين الصادرة باسم الشعب! وبالقرارات الصادرة باسم مجلس قيادة الثوره الذي اختزله صدام بنفسه... تلك القوانين والقرارات صِيغت بما صِيغت به لتحقق لصدام ما كان يريد، وهو فرض دكتاتوريته الغاشمة.
تلكم القوانين والقرارات لم تزل بأغلبيتها الساحقة مقدّسة من حكومتنا، إذ علينا جميعاً واجب احترامها والخضوع لها والتقيّد بها، والا كنّا خارجين على القانون ومن واجب السلطة القضائية وجهاز الشرطة ملاحقتنا والقائنا في المعتقلات والسجون، تماماً مثلما كان يحصل في عهد صدام، بتهمة انتهاك تلك القوانين!
 هذا كله حاصل لأن مجلس النواب لم يسنّ قوانين بديلة عن قوانين صدام وقراراته. ومجلس النواب، كما نعلم، معطلٌ دوره التشريعي تماماً بحكم عجيب غريب من المحكمة الاتحادية لم يعطِ للبرلمان سوى حق اقتراح مشاريع القوانين التي يتعيّن أن تنظر فيها الحكومة وتوافق عليها قبل أن تعيدها الى المجلس ليشرّعها والا قضت المحكمة بانها لاغية!
واضح ان الحكومة غير راغبة في تشريع قوانين جديدة تحلّ محل قوانين صدام وقرراته. لماذا؟ لأن القوانين الجديدة لابدّ أن تكون منسجمة مع أحكام الدستور.. وأحكام دستورنا تحول دون قيام سلطة مطلقة .. الحكومة الحالية، وسابقتها أيضاً، ترى ضرورة لبقاء السلطة المطلقة التي تتركز الآن في أيدي رئيسها مثلما كانت تتركز في أيدي صدام حسين.
أمس حضرتُ مع جمع من الاعلاميين وممثلي منظمات المجتمع المدني وبرلمانيين اجتماعاً عُقد في إحدى قاعات مجلس النواب، نظّمه بالتعاون مع لجنة المجتمع المدني "المرصد النيابي العراقي"، وهذا منبثق عن مؤسسة "مدارك" لدراسة آليات الرقي الفكري. عرض علينا المرصد ملخصاً لتقريره النهائي عن عمل مجلس النواب الحالي. ومع ان النواب المشاركين سعوا للدفاع، بطريقة بيروقراطية مألوفة، عن مؤسستهم حيال الوقائع الموجعة التي احتواها التقرير، فان حقائق التقرير كانت أقوى من أي تبرير لاخفاق هذه المؤسسة في تحقيق المهمات المناطة بها دستورياً كسلطة أولى في البلاد، وأهمها تشريع القوانين الماسّة حاجة الناس اليها.
في واحد من مئات المعطيات التي تضمنها التقرير نجد انه من آلاف قوانين صدام وقراراته لم يلغ المجلس الحالي على مدى سنواته الأربع سوى 22 قانوناً وقراراً! (واحد فقط في العام الماضي و13 في العام 2012 و8 في العامين 2010 و2011). وبين هذه القوانين والقرارات الملغية كانت 10 فقط بطلب من الحكومة (مشاريع قوانين) .. ما معنى هذا؟ انه يعني ان الحكومة منسجمة تماماً ومتعايشة كليةً مع البيئة القانونية لدكتاتورية صدام حسين.
هل ثمة حاجة للمزيد من القول؟ .. كلا، فقد أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح!




18
شناشيل
قضية سرمد الطائي ومنير حداد

عدنان حسين

لو كنتُ أنا الزميل الصحفي والكاتب سرمد الطائي أو القاضي منير حداد لما انزعجت بأي شكل وبأي مستوى من الدعوى المرفوعة ضدي أمام محكمة قضايا النشر والإعلام، بل لكنت طيّرت برقيات أو بعثت برسائل نصية قصيرة (sms) أو الكترونية الى كل من رئيس مجلس الوزراء ومكتبه ومستشاره القانوني ومحاميه وقاضي محكمة قضايا النشر والإعلام.
مضمون هذه البرقيات او الرسائل يتركز على الشكر الجزيل اليهم جميعاً عما أسدوه من خدمة مجانية لا تُقدّر بثمن إذ رفعوا الدعوى واصدروا أمراً بالقاء القبض بالصيغة التي نُشر بها. نعم انهم قاموا بعمل يستحقون الشكر عليه، فقد تسببوا في تعميم الافكار التي بسببها رُفعت الشكوى وصدر قرار القبض والتحري.
الزميل الطائي كتب مقالات في "المدى" وتحدث الى قنوات فضائية، والقاضي حداد تحدث الى صحف وقنوات فضائية، وثمة الكثير من الناس لم يقرأوا ما كتبه الطائي وما قاله حداد، بيد ان خبر القاء القبض على الرجلين الذي انتشر عبر شبكة الانترنت سريان النار في الهشيم في ظهيرة صيفية، انتقل مع الأفكار المُعترض عليها من رئيس مجلس الوزراء ومكتبه ومحاميه الى اعداد غفيرة من الناس لم تكن قد اطلعت على هذه الأفكار من قبل، أي أن من اقام الدعوى ومن أصدر الأمر بالقاء القبض قد تسببا في نشر هذه الأفكار على نطاق أوسع من النطاق السابق.
الأمر بالقاء القبض، على نحو خاص، أثار استغراباً في الاوساط الاعلامية والثقافية والسياسية وبين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يكن مفهوماً لماذا يُصدر قاضي محكمة النشر والإعلام أمراً بالقبض الفوري من دون سابق انذار في قضية لا تتصل بجريمة خطيرة كالقتل أو التهديد بالقتل أو السرقة المسلحة أو المخدرات وما إلى ذلك.
سرمد الطائي صحفي وكاتب معروف في كل انحاء العراق بل خارج العراق أيضاً، والقاضي منير حداد هو الآخر شهرته تطبق الآفاق، فهو من مؤسسي المحكمة الجنائية الخاصة التي حاكمت أقطاب النظام السابق بمن فيهم صدام حسين، وما كان سيصعب ابلاغ الرجلين بالاستدعاء الى المحكمة لسماع أقوالهما في القضيتين المرفوعتين ضدهما. ليست حجة، مثلاً، ان محلي إقامتهما مجهولان للمحكمة، فللطائي محل عمل معلوم للقاصي والداني، هو صحيفة "المدى"، ولحداد محل عمل معلوم لكل القضاة والمحاكم، هو نقابة المحامين.
الأمر بإلقاء القبض الفوري في قضية نشر وإعلام يثير علامة استفهام كبرى، ويتعيّن على محكمة قضايا النشر والإعلام توضيح الأمر وتبريره من أجل دفع الاشتباه بالقصدية وتسييس القضاء الذي تردد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
شيء آخر يحيّرني في أمر رئيس مجلس الوزراء وموقفه من النقد الذي يُوجه اليه عن نشاطه الحكومي والسياسي، فهو يتسامح حد اللعنة مع سياسيين وعسكريين من النظام السابق مشمولين بقانون المساءلة والعدالة (بعضهم متورط في عمليات قمع بما فيها قتل مناضلين وطنيين بينهم أعضاء في حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه السيد نوري المالكي)، فيستثنيهم ويفتح لهم باب الدخول الى مجلس النواب والحكومة ويعينهم قادة عسكريين وأمنيين ولا يتحمل نقداً، من أجل تقويم أخطائه، من مُضطهدين من نظام صدام كسرمد الطائي ومنير حداد وسواهما!
أمر محيّر حقاً.



19
شناشيل
حيتان وتماسيح وديدان وحيدة!
عدنان حسين
الإنترنت ثورة كبرى في مجال الاتصال الجماهيري (mass communication)، تميّزت عما سبقها من ثورات مماثلة (الصحافة، الإذاعة، التلفزيون) بتحقيق الصلة المباشرة الحيّة بين الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، فتحوّل العالم معها من قرية كبيرة الى دربونة (حارة).
ومن مميزات الإنترنت انها صارت مجالاً للتداول الحر للمعلومات، وميداناً لهتك الكثير من الأسرار التي يقدسها الحكّام والكهنة والشيوخ وبطاناتهم.
أمس، مثلاً، انتشر على موقع "فيسبوك" خبر أفاد بان حصة معتبرة من الطلبة الذين أعلن قبولهم في البعثات الدراسية خارج البلاد كانت من نصيب أبناء وأخوة وأقارب آخرين لأعضاء في مجلسي النواب والوزراء ومن في درجتهم، وان حصة معتبرة من هذه الحصة ذهبت الى ابناء واخوة وأقارب لنواب ووزراء ائتلاف دولة القانون، وان حصة معتبرة من هذه الحصة كانت لأبناء واخوة واقارب قياديين في حزب الدعوة الاسلامية.
لا أشك في ما جاء في هذا الخبر الذي تضمن أسماء بعض المبتعثين تعزيزاً للمعلومات الواردة فيه. ولماذا يتعين أن أشك؟... انها ممارسة روتينية للغالبية العظمى من الوزراء والنواب وغيرهم من كبار المسؤولين في الدولة باستغلال مواقعهم وتقديم أبنائهم وأقاربهم على سائر الناس في الحصول على فرص العمل والدراسة والامتيازات، خلافاً لاحكام الدستور التي شدد على التساوي بين العراقيين في الحقوق والواجبات، وعلى مسؤولية الدولة في ضمان تكافؤ الفرص لمواطنيها قاطبة.
منذ فترة كشف لي مسؤول في الدولة ان نواباً ووزراء ومسؤولين آخرين تقاتلوا لفترة طويلة من أجل ان يضمّوا أبناء واخوة وأقارب آخرين لهم في الدورة التي افتتحها المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية، وهي دورة الغرض منها اعداد دبلوماسيين يمثلون البلاد في الدول الاخرى، ولابدّ للمرشحين الى الدورة ان يتحلوا بمواصفات معينة لا تتوفر لدى الجميع. الدورة تأخرت كثيراً بسبب ذلك التقاتل الذي انتهى بضم ستين من الأبناء والأخوة والأقارب الى الدورة.
لا أظن ان أفراد الطبقة السياسية الحاكمة يستحقون التشبيه بالضواري عن شرههم، فهذه تعاف أنفسها حتى لحم الغزلان عندما تشبع.. وعليه فان المقبرة هي التشبيه الأنسب لأفراد طبقتنا الحاكمة.. انهم كلما استحوذوا على شيء وحصلوا على امتياز، طلبوا المزيد.
البرلمان لهم والحكومة لهم والوزارات بوظائفها الرئيسة لهم، بل زاحموا الفقراء والشباب حتى على وظائف الحرّاس والفرّاشين.
يا كبار المسؤولين.. نقبل أن تكونوا حيتاناً وتماسيح، بأمل أن تهدأوا لحين بعدما تشبعون.. أما تشبعون؟ أبكم ديدان وحيدة؟.. سألت لكم طبيباً عن العلاج الأفضل للدودة الوحيدة فأفادني بالآتي:
- نيكلوسامايد (Niclosamide) هو أفضل علاج للدودة الوحيدة، وهو أقراص بعيار 500 ملغ. امضغوا واحدة منها جيداً، ويفضل تناولها قبل موعد الأكل بساعتين. وللمولعين بعلاج الأعشاب فيمكنهم تناول مسحوق حب القرع مع العصير، أو بلع فص ثوم كل ثماني ساعات لمدة ثلاثة أيام.
اللهم اشهد اني بلّغت بالوصفة!


20
المنبر الحر / عيب .. يا الفتلاوي!
« في: 19:46 29/01/2014  »
شناشيل

عيب .. يا الفتلاوي!
عدنان حسين

قطعنا نصف الطريق، وربما ثلاثة ارباعها، الى تحقيق النصر المبين على التنظيمات الارهابية التي تروّع الآن بجرائمها المنكرة مدينة الفلوجة بأكملها وجزءاً من مدينة الرمادي ومناطق أخرى في محافظة الانبار، فضلاً عن غيرها من المحافظات التي تعمل فيها الخلايا النشيطة والنائمة لهذه التنظيمات.
الخبر "السعيد" انبأتنا به بصخب حكومتنا عبر بعض ممثليها في البرلمان وأجهزة اعلامها الرسمية والحزبية من صحف وفضائيات واذاعات .. أما الساحة التي نازلنا فيها الارهاب وأوشكنا على هزيمته فلا هي في الفلوجة المنكوبة بـ "داعش" وسواها من منظمات الارهاب، ولا في الرمادي التي نأمل أن تكون قد نجت بالفعل من النكبة، ولا في أي مدينة عراقية أخرى .. انها في بلاد بيننا وبينها سبعة بحور وسبع صحارى وسبع دول .. هي سلطنة عمان التي جرت في عاصمتها المسابقات النهائية لبطولة آسيا بكرة القدم للشباب دون سن الثانية والعشرين.
النائبة الدولة قانونية حنان الفتلاوي أشعلت الفتيل بالنشر على صفحتها الفيسبوكية صورة لفريقنا الفائز بجدارة بالمركز الاول بعدما هزم نظيره السعودي، وبجملة قصيرة اختتمتها بالقول " العراق يفوز على فريق داعش ومموليها .... مبرووووووووووك".
  اذأً، فقد فزنا على "فريق داعش ومموليها"، وهذا معناه، بمنطق الدكتورة الدولة قانونية، اننا فائزون على داعش نفسها، فما من حاجة لطائرات "أف 16" و"أباتشي" التي ننتظرها وتنتظرها حكومة الفتلاوي على أحر من الجمر!
لا يرد، أو قد يرد، في ذهن النائبة الهمامة ان ما كتبته ومشت في اثره قطعان من الجهلة المشبعين بالطائفية المقيتة، شيء معيب للغاية لأنه يمثل اهانة بالغة وشتيمة سافرة لفريق رياضي تنافس وفريقنا بشرف وروح رياضية متبادلة ولعب نظيف، واهانة أيضاً لشعب المملكة العربية السعودية الذي تُحب أغلبيته الساحقة العراق والعراقيين ربما أكثر مما هي عليه النائبة مُشعلة فتيل الطائفية على خلفية الرياضة.
لا أدري كم من الوقت يلزم بعضنا، وبخاصة السياسيين، لكي يدركوا أن كل ما نواجهه الآن من مصائب وكل ما عشناه من محن مهولة وخراب اسطوري على مدى الخمسة وثلاثين سنة الماضية، هو نتاج عقلية مثقلة بافكار العدوانية وروح مشحونة بمشاعر الكراهية، فصدام حسين كان كارهاً لكل شيئ وعدوانياً حتى مع رفاق حزبه وافراد عائلته.
العاقل من يعتبر بتجربة غيره، ومشكلتنا اننا لم نجد بيننا بعد من يتعظ بدروس التجربة الصدامية .. كثيرون ممن يحيطون بنا، من الممسكين بمقاليد السلطة، يبدون كما لو كانوا نسخة من صدام وقياديي حزب صدام ووزراء صدام ومدراء أجهزة صدام، والنائبة الفتلاوي المتوترة والزَعِقة دائماً في طليعة هؤلاء.
حتى الرياضة سيّسها صدام حسين، فكانت النتيجة المنطقية أن تراجع على نحو مريع المركز المتقدم للرياضة العراقية اقليمياً ودولياً .. في الرياضة خسارة وهزيمة كما فيها ربح وفوز، لكن ليس في الرياضة مكافحة للارهاب وليس فيها طائفية مقيتة، لأنها، بخلاف بعض السياسة، فعل سلام ومحبة وتعاون وأخلاق رفيعة.

 



21
المنبر الحر / ارحموا السيسي
« في: 20:10 28/01/2014  »
شناشيل
ارحموا السيسي
عدنان حسين

كلما قرأت هذه الأيام صحيفة مصرية، ورقية أو الكترونية، أو شاهدت فضائية مصرية، اجتاحني شعور عميق بالخوف.. هو ليس خوفاً على مصر، فالثقة عالية بالشعب المصري وقواه السياسية والمدنية الحية.. لأكثر من قرن ومصر تصنع للعرب تاريخهم، وستظل كذلك أمداً طويلاً.
خوفي هو على وزير الدفاع الفريق (أصبح الآن مشيراً) عبد الفتاح السيسي الذي سيكون الرئيس التالي لمصر اذا ما ترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، فالواضح ان المزاج العام للمصريين يتجه على نحو عارم مع تولية رئيس المؤسسة العسكرية هذه المرة أيضاً رئاسة الدولة.
أكثر ما يُفزعني في ما تنشره الصحافة المصرية، القومية والخاصة، وما تبثه الفضائيات المصرية، قومية وخاصة أيضاً، هذا المديح المنفلت للسيسي والاطراء غير المنضبط لخصاله والثقة المطلقة بقدرات تُنسب اليه ربما تفوق قدرات البشر.
الفريق السيسي رجل طيب وضابط وطني.. لا شك في هذا، لكن لماذا يتعيّن رفعه الى مستوى الفراعنة وترقيته الى مرتبة الآلهة لأنه جعل المؤسسة العسكرية تقف الى جانب الشعب في معركته مع مختطفي ثورته، الاخوان المسلمين؟
لابدّ ان جمال عبد الناصر كان في الأصل رجلاً طيباً وضابطاً وطنياً، بيد ان الدعاية صيّرته تدريجياً دكتاتوراً ارتكب الكثير من الاخطاء والخطايا التي بررها له صحفيون وإعلاميون ظلوا يحثونه على السير في طريق غير تلك التي كان من المفترض أن يمشيها مع زملائه من الضباط الاحرار، فانقلاب، أو ثورة، 23 يوليو (تموز) 1952 كان يتعيّن أن يُحلّ ديمقراطية حقيقية بدل الديمقراطية المزيفة التي كان عليها العهد الملكي، بيد ان عبد الناصر استبدل بتلك الديمقراطية الناقصة دكتاتورية مستبدة أوقعته في تلك الأخطاء والخطايا المُكلفة.
أخشى أن يُعاد، مع انتخاب المشير السيسي رئيساً لجمهورية مصر، المشهد الذي عاشته مصر مع عبدالناصر، وهو مشهد استنسخه عساكر العراق وسوريا والجزائر واليمن والسودان وليبيا، فكان الأمر برمته وبالاً على شعوب هذه البلدان جميعاً لم تزل تدفع عنه ثمناً باهظاً.
لا عبرة في وجود دستور مستفتى عليه، فالذين في السلطة في بلداننا لا يُعدمون عادة الحيلة والوسيلة للالتفاف على أحكام الدستور مستعينين بـ "وعاظ السلاطين" في المؤسسة القضائية والمشيخة الدينية.
أخاف على المشير السيسي أن ينقلب وسط هذا الكرنفال الدعائي الصاخب بمديحه واطراء خصاله من رجل طيب وضابط وطني الى دكتاتور يعاد "انتخابه" المرة تلو المرة فيغدو حاكماً مطلقاً لا يسمع غير ما تريد له البطانة أن يسمع ولا يرى الا ما تراه البطانة أيضاً.
أيها الصحفيون المصريون.. ارحموا السيسي رجاءً وارأفوا بحاله وحال مصر.


22
شناشيل
برنامج لبناني.. وبرنامج عراقي

عدنان حسين

"الطريق الجديدة" حي للطبقة دون المتوسطة في الضواحي الغربية من العاصمة اللبنانية بيروت. من أبرز معالمه جامعة بيروت العربية والملعب البلدي، وعلى مسافة غير بعيدة منه المدينة الرياضية وكورنيش المزرعة والمتحف ومخيما صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين.
هذا الحي الذي عشتُ فيه أو على تخومه أكثر من سنتين مطلع الثمانينات من القرن الماضي مع مئات من العراقيين المطاردين من أجهزة صدام حسين، يتعايش فيه اللبنانيون من مختلف أديانهم ومذاهبهم، بمن فيهم السنة والشيعة، فضلاً عن فلسطينيين وعرب آخرين.
أمس نقل اليّ البريد الالكتروني رسالة اخبارية مصورة من "الشبكة اللبنانية للتنمية" (LDN) تفيد بتنفيذ مشروع عنوانه "تمكين المجتمعات المحلية من أجل خلق مبادرات لبناء السلام" في هذا الحي البيروتي بالشراكة مع "جمعيّة المقاصد الخيريّة" وبتمويل وتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat).
المشروع، بحسب الرسالة، يرمي الى "بناء قدرات الفاعلين المحليين ضمن ثلاث مجموعات وهي: الشباب، النساء واللجنة المرجعيّة المؤلفة من فعاليات المنطقة وذلك للحدّ من حدّة التوتر والنزاعات فيها"، أي ان الهدف الحؤول دون، أو تخفيف، الاحتقانات السياسية والاجتماعية، خصوصاً على خلفية طائفية في ظل عودة العنف الطائفي– السياسي الى لبنان في السنوات الأخيرة.
المبادرون للمشروع ورعاته نظموا لسكان "الطريق الجديدة" من الاطفال والشباب والشيوخ، نساء ورجالاً، برامج ترفيهية وتثقيفية مختلفة (ورش عمل، مسرح، أفلام، تصوير، محاضرات، سوق لبيع المشغولات والمنتجات المحلية).
هذا النوع من البرامج لابدّ أن يكون له أثر ايجابي في اطار الغاية المبتغة منه. ومن المفيد، بل من اللازم، لنا هنا في العراق أن نتمثله فنحن أحوج من اللبنانيين الى ما يجعلنا نستعيد اللحمة الاجتماعية ونواجه هذا التفتيت المتعمد لوحدتنا الوطنية.
برنامج المصالحة الوطنية الذي وضعته الحكومة فاشل .. هذا أمر لاريب فيه، والدليل اننا لم نزل في المربع الأول بشهادة الاحداث الدموية الجارية في مدن الانبار، ومعها وقبلها التفجيرات اليومية في بغداد والمدن الأخرى.. الارهاب الآن على أشدّه، وبرنامج المصالحة وُضع في الأساس للقضاء على هذا الارهاب.
المصالحة الوطنية التي طبقتها الحكومة فشلت لأنها كانت في صيغة ولائم ومؤتمرات صحفية وتبويس لحى أمام الكاميرات في الاماكن المغلقة (فنادق وقاعات فخمة).. أي، باختصار، ان كل ما أنفق على هذا البرنامج من مال وجهود كان "مصرف زايد"، وربما ضحكا على الذقون. المبالغ الكبيرة المصروفة، من دون جدوى، كانت ستحقق الكثير لو اُستثمرت على الطريقة اللبنانية في مشاريع من النوع الجاري في حي "الطريق الجديدة" البيروتي.
من يبادر الى مشاريع ترفيهية وثقافية وفنية واجتماعية ورياضية تجمع الشيعة والسنة والمسلمين والمسيحيين والصابئة المندائيين والايزيديين في مدننا وأحيائنا قبل أن تصبح منزوعة التعدد والتنوع؟


23

شناشيل

بيع للهواء في الهواء

عدنان حسين

الاعلان عن مشروع حكومي لاستحداث محافظات جديدة جاء مُضخّماً، وبخاصة بعد استخدام رئيس مجلس الوزراء لهجة غير سياسية في تقديم المشروع الى الرأي العام بقوله ان القرار قانوني ولا يحق لأحد الاعتراض عليه! .. لكن في المقابل كانت ردود الفعل من الجنس عينه،  أي مبالغ فيها أيضاً.
ليس الشعب وقادة الرأي العام مجموعة أصفار لكي يُحظر عليهم ممارسة حقهم الدستوري في الاعتراض على القرارات الحكومية، فضلاً عن انتقادها.  مجلس الوزراء، وكذا رئيسه، لم يأخذا في الاعتبار البعد السياسي والاجتماعي لقضية استحداث محافظات جديدة.
هذا من جهة الحكومة ورئيسها. أما من جهة الرافضين والمعارضين فانهم أخذوا الأمر على محمل الجد، وهو لا يستحق ذلك في الواقع فتوقيته يفضح مراميه بوصفه مادة للدعاية الانتخابية، والأهم انه مجرد وعد يشبه تلك الوعود التي أطلقتها هذه الحكومة ورئيسها شخصياً ولم يفيا بها.
دعوني أذكّركم.. هذه الحكومة برئيسها ونائب رئيسها لشؤون الطاقة ووزيرها للكهرباء وعدوا بحل مشكلة الكهرباء جذرياً في العام الماضي، بل ان نائب الرئيس أكد اننا سنبيع الكهرباء الى الدول المجاورة بنهاية العام 2013 الذي انتهى منذ 26 يوماً، فيما لم نزل نكافح من اجل ان نحصل على 15 – 20 ساعة تجهيز في اليوم. هل النقص يعود الى ان دولتنا تبيع الكهرباء الى الجيران من وراء ظهورنا؟
أذكّركم أيضاً بالوعود الخلابة التي أطلقها السيد المالكي وحكومته ووزراؤه بعد مظاهرات 25 شباط 2011.. في البداية اتهم المالكي المتظاهرين بان تنظيم القاعدة وحزب البعث يحركانهم، ثم من دون أن يعتذر عن اتهامه الباطل، أقرّ بان الحركة أصيلة ومطالبها صحيحة ودستورية، ووعد بتحقيق ما يتعلق منها باصلاح النظام السياسي وتحسين الحصة التموينية وتوفير الخدمات العامة وبخاصة الكهرباء، وأعطى وزاءه مهلة 100 يوم لتجهيز وزاراتهم من أجل تحقيق الوعود.. ما الذي حصل؟ .. "هذا يوم وهذاك يوم" كما يقال شعبياً، أي ان رئيس الحكومة ووزراءه مسحوها بأردان قمصانهم. الحصة التموينية على سبيل المثال، وهي الاقل كلفة بين كل المطالب، لم تزل سيئة في نوعيتها التي لا تصلح للاستهلاك البشري، أما الكمية فقد نقصت بدل أن تزيد!
أذكّركم أيضاً بوعود رئيس الحكومة منح المحافظات المنتجة للنفط حصة من عائدات النفط لمعالجة تخلفها .. و"هذا يوم وهذاك يوم" أيضاً، بل ان رئيس الحكومة يشترط الآن أن تُنفق المحافظات الاموال غير المصروفة من موازناتها قبل أن تقرر بغداد تخصيص خمسة دولارات عن كل برميل للمحافظات النفطية من عائدات نفطها.. لكن من هو الذي لم يصرف الاموال المتكدسة في هذه المحافظات؟ أليست هي الحكومات المحلية السابقة التي كان يسيطر على أغلبها ائتلاف دولة القانون أو كانت له فيها حصة معتبرة؟
شخصياً لا أرى في الاعلان الحكومي عن المحافظات الجديدة تجزأة للعراق .. انه بكل بساطة بيع للهواء في الهواء لزوم الانتخابات التي قد لا تجريها الحكومة الحالية، وربما كان الاعلان نفسه يهدف الى خلط الاوراق واثارة المزيد من الفوضى لزوم تأجيل الانتخابات الى موعد في علم الغيب.





24
المنبر الحر / حكومة .. ومعتوه
« في: 16:41 25/01/2014  »
شناشيل
حكومة .. ومعتوه

عدنان حسين

ماذا يعني أن تردّ حكومة بلسان وزير دعايتها على معتوه؟ .. لابدّ أنها مثله وعلى شاكلته، فالطيور على أشكالها تقع.
أما الحكومة فحكومتنا، وأما "المعتوه" فشخص اسمه واثق البطاط. شخصياً لست على معرفة بالرجل، وصفة "المعتوه" ليست مني وإنما أطلقها عليه رئيس الحكومة، التي هي حكومتنا، في مؤتمر صحفي منقول ببثّ حيّ ومباشر. وافترض ان السيد نوري المالكي يعرف السيد البطاط حق المعرفة، ليس فقط لأنه رئيس الحكومة وإنما أيضاً لأن الاثنين ينتميان الى تيار سياسي واحد (الإسلام السياسي – الشيعي).
المعتوه المُفترض كان قد تحوّل الى ظاهرة، فيها من الجدّ بقدر ما فيها من الهزل،  بعد سلسلة من التصريحات التي أعلن فيها عن قيام ميليشيا يقول انه يقودها، هي: "كتائب حزب الله – جيش المختار"، بعمليات مسلحة تجاوز بعضها حدود البلاد الى أراضي الجارتين الكويت والسعودية. ولمّا سُئل عنه رئيس الحكومة قال في حقه كلمته المشهودة "معتوه"، وأضاف انه، بصفته رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة، أمر القوات الأمنية أن تلقي القبض على هذا "المعتوه". وقد عجبنا أشدّ العجب عندما ظهر البطاط في مقابلة تلفزيونية وأدلى بأكثر من تصريح، بعد إعلان رئيس الحكومة انه أمر قواته بمطاردته .. عجبنا كيف تعجز قوات السيد المالكي شديدة البأس والتي كانت قد "أبلت بلاء حسناً"(!) مع المتظاهرين في بغداد والمدن الأخرى .. كيف تعجز هذه القوات عن اعتقال "معتوه"!
العجب ازداد عندما أُعلن عن ان قوات الأمن ألقت القبض أخيراٌ على البطاط، وان ذلك قد حدث بعد اعتقال النائب احمد العلواني وبعد ان ارتفعت أصوات مستفهمة عن السبب في نجاح قوات المالكي في اعتقال العلواني وفشلها في اعتقال البطاط!
لكن العجب الأكبر جاء بعد أن نشرت وكالة رويترز، وهي من الوكالات العالمية الرصينة وذات المصداقية العالية، تصريحات للسيد البطاط وهو في محبسه المفترض، مؤكدة أنها تحدثت اليه عبر تلفون محمول (محبس خمس نجوم!).
وبلغ العجب ذروته عندما هدد البطاط من محبسه المفترض أيضا بقتل زعماء ائتلاف دولة القانون (زعيمه المالكي) ما لم يُطلق سراحه في غضون ساعات (نِزل ويدبك على السطح!). ثم تجاوز العجب الذروة بتصريح المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة للرد على تهديدات "المعتوه"، قائلاً "ان هذه التهديدات عملية جرمية وليست مجرد تصريحات"(شفق نيوز)، وداعياً القضاء الى التدخل في هذه القضية!!
ماذا يعني أن تجنّد الحكومة وزير دعايتها للرد على "معتوه" يتحدث من داخل محبسه. هل هو في الحبس فعلاً؟ كيف إذاً تُوضع أحدث وسائل الاتصال بتصرفه؟
اللهم سترك وعفوك ولطفك ورحمتك وصفحك وغفرانك! .. احفظ لنا عقولنا ولا تحشرنا مع فرقة المعتوهين، حكومة وبطاطاً .. آمين!



25
المنبر الحر / قضية عبدالزهرة زكي
« في: 20:19 22/01/2014  »
شناشيل
قضية عبدالزهرة زكي
عدنان حسين


لا شكّ عندي في ما أعلنه الناطق باسم وزارة الداخلية وعمليات بغداد العميد سعد معن. وما أعلنه هو ان وزارته ستحقق في ما تعرّض له الشاعر والكاتب المعروف عبد الزهرة زكي منذ ثلاثة أيام في عرض شارع ابو نواس وفي عزّ النهار على يد قوة أمنية. لكنّ الشك في النتيجة.
من المرجح  أن تعلن وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع أو كلتاهما معاً ان التحقيق أسفر عن النتيجة التالية:تصرف فردي لا يجب تعميمه! هذا مرجح تماماً، فليس ما يُمكن له أن يحفظ ماء الوجه، بحسب تفكير الوزارتين، غير كلام من هذا النوع، لكننا نعرف ان هذا غير حقيقي.
الاهانة غير المبررة التي تلقّاها عبدالزهرة زكي ودفعته لاعلان اعتكافه في البيت والتوقف عن الكتابة وعن العمل في مؤسسته (اعلام رئاسة الجمهورية) ليست حالة فردية، وليست خطأ منعزلاً .. انها ممارسة منتظمة يحدث العشرات منها يومياً عند العديد من نقاط التفتيش الدائمة والمؤقتة، وبعيداً عنها أيضاً عند نقاط الحراسة الخاصة بالوزارات والمؤسسات الحكومية، واثناء عمليات الدهم والتفتيش، أي حيثما توجد قوة عسكرية أو أمنية كبيرة أو صغيرة.
قد نجد من يبحث عن ذريعة تبرر لرجال الأمن ارتكاب أخطاء شنيعة من قبيل اهانة المواطنين من دون أي مسوّغ، بالقول ان الحال الأمنية المتوترة بسبب الارهاب تضع رجال الأمن في موضع الوقوع في الخطأ. لكن هذا بالذات ما يُفترض أن يجعل أجهزة الأمن أكثر تحوطاً لارتكاب الاخطاء، فالشرط الرئيس لنجاح هذه الاجهزة في عملها أن تكتسب احترام الناس لها لا نقمتهم عليها .. الاحترام النابع عن الحب لا الناجم عن الخوف.
المعركة ضد الارهاب والجريمة المنظمة،لا يُمكن كسبها من دون تعاون المواطن المدني.. هذا المواطن لا يُمكن له أن يتعاون مع أجهزة لا تحترمه، ولا تحفظ كرامته .. وبكل صراحة فاننا لم نشعر حتى الآن بان أجهزة الأمن لنظامنا الجديد تختلف في شيء عما كانت عليه أجهزة نظام صدام من عدم احترامها المواطن المدني ... معظم رجال هذه الاجهزة، سواء التابعة للدفاع أم للداخلية، يبدون غلاظاً في تعاملهم اليومي، بل ان بعضهم يبدو في منتهى الجلافة. (للحق هناك من يتصرف بخلاف هذا، لكنه الاستثناء).
ليست هذه هي الأجهزة العسكرية والأمنية التي ناضلنا وعملنا طويلاً من أجلها لتكون بديلاً عن أجهزة صدام وسواه القمعية.
قضية عبدالزهرة زكي ليست قضية فردية أو حالة منعزلة وليست قضيته وحده.. انها قضية كل مواطن مدني يجد ان الود مفقود بينه وبين العسكري ورجل الامن.
وزارة الداخلية ووزارة الدفاع مطلوب منهما بالحاح إعادة تربية رجالهما، ضباطاً ومراتب، بما يتوافق مع احكام الدستور الذي ألزم الدولة وأجهزتها بكفالة كرامة المواطن، المدني كما العسكري، وبما ينسجم مع مباديء حقوق الانسان... لابدّ أن تدرك الوزارتان ان رجالهما، بمن فيهما الوزيران، موظفون لدى الشعب وليس عليه.


26
المنبر الحر / حكاية ورواية
« في: 22:05 21/01/2014  »
شناشيل
حكاية ورواية
عدنان حسين


أرادوا أن يجعلوا منها حكاية ورواية.. مول (متجر) افتتح حديثاً وفعل ما تفعله المتاجر في كل دول العالم، المتحضرة والمتخلفة، بما فيها ايران قبلتهم، بأن وضع على واجهته إعلانات مصورة عن البضائع المتوفرة، بينها صورة شابة للإعلام بوجود قسم للملابس النسائية.
لم تكن الصورة بالملابس الداخلية ولا بملابس البحر. مع ذلك ثارت ثائرتهم ورفعوا مرة واحدة رايات القيم والأخلاق والأعراف والدين والتقاليد، وهددوا بإعلانها داحس وغبراء جديدة، كما لو ان عاليها سينقلب سافلها مع ذلك الإعلان!
الفضائيات وشبكة الإنترنت متاح فيها على مدار الساعة برامج وأفلام وصور لا يمكن بأي حال مقارنة الصورة التي رفعت على واجهة "ماكس مول" في بغداد والنجف بها. والفضائيات والإنترنت ببرامجها وأفلامها وصورها، وبعضها فاضح وإباحي، موجودة حتى في بيوت من هددوا "ماكس مول" بالويل الثبور!
كيان دولتنا ونسيج مجتمعنا ومستقبل بلادنا كلها مهددة بأخطار جسيمة عديدة، ليس بينها بالتأكيد الصور المعروضة على واجهات المحال والمتاجر والدكاكين.. نحن مهددون بخطر الإرهاب، وخطر الطائفية السياسية، وخطر الفساد المالي والإداري، وخطر الفساد السياسي، وخطر التعصب الحزبي والعشائري، وخطر الفقر والامية والامراض، وخطر ضعف الروح الوطنية. هذه الاخطار هي ما تستحق إشعال نيران داحس الغبراء والبسوس في مواجهتها لوقف النزيف اليومي لدماء العراقيين وأرواحهم وأموالهم.
اذا كان فيكم خير تعالوا إلى هذا الملعب وارفعوا فيه رايات التنديد والاستنكار والغضب والتهديد في وجه الإرهابيين والمتواطئين معهم، وفي وجه الفسدة من سراق المال العام، وفي وجه السياسيين المتصارعين على المال والسلطة والنفوذ.
منذ ثلاثة ايام كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي عن ان أغلبية المتورطين في اعمال ارهابية ممن اعتقلتهم القوات الامنية هم من خريجي كليات الشريعة واصول الدين.. انه كشف متأخر جداً، فنحن نعرف ان الكليات والمدارس الدينية هي مفارخ للتطرف الديني والمذهبي وللمتعصبين دينياً ومذهبياً، وتستوي في هذا الكليات والمدارس السنية والشيعية .. في السعودية ودول الخليج اكتشفوا هذا منذ سنين وترددت دعوات قوية لإعادة النظر في مناهج التعليم برمتها لتطهيرها مما يزرع بذور التطرف والتكفير لدى التلامذة والطلبة.
قبل سنتين كان في بغداد محافظ ورئيس مجلس محافظة مصابون بحول، فلم يكلفا نفسيهما أي جهد وطاقة لتوفير ما يساعد على اقامة نظام أمني في بغداد يمكنه مكافحة الارهاب وملاحقة الإرهابيين بفعالية، حتى بعد أن انكشف للجميع ان اجهزة الكشف عن المتفجرات المستعملة في نقاط التفتيش مزيفة وعاطلة عن العمل.. المحافظ ورئيس مجلس المحافظة تركا أهل العاصمة يموتون يومياً بالتفجيرات الإرهابية وتفرّغا لشن حملة "ايمانية" شبيهة بحملة صدام حسين، فارسلا القوات لدهم النوادي الاجتماعية والبارات التي لم يحصل أبداً أن خرج منها شخص مخمور أو صاح ليفجر نفسه أو يفجر الآخرين كما يفعل بعض المتخرجين من كليات الشريعة واصول الدين!
أتحدّى رافعي رايات القيم والأخلاق والاعراف والتقاليد والدين والمذهب أمام المتاجر أن يفعلوا شيئاً للتنديد بالمجازر الإرهابية اليومية في بغداد وسواها، أو ان ينظموا تظاهرات لانقاذ الشباب من البطالة المزمنة والايتام والأرامل والشيوخ والعجائز من فقرهم المدقع.



27
شناشيل

ليلة القبض على بغداد
عدنان حسين

الليلة قبل الماضية، ليلة السبت/الاحد، جرت تحت الاضواء المبهرة للكهرباء وللقمر المكتمل بدراً عملية حبس مدينة، كانت هي مدينة المدن وعاصمة الدنيا في أحقاب تاريخية مختلفة ... بغداد لم تحبس انفاسها فحسب الليلة قبل الماضية وانما هي نفسها وُضعت في محبس حقيقي.
لم ترتكب بغداد جرماً ليُزج بها في سجن .. ربما كان ذنبها انها تستعصي على الارهابيين فلا تستسلم لهم، وانها تستعصي أيضاً على الحكومة الفاشلة فلا تخضع لقيادها المنفلت.
الارهابيون أرادوا، مرة أخرى، اطلاق معتقلين لهم في سجن كان اصلاحية للاحداث، فتفتقت "عبقرية" الحكومة الفاشلة عن تحويله الى معتقل للارهابيين وسط حي شعبي مكتظّ بسكانه، كأنما ارادت أن تسهّل للارهابيين أمر مهاجمته وتهريب القتلة بيسر، فالامر بالنسبة لسجن كهذا لا يتطلب سوى حزام ناسف أو سيارة مفخخة وعبوات ناسفة تُفجّر في مناطق مختلفة لتشتيت القوى الأمنية. كيف مرّت المتفجرات بنقاط التفتيش؟ كيف وُضعت في اماكن التفجير؟ لا تقولوا انها أُعدت وجُهزت في المكان عينه .. أين الاستخبارات؟
الارهابيون يعرفون كيف يضعون الخطط التي تحقق لهم اهدافهم، بخلاف حكومتنا الفاشلة التي تُخفق حتى في وضع الخطط الدفاعية، ناهيكم عن الهجومية.
خمسة تفجيرات وبضع قذائف هاون واجراءات أمنية متسرعة غير مدروسة تعتمد أسهل الحلول، وهو اغلاق الشوارع والجسور والاحياء، كانت كافية لوضع بغداد تحت الحصار ليلة كاملة... آلاف السيارات وعشرات آلاف الناس تقطّعت بهم السبل بارادة ارهابية وبتسهيل حكومي، وأضطر كثيرون الى المبيت في الفنادق ولدى الاقارب والمعارف. والنتيجة؟ لابدّ ان الناس سيكونون أقل ثقة بقدرة قواتهم الامنية على الامساك بزمام الامور، وأكثر قلقاً وخوفاً من ان يكون هذا الزمام هو في أيدي الارهابيين في الواقع.
لماذا يحدث ما يحدث؟ ولماذا يحدث بالصورة نفسها مراراً وتكراراً؟ هل الخطط الأمنية فاشلة؟ لماذا لا تُركن وتُستبدل بها خطط أخرى؟ هل الجنرالات الموكلة اليهم مهمة الأمن غير أكفاء، غير نزيهين، غير مناسبين للمهمة؟ لماذا لا يُسرّحوا وتوكل المهمة الى الايدي الأمينة، الشجاعة،؟
مَنْ عنده الجواب عن هذه الاسئلة ومئات الاسئلة الأخرى المحيّرة؟
الارهابيون أشرار .. نعرف هذا.. لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم.. نعرف هذا .. لا دين لهم ولا مذهب ولا ذمة ولا ضمير.. نعرف هذا ايضاً وايضاً. لكن ما بال دولتنا تبدو مستسلمة ومستكينة للذبّاحين مثل خروف في قصّابخانة؟
قبل اسبوعين كتبت في هذه المساحة ما كان عنوانه: "قبل أن تجتاحنا داعش" .. الليلة قبل الماضية بدت بغداد كما لو ان داعش قد اجتاحتها حقاً وفعلاً، واحكمت قبضتها عليها ووضعتها في المحبس .. هذا من أسوأ ما يكون في حق مدينة المدن، بغدادنا .. هل مَنْ يفهم هذا الكلام في الحكومة؟


   



28
المنبر الحر / كرب وبلاء
« في: 12:51 19/01/2014  »
شناشيل
كرب وبلاء
عدنان حسين

يُمكن للمشاكل القائمة الآن بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان أن تظل معلّقة ثمانين سنة أخرى، مثلما بقيت مشكلة الحقوق القومية للكرد معلّقة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي حتى العام الخامس من القرن الحالي عندما أجاز الشعب الدستور الدائم الذي كرّس العلاقة الفيدرالية بين الاقليم وبغداد في ظل نظام ديمقراطي برلماني.
بالتأكيد سيخسر الكرد وسيعانون ببقاء المشاكل الحالية من دون حلول دائمة (مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها، ومشكلة انتاج وتصدير النفط والغاز، ومشكلة الموازنة ورواتب البيشمركة، ومشكلة التمثيل الكردي في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وسواها) .. سيخسرون وسيعانون كما خسروا وعانوا طوال ثمانين سنة سبقت العام 2005، لكننا نحن العرب وسائر القوميات العراقية سنخسر ونعاني أيضاً، بل ان خسارتنا ومعاناتنا ستكونان أكبر وأشد من خسارة الكرد ومعاناتهم، مثلما كانت خسارتنا ومعاناتنا على مدى الثمانين سنة السابقة على العام 2005 أكبر وأشد.
في حروب الحكومات العراقية، الملكية والجمهورية، ضد الكرد مات من المجندين العرب في الجيش أكثر مما مات من البيشمركة الكرد، وقد جُنّ جنون صدام حسين لأنه لم يستطع أن يكسر شوكة الحركة القومية الكردية وأن يرغمها على القبول بصيغته للحكم الذاتي، فتنازل لشاه ايران عن نصف شط العرب وعن اراضٍ كبيرة المساحة، ثم قرر في ذروة جنونه أن يُشعل حرباً ضد ايران لاستعادة ما تنازل عنه للشاه، فكانت كارثة كبرى قادت إلى كوارث أخرى، هي احتلال الكويت وحرب 1991 والحصار المهلك، أدت إلى إزهاق مئات آلاف الارواح واحراق مئات مليارات الدولارات وتكريس التخلف والفقر والمجاعة والبطالة والأمية في بلد كان مؤهلاً لأن تكون كل مدينة من مدنه على غرار ما هي عليه دبي وأبو ظبي الآن.
لو كان الحكم الملكي قد التزم ما رتّبته عصبة الأمم عليه بخصوص حقوق الكرد مقابل الحاق ولاية الموصل بالعراق، ما كان الجنرالات سيفجّرون سلسلة من الانقلابات، وما كان العهد الجمهوري سيرث مشكلة مزمنة حاول هو أيضاً حلّها بالقوة ففشل ولم يرعوِ، فظلت كرة الثلج الجهنمية تتدحرج بنحو جنوني. وهي لم تزل الى اليوم تتدحرج وتكبر، فالعقلية المتحكمة بالطبقة القاعدة على كراسي السلطة في بغداد الآن لا تختلف في شيء عن عقليات صدام وعبد السلام عارف وعبدالكريم قاسم ونوري السعيد.
في أسوأ الأحوال لدى الكرد ما يحتمون به ويعيشون عليه، الجبال، بخلافنا نحن العرب المنكشفة وجوهنا وجبهاتنا وظهورنا على السهل والصحراء.
لا مصلحة لنا في أي حال في عودة حكومتنا الحالية الى عنتريات أيام زمان مع الكرد ومع الجيران .. هناك بالتأكيد حلول سلمية وودية للمشاكل القائمة، والمصلحة الوطنية تقتضي ان تكون لدينا حكومة عاقلة تعرف كيف تبلغ هذه الحلول التي يمكن تحقيقها بتنفيذ المادة 140 من الدستور وبتشريع قانون النفط والغاز وباجراء الاحصاء السكاني، وبغيرها من الاجراءات التي كان يتعيّن على الحكومة الحالية وسابقتها الفراغ منها منذ سنوات، لئلا نصل الى ما نحن فيه اليوم من كرب وبلاء.



29

شناشيل
الإرهاب.. والتلفيق!
عدنان حسين

أخشى أن يكون الكلام الذي قاله رئيس مجلس الوزراء منذ يومين يُشبه كلاماً له قاله منذ ثلاث سنوات، ويُشبه كلاماً قاله في مناسبات عدة بين التاريخين. وفي كل الأحوال فان ما أعنيه من كلام السيد المالكي كانت تعوزه المصداقية لأنه، على الأرجح، مستند الى معلومات مضللة.
في معرض تبريره  العمليات العسكرية الأخيرة في الأنبار أبلغ المالكي وكالة رويترز أخيراً ان مسؤولاً في تنظيم القاعدة اعتقلته السلطات العراقية اعترف قائلاً "إنكم لو صبرتم علينا ثلاثة أسابيع لأعلنّا الدولة ولاعترفت بنا دولتان عربيتان"!
أفترض أن القيادي في التنظيم الإرهابي قد اعتقل بالفعل وانه بإرادته أو رغماً عنه (بقوة التعذيب مثلاً) قد أدلى باعترافات، لكنني أشك في انه قد كشف للمحققين سراً خطيرا كهذا، وحتى لو كان شكّي في غير محله فغير العاقل وحده يُمكن أن يصدق أن ثمة دولتين يمكنهما الاعتراف بالدولة التي كان سيعلنها التنظيم في الفلوجة أو الرمادي أو عموم محافظة الانبار. هاتان الدولتان لابدّ انهما عضوان في الأمم المتحدة، وهل يُعقل أن تجازف أية دولة بالاعتراف بكيان يقوده تنظيم إرهابي محظور دولياً وملاحق من كل دول العالم قاطبة وممنوع حتى التعامل معه بأي شكل؟ .. حتى الولايات المتحدة بجبروتها الطاغي الآن لا يمكنها فعل ذلك، فمن يفعله؟ السعودية؟ قطر؟  (أظن ان المالكي كان يلمّح الى هاتين الدولتين تحديداً).. معقول؟ .. اذا كان معقولاً فلابدّ ان الأمر سيكون بترتيب مع الولايات المتحدة.. معقول؟ .. كيف نستنجد بها إذاً لتسليحنا؟
من أجل هذا قلتُ في المقدمة إنني أخشى أن يكون هذا الكلام شبيها بكلام للسيد المالكي سمعناه من قبل.
أذكّركم .. السيد المالكي حظر رسمياً في شباط 2011 تنظيم التظاهرات التي بادرت اليها قوى سياسية وطنية ومنظمات مهنية وحقوقية ومثقفون وناشطون مستقلون، بل انه فرض حال عدم التجوال في العاصمة يوم التظاهرات (25 شباط) وأعلن في كلمة متلفزة ومذاعة، تبريراً للاجراءات القمعية، انه توفرت له معلومات بان وراء التظاهرات حزب البعث وتنظيم القاعدة.
تتذكرون ان عشرات الآلاف لم يأخذوا كلام رئيس مجلس الوزراء على محمل الجد، بل سخروا منه وتحدوه ونزلوا الى ساحة التحرير ببغداد وساحات المدن الأخرى في ذلك اليوم وفي أيام لاحقة. والطريف ان القوات الأمنية التي سعت لقمع المتظاهرين بالقوة الغاشمة لم تفلح أن تقدّم الى الرأي العام بعثياً واحداً أو قاعدياً واحداً بين من اعتقلتهم والذين كانوا جميعاً مثقفين إما شيوعيين أو مستقلين.
مثل تلك الاتهامات المُتعمدة أو الناجمة عن عدم معرفة أو سوء تقدير تكررت لاحقاً، ومنها الإعلان بلسان السيد المالكي أيضا قبل أكثر من سنة ونصف السنة ان الإرهاب قد دُحر ولم تبق منه سوى فلول متفرقة "هنا وهناك"!، وان حركة الاعتصامات في المناطق الغربية مجرد فقاعة!
مكافحة الإرهاب ومنظماته لا يلزمها تبرير أو ذريعة، والقاعدة وسواها من المنظمات الارهابية لا تحتاج الى أن نلفّق القصص عنها وعن نواياها وأهدافها الشيطانية، كقصة اعلان دولة القاعدة بعد ثلاثة أسابيع واعتراف دولتين بها، فالقصص المُلفّقة من هذا النوع تقوّي الإرهاب ومنظماته في الواقع.



30
المنبر الحر / ما رأيكم بالوصاية؟
« في: 20:50 15/01/2014  »
شناشيل
ما رأيكم بالوصاية؟
عدنان حسين

أؤيد بحماسة تدويل قضينا العراقية، بل أؤيد أن نضع أنفسنا إلى حين تحت وصاية الأمم المتحدة. يبدو ان هذا هو الحل الأمثل لمشاكلنا الكثيرة التي تزداد عَوْصاً اليوم بعد الآخر، فخلال الاحدى عشرة سنة الماضية، منذ سقوط دكتاتورية صدام حسين، مضت أحوالنا في الاتجاه المعاكس، من سيئ الى أسوأ، ولا يلوح في نهاية النفق ضوء يبعث على الأمل بالخلاص من هذي الحال.
المتصارعون على السلطة والنفوذ والمال في العراق ليس بينهم سياسي حقيقي، يقتنع بان السياسة هي فن الممكن وان الصراع السياسي له ضوابط ومحددات وخطوط حمر وخضر. وهؤلاء المتصارعون ليس بينهم رجل دولة يدرك ان الصراعات والخلافات داخل الدولة يتعين أن تُضبط على ايقاع المصلحة العامة.
دولتنا التي يديرها هؤلاء المتصارعون دولة فاشلة، باعتراف المنظمات والهيئات الدولية المعتبرة والخبراء الثقاة. ودولتنا الفاشلة هذه تتخرب وتتدمر ذاتياً بفعل الصراعات غير المنضبطة لهؤلاء المتصارعين.
دولتنا يدخلها الآن سنوياً من النفط وحده مبلغ مئة مليون دولار، وزادت موازناتها السنوية خلال عشر سنين عن 600 مليار دولار، لكنها لم تستطع بهذه الثروة الفلكية أو تبني سداً أو تمدّ خطأ للسكة الحديد أو طريقاً برياً دولياً أو تقيم مصنعاً أو تنشئ مزرعة أو ترفع فوق سطح الأرض مئة مدرسة وعشرين مستشفى وعشرة ملاجئ للأيتام والعجزة بمواصفات عصرية، ولم تستطع أيضاً حل أيّ من مشاكل الكهرباء والمجاري والماء الصالح للشرب في محافظة واحدة، بل في مدينة واحدة.. والسبب ان من يقف على رأس دولتنا رجال فاشلون بامتياز، فاسدون بامتياز، طائفيون بامتياز، يتضاعف فشلهم ويتفاقم فسادهم وتتعمق طائفيتهم على مدار الساعة.
الحلّ في التدويل والوصاية .. لا خوف من هذا على السيادة الوطنية والاستقلال الوطني، فالدولة الفاشلة هي بالضرورة منقوصة السيادة والاستقلال، والتدويل والوصاية يمكن أن يكونا طريقاً مثلى لتحقيق السيادة وانجاز الاستقلال. تاريخ الأمم المتحدة يشهد على هذا، فدول عدة اعضاء في المنظمة الدولية كانت ذات يوم تحت وصايتها .. الأمم المتحدة ساعدتها في تهيئة الظروف المناسبة لنيل الاستقلال والسيادة، وبين هذا تدريب كوادر وطنية لإدارة الدولة، وهذا بالذات ما تحتاج إليه الدولة العراقية الآن.
نظام الوصاية الذي ظل قائماً منذ تأسيس الأمم المتحدة حتى العام 1994 كان له الفضل في إنشاء دول مستقرة ومتطورة الآن كغانا وناميبيا وتوغو والكاميرون وبالاو.
لنضع أنفسنا تحت وصاية الأمم المتحدة خمس سنوات مثلاً، تتولى خلالها المنظمة الدولية تدريب قيادات الاحزاب السياسية، وبخاصة المتنفذة في السلطة الآن والمتصارعة على هذه السلطة والنفوذ والمال، على كيفية ادارة الدولة وادارة الصراع السياسي وضبطه على ايقاع المصالح العليا لدولة العراق وشعب العراق.
الوصاية الأممية ستحفظ لنا خلال خمس سنوات عشرات الآلاف من الأرواح التي ستزهق في اتون الصراع الطائفي الحالي، وتوفر مئات مليارات الدولارات التي تذهب هباء الان بفعل الفساد المالي والاداري.
ما العيب في ما يحفظ لنا ارواحنا واموالنا ويضمن ظهور قيادات سياسية وطنية بدل القيادات الحالية المتصارعة بانفلات؟



31
شناشيل
"ثقافة" الدكتاتورية

عدنان حسين

لا ثقافة حقيقية مع الدكتاتورية. والثقافة الحقيقية هي الثقافة الرصينة، الإبداعية، الحرة، المؤثرة. وبالمقارنة في ما بين حال الثقافة العراقية خلال أربعين سنة من حكم الدكتاتورية الغاشمة (1963 – 2003) وحالها خلال الأربعين سنة التي سبقتها منذ تأسيس الدولة الحديثة (الملكية) في عشرينيات القرن الماضي، لن نجد نظيراً للسياب والبياتي والملائكة والجواهري وغائب طعمة فرمان وجواد سليم وفائق حسن وجواد علي وأحمد سوسة وعبد الجبار عبدالله ومهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر وسواهم العشرات.
الدكتاتورية تجعل من الثقافة ممارسة تافهة وسمجة ومهينة لا تعدو كونها مهرجانات للدبك والتطبيل، وتجعل من المشتغلين في الثقافة دبّيكة وطبالين. هذا بالضبط ما آلت اليه حال الثقافة وما كان عليه المثقفون في عهد صدام حسين.
الآن نشهد عودة متسارعة الى دكتاتورية من جنس دكتاتورية صدام. وبين مظاهر نمو الدكتاتورية الجديدة مهرجانات الدبك والتطبيل (الثقافية) المتلاحقة.
قوات الجيش والشرطة إذ تؤدي واجبها، وبخاصة وهي تكافح الإرهاب وتحارب الإرهابيين، تحتاج إلى أن تكون بمعنويات عالية والى أن يؤيدها المجتمع ويشدّ من أزرها.. هذا صحيح تماماً، لكن المعنويات لا تتقوى والعزائم لا تُشحذ والهمم لا تترسخ بمهرجانات الدبك على قاعة المسرح الوطني، ولا بنشر اللافتات في الساحات والشوارع، ولا برفع صور القائد العام للقوات المسلحة عند نقاط التفتيش.
في عهد صدام تحوّلت كل القاعات الى ميادين للدبك والتطبيل، وكل الشوارع والساحات الى فضاءات لنشر صور صدام وتماثيله والشعارات التي تمجده وأفعاله المدمرة.. ولم ينفع ذلك كله في شيء، لا في تحقيق النصر على الأعداء الداخليين والخارجيين ولا في حفظ النظام الذي أخلت قواته جبهات الحروب من دون مقاومة.
يكون رفع المعنويات وتقوية العزائم وشحذ الهمم، ويتحقق النصر ببرنامج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المستدامة، وبنظام متقدم ومتكامل للخدمات العامة، وبعملية سياسية مستقرة ومتطورة أو واعد بالاستقرار والتطور.. بدولة ناجحة لا ينخرها الفساد المالي والإداري.. بحكومة نشيطة نزيهة.. ببرلمان فعّال بفضل أعضائه المتوقدين وطنية وكفاءة وإخلاصاً.. وبقضاء مستقل وعادل أيضاً وبالتأكيد.
كيف يكون الجندي والشرطي بمعنويات عالية وهو غير مطمئن إلى ان عائلته ستعيش من بعده حياة كريمة براتب تقاعدي منصف؟ كيف يكون كذلك وهو غير واثق من ان بيته لن يغرق بفيضان المطر؟ وكيف يكون كذلك وهو غير متأكد من ان النزاع بين الأطراف السياسية المتصارعة على السلطة والنفوذ والمال لن يتفاقم من بعده فتكون تضحيته لا معنى ولا قيمة لها؟
مهرجانات الدبك والتطبيل الحالية، كما السابقة، هدر لأموال عامة، الفقراء والمرضى والأيتام والأرامل والشباب العاطلون أولى بها، ومضيعة للوقت، وتسطيح للوعي.



32
شناشيل
الحل ممكن في الأنبار
عدنان حسين

في واشنطن يدور الآن جدل حول ما وصفه بعض أعضاء الكونغرس الاميركي فشلاً للرئيس باراك اوباما في الحفاظ على ما حققته القوات الأميركية في العراق قبل انسحابها الكامل منذ سنتين.
منتقدو أوباما يلومونه لأنهم يرونه قد تسرّع في الانسحاب ولم يعقد اتفاقاً مع الحكومة العراقية للابقاء على قوة يُمكنها التدخل في الظروف الطارئة، كالظرف الذي نشأ أخيراً في الانبار بعد تحرّك القوات العراقية لفضّ الاعتصامات بالقوة.. وما حدث في الانبار هو ان "داعش" وسواها من المنظمات الارهابية سيطرت على المدن الرئيسة في المحافظة بيسر وسرعة، ومنتقدو أوباما عدّوا هذه السيطرة إهداراً مجانياً لدماء الجنود الأميركيين الذي رابطوا في العراق منذ 2003 حتى نهاية 2011.
يحق لنا، نحن منتقدي رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، أن نقول كلاماً أقوى من هذا، فاستخدام القوة المسلحة في الانبار الذي كانت من نتائجه سيطرة المنظمات الارهابية على الفلوجة والرمادي وغيرهما على نحو مذهل، أهدر، فضلاً عن الدماء العراقية، سمعة الدولة وقواتها المسلحة، إضافة الى انه نقل المشكلة برمتها الى مستوى أكثر تعقيداً، وضاعف من منسوب التعصّب الطائفي.
ربما كانت هناك اهداف سياسية لاطراف سياسية مختلفة من دفع ازمة الاعتصامات في الانبار باتجاه المواجهة المسلحة، بيد ان هذا العمل كان بمثابة مقامرة، فقد ازهقت ارواح كثيرة بين المدنيين والعسكريين من دون أن تنتهي الى حل نهائي للمشكلة. والحل النهائي غير ممكن بالركون الى القوة العسكرية وحدها من دون ان يكون الهدف الدفع باتجاه الحل السياسي، فالمشكلة جذرها سياسي، وما من حل أمني دائم وراسخ لمشكلة سياسية.
الحل السياسي ممكن لمشكلة الأنبار التي هي في الاساس جزء من مشكلة أكبر. وبرغم جوانب سلبية عديدة لما حدث أخيراً، ثمة جانب إيجابي يتمثل في طرح وتداول افكار ومبادرات للحل.. رئيس المجلس الاعلى الاسلامي عمار الحكيم طرح مبادرة، وسكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني فاضل ميراني لمّح الى مبادرة من قيادة اقليم كردستان. الأجواء إذاً مهيأة نسبياً لتدشين امكانيات الحل. وبالطبع فأن هذا يتطلب الحوار المباشر بين مختلف الأطراف والقوى، وهو حوار يتعيّن أن يشمل الجميع من دون استثناء غير المنظمات الارهابية، وان يذهب الجميع الى الحوار بنيّة الحل وليس بأي نية أخرى وبارادة الحل وليس من دون هذه الارادة.
قبل سنة، عندما كانت اعتصامات الانبار في بدايتها، كان الحل ميسوراً أكثر من الآن، والآن هو ميسور أكثر مما بعد شهرين أو ثلاثة أو سنة، وما من سبيل الى الحل الذي يحول دون سفك المزيد من الدماء ودون ازهاق المزيد من الارواح ودون إحداث المزيد من الخراب، غير الحوار الذي لابدّ أن ينتظم في مؤتمر أو لقاء وطني.


33
المنبر الحر / لافتة الكسرة
« في: 19:30 11/01/2014  »
شناشيل
لافتة الكسرة
عدنان حسين


مارّاً بمنطقة الكسرة في بغداد أمس، لفتتني  لافتة كبيرة نسبياً تقول "نعتذر عن أي إزعاج .. نقوم بخدمتكم" .. اللافتة توسطت موقعاً تجري فيه حفريات لم أتبين إن كانت من أجل الصرف الصحي (المجاري) أو الكهرباء أو سواهما .. المهم انني شعرت بالحب تجاه من أمر بخط اللافتة ورفعها في موقع الحفريات .. أحببته لأنه عبّر عن احترامه لي ولسائر المارين بالموقع ، وفي الواقع فانه أعلن عن احترامه لنفسه، فاحترام الآخرين يسبقه احترام النفس.
لأكثر من عشرين سنة كنت أرى مثل هذه اللافتة كل أسبوع تقريباً .. ليس هنا وإنما في بريطانيا. وصار ذلك مشهدا مألوفاً بالنسبة لي، لكن لافتة الكسرة لفتتني لأنها المرة الأولى التي ألحظ مثلها طوال السنوات الثلاث الماضية، مع ان المفروض أن أقابل أربعة أو خمسة مثلها في بغداد كل يوم.
أكتب عن هذا لأنني بدأت يومي أمس بمشهد صباحي مزعج أثار فيّ شعوراً مناقضاً للشعور حيال لافتة الكسرة .. كنت أريد العبور من جانب الكرخ الى جانب الرصافة متجهاً الى شارع المتنبي .. كان شارع رمضان سالكاً، لكن طريق المطار القديم (المثنى) كان مغلقاً منذ عدة أيام بسبب مركز للتطوع في الجيش افتتح أخيراً في موقع المطار . صعد السائق جسر العطيفية – الاعظمية الذي كان هو الآخر سالكاً .. عبرنا الجسر الى جهة الأعظمية ، وفجأة نجد ان مواصلة الرحلة غير ممكنة،لأن الطريق مغلقة عند نقطة التفتيش (السيطرة) من دون أية علامة مسبقة تشير الى ذلك .. مثل عشرات السيارات الأخرى عادت سيارتنا أدراجها عبر الجسر متخذة مساراً خاطئاً (رونغ سايد) لننزل الى  العطيفية ونتجه الى الرحمانية ثم شارع حيفا فجسر باب المعظم .. كان الزحام على هذه الطريق خانقاً، ومسافة الخمسة كيلو مترات بين الجسرين كلفتنا نحو ساعة كاملة.
كانت بداية المسلسل المزعج في التاسعة والنصف صباحاً، وعندما عدت في الساعة الواحدة والنصف من شارع المتنبي عبر باب المعظم والعيواضية والكسرة، حيث موقع اللافتة، ثم جسر العطيفية – الأعظمية، كانت السيارات المغفلة لم تزل تعبر على الجسر من الكرخ الى الأعظمية ثم تعود الأدراج  على الـ "رونغ سايد"، كما حدث لي في الصباح!
السؤال : ما كان يضرّ عمليات بغداد أو وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع لو تضع لافتات عند بدايات الطرق والجسور المغلقة، أو تغلقها بسيارات عسكرية لتنبئ سائقي السيارات بان مقصدهم ، جسراً او شارعاً، ليس سالكاً؟
لماذا هذا التكبر والتجبر على الناس والاستهانة بهم؟ .. ألسنا في عهد انتهت فيه الدكتاتورية المقيتة المتعالية على البشر؟ لماذا لا تعبّر الوزارتان وعمليات بغداد عن احترامها للناس؟ ألا تحترم أيٌ منها نفسها لتحترم الآخرين؟ .. أغلب الظن ان المسؤولين المعنيين في الوزارتين والعمليات لا يشعرون بالاحترام لأنفسهم ولمؤسساتهم ولمناصبهم، فلا يعتريهم شعور باحترام الناس .
شكراً، صاحب لافتة الكسرة لأنك تحترم نفسك، فتركت لنا ما يُفصح عن احترامك لنا.


34
شناشيل
دعوا طرق الأنبار سالكة

عدنان حسين


الوقوف مع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في ظرف كهذا، كما دعا مجلس الوزراء في اجتماعه أمس الاول، واجب على كل فرد وهيئة اجتماعية ومؤسسة.. ودعم جهود هذه القوات والأجهزة لدحر الارهاب واجب أيضاً الآن وفي كل أوان.. وحشد كل جهود الحكومة لدعم قوات الجيش والاجهزة الأمنية لطرد الإرهابيين وفرض الأمن والاستقرار وحماية ارواح المدنيين من أولى واجبات الحكومة دائماً.. ومن واجباتها وواجبات المجتمع تقديم المستلزمات الانسانية وايصالها الى المدن والمناطق التي تعاني من وجود البؤر الارهابية ومن نقص في التموين.
ولكي يتحقق هذا على أكمل وجه وبالشكل الذي ترغب فيه الحكومة ونرغب فيه معها، على الحكومة واجب تمكين الاعلام من معرفة ما يجري كما يجري أولا بأول من دون تأخير أو تزويق أو تحريف، فمن حق الناس أن يعرفوا الحقيقة، ومن واجب الاعلام ان ينقل هذه الحقيقة الى الجمهور، ومن واجب الحكومة واجهزتها ومؤسساتها، وبخاصة العسكرية والأمنية، خدمة الاعلام على هذا الصعيد لكي يؤدي رسالته الاجتماعية.
النصر على الارهاب لا يتحقق بإخفاء الحقائق أو بترها ولا بمهرجانات الدبك والجوبي، بدليل ان النظام السابق الذي برع ايما براعة بهذا الاسلوب لم يفده ذلك في شيء، فلا هو انتصر في حربه ضد ايران ولا هو ظفر في احتلال الكويت، مع ان كلمة "النصر" كان اعلام النظام وكبار مسؤوليه يرددونها مئات المرات يومياً، وان العشرات من المغنين وشعراء الفصحى والعامية كانوا يتغنون بها أربعاً وعشرين ساعة في اليوم الواحد.
في عهد النظام السابق لم يكن الفضاء قد ازدحم، كما هو اليوم، بقنوات التلفزيون والإذاعة، ولم يكن العالم كله، بل الكون بأجمعه، قد تحوّل إلى دربونة صغيرة بفضل شبكة الأنترنت وما أتاحته من مواقع التواصل الاجتماعي، ومع ذلك لم تنجح سياسة الكذب واخفاء الحقائق الصحّافية (نسبة الى محمد سعيد الصحاف).
للاسف لم تزل حكومتنا تعمل بعقلية نظام صدام، فالاعلام محظور عليه الاقتراب من ميادين المواجهة الحالية، والاعلاميون غير مرحب بهم هناك، والناطقون الرسميون يصرّحون بمعلومات مختلفة ومتضاربة وناقصة، والنتيجة ان الشعب الذي تريد له الحكومة ان يقف مع قواته العسكرية وأجهزته الأمنية ويدعم جهودها لدحر الارهاب لا يعرف ما الذي يجري بالضبط من وسائل الاعلام المحلية، فيضطر الى متابعة الاوضاع عبر القنوات العربية والأجنبية والأنترنت.
اعلام الحكومة يتعين عليه أن يعالج عوره ليرى بعينين اثنتين وليس بواحدة، والاعلام غير الحكومي يتوجب ان تفتح القوات المسلحة أمامه الطرق المؤدية الى ميادين المواجهة في الأنبار لينقل ما يجري كما يجري.



35
شناشيل
رسالة استنكار إلى السيد حسين الصدر

عدنان حسين

أتدري أنت أم لا تدري، أيها السيد المهذب السمح عالي الجناب وسامي الخطاب، حسين إسماعيل الصدر.. أتدري أن القناة التلفزيونية الممولة من بيت مال مؤسستكم التي أفترض أن بعض مواردها ترد من تبرعات مؤمنين يدعمون التوجه المسالم المعتدل للمؤسسة ولسماحتكم، قد زاغت عن طريق الحق الذي اختطموه لنفسكم ولمؤسستكم ولقناة "السلام"؟
نعم، حصل هذا غير مرة، وآخرها منذ بضعة أيام عندما لم تجد قناتكم من تحاوره حواراً دستورياً غير مشعان الجبوري! كأنما البلد خلا من خبراء القانون الأكفاء والحقوقيين المتمرسين والأكاديميين الضليعين.
لا أخالك، ايها السيد المحترم، لا تعرف من يكون مشعان ركاض ضامن الجبوري.. نعم انه الارهابي (السابق!) صاحب القناة التلفزيونية التي جعلت من نفسها ناطقا باسم "المقاومة" الكاذبة، وكانت تحرّض ضد الحكومة والدولة العراقية وضد الشيعة والكرد وتشجّع على القيام بعمليات التفخيخ والتفجير، بل كانت تعلّم مشاهديها كيفية صنع المفخخات والمتفجرات، وأغلب الظن ان مئات من العراقيين الابرياء من الاطفال والنساء والرجال قد قضوا في عمليات إرهابية حظّت على ارتكابها وهللت لها تلك القناة الشيطانية.
نعم، ايها السيد الكريم حسين إسماعيل الصدر، مشعان الجبوري الذي لا يستحق أن يقترن اسمه باسمكم، هو نفسه الذي سبق وأن حكم عليه القضاء العراقي وعلى ابن له بالسجن خمس عشرة سنة بتهمة قيامهما بالاستيلاء على المبالغ المخصصة لإطعام أفواج حماية أنابيب النفط، وتورطهما في قضايا فساد مالي واداري استناداً إلى تقارير قدمتها هيئة النزاهة، ثم خرج أخيراً من القضية "مثل الشعرة من العجين".. كيف؟ لا ندري.. ما ندريه ان شريكاً لمشعان في مجال المال والاعمال، وهو نائب في مجلس النواب كان الى وقت قريب مقرباً للغاية من رئيس مجلس الوزراء، عاد بمشعان الى بغداد، وهو الذي كان مطلوباً الى البوليس الدولي (انتربول)، فرُتبت له محاكمة مُعادة، و"بُيّضت" صفحته الجنائية.. كيف؟ لا ندري أيضاً (!) مثلما لا ندري كيف حكمت عليه المحكمة الجنائية في تموز من العام 2007 بذلك الحكم وكيف أسقط مجلس النواب حصانته البرلمانية اذا كان بريئاً براءة الذئب من دم يوسف! ومثلما لا ندري أيضاً كيف تجرأ هذا الارهابي (السابق) على الاعلان عبر قناتكم عن انه سيترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بل انه بدا واثقاً من الفوز ومن المشاركة في الحكومة المقبلة، كما لو انه حاز على شيك مفتوح من صديقه الجديد السيد نوري المالكي!
السيد حسين الصدر.. عبر قناتك التلفزيونية وجّه هذا الارهابي (السابق) الشتائم المُقذعة التي يندى لها الجبين ويخجل منها الاشراف الى الكثير من العراقيين، بل أطال لسانه أكثر ومارس شوفينية مُنكرة تجاه القومية الثانية في بلادنا، الكرد الذين وصفهم بما لا يصح اطلاقه حتى على الغجر.. نعم كل هذا عبر قناتك التي تحولت بهذا الى قناة داعية للكراهية والحرب... فكيف يحصل هذا يا سيد السلام والمحبة؟.. كيف يحصل أن تتنجس قناة "السلام"؟ .
 انه لأمر لا يمكن السكوت عنه.


36
شناشيل
إنّي أتّهم وزير العدل

عدنان حسين


لم يكن كشفاً باهراً، ككشف قانون الجاذبية مثلاً أو ككشف كروية الأرض ودورانها حول الشمس بخلاف ما جاء في المعتقدات والكتب القديمة، ما صرّح به وزير العدل حسن الشمري لجهة ضلوع "رؤوس كبيرة في الدولة" في عملية تهريب قادة وعناصر تنظيم القاعدة الإرهابي من السجون العراقية العام المنصرم.
كل العراقيين تقريباً حدسوا أن العملية كانت بتدبير مخطط له شارك فيه على نحو مباشر مسؤولون كبار في الدولة، فما من جندي أو شرطي أو ضابط برتبة متدنية قادر على فتح أبواب سجني أبو غريب والتاجي لكي يخرج عبرها بيسر وراحة قتلة في مستوى الذين فروا من السجنين.
قبل وزير العدل قال العراقيون في مجالسهم الخاصة والعامة وفي المقاهي ووسائط النقل العام ان في القضية "إنَّ"، ونحن الإعلاميون عبّرنا عن شكوكنا، بل قناعاتنا، في أن الأمر يتجاوز كثيراً إهمالا وتسيّبا وتقصيرا من جانب إدارات السجون، وطالبنا مؤسسات الدولة العليا بإجراء تحقيق جدّي ونزيه وشفاف لكشف المستور، وكنّا على يقين بان وراء الأكمة في هذه القضية "رؤوساً كبيرة" كما قال وزير العدل، لكن أحداً من الرؤوس الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في الحكومة والبرلمان والقضاء، لم يردّ علينا، وكان هذا في حدّ ذاته دليلاً وتأكيداً على ضلوع رؤوس كبيرة في تلك الجريمة كما في كثير من جرائم أخرى من العيار ذاته كقمع المتظاهرين وقتل المعتصمين واعتقال الأبرياء ونهب المال العام.
لم يكن منتظراً من وزير العدل أن يتحدث بما هو معروف على أوسع نطاق، إلا اذا كان منقطعاً عن الناس فلا يعرف ما يعرفون.
الوظيفة العامة أمانة، والوظيفة العليا، كالوزارة والنيابة وعضوية مجلس القضاء الأعلى، أمانة أكبر، والأمانة تحتّم على حاملها أن يؤديها الى أهلها. والمنتظر، بل المطلوب، من وزير العدل أن يكشف عن "الرؤوس الكبيرة" المتورطة في جريمة كبرى كجريمة تهريب قادة وعناصر التنظيم الارهابي من السجون وإطلاقهم ليعاودوا القتل الجماعي للناس. بل يتعدى واجب وزير العدل مجرد الكشف الى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحالة الرؤوس الكبيرة المتورطة الى القضاء. بخلاف هذا يكون الوزير، ومعه حزبه الذي رشحه الى الحكومة والى هذا المنصب الخطير في الدولة، متستراً على الجريمة.
ثمة آلاف من الأشخاص معتقلون لدى وزارتي الداخلية والدفاع وفي سجون وزارة العدل بتهمة التستر على ارهابيين من أقاربهم أو معارفهم، وبعض هؤلاء معتقل او مسجون بالشبهة فحسب، فلماذا لا يعرف قانون مكافحة الإرهاب طريقه الى المتورطين الكبار في جريمة إرهابية كبرى؟
شخصياً أوجّه الاتهام الى وزير العدل والى حزبه، الفضيلة الاسلامي، بالتستر على متورطين في جريمة تهريب قادة وعناصر تنظيم القاعدة الارهابي من السجون، وأدعو رئاسة الادعاء العام للتحقيق مع الوزير في هذا الأمر استناداً الى اقواله، فهذا من الواجبات الاساسية للادّعاء العام، والا سيكون هذا الجهاز هو الآخر متواطئاً مع الرؤوس الكبيرة ووزير العدل في هذه الجريمة.



37
شناشيل
قبل أن تجتاحنا "داعش"

عدنان حسين

العملية العسكرية التي استهدفت المعتصمين في الرمادي كانت خاطئة جملةً وتفصيلاً، والدليل نتائجها الكارثية. فقد قيل لنا ان ساحة الاعتصام كانت وكراً لارهابيي تنظيم "داعش"، وان الجيش أُرسل الى هناك لاخراج قادة القاعدة وعناصرها في وكرهم، لكن العملية برمتها تحولت الى مصيدة للجيش والشرطة وأهالي مدن الانبار جميعاً!
النتائج كارثية لأن العملية لم تكن حصيلة قرار سياسي – عسكري مدروس. ولو كان رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، قبل أن يُرسل قواته الى هناك (الساحة ومدينة الرمادي)، قد تدارس الأمر في الأقل مع حلفائه في التحالف الوطني (الشيعي)، مادام مستنكفاً عن التواصل مع المعارضين، لسمع كلاماً يحذّر من عملية من هذا النوع، بهذا الشكل، وفي هذا التوقيت .. هل كان السيد نوري المالكي سيصيخ السمع الى التحذير؟ أغلب الظن انه ما كان سيسمع ، واذا سمع ما كان سيأخذ بما يسمع، فالسيدان عمار الحكيم ومقتدى الصدر ومساعدون لهما، فضلاً عن آخرين كثر، أطلقوا غير مرة تحذيرات علنية من التصرف على هذا النحو.
من النتائج الكارثية للقرار غير السليم ان ارهابيي داعش وتنظيمات مثيلة اخرى قد استباحوا مدن الانبار، والآن هم يعيثون فيها فساداً .. دمروا المؤسسات الحكومية واستولوا على اسلحة وذخائر يستخدمونها حالياً في قتل مدنيينا وعسكريينا على السواء، وعطلوا الحياة الطبيعية.
والآن أيضاً يعاني مئات الالاف من أهالي مدن الانبار من وضع حياتي صعب، فالاسواق مغلقة وكذا المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، والخدمات العامة الأساسية مُعطلة.. هذا الوضع يشكل بيئة مناسبة لداعش والقاعدة وسواهما من التنظيمات الارهابية، وعليه يتعيّن على الحكومة أن تركّز جهودها لاستعادة مدن الانبار من الارهابيين، وبالتعاون مع الاهالي، وتوفير احتياجات السكان الحياتية.
وقبل هذا ومعه وبعده، يتعيّن أن يقرّ رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، في الاقل بينه وبين نفسه، بانه لم يفكر على نحو صحيح بخصوص أزمة الاعتصامات منذ البداية، وانه لم يعمل على نحو صحيح لحل هذه الازمة، وانه يلزمه الآن أن يضع عناده وعنجهيته جانباً، وأن يتواضع لينظر الى الامور بواقعية ويتصرف كما يتصرف رجال الدولة والسياسة المحنكين الذين "لا يركبون رؤوسهم" ولا تأخذهم العزة بالإثم .. الآن يتوجب عليه المبادرة الى الدعوة لعقد اجتماع أو مؤتمر سياسي يضم الحلفاء والمعارضين، وحتى الخصوم إن أمكن، بحثاً عن حلّ قبل ان تتفاقم المشكلة بدرجة أكبر وتصبح النتائج أكثر كارثية، فنصحو ذات صباح مثلاً لنجد ان ارهابيي داعش وسواهم قد بلغوا قلب بغداد أو تمترسوا في بعض أطرافٍها.
القضية الآن قضية وطنية ولا يحق للسيد المالكي أو سواه أن يحتكر التفكير بها والعمل لايجاد مخرج منها.




38
المنبر الحر / سلام
« في: 14:58 01/01/2014  »
شناشيل
سلام
عدنان حسين
متحرراً من أي شعور بالكراهية والضغينة تجاه أي أحد في هذا العالم - عدا هؤلاء الذين يقتلون البشر ويرهبونهم ويهدرون كرامتهم ويتجاوزون على انسانيتهم تحت أي شعار وبأية ذريعة دينية أو سياسية أو اجتماعية - يملؤني الفرح بالعام الجديد وتتدفق في داخلي الآمال الكبيرة بأن يكون عام أمن وسلام ورفاهية لأهلي وصديقاتي وأصدقائي وزميلاتي وزملائي وأهل بلدي وسكان كوكبنا بمختلف قومياتهم وأجناسهم وأديانهم ومذاهبهم، وغير المؤمنين منهم أيضاً، وعقائدهم غير التكفيرية دينياً أو سياسياً.
لنفسي ليس لدي من أمنية سوى أن أتحرر من التزامات العمل اليومي لأتفرغ لمزيد من القراءة والكتابة، بينما تتزاحم أمنياتي لوطني وشعبي، وأهمهما وأولها أن تجري الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها، الثلاثين من نيسان 2014، من دون تأخير بأية حجة، وأن تسفر هذه المرة عن انتخاب النواب الجديرين بتمثيل شعب أُرهِق حدّ اللعنة وشبِع حدّ التخمة من انتهاك حقوقه، والتعدي على كرامته، وتوالي محنه، ومن نهب ثرواته وتعطيل مصالحه .. نواب شرفاء ذوي ضمير، وطنيين لديهم غيرة على شعبهم ووطنهم، أكفاء من ذوي الخبرة العملية والتأهيل العلمي الرصين.
لا أتمنى مجلس نواب كالمجلس الحالي الفاشل، حتى لا يلد حكومةً فاشلة كالحكومة الحالية..     
اتمنى أن يذهب العراقيون جميعاً الى الانتخابات بحماسة، وأن يصوتوا للمرشحين لا بدوافع طائفية أو قومية أو عشائرية أو مناطقية، وانما على أساس ان النيابة خدمة اجتماعية من طراز رفيعة لا يمكن أن يؤديها الا القادر عليها والمؤهل لها.
 سلامٌ لكم ايها العراقيات والعراقيون أجمعين، عرباً وكرداً وتركماناً وكلداناً وآشوريين وأرمنَ وزنوجاً، مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وايزيديين وبهائيين وغير مؤمنين (ما أجمل هذه اللوحة وما أزهى ألوانها!) .
 سلامٌ لوطن منكوب وخَرِب بسبب الدكتاتورية السابقة وحروبها وبسبب الاسلام السياسي الطائفي الحالي واحتراباته.
سلامٌ لوطن اسمه العراق .. وسلامٌ على أرض اسمها العراق .. وسلامُ لأوطان الناس جميعا.





39
المنبر الحر / لماذا العلواني؟
« في: 21:22 30/12/2013  »
شناشيل
لماذا العلواني؟
عدنان حسين

النائب أحمد العلواني طائفي .. لا شك عندي في هذا، لكنني أندّد بقوة بطريقة اعتقاله ونشر صورة القاء القبض عليه، وبقتل شقيقه ومرافقين له. ولقد أودعت موقفي هذا في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فتساءلت تعليقاً على الصورة التي بدت فيها يدٌ قاسية تُرغم العلواني على طأطأة رأسه بالقوة الغاشمة: "اذا كان نائب يُعامل بهذه الطريقة فكيف هي حال المواطن العادي عندما تلقي القوات المسلحة القبض عليه؟"، ووصفت هذا العمل بالمشين، وهو كذلك حقاً.
النائب العلواني طائفي بامتياز. والعديد من تصريحاته المدوّنة في الصحف والمسجّلة تلفزيونياً والمحفوظة في "يوتيوب" تُدينه بهذه الجناية المقيتة، لكن هذا لا يُبرر للقوات المسلحة بأي حال خرق مبادئ وقواعد حقوق الانسان في عملياتها.. لن تكون قوات مسلحة وطنية اذا لم تتقيد بهذه المباديء والقواعد .. لا ينبغي أبداَ أن نقبل بأن تعمل قواتنا المسلحة بالطريقة التي كانت تعمل بها قوات الدكتاتور صدام حسين.
العلواني طائفي .. نعم هو كذلك، لكن هل هذا النائب الأنباري هو الوحيد الذي يتعيّن أن تُلقى تبعات الطائفية عليه؟ .. للعلواني أشباه وأمثال في التعصب الطائفي الكريه بين أعضاء مجلس النواب والوزراء. هؤلاء ليسوا من الانبار وحدها ولا هم سنّة فقط .. بين النواب والوزراء ورجال الدين الشيعة طائفيون كثر.. أكثر من نظرائهم السنة، وهؤلاء جميعاً، سنة وشيعة، هم السبب في هذا التسونامي الطائفي المدمر الذي يجتاح بلادنا ويتلف حياتنا الاجتماعية والسياسية منذ سنوات عدة. تريدون وقف هذا المدّ؟ اعتقلوهم جميعاً وليس العلواني وحده، ولكن من دون انتهاك حقوق الانسان كما حصل مع العلواني.
العلواني لم ينبثق من باطن الارض مثل نبتة وحشية متفردة .. انه الابن الشرعي للنظام السياسي الذي أوجدته قوى وأحزاب الاسلام السياسي الطائفية خلافاً لاحكام الدستور.. النظام القائم الان يتعارض مع الدستور الذي لم تتضمن أي مادة فيه ما ينصّ على تقاسم السلطة حصصاً على وفق الطائفة والمذهب والقومية.
العلواني طائفي وداعم للارهاب ويستحق الاعتقال؟ ... حسناً، لماذا تركتم الآخرين من أمثاله؟ لماذا عاملتم طائفياً آخر وداعماً للارهاب ومحرضاً عليه، هو مشعان الجبوري، بأفضل مما يستحقه مناضل وطني، وهو الخادم الذليل لصدام وابن صدام وسارق اموال الشعب والمحرض على الطائفية والارهاب؟ .. لماذا استقبلتموه بالأحضان والولائم الباذخة وفتحتم له مكاتبكم، بما فيها مكتب رئيس مجلس الوزراء، واسكنتموه فيللاَ من فئة الخمس نجوم وسمحتم لقناته التلفزيونية المسمومة التي كانت تشتمكم وتشتم طائفتكم وائمتكم وتمجّد صدام وتُعطي دروساً علنية في كيفية صنع المتفجرات؟.. كيف سمحتم لقناته بالبث من بغداد خلافاً وانتهاكاً للقواعد المعمول بها في هيئة الاعلام والاتصالات والمطبقة على سائر القنوات التلفزيونية؟ 
خصم الكلام، انكم لم تفعلوا بالنائب العلواني ما فعلتموه لأنه طائفي أو محرّض على الارهاب .. فعلتم ذلك ربما لأنه رفض أن يكون طوع بنانكم كما فعل الارهابي مشعان.



40
شناشيل
خيار المالكي المُهمل

عدنان حسين

الامور بخواتيمها كما قيل منذ أقدم الأزمان. والحملة العسكرية التي تعد لها رئاسة الحكومة لاجتياح ساحة الاعتصام في الانبار تبررها هذه الرئاسة بتحول ساحة الاعتصام الى قاعدة رئيسة لتنظيم القاعدة الارهابي (المعطيات الرسمية أعطت الرقم 30 لعدد قياديي القاعدة الموجودين في الساحة). من دون التشكيك في صحة هذه المعطيات أو في اهداف الحملة العسكرية، فان ما يهمنا النتائج. فهل ستكون للحملة النتائج الموعودون بها؟
التجارب السابقة لا تجعلنا نثق بما يقال حكومياً. الحملة العسكرية ضد ساحة الاعتصام في الحويجة لم تسفر عن اعتقال أو مقتل قادة من القاعدة أو سواها من التنظيمات الارهابية، وهي لم تؤد الى تحسن في الاوضاع الامنية هناك، بل ان الاوضاع هناك وفي كل مكان في البلاد أسوأ مما كانت عليه قبل استخدام القوة المسلحة لفضّ اعتصام الحويجة.
وعلى جبهة طوزخرماتو التي حشد فيها الجيش قوات جرارة وُضعت في مواجهة ما هو جزء من القوات المسلحة الوطنية (البيشمركة)، فان تلك القوات، بعد طول مرابطة، عادت الى قواعدها وكأنك يا بو زيد ما غزيت. والواضح ان الحال الآن في طوزخرماتو وحواليها، كما في كركوك وحواليها وفي سائر أرجاء الوطن، اسوأ مما كانت عليه قبل الحشد على هذه الجبهة.
قد تكون لدى القائد العام للقوات المسلحة مبررات يراها قوية لاستخدام القوة المسلحة من اجل حل مشكلة الاعتصامات في الانبار، لكنّ رجل الدولة الحكيم والحصيف والمسؤول غالباً ما يفكّر بدل المرة عشر مرات وأكثر قبل أن يتخذ قرارات صعبة، وبخاصة تلك التي يتم اللجوء فيها الى القوة. ولقد تمنى الامام علي ان تكون له رقبة كرقبة البعير حتى يمضغ الكلام قبل ان يطلقه وحتى يفكر في الامر ملياً قبل اتخاذ قرار بشأنه.
أظن ان السيد نوري المالكي كان بوسعه في غير ما مناسبة أن يلجأ الى خيارات أخرى غير استخدام السلاح أو التهديد به. ولم يزل في امكانه ان يفعل هذا. كيف؟ للمالكي شركاء قريبون في العملية السياسية، بينهم التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي. هذا الشريكان أعلنا صراحة انهما يعارضان استخدام القوة المسلحة ضد معتصمي الانبار، ولو كنت مكان المالكي لألقيت بالكرة في مرمى هذين الشريكين، ولقلت لهما : لقد أعيتني الحيلة في التوصل الى تسوية مع معتصمي الانبار، واستقر رأيي ومن حولي من المساعدين والمستشارين على اللجوء الى القوة.. اذا كنتم ترون ان ثمة خياراً آخر فآتوني به.. توسطوا بيني وبين المعتصمين لحل المشكلة سلمياً.
ما كان المالكي سيخسر شيئاً لو فعل هذا. كان يمكنه أن يمنح التيار الصدري والمجلس الاعلى مدة اسبوع أو اسبوعين أو شهر لاختبار خيارهما، فاذا نجحا فيه ربح الجميع وإن فشلا كسب المالكي سنداَ قوياً لعمليته العسكرية ضد معتصمي الانبار.
أظن ان هذا الخيار متاح أمام المالكي الآن وفي كل الاوقات وانه أفضل الخيارات.


41
المنبر الحر / قطرة في بحر
« في: 16:23 28/12/2013  »
شناشيل
قطرة في بحر
عدنان حسين

في وقت مبكر نسبياً أعلنت المفوضية العليا للانتخابات التي لن أخفي أبداً شكّي في استقلاليتها التامة عن نفوذ الحكومة والاحزاب السياسية المالكة سلطة تعيين موظفي المفوضية، وبخاصة كبارهم، مصادقتها على نظام الإنفاق على الحملات الانتخابية، وهذا أمر جيد ومبادرة ايجابية، لكن السؤال: هل سيعمل هذا النظام ليحقق الهدف من تشريعه؟
النظام يضع سقفاً لكمية المال النقدي والعيني التي يُمكن للمترشحين وكياناتهم أنفاقها في الانتخابات البرلمانية القادمة، ويحدّد الوسائل والانشطة المسموح للكيانات والائتلافات والمترشحين باستخدامها للتأثير في الناخبين وكسب ثقتهم لغرض التصويت لهم. ومن المفترض أن يحول هذا النظام دون استخدام الاموال غير المشروعة في تمويل الحملة الانتخابية، ودون شراء الاصوات واحتكار وافساد العملية الانتخابية والحياة السياسية.
تعتقد المفوضية العليا انها تستطيع تحقيق الهدف المرجو من تشريع النظام بالزام المترشحين والكيانات بفتح حسابات مصرفية وتعيين محاسبين واعداد سجلات حسابية خاضعة للاطلاع والكشف عليها من جانب المفوضية. لكن هذا النظام على أهميته لن يكون في التطبيق سوى قطرة من ماء عذب في بحر.
ليس في وسع هذا النظام ومئة نظام مثله أو أفضل منه أن تمنع افساد العملية الانتخابية والحياة السياسية من دون قوانين تنظّم الحياة السياسية على وفق المباديء والقواعد الديمقراطية، وفي المقدمة قانون الاحزاب.
كيف لنظام كالنظام الذي استحدثته للتو مفوضية الانتخابات أن يتوثق، مثلاً، من ان المال المستثمر في الانتخابات لم يأت من خارج الحدود أو من المال العام المسروق؟. الآن لا يوجد رقيب أو حسيب على عمل الاحزاب السياسية، ولابدّ ان المفوضية تعرف، كما نعرف، ان أموالاً طائلة تتدفق عبر الحدود من الجهات الاربع جميعاً، دونما استثناء، على العديد من الاحزاب والكيانات، وبخاصة الكبيرة منها. ولابدّ ان المفوضية تعرف مثلنا ان الاحزاب المتنفذة في السلطة تستخدم المال العام ونفوذها في أجهزة الدولة وامكانات الدولة ووسائلها، للتأثير في الناخبين، أي شراء أصواتهم، ولا يوجد قانون واضح ومحدد يمنع هذا الذي جرى على نحو منهجي في الانتخابات السابقة كلها.
اذا كانت المفوضية لا تعرف فانني أتبرع بلفت نظرها الى ان الاحزاب والكيانات المتنفذة في الدولة، أي صاحبة الامكانات المالية غير المحدودة، عملت في السابق وستعمل الان أيضاً على شراء ذمم رؤساء عشائر ومدراء دوائر حكومية، بدفع اموال نقدية وهدايا عينية وبتلزيم مقاولات، فكيف لنظام المفوضية الجديد أن يمنع هذا؟
واذا كانت المفوضية العليا لا تعلم فانني اتطوع لتنبيهها الى ان مسؤولين كبار في الدولة سيعملون الآن، كما عملوا عشية الانتخابات السابقة كلها، على رشوة الناخبين بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر اطلاق الوعود، وحتى تقديم الرشا من نوع التوظيف في دوائر الدولة وتوزيع الاراضي والمساكن.
 ما ضرّ مفوضية الانتخابات لو أعلنت منذ "انتخابها" ان المهمة الوطنية السامية الموكولة اليها لا تتحقق من دون قانون للاحزاب في الأقل، فضلاً عن قانون رصين للانتخابات لا يتغير وفقاً للاهواء والامزجة، وعن استقلالية حقيقية للمفوضية؟



42
المنبر الحر / واجب الجيش
« في: 16:23 26/12/2013  »
شناشيل
واجب الجيش
عدنان حسين

الجيش يحارب الإرهاب في مرابعه ويلاحق الإرهابيين في مراتعهم .. مَنْ ذا الذي لا يصفّق لهذا الجيش؟ .. من ذا الذي لا يرفع الصوت عالياً دعماً وتأييداً لهذا الجيش والمطالبة بإمداده بكامل العدة والعتاد ليربح الحرب على الإرهاب ويعود مكللاً بالغار من جبهاتها؟
بعيداً عن الأسئلة من قبيل: لماذا تأخّر حتى الآن إرسال الجيش الى هذه الحرب بهذه الصورة المهيبة؟ وما مقدار الدعاية السياسية في ما يجري؟ . . بعيداً عن هذا فان الجيش يقوم الآن بواجبه ويؤدي مهمته .. واجب الجيش ان يكون سوراً للوطن، ومهمته أن يحمي سيادة الوطن من أي انتهاك أو تطاول قادم من خارج الحدود .. وواجب الجيش ومهمته ايضاً دعم وإسناد قوات الأمن الداخلي وهيئات الدولة والمجتمع في الظروف الطارئة.
نعم هذا هو واجب الجيش وهذه هي مهمته .. ليس واجبه أن يترك جبهات المواجهة مع الإرهابيين ليمنع الشعب من التظاهر حينما يريد التظاهر في ساحات التحرير من اجل إصلاح العملية السياسية وإعادتها الى مسارها الذي أجمعت عليه غالبية الشعب وقواه السياسية ومنظماته المدنية وحدده الدستور بوصفه مساراً ديمقراطياً، ومن أجل تحقيق الأمن والسلم الأهلي والاستقرار، ومن أجل مكافحة الفساد المالي والإداري المُلتهم قوت الشعب وتنميته ورفاهه ورصيد خدماته العامة، ومن أجل تحرير العراقيين من الفقر والفاقة والبطالة والجهل والتخلف .. ليس من واجب الجيش فرض حال حظر التجوال لمنع الشعب من ممارسة حقه في التظاهر وسائر مظاهر التعبير عن الرأي المكفولة في الدستور.. وليس من واجب الجيش ان يلاحق المتظاهرين وأن يسيء معاملتهم بالضرب والكلام النابي والاعتقال وتوجيه التهم الملفقة اليهم وإجبارهم على التوقيع على التعهد بعدم التظاهر، كما حصل وتفاقم أمره بدل المرة والمرتين عشرات المرات، وبالذات منذ شباط 2011 .. ليست مهمة الجيش أيضاً اعتقال الصحفيين ومصادرة أدواتهم وتكسيرها ودهم مؤسساتهم.. هذه كلها مهمات قذرة تؤديها عادة قوات الأمن في الأنظمة الدكتاتورية لصالح الدكتاتوريين من أمثال صدام حسين .. أما في النظام الديمقراطي فلا يؤدي الجيش وسائر قوات الأمن إلا المهمات الوطنية التي تضمن أمن المواطن وتكفل كرامته وتحفظ حقوقه وتمكّنه من ممارسة حرياته الخاصة والعامة، فضلاً عن الدفاع عن سيادة البلاد واستقلالها.
الجيش يدفع قواته الآن الى حيث يُقيم الإرهابيون معسكراتهم وملاذاتهم، ويعلن قادته انهم لن يوقفوا عملياتهم إلا بالقضاء على أوكار الإرهاب ومنع تسلل الإرهابيين من خارج البلاد ومن داخلها .. هذه مهمة وطنية سامية نصفّق لها كل الوقت، فطالما كان الجيش يؤدي مهمة وطنية كهذه كان هو جيشاً وطنياً نفخر به جميعاً ونشدّ من أزره لكي ينتصر.



43
شناشيل
لا تجعلوا محنة الحسين نقمة
عدنان حسين

بمنتهى الصراحة وبكل الأسف، تتحول المناسبات الدينية الشيعية، وبخاصة ذكرى استشهاد الإمام الحسين والأربعين وذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم، عاماً بعد آخر إلى نقمة لكثير من الناس، أغلبهم من الشيعة. والملوم وزارتا الداخلية والدفاع.
الليلة قبل الماضية عرضت قناة "الحرة عراق" تقريراً من مدينة الحلة، تحدث فيه رجال ونساء من سكان المدينة عن معاناة غير مبررة يواجهونها هذه الايام بسبب اقدام القوات الأمنية على قطع طرق رئيسة في المدينة واغلاق طرق فرعية داخل الاحياء والضواحي، بدعوى توفير الأمن للمشاة من زوار كربلاء لمناسبة الأربعين.
نهاية الأسبوع الماضي زرتُ الأهل في الحلة، وقد كابدت شخصياً مشقة الوصول الى المدينة وبيت الاهل والعودة الى بغداد.. فبسبب اغلاق جزء من الطريق الرئيسة الموصلة الحلة بكل من العاصمة والنجف والديوانية وكربلاء وطرق أخرى داخلية كان لزاماً علي وعلى كل المسافرين البحث عن طريق بديلة عديدة وطويلة والدخول الى أحياء لم تزل غارقة بمياه الأمطار.
وهنا في بغداد احتجت أول من أمس إلى نحو ساعتين للوصول من المنصور الى شارع أبو نواس.. كانت الطريق عبر علاوي الحلة والصالحية مختنقة بآلاف السيارات من ساحة النسور الى العلاوي، وكذا حال الطريق المارة عبر القادسية الى جسر الجادرية. لكن الغريب ان الحركة على هذه الطرق نفسها كانت أمس يسيرة، لكن زملاء ومعارف تحدثوا أمس عن تجارب مريرة لهم في التنقل داخل العاصمة وبين أطرافها.. الأمر كله اذاً يتعلق بإجراءات القوات الامنية، فإن عمدت الى التشدد المبالغ فيه أصبحت الحركة قاتلة، واذا ما نحت الى التخفيف مضت الأمور بيسر.
مرة أخرى وأخرى نقول ان القوات الأمنية غالباً ما تلجأ في مثل هذه الظروف الى أسهل الحلول للتخفيف عن نفسها والإثقال على المواطنين، فهي تُغلق طرقاً رئيسة من دون توفير طرق بديلة.
في يوم عاشوراء الماضي عمدت قيادة عمليات بغداد الى حظر التجوال في العاصمة منذ الصباح الباكر من دون سابق إعلان وإنذار، وتسبب ذلك في معاناة كبيرة لمئات الالاف من الناس، وقد كتبت عن هذا يومها تحت عنوان "وعثاء السفر من بغداد"، كما كتبت منذ اربعة أيام داعياً الى عدم الاساءة للحسين وقضيته بإجراءات أمنية تلحق اضراراً بناس عاديين وكسبة وأصحاب مصالح وموظفين.
الخوف الآن أن يتكرر مشهد يوم عاشوراء خلال الايام القليلة المقبلة، فليس مستبعداً ان نصحو يوم الاربعين أو قبله على حظر للتجوال غير معلن أيضاً (نفسي أكتشف الحكمة وراء عدم الاعلان عن حظر التجوال).
رجاءً ، رجاءً، يا مسؤولي الأمن، لا تحولوا مناسبة أحياء محنة الامام الحسين وسواه من أهل البيت إلى نقمة.



44
شناشيل
المصالحة فاشلة .. لماذا؟
عدنان حسين


وُضع برنامج المصالحة الوطنية (الحوار الوطني سابقاً) ورُصدت له الأموال الطائلة من أجل هدف كبير، هو تحقيق السلم الأهلي وضبط الخلافات السياسية بين القوى المتصارعة على السلطة على ايقاع هادئ يعتمد الوسائل غير العنفية للتنافس على مناصب السلطة ومصادر الثروة وتبادلها.
الآن بعد مرور كل هذه السنوات يتبين ان ذلك البرنامج لم يحقق شيئاً يُذكر على الإطلاق .. هذا الكلام لن يعجب الحكومة والقائمين على مستشارية (وزارة سابقاً) المصالحة الوطنية التابعة لمكتب رئيس مجلس الوزراء مباشرة، لكن لا حاجة للكلام المسهب لاثبات ان المصالحة قد فشلت مثلما فشل أغلب البرامج التي تعهدت هذه الحكومة انجازها. يكفي أن نشير الى ان الخط البياني للعنف في تصاعد متواصل، بل انه خلال العام الحالي عاد الى مستويات العام 2008 وما قبله، فعمليات التفجير بالجملة عادت، وعادت معها عمليات القتل على الهوية، الفردية والجماعية، على مدار الساعة.
في مرحلة ما ظل المسؤولون في وزارة (مستشارية) المصالحة الوطنية يخرجون علينا بين شهر وآخر، واحياناً اسبوعياً، بمؤتمرات صحفية يقدمون فيها مَنْ يفترض أنهم قادة وممثلون لجماعات وحركات مسلحة انخرطت في برنامج المصالحة وألقت اسلحتها جانباً. وفي مرتين أو أكثر وصل عدد المشاركين في المؤتمرات الصحفية الى 15. ومن المفترض، استناداً الى تلك المؤتمرات ان عدد الجماعات والحركات المسلحة المتصالحة قد بلغ مئة أو أكثر.
لماذا إذاً لم تتحقق المصالحة حتى اليوم؟ هل كان انخراط تلك الفصائل والجماعات في برنامج المصالحة حقيقياً أم زائفاً؟ واذا كان حقيقياً فلماذا لم ينخفض مستوى العنف؟
لا أحد يمكنه الاجابة عن هذه الاسئلة غير مستشارية المصالحة الوطنية ورئاسة مجلس الوزراء، فهما الأعرف ببواطن الامور.
المهم ان برنامج المصالحة فاشل، وهذا ما يؤكده نواب من كتل مختلفة، ففي تقرير تصدّر عدد أمس لهذه الصحيفة (المدى) استخدم هؤلاء النواب، وهم من كتل عديدة، التعبير نفسه "الفشل" لوصف ما آل إليه البرنامج الحكومي، فيما رأوا ان المصالحة الشعبية "سجلت نجاحاً أكثر من المصالحة الحكومية"، لافتين الى ان الموازنات الكبيرة التي رُصدت لهذا البرنامج أُسيء استغلالها واستخدمت "في شراء الولاء والذمم ايام الحملات الانتخابية".
لكنني لا اظن ان السب الوحيد لفشل البرنامج يعود الى سوء استخدام المال المخصص للمصالحة، فالفشل الحكومي في المجالات والقطاعات الاخرى هو من اسباب الفشل. عدم حل مشكلة البطالة والفقر سبب رئيس. تفشي الفساد المالي والإداري سبب رئيس أيضاً. سوء معاملة القوات الامنية ليس فقط للمعتقلين وانما أيضاً لعموم الناس وعدم تشبع هذه القوات بفكرة حقوق الانسان سبب رئيس آخر. الازمة السياسية المتواصلة والمتفاقمة في حدتها سبب آخر. ويمكن ان تكون طبيعة الناس المكلفين تطبيق البرنامج سبباً لا يقل أهمية عن الأسباب الأخرى.



45
شناشيل
لماذا لا تسلّمون للقاعدة؟
عدنان حسين

لم أرَ في حياتي ولم أسمع ولم أقرأ حكاية تشبه حكاية نوري المالكي وهو على رأس الحكومة.. فالسيد المالكي يبدو لي لا نظير له بين رؤساء الحكومات السابقين والحاليين في العراق والمنطقة والعالم كله في التغاضي والتغافل عن، والإصرار على، فشل الحكومة التي يترأس والدولة التي يدير(ربما يمكن استثناء رؤساء كوريا الشمالية المتوحشين العائشين خارج التاريخ).
لم تكتمل بعد التصريحات المنددة بعملية تهريب سجناء من سجن العدالة بالكاظمية، ولم تتوقف الاتهامات المتبادلة بين وزارتي العدل والداخلية بشأنها، ولم تغادر المعلومات عن خباياها وخفاياها الصفحات الاولى لصحفنا الى صفحاتها الداخلية، حتى صحونا صباح أمس على فضيحة بجلاجل أخرى أثقل وزناً من فضيحة سجن الكاظمية، فإرهابيو تنظيم القاعدة يجدون الطريق سالكة تماماً الى مركز شرطة بيجي ليقتحموه ويطلقوا سراح عناصرهم (لماذا يوجد عناصر القاعدة في مركز للشرطة في بيجي بالذات على مرمى حجر من قواعد تنظيمهم ومعسكراته وملاذاته؟)، ثم ليقتحموا ايضاً المجلس البلدي للمدينة، وفي الاثناء تحتل مجموعة أخرى منهم المجلس البلدي في تكريت، وفي الوقت نفسه تتفجر بالجملة سيارات مفخخة وعبوات ناسفة في بغداد، المركز والضواحي والاطراف، وخارج بغداد أيضاً!
السيد المالكي لا يريد أن يدرك، بل لا يريد أن يقرّ ويعترف بفشل حكومته ودولته، ولا يريد أن يعرف أن هذا الفشل حتمي بحكم قانون المحاصصة السائد في الدولة وبفعل الفساد المالي والإداري الضارب أطنابه في أركان الدولة عمودياً وأفقياً برعاية قانون المحاصصة.
الف علامة وعلامة لفشل حكومة السيد المالكي ودولته، وما يقوم به تنظيم القاعدة يومياً تقريباً احدى هذه العلامات.
أظن ان من مصلحة الإقرار بهذه الحقيقة (الفشل)، حتى لو ترتب على ذلك تسليم الحكومة والدولة لـ "القاعدة"، فحينه سيصبح "القاعدة" هو الحكومة والدولة وسننخرط جميعاً في صفوف مقاومته بكل السبل والوسائل، واذا ما اضطر بعضنا الى الهجرة من جديد الى خارج البلاد، كما حصل في عهد صدام، فانه سيستأنف نشاطه من اجل حشد الدعم الدولي لكفاح الشعب العراقي ضد القاعدة.
السيد أحمد الجلبي لم يزل على قيد الحياة، وبكامل حيويته، وكذا السيد إياد علاوي، وسيمكنهما هذه المرة أيضاً، كما فعلا في الماضي، العمل من جديد باتجاه الولايات المتحدة وبريطانيا لإقناعهما بدعم كفاحنا للخلاص من حكم القاعدة.. أما الآن حيث لا يكلّ السيد المالكي ولا يملّ من التأكيد ان حكومته مسيطرة على الأوضاع وان دولته أقوى من الإرهاب بفضل قواتها المسلحة (غير السليمة من وباء الفساد المالي والإداري)، فان أحداً ليس بوسعه طلب المساعدة الدولية، مثلما ليس بوسعنا مقاتلة القاعدة وجهاً لوجه لأن دولة المالكي لا تقبل أن يقترب أحد من قواتها ولو كان حاملاً الورود، حتى أن هذه القوات تعتقل وتعامل معاملة قاسية الصحفيين الساعين لتوثيق إرهاب القاعدة، كما حدث أمس مع زميلنا المصور محمود رؤوف الذي اعتقلته قوة من استخبارات الداخلية واحتجزته ثلاث ساعات بـ"تهمة" (!) تصوير آثار عملية التفجير الإرهابية في منطقة الصدرية وسط بغداد..!!


46
شناشيل
البرلمان والبلدوزر المسعور

عدنان حسين

اختار النائب عن كتلة "متحدون" محمد اقبال ثلاث جهات ليرفع في وجهها سيف نقده، لأنها تستهدف مجلس النواب وتسعى للتأثير على دوره التشريعي، بحسب ما صرح به أمس (شفق نيوز).
السيد اقبال صوّر المؤسسة التي يشتغل فيها (البرلمان) بانها تتعرض "الى حصار من ثلاث جهات، أولها بعض المؤسسات الاعلامية التي دُفعت لها أموال ومبالغ كبيرة لاستهداف مجلس النواب بشكل يومي، إضافة الى مجلس الوزراء الذي يسعى الى السيطرة على صلاحيات الجهاز التشريعي". وأضاف ان "الجهاز القضائي يتدخل في تشريع بعض القوانين رغم محاولة مجلس النواب تشريع قانون يحدّ من تدخل القضاء".
لن أتعصب للاعلام لأدافع عنه حقاً وباطلاً، فالنائب اقبال على حق في قوله ان بعض المؤسسات الاعلامية دُفعت لها مبالغ مالية كبيرة لاستهداف البرلمان. هذه حقيقة نعرفها. وأزيد السيد النائب من الشعر بيتاً بان هذه المبالغ منهوبة من المال العام في الغالب، وان الاستهداف لا يقتصر على البرلمان وانما يتسع نطاقه ليشمل كل ما هو خيّر ووطني ونزيه في هذا البلد.. وبودي أن اشير الى مثال واحد فقط من الأمثلة الفاقعة، هو مثال قضية البنك المركزي، فكل الاجراءات التي اتخذت قبل أكثر من سنة ضد البنك وقيادته باطلة لتعارضها تعارضاً صارخاً مع أحكام الدستور ومع قانون البنك المركزي والنظام الداخلي لمجلس النواب. وهذا التعارض مارسه وأصرّ عليه، الى جانب رئيس السلطة التنفيذية، رئيس مجلس النواب ونائبه الاول والسلطة القضائية وهيئة النزاهة. ومع هذا فان المؤسسات الاعلامية قابضة المبالغ الكبيرة من المال العام المنهوب لعبت في هذه القضية دور محامي الشيطان.
لا خلاف مع النائب اقبال في ان الحكومة والسلطة القضائية كانتا في طليعة مستهدفي مجلس النواب بوصفه سلطة التشريع وسلطة المراقبة والمحاسبة في دولتنا. لكن من المسؤول عن هذا؟
ليس في وسع المؤسسة التي يعمل فيها النائب اقبال ان تتنصل عن مسؤوليتها.. مجلس النواب الذي جعل منه الدستور السلطة الأعلى في البلد رضي بملء ارادته بان يكون خانعاً وخاضعاً وتابعاً للسلطة التنفيذية التي تحوّلت بمساعدة السلطة القضائية الى بلدوزر عملاق يكتسح كل ما يقف في طريقه.
مجلس النواب لم يحرّك ساكناً ليوقف بلدوزر الحكومة المسعور عند حده، ولم يفعل شيئاً ليواجه السلطة القضائية بحقيقة انحرافها عن استقلالها وحيادها ونزاهتها، وانحيازها الى جانب السلطة التنفيذية بسبب تعرّض رئاسة السلطة القضائية والمحكمة الاتحادية للابتزاز والتهديد بفتح ملفات المساءلة والعدالة في وجهها إن لم تُذعن إلى ما تريده الحكومة.
مجلس النواب كان في وسعه فعل الكثير لوقف طغيان السلطة التنفيذية، من توجيه المذكرات الى عقد المؤتمرات الصحفية والجلسات الخاصة العلنية.. بل حتى الى دعوة الناخبين للتظاهر والاحتجاج على تغوّل الحكومة بالتواطؤ مع القضاء على السلطة التي انتخبها الشعب.
السيد إقبال.. مؤسستك حنثت باليمين الدستورية وخانت الامانة، فلُمها لأنها هي الطرف الاول المسؤول الأول عن استهداف نفسها.


47
شناشيل
منْ يُهرّب السجناء؟
عدنان حسين

الأمر سيّان والنتيجة واحدة، وهي نتيجة مخزية لدولتنا برمتها ولنظامنا السياسي بأكمله.. نتيجة تصم بالعار ليس فقط المسؤولين المباشرين عن سجن معسكر العدالة في الكاظمية (بغداد) الذي هربت منه أمس مجموعة أخرى من السجناء، وإنما أيضاً مسؤولوهم الأعلون، وزير الداخلية ووزير العدل ورئيس مجلس الوزراء.
مسلسل طويل جديد من الاتهامات والاتهامات المتبادلة ومن التنصل من المسؤولية والقائها على الغير، سنشهده هذه الأيام والأيام المقبلة حتى تُدفع القضية الى النسيان من دون مساءلة أو محاسبة، كما حصل في كل المرات السابقة التي لم يكلف أحد من مسؤولي دولتنا وحكومتنا نفسه ليخبرنا ما الذي حصل وكيف حصل الذي حصل ومن المسؤول عما حصل في الهروبات الكبيرة السابقة للسجناء والمعتقلين من أخطر الارهابيين.
هذه المرة أيضاً سيعمدون الى التشويش علينا وتضييعنا بين مسؤولية وزارة العدل المكلفة إدارة السجون وبين مسؤولية وزارة الداخلية التي قال المتحدث باسم وزارة العدل امس ان هذه الوزارة (الداخلية) وليست وزارته هي المسؤولة  عن عملية الهروب أمس،  فـالسجناء الفارون إنما هربوا "من استخبارات اللواء الثامن شرطة اتحادية وهو من المواقف التابعة للداخلية ولا علاقة لوزارتنا بالموضوع"!
مهما حاول مسؤولو كلّ من الوزارتين التحلل من المسؤولية ورميها على بعضهم البعض، فإننا، كما كل الناس، نعرف بالتحديد وبالتفاصيل المملة هويات المسؤولين عن هذا الفرار وكل عمليات الفرار السابقة، بما فيها تلك التي تمكّن فيها عتاة الإرهابيين من مغادرة سجونهم براحة وهدوء والعودة الى ممارسة أعمال الإرهاب.. نعرف ان المسؤولين هم الفاسدون من كبار المسؤولين في وزارات العدل والداخلية والدفاع وسواها من الوزارات والأجهزة المشبعة بالفساد المالي والإداري .. وهؤلاء جزء من منظومة متكاملة تربط مختلف أجهزة دولتنا بعضها بالبعض بشبكة كبيرة محكمة البناء .. ولا استثناء من هذه الأجهزة، فالفاسدون المتواطئون مع المنظمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة موجودون في الحكومة كما في البرلمان وكما في القضاء، وهم يديرون هذا "البزنس" بأرصدة قيمة بعضها ملايين الدولارات.
ما حدث في سجن معسكر العدالة أمس لا يمكن عزوه الى الإهمال والتسيب والتواكل والتقصير .. انه فعل متعمد عن سابق تصميم وإصرار، وهو فعل متمم لعشرات الأفعال المماثلة التي وقعت في السنوات الاخيرة، وألقي بتفاصيلها في غياهب النسيان عن سابق تصميم وتعمد.
هذه مشكلة ستظل قائمة الى حين، ولا يمكن حلّها لا بمعاقبة ضباط السجون ولا بإقالة أو استقالة وزير العدل أو وزير الداخلية مثلاً أو حتى رئيس الحكومة .. لا حلّ لها إلا بإعصار يكتسح نظام المحاصصة الطائفية الذي جعل من حثالات وجهلة ونصابين ومزورين وحرامية وقتلة وأفراد عصابات وزراء ومدراء وضباطاً آمرين، دينهم دنانيرهم كما يقال.


48
شناشيل
لماذا الأئمة والكهنة فقط؟

عدنان حسين

أتخيل الاجتماعات الاسبوعية لمجلس الوزراء مملة للغاية، فالبيانات المتضمنة القرارات المتخذة في هذه الاجتماعات لا تعكس ان ثمة نقاشاً حامياً قد دار حول القضايا الرئيسة التي تشغل الناس وتؤثر في حياتهم، كالأمن والخدمات العامة والوضع المعيشي والتنمية والفقر والبطالة والفساد المالي والاداري.
هناك احتمالان، الاول ان هذه القضايا لا تُبحث في اجتماعات مجلس الوزراء فلا تصدر أي قرارات بشأنها، أو انها تُبحث ولا يحصل اتفاق عليها بالاغلبية لتصدر بها قرارات. وفي الحالين فاننا – أعني الناس المشغولين بالقضايا المشار اليها - خاسرون كبار، ذلك ان مهمة الحكومة الاولى رعاية المصالح العامة وتأمين الاحتياجات بقدر المستطاع، وإذ لا تنهض الحكومة بمهمتها الاولى تكون مصالح الناس معطلة واحتياجاتهم مهملة.
أمامي الان قرارات الاجتماع الأخير المنعقد أول من أمس. لم أجد فيها أي قرار يخصّ مواجهة مشكلة فيضانات مياه الامطار مثلاً، أو تأمين نظافة المدن للتقليل من مخاطر الامراض والأوبئة، أو توفير أجهزة ومعدات لتحسين وتطوير نظام المراقبة في الشوارع والساحات للحد من أعمال الارهاب بعد ثبوت زيف أجهزة "كشف المتفجرات"، أو المصادقة على مشاريع لاعادة الحياة الى مصانعنا المعطلة عن عمد وسابق إصرار من حيتان التجارة وفسدة وزارة الصناعة، أو لانشاء طرق سريعة وخطوط سكك حديد جديدة لحل مشلكة نقل البضائع من الموانئ ودول الجوار .. الخ.
أكثر من هذا وجدت ان القرار الأخير للاجتماع، وهو القرار رقم 11، خصّ فئة اجتماعية بامتياز لا أرى مبرراً له. القرار يتيح "بيع قطعة أرض سكنية بمساحة(200) متر مربع الى أئمة المساجد في الوقف السني والشيعي والمسيحي في مواقع عملهم للمثبتين على الملاك الدائم وبسعر (100) مئة دينار للمتر المربع الواحد".
أرى في هذا القرار تجاوزاً على أحكام الدستور الذي ساوى بين العراقيين في الحقوق كما في الواجبات وألزم الدولة بالتزام مبدأ تكافؤ الفرص حيالهم.
اذا كانت هناك ضرورة لتوفير أراضٍ لسكنى أئمة المساجد والقيّمين على الكنائس فثمة ضرورة أكبر وأسبق لتأمين مثل هذا الحق لأفراد القوات المسلحة المكلفين حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب .. هؤلاء موضوعون في خطر داهم على مدار الساعة، وهم وعوائلهم أولى من الائمة والكهنة بان يتمتعوا بحق السكن، ومثلهم عمال الكهرباء والبلدية وغيرهما من الخدمات العامة الاساسية، وكذلك الأطباء والموظفون الصحيون والمعلمون وسواهم من فئات المجتمع التي تقدم خدمات حيوية للناس.
الخدمة التي يقدمها ائمة المساجد والكهنة هي أقرب ما تكون الى خدمات الرفاه.
لست ضد توفير الحياة الكريمة للمشتغلين في قطاع الخدمة الدينية، لكن لابد أن يشمل هذا الحق مختلف العاملين في الخدمات والمصالح العامة. ان خصّ رجال الدين بامتيازات لا يمكن تفسيره الا بوصفه تمييزاً لهم في الحقوق على سائر الناس .. واختيار هذا الوقت بالذات للاعلان عن منح هذا الامتياز يصعب النظر اليه من غير زاوية السعي لتحقيق مصلحة انتخابية للمتنفذين في الحكومة وعلى رأسهم رئيسها! اليس كذلك؟



49
المنبر الحر / البيان الأوروبي
« في: 20:10 11/12/2013  »
شناشيل
البيان الأوروبي
عدنان حسين

مع بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق كل الحق في أن تولي قضية الاعتقالات العشوائية في بلادنا اهتماماً خاصاً، فهذه قضية ظلت تتفاقم على مدى السنين العشر المنصرمة، وهي قضية مهينة لكل فرد من أفراد الشعب العراقي، ومهينة وجائرة في حقنا نحن الذين ناضلنا ضد الدكتاتوريات السابقة وكنا نركز في ذلك النضال على الاعتقالات العشوائية والتعذيب والمحاكمات الصورية للمعتقلين.
البعثة الأوروبية عبّرت في بيانها لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان (أمس) عن "القلق إزاء عمليات الاعتقال العشوائية بموجب المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب وإزاء التقارير العديدة بشأن إساءة معاملة المحتجزين".
أمس زارني زميل وروى لي "قصة حزينة" وأجهها مع أحد أبنائه. هذا الابن أبكم، واعتقله جهاز المخابرات لا لشيء إلا لأنه أبكم كان يتمتع بحقه في التمشي على رصيف أحد شوارع العاصمة. لا ادري ما العلاقة بين البكم والإرهاب! اذا كان الارهابيون قد استخدموا ذوي إعاقة في بعض عملياتهم، فهذا لا يبرر الاشتباه بكل المعاقين، مثلما غير مبرر الاشتباه بكل الأصحاء لأن أعمال الإرهاب يخطط لها ويمولها وينفذها أصحاء في الغالب.
الزميل تحدث أيضاً عما عاناه من رفض القائمين على اعتقال ابنه اطلاق سراحه ما لم يوقّع على تعهد! .. تعهد بماذا؟ ولماذا؟.. هكذا هي الأمور.. أما ان يوقع على التعهد أو ان ابنه "سيخيس" بين مراكز الاعتقال والمحاكم، كما أخبره الضابط!
طيّبت خاطر الزميل ونقلت له قصة أكثر حزناً رواها لي ذات يوم سائق تاكسي لاحظ انني أحمل حقيبة فظنني محامياً، وناشدني المساعدة.. ما القصة؟ سائق التاكسي قال ان قريباً له معاقاً يمشي على كرسي متحرك شاء حظه العاثر أن يوجد ذات ساعة في مكان شهد عملاً إرهابياً، فاعتقل مع آخرين كمشتبه بهم.. القريب المعاق اضطر تحت التعذيب القاسي الى الاعتراف بان له علاقة بالعمل الإرهابي.. اعترف ليتوقف التعذيب المهول الذي لم تكن له طاقة لتحمله... ولأنه اعترف فقد حُكم بالإعدام!!
مثل قصة الزميل وابنه الحزينة وقصة سائق التاكسي وقريبه الأكثر حزناً ثمة المئات وربما الالاف. وهي قصص لم تنقطع، وهذا ما يعرفه مبعوثو الاتحاد الأوروبي ومبعوثو الأمم المتحدة ونعرفه نحن قبلهم، وهو ما يمثّل عاراً حقيقياً لنظامنا الذي أردناه بديلاً للديكتاتوريات السابقة فاذا به يخوض في الوحل الآسن نفسه، وحل الوحشية المنفلتة.. انه عار حقيقي لحكومتنا والقائمين عليها الذين ذكّرهم بيان الاتحاد الأوروبي بالتزامات دولة العراق "التي يُوجبها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، لافتاً الى "ان احترام حقوق الإنسان هو أداة جوهرية لبناء ديمقراطية قوية ولمحاربة الإرهاب والعنف"، وان "أياً من التعذيب أو عقوبة الموت لا يردعا الإرهاب بفاعلية".
هل من يسمع؟ هل من يرى؟ هل من يقرأ؟

 
 



50
المنبر الحر / سؤال
« في: 20:07 10/12/2013  »
شناشيل
سؤال
عدنان حسين

"نقص التمويل".. هذا التعبير صار كلمة السر أو اللازمة لتبرير فشل حكومتنا بوزاراتها ومؤسساتها المختلفة، ودولتنا بسلطاتها الثلاث جميعاً، في القيام بدورها وتأدية الخدمات المطلوبة منها.
أمس قرأت تصريحاً لمسؤول في وزارة البيئة اشتكى فيه من عدم توفر التقنيات الحديثة والأجهزة اللازمة للكشف عن القنابل العنقودية غير المنفلقة التي تخلفت عن حرب 2003 وتنتشر بكثافة في محافظات البصرة وذي قار وميسان. وسبب عدم التوفر يعود الى "نقص التمويل".
قبل انتهاء مهمته في بلادنا حذّر الممثل السابق للامين العام للامم المتحدة مارتن كوبلر من ان العراق يتصدر قائمة الدول الملغومة، فأكثر من 1730 كيلومترا مربعا من أراضيه لم يزل ملوثاً بالألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، ما يؤثر على 1.6 مليون عراقي في حوالي 4000 من المجتمعات السكانية المحلية.
كوبلر انحى باللائمة على "نقص التمويل" بوصفه العائق الرئيس لتنفيذ برنامج إزالة الألغام والذخائر غير المنفلقة.
الاسبوع الماضي سلّط أحد أعضاء لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب الأضواء على حال الإهمال التي يعاني منها جهاز المخابرات الذي من المفترض أن يكون في أحسن وضع لمكافحة الإرهاب. النائب نقل عن عاملين في الجهاز لومهم لـ"نقص التمويل" الذي جعل من عمل الجهاز "يقتصر على مراقبة عمل بعض الأحزاب السياسية"!!
قبل ذلك بأسابيع كشفت مسؤولة كبيرة في وزارة الاتصالات عن ان وزارتها ستحتاج إلى 50 سنة لتأمين 5 ملايين من خطوط الهاتف الأرضي بتقنيات الألياف الضوئية التي يحتاجها العراقيون (هل يبقى التلفون الأرضي حتى ذلك الوقت!؟)، مشيرة الى "نقص التمويل" أيضاً "هذا المشروع يحتاج الى حوالي ثلثي المبالغ المخصصة لموازنة الوزارة لمد 100 الف خط بالسنة الواحدة فقط".
كل الوزارات والمؤسسات والمديريات والأجهزة تشكو "نقص التمويل"، مع ان تقارير وزارة التخطيط وديوان الرقابة المالية متخمة دائماً بالمعلومات عن تلكؤ هذه الوزارات والمؤسسات والمديرات والأجهزة في انفاق كامل موازناتها السنوية.
السؤال الكبير: اذا كان "نقص التمويل" هو السبب في عدم توفر ما يلزم لإزالة الألغام والذخائر غير المنفلقة، وعدم توفر ما يحتاج اليه جهاز المخابرات، وعدم توفر ما يؤمن خدمة الهاتف الارضي، وهو السبب ايضاً في عدم إقامة سدود جديدة، وعدم بناء مشاريع زراعية كبيرة، وعدم اعادة احياء المصانع الكبرى المتوقفة عن العمل منذ عشر سنوات، وعدم فتح طرق جديدة، وعدم تشييد موانئ جديدة، وعدم مد خطوط للسكة الحديد جديدة، وعدم بناء شبكة للصرف الصحي تمنع غرق المدن مع اول مطرة خريفية، وعدم حل مشكلة الكهرباء، وعدم بناء مصاف للنفط جديدة، وعدم توزيع حاويات لجمع القمامة حتى في العاصمة بغداد، وعدم ايجاد مكبات للنفايات، وعدم بناء مدارس ومستشفيات ومستوصفات جديدة، وعدم تشييد مجمعات سكنية... و.. و.. و.. و... أين إذاً تذهب مئات مليارات الدولارات النفطية التي تتدفق علينا وتتسلمها الحكومة كاملة غير منقوصة؟


51
المنبر الحر / بل ننتخب
« في: 20:44 09/12/2013  »
شناشيل
بل ننتخب
عدنان حسين

في صفحتها على فيسبوك كتبت أستاذتنا وصديقتنا الرائعة سلوى زكو أمس مقالاً اختارت له عنوان ((انتخبوا لا تنتخبوا)) خلصت فيه إلى ضرورة أن نذهب جميعاً، نحن الذين نريد التغيير ونتطلع الى الخروج من هذه الحلقة الجهنمية الاسلاموية، الى صناديق الاقتراع لننتخب مَن يستحقون أن نصطفيهم نوابنا في البرلمان.
المقال قرأته بعد عودتي من الطبيب الذي زرته ليطلعني على نتائج فحوصات أمر هو بإجرائها (نتائج مطمئنة). خلال دقائق الانتظار وجدت أحد العاملين في العيادة صافناً، ولما سألته عما به تحدث بألم عن "المسخرة".. كان يقصد الانتخابات البرلمانية المقبلة وما يرافقها من حملات. أكد بلهجة قاطعة وحاسمة انه غير عازم على تحديث سجله الانتخابي والاقتراع.
سعيتُ لإقناعه بعدم رجاحة رأيه، فالمقاطعة ستصب نتائجها في صالح الفاسدين والمفسدين والساعين للاستئثار بالسلطة والثروة واحتكارهما، إذ يمكنهم بما يحوزون من نفوذ في الدولة وما يملكون من مال عام منهوب، أن يشتروا أصوات الجهلة والمغفلين من الناس.
بدا الرجل مقتنعاً، لكنه طرح السؤال التالي: اذا ذهبتُ واقترعتُ لصالح من يستحق أن أصوّت له، هل تضمن لي ان صوتي لن ينتهي الى شخص آخر لم انتخبه ولا أريد لأحد ان ينتخبه؟
هذا سؤال جوهري للغاية، فقانون الانتخابات المعدّل أبقى على النظام المتعارض مع مبادئ الديمقراطية، أعني نظام المقاعد التعويضية الذي يسمح بترحيل أصوات مُدلى بها لصالح مرشحين غير فائزين الى مرشحين آخرين غير فائزين أيضاً يقررهم رئيس القائمة!
ليس في وسع أحد أن يجيب بالايجاب على سؤال الرجل الراغب في الانتخاب والخائف من أن يذهب صوته الى مرشح فاشل لا يستحق أن يحتل مقعداً في مجلس النواب.
برغم هذه الاشكالية فانني أحرّض على الانتخاب، كما فعلت أم عمار في مقالها، فثمة أمل في ان بعض اصواتنا ستذهب الى من يستحقونها فعلاً ويستحقون أن يمثلونا في البرلمان.. اما عدم الانتخاب فهو يشبه التوقيع على بياض لمن لا نريد لهم ان يكونوا نوابا.
أستعين بما جاء في ختام مقال استاذتنا لأضعه برسم الصديق عامل العيادة وسواه ممن يطرحون السؤال الجوهري نفسه:
تقول سلوى زكو: "لا الدستور ولا قانون الانتخابات يستطيع أن يُبطل برلماناً حتى وإن انتخبه عشرة بالمائة فقط من جمهور الناخبين، بل ان المقاطعة سوف تصبّ في صالح الكتل السياسية المتنفذة التي ستدفع بجمهورها التقليدي الى صناديق الاقتراع في غياب اصواتنا"، لافتة الى "ان هناك هامشاً يمكننا المناورة من خلاله بأن نختار وجوهاً عابرة للطائفية والولاءات العشائرية والمناطقية كي تكون صوتاً لنا في البرلمان القادم. ولعل الطريق طويل، لكن ما من سبيل آخر أمامنا مادمنا غير قادرين على الاحتشاد في الشوارع والميادين بالملايين وليس لدينا سيسي يخرج من جيش لا تمزقه الولاءات كي ينتصر لارادة الشعب".
نعم ان الأمر كذلك استاذتي أم عمار وصديقي عامل العيادة.



52

شناشيل
في قضية نواب التيار
عدنان حسين

حتى لو لم يعلّق أي نائب في البرلمان أو أي سياسي على مذكرات القبض على ثلاثة من نواب كتلة الأحرار، فأنه حتى تلاميذ الدراسة الابتدائية يدركون ان ذلك يجري بخلفية سياسية ولأغراض سياسية تتلخص بالانتقام والسعي للإيقاع بالضد النوعي الأقوى للحزب الحاكم.
من رابع المستحيلات أن تكون نية الذين أمروا بتقديم المذكرات والذين نفذوا الأوامر منحصرة في ابتغاء مرضاة الله ومقتصرة على الدفاع عن المال العام، فهذا آخر ما يهتم به الآمرون والمنفذون الذين نعرفهم.
كنت من النقاد الأشداء للتيار الصدري يوم كانت عناصر عديدة فيه –لفظها لاحقاً- تتصرف بعدم المسؤولية أو بقليل منها في أحسن الأحوال، ولم أخش "سوء العاقبة" الذي حذرني بعض الاصدقاء عن موقف كهذا، بل إنني لم اتردد في أن أكوّن صداقات مع قياديين في التيار من دون ان يحول هذا من التزام الموقف النقدي نفسه. وللتاريخ فان هؤلاء القياديين كانوا انموذجاً لرحابة الصدر وتقبل النقد. واليوم أيضاً لن أتردد في نقد هذا التيار، وأي تيار او كتلة أو جماعة سياسية أخرى، اذا ما ارتكب خطأ أو اتخذ موقفاً يتعارض مع مصالح الشعب والوطن، فهذا هو واجب الكاتب الحر، وبالذات الوطني.
لست الآن في موضع الدفاع عن هذا التيار ونوابه الذين قد يكونوا ارتكبوا أخطاء وخطايا، لكنه ليس في وسعي السكوت عن مساعي تسييس القضاء وهيئة النزاهة لتحويلهما الى دواب يمتطيها الحزب الحاكم للانتقام من خصومه ومنافسيه وتسقيطهم سياسياً عشية أهم انتخابات برلمانية تجري خلال السنوات العشر العجاف الأخيرة، فهي انتخابات مفصلية.
حتى الناس الأميون يربطون بين حملة المذكرات القضائية الأخيرة وخسارة الحزب الحاكم في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، وخشية هذا الحزب من خسارة أكبر في الانتخابات البرلمانية الوشيكة، والظهور الإعلامي المكثف لنواب التيار الصدري وكشفهم بعض ملفات الفساد.
لو لم تكن هناك علاقة لهذه العناصر في ما بينها، لماذا إذاً لم يجر رفع هذه المذكرات قبل سنة او ستة اشهر مثلاً أو يؤجل الى ما بعد الانتخابات؟ ولماذا تركزت المذكرات على هؤلاء النواب دون غيرهم؟ اليس بين نواب ووزراء ومسؤولي الكتل الأخرى متهمون بالفساد المالي والاداري؟
لست في وارد تبرئة بهاء الاعرجي وجواد الشهيلي وجواد الحسناوي من التهم الموجهة اليهم، ببساطة لأنني لا أعرف حقيقة الأمر، وهذا راجع الى عداوة حكومتنا ودولتنا كلها للشفافية، لكنني لا أتردد في التشكيك في الأمر برمته اقتراناً بظروف القضية والدوافع المحتملة التي تحركها، واستناداً أيضاً الى السوابق التي جرى فيها تسييس القضاء وقضايا النزاهة على نحو فاقع.
بالإجمال فأنني أرى في هذه القضية من ألفها الى يائها تعبيراً آخر عن الشعور الداخلي بالضعف الذي ينتاب الحزب الحاكم، وهذه بشارة بانتهاء دوره مع الانتخابات الوشيكة.



53
المنبر الحر / شهادة مجروحة
« في: 20:13 07/12/2013  »
شناشيل
شهادة مجروحة
عدنان حسين
التصريحات التي أدلى بها النائب عزت الشاهبندر أخيراً في شأن طائفية "دولة القانون" والمالكي، لا يُعوّل عليها، فهي شهادة مجروحة من سياسي متقلّب ينطّ من عربة الى عربة بحسب مصالحه الشخصية التي زيّنت له التعامل حتى مع الشياطين من أمثال الارهابي مشعان الجبوري. هذا أولاً، وثانياً ان الادلاء بهذه الشهادة يأتي بعدما طُرد الشاهبندر، أو طرد هو نفسه، من الكتلة التي استمات دفاعاً عنها وعن زعيمها وعن اخطائهما وخطاياهما لاكثر من ثلاث سنوات، فيما ظل يذمهما قبل ذلك عندما كان مرتاحاً في عربة "العراقية".
وفي الواقع فاننا لم نكن نحتاج أو ننتظر شهادة من الشاهبندر لنعرف ان "دولة القانون" مشروع طائفي وان المالكي "فضّل الخيار الطائفي على الخيار الوطني". هذا الاكتشاف الشاهبندري العبقري المتأخر يعرفه الكثيرون حتى قبل ان يلتحق الشاهبندر بدولة القانون. وهل ثمة عاقل لا يعرف انه ما من حزب أو تجمع سياسي اسلامي الا وكان طائفياً؟ كل من وما يحيط بنا من الاحزاب والجماعات السياسية الاسلامية، السنية والشيعية ، من "القاعدة" الى الاخوان المسلمين الى حزب الدعوة الاسلامية وتفرعاته وسواها، هي طائفية بامتياز. وفقط عندما يأتي اليوم الذي يضم فيه أي من هذه الاحزاب أعضاء وقيادات من الطائفتين يمكن اعطاؤه شهادة باللاطائفية.
لكن طائفية هذه الاحزاب جميعاً هي بالكلام فحسب، للاستهلاك السياسي المحلي، فلا الاحزاب الشيعية التي وصلت الى الحكم رقّت من أحوال الشيعة أو رفعت "المظلومية التاريخية" عنهم، ولا الاحزاب السنية أفادت السنّة في شيء. والعراق مثل صارخ، فشيعته وسنته هم في اسوأ احوالهم خلال السنين العشر الماضية التي تقاسم الاسلاميون الشيعة والسنة الحكم وتشاركوا في الصراع على المال والنفوذ والسلطة.
في ظل حكم الاحزاب الشيعية صارت كل أرض في العراق كربلاء وكل يوم عاشوراء، والأحزاب السنية من طرفها استخدمت المذهب لاثارة العصبية المذهبية ولزيادة معاناة السنة، كما العراقيون جميعاً.
 الشاهبندر برر خروجه، أو إخراجه، من الكتلة الحاكمة بالقول ان "دولة القانون بدأ مشروعه وطنياً واليوم تحوّل الى طائفي". أعرف ان عزت الشاهبندر ليس طائفياً الا بقدر ما يحقق له ذلك مصالحه، وهكذا سائر السياسيين .. دولة القانون والمالكي هما أيضاً محكومان بهذه المعادلة، وحصيلة السنوات الاربع الماضية من خراب شامل وتردّ متفاقم لأمن العراقيين جميعاً ومعيشتهم، وبخاصة الشيعة الذين يشكلون اغلبية السكان، تنطق بلسان فصيح بان دولة القانون والمالكي ، كما سائر الاحزاب والزعامات السياسية الاسلامية، شيعية وسنية، تتقدم مصالحها الشخصية والحزبية على أي مصلحة للطائفة أو للوطن، والا ما كنا شهدنا كل هذا النهب السافر للمال العام والفساد الاداري والقمع والتضييق على الحريات وتعطل مصالح الناس وانهيار نظام الخدمات العامة الاساسية وانسداد آفاق التنمية والحياة الكريمة لشيعة العراق وسنته وسائر طوائفه الدينية والمذهبية ومكوناته الاجتماعية.




54
شناشيل
الحركة الديمقراطية.. بركة
عدنان حسين

تجري حركة نشيطة هذه الأيام بين صفوف القوى والشخصيات الوطنية - الديمقراطية – المدنية – الليبرالية – اليسارية، للعمل الموحد أو المنسّق تحضيراً لانتخابات 2014 النيابية.
الحركة متأخرة بعض الشيء، فكل ما يحدث في البلاد منذ سنوات كان يدفع باتجاه ظهور تيار سياسي –  شعبي مدني قوي ينمو ويتطور تدريجياً ليشكّل منافساً، إن لم يكن بديلاً، للتيار الإسلامي المتنفذ في السلطة الذي قدّم الدليل بعد الدليل على فشله الذريع في إدارة الدولة، وعدم قدرته على تقديم أي حل، بل انه كان وبالاً على الدولة والمجتمع سواء بسواء، فبعد تسع سنوات من تولّي هذا التيار (الإسلامي) الحكم لم يتحقق على أيديه ما يختلف جوهرياً عما خلّفه لنا نظام صدام حسين من خراب مادي وانحطاط حضاري.
 ليست مشكلة كبيرة أن تأتي الحركة متأخرة، لكنها ستكون معضلة كبرى إن لم تستند هذه الحركة الى المبادئ الصحيحة وتتخذ المسارات القويمة للعمل. والتيار الوطني – الديمقراطي – المدني – الليبرالي – اليساري، بوسعه أن يحقق نتائج طيبة في الانتخابات المقبلة إذا وفّر لنفسه شروط العمل الناجع، وهي:
- التواضع. هذا يعني أن تتحرر القوى والشخصيات الناشطة لتشكيل هذا التيار من الأنانيات والعصبيات السياسية، وان تتنازل لبعضها البعض، ولوطنها وشعبها في نهاية المطاف، وأن تنزل إلى الشارع لتعمل بين الناس مباشرة.
- الواقعية. وهذه ينبغي أن تتمثل في برنامج عمل مختصر، واضح ومحدد ومستند الى الواقع، يركّز على حاجات الناس ومطالبهم الاساسية: الأمن ولقمة العيش والخدمات العامة، ويتخذ لنفسه عناوين وشعارات بسيطة لكن قوية وموجزة.
- القدوة. وهذه تنعكس عبر تقديم مرشحين يحظون بالاحترام والتقدير في مجتمعاتهم لكفاءتهم وخبرتهم ووطنيتهم ونزاهتهم وجديتهم في العمل.
- الحيوية. وهذه تتحقق باختيار مرشحين نشطاء لا تفتر همتهم بعد تربعهم على كراسي النيابة من جهة، ومن جهة أخرى بالعمل الدؤوب بين الناس، وبخاصة أغلبية الناخبين العازمة على مقاطعة هذه الانتخابات أيضاً، لإقناعهم بجدوى وضرورة الذهاب الى مراكز الاقتراع هذه المرة بالذات والتصويت لصالح مرشحي هذا التيار وسائر المرشحين غير المشبوهين بآثام الفساد والطائفية، من أجل الاتيان بالبديل المنشود.
العنصر الأخير بالغ الاهمية وحاسم، فالمزاج الشعبي العام مناهض للاقتراع في الانتخابات المقبلة، وهذا ما يعكسه الآن عدم الاكتراث بتحديث السجلات الانتخابية. ثمة خشية كبيرة من أن تكون هذه الانتخابات مناسبة أخرى لتكريس العملية السياسية غير الديمقراطية وتزكية الفاسدين والمفسدين وترسيخ سلطتهم. وبقدر ما يبرع التيار الوطني – الديمقراطي – المدني – الليبرالي – اليساري في زج نشطاء محترمين للعمل بين "الأغلبية المقاطعة"، لديهم القدرة على إقناعها بتغيير موقفها، فان ذلك سيكون في صالح هذا التيار بالذات، ذلك ان هذه الأغلبية تتطلع إلى ممثلين حقيقيين لها في البرلمان، وهؤلاء الممثلون أكثر ما يوجدون لدى هذا التيار بالذات.


55
شناشيل
كيف للصحفيين تحمّل هذه الإهانة؟

عدنان حسين

لا أدري كيف لأعضاء نقابة الصحفيين العراقيين، وكثير منهم زميلات وزملاء محترمون، يرضون لأنفسهم أن يُهينهم نقيبهم بهذه الصورة السافرة، وأن يتعامل معهم كما لو كانوا تلاميذ روضة أطفال لا يفرقون بين الصالح والطالح، وكما لو كان هو شرطي أمن من عهود الدكتاتورية.
أمس الأول أعلن النقيب متباهياً في مؤتمر صحفي مع المفوضية العليا للانتخابات انه "وجّه فروع النقابة في المحافظات بالزام الصحفيين بتحديث سجلاتهم الانتخابية وعوائلهم أيضاً، مؤكداً ان هذا التوجيه يعتبر تكليفاً رسمياً لفروع النقابة في المحافظات بالزام الصحفيين بتحديث سجلاتهم الانتخابية وعوائلهم ومشاركة الجميع في الانتخابات النيابية المقبلة"، وانه ألزم جميع فروع النقابة في المحافظات بتقديم قوائم باسماء الصحفيين الذين حدّثوا وعوائلهم سجلاتهم الانتخابية"(نينا).
الانتخاب، كما الترشح الى الانتخابات حق، وهو حق مقترن بالحرية، فالحق يمارسه صاحبه ويتمتع به بإرادته واختياره وعلى هواه وليس بإملاء من أحد. وفي دولتنا لا يوجد قانون يُحتّم على الناس الانتخاب أو ممارسة أي حق آخر. بل ان أي مسعى للإرغام يتعارض مع أحكام الدستور التي كفلت للناس التمتع بطائفة واسعة من الحريات الخاصة والعامة. وليس بين الواجبات التي حددها الدستور وسائر القوانين النافذة واجب تجديد السجل الانتخابي أو الاقتراع في الانتخابات، أي انتخابات، حتى يتولى مسؤول حكومي أو نقيب توجيه الأمر بالتنفيذ تحت الترهيب.
ما حدث في المؤتمر الصحفي المشترك ان نقيب الصحفيين وجه رسالة تهديد مفتوحة الى أعضاء نقابته لإرغامهم على الاقتراع هم وأفراد عائلاتهم(!) في يوم الانتخابات التشريعية المقبلة.
ماذا يعني "الزام الصحفيين بتحديث سجلاتهم الانتخابية وعوائلهم ومشاركة الجميع في الانتخابات المقبلة" و"الزام جميع فروع النقابة بتقديم قوائم بأسماء الصحفيين الذين حدثوا وعوائلهم سجلاتهم الانتخابية"؟.. انه يعني بوضوح ان الصحفي الذي لا يلتزم بهذه التوجيهات سيكون عرضة للعقوبة! .. هذه ممارسة لا تحدث إلا في بعض الدول ذات الأنظمة الشمولية، وليس كلها، فنظام صدام الذي خدمه النقيب، على سبيل المثال، لم يكن يُجبر الناس على المشاركة في انتخابات مجلسه "الوطني".
لاحظوا أين كنّا حتى في عهد الدكتاتورية وكيف أصبحنا في عهد "الديمقراطية" و"دولة القانون"؟ هذا السؤال أوجهه الى الزميلات والزملاء الصحفيين الحقيقيين، أبناء المهنة، من أعضاء النقابة.. سؤال أكرر معه سؤالي الموجع على نحو ممض الذي افتتحت به هذا العمود: كيف يتحملون إهانة لهم ولعوائلهم كهذه؟
نعم، من واجب الصحفي، والمثقف عموماً، في بلاد كبلادنا وفي ظرف تاريخي كالذي نمر به أن يحثّ الناس على ممارسة حقهم الانتخابي وإقناعهم بأهمية الانتخاب من أجل التأسيس للديمقراطية المنشودة .. لكن هذا شيء ولعب دور شرطي الأمن المستعار من عهود الدكتاتورية المستبدة شيء آخر تماماً.


56
المنبر الحر / سويسرا .. ونحن
« في: 18:07 02/12/2013  »
شناشيل
سويسرا .. ونحن
عدنان حسين

سويسرا مرشحة لأن تكون أول دولة شيوعية في العالم، ولكن من دون دكتاتورية البروليتاريا، بخلاف ما تنبّأ به كارل ماركس وعمل له فلاديمير اليتش لينين.. هدف الشيوعية إقامة مجتمع يحيا على قاعدة "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته"، وهذا ما يتوقع ان يكون في سويسرا قريباً في ما يبدو.
منذ أسبوعين وقفت أمام مقر الحكومة السويسرية في العاصمة بيرن شاحنة حملت عشرات الصناديق التي ضمَّت ما مجموعه 126 ألف توقيع تُدعِّم مبادرة شعبية تسعى إلى وضع دخل أساسي غير مشروط لجميع مَن يقطن في البلاد.
وبحسب الدستور السويسري، يحق لأي مواطن التقدم بمبادرة شعبية يتم طرحها للتصويت العام لإقرار قانون جديد أو تعديل قانون قائم، بشرط أن يجمع 100 ألف توقيع تؤيِّد مبادرته. ولن تأخذ المبادرة قوة القانون إلَّا إذا نالت موافقة أكثر مِن نصف المصوتين في البلاد وأكثر مِن نصف عدد المقاطعات السويسرية الـ 26.
المبادرة تقترح منح 2500 فرنك سويسري (2800 دولار أميركي) شهرياً لكل مواطن ولكل مقيم في البلاد بصورة مشروعة، سواء كان يعمل أم لا، فقيراً أم غنيَّاً، بصحة جيدة أو مريضاً، يعيش وحده أو مع أسرته.
اصحاب المبادرة، وبينهم وزير سابق، ما كانوا سيتقدمون بها لولا معرفتهم بإمكانية تحقيقها على ارض الواقع، فسويسرا أغنى بلد في العالم وشعبها أكثر الشعوب رفاهية، ومستوى الدخل الفردي هو الأعلى. وسويسرا بلد صغير جدا تبلغ مساحته 41 الف كيلو متر مربع ، اي أقل من 10 بالمئة من مساحة العراق، وعدد سكانها حوالي 8 ملايين نسمة، اي بقدر ربع سكان العراق تقريباً. وسويسرا ليس فيها نفط ولا غاز ولا بحر، وكل رفاهيتها ومدنيتها وتحضرها متأت من إنتاج الجبن والتشوكلاتة والصناعات الالكترونية وبخاصة الساعات، والتسهيلات المصرفية والسياحة.
المبادرة ستقلب النظام الاجتماعي السويسري رأساً على عقب، فبدلاً مِن الشبكة الاجتماعية التقليدية الواسعة في البلاد، كصندوق مدفوعات العاطلين عن العمل، وصندوق المعوقين، وصندوق المتقاعدين، ومكاتب المعونات الاجتماعية، وصناديق قروض الإسكان وغيرها، فالدولة ستدفع لكل شخص راتباً ثابتاً سيؤهله للعيش به فوق ما يحصل عليه من عمله، ولن يحتاج بعد ذلك للتوجه إلى الصناديق الاجتماعية في حال عطالته عن العمل أو إصابته بعائق يمنعه عن العمل جزئياً أو كلياً.
المبادرة ، كما يرى أصحابها، ستقضي على الفقر وتساعد على محافظة سويسرا على مكانتها  بين الدول الأغنى في العالم حسب نصيب الفرد من الدخل، وستستقطب العقول والكفاءات من مختلف العالم، وتسمح للسكان بالعيش في حياة كريمة، وتمنحهم الأمن النفسي والاجتماعي، وترفع من انغماس الناس في الحياة العامة كارتياد المسارح، والمطاعم، وتزيد من توجههم نحو اكتشاف الحياة الإبداعية كالتركيز على الفنون، وغير ذلك.
لست في وارد الدعاية لسويسرا ونظامها السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي، ولا لهذه المبادرة، وانما أريد أن أخلص الى ان العراق كان يمكنه، ويمكنه اليوم، أن يكون الدولة الشيوعية الأولى في العالم على الطراز السويسري الذي تقترحه المبادرة. لكن لهذا شرط وحيد هو وجود حكومة وطنية شريفة، كحكومة سويسرا، تبرع في استثمار نفط العراق وغازه وفوسفاته وثروته الزراعية وعقول أبنائه، لجعل مستوى دخل العراقي في مستوى دخل السويسري وأكثر.
 أين هذه الحكومة؟



57
المنبر الحر / لغرض في نفس يعقوب!
« في: 15:20 01/12/2013  »


شناشيل
لغرض في نفس يعقوب!
عدنان حسين


أخشى أن يندرج التصريح المنقول أمس عن "مصدر عسكري في قيادة عمليات البادية والجزيرة" في الإطار ذاته المندرجة فيه إعلانات القوات العسكرية والامنية عن الاعتقالات في صفوف الإرهابيين.. أعني اطار التهويل وعدم الدقة لغرض في نفس يعقوب.
على مدى السنوات الماضية تلقينا معلومات عن اعتقالات بالجملة شبه يومية لعناصر "القاعدة" وسواه من التنظيمات الارهابية. ولو أحصينا عديد المقبوض عليهم، بحسب تصريحات المسؤولين العسكريين والأمنيين وبيانات وزارتي الداخلية والدفاع وقيادات العمليات في مختلف المناطق، لتشكل لدينا رقم بمئات الآلاف. بالطبع لا يمكن أخذ هذه البيانات على محمل الجد، لأننا بخلاف ذلك يتعين أن نستنتج إما ان قواتنا الامنية لم تترك إرهابياً واحداً طليقاً، أو ان الاغلبية الساحقة من الشعب العراقي تقف الى جانب الإرهابيين، بدليل انها تمدهم بما يلزمون من الرجال والنساء!
أمس جاء في التصريح المنسوب الى المصدر العسكري المشار إليه أن تنظيم "القاعدة" يواجه "مشاكل حقيقية وفشلاً كبيراً" في مسألة تجنيد شبان من سكان محافظة الانبار للعمل لصالحه، وانه يسعى لاجتذاب "مجاهدين" عرب من البلدان الأخرى "بعد شح إقبال الناس على التطوع للقاعدة وخاصة الشبان". المصدر عزا السبب الى التوجه العام لعشائر الانبار ورجال الدين في رفض أعمال القاعدة وحث الناس على التعاون مع قوات الأمن (السومرية نيوز).
نتمنى أن يكون الأمر كما أفاد به المصدر العسكري بالفعل، لكننا نرى بأم العين تصاعداً خطيراً في أعمال الارهاب في الانبار وسواها من محافظات البلاد، بما فيها العاصمة التي يحتشد فيها جيش جرار من القوات العسكرية والأمنية، ومحافظات الوسط والجنوب.
هذه الاعمال الإرهابية تشير الى ان تنظيم "القاعدة" ليس الوحيد الذي يرتكب المجازر. هناك منظمات وعصابات وميليشيات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالقاعدة أو فلول النظام السابق تقتل العشرات من الناس يومياً في عمليات تفجير وأعمال خطف وقتل بالمسدسات الكاتمة والناطقة وبقطع الرؤوس.
من الواضح ان هذه المنظمات والعصابات والميليشيات ذات هوية طائفية، وانها تمارس أعمالها على وفق هذه الهوية. ففي يوم تحدث تفجيرات وعمليات خطف وقتل في مناطق شيعية، وفي اليوم التالي تكون هناك أعمال مماثلة في مناطق سنية، وهكذا.
تنظيم "القاعدة" ليس وحده ما يهدد أمننا وحياتنا لكي يكون لتصريح كتصريح المصدر العسكري تأثير معنوي ايجابي علينا. هناك ارهاب طائفي مريع الى جانب ارهاب القاعدة وفلول النظام السابق، وانحسار اقبال الشبان على "القاعدة" في الانبار، إذا ما كان قائماً حقاً، لن يكفي .. نريد انحساراً، ثم انحداراً، في أعمال الارهاب من كل نوع وصنف، بما فيها التي ترتكبها العصابات والمنظمات والميليشيات الطائفية، وبين هذه تلك التي تغض الحكومة النظر عن نشاطاتها لغرض في نفس يعقوب أيضاً.


58
شناشيل
وين رقم 19 .. يا فيان؟
عدنان حسين

مرة واحدة التقيت فيها النائبة فيان دخيل التي تترأس لجنة الإعمار والخدمات في البرلمان .. كان لقاء خاطفاً اقتصر على التحية والمصافحة العاجلة لأن الآخرين في المكان كان عليّ السلام عليهم أيضاً. مع هذا فإنني أقدّر السيدة دخيل واحترمها اكثر بمئات المرات من عشرات من النواب الذين أعرف بعضهم منذ عقدين وأكثر.
السيدة دخيل بالنسبة لي أنموذج حقيقي لممثل الشعب.. على مدى سنوات وجودها في مجلس النواب وعلى رأس لجنة الاعمار والخدمات اثبتت انها وطنية عن حق ومخلصة عن حق وجادة عن حق ومثابرة عن حق، "تسوا" مئة نائب وأكثر ممن لا يرون في النيابة غير تحصيل المكاسب والمغانم. باختصار ان السيدة دخيل فخرٌ حقيقي لأبناء قوميتها الكردية وديانتها الايزيدية وكتلتها النيابية، التحالف الكردستاني،  ولنا، ولو كان لدينا لنا نحن العرب والمسلمين مئة نائب مثلها ما كنّا في هذي الحال التعيسة.
لكن .. السيدة دخيل خذلتني أمس وانا اقرأ التقرير الذي تلته في جلسة البرلمان الطارئة المنعقدة أمس الأول للبحث في فضيحة الفيضان الكبير المتكرر العام بعد الآخر.
كان التقرير جيداً للغاية.. قدّم صورة واقعية لما حدث واسبابه وسبل الخروج من هذه المحنة، لكنه خلا من أي اشارة لشيء مهم للغاية .. لماذا؟ لست أدري. السيدة دخيل مطالبة بالتوضيح .. اقترح ان تعقد مؤتمراً صحفياً طارئاً لتقديم التوضيح، والا فسأسحب شخصياً اعجابي بها وبأدائها المميز!
تقرير لجنة الاعمار والخدمات الذي القته السيدة دخيل جاء فيه "أشرنا منذ وقت مبكر الخلل الكبير في اداء الجهات التنفيذية المعنية بملف تصريف المياه وعدم التخطيط السليم لمعالجة هذه المعضلة وسوء التنفيذ بالمشاريع المتعلقة بهذا القطاع، ويتضح ذلك من خلال عشرات المخاطبات مع وزارة البلديات وامانة بغداد ورئاسة مجلس الوزراء، إذ اشرنا على مواطن الخلل المتمثل بالنسب المتدنية في إنجاز المشاريع".
وقالت دخيل وهي تختم تقديم التقرير "اقولها بكل ألم وليسمعها كل ابناء الشعب العراقي، ليس من مسؤولية مجلس النواب العراقي جلب الخدمات للمواطنين اذ انها مسؤولية الحكومة ولكننا نتحمل مسؤولية المراقبة والمتابعة للاجهزة الحكومية وعدم تفاعل الحكومة واستجابتها للإجراءات الرقابية، يدعونا لاتخاذ موقف واحد ومحدد وحاسم استناداً لما أقره الدستور والنظام الداخلي ومن دون ذلك سيتحول مجلسنا الموقر الى ظاهرة صوتية لا تتناسب مع حجم الكارثة التي يمر بها شعبنا الكريم في اغلب المحافظات".
التقرير حدد أسباب الفضيحة بـ:
1- عدم فاعلية لجنة الخدمات الوزارية رغم امتلاكها كافة الصلاحيات اللازمة لإدارة هكذا ازمات وعدم اتخاذها الاجراءات الاحترازية والتنسيقية بين الجهات الخدمية المسؤولة عنها.
2- عدم وجود خطط ستراتيجية لمشاريع المجاري في بغداد والمحافظات.
3- عدم وجود شبكات خاصة بتصريف مياه الامطار معزولة عن شبكات المجاري.
4-  قلة كفاءة الكوادر المتخصصة والمتقدمة من الوكلاء والمدراء العامين في أمانة بغداد ووزارة البلديات.
5- عدم المتابعة الحقيقية في تنظيف شبكات المجاري والاستعداد لموسم الامطار من قبل معظم البلديات في بغداد.
6-  انسدادات تتراوح بين 60 و80% في خط زبلن الحيوي الذي أنشئ في ثمانينيات القرن الماضي، حيث يعمل الآن بطاقة لا تتجاوز 25%.
7-  تقصير أمانة بغداد في انجار مشروع خط الخنساء، والاسباب المقدمة غير مبررة هي وجود العشوائيات، حيث كان يمكن تدارك هذا الامر لو ان أمانة بغداد كانت قد نفذت المشروع وقت إحالته.
8- عمل بعض البلديات متلكئ جداً في تنظيف الخطوط الناقلة والمنهولات ما أدى لانسداد قسم من هذه الخطوط بشكل كامل في كثير من الأحياء.
9-  وجود عدد كبير من المناطق غير مخدومة بشبكات تصريف المياه والمجاري في بغداد والمحافظات.
10- عدم إمكانية تشغيل المضخات في محطات التصريف بالطاقة الكاملة في كل منطقة كي لا تفيض المناطق التي تليها وكانت النتيجة غرق جميع الأحياء.
11- عدم وجود تواصل في العمل بين مديريات البلدية.
12-  عدم استخدام المبازل بتصريف مياه الأمطار وان وجد هذا التصريف فان المبازل تكون غير مكرية.
13- تقادم شبكات المجاري وانتهاء العمر التصميمي لها وعدم وجود بدائل لهذه الشبكات.
14-  كثرة العشوائيات والتجاوزات وعدم معالجة هذه الحالات المخالفة للقانون.
15- قلة السدود التي تحجز السيول كما حدث في صفوان والعمارة وواسط.
16- تردي نسب انجاز امانة بغداد ووزارة البلديات لمشاريعها رغم وجود التخصيصات اللازمة.
17-  عدم التفات الجهات المعنية الى قلة عدد الآليات( شافطات/ ساحبات) المتوفرة لدى أمانة بغداد ووزارة البلديات ، وعند مناقشة الامر مع الجهات المعنية يدعون قلة التخصيصات رغم ان اكثر من 70% من ميزانيتهم يعود الى خزينة الدولة.
18- عدم الاستعانة بالخبرات الأجنبية في تصميم وتنفيذ المشاريع.
السيدة دخيل .. "لعد" وين رقم 19؟ .. وين الصخرة التي تحدث عنها رئيس الحكومة بعظمة لسانه، ودخلت الموسوعات والأطالس إلى جانب صخرة سيزيف وصخرة الروشة وصخرة المسجد الأقصى؟.. صخرة عبعوب!


59
المنبر الحر / مصر الجديدة (2)
« في: 20:52 27/11/2013  »
شناشيل

مصر الجديدة (2)

عدنان حسين

في مقابل الموجة العالية من الكراهية بين المصريين للاخوان المسلمين والتشفّي بهم والشعور بالراحة لانهيار حكمهم، ترتفع موجة مماثلة من التهليل لوزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي وتقدير دوره في انهاء حكم الاخوان بسرعة البرق.. لا أظن انني أبالغ إذ أقارن شعبيته بشعبية جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي.
هو المنقذ والمخلص .. على هذا يتفق المثقفون وعامة الناس. حتى الذين يعارضون فكرة ترشحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقرر اجراؤها العام المقبل، لا يترددون في التعبير عن الشعور بالعرفان والامتنان له. ومعارضتهم تنطلق من الخشية من عودة مصر الى حكم العسكر الذي يرون انه حال دون نشوء دولة مدنية ديمقراطية قوية في بلادهم.
معارضو السيسي لا يقتصرون على الاخوان الذين غطّوا الكثير من الجدران بشعارات تعكس كراهية ومقتاً شديدين له، مثل (قاتلcc ) و(خائن cc )، فهناك مجموعات، يصفها البعض بانها من اليسار المتطرف، تناهض الاخوان والعسكر والفلول (انصار نظام مبارك) سواء بسواء. وهذه المجموعات احتلت مشهد المظاهرات التي جرت اثناء وجودنا – وفد النقابة الوطنية للصحفيين الذي حضر المؤتمر التأسيسي لاتحاد الاعلاميين الافريقي الاسيوي- مساء 18 الشهر الجاري ونهار اليوم التالي، احياء لذكرى شهداء شارع محمد محمود (2011).
هذه المجموعات اتخذت من اشارة الثلاثة أصابع شعاراً لها (ضد الاخوان والعسكر والفلول)، في مقابل اشارة الاربعة اصابع الاخوانية واشارة الاصبعين (V) شعار مؤيدي الفريق السيسي واحداث 30 يونيو (حزيران) – 3 يوليو (تموز).
في ميدان التحرير كان الجميع هناك، حتى الاخوان. وباستثناء بعض المشادات الكلامية والمطاردات غير العنفية كان هناك تعايش نسبي بين الفرق الثلاث .. الجميل ان قوات الجيش والشرطة التي كانت موجودة عند تخوم الميدان لم تُثر حفيظتها الشعارات المنددة بالعسكر والسيسي .. كان الجنود ودودين للغاية مع الجميع .. من الواضح انهم كانوا بالفعل موجودين هناك لحماية المتظاهرين، أياً كانوا، وليس لقمعهم ومنعهم من التظاهر، كما يحدث لدينا هنا في بغداد وسائر المدن العراقية.
المتظاهرون في ميدان التحرير وسواه لم ينزلوا الى الشارع ويحملوا لافتاتهم ويغنوا اناشيدهم بناء على ترخيص من أحد .. كل جماعة في امكانها ان تتظاهر في اي مكان وفي كل زمان وان تهتف بما تريد. العساكر المصريون لم يظهر عليهم أي شعور بالخوف والكراهية حيال المتظاهرين، ولا حيال كاميرات التصوير التي حملها المصورون الصحفيون والمتظاهرون أيضا، فلم يُقدم أي عسكري على منع التصوير أو تكسيرالكاميرات وضرب حامليها، كما فعل عساكرنا في ساحة التحرير وغيرها مرات عديدة، بأوامر من جنرالاتهم وقائدهم العام، بل ان العساكر المصريين لم يمانعوا في تصويرهم مع عرباتهم المصفحة عندما سألتهم احدى زميلاتنا ذلك .. انه انعكاس للشعور بالثقة، وللشعور بالانتماء الى شعبهم، بخلاف عساكرنا الذين لا يعطوننا الا الانطباع بانهم موجهون للتسلط علينا والتعسف في حقنا، وان ولاءهم هو في الاول والاخير للحاكم وليس للوطن والشعب.
(غداً .. بقية أخرى)



 




60
المنبر الحر / ذعر دولة القانون
« في: 18:47 25/11/2013  »
شناشيل

ذعر دولة القانون
عدنان حسين

لا شيء يفوق ذعر الفئران من القطط غير ذعر "دولة القانون" من فكرة استدعاء وزير في حكومتها الى مجلس النواب لمساءلته ومحاسبته، أو الدعوة لعقد جلسة استثنائية للمجلس من أجل البحث في قضية تهمّ الشعب كقضية الفيضان أو مشكلة الكهرباء، على سبيل المثال.
بالنسبة لدولة القانون أي دعوة من هذا النوع هي محاولة لـ "دعاية انتخابية" أو "تسقيط سياسي"، كما يرد في تصريحات المتحدثين باسم هذه الكتلة والمتنفذين فيها، مع ان استدعاء الوزراء وسواهم من كبار مسؤولي الحكومة والدولة، بمن فيهم رئيس الحكومة ورئيس الدولة، وعقد جلسات استثنائية للبرلمان في ظروف خاصة، من الممارسات المألوفة في كل البلدان الديمقراطية، بل هي من المهام والواجبات الأساس للبرلمان.
غرقت مدننا وأريافنا كلها تقريباً في مياه الامطار على نحو غير مسبوق منذ عقود من الزمن، ومات اشخاص وتدمرت ممتلكات. ومثل هذا يحدث في الكثير من دول العالم، ويحدث معه أن تتداعى الحكومة والبرلمان وهيئات أخرى في الدولة الى اجتماعات استثنائية للبحث في انقاذ ما يمكن انقاذه وفي اسباب ما حدث ووسائل مواجهة ما يمكن أن يحدث على شاكلته في المستقبل. واذا ما تخلّفت هذه الهيئات عن الاجتماع والبحث تعرّضت للرجم بتهمة التقصير التي يخشاها كل مسؤول في الدول الديمقراطية .. الا دولتنا الاستثناء والشاذة، ودليل استثنائيتها وشذوذها ان الحكومة – حكومة دولتنا – لم تتداع الى اجتماع استثنائي عندما وقعت الكارثة الأخيرة ( كما هي الحال مع كوارث كثيرة أخرى وقعت من قبل، ومنها الهجمات الارهابية الكبرى، ولم تكلف الحكومة نفسها مشقة الاجتماع!!). ودليل استثنائية دولتنا وشذوذها أيضاً انه عندما دعت احدى الكتل البرلمانية (الاحرار) الى عقد اجتماع استثنائي لمجلس النواب للبحث في كارثة الفيضان يحضره "جميع المسؤولين الخدميين مثل وزير البلديات والمحافظين وأمين بغداد" بصفة "مستضافين" وليس لغرض مساءلتهم ومحاسبتهم، انتفضت "دولة القانون" مذعورة كما الفئران حين تشم رائحة القطط!
الحجة التي قدمتها الكتلة الحاكمة ان الجلسة المقترحة "ستتحول إلى دعاية انتخابية"! ، وهي حجة متهافتة، فبيننا وبين الانتخابات أكثر من خمسة أشهر، فضلاً عن ان "دولة القانون" لم يسبق لها أن تجاوبت مع طلبات الجلسات الاستثنائية لمجلس النواب حتى تلك التي كانت قبل سنتين وثلاثاً.
أقل ما يمكن أن يُقال في موقف الكتلة الحاكمة انه "غير بنّاء"، فمن غير المعقول أن تغرق الدنيا ولا تعقد الحكومة جلسة استثنائية مفتوحة لمتابعة جهود الاغاثة.. ومن غير المعقول أيضاً أن تقف هذه الحكومة، حتى في هذا الوضع الكارثي، ضد قيام مجلس النواب بواجبه في استطلاع الوضع وتلمس الحلول من الوزراء وسائر المسؤولين المعنيين بالأمر مباشرة، فليس معقولاً أو مقبولاً أن يتخذ البرلمان موقف المتفرج في  حال كهذه.
واضح ان "دولة القانون" لا تريد، هذه المرة أيضاً، لغسيل حكومتها القذر المتراكم أن يُنشر تحت الشمس في الهواء الطلق .. أما "الدعاية الانتخابية" و"التسقيط السياسي" فحجة.. وهي حجة بائسة ومتهافتة في الواقع.
 


61
المنبر الحر / براءة
« في: 14:02 24/11/2013  »
شناشيل
براءة
عدنان حسين

علناً وعلى رؤوس الأشهاد أبرّيء رئيس مجلس الوزراء من تهمة المسؤولية عن غرق بغداد وسائر مدن البلاد وقراها ومساحاتها الزراعية هذا العام والعام السابق والأسبق والعام، بل الأعوام، التالية أيضاً.. أشهد انه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ومع رئيس مجلس الوزراء أبرّيء وزير البلديات وأمين بغداد، الحالي والسابق والأسبق، وكل المحافظين ورؤساء وأعضاء مجالس المحافظات ومدراء البلديات في المحافظات والأقضية والنواحي الحاليين والسابقين أيضاً.
هذا الحشد من المسؤولين في دولتنا كله مبرأ من المسؤولية عن الطوفان العظيم الذي نشهده كل عام، وعن الأرواح التي تُزهق والماديات التي تتلف والمعاناة الرهيبة التي يكابدها الملايين منّا زيادة على معاناتهم مع الإرهاب والفساد المالي والإداري والبطالة والفقر والتردي المتواصل والمتفاقم لخدمات الكهرباء والصحة والتعليم والنقل والسكن والحصة التموينية .. إلى آخره حتى ينقطع النفس.
من المسؤول إذاً عن هذا الخراب التام والدمار الشامل في حياتنا؟
نحن المسؤولون.. نعم نحن أبناء الشعب جميعاً .. فنحن الذين عيّنا رئيس مجلس الوزراء والوزراء ورئيس مجلس النواب والنواب وكل أمناء بغداد والمحافظين ومجالس المحافظات وسائر المسؤولين البلديين في مناصبهم هذه، وأسندنا اليهم المهام التي لم ينهضوا بها .. نعم نحن الذين وضعنا هؤلاء الرجال والنساء غير المناسبين في الأماكن التي لم يكونوا مناسبين لها ولن يكونوا.
فعلنا هذه بدل المرة مرات، بالتصويت لهم في انتخابات مجلس النواب وانتخابات مجالس المحافظات .. حتى الذين لم يذهبوا منّا إلى مراكز الاقتراع مسؤولون، فبمقاطعتهم أعطوا تفويضاً لهؤلاء بحكمنا وإدارة دولتنا على هذا النحو الفاشل والمشين.
نعم نحن الذين صوتنا لرئيس مجلس الوزراء والوزراء ورئيس مجلس النواب والنواب والأمناء والمحافظين ورؤساء واعضاء مجالس المحافظات، على أساس الهوية الطائفية والمناطقية والعشائرية.. رضي الكثير منا بأن يبيع صوته مقابل فتات من السحت الحرام المسروق من مالنا العام.
بعد خمسة أشهر، عندما يحين موعد انتخابات مجلس النواب، سنعيد إنتاج البضاعة الرديئة التي صنعناها بأصابعنا البنفسجية.. سنكرر انتخاب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ورئيس مجلس النواب والنواب الفاشلين على نحو لا نظير له في تاريخنا ولا مثيل له في سائر بلدان العالم.
لا ينبغي لنا أن نلوم رئيس مجلس الوزراء ولا الوزراء، ولا يجب أن نحمل على رئيس مجلس النواب والنواب، ولا يتعين أن نشعر بالضغينة تجاه أمناء العاصمة والمحافظين ورؤساء وأعضاء مجالس المحافظات ومدراء البلديات، لأننا غرقنا هذا العام ولأننا سنغرق في الأعوام التالية، فهم ليسوا نتاج سوء حظنا.. بل هم حصيلة سوء اختيارنا.
وعلى نفسها جنت براقش!


62
شناشيل
وعثاء السفر من بغداد
عدنان حسين

عندما سمعتُ "دعاء السفر" على احدى طائرات الخطوط الجوية العراقية، ذات مرة لأول مرة ، استنكرتُ في داخلي بثّ هذا الدعاء في بداية الرحلة الجوية، فهو بدا لي باعثاً على الخوف من "وعثاء السفر" و"كآبة المنظر" و "سوء المنقلب في المآل والأهل"، وهو ما يتناقض مع الإجراء المعتاد بشرح إجراءات السلامة في حال وقوع خلل فني في الطائرة او الهبوط الاضطراري على اليابسة او الماء.
على أية حال، واجهت في آخر رحلة لي مع خطوطنا الجوية وضعاً تجلّى فيه معنى "وعثاء السفر".. انه وعثاء ما قبل الدخول الى بطن الطائرة.
 كانت الرحلة الى القاهرة يوم الخميس قبل الماضي الذي صادف يوم عاشوراء. الوعثاء ابتدأت في أسوأ صورها منذ اللحظة التي غادرتُ فيها البيت في الصباح الباكر بقصد الانتقال الى محطة الركاب قرب ساحة عباس بن فرناس قبل الانتقال الى المطار .. لم أجد سيارة أجرة في الشارع لتقلني .. كان الحي السكني الذي أقطنه مغلقاً بالكامل بكل درابينه وشوارعه .. سألتُ العساكر المنتشرين: لماذا؟ قالوا انهم تلقوا أوامر بفرض حظر التجوال على المركبات. كيف ياجماعة ولم تعلن الحكومة أو قيادة عمليات بغداد ذلك؟ قالوا: هي الأوامر !
بسبب الوقت المبكر ترددتُ في البداية، لكن بعدما أعيتني الحيلة بإقناع العساكر بانني مسافر الى الخارج ولا مناص من بلوغ المطار في الوقت المناسب، اتصلت بالمتحدث باسم وزارة الداخلية وعمليات بغداد العميد سعد معن لأتبين حقيقة الأمر .. كان كريماً في سرعة الرد ومهذباً في مضمون الرد، وأدهشني نفيه واستغرابه لوجود أوامر كهذه، مؤكداً ان لا قرار بحظر تجوال السيارات، ووعد باستجلاء الأمر من قيادة عمليات بغداد والرد عليّ، وبالفعل وفى بوعده واتصل ليؤكد لي معلوماته السابقة. لكن على ارض الواقع كان الحظر مفروضاً بقوة وبقسوة.
تفاصيل الحكاية كثيرة وطويلة لم تنته حتى ببلوغ المطار في وقت متأخر، فرحلة الخطوط الجوية العراقية الى القاهرة تأخرت أربع ساعات كاملات. وتبيّن لي في المطار ان المئات من المسافرين عانوا في ذلك اليوم مثلي وان طواقم الطائرات العراقية أنفسهم احتجزوا في الطرق مثلي ساعات قبل ان يتمكنوا من الوصول الى المطار.
  كيف يحدث هذا؟ ما مبرره؟ ما معنى أن يُفرض حظر تجوال غير معلن على العاصمة في يوم عاشوراء فتتحول المناسبة المقدسة الى مناسبة للتذمر وكراهية الحكومة والدولة والقوات العسكرية؟ لماذا كان حظر التجوال عاماً شاملاً وهو ما يحدث لأول مرة في التاريخ؟ .. ولماذا لم يعلن هذا على الملأ عبر محطات الاذاعة والتلفزيون؟ .. لماذا ليست للمواطن العراقي قيمة واعتبار لدى حكومته ودولته؟ لماذا كرامة العراقي مهدورة بهذه الصورة والى هذا الحد؟
هل من مجيب!؟


63
المنبر الحر / وين العيب؟
« في: 19:51 13/11/2013  »
شناشيل
وين العيب؟
عدنان حسين


لا جديد البتَّة في أحدث بيان لمحافظ بغداد علي التميمي، على أهميته، فهو يُعلن المُعلن، ويكشف عما مكشوف عنه، ويعرّف بالمعروف، ويقول المُقال، ويُثبت الثابت، ويؤكد المؤكد.
في البيان عزا السيد التميمي الفضيحة الجديدة القديمة( كم فضيحة وفضيحة مُدونة في سجلات دولتنا وتلاحق طاقم كبار المسؤولين فيها!) الى ما وصفه بفساد وتقصير بعض المسؤولين .. قال ان " تقصير وفساد بعض المسؤولين وراء غرق بغداد خلال العام الحالي كما غرقت في العام الماضي" (السومرية نيوز)، ( تريحني كلمة"بعض"، فهي تعزز فيّ الأمل بان بعضاً آخر من الموظفين ، أرجو ان يكونوا الأغلبية، ما زالوا شرفاء، غير فاسدين وغير مقصرين).
المال السائب يعلّم السرقة ، كما نعرف، ومليارات نفطنا كلها تقريباً سائبة، وما أكثر سرّاقها وما أشطنهم، فلا يتبقى منها شيء لمنظومة الصرف الصحي ولا لمشاريع الماء أو الكهرباء أو الصحة أو التعليم أو الزراعة أو الصناعة أو الإعمار والإسكان أو سواها. .. كل هذه القطاعات تعاني من حال "الغرق" في الفساد والتقصير والإهمال، مثلما غرقت شوارع بغداد وسائر المدن وساحاتها وأحياؤها ودرابينها مع أول مطرة هذا العام والعام الماضي، وكما ستغرق في العام المقبل أيضاً. والى العام المقبل كذلك ستُرحّل الفضيحة الأخرى التي تحدث عنها المحافظ التميمي في بيانه بقوله "عدد كبير من المواطنين الذين تضرروا جراء مياه الأمطار في العام الماضي لم يحصلوا على أي تعويض" !
مكتبي يقع بين شارعي السعدون وأبي نؤاس، وعلى مدى سنتين كنت أشهد كل يوم تقريباً أعمال إعادة تأهيل الشارعين وتطويرهما .. جرت عمليات حفر وردم في كل من الشارعين بدل المرة الواحدة ثلاث أو أربع مرات .. أتساءل الآن، كغيري، بحرقة: ماذا كان يفعل مئات العمال إذاً؟ مبعث السؤال ان أجزاءً عدة من الشارعين تغرق في كل مرة يهطل المطر ثقيلاً أو متوسط الشدة.
أتساءل، كغيري، بحرقة أيضاً: هل كان العمال يؤدون تمثيلية أمامنا؟ لماذا يجري الحفر والردم مرتين وثلاثا ورباعاً؟ ولماذا لم يكن بين مشاريع الحفر والردم المتعددة مشروع صرف صحي (مجارٍ)؟
بيان محافظ بغداد تضمن أيضاً لوماً لبعض مدراء البلدية في بغداد قال انهم لم ينزلوا الى الشارع ولم يحضروا الى المواقع الغارقة.. لكن هل العيب الحقيقي في هؤلاء المدراء الذين ربما تعيّنوا في مواقعهم لا لكفاءتهم وخبرتهم وإنما لأنهم من هذا الحزب أو تلك المنظمة او ذلك الكيان الذي تقاسم غنائم الوظائف مع الآخرين من أمثاله؟ أم العيب في المنظومة السياسية التي تسمح بفرض الشخص غير المناسب في المكان المناسب لغيره وليس له، وتجعل من ملياراتنا مالاً سائباً يعلّم السرقة ويحثّ على الفساد ويُغري بانتهاك حقوق الناس؟.



64
شناشيل

نكتة "بغدادية" عن البصرة!

عدنان حسين

لم يتسنَ لي أول من أمس أن أقرأ الزميلة "الصباح" في وقت مبكر.. وفي المساء عندما عدتُ الى البيت مع نصف دزينة من الصحف، أحملها معي في العادة، وجدت ان "الصباح" مَنشتت (من مانشيت) صفحتها الأولى بالعنوان الآتي: ترشيح البصرة عاصمةً للثقافة العربية 2015! (علامة التعجب هذه مني).
لم أضحك مع ان الأمر بدا لي أشبه بنكتة. أقول لكم كيف ولماذا.. الخبر يقول ان مجلس الوزراء وافق على ما عرضته وزارة الثقافة بخصوص ترشيح محافظة البصرة عاصمة للثقافة العربية في المرحلة المقبلة، من العام 2015 وما بعده.
بعد الفراغ من قراءة الخبر حاولت أن أكلّم الزميل الاستاذ طالب عبد العزيز (لم يردّ، عسى المانع خيراً).. كنت أريد أن أقترح عليه أن ينشط وزملاؤه من مثقفي البصرة لإقناع مسؤولي المحافظة بالوقوف ضد مشروع مجلس الوزراء النكتة هذا.. لماذا؟... لديّ سبب أظنه قوياً، هو ألاّ تُهان مدينة البصرة ومحافظتها كما أهينت بغداد من قبل بجعلها عاصمة للثقافة العربية في الوقت غير المناسب.
بغداد رُسّمت عاصمة للثقافة العربية هذا العام، ولم يحصل أي شيء لها من هذا القبيل، والعام على مشارف نهايته، فلم تكن هناك غير حفلات الأكل والشرب.. لم نشهد افتتاح أية فعالية ذات قيمة كترميم مسرح مهمل أو دار سينما مغلقة أو صالة عرض فني متهالكة أو مكتبة عامة مهجورة.
لقد أهينت بغداد والثقافة العراقية مرتين، مرة بترجمة الثقافة إلى حفلات أكل وشرب، ومرة بترك بغداد على حالها من سوء التنظيم والترتيب وتقديمها الى ضيوفها بوصفها أكثر عواصم العالم تخلفاً وتردياً في خدماتها العامة.. فلا أمانة بغداد ولا محافظة بغداد كلّفتا نفسيهما بعمل هو من أسهل وأقل ما يمكن عمله، وهو تنظيف الشوارع والساحات والجدران.
منذ شهرين زرتُ مدينة النفط والشط والبحر والميناء والنخل (أي كل ما يمكن له أن يتوّج البصرة مدينة المدن في العراق والخليج قاطبة)، فوجدتها في حال تُشبه حال بغداد، وربما أسوأ.
أي بصرة سنقدمها للضيوف من مثقفي العرب والعالم إذا ما اختيرت عاصمة للثقافة العربية للعام 2015 أو بعده؟ في أي فنادق "عليها العين" سينامون؟ أين القاعات التي سيُلقون قصائدهم وقصصهم وأبحاثهم فيها ويتجاذبون الأحاديث الجادة والخفيفة؟ وفي أي شارع نظيف سيتمشون؟ وأي كورنيش مُرتب سيطلون منه على شط العرب؟
أخي طالب عبد العزيز.. أردت أن أقول لك: قل لزملائك أن يفعلوا شيئاً مع مسؤولي المحافظة لكي يطلبوا من مجلس الوزراء في بغداد سحب قراره النكتة.. قولوا لهم: خلّوها مستورة .. لا تفضحونا.. الله لا يفضحكم أكثر من فضائحكم الحالية المدوية!


65
المنبر الحر / نواب غشّاشون!
« في: 19:14 11/11/2013  »
شناشيل

نواب غشّاشون!

عدنان حسين

لماذا قرر الدستور إنشاء مفوضية مستقلة للانتخابات ولم يُنط الأمر بالسلطة التنفيذية ودوائرها؟ ولماذا قرر أيضاً تشكيل هيئة مستقلة للنزاهة ولم يترك الأمر للحكومة والمفتشين العموميين في الوزارات؟
المفوضية العليا للانتخابات أوجدت لضمان نزاهة الانتخابات، أي عدم الغش في إجراءاتها وعدم التزوير في نتائجها. وهيئة النزاهة أقيمت لمكافحة الفساد المالي والإداري، أي الغش والاحتيال والتزوير .. أليس كذلك؟
طيب، ما دام ضمان عدم الغش هو ما حمل كتبة الدستور ومشرّعيه على تأسيس مفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة، فإننا الآن في حاجة أيضاً الى تشكيل هيئة أو مفوضية جديدة تختص بضمان عدم وقوع عمليات غش وخداع واحتيال في مجال آخر.. في أهم وأعلى مؤسسة في البلاد .. إنها مجلس النواب.
نعم، نحن في حاجة ماسة الى اقامة هذه الهيئة أو المفوضية بعدما تبيّن لنا ان عدداً غير قليل من اعضاء المجلس يمارسون الغش والاحتيال والتزوير.. لا أقصد تلك المتصلة بعمليات استغلال النفوذ لتمرير صفقات وتعيينات لقاء عمولات ومنافع، وإنما أعني عمليات الغش التي كشف رئيس المجلس أخيراً عن واحدة منها.
الرئيس اسامة النجيفي قرر تغييب 37 من أعضاء المجلس لم يحضروا الجلسة 29 للمجلس المنعقدة في 28 الشهر الماضي. وسبب التغييب أن زملاء لهم صوتوا نيابةً عنهم عن طريق التصويت الالكتروني مع أنهم غابوا عن الجلسة.. أي ان النواب الغشاشين استخدموا بطاقات التصويت الالكترونية نيابة عن زملائهم الغائبين. وقد اكتشف غياب الغائبين عند مقارنة عدد المصوتين بالبطاقات بعدد المصوتين برفع الأيدي، فتبين ان عدد الحاضرين فعلاً  تلك الجلسة كان أقل بـ 37 من عدد المصوتين عبر النظام الالكتروني.
هل ينبغي أن ينتهي الأمر عند عقوبة التغييب التي قررها الرئيس النجيفي؟ أرى ان هذا سيكون نوعاً من التدليس والغش، فلقد كان هناك أكثر من 70 نائبا غشاشاً (الذين غابوا والذين صوتوا لهم زوراً وبهتاناً). والأمر خطير، فالغشاشون هنا ليسوا افراداً عاديين في المجتمع.. انهم من أوجدوا الهيئات المسؤولة عن ضمان عدم حصول عمليات غش واحتيال وتزوير! وأنهم من يشرف على عمل هذه الهيئات!
الأكيد انها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها عملية غش واحتيال في مجلس النواب، فذات مرة أعلنت احدى النائبات في ندوة عامة ان أعضاءً في المجلس يوقّعون بدلا عن زملاء لهم يغيبون!... هذا يعني ان الغش والاحتيال ممارسة روتينية مُنتظمة في مجلس النواب، وهذا يستدعي تشكيل الهيئة أو المفوضية المقترحة على غرار مفوضية الانتخابات وهيئة النزاهة.
ثم مَنْ هم النواب الذين مارسوا عملية الغش والاحتيال المكشوف عنها أخيراً؟ هؤلاء ليسوا فقط الذين غابوا وإنما أيضاً الذين صوّتوا لصالحهم زوراً وبهتاناً.. من حق الشعب أن يعرفهم حتى لا ينتخبهم في المرة المقبلة.
رئاسة البرلمان، رئيساً ونائبين له، مُطالبة بالإعلان عن أسماء زملائهم الغشاشين، والا فأننا نتهمهم بالتواطؤ مع الغشاشين والمحتالين والمزورين.


66
المنبر الحر / دولة الذيل !
« في: 15:34 10/11/2013  »
شناشيل

دولة الذيل !

عدنان حسين

من المُرجح أن جهة جديدة ستضمها دولتنا إلى قائمة أعدائها المتزايدين في الداخل وفي الخارج، والسبب انها (الجهة) قدّمت من جديد دليلاً على أن دولتنا فاشلة بالثلاثة برغم كل ما يتبجح به مسؤولوها في الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية.
هذه الجهة هي معهد "ليغاتوم" ( Legatum Institute) البريطاني المستقل، المتخصص في بحوث الثروة العالمية والحرية الإنسانية، والذي يتخذ من دبي مقرا له، ويصدر سنوياً مؤشراً للرخاء العالمي (The Prosperity Index) يُعتبر مقياساً للنجاح الوطني.
السبب المحتمل لإدراج هذا المعهد في قائمة أعداء دولتنا انه لم يحابِ مسؤولي دولتنا ويتملقهم كما يرغبون ويشتهون، فقد وضعنا من جديد في ذيل مؤشره للعام الحالي. وبين 142 دولة شملها المؤشر جاء ترتيبنا في الدرجة الـ(130).
ولم يتخلف عنا في هذا المؤشر أي بلد نفطي على الاطلاق، بل ان دولاً غير نفطية كثيرة تقدمت علينا، بعضها يُصنّف بين البلدان الفقيرة كالسودان وموريتانيا، وبعضها الآخر يشهد أحداث عنف أكثر منا، سوريا تحديداً، فلا حاجة للتحجج بأعمال الإرهاب والأوضاع الأمنية المضطربة للعام الحادي عشر على التوالي. اما الذين تخلفوا عنا (مثل توغو وافغانستان وتشاد)، فمن المفترض الا نقارن انفسنا بهم بوصفنا دولة نفطية ويجري فيها نهران عظيمان.
ولمن يهمه الأمر فأن الدول التي تصدّرت مؤشر الرخاء هذا العام هي النرويج في المركز الأول (للسنة الخامسة على التوالي)، وتلتها سويسرا في المركز الثاني، ثم كندا في المركز الثالث، وبعدها جاء كل من السويد، نيوزيلندا، الدانمارك، أستراليا، فنلندا، هولندا، ولوكسمبورج في المراكز من الرابع الى العاشر.
ويعتمد المؤشر في تقديراته بالنسبة للرخاء على ثماني ركائز أساسية: الاقتصاد، وريادة الأعمال والفرص، والحوكمة، والتعليم، والصحة، والأمن، والحرية الشخصية، ورأس المال الاجتماعي.
نحن بين أكثر الدول فساداً، ومدننا بين اكثر المدن وساخة، ونحن بين اكثر الشعوب شعوراً بالتعاسة، وبين أكثرها فقراً وبطالة وأمية وتخلفاً في التكنولوجيا، بحسب ما تُظهره تقارير لمنظمات ومؤسسات دولية معتبرة. ومؤشر معهد "ليغاتوم" يؤكد من جديد المؤكد.
بماذا يُفاخر ويتفاخر حكامنا الذين سلمناهم رقابنا؟ وبماذا يباهون ويتباهون وقد أمهلناهم عشر سنوات أو في الأقل نحو ثماني سنوات منذ إقرار الدستور الدائم وتنظيم أول انتخابات على وفقه؟
بعد خمسة أشهر وعشرين يوماً من اليوم، وهو موعد إجراء انتخابات مجلس النواب، هل يستحق أي من هؤلاء الذين أمسكوا بزمام السلطة وبرقابنا أيضاً أن يُنتخب من جديد؟.


67
شناشيل
قانون الانتخابات ينتهك الدستور
عدنان حسين


لماذا ارتكب برلماننا هذه الخطيئة بحرمان ملايين العراقيين المضطرين للعيش خارج البلاد رغماً عنهم من حق كفله الدستور لهم، وهو الاقتراع في انتخابات 2014؟
كالعادة، رئاسة البرلمان وهيئاته المختلفة لم تكلّف نفسها واجب تبرير هذا الإجراء المعيب والمتجاوز بصراحة على أحكام الدستور، المفترض بالأعضاء الحاليين والسابقين ان يدينوا بالولاء له، فلولاه ما كان سيكون لهم أي اعتبار وسلطة ونفوذ.
من الواضح أن لتعديل قانون الانتخابات في هذا الشأن، كما في شأن النظام الانتخابي (سانت ليغو المعدل)، دوافع محض سياسية، وتقف وراءه القوى السياسية المتنفذة، الاسلامية خصوصاً، التي لاحظت تراجع شعبيتها على نحو كبير في الخارج (كما في الداخل)، وهو ما تشير له قلة التصويت لصالح مرشحيها.
النائب سامي العسكري (دولة القانون) أفصح عن ذلك، فقد أبلغ المركز الخبري لشبكة الإعلام بانه "في الدورات الانتخابية الثلاث الماضية كانت المشاركة (في الخارج) ضعيفة لا ترقى الى مستوى الجهد والمبالغ التي كانت تُصرف عليها، فضلاً عن ان أغلب الذي يشتركون فيها هم من مؤيدي الأحزاب الكردية وحصلت عمليات تزوير يصعب السيطرة عليها، لهذا قلّ حماسنا ورغبتنا في هذا الموضوع".
بالطبع، حجة المبالغ المصروفة مردودة لأنه من واجب الدولة تمكين العراقيين من ممارسة حقوقهم مهما كانت الكلفة، والانتخابات في الداخل كلفتها اكبر، ليس فقط في الاموال وإنما في الأرواح أيضاً، فاستنفار القوات الأمنية خلال فترة الانتخابات يكلف أموالاً طائلة وجهوداً كبيرة، وما من انتخابات نُظمت دون أن تشهد عمليات إرهابية. والمعلوم ان جزءاً غير صغير من نفقات الانتخابات في الخارج يذهب في عمليات فساد، أما التزوير، اذا صحّ وقوعه في الخارج، فمثله يحدث في الداخل أيضاً، فلماذا لا تلغى انتخابات الداخل للأسباب ذاتها؟
اما بخصوص نسبة الإقبال الأكبر من الكرد على مراكز الاقتراع في الخارج، والأكيد ان هذا هو السبب الرئيس لقرار البرلمان، ففي الداخل أيضا يُقبل الكرد على الانتخابات بنسبة أكبر من العرب، وهذا راجع الى ان الكرد أكثر ثقة من العرب بمؤسساتهم السياسية وممثليهم في السلطات الاتحادية، فهل ينبغي عدم إقامة الانتخابات في إقليم كردستان؟
في ظني ان تعديل قانون الانتخابات غير دستوري لأنه متعارض مع ما جاء في بعض مواد الدستور. واليكم الدليل:
المادة الخامسة تقرر أن  "... الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري المباشر وعبر مؤسساته الدستورية"، وعراقيو الخارج جزء من الشعب، أي انهم جزء من مصدر السلطات، وحرمانهم من التصويت هو تعطيل قسري لإرادتهم وحرمان لهم من ممارسة سلطتهم.
المادة الرابعة عشرة تحكم بأن العراقيين "متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي"، والقانون الجديد يميز بين عراقيي الداخل وعراقيي الخارج ولا يساوي بينهم.
والمادة السادسة عشرة تقضي بأن "تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين"، والانتخابات هي فرصة للعراقيين لاختيار ممثليهم في أعلى سلطة في البلاد وحرمان بعضهم من حق الانتخاب يعني عدم توفير فرص متكافئة لهم.
المادة الثالثة عشرة تحكم بـ "ثانياً:ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور"،  والقانون الجديد يتعارض مع هذا الدستور لأنه ينتهك أحكام المواد السابقة.
أرى ان من اللازم الآن أن يتقدم أفراد أو مجموعات من عراقيي الخارج بالطعن في قانون الانتخابات الجديد أمام المحكمة الاتحادية.
لا ينبغي السكوت على هذا الانتهاك الجديد للدستور والتجاوز على حقوق الشعب.


68
شناشيل
حيدر الخوئي ونحن.. وسياسات المالكي
عدنان حسين

منذ أكثر من سنة جرى حوار تلفوني بيني وبين المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء علي الموسوي بشأن ما يُنشر في "المدى" من نقد لسياسات الحكومة ورئيسها. يومها عرضت عليه أن أُجري حواراً صحفياً مع السيد نوري المالكي، يتمتع فيه بكامل الحرية في ما يقول.
على طريقة أهل التقيّة ردّ الموسوي بكلمة واحدة هي "إن شاء الله" التي تنطوي على معنى الرفض أكثر من معنى القبول. وعندما كررتُ العرض في وقت لاحق أجابني صراحة هذه المرة بعدم الإمكانية لأننا صحيفة "معادية".
ردٌّ كهذا أراه يعكس عقلية أقلّ ما يُقال فيها أنها تقليدية، تصنّف الناس الى أصدقاء وأعداء، وتضع المعارضين في خانة الأعداء، فيما ليس كل معارض عدواً بالضرورة. هو يمكن أن يُصبح صديقاً وحليفاً اذا ما جرى الاستماع اليه وتفهّم موقفه ووجهة نظره وأظهر الطرف المقابل ما يفيد بإمكان التوصل إلى تسوية معه.
يومها أكدت للزميل الموسوي أننا لسنا أعداءً للسيد المالكي، وحتى لو افترضنا ذلك وان المدى "معادية" ما الضير في ان تخترقوا جبهة الأعداء؟
على أية حال، لم نخسر نحن إنما السيد المالكي هو الذي خسر فرصة للدفاع عن سياساته عبر الصحيفة "المعادية" التي كانت ستُفرد صفحتين كاملتين للحوار.
استعدت هذه الواقعة وقد فرغت للتو من قراءة مقال كتبه السيد حيدر الخوئي ونشر في موقع "تشاتام هاوس" اللندني بعنوان "على بغداد ألا تدع تنظيم القاعدة يفوز". و"تشاتام هاوس" هو مقر المعهد الملكي للشؤون الدولية الذي يُعدّ من أبرز مراكز البحث والتفكير المستقلين في العالم. أما حيدر الخوئي فهو باحث عراقي شاب بدأ نجمه يتألق في السنوات الأخيرة في ميدان التحليل السياسي، في الشؤون العراقية خاصة. وهو أيضاً حفيد المرجع الشيعي الراحل آيه الله أبي القاسم الخوئي ونجل الشهيد عبدالمجيد الخوئي الذي نفتقده دائماً منذ يوم رحيله الفاجع، وبخاصة في ظروف العراق الصعبة الراهنة.
هذا التعريف بحيدر الخوئي أراه ضرورياً، ففي مقاله الذي فرغت من قراءته، كما في مقالات سابقة له نشرت في مطبوعات مختلفة، أجده يفكّر ويحلل الأوضاع في بلدنا مثلما نفكر ونحلل نحن في "المدى"، ومثلما يفكر ويحلل الكثيرون غيرنا في طول البلاد وعرضها وفي منافي العراقيين على امتداد رقعة العالم.
في مقاله الذي كتبه لمناسبة زيارة رئيس مجلس الوزراء الى واشنطن، ينتقد حيدر الخوئي نزوع المالكي الى تهميش وإقصاء الآخرين، وبخاصة السُنّة، وينتقد أيضاً تعويله على القوة العسكرية والحلول الأمنية على حساب الوسائل السلمية والحلول السياسية، وهو ما يرى الخوئي، كما نرى نحن، يوفّر بيئة مناسبة وحاضنة حميمة لتنظيم القاعدة ونشاطه الإرهابي المتفاقم في الآونة الأخيرة.
حيدر الخوئي يؤكد في ختام مقاله حقيقة يبدو ان السيد المالكي والملتفين حوله لا يدركونها، هي ان تنظيم القاعدة لا يخشى الجيش العراقي وقوته بقدر ما يخشى المصالحة السياسية.
من وجهة نظر السيد المالكي والزميل الموسوي، هل يُصنّف السيد حيدر الخوئي عدواً؟
نحن وحيدر الخوئي في الخانة نفسها في الواقع.



69
شناشيل
لابدّ أن نفعل شيئاً

عدنان حسين

تفعل خيراً قيادة عمليات بغداد ببث مقاطع من اعترافات إرهابيين ومجرمين عتاة يجري القبض عليهم بعد تنفيذ جرائمهم في الغالب وقبله في بعض الاحيان، فمن شأن هذا تعزيز الثقة بالقوات الأمنية وعملها وبإمكانية دحر الارهاب والجريمة المنظمة.
لكن الملاحظ ان عمل قيادة عمليات بغداد على هذا الصعيد لا يتم بالأسلوب الناجع لتحقيق الاهداف المبتغاة، فبث الاعترافات أو مقاطع منها يجري بطريقة غير منظمة، ولا يُوجه بما يُفيد الناس في معرفة كيف يعمل الإرهابيون والمجرمون العاديون منذ بدء التخطيط لعملياتهم حتى تنفيذها، وما هي أساليبهم ووسائلهم.
من البرامج التلفزيونية التي يُقبل الناس في بريطانيا على مشاهدتها برنامج "كرايم ووتش" (مراقبة الجريمة) الذي تقدمه القناة الاولى لتلفزيون (بي بي سي) أسبوعياً. وهو يعرض في كل مرة وقائع إحدى الجرائم، متقصياً ظروفها وأسلوب تنفيذها. ويتضمن البرنامج مقاطع تمثيلية ومقابلات مع اختصاصيين في مجالات مختلفة. والهدف تنبيه أفراد الجمهور وتوسيع أفق تفكيرهم ورفع يقظتهم كيما يتخذوا الاحتياطات لتفادي أن يصبحوا، وعموم المجتمع، ضحايا للجرائم.
العمل الذي تقوم به قيادة عمليات بغداد، على صعيد بث الاعترافات بين حين وآخر، مهم لكنه ناقص. الإرهابيون وسائر المجرمين يعملون وسط الناس وينفّذون جرائمهم بينهم، مستغلين غفلة الناس وعدم خبرتهم بأساليب المجرمين ووسائلهم.
 من المهم أن نعرف كيف تشتري الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة الأسلحة والسيارات التي تُستخدم في تنفيذ الجرائم، وكيف تستأجر البيوت لتحولها الى اوكار لها، وكيف تتمكن من التأثير على منفذي العمليات وإقناعهم بارتكاب الجرائم، وما الى ذلك من التفاصيل التي اذا ما اطّلع عليها الناس لاستطاعوا أن يعينوا الاجهزة الامنية في الكشف عن الإرهابيين والمجرمين العاديين ومخططاتهم قبل تنفيذها.
هذا العمل لا تستطيع قيادة عمليات بغداد وسائر القيادات العسكرية والامنية القيام به لوحدها. انه يتطلب تعاوناً وثيقاً بين هذه القيادات والسلطة القضائية من جهة ووسائل الاعلام من الجهة الأخرى لإعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية والتحقيقات والمقابلات الصحفية. ويستلزم هذا بالضرورة تمكين الإعلاميين من الحصول على المعلومات اللازمة، بما في ذلك مقابلة الإرهابيين والمجرمين ورجال الأمن وزيارة مسارح الجريمة.
افترض ان قناة "العراقية" يمكنها أن تُعدّ برنامجاً على غرار "كرايم ووتش" البريطاني، وأظن انه سيلقى اهتماماً واسعاً من الجمهور، فالأمر يتعلق بأهم احتياجاتهم، الأمن، الذي لم يزل مفتقداً على نحو غير معقول، ويتعلق بأكبر المخاطر التي تتهدد حياتهم وممتلكاتهم.
لابدّ من الاعتراف بأن إعلامنا لا يؤدي قسطه في مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة، وان مؤسساتنا الامنية والعسكرية لم تنجح في تحفيز الإعلام للقيام بواجبه على هذا الصعيد، فلم تزل العلاقة بين الطرفين غير حميمة.
لابدّ أن نفعل شيئاً، فقد طفح الكيل مع الإرهاب وسائر جرائم العنف.. أكرر اقتراحاً طرحته منذ أسابيع بعقد مؤتمر أمني – إعلامي للبحث في هذا الموضوع.
6/11/2013

70
شناشيل
إلى محافظة بغداد وأمانتها

عدنان حسين

تواصل محافظة بغداد وأمانة بغداد منذ فترة حملة لتشجير الشوارع والساحات في العاصمة بعد انتهاء المسلسل الطويل للحفر واعادة الحفر من أجل اعادة التبليط (في بعض المناطق فقط، فالمسلسل متواصل في مناطق أخرى كثيرة).. الحملة جيدة وبدأت تُعطي ثمارها في استعادة بغدادنا المنكوبة بعض ما كان لها من رونق وبهاء.
لكن ثمة ملاحظة على الطريقة المتبعة في سقي الأشجار.. إنها طريقة بدائية وغير صحيحة، فالمهمة تقوم بها تانكرات يختار العاملون عليها أن يؤدوا عملهم في الصباح اثناء ساعة الذروة، حيث تزدحم الشوارع والساحات بالسيارات. وتتم عملية السقي مباشرة من التانكرات بواسطة الخراطيم الكبيرة. في الغالب لا تأخذ الأشجار كفايتها من الماء الذي تسيح كميات مُعتبرة منه في الشوارع، فتساهم في عدم نظافتها.
وعلى ذكر عدم النظافة، فأن ما أهم من التشجير هو النظافة.. بغداد مدينة قذرة.. هذا واقع مع انه مخجل ومحرج لنا.. وكما يعرف الجميع، بمن فيهم مسؤولو المحافظة والامانة، فان القمامة مصدر خطير للاوبئة والأمراض. ولا مبالغة في القول انه لا يوجد حي أو شارع أو دربونة أو ساحة في بغداد يمكن وصفه بالنظيف .. دلّونا على واحد او واحدة خارج المنطقة الخضراء.
وكما الحال مع سقاية أشجار الشوارع والساحات، فان العمل الجزئي للغاية الذي نلاحظه لرفع القمامة يجري في الصباح أيضاً.. انه عمل يُعكّر المزاج، فعملية رفع القمامة تؤدي الى نشر الروائح الكريهة في المحيط.. ولحين الوصول الى المرحلة التي يمكن بها لسيارات النظافة أن تجمع القمامة من البيوت مباشرة معبأة في أكياس كبيرة سوداء، يمكن جمع القمامة من مكباتها المفتوحة حالياً في أوقات المساء المتأخرة.
من جهة أخرى، يُفترض أن يتواصل تجهيز الكهرباء الآن على مدى أربع وعشرين ساعة، بحسب ما وعد به وزير الكهرباء ونائب مجلس رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ورئيس مجلس الوزراء نفسه. ولابدّ من لفت انتباه شرطة المرور ومحافظة بغداد وأمانتها الى اعادة العمل بمنظومة الإشارات الضوئية، وأقله في وسط العاصمة والمناطق والشوارع الرئيسة الحافلة بالنشاط .. الملاحظ ان الاشارات تعمل الآن معظم الوقت ولكن من دون الالتزام بها في الغالب، فكثيراً ما نجد ان شرطي المرور يسمح بالعبور عندما تكون الاشارة حمراء ويوقف السير مع الاشارة الخضراء.
هذه الملاحظة تستدعي ملاحظة أخرى هي ضرورة التقيد بأحكام قانون المرور، من أبسطها، وهي الالتزام بالإشارات الى أهمها وهي عدم السماح بالسياقة لمن لا يحمل الاجازة السوق. ان الامر هنا يتعلق بحياة الناس وممتلكاتهم.. اذا كانت ادارة المرور لا تكترث بهذا لأي سبب، فان محافظة بغداد وامانتها ينبغي أن تهتمّا لأن الأمر يتعلق بحياة وممتلكات سكان العاصمة الموكل اليهما أمر رعايتها وحفظها وصونها.


71


شناشيل

فشل لغوي للمالكي في واشنطن

عدنان حسين

لم يشأ رئيس مجلس الوزراء أن يعاين ويتفحص الملاحظات التي أبداها بشأن سياساته أعضاء مرموقون في الكونغرس الأميركي عشية زيارته الى واشنطن واثناء لقائه بهم، واختار بدلا عن ذلك أن يوجّه اليهم ما يشبه الشتيمة باتهامهم بأنهم "متأثرون بحملات الدعاية المضادة التي تُشن ضد العراق"!
وكان عدد من أعضاء مجلس الشيوخ قد بعثوا برسالة الى الرئيس باراك أوباما، قبل أن يصل المالكي الى العاصمة الأميركية بعدة ايام، لفتوا فيها الانتباه الى أن "سوء إدارة المالكي للعراقيين أدى إلى تدهور الأوضاع هناك وقد يجرّ البلاد إلى حرب أهلية"، كما نقلت عنهم "نيويورك تايمز" التي اضافت ان الرسالة وصفت المالكي بانه يمارس سياسة "التسلط والتعصب".
لاحظوا الفرق هنا في اللغة المستخدمة فأعضاء مجلس الشيوخ، وهم رجال دولة محنّكون وبينهم مرشح الرئاسة السابق السناتور جون ماكين، استخدموا التعبير الحذر "قد يكون"، فيما رئيس حكومتنا أخذ راحته في اتهامهم بالتأثر بالدعايات المضادة، من دون "قد يكونون" أو "ربما يكونون"، كما لو انهم شبان أغرار دخلوا للتو حلبة السياسة.
بالتأكيد لم يكن المالكي يعني بـ"الدعاية المضادة التي تُشنّ على العراق" هي دعاية تنظيم "القاعدة" أو فلول النظام السابق، لأن تهمة كهذه اذا ما وُجهت الى المشرّعين والسياسيين الأميركيين ستكون بمثابة شتيمة سافرة. الأرجح ان ما عناه هو الانتقادات المتواصلة والمتصاعدة التي دأب الكثير من السياسيين والإعلاميين والمثقفين العراقيين على توجيهها الى السيد المالكي بشأن إدارته البلاد، وهي إدارة فاشلة باعتراف حتى الحلفاء الأقرب للمالكي في "التحالف الوطني".
ممّا قاله أعضاء مجلس الشيوخ في رسالتهم أيضاً إن "السلوك السيئ للسياسة العراقية التي ينتهجها المالكي تساهم في تزايد اعمال العنف"، وان "هذا الإفلاس في الحكم يرمي العديد من العراقيين السنة في أحضان القاعدة في العراق".
مثل هذا الكلام يقوله على الدوام الكثير من العراقيين من الساسة والاكاديميين والمثقفين منذ سنوات، وكان الأجدى بالسيد المالكي ان يستمع اليه منهم ويتأمله ويأخذ به قبل ان يسمعه من الساسة الأميركيين.
ان استخدام السيد المالكي تعبير "الدعاية المضادة التي تشن على العراق" لوصف الانتقادات المحلية الموجهة اليه والى سياساته تعيد الى الاذهان ما كان يفعله صدام حسين، فهذا أيضاً كان يوحّد في ما بين نفسه والعراق، وكان يتهمنا نحن المعارضين، والسيد المالكي واحد منا، باننا معادون للعراق واننا نشن دعاية موجهة ضد العراق! 
لا ادري كيف ولماذا يضع السيد المالكي نفسه دائما ًفي موضع كهذا؟


72
المنبر الحر / شهادة .. من أهلها
« في: 19:52 31/10/2013  »
شناشيل
شهادة .. من أهلها

عدنان حسين

منذ أسبوعين كتبتُ في هذا العمود عن جانب من المحنة التي يواجهها التعليم العالي في بلادنا وأدت الى تراجع مستواه على نحو مريع، وهي المحنة التي ابتدأت فصولها في عهد النظام السابق ولم تشهد نهاية في العهد الجديد، بل انها تتفاقم الآن.
إنها محنة التجاوز على القواعد والشروط العلمية المتبعة حتى في البلدان المتخلفة، والخاصة بالقبول في الدراسات الجامعية الأولية والعليا على السواء. كان نظام صدام يزجّ بالآلاف من أنصاره وعناصر أجهزته الأمنية في الجامعات من دون استحقاق. والآن تفعل القوى المتنفذة في النظام الجديد الشيء نفسه وأكثر.
أمس حصلنا على شهادة ثمينة من عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد بالوكالة الدكتور هاشم حسن التميمي، فقد نشر "رسالة عاجلة" مفتوحة الى رئيس مجلس الوزراء ( الزميلة : المشرق) كشف فيها انه يجري الآن ما كان يجري في عهد نظام صدام من قبول عناصر أجهزة الأمن في الدراسات العليا تجاوزاً على القواعد والشروط العلمية.
يبدأ الدكتور التميمي رسالته بالقول : "أعرفُ مسبقا أنّ قول الحقيقة ووضع النقاط على الحروف سيكلفني كثيراً، لاسيما وانا أتولى منصباً بالوكالة لعمادة كلية الإعلام، ولكنني كنت منذ شرعت بالكتابة الصحفية قبل أربعين عاماً أضع مصلحة الجمهور قبل مصلحتي الشخصية، ومؤمن بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأكره جدا مقولة (إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب). اعشق المواجهة بالحق، وأكره أسلوب النعامة للاستقرار بالمنصب مثل الحمامة".
ويتحدث عميد الإعلام عن "الاستثناءات وبدعة (حجز المقاعد) لفلان أو علان من هذا الحزب أو من تلك الجهات والأجهزة الحكومية، خاصة أولئك الذين لا تتوفر فيهم مؤهلات الحد الأدنى للقبول بالدراسات العليا، حتى أن احدهم حصل في محاولات سابقة للتقديم على درجة الصفر في الامتحان التنافسي، ولا يمتلك الحد الأدنى من الخبرة في المهارات العملية، ويفكر أن يصبح دكتوراً بـ(الكوترة) وأمثاله الكثير"..
ويدعو رئيس مجلس الوزراء بوصفه "من أوائل الذين رفعوا شعار دولة القانون" الى "أن يراجع، بل يُلغي، قراره بحجز مقاعد في الدراسات العليا لبعض موظفي أجهزة الدولة بدون منافسة، ومن دون توفر مؤهلات الحد الأدنى والشروط العامة وخطط القبول التي وضعتها اللجان العلمية في الكليات وأقرتها جهات متخصصة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الهدف منها ترصين التعليم وإبعاده عن التسييس ومنح فرص للمتميزين والمبدعين لخدمة البلاد معرفياً، وليس لمجرد منح شهادات وألقاب علمية".
ويتابع قائلاً: "نأمل من دولة رئيس الوزراء ان يستكمل الخطوة الجريئة برفض قبول أعضاء مجلس النواب وأصحاب الدرجات الخاصة بالدراسات العليا لعدم تفرغهم، ان يسري على كبار المسؤولين وموظفي الأجهزة الأمنية، حيث تتطلب المصالح العليا للبلاد تفرغهم الكامل لمواجهة الإرهاب وليس العودة لمقاعد الدراسة بأسلوب حجز المقاعد، وكأن الدراسات العليا رحلة في الخطوط الجوية العراقية".
شهادة قوية من اكاديمي له تاريخ .. عسى ألا يُعيد ساعي البريد إليه رسالته بدعوى "مجهولية" محل إقامة المُرسل إليه!!


73

شناشيل

مؤامرة البنك المركزي .. بعد سنة
عدنان حسين

بعد مرور سنة كاملة عليها، هل يعرف أحد لماذا أُقيل سنان الشبيبي من منصبه محافظاً للبنك المركزي اثناء ما كان يمثل البلاد في مؤتمر دولي مرموق؟ .. وبعد مرور هذه السنة هل يعرف أحد لماذا أقيلت مع الشبيبي مجموعة من أفضل كوادر البنك المركزي وألقي بعهم في المعتقل، من دون توجيه تهمة لهم أو اجراء محاكمة لتقرير مصيرهم؟
انا لا اعرف. كل زميلاتي وزملائي وصديقاتي وأصدقائي وأهل بيتي لا يعرفون أيضاً، وكذا سائقو سيارات التاكسي والكيّات والكوسترات التي اتنقل بها.. من يعرف اذن؟ ربما العارفون هم فقط رئيس الحكومة الذي كان وراء القرار وبعض المحيطين به وكذلك هيئة رئاسة البرلمان التي كانت، ويا للعجب، من أشد المستعجلين لتنفيذ قرار المالكي برغم ان ما بينها وبين رئيس الحكومة– أقله في الظاهر- ما صنع الحداد.
مما قيل عن أسباب الاجراءات التعسفية في حق قيادة البنك المركزي التي لم يُسجل لها على مدى تسع سنوات الا النجاح الواضح في عملها، وهو ما تجسّد على نحو خاص بزيادة الاحتياطي المالي للبلاد وارتفاع قيمة الدينار، ان رئيس الحكومة سعى لارغام الشبيبي على خرق نظام البنك باقراض الحكومة نحو ستة مليارات دولار (كانت ستكون عرضة لنهب الفاسدين والمفسدين مثل مئات المليارات النفطية)، لكن مصادر الحكومة والمتحمسين لقرارها في مجلس النواب، زعموا ان قيادة البنك كانت ضالعة في قضايا فساد مالي واداري، وان الاجراء ضد الشبيبي، وهو المعروف للقاصي والداني بنزاهته ومهنيته ووطنيته بخلاف الذين عملوا على اقصائه وتحمسوا لذلك، كان في اطار عملية اصلاح في ادارة البنك.
بعد سنة، لنتفقد احوال العملية "الاصلاحية" هذه .. كيف كان الفساد المالي والاداري في عهد سنان الشبيبي وموظفيه وفي أي موضع كان؟ لماذا لم يظهر أي دليل ولم تبرز أية علامة بعد مرور 12 شهراً؟ لماذا لم يزل بعض كوادر البنك في المعتقل من دون محاكمة؟ ولماذا لا أحد في الحكومة يُريد الاجابة على هذه الاسئلة؟ ولماذا يتخذ مجلس النواب، وبخاصة رئاسته، دور المتفرج في هذه القضية؟
وماذا عن الاصلاح؟ كيف تحقق وأين؟
لا جواب على أي من هذه الاسئلة .. وعلى الارض نجد ان عملية مضادة قد حدثت، فخلال السنة المنصرمة تضاعفت كمية الدولار المباعة من البنك المركزي الى المصارف الحكومية والأهلية والتي يقال ان حصة كبيرة منها تدخل الآن في عمليات غسيل الاموال. والبنوك التي أقبلت على بيع الدولارات الى المواطنين على نحو لافت  مطلع العام الحالي تراجعت الان وانحصرت عملية البيع داخل هذه البنوك، إذ تفيد معلومات بان موظفين في البنوك يستخدمون النسخ المصورة من جوازات سفر المواطنين لشراء الدولار باسمائهم وبيعه باسعار أعلى في السوق لصالح الموظفين. والدينار اليوم أقل قيمة مما كان عليه قبل سنة، فيما فتح اجراء جديد للبنك بابا كبيرة للفساد المالي والاداري، فقد أصدر البنك في آب الماضي أمرا بان تفتح مكاتب الصيرفة أبوابها من الساعة الثامنة صباحاً الى الثانية ظهراً ومن الرابعة عصراً الى الثامنة مساء "كحد أدنى"، لكن الكثير من هذه المكاتب لا تستطيع الالتزام بهذا لاسباب أمنية، ومنها مكاتب الصيرفة في شارع السعدون التي لا تستطيع الفتح بعد الساعة الرابعة. وقد استثمر بعض موظفي البنك هذا الأمر لصالحهم فهم يبتزون أصحاب المكاتب بان يدفعوا لهم مقابل عدم اصدار عقوبات بالغرامة ضدهم.
أهكذا يكون الاصلاح ومكافحة الفساد المالي والاداري في البنك المركزي يا كل الذين تضافرت جهودهم للتآمر على المؤسسة الوحيدة الناجحة في دولتنا الفاشلة؟


74
المنبر الحر / البرلمان العجب
« في: 17:31 29/10/2013  »
شناشيل
البرلمان العجب

عدنان حسين

تصريح: "ندين بأشد العبارات التفجيرات الإجرامية البشعة التي طالت أهلنا وأعزاءنا في مناطق عدة من بغداد والمحافظات والتي تعكس مدى وحشية وقسوة منفذيها من الظلاميين والمجرمين".
تصريح آخر: " ان الزمر الإرهابية أقدمت اليوم على تفجير عدد من السيارات المفخخة في العديد من الاحياء في العاصمة بغداد وراح ضحيتها العشرات من المواطنين الابرياء في تصعيد إرهابي جديد الهدف منه شل الحياة وإدخال اليأس في نفوس المواطنين وإيقاع اكبر خسائر بشرية".
ليس التصريح الاول لرئيس عشيرة تتخذ من الصحراء مسكناً لها، ولا الثاني لقائممقام أحد الاقضية القصية عند أطراف البلاد، فالأول هو لرئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، والثاني لنائبه الاول قصي السهيل، والمناسبة التفجيرات الارهابية التي هزّت العاصمة ومدن أخرى أول من أمس واسفرت عن ضحايا بالمئات (القتلى والجرحى وعائلاتهم التي ستُترك لمصيرها الكارثي) من مواطني البلاد غير الآمنين على حياتهم ومالهم وأعراضهم ومستقبلهم، بفضل دولتنا الفاشلة التي يُعدّ السيدان النجيفي والسهيل من أركانها الأساس.
إذن، كل ما خرج من رئاسة السلطة العليا في البلاد في هذه المحنة الجديدة، هو هذه الإدانة المُكررة للمرة الألف ربما، والتي لا تساوي أكثر من قيمة الورق الذي كُتبت عليه. والأعجب في تصريحي أو بياني رئيس البرلمان ونائبه الاول ان النجيفي "طالب الاجهزة الامنية بتقديم مبررات لهذه الخروقات المتكررة والتي يدفع المواطن يوميا دمه وحياته ثمنا لها، مؤكداً على ضرورة مراجعة كافة الخطط الأمنية والوقوف على مواطن الخلل والضعف فيها"، فيما السهيل "جدد دعوته إلى أهمية إعداد الخطط الأمنية الكفيلة باستتباب الأمن في عموم المحافظات إذ ان الملف الأمني يشهد ومنذ فترة تدهوراً خطيراً يتطلب من القيادات الأمنية والمسؤولين عن هذا الملف تدارك هذا التدهور والعمل من اجل الحد من نشاطات الجماعات الإرهابية".
جزيل الشكر والتقدير والامتنان لرئيس البرلمان ونائبه الأول لاختزالهما مهمة السلطة التشريعية والرقابية في البلاد بإصدار بيانات التنديد والاستنكار والمطالبة الخجولة بأن تقدم الأجهزة الأمنية "المبررات"! لاستمرار وتفاقم العمليات الإرهابية، وان تعمل قيادات هذه الأجهزة على "تدارك التدهور" في الملف الأمني!
وجزيل الشكر والتقدير والامتنان مرة أخرى لرئاسة البرلمان لأنها لا تخذل عائلات الضحايا وحدها، وإنما عموم الشعب العراقي الذي كان ينتظر أن يعقد مجلس النواب، بدعوة من رئاسته، جلسة استثنائية لمناقشة الوضع الأمني غير المعقول، واستدعاء القائد العام للقوات المسلحة ووزراء الدفاع والداخلية والامن الوطني وقادة الجيش والشرطة والاستخبارات لمحاسبتهم، أو معاتبتهم في الأقل، عن هذا الفشل العظيم للحكومة والوزارات الأمنية في أداء مهمتها الأساس وواجبها الرئيس المتمثلين بضمان الأمن للناس.
... وتستكثرون علينا المطالبة بتجريدكم من الرواتب والامتيازات الخيالية التي تتقاضونها؟.. هذا أدنى ما تستحقون.


75
شناشيل
مسؤولو دولتنا المؤمنون والورعون والوطنيون!
عدنان حسين

هو عمر وهو عمار في الوقت ذاته.
هذا هو الاسم الأول لشخص استخرج جوازي سفر بالاسم الأول مرة وبالاسم الثاني في المرة الأخرى. والجيد أن مديرية الجنسية العامة عندما اكتشفت الأمر أصدرت أمراً بإسقاط الجوازين ومنع حاملهما من السفر لحين الانتهاء من التحقيقات في هذه القضية، كما جاء في أخبار الأيام القليلة المنصرمة.
"التزوير في أوراق رسمية" هي التهمة التي ستُوجه إلى هذا الشخص، وعقوبتها في القانون العراقي النافذ الحبس خمس سنوات.
ليس معروفاً كم أضرّ هذا الشخص بمصالح أناس آخرين بهذا التزوير، وكم استثمر الجواز المزور في تحقيق مصالح شخصية. قد لا يكون الضرر بالآخرين قد وقع، وقد لا تكون مصالح كبيرة قد تحققت، لكن هذا لا ينفي صفة الجريمة عن العمل الذي قام به عمر أو عمار. ولكل جريمة عقاب، مهما قلّ شأنها، لأن في هذا مصلحة كبيرة للمجتمع، فمَنْ أمِنَ العقاب أساء الأدب. ولهذا كان إجراء مديرية الجنسية العامة صحيحاً تماماً.
في المقابل ليس صحيحاً أن يستمر التستر على قضية الشهادات الدراسية والوثائق الرسمية التي زورها المئات، بل الآلاف، من الموظفين الحاليين في الدولة واحتلوا بواسطتها وظائف، بينها مناصب عليا، ويتقاضون عنها رواتب كان من اللازم أن تكون من نصيب أناس آخرين يستحقونها، وهم من حملة الشهادات وأصحاب الكفاءات الذين مرّ عليهم وقت طويل وهم بلا عمل.
منذ بضع سنوات تسعى قوى سياسية نافذة في السلطة إلى تشريع قانون بالعفو عن هؤلاء. وهذه القوى هي اسلامية على وجه التحديد، ويرجع موقفها هذا الى ان معظم المزوّرين ينتمون اليها أو محسوبون عليها وعلى قيادات هذه الاحزاب. فبعد سقوط النظام السابق عاد الآلاف من أفراد هذه القوى ممن كان يعيشون في ايران وسوريا وغيرها، ولم يشاءوا، أو لم تُتح الفرصة لهم، أن يُكملوا دراستهم في بلدان المنفى واللجوء للحصول على شهادة الثانوية أو الجامعة، فكان أن تواطأت معهم أحزابهم وسهّلت لهم أمر تقديم وثائق مزورة من انتاج سوق مريدي وغيره، أو حتى من صناعة مكاتب هذه الاحزاب عينها.
الحبس خمس سنوات سيكون الحكم على مزور جواز السفر، عمر أو عمار، مع انه ربما لم يُلحق أي ضرر مباشر بمصلحة لشخص ما أو عدة أشخاص بتزويره هذا. ومن اللازم أن تُوقع عقوبة أشد في حق مزوري الشهادات الدراسية والوثائق الرسمية الذين ارتكبوا، بالاضافة الى هذه الجريمة، جريمة أكبر هي سرقة وظائف مواطنين صالحين لم يرتكبوا أي جريمة في حق المجتمع والدولة.
أي عدالة وأي انسانية وأي وطنية وأي دين وأي تقوى وأي ورع، يتشدق بها المسؤولون "المؤمنون" في دولتنا، حكومة وبرلماناً وسلطة قضائية، وهم يحمون مزوري الشهادات والوثائق سرّاق الوظائف ويؤمنونهم من أي عقاب؟


76
شناشيل
نريد العنب.. لا قتل الناطور
عدنان حسين

ما عادَ صعباً إثبات النسب كما هي الحال في الماضي عندما كان الأمر يتطلب الاستعانة بعدد من الشهود الثقاة والنسّابة المعترف بهم وبالمصادر التاريخية المعتبرة والمعوّل عليها، فبفضل تقنية "دي أن أيه" (DNA) ‏التي تُترجم إلى العربية اختصاراً: الحمض النووي، صار الأمر يسيراً للغاية ولم يعد ثمة مجال لأي خطأ.
بالتأكيد لا طائل من الركون إلى هذه التقنية لإثبات أبوة القرار الأخير للمحكمة الاتحادية الخاص برواتب أعضاء البرلمان السابقين والحاليين، فالنجاح له آباء كثيرون في العادة فيما الفشل يتيم. وقد انطلق ماراثون ادعاء الأبوة لقرار المحكمة فور الإعلان عنه.
ومع ان معظم المشاركين في هذا الماراثون لم يحضروا أمس الى ساحة الفردوس للاحتفال بمناسبة ولادة "طفلهم"، وللالتزام بمواصلة الحملة لمكافحة أوجه ومجالات أخرى للفساد المالي والاداري في دولتنا، فلقد تُرك المحتفلون لمصيرهم في مواجهة قوة عسكرية غاشمة تجمّعت حولهم وضيّقت الخناق عليهم كما لا تتجمع حول الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة وتضيّق الخناق عليهم، فأرغمت المتظاهرين على اخلاء الساحة مع انهم لم يفعلوا شيئاً سوى التغني باسم العراق وبحب العراق والتلويح بعلم العراق.
كلهم -التيار الصدري ودولة القانون ونقابة المحامين والتنسيقيات وسواهم- هم آباء لقرار المحكمة الاتحادية، حقاً أو باطلاً. نقبل بهذا، فلا يهمّ من يكون الأب الحقيقي بعدما تحققت الولادة، وخرج الوليد سليماً معافى، كما يبدو للوهلة الأولى، لكن المهم الآن أن يواصل هؤلاء "الآباء" جميعاً ممارسة فحولتهم وإثباتها بتنظيم المزيد من الحملات والتظاهرات، للمطالبة بوضع حدّ لألف شكل وشكل للفساد المالي والإداري الذي ينخر كيان دولتنا ومجتمعنا ويلتهم فرص التنمية حاضراً ومستقبلاً ويتسبب في مفاقمة الإرهاب وتفشي العنف.
يهمنا أن نأكل العنب، لا أن نقاتل الناطور. وكما في قضية الرواتب التقاعدية للنواب وأصحاب الدرجات الخاصة، لا يتحقق ما يريد الشعب من دون حركة دؤوبة متواصلة ومتصاعدة تتضمن النزول الى الشارع وممارسة حق التعبير الحر عن الرأي.
سنراقب ما الذي سيفعله المتسابقون في ماراثون ادعاء الأبوة لقرار المحكمة الاتحادية، فيما اذا كان هؤلاء "الآباء" سيلامسون ما يتطلع اليه الشعب أم انهم سينكفئون كما فعلوا أمس في ساحة الفردوس.



77
المنبر الحر / مشكلة يسارنا
« في: 16:55 26/10/2013  »

شناشيل
مشكلة يسارنا
عدنان حسين


لا أظن أن من الحكمة أو المصلحة أن تتعامل قيادة الحزب الشيوعي الكردستاني مع المجموعة من الأعضاء والكوادر التي أصدرت أخيراً بياناً عبّرت فيه عن الشعور بخيبة الأمل حيال تراجع دور حزبهم، بوصفهم مجموعة مارقة أو مرتدة أو انشقاقية، فموقف كهذا من قيادة الحزب سيضرّ كثيراً بمصالح الحزب والناس على حد سواء.
المجموعة تحيل في مفتتح بيانها إلى حرية التعبير العلني عن الرأي، ولهم في هذا حق، فهذه الحرية مكفولة في  وثائق الحزب وفي دستور الإقليم والدستور الاتحادي والشرائع والمواثيق الدولية. كما ان المجموعة تستند الى فكرة وجيهة، هي انه "لم يعد السكوت ممكنا إزاء الانكسارات المتتالية التي يجنيها الحزب في الانتخابات العامة، منذ انتخابات سنة 1992 حتى الان".
في انتخابات برلمان الاقليم الشهر الماضي، حقق الحزب نتائج أدنى من المتواضعة بكثير (أقل من 1 بالمئة)، ومع نتيجة كهذه كان لابدّ لقيادة الحزب أن تتحلى بشعور أقوى من المسؤولية وتعلن تحملها المسؤولية عما آلت إليه الأمور (كما فعلت قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني مثلاً). 
عندما تمتّع فرع اقليم كردستان للحزب الشيوعي العراقي باستقلاله الذاتي عن الحزب الأم في العام 1993، صُورت العملية في وقتها بأنها ستمكّن الشيوعيين الكردستانيين من تعزيز دورهم في الحياة السياسية في الاقليم، لكن العكس هو ما حدث على مدى العقدين الماضيين. لم يكن الخطأ في عملية الاستقلال ذاتها وانما في الحزب نفسه، وبخاصة قيادته، فلم يفلح الحزب في التكيّف والتوافق مع ظرفه الجديد ومع الظروف الدولية والإقليمية لما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي.
لكن هذا لم يقتصر على الحزب الكردستاني وحده وإنما شمل الحزب الأم وعموم الحركة اليسارية والديمقراطية في البلاد التي كانت في يوم ما القوة الأكثر تأثيراً في السياسة المحلية.
نعم ثمة اسباب موضوعية قوية لتراجع الحركة اليسارية والديمقراطية عموماً. في منطقتنا يرجع هذا بشكل أساس الى تفاقم الاستبداد وترسّخ الأنظمة الدكتاتورية القومية، وصعود الإسلام السياسي، غير الديمقراطي هو الآخر، لكن الدكتاتوريات التقليدية دخلت مرحلة انهيارها منذ هزيمة نظام صدام في الحرب ضد إيران ثم في حرب تحرير الكويت، وقد اهتزت عروشها هزّات عظيمة خلال السنوات الثلاث المنصرمة. والإسلام السياسي من جانبه أثبت في غضون ذلك انه ليس بديل الحركة اليسارية والديمقراطية. لم تنجح تجربته الشيعية في إيران ولا تجربته السنية في السودان. والآن يحقق الإسلام السياسي، الشيعي والسني سواء بسواء، في العراق ومصر وليبيا فشلاً ذريعاً أيضاً، فهو يتكشف عن دكتاتورية فوضوية ليس لديها أي قدرة على إقامة الدولة حتى من النمط الدكتاتوري الذي كان سائداً في الحقبة القومية، وكل ما تبلو فيه قوى الاسلام السياسي "البلاء الحسن" هو نهب المال العام، فضلاً عن الخاص، وإشاعة التخلف.
معنى هذا ان الظروف الموضوعية قد تحسنت لصالح قوى اليسار والديمقراطية، لكن المشكلة أن هذه القوى لم تُحسن بعد الاستفادة من هذا التغيّر، ويرجع هذا في الأساس الى عدم وجود صلة حيوية لهذه القوى بالجمهور، كما كانت عليه حالها منذ 40 – 60 سنة.



78
شناشيل

بعد الكهرباء ..  جاء دور الأمن

عدنان حسين

لا أظن ان الدوافع الانتخابية وحدها كانت وراء العمل الحثيث الذي قامت به الحكومة خلال الاشهر الأخيرة للقفز فجأة من التجهيز القاتل الى التجهيز الكامل  للكهرباء. ولا مبالغة في وصف التجهيز الى ما قبل اسابيع قليلة بانه "قاتل"، فالعشرات وربما المئات من الاطفال والشيوخ المرضى قد ماتوا على مدى السنين العشر الماضية بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن البيوت والمستشفيات، فضلاً عن مقتل العديد من أصحاب المولدات وعمالها في شجارات مع الناس الذين كان يغيظهم حدّ الجنون انقطاع كهرباء "السحب" (الأهلية) عنهم في عزّ الصيف بعدد ساعات يزيد عن عدد ساعات القطع الحكومي.
 أعتقد بان الضغط الشعبي الهائل (عكسته وسائل الاعلام غير الحكومية خير انعكاس)، وبخاصة التظاهرات، هو ما كان له تأثيره الفعال ومردوده الايجابي لجهة تخويف الحكومة من مغبة استمرار "النوم على آذانها" لصالح الفاسدين والمفسدين الذين كانوا وراء تعطيل هذه الخدمة العامة الأساس خلال السنوات الخمس الماضية في الأقل. وخوف الحكومة من التظاهرات جسّده لجوؤها الى القمع السافر لتلك التظاهرات وغيرها باستثناء تلك التي نظمها الحزب الحاكم للرد على تظاهرات الشعب ومواجهتها. فمن الواضح ان ما من شيء يثير ذعر الحكومة ورئيسها أكثر من ممارسة العراقيين حقهم الدستوري في حرية التعبير عن الرأي وبخاصة في صيغة التظاهرات. ولابدّ ان هذا راجع الى ادراك الحكومة ورئيسها ان التظاهرات يمكن أن تقلب عاليها سافلها كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن.
لقد أدّى الضغط الشعبي الى الكشف عن وجود حالات فاسدة صارخة في وزارة الكهرباء بعقد صفقات مليارية مع شركات وهمية أو شبه وهمية، واستيراد محطات لتوليد الكهرباء غير مناسبة لنا في الوقت الراهن في الأقل. وكانت هذه الوزارة الأكثر إقالة أو استقالة لوزرائها من مقعدها الحكومي.
قضية الكهرباء تقدّم دليلاً قوياً على جدوى ونجاعة اسلوب النزول الى الشارع، وجدوى ونجاعة انحياز الاعلام الوطني الى المهنية والى جانب الشعب مهضوم الحقوق، ضد الحكومة الغارقة في بحر الفساد الذي تستقر في قاعه كل مشاريع اعادة الاعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
بعد الكهرباء، بل قبلها، لدينا المعضلة الكبرى: الأمن. وهذه أيضاً ما كان لها ان تستمر حتى اليوم وتتفاقم الى المستوى الخطير الحالي لو لم يكن الفساد حاضراً بقوة في المؤسسة الأمنية، بل الدولة كلها، حكومة وبرلماناً وسلطة قضائية.
نحتاج الآن الى حركة شعبية واسعة وقوية تنزل الى الشارع أيضاً لتضغط على الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية من أجل مكافحة الارهاب بجدّ، وتأمين حياة الناس وعمليات اعادة الاعمار والتنمية بجدّ، ومكافحة الفساد بجدّ".






79
شناشيل


طلب رخصة .. بالتفجير!

عدنان حسين

تستحق وزارة الداخلية أن نصفّق لها بحرارة، ويستحق كبار المسؤولين فيها، وبخاصة وزيرها الأعلى رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ووزيرها الفعلي محازب المالكي الوكيل الأقدم عدنان الأسدي، أن يصطف 34 مليون عراقي في طوابير صباحية ومسائية ليرفعوا أيديهم بالتحية والسلام ويحنوا هاماتهم لهم (المسؤولين).
ثمة سبب جدّ وجيه للتصفيق المقترح ولطوابير التحية والسلام الصباحية والمسائية، فقد اهتدت وزارة الداخلية وكبار مسؤوليها أخيراً، بعد عشر سنين عجاف، الى ما يحفظ الأمن في البلاد ويكافح الارهاب والجريمة المنظمة ويقضي على الظواهر السلبية والسلوكيات المنحرفة في المجتمع، كالبغاء والاغتصاب وتناول المخدرات والعنف الأسري وسواها.
بجرة قلم من الوزير الفعلي وبالتشاور مع الوزير الأعلى، على الأرجح، صدرت الأوامر واضحة وصريحة وحازمة وحاسمة: لا تظاهرات للحركة الشعبية المطالبة بمكافحة أحد مظاهر الفساد المالي والاداري في دولتنا، وهو الفسا\د المتعلق بامتيازات الطبقة السياسية من نواب ووزراء وسواهم من أصحاب الدرجات الخاصة.
لا تظاهرات يعني لا ارهاب ولا جريمة منظمة ولا فساد مالياً وادارياً ولا عنف أسرياً ولا بغاء ولا اغتصاب في مجتمعنا بعد اليوم. وزارة الداخلية توصلت بما لا يدع مجالا للشك أو الظن أو الريب أو الخشية أو الخوف، الى ان التظاهرات هي المنبع والحاضنة والمفرخة للارهاب والجريمة المنظمة ولكل الشرور في بلادنا، وان منعها سيحول دون تفجير العبوات والأحزمة الناسفة المفردة والمزدوجة، ودون التعدّي على المال العام ونهبه جهاراً نهاراً، ودون أن تحتل "القاعدة"  مدن محافظة الانبار وخط الحدود مع سوريا.
منع تظاهرات السبت المقبل هو كلمة السر في الوضع الأمني في البلد كله "من زاخو لحد الكويت"! .. هذا ما توصل اليه مجلس الأمن الوطني أو اللجنة الأمنية العليا الساهرة على أمن المواطنين وسلامتهم، ودليل سهرها انها "نجحت" في حصر عمليات التفجير الارهابية خلال أيام عيد الاضحى بنحو ثلاثين تفجيراً بدلاً من مئة!!
 نصيحتي الى نشطاء الحملة الشعبية ضد تقاعد البرلمانيين أن يختاروا مهنة أخرى غير هذه المهنة "الخطيرة" للغاية .. مهنة تجنبهم اجراءات المنع، فبدلاً عن التظاهر يمكنهم أن يزرعوا العبوات ويفجروا المفخخات، فهذه مهنة غير ممنوعة في ما يبدو، بدليل ان "العاملين" فيها  من الارهابيين يتنقلون بكامل الحرية من محافظة الى محافظة ومن مدينة الى أخرى ومن حي الى حي "ولا من شاف ولا من دري" من وزارة الداخلية ومسؤوليها ووزارة الدفاع ومسؤوليها!
اقتراحي للجان التنسيقية للحملة الشعبية أن تعود أدراجها الى ديوان وزارة الداخلية فتتقدم بطلب ترخيص للقيام بعمليات ارهابية بديلاً عن طلب ترخيص التظاهرات المرفوض للتو من جديد!. أغلب الظن ان السادة في الوزارة سيوافقون، أو في الأقل لن يمانعوا كما هي الحال مع المُفخخين والمُفجرين الذين لا تعترضهم شرطة ولا يقف في وجوههم جيش!!
"المدى" – 22/10/2013

80
شناشيل
عناد المالكي الأجوف
عدنان حسين


لا أدري كيف يُمكن، ومَنْ يُمكنه، إقناع السيد نوري المالكي بأن عناده أمر مذموم ووخيم العواقب، وان المحمود أن يقلع فوراً دون إبطاء عن هذا العناد من أجل نفسه ومن أجل حزبه ومن أجل كتلته النيابية.. ومن أجل العراق وشعب العراق قبل كل شيء.
اصرار المالكي على عدم الاستماع الى الآخرين عناد، وإصراره على الاستماع فقط الى العصبة المحيطة به المُتخمة بالجهلة النفعيين عناد.. وعناد أيضاً اصراره على التمسك بالقادة الأمنيين الذين اختارهم بنفسه واثبتوا للمرة الألف على التوالي انهم فاشلون تمام الفشل.
العناد الأجوف الذي لا مبرر له ولا طائل فيه  ولا جدوى منه صفة ذميمة وسلوك غير سوي، وهو علامة على جهل، أو على تكبّر، أو على مكابرة، او على سوء تقدير للأمور، أو على عدم التحلي بروح المسؤولية، أو علامة على هذا كله مجتمعاً. الحكيم لا يُعاند، فالمعاند مُقفل العقل، والحكيم يكون حكيماً لأنه لا يقفل عقله.. انه يفتحه على خيارات عدة، فاذا ما أدرك ان الطريق الى أحد الخيارات غير سالكة سار على غيرها، فإنْ تعثّر مسيره على هذه اقتحم أخرى. المهم أن يُحقق هدفه النبيل بالعقل والحكمة، فما من هدف نبيل يتحقق بالجهل أو التكبر أو المكابرة أو سوء التقدير للأمور أو عدم التحلي بالمسؤولية، ولا بهذا كله بالطبع.
الآن بالذات يتعيّن على السيد المالكي أن يكفّ عن عناده. يجب أن يُدرك انه وحكومته ومن يعتمد عليهم في إدارة ملفات الدولة، وبخاصة الملف الأمني، فاشلون تماماً.. الآن بالذات، لأن الفواجع صارت جماعية ويومية.. يومياً يسقط  ما بين العشرات والمئات من العراقيين قتلى العمليات الإرهابية التي تعجز حكومة المالكي وأجهزته الأمنية عجزاً لا نظير له في مواجهتها، ويُصاب المئات غيرهم وتتدمر أملاك عامة وخاصة بملايين الدولارات .. كل الخطط الأمنية المعلن عنها، اذا كانت هناك بالفعل خطط، ثبت انها فاشلة، وكل التكتيكات المتّبعة فاشلة، فالارهاب يتقدم باطّراد والأمن يتراجع باستمرار، وليس لهذا سوى معنى واحد هو ان القيادة الامنية في البلد غير آهلة وغير كفئة، وقد تكون غير وطنية أيضاً، وصار من اللازم والواجب والمُحتّم تغييرها حفظاً لأرواح الناس ودمائهم وأملاكهم، ومن أجل مواجهة الارهاب وكسر شوكته ومكافحة الفساد المالي والاداري، أهم حواضن الإرهاب.
لا مناص من تغيير القيادات الأمنية الحالية في سبيل تحقيق الاستقرار وانطلاق عملية اعادة الاعمار والتنمية.. فلا استقرار مع الارهاب ولا اعمار ولا تنمية  من دون استقرار. ومع قيادات أمنية فاشلة وخطط فاشلة وتكتيكات فاشلة لا ردع للارهاب ولا مكافحة للفساد.
يجب أن يُدرك السيد المالكي هذا فيتخلى عن عناده المتسبب بكل هذا الهلاك والدمار والخراب، ويجب ان يُدرك أيضاً انه يتحمل المسؤولية كاملة الآن وفي المستقبل عن العواقب الوخيمة لعناده.
"المدى" – 21/10/2013

81
شناشيل
برسم قيادة حزب الدعوة
عدنان حسين

لا أرغب في التعليق مطوّلاً على الفضيحة الجديدة التي فجّرها السيد نوري المالكي بحديثه عن "خوارق" ابنه السيد أحمد، والورطة الجديدة التي سعى اليها بنفسه بإهانته القوات العسكرية والأمنية إهانة سافرة (أليس هو القائد العام لهذه القوات المسلحة؟) باتهامه إياها بعصيان الأوامر، أو في الأقل العجز والتردد والتواكل عن إلقاء القبض عل مقاول "لص"!
لست أرغب في ذلك، فالعراقيون، نساء ورجالاً وشباباً وشيوخاً، كفّوا ووفّوا في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر البريد الإلكتروني وفي باصات النقل العام وسيارات التاكسي وفي المقاهي والمطاعم والمحافل الخاصة، حيث تحوّل السيد المالكي وابنه إلى مادة للتحليل والتشريح والهزل والسخرية والنقد والاستنكار والتنديد بإسهاب وعمق .. وامتدت الموجة وارتداداتها الى المحافل العامة ومحطات الإذاعة والتلفزيون.
أرغب فقط في أن أتمنى على قيادة حزب الدعوة الإسلامية تشكيل لجنة مصغرة، من شخصين أو ثلاثة، وتكليفها بالعودة الى أرشيف الحزب، وبخاصة صحفه وأدبياته الأخرى الصادرة في عهد صدام. مهمة هذه اللجنة أن تجرد ما نُشر في تلك الصحف والأدبيات عن ابني صدام، عدي وقصي، لتتعرف قيادة الدعوة على ما اذا كان حزبهم مع أم ضد إيكال صدام مهام أمنية وسواها الى ابنيه... ما اذا كان تكليف عدي برئاسة التجمع الثقافي ونقابة الصحفيين واللجنة الأولمبية العراقية وقصي برئاسة جهاز الأمن الخاص عملاً حميداً أم ذميماً من وجهة نظر الحزب وصحفه وأدبياته في ذلك الحين.
أرغب فقط في أن يقوم أحد من قيادة الحزب بعد ذلك بين الناس ليشرح لهم ما الفرق، من حيث الشكل والمضمون، بين ما قام به صدام حسين في الماضي وما يقوم به زعيم حزب الدعوة الآن على هذا الصعيد، وما الفرق، من حيث الشكل والمضمون أيضاً، بين دور كل من عدي وقصي صدام حسين في الماضي ودور أحمد نوري المالكي في الوقت الراهن.
هذا ما أرغب فيه الآن. وأرغب معه في استئناف متابعة هذه الموجة الشجاعة العارمة من التحليل والتشريح والهزل والسخرية والنقد والاستنكار والتنديد التي يواصلها العراقيون، في الحياة العامة وعبر الشبكة الدولية، بشأن حديث السيد المالكي الأب عن "خوارق" السيد المالكي الابن .. عسى ان تتابع قيادة الدعوة هي الأخرى ما أتابع.



82
المنبر الحر / الى الجاهلية درْ!
« في: 15:44 13/10/2013  »
شناشيل
الى الجاهلية درْ!

عدنان حسين

بيننا وبين الخراب التام الشامل شعرة، ليست كشعرة معاوية التي لا تنقطع، وإنما هي رفيعة ورقيقة للغاية قابلة للقطع في كل ظرف وحال. والخراب التام الشامل في أي دولة أو مجتمع إنما يكون بانهيار نظامه التعليمي، وبالذات نظام التعليم العالي، فمن دون تعليم عال نمشي القهقرى إلى عهود الكتاتيب وملاليها، فلا تعود لدينا كوادر متقدمة متخصصة ولا حتى كوادر وسطى، أي ان النظام التعليمي سينهار وينهار معه النظام الصحي والنظام الحقوقي والنظام الاقتصادي والنظام المالي.. والنظام الأخلاقي أيضاً.
التعليم العالي الآن في أسوأ حال يُمكن تخيلها، وهذا راجع في الأساس الى حقبة الدكتاتورية وحروبها الداخلية والخارجية. وكان من المفترض أن تعود الامور الى نصابها في هذا القطاع بعد الخلاص من الدكتاتورية، فيعود الالتزام بالقواعد الاكاديمية ويُعاد الآلاف من خيرة العقول التي هاجرت رغماً عنها لتساهم في اعادة بناء ما تخرّب في السابق.. لكنّ ما يجري الآن أسوأ بكثير مما كان يجري في عهد صدام.
بدأ انهيار نظام التعليم العالي بتسييس هذا القطاع، فحزب البعث أغلق بعض الكليات على أعضائه ومؤيديه، بمن فيهم عناصر الأمن والمخابرات، وفرض قبولهم فيها استثناءً من الشروط الأكاديمية المطبّقة في جامعات العالم والتي ظلت محترمة في جامعاتنا في مختلف العهود السابقة. والأسوأ ان خرق القواعد الأكاديمية في القبول شمل الدراسات العليا، وهو ما نجم عنه تخريج وجبات من المدرسين الجامعيين غير المؤهلين حتى للتدريس في المدارس الابتدائية والثانوية.
الآن يجري الشيء نفسه في جامعاتنا قاطبة الحكومية والأهلية، فالأحزاب النافذة في السلطة تفرض عناصرها فرضاً ليس فقط في الدراسات الأولية (البكالوريوس) وإنما في الدراسات العليا أيضاً، اذ تتسلم رئاسات الجامعات وعمادات الكليات من دون انقطاع تعليمات واستثناءات تُلزم بقبول طلبة في الدراسات العليا خارج كل القواعد والشروط الاكاديمية، بل يجري الإلزام بقبول طلبة فشلوا ورُقّنت قيودهم مرتين وثلاثاً.
يجري الآن ضخ المئات من الفاشلين مراراً وتكراراً، ومن كبار السن، ومن المتردية مستوياتهم التعليمية، في الدراسات العليا، باستثناءات لا عدّ لها ولا حصر، من جهات لا عدّ لها ولا حصر هي الأخرى بينها رئاسة الوزراء. هذا يعني اننا نُعيد في هذا القطاع أيضاً انتاج ما ورثناه من نظام صدام .. وهذا يعني ان دولتنا الراهنة بأحزابها النافذة، وهي اسلامية، تعود بنا عن سابق تصميم وإصرار الى عهود الجاهلية.
تخيّلوا ما ستكون عليه حال التعليم العالي بعد ثلاث سنوات وأربع وعشر، عندما يُمنح هؤلاء شهادات الدكتوراه ويُناط بهم تدريس الجيل الجديد من طلبة الجامعات، وليس مستبعداً ان تعهد اليهم رئاسات الاقسام الجامعية بوصفهم الموصى والموثوق بهم من قيادة الحزب الحاكم والدولة، على غرار ما كان يحدث في عهد صدام .. تخيّلوا أي جاهلية سنكون فيها!


83
شناشيل
زعل العصفورعلى بيدر الدخن!
عدنان حسين
أظن - وأتمنى أن أكون مخطئاً- ان الذين أخذتهم سورة الغضب من كبار المسؤولين في الدولة لقرار نقل "خليجي 22" من البصرة الى جدة، انما كانت دوافعهم شخصية أكثر منها وطنية. ففي ظني الذي يحتمل الخطأ ان الدوافع الوطنية كانت تقضي بان نبادر بانفسنا لطلب التأجيل قبل أن يكون ذلك قراراً من الآخرين، فنحفظ كرامتنا وكرامة وطننا.
قرار النقل كان لسبب أمني وآخر يتعلق بعدم جاهزية المدينة الرياضية التي كانت ستحتضن المباريات الخليجية. وعدم الجاهزية يرجع على نحو خاص الى الفساد المالي والاداري الذي تحدثنا عنه نحن العراقيين قبل غيرنا.
أما الجانب الأمني فهذه حقيقة لا ينبغي أن نهرب منها .. الأمن في البلاد اليوم أسوا مما كان قبل سنة، وقبل سنة كان أسوأ مما قبل ذلك بسنة .. أي ان أمننا يمضي من سيء الى أسوأ. وهذه الحقيقة دفعت وزراء النقل العرب منذ أيام الى اتخاذ قرار بتأجيل عقد اجتماعهم المقرر في بغداد ونقله الى عاصمة عربية، وقد جرى هذا بهدوء من دون أن يصرخ حد منا بان وراء القرار دافع سياسي.
وضعنا الامني لا يساعد على عقد اجتماعات اقليمية ودولية كبيرة على مستويات عليا، ولا على تنظيم مباريات رياضية دولية كـ"خليجي 22"، مثلما يحول دون مجيء السواح الى بلادنا ولو ببضعة آلاف مع ان لدينا مواقع أثرية تهفو اليها قلوب ونفوس ملايين الناس في مختلف انحاء العالم.
لماذا لا نزعل لأن السواح لا يأتون الينا؟
يجب أن نزعل من أنفسنا وعلى انفسنا لأننا نفشل فشلاً ذريعاً في توفير الأمن والسلامة والاستقرار لأنفسنا قبل أن نوفرها للآخرين. نحن مسترخصون أرواحنا.. لماذا نريد للآخرين أن يفرطوا بارواحهم معنا أو أن يعيشوا مع الرعب الذي لم نزل قاصرين عن دفعه عن أنفسنا؟
ما الذي سنجنيه من مقاطعتنا "خليجي 22" في جدة؟ .. لا شيء بالطبع فحالنا ستكون شبيهة بحال عصفور المثل الشعبي الذي يزعل على بيدر الدخن.
اذا كان ثمة قرار سياسي وراء نقل مباريات كرة القدم الخليجية من بصرتنا الى جدة السعودية، فلما لم نردّ عليه بقرار مهني يجعل من فريقنا الوطني مؤهلاً لعرض كامل مهاراته في جدة؟ .. انه قد يعود الينا بكأس الخليج، وهذه نتيجة ربما كانت أكثر أهمية من عقد الدورة في البصرة.
أظن ان الذين كانوا الأكثر غضباً حيال القرار الخليجي هم الأكثر طمعاً في تحقيق مصالح شخصية وحزبية من وراء عقد "خليجي22" في البصرة بأي ثمن وفي أي حال.. انني أعني بالذات الفاسدين الذين أعاقوا تأهيل مدينة البصرة الرياضية ويمنعون عودة الامن والسلامة والاستقرار الى البلاد.
بنقلهم "خليجي 22" من البصرة، وفّر علينا الخليجيون فضيحة كبرى، فليست البصرة اليوم سوى مزبلة كبيرة .. والذين تباكوا انما لأنهم غير معنيين بحال البصرة .. حساباتهم كانت منصبّة على عدد الملايين من الدولارات التي كانوا سيكسبونها من الدورة.



 


84
المنبر الحر / قانون لردع السفهاء
« في: 00:00 11/10/2013  »
شناشيل
قانون لردع السفهاء
عدنان حسين

هذا الذي فعله السيد مقتدى الصدر كان يتعيّن أن تسبقه اليه الحكومة، لأنها المسؤول أولاً وأخيراً عن ضمان عدم وقوع تعديات على مواطنيها، مادية كانت أو معنوية، وما حدث أخيراً في بغداد (الأعظمية وغيرها) واعتذر عنه الصدر وتبرأ منه، كان تعدياً سافراً على مشاعر العراقيين جميعاً وغيرهم، فما من مسلم أو غير مسلم أو حتى ملحد يقبل بشتم صحابة النبي محمد على رؤوس الأشهاد. وليس مسوّغاً أيضاً فعل ذلك حتى في السر.
السيد مقتدى الصدر فعل خيراً بالمبادرة الى ما توجب على الحكومة أن تفعله.. بل كان على الحكومة أن تحرّك قواتها وتأمرها باعتقال الذين سبّوا صحابة النبي بنفس الحماسة التي عادة ما تحرّك بها هذه القوات وتأمرها بقمع المتظاهرين السلميين المُطالبين بحقوقهم الدستورية والمحتجين على فساد مسؤولي الدولة.
وما حدث في بغداد أن جماعة سفيهة ممن يفترض انهم من زوار الإمامين الكاظم والجواد، رفعوا عقيرتهم بسبّ صحابة النبي محمد وخلفائه، أثناء سيرهم نحو الكاظمية، وهو ما وصفه الصدر بـ"السابقة الخطيرة" لـ"سذّج وأصحاب عقول ناقصة" و"ليسوا شيعة ولا يمتّون للشيعة بصلة، وهم بعيدون كل البعد عن أمير المؤمنين علي (ع)"، محذراً من تداعيات غير حميدة لما أقدموا عليه.
قوات الحكومة كانت في تلك الأيام تنتشر بكثافة في الشوارع والمناطق التي قطعها الزائرون نحو الكاظمية. ولو كانت هذه القوات مُدرَّبة ومُوجَّهة جيداً للتصدي الفوري لمثل هذه الحالات التي تسعى لإثارة الفتنة الطائفية، ما كان لأولئك السفهاء أن يواصلوا سفاهاتهم. فنحن نعرف أن هذه القوات قادرة تماماً على التدخل العاجل متى ما أرادت وحالما تلقت الأوامر بذلك "من فوق". وهذا ما تثبته التجارب مع التظاهرات، فلم تكن القوات الأمنية وبخاصة قوات "سوات"، تتوانى عن قمع المتظاهرين السلميين بوحشية غير مبرَّرة .. فما الذي أعاقها عن ردع السفهاء أثناء سبّهم صحابة النبي محمد؟
الى ذلك فان أولئك السفهاء لم يتحركوا من تلقاء أنفسهم .. انهم في الواقع معبأون من ملالي شيعة من الدرجة الثالثة والرابعة والعاشرة، وعناصر مليشيات طائفية .. هؤلاء جميعاً لا يترددون عن شتم صحابة النبي في مجالسهم الخاصة وحتى في بعض مجالسهم العامة في أطراف المدن وفي القرى. ومن واجب الحكومة والمؤسسة الدينية الشيعية تقصّي هذه المسألة لردع السفهاء من الملالي فضلاً عن عامة السفهاء لوضع حد لهذه الظاهرة.
ينبغي تشريع قانون يردع السفهاء، حتى لو كانوا ملالي، ويُلزم قوات الأمن بواجب تنفيذ هذا القانون.


85
شناشيل
نائب.. ولا يعرف بالدستور!
عدنان حسين

بدا النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد الصيهود، وهو يدلي أمس بتصريح صحفي، واثقاً تماماً من انه يتحدث عما يعرف معرفة واسعة وعميقة، وانه مطلع تمام الاطلاع على الدستور ومواده الاثنتين وأربعين، والحال ان تصريحه يكشف عن جهل مطبق بمباديء الدستور وأحكامه.
السيد الصيهود أعلن انه وائتلافه يرفضان "رفضاً قاطعاً" ماطرحته كتلة التحالف الكردستاني خلال الاجتماعات الخاصة بتشريع قانون جديد لانتخابات مجلس النواب، بشأن نظام الدائرة الانتخابية الواحدة وتوزيع المقاعد التعويضية .. والسبب؟ مخالفة الدستو، بحسب ما زعم النائب.
النائب الصيهود قال إن "اعتماد الدائرة الانتخابية الواحدة مطلب من كتلة التحالف الكردستاني نحن نرفضه رفضاً قاطعاً كونه مخالفاً للدستور"، مشيراً الى ان "الدستور حدد لكل نائب 100 ألف صوت وهذا لن يتحقق في ظل الدائرة الواحدة"، وأضاف أن "توزيع المقاعد التعويضية الذي طالب به الكرد على أساس عدد الاصوات هو مرفوض أيضاً كونه مخالفاً للدستور، فلن يحقق التوازن في توزيع المقاعد".(شفق نيوز).
هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فالدستور الذي يُفترض بنائب الشعب أن يكون الأكثر دراية والتزاماً بمبادئه وأحكامه، لم يُشر الى ما اذا يتعين أن تجري الانتخابات وفقاً لنظام الدائرة الواحدة التي تشمل البلاد كلها أو الـ 18 دائرة، بعدد المحافظات، أو ب325 أو 340 دائرة، بعدد أعضاء مجلس النواب الحالي أو اللاحق، فما قالته المادة 49 من الدستور هو: "أولاً :ـ يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله،  يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه". ونظام الدائرة الواحدة مطبق في دول عدة، بينها العراق في الدورة الانتخابية الاولى، مثلما مطبق نظام الدوائر المتعددة في دول أخرى، فمن أين لحضرة النائب هذا اليقين بمخالفة نظام الدائرة الواحدة للدستور؟
اما توزيع المقاعد التعويضية فلا يوجد حرف واحد في الدستور المكتوب بـ 1320    كلمة و6668 حرفاً يخصّ هذا الأمر. بل ان مبدأ المقاعد التعويضية يخالف مخالفة صريحة حكم المادة الثانية من الدستور القائلة " ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية"، ومن شأن نظام المقاعد التعويضية منح مقاعد في البرلمان لمرشحين لم يحصلوا على العدد الكافي من أصوات المقترعين وحرمان آخرين حصلوا على عدد أكبر من الاصوات .. هذا يتعارض بالتأكيد تعارضاً صريحاً مع مباديء الديمقراطية. كما ان مبدأ المقاعد التعويضية يخالف مخالفة صريحة ايضا حكم المادة 49 التي نصت صراحة على ان أعضاء مجلس النواب "يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر"، والمقاعد التعويضية سيشغلها "نواب" فاشلون مختارون من زعماء كتلهم واحزابهم لشغل مقاعد غيرهم.
لماذا يرفض النائب الصيهود وائتلافه "رفضاً قاطعاً" ما طرحته كتلة التحالف الكردستاني؟ هو أجاب بنفسه عن السؤال بالقول "نحن مع قرار مجلس النواب القاضي باعتماد قانون انتخابات عام 2010 بعد تعديل الفقرة المنقوضة من المحكمة الاتحادية في حال لم يحصل توافق على مقترح القانون الجديد".
للعلم، فان مجلس النواب لم يقرر اعتماد قانون انتخابات 2010، وانما هناك اقتراح مطروح بالعودة الى ذلك القانون بعد تعديله بما يتوافق مع حكم المحكمة الاتحادية التي قضت بان النظام الانتخابي الذي أعتمد في انتخابات 2010 مخالف لاحكام الدستور، وثمة اقتراحات أخرى بينها المُقدمة من الكتلة الكردستانية.
ائتلاف دولة القانون يعارض اقتراحات الكتلة الكردستانية وغيرها، لأنه يريد العودة الى القانون القديم الذي يسمح له بسرقة أصوات مئات الآف الناخبين، كما حصل في انتخابات 2010 وقبلها.


86
شناشيل
هوامير الخليج وهواميرنا
عدنان حسين

الهامور سمكة تعيش في الخليج العربي والبحر الأحمر. ومما يعرف عنها أنها شرهة للغاية، يمكن أن تأكل يومياً ما يزيد عن نصف وزنها الذي يصل حتى إلى 50 كيلوغراماً، وهذا ما جعل الإعلام وعموم الناس في الخليج يكنّون الشركات الكبرى الاحتكارية ورجال المال والأعمال الكبار بـ"الهوامير".
نحن جزئياً بلد خليجي، لذا لم يحظ سمك الهامور ذو الطعم اللذيذ والمفيد صحياً بالمعرفة والشعبية سوى في البصرة، لكن الله "عوّضنا" في ما يبدو بهوامير الفساد المالي والإداري الذين "يلعبون لعب" بالمليارات المُقتطعة من موازنات مشاريع الكهرباء والماء والصحة والمجاري والتعليم والنظافة والصناعة والزراعة والري والثقافة، مثلما "عوّضنا" بهوامير السياسة والسلطة، شركاء هوامير الفساد وحُماتهم، والذين لا حدود لشراهتهم، فهم لا يقنعون بالمواقع المتنفذة في الحكومة والبرلمان والسطوة على القضاء، وانما يريدون الاستحواذ على الجمل وما حمل.
بحجة الخلافات القائمة على التعديلات المقترحة لقانون الانتخابات البرلمانية، اقترح أحد الهوامير، هو ائتلاف دولة القانون، العودة الى القانون السابق الذي جرت وفقاً له انتخابات 2010، أي الى القانون المخالف لمبادئ واحكام الدستور، كما بيّن حكم المحكمة الاتحادية بعد الانتخابات.. الهامور الدولة قانوني لا يجد غضاضة في العودة الى قانون مخالف للدستور، ولا غرابة في هذا فحكومة دولة القانون تخرق الدستور جهاراً نهاراً كل يوم تقريباً، وهي لا تهتم الا بالتجديد لنفسها ولرئيسها على رأس الدولة، فهوامير السياسة والسلطة والفساد المالي والاداري لا تكفيها ثماني سنوات في الحكم ولا عشرات مليارات الدولارات المنهوبة.
قانون انتخابات 2010 سقط بكليته اثر حكم المحكمة الاتحادية وتعديله في انتخابات مجالس المحافظات، والمفروض أن يُسنّ الآن قانون انتخابي جديد يتجاوز تماماً قانون 2010 بكل مساوئه، ويتقدم على قانون انتخابات المحافظات.
ائتلاف دولة القانون مُني بخسارة موجعة في انتخابات المحافظات الأخيرة، وهروباً الى الامام قال ان اعتماد نظام سانت ليغو يقف وراء هذه الخسارة، متغافلاً عن فشل حكومته على مدى السنوات الثلاث الماضية.
بوصفه الهيئة التي تمثل الشعب على رأس الدولة، من المفروض أن يشرّع مجلس النواب قانوناً يضمن لأكبر عدد من الناخبين المشاركة في العملية الانتخابية ترسيخاً للتجربة الديمقراطية الجديدة، فبين انتخابات 2010 وانتخابات المحافظات هذا العام تراجع كثيراً إقبال الناس على صناديق الاقتراع وبخاصة في العاصمة بغداد التي بلغت فيها نسبة المقاطعة 70 في المئة.. ليس لهذا سوى معنى واحد هو تراجع الثقة بالعملية الانتخابية وبالعملية السياسية برمتها، والسبب أن السنوات الماضية أظهرت ان هوامير السياسة والفساد والمال والاعمال لدينا لا حدود لشراهتهم، وان الشعب أصبح في وضع يستطيع ان يقول: لا، لهؤلاء الهوامير.
القانون الذي يتطلع اليه الشعب هو الذي يجعل من البلاد دائرة انتخابية واحدة مثلاً، ويمنع أي تلاعب في إرادة الناخبين من قبيل المقاعد التعويضية وسواها مما يصح فيها القول: وهب ما لا يملك لمن لا يستحق، فالمالك هو الشعب وليس زعماء الكتل والائتلافات، ومن يستحق هو الذي يصوت له الناخبون بالأكثرية.
بعض الهوامير الكبيرة قد يغريه اقتراح دولة القانون بالعودة إلى القانون المحكوم بمخالفة الدستور. واذا ما تحقق لدولة القانون وسائر الهوامير ما تريد، أو جرى تشريع قانون الانتخابات بصيغة أسوأ من صيغة قانون انتخابات المحافظات فان الناخبين سيقولون مرة أخرى: لا.. لكنها ستكون أكبر وأقوى هذه المرة.. تأكدوا.


87
شناشيل
من رصيد الحكومة إلى رصيدنا
عدنان حسين


برغم كل شيء، تقدّم لنا الحكومة وقواتها المسلحة خدمة كبيرة، بإظهار كل هذا الضيق في التظاهرات السلمية وكل هذا العداء للمتظاهرين السلميين في بغداد خصوصاً.
الحكومة وقواتها المسلحة انما تسهّل علينا بهذا الموقف من التظاهرات والمتظاهرين أمر مواصلة انتقادها ومعارضة سياساتها، وتبرّر لنا هذا الانتقاد وهذه المعارضة. فهي تقدّم الدليل على أننا على حق في ما ننتقد ونعارض، وتفشل في المقابل في تقديم ما يثبت دعواها، أو يسوّغ مخاوفها، من ان التظاهرات غير سلمية وان المتظاهرين تحركهم أجندات داخلية أو خارجية.
الذين تابعوا مشاهد المعاملة السيئة غير المبررة بالمطلق من قبل قوات (سوات) لمتظاهري بغداد يوم السبت ازدادوا نقمة على الحكومة ورئيسها وكبار مسؤوليها المعنيين بشؤون الأمن، فلم يكن هناك أدنى سبب لمنع التظاهرات وللقسوة حيال من أراد أن يتظاهر في ساحة التحرير أو ساحة الفردوس أو ساحة الأندلس. لم يحدث أبداً هذه المرة أيضاً، في بغداد وفي غيرها، أن أساء متظاهر التصرف حيال القوات الأمنية أو خرج على القانون.
في المرة السابقة (31 آب) برّر رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة منع التظاهرات وتشديد الاجراءات الأمنية باحتمال توجيه ضربة عسكرية الى سوريا.
أجزم ان رئيس الحكومة لم يكن صادقاً، فالموقف العدائي تجاه التظاهرات يمتد تاريخه الى ما قبل اندلاع الأحداث في سوريا، وتواصل الى يوم السبت الماضي حيث تراجع كثيراً احتمال الضربة المفترضة لسوريا. ومما يلاحظ ان بعض القوات الامنية وضباطها وعناصرها بدأوا يدركون هذا جيداً، فهم يحرصون دائماً على ابلاغ المتظاهرين بانهم مرغمون على ما يفعلون، وانهم يتفهمّون دواعي التظاهر، ولكن "ما في اليد حيلة"، فالأوامر الصادرة "من فوق" غير قابلة للنقاش والعصيان.
حقيقة الأمر ان الحكومة لا تُطيق فكرة حرية التعبير ولا تريد ممارستها. هذا ما تشهد به مشاريع القوانين التي تقدمت بها الحكومة الى مجلس النواب خلال السنتين الأخيرتين.. كلها قاطبة ترفع أكبر الهراوات في وجه وسائل التعبير عن الرأي بأنواعها وأشكالها المختلفة. قانون حقوق الصحفيين كان في غاية السوء، ومشروع قانون حرية التنظيم والتعبير سيئ جداً هو الآخر، ومشروع قانون جرائم المعلوماتية أشد سوءاً ولا نظير له ابداً. وبينما اضطر مجلس النواب الى ردّ المشروعين الأخيرين فانه ارتكب خطأ جسيماً بتمريره القانون الأول الذي يظهر كل يوم تقريباً الدليل على سوئه. فمنذ تشريع قانون حقوق الصحفيين حتى اليوم ارتفع عالياً معدل الاعتداء على الصحفيين والمؤسسات الاعلامية، فيما لم يتراجع معدل قتل الصحفيين.
شكراً للحكومة عن موقفها حيال التظاهرات السلمية والمتظاهرين السلميين، فهو يأكل من رصيدها، وفي المقابل يضيف إلى رصيدنا الانتقادي لها.



88
المنبر الحر / يا أهل البصرة!
« في: 17:00 06/10/2013  »
شناشيل
يا أهل البصرة!
عدنان حسين

الى ما قبل يومين فقط كنت أظن ان بغداد، حيث أقيم وأعمل، هي الأولى قاطبة بين مدن البلاد، تليها الحلة حيث يتوطن الأهل من والدين وأخوات وأخوة ، لكنني وجدت الآن من تنافسهما، بل تبزّهما بامتياز.
المدينة هي البصرة. أما قصب سبقها ففي الوساخة والقذارة والعفونة وتردي مستوى الخدمات العامة .. عفواً أهل البصرة، فاني أعرف روعتكم ونظافتكم وأناقتكم وسماحتكم وكرمكم وهمّتكم، منذ أن زاملني في الجامعة بعضكم، ومنذ أن اتخذت من مدينتكم ممراً لي ومستقراً لبعض ليال وأيام عندما كنت أعبر الى الكويت ومنها في مطلع سبعينات القرن الماضي، حتى انني اخترت بصرتكم التي كانت جنة لأتزوج وأتعسل فيها .. معذرة فالقصد مدينتكم بشوارعها وساحاتها ودرابينها وأنهرها المهملة.... وجدتها مزبلة كبرى .. بغداد كذلك والحلة أيضاً، لكن البصرة التي زرتها منذ يومين كانت أكثر وساخة وأكثف قذارة .. اني لأعجب كيف تطيقون الحياة وسط أكوام النفايات، وأعجب كيف تتنفسون هذا الهواء المشبع بالروائح الكريهة عند الأنهار.
أتذكر ان الكورنيش كان من أروع الكورنيشات في العالم .. الأنهر كانت صافية الماء.. يلعب السمك فيها تحت الأنظار. أين غابة النخل التي غرقت فيها البصرة لقرون ولم تكن تشبهها إلا الغابات المطرية الاستوائية؟ .. هذه بالتأكيد ليست البصرة .. أقصد البصرة التي عبرتها مراراً وكانت تغريني بتمضية يوم وليلة في الأقل وانا في الطريق الى الكويت أو منها، ثم وانا أمضي شهر العسل.
صديق بصري قال ان المحافظة تحت تصرفها ثلاثة مليارات دولار لا تعرف ماذا تفعل بها.. نصف الواحد من هذه المليارات كفيل بالتأكيد بجعل البصرة من جديد جنَّة.
أهذه هي العاصمة الاقتصادية التي يريدون؟ أجادّون هم أم يسخرون من البصرة وأهلها ويريدون أن يجعلوا منها "مضحكة" المدن ومسخرة بين الأمم؟
العاصمة الاقتصادية تعني مقرات للشركات العملاقة وفروعاً للمصارف العالمية ومساكن لرجال المال والأعمال الذين يلعبون بالمليارات كما يعلب مرتاد مقهى بأحجار مسبحته. هل فكروا كيف لواحد من هؤلاء أن يحزم حقائبه من دبي أو المنامة أو الاسكندرية أو بيروت أو ليماسول أو أثينا أو اسطنبول أو فينيسيا أو جنوة أو مونت كارلو أو مومبي، بالسحر الخاص بكل واحدة منها وبالخدمات المذهلة في كل واحدة منها ليجاور القاذورات التي تطفح بها شوارع البصرة ودرابينها؟
يا أهل البصرة، هل تعرفون كم مليون طن من النفط تنتج محافظتكم كل عام؟ هل أبلغوكم بكم مليون طن من النفط يمر بمحافظتكم من المحافظات الاخرى مُصدّراً الى أنحاء المعمورة عبر البحار؟ أتعرفون كم ملياراً من الدولارات حصتكم من هذا النفط؟ من أين لكم هذه القسوة على أنفسكم لتكظموا الغيظ؟ ومن أين لكم هذه القدرة على التحمل لتلزموا الصمت؟ ومن أين لكم هذا الجَلَد العظيم لتقبلوا بالعيش في مدينة جعل منها حكامنا الإسلاميون مزبلة .. مجرد مزبلة؟
اعذروني أيها الاحبة ..لم أجد بصرتكم، بصرتنا، التي أعرف .. مدينتكم أي شيء إلا البصرة.

89
المنبر الحر / قضية آنيا ليوسكا!
« في: 14:09 03/10/2013  »
شناشيل
قضية آنيا ليوسكا!
عدنان حسين

هل تعرفون آنيا ليوسكا؟
لمن لا يعرفها، هي صبيَّة بولنديّة وممثلة مبتدئة، عمرها 21 سنة ، ومع ذلك انشغلت بها دولتنا، برلماناً وحكومة، ودخل على خطها نواب ومسؤولون كبار .. لماذا؟
هذه الصبية ليست سوى عاهرة كما تفيد المعلومات عنها، وهي مريضة أو مجنونة ولا شك، إذ تسعى لتسجيل اسمها في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، بمضاجعة 100 الف شخص في دول مختلفة من العالم، وقد بدأت جولة عبر الكرة الأرضية لتحقيق هذا الهدف.
ما من امرأة سويّة تفكر بهذه الطريقة.
مسؤولو دولتنا الذين أشرت اليهم شغلوا انفسهم بموضوع هذه الصبية المريضة أو المجنونة أياماً عدة بلياليها، فبعضهم حذّر بأقوى العبارات وزارة الخارجية من مغبَّة منحها سمة دخول تسمح لها بزيارة البلاد. وبعض النواب زعم أنها اجتازت الحدود وشرعت بـ "شُغلها"، فاطلقوا السنتهم بالسّباب والتهديد والوعيد لمن تواطأ معها وسهل لها تدنيس أرض العراق. ولم يتورع بعض أصحاب اللحى والعمائم من إلقاء الخطب الشبيهة بالخطب المحرضة على العنف والطائفية. وبالطبع فان في البلاد آلافاً من أمثال آنيا ليوسكا من عراقيات وسوريات وإيرانيات ومن جنسيات أخرى، يقمن بالعمل نفسه الذي تؤديه الصبيَّة البولنديّة المريضة أو المجنونة، ولا أحد من هؤلاء يرفع عقيرته بالتنديد أو الاعتراض.
حتى وزارة الخارجية "زغّرت" عقلها لتجعله بحجم عقول النواب والنائبات، وهي عقول لا يزيد حجمها عن حجم رأس الدبوس، فالوزارة نفت وكررت النفي أن تكون سفارتنا في القاهرة أو في أي مكان آخر قد منحت هذه الصبية المريضة سمة الدخول أو أنها ستمنحها إياها.
وبعد كل هذه "الهمروجة" يتبين ان كل ما نُشر عن هذه الصبية المريضة أو المجنونة لجهة دخولها الى العراق وبدئها بـ "ماراثونها" الجنسي لم يكن له أي أساس من الصحة، فالقصة مُختلقة، أنتجتها مخيلة شخص مريض هو الآخر أراد أن يتسلى بدولتنا وبنا، وأن يصرف أنظارنا جميعاً عما نواجهه من مخاطر أمنية مهلكة وما نكابده من صعوبات حياتية لا عدّ لها ولا حصر.
ألم يكن أنفع لنا جميعاً لو أن النواب والمسؤولين الذين وضعوا هذه الحكاية المُلفَّقة والقضية التافهة على رأس أولوياتهم واهتماماتهم وبددوا في سبيلها الوقت والجهد، قد أنفقوا هذا الوقت والجهد على قضايا جدية وجوهرية تمس حياة الناس وحاجاتهم؟
ثمة طالب جامعي تحدث الى صحيفة "إيلاف" الالكترونية عن قضية آنيا ليوسكا قائلاً "إنها اشرف من الذين يسفكون دماء الأبرياء باسم الجهاد، ويسرقون قوت الناس باسم الدين، ويتاجرون بالوطنية".
كلام هذا الطالب الشاب يعكس في الواقع الحنق على مسؤولي دولتنا الذين ينصرفون الى السفاسف ويهملون واجباتهم تجاه الشعب، بقدر ما يعبّر عن الغضب على الإرهابيين ومموليهم وحواضنهم الذين يسممون حياتنا على مدار الساعة.


90
المنبر الحر / الصور لا تجلب الحب
« في: 23:18 02/10/2013  »
شناشيل
الصور لا تجلب الحب
عدنان حسين

إذا ما ثبت الذي نُشر أمس وأفاد بأن الإرهابيين الذين حاولوا اقتحام مقر "أسايش" في اربيل يوم الاحد ألصقوا على سياراتهم صوراً لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني ووالده الزعيم التاريخي مصطفى بارزاني وأعلام الإقليم والحزب الديمقراطي الكردستاني، للتمويه وتسهيل وصولهم إلى هدفهم غداة الانتخابات وإعلان نتائجها الأولية في الأيام الأخيرة، فأنني أتوقع قراراً من السيد بارزاني بمنع لصق صوره وصور والده على السيارات وفي الشوارع من الآن فصاعداً.
وحتى إذا كانت المعلومة غير صحيحة، ولن يصدر قرار كهذا فأنني أتمنى اتخاذه لتقليل إمكانية أن يحدث شيء من هذا القبيل في المستقبل، والأهم أن يكون قرار كهذا بداية لوقف هذا التقليد البائس الذي أوجده الدكتاتوريون، متوهمين أن في مقدورهم انتزاع الحب من ضحايا استبدادهم وهمجيتهم من خلال صورهم.
العراق كان من أكثر الدول التي عانت من هذا التقليد، ففي العهد السابق ظل صدام حسين ينشر صوره في المدن والأرياف بما يزيد عن عدد سكان العراق، وزاد على ذلك بتماثيل بحجم تماثيل آلهة الإغريق والرومان والفراعنة. وبالطبع فأن ذلك لم يُفد صدام في شيء عندما وقعت الواقعة وحلّت النهاية.
في عهدنا الجديد الذي أردناه نقيضاً لعهد صدام في كل شيء، وجدنا أنفسنا مُحاصرين من كل الجهات بطوفان من صور العديد من الـ"صدامات"، فالعشرات من السياسيين ورجال الدين وقادة الميليشيات دخلوا في مباريات ماراثونية لنشر صورهم على جدران المدن وعلى طول الطرق الخارجية والداخلية وفوق البيوت الريفية. وغالباً ما تتعرض هذه الصور للتمزق بفعل العوامل الجوية أو بفعل فاعلين متعمدين، وهو ما يضاعف من حجم وتأثير التلوث البصري الذي تسببه هذه الظاهرة الصادمة للعيون والذوق العام.
لا أعرف بالضبط ما إذا كان هؤلاء السياسيون ورجال الدين يدركون ان نشر صورهم بهذه الطريقة لا يجلب لهم حب الناس، بل العكس. ولا أعرف أيضاً إن كانوا قد رأوا بأنفسهم، أو نقل اليهم مقربون منهم ومريدين لهم، كيف تبدو أشكالهم منفّرة عندما تتمزق الصور وتتوسخ، ويتحول المشهد الى مناسبة للسخرية منهم.
سواء كانت المعلومات المنشورة أمس بشأن استعانة إرهابيي اربيل بالصور والاعلام صحيحة أو مفبركة، فأنني أتمنى على رئيس إقليم كردستان أن يستغل هذه المناسبة لمنع استخدام صوره بما يتسبب في ابتذالها والإساءة اليه شخصياً، لكيما نجعل من اربيل وسائر مدن الاقليم أنموذجاً للنظافة والترتيب والتنظيم والأناقة ولانعدام التلوث البصري، والأهم أن تصبح مقبرة للتقليد الدكتاتوري البغيض.
أعتقد أن السيد بارزاني يُدرك كم عدد الملايين من الكرد الذين يحبون زعيمهم التاريخي، مصطفى بارزاني، وكثير منهم من سكان القرى النائية في كردستان الكبرى ممن لم يروا في حياتهم صورة له.


91
شناشيل
تحية كبيرة للمالكي .. إذا صحّ كلامه
عدنان حسين
أشك في ان الأمر هو تماماً كما أعلن عنه رئيس الحكومة منذ ثلاثة أيام، إذ قد يكون السيد نوري المالكي قد تعرّض هذه المرة أيضاً لعملية تضليل من مساعديه  مثلما حدث في مرات سابقة.
السيد المالكي تحدّث يوم السبت في كلمته أمام المنتدى الثالث للجامعات العراقية العلمية الذي انعقد في بغداد، عن "المبادرة التعليمية" التي أطلقها في العام 2009، وتتضمن ابتعاث 10 الاف طالبة وطالب للدراسة في الجامعات العالمية الرصينة في مجال العلوم التطبيقية. ووصف المالكي المبادرة التعليمية بأنها "انموذج في التعامل مع العراقيين جميعاً دون تمييز، وكانت بمنتهى الشفافية والمهنية والانفتاح وبمشاركة 30% من الطالبات، ولم يذهب أي طالب عن طريق الرشوة أو المحسوبية أو عن طريق حزب سياسي".
هذا كلام جميل للغاية، ويستحق المالكي أن نصفق له ونصافحه بحرارة ونقبّل جبينه إن كان ما قاله صحيحاً ولو بنسبة 75 في المئة. اذا كان كلامه دقيقاً يعني ان لدينا القدرة والامكانية على أن نجعل امورنا الجارية الآن بالمقلوب وبالاتجاه المعاكس تمشي على السكة الصحيحة وتمضي على النحو السليم.
وراء الشك في صحة المعلومة التي أوردها رئيس الحكومة في كلمته، خوف من أن يكون المساعدون قد قدّموا له معلوات غير صحيحة تُشبه ما تلقّاه من معلومات بشأن محطات توليد الكهرباء، فهو بنفسه أعلن ان أحداً من المسؤولين والخبراء لم يُبلغه مسبقاً بان تلك المحطات تعمل بالغاز، وهي تقنية لم ندخل حقبتها بعد!
ووراء الشك ايضاً ان كل شيء تقريباً في دولتنا تحكمة قوانين المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية والمناطقية والعشائرية، وان عشرات الالاف من المواطنين لا يحصلون على ما يستحقون من فرص العمل والدراسة بسبب هذه السلسلة اللعينة من المحاصصات.
علمتُ منذ فترة قصيرة ان رئيس قسم في احدى الكليات، بتأييد ودعم من عميد الكلية، طلب من أحد الاساتذة في كليته أن " يُنجّح" طلبة الدراسات العليا التابعين له كلهم، وان هذا الاستاذ رفض ذلك باصرار، وقال انه حتى لو أراد أن يتهاون مع الطلبة المعنيين فان بعضهم لا يمكن "تنجيحه" بسبب عدم انتظامهم بالدوام وتردي مستواهم العلمي، فقيل له ان هؤلاء بالذات هم المعنيون قبل غيرهم بـ "التنجيح".
هذه قصة صغيرة جداً من قصص قطاع التعليم العالي في البلاد، وواحدة من الاف القصص المماثلة التي تحدث في كل القطاعات والوزارات ... فهل "المبادرة التعليمية" واحة في صحراء؟
اذا كان السيد المالكي نجح في جعلها كذلك فعلاً سنصفق له بحرارة ( من دون الهتاف الكريه والمعيب: بالروح والدم .. ، بالطبع) تقديراً لنجاح مؤزر انجزته حكومته وتشجيعاً للاقدام على مبادرات من هذا النوع، وأملاً في ان تتحول "المبادرة التعليمية" الى انموذج حقيقي كما وصفها في كلمته.


92
شناشيل
مفتشون عامون في حاجة الى تفتيش !
عدنان حسين
الاخبار الجيدة أو الطيبة شحيحة للغاية في بلادنا، وفي عاصمتنا بالذات، فثمة تحالف غير معلن بين الارهابيين ودولتنا، بحكومتها وبرلمانها وسلطتها القضائية، على تنكيد عيشنا وتعكير صفو حياتنا بألف صورة وصورة وألف طريقة وطريقة، من القتل اليومي بالمفخخات الى الابقاء على الحال المتردية للخدمات العامة، وبينهما الفقر والبطالة والتحريض الطائفي.
لكن، "لو خُليتْ قُلبتْ"، كما قيل. وأمس قرأنا خبراً في الزميلة "الصباح" من نوع الاخبار الجيدة أو السعيدة، فهو يعزز الأمل بحدوث تغيير ما ايجابي في حياتنا في المستقبل. الخبر يقول ان محافظة بغداد ألغت مكتب المفتش العام فيها وأحالت رئيسه السابق على هيئة النزاهة مع 15 من موظفيه "تستّر على فسادهم".
الخبر مأخوذ من فم محافظ بغداد الجديد علي محسن التميمي الذي صرح للمركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي بان المحافظة "أحالت المفتش العام للدورة السابقة على النزاهة استناداً الى تقارير لجان كشف المفسدين المشكّلة من قبلها والتي اشارت الى تستره على قضايا فساد مالي تخص 15 موظفا فيها".
وأكد  السيد التميمي ان المحافظة "قررت حلّ مكتب المفتش العام، منوهاً بانه ليس من صلاحيات الحكومات المحلية تشكيل مكاتب مفتشين عموميين كون لجان النزاهة فيها تضطلع بعمل كشف ملفات الفساد فضلاً عن انها ليست جهة مرتبطة بوزارة، عاداً وجود المكتب غير قانوني اصلاً".
في كل الوزارات والمحافظات والدوائر والمؤسسات تقريباً تسمع قصصاً عجيبة غريبة عن الفساد داخل مكاتب المفتشين العموميين. وذات مرة أخبرني وكيل احدى الوزارات بان مكتب المفتش العام في وزارته هو البؤرة والمستوطنة التي يعشعش فيها الفساد المالي والاداري، وهو يرى ان الغاء هذا المكتب أنفع للمال العام وأصلح لحمايته من عبث الموظفين العموميين به.
وثمة ما يشبه الاجماع في القصص المنقولة  من داخل مكاتب المفتشين العموميين على ان الكثير من هؤلاء شركاء للفاسدين الكبار في الوزارات والمحافظات والمؤسسات، يغطّون على فسادهم مقابل حصة من أموال الفساد، ويتشاركون معهم في تقديم أكباش فداء من صغار الموظفين الفاسدين وأحياناً من موظفين نزيهين تُلفّق في حقهم التهم جزاء لهم عن رفضهم الضلوع في فساد مدرائهم.
السؤال الآن : اذا كانت لدينا هيئة نزاهة - نفترض انها نزيهة ومهنية - ما الحاجة الى هذا الجيش الجرار من المفتشين العموميين والموظفين العاملين بامرتهم وبالامتيازات المالية الكثيرة الكبيرة التي يتمتعون بها؟ .. هل جرى تقييم موضوعي من جهة مستقلة لعمل مكاتب التفتيش العامة؟ هل حُسبت بدقة الارباح والخسائر من عملية التفتيش العمومي؟


93
شناشيل
ضحك حكومي على ذقون أعضاء البرلمان!
عدنان حسين
وأخيراً .... حضر ثلاثة من القادة الأمنيين فقط لا غير الى مجلس النواب .. رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة استنكف مرات عدة وقال للبرلمان وأعضاءه: اشربوا ماي البحر! وعلى خطاه مشى وزير الدفاع ووزير الداخلية الفعلي (عدنان الاسدي)، في "استخراد" متواصل لما يُفترض انها أعلى سلطة في البلاد  ويتعين على الجميع أن يحنوا هاماتهم ويطأطئوا رؤوسهم لها.
وكما رئيس الحكومة ووزيراه، أعطى قادة الاجهزة الامنية جميعاً الاذن "الطرشة" للبرلمان الذي هانت عليه نفسه الى درجة انه لم يعد يستطيع استدعاء شرطي يأتمر بامرة القائد العام للقوالت المسلحة.
على الدوام كانت الحجة لرفض المثول امام البرلمان ان هذا المحفل يحفل بالارهابيين وحاضني الارهاب، وانه ليس بالوسع كشف الاسرار الامنية أمامه خوفاً من أن تنتهي الى الارهابيين.( للعلم فقط فان الارهابيين يعرفون من الاسرار ما لا يعرفه القائد العام ووزراؤه وقادته الامنيون، والدليل ان الارهابيين يتمتعون بقدر من حرية الحركة والعمل أكبر مما لدى الحكومة وقواتها التي كثيراً ما تبدو عاجزة حتى عن حماية نفسها).
على أية حال فان ثلاثة قادة أمنيين "شرّفوا" الى مجلس النواب ببدلاتهم وتيجانهم ونجومهم، لكنهم وافقوا فقط على الجلوس مع أعضاء لجنة الامن والدفاع النيابية ولا أحد غيرهم، وفي غرفة جانبية وليس تحت قبة المجلس!
 ماذا قال هؤلاء القادة لا فُضّت أفواههم؟.. بحسب أحد أعضاء اللجنة فان الجملة المفيدة التي نطق بها القادة الثلاثة، وهم من الصف الثاني، هي المطالبة بزيادة رواتبهم واسنادهم باعداد جديدة من الجنود وعناصر الصحوات!
عضو اللجنة، وهو السيد شوان محمد طه، قال بالنص:"هؤلاء القادة حكوا لنا قصصاً سمعنا عنها أكثر من مرة عن تداعيات الوضع الامني والارهاب وتحركاته والنقص الموجود في صفوف القوات الامنية والتي لها تأثير على تراجع القوات الامنية ودورها وعملها في مكافحة الارهاب والحد من تحركاته" (المدى أمس).
إذن، هي زيارة رفع عتب وليس اجتماعاً مسؤولاً بين قادة مسؤولين في البرلمان والحكومة! وبمعنى آخر، انه ضحك من الحكومة على ذقون أعضاء مجلس النواب الذين انتخبهم الشعب لمهمتين محددتين متلازمتين، تشريع القوانين التي تنظم الحياة وتيسّرها، ومراقبة اداء السلطة التنفيذية لضمان حسن الاداء هذا.
انه ضحك يستحقه مجلس النواب وأعضاءه، فاليوم بعد الآخر يتبدى لنا ان العيب كل العيب لا في الحكومة ولا في رئيسها ولا في وزرائها، وانما في مجلس النواب الذي يخون ثقة الشعب به ويتحلل عما وعد به ويحنث بتعهداته لناخبيه.


94
شناشيل
المالكي في هيئة صدام
على المسرح الوطني!
عدنان حسين
لماذا إذن أسقطنا صدام حسين؟ لماذا ناضلنا ضده فمات من مات منا في المعتقلات، وفي ساحات الاعدام، وفي المقابر الجماعية المنتشرة على سفوح الجبال وفي الوديان والسهول والصحراء وعن حافات الاهوار، ورزح منا من رزح في غياهب السجون سنين طولية، وفرّ منا من فرّ الى المنافي الصعبة؟
لماذا توسلنا اسقاط صدام باي طريقة ووسيلة ولم نترك محفلاً دولياً دون ان نناشده المساعدة والدعم والتأييد؟ ولماذا تحمس بعضنا لتحقيق هدف الاسقاط ولو بالحرب شاملة الخراب والدمار؟
نعم، لماذا ولماذا ولماذا، مئة مرة والف مرة، لماذا فعلنا ذلك وأصرينا على فعله، اذا كنّا سنرجع بعد عشر سنوات فقط الى المربع الاول والى "نفس الطاسة والحمام"؟
أليس الهتاف في قاعة المسرح الوطني يوم الاربعاء الماضي بـ "بالروح بالدم نفديك يا مالكي"، عودة الى مربع صدام حسين والى طاسة وحمام النظام السابق نفسهما؟
في السابق كان المُفتدى بالروح وبالدم صدام حسين والان نوري المالكي .. ذاك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس قيادة الثورة والقائد العام للقوات المسلحة وزعيم الحزب الحاكم، وهذا رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة وزعيم الحزب الحاكم الذي صار البعض يسميه "حزب الدعوة العربي الاشتراكي" للمقاربة ما بين حزب حاكم سابق وحزب حاكم حالي، وتعبيراً عن نزعة الاحتكار والهيمنة على السلطة لكلا الحزبين.
المشهد في قاعة المسرح الوطني في احتفالية نقابة المعلمين يوم الاربعاء الماضي يستعيد بكل التفاصيل وأدقها مشاهد كانت تتكرر شهرياً، واحياناً اسبوعياً، في المكان ذاته وفي قاعات أخرى .. الرئيس (رئيس الجمهورية في السابق ورئيس الحكومة الان) يقف منتصباً بانتشاء ومنفوش الريش كالطاووس، فيما يتقدم الانتهازيون المتزلفون منه حاملين دروع التكريم ومقدمين فروض الولاء ، وفي الجو تتدفق الهتافات موجة اثر موجة " بالروح بالدم نفديك يا صدام" في السابق، و"بالروح بالدم نفديك يا مالكي الآن"!!
والآن اذا ما مرّ مشهد الاربعاء الماضي من دون ان نقف في وجهه من يضمن لنا ان نوري المالكي لن يكون قد وضع قدمه على اول الطريق المفضية به وبنا الى انتاج دكتاتور جديد من طراز صدام حسين.. لم يولد صدام دكتاتوراً ولم يدخل الى حزب البعث بوعد ان يكون دكتاتوراً يكون بين ضحياه بعثيون .. كان ثمة هتاف أول "بالروح بالدم نفديك يا صدام" لم يستنكره أحد فتكرر مثنى فثلاث فمئة والف، فكان ان صنع منه المرتزقة والانتهازيون المتزلفون دكتاتوراً خرّب البلاد وسبى العباد.
أنريد للتاريخ أن يعيد نفسه؟
فلنقل: لا، إذن .. ولنحل دون أن تنتقل عدوى "بالروح بالدم نفديك يا مالكي" من قاعة المسرح الوطني الى قاعات البلاد الأخرى.
ملاحظة: اذا كان السيد المالكي غير راض عمّا جرى في المسرح الوطني فليعلن ذلك. اما اذا كان راضياًً فعلى حزبه أن يعلن موقفه ويطالب أعضاءه بالكف عن تشويه سمعة حزبهم والتمهيد لإعادة انتاج دكتاتور جديد!


95
المنبر الحر / دولة الحواسم
« في: 14:59 25/09/2013  »
شناشيل
دولة الحواسم
عدنان حسين

ماذا يعني أن تُقدِم الحكومة وأمانة بغداد وسواهما من مؤسسات الدولة على تمليك المتجاوزين على الأملاك العامة من أراضي وعقارات احتلّوها واتخذ منها مساكن لهم ودكاكين؟
مسؤولون في الحكومة والأمانة وغيرهما وضعوا هذا العمل في اطار "وطني" بالقول ان الهدف منه مساعدة الفقراء والمحتاجين بتوفير السكن لهم. ولم يتردد البعض بعن تشبيه هذا المشروع بما فعله الزعيم عبد الكريم قاسم في مطلع الستينات.
هل الأمر كذلك فعلاً؟
الزعيم قاسم ابتنى "مدينة الثورة" لسكان الصرائف والاكواخ في بغداد، ممن نزحوا من الجنوب بسبب تدهور الاقتصاد الزراعي أو هرباً من جور الاقطاعيين. ولم يكن أي من سكان الاكواخ والصرائف قد تجاوز على ملكية عامة، ولم يكن أحد منهم يملك عقاراً في أي مكان في العراق. والحال ليست كذلك، بل مختلفة تماماً، مع "الحواسم" الذين قررت الآن الحكومة وأمانة بغداد وسواهما تمليكهم ما "حوسموه".. هؤلاء تجاوزا على أملاك عامة وشيدوا عليها المباني، وعدد غير قليل منهم ليس في خانة الفقراء والمحتاجين الذين تريد الحكومة والامانة وغيرهما ان ترأف بحالهم. وهناك حالات عديدة باع فيها الحواسم عقارات واملاك لهم ووضعوا عوائدها في بيوبهم بعد ان انفقوا بعضها في بناء دور جديدة لهم على الاراضي المحوسمة.
تمليك "الحواسم" الأملاك "المحوسمة" يشبه العفو عن مزوري الشهادات بذريعة ان هؤلاء كانوا مضطرين لفعل ذلك من أجل الحصول على وظائف، لكنّ أحداً في الحكومة والبرلمان لم يرغب في أن يرى الى الأمر من زاوية ان مزور الشهادة قد ارتكب جرماً تعاقب عليه القوانين، ولا من زاوية ان مزور الشهادة قد "حوسم" وظيفة هي حق لغيره من حملة الشهادات الحقيقية غير المزورة الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على وظائف بشهاداتهم، وواحد من الاسباب القوية لهذا هو " حوسمة" المزورين لوظائفهم.
الملاحظ ان أكثر أعضاء الحكومة والبرلمان حماسة للعفو عن مزوري الشهادات هم المحسوبون على الأحزاب والجماعات الاسلامية، ذلك ان أكثر من مارس عملية تزوير الشهادات هم عناصر هذه الاحزاب والجماعات التي استغلت نفوذها في الدولة لتسهيل حصول عناصرها المزورين على وظائف هي في الواقع حق لغيرهم من حملة الشهادات الحقيقية.
الشيء نفسه ينطبق على مسألة الأملاك المحوسمة، فالمسؤولون الاكثر حماسة لتمليك هذه الاملاك الى الحواسم هم أيضاً المحسوبون على الاحزاب والجماعات الاسلامية المتنفذة في الدولة، والهدف كسب اصوات هؤلاء الحواسم في الانتخابات.
الملاحظ ايضاً ان كبار المسؤولين، من وزراء ونواب، المتحمسين للعفو عن الحواسم ومزوري الشهادات، هم الذين مارسوا الحوسمة في حق الاملاك العامة التي خلّفها أقطاب النظام السابق من قصور وفيلل في أفضل مناطق بغداد.
ليست في هذا مفارقة، فالدولة، دولتنا، دولة حواسم من قمة الرأس حتى أخمص القدمين. ولو لم تكن كذلك لوضع القيّمون عليها برنامجاً شاملاً لحل مشلكة السكن ومشكلة البطالة ومشكلة الفقر ومشكلة الخدمات ومشكلة الأمن، فمال دولتنا وفير، لكن مشكلته الوحيدة انه محوسم من كبار الحواسم في الحكومة والبرلمان.


96
المنبر الحر / سلام مربع .. لليكتي
« في: 13:10 24/09/2013  »


شناشيل
سلام مربع .. لليكتي
عدنان حسين

سلام مربع مصري وتحية مكعبة عراقية تستحقهما بجدارة قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني (يكتي)، فهي أتت بما لم يأتِ به الأولون من الاحزاب العراقية، على ما تختزنه الذاكرة، ونأمل أن يفتح هذا الذي سجلت به هذه القيادة سابقة تاريخية، الطريق لسلوك سياسي عام في بلادنا نحتاجه بشدة لكي نتعافى من أخطر أمراضنا السياسية والاجتماعية على الاطلاق، الأنانية والتكبر والتجبر والغطرسة.
بروح رياضية ونفس راضية، أقرّت قيادة الاتحاد الوطني بالخسارة الموجعة لحزبها في انتخابات اقليم كردستان الأخيرة، مع ان النتائج النهائية لم تُعلن بعد ولن تُعلن قبل اسبوع من الآن.
بعد اجتماع له في اليوم التالي للانتخابات التي جرت يوم السبت، أصدر المكتب السياسي للاتحاد بياناً يستحق أن أعيد هنا نشر مقتطفات ضافية منه، لأنه في الواقع أشبه بمعزوفة مهيبة:
(( في بداية الاجتماع هنأ المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني أبناء شعب كردستان بنجاح الانتخابات وإنجاح الديمقراطية حيث انها تخدم تعميق الحياة الديمقراطية في اقليم كردستان، وهي أحد الاهداف والشعارات الرئيسة العتيدة للاتحاد الوطني الكردستاني، كما شكر المكتب السياسي المواطنين في كردستان الذين شاركوا بحماسة وحرص في الانتخابات (.....) وأكد الاجتماع انه بالرغم من ضرورة انتظار النتائج الرسمية للانتخابات وحسم الشكاوي، لكنه وقف عند النتائج الأولية، وأكد ان هذه النتائج هي مبعث قلق للاتحاد الوطني الكردستاني وليست مفرحة ولا تليق بتأريخ وموقع ونضال الاتحاد الوطني الكردستاني، لكنه سيأخذ النتائج الأولية كرسالة، مؤكداً انه يتحمل المسؤولية الكاملة أمام الرفاق ومخلصي الاتحاد الوطني، كما سيقوم بالتحقيق في الأسباب المتعددة والمسببة لتلك النتائج بالتشاور مع المجلس القيادي والكوادر المتقدمة والمختصين من أصدقاء الاتحاد الوطني، وسيقوم باعادة النظر في آليات العمل والادارة والبرامج ومستلزمات العمل والمهام والمسؤوليات داخل الاتحاد الوطني الكردستاني. كما شدد المكتب السياسي على ان الاتحاد الوطني الكردستاني يحترم ارادة شعبنا وسيلتزم بها)).
هذا الاعتراف بالخطأ نادر الحدوث في حياتنا السياسية .. كل ما عانيناه، على مدى العقود التسعة من عمر دولتنا الحديثة، من كوارث ومحن ومآسي وهزائم وخيبات وانكسارات واندحارات وانهيارات ومن تخلف، انما مردّه الى هذه العلّة، عدم اعتراف قوانا السياسية وزعاماتها، اليسارية واليمينية والبين بين، الحاكمة والمعارضة، بأخطائها وخطاياها. وها نحن اليوم أيضاً نعاني الأمرّين مع الارهاب المنفلت والنزوع نحو التسلط الدكتاتوري وطغيان الفساد والفاسدين واستباحة التخلف، لأن احداً في دولتنا الفاشلة الحالية لا يريد أن يعترف بانه على خطأ، فيما الكل على خطأ جسيم، والبعض، وبخاصة الذي يهيمنون على مقاليد السلطة، يقترف الخطايا ويرتكب الآثام في حق شعب لم يبق منه غير الجلد والعظم.
لابدّ ان الاتحاد الوطني الكردستاني تسبّب بنفسه لنفسه بهذه النتيجة الموجعة في الانتخابات الأخيرة بارتكابه خطأ ما، وربما عدة أخطاء، لكن اعتراف قيادته باخطائها وتعهدها بالمراجعة وتأكيد احترامها لارادة الشعب، ستكون الرافعة لوضع أفضل في المستقبل للاتحاد ولغيره من القوى السياسية التي ستكون خبرة الاعتراف بالخطأ في متناولها، إن أرادت.


97
المنبر الحر / صولة جديدة
« في: 23:17 23/09/2013  »
شناشيل
صولة جديدة
عدنان حسين

انطلاقاً من العاصة بغداد وامتداداً الى سائر مدن البلاد،  تشنّ حكومة السيد نوري المالكي الآن صولة "فرسان" جديدة، الهدف منها هذه المرة إفهام مؤسسات الإعلام المحلية غير الحكومية بانها مزدراة، وان والعاملين فيها غير مرغوب بهم حيث توجد الحكومة ومسؤولوها، وانهم يستحقون التعنيف وسوء المعاملة.
هذه الصولة أطلق أشارتها السيد المالكي، بالتعبير في غير مناسبة عن انزعاجه مما وصفه بتركيز هذه المؤسسات على السلبيات واغفالها الايجابيات في العمل الحكومي، وبتحريضها على العنف واثارتها النعرات الطائفية. ويبدو ان مرافقي المالكي وكبار المسؤولين في حكومته فهموا اشارته جيداً، ونفذ كل منهم دوره ومسؤوليته في الصولة الجديدة. واليكم ما حدث في يوم واحد فقط، هو أمس الاول (السبت)، فقد منع أفراد حماية رئيس الحكومة الاعلاميين في محافظة ذي قار من الدخول الى ملعب الرفاعي لتغطية حفل تدشين حقل الغراف النفطي بحضور المالكي نفسه، واستثني من الاجراء مراسلو قناة العراقية الحكومية (الفرات نيوز). وفي الوقت نفسه منعت قوة مشتركة من الشرطة الاتحادية والمرور ممثلي وسائل الإعلام من تغطية الاحتفالية المركزية لجامعة بغداد بمناسبة تخرج الطلبة للعام الدراسي 2012-2013 بحضور وزير التعليم العالي، بالرغم من حضور الإعلاميين بدعوة رسمية من الوزارة (المدى برس). وفي مكان آخر في بغداد، هو نادي الصيد، انسحب مراسلو وسائل إعلام محلية وعالمية من احتفالية نظمتها جبهة الحوار الوطني بزعامة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لتشكيل الجبهة بعد اعتداء حماية المطلك عليهم بالسب والشتم (بلادي نيوز).
حتى السلطة القضائية تبدو معبأة ضد الإعلام والإعلاميين، ففي يوم الثلاثاء الماضي أقدم حراس مجلس القضاء الأعلى على طرد ممثلي وسائل الإعلام بالقوة من مقر المجلس، وهم الذين كانوا مدعوين لحضور مؤتمر صحفي للحديث بشأن نقض قانون المجلس أمام المحكمة الاتحادية، ولم يقدّم مسؤولو المجلس أي تفسير لإلغاء المؤتمر الصحفي وللسلوك العدواني تجاه الإعلاميين (المدى برس).
هذه التصرفات صارت نمطية، يواجهها الإعلاميون يومياً تقريباً، وهو ما يدلل على ان في دولتنا تُطبق شريعة ذات علاقة بشريعة الغاب وليس بالدستور الذي انبثقت عنه الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء وكفل حرية الإعلام.
السيد المالكي له بعض الحق في انتقاده لبعض المؤسسات الإعلامية والإعلاميين، لكن المشكلة في ما يتعلق بالسلبيات والإيجابيات إن سلبيات حكومته، وعموم مؤسسات الدولة وعلى رأسها مجلس النواب، كثيرة للغاية فيما ايجابياتها ضئيلة للغاية وتحتاج الى عدسات مكبرة للغاية لرؤيتها. يكفي أن نشير الى الفشل التام والكامل في حفظ الامن ومواجهة الارهاب وفي توفير الخدمات العامة الرئيسة، وفي مكافحة الفساد المالي والاداري والفقر والبطالة، وفي تحقيق أدنى حد من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. فأية ايجابيات ذات قيمة يريد رئيس الحكومة أن تكرّس لها الصحافة مانشيتاتها ووسائل الاعلام الاخرى عواجلها وتقاريرها المستفيضة؟
أما في ما خصّ التحريض على العنف واثارة النعرات الطائفية، فان رئيس الحكومة ومن حوله يرون الى الاشياء بعين واحدة، فهذا التحريض وهذه الإثارة لا يأتيان من مؤسسات اعلامية سنية أو بعثية أو وهابية فحسب، وانما أيضاً من مؤسسات شيعية تعمل داخل العراق وخارجه، وبينها موالية للحكومة ولحزب رئيس الحكومة (الدعوة الإسلامية)، بل حتى مؤسسة الدولة الإعلامية لا يمكن تبرئتها من تهمة العمل كمؤسسة حكومة وليست مؤسسة دولة.
ما يتعيّن أن يُدركه رئيس الحكومة ومن حوله ومن يواليه ان أفضل وسيلة وأنجع طريقة لضمان أن يكون الإعلام مهنياً، هما في عدم ازدراء مهنة الإعلام والتجاوز على كرامة الإعلاميين، وفي كفالة حقهم، وحق الناس من خلفهم، في الوصول الحر الى المعلومات وفي النشر الحر لهذه المعلومات .. أي باختصار شديد: الشفافية.


98
ملا عمر في انتخابات كردستان
عدنان حسين

تعود حكاية العلاقة ما بيني وملا عمر وانتخابات إقليم كردستان العراق الى ما قبل عشرين سنة، والى يوم التاسع عشر من أيار 1992 تحديداً، وهو اليوم الذي شهد فيه الإقليم أول انتخابات في تاريخه لاختيار مجلس تشريعي لا تديره ولا تختار أعضاءه حكومة بغداد.
تلك الانتخابات كانت حدثاً كبيراً في تاريخ الكرد جميعاً، لهذا جرى الاحتفال بها كما لو كانت عيداً قومياً في مستوى يوم نوروز.. يومها كنتُ هناك، وشهدت بنفسي ذلك الاحتفال، فقد وصلت الى مصيف صلاح الدين قادماً من دمشق قبل ذلك اليوم بأيام مع عشرات من الصحفيين العرب والأجانب الذين أرادوا أن يسجّلوا تلك اللحظة التاريخية الفاصلة وأن يكونوا شهودا على تجربة فريدة من نوعها لشعب خرج للتو من واحدة من أقسى المحن في تاريخه.
قبل تلك الانتخابات بسنة واحدة، كان ملايين الكرد قد نزحوا في ربيع 1991 باتجاه تركيا وايران بعد تعرض مدنهم الرئيسة الى هجمات جيش صدام الذي قضى على انتفاضة الجنوب والوسط وأراد أن يُجهز على انتفاضة الكرد أيضاً.. وكانت ذكريات القصف الكيمياوي على حلبجة ومجازر الأنفال طرية وماثلة بقوة في الاذهان.. خشي الكرد أن يتعرضوا الى حملة إبادة جديدة، فنزحوا في طوابير طويلة عبر سلاسل الجبال العالية الوعرة في ظروف مناخية شديدة الريح غزيرة المطر.
شخصياً شهدت يومذاك جانباً من مسيرة الكرد على دروب الجلجلة تلك.. مشيت وزملاء آخرون معهم ليلتين ونهارين من رانية حتى قرية (قاسمه ره ش) الإيرانية على الحدود. وقد اهتزّ العالم لمشهد الاكسودس الكردية فتحرّك جزئياً ليقيم لهم ملاذاً آمناً في وطنهم وعلى أرضهم حماية لهم من بطش صدام حسين.
في غضون أقل من سنة بعد عودة الكرد إلى ديارهم المؤمنة نجحت الجبهة الكردستانية في إدارة المناطق المحمية وتنظيم أول انتخابات حرة لتشكيل حكومة للاقليم وبرلمان يراقبها ويشرّع القوانين. كان في الواقع إنجازاً كبيراً في فاصل زمني قصير، بيد ان الحماسة مكنت الكرد من اختصار الزمن ومواجهة التحدي الكبير باقتدار، والسر كان يكمن في وحدة قواهم السياسية.
ملا عمر بين انتخابين
ربما تبادر الى الذهن انني سأكشف عن سرّ كبير، لكنني لست أقصد بـ "ملا عمر" الملا محمد عمر مؤسس حركة طاليبان الافغانية في العام 1994 وزعيمها حتى الآن، وإنما هي قرية ملا عمر الواقعة الى الشمال الشرقي من مدينة اربيل على الجهة الشرقية للطريق بين أربيل وبلدة صلاح الدين الجبلية. هذه القرية كانت أول مكان أشهد فيه، مع مجموعة الصحفيين العرب والأجانب، عملية التصويت خلال انتخابات 1992. كنّا نقيم في مصيف صلاح الدين، وكان هوشيار زيباري مسؤول مكتب العلاقات الخارجية في الحزب الديمقراطي الكردستاني آنذاك، فساعدنا في الإقامة في صلاح الدين التي لم يبق فيها يومذاك فندق أو بيت فارغاً لكثرة النازحين اليها.. رتّب لنا هوشيار في يوم الانتخابات زيارة إلى قرية ملا عمر والمركز الانتخابي فيها قبل الانتقال إلى أربيل لمتابعة معركة انتخابية حامية الوطيس لم تنته فصولاً إلا بعد شهر ونصف الشهر بتشكيل حكومة الإقليم في 4 تموز.
اكثر ما لفت انتباهي في يوم الانتخابات ذاك، أن أهالي القرية الصغيرة البائسة خرجوا عن بكرة أبيهم للإدلاء بأصواتهم.. ارتدوا جميعاً، الرجال والنساء، الملابس الجديدة بألوانها المزركشة المشرقة.. كان موسم فرح حقيقياً.
يومئذ كانت القرية تتشكل من بضعة عشرات من البيوت المتواضعة المبنية بخليط من الحجر والطين والخشب، ولم تكن تتوفر فيها الخدمات العامة.
منذ بضعة اشهر أثناء رحلة لي بين أربيل وصلاح الدين خطر في بالي أن ازور القرية التي بدت لي في 1992 منسية تماماً برغم قربها من الطريقة العامة، لأتعرف على ما آل اليه مصيرها خلال عقدين من الزمن. الفكرة تولدت لأنني كلما زرت اربيل وصلاح الدين والسليمانية وسواها من مدن الاقليم ومناطقه، لاحظت تغيّراً ملموساً على الارض. وعلى الطريق العامة بين اربيل وصلاح الدين، كما في اربيل نفسها، كانت تلوح لي عشرات المباني الحديثة التي ربما لم يكن أحد في قرية ملا عمر يحلم بها قبل عشرين سنة، بل حتى قبل عشر سنوات.
عرس متواصل
أمس زرتُ ملا عمر.. جئتها من بغداد خصيصاً، فقد اخترت المناسبة عن عمد وسابق إصرار.. انه يوم انتخابات آخر، ولا أنسب من هذه المناسبة لاشباع فضول الصحفي.. كل شيء داخل القرية وحولها قد تغيّر تماماً.. الطريق العامة الصاعدة من اربيل الى صلاح الدين التي كانت ضيقة صارت الآن بمواصفات الطرق الدولية، وعلى امتدادها ارتفعت صفوف الاشجار والشجيرات اليانعة، وعلى طولها أيضاً من الجانبين بُنيت القرى الحديثة وارتفعت العمائر الكبيرة من فنادق وأسواق ومعامل وورش عمل وفيلات فخمة للسكن على هذه الارض التي كانت في ما مضى حماداً.(بعض اصدقائي ومعارفي في اربيل يقولون ان هذه العمائر بعضٌ من مظاهر الفساد المالي والإداري في الاقليم. لابد ان هذا صحيح بدرجة ما، لكنني أرغب في أن يحذو فاسدونا، العرب وبخاصة الإسلاميين، حذو نظرائهم الكرد فيستثمرون ما تمتد اليه ايديهم في عمائر كهذه ومنشآت كهذه، لا ان يستولوا على الجمل بما حمل ويهرّبوا بالجمل والحمولة الى الاردن والامارات ولبنان واوروبا واميركا وشرق آسيا).
القرية ذاتها صارت بلدة كبيرة عامرة بالأسواق والمطاعم، تخترقها الطرق المبلطة. والطريق المتفرعة الواصلة اليها من الطريق الدولية أعرض وأفضل مما كانت عليه طريق اربيل – صلاح الدين قبل عشرين سنة، هذه الطريق التي كانت الرحلة عليها تستغرق في بعض ايام المطر والثلج نحو ساعتين، فيما الان تنطلق السيارات عليها كالصواريخ لتقطعها في 20 – 30 دقيقة.
شيء واحد لم يتغيّر في ملا عمر بين 1992 و2013.. انه هذا الاحتفال الموزائييكي بالانتخابات، فأمس أيضاً رأيت النساء جميعاً وكثيراً من الرجال يتقاطرون على المركز الانتخابي بملابسهم التقليدية المزركشة زاهية الالوان التي يرتدونها عادة في الاعياد، وبخاصة نوروز، وفي الاعراس.
أمس بدت لي قرية ملا عمر، بل هي الآن بلدة، كما لو انها لم تزل تحتفل بعرس انتخابات 1992.

99
شناشيل
ثرثرة مقهى في المنطقة الخضراء
عدنان حسين

البلاد في خطر، والجميع في خطر، والمستقبل في خطر، وهذه هي الفرصة الأخيرة لتفادي وصول هذا الخطر الى ذروته.
هذه هي الجملة المفيدة التي قيلت في مؤتمر "الشرف الوطني"(!) المنعقد في القصر الرئاسي أمس الأول الخميس. المتحدثون في المؤتمر رددوا هذه الجملة كلٌّ بلهجتة ولكنته،  لكنهم لفّوا وداروا حول هذه الفكرة التي شكلت مضمون الجملة، بل انهم توافقوا أيضاً في صيغة القول مداورة بان الآخرين، من مستمعي الخطاب، هم مصدر هذا الخطر وعليهم وحدهم تقع مسؤولية نزع الفتيل، فأحدٌ منهم لم يتحلّ بفضيلة وشجاعة الاعتراف بنصيب حزبه وكتلته وقواته المسلحة (نظامية كانت أم ميليشياوية) في تشكيل الخطر ومفاقمته وفي صناعة دولة فاشلة ومجتمع تتناهشه الضغائن.
ما كنا، ولن نكون، في حاجة الى مؤتمر استعراضي كالذي عقد يوم الخميس، ينمّق فيه الأخوة الأعداء عباراتهم و"يرندجون" جملهم ليضحكوا على الذقون بمخاطبتهم إيانا عن الخطر المحدق بنا وببلادنا، فهو خطر من صنيع أيديهم هم بالذات... ما كنا نحتاجه، وسنحتاجه اليوم ولاحقاً، أن يتعاهد صنّاع هذا الخطر، كلّ مع نفسه أولاً، على الكفّ عن التفكير والتصرف بالطريقة  التي فكّر وتصرف بها طوال السنين العشر الماضية.. السلم الأهلي والأمن الاجتماعي لا يتحققان باعتماد "الحل الأمني" دون غيره من جانب الحكومة والمتنفذين فيها لمعالجة المشاكل وفرض الإرادة على الآخرين. فالقمع الوحشي لتظاهرات شباط 2011 وما بعده لم يحقق المطالب التي أقرّ رئيس الحكومة ومن يحيط بها لاحقاً بانها محقة ومشروعة ودستورية، ولم يجلب لرئيس الحكومة والمحيطين به ما سعيا اليه من استخدام القوة الغاشمة، وهو ان يستسلم الناس لأقدارهم. وارتكاب مجزرة في الحويجة لم ينهِ الاعتصامات في المناطق الغربية، ولم يُرغم الناس على التخلي عن مطالبهم التي وصفها رئيس الحكومة والمحيطون به لاحقاً أيضاً بان بعضها محق ومشروع ودستوري.كما ان تحريك الجيش الى طوزخرماتو لم يُرغم البيشمركة وقيادتهم على رفع الراية البيضاء.
وفي المقابل فان الرد على العنف الحكومي بعنف عشوائي ضد المجتمع بأجمعه، يترصد الناس في الشوارع والساحات والأسواق والمدارس والمستشفيات ودور العبادة، وتسعير النعرات الطائفية، لم ينهيا التمييز والتهميش وسياسات الكيل بمكيالين من جانب الحكومة وقواها المتنفذة، مثلما لم تحقق أية نتيجة، غير المزيد من العنف، عمليات القتل والقتل المضاد على الهوية التي تنفذها ميليشيات وجماعات مسلحة تابعة للقوى والاحزاب الطائفية المتشاركة في الحكم.
 لو كان الذين اقترحوا وخططوا وهيأوا لمؤتمر "الشرف الوطني" جادين وصادقين في ضمان السلم الأهلي وصيانة الأمن الاجتماعي، كما أعلنوا في خطبهم، لعملوا تحت قبة برلمان "الشراكة الوطنية" على تشريع القوانين التي تحقق ذلك، وداخل "حكومة الشراكة الوطنية" على تنفيذ هذه القوانين والمشاركة في صناعة القرارات وصياغة السياسات.
مؤتمر "الشرف الوطني" لن يتجاوز حدود الثرثرة في مقهى على ناصية شارع لسكان المنطقة الخضراء الذين ملّوا، في ما يبدو، روتين حياتهم فسعوا الى نوع من التغيير لا يتجاوز تلك العبارات المنمقة والجمل "المرندجة" .. وقابلوني بعد سنة إن كنت قد تجنيت على أحد.

100
شناشيل
الغوا سيطراتكم واسحبوا قواتكم من شوارعنا!
عدنان حسين
بالله عليكم، إن كنتم حقاً عابدين إياه .. ونستحلفكم بنبيكم إن كنتم فعلاً تؤمنون به.. وبأئمتكم جميعاً، المعصومين وغير المعصومين ، .. ونستحلفكم أيضاً بكل مقدساتكم، إن بقي لكم ما تقدّسونه غير الدينار والدولار والثريد وكرسي الحكم وهيلمان السلطة .. نستحلفكم أن تعلنوها لنا في أعجل فرصة وأقصر وقت.
أخبرونا النبأ اليقين، كم يلزمكم من السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة لتتفجر في يوم واحد، وكم من القتلى والمحترقة أجسادهم والمبتورة رؤوسهم والمقطّعة أطرافهم والمبقورة بطونهم والمشجوجة رؤوسهم والمُسمّلة عيونهم والمجدوعة أنوفهم وآذانهم، لكي تستقيل حكومتكم أو رئيسها أو وزير دفاعها أو وزير داخليتها أو في الأقل مدير في أجهزة الأمن، متحملاً المسؤولية أو بعضاً منها عن هذا التسونامي المتواصل من عمليات التفجير والقتل على الهوية وعلى الاسم التي تضرب مدن البلاد من أقصاها الى أدناها.
قولوا لنا كم تريدون بالضبط كيما ننقل رغبتكم الى الارهابيين، نرجوهم أن يفعلوها في يوم واحد. نتوسل اليهم ان يدبّروا في هذا اليوم مئة تفجير في بغداد بدلاً من 10 – 15 تفجيراً، ومئة تفجير في المحافظات بدلاً من 8 – 10 تفجيرات، فيسقط الف قتيل و ثلاثة آلاف جريح ومصاب في يوم واحد بدلاً من شهر، علّ وعسى أن يسري في عروقكم دم الغيرة والشهامة والوطنية لمرة واحدة فتستقيلون ونستريح منكم.
منذ تولي هذه الحكومة السلطة والدولة تمضي من فشل الى فشل أكبر والبلاد من بلاء الى بلاء أعظم، وانتم ممسكون بالكرسي بالأظافر والأسنان، لا تبالون بموت الموتى ولا بمصاب المصابين ولا بمعاناة الثكالى، بل تصرّون على المزيد من التكبّر الأجوف والمكابرة الفارغة والفشل المتتالي.
رجاءً ثم رجاءً، الغوا السيطرات جميعاً، فلا لزوم لنا البتة بها، واسحبوا هذه القوات المرابطة على طول الشوارع وحول الساحات وعند مداخل الأحياء السكنية.. انهم يزعجوننا، ويسممون حياتنا، ولا يفعلون شيئاً لحفظ الأمن، بل يبدو لنا ان أكثرهم متواطئ مع الإرهابيين، والا كيف تمر السيارات المفخخة ومن أين تعبر الأحزمة والعبوات الناسفة؟
لا نريد سيطراتكم ولا همراتكم .. اننا نشم رائحة تعاون وتنسيق مع الإرهابيين ضدنا .. اسحبوا قواتكم كلها من شوارعنا وساحاتنا وأحيائنا.. لا نصدّق أنها موجودة لحفظ حياتنا .. ها نحن بوجودها نموت بالتقسيط يومياً .. إننا نرغب في أن نموت دفعة واحدة .. نريد أن نموت ونحن مرتاحين غير متضايقين من سيطراتكم ومواكبكم التي تعكّر أمزجتنا وتنكّد علينا حياتنا بمثل ما تنكدونها انتم.
ارحلوا لنتدبر أمرنا من دونكم، أو اتركونا لنواجه مصيرنا وحدنا .. بالتأكيد سيكون افضل مما هو معكم.


101
المنبر الحر / حج الداخلية!
« في: 12:25 17/09/2013  »
شناشيل
حج الداخلية!
عدنان حسين

من أظرف ما قرأت في الأخبار خلال اليومين الماضيين، وشر البلية ما يُضحك، ما جاء في أحدث تصريح للمفتش العام لوزارة الداخلية بشأن قضية الأجهزة المزيفة للكشف عن المتفجرات، ففي الحال تذكرت المثل الشعبي القائل "رايح للحج والناس راجعة من مكة"!
المفتش العام السيد محمد مهدي قال إن مكتبه "أنهى التحقيقات الخاصة بملف أجهزة الكشف عن المتفجرات"، وان "الملف أحيل إلى القضاء وهيئة النزاهة". (المدى برس)
هذه الاجهزة التي صدّرها الينا تاجر بريطاني في صفقة شيطانية اشترك فيها مسؤولون أمنيون وسياسيون لا ذمة لهم ولا ضمير إنسانياً أو وطنياً ثبت منذ سنوات أنها مغشوشة، فهي من الأساس ليست مخصصة للكشف عن المتفجرات، لكننا اشتريناها بين العامين 2008 و2010 بوصفها كذلك ودفعنا في كل واحد منها ما يعادل ألف مرة سعره الحقيقي، فحقق التاجر البريطاني الغشاش أرباحاً فاحشة، تجاوزت 50 مليون دولار، منح جزءاً منها إلى مسؤولينا الفاسدين.
بسبب هذه الأجهزة المغشوشة مرّت، ولم تزل تمرّ، مئات الأطنان من المتفجرات من كل الانواع عبر نقاط التفتيش، لتتفجر في الأسواق والمدارس والمستشفيات والجوامع والكنائس والمعابد ودوائر الدولة والأحياء السكنية في محافظات البلاد ومدنها كافة، وليسقط فيها عشرات الآلاف من القتلى والمعاقين والجرحى، وليخلّف القتلى أيتاماً وأرامل لا أحد لهم، فيما تُرك المعاقون وعوائلهم لمصيرهم الأليم!
على مدى سنوات حقق الادعاء العام البريطاني من تلقاء نفسه – ليس بطلب منا- في القضية واستقر رأيه على إدانة ما قام به التاجر الغشاش، فوضع الملف في عهدة القضاء. القضاة البريطانيون اهتزت أبدانهم لأن صفقة شيطانية قاتلة قد تمت باسم بلادهم ولأن جريمة ضد بشر قد ارتكبت، فحكموا في أيار الماضي على التاجر الغشاش بالسجن عشر سنوات، مع ان بريطانياً واحداً لم يُقتل أو يُصب في حمام الدم العراقي المتواصل.
اما هنا فقد أُغلِق الملف على عجل بعد فتحه، وحُكِم بالسجن بضع سنوات على اثنين من المسؤولين يقال إنهما قُدّما كبشي فداء عن غيرهما من الفاسدين الكبار.
الان فقط، والناس عائدون من الحج، يشدّ مكتب المفتش العام في الداخلية الرحال الى مكة ! فيُحيل الملف الى القضاء وهيئة النزاهة.
ما سيكون مصير هذا الملف؟ .. الراغب في الحصول على جواب عليه أن يسأل عن مصير مئات الملفات التي أحيلت من مختلف الوزارات والهيئات إلى القضاء والنزاهة. لكن السؤال الأهم: لماذا هذا الإصرار العنيد على استخدام أجهزة كشف عن المتفجرات مغشوشة؟ وما سرّ هذه الاستهانة بعقول الناس ومشاعرهم .. وأرواحهم ودمائهم؟
----------------
تنويه
في عمود أمس فاتني ذكر عدد من زملائي البارزين في "طريق الشعب"، هم: محمد خلف ومخلص خليل وجمعة الحلفي ورجاء الزنبوري وجمعة ياسين ويوسف الناصر ومحمود حمد وحميد رشيد وقتيبة الجنابي وحسين السلمان .. تؤسفني خيانة الذاكرة هذه.


102
المنبر الحر / كوكب درّي
« في: 18:23 16/09/2013  »
شناشيل
كوكب درّي
عدنان حسين

دعوني أشرككم في احتفالي بهذا اليوم، السادس عشر من أيلول.. هو يوم مشهود في حياتي المهنية ومن أحب أيامي. لو لم يكن ربما لم أكن ما أنا عليه الآن، ولكنتُ خسرتُ صداقة عمر تبلغ في هذا اليوم سن الأربعين بالتمام والكمال مع زميلات وزملاء لم تزل علاقتي متواصلة ووطيدة مع أكثرهم.
في مثل هذا اليوم منذ أربعين سنة سطع في دنيا الصحافة العراقية كوكب دري اسمه "طريق الشعب".. لعشر سنوات قبل ذلك اليوم كانت "طريق الشعب" يعاملها الشيوعيون وأصدقاؤهم بوصفها حرزاً يُخبأ في الجيوب الداخلية وفي لفائف الأطفال وتحت الوسائد والأفرشة، فيما رجال الأمن يعاملونها كما تُعامل المفخخات والأحزمة الناسفة اليوم. لكنها منذ ذلك اليوم، السادس من ايلول 1973، صارت مثل خبز التنور، تُصنع في وضح النهار وتدور أسطوانات المطبعة ليلاً، وفي اليوم التالي تهفو إليها الأنفس بشهية وتتلاقفها الأيدي بمسرّة.
في الذكرى الثانية أو الثالثة لصدورها علنية كتبتُ في عمودي الأسبوعي على صفحتها الأخيرة أنني تعلمت خلال ستة اشهر في ذلك البيت الصغير المطل على شارع السعدون في حي بستان الخس أكثر وأفضل مما تعلمته في قسم الصحافة بكلية الآداب على أهمية وجدوى ما تعلمته في الجامعة. ولم أزل عند رأيي ذاك. كانت مدرسة حقيقية، تخرجت منها كوكبة من الصحفيين والكتاب والفنانين اللامعين الآن في سماء الثقافة والإعلام، نساء ورجالاً، ممن تدربوا وتتلمذوا على أيدي اساتذة في المهنة: عبد المجيد الونداوي، شمران الياسري (أبو كاطع)، محمد كريم فتح الله، عبد السلام الناصري، عبد الرزاق الصافي، فائق بطي، سعدي يوسف، الفريد سمعان، سليم عبدالامير حمدان، صادق الصائغ، رشدي العامل، يوسف الصائغ، سلوى زكو، مصطفى عبود، ابراهيم الحريري، حميد بخش.. وغير بعيد كان زكي خيري وصفاء الحافظ وحسن العتابي. ولن أنسى صادق البلادي وغانم حمدون وكاظم المقدادي وسواهما.
كنّا عصبةً من الشباب المتحمس المُقبل على العمل والتعلّم يتقدمهم فخري كريم.. وفي الصف يوجد: فاطمة المحسن، فالح عبد الجبار، حميد الخاقاني، فاضل ثامر، زهير الجزائري، رضا الظاهر، عبد الاله النعيمي، إسماعيل خليل، نبيل ياسين، فاضل السلطاني، عبد المنعم الأعسم، يحيى علوان، خليل الأسدي، إقبال القزويني، حسين الحسيني، سمير سالم، عبد جعفر، سعاد الجزائري، لؤي....، عدنان منشد، حمدي العاني، ومن الفنانين والفنيين: مؤيد نعمة، عفيفة لعيبي، نبيل يعقوب، حميد عبد الحسين، ليث الحمداني، جمال العتابي، عبد الرحمن الجابري، سامي العتابي، مظهر المفرجي، قيس قاسم، انتشال هادي، مصطفى الخطاط، إبراهيم رشيد، ولن أنسى موزع الشاي الصبي قاسم خضر الذي تعلم الصحافة في وقت الفراغ وصار اليوم إعلامياً في مستوى ما كنا عليه يومئذ وأكثر.
أتذكر أن لقاءً نُظِّم لبعضنا قبيل أسابيع من الاصدار مع شمران الياسري لتشكيل قسم التحقيقات والشؤون المحلية.. كانت تلك المرة الاولى التي التقيه بعدما عرفته من خلال برنامج إذاعي له، وبقيتُ على علاقة طيبة به حتى رحيله المبكر جداً في حادث سيارة في المنفى العام 1982. وسيصبح أبو كاطع أول رئيس لي قبل أن يتولاني وآخرين في قسم المنوعات يوسف الصائغ.
هل ستكون شهادتي مجروحة إن قلت إن "طريق الشعب" العلنية كانت واحدة من أبرز الصحف في تاريخ العراق الحديث؟.. لا أظن، فهي لا تُقارن إلا بأمهات الصحف في مختلف الحقب كـ"الأهالي" و"الرأي العام" و"البلاد" و"التآخي".. كانت قيادة حزب البعث، وعلى رأسها صدام حسين، مشغولة البال كل الوقت في سرّ قوة "طريق الشعب" التي كان العاملون فيها يتقاضون رواتب تقل كثيراً عن رواتب أقرانهم في "الثورة" و"الجمهورية"، وكان مكتب الثقافة والإعلام في القيادة القومية يعقد الاجتماعات للبحث في كيفية مواجهة هذا "العدو". ذلك ما كان ينقله لنا زملاء وأصدقاء في الوسط من البعثيين.
لم يُدرك صدام وقيادته ان السرّ كان بسيطاً للغاية، يكمن في روح العمل والتعلّم التي أقبلت بها تلك العصبة على "طريقها" لتجعل منها كوكباً درياً عن حق، أتحسر الآن أن تبلغ مرتبته "طريق الشعب" الحالية و"المدى" وسائر الصحف الرصينة.


103
المنبر الحر / ميليشيات .. أكو
« في: 15:44 15/09/2013  »


شناشيل
ميليشيات .. أكو
عدنان حسين
من أعضاء البرلمان الذين يتحدثون كثيراً النائب عباس البياتي، وهذه عادة مترسخة لديه منذ ايام المعارضة في سوريا وايران. يدلي برأيه في كل شيء ويدافع، الآن، عن سياسات الحكومة ودولة القانون ومواقفهما وسلوكهما حقاً وباطلاً، ودائما ينزههما من أي خطأ ويسعى لافهامنا بان حكومته وكتلته لا تقعان في الخطأ.
النائب البياتي تبرع من تلقاء نفسه منذ بضعة أيام الاعلان عن انه "ماكو" ميليشيات في وسط البلاد وجنوبها، وقال بالنص في تصريح لصحيفة "الحياة" اللندنية «الأنباء التي تتحدث عن وجود مليشيات في وسط وجنوب العراق مجرد إشاعات عارية عن الصحة ولا أساس لها". ولم يفت البياتي الجزم بان الغاية مما وصفها بالاشاعات « زعزعة الأمن في الشارع والتشويش على عمل الأجهزة الأمنية»، معتبراً أن كل «الخروقات الأمنية في البلاد يتحملها تنظيم القاعدة وحلفاؤه كجماعة النقشبندية وبقايا حزب البعث». وفي ما يشبه الاستدراك قال«حتى إن وجد من يحاول تشكيل مليشيات هنا أو هناك فان الحكومة ستتعامل معه بحزم وفقاً للقانون ولن تسمح بالسلاح خارج القوات الأمنية».
واضح ان النائب البياتي من نوع السياسيين الذي يعتقد ان التعمية يمكن أن تحقق له ما يريد، فهو لم يتنبه الى ان رئيس حكومته وزعيم كتلته، نوري المالكي، كان قد أعلن بلسانه عن وجود ميليشيات في البلاد تعمل الى جانب القوى الارهابية الاخرى التي سماها البياتي (تنظيم القاعدة وحلفاؤه كجماعة النقشبندية وبقايا حزب البعث)، وتعهد بمكافحة هذه الميليشيات كما الجماعات الارهابية.
كلام المالكي جاء في البيان الختامي لما سُمي باجتماع الرئاسات الثلاث وقادة الكتل، والذي جاء فيه أن «المجتمعين أكدوا على ضرورة التصدي بكل قوة لمكافحة الإرهاب والميليشيات والممارسات الطائفية وحصر السلاح بيد الدولة» و« دعم الأجهزة الأمنية في خططها لمكافحة الإرهاب والمجاميع المسلحة».
لا بد ان النائب البياتي يعرف، كما نعرف، ان النشاط الارهابي في البلاد تضاعفت حدته ورقعته منذ العام الماضي، وهو يضرب مناطق الوسط والجنوب كما مناطق الغرب والشمال.. ولا بد انه يعرف أيضاً ، كما نعرف، ان هذا الارهاب لا يقتصر على القاعدة والنقشبندية وفلول النظام السابق وانه ليس سنياً حصراً .. انه شيعي كذلك، بل ان بعض ارهاب القاعدة هو شيعي أيضاً بعدما نجح التنظيم الارهابي في تجنيد شبان شيعة أكلهم الفقر والحرمان .
لا يمكن للنائب البياتي أو غيره نكران وجود الميليشيات والجماعات المسلحة في الجنوب والوسط، فمن يقتل رجال الدين السنة والمواطنين العاديين من السنة في البصرة وسائر محافظات الجنوب وبغداد هم ميليشيات وجماعات مسلحة، وهي شيعية (كما توجد ميليشيات وجماعات مسلحة سنية تقتل وتهجر الشيعة في بغداد وشمال بابل وديالى وسواها)، وان من يلاحق ويقتل في محافظة ذي قار آل السعدون، هذه العشيرة التي يشهد لها تاريخها وتاريخ شخصيات مرموقة منها بالوطنية وباللاطائفية، هم من ميليشيات ومجموعات مسلحة شيعية، وان من يهدد باشعال النار على حدودنا مع الكويت هم ميليشيات شيعية.
ولابد ان النائب عن دولة القانون يعرف أكثر منا ان بعض هذه الميليشيات والجماعات المسلحة تجد الدعم من دولة القانون وحكومتها التي تسعى الان الى شرعنة عمل الميليشيات والمجموعات المسلحة المساندة لها عبر اختراع "مجالس الاسناد".
السيد البياتي، لسنا غافلين عما تفعلون.



104
المنبر الحر / سبب جديد للتظاهر
« في: 15:25 14/09/2013  »
شناشيل
سبب جديد للتظاهر
عدنان حسين

لكل الذين تظاهروا في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي الحق كله في العودة الى الساحات والشوارع في الخامس من الشهر المقبل وأي تاريخ آخر من أجل الهدف نفسه، وهو الاحتجاج على فساد الطبقة السياسية الحاكمة .. هذا الفساد الذي له مئة وجه ووجه ، أحدها الاستئثار برواتب وامتيازات تجعل من أفراد هذه الطبقة في مصاف الأمراء والنبلاء، وتجعل من وظائفهم والمناصب التي يحتلونها تشريفاً وليس تكليفاً ومنّة منهم على الشعب وليس خدمة أقسموا على أدائها من أجل أمن الشعب وحريته ورفاهه.
وللمتظاهرين الجدد الذين سينضمّون الى متظاهري الحادي والثلاثين من آب الحق نفسه في التظاهر والاحتجاج على الاحتيال الجديد الذي مارسته هذه الطبقة السياسية ، متمثلة في حكومتها، بالإعلان عن مشروع قانون للتقاعد يؤمن لهذه الطبقة الفاسدة مواصلة فسادها بالمحافظة على امتيازاتها غير المعقولة.
بإعلانها المصادقة على مشروع القانون وتقديمه الى مجلس النواب، بعد ثلاثة أيام فقط من يوم التظاهرات إنما أرادت الحكومة أن تعمل "حلاوة بجدر مزروف"، لتظهر بمظهر المستجيب لمطالب الشعب والمحقق له رغباته ومطامحه، بينما ما قامت به في الواقع أنها استغلت فرصة التظاهرات لتمرير القانون الذي ظلّ مركوناً على الرفوف العالية أو تحت الأقدام سنوات عدة من دون سبب أو مسوّغ غير الإهمال وعدم الاكتراث بمصالح الناس.
مشروع القانون هو بحق "التفاف" على مطالب المتظاهرين وغيرهم، كما أعلن منسقو التظاهرات الذين أضافوا قائلين على مواقع التواصل الاجتماعي ان "المشروع بمجمله وسيلة خداع سياسي بحيلة قانونية إذ جمع كل الرواتب التقاعدية ووحدها بقانون واحد لأسباب عدة منها :إضفاء المشروعية على رواتب النواب. وحتى لو حصل تخفيض للرواتب فسيكون طفيفاً، وفي ذلك التفاف على الإرادة الشعبية المطالبة بإلغاء الرواتب وليس تخفيضها وتقنينها".
شخصياً لست مع الإلغاء التام للرواتب التقاعدية للنواب وأمثالهم من ذوي ما تُعرف بالمناصب الخاصة في الدولة، فمن حق كل عامل في الدولة أو القطاع الخاص أن يحصل على تعويض مناسب عن خدمته إن في صيغة الراتب التقاعدي أو صيغة مكافأة نهاية الخدمة، لكن ينبغي في هذا مراعاة أحكام الدستور وشرائع الحقوق الدولية التي تكفل المساواة والعدالة. وبالطبع فان العرف الجاري الآن في دولتنا بمنح النواب والوزراء وسواهم من ذوي المناصب والدرجات الخاصة رواتب وامتيازات فلكية يمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ المساواة والعدالة ولأحكام الدستور النافذ.
من المتوقع ان مجموعة من النواب ستعمل على إدخال مشروع القانون، عند عرضه على البرلمان، في نفق المناكفات والمماحكات والمزايدات التي عودونا عليها، والهدف إطالة أمد تشريع القانون ووضع الناس أمام الأمر الواقع والقبول بالصيغة الحالية.
هذا ما يتعين التنبه له والتحذير منه والتظاهر من أجل عدم حدوثه.


105

شناشيل
أهذا "اسلام"  الدعوة ودولة القانون !
عدنان حسين
من غير الممكن أن يكون ما كشف عنه محافظ بغداد علي التميمي ورئيس مجلس المحافظة رياض العضاض اتهامات مفبركة أو معلومات محرفة أو مبالغاً فيها ، فلابدّ انهما يدركان ان الأمر اذا كان كذلك فسيلقيان بنفسيهما الى تهلكة القذف والتشهير اللذين يعاقب عليهما القانون بالغرامة الكبيرة والسجن.
التميمي والعضاض هما الان في موقع يجعلهما على دراية تامة بما جرى من عقود وصفقات في محافظة بغداد تحت ادارتها السابقة، فكل الوثائق والأدلة اصبحت في متناولهما وبين أيديهما، وبالتأكيد فان ما كشفا عنه في تصريحاتهما خلال الايام القليلة المنصرمة يستند الى هذه الوثائق والأدلة.
محافظ بغداد ورئيس مجلس المحافظة أوردا معلومات محددة بالاسماء الصريحة والارقام الدقيقة عن صفقات وتعاملات فاسدة .. بل فاسدة على نحو مذهل، ذلك ان حجم الفساد فيها يُحسب بمئات المليارات من الدنانير. وكما أعلن التميمي فانه في قضية واحدة تتعلق بمشروع ليس كبيراً وضع الفاسدون في جيوبهم (حساباتهم المصرفية في الخارج) على  80 مليار دينار، وهو مبلغ يكفي، كما قال، لانجاز مشروع سكني بـ 800 شقة بكامل خدماته.. أي انه في هذه القضية وحدها سرق الفاسدون حقوق واحلام العمر 800 عائلة، أي ما يزيد عن 4000 فرد من افراد الشعب العراقي.
في بغداد وحدها وفي قضية واحدة فقط من عشرات، وربما المئات، من القضايا المشابهة، اكتسح الفساد حقوق وأحلام  اربعة آلاف عراقية وعراقي، ولنتخيل كم عدد القضايا من هذا النوع في 15 محافظة وأكثر من 20 وزارة ومئات المؤسسات والهيئات والدوائر.
السيد التميمي تحدث عن عدد كبير من قضايا الفساد في محافظته في عهد الادارة السابقة، وقال مثلاً "استطعنا الوصول  الى 45  كشفاً فيه فساد خلال يومين فقط، وهناك أكثر من 200 ملف فساد داخل المحافظة يتم التحقيق فيها". وأيّد السيد العضاض هذه المعلومات وتحدث بدوره عن أوجه وحالات فساد أخرى تشيب لها رؤوس الصبيان.
ليست محافظة بغداد، بادارتها السابقة، استثناء من القاعدة، بل هي تجسيد حيّ للقاعدة المترسخة منذ سبع سنوات وأكثر، فالفساد المالي والاداري هو القانون الأقوى والأعلى في دولتنا.
معلوم ان مجلس محافظة بغداد السابق كان في حيازة "دولة القانون" المهيمن على الحكومة الاتحادية أيضاً. و"دولة القانون" ائتلاف يتشكل من قوى وتنظيمات اسلامية، والمتنفذون فيه أحزاب الدعوة الاسلامية، الأصل والفروع.
والسؤال الآن: أين موقع الاسلام الذي تؤمن به "دولة القانون"  ومكوناتها من هذا النهب المنفلت من العقال للمال العام؟ هل هذا هو الاسلام الذي دعا اليه الدعاة وأعتُقل وتعذّب ومات من أجله المئات منهم؟
والسؤال الآخر: أين موقع القانون الذي يتخذ "دولة القانون" منه اسماً وشعاراً له من هذا التعدي السافر والتجاوز البالغ على القانون؟


106


شناشيل
مَنْ يضبط الممسوسين بالطائفية؟
عدنان حسين
أؤيد بحماسة أن يشكل مجلس النواب لجنة للتحقيق مع النائب احمد العلواني في تصريحاته وخطبه المثيرة للتعصب الطائفي والمحرضة على الحرب المذهبية كما رآها البعض. وبالحماسة نفسها أؤيد أن يجري تحقيق مماثل مع النائب مطشر السامرائي عن تصريحه الذي شتم فيه الشعب العراقي، متقصداً أو بـ "زلة لسان" ، متهماً إياه بـ "الدايح".
 من واجب كل عائلة أن تضبط سلوك أفرادها، ومن واجب كل حزب وجمعية وهيئة ومؤسسة أن تراقب أعضاءها لتضمن حسن سلوكهم، ومن حسن السلوك حلو الكلام وليس خبيثه. والبرلمان هو الآخر مطلوب منه ضبط سلوك أعضائه وتصرفاتهم وتصريحاتهم ليضمن أن يكونوا عند المستوى اللائق بهيئة رفيعة المقام تمثل الشعب. وبكامل الصراحة ان برلماننا يعجّ ويضجّ بالاعضاء سيئي السيرة والسلوك.
لكن.. لكن لا ينبغي الكيل بمكيالين والنظر بعين واحدة والسماع بأذن واحدة. ففي مجلس النواب، وفي مختلف هيئات الدولة العليا وفي هيئات ومؤسسات دينية تترامى رقعتها على مساحة البلاد، يوجد الكثير ممن يُشبهون أحمد العلواني في طائفيته التي لا يعترف بها علناً ومطشر السامرائي في احتقاره الصريح لعامة الناس. وهؤلاء موجودون بين الشيعة كما بين السنة، وتتداول وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تصريحاتهم على نطاق واسع يومياً تقريباً، بل ان هناك ممارسات وسلوكيات طائفية لهؤلاء ولغيرهم تترافق مع التصريحات أو تنفرد بنفسها. ولو أن الاحزاب والجماعات والهيئات والمؤسسات الشيعية والسنية قد ضبطت سلوك أعضائها على الايقاعات غير الطائفية ما كان الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد قد تردى الى هذا الحد ولا انحدر الى هذا الدرك.
منذ أن تأسست العملية السياسية على القواعد الطائفية، ومنذ أن تولت الأحزاب الاسلامية، وهي جميعاً طائفية وإن لم تعترف، إدارة هذه العملية، صار التحريض الطائفي والمذهبي ممارسة منتظمة ومباراة يُفاخر بها مرتكبوها ويتحمسون لأداء أدوارهم فيها. وكل ما جرى على مدى السنين العشر الماضية من ارهاب وأعمال عنف كانت تصريحات الطائفيين وممارساتهم العملية باعثاً قوياً ودافعاً شديد البأس له.
يريد الشيعة الا يتجاوز سنّيّ على معتقداتهم وشعائرهم؟ فلينضبط طائفيوهم أو لتُضبط ألسنتهم وسلوكياتهم.
يريد السنّة الا يتجاوز شيعي على معتقداتهم ورموزهم؟ فلينضبط طائفيوهم أو لتُضبط ألسنتهم وسلوكياتهم هم أيضاً.
 تصريحات النائبين العلواني والسامرائي وممارسات غيرهما من الشيعة والسنة، هي جزء من هذه الفوضى غير الخلاقة في عمل دولة ما بعد 2003 وادارتها، والانحدار والتهالك والتهافت في الممارسة السياسية للاحزاب والجماعات والشخصيات السياسية النافذة في هذه الدولة، وهي اسلامية من دون شك ولا ريب.


107
شناشيل
إناء مجلس النواب ينضح بما فيه
عدنان حسين


سواءً كان يعني تماماً ما يقول أو ان التعبير قد خانه، فان تصريح عضو مجلس النواب عن الحزب الاسلامي العراقي مطشر السامرائي لم يستفزّني، مع انني أحد الذين شتمهم النائب بوصفه الشعب العراقي بـ "الدايح" و"البائس".
من أسباب عدم الاستفزاز ان وصف النائب الاسلامي الشعب العراقي بالبائس هو تعبير عن حقيقة قائمة.. الشعب العراقي بأغلبيته الساحقة بائس، فهو من الشعوب القليلة في العالم التي يعيش 20 بالمئة منه تحت خط الفقر ومثلها تقريبا نسبة العاطلين عن العمل  و26 بالمئة من شبابه أميون، مع ان هذا الشعب يعيش في واحدة من أغنى الدول قاطبة. ومن أهم أسباب هذا البؤس ان اغلبية اعضاء مجلس النواب هم من فصيلة السامرائي.
السبب الآخر لعدم الاستفزاز ان القاعدة الذهبية عندي ان كل إناء بما فيه ينضح. ومن غير المنتظر، مثلاً، من الخبيث عملاً طيباً، كلاماً طيباً. وبتوصيفه إيانا شعباً "دائحاً" يكون النائب الاسلامي قد عبّر عن ذاته وعمّا في دواخله.
ليس بالغريب أن نسمع كلاماً من هذا النوع من عضو في مجلس النواب، ومن عضو اسلامي بالذات. الغالبية الساحقة من أعضاء مجلس النواب تحتقر الشعب العراقي، والدليل فشل البرلمان (الحالي والسابق) في تشريع القوانين التي تمسّ حاجة الشعب اليها، وفي تنفيذ واجبه في مراقبة أداء السلطة التنفيذية ومساءلتها عن أوجه القصور الكثيرة والفشل المتواصل في عملها.
ليس مطشر السامرائي وحده، وانما النواب الاسلاميون بعمومهم، كما قادة الاحزاب والجماعات الاسلامية، في العراق وخارجه، يتعاملون مع الناس باستعلاء .. انهم ينظرون اليهم بوصفهم رعايا وأتباعاً ومريدين، وينظرون الى انفسهم بوصفهم أسياداً وأئمة وخلفاء الله على الأرض، منهم الأمر وعلى عموم الناس الولاء والطاعة.
اذا كان سوء الحال المعاشية للشعب العراقي سبّة فان نائب الحزب الاسلامي مطشر السامرائي وزملاءه في مجلس النواب مسؤولون مسؤولية مباشرة عن هذا.. الشعب رفعهم الى مواقعهم ومناصبهم الحالية (معظمهم كانوا في السابق ممن تصح عليهم الصفة التي أطلقها السامرائي على الشعب)، ووضع في أيديهم اكثر من مئة مليار دولار سنوياً، ووكلهم أمر رسم الخطط وتشريع القوانين اللازمة لانتشاله من بؤسه وفقره وتخلفه، بيد ان السامرائي وزملاءه نكثوا العهد وأخلفوا الميعاد، فبقي الشعب على الحال نفسها من البؤس والفقر والتخلف وعدم الأمان.
اذا كان هناك "دائحون" فليسوا افراد الشعب الذين لا يريد النائب السامرائي النزول الى مستواهم، وانما هم "نوابه" الذين يغيب نحو مئة منهم أو أكثر في كل جلسة من جلسات البرلمان، فيما يُشغل معظم الآخرين أوقات الجلسات بالمناكفات والمزايدات والمهاترات.
لا أعرف إن كان النائب الاسلامي مطشر السامرائي بين الذين يتغيبون كثيراً عن الجلسات،  لكنني أعرف انه أحد الذين فشلوا في بلوغ العتبة الانتخابية في محافظته (صلاح الدين) خلال انتخابات 2010، فمنحه رئيس كتلته مقعداً برلمانياً استناداً الى قانون انتخابي فاسد (غير دستوري)، بحكم المحكمة الاتحادية.
و"رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه".





108
شناشيل
شر البلية ما يُضحك.. في واسط

عدنان حسين

حتى بضعة أيام مضت كنا نعتقد أن أفضل مجلس محافظة في البلاد هو مجلس ميسان (العمارة) وان افضل محافظ هو محافظها السيد علي دواي. لكن ظهر الان مجلس منافس ورئيس مجلس منافس، هما مجلس واسط (الكوت) ورئيس المجلس السيد مازن الزاملي.
في أقل من ثلاثة أشهر بعد تشكيل مجلس واسط ومحافظها غدت هذه المحافظة في الطليعة.. الخدمات العامة فيها لا مثيل لها إلا في الدول والمدن المتقدمة والمتحضرة، فالكهرباء تعمل أربعاً وعشرين ساعة في اليوم، وشوارع الكوت وسائر مدن المحافظة تلمع لمعاناً من شدة نظافتها.. مجاري الصرف الصحي متوفرة في كل حي وزقاق.. الحدائق والمتنزهات غناء، والمكتبات والمراكز الثقافية والرياضية ودور المسرح والسينما والمدارس والمستشفيات والمستوصفات بعدد السيارات الجارية في الشوارع.. لا أزمة سكن في المحافظة ولا مشكلة بطالة ولا رائحة للفقر ولا لخطه ولا لناس تحت هذا الخط، فمشاريع الصناعة والزراعة والري القديمة والجديدة تعمل بطاقتها القصوى، وقد تستورد المحافظة في القريب العاجل قوة عاملة من خارجها.
لا تصدقون؟ .. نعم أنني أسخر، فشرّ البلية ما يضحك.. واسط كانت على الدوام من المحافظات المنكوبة بالحروب والفيضانات وبالفساد المالي والاداري أيضاً. وفي انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة غيّر الناخبون الخارطة السياسية لمجلس المحافظة يحدوهم الأمل بان تتغير نحو الأفضل الحياة في المحافظة، لكننا نجد أن المجلس الجديد يترك كل شيء ويولى اهتمامه لقضية الإشارة الصوتية الصادرة عن باعة أسطوانات الغاز الجوالين!!
جاء في الانباء ان رئيس مجلس المحافظة مازن الزاملي اعلن ان المجلس "اتخذ قراراً يقضي بمنع باعة غاز الطبخ المتجولين من استخدام منبهات السيارات الذين اعتادوا عليها واستبدالها بأي نغمة إسلامية تتماشى مع الذوق العام لأفراد المجتمع الواسطي"!!
ناخبو واسط كانوا في انتظار قرارات تكافح الفساد المالي والاداري والبيروقراطية في دوائر المحافظة، وتؤمن الخدمات الاساسية ونظافة الشوارع واعادة الاعمار، وما الى ذلك.
ماذا تعني "النغمة الاسلامية"؟ هل هي تلاوة من القرآن أو الحديث النبوي؟ هل هي توشيح ديني؟ هل هي تكبير؟ هل هي رَدّة حسينية؟
اذا كانت "النغمة الاسلامية" هي واحدة من هذه، كيف يكون الحال مع الباعة الذين يستخدمون الدواب، وبخاصة الحمير، في جرّ عرباتهم؟ كيف يضمن مجلس محافظة واسط الا تنهق الدابة اثناء بث "النغمة الاسلامية"؟!
ما هذه المسخرة؟.. هل بعد هذا القرار سيفرض المجلس على اصحاب السيارات أن يغيروا نغمة البوق المعتادة الى "نغمة اسلامية" أيضاً؟.. هل، بعدئذ، سيدخل أعضاء مجلس محافظة واسط الى البيوت وغرف النوم ليقرروا كيف يجب أن يأكل الناس ويلبسوا ويناموا .. على الطريقة الإسلامية؟!
عيب كبير ما تفعلون يا أعضاء مجلس محافظة واسط.. اهتموا بما ينفع الناس بدلاً من انشغالكم بما لا يفيدهم في شيء.


109
شناشيل
قصة بوليسية من مجلس النواب!
عدنان حسين

لست أفهم أيّ مصلحة لنائب منتخب من الشعب، أو معيّن من رئيس كتلته عضواً في البرلمان ليقوم مقام نائب الشعب، في أن يلعب دور محامي الشيطان؟ وما من شيطان ألعن من الفَسَدة سراق المال العام والمتواطئين معهم، فكل ما يعانيه العراقيون منذ عشر سنين هو من صنع أيديهم.
النائب عن ائتلاف دولة القانون شاكر الدراجي طلع علينا بشهادة حسن سلوك للمتهمين بالفساد في صفقة الأسلحة الروسية التي لم تُعقد، قبل أن تقول لجنته والقضاء كلمتهما، فقد تفتّق ذهنه عن حكاية من نوع قصص أرسين لوبين، مع فارق كبير جداً هو ان لوبين كان لصاً مُتخيلاً ظريفاً للغاية، أما لصوص مالنا العام فحقيقيون، وأثقل من حجر الجبال، ومجرمون من الطراز الاول في حق 35 مليون عراقي يعيشون الحياة وفي حق مئات الملايين من أخلافنا الذين سيُحرمون هم أيضاً، كما آباؤهم واجدادهم، من ثروة تخصّهم يستولى عليها الآن نفر لا ذمة له ولا ضمير.
النائب الدراجي ، وهو عضو اللجنة البرلمانية التي حققت في القضية قال في تصريح صحفي إن "المخابرات الاميركية (CIA) دخلت بقوة على خط صفقة الاسلحة الروسية عبر بعض الاشخاص وأثارت غباراً حول الصفقة وسعت بقوة الى الغائها"، وأضاف "لا توجد أي أدلة موثقة تؤكد وجود فساد في صفقة الاسلحة الروسية، وكل ما قيل هو مجرد تكهنات"، لكنه استدرك "لا استبعد وجود اطراف حاولت الاستفادة من الصفقة، إضافة الى وجود أطراف سياسية أخرى سعت إلى إلغاء الصفقة".
نتمنى من القلب ان الفساد في هذه الصفقة قضية ملفّقة تماماً، ونتمنى من القلب أيضاً ألا يكون هناك فساد من أي نوع وبأي درجة في سائر صفقات الاسلحة والسلع المستوردة والمشاريع المتعاقد على انشائها، وبخاصة مشاريع الكهرباء والنفط والزراعة والصناعة.. عدم وجود فساد يعني انطلاق عملية التنمية وإعادة الاعمار المتوقفة للعام الحادي عشر على التوالي، بل قبل ذلك بسنين عدة منذ عهد النظام السابق. وانطلاق التنمية واعادة الاعمار يعني مكافحة البطالة والفقر، وهذا بدوره يعني تجفيف مصادر تمويل الارهاب والجريمة مادياً وبشرياً، وبالتالي تحقيق الأمن والاستقرار في البلد.
لا شك أن شخصا مثل النائب الدراجي يُمكنه أن يتوافر على معلومات دقيقة عن الصفقة ومجرياتها، ولكن ليس بالضرورة إن الذي يعرف مثل هذه المعلومات سينطق بالحقيقة. ولكن ثمة أسئلة يتعيّن على النائب الدراجي الاجابة عنها لكي نأخذ معلوماته على محمل الجد.
لماذا لم تُعقد الصفقة اذن؟ لماذا ألغاها أو جمّدها رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي وأعاد تشكيل اللجنة المكلفة بعقد الصفقة للتفاوض من جديد مع الجانب الروسي؟ ولماذا أقال الرئيس الروسي وزير دفاعه ورئيس الاركان السابقين اللذين قالت وسائل اعلام روسية ودولية ان الاقالة جاءت على خلفية قضايا احتيال وفساد مالي، بعضها على صلة بالصفقة غير المكتملة مع العراق؟
ولماذا أيضاً أرغم السيد المالكي الناطق السابق باسم الحكومة علي الدباغ على الاستقالة من منصبه؟ ولماذا أعلن بعض النواب المقربين من المالكي، كعزت الشابندر، وجود عنصر فساد في الصفقة، وانه شخصياً أخبر السيد المالكي بذلك؟
وأخيراً، لماذا أكد نواب من كتل أخرى، بعضهم زملاء للنائب الدراجي في لجنة التحقيق، على نحو قاطع ان هناك فساداً في صفقة الاسلحة الروسية؟
هل يجيبنا السيد الدراجي عن هذه الأسئلة أم "سيُغلّس" ؟


110
شناشيل
ما غريب الا الشيطان يا تيم أرانغو!
عدنان حسين
الصحفي الأميركي النبه تيم أرانغو الذي يدير مكتب "نيويورك تايمز" في بغداد، تحدث في آخر تقاريره المميزة عن واحدة من المفارقات الكثيرة التي نعيشها مع حكومة إذ نصفها بالفاشلة فانما نعكس واقعاً لم نكن نرغب فيه. فكلفة فشل الحكومة نحن من يدفعها، وهي كلفة ثقيلة ثمنها الأمن المُفتقد والاستقرار المُضاع، والحريات الناقصة والخدمات الاساسية الشحيحة، والمستقبل الموضوع على كفّ عفريت.
أرانغو كتب عن خطة لانشاء متحف حكومي يُحيي ذكرى ضحايا الاستبداد والقمع الدكتاتوريين في عهد صدام، ويحفظ الشواهد على الانتهاكات الفظة لحقوق الانسان. لكن الزميل الاميركي يسجّل باندهاش ان الحكومة التي تقوم بهذا تمارس هي أيضاً ما لا يفرق كثيراً عن ممارسات نظام صدام على صعيد حقوق الانسان.
في عهد صدام كانت الملاحقات والتعذيب والقتل ممارسة روتينية، ضحاياها ليسوا فقط من المناوئين والمعارضين وانما أيضاً كثيرون ليسوا كذلك، وهم ممن نصفهم تقليدياً بانهم "من أهل الله". والآن في عهد نوري المالكي تتواصل الممارسات ذاتها .. الاجحاف والتمييز والاعتقال غير القانوني والمعاملة الوحشية من قبل عناصر الأمن والقوات الخاصة، وحتى القتل.
ويلاحظ أرانغو تلاشياً في الأمل بتحقيق الاستقرار بعد عشر سنوات حافلة بالعنف، فيما تتضاعف المخاوف من عودة العهد الجديد الى الاساليب ذاتها التي انتهجتها أجهزة صدام القمعية ضد ناخبي المالكي من الشيعة!
واستحضر أرانغو حملات الإعتقال العشوائية  التي شُنت في الاسابيع الأخيرة بعد تفاقم الهجمات الارهابية، وما رافق تلك الحملات من "تعذيب لانتزاع الاعترافات والاستغلال المشين لشهادات المخبرين السريين في كيل اتهامات وطلب رشاوى بشكل متكرر من عائلات المعتقلين".
نضيف الى معلومات الزميل الاميركي القيّمة ان الممارسات القمعية غير القانونية لا تقتصر على المشتبه في انهم ارهابيون .. فالشباب الوطني الذي تظاهر السبت الماضي ضد فساد الطبقة السياسية تعرض للمعاملة السيئة، خصوصاً في بغداد والناصرية، برغم ان المطالب التي نادى بها المتظاهرون أقرّ المالكي وحزبه بانها صحيحة ومُحقة ودستورية وان التظاهرات كانت سلمية، والدستور يكفل حرية هذا النوع من التظاهرات.
وفي احدى الوقائع جرى، على هامش التظاهرات، اعتقال شخصية سياسية وطنية معروفة، هو السيد عبد فيصل السهلاني الذي كان أحد المساهمين في كتابة دستور 2005، فقد دوهم بيته وأسيء اليه والى افراد عائلته على نحو غير مبرر واقتيد الى المعتقل من دون مذكرة قضائية.. كل ذلك من دون أي تهمة محددة. .. فقط لأنه ينتقد في بعض الأحيان سياسات الحكومة ورئيسها.
وهذه صارت ممارسة روتينية، وهي تشمل حتى الشخصيات غير السياسية من الاختصاصيين في المجالات المالية والاقتصادية وسواها. ومن أبرز الامثلة على هذا ما حدث لخبراء البنك المركزي، فقد لوحق واعتقل عدد غير قليل من أكثر قيادات البنك نزاهة ووطنية، كالمحافظ سنان الشبيبي ونائبه مظهر محمد صالح.. وحتى الان، بعد مرور نحو سنة على تلك الاجراءات، لم تقدّم الحكومة أي دليل على صحة اتهاماتها الموجهة الى هؤلاء النساء والرجال الذين أمضى العديد منهم في الاعتقال أكثر من ستة أشهر في ظروف غير انسانية، من دون التحقيق معهم أو توجيه تهمة اليهم.
المفارقة التي لفتت انتباه تيم أرانغو، يعيش العراقيون اشكالاً والواناً منها على مدار الساعة.





111
شناشيل
مجلس النواب عكس التيار
عدنان حسين

أحسنَ مجلس النواب صُنعاً أمس بتصويته على رفض الطلب المقدم من كتلة الاحرار لمناقشة الاحداث التي رافقت التظاهرات الأخيرة، فهذا التصويت أثبت وعزز فكرتنا، وفكرة الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، عن المجلس، ولم ينقضها أو يهزّ الثقة بها.
والفكرة السائدة عن برلماننا مؤسفة للغاية، فهو في أعين الناس مؤسسة فاسدة، بفساد الأغلبية من أعضائه التي تُمرر القوانين "التعبانة" وتُعرقل تشريع القوانين التي فيها مصلحة للشعب، وتحول (هذه الاغلبية) دون أن يتمتع مجلس النواب بكامل صلاحياته الدستورية بوصفه، بالاضافة الى سلطته التشريعية، سلطة رقابة حازمة وصارمة وأمينة على أعمال الحكومة وسائر مؤسسات الدولة.
لو لم يكن المجلس فاسداً (بفساد أغلبيته) لأدرك ان موضوع التظاهرات يتعيّن أن يكون على رأس جدول عمله في جلسة أمس، ولأتاح الفرصة الكافية للأعضاء لكي يناقشوا هذا الموضوع بإسهاب.
التظاهرات عبّرت عن موقف شعبي واسع. وهذا ما أقرّت به الحكومة التي أعلنت تفهمها للمطالب المرفوعة فيها وتأييدها لها. ومن المفترض أن مجلس النواب يمثل الشعب، وكان من اللازم أن يتبنى المجلس ما يتطلع اليه الشعب وما يرغب فيه، وأن يعمل لتحقيقه، فهذه هي المهمة الأساس التي أُنتخب الأعضاء لها.
تصويت مجلس النواب على رفض طلب كتلة الأحرار يعني ان الأغلبية من أعضاء المجلس يناهضون موقف الشعب والهيئات الاجتماعية المختلفة، المدنية والدينية.
مطلب إلغاء الرواتب التقاعدية والامتيازات الممنوحة للنواب وسائر المسؤولين الكبار في الدولة أو الحدّ منها ليس هو الموضوع الوحيد الذي كان يستحق المناقشة في مجلس النواب، اذا كان النواب حريصين على امتيازاتهم الى هذا الحد الجنوني، فموقف الحكومة المُسبق المناهض للتظاهرات، في مخالفة صريحة وفاقعة لأحكام الدستور، والتعامل المتعسف لقوات الأمن مع المتظاهرين هذه المرة أيضاً (في الناصرية وبغداد خصوصاً)، كانا مما يستدعي المناقشة في الهيئة التمثيلية للشعب. بل كان من الواجب أن يمارس البرلمان دوره ويؤدي واجبه في مساءلة قيادات حكومية تقع عليها المسؤوليات المباشرة أو غير المباشرة عن هذا الانتهاك للدستور .. الدستور الذي بموجبه تولّى النواب مناصبهم التي بواسطتها حصلوا على رواتبهم العالية وامتيازاتهم المبالغ فيها.
موقف مجلس النواب أمس ينبغي ان ننظر اليه بوصفه المسمار الأخير في نعش هذه الهيئة التي خيّبت الآمال على الدوام... اننا في الواقع بإزاء برلمان ميت، وإكرام الميت يكون بدفنه. لم يعد ثمة أمل يرتجى من هذا المجلس مادام أعضاؤه لا يبالون إلى هذه الدرجة بما يجري لمن انتخبوهم من تعسف ومصادرة لحقوقهم الأساس.

112
شناشيل
مثقفون خارج نطاق التغطية!
عدنان حسين

((بخلاف القنوات المصرية.. فضائيات العراق تتجاهل "فردوس بغداد" وتنشغل بـ"البصل" و"المكياج"‏)).
هذا هو العنوان الذي اختارته احدى وكالات الأنباء المحلية (شفق نيوز)  لتقرير بثته نهاية نهار أمس الأول الذي شهد تظاهرات شعبية لم تقتصر على العاصمة بغداد وانما امتدت إلى اثنتي عشرة محافظة.
عرض التقرير انتقادات لشخصيات إعلامية بشأن "الغياب التام للقنوات الفضائية عن حدث اليوم (التظاهرات)، ما عدا قناة البغدادية التي تواجدت في محافظة ذي قار الجنوبية بنقل مباشر للأحداث، وسرعان ما تمت مصادرة أجهزتها"، كما جاء في مقدمة التقرير.
ولفتت احدى هذه الشخصيات (د. نبيل جاسم) إلى "أن وسائل الإعلام المصرية هي التي قادت التغيير في مصر"، ولاحظت ان القنوات العراقية كانت جميعا تقريباً مشغولة عن التظاهرات التي دامت ساعات وتعرض بعضها للقمع غير المبرر من القوات الأمنية، وبخاصة في الناصرية وبغداد.. بماذا انشغلت تلك القنوات؟ .. "الشرقية مع محمود المشهداني رئيس البرلمان السابق، العراقية ملتهية بالبصل، الرشيد مكياج، السومرية مع شيف خلدون ولانشون ويا سلام سلم، الاتجاه ولقب الدوري، الفيحاء: كاميرا تجول في العشوائيات، البابلية ونهر دجلة، الديار وأطلس العالم والشعب والربابة!". كما يسجل الزميل جاسم.
يمكن لهذه القنوات أن تتذرع بمنع المراسلين والمصورين من الوصول إلى ساحات التظاهر، لكنها حجة متهافتة في الواقع، فمراسلو البغدادية ومصوروها، كما المتظاهرون انفسهم، تجاوزوا الحواجز الكونكريتية العالية والأطواق العسكرية المحكمة. ولو كانت القنوات المتحججة بالمنع جادة لرتّبت ونسّقت مع نشطاء التظاهرات الذين كانوا يصورون كل شيء بدأب عبر تلفوناتهم المحمولة وأجهزة "آيباد".
المشكلة لا تنحصر في القنوات التلفزيونية الخوّافة - حتى لا نقول المراعية مصالحها مع الحكومة – فهي يتسع نطاقها ليشمل الطائفة الأكبر من المثقفين.
في مصر، ليست القنوات التلفزيونية وحدها من قاد التغيير وساهم في صناعته، فمثقفو مصر، وفي مقدمتهم كبار الادباء والكتاب والفنانين والاكاديميين، واتحاداتهم ونقاباتهم، كانوا في طليعة المتظاهرين والمعتصمين في فبراير (شباط) 2011 وفي يونيو (حزيران) 2013. وفي زمن مضى كان كبار مثقفي العراق يتقدمون على السياسيين في تصدّر الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية ضد السياسات الحكومية الجائرة. أما الان، فباستثناء عدد قليل، لم يظهر المثقفون وقيادات الاتحادات والنقابات الثقافية حتى في الصفوف الخلفية للتظاهرات. وهذا مسلك منتظم ومتكرر. كبار المثقفين يبدون مستنكفين عن النزول الى الساحات والشوارع، والاتحادات والنقابات الثقافية، كاتحاد الادباء ونقابة الفنانين، تبدو أسيرة الدعم الحكومي المالي البائس الذي تؤمنه لنفسها ولاعضائها، فلا نسمع لها صوتاً ولا نرى منها إشارة لا قبل خراب البصرة ولا بعده.. انهم خارج نطاق التغطية، أو ان بطارياتهم منتهية الشحن!

113
شناشيل
يوم اندحار آخر للمالكي
عدنان حسين

قبل أن تندسّ في فراشك وتخلد الى النوم، هل وصلتك برقية أو مكالمة من كبار جنرالاتك تطمئنك إلى ان "دار السيد مامونة"؟ .. هل أكد لك الجنرالات انهم أحكموا الطوق حول ساحتي التحرير والفردوس ومقترباتهما وما يؤدي اليهما من شوارع ودرابين؟
هل قالوا لك بكل يقين انه لم يعد بإمكان جرذ أو فأر أو ذبابة أو طائر أن يقترب، مجرد الاقتراب، من الساحتين؟
هل فكّرتَ، قبل أن تستسلم لسلطان النوم، بانك في صباح اليوم التالي (أمس) وانت تتناول الفطور مع أفراد عائلتك أو مع بعض من خاصتك من مستشاري السوء، ستضحك وإياهم من الأعماق لأن قواتك قد عاهدت فأوفت بالعهد ووعدت فكانت عند ما وعدت به، وان الذين تحضّروا للتظاهر من أجل الغاء أو الحد من الرواتب التقاعدية للنواب وسائر المسؤولين الكبار في الدولة، سيُسقط في أيديهم؟
هل نمتَ قرير العين، مرتاح النفس، هادئ البال، ممتلئاً بشعور الانتصار الموعود على "أعدائك"؟
إنني أعنيك أنتَ بالذات .. السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية بالوكالة، وربما الدفاع والأمن الوطني أيضاً، والأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية (يكفي هذا فقد انقطع نفسي من تعداد وظائفك ومناصبك) .
لا يا سيدي.. انهم (جنرالاتك) كذبوا عليك، أو أساؤوا تقدير الموقف، فهم حلموا تلك الليلة بألا يتظاهر شخص واحد في بغداد يوم أمس الذي حددته اللجنة المنظمة للحملة الشعبية المطالبة بالغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين وأمثالهم .. أنت ايضاً حلمت بهذا. ولكن .. انتم الذين أُسقط في أيديهم، فلقد تحديناكم، أنت وجنرالاتك ومستشاري السوء المحيطين بك .. فإذ لم نستطع الوصول الى التحرير والفردوس، أنشأنا ساحة أخرى في شارع النضال .. تجمعنا فيها بحدود 2500 متظاهرة ومتظاهراً.. رفعنا العلم العراقي وتغنينا بالنشيد الوطني ورددنا الشعارات التي نريد .. لم تستطع قواتك منعنا .. حاولت وبذلت كل جهدها، لكن روح التحدي لدى الشباب والشيوخ أخافتهم .. كل واحد منا وصل الى المكان بحيلته الخاصة .. وللتاريخ فان بعض الجنود ورجال الشرطة والضباط "تواطأوا" معنا، فسمحوا لنا بالتسرب أفراداً ومجموعات صغيرة، مع انهم أبلغونا بان لديهم أوامر مشددة وقاطعة وحازمة بمنع كل نوع من أنواع التظاهر .. كانوا شباناً جميلين يحملون في دواخلهم غضبنا على برلمان حكومتك نفسه، ادركوا أننا سلميون ولسنا إرهابيين، ومطالبنا هي مطالبهم ومطالب آبائهم وأمهاتهم أيضاً.
نعم كنا 2500 متظاهر .. لا تستصغر العدد، فواحدنا يعادل 100 من دون مبالغة .. قواتك انتشرت، بأوامر منك، بأعداد مهولة في كل مكان وسط العاصمة، وبعضها تعامل بقسوة مفرطة مع المتظاهرين، نساء ورجالاً سواء بسواء، والسيطرات تشددت على نحو غير مسبوق، ومع هذا تحدّينا وتجمّعنا وقلنا ما كنت أنت وجنرالاتك ومستشاروك لا تريدوننا أن نقوله.
نعم نحن انتصرنا عليك أمس، برغم انك أتيت بما لم يأت به قبلك سوى حاكم عراقي واحد .. اجراءاتك الأمنية المشددة لم يفعل مثلها كل رؤساء حكومات العهد الملكي، بمن فيهم نوري السعيد، ولم يفعل مثلها عبد الكريم قاسم ولا عبد السلام عارف ولا عبد الرحمن عارف .. فقط نظام شباط 1963 ونظام صدام، كانا بالشدة والقسوة التي طبعتا سلوكك أمس وفي شباط 2011 وما بينهما .. هل يسرّك أن تكون في هذه الخانة؟ .. إهنأ به اذن .. اهنأ أنت وحزبك وائتلافك بعار الوقوف ضد الشعب ومطالبه.


114
شناشيل
الفرق بين كاميرون والمالكي
عدنان حسين
يتمتع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأغلبية مريحة في مجلس العموم  مكّنته من تشكيل حكومته في مايس 2010 والاستمرار فيها حتى الآن، لكنه مع ذلك لم يحقق الاغلبية عند التصويت منذ يومين على مشروع قرار مقدّم من الحكومة للمشاركة في ضربة عسكرية محتملة ضد النظام السوري رداً استخدامه السلاح الكيمياوي ضد شعبه وردعاً له.
شكّل كاميرون ، وهو زعيم حزب المحافظين، حكومته بالتحالف مع حزب الديمقراطيين الاحرار. ولم تواجه الحكومة أية مشاكل تؤثر في وحدتها، وليس من المقدّر أن تؤثر نتائج التصويت الأخير على مشروع القرار المرفوض على هذه الوحدة، فالنواب الذين صوتوا ضد رغبة كاميرون بالمشاركة في ضرب دمشق لم يكونوا من حزب العمال المعارض وحده وانما ايضاً من الحزبين الشريكين في الحكومة.
لم يحمرّ وجه كاميرون أو يزرقّ أو يصفرّ عند اعلان نتيجة التصويت المخيبة لآماله، كما كان سيحدث لو ان تصويتا كهذا أو كغيره جرى في برلماننا. كاميرون قدّم مطالعة حفلت بالحجج القوية التي تبرر التدخل العسكري لجر اذن الرئيس السوري حتى لا يمضي بعيداً في استهتاره بارواح ودماء ابناء شعبه. لكن كان هناك من لم يقتنعوا بحجج كاميرون أو لم يروا انها تبرّر تماماً تدخلاً عسكرياً بريطانياً، من منطلق ان هجمات الكيمياوي في سوريا لم تتسبب في وفاة أو اصابة مواطنين بريطانيين.
لم يغضب كاميرون للنتيجة ولم يتخذ قراراً بمقاطعة البرلمان، فبهدوء قال "اتضح لي أن البرلمان البريطاني الذي يمثل آراء الشعب البريطاني، لا يريد تدخلاً عسكريًا بريطانيًا. لقد اخذت علمًا بهذا الأمر والحكومة ستتصرف بناء عليه"، واضاف "أؤمن بشدة بوجوب أن يكون هناك رد قوي على استخدام أسلحة كيمياوية، ولكني أؤمن أيضًا باحترام إرادة مجلس العموم".
هنا ، في بلادنا، تغرق الشوارع والساحات والاسواق والاحياء السكنية يومياً في بحيرات من الدماء .. تُزهق أرواح العشرات ويُصاب المئات يومياً أيضاً، فيما رئيس الحكومة الذي يتولى أيضاً قيادة القوات المسلحة واجهزة الأمن، يرفض المثول امام البرلمان الذي وضعه في هذه المناصب، ويُلزم وزراءه المعنيين وجنرالات الجيش والداخلية بعدم الحضور بطلب من البرلمان لتقديم الحقائق عما يجري على الصعيد الأمني.
في بريطانيا لا تستطيع الحكومة ورئيسها أن يتجاوزا البرلمان في أي قرار يتعلق بالامن والدفاع. أما لدينا فان البرلمان، بجلالة قدره، لا يمكنه الحصول على معلومة مفيدة من الحكومة ورئيسها حتى لو تعلق الأمر بأمن المواطن .
كيف ولماذا؟




115
شناشيل
بيان أم رسالة تهديد ؟
عدنان حسين
يبدو ان وزارة الداخلية اقتنعت أخيراً بانه يتعين على مسؤوليها الكبار أن ينزلوا من عليائهم ويتواضعوا ويتصرفوا بوصفهم موظفين في الدولة التي هي دولة الشعب وليست اقطاعيتهم الخاصة، فيخاطبوا الشعب أو فئات منه، وإن في صيغة الوعيد المغلف بالشعارات.
لكن الوزارة  التي صمتت دهراً، وبخاصة حيال مسيل الدم المتدفق من العراقيين،  نطقت كفراً في. البيان الذي اصدرته أمس بشأن التظاهرات المزمع اجراؤها يوم السبت المقبل للمطالبة بالغاء أو الحد من الامتيازات الكبيرة الممنوحة لاعضاء مجلس النواب وسواهم من مسؤولي الدولة الكبار، وباصلاحات في العملية السياسية وادارة الدولة وخاصة في مجالي الأمن والاقتصاد.
الوزارة تقرّ، في بيانها، بالحق المكفول دستورياً في التجمع والتظاهر والتعبير عن الرأي، لكنها تريدنا الا نتمتع بهذا الحق بحجة ان "ظروف البلاد العصيبة والتحديات الأمنية الجسيمة واكتظاظ شوارع وساحات العاصمة الحبيبة بسبب الإجراءات الاحترازية" لا تسمح بهذا الآن، وان "هناك من يتربص بالمواطنين الدوائر ويحرص على استهدافهم باعتداءات اجرامية دموية تزيد المشهد الأمني والسياسي في البلاد تعقيداً، وتضيف الى البلاد مشاكل القلاقل والفتن التي هي في غنى عن المزيد منها"، وان "مطالب من يريد التظاهر قد وصلت الى اسماع السلطات السياسية والتشريعية والتنفيذية في البلاد"!
 بعيدا عن الكلمات المنمقة والجمل الانشائية المثقل بها البيان، فانه في الواقع رسالة تهديد للذين يعتزمون التظاهر يوم السبت المقبل. التظاهر غير مسموح به، ولكن ليس أي تظاهر... التظاهرات التي يتذكر منظموها فجأة القدس المحتلة ويومها ذريعة لرفع صور الزعماء الاجانب الاحياء والاموات، مسموح بها، فالمنظمون هنا موالون، والولاء لدولة الرئيس مُقدّم على كل حق دستوري .. وقبلها استعراضات الميليشيات مسموح بها أيضاً، بل مرغوب فيها بشدة لأنها تنطوي على رسالة تهديد وإغاظة الى المنافسين والخصوم.
في عرف الداخلية ومَنْ وراءها، تظاهرات الموالين واستعراضات الميليشيات (البديلة) تجري في الفضاء الخارجي، فلا تؤثر أو تتأثر بظروف البلاد العصيبة والتحديات الامنية الجسيمة ولا علاقة لها باكتظاظ الشوارع والساحات  في العاصمة "الحبيبية" (أعجبني كثيراً هذا التعبير الصادر عن وزارة الداخلية التي لديّ فكرة متأصلة عن انها والحب في خصومة منذ الأزل والى الأبد).
من دون تظاهرات ومن دون اعتصامات ومن دون استعراضات لغير الموالين، يمارس الارهابيون براحة وحرية طقوس القتل والتدمير يومياً .. نعم يومياً من دون اي مبالغة، والداخلية، ومعها الدفاع ، تظهر مستسلمة وخانعة وخاضعة لما يبدو انه قدر محتم للعراقيين. وإذ نتفحص نجد ان خيوط هذه الراحة والحرية تمتد الى التواطؤات الجارية في الداخل. فبماذا ينفع عدم التظاهر الذي تريده الداخلية؟
رسالة التهديد وصلت.. ولا أظن انها ستفتّ في عزيمة الشباب الفائر دمه من اجل وطنه ومستقبله ومصيره الموضوعة جميعاً على كف عفريت للعام العشر على التوالي.





116
شناشيل
لماذا صدر الأمر السامي؟
عدنان حسين
في طول التاريخ البشري وعرضه لم يتحقق أي نصر موهوم .. كل الانتصارات كانت واقعية وحقيقية، ان في ساحات الحروب او في مناحي الحياة المختلفة. من المفارقات ان حكومتنا تسعى لتحقيق نصر موهوم، للتخفيف من الرصيد المرهق لفشلها المتكرر .. انها تحتاج الى نصر كهذا لتطمين نفسها الى ان الفشل الذريع ليس بالضرورة حليفها في كل حين ومجال، الأمن والاقتصاد والخدمات والادارة، وسواها.
 من دون تردد صدر الأمر "السامي" من الحكومة الى "أهل البيت" في وزارة الداخلية برفض طلب التظاهر يوم السبت المقبل الذي تقدمت به اللجنة المنظمة للحملة الشعبية من أجل الغاء او الحد من الرواتب التقاعدية والامتيازات الباذخة لاعضاء مجالس النواب وسواهم من اصحاب المناصب والدرجات العليا في الدولة. تعتقد الحكومة ان الرفض سيحول دون تنظيم التظاهرات، وهي بذلك ستكون منتصرة على الارادة الشعبية. واذا حدث وخرج المتظاهرون الى ساحة التحرير أو سواها في اليوم الموعود فان قوات "سوات" وسائر القوات المتربصة والمتحفزة، الموكلة اليها مهام القمع والبطش، ستعرف "شغلها" على "خير ما يرام" من ضرب واعتقال وتلفيق تهم،  وستحقق للقائد العام وقائد عمليات بغداد ووزير الدفاع بالوكالة والوكيل الاقدم لوزارة الداخلية وجنرالاتهم شعوراً زائفاً بالنصر، بعدما عجزوا عن تحقيق أدنى نصر على جماعات الارهاب وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات ومافيات الفساد المالي والاداري وغسيل الاموال.
مع عدم تشريع قانون ينظم  عملية الاجتماع والتظاهر السلمي حتى الآن، لا يوجد ما يحول دون تنظيم تظاهرات السبت المقبل السلمية. الدستور كفل حرية التظاهر في نص واضح وصريح ومباشر، وأي عمل ستقوم به أية جهة لمنع تظاهرات السبت أو اية تظاهرات سلمية أخرى، سيكون انتهاكا سافراً للدستور، وانتهاك الدستور يقتضي المساءلة العاجلة أمام مجلس النواب والشكوى الفورية لدى القضاء.
الحملة الشعبية بشأن الرواتب والامتيازات حظيت بتأييد أوساط شعبية واسعة، ومثلها من النخبة (هيئات دينية في مقدمتها المرجعية العليا، ونقابات واتحادات ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وهيئات ثقافية وعلمية واكاديمية وفنية مرموقة)، وهي بهذا تكتسب شرعية تعزز شرعيتها الدستورية. وسيكون من حسن طالعنا ، عندما نتجمع في ساحة التحرير يوم السبت، أن نواجه باجراءات قمعية من قوات القائد العام وجنرالاته، فهذا سيرسخ الفكرة العامة عن فشل هذه الحكومة، ومن مظاهر هذا الفشل وقوفها ضد تطلعات الشعب نحو حياة آمنة ومستقرة ومرفهة، وهو ما كان يمكن تحقيقه منذ سنوات لو كانت الحكومة غير هذه الحكومة ولو كان قادة الأمن والدفاع غير القادة الحاليين المتخم رصديهم بالخيبة والفشل في مكافحة الارهاب والعنف والجريمة.
لا ينبغي لأحد أن يخشى مما يمكن أن يقع يوم السبت.. سلب حقنا في التظاهر السلمي يشبه سلب حقنا في الحياة .. وكل ما ستفعله قوات الحكومة سيكون مكشوفاً للرأي العام المحلي والخارجي .. آلاف الكاميرات ستنقل ما سيجري  بالتفصيل أولاً باول، كما حدث في ساحات التحرير المصرية والتونسية واليمنية والليبية والسورية، وفي ساحات تحريرنا أيضاً اثناء تظاهرات 2011 المجيدة.
 لا بد من الإشادة بالموقف الشريف لمحافظ بغداد الجديد السيد علي التميمي الذي نطق بكلمة الحق إذ انتقد موقف  وزارة الداخلية، ومن خلفها الحكومة وجنرالاتها وقائدهم العام، مؤكداً انه ليس من حق اي جهة منع التظاهر السلمي كونه حقاً دستورياً.
 لو خُليت قُلبت.



117
المنبر الحر / برلمان ابو العانة !
« في: 12:48 26/08/2013  »
شناشيل
برلمان ابو العانة !
عدنان حسين
انه سند مكين ودعامة شديدة البأس للحملة الشعبية المتصاعدة المطالبة بإلغاء أو الحد من الرواتب التقاعدية والامتيازات المبالغ فيها لأعضاء مجلس النواب الحاليين والسابقين وسواهم من أصحاب المناصب والدرجات العليا في دولتنا الفاشلة بنظامها السياسي المعّوق بالمحاصصة والتوافقات المصلحية، الشخصية والحزبية.
ما أعنيه هو أحدث تقرير للمركز الوطني لحقوق الإنسان في وزارة حقوق الإنسان. انه يقرر أن "العراق يعتبر من البلدان الغنية بالموارد النفطية الا ان مستوى إنفاق الفرد فيه يعتبر متدنياً مقارنة بالبلدان المجاورة"، ويوضح أن "الإحصائيات تشير الى ان (18.9%) من سكان العراق هم دون مستوى خط الفقر، ويبلغ عدد السكان الفقراء (6.4) مليون نسمة ولا سيما بين سكان الريف". على اهمية هذه الارقام الا انه كان من المفيد تعزيزها بعدد ونسبة الذين هم عند خط الفقر، فهؤلاء فقراء أيضاً لانهم بالكاد يتدبرون احتياجاتهم الاساسية.
بعد عشر سنين من الخلاص من حقبة الدكتاتورية والحروب، وهو ما كان حلم كل عراقية وعراقي، وبعد عشر سنين من انتقال السلطة الى معارضين كانوا يقسمون اغلظ الايمان انهم سيحولون العراق الى جنة الله على الارض بمجرد اطاحة صدام، وبعد عشر سنين من تضاعف انتاج وتصدير النفط اكثر من عشر مرات (من اقل من عشرة مليارات دولار في السنة الى 100 مليار)، لم يزل ربع سكان العراق، بلد النفط والغاز والنهرين والاهوار والجبال والسهول والعتبات المقدسة والآثار والحضارات، فقراء يكافحون من اجل البقاء على قيد الحياة عليلين وأميين ومسلوبي ابسط الحقوق.
لماذا؟ ومن المسؤول؟
السبب أنه خلال السنين العشر الماضية لازم سوء الحظ العراقيين في العهد الجديد الذي انتظروه طويلاً فلم يحظوا بحكام شرفاء ذوي غيرة ووطنية. والمسؤول الرئيس عن هذا هو البرلمان بأعضاء دورته الحالية ودوراته السابقة.. الدستور حدد نظاماً سياسياً للبلاد ابتدع اعضاء البرلمان نظاماً مختلفاً عنه تماماً، هو نظام المحاصصة والتوافقية، وزعموا انها صيغة مؤقتة لدورة واحدة، وكذبوا كذباً سافراً في هذا. وفي هذا الاطار اهمل البرلمان الحالي والسابق استحقاق تعديل الدستور الذي كان يتعين الوفاء به منذ 2006 .. والدستور وضع في أيدي البرلمان السلطة الأعلى والاسمى في الدولة، سلطة التشريع والمراقبة، ولم يفلح هذا البرلمان لا في تشريع القوانين التي تنهض بالعراق من حقبة الدكتاتورية والحروب البائدة الى حقبة الديمقراطية والتنمية المنشودة، ولا في مراقبة الحكومات الفاسدة الحانثة باليمين الدستورية ومساءلة ومحاسبة الفاسدين.. بل انه (البرلمان) نفسه غدا بؤرة كبرى للفساد.
وعلى صعيد التشريع لم يتردد البرلمان في مطلع كل دورة في تأمين احتياجات أعضائه وامتيازاته، فيما بقيت مشاريع القوانين التي يحتاجها الشعب للتحرر من ذل الفقر والتخلف مركونة على الرفوف العالية.
وفوق هذا وذاك كان البرلمان ولم يزل ساحة لتأجيج الصراعات السياسية والطائفية والقومية، واعضاؤه دعاة للعنف والقتل والإرهاب الذي يُزهق عشرات الأرواح يومياً.
لو كان البرلمانيون الحاليون والسابقون قد وفوا بما عاهدوا الشعب عليه وكانوا ممثلين حقيقيين له ولتطلعاته، ما كان هذا الشعب سيستكثر عليهم رواتبهم الحالية والتقاعدية، وما كان سيسأل حتى لو انفق الواحد منهم مليون دولار في الشهر، فخير العراق وفير وثراؤه فاحش، لكن مشكلته دائماً في حكوماته الفاسدة التي هي الآن نتاج هذا البرلمان وسابقاته.
برلمان لا يستحي أن يظل ربع سكان العراق فقراء وجهلة ومتخلفين بعد عشر سنين من إطاحة نظام صدام لا يستحق الحياة، ولا يستحق أعضاؤه رواتب تقاعدية ولو بقيمة عانة واحدة فقط.


118
شناشيل
طاحونة لا تكفّ عن الدوران
عدنان حسين
في بريطانيا توجد هيئة بين مهماتها مراقبة مواد البث الإذاعي والتلفزيوني وتلقّي الشكاوى عن هذه المواد، من أجل ضمان التزام محطات الإذاعة والتلفزيون بأخلاقيات العمل الإعلامي التي تقضي في ما تقضي بتحريم التحريض على العنف والإرهاب، والسبّ والقذف، والتمييز العنصري والجنسي والديني والمذهبي، والتجاوز على الحريات الفردية وانتهاك حرمة الحياة الشخصية.
الهيئة المعروفة اختصاراً باسم "اوفكوم" (OFCOM) مستقلة عن حق (وليست بالاسم كما عليه حال هيئاتنا المستقلة اسماً والخاضعة في الواقع لسلطة ونفوذ الحكومة، وبالذات رئيس الحكومة) وتتشكل من شخصيات اجتماعية مرموقة.
هذه الهيئة قضت أخيراً بتغريم قناة تلفزيون إسلامية تعمل في بريطانيا 85 الف جنيه استرليني (حوالي 130 الف دولار أميركي) بسبب ما وصفته بـ "تحريض على العنف" قامت به القناة عبر أحد برامجها. ورأت الهيئة ان قناة (نور) انتهكت الضوابط والأخلاقيات عندما قال أحد مقدمي البرامج، وهو رجل دين إسلامي، ان من المقبول بالنسبة للمسلمين أو حتى من واجبهم أن يقتلوا أي شخص يُبدي عدم الاحترام للنبي محمد. وما قاله بالنص رداً على سؤال لأحد المشاهدين "لا يوجد شك على الإطلاق في ان عقوبة من يُبدي عدم الاحترام للنبي محمد هي الموت". ورأت الهيئة ان مقدم البرامج ارتكب انتهاكاً خطيراً، لكنه لم يصل الى الدرجة التي تُحتّم إغلاق القناة.
حكم الهيئة لا يتعلق بالنبي محمد أو برجل الدين الإسلامي مقدم البرنامج ولا بالقناة الإسلامية، فلو كان المتحدث رجل دين مسيحياً وقال الكلام نفسه رداً على سؤال بخصوص من لا يُبدي الاحترام للمسيح أو للنبي موسى أو للملكة اليزابيث الثانية عبر قناة بي بي سي أو سكاي أو آي تي في، لكانت الهيئة قد اتخذت القرار عينه، فالمسألة هي التحريض على القتل على الأرض البريطانية من قناة تلفزيونية تعمل من الأراضي البريطانية، وهذا أمر محرّم في بريطانيا، وسائر الدول المتحضرة، مثلما هو محرّم تحقير الأديان والأجناس والقوميات ولون البشرة وجنس الإنسان. وبتقاليد وقواعد وأنظمة وقوانين من هذا النوع وبقرارات كقرار افكوم، وبالتعليم منذ الصغر، تحفظ الدول المتحضرة سلمها الأهلي وتوطّد أمنها الاجتماعي.
يومياً يجري التحريض على القتل والعنف والإرهاب عبر الأثير العراقي مئات المرات، ولا من يعترض أو يحكم بالغرامة. لا أتابع إلا قليلاً محطات الإذاعة المحلية، لكنني استطيع الزعم بان كل القنوات التلفزيونية، بما فيها الحكومية (شبكة الإعلام) تبث موادّاً تنطوي على تحريض مباشر أو غير مباشر على العنف والإرهاب، ويمرّ كل شيء من دون مساءلة ومن دون تحكيم القضاء من أجل خلق تقاليد نحن في أمس الحاجة اليها في هذه الحقبة التعيسة من تاريخنا .. تقاليد تحرّم كل شكل من أشكال التحريض على العنف والإرهاب والتمييز وتمنع السبّ والقذف والتشهير والتحقير.
هل يُعقل أن تُنفق كل هذه المليارات على الجيش والشرطة والأسلحة والذخائر وأن تتخذ أشد وأقسى الإجراءات الأمنية بذريعة مكافحة الإرهاب، فيما طاحونة التحريض على الإرهاب تدور أربعاً وعشرين ساعة في اليوم؟ .. يُعقل ! ولماذا لا يُعقل مادام أكبر أمراء التحريض وسرقة المال العام يُستقبل استقبال الفاتحين الظافرين في بغداد وتُسقط عنه الأحكام القضائية الباتة، فقط لأنه قدّم فروض الطاعة لمن يرى نفسه ولي الأمر؟ .. هل نسي أحد اسمه؟


119
شناشيل
علامَ النواب غاضبون؟
عدنان حسين
عدد غير قليل من أعضاء مجلس النواب، بمن فيهم رئيس المجلس، غاضبون من مجريات الحملة الشعبية للحدّ من رواتب وامتيازات النواب وسواهم من أصحاب المناصب العليا والدرجات الخاصة في الدولة. وبلغ الغضب بالنواب ورئيسهم درجة قرر معها الرئيس اسامة النجيفي تخصيص جلسة لمناقشة الحملة التي قال انها "موجهة الى الشعب"، باعتبار ان أعضاء المجلس نواب الشعب!
هذا الغضب مفهوم ومتوقع تماماً، فنصف أعضاء مجلس النواب في الأقل استقتلوا في اطار أحزابهم وكتلهم وائتلافاتهم وطوائفهم وعشائرهم للوصول الى مجلس النواب من أجل هذه الرواتب والامتيازات بالذات. والذين لم تغرهم الرواتب والامتيازات كثيراً انما كانت أعينهم على الأهم، المقاولات والصفقات. والشاهد على هذا الكلام موجود في وثائق هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية، إذ وراء أكبر قضايا الفساد المكشوف عنها، نواب ووزراء ومسؤولون كبار ممن يحظون بالرواتب والامتيازات المستهدفة بالحملة الشعبية.
للأسف، ليس دقيقاً ما قاله رئيس مجلس النواب بان أعضاء المجلس هم ممثلو الشعب .. كنا نتمنى هذا، لكن العدد الأكبر منهم عُينوا بخلاف ارادة الناخبين.. عيّنهم رؤساء أحزابهم وكتلهم على وجه التحديد، فأعضاء المجلس الحالي على سبيل المثال دخلوا البرلمان استناداً الى قانون باطل متعارض مع مباديء الدستور واحكامه ( وهذا بحسب حكم المحكمة الاتحادية العليا)، وهم في غالبيتهم الساحقة لم يبلغوا العتبة الانتخابية المطلوبة التي تؤهلهم لتمثيل أكثرية الناخبين، وبالتالي الشعب.
الحملة الشعبية تستند الى منطق يقول ان أعضاء مجلس النواب وأمثالهم من المسؤولين الكبار في الدولة، المعينين في الغالب لا وفقاً لمعايير الكفاءة والخبرة والاختصاص والالتزام الوطني وانما على أساس المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية والاعتبارات الشخصية، يتقاضون رواتب ومخصصات عالية جداً ويحظون بامتيازات كبيرة لا يبررها ما انجزوه وقدموه للشعب والوطن، وان هذه الرواتب والمخصصات والامتيازات الباذخة سيتمتعون بها أيضاً بعد انتهاء مهماتهم حتى لو كان أمد خدمتهم لا يزيد عن أربع سنوات. وفي المقابل فان هناك موظفين وعمالاً يخدمون المجتمع والدولة على مدى عقود متصلة  أضعاف ما يقدمه النواب وأمثالهم ولا يتقاضون أثناء خدمتهم وعند تقاعدهم الا ما يوازي فتات موائد النواب وأمثالهم.. أين العدالة في هذا؟ وأين الحق؟ وأين الوطنية؟، خصوصاً وان معظم النواب وامثالهم كانوا موظفين عاديين وليسوا اشخاصا مميزين بذكاء خارق وبطولة وطنية.
الجلسة التي قرر رئيس مجلس النواب عقدها لمناقشة "الحملة الشرسة" تقدم دليلاً آخر على أحقية وشرعية الحملة الشعبية، فالنواب يتقدمهم رئيسهم لا يتأخرون عن تكريس جلسة عاجلة لمناقشة هذه المسألة بينما يتوانون ويماطلون أشهراً وسنوات في بحث القضايا التي تهمّ الشعب، بما فيها أخطر هذه القضايا المتعلقة بالأمن ومستوى المعيشة والخدمات.
النواب يتداعون في الحال لمواجهة الحملة التي تستهدف امتيازاتهم الاسطورية، لكنهم لا يتحلون بالغيرة ذاتها للبحث في المجزرة الارهابية اليومية التي تستهدف الشعب .. منذ سنة تقريباً والمجزرة متواصلة ومتفاقمة ولم يخصص المجلس جلسة لبحث الأمر.. المجلس لم يفلح في استدعاء رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وسواه من المسؤولين الكبار والصغار في أجهزة الأمن والدفاع للمساءلة والمحاسبة وكشف الحقيقة.. المجلس لم يكرس جلسة لبحث تفاقم البطالة والفقر وأزمات السكن والنقل في البلاد .. المجلس لم يعقد جلسة لبحث انهيار نظام الخدمات.. المجلس لم يتداع الى جلسة لبحث الفساد المالي والاداري الذي يتفشى على حساب أمن الشعب معيشته وصحته وتعليمه وكهربائه وغذائه.
لا بأس أن يعقد البرلمان للبحث في الحملة الشعبية، ولكن هل يجرؤ أحد فيه على تقديم كشف حساب بما أنجزه هذا المجلس على صعيد واجباته التشريعية والرقابية التي أقسم الأعضاء على أدائها؟ .. هل لدى أحد في المجلس الشجاعة لكي يجيب عن السؤال: بأي حق تريدون العيش في النعيم مدى الحياة وبعد الممات بينما الشعب الذي "تمثلونه" يتلظى في جحيم الارهاب والفقر والتخلف، ولا تؤدون أدنى واجباتكم تجاهه؟


120
المنبر الحر / فِرية .. وانكشفت!
« في: 12:25 22/08/2013  »
شناشيل
فِرية .. وانكشفت!
عدنان حسين
ألم نقل انها ليست سوى فرية أخرى فبركتها أوساط الحكومة؟  فيوم القيامة البغدادي (الإثنين الماضي) لم يتمخض عن فأر قاعدي ولا عن جرذ صدامي ولا حتى عن مجرد أبو بريص! .. انه أسفر فقط عن سوم مئات الآلاف من سكان بغداد وزوارها المزيد من العذاب والمعاناة والمشقة، وعن انكشاف دولتنا وحكومتنا أمام اعدائهما الحقيقيين والمتوهمين بوصفهما مرتعدتي الفرائص ومهتزتي الكيان، أمام شبح اسمه القاعدة أو فلول صدام.
لم يظهر نهار الاثنين والليلة التالية ونهار اول من أمس وأمس أي أثر للقاعدة التي أشاعت أوساط الحكومة بانها تخطط لمهاجمة المنطقة الخضراء لنسف مجلس النواب ولقتل رئيس مجلس الوزراء... لم يظهر هذا الاثر لا في المنطقة الخضراء ولا في محيطها ولا في سائر مناطق العاصمة، وهي جميعاً مناطق غبراء كما يعلم الجميع.
اشاعة الهجوم المفترض التي حوّلت الحياة في بغداد الى جحيم حقيقي لم تكن الاولى بالطبع، فعلى الدوام كانت هناك افتراءات وافتئاتات حكومية، بدأت خصوصاً عشية التظاهرات المجيدة التي اندلعت في 25 شباط 2011، فقد افترى رئيس الوزراء بنفسه على المتظاهرين قبل أن ينطلقوا في تظاهراتهم، ووصفهم بانهم بعثيون ومن القاعدة، وأصدر أوامره بحظر التجوال في بغداد. ولما تحدّاه المتظاهرون الذين لم يظهر بينهم بعثي واحد ولا قاعدي واحد ( كلهم كان من أشرف العراقيين ومن أكثرهم وطنية) أمر قواته المسلحة بالتعامل بوحشية سافرة معهم.
لو كانت معلومات المخطط القاعدي صحيحة وليست فرية، ولو كانت لدينا قيادة عمليات تحترم نفسها وتحترم شعبها ولو كانت لدينا وزارة داخلية ووزارة دفاع وحكومة تحترم نفسها وشعبها، لكانت أصدرت بياناً أو عقدت مؤتمراً صحفياً مساء يوم الاثنين أو نهار الثلاثاء لشرح لماذا أُتخذت الاجراءات المشددة القاسية يوم الاثنين، وتكررت جزئيا في اليوم التالي وأمس أيضاً.
لابدّ انها فرية، فلو كانت معلومات المخطط صحيحة، ولو كانت هذه الجهات والوزارات تحترم نفسها وشعبها لكانت في الأساس قد طلبت الى أهل بغداد المكوث في بيوتهم او الحد من حركتهم خارج البيوت .. فلقد تكدس الالاف في سياراتالنقل العام والخاص عند نقاط التفتيش وسارت أعداد مماثلة على اقدامهم للوصول الى غاياتهن .. ألم تخش الحكومة وهذه الوزارات من أن تصبح هذه التجمعات البشرية الحاشدة هدفاً سهلاً للارهابيين الذين يبحثون هم عن هكذا أهداف لقتل واصابة أكبر عدد من الناس؟
لماذا أقدمت الحكومة على فرية كهذه؟ .. انه ديدن كل أنظمة الطغيان والدكتاتورية . صدام حسين كان هكذا .. وضع البلاد والعباد في حال طواريء لربع قرن كامل، ظاناً ان هذه هي الطريقة المُثلى لاهانة الشعب واذلاله وهدر كرامته تمهيداً لتركيعه وتطويعه.
هذه الحكومة لديها الهدف نفسه.. انها ترفض كل الآراء والتحليلات بان ادارتها للبلاد فاشلة وان ادارتها للملف الأمني أكثر فشلاً .. هي لا تريد أن تضع وتطبّق الخطط الصحيحة لمكافحة الارهاب وتحقيق الأمن، فالهدف تركيع الشعب وتطويعه، وهذا انما يكون باهانته واذلاله وهدر كرامته بالاجراءات الأمنية القاسية وبالفساد المالي والاداري وعدم توفير الخدمات العامة وعدم مكافحة الفقر والبطالة .. والاثنين الماضي كان يوماً على الشعب العراقي لإذلاله وليس يوماً على القاعدة التي دائماً ما يتاح لقياداتها وعناصرها الخروج من السجون براحة واطمئنان .. بمساعدة أوساط حكومية دائماً، كما حصل في سجن ابو غريب منذ أسابيع.

121
المنبر الحر / الى 31 آب بلا رخصة
« في: 14:33 21/08/2013  »
شناشيل
الى 31 آب بلا رخصة
عدنان حسين
لا يتعيّن أن يتردد عن التظاهر في الحادي والثلاثين من الشهر الحالي منظمو الحملة الشعبية للحدّ من الامتيازات التي لا مثيل لها حتى في أغنى دول العالم وأكثرها رخاءً واستقراراً لكبار مسؤولي الدولة، وبخاصة النواب وأعضاء المجالس البلدية الذين يدخلون الانتخابات تحت شعار خدمة الشعب، لكنهم يجعلون من الشعب خادماً يوفر لهم أقصى درجات الأمن والراحة والعيش الرغيد حتى في تقاعدهم فيما هو يصارع من أجل أبسط اسباب الحياة متخبطاً في عوزه وفقره وكرامته الانسانية المهدورة وحقوقه الاساس المنتهكة وخدماته العامة المفتقدة.
 لا يتعيّن أن يخشى معتزمو التظاهر من النزول الى ساحات التحرير لاعلاء صوتهم حتى لو لم يحصلوا على موافقة السلطات المحلية، فهذه الموافقة لن يحصلوا عليها أبداً .. الذين يحصلون عليها بيسر هم فقط أنصار الحزب الحاكم وزعيمه رئيس الحكومة .. والذين يحصلون عليها بسرعة هم اتباع الولي الفقيه الايراني الذين يمكنهم ان يرفعوا صور ولاة أمرهم في جارتنا الشرقية الأحياء والاموات ويطوفوا بها في الشوارع ويثبّتوها على لوحات مفرطة في حجومها وسط الطرق والساحات العامة، فيما يُحرّم على الوطنيين العراقيين السير في الشوارع نفسها رافعين صور الزعماء والشخصيات الوطنية العراقية ومطالبين بحقوقهم التي نصّ عليها الدستور وتعهدت الحكومة وأحزابها بتأمينها!
لا يتعيّن أن يخشى منظمو الحملة الشعبية تهديدات الأجهزة الامنية وتحذيراتها من التعامل معهم بوصفهم خارجين على القانون بذريعة عدم الحصول على الموافقات، فما من قانون يمنع التظاهر والاعتصام وسائر أساليب التعبير عن الرأي، بل ان القانون الأسمى والأعلى في البلاد يُلزم الدولة بكفالة حرية التعبير عن الرأي، والتظاهر احد اشكال التعبير عن الرأي.
 منذ أواخر العام 2005 غدا الدستور هو "القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون مُلزماً في انحائه كافة، وبدون استثناء"، و" لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الاقاليم، أو أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه"، كما نصت المادة 13 من الدستور. وقد الزمت المادة 38 الدولة بكفالة  "حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل"، و"حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر"، و"حرية الاجتماع والتظاهر السلمي"، وقالت المادة ان ذلك يُنظّم بقانون.
حتى اليوم لم يُشرّع مجلس النواب قانوناً أو قوانين تنظّم هذه الحريات، وبالتالي فهي مباحة ولا يوجد قانون يُلزم الراغبين بالتظاهر السلمي باستحصال موافقات مسبقة .. لا تصدقوا ما يقال لكم بان قانون ادارة الدولة في المرحلة الانتقالية أو قرارات بريمر قد نصت على ذلك .. الدستور ألغى العمل بذلك القانون، وقرارات بريمر اصبحت بحكم الملغية مادامت تتعارض مع احكام دستور 2005، فهذا الدستور نص صراحة في المادة 46  على انه "لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناءً عليه، على أن لا يمسّ ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية". ونظراً لعدم وجود قانون ينظّم حريات التعبير عن الرأي وبينها حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، فان أي تقييد لحرية التظاهر - وشرط الترخيص المسبق هو تقييد - يُعدّ متعارضاً شكلاً ومضموناً مع أحكام المادة 46.
تظاهروا، ونحن معكم، واذا منعونا يتعين علينا التقدم بشكوى الى القضاء، بما فيه المحكمة الاتحادية، متهمين الحكومة وأجهزتها الأمنية بانتهاك أحكام الدستور التي تبيح حق التظاهر السلمي من دون أي قيد أو شرط.
 اذا كان التظاهر ممنوعاً ما لم يكن مرخصاً مسبقاً، فان كل الاحزاب القائمة، وبينها حزب الدعوة الذي يقود الحكومة، غير شرعية لأنها تعمل من دون ترخيص .. الواقع ان حرية تشكيل الاحزاب مباحة بموجب الدستور  ولا قيود على ذلك من أي نوع لأن مجلس النواب لم يشرّع بعد قانون الاحزاب (المادة 39 تقول: "حرية تأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية، أو الانضمام اليها، مكفولةٌ، وينظم ذلك بقانون.").
لا يريدوننا ان نتظاهر؟.. فليحلّوا أحزابهم ويتركوا السلطة قبلاً.



122
المنبر الحر / يوم قيامة بغدادي
« في: 16:32 20/08/2013  »
شناشيل
يوم قيامة بغدادي
عدنان حسين
بألم ممضّ .. بوجع مبرح يُزهق الروح .. بشعور بالغ بالقهر، وبفم ملآن بالدم، أعترف، انا الذي كان لي شرف معارضة نظام صدام حسين لأكثر من ربع قرن .. معارضته بضراوة لم تَعرف المهادنة يوماً برغم الاغراءات المادية التي قدمها النظام لكي أسكت، مجرد السكوت، وبرغم الاضطهاد المتواصل والمتفاقم الذي تعرضت له عائلتي بعد فراري سرّاً الى المنفى، من اعتقال وتعذيب وملاحقة وتضييق ومحاربة في الارزاق، حتى الوالد والوالدة كانت لهما حصة فيها.. أعترف بانني كنت على خطأ.
لم أخطأ في معارضتي لصدام ونظامه، ببساطة لأن نظام صدام كان يستحق بجدارة أن يعارضه الوطنيون .. كل شرفاء العراق عارضوا صدام، إن في السر أو في العلن، ولم أكن سوى واحد من هؤلاء.. حتى يوم سقوطه قبل عشر سنوات كان نظام صدام أسوأ نظام شهده العراق في تاريخه الطويل.
أعترف بانني أخطأت إذ كتبت في الصحف والمجلات التي عملت فيها خارج الوطن، وإذ قلت في الندوات والمؤتمرات واللقاءات التلفزيونية والاذاعية، ان النظام الذي تشكّل بعد 9 نيسان 2003 سيكون أحسن من نظام صدام .. أعترف بانني اخطأت في دفاعي المستميت عن هذه الفكرة، فيومها لم أكن أتخيل ان العراق سيشهد نظاماً سيئاً كنظام صدام.
أعترف، وانا بكامل قواي العقلية والجسمية، انني كنت قاصر الادراك في هذا، فلدينا الآن حكومة تتنافس مع نظام صدام في السوء.. أقول هذا بألم ممضّ للغاية، واقول بوجع مبرح ان صدام أهدر كرامة العراقيين لكن حكومة السيد نوري المالكي الثانية تكاد تبزّه .. صدام تجاوز على انسانية العراقيين بيد ان الحكومة الحالية تفعل الشيء نفسه وأكثر .. صدام انتهك حريات الناس وحقوقهم الا ان الحكومة القائمة اليوم  تتسابق معه في هذا أيضاً.
كان عهد صدام سيئاً ، لكن العراقيين كانوا، مثلا،  يعرفون متى تنقطع الكهرباء ومتى تأتي .. وفي عهد صدام السيء كانت الحصة التموينية أكثر عدداً في مفرداتها وتصل في موعدها .. وفي عهد صدام السيء كانت المدن أنظف ... في عهد صدام المتوحش لم يوضع الناس أمام خيارين: إما أن ينحشروا في السيارات ساعات لعبور نقاط التفتيش، أو أن يقطعوا الكيلومترات تحت الشمس الحارقة أو المطر الغزيز أو عواصف التراب ليصلوا الى دوائرهم ومراكز أعمالهم وبيوتهم.. وفي عهد صدام المتوحش كان الذي مع النظام مدللاَ، والمعارض مهدور الحقوق والكرامة، والذي لا مع الحكومة ولا مع المعارضة لا أحد يتعرض له في الغالب.. أما اليوم فالجميع مَهدور الكرامة ومُنتهك الحقوق ومُتجاوز على انسانيته، بنقص الخدمات الاساسية وبعمليات الدهم والاعتقال العشوائية وبالاجراءات الأمنية الفاشلة التي ما نجحت، ولن تنجح، في مكافحة الارهاب، وهي عقوبة للشعب وليس للارهابيين .. ويستوي في هذا الهدر في الكرامة وانتهاك الحقوق والتجاوز على الانسانية  معارضو النظام ومؤيدوه وأصحابه ممن ضحوا بالكثير من أجله ، أو بالأحرى من أجل نظام غير سيء، كنظام صدام.

بموازاة اشاعة كاذبة لفّقها بعض أوساط الحكومة المذعورة من خيالها قالت بوجود مخطط لاجتياح المنطقة الخضراء، وُضعت بغداد أمس في حال انحشار قاتلة ووُضع أهل بغداد وزوارها في حال الاهانة السافرة .. أُغلقت شوارع حيوية بين الكرخ والرصافة، واحتجز الناس في معسكر اعتقال حقيقي .. حتى الحيوانات في الزرائب لا يمكن أن تُعامل كما عومل الناس في بغداد أمس.. كان واحداً من أكبر أيام الذل والاهانة وانتهاك الكرامة الانسانية والاستهتار بالحقوق في تاريخ العراقيين قاطبة.




123
المنبر الحر / كلام من ذهب
« في: 22:18 19/08/2013  »
شناشيل
كلام من ذهب
عدنان حسين
لا عجب ولا دهشة ولا استغراب ولا إثارة مع ما جاء في أحدث تصريح لمحافظ بغداد الجديد علي محسن التميمي ( سيبقى جديداً حتى تمرّ عليه وهو في منصبه الجديد ستة أشهر ). لكن التصريح يحمل جديداً مهماً، فهذه من المرات النادرة تماماً التي يقرَ فيها مسؤول كبير في الدولة بوجود فساد منقطع النظير في المؤسسة التي يديرها.
يوجد فساد مالي واداري في محافظة بغداد .. هذا نعرفه، وكتبنا عنه مع الكثيرين الذين كتبوا ورفعوا أصواتهم عبر محطات الاذاعة والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي المظاهرات المجيدة قبل سنتين ونصف السنة .. الفساد في محافظة بغداد يضرب بأطنابه على نحو ثلاثي الأبعاد، طولاً وعرضاً وعمقاً .. هذا نعرفه أيضاً، ونعرف كذلك ان الفساد هو بهذه الصورة في كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، والدليل ان المئة مليار دولار الداخلة سنوياً الى الموازنة العامة للدولة لا يظهر له أثر في حياتنا العامة الا بنسبة خمسين في المئة أو أقل .. نعرف ان فسادنا المالي والاداري لا نظير له تقريباً في سائر بلدان العالم، برغم ان رؤساء السلطات العليا في دولتنا ينفون أو في أحسن الاحوال يخففون من وطأته ومدى انتشاره، كما هي الحال مع رئيس مجلس الوزراء الذي كثيراً ما رأى ان الفساد ليس بالصورة التي "يهوّلها" الاعلام.
السيد التميمي  قال في بيان له نُشر امس ان محافظة بغداد هي " من الاكثر فساداً  بين دوائر العاصمة"، وأكد "اكتشاف عشرات السرقات فيها عند تسلمنا مسؤولية المحافظة فضلاً عن وجود مافيات وجهات تعتاش على العمولات والصفقات المالية في المشاريع، ما أدى الى تلكؤ العديد من مشاريعها في  الفترة السابقة وتردي واقع الخدمات لمناطق الأطراف".
هذا الكلام كل حرف فيه يعادل قيمة كيلوغرام أو أكثر من الذهب لأنه يصدر عن محافظ العاصمة بالذات، لكن هذه القيمة ستحلق عالياً عندما يكشف لنا المحافظ التميمي بكل شفافية تفاصيل هذا الفساد، وعندما يحيل الى القضاء ملفات هذا الفساد من دون تردد أو خوف. وستحلق القيمة أعلى وأعلى حينما يرينا المحافظ الجديد على الأرض الفرق بين محافظ نزيه ووطني وغيور وذي ضمير ومحافظ فاسد .. ليس صعباً صناعة هذا الفرق.. انه يمكن أن يتبدى للعيان في غضون أشهر قليلة من خلال ما يُقدم من خدمات عامة  وما يُقام من منشآت تمسّ اليها حاجة سكان العاصمة.
مهم جداً ان نلمس في أقرب فرصة اجراءات من هذا النوع في محافظة بغداد، فذلك سيعني بدء القضاء على واحدة من أكبر بؤر الفساد في البلاد، وهذا سيعزز في الانفس الثقة والأمل بان التغيير المنشود في حياتنا البائسة على كل صعيد ممكن وقابل للتحقيق .. انه فقط يحتاج الى مسؤولين أخيار ووطنيين ذوي نزاهة وغيرة وشرف، وهذا ما ينقص دولتنا.


124
شناشيل
محنة جواد أموري ..
محنة الدولة الفاشلة
عدنان حسين
موجع للغاية النداء الذي وجهته السيدة سناء وتوت، زوجة الملحن الكبير محمد جواد أموري، عبر "المدى" أمس بشأن حال واحد من أساطين الموسيقى والغناء في بلدنا.
موجع أن ينتهي مبدع كمحمد جواد أموري، أو يوشك على الانتهاء، الى مآل كهذا يواجهه الآن ومن قبل المئات من المبدعين المرموقين في مختلف المجالات .. بدلاً من أن يعيش محمد جواد أموري أخريات سنينه في بيت على سفح جبل في كردستان، أو في فيلا على واحدة من ضفاف عشرات الانهر والبحيرات والاهوار، وبدلاً من أن يُقام له تمثال وتُشاد قاعة لحفلات الموسيقى والغناء تحمل اسمه، لا يجد محمد جواد أموري من يرعاه في مرضه وشيخوخته، لا من ابنائه المهاجرين الى خارج البلاد مثل ملايين عدة من العراقيين الفارين من الارهاب ومن دولتهم الفاشلة، ولا من الدولة التي يكلفها الدستور بكفالة مواطنيها ورعايتهم من المهد الى اللحد ولا تلتزم بهذا التكليف .
نداء السيدة وتوت موجع لأنه يكشف على نحو محزن ومؤسٍ ومزعج ومقرف عن عورات نظامنا السياسي الذي يضع في قمة الهرم الحاكم ( برلماناً وحكومة) من لا يقدّر الكفاءات والخبرات الوطنية حق قدرها، ولا يتمتع بالحساسية تجاه الجمال الذي تشيعة الثقافة، والموسيقى والغناء جزء حيوي منها.
دولتنا الفاشلة تعجز عن توفير بضعة الاف من الدولارات لعلاج ورعاية شيخ مريض بقامة محمد جواد اموري وباهمية منجزه الابداعي، فيما تترك الابواب مشرعة على الآخر لمقاولين وتجار معلومين ووهميين لكي ينهبوا مليارات الدولارات جهاراً نهاراً بمساعدة ومشاركة مسؤولين كبار في هذه الدولة.
دولتنا الفاشلة يعزّ عليها أن ترصد مبلغاً متواضعاً لعلاج محمد جواد أموري ورعايته، لكنها تنفق بلا حساب على ولائم يُقيمها كبار مسؤولي الدولة ويُدعى اليها سماسرة وقوادون وسراق ومتزلفون وماسحو أكتاف وأحذية في عهد النظام السابق وفي هذا العهد أيضاً.
السيدة سناء وتوت: أسمعتِ لو ناديتِ حيّاَ، وأسمعتِ لو ناديتِ مهموماً بحال البلاد وأهل البلاد .. احفظي لنا كرامة محمد جواد أموري وكرامتنا معه .. لا تكرري النداء .. انسي،سيدتي، الحكومة ورئيسها والدولة ومسؤوليها الكبار .. لا وقت لديهم لمحمد جواد اموري ولامثاله من مبدعي العراق .. انهم يصلون الليل بالنهار في تأمين مصالحهم وادارة صراعاتهم على السلطة والنفوذ والمال.
الحل ليس في ايدي الحكومة وحدها.. يمكننا ان نتنادى الى صندوق يتبرع له محبو ألحان محمد جواد اموري، وهم بالملايين.. يمكننا ان نجمع مئات الاف الدولارات في الاقل، وهو ما يكفي لرعاية وعلاج محمد جواد اموري بكرامة لعشر سنوات وأكثر.
وثمة حل آخر. وانا اكتب هذا العمود اتصل بي رئيس المؤسسة الاستاذ فخري كريم، ليبلغني قراره بتحمل المؤسسة تكاليف رعاية محمد جواد أموري وعلاجه .. هذا أكرم لمحمد جواد اموري ولنا جميعاً من طلب الحاجات عند غير أهلها.


125

بين حزب الإخوان وحزب الدعوة

عدنان حسين

ما الذي يجمع بين حزب الإخوان المسلمين المُؤسس في مصر منذ خمس وثمانين سنة، وحزب الدعوة الإسلامية المُؤسس في العراق بعد ذلك بثلاثين سنة؟
معظم الذين أرّخوا لحزب الدعوة أوردوا معلومات تفيد بأن الحزب العراقي تشكل على خطى الحزب المصري وتقليداً له. ومع أن الحزب المصري أخذ منحى طائفياً (سنياً)، برغم إعلانه مبادئ تخالف ذلك، والعراقي انحصر في الطائفية المقابلة (الشيعية) برغم إعلانه مبادئ مخالفة أيضاً، فان حبال الود لم تنقطع بينهما، وهذا ما أفصح عنه زعيم حزب الدعوة حالياً، رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، عندما عاتب الإخوان في تصريح له تعليقاً على هجوم إسلاميين متشددين على دعاة ونشطاء شيعة جنوبي القاهرة وقتل وسحل بعضهم منذ شهرين، فالمالكي ذكّر الإخوان الذين كانوا يعززون حكمهم في مصر، بالقول "نحن نحبكم".
يتبدى الآن ان الفرقة الطائفية بين الحزبين لم يترتب عليها اختلاف في العقلية.. كلاهما مكابر ومتكبر، ولا يريد ادراك أن زمن الحكم الشمولي ووقت الدكتاتورية قد انتهيا.
عدم الادراك هذا كان وراء سعي الاخوان المسلمين في مصر للاستحواذ على السلطة  خلافا لوعودهم الانتخابية، فكان أن أثاروا حفيظة عشرات الملايين من الشعب المصري. واكثر ما تجلت فيه مكابرة الاخوان وتكبرهم، اعتصامهم نحو خمسين يوماً في القاهرة ورفضهم الاقتناع بان رئيسهم المعزول بارادة عشرات الملايين لم يعد في السلطة، وعدم قبولهم بكل الحلول الوسط التي طُرحت عليهم. وبهذا وضعوا أنفسهم في موضع المنتحر الماضي بقدميه نحو حتفه.
هنا في العراق يتكبّر حزب الدعوة هو الآخر على حلفائه وشركائه السياسيين وعموم الشعب، ويتصرف بوصفه الحاكم المطلق الذي لا يقبل اعتراضاً أو ملاحظة أو نقداً من أحد. وهو يكابر ولا يرى ان البلاد تواجه محنة حقيقية بسبب ما ترتكبه قيادته من أخطاء  في إدارة الدولة.
قيادة هذا الحزب تكرر التصريح هذه الأيام بان الحزب يتعرض لهجمات ومؤامرات، توصيفاً لتصريحات السياسيين وتقارير الإعلام وكتابات الكتاب التي تجمع على أن حزب الدعوة يقود حكومة فاشلة كل الفشل في كل الميادين، وبخاصة أهمها وأكثرها حيوية: الأمن والخدمات والاقتصاد.   
قيادة حزب الدعوة المتنفذة في السلطة تريد للشعب أن يصبر وللسياسيين والإعلاميين أن يهادنوها. وفي المقابل لا تُقدم هي على أية خطوة للإقرار بانها وحكومتها ترتكبان أخطاء شنيعة تكلفنا أرواحاً ودماءً تُهدر بالجملة على مدار الساعة في مختلف أنحاء البلاد.
التكبّر والمكابرة أديا بالإخوان المسلمين إلى الانتحار في مصر بعد سنة واحدة من وصولهم الى السلطة.. والدعوتيون في العراق يتهددهم خطر مماثل إن هم تمسكوا بما هم عليه...  ففي العراق كما في مصر للصبر حدود.

126
المنبر الحر / عيد غير سعيد (3)
« في: 17:20 15/08/2013  »
شناشيل
عيد غير سعيد (3)
عدنان حسين
أمس بيّنت في هذا العمود كيف ان حساب الحقل لدى وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد لم يطابق حساب البيدر في ما خص عيد الفطر المنصرم، فالوعود والتأكيدات بتمضية عيد سعيد لم تتحقق، بل ان هذا العيد تحوّل الى مأتم وطني بعشرات التفجيرات والهجمات الارهابية التي سقط فيها مئات القتلى والمصابين، ما أكد من جديد ان اليد العليا على الصعيد الأمني لم تزل للقوى الارهابية التي تتعزز المخاوف من تحقيقها اختراقات خطيرة للمنظومة الأمنية.
اليوم سأتناول بعض الصعوبات التي واجهها المعيّدون الذين لم يتهنوا بالعيد ليس فقط بسبب العمليات الارهابية وانما ايضا بسبب القوات الامنية المنتشرة في الشارع.
لم يكن حل الجيش والشرطة بد سقوط صدام عملا طيبا، فالجيش لم يكن جيش صدام والشرطة لم تكن شرطة صدام، والدليل لنهما لم يقاوما من اجل الابقاء على نظام صدام، حتى في المناطق الغربية التي كانت تعتبر مغلقة في ولائها لصدام لم تخضع القوات المسلحة لاوامر صدام بالمقاومة واستسلمت للقوات الاميركية من دون قتال.
مع ذلك أملنا انفسنا ان جيشا وطنيا وشرطة وطنية ستتشكلان على انقاض الجيش والشرطة السابقين الذين سعى صدام على الدوام لاستخدامهما في قمع الشعب وقواه السياسية المعارضة.
لا الجيش الجديد هو الجيش الوطني الذي تطلعنا اليه ولا الشرطة ايضا .. الجهازان مخترقان من الفاسدسن والارهابيين .. وسلوك الكثير من عناصرهما لا يختلف في شيء عن سلوك جيش وشرطة صدام ..انهما ينظران الى نفسيهما بوصفهما اداة قنع في ايدي السلطة الحاكمة. التصرفات في الشارع تفصح عن هذا وتفضحه. حتى العيد لم يكن له حرمة واعتبار.
احدى الزميلات عرضت في صفحتها على فيسبوك مشهدا يصادفنا كل يوم تقريبا عند نقاط التفتيش .. فجأة تتحول النقطة الى عنق زجاجة خانق بوقف مرور السيارات او التضييق عليها بالمرور من مسرب واحد بدلا من اثنين او ثلاثة، وفي الغالب لا يكون هذا لاغراض التفتيش الدقيق وانما لان عناصر قوة التفتيش لا يعجبها ان تعمل بكامل عديدها حتى في ساعات الذروة. الزميلة كتبت:  اليوم ظهرا لدى عودتي المكوكية من المستشفى  وقف طابور من السيارات امام نقطة تفتيش في مدخل اليرموك من جهة المنصور دون حراك لاكثر من ربع ساعة .. كانت هناك عجلة للجيش قد اغلقت الطريق. لماذا ؟ لا احد يدري .. اوقفت محرك سيارتي وتوجهت الى عناصر النقطة لاستطلاع الامر.. كان عناصر النقطة مشغولين بالمزاح في ما بينهم .. ناديتهم بصوت عال من اجل فتح الطريق امام المرضى والعاجزين والاطفال المحبوسين في السيارات، وكان ان تنحى سائق العربة العسكرية بسيارته الى جانب الطريق ليكمل حواره ومزاحه مع  بعض زملاءه فاسحا في المجال امام مرور
شخصيا حدث معي الاتي:


 عيد غير سعيد (3)
عدنان حسين



كثيراً ما أشعر بالأسى حيال السيد نوري المالكي، فهو غالباً ما يبدو في وضع وحال لا يتمناهما العاقل حتى لعدوه، والسيد المالكي يعيش حال الانحشار منذ مدة غير قصيرة، وهذا ما تعكسه تصريحات عصبية له وزلات لسان متكررة منه.
أشعر بالأسى، فلو كان للسيد المالكي مساعدون ومستشارون غير الذين يحيطون به الان، لربما تصرّف (سياسياً وعلى صعيد إدارة الدولة) بطريقة مختلفة لا تُوقعه في هذا الكم من الأخطاء ولا تزيد من عدد خصومه ومناوئيه وأعدائه كما هو عليه اليوم. ولكن في النهاية هو المسؤول عما فيه، فهو من اختار مساعديه ومستشاريه الذين أحاطوا أنفسهم بجيش من المنافقين والمتزلفين ونهازي الفرص، معظمهم من نفايات عهد صدام.
أكتب هذا لأن رسالة "التهنئة" التي وجهها السيد المالكي في عيد الفطر المنصرم أعادت إليّ الشعور بالأسى تجاه هذا الرجل. لو كان للسيد المالكي مساعدون ومستشارون عقلاء وحكماء ما كتبوا له ولا أشاروا عليه بكتابة رسالة بهذا النص. هذا العيد حلّ في ذروة تفاقم الأعمال الإرهابية على نحو غير مسبوق منذ سنوات. فعلى مدى الشهور الاربعة الماضية كان الارهاب يضرب يومياً، مزهقاً أرواحاً كثيرة وسافكاً دماء غزيرة ومدمراً أملاكاً ثمينة. ولم يراع الإرهابيون حرمةً لرمضان ولا للعيد، وكان من اللازم أن تتضمن رسالة رئيس الحكومة تنديدا قوياً بوحشية الإرهابيين واستهتارهم، ومواساة لعائلات الضحايا من قتلى ومصابين ومتضررين.
في العيد ينتظر الأبناء أعطيات من الآباء والأمهات (عيديات)، بيد ان السيد المالكي، وهو في موقعه ومنصبه بمثابة الأب والاخ الاكبر لابناء الشعب، بدا في رسالته متطلباً، سائلاً الابناء والبنات ان يقدموا له العيدية، فهو طلب من العراقيين "بكل ألوان الطيف العراقي البهيج من عرب وكرد وتركمان وايزيديين وشبك ومن مسلمين ومسيحيين وصابئة من كل الاعراق والاديان والمذاهب ان يكونوا يداً واحدة وقلباً واحداً وان ينظروا الى المستقبل وينبذوا دعوات التحريض والطائفية ويفتحوا قلوبهم لبعضهم البعض".
السيد المالكي أبلغ "العلماء وائمة الجمع والمساجد ومثقفي العراق وادباءه وشعراءه وفنانيه واعلامييه ورياضييه وكل مواهبه الخلاقة في الداخل والخارج ان بلدكم بحاجة اليكم، بحاجة الى كل كلمة تكتبونها أو ابداع تسطرونه او قصة تروونها او نتاج فني او علمي تبدعونه. انه بحاجة الى حرصكم وصدقكم وتفانيكم".
ودعا المرأة العراقية الى "المزيد من الحضور الفاعل والاقدام على تحمل المسؤولية في كل ميادين العمل العلمي والسياسي والفني والثقافي والادبي وغيرها"، والعشائر وجميع صنوف المجتمع من عمال وفلاحين ورجال اعمال وتجار وصناعيين وكسبة ونقابات ومنظمات مدنية الى "التعاون فيما بينهم والتعاون مع الدولة وأجهزتها المختلفة لرفعة بلدنا وإعلاء شأنه بين بلدان العالم".
وفي بادرة نادرة الحدوث توجّه السيد المالكي الى الشباب بالدعوة لأن يكونوا "عوناً لبلادكم وسنداً لأمنه واستقراره وبنائه في كل الميادين وحصناً منيعاً له أينما كنتم، في ميادين المعرفة وطلب العلم أو في حقول العمل والاعمار والبناء أو في ساحات الثقافة والفن والرياضة والابداع (...) لا تسمحوا للاصوات المفرقة ولا تلتفتوا لدعوات التحريض والفتنة (...) ولا تكونوا لا سمح الله وقوداً لحروب ونيران يشعلها أعداؤنا لإعاقة نهضتنا وسلب ارادتنا في البناء والاعمار".
وأخيراً دعا "الشركاء السياسيين" الى "التنافس فيما يخدم بلدنا ويعزز وحدته ويجعله اكثر رفعة وعزة وازدهارا (...) تعالوا لنبني دولة العدل والقانون وبناء المؤسسات والحياة الديمقراطية الكريمة".
وماذا في المقابل؟ ما الذي ستقدمه الحكومة أو تفعله في مقابل هذه القائمة الطويلة من الطلبات؟ ما الذي سيفعله السيد المالكي وحكومته لتمكين العراقيين بكل اطيافهم القومية والدينية والمذهبية والسياسية والطبقية ليكونوا يداً واحدة وقلباً واحداً، ولمساعدة العلماء والمثقفين والرياضيين والنساء والشباب والعشائر والعمال والفلاحين ورجال الأعمال والتجار والصناعيين والكسبة والنقابات والمنظمات المدنية والشركاء السياسيين من أجل تلبية طلبات السيد المالكي؟ .. رسالة العيد لم تعد بشيء، بل لم تتضمن مجرد الاشارة، على صعيد مكافحة الفساد المالي والاداري وتقويم أوضاع الاجهزة الامنية المخترقة ومعافاة الحياة الاقتصادية وتحسين الخدمات العامة والحد من مستويات الفقر والبطالة العالية... الخ.
رسالة السيد المالكي لم تكن في الواقع سوى فرمان همايوني من حاكم الى محكومين.
انني آسى له.


127
المنبر الحر / عيد غير سعيد (1)
« في: 17:35 13/08/2013  »
شناشيل
عيد غير سعيد (1)
عدنان حسين
على مدار اسبوع كامل قبل العيد ظلّت وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد تطمنان سكان العاصمة يومياً الى انهم سيمضون عيداً سعيداً هذه السنة. والعيد السعيد عراقياً هو الآمن، فحاجة الناس الأساسية في بغداد وسواها هي الأمن ثم الأمن ثم الأمن. بيد ان ما حدث في العيد ان الناس تعرضوا لخديعة حقيقية.. فهذا العيد ربما كان الأكثر تعاسة ودموية في السنوات الأخيرة.
قبل العيد بأيام اعلنت وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد عن تأهب القوات الأمنية ودخولها "حالة طواريء" (الانذار ج) لحماية المواطنين خلال أيام العيد، وعن اتخاذ اجراءات أمنية مشددة في اطار "المرحلة الاستباقية" لاستقبال العيد وتأمين حماية المواطنين.
واعتبرت وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد ان "التأجيج الموجود الان في الشارع العراقي جاء لزرع الرعب وعدم ثقة المواطن بالاجهزة الامنية"، واكدتا ان "القوات الامنية في أحسن سياقاتها".
وجاء في أحد التصريحات أن عملية "ثأر الشهداء" فتحت آفاقاً جديدة لحفظ الامن وشلّت تحركات الارهابيين وحدّت من تواصل المجاميع المسلحة مع بعضها، اذ تم خلالها ضبط الكثير من مخازن الاسلحة والقبض على مسلحين.
وبحسب التصريحات أيضا تضمنت خطة العيد نشر عناصر استخبارية مدنية في الاماكن العامة لدعم القوات الامنية عن طريق ما تجمعه من معلومات بشأن تحرك الارهابيين، فضلاً عن تسيير دوريات بالتعاون بين الداخلية وعمليات بغداد للسيطرة على الوضع.
هذا كان قبل حلول العيد. وفي اليوم الاول للعيد، الخميس الماضي، أعطت الداخلية وعمليات بغداد الانطباع بانهما واثقتان من تأمين الوضع الأمني وان أكثر ما بات يهمهما هو أن يحتفل الناس بالعيد من دون منغصات اجتماعية وليست أمنية، وبالأخص تحرشات الشباب، فالمتحدث باسم الجهتين دعا الشباب والمواطنين الى "احترام العوائل والاحتفال بطريقة حضارية".
حلّ العيد وخرج الناس زرافات ووحدانا الى المتنزهات وفي زيارات الى الاهل والاقارب، لكن كان عليهم أن يخوضوا تجارب مريرة في ايجاد الطرق السالكة الى أهدافهم .. كالعادة طبّقت الداخلية وعمليات بغداد سياسة أسهل الحلول، وهو اغلاق المزيد من الشوارع وتشديد الاجراءات على نقاط التفتيش، ما تسبب في اختناقات مرورية غيير مسبوقة. واستغل سواق التاكسي الفرصة لمضاعفة الاجور بحجة الزحام. وهذا كله اضطر الالاف من العوائل الى السير على الاقدام عدة كيلومترات لبلوغ اهدافهم او للعودة الى بيوتهم نادمين. وبلغت المعاناة ذروتها بسلسلة التفجيرات والهجمات الارهابية  المروعة التي نسفت كل أساس لما صرّحت به الداخلية وعمليات بغداد، أو لنقل: ما تمنيتاه ورغبتا فيه.
للمرة الألف نقول ان السياسة الامنية غير سليمة، والخطط الامنية غير صحيحة، فالامور بخواتيمها، وهذا العيد أظهر من جديد ان الأمن مفتقد تماماً .. لابدّ من الاعتراف بهذا .. الاعتراف خطوة مهمة للذهاب الى الخطوة التالية، وهي التفكير بوضع سياسة أمنية سليمة وخطط أمنية ناجعة.
في آخر ايام العيد أصدرت الداخلية بياناً شديد اللهجة حملت فيه على وسائل الاعلام متهمة اياها كالعادة بالتهويل .. نعم، كان هناك تهويل من وسائل اعلام معادية، لكن هذا ما كان سيحدث لو ان الاجهزة الحكومية عامة، وفي مقدمها الاجهزة الامنية، كانت شفافة مع الناس والاعلام. التهويل استند الى المعلومات المضللة التي قُدمت عن أمن العيد وحجم الضحايا الذين سقطوا في العمليات الارهابية خلال العيد.
اقترح على وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد تنظيم مؤتمر شعبي يحضره مواطنون من فئات مختلفة وممثلون عن وسائل الاعلام الى جانب قادة أمنيين لكي يسمع هؤلاء بآذانهم رأي الناس والاعلام بالسياسة الأمنية والخطط الأمنية.. لن تخسر الداخلية وعمليات بغداد في عمل كهذا، بل بالتأكيد ستنتفع بآراء مفيدة ستُطرح.


 




128
المنبر الحر / بيان الحزب الحاكم
« في: 16:17 07/08/2013  »
شناشيل
بيان الحزب الحاكم
عدنان حسين
ينزعج بعض القياديين والعناصر في حزب الدعوة الإسلامية أشد الانزعاج لوصف حزبهم بالحزب الحاكم، مع أن كون أيّ حزب حاكماً ليس سبّة ولا منقصة، فمعظم دول العالم تحكمها أحزاب لا ترى ضيراً أو غضاضة في تقرير ما هو واقع، بل إن ذلك مصدر فخر لها، إذ أن هذه الأحزاب تنشط وتخوض الانتخابات من أجل الوصول الى سدة الحكم وهي تعلن عن هذا صراحة في دعايتها الحزبية والانتخابية، وعندما تفوز وتصبح أحزابا حاكمة تحتفل بالمناسبة أي احتفال.. فعلامَ الزعل يا أصدقاء؟
يكون الحزب حاكماً عندما يصبح هو القوة السياسية المتنفذة في الدولة ومؤسساتها الرئيسة. ولا يُشترط أن يهيمن هيمنة مطلقة على كل مفاصل الدولة والمجتمع .. هذا يحدث فقط مع الأحزاب الشمولية الحاكمة أما الأحزاب الديمقراطية فلا تفرض سيطرتها المطلقة على الدولة والمجتمع.
حزب الدعوة الإسلامية في العراق في أيديه الآن رئاسة الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة وقيادات الجيش والشرطة وقوى الأمن والمخابرات الأخرى، فضلاً عن وزارات ومؤسسات وإدارات عامة، وله ولقيادته نفوذ طاغ على هيئات "مستقلة"، وبالأخص مؤسسة الدولة الاعلامية التي هي في الواقع مؤسسة الحكومة ورئاستها. وبهذا كله فان حزب الدعوة حزب حاكم بامتياز. فعلام الزعل مرة أخرى؟
اذا كان الحزب يريد النأي بنفسه عن الفشل المتواصل للحكومة، فكان من باب أولى أن يبحث بعمق وجدية أسباب هذا الفشل والقدر من المسؤولية عنه الذي تتحمله قيادة الحزب، وسبل الخروج من نفق الفشل المظلم إلى فضاء النجاح.
اول من أمس أصدر الحزب بياناً، في صيغة تصريح صحفي لمكتبه الاعلامي، عبّر فيه بنجاح عن كونه حزباً حاكماً، ولكن ليس من نمط الاحزاب الديمقراطية. البيان في سداه ولحمته أراد القول بان البلد لا يواجه مشكلة عدم استقرار، وانما المشكلة تكمن فقط في ما وصفه البيان بـ"التهويلات الإعلامية والتصريحات المبالغ فيها التي تصبّ في خدمة أهداف الإرهابيين ومخططاتهم، وتؤثر سلباً على معنويات أبناء الشعب العراقي"، داعياً "جميع وسائل الإعلام وأعضاء مجلس النواب وقادة الكتل والأحزاب السياسية إلى "الكف عن مثل هذه التهويلات والتصريحات".
هذا خطاب ينتمي كلية الى خطاب الأحزاب الشمولية وأنظمتها .. الدنيا بخير والأمن مستتب والشعب شبعان ويقف خلف قيادته الحكيمة صفاً واحداً، والشرّ كله في المعارضة وتصريحاتها المبالغ فيها وفي الاعلام وتهويلاته. .. هكذا كان حزب البعث يفعل في السابق، وكم سخرنا منه يوم كنا نعارضه مع أهل الدعوة.
كان الأجدى لحزب الدعوة، ولنا جميعاً معه، أن يعترف البيان بان البلد يواجه محنة حقيقية وان الحكومة التي وُضعت بين ايديها مقاليد الامور ومقادير البلاد والناس لم تنجح في أي شيء على الإطلاق وبالاخص على صعيدي الأمن والخدمات، وان من مسؤولية الجميع التفكّر والتدبّر. أما هذا البيان الذي يعيد انتاج روح بيانات حزب البعث فما من نفع فيه ولا طائل منه.. صدقونا.


129
المنبر الحر / هل تفعل الحكومة؟
« في: 00:25 07/08/2013  »

شناشيل
هل تفعل الحكومة؟
عدنان حسين
 
   ليتها تفعله، وإذا ما فعلته فسيكون أهم قرار استراتيجي تتخذه الحكومة الحالية منذ تشكيلها قبل نحو ثلاث سنوات، بل قد يكون هو القرار الاستراتيجي الوحيد الناجز لهذه الحكومة التي لم تحقق غير الفشل ولم تترك في الأنفس غير الشعور بخيبة الأمل البالغة وبالنقمة المتزايدة.
    هذا القرار هو الاستعانة بقوات البيشمركة لحفظ الأمن في مختلف المناطق والمدن، وبخاصة العاصمة. رئاسة اقليم كرستان قدمت عرضاً في هذا الخصوص قبل اسبوع في خضم التسانومي الارهابي الذي يجتاح البلاد وعجزت عن صدّه أو التخفيف من وطأته قوات الحكومة الاتحادية المليونية المبذول عليها نحو 20 مليار دولار سنوياً.               وجاء العرض في بيان لرئاسة الاقليم لم نسمع مثيلاً له لا من رئاسة الجمهورية ولا من رئاسة الحكومة، فكل ما سمعناه كان بيانات وتصريحات من وزارة الداخلية وبعض نواب ائتلاف دولة القانون، حمّلت مباشرة أو مداورة الشعب ووسائل الاعلام المسؤولية عن تفاقم أعمال الارهاب، بحجة ان الشعب يوفر الحاضنة للارهابيين ووسائل الاعلام تبهرج العمل الارهابي!
    رئاسة الاقليم دعت "الحكومة الاتحادية وكافة الأطراف السياسية العراقية الى سرعة اجراء مراجعة جدية للوضع"، واكدت "ان اقليم كردستان مستعد للمساعدة لكي لا تبقى حياة وأمن المواطن رهينة تهديدات الارهابيين وأن يوضع حد لهذا الوضع السييء".
  وتكرر العرض منذ يومين عندما أبلغ وفد عسكري كردستاني رفيع المستوى زار بغداد لاستئناف المحادثات العسكرية المتوقفة، وفداً من وزارة الدفاع الاتحادية "بالاستعداد الكامل لوزارة البيشمركة لإرسال قواتها إلى أي بقعة بالعراق في حال طلبت وزارة الدفاع الاتحادية ذلك، للمشاركة في التصدي للإرهابيين"، بحسب ما أعلن عنه الأمين العام لوزارة البيشمركة الفريق جبار ياور الذي أكد "نحن جزء من منظومة الدفاع العراقية نتحمل  واجباتنا تجاه شعبنا وتجاه العراقيين جميعاً".
   اتخاذ قرار بالقبول بعرض كهذا يتطلب في المقام الاول أن تتحلى الحكومة ورئاستها بالتواضع، وهذا يتمثل بالاعتراف بالفشل، أقله على الصعيد الأمني. أوساط الحكومة، وبالأخص فريق دولة القانون، لا تملّ من الترويج  لفكرة ان الكرد يعملون لأنفسهم ويسعون للاستحواذ على كل شيء ويرتبون للانفصال. وعرض رئاسة الاقليم ووزارة البيشمركة سيكون اختباراً للجميع، وبالذات للحكومة الاتحادية التي يتعيّن ان تتصرف على ان المنظومة العسكرية والامنية الكردستانية جزء من المنظومة الوطنية الاتحادية، وان من واجبها الاضطلاع بمهمة حفظ الأمن في عموم البلاد.
    قوات الاقليم لديها تجربة ناجحة على الصعيد الأمني، تشهد بها اوضاع الاقليم المستقرة، والمؤكد انها ستنجح اذا ما كُلّفت بمهام خارج نطاق الاقليم. في المقابل فان تجربة القوات الاتحادية فاشلة .. لابد من الاعتراف بهذا، والفشل هنا يرجع الى الأسس غير الصحيحة التي بُنيت عليها المؤسسة العسكرية والامنية. هي صورة طبق الأصل عن الأسس التي قامت عليها العملية السياسية برمتها. أعني أسس المحاصصة الطائفية على وجه التحديد.
   أتريدون حقاً تحقيق وحدة الوطن والشعب؟.. هذا عرض بتحقيق ما تريدون.
   هل ستكون الحكومة ورئاستها على قدر المسؤولية باتخاذ قرار يرتفع الى مستوى عرض الكرد بالاستعداد للموت من أجل أمننا؟ .. لننتظر.



130
شناشيل
حلال الحكومة.. وحرامها
عدنان حسين

أيها العراقيون اسمعوا وعوا، واذا وعيتم فانتفعوا. انه في بلادكم حكومة تعرف الحلال والحرام وتميّز في ما بينهما.
اعلموا انه حلال نهب المال العام وسرقة المال الخاص من عقارات وما اليها، وهذا مما مأذون به من سلاطين الحكومة واحزابها، وبخاصة حاملة راية الدين والمذهب، بتأييد وتسويغ من وعاظ السلاطين.
واعلموا ايها العراقيون ان العصبية الدينية والمذهبية والطائفية محللة والوطنية منبوذة، وان الكفاءة مكروهة، والعلم مذموم  والجهل محبّذ  والكفء محارب وغيره مدلل.
واعلموا، رعاكم الله، ان تزوير الشهادات والوثائق الرسمية جائز، وجائز أيضاً أن يصبح المزور استاذاً في الجامعة ووزيراً ونائباً في البرلمان ومديراً ورئيس مؤسسة، فالتزوير يفتح الابواب الموصدة.
واعلموا انه مسموح بأن تفجّروا الاسواق والمدارس والمستشفيات والجوامع والكنائس والمعابد والدوائر الحكومية بالمفخخات والاحزمة الناسفة، واطمئنوا فشعار الدولة ان الله غفور رحيم وان العفو عند المقدرة وان المصالحة الوطنية متوافق عليها.. واطمئنوا اكثر الى انه اذا ما حدث خطأ واعتقلتم فثمة من سيتكفل اطلاق سراحكم باجتياح السجون وفتح ابوابها ، ولا من شاف ولا من سمع!
واعلموا، يا حماكم الله، انه مسموح أيضاً بان تصبحوا  نواباً في البرلمان او وزراء وان تؤسسوا شركات وهمية باسماء افراد عائلاتكم وتبرموا معها عقوداً وهمية لتوريد محطات كهرباء أو مواد غذائية وسواها، فتجمعون عشرات الملايين وتفرون بها الى خارج البلاد فلا يلاحقكم أحد.. ومسموح أن تنشئوا بهذه الملايين شركات تتاجر بالأغذية والادوية الفاسدة، أو ان تٌطلقوا فضائيات تحرّض ضد المجتمع والدولة وتدعو الى الارهاب وتثير النعرات الطائفية وتعطي دروساَ على الهواء مباشرة في كيفية تصنيع المفخخات وتفجيرها في المدنيين والعسكرين، ويمكنكم بعد ذلك أن تعيدوا حبال الوصل مع مسؤولي الحكومة والبرلمان، فيستقبلونكم كما لا يُستقبل الابطال الوطنيون، وتقام لكم الولائم وتُلغى الاحكام القضائية الصادرة في حقكم بوصفكم مجرمين وارهابيين.
واعلموا يا عراقيين انه مأذون لكم تشكيل ميليشيات وعصابات مسلحة تستعرض في الشوارع ناشرة الرعب، وتهاجم المقاهي والنوادي الاجتماعية ومحال بيع المشروبات وتقتل العاملين فيها بالجملة وتضع صور جرائمها على الانترنت.
ومسموح أيضا وأيضاً لكم بممارسة كل الرذائل من الدعارة والسمسرة الى االمتاجرة بالبشر والمخدرات والاسلحة.
ومن المسموح والجائز والمحبذ والمقبول والمرحب به كذلك التظاهر لتمجيد رئيس الحكومة ورفع الشعارات والهتافات له بوصفه صيغة الألفية الثالثة لـ "القائد الضرورة" (مختار العصر)، وايضاً تنظيم المسيرات المؤيدة لبعض دول الجوار ورفع صور قادتها الاحياء والاموات.. هذا كله وغيره مسموح به.
لكن، اعلموا أخيراً ان شيئاً واحداً عليكم أن تحذروه وتتجنبوه ولا تقربوه، صحاة أو سكارى، هو التظاهر من أجل العراق.. فحرام ثم حرام ثم حرام أن تتجمعوا في عز القيظ في ساحة التحرير أو تسيروا الى ساحة الفدوس أو شارع المتنبي رافعين صور العراق وخارطة العراق وعلم العراق ولاهجين بهموم شعب العراق من كهرباء وماء وصحة وتعليم وحصة تموينية وفقر وبطالة.... وداعين الى مكافحة الارهاب ومواجهة العنف والتصدي للحرب الاهلية.
هذا خط أحمر، وهذا كفر والحاد وخروج على الشرعية وتجاوز على القانون والدستور، بأمر القائد العام للقوات المسلحة الذي لم تشأ قواته ان تحمي سجناً، لكنها تبلي البلاء الحسن، والشهادة لله، عندما تتظاهرون في التحرير والفردوس والمتنبي.


131
شناشيل
وماذا عن الوزراء وامثالهم؟   
عدنان حسين
هذا حسن ، أن تبدو الحكومة متحمسة هي الأخرى للحملة الشعبية المُطالبة بتقليص الامتيازات المالية لأعضاء مجلس النواب. ونعني بالحكومة رئاستها والجهات المقرّبة منها في ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة الاسلامية (المفارقة ان الائتلاف والحزب لم يبادرا بعد الى الاعلان عن التخلي عن الرواتب التقاعدية لنوابهما وممثليهما في مجالس المحافظات كما فعلت كتلة المواطن وكتلة الاحرار).
أمر محمود أن تدعم الحكومة حملة كهذه تسعى الى الحد من الامتيازات غير المعقولة لأعضاء البرلمان والمجالس البلدية، بصرف النظر عن الدوافع وراء هذه الحماسة الحكومية التي يرى البعض انها تدخل في اطار رد الحكومة على التحية بمثلها أو بأحسن منها. و"التحية" هنا هي تحية مجلس النواب الذي شرّع للتو قانوناً يخفض من الامتيازات المالية غير المعقولة ايضاً لرئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان، وهو أمر أزبدت له الحكومة وأرعدت اعترضت عليه لدى المحكمة الاتحادية، ومن المتوقع أن تقضي المحكمة كالعادة بما تريده رئاسة الحكومة بنقض قرار البرلمان.
لكن القضية برمتها لا ينبغي معالجتها في اطار المناكفات السياسية بين الحكومة والبرلمان والحروب بين كتلهما. ولكي يحصل هذا لابد أن يتسع نطاق الحملة الشعبية، ومعها الحماسة الحكومية، للحد من كل انواع الامتيازات الكبيرة التي يحظى بها افراد الطبقة العليا من مسؤولي الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية داخل جهاز الدولة برفع الحيف عن العمال وموظفي الدرجات الدنيا والوسطى والمتقاعدين بزيادة رواتبهم المتدنية.
ليست رواتب أعضاء البرلمان والمجالس البلدية والرئاسات الثلاث ومخصصاتهم وامتيازاتهم هي وحدها غير المعقولة .. هناك أيضاً الوزراء ومن هم في درجتهم ووكلاء الوزرارات وأصحاب الدرجات الخاصة عامة .. هؤلاء جميعاً يحصلون على رواتب ومخصصات وامتيازات مبالغ فيها للغاية مع ان الكثير منهم لا يؤدي للدولة والمجتمع خدمات تعادل في كميتها وقيمتها ما يقدمه العمال والموظفون الصغار والمتوسطون.
وبالمستوى نفسه من الاهمية، بل بمستوى أعلى،  يتعيّن العمل على مكافحة الفساد المالي والاداري، وبخاصة في الأوساط العليا من موظفي الدولة. الكثير من النواب والوزراء ووكلاء الوزارات ورؤساء المؤسسات والمدراء العامين والمفتشين العامين وسائر اصحاب الدرجات الخاصة وحتى مدراء مكاتب كبار المسؤولين، يستغلون مواقعهم ومناصبهم وعلاقاتهم للحصول على رشى نقدية وعينية تصل قيمتها في أحيان غير قليلة الى الملايين وعشرات الملايين من الدولارات، ووثائق هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية تحفل بوقائق لا حصر لهافي هذا الصدد.
الرواتب والمخصصات والامتيازات الكبيرة التي قررها البرلمان في دوراته المختلفة لاعضائه وسائر افراد الطبقة العليا من دون وجه حق، هي جزء من عملية الفساد والافساد واسعة النطاق الجارية في دولتنا، وهي عملية تحرم المجتمع وتنميته مليارات من الدولارات سنوياً.. لا بد أن يكون هذا بالضبط هو جوهر ونطاق الحملة الشعبية الجارية الآن.

132
المنبر الحر / اعتراف متأخر
« في: 12:28 31/07/2013  »
شناشيل
اعتراف متأخر
عدنان حسين
منتشياً وقف رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي ليعلن ان الحرب على الارهاب في العراق قد انتهت .. وباستخفاف قال ان ما تبقى من الارهاب لا يتجاوز "بضعة خلايا هنا وهناك"!
كان ذلك منذ سنة، بل أقل من سنة، وبالضبط يوم الاثنين السادس من آب (اغسطس) من العام الماضي. كان السيد المالكي يخاطب الضباط والعناصر الذين أفشلوا قبل ذلك بايام محاولة ارهابية لاقتحام سجن التاجي. وبالنص قال المالكي يومئذ إن "المعركة مع الإرهاب قد انتهت، وإن المتبقي هو خلايا تبحث هنا وهناك عن فرصة أو ثغرة"، واضاف أن هذه الخلايا "تقف خلفها ارادات من دول أخرى تستغل الظرف الحاصل في المنطقة، لكن ذلك لن يحصل في العراق مع استمرار الضربات لحين القضاء عليهم من خلال تفعيل الجهد الإستخباري والتعاون مع المواطنين".
وفكرة هزيمة الارهاب واندحار الارهابيين وتراجع قدراتهم ظلت تتكرر في الكثير من تصريحات السيد المالكي وكلماته داخل البلاد وخارجها منذ العام 2008. وعلى الدوام كنا، مثل كثيرين غيرنا، نحذر من هذه النظرة غير الواقعية للامور ومن عواقب الثقة الزائفة بالنفس، فالأوضاع على أرض الواقع كانت تمضي في اتجاه معاكس لما يتحدث عنه القائد العام للقوات المسلحة ومساعدوه.
من غير الممكن هزيمة الارهاب في ظل عملية سياسية توفر بيئة مناسبة وحاضنة ملائمة للارهاب، ومن المستحيل دحر الارهابيين وتحطيم قدراتهم باجهزة أمنية وحكومية فاسدة ومخترقة من الارهابيين.
الآن تعترف وزارة الداخلية بان الامور في واقعها هي كما نراها نحن وليست كما يراها رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة... هذا الاعتراف المتأـخر اعلنته الوزارة في بيانها الصادر أمس الأول، غداة أحدث هجمة ارهابية واسعة النطاق . البيان قال:
 (( أولاً: إن البلاد أصبحت في مواجهة حرب معلنة تشنها قوى طائفية دموية تستهدف إغراق البلاد في الفوضى وإعادة إنتاج الحرب الأهلية..."؛
(( ثانياً: .... أن ضخامة وسعة الاعتداءات الإرهابية تكشف عن اختراق كبير لجماعات الإرهاب للنسيج الاجتماعي ووجود حواضن بشرية ودعم تتلقاه هذه العصابات على خلفيات طائفية وسياسية...)).
ويخلص البيان الى ان هذا ((يستدعي تضامناً كاملاً بين الأجهزة الأمنية والحكومية والمؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية لمواجهة هذه الحرب الشعواء التي تأخذ طابع الإبادة الجماعية.)) و(( تعبئة شاملة لجهود المواطنين مع الأجهزة الأمنية، فبدون تعاون بناء ومثمر لا يمكن الحد من الاعتداءات الإرهابية بالاقتصار على جهود الأجهزة الأمنية وحدها، كون الأمن بالمفهوم المعاصر هو حصيلة تضامن وطني فعّال ومشاركة بين المجتمع والأجهزة الحكومية المعنية)).
هذا هو الكلام السليم والمفيد.. ولكن كيف يتحقق التضامن الوطني الفعال بين الشعب والأجهزة الأمنية ؟
بوجود نظام الطائفية السياسية لن يكون .. ولن يكون مع بقاء المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية والعشائرية .. ولا يمكن أن يكون أيضاً مع تفشي الفساد المالي والاداري وتفاقم التلاعب بالمال العام، ولا مع الفقر والبطالة وسوء الخدمات العامة والشعور العام العارم بالظلم والحيف والتمييز والتهميش، ولا مع نزعة الاحتكار والاستبداد الموجودة في قلب الحكومة وقيادة القوات المسلحة .. لابدّ من علاج هذا كله أولاً، لكن لا الحكومة القائمة قادرة على هذا، ولا النخبة السياسية المتنفذة أيضاً.


133
شناشيل
دخان النائب الكناني
عدنان حسين
لا دخان من دون نار، والخشية التي أعرب عنها النائب أمير الكناني (كتلة الاحرار) من حدوث انتكاسة في عملية التداول السلمي للسلطة لا بد انها تستند الى أساس، ما يفرض التحوّط لهذا الأمر منذ الآن، إذ لم يتبق من الوقت الى الانتخابات البرلمانية المقبلة سوى سبعة أشهر.
النائب الكناني تحدث في تصريح صحفي أمس عما وصفه "تفرّد" رئيس مجلس االوزراء نوري المالكي في اتخاذ القرارات وتحديد السياسات داخل مجلس الوزراء في غياب نظام داخلي للمجلس ينظم عمله وعملية اتخاذ القرارات الحكومية. وعبّر النائب أيضاً عن الخوف من الا يتحقق التداول السلمي للسلطة "اذا كانت نتائج الانتخابات المقبلة مغايرة لما يطمح له المالكي".
تصريح كهذا يتعين أن يرفع درجة الحذر الى مستوى عال، فأن تأتي الانتخابات المقبلة بنتائج لا تتطابق مع طموحات المالكي وائتلافه الحاكم أمر واقعي للغاية. وانتخابات مجالس المحافظات الأخيرة جعلت من هذا الأمر مرجحاً تماماً، فقد مُني  ائتلاف دولة القانون بخسارة كبيرة، وكانت خسارة حزب الدعوة الاسلامية بالذات أكثر جسامة. كان ذلك عقوبة من الناخبين للائتلاف والحزب الحاكمين على عدم وفائهما بتعهداتهما وفشلهما في تطبيق برنامجهما الانتخابي وعجزهما عن تحقيق أي منجز يستحقان عليه ان يمنحهما الناخبون أصواتهم مجدداً. وفي الاشهر الأخيرة تبدى فشل دولة القانون وحكومته على نحو أكبر، خصوصاً على الصعيدين الامني والاقتصادي، واذا استمرت الأحوال على هذا المنوال فان دولة القانون وحزب الدعوة سيفقدان في الانتخابات القادمة الكثير مما تبقى لهما من رصيد شعبي.
ماذا في وسع المالكي أن يفعل ليجعل من مخاوف النائب الكناني التي يتعين ان تكون مخاوفنا أيضاً، واقعاً؟ انه كثير للغاية .. يمكنه الحؤول دون اجراء الانتخابات في موعدها. التردي المتفاقم للاوضاع الأمنية سيكون حجة قوية، ولن تُعدم الحكومة القدرة على التذرع بمؤامرات داخلية وأجندات خارجية لتبرير قرار التأجيل، والخط البياني للتدهور الأمني يمكن أن يظل في تصاعد حاد الى درجة تقرر فيها الحكومة ان وضع البلاد غير مؤات للانتخابات، ومفوضية الانتخابات، شأن سائر الهيئات "المستقلة" في الجيب دائماً. ويمكن النظر الى ما حصل مع انتخابات مجالس المحافظات في الانبار ونينوى بوصفة بروفة.
وحتى اذا لم يحصل هذا، فان الاعتراض على نتائج الانتخابات والطعن فيها لن تكون سابقة. دولة القانون فعلها في الانتخابات البرلمانية السابقة وثنّاها في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة. وما المانع من التكرار؟
هذه العمليات كلفتنا من الوقت في الانتخابات السابقة سبعة أشهر. والكلفة الأكبر كانت في تشكيل حكومة لم تحقق شيئاً.. بل جعلت من أحوالنا عشية الانتخابات القادمة أسوأ مما كانت عليه وقت الانتخابات السابقة.
النائب امير الكناني أطلق امس الدخان.. علينا أن نفتش عن النار.







134
شناشيل

وزيران في مقهى يسمونه البرلمان !

عدنان حسين

لا أظنني أجازف بالقول، وانا اكتب هذا العمود قبيل انعقاد جلسة أمس لمجلس النواب، ان هذه الجلسة كانت وكأنها لم تكن على صعيد أهم فقرة فيها، وهي المتعلقة بالبحث في ملف الكهرباء. فحتى اذا قُدّر وحضر نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني ومعه وزير الكهرباء عبد الكريم عفتان ليس متوقعاً ان يتجاوز الأمر القاءهما بيانات حافلة بالتبريرات والذرائع .. حتى الاكاذيب ليست مستبعدة.
الكتاب يُقرأ من عنوانه، وجلسة برلماننا أمس كان مضمونها واضحاً ومحتواها بيّنا من عنوانها: "استضافة". هذا التعبير اختراع عراقي بامتياز، ابتدعه الفاسدون في الطبقة السياسية المتنفذة. ففي سائر البلدان الديمقراطية يُسمى مثول الوزراء ورؤساء الحكومات امام البرلمان "مساءلة" أو "استجواب"، إذ ثمة أسئلة تُطرح من جانب اعضاء البرلمان وثمة أجوبة من الوزراء أو رؤساء الحكومات وسواهم.  ليس البرلمان مضيفاً ولا مقهى أو منتدى. انه السلطة الأعلى في الدولة، وظيفتها الأساس تشريع القوانين ومراقبة تنفيذها من قبل السلطة التنفيذية. وفي اطار المراقبة تدخل وظيفة المحاسبة، فالسلطة التنفيذية يعيّنها البرلمان، ولهذا هي مسؤولة أمامه، يوجهها ويحاسبها عما تقوم به.
اعطاء مثول نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير الكهرباء أمام مجلس النواب صفة الاستضافة هو افراغ كامل لوظيفة المراقبة والمساءلة التي يتعين أن يقوم بها المجلس تجاه هذين الوزيرين المسؤولين عن واحدة من أكبر المعضلات التي تواجهها البلاد ويعاني منها اكثر من ثلاثين مليون انسان.
لا أجازف إذ اتوقع ان السيد عفتان قد ألقى في جلسة أمس بالمسؤولية عن هذه المعضلة والمعاناة على عاتق الوزراء الذين سبقوه، فهو عضو جديد في الحكومة، ومن المنطقي الا يكون مسؤولاً عن القدر الهائل من الفساد المالي والاداري والقرارات والاجراءات الخاطئة المرتكبة في فترات أسلافه الكثر الذين، كغيرهم وكالعادة، جرى تمكينهم من الخروج من الوزارة والى خارج الحدود بسلام وامان وملايين. أما السيد الشهرستاني فالأكيد انه لم يشعر بالحرج عندما سيقول، كما قال رئيسه نوري المالكي منذ بضعة أيام، انه تعرض للغش والخداع من الوزراء السابقين الذين قدموا له تقارير بمعطيات غير صحيحة وتقديرات غير دقيقة.
لا أجازف إذ أتخيل ان جلسة مجلس النواب المنعقدة امس قد انفضّت "على الخير والبركة" ليخرج الوزيران الى عدسات الزملاء المصورين وعلى وجهيهما ابتسامات عريضة، مفسرين نتائج الاستضافة بانها بمثابة تصويت باعادة الثقة بهما وبحكومتهما، وليس على الناس من الآن فصاعداً أن يلوماهما والحكومة على ما يعانونه من الكهرباء .. عليهم أن يلوموا أنفسم لأنهم لا يتحلون بالقدر الكافي من الوطنية والإيمان لكي يصبروا على الضيم والظلم والحيف والقهر عشر سنوات أخرى! 




135
شناشيل

وماذا عن زمام الحكومة؟

عدنان حسين

يُفلت زمام لسانه على الآخر، ويُطلق قذائف مدفعيته الثقيلة باتجاه أقرب حلفائه هذه المرة .. هذا دليل على ان المفاعل النووي الداخلي لم يعد قابلاً للسيطرة .. انه ينفجر في وجه  التيار الصدري والمجلس الأعلى الاسلامي اللذين مكّناه من تولي رئاسة الحكومة للمرة الثانية بعدما كانت ستكون من استحقاق غريمه اياد علاوي، وقدّراه غير مرة على الافلات من استحقاق المساءلة والمحاسبة أمام مجلس النواب، وبين أيديهما حتى الآن ورقة بقائه في المنصب.
لماذا يركب نوري المالكي هذا المركب غير الهيّن؟
انه يفعل هذا لأن هؤلاء الحلفاء قد طلّقوا أخيراً مبدأ التقية، وبدأوا يُفصحون علناً عما كانوا يحرصون على ابقائه حبيس المجالس مذكّرين جلساءهم دائماً بان "المجالس أمانات".
ولماذا ينتقل الشركاء من مرحلة التقية الى مرحلة التصريح المكشوف؟ لأن الوضع مع السيد المالكي قد بلغ مبلغ الفضائح المجلجلة التي بات التغاضي عنها خيانة سافرة. وهل ثمة خيانة أكبر من السكوت على ما يؤدي الى سفك دماء الناس يومياً بالجملة؟
التيار والمجلس يسعيان لابراء ذمتهما من المسؤولية عن الفشل المركّب المتواصل لحكومة المالكي الثانية التي هي حكومة تحالفهم "الوطني"، وهو (المالكي) في المقابل يجهد لتحميلهما هذه المسؤولية. انه لا يقرّ ولا يعترف بأي فشل يتعلق بالاسلوب الذي يدير به الحكومة والاجهزة العسكرية والأمنية المصرّ على وضعها كلها تحت امرته وباشرافه.
الآخرون هم العلة والسبب،من منظور المالكي .. والآخرون ليسوا علاوي والنجيفي والهاشمي والعيساوي وبارزاني .. انهم ايضاً مقتدى الصدر وعمار الحكيم .. لولاهم ما عجزت موازنة بمئة وعشرين مليار دولار سنوياً عن حل مشكلة الكهرباء أو عن اطلاق الدورة الاقتصادية أو عن النزول بمستوى الفقر والبطالة .. بل ولا عجزت حتى عن توفير حاويات وسيارات لجمع القمامة من شوارع المدن. ولولاهم ما فشل ما يزيد عن مليون جندي وشرطي في الامساك بمن يفجرون ويقتلون بحرية منفلتة من الموصل الى البصرة، في التوقيت الذي يحددون وفي الأماكن التي يختارون وبالاسلوب الذي يقررون .. بل وصل هذا الفشل الى حدّ عدم القدرة على حماية سجنين يضمّان عتاة الارهابيين وقياداتهم.
طيب يا سيد المالكي، لنكن كما تريد وتشتهي، ولنقتنع بان الآخرين هم الجحيم وانك مخذول ليس فقط من الحلفاء وانما ايضاً من الشعب كما صرح أحد مساعديك، لماذا لا تخرج من الجحيم؟ لماذا لا تُلقي بالكرة في ملعبهم؟ لماذا لا تترك الفشل ليكون حصة الصدر والحكيم وعلاوي وبارزاني لا حصتك؟ لماذا لا تُفلت زمام الحكومة، كما فعلت مع زمام لسانك، وتتركه ليتورط به غيرك؟


136
شناشيل
الندء الاخير الى الاخوان
عدنان حسين
ليس في السياسة خيار واحد. وأبرع السياسيين هو الذي يتأمل كل الخيارات الممكنة ويجرّب أكثر من واحد. والرئيس المصري المعزول محمد مرسي وحزبه الحاكم، الاخوان المسلمين، كان أمامهما خياران في الأقل لحل الأزمة التي واجهاها قبل اكتمال العام الأول لولاية مرسي، وتفادي كل ما حدث بين 30 يونيو (حزيران) الماضي و3 يوليو (تموز) الجاري.
الخيار الأول الذي كان متاحاً لمرسي والأخوان أن يستجيبا في وقت مبكر لمطالب الشركاء السياسيين، وبخاصة الشباب الذين فجروا  ثورة 25 يناير(كانون الثاني) 2011 . ولم يكن سقف تلك المطالب يتجاوز وضع الخطط لتحقيق اهداف الثورة التي لم يلتحق بها الاخوان الا في أيامها الاخيرة، لكنهم جنوا أكبر ثمارها وهي الوصول الى السلطة لأول مرة في تاريخهم الممتد لأكثر من ثمانين سنة. وكان الهدف الرئيس لثورة يناير اقامة نظام ديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية، بيد ان كل الاجراءات التي اتخذها مرسي والاخوان في الجهاز الحكومي والجهاز القضائي وفي ما يخص الدستور المؤقت (الاعلان الدستوري)، كان واضحاً انها ستفضي الى انشاء دكتاتورية الحزب الواحد السافرة. وقد اعترف مرسي عشية عزله بارتكاب أخطاء على هذا الصعيد، وكذا فعل بعض من قادة الاخوان.
اما الخيار الثاني، وهو ما كان سيجنب مرسي العزل ويضمن للاخوان المسلمين البقاء عنصراً قوياً ضمن معادلة الحكم في مصر، فكان يتمثل في الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة .
بدل العمل بهذين الخيارين، سلك الرئيس المعزول وحزبه طريقاً مختلفاً، فقد تمسكا بعدم الاستجابة لمطالب الشركاء السياسيين المقصيين الذين تحولوا الى معارضين في مرحلة لاحقة تطالب بانتخابات مبكرة لحل الازمة الناشبة بينهم وبين الاخوان. وافضى موقف مرسي والاخوان الى تدخل الجيش بعزل الرئيس المعاند وتسليم السلطة مؤقتاً الى رئيس المحكمة الدستورية وحكومة مدنية مهمتها التحضير لانتخابات رئاسية مبكرة، وهو اجراء كان لابد منه تجنباً لنشوب حرب اهلية مدمرة.
والان يتجه الاخوان المسلمين الى الخيار الخطأ أيضاً بدفع معارضتهم للوضع الحالي لأن تتخذ الطابع المسلح. انهم يمارسون حرب عصابات في سيناء ضد القوات الحكومية، ويمضون باتجاه حدوث صدامات دموية في المدن بحجة الدفاع عن الشرعية. وهذا ما  يضعهم في مواجهة مع الدولة المصرية يستحيل كسبها مهما عوّل الاخوان على دعم خارجي. وتاريخ مصر والاخوان وجماعات الاسلام السياسي الأخرى فيه شواهد كثيرة على الخسارة أمام الدولة. فلجوء الاخوان الى العنف في العهد الملكي وفي العهد الجمهوري الاول (الحقبة الناصرية) تحوّل الى وبال عليهم، وجماعات الاسلام السياسي الاخرى (الجهادية) لم ينفعها عنفها العشوائي المنفلت في تحقيق ما أرادت، بل أفضى بقياداتها وعناصرها الى الموت أو الى السجن الذي أتاح لها الفرصة للمراجعة ونبذ العنف بعد ادراكها استحالة هزيمة الدولة المدججة بالسلاح.
  الرئيس المؤقت عدلي منصور طرح خلال اليومين الماضيين بتأييد من الأزهر مشروعا للمصالحة الوطنية يشمل الجميع، وهو ما يمكن اعتباره النداء الاخير للاخوان المسلمين قبل أن يجدوا انفسهم ينتظرون في محطة لم تعد تمر بها القطارات.

137
المنبر الحر / دولة تنك
« في: 12:32 24/07/2013  »
شناشيل
دولة تنك
عدنان حسين
ذكي ولمّاح وخفيف الظل والدم والروح ذلك العراقي الذي بادر، في لحظة شعور ثقيل الوطأة بالكرب مما حلّ ببلاده، برفع احدى نقطتي قاف القانون ليعطينا وصفاً لما آلت اليه الدولة في هذه البلاد. فـ "دولة القانون" التي وعدنا بها حزب الدعوة الاسلامية الحاكم وزعيمه صارت عن حق دولة الفافون.
هي دولة بلا قانون .. دستورها متجاوزٌ على مبادئه وأحكامه من سلطاتها الثلاث جميعها من دون استثناء.. هي دولة خفيفة الوزن كالفافون (الالمنيوم) موضوعة في مهب الريح، كل شيء فيها مُستباح، أمنها وحدودها وسيادتها ومالها العام وحقوق مواطنيها العامة والخاصة، وحتى دماءهم وارواحهم وممتلكاتهم.
  لكن دولتنا تردت الآن الى مستوى أدنى بكثير .. انها في حال أسوأ وأتعس من حال دولة الفافون التي قامت في فترة الولاية الاولى لحزب الدعوة الاسلامية الحاكم .. انها الآن دولة تنك. والتنك (القصدير) هو مادة البناء في هوامش المدن الكبرى في بلدان العالم الثالث، الأحياء والضواحي التي يعيش فيها المهمشون من الفقراء والمحرومين والبؤساء.
نحن الآن ، بفضل دولة الفافون، دولة تعيش مقصيّة عند هامش العالم.. اننا بين الثلاثة الأوائل من الدول الأكثر فساداً ادارياً ومالياً الى جانب الصومال وافغانستان، وعاصمتنا هي الأقذر بين العواصم، والحياة فيها هي الأسوأ على الإطلاق.
دولة جدرانها من التنك، يتحرك فيها الارهابيون والخارجون على القانون بأيسر مما يتحرك فريق كرة قدم في الملعب. والمسلسل اليومي للتفجيرات والهجمات في الشمال والجنوب والوسط والشرق والغرب،واجتياح سجني أبو غريب والتاجي منذ يومين، دليل على ان لدولة الارهاب في بلادنا الغلبة والسيطرة على دولتنا التي يتبدى لنا الآن انها دولة تنك.
دولتنا يستخف بها وبقوانينها حتى الموكول اليهم تشريع القانون.. امس الأول تفرجنا على مشهد من داخل ما يُفترض انه بيت النخبة السياسية في دولتنا .. بيت ممثلي الشعب. رأينا أحد الأعضاء، هو النائب عن دولة القانون محمود الحسن،  يتصرف كما لو كان من سكان مدن التنك الجهلة.. يصرخ ويرفع يديه ويتحدى، وهو القانوني والقاضي، قرار مؤسسته (مجلس النواب) المصوت عليه بالأغلبية، مقدماً مثلاً وانموذجاً يشجّع على الخروج على القانون.. ورأينا عضواً آخر، محازباً وقريباً له، هو رئيس كتلة دولة القانون الشيخ خالد العطية، وهو يأمر أعضاء كتلته بالانصراف من جلسة المجلس بطريقة مهينة .. كان يشير اليهم باحدى يديه بحركة تُشبه تماماً الحركة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان عندما أعلن أمام جمع من أنصاره اثناء الاحتجاجات الجماهيرية في ساحة تقسيم وحديقة غازي، ان المحتجين اذا لم ينسحبوا فان قوات الأمن ستتقوم بذلك، وأدى حركة معناها ان قوات الأمن ستكنسهم كالقمامة!
أحد رواد فيسبوك علّق على مشهد أمس الاول البرلماني بانه بدا له كما لو كان الأمر يجري في مدرسة ابتدائية .. اعتقد انه أخطأ في هذا، ففي مدرسة الجوادية الابتدائية (المختلطة) التي أمضيت فيها ست سنوات لم يحدث أبدا أن أمرنا أحد المعلمين بأن نغادر الصف أو المدرسة أو ساحتها بالطريقة التي أمر بها الشيخ العطية زملاءه.. كان معلمونا يقولون لنا بكل احترام وحب: يلله اولادي تفضلوا اطلعوا من الصف او المدرسة او الساحة.
انها دولتنا التي انحدرت أوضاعها من مستوى الفافون الى مستوى التنك.   

   
 

138
شناشيل
حقوق الانسان .. صح النوم!
عدنان حسين
لم أسمع ان مجلس النواب قد ألغى لجنة حقوق الانسان المنبثقة عنه ، ولهذا  أمضيت أمس وقتاً غير قصير مع مواقع الانترنت بحثاً عن قرار من المجلس في هذا الخصوص فلم أجد أي أثر لذلك. وكذا الحال مع مفوضية حقوق الانسان، فقد بحثت عن قرار من رئاسة الحكومة بالغاء هذه المفوضية، بحكم عائديتها للحكومة رغماً عنها مثل سائر الهيئات الموصوفة بـ "المستقلة" كهيئة الاعلام وشبكة الاعلام وهيئة النزاهة والبنك المركزي وسواها، فلم أعثر أيضاً على أثر لقرار كهذا.
اذن لنحمد الرب على ان لجنة حقوق الانسان البرلمانية ومفوضية حقوق الانسان مازالتا على قيد الحياة، تتنفسان وتتمتعان بالصحة والعافية اللتين نتمنى أن يديمهما الباريء عليهما الى الابد.
التقصي الانترنتي الذي قمت به لتتبع آثار هاتين الهيئتين سببه انني لم أسمع منهما جملة أو حتى كلمة أو حرفاً بخصوص الهجوم الارهابي الذي تعرضت له أخيراً بعض المقاهي في منطقة الكرادة ببغداد. توقعت ان مقتل شخصين واصابة عدد آخر من الاشخاص وتدمير ممتلكات لمواطنين عراقيين ستُحرك الدم في عروق المسؤولين عن هاتين الهيئتين، إذ حتى وزارة حقوق الانسان الحكومية مئة بالمئة استحت على حالها وأصدرت بياناً معقولاً نددت فيه بهذا العدوان على حقوق الانسان والحريات المدنية.
الوزارة قالت في بيانها ان "قيام بعض التجمعات الأهلية المدعومة من قبل جهات سياسية باتخاذ إجراءات غير قانونية بحق بعض المقاهي وتعريض السلم الأهلي للخطر في ظل ظروف أمنية صعبة جدا، يعتبر خرقاً صارخاً للدستور ولحقوق الإنسان التي كفلت الحريات الشخصية خاصةً"، وأكدت أنها "تتابع الإجراءات القانونية مع الجهات القضائية والحكومية بحق الأشخاص الموقفين على ذمة هذه القضية، التي أدت الى مقتل شخصين وجرح آخرين".
لا تفسير ولا تبرير لموقف لجنة حقوق الانسان البرلمانية ومفوضية حقوق الانسان "المستقلة". فاذا كانت قضية كالاعتداءات السافرة المتكررة على المقاهي والنوادي الاجتماعية وباعة المشروبات المرخصين لا تهمّ هاتين الهيئتين ولا تعنيهما في شيء، ما مبرر وجودهما وانفاق ملايين الدولارات عليهما؟
لا نجد عذراً لاعضاء اللجنة البرلمانية لحقوق الانسان ومفوضية حقوق الانسان بالتزام الصمت في حالات كهذه حتى لو كانوا – الأعضاء – جميعاً صائمين هذه الايام، وينامون النهار بطوله وعرضه كما يفعل كل الصائمين من درجة الخمس نجوم، فلديهم الليل لكي يقتطعوا بعضاً من وقته، خارج وقت الفطور والسحور ولعب المحيبس أو الدومينو أو الورق، لكي يعرفوا ان حقوق الانسان في بلدنا، وبلدهم، العراق تتعرض لانتهاكات سافرة واعتداءات أثيمة تصل الى حد ازهاق الارواح وتدمير الممتلكات، لأجل ان يتكرموا – أعضاء لجنة حقوق الانسان البرلمانية ومفوضية حقوق الانسان – باصدار بيانات تنديد واستنكار على غرار بيان وزارة حقوق الانسان الحكومية في الأقل.


139
شناشيل
لهذا السبب أرغب بالعمل في مكتب المالكي
عدنان حسين
أعرف انني من الأشخاص غير المرغوب بهم في مكتب رئيس مجلس الوزراء. وهذا راجع الى النظرة القاصرة داخل هذا المكتب والتي ترى في مَن ينتقد أو يعارض تصرفات رئيس مجلس الوزراء وحكومته وسياساتهما عدواً شخصياً له وللعاملين تحت إمرته في هذا المكتب.
مع ذلك فانني أشعر برغبة قوية داخلي للعمل قريباً من السيد المالكي لاسبوع أو اسبوعين فقط .. هو عمل تطوعي من دون راتب أو مخصصات .. وهو أي عمل، حتى لو كان في صيغة اعداد وتقديم القهوة التي يحبها السيد المالكي.
لا أرغب في هذا العمل لتحقيق مصلحة أو نيل شرف ما، فبيني وبين نفسي لا أشعر بالفخر بالعمل في مكتب بعضٌ ممن يعملون فيه منافقون ونهازو فرص، وبعضٌ ممن يُستقبلون فيه بترحاب شديد نصّابون وسرّاق مال عام، وبعضهم ممن ساموا شعبنا العذاب في عهد النظام السابق، وبينهم قد يكونون هم أو آباؤهم ممن تعرضتُ شخصياً وآلاف غيري الى التعذيب على أيديهم في معتقل قصر النهاية في سبعينات القرن الماضي. 
 مع ذلك فانني مستعد للعمل التطوعي في مكتب السيد المالكي لاسبوع أو اسبوعين أكون خلالهما أميناً على أسرار المكتب ومخلصاً للمهمة التي أكلّف بها. فقط أريد أن أرى بأم عيني كيف يتعامل السيد المالكي مع ما يتلقاه من اخبار ومعلومات عن المجزرة اليومية المتواصلة في مدننا.
أريد أن أعرف هل السيد المالكي مثلنا يُمضي نصف وقته أو ربعه في تقليب القنوات الفضائية وصفحات المواقع الالكترونية لمتابعة التفجيرات والهجمات الارهابية التي تلاحق العراقيين من شارع الى شارع ومن سوق الى سوق ومن جامع الى حسينية الى كنيسة الى معبد، وهذه الأيام من مقهى الى مقهى أيضاً.
أريد أن أعرف، اذا لم يكن لديه الوقت لذلك، هل يُقدّم له العاملون في مكتبه كل ساعة او ساعتين أو ثلاث، تقارير موجزة أو مفصلة عن الوضع الأمني المتردي على نحو لا مثيل له في أي بلد آخر .. أريد أن أعرف وأرى بأم عيني كيف يتصرف السيد المالكي، وهو رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية، وهو يشاهد الفضائيات او يقرأ التقارير.. هل يشعر كما نشعر ويفعل كما نفعل؟ يندهش؟  يفغر فاه؟ يقطب جبينه؟ يشهق؟ يغصّ؟ يوجعه قلبه أو بطنه؟ يضرب بيده على الطاولة أسى وأسفاً على الضحايا؟ يحترق من الداخل غضباً على رجاله المقصرين من مسؤولي الأجهزة الأمنية؟
أريد أن أعرف، اذا كان السيد المالكي يحسّ بما نحسّ به ويتصرف كما نتصرف ونحن نتابع وقائع حمام الدم اليومي في بلادنا، لماذا يبدو غير آبه وغير مكترث وغير مبال بما يجري في البلاد التي يتقلد فيها أرفع المناصب؟ ما الذي يُمسك بلسانه؟ متى تنحلّ عقدة هذا اللسان؟ لماذا يتكبر على الشعب فلا يقول له مباشرة أو للبرلمان كلمة تفسّر لماذا يجري ما يجري ومن المسؤول عما يجري، كما يفعل كل رؤساء الحكومات والوزراء الذين يحترمون أنفسهم ويحبون أوطانهم وشعوبهم.


140
شناشيل
قبل تدويل القضية العراقية
عدنان حسين
مرة أخرى نحن في حرب أهلية .. ما يجري في البلاد يومياً في الليل والنهار من قتل بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وهجمات بالاسلحة المدوية أو مكتومة الصوت هو حرب أهلية بامتياز، يحمل كل مواصفات الحرب الأهلية النموذجية. وحربنا الأهلية طابعها العام طائفي: شيعي – سني.
الذين في قمة السلطة في دولتنا يُزعجهم كلام كهذا.. انهم يكذّبونه ويسفهونه، بل لا يتورعون عن اتهام القائلين به بان لديهم "أهدافاً مشبوهة" .. والواقع انهم يسعون من وراء ذلك الى التستر على حقيقة اننا في حرب أهلية طائفية وعلى واقع انهم هم مشعلو نار هذه الحرب وان وقفها يتوقف على الخلاص منهم، فكل بوصلات حربنا تُشير اليهم وتتوجه نحوهم.
ما هي الحرب الأهلية؟ كيف تكون؟ ما مواصفاتها؟
الموسوعات تقول: الحرب الاهلية حرب داخلية في بلد ما، وتكون أطرافها  جماعات مختلفة من السكان. أسبابها وبواعثها قد تكون سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو اقليمية أو مزيجاً من هذه الاسباب.
وتقول الموسوعات أيضاً ان  كل فرد من المنخرطين في الحرب الاهلية  يرى في عدوه وفي من يريد أن يبقى على الحياد خائناً لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في نفس المحيط الجغرافي. ولهذا تتصف الحروب الأهلية بالضراوة والعنف وبالنتائج الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المدى القريب، والمؤثرة بعمق على المدى البعيد، لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان وتكون خاضعة لهجمات متقطعة وغير منتظرة، ولا تفرق بين الأهل والجيران فتشل الحياة الاقتصادية وتمزق النسيج الاجتماعي، ويحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن لإعداة البناء والتوازن والوئام.
وبحسب الموسوعات كذلك فان الحروب الأهلية كثيراً ما تشكّل فرصة لتدخل الدول الكبرى أو المجاورة في مجريات الأمور الداخلية للدولة التي تجري فيها الحرب الاهلية، ذلك أن حرباً كهذه تُضعف كثيراً من سيادة الدولة وتطيح التماسك الداخلي في وجه التدخل الخارجي، كما أن احتمالات التغيّر في موازين القوى داخلياً قد يؤثر على الدول المجاورة سلباً وإيجاباً فترى بعض الدول في انتصار فريق على فريق تاميناً لمصالحها، أو تهديداً لأمنها أو للتوازن في تلك المنطقة من العالم أو على صعيد أوسع.
أليس هذا ما يجري على أرض العراق منذ سنوات عدة؟
في يوم تُفجر سيارات أو أحزمة ناسفة أو تُشن هجمات مسلحة على أهداف شيعية، مدنية ودينية في الغالب، وفي يوم آخر، بل ربما في اليوم نفسه، تجري أعمال مماثلة ضد أهداف سنية مدنية ودينية هي الاخرى. وفي يوم يُقتل كرد أو تركمان وفي يوم آخر يُقتل عرب.. في يوم تستباح كنائس وفي آخر معابد صابئية وازيدية. وفي كل الاحوال فان الضحايا بالمئات في كل مرة .
 أليست هذه حرب أهلية بكامل الأوصاف ؟
من المهم أن نصل الى هذه النتيجة لكي نحدد طريق الخروج من أزمتنا، بل محنتنا الراهنة.. اذا لم نعترف باننا، أو بالاحرى الطبقة السياسية المتنفذة في العملية السياسية، نخوض في غمار حرب أهلية ستتواصل هذه الحرب الى ما لا نهاية، وقد نجد انفسنا ذات يوم في وضع يتطلب تدخلاً دولياً لانقاذ ما يتبقى من العراق والشعب العراقي.
شبيبة العراق هم بالذات من يتعين ان يدركوا حقيقة ما يجري ليطلقوا طاقاتهم الكامنة وللاحتجاج على الواقع الراهن والعمل على تغييره، وربما كانت الخطوة الاولى اللازمة على هذه الطريق بدء حركة للتبرؤ من أمراء الحرب الاهلية الطائفية والسعي لعدم عودتهم الى البرلمان المقبل والحكومة القادمة.


141
المنبر الحر / لا يا حضرة المحافظ!
« في: 13:08 20/07/2013  »
شناشيل
لا يا حضرة المحافظ!
عدنان حسين
يبدو ان محافظ بغداد الجديد استكثر على نفسه وعلينا أن يمرّ أكثر من شهر كامل على قوله بانه سيعمل على تمدّن مدينة بغداد وليس على أسلمتها، وان عاصمتنا لن تكون في عهده كقندهار في عهد حركة طاليبان، فها هو ذا السيد علي التميمي ينقلب على قوله ذاك ويستهدف في أول اجراء له بعض المظاهر المدنية للعاصمة تحت الشعار الزائف ذاته الذي سبقه اليه المحافظ المنصرف وزميله رئيس مجلس المحافظة "الآداب العامة والتقاليد والأعراف الاجتماعية..."!
لا نريد أن نربط بين اجراءات المحافظ التعسفية في حق المقاهي والكافتريات التي يرتادها الشباب لتزجية أوقات الفراغ وبين الهجمات الارهابية التي استهدفت مثل هذه المقاهي والكافتريات على مدى الاشهر الثلاثة الاخيرة في بغداد والمدن الأخرى، لكننا نلفت انتباه المحافظ الى هذا التزامن، والى ان اجراءاته وتلك الهجمات تلتقي في نهاية المطاف عند نتيجة واحدة. الارهابيون هدفهم منع الشباب من الاقبال على مراكز اللهو البريء ودفعهم للالتحاق بالمنظمات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة، فما هدفك انت يا سعادة المحافظ من اجراءات تُفضي الى النتيجة ذاتها؟
السيد التميمي وحكومته المحلية وضعا خلفهما كل المعضلات التي تئن بغداد تحت وطأتها للسنة الحادية عشرة على التوالي، والمحن التي يعانيها سكانها وتتفاقم السنة بعد الأخرى، ليتفرغا ويكرسا جهودهما لقضية هامشية هي قضية المقاهي والكافتيريات.. يتناسى المحافظ الجديد ومجلس المحافظة في العاصمة ان علة بغداد الكبرى تكمن في الفساد المالي والاداري في المحافظة نفسها وفي أمانة بغداد وفي الوزارات والدوائر الحكومية كافة .. الفساد الذي يبدد المليارات مما كان يُفترض أن ينفق لتوفير فرص العمل ووسائل التثقيف والتسلية للشباب الذي لا يجد ما يُمضي فيه وقت الفراغ غير المقاهي والكافتيريات.
المحافظ الجديد وحكومته المحلية يتغافلان عن أن بغداد تغرق في الشتاء عند أول مطرة، وانها غارقة صيفاً وشتاءً في بحر من الازبال، وان العاصمة تعوزها المستشفيات والمستوصفات والمدارس والادوية .. ينسيان ان بغداد هي المدينة الوحيدة في العالم التي لا توجد فيها مسارح ولا دور للعرض السينمائي ولا مراسم وقاعات موسيقى .. يتغافلان عن ان بغداد هي العاصمة الوحيدة التي لا توجد فيها مكتبات عامة ولا نوادي وملاعب رياضية شعبية ولا مدن العاب.
يغفل محافظ بغداد وحكومته المحلية ان مدينتهم تضم أكبر عدد من الشحاذين، وانها تعاني من العصابات التي تبيع المخدرات والأدوية الفاسدة والمغشوشة علناً، ومن عصابات الخطف والقتل والمتاجرة بالبشر وشبكات الدعارة، وقبل هذا وكله انعدام الأمن تماماً وشح الكهرباء والماء ومواد الحصة التموينية .. وهذه كلها كان أولى بأن يضعها المحافظ الجديد ومجلس المحافظة في اولويات اهتماماتهما وانشغالاتهما، لا أن يلاحقا الشباب في المقاهي والكافتريات بوشايات كاذبة من متملقين وانتهازيين ومدّعي ورع وتديّن يسعون لتوجيه المحافظ الجديد وحكومته المحلية نحو تنكيد حياة الشباب ابعاداً للأنظار عن فساد هؤلاء المتملقين والانتهازيين المتدينين كذباً الذين لا يتورعون عن ارتكاب الموبقات والكبائر التي يتهمون بها الشباب زوراً وبهتاناً.


142
شناشيل
في ذكرى نكتة الشهرستاني البليدة
عدنان حسين
منذ أول يوم وصلت فيه الى لندن أخيراً أدركت سبباً آخر لعدم تصديقى، كما سائر العراقيين، النكتة الرديئة والبليدة التي أطلقها نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة باننا سنتمكن من تصدير الطاقة الكهربائية بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي منها مع انتهاء العام الحالي.
هذا السبب وجدته في حديقة بيتي. فعندما حلّ الليل يوم وصولي لاحظت شيئاً مضيئاً بين شجيرات الحديقة. اقتربت منه فاذا به مصباح صغير الحجم، لكنني لاحظت انه غير موصول بما يربطه بمصدر الطاقة الكهربائية في البيت، ورغبت في اكتشاف السر. ابنتي أخبرتني بانه يعمل على الطاقة الشمسية :"شنو؟" .. ضحكت ابنتي وقالت: اشتريناه بجنيه استرليني واحد (دولار ونصف الدولار)!
لليال عدة لاحقة رحتُ أتأمل هذا المصباح الذي كان يضيء حيزاً صغيراً حوله كلما حلّ الظلام. في النهار يشحن نفسه من ضياء الشمس حتى في الايام الغائمة، وفي الليل يظلّ منيراً حتى الفجر.. فكّرت لو انني أنشر مئة منه في ارجاء الحديقة لأضاءها بالكامل.
بعد أيام اكتشفت ان بعض سكان المنطقة حيث يوجد بيتي قد بدأوا بنصب أجهزة الطاقة الشمسية على أسطح بيوتهم. أعرف منذ عشرين سنة أو أكثر ان استخدام الطاقة الشمسية قد بدأ في بريطانيا وسواها من الدول المتقدمة، لكنه كان محصوراً  في بعض المؤسسات والمشاريع الكبيرة، وهذه أول مرة أجد ان هذا الاستخدام أصبح شعبياً الى درجة انه دخل الى بيتي.
الآن أتوقع ان يتسع في غضون 5 - 10 سنوات نطاق الاعتماد على الطاقة الشمسية في البيوت والمحال الى درجة تصبح فيه الأجهزة المنتجة لها رخيصة الثمن كأجهزة الترانسستر والكومبيوتر، فيُقبل عليها الناس زرافات كإقبالهم اليوم على أجهزة التلفون المحمول، ويومها تُصبح غير ذات فائدة كل محطات توليد الطاقة الكهربائية التي أنفق السيد حسين الشهرستاني على انشائها عشرات مليارات الدولارات، نصفها "لهفه" الفاسدون والمفسدون، بعد مسيرة عذاب للعراقيين مُهلكة ومُدمرة ، فالاستخدام الواسع لأجهزة الطاقة الشمسية يجعل هذه المحطات لا لزوم لها لبسبب تكاليف تشغيلها العالية، وبالتالي تسقط خطة الشهرستاني النكتة بتصدير كهربائنا، لأننا لن نجد يومها من يرغب في شراء الكهرباء، بل اننا سنجد من نعرض عليهم تقديم كهربائنا الفائضة اليهم مجاناً يضحكون منا كما يضحك منا أهل الخليج وسواهم الآن كلما حدثناهم عن ان التيار الكهربائي لا يصل الى بيوت العراقيين 15 أو 16 ساعة في اليوم.
الليلة قبل الماضية تظاهر بعض أهل البصرة احتجاجاً على التصريحات الكاذبة لمسؤولي المحافظة بان تجهيز الكهرباء في المحافظة يصل الى 12 ساعة في اليوم. واعلن المتظاهرون انهم سيواصلون تظاهراتهم ويُمكن أن ينقلوها الى مواقع ضخ النفط للضغط على المسؤولين.
وعلى هؤلاء المتظاهرين أقترح أن يطالبوا في تظاهراتهم اللاحقة بتوفير أجهزة الطاقة الشمسية، فربما كانت أيسر من الحصول على الكهرباء من محطات قد لا يبدأ انتاجها الا بعد أن ينتقل العالم كله الى الطاقة الشمسية.


143
شناشيل
خيار الاخوان المسلمين الشيوعي
عدنان حسين
من دون أن يقصدوا بالتأكيد، وبخلاف ما يرغبون فيه، يعمل حزب الاخوان المسلمين في مصر معروفاً كبيراً ويُسدي خدمة مجانية لخصومه ومعارضيه بالاصرار على التمسك بمحمد مرسي رئيساً لمصر واعتباره الشرعية الوحيدة، وتحريم التعامل مع النظام الجديد الذي نشأ بعد الثورة المصرية الثانية في 30 حزيران (يونيو) الماضي، والعمل داخلياً وخارجياً لاسقاط هذا النظام.
حزب الإخوان يُفرّط في الواقع بفرصة ذهبية متبقية له للبقاء على قيد الحياة، فيما موقفه الحالي لا يؤدي الا الى نبذه سياسياً واجتماعياً. هو لا يريد ادراك انه خاض تجربة فاشلة وان عليه دفع ثمن الفشل. ولو لم يكن فاشلاً في تلك التجربة ما تحرّك أحد ضده، بدليل ان الحزب التركي الابن أو الشقيق (حزب العدالة والتنمية) بزعامة رجب طيب اردوغان ظل يكتسب شعبية متصاعدة سنة بعد أخرى لفترة غير قصيرة منذ توليه السلطة في 2002 مع كل نجاح يحققه، لكنه عندما بدأ يتصرف على نحو خاطئ في السنة الأخيرة جوبه بحركة احتجاج واسعة النطاق، وزاد من فشله انه ارتكب الخطأ الشنيع باستخدام القوة ضد المحتجين، ما أمدّ في عمر حركة التحدي والاحتجاج حتى اليوم، وقد تكون هي سبباً في هزيمته في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي شهدت دول اوروبا الشرقية التي كانت تتبنى النظام الاشتراكي حركة شعبية للانتقال الى النظام الديمقراطي. كان الشيوعيون وقتئذ مازالوا يتمتعون بقوة شعبية (حزبية) ويسيطرون على القوات المسلحة في بلدانهم، وكان في امكانهم تجربة وسائل القمع في مواجهة تلك الحركة، بيد انهم اختاروا أن يحتكموا الى العقل ويرضخوا للأمر الواقع وينحنوا أمام عاصفة الديمقراطية . وضَمِن لهم ذلك الا تُتخذ ضدهم اجراءات تعسفية وأن يبقوا أحياء في الساحة السياسية والاجتماعية، وتبنّت أحزابهم المفاهيم الديمقراطية ودخلت حلبة اللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وقد مكّنهم ذلك من العودة الى الحكم غير مرة في عدد من بلدانهم، وهم يلعبون الان أدواراً سياسية ملموسة هناك.
هذا الخيار الشيوعي متاح الآن أمام الاخوان المسلمين في مصر وفي غيرها. عليهم أن يقبلوا بان يدفعوا ثمن الأخطاء والخطايا التي ارتكبوها خلال سنة وأكثر في مصر، وأن يفكروا بان محمد مرسي وحكومته ليسا نهاية المطاف. والأهم أن يتبنوا الديمقراطية ويتحولوا الى حزب ديمقراطي حقيقي يقبل بتبادل السلطة مع غيرهم سلمياً، فمستقبل مصر ديمقراطي.. هذا هو قرار شعب مصر منذ 25 يناير 2011 المعاد تأكيده في 30 يونيو الماضي.
بخلاف هذا يحكم الاخوان على أنفسهم بالاعدام، ويحققون لخصومهم ومعارضيهم ما يرغبون فيه، وهو خروجهم مرة والى الأبد من الحياة السياسية والاجتماعية، والبكاء على الاطلال. والواقع انهم لن يجدوا اطلالاً يبكون عندها لأنهم لم يخلّفوا شيئاً غير سوء التصرف والادارة.


144
شناشيل   
ما نعرف .. وما لا نعرف
عدنان حسين
غير معقول أبداً أن يتواصل هدر دم العراقييين واتلاف أملاكهمالعراقيين على مدار الايام وساعاتها بكل هذه الخفة وهذا الاستهتار، فيما تبدو الحكومة وأجهزتها الأمنية، ومعها البرلمان، مستسلمة لإرادة الارهابيين، غير مكترثة بما يجري وغير معنية بمصائر مواطنيها.
أحصت وكالة فرانس برس أمس سقوط أكثر من 330 قتيلاً خلال أقل من اسبوعين منذ أول الشهر، ويعني هذا ان عدد القتلى خلال الشهر الحالي يمكن أن يتجاوز الرقم 750، وهو ما يماثل عدد ضحايا الشهر الماضي من القتلى وحدهم (761)، ويحافظ على معدل القتلى خلال الاشهر الاخيرة (2500 قتيل في ثلاثة أشهر بحسب بيانات الامم المتحدة، وليس بيانات حكومتنا التي تمتنع عن تقديم احصائيات حقيقية عن أعداد القتلى والمصابين وقيمة الأملاك والأموال المدمرة، في علامة قوية أخرى على عدم مبالاة الحكومة بمحنة مواطنيها على هذا الصعيد).
منذ العام الماضي عاد الارهاب لينفلت من العقال ويصبح خارج السيطرة برغم التصريحات المتكررة لرئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وتهديده ووعيده بمحاسبة الضباط المسؤولين عن القواطع التي تقع فيها الاعمال الارهابية ، وبرغم الجولات المصورة لأغراض الدعاية للوكيل الأقدم لوزارة الداخلية.
نحن نعرف لماذا يتواصل الارهاب ويتفاقم .. نعرف هذا من نظام المحاصصة الذي تتمسك به النخبة السياسية النافذة في السلطة، وأولها حزب الدعوة الاسلامية الحاكم وقياداته .. نعرف هذا من الفساد المالي والاداري المتفشي في أجهزة الدولة جميعا بدراية ورعاية من هذه النخبة وعلى رأسها حزب الدعوة الحاكم وقياداته .. نعرف هذا من تخاذل مجلس النواب عن القيام بواجبه في المراقبة والمحاسبة .. نعرف هذا من خيانة السلطة القضائية والهيئات المستقلة (النزاهة وحقوق الانسان بخاصة) للمباديء التي يفترض أن تحكم عملها، بخضوعها لارادة الحكومة وسكوتها عما وُجدت لتفضحه.
لكننا لا نعرف: ماذا تفعل قواتنا المسلحة، الجيش والشرطة وأجهزة الأمن الأخرى، مادامت لا تحفظ الأمن؟
ولا نعرف أيضاً: لماذا تُنفق المليارات على الجيش والشرطة وتسليحهما ولماذا تُعقد الصفقات بالمليارات لشراء الاسلحة والمعدات العسكرية بينما نعاني، الى جانب الانفلات الأمني، من تردي الخدمات العامة كلها من كهرباء وماء ونظافة وسكن ونقل وصحة وتعليم وسواها؟
ولا نعرف كذلك: ماذا حققت "المصالحة الوطنية" والأموال الهائلة المنفقة عليها؟
ولا نعرف أيضاً وأيضاً: لماذا يتكبر علينا رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وكبار مساعديه والمسؤولين في وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني فلا يخبروننا بحقيقة ما يجري ويدور وأسبابه ودواعيه؟   
ولا نعرف أخيراً وليس آخراً: ماذا يفعل مجلس النواب بشأن دوره في المراقبة والمحاسبة؟ وما مبرر وجوده، بالرواتب والمخصصات الضخمة التي يتقاضاها أعضاؤه حتى بعد انقضاء خدمتهم (هل يقومون بخدمة ما؟)، اذا كان لا يراقب ولا يحاسب؟ .. لماذا يعجز عن كسر شوكة القائد العام للقوات المسلحة والمسؤولين الأمنيين وجلبهم الى قبة البرلمان ليخضعوا للمساءلة والمحاسبة، كما يجري في كل البلدان التي توجد فيها برلمانات وحكومات تحترم نفسها؟


145
المنبر الحر / بلاد الهلوسة
« في: 15:30 11/07/2013  »
شناشيل
بلاد الهلوسة
عدنان حسين
أتعجب وأندهش إذ اقرأ تقريراً في صحيفة "الحياة" اللندنية يرصد تزايد اقبال الشباب على حبوب الهلوسة في بلاد كل ما فيها يبعث على الهلوسة والهذيان ويتسبب في فقدان العقل والذاكرة والتوازن من فرط ما يجري فيها من عجائب وغرائب.
البلاد هذه هي بلادنا، العراق، والتقرير الصحفي ينقل عن مدير عام الصحة في محافظة البصرة تأكيده اتساع نطاق تناول الحبوب المخدرة وبالذات حبوب الهلوسة بين الشباب وبخاصة طلبة المدارس، عازياً الاسباب الى " ضعف القوانين التي تنظّم عمل الصيدليات، فضلاً عن الثغرات الحدودية" مع الكويت وايران.
هذا التشخيص للأسباب قائم على زاوية نظر إدارية. ولو سألنا مختصاً في علم الإجتماع لأعاد الاسباب الى الفقر والبطالة وانسداد آفاق المستقبل أمام الشباب وانعدام الأمن وغياب فرص الترفيه والتدريب. اما المختص في علم النفس فسيحدّثنا عما يُمسك بتلابيب الشبيبة العراقية من يأس وإحباط وشعور بالقهر وهم يعانون من هذه الأوضاع في بلد يعوم على محيط من النفط والغاز ويغرق في بحر من الثروة .. المنهوبة جهاراً نهاراً، ولا ينقصه سوى أصحاب الضمير الذين فُقد كل أثر لهم في مؤسسات الدولة العليا.
مع هذا أتعجب وأندهش أن يحتاج شبيبة العراق الى حبوب تهلوسهم .. أتعجب كيف لا يُصابون بنوبات الهلوسة والهذيان مما يرونه بأعينهم ويسمعونه بآذانهم ويدركونه بعقولهم من عجائب الامور وغرائب القضايا الجارية في البلاد.
سنة بعد سنة تتصاعد عائدات النفط، ويُرصد للموازنة العامة أكثر من مئة مليار دولار .. وسنة بعد سنة في المقابل تظل خدمات الكهرباء والماء والمجاري والصحة والتعليم والنظافة  والحصة التموينية المتردية ومستويات الفقر والبطالة المرتفعة على حالها.. كيف؟ أين تذهب المليارات؟ (الا يهلوس شباب العراق ويدفعهم الى الهذيان مثلاً أن يقرر رئيس مجلس الوزراء الآن فقط تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب عدم حل مشكلة الكهرباء!.. صح النوم دولة الرئيس!).
سنة بعد سنة أيضاً تتضاعف تخصيصات الأمن والدفاع وعديد العاملين في أجهزة الأمن والدفاع .. وسنة بعد سنة تتزايد وتيرة اعمال الارهاب والجريمة المنظمة وانتهاك القانون ويتسع نطاقها .. كيف أيضاً؟ أين تذهب التخصيصات الاضافية وماذا يفعل المُجندون الجدد في هذه الأجهزة، فضلاً عن القدامى؟
جهاز "كشف" المتفجرات الذي تستعمله أجهزة الأمن لسنين عدة يثبت انه مزيف ومغشوش ونتاج صفقة فاسدة أبطالها مسؤولون كبار في الدولة، ومع ذلك تستمر أجهزة الأمن في استخدام هذا الجهاز ولا يُحاسب "الأبطال" كما حاسب القضاء البريطاني التاجر الغشاش؟ كيف؟ ولماذا؟
سنة بعد سنة يثبت بالدليل ان الفساد المالي والاداري يعصف بحياة دولتنا ومجتمعنا ويطيح أحلام الشباب والشيوخ والاطفال، وان كبار الفسدة هم كبار المسؤولين في الدولة، فلا تتحرك الحكومة ولا البرلمان ولا القضاء .. كيف ولماذا؟
ألا يكفي هذا الغيض من الفيض الشبيبة للهلوسة والهذيان فيكفّوا عن البحث عن حبوب مهربة من الكويت وايران؟



146
المنبر الحر / الدرس المصري
« في: 12:33 10/07/2013  »
شناشيل
الدرس المصري
عدنان حسين
من المفترض أن تكون الاحزاب والحركات الاسلامية جميعاً عاكفة الآن على دراسة التجربة المصرية لاستخلاص الدروس والعبر منها، فمن غير المعقول الا تكترث هذه الاحزاب والحركات بالدلالات العميقة لفقدان أول وأكبر حزب اسلامي في العصر الحديث السلطة بعد سنة واحدة فقط من توليها، وهو فقدان تمّ على أيدي ملايين من الجماهير التي سعى هذا الحزب طويلاً للنطق باسمها، نزلت الى الشوارع والساحات في حركة فريدة في نوعها للمطالبة بانهاء حكم الاخوان المسلمين.
بين دروس عدة، أول وأهم درس للتجربة المصرية ان الحزب الاسلامي ليس معصوماً وغير محصن من الخطأ والمعصية، ولا يمتلك تفويضاً من السماء بادارة شؤون البلاد والعباد على وفق ما يريد شيوخه ومرشدوه وزعماؤه، وهو بالتالي لا يتمتع بأي حرمة أو قدسية ربانية، ولا تجعله لحى الشيوخ والمرشدين والزعماء الطويلة ودشاديشهم القصيرة وجباههم الموشومة قريباً من الله. بل قد يكون الحزب الاسلامي أبعد الناس عن الله. فالله لم ينصر الاخوان المسلمين للإبقاء على رئيسهم وحكومتهم على رأس السلطة في مصر. انه، كما نرى، اختار أن يقف الى جانب معارضيهم الذين ملأوا ساحات المدن المصرية وشوارعها واستجاب لدعوتهم الملحّة ولبّى نداءهم الهادر بدفع الجيش لأن ينحاز اليهم ويتخذ التدابير التي حققت للناس ما أرادوا بانهاء حكم المرشد الاخواني ورحيل الرئيس الاخواني.
وليست التجربة المصرية هي الاولى في الخذلان الرباني للحزب الاسلامي، ففي افغانستان فضّل الله ان يلتزم جانب الأميركيين وكرزاي ضد حركة طاليبان وتنظيم القاعدة الاسلامييين. وفي الجزائر لم ينصر الله الاسلاميين بل دعم موقف العلمانييين. وفي الصومال نصر قوات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على الميليشيات الاسلامية. وفي العراق يواجه الاسلاميون، شيعة وسنة، للسنة الحادية عشرة على التوالي وضعاً لا يُحسدون عليه بانفلات وتفاقم الصراع المتوحش بين أحزابهم وزعمائهم وبالكشف عن فضائحهم وفظائعهم. وفي تركيا انتصر الله مرتين لمتظاهري ساحة تقسيم وحديقة غازي ضد رجب طيب اردوغان وحزبه الاسلامي، مرة بفشل اجراءات القمع في وقف الاحتجاجات الشعبية المتواصلة حتى اليوم، وثانية بصدور حكم قضائي يؤيد موقف المحتجين. وقبل هذا كله لم يتخذ الله أي موقف يدعم حكم الجمهورية الاسلامية وولاية الفقيه في ايران أو يعزز نظام الجبهة الاسلامية في السودان، فحال الفقر والإملاق في هذين البلدين فاحشي الثراء لا تسرّ حتى العدو.   
وبالمختصر فان التجربة المصرية تأخذ هي الأخرى الكثير من الرصيد الإلهي المزيف للاحزاب والحركات الاسلامية .. انها بكل بساطة تكشف عن ان هذه الاحزاب والحركات ليست الا قوى ساعية الى الحكم ومتصارعة عليه مثل سائر الاحزاب السياسية، وان زعماءها هم أيضاً طامعون في السلطة والنفوذ والمال .. الفرق ان الاحزاب والحركات الاسلامية تجعل من الدين مطية لها من أجل خداع الأكثرية الجاهلة في بلدانها بانها حبيبة الله ورسوله واوليائه وأئمته، وهي ليست كذلك كما يؤكد للمرة الألف الدرس المصري الأخير.


147
شناشيل
مَنْ يتصدى لهذا العدوان؟
عدنان حسين
مرة أخرى يقصّر المجتمع المدني والتيار السياسي الديمقراطي لدينا في الدفاع عن واحدة من أهم القضايا التي تدخل في صلب اختصاصهما واهتمامهما، هي قضية الحريات الشخصية والحقوق المدنية التي تتعرض للعدوان السافر من آن الى آخر من جانب أجهزة حكومية ومن ميليشيات وعصابات لا تُواجه أعمالها بالردع المطلوب من الأجهزة الحكومية.
مساء يوم الجمعة الماضي اقتحم عشرات من المسلحين الذين كانوا يستقلون سيارات حديثة من النوع رباعي الدفع مثبتة عليها لوحات مؤقته سوداء (منفيست)، عدداً من النوادي الاجتماعية والبارات وسط بغداد، وأرغموا روادها على المغادرة السريعة تحت التهديد بالضرب وسائر أشكال الإهانة والحطّ من الكرامة الانسانية، ثم أغلقوا تلك المحال رغماً عن إرادة اصحابها والمسؤولين عن ادارتها. وجرى ذلك كله أمام أبصار واسماع عناصر الأمن التي لم تفعل شيئاً حيال هذا الانتهاك السافر للقانون وللحقوق المكفولة دستورياً.
 وهذه ليست المرة الاولى التي تتجاوز فيها قوات حكومية أو عناصر ميليشيات وعصابات مسلحة على حقوق مدنية وشخصية في ظل صمت الحكومة وأجهزتها. لكن الانكى انه يجري من دون أن يُقابل برد الفعل المفترض من جانب المجتمع المدني والقوى السياسية التي تعلن تبنيها الديمقراطية وتمسكها باقامة نظام ديمقراطي في البلاد.
من الواجبات الأساسية لمنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية الديمقراطية الوقوف بقوة في وجه هذه التجازرات التي تنتهك على نحو سافر أحكام الدستور الدائم.
مادة الدستور الخامسة تنص صراحة على ان "السيادة للقانون"، والهجمات المتكررةعلى النوادي الاجتماعية والبارات سواء جاءت من قوات حكومية أو من ميليشيات وعصابات تنتهك القانون انتهاكاً صريحاً، فهذه النوادي والبارات مرخصة رسمياً من الدولة بموجب قوانين نافذة.
والمادة الخامسة عشرة من الدستور تنصّ على ان "لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة"، وارتياد النوادي الاجتماعية والبارات يدخل في إطار هذا الحق في الحياة والأمن والحرية الذي تكفله هذه المادة الدستورية وتمنع الحرمان منه أو تقييده من دون قانون وقرار قضائي صادر من جهة مختصة.
المادة السابعة عشرة من الدستور تنص على انه "لكل فردٍ الحق في الخصوصية الشخصية"، والمادة السابعة والثلاثون تؤكد على ان "حرية الإنسان وكرامته مصونة". وبطبيعة الحال فان مهاجمة النوادي الاجتماعية والبارات المرخصة بموجب القانون والاعتداء على روادها والعاملين فيها، هو انتهاك صارخ للحق في الخصوصية الشخصية ولحرية الانسان وكرامته، ومن واجبات منظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسة العاملة بموجب هذا الدستور ان تتصدى علناً وصراحة ومن دون خوف لكل الاعمال التي تنتهك أحكام الدستور.
مسؤولو دولتنا لا يأبهون بأمر الدستور وأحكامه والقانون ومتطلباته، بقدر ما تهمهم وتشغلهم صراعاتهم على السلطة والنفوذ والمال الحرام، فهم موجودون في مناصبهم انتهاكاً لأحكام الدستور وتجاوزاً على القوانين. ولكن ما بال المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية لا ترى ان التجاوز على الحقوق المدنية والحريات الشخصية يمهد للعدوان على الحقوق والحريات العامة؟


148
شناشيل
ماذا تفعل قواتنا المسلحة؟
عدنان حسين
في الماضي لم يكن في وسع أحد أن يطرح سؤالاً كهذا، فالمؤسسة العسكرية، جيشاً وشرطة وسواهما، منطقة محرّمة على النقد والمساءلة، لأنها مؤسسة الحاكم المحظور نقده ومساءلته ومسه بشعرة بوصفه إلهاً، أو نصف اله عندما يتواضع.
ماذا تفعل قواتنا المسلحة؟
في وسعنا الآن ومن واجبنا أن نرفع الصوت بهذا السؤال، فقد تبيّن بالعين المجردة وبالدليل القاطع أن لا قدسية للحاكم، بل انه في الغالب من أسوأ الناس وأكثرهم ارتكاباً للخطأ والخطيئة وأقلهم عناية بالصالح العام، فانموذج نيلسون مانديلا نادر.
 ومن واجبنا أيضاً ان نعيد طرح هذا السؤال على مدار الساعة، إذ يومياً تسيل الدماء في شوارعنا، وغالباً ما تصل الى الركب، وتُزهق الأرواح البريئة بالعشرات، ويتصاعد عديد المعوقين والمحطمة نفوسهم في العمليات الارهابية، فيما قواتنا المسلحة تبدو مهدودة الحَيل وعديمة الحيلة في مواجهة هذا الارهاب المنظم المتفاقم الذي لا انقطاع لسلسلته الجهنمية.
ماذا تفعل قواتنا المسلحة اذا كانت لا تمنع دخول الانتحاريين والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة الى ساحة اعتصام مطوّقة بهذه القوات من كل الجوانب، كما حدث في سامراء والرمادي أخيراً؟
وماذا تفعل قواتنا المسلحة اذا كان ارهابيو القاعدة يعبرون الحدود مع سوريا بحرية ويصلون الى ديالى والعاصمة بغداد وينتشرون فيهما بيسر كما لو كانوا في رحلات صيد أو سفرات نزهة، و"يشترون" عناصر في الأجهزة الأمنية، كما صرح منذ بضعة أيام النائب عن حزب الدعوة الحاكم، المقرب من رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وليد الحلي؟
وماذا تفعل قواتنا المسلحة بينما تتفجر السيارات المفخخة والعبوات الناسفة في قلب خمسة أو ستة من مدننا، بما فيها وبغداد والبصرة والموصل، في وقت واحد؟
وماذا تفعل قواتنا المسلحة فيما يعاود الارهابيون تفجير مفخخاتهم وشن هجماتهم في المكان عينه مرتين وثلاثاً وخمساً خلال أيام أو اسابيع قليلة؟
وماذا تفعل قواتنا المسلحة اذا كان في قدرة عناصر ميليشيات أن تأخد القانون بأيديها متى شاءت فتهاجم في وضح النهار مقار الصحف وفي أول الليل النوادي الاجتماعية ومحال المشروبات المجازة رسمياً، ولا من يُحرّك ساكناً ليتصدى أو يُلاحق؟
في مواجهة الارهاب والجريمة المنظمة لا تؤدي قواتنا المسلحة واجبها على خير ما يرام، وفي الغالب يتذرع المسؤولون عنها بضعف العمل الاستخباري، ولكن عندما يتعلق الأمر بمهاجمة محتجين سلميين على سياسات الحكومة تبلو قواتنا المسلحة بلاء حسناً ولا تقصر في أداء "الواجب" مثقال ذرة، كما حدث مع تظاهرات 2011 وسواها، وهي تُظهر القدر نفسه من البلاء والعزيمة والشكيمة عندما تهاجم مدرباً رياضياً أعزل كما حدث في أحد ملاعب كربلاء أخيراً.
   ماذا تفعل قواتنا المسلحة؟
سؤال يُلّح اليوم بعد الآخر .. ومثله يُلحّ السؤال: وماذا تفعل قيادة قواتنا المسلحة مادامت قواتنا بهذي الحال؟


149
شناشيل
ما الذي يُغيظ "اخوان" العراق؟
عدنان حسين

 الحزب الإسلامي العراقي  مستشيط  غيظاً وغضباً مما جرى في مصر.. لكن ليس الدم المصري المسفوك في الشوارع والساحات من غير ذنب، وليس الدمار الناجم عن أعمال العنف الممتدة من الاسكندرية الى الصعيد، هو ما يثير حمية الاخوان المسلمين في العراق (الحزب الاسلامي هو فرع الاخوان) ويؤرقهم، وانما السلطة التي أضاعها اخوان مصر بعد سنة من توليهم اياها.
في بيانه الموزع أمس وصف الحزب ما حدث في 30 حزيران الماضي بانه "انقلاب صارخ على الديمقراطية، وعودة إلى الوراء ، ومحاولة لإجهاض ثورة مصر المباركة".
الحزب الاسلامي العراقي يتباكى على "الديمقراطية" المضاعة في مصر، وهو الذي كان ولم يزل أحد أركان اللاديمقراطية القائمة في العراق على مدى عشر سنوات. فالحزب الاسلامي، الى جانب سائر الاحزاب والحركات الاسلامية السنية والشيعية، كان ممن أسسوا لنظام الطائفية السياسية في بلادنا، خلافاً لمباديء الدستور الدائم الذي ساهم الحزب في صياغته والتصويت له، وانتهاكاً صارخاً لأحكامه ولارادة الشعب.
وفي بيانه وصف الحزب ما حصل في مصر بانه "نتاج عمل متواصل من تعزيز الكراهية، وتشويه الصورة التي ساهمت فيه قنوات فضائية ومنابر إعلامية مارست دوراً سلبياً للأسف وتنكرت لرسالة الإعلام النبيلة"، متغافلا عن انه هو الى جانب سائر الاحزاب الاسلامية، الشيعية والسنية، كان ممن فتحوا أبواب جهنم الطائفية في بلادنا وأوقدوا نيران الكراهية بين ابنائها.
بيان حزب الاخوان المسلمين في العراق تحدث عن "أخطاء وقعت هنا وهناك" ارتكبها رئيس الاخوان في مصر محمد مرسي الذي سعى في الواقع الى اقامة دكتاتورية بغيضة في بلد نزل ناسه الى الشوارع والساحات لاسقاط دكتاتورية مبارك ولم يلتحق بهم الاخوان الا في الساعة الأخيرة قبل أن يذعن مبارك لارادة الشعب بخلاف ما فعله مرسي.
يفعل الحزب الاسلامي العراقي خيراً إن هو اهتم بشؤون بلاده وناسها، فهنا توجد الف قضية وقضية تستحق الاكتراث .. هنا يموت يوميا العشرات ويصاب المئات بجروح وتتدمر أملاك عامة وخاصة بملايين الدولارات في خضم الصراع السياسي – الطائفي على السلطة والنفوذ والمال بين القوى المتسلطة على أقدار الناس، والحزب الاسلامي واحد منها وليس في وسعه النأي بنفسه عنها.
أكرم للحزب الاسلامي أن يُصدر البيانات والتصريحات وأن يستغل وجوده في البرلمان والحكومة للتنديد بممارسات الدولة العراقية والقوى السياسية المتنفذة فيها، وهو واحد منها، المنتهكة لمباديء الدستور واحكامه وللحقوق والحريات العامة .. أكرم له ان يعمل لمكافحة نهب المال العام وتوفير الخدمات العامة والحد من البطالة والفقر والأمية في بلادنا، أو أن يُمسك لسانه ويترك شؤون مصر للمصريين الذين هم أعرف بها منا.






150
شناشيل
الإخوان .. ريشة في مهب الريح
عدنان حسين
مثل ريشة في مهب الريح طارت تجربة حكم الأخوان المسلمين في مصر بعد سنة واحدة فقط. والجغرافيا بالغة الأهمية هنا، فمصر مهد الولادة وعُقر الدار للاخوان المسلمين الذين سعوا على مدى 85 سنة للوصول الى السلطة بكل الوسائل وفي مقدمها وسائل العنف، من الاغتيالات الى محاولات الانقلاب. ولم يتورعوا لتحقيق ذلك عن التعاون مع قوى وحكومات وأجهزة مخابرات أجنبية.
 وعدا عن فترته القصيرة، فان مما له دلالة مهمة أيضاً ان سقوط حكم الأخوان في مصر جاء بثورة شعبية عارمة، ذلك ان الاخوان حرصوا دائما على تقديم أنفسهم في صورة الحركة الأكثر شعبية والأقرب الى الجماهير وبخاصة الطبقات الدنيا والوسطى، وبذلوا المال واستخدموا الجوامع من أجل التقرب الى هذه الطبقات، واعدين إياها بجنة على الارض تسبق جنة السماء.
كيف سقطت تجربة الاخوان بهذه السرعة؟ .. التاريخ مهم، وسقوط تجربة الاخوان في مصر حدث في الثلاثين من يونيو(حزيران) الماضي وليس بعد ذلك بثلاثة أيام (3 يوليو/تموز الحالي). ففي ذلك اليوم نزلت جماهير الطبقات الدنيا والوسطى بعشرات الملايين الى الساحات والشوارع في المدن والقرى المصرية، مطالبة برحيل الاخوان عن السلطة، وعاقدة العزم على المرابطة سلمياً حتى تحقيق ذلك الهدف. وقيادة الجيش المصري لم تقم بانقلاب عسكري في الثالث من تموز، كما يُصور الاخوان وامتداداتهم في الخارج، وانما هي تحرّكت لانهاء عملية سقوط حكم الاخوان في أقصر مدة حقناً للدماء التي ما كان الاخوان سيتورعون عن سفكها.
تجربة الاخوان طارت كما الريشة في مهب الريح لأنها كانت فاشلة فشلاً ذريعاً. وهي فاشلة لأن الاخوان لم يكن لديهم برنامج لإدارة الدولة والمجتمع. كان همهم الأكبر هو الوصول الى السلطة ملوحين بشعار "الاسلام هو الحل". وبعد سنة لم يظهر للمصريين أي ملمح من ملامح الحل، اسلامياً كان أم غير اسلامي، فكل ما حدث على مدار السنة هي اجراءات اعتباطية مرتبكة أثارت أعمق الانقسامات في المجتمع وأوصلت الاقتصاد الوطني الى حافة الانهيار وزعزعت أركان الدولة.
الاخوان المسلون أول وأكبر حركات الاسلام السياسي وأكثرها خبرة في العمل السياسي.. ومن رحمهم خرجت وعلى غرارهم نشأت كل الحركات والاحزاب الاسلامية التي صار عددها الان بالمئات، سنية وشيعية، وهي جميعاً، وبخاصة التي تولت السلطة، تواجه مأزقاً شبيهاً بالمأزق الذي انتهى بالحركة الأم الى السقوط السريع المدوي. في تونس حركة النهضة مرشحة لمصير مماثل إن لم تتغير .. حزب العدالة والتنمية التركي راحت أخيراً سكرة الناس به وحلت الفكرة .. ولا استثناء للعراق، فمأزق الإسلام السياسي الذي مكنته القوات الأميركية من حكم البلاد، هو الآن بأشدّ ما يكون .. لم يقدم اسلاميو العراق، الشيعة والسنّة، للناس سوى المزيد من الموت والخراب والفقر والجهل، متمكنين من مواصلة الحكم فقط بالمال العام المنهوب وبالحديد والنار الموضوعين في أيدي أحد زعمائهم، هو رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة.
تجربة الاخوان الساقطة في مصر والتجارب الآيلة لسقوط مماثل للأولاد في تونس وتركيا والعراق وسواها، لها معنى واحد هو ان الاسلام السياسي لم يجهز بعد للديمقراطية. بل انه لن يجهز أبداً.     


151
شناشيل
تعويض عائلة المدرب المغدور
عدنان حسين
حتى لو قرر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، أمس الاول، راتباً تقاعدياً لعائلة مدرب نادي كربلاء المغدور على أيدي قوات "سوات"، محمد عباس، يعادل الراتب التقاعدي لعشرة شهداء بدلاً عن واحد، وحتى لو كانت قطعة الارض السكنية التي قرر منحها لعائلته بمساحة 3000 متر بدلاً عن 300 متر، وحتى لو كان المبلغ الذي قرره لتغطية مصاريف الدفن ومجلس العزاء وسواهما 100 مليون دينار بدلاً عن 10 ملايين، وحتى لو جرى اعتقال كل عناصر قوات "سوات" وقادتها وتقديمهم الى المحاكمة والحكم بالاعدام لبعضهم والسجن مدى الحياة للبعض الأخر بتهمة القتل والتسبب في قتل المدرب الراحل اثناء قيامه بواجبه في ملعب مدينته، فانها اجراءات غير كافية في نظر أفراد عائلته وزملائه في نادي كربلاء وفريقه وأنصار النادي ومشجعي كرة القدم وسائر العراقيين الذين أغضبهم وأفزعهم التصرف الوحشي لعناصر "سوات"... هي غير كافية لأنها ببساطة لن تعيد محمد عباس الى الحياة.
أما وقد وقعت الواقعة وليس في الإمكان إعادة محمد عباس الى أهله وأصدقائه ورياضييه والمشجعين المفجوعين بمقتله تلك القتلة الشنيعة، فان الأهم من تخصيص راتب شهيد لعائلة الفقيد وقطعة أرض للسكن ومبلغ لتغطية مصاريف الدفن والعزاء واعتقال 31 من عناصر "سوات"، أن يُوضع حدّ، مرة والى الأبد، للممارسات غير القانونية لعناصر أجهزة الدولة، وبخاصة العسكرية، ضد المواطنين.
مشكلتنا مع القوات المسلحة في ما مضى انها كانت أداة للقمع والطغيان في أيدي الانظمة الدكتاتورية. وعلى مدى عقود تعهدت قوى المعارضة في ما تعهدت بانشاء جيش وطني وشرطة وطنية  يلتزمان أحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الانسان، ولقد تحقق للمعارضة بعد اطاحة نظام صدام حسين ما أرادت، وهو تولي السلطة، لكنها لم تف بتعهداتها، ومنها ما يتعلق بالشرطة الوطنية والجيش الوطني.
جيش اليوم وشرطة اليوم تحت إمرة قائدها العام ووزيرها نوري المالكي لا يختلفان في سلوك الكثير من عناصرهما تجاه المواطنين عما كان عليه جيش صدام حسين وشرطته، والقتلة الشنيعة للمدرب محمد عباس واحدة من مئات بل آلاف الوقائع المماثلة التي أخذ الكثير منها طابعاً جماعياً، كما حصل مع متظاهري 2011 واعتصامات الحويجة والانبار والموصل هذا العام.
جيش نوري المالكي وشرطته لا يلتزمان القانون والدستور ولا يطبقان مبادئ حقوق الانسان .. على مدار الساعة وفي كل مدن البلد وقراه يتعرض المواطنون من كل الفئات، بمن فيهم العاملون في العمل العام كالصحفيين مثلاً، الى معاملات حاطّة من الكرامة الانسانية من عناصر في الجيش والشرطة، والمواطنون فاقدو القدرة والحيلة على ردّ هذه الاعتداءات، لأنهم لا يعرفون لمن المشتكى، ولأنهم يخشون عواقب الامور إن احتجوا أو اشتكوا، فبكل بساطة يُمكن توجيه الاتهام اليهم بالاعتداء على موظفين حكوميين اثناء تأديتهم الواجب أو حتى بالارهاب وفقا للمادة 4 من قانون مكافحة الارهاب! وقد حصل هذا بالفعل في مئات الحالات، وألقي في المعتقلات والسجون بأبرياء، مات بعضهم تحت التعذيب، نتيجة لوشايات وتهم كاذبة، وهذا ما اعترف به مسؤولو الحكومة على هامش الاعتصامات في الانبار ونينوى وصلاح الدين.
يُخطئ مجلس الوزراء إن اعتقد انه بالفتات الذي يرميه على عائلة الشهيد محمد عباس سيعوض هذه العائلة المكلومة، فكل مليارات البنك المركزي التي يُراد نهبها لا تعوضهم، ولا تعوضنا معهم .. ما يعوضنا أن يُعاد بناء الجيش والشرطة على أسس الوطنية التي تجعهلما مؤسستين تخدمان الشعب ولا تتسلطان عليه.


152
شناشيل
لماذا لسنا كالمصريين؟
عدنان حسين
بعضٌ بحرقة، وبعضٌ ببطر، وبعضٌ آخر بتعالٍ، مارسَ عدد من شباب وشيوخ مواقع التواصل الاجتماعي - غالبيتهم من المثقفين - ما يُشبه الجَلْد لأننا لا نشبه المصريين في عزمهم وحزمهم وثوريتهم.
لم يكن جَلْداً ذاتياً، وانما هو جَلْد للشعب الذي لا يخرج الى ساحة التحرير في بغداد وسائر الساحات والشوارع، للمطالبة باصلاح النظام أو رحيل الحكومة أو رئيس الحكومة أو اجراء انتخابات مبكرة، أو في الأقل بتوفير الكهرباء ومكافحة الفساد المالي والإداري وتشغيل العاطلين. 
من وجهة نظر هؤلاء المتحاورين بحرقة أو ببطر أو بتعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فان شعبنا غير ثوري، أو انه نفعي وانتهازي، أو انه جاهل ومتخلف، فلا يتحرك ضد النظام والحكومة، مع ان لدينا من الاسباب ما يزيد بمئة ضعف عن الاسباب التي حملت المصريين على النزول الى ساحات مدنهم وشوارعها للثورة على حكم الاخوان المسلمين.
 هؤلاء المتحاورون بحرقة أو ببطر أو بتعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي يغفلون أمراً جوهرياً وفرقاً نوعياَ بين الحال المصرية والحال العراقية .. ملايين المصريين لم تنزل الى الساحات والشوارع من تلقاء نفسها. هي فعلت ذلك استجابة لدعوة من نخبة سياسية واجتماعية وثقافية نشيطة ومحل احترام وثقة، لم تكلّ أو تملّ أو تهدأ أو تَسكن أو تجزع، بل ظلت تعمل وتعمل وتعمل من أجل وطنها وشعبها.
الفرق النوعي ان نخبة سياسية واجتماعية وثقافية كهذه تنقصنا، لا وجود لها بيننا، وليس في الوسع استيرادها من الصين أو تركيا أو ايران كسائر السلع الرديئة التي تغمر أسواقنا .. نخبتنا السياسية والاجتماعية والثقافية اختارت أن تكون هي "حزب الكنبة"، وأن تحافظ على هدوئها وسكينتها، وأن تظل مستسلمة وراضية بما "قسم الله"، مع ان لدينا الف سبب وسبب لكي تتحرك الدماء في عروقها لتقول لا كبيرة وقوية في وجه نظامنا السياسي المستبد والفاسد والمتهالك والمنفصل عن شعبه أكثر بألف مرة مما هو عليه نظام الاخوان المسلمين في مصر. 
نعم، عِلّتنا في النخبة وليس في الشعب .. أعطوا شعبنا نخبة سياسية واجتماعية وسياسية كالنخبة المصرية وسترون كيف سيُدهشكم ويُذهلكم .. أعطوه أحزاباً سياسية كالاحزاب المصرية وزعماءً سياسيين كالزعماء السياسيين المصريين .. أعطوه اتحاداً للادباء كاتحاد كتاب مصر ونقابة للصحفيين كنقابة الصحفيين المصريين ونقابة للمحامين كنقابة المحامين المصريين ونقابة للفنانين كنقابة الفنانين المصريين وقضاة كالقضاة المصريين.
فرق نوعي كبير بين ما تصنعه نخبة سياسية واجتماعية وثقافية تنزل الى الشارع وتدعو الجمهور للحاق بها من أجل مطالبه وأهدافه، كالنخبة المصرية، وما لا تصنعه نخبة تختار أن تلزم بيوتها لتتلصص على ما يجري في الشارع من فتحات بحجم حدقة العين في ستائر النوافذ، كنخبتنا العراقية.


153
شناشيل
رسالة 30 يونيو المصري
عدنان حسين
الملحمة الكبرى التي سطّرها الشعب المصري أمس الأول هي رسالة قوية وحازمة  موجهة الى الاسلام السياسي، سنيّاً كان أم شيعياً، تتجاوز حدود مصر الى كل البلدان العربية والاسلامية المحكومة بقوى سياسية اسلامية أو التي تنشط فيها هذه القوى للوصول الى السلطة، من السودان الى تونس والمغرب والعراق وايران وتركيا وباكستان وغزة، والى لبنان أيضاً المرهونة دولته للسلاح الإيراني الموضوع في أيدي حزب الله.
أول ما تقوله الرسالة المصرية، بلسان فصيح ونبرة واضحة ومدوية، أن ليس في الإمكان اختطاف ثورة شعب يتطلع الى الحرية والانعتاق والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، في عصر الانترنت وفيسبوك وتويتر ويوتيوب والفضائيات والموبايل فون، وعصر الحريات وحقوق الانسان.
الاخوان المسلمون المصريون الذين اتخذوا موقف المتفرج من ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك، لم يلتحقوا بها الا في أيامها الأخيرة عندما بدا واضحاً لهم انها منتصرة، فعملوا على الاستحواذ عليها وخطفها. ورسالة أمس الأول تقول ان ما يجري الآن في طول البلاد المصرية وعرضها ثورة أخرى لاستعادة تلك الثورة من خاطفيها وانتزاعها من بين مخالب الوحش الاخواني وأنيابه.
والرسالة المصرية تؤكد، بالاضافة الى ذلك، أن لا مجال للعودة الى الوراء .. الى العصور المظلمة في القرون الوسطى وما قبلها، عصور السلاطين والخلفاء المستخدمين الدين مطية ووسيلة، عصور الجواري والغلمان، فهذا من أحلام العصافير في عصر تشرئب الاعناق باتجاه الفضاء الخارجي وتتجه الأنظار الى المستقبل.
وتقول الرسالة المصرية أيضاً انه راح ذلك الزمن الذي تنجح فيه قوى الاسلام السياسي باستخدام الدين والشريعة فزاعةً لتخويف العامة من الناس، فبسبب أفعال الاسلاميين المشينة، بعد وصولهم الى الحكم وممارستهم الظلم والاستبداد وسرقة المال العام والخاص، لم تعد للدين الذي يدعون اليه هيبة ولا للشريعة المنادين بها قدسية.
الرسالة المصرية تقول كذلك ان على قوى الاسلام السياسي، أيا كان مذهبها وطائفتها سنية أم شيعية، أن تتأدب وتلزم حدودها والا تتمادى في الاستهتار بحقوق الناس وارادتهم .. الناس يريدون النظام الديمقراطي .. وغير مسموح لأية قوى ظلامية أو شمولية أن تفسرّ الديمقراطية على طريقة الاصوليين في تفسير القرآن والحديث، فتأخذ من الديمقراطية ادواتها للوصول الى الحكم لتقيم نظامها الدكتاتوري، كما ليس مقبولاً العودة الى نظام الخلافة أو الاستمرار في مثيله نظام ولاية الفقيه.
هل قرأت أحزاب الاسلام السياسي، السنية والشيعية، الرسالة المصرية وتمثلتها جيداً؟ وهل فهم زعماء وحكام الاسلام السياسي من محمد مرسي ومحمد بديع وخيرت الشاطر وعمر البشير وراشد الغنوشي وطيب رجب اردوغان وخالد مشعل ونوري المالكي وعلي خامنئي وحسن نصرالله وسواهم، معنى الرسالة والمصرية ومغزاها؟
إن لم يقرأوا ما سطّره المصريون في شوارعهم أمس الأول ولم يفهموا المعنى والمغزى ستجني على نفسها براقشهم، كما هو حاصل الآن في مصر.




154
المنبر الحر / الجواب عند الحكومة
« في: 11:58 01/07/2013  »
شناشيل
الجواب عند الحكومة
عدنان حسين
لا جديد في التقرير الأخير لمنظمة الشفافية العالمية، باستثناء انه يعيد مواجهتنا بصورة لا ننساها أبداً، هي صورة دولتنا الفاسدة حتى النخاع. فكل ما جاء في التقرير، كما التقارير السابقة، نعرفه ونعيشه على مدار الساعة، لكنه يُلفت هذه المرة على نحو أوضح الى حقيقة العلاقة بين الفساد المالي والاداري وأعمال العنف والارهاب.
التقرير وجد مجدداً أن العراق لم يزل في رأس قائمة الدول الأكثر فساداً، ولاحظ أن "عمليات الاختلاس الضخمة وأساليب الخداع وغسيل الأموال وتهريب النفط وحالات الرشاوى والبيروقراطية المنتشرة قد رمت بالبلاد" في هذا الحضيض، وأوضح انه كانت تجري على مدار سنوات متتالية "عمليات تهريب كبرى للنفط" استخدمت أموالها في "تمويل كبار المجاميع السياسية والدينية وشخصيات ومجاميع إجرامية مسلحة ومليشيات".
وعدّ التقرير "وزارتي الداخلية والدفاع من أكثر مؤسسات القطاع العام تأثراً بحالات الفساد، وغالباً ما تُوسم صفقات السمسرة والعقود العسكرية بفضائح فساد"، واشار الى أنه بالرغم من "مبادرات البلاد في مكافحة الفساد وتوسع أطر العمل في هذا المجال منذ عام 2005 لم يستطع المسؤولون لحد الآن ايجاد منظومة نزاهة قوية وشاملة في البلاد"، مبيناً أن "التدخل السياسي في عمل هيئات مكافحة الفساد وتسييس قضايا الفساد وضعف منظمات المجتمع المدني والافتقار إلى الأمان والموارد ونواقص الشروط القانونية قد حجّمت بشكل كبير من القدرة على كبح ظاهرة الفساد المستشرية".
وخلص التقرير الى ان هذا كله أدى إلى "إذكاء" العنف السياسي وتعويق عملية "بناء دولة فعالة" والى "نقص" في الخدمات العامة، إذ ما يزال العراق "فاشلاً" في تقديم الخدمات الأساس بشكل كاف، وأن 23% من أبنائه "يعيشون بفقر مدقع".
هذه الاشارة الى العلاقة بين الفساد المالي والاداري وانفلات الأمن وتفاقم العنف مهمة للغاية، ومن المفترض أن تلتفت اليها الحكومة وهيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية. فالعنف والارهاب لا يُكافحان بالقوة المسلحة وحدها. هذه المكافحة تتطلب تجفيف منابع التمويل والتسليح للمنظمات الارهابية والعصابات الاجرامية، ذلك ان أعمال الارهاب والاجرام تجري تغذيتها وادامتها باموال الفساد التي غالباً ما تُهرّب الى الخارج لتستقر في مستوطنات آمنة، وتكون تحت الطلب.
منذ اسبوعين نُشر في العاصمة الاردنية عمان تقرير لدائرة الاراضي والمساحة الأردنية أظهر ان العراقيين تصدّروا قائمة الجنسيات الاجنبية الأكثر استثماراً في سوق العقار الأردني خلال الاشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، سواء لجهة عدد المعاملات أو قيمة الاستثمارات، حيث بلغ عدد المبيعات خلال هذه الفترة 773 معاملة لمستثمر عراقي من أصل معاملات الاجانب البالغة 2160 معاملة، فيما جاءت الجنسية السعودية بالدرجة الثانية بعدد 401 معاملة والكويتية بالمرتبة الثالثة بمجموع 232 معاملة.
وأشار التقرير إلى ان قيمة استثمارات العراقيين بلغت زهاء 129 مليون دولار، مشكلة ما نسبته 53 % من حجم القيمة السوقية لبيوعات الجنسيات الاجنبية.
الأردن ليست السوق الوحيدة لهذا النشاط ولا هي الأكبر، فبموازاتها توجد أسواق مماثلة في الامارات ولبنان وبريطانيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة تتدفق عليها مليارات الدولارات العراقية المُهرّبة.
 كيف تخرج هذه الدولارات؟ ومن يملكها؟ وماذا يفعل بها مهربوها؟
الجواب عند الحكومة!


155
شناشيل
ولماذا لا يرحل المالكي؟   
عدنان حسين
يزعل منا فريق رئيس مجلس الوزراء زعلاً شديداً لأننا لا نكفّ عن نقد السيد نوري المالكي وكبار مساعديه عن الطريقة التي يديرون بها الحكومة، بل الدولة برمتها لأن السيد المالكي في ظلّ ضعف مجلس النواب وتنازله عن الكثير  من سلطاته وصلاحياته أفسح في المجال أمام الحكومة لتتغوّل وتكون أقوى منه فتفرض هيمنتها وإرادتها ليس فقط على البرلمان نفسه وانما على السلطة القضائية والهيئات المستقلة كذلك.
نحن نرى ان السيد المالكي وحكومته فشلا فشلاً ذريعاً وقصّرا تقصيراً كبيراً في  القيام بما مطلوب منهما وفقاً لالتزاماتهما الدستورية وتعهداتهما الانتخابية. وعلامات الفشل واضحة وإمارات التقصير بيّنة يُعلنها على نحو صارخ انهيار الأمن والتفشي المتفاقم للفساد المالي والاداري وسوء الخدمات العامة وبخاصة الكهرباء والصحة والتعليم، فضلاً عن البطالة والفقر في بلد يعوم على بحيرة من النفط والغاز وتزيد موازنته السنوية عن مئة مليار دولار.
الموقف من فشل السيد المالكي وحكومته وتقصيرهما باتت تشاطرنا فيه قوى سياسية يتشكل منها الائتلاف الوطني العراقي الذي مكّن السيد المالكي من تولي حكومته الحالية والسابقة، اضافة الى قوى سياسية أخرى داخل البرلمان والحكومة وخارجهما. بل ان قسماً  كبيراً من الشعب العراقي يرى هذا أيضاً، ففي انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة مُنيَ ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة الاسلامية بخسارة كبيرة، ومن المرجح أن يواجها المصير ذاته في الانتخابات البرلمانية التي لم يتبق على إجرائها سوى ثمانية أشهر، ما لم يُعدّل السيد المالكي وحكومته من سياساتهما على نحو كبير، وهذا أمر غير وارد في ما يبدو.
في مصر تجري الآن ثورة شعبية كبيرة هي الثانية خلال سنتين، والسبب هذه المرة ان الرئيس الاخواني محمد مرسي وحكومته فشلا في تحقيق ما وعدا به. المصريون لم يُمهلوا رئيسهم المنتخب وحكومته أكثر من سنة لكي يحاسبوهما ويطلبا اجراء انتخابات رئاسية مبكرة للاتيان برئيس جديد وحكومة جديدة يحققان ما اندلعت من أجله الثورة على نظام حسني مبارك قبل سنتين.
السيد المالكي وحكومته الحالية أمضيا الآن نحو ثلاث سنوات في السلطة وسجلا فشلاَ أكبر من فشل الرئيس المصري وحكومته. هذا الانفلات الأمني المتفاقم يكفي وحده لأن يتقدم السيد المالكي باستقالة حكومته اعترافاً بعدم قدرتها على مواجهة الارهاب وتحقيق الأمن للعراقيين بعد عشر سنوات من الخلاص من نظام صدام.
لماذا يريدنا السيد المالكي وفريقه أن نقبل بالانهيار الأمني ونهب المال العام وتردي الخدمات العامة والعيش مع الفقر والبطالة ونستسلم صاغرين للارهابيين وللفاسدين والمفسدين ؟ لماذا لا يحقق السيد المالكي وحكومته للشعب ما يريده أو يرحلان فيفتحان الباب أمام شخص آخر وحكومة أخرى يُمكن أن ينجحا في ما فشل فيه المالكي وحكومته؟
 


156
شناشيل   
الإختبار الأخير للاخوان المسلمين
عدنان حسين
من الواضح ان يوم غد سيكون من الأيام المصرية المشهودة، فالدعوة التي أطلقتها حركة "تمرد" لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد فشل الرئيس المصري محمد مرسي في ادارة البلاد وتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، لقيت استجابة شعبية واسعة للغاية في غضون فترة قصيرة، ولم يتخلف عن التجاوب معها سوى الاخوان المسلمين وحلفائهم من الاسلاميين المتشددين. 
ومنذ أن أعلنت القوى الثورية ومجمل فصائل المعارضة المصرية عزمها على تنظيم تظاهرات مليونية يوم غد، نظّم حزب الاخوان المسلمين الحاكم وحلفاؤه حملة تخويف قوية من أعمال عنف مفترضة في هذا اليوم.
في إطار هذه الحملة صوّرت الدعاية الاخوانجية الأمر وكأن نيلاً آخر سيجري في مصر ليفيض بدماء المصريين، وان الدولة المصرية ستنهار وتنفتح أمام المصريين أبواب جهنم. الهدف واضح، هو ترويع الناس لحملهم على عدم المشاركة في التظاهرات التي تحضّرت لها محافظات البلاد كلها. واذا لم يتحقق هذا الهدف فثمة هدف آخر رديف وهو التجهيز لاتهام قوى المعارضة الداعية الى التظاهرات بممارسة العنف الذي يبدو ان الإخوان المسلمين قد أعدوا العدة للمبادرة به. 
القوى والشخصيات التي دعت الى التظاهرات أكدت وكررت التأكيد على الطابع السلمي لتظاهراتها التي اختير لها موعد يتوافق مع مرور سنة على تولي الرئيس مرسي الرئاسة، لكن قادة الاخوان المسلمين وحلفائهم وأجهزة دعايتهم ظلت تنفخ وتزيد النفخ في نار التحذير من وقوع أعمال عنف.
تظاهرات يوم غد كان الإخوان وحلفاؤهم قد استبقوها بتظاهرات مضادة جرت يوم الجمعة الماضي (تكررت أمس)، فقد خرج أنصار الرئيس مرسي في تظاهرة كبيرة في القاهرة وُصفت بانها مليونية، ومع ذلك لم تشهد أي حادث يعكّر صفوها، فمعارضو الرئيس مرسي لم يبدر عنهم أي فعل يشير الى سعيهم لإثارة اعمال العنف بأي شكل ومواجهة حق أنصار الرئيس في التظاهر السلمي تأييداً له. وما دام معارضو مرسي قد تصرفوا على هذا النحو فمن المنطقي التوقع أنهم سيحرصون على أن تجري تظاهراتهم غداً بسلمية تامة أيضاً. أي ان معارضي مرسي أثبتوا عملياً سلميتهم، وبالتالي فاذا ما وقعت أعمال عنف يوم غد فلابد أن يكون وراءها الاخوان المسلمون وحلفاؤهم الذين لم يترددوا في شتيمة المعارضين وتكفيرهم واعتبار حركتهم (التظاهرات) "خروجاً على الشرعية"، و"انقلاباً على الديمقراطية"، و"مؤامرة تمتد خيوطها الى الخارج"، و"محاولة لإعادة النظام السابق"، واذا لم تستطع قوات الأمن منع الاخوان المسلمين من تنفيذ ما خططوا له سيعني ذلك ان الاخوان استخدموا جهاز الدولة التي يديرونها لتحقيق ما اعتزموا القيام به لسفك الدماء وتحميل المعارضة المسؤولية عنه.
اليوم المصري المشهود، غداً، سيكون اختباراً أخيراً للاخوان المسلمين وحلفائهم، ولموقع الدولة المصرية، وبخاصة مؤسستي الجيش والشرطة، في الصراع السياسي الذي من واجب هاتين المؤسستين ضمان سلميته.


157
شناشيل   
متى تستقيل حكومتنا أو تُقال؟
عدنان حسين

في أحدث تقرير لها ( أُعلن عنه أمس الأول) تزفً الينا هيئة النزاهة "بشرى" تسرّ القلوب المكلومة من جراء الإعصار الارهابي الذي لا يتوقف، وتشرح الأنفس المهمومة بمصير الناس والبلاد مع طبقة سياسية نافذة لا جفن لها يرفّ ولا قلب ينعصر حيال ما يجري على أيديها وبسببها لهؤلاء الناس ولهذه البلاد.
"بشرى" النزاهة تقول ان معدلات دفع الرشوة في دوائر الدولة سجلت خلال الشهر المنصرم (مايس) ارتفاعاً كبيراً عما بلغته في نيسان. وفي التفاصيل ان نتائج آخر استبيان شهري تجريه الهيئة "كشفت عن ارتفاع مؤشر الرشوة خلال مايس الى (3.41) بالمئة بعدما بلغ في نيسان (2.51) بالمئة، وهو المؤشر الذي ظل مستقراً  تحت (3) بالمئة طيلة خمسة اشهر". ونستنتج من التفاصيل أيضاً ان الرشوة نظام جار ومستقر في كل دوائر الحكومة وأجهزة الدولة من الموصل في الشمال الى البصرة في الجنوب من دون استثناء.
من معطياته واضح ان عملية الاستبيان اقتصرت على الرشى الصغيرة التي يقدمها مراجعو الدوائر الحكومية الى الموظفين إما لانجاز معاملاتهم المتأخرة (عمداً في الغالب للحصول على الرشى) أو لتمشية معاملات غير أصولية، كما أوضح التقرير. أما الرشى الكبيرة (البالغة قيمة الواحدة منها ما بين ملايين ومئات ملايين الدولارات) المتعلقة بالصفقات التجارية والعقود والمقاولات مع جهات اجنبية في الغالب، فلم يشملها الاستبيان، والسبب معروف هو ان موظفي الهيئة المساكين ليس في مقدورهم الاقتراب من اعشاش الدبابير (كبار الفاسدين والمفسدين في الدولة المتمتعون بالحصانة والحماية من أية مساءلة حتى امام مجلس النواب).
 على أهمية ما استنتجته هيئة النزاهة من استبيانها، فان الأهم هو الاستنتاج الذي يتعين أن نخرج به مع هذا التفاقم المتواصل للفساد المالي والاداري في الدولة ولاعمال الارهاب وانتهاك الأمن.. الحكومة هي الهيئة المكلفة من المجتمع – عبر ممثليه في البرلمان- بحفظ الأمن وتأمين مصالح الناس، ولدينا حكومة تسجل الفشل تلو الفشل على هذا الصعيد وكل صعيد. ما مبرر وجودها واستمرارها في السلطة إذن؟ أليس من المنطقي أن تقرّ بفشلها وتستقيل؟ أليس من المنطقي أيضاً أن يحاسبها البرلمان عن تقصيرها في مكافحة الفساد المالي والاداري وفشلها في مواجهة الارهاب وحفظ الامن؟ الى أي درجة يتعين أن يصل مؤشر الفساد والى أي حد من الحدود يمكن أن يبلغه الانهيار الأمني وازهاق الارواح وسفك الدماء، لكي تقرّ الحكومة بفشلها وتستقيل أو يحاسبها البرلمان ليقيلها؟
هل من مجيب؟


158
شناشيل
حادث كربلاء المروّع والمشين
عدنان حسين
هم فوق القانون .. لا أحد يقف في وجوههم.. لا يتفاهمون .. لا يَسألون ولا يُسألون .. يمكن أن يهينوا أكبر شارب لسبب تافه أو حتى من دون سبب .. لا يمّيزون بين الكبير والصغير .. لا يراعون حرمة لامرأة أو لشيخ عجوز .. أمرهم بيد المالكي ولا يسمعون من غيره!
هذا بعض ما يتداوله الناس على نطاق واسع عن قوات "سوات" ، وهذه هي الصورة المتشكلة في الأذهان لهذه القوات، وهي صورة تعززها تصرفات لهذه القوات تجري امام الأعين في الشوارع والساحات، فمواكبها تسير في الطرق العامة بصورة استفزازية للغاية، تُرغم السيارات على اخلاء الطرق لها مهما كلف الأمر وكيفما كانت الحال، حتى ليخيّل الينا احياناً انهم يريدون من سائقي السيارات المزدحمة أمامهم أن يطيروا في الهواء (لماذا لا يفعلونها هم؟)، وإذا تعذر ذلك فانهم لا يترددون في تسيير سياراتهم على الأرصفة والجزرات .. عناصرها يزعقون وهم يطلبون افساح المجال لهم، وتنم حركات أيديهم وملامح وجوههم عن علامات عدوانية وتكبرية.
لكن، والحق يقال، ان قوات "سوات" لا تحتكر وحدها هذه الصورة المذمومة التي تسري على بقية قوى الجيش والشرطة بصورة من الصور. لقد أمّلنا أنفسنا منذ عشر سنوات بان يكون لدينا جيش جديد مختلف عن جيوش الأنظمة السابقة وشرطة وطنية لا تشبه شرطة تلك الأنظمة .. جيش وشرطة يُدركان انهما من الشعب ولأجل خدمته وليس في منزلة المتسلط عليه، ويعرفان ما تعنيه الديمقراطية وحقوق الانسان والكرامة الانسانية.
مناسبة هذا الكلام الاعتداء المروع الذي ارتكبته قوة أمنية (معظم التصريحات ذكرت قوات سوات بالتحديد) في كربلاء وأدى الى الوفاة السريرية لمدرب نادي ، الرياضي اللامع محمد عباس، واصابة العديد من زملائه، وأظن انه حادث لا سابقة له في تاريخ الرياضة العراقية.
المؤسف للغاية انه بينما ندد المسؤولون الاداريون والرياضيون في كربلاء باعتداء القوة الامنية المُشين سعى المتحدث باسم وزارة الداخلية الى التخفيف منه وتبريره، متمسكاً ب"قدسية" اللباس العسكري الذي كان يرتديه افراد القوة الأمنية عند وقوع الحادث! هل اللباس العسكري مقدس بذاته؟ أم ان احترامه يتأتى من إحترام لابسه لنفسه ولمهنته ولواجبه الاجتماعي والوطني؟
حادث كربلاء المشين يتعين أن يكون مناسبة للقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارتي الداخلية والدفاع وقيادات قوى الأمن كافة لمراجعة وضع قواتهم لجهة التقيّد بقواعد واخلاقيات العمل العسكري والأمني في ظل نظام ديمقراطي، والالتزام بحقوق الانسان.
لكن المشكلة الحقيقة توجد في هذه القيادات، فعناصر الجيش والشرطة والأمن لا ترى التزاماً من قياداتها بهذه الاخلاقيات والقواعد لتحتذي به، والشواهد على ذلك كثيرة، تمتد من تجربة قمع التظاهرات السلمية في العام 2011 الى ما جرى في ساحة الاعتصام في الحويجة هذا العام، ومابينهما من آلاف الحوادث الأصغر التي يمثل حادث الملعب في كربلاء ذروتها.
لن نقبل أبداً بان يكون الجيش والشرطة وبقية قوى الأمن أداة للقمع .. انه انتهاك صارخ لأحكام الدستور الملزمة للعسكريين كما المدنيون، وتعدٍّ سافر على حقوق الناس وتطلعاتهم لإقامة نظام ديمقراطي يضمن الحرية والعدالة والكرامة الانسانية.


159
شناشيل
بغداد تنتظر الأفعال
عدنان حسين
تهنئة وتحية للزميل الشاب الواعد حامد السيد، المحرر في "المدى"، عن الحوار الذي أجراه مع محافظ بغداد الجديد الذي لم يباشر مهامه بعد، علي محسن التميمي، لإذاعة المدى ( قرأت ملخصاً له في صحيفة المدى أمس)، فهذا سبق صحفي مميز، فضلاً عن ان الزميل قد طرح على السيد التميمي وبحث معه أهم مخاوفنا وهي المتعلقة بمدنية الحياة في عاصمتنا.
التميمي أكد أن "لا أحد سيمس تمدن بغداد"، وان عاصمتنا "لن تكون قندهار". و"بغداد ليست قندهار" كان أحد الشعارات الرئيسة للشباب البغدادي في الاحتجاجات التي انطلقت  في العام 2010  في وجه الهجمة المتخلفة للمحافظ المنصرف صلاح عبد الرزاق ورئيس مجلس المحافظة كامل الزيدي على الحقوق والحريات المدنية في العاصمة.
وتلك الاحتجاجات كانت الرافعة للتظاهرات الشعبية التي امتدت من البصرة الى الموصل للمطالبة باصلاح العملية السياسية الفاشلة وبتوفير الخدمات العامة ومكافحة الفقر والبطالة بمكافحة الفساد الاداري والمالي الذي تغوص فيه دولتنا حتى قمة رأسها. وللتاريخ فان تلك التظاهرات انتهت بحصيلة واحدة هي اثبات حكومة نوري المالكي الثانية كفاءتها العالية للغاية في القمع والاستبداد.
من الكلام المهم الذي قاله السيد التميمي، وهو من كوادر التيار الصدري، لزميلنا انه "سيكون للمثقف دور بارز في المحافظة والمجتمع المدني، وسأنطلق للعراق من بغداد العاصمة. انا ضد الاسلام المنغلق وسماحة السيد مقتدى الصدر أوصانا بان لا نؤسلم المجتمع المدني بل نقوم بتمدين المجتمع الاسلامي، فلا مكان للغة العنف في العاصمة، وكل الافكار المدنية سنؤكدها في ادارتنا للسلطة المحلية"، ولفت الى انه "لا يستطيع أن يغيّر هوية بغداد، وسيحاول أن ينشر المفاهيم والافكار المدنية وأن يعززها بين المجتمع البغدادي بما يسمح به الدستور"، وأكد ايضاً انه سينزل الى الميدان  ببدلة العمل الزرقاء ولا يهدر وقته في الجلوس خلف الطاولة "وسأحرص على عدم الاعتماد على التقارير اليومية بل أسعى للمتابعة على الارض".
ومن كلامه المهم ايضاً ان "العقلية الامنية عقلية كلاسيكية، ولم يتطور الامن في ظل قيادته الكلاسيكية، وسنحاول أن نفعّل الجهد الاستخباري في بغداد لانهاء أو تخفيف مظاهر عسكرة المجتمع البغدادي".
 مع كامل التقدير للسيد التميمي ووعوده، فاننا سننتظر أفعاله، وبالذات على صعيد اعادة الحياة المدنية الى عاصمتنا العريقة. والحياة المدنية تعني في ما تعني اعادة فتح دور المسرح والسينما وقاعات الموسيقى والمكتبات العامة والنوادي الاجتماعية والملاعب والنوادي الرياضية والمتنزهات، وتوفير الخدمات العامة من كهرباء وماء ومجار ونقل وصحة وتعليم وشوارع نظيقة ومشجرة . والحياة المدنية تعني كذلك احترام الحقوق والحريات الشخصية والعامة التي كفلها الدستور، وعدم تحويل الشرطة وسائر أجهزة الدولة الى "مطاوعة" يرفعون راية الدين وينتهكون الحرمات في الواقع ويبتزون اصحاب المهن ويفرضون الاتاوات عليهم، كما يفعل الكثير من عناصر الشرطة والأمن الآن.
هذا ما تنتظره بغداد من محافظها الجديد ومجلس محافظتها الجديد ومن أمينها ومجلس الأمانة، كيما تستعيد مدنيتها ودورها الحضاري.


160
شناشيل
شيء يغيظ فريق المالكي
عدنان حسين
أعرف، كما كثيرون غيري، ان مما يغيظ فريق رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي كثيراً المقارنة بين التقدم الحاصل في اقليم كردستان العراق في مختلف مجالات الحياة، وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبين ما تعيشه سائر مناطق البلاد الخاضعة لسلطة حكومة المالكي من تخلف وسوء في الحال الأمنية.
ولابد ان فريق المالكي قد أصيب بالغمّ وهو يرى واحدة من وكالات الانباء الدولية المرموقة، هي فرانس برس، تبث أمس الأول تقريراً اخبارياً  يعكس حقيقة الرخاء النسبي المتكرس في محافظات اربيل والسليمانية ودهوك في مقابل انعدام الأمن وتردي  الخدمات العامة وتفشي الفساد المالي والاداري وتفاقم الفقر والبطالة في محافظات البلاد الأخرى.
مما جاء في تقرير الوكالة ان اقليم كردستان "يشهد تطوراً وازدهاراً سريعاً فيما يعيش وسط وجنوب البلاد موجة عنف متواصلة"، وان "الاوضاع الاقتصادية في الإقليم وعاصمته اربيل تنمو بشكل متواصل وسريع مقارنة مع باقي مناطق التي يسكنها العرب في وسط وجنوب العراق".
غالباً ما يتحجج المتحمسون للمالكي، عند الحديث في مقارنة كهذه، بان الارهاب المدعوم من اطراف في العملية السياسية هو المسؤول عن عدم قدرة الحكومة الاتحادية على انجاز ما تريد تحقيقه من رفاه وازدهار.
ومن دون التقليل من مسؤولية الارهاب والارهابيين عما يجري في البلاد، فان سوء الادارة هو المسؤول الأول والأكبر عن انعدام الأمن وتفاقم تخلفنا. مع حسن الادارة  كان يمكن حلّ الازمة السياسية المزمنة أو التخفيف من وطأتها، والارهاب وانفلات الأمن لهما علاقة وثيقة بهذه الأزمة، فوراء الكثير من أعمال الارهاب والعنف قوى سياسية، هي نفسها القوى السياسية التي تدير الصراع الطائفي الشيعي – السني. ليست "القاعدة" ولا فلول النظام السابق مسؤولين وحدهم عن التفجيرات والهجمات المسلحة، فأكثر من نصفها ناجم عن الصراع الطائفي السياسي .. هذه حقيقة قائمة حتى لو أنكرها من لا يريد الاعتراف بها للتغطية على دوره فيها.
ومن سوء التفكير والتدبير والادارة قيام المالكي على نحو كيفي باستثناء بعض ممولي الارهاب والواقفين وراءه من احكام قانون المساءلة والعدالة لتمكينهم من دخول البرلمان والحكومة.. ومن سوء الادارة ايضاً استعانة المالكي بمجرمين من قوى الأمن في العهد السابق للخدمة تحت امرته في أجهزة الامن الحالية، بما فيها الجيش، مما يمكنهم من تسهيل عمليات الارهاب. 
وسوء الادارة هو ما يسمح باطلاق أيدي الفاسدين والمفسدين في جهاز الدولة لنهب المال العام وتمويل الارهاب وتعطيل التنمية ومنع اعادة الاعمار.
لا يتمتع اقليم كردستان بالحصانة ضد الارهاب، ولا يتنزه كل المسؤولين فيه من الفساد المالي والاداري، لكن الفرق هو في الادارة .. هناك ادارة جيدة بحدود معقولة تسمح بتعاون الناس مع السلطات الحكومية في المراقبة والكشف عن المحاولات الارهابية قبل وقوعها .. وهناك ادارة جيدة بحدود معقولة تحدّ من نسبة الفساد المالي والاداري وتجعل الفاسدين والمفسدين لا يبالغون في فسادهم الى حد تهريب كل ما يستحوذون عليه الى الخارج كما هم فاسدونا... فاسدو كردستان يستثمرون "أموالهم" في الاقليم، وهذا مما يساهم في ازدهاره، بخلاف فاسدينا الذين يستولون على الجمل بما حمل.


161
شناشيل
اختبار محافظ بغداد الجديد
عدنان حسين
في المرتين اللتين التقيته فيهما، بدا لي محافظ بغداد الجديد النائب علي التميمي متواضعاً ومهذباً. آمل أن يحتفظ بهاتين الصفتين الحميدتين وهو ينتقل الى موقعه الجديد، فهذا هو مفتاح النجاح في مهمة صعبة كالتي سيتولاها. التواضع والتهذيب هما ما سيجعله غير متكبّر على الناس، مقبلاً على خدمتهم، وهذه هي مهمته. اما التهذيب المكمّل للتواضع فسيُكسبه احترام الآخرين، وبخاصة مرؤوسيه، ما يدفعهم الى معاونته في انجاز مهمته بنجاح.
أول ما أتطلع الى أن يفعله محافظ العاصمة عندما يباشر عمله الجديد هو تنفيذ طلب زعيم تياره السيد مقتدى الصدر برفع صوره من شوارع بغداد (حبذا لو مدّ السيد الصدر مساحة طلبه لتشمل مدن البلاد كلها)، فهذه ستكون مبادرة  ونقطة انطلاق لمعالجة ما تتعرض له المدن والذوق العام من تشويه لا نظير له. لكن الأهم من هذا انها يمكن أن تكون بداية لوضع حد لهذه الاستهانة الواسعة بمشاعر الناس من السياسيين ورجال الدين الذين يسعون الى فرض أنفسهم فرضاً علينا إذ يصرون على ملاحقتنا ومحاصرتنا أينما نكون وحيثما نحلّ ونرتحل.
في ثلاث مناسبات كتبتُ سابقاً في هذا العمود عن ظاهرة اغراق جدران المدن بصور السياسيين ورجال الدين على نحو مبالغ فيه للغاية. زملاء آخرون كتبوا في هذا الموضوع أيضاً. لم نتلكأ في القول ان صدام حسين لم يبلغ به حب نفسه أن يفعل ما يفعله السياسيون ورجال الدين في العهد الجديد بهذا النشر واسع النطاق والعشوائي لصورهم وأقوالهم غير الخالدة. ولم نتردد أيضاً في مصارحتهم بان هذه الصور والأقوال لا تحقق لهم الشعبية في الواقع ولا تجلب المحبة، وانما تزيد من نقمة الناس عليهم، خصوصاً وانهم أخفقوا إخفاقاً كبيراً  في ما وعدوا به وأقسموا على تحقيقه برغم انقضاء عقد كامل من الزمن على توليهم السلطة أو تمتعهم بالنفوذ الكبير في هذه السلطة، بل انهم، كما يرى معظمنا، سبب بلوانا المتصلة والمتفاقمة.   
لأن أحد محافظي التيار الصدري، هو محافظ ميسان علي دواي، سجّل سابقة لنفسه ولتياره وسّن سُنّة حميدة بالتواضع والعمل المثابر والتواجد في الميدان ببدلة العمل، سنلاحق السيد التميمي متوقعين أن يحذو حذو زميله الميساني ويقتفي آثاره .. بغداد بالذات تستحق أن يتولاها محافظ وأمين عاصمة من طراز السيد دواي. وسيكون اختباراً مهماً للمحافظ الجديد في ما اذا كان سيبادر فور دخوله مكتبه الجديد الى اصدار الأمر برفع صور السيد الصدر كيما يكون مبرراً له وسهلاً عليه بعد ذلك أن يأمر بتنظيف كل الحيطان من الصور والبوسترات التي تشوه وجه عاصمتنا المتروكة للخراب والاهمال والقذارة والبؤس والكآبة.


162
المنبر الحر / رجب طيب القذافي !
« في: 17:51 20/06/2013  »
شناشيل
رجب طيب القذافي !
عدنان حسين
بكل راحة ضمير ومن دون أدنى تردد، يمكن مقارنة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بدكتاتور ليبيا السابق معمر القذافي، فقد ظهر أخيرأ ان ليس ثمة فرق في الجوهر بينهما.. انهما شديدا الشبه ببعضهما البعض الى درجة انهما يستخدمان الالفاظ نفسها في وصف معارضيهم.
قبل أقل من سنتين ( 21 آب 2011 ) بثت محطات الاذاعة والتلفزيون الليبية خطاباً مسجلاً للقذافي وصف فيه الثوار وعموم معارضيه بانهم " وسخين وخونة وجرذان"! اؤلئك "الوسخين والخونة والجرذان" هم أنفسهم الذين توسلهم القذافي بعد اسابيع، يوم قبضوا عليه في جُحر، بان يرأفوا بحاله قائلاً لهم "أنا مثل والدكم".
ومنذ أيام، وبالتحديد في 16 الشهر الجاري، وقف رئيس الوزراء التركي زعيم حزب العدالة والتنمية الاسلامي على منصة أمام عشرات الآلاف من أعضاء حزبه ليلقي خطاباً بشأن قضية الاعتصامات والاحتجاجات في ساحة تقسيم وحديقة غازي في اسطنبول وسواهما من الساحات في العاصمة انقرة ومدن البلاد الأخرى. لم يجد اردوغان غضاضة في استعارة أحط الكلمات  من معجم اللغة لينعت المحتجين على سياساته بانهم "رعاع" و"خونة" و"مخربون"! وزاد على ذلك بوصفهم بانهم "زبالة". أردوغان لم يتلفظ بالكلمة الأخيرة، لكنه قالها عملياً بحركة من يده اليمنى، فهو طلب في خطابه من المعتصمين في تقسيم وغازي أن يتركوهما وينهوا اعتصامهم فيهما، وقال انهم إن لم يفعلوا فستعرف قوات الأمن كيف تُخرجهم من الساحة والحديقة، وترك لكفّه الأيمن المفتوح أن يؤدي حركة تشير الى عملية الكنس. أي ان ما أراد التعبير عنه بتلك الحركة ان قوات الأمن ستكنسهم ما لم ينسحبوا من تلقاء انفسهم.
سكان اسطنبول التي عاش فيها اردوغان معظم حياته يقولون ان رئيس وزرائهم الحالي عُرف في شبابه بانه من "العصابجية" قبل أن يجد طريقه الى أحدى المدارس الدينية ليخرج منها خطيب جامع معتمراً عمامة مالبث ان نزعها عند التحاقه بالجامعة.. هؤلاء السكان ظنوا ان الدراسة في مدرسة دينية قد جلبت "العصابجي" القديم الى طريق الهداية، لكن اردوغان، بما فعله في ساحات الاعتصام في اسطنبول وانقرة والمدن الأخرى وفي خطابه الأخير، دلل على ان الطبع يغلب التطبع، فعلى طريقة العصابجية وقف أمام انصاره بقيمص نصف كم ليستعرض عضلاته ويهدد " الرعاع" و"الخونة" و"المخربين"، ويتوعدهم بالكنس كما الزبالة، وعلى طريقة العصابجية أمر قواته بان تتعامل مع معارضيه البشر كما لو كانوا زبالة ليزيلوهم من تقسيم وغازي بالقوة الغاشمة.
ما من سياسي يحترم نفسه يستسهل احتقار شعبه أو شريحة منه حتى لو كانت معارضة له. ففي البلدان الديمقراطية المتحضرة يحظى المعارضون بكامل التقدير والاحترام، ببساطة لأنهم سياسيون، ولأنهم بمعارضتهم يقدمون للحكومة خدمة لا تقدر بثمن بتنبيهها الى أخطائها وعثراتها.  وما فعله رجب طيب اردوغان بمعارضيه كان عملاً عصابجياً بامتياز من طراز أعمال القذافي.
 

163
المنبر الحر / اتحاد الأدباء يرد
« في: 11:42 19/06/2013  »
شناشيل
اتحاد الأدباء يرد
عدنان حسين
مشكوراً ردّ رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب الاستاذ فاضل ثامر على ما نشرته الاسبوع الماضي في هذا العمود معرباً عن أسفي لأننا لم نسمع للاتحاد صوتاً يتضامن مع مثقفي مصر في حركتهم الاحتجاجية على سعي حزب الاخوان المسلمين لأخونة الثقافة ووزارة الثقافة ومطالبتهم المشروعة بان يتولى الوزارة ومؤسساتها مثقفون حقيقيون تزخر بهم مصر.
وقبل مناقشة ما جاء في رد الاستاذ ثامر، لا مناص من ممارسة النقد الذاتي بالاعتراف بان الزملاء المعنيين لم يحسنوا الاجتهاد بنشرهم الرد ضمن تعليقات القراء على ذلك العمود، فتقاليد المهنة الصحفية تقضي بنشر الرد مستقلاً في هذه الصفحة بالذات وبعنوان واضح وفقاً لمبدأ حق الرد المكفول مهنياً وقانونياً أيضاً.   
كتب الاستاذ ثامر:
 "فيما يلي نص الرسالة التضامنية التي لم تصل الى الزميل عدنان حسين رغم انها قد سبقت مقاله هذا الى الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب واتحاد كتاب مصر: يعلن كتاب العراق ومثقفوه تضامنهم مع الموقف الشجاع والمسؤول لكتاب مصر الذين يرفضون تعيين وزير للثقافة من خارج الوسط الثقافي لا يعرف شيئاً عن هموم الثقافة والمثقفين ونزوعهم التنويري الرافض لكل اشكال القمع والرقابة والتدخل. ونطالب جميع الادباء والفنانين والمثقفين العرب الى الحذو حذو كتاب مصر في المطالبة المشروعة في ان تكون وزارة الثقافة من حصة المثقفين انفسهم وخارج استحقاقات اللعبة السياسية والانتخابية وان ينال كل وزير للثقافة قبول واحترام الغالبية العظمى من المثقفين. ولضمان تحقيق ذلك نقترح توجيه خطابات بهذا المعنى الى الجامعة العربية والحكومات العربية المختلفة واطلاق حراك ثقافي واعلامي واسع يشارك فيه كتاب وفنانو ومثقفو الوطن العربي لتحقيق هذا المطلب المشروع".
 واشار رد الاستاذ ثامر الى ان نسخاً من الرسالة ذهبت الى كل من: رئيس جمهورية مصر، رئيس حكومة جمهورية مصر، الرؤساء والملوك العرب، الامين العام للجامعة العربية، اتحادات وروابط وجمعيات الادباء والكتاب العرب، ونقابات الفنانين والمسرحيين والسينمائيين والتشكيليين العرب.
هذا جيد، ولكن لماذا الاتحاد مستح أو خائف من اعلان موقفه على الملأ؟ .. في عمودي الذي كان عنوانه "لا يا اتحاد الادباء" أشرت الى انني دخلت الى موقع الاتحاد الإلكتروني، واستعنت بالأخ الكبير "غوغل" وعدد من المواقع الالكترونية العراقية، فلم يظهر لي أي أثر لموقف من الاتحاد بهذا الشأن.
ومع كامل التقدير لاجتهاد قيادة الاتحاد في تضمين موقفها في رسالة، لا أظن انه كان اجتهاداً حسناً باعتماد هذه الصيغة فحسب، فمن حق الادباء والكتاب وعموم المثقفين العراقيين الذين تحدثت الرسالة باسمهم ان يسمعوا صوت الاتحاد، لا أن يظل حبيساً، وهو أيضا حق لمثقفي مصر الشجعان الذين كانت لعدد غير قليل منهم مواقف علنية مميزة ضد دكتاتورية صدام حسين، وهم ما فتئوا على الموقف نفسه نصرةً لتطلعات الشعب العراقي ومثقفيه الى نظام ديمقراطي مستقر في بلادنا.
ليس ذنبي ولا ذنب غيري اننا لم نتسلل الى مقر الاتحاد ونفتح أدراجه لنعرف انه كانت هناك رسالة تضامنية .. انه ذنب قيادة الاتحاد بالتأكيد التي أخفت الأمر، ما حملنا على انتقادها.


 

164
المنبر الحر / ألم نقل لك..؟
« في: 20:22 18/06/2013  »
شناشيل
ألم نقل لك..؟
عدنان حسين
ألم نقل لك، السيد رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية، ان استراتيجيتك الأمنية - إن كانت لديك - غير ناجعة؟ ألم نقل ان مكافحة الارهاب في بلادنا لا تكون بقطع الطرق ولا بحبس الناس أمام نقاط التفتيش ولا بنشر هذه النقاط في الأساس؟ ألم نقل ان حفظ الأمن لا يكون باتخاذ قرارات تحت تأثير سورة الغضب؟ ألم نقل انك إن اقتصرت في قراراتك على إعفاء ضباط القواطع من مناصبهم واحالتهم الى التحقيق ومحاسبتهم كلما وقع عمل ارهابي، سيأتيك يوم لن تجد فيه من تحاسبه من ضباطك؟
نعم، قلنا لك هذا مرات عدة، ولم تسمع، ولا تريد أن تسمع.. لا يعجبك الا الموال الذي في رأسك وفي رؤوس مستشاريك الذين لا يحسنون المشورة (هل لهم القدرة على تقديم المشورة الحسنة؟).. قل لنا ما الذي ستفعله الآن؟ الارهاب يضرب يومياً.. يخترق حتى حدود المحافظات والمدن التي ظننا انها آمنة ومؤمنة ومحصّنة. هل ستطيح كل الرؤوس؟ هل ستحيل جميع ضباطك الى التحقيق والمحاسبة؟ هل لديك بدلاء؟
نعم هناك بدلاء، السيد رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، ولكنك لا تفكر بهم ولا تريد الاعتماد عليهم، مثلما هناك خطط واستراتيجيات بديلة على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي لا ترغب، ولا يرغب مستشاروك ومساعدوك، في التفكير بها واعتمادها.
السيد رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية، لم تعد مجرد مسؤول عن الأمن في حزب صغير يعمل من الأقبية والسراديب ولا يثق الا بالأقارب والمقربين.. انك الان تدير دولة كبيرة مساحتها تعادل مساحات دول عدة (450 الف كليومتر)، وتسوس شعباً يزيد تعداده عن 30 مليون نسمة، متعدد القوميات ( للتذكير هي: العرب والكرد والتركمان والكلدان والاشوريون والأرمن)، ومتعدد الديانات ( هي للتذكير أيضاً: الاسلام بمذاهبه التي تزيد عن الخمسة والمسيحية والصابئة المندائية والايزيدية واليهودية والبهائية)، فضلاً عن غير المتدينين الذين يعدون بالملايين أيضاً، وأنت مكلف بقيادة حكومة كل هؤلاء الناس الذين لا يشكّل أعضاء الحزب الذي تترأسه حتى نصف الواحد بالمئة منهم.
إدارة دولة كهذه وقيادة شعب كهذا ليستا بالسهولة التي تتصورها ويتصورها مستشاروك .. لن تكونا بالعناد والتكبر والمكابرة ولا بالعصبية والتجاوز على القوانين والحريات والحقوق المكفولة دستورياً ودولياً .. انها مهمة شاقة للغاية، وتتطلب في المقام الأول فهماً بانها ليست مهمة شخص واحد أو فريق واحد أو حزب واحد أو جبهة واحدة .. انها مهمة كل الناس، والحاكم الناجح، كما المدير الناجح، هو الذي يفلح في توزيع هذه المهمة على الناس كلهم.
قبل معاقبة الضباط يتطلب حفظ الأمن في البلاد حل مشاكل البطالة والفقر وسوء الخدمات العامة والانقسام السياسي والاجتماعي ومكافحة الفساد المالي والاداري، وهذا لا يكون مع الاستمرار في اعتماد معايير المحاصصة الطائفية والقومية ومقاييس الولاء الشخصي والحزبي في الوظائف العامة، وفي مقدمها الوظائف الأمنية.



165
شناشيل
أردوغان ذو الأظافر والأنياب
عدنان حسين
الآن يقف أصحاب الاسلام السياسي أمامنا عراة كما ولدتهم أمهاتهم، بكامل عوراتهم وعيوبهم، فلم يعد للاحزاب الاسلامية الأمثولة أو القدوة التي تتقدم بها الى الناس لاقناعهم بامكانية اقامة نظام ديمقراطي وحياة مدنية في ظل الاسلام السياسي.
في بث حيّ ومباشر عرض واحد من أكبر وأهم الأحزاب الاسلامية ما ينقض اطروحة الاسلام السياسي الديمقراطي، ويؤكد في المقابل ان هذا الاسلام السياسي، بمختلف صوره واشكاله ومذاهبه وطوائفه، ليس سوى حركة شمولية لا تحبل الا بالدكتاتوريات ولا تلد غير الدكتاتوريين .
العرض الاسلاموسياسي المبثوث على الهواء مباشرة بالألوان امتدت رقعته من ساحة تقسيم وحديقة غازي في اسطنبول الى متنزه كوجولو في أنقرة الى ساحات وحدائق عدة في مدن تركية أخرى، بل حتى الى العاصمة تونس التي لم يتورع رئيس الوزراء التركي زعيم حزب العدالة الاسلامي رجب طيب أردوغان من الخروج فيها على الأعراف المرعية والتقاليد المتبعة في العلاقات الدولية، باستخدامه هذه العاصمة ومؤسساتها الرسمية ساحة لارسال خطابات التهديد والوعيد الى المتظاهرين السلميين في حدائق مدن بلده وساحاتها، في انعكاس لحال الانفلات العصبي وروح الطغيان المتمكنة منه.
في الشكل وفي المضمون تعامل رجب طيب أردوغان، ومن ورائه حزبه، مع المتظاهرين السلميين بالضبط كما تعامل حسني مبارك والقذافي وبشار الاسد.. ولماذا نقارن حاكماً إسلاميا بحكام علمانيين؟ فقبل اردوغان كان نظام الجمهورية الاسلامية في ايران والنظام الاسلامي في السودان قد لجئا الى العنف المفرط ذاته الذي استخدمه أردوغان عن سابق تصميم في محاولته قمع حركة الحدائق والساحات السلمية. ولن نستثني حكومتنا الاسلامية هي الاخرى، فرئيس وزرائنا الذي يتزعم حزباً اسلامياً عريقاً نطق قبل سنتين بالكلمات نفسها (ارهابيون، مؤامرة خارجية ...) التي رددها اردوغان ضد المحتجين على سياساته. بل ان حاكمنا تجاوز نظيره التركي باستخدام طائرات الهليكوبتر والبلطجية حملة "التواثي" لترويع متظاهري ساحة التحرير وتفريق صفوفهم، إضافة الى تزوير الوثائق والوقائع للحطّ من سمعتهم.
 حزب اردوغان الاسلامي ولد وترعرع تحت شمس النظام الاتاتوركي، ولم يضطر للعيش في الأقبية والسراديب السرية، كما الاخوان المسلمين في مصر وسواها وكما الحزب الاسلامي وحزب الدعوة الاسلامية وسواهما من أحزاب الاسلام السياسي عندنا. ومع ذلك تكشف حزب العدالة التركي، وهو اخواني، عن حزب بروح شمولية، في أول اختبار حقيقي لمدى التزامه بالديمقراطية التي حملته الى السلطة، فلديمقراطيته أظافر طويلة وأنياب حادة.  وما تراها أن تقدم من ديمقراطية أحزاب الاسلام السياسي المولودة في الظلام تحت أجنحة الانظمة الدكتاتورية، إن في ايران أو مصر أو تونس أو العراق؟
عندما أدرك شيوعيو أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينات واوائل التسعينات من القرن الماضي ان تجربة الحكم السوفييتي قد فشلت، أذعنوا لحكم الحياة وسلّموا مقاليد حكمهم الى المعارضة من دون غازات مسيلة للدموع أو رصاص حي أو مطاطي أو هراوات، وتحولوا الى أحزاب ديمقراطية. والاسلام السياسي لن يفعل شيئاً كهذا كما تؤكد الآن تجربة تركيا ومعها مصر وقبلهما ايران .. ونحن معهم بالطبع.


166
شناشيل
لا يا اتحاد الادباء!
عدنان حسين
أمس أمضيت نحو ساعة مع الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين عبر الشبكة العنكبوتية بحثاً عن شيء ما هفت له نفسي وكنت أرغب في ايجاده، وهو موقف رغبت في أن يسجله الاتحاد لنفسه لتحقّ له المفاخرة بانه اتحاد الجواهري وسواه من أساطين ثقافتنا الوطنية الشجعان في زمانهم.
في الموقع الالكتروني للاتحاد لم أجد ما بحثت عنه، وكذا الحال في مواقع الصحف والمواقع الاخبارية المحلية، فتيقنت من ان الاتحاد لم يكن في وارد في ما رغبت أن يكون له موقف فيه، وهو التضامن مع المثقفين المصريين في وجه حكومة الاخوان المسلمين في مصر الساعية لتسييس الثقافة وأخونة وزارة الثقافة في أكبر واهم بلد عربي.
قبل ثلاثة أسابيع عيّن الرئيس المصري وزيرا للثقافة لا شأن له ولا علاقة بالثقافة، وكان من أول ما أقدم عليه بعد ثماني وأربعين ساعة من توليه المنصب اعفاء قيادات الوزارة، وهم من المثقفين المعروفين في مصر وعلى النطاق العربي، ففضح بذلك في الحال المهمة التي عُهد اليه انجازها، فاحتج العديد من موظفي الوزارة على اجراءات الوزير الاخواني وطالبوه بالتراجع عن قراراته، لكنه أبى فقام الموظفون باعتصام داخل الوزارة، وبادر مثقفو البلاد الكبار الى التضامن معهم فنظّمموا اعتصاماً أمام مبنى الوزارة منذ ذلك الوقت.
كان هناك بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم وابراهيم عبد المجيد ويوسف القعيد وفتحية العسال وسكينة فؤاد ومحمد العدل وخالد يوسف وعلاء الاسوانى وعمار على حسن وجمال فهمى وأشرف عبد الغفور وخالد النبوى وليلى علوى وآثار الحكيم وأحمد مجاهد واحمد شيحة ومحمد هاشم وعشرات آخرون من أمثالهم من كبار الكتاب والشعراء والاكاديميين والاعلاميين والفنانين والناشرين.
ألم يسمع اتحاد ادبائنا وكتابنا بأمر هذا الاعتصام؟ أليس بين المعتصمين والمؤازرين أصدقاء لقياديين وأعضاء في الاتحاد؟ ما مبرر ان يصمت الاتحاد فلا ينطق بحرف واحد تأييداً للموقف الشجاع لقامات مصر الثقافية؟ أليس أمر الثقافة والمثقفين في مصر يعني ادباء العراق وسائر مثقفيه؟
أشعر بحزن شديد على حال "اتحاد الجواهري" وهو لا يبالي بمعركة مجيدة يخوضها المثقفون المصريون من أجل وقف المجنزرة الاخوانية التي تريد أن تسحق ثورة 25 يناير 2011 وتدمّر منجزات الثقافة الوطنية المصرية وأن تعود بمصر الى العصور الوسطى وما قبلها.
الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين مطلوب منه الا يسكت، ولا يجب عليه أن يسكت، بل من واجبه أن يبادر الى حملة بين الاتحادات والاوساط الثقافية في البلدان العربية تضامناً مع مثقفي مصر ودعماً لموقفهم الشجاع.
لا ينبغي أن نترك مثقفي مصر وحيدين في معركة سنتأثر سلبياً بنتائجها إن خسروا فيها وايجابياً إن ربحوها.


167
شناشيل
يحدث في دولة الفافون
عدنان حسين
يحدث هذا في كل دول العالم الديمقراطية، لكنه لا يحدث عندنا، وهذا ما يؤكد مزاعمنا باننا لم نزل على مسافة سنين ضوئية من الديمقراطية ونظامها برغم البستات والمواويل والمقامات التي يتغنى بها حكامنا على مدار الساعة عن الآليات الديمقراطية والمبادئ الديمقراطية والمثل الديمقراطية والممارسات الديمقراطية التي يؤمنون بها ويلتزمونها.
في الدول الديمقراطية لا يتردد المسؤول الحكومي عن الاعتراف بخطئه وتحمل المسؤولية عنه ، ومن أشكال هذا التحمل الاستقالة من الوظيفة العامة.
قبل خمس سنوات (ايار 2008) – على سبيل المثال – استقال وزير الخارجية الكندي مكسيم بيرنيير من منصبه. لماذا؟ لأنه اكتشف انه قد نسي في بيت صديقته المقربة فايلاً فيه أوراق رسمية لها طابع سري.
لم تُسرّب الصديقة أي معلومة مما احتوته الوثائق المحفوظة في الفايل، وربما هي لم تقرأ ما في تلك الوثائق، ومع ذلك استقال الوزير متحملاً المسؤولية عن إهماله.
بعد ذلك التاريخ بأقل من سنة (نيسان 2009) حدث شيء مماثل في بريطانيا، والمستقيل هذه المرة موظف حكومي بدرجة أقل من درجة الوزير. انه ضابط في جهاز مكافحة الارهاب. وسبب استقالة الضابط بوب كويك انه كان ذاهباً الى مقر الحكومة في داونينغ ستريت في لندن للمشاركة في اجتماع مكرس لاستعراض الوضع الأمني في البلاد. احد الملفات التي حملها كان مفتوحاً، واصطادت كاميرات المصورين الصحفيين المشهد، وبدا واضحاً ان الورقة المفتوحة في رأس الملف تضمنت الآتي: "ملاحظة موجزة: عملية باثواي"، وتحت هذا العنوان اشارة الى وجود خطة لاعتقال 11 شخصاً مشتبهاً في علاقتهم بتنظيم القاعدة في 7 عناوين داخل المملكة المتحدة.
لم تكن فضيحة مجلجلة، فالخطأ فيها، كما في المثال السابق، غير مقصود وناجم عن الاهمال. ومع ذلك كان لدى الضابط البريطاني القدر الكافي من الشجاعة ومن الشرف لكي يستقيل في الحال متحملاً المسؤولية عن اهماله.
هنا في بلادنا، العراق، يحصل شيء مشابه ولكن بنهاية مناقضة كل التناقض لنهاية حكاية الوزير الكندي والضابط البريطاني. وزير دفاعنا بالوكالة سعدون الدليمي يحضر اجتماع المصالحة أو المجاملة بين رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب في دار السيد عمار الحكيم. الوزير ينسى على الطاولة دفتر ملاحظاته الشخصية وينصرف مع المنصرفين. مصوران صحفيان يتأخر انصرافهما فيلاحظان الدفتر، يرفعان ويكتشفان انه عائد للسيد الدليمي الذي هو وزير الثقافة بالأصالة فيسلمان الدفتر الى مدير اعلام وزارة الثقافة. هذا المدير يتأخر في اعلام الوزير بالعثور على دفتره المنسي. الوزير يدرك متأخراً انه نسي دفتره (يعني أهمل) ويطلب التفتيش عنه. كاميرات المراقبة المتواصلة التي لا تريد حكومتنا استعمالها في الشوارع لمكافحة الارهاب، تكشف عن ان المصورين النجيبين هما من عثر على الدفتر. الوزير يصدر أوامره باعتقال المصورين ومعاقبتهما. مساعدوه في وزارة الدفاع يحتالون على المصورين النجيبين. لم يسألوهما عن الدفتر وانما زعموا لهما انهما مطلوبان في الوزارة للتكريم او لأمر هام. ولاحقاٍ، بعد زجهما في المعتقل، يدرك المصوران النجيبان ان قضيتهما تتعلق بدفتر الوزير المهمل. لم ينفع مع مساعدي الوزير تأكيد المصورين النجيبين انهما سلما الدفتر الى مدير الاعلام في وزارة الوزير الاصلية.
وزيرنا المهمل بدل ان يتحمل المسؤولية عن إهماله ويستقيل، كما فعل الوزير الكندي والضابط البريطاني، يعاقب المصورين النجيبين محمد فؤاد توفيق وأفضل جمعة.
أية مفارقة!.. ليست مفارقة، فنحن في دولة الفافون.


168
شناشيل
حزب الله .. بندقية للإيجار
عدنان حسين
منذ بداية نشأته، وبالأخص منذ أن تولاه حسن نصر الله، لم يقدّم حزب الله اللبناني أية إشارة جدية وحقيقية على انه بالفعل حركة مقاومة وطنية تهدف فحسب الى تحرير الاراضي اللبنانية التي احتلتها اسرائيل في العام 1982 ومكثت فيها حتى العام 2000.
عندما تأسس الحزب كانت تنشط في لبنان حركة مقاومة قوية ضمت بين صفوفها العديد من القوى الوطنية والقومية، وبخاصة حركة المقاومة الاسلامية (أمل) والحزب الشيوعي اللبناني وحلفائهما. وبدلاً من الانضمام الى تلك الحركة، اختار الحزب ان يدخل في صراعات مسلحة مع ضده النوعي (أمل) أولاً، ثم مع ضده العقائدي( الحزب الشيوعي والقوى اليسارية الأخرى). والحزب الذي تلقى اشارة الانطلاق والرعاية والعناية من نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، استخدم الأسلحة والذخيرة المهرية من ايران، عبر سوريا في الغالب، لتصفية حركة المقاومة الاسلامية – اليسارية والسيطرة على المناطق المتاخمة للمناطق اللبنانية التي كانت تحت الاحتلال الاسرائيلي.
لم يكن احتكار "المقاومة" هو الهدف الرئيس لحزب الله، فقد عمد الى انشاء هيئات وجمعيات بعناوين "خيرية"، لكنها كانت في واقع الحال هيئات سلطة راحت تجبي الاموال وتنظّم المجتمع وتسيّر هيئات الدولة وتمنع القوى الحكومية المسلحة، الجيش وقوى الامن الداخلي، من أداء مهماتها في تلك المناطق. باختصار فان حزب الله أقام دويلته الخاصة في جنوب لبنان التي لم تكن تتردد في اعلان الولاء لولاية الفقيه في ايران.
السلاح والمال الايرانيان أستعملهما حزب الله لاحقاً في مدّ "سيادة" تلك الدويلة الطائفية الى سائر المناطق اللبنانية وهيئات الدولة وبالأخص مجلس النواب والحكومة، بمساعدة مباشرة من القوات السورية التي كانت تحتل كل لبنان غير الخاضع للاحتلال الاسرائيلي، فاصبح الحزب بحق دولة متزايدة النفوذ داخل الدولة اللبنانية.
ما أن أُنجزت مهمة تحرير الجنوب اللبناني في العام 2000 حتى بدت على نحو أوضح حقيقة حزب الله بوصفة بندقية للايجار موضوعة في أيدي النظامين الايراني والسوري، فالحزب لم يتحول الى حركة سياسية مدنية، إذ احتفظ بميليشياه التي أستخدمت في ترهيب القوى السياسية المختلفة، وانخرط في ترتيب وتنفيذ عمليات مسلحة داخل لبنان وخارجه لحساب طهران ودمشق، وبينها عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في تفجير مهول وسط بيروت.
آخر أقنعة حزب الله يسقط الآن على الاراضي السورية، فميليشيا الحزب تحوّلت الى ذراع أيمن لبشار الأسد الذي تمردت عليه قواته المسلحة وانتفض ضده شعبه من كل القوميات والأديان والطوائف.
الآن يضع حزب الله اللبناني بقيادة حسن نصرالله  مصير شيعة لبنان على كفّ عفريت، بل يضع مصير لبنان كله في مهب الريح .. المنطقة برمتها يزجها حزب الله وحسن نصر الله في جهنم حقيقية.



169
شناشيل
واسألوا معالي الأسدي!
عدنان حسين
أيها العراقيون، من اليوم فصاعداً - أو بالأحرى من أمس – ناموا رغداً واخرجوا الى اعمالكم والأسواق وأمشوا في شوارع مدنكم آمنين مطمئنين، لا تتلفتوا يمنة أو يسرة، ولا ترتابوا في أي شيء حولكم، فقد غدا الشر وذهب البلاء وتحقق العدل في ظل دولة القانون.
ايها العراقيون – نساء ورجالاً بالطبع – هذه هي بشرى وزير الداخلية ( الوكيل الأقدم اسماً فقط) عدنان الأسدي لكم، فالرجل تأكد بنفسه وتوثق بذاته ورأى بعينيه وسمع بأذنيه وأدرك بحواسه الثلاث الأخرى من انه ليست هناك ميييشيات ولا سيطرات وهمية ولا هم يحزنون. بلدكم آمن وأرواحكم مصانة وأعراضكم مستورة وأموالكم مضمونة وأملاككم محروسة.
السيد الأسدي نزل الى شوارع بغداد، كرخها ورصافتها.. لم يذهب في موكب مسلح ومدرع ومبرد، بل مشى على قدميه في هذا الحر اللاهب واستقلّ باص مصلحة ثم ركب كيا وبعدها كوستر، وجال في الاسواق ووقف عند السيطرات، مرتدياً طاقية الإخفاء حتى لا يتعرف عليه أحد .. سأل واستطلع الآراء منذ الصباح الباكر حتى مطلع الفجر فاستقر ضميره ووجدانه على ان الكلام عن ميليشيات وسيطرات وهمية ما هو الا محض كذب وافتراء ودعاية مضادة يطلقها الطابور الخامس (وسائل الاعلام) للنيل من سمعة حكومتنا الوطنية الساهرة على مصالح الشعب والوطن، ونظامنا الديمقراطي الذي حقق لنا التنمية المستدامة والرفاه الفائق، فها هو بيان الداخلية يقول ان معالي الوكيل الأقدم "تنقّل بين المواطنين وأصحاب السيارات واستفسر منهم حول ذلك (الميليشيات والسيطرات الوهمية) حيث أكد الجميع أنه لا توجد مثل هذه الاخبار وان الوضع طبيعي".
   ايها العراقيون، من الآن فصاعداً لا تصدقوا أي كلام من وسائل الاعلام وغيرها عن الميليشيات والسيطرات الوهمية ف"الوضع طبيعي" كما وجد السيد الأسدي .. أما هؤلاء الذين يستعرضون في الشوارع والأزقة أمام وسائل الاعلام بملابسهم واسلحتهم  الميلشياوية ويطلق زعماؤهم الوعيد التهديدات فما هم بميليشيات وانما من جند الله المرسلين كرمى لعيني وكيلنا الأقدم المؤمن وصحبه الاخيار في الحزب والدولة (حزب الدعوة الاسلامية بالطبع). واما الذين يُقتلون في سياراتهم وعلى الأرصفة بالاسلحة مكتومة الصوت فليسوا الا منتحرين شبعوا سعادة وهناء في عراق السيد الاسدي وصحبه، ومرضى ميؤوس من حالاتهم فقرروا وضع نهاية لحياتهم بانفسهم. وأما المفقودون الذين لا تظهر أية دلائل على مصائرهم بعد مرور اسابيع واشهر وسنوات فما هم الا عشاق فررا مع عشيقاتهم الى مجاهل الاهوار في الناصرية والعمارة  أو الى أعالي الجبال في كردستان.
الا تصدقون؟ اسألوا معالي الوكيل الأقدم للداخلية، فعنده الخبر اليقين، وبين يديه الأدلة القاطعة على ان كل شيء في البلاد في "وضع طبيعي".


170
شناشيل
ماذا يفعل ضباط صدام في دولتنا؟
عدنان حسين
للمرة الثانية خلال خمسة أسابيع يكون اسم العراق حاضراً في حكم قضائي بريطاني. وفي كلتا المرتين كان الحضور لأمر شائن. في المرة الاولى حُكم بالسجن عشر سنوات على تاجر بريطاني غشّاش قام بالتواطيء مع مسؤولين في حكومتنا ودولتنا ببيعنا أجهزة مزيفة للكشف عن المتفجرات الينا، فربح هو عشرات ملايين الدولارات وقدم لشركائه العراقيين الذين لا ذمة له ولا ضمير بضعة ملايين، فيما قُتل، ولم يزل، بسببها عشرات الاف العراقيين من المدنيين والعسكريين وأصيب مئات الالاف غيرهم ودُمرت ممتلكات عامة وخاصة بمئات الملايين!
اما الحكم الثاني الذي صدر منذ يومين فيخص ضابطاً سابقاً في جهاز الاستخبارات في عهد نظام صدام. قاضي محكمة التاج البريطانية حكم بالسجن خمس عشرة سنة على عبد القادر الجنابي (55 سنة) وشريك له بتهمه اختطاف صبي عمره 14 سنة واغتصابه في دورة مياه بمركز للتسوّق في مدينة مانتشستر. والجنابي مقيم في بريطانيا منذ 2002.، وقد تعرفت اليه الشرطة عن طريق كاميرات المراقبة الدائمة الموضوعة داخل مركز التسوق( هذه الكاميرات لم تزل حكومتنا ترفض الاستعانة بها للكشف عن منفذي ومخططي العمليات الارهابية في المدن وتفضل الاستمرار في استخدام مع الأجهزة المزيفة!).
التاجر الغشاش نال جزاءه لكنّ شركاءه المسؤولين في حكومتنا لم يزل معظمهم طلقاء! وضابط استخبارات صدام نال هو الآخر جزاءه مع شريكه، ولكن ملف قضيته لا يجب ان يُغلق بالنسبة لنا، فلابد أن يُلحّ في ضمائرنا سؤال من قبيل: ماذا كان فعل هذا الضابط الصدامي في السابق مع الاطفال العراقيين والنساء العراقيات محتمياً بمهنته القذرة ؟ والسؤال الأهم: كم يوجد مثل هذا الضابط الآن في أجهزة الامن والمخابرات والشرطة الحالية ممن فضّلت حكومتنا والمسؤولون فيها التعامل معهم وتوظيفهم بدلاً من العناصر الوطنية؟
مسؤولون حكوميون وزعماء وناشطون سياسيون وناس عاديون صرخوا آلاف المرات على مدى السنوات الماضية بان من الاسباب الرئيسة لتواصل عمليات الارهاب والجريمة المنظمة وتصاعدها في البلاد، وجود اختراقات كبيرة في أجهزة الأمن، وبالذات من عناصر الأمن في النظام السابق الذين تعامل معهم رئيس الحكومة ومساعدوه بأفضلية بذريعة المصالحة الوطنية!
الكل تقريباً يعرفون ان أكثر ما حكم عملية إعادة الكثير من ضباط الأمن السابقين الى الخدمة والاعتماد عليهم، هي الاعتبارات الطائفية والتعهدات التي قدمها هؤلاء الضباط بالولاء الشخصي لرئيس الوزراء ولحزبه.
اذا كان ضابط استخبارات صدام اللاجيء في بريطانيا لم يرتدع عن ارتكاب واحدة مما يصنفها البريطانيون وسائر الشعوب المتحضرة على انها "جريمة مروعة"، كما جاء في منطوق الحكم الذي أصدره قاضي محكمة التاج في مانتشستر على عبد القادر الجنابي، فهل يرتدع زملاؤه الذين يحتلون الآن مواقع في سلك الأمن والمخابرات والاستخبارات والشرطة، وحتى الجيش، في دولتنا الحالية عن ارتكاب جرائم مروعة في حق ابناء شعبنا؟


171
شناشيل
بين المالكي وأردوغان
عدنان حسين
في يوم ما، غير بعيد، تحوّلت تركيا الى محجة لقادة حركات الاسلام السياسي، سنة وشيعة، الحاكمين منهم والمعارضين سواء بسواء، فوصول حزب العدالة والتنمية التركي الى السلطة عبر الانتخابات (2002) رآه الحاكمون دعماً لنفوذهم في بلدانهم، والمعارضون تعززت لديهم الآمال ببلوغ كراسي الحكم.
ما من أحد من هؤلاء لم يزر انقرة واسطنبول، بمناسبة ومن دون مناسبة، للتبرك بمصافحة رجب طيب اردوغان وعبدالله غل ورفاقهما، بل ان رئيس حكومتنا، نوري المالكي، لم يفته، قبيل الاتفاق في اربيل على تكليفه برئاسة الحكومة في ولاية ثانية(2010)، أن يزور انقرة  للحصول على دعم "العثمانيين الجدد" لما يطمح اليه. 
منذ ايام، اثناء ما كانت اعمال العنف تتصاعد في العديد من مدن جارتنا الشمالية، قدّم رئيس حكومتنا نصيحة ثمينة الى الحكومة التركية، وبالذات رئيسها اردوغان.
السيد المالكي أعرب عن القلق حيال التداعيات الأمنية للاوضاع في تركيا، داعياً إلى "ضبط النفس والابتعاد عن العنف"، وهي دعوة بدت موجهة الى الحكومة التركية تحديداً وليس الى معارضيها والمحتجين على سياساتها الذين نزلوا الى الشوارع والساحات منذ اكثر من اسبوع.
هي نصيحة ثمينة لأن تركيا ليست فقط جارة لنا، فنفوذها في بلادنا مؤثر، وكثير مما يحدث لدينا تمتد خيوطه الى انقرة واسطنبول، واستقرار تركيا، كما سائر جيراننا، يهمنا، لكن السيد المالكي والجوقة المحيطة به ووسائل اعلامهم تعاملوا مع الحدث التركي الأخير من منطلق التشفي والشماتة، والسبب ان اردوغان والجوقة المحيطة به قدّموا من جانبهم ملاحظات وانتقادات ونصائح الى المالكي تخصّ طريقته في الحكم والإدارة. عدا عن هذا فان السيد المالكي يبدو في نصيحته الى الحكومة التركية ورئيسها كمن "يعلم على الصلاة ولا يصلي".
اردوغان أفلت اللجام لقوات دركه كيما تتعامل مع المتظاهرين بقسوة، وهو بذلك أثبت انه ليس سوى سلطان عثماني جديد ببدلة وربطة عنق. ولكن قبل اردوغان كان السيد المالكي قد أظهر لنا انه لا يختلف عن الحكام المستبدين الذين عرفهم من قبل العراق وسائر دول المنطقة، ففي شباط 2011 أعطى المالكي، وهو وزير الداخلية ووزير الدفاع بالوكالة والقائد العام للقوات المسلحة، أوامره الى قواته لكي تنكّل بالمتظاهرين حدّ قتل بعضهم بعد أن اتهمهم بالارهاب، وفرض حظراً للتجوال في العاصمة بغداد في أيام التظاهر. بل ان قواته واصلت ممارساتها القمعية حتى بعد أن اضطر أمام تحدي المتظاهرين لاجراءاته الى الاقرار بان مطالبهم دستورية ومشروعة ووعد بتلبيتها .. ولم يفعل حتى اليوم، بل انه لم يتردد منذ اسابيع عن فعل ما هو أقسى ضد متظاهري الحويجة.
اردوغان حاكم سيء بالتأكيد،  وموقفه المتكبر من المتظاهرين في بلاده يؤكد هذا، لكنه مع ذلك بدا في وضع أفضل نسبياً من وضع رئيس حكومتنا باعترافه بان شرطته تجاوزت حدودها، وهو ما لم يفعله السيد المالكي في أي مرة من عشرات المرات التي تجاوزت فيها قواته حدودها.. ولن يفعله أبداً.


172
المنبر الحر / غسيل دماغ ... شامل
« في: 13:57 30/05/2013  »
شناشيل
غسيل دماغ ... شامل
عدنان حسين
أشك في ان أي قناة تلفزيونية أو صحيفة يومية في البلاد العربية أو الاسلامية قد اهتمت بخبر الوليد الصيني الذي أنجبته أمه الصبية في مرحاض وانحشر في ماسورة  مجرى التصريف وأنقذ في اللحظة الأخيرة  في إحدى بلدات الشرق الصيني... أشك في اهتمام اعلامنا بهذا الخبر الى درجة وضعه في صدر النشرات الاخبارية التلفزيونية أو الصفحات الأولى للصحف.
اذا كانت بعض محطاتنا التفزيونية أو صحفنا قد اكترثت للخبر، فالأرجح انها أوردته ضمن أخبار الغرائب والطرائف بوصفه مادة للتسلية والتسري عن الأنفس المثقلة بالهموم في بلداننا.
في لندن التي وصلتها منذ بضعة أيام كان الخبر الطاغي في الاعلام يخص تداعيات الجريمة الشنيعة التي ارتكبها اثنان من الاسلاميين بذبحهما جندياً بريطانياً شاباً بالسواطير والسكاكين والتمثيل بجثته وسحلها بعد صدمه بسيارتهما في عرض الشارع وفي وضح النهار وأمام أعين االمارة من نساء ورجال وأطفال وكاميرات تلفوناتهم المحمولة!.. وهذا الجندي قتل بهذه الطريقة الهمجية ليس لأنه تعدى على قاتليه مثلاً او تجاوز على حقوق لهما، وانما لأن بلاده شارك في تحرير العراق من دكتاتورية صدام حسين وافغانستان من ظلامية طالبان والقاعدة .
وبرغم طغيان خبر الجريمة المروعة هذه على اهتمامات الرأي العام البريطاني، وجد خبر الوليد الصيني سعيد الحظ مكاناً له على الصفحات الاولى للصحف الوطنية والمحلية وفي مطالع نشرات الاخبار التلفزيونية. والخبر عُرض باسلوب ولغة مشحونين بالعاطفة والنزعة الانسانية، فعملية الانقاذ قُدّمت الى الرأي العام بوصفها عملاً مجيداً ومأثرة  كبيرة.
بهذه الطريقة يساهم الاعلام في البلدان المتحضرة في تنمية الحس الانساني والذوق الرفيع والحضّ على الفعل الايجابي في الحياة، وهي طريقة تخالف تماماً ما يتبعه اعلامنا وسائر هيئاتنا الاجتماعية، بما فيها الدينية والرسمية. نحن نركز على الاحداث السيئة .. اعلامنا يمجد، مباشرة أو مداورة، أعمال العنف والقوة والاستبداد والطغيان وانتهاك الحقوق والحريات، أو يلتزم الصمت حيالها في أحسن الأحوال .. وهو بذلك يساهم في بناء شخصية سلبية، فردية أو جمعية، لا يصدمها فعل القتل حتى لو كان جماعياً، ولا يسعدها انقاذ انسان أو حيوان من خطر داهم.
عائلة أحد قاتلي الجندي البريطاني اعلنت في بيان ان ابنها البالغ من العمر 28 سنة ، وجرى اقناعه بتحويل ديانته الى الاسلام منذ عشر سنوات، "تعرض لعملية غسيل دماغ" جعلته يخرج عن التقاليد المسالمة لعائلته المسيحية ويتحول الى وحش كاسر. والواقع اننا جميعاً نتعرض الى عمليات غسيل دماغ، يتعاون فيها الاعلام مع الهيئات الدينية والحكومية. وهذا ما يفسر ليس فقط عدم اهتمامنا بخبر مثل انقاذ الوليد الصيني، وعدم الشعور بالصدمة حيال عملية ذبح انسان علناً في أحد شوارع لندن، وانما أيضاً في هذا القبول الجمعي في بلداننا باعمال الارهاب تأييدها وتمجيدها والانخراط فيها.



173
شناشيل
لا تنسوا المجلس والقضاء
عدنان حسين
المهمة الأساس لأي حكومة توفير الأمن للمجتمع، أفراداً وجماعات، لكن المسؤولية عن الانفلات الأمني السافر في مختلف مدن البلاد والموجة الارهابية المتفاقمة لا تنحصر المسؤولية عنهما بالحكومة، فلها شركاء لا ينبغي اعفاؤهم من هذه المسؤولية.
المسؤول الاول بعد الحكومة هو مجلس النواب الذي فشل فشلاً ذريعاً في تأكيد حضوره واثبات وجوده على انه السلطة الاولى في البلاد التي يتعين أن تنحني لها رؤوس الجميع بوصفها سلطة الشعب.
مهمة البرلمان الرقابية تتقدم على مهمته التشريعية، لكن برلماننا ظل طوال السنوات الماضية، وبخاصة في عهد حكومة المالكي الثانية، الحالية، لا في العير ولا في النفير على صعيدي الرقابة والتشريع كليهما. الحكومة هي التي تشرّع  ولا تقبل من البرلمان الا بدور الباصم على تشريعاتها، ولا تقبل أيضاً باي رقابة من البرلمان على عملها، والحجج لا عدَ لها ولا حصر، وآخرها ان البرلمان أصبح بيتاً للارهابيين من البعثيين وعناصر القاعدة!
الحكومة الحالية ورئيسها يتعاملان مع مجلس النواب باحتقار شديد وتكبر لا مثيل له، الى درجة ان المجلس لم يستطع أن يحاسب لا رئيس الحكومة ولا أياً من وزرائه ولا حتى من هم أدنى من مستوى الوزراء . بل ان الازمة القائمة منذ مدة بين البرلمان والحكومة أظهرت أن ليس في وسع البرلمان مساءلة ومحاسبة شرطي عادي، فلم يكن في مقدوره استدعاء المسؤولين عن الاجهزة الأمنية لسؤالهم عن اسباب الانهيارات المتفاقمة في قطاعهم، وذلك لأن رئيس الحكومة، القائد العام للقوات المسلحة، لا يقبل بذلك .. أي انه لايقيم وزنا للبرلمان بأعضائه الثلثمئة وخمسة وعشرين وبالملايين التي انتخبتهم من ابناء الشعب. والأمر مفهوم، ففضلاً عن احتقاره البرلمان يخشى رئيس الحكومة والقائد العام ان تتكشف مسؤوليته المباشرة عن فقدان الأمن في البلاد.
من المضحك المبكي ان رئيس مجلس النواب الذي فشل مرات عدة في استدعاء رئيس الحكومة ومسؤولي الامن الى البرلمان لمساءلتهم، طلب أمس الأول من القادة الأمنيين تقديم "تبريرات مقنعة" لتردي الامن في البلاد!.. من يسمع لك؟
  والى جانب البرلمان تتحمل السلطة القضائية هي الاخرى المسؤولية عن الحال التعيسة التي تعيشها البلاد... القضاء  راض، مع سبق الاصرار، بتعطيل دوره في اقامة العدل، وهو مما يشجع الحكومة ورئيسها على التمرد على البرلمان، ففي كل الازمات التي نشبت بين البرلمان والحكومة لزمت السلطة القضائية جانب الحكومة، لتساهم – السلطة القضائية – في اذلال البرلمان وتعطيل دوره الرقابي والتشريعي. وبرغم ان رئيس الوزراء أعلن غير مرة توافره على ملفات تدين مسؤولين  كباراً في الدولة بخرق القانون وبالفساد والارهاب، لم يتحرك القضاء، وبالذات هيئة الادعاء العام، لمطالبة رئيس الحكومة بهذه الملفات كيما يأخذ القانون مجراه بشأن من اتهمهم علناً.
القضاء يتحمل مسؤولية كبيرة لانه يلتزم موقف شاهد الزور على تصرفات الحكومة ومحامي الشيطان عن أفعالها، والنتيجة التدهور العام في أوضاع  البلاد وأحوال الناس، وهذا الفلتان الأمني المتواصل.



174
شناشيل
بلطجة على أعلى المستويات!
عدنان حسين
على صفحة كاملة نشرت صحيفة "الأهرام" المصرية اعلاناً بالالوان الأربعة من شركة المعادي للتنمية والتعمير (جزء من الشركة القومية للتشييد والتعمير). ما الغريب في هذا وكل شركات العالم تنشر اعلانات في الصحف بأحجام تصل أحياناً الى صفحتين كاملين؟
ما لفتني في اعلان "الاهرام" هذا انه موضوع تحت عنوان "نداء واستغاثة"، ومُوقّع من رئيس مجلس ادارة الشركة واللجنة النقابية للعاملين فيها. والنداء والاستغاثة موجهان الى الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل والى وزيري الداخلية والاستثمار ومحافظ القاهرة والنائب العام. والشركة صاحبة الاعلان تستغيث بهؤلاء من "المتعدين" على قطعة ارض لها مساحتها حوالي 36 فداناً و5 قراريط و10 أسهم.
وكما جاء في اعلان النداء والاستغاثة فانه " اثناء ثورة 25 يناير 2011 وبعدها وبسبب حالة الانفلات الأمني التي مرت بها البلاد قام البلطجية والخارجون على القانون بالدخول بالقوة في هذه الارض وانزال مواد بناء وقاموا بالفعل بالبناء عليها باقامة منشآت واسوار ومباني وابراج سكنية شاهقة (الاخطاء اللغوية في الأصل) بسبب موقعها المتميز على كورنيش النيل بالمعادي وذلك بالمخالفة للقوانين قاصدين بذلك المكسب السريع غير عابئين بمصالح الوطن".
ويشير اعلان الاستغاثة الى صدور قرارات حكومية بازالة هذه التجاوزات لكنها لم تأخذ طريقها الى التنفيذ، والى ان الشركة سبق وأن ناشدت الرئيس مرسي "التدخل وتفعيل القرار الوزاري الصادر لاعادة الحق الى اصحابه وحماية المال العام".
اذن هي قضية مجموعة من "البلطجية" والخارجين على القانون استغلت ظروف الثورة المصرية واستحوذت على قطعة الارض المذكورة واقامت عشوائياتها عليها.
عندنا في العراق قصة مماثلة ولكنها أكبر بكثير، فثمت الالاف من الفدادين وعشرات الالاف من القراريط ومئات الالاف من الاسهم التابعة للدولة قد جرى الاستحواذ عليها، ليس فقط في العاصمة بغداد وانما في كل مدن البلاد من دون استثناء. وهي ليست اراضي متروكة كأرض الشركة المصرية، وانما عقارات مشيّدة عليها مباني كبيرة كانت تشغلها دوائر حكومية وحزبية في عهد النظام السابق، وبيوت وفلل وقصور فخمة كانت لاقطاب ذلك النظام. ومن استحوذ عليها بعد سقوط النظام البائد ليسوا "بلطجية"، وانما الاحزاب الحاكمة وقياداتها، وبخاصة الاحزاب الاسلامية (الشيعية والسنية سواء بسواء) التي من المفترض انها تخشى الله وتتجنب الحرام أكثر من غيرها وما "تعلّم على الصلاة وما تصلي".
هذه العقارات نحتاج الى آلاف الصفحات الكاملة في الصحف لتغطية النداءات والاستغاثات المطلوبة من اجل اعادتها الى اصحابها الشرعيين: الشعب. ولكن من يكون المُنادى ومن يكون المستغاث به اذا كان سلاطين دولتنا هم من قاموا بما قام به في مصر "البلطجية" والخارجون عن القانون؟


 

175
شناشيل
متهمون حتى تثبت براءتهم
عدنان حسين
 
في بلدة الشونة  الاردنية على شواطىء البحر الميت سعى نائب رئيس مجلس الوزراء صالح المطلك أمس الاول الى التخفيف من مسؤولية رئيسه، نوري المالكي، عن تفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري والى تبرئة كتلته ضمنياً من أي مسؤولية في هذا المجال، لكنه لم يُقم الدليل على صحة ما يقول.

السيد المطلك أفاد، في كلمة له اثناء جلسة حول العراق في المنتدى الاقتصادي العالمي المقام حالياً في الشونة، بان "الفساد في العراق مشكلة كبيرة جداً"، وأقرّ بان "أكثر مرحلة حصل فيها فساد هي فترة رئاسة المالكي"، لكنه استدرك بقوله ان المالكي "لا يتحمل وحده الموضوع بل جميع الكتل السياسية"، معتبراً ان "الكثير من الكتل السياسية متورطة بالفساد"، وهذا يعني انه يستثني البعض من الكتل، ولا بد انه يضع كتلته (جبهة الحوار الوطني) على رأس من يستثنيهم.
أكثر اجهزة الدولة فساداً هي وزارات الحكومة ودوائرها، وهذا ما يعرفه المطلك جيداً مثلما يعرفه كل عراقية وعراقي، والمسؤول الأعلى عن الحكومة ودوائرها وأجهزتها هو السيد المالكي ونوابه. والفساد في أجهزة الحكومة أكثر تفشياً في قطاع الخدمات المسؤول عنه  السيد المطلك وقطاع الطاقة المسؤول عنه السيد حسين الشهرستاني، المقرب من رئيس الحكومة. هذا ما تعكسه تقارير هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية وديوان الرقابة المالية.
بالنسبة للعراقيين كل مسؤولي الدولة متورطون مباشرة أو مداورة في الفساد وبالذات كبار المسؤولين. وهذا يشمل رئيس الحكومة ونوابه والوزراء والمستشارين ووكلاء الوزارات والمدراء العامين وسواهم ممن في أيديهم سلطة عقد الصفقات وابرام العقود والموافقة عليها. والناس لا يستثنون أيضاً الكثير من أعضاء البرلمان من تهمة التورط في الفساد.
عادة ما يخفف السيد المالكي من صورة الفساد في الدولة، ويقول لمن يسأله أو يناقشه في هذا الأمر انها "مبالغات اعلامية"ن مدللاً على ذلك بعد تقديم أدلة قاطعة له تثبت هذه الاتهامات.
رئيس الحكومة ، كما نوابه ووزراؤه، يعرفون حق المعرفة ان المسؤولين الكبار المتورطين في الفساد لا يتيحون الفرصة للحصول على الوثائق التي تدينهم، فصفقاتهم واتفاقاتهم تتم في الظلام وعبر وسطاء، وأموال الفساد تصل بالواسطة أيضاً عبر الابناء والبنات والاخوة والاخوات وأبناء وبنات هؤلاء. والاعلام محرّم عليه الوصول الى المعلومات بموجب قوانين من عهد النظام السابق لم تزل فعالة، بل انها يمكن ان تقود الى السجن أي اعلامي يسعى لكشف الحقيقة بذريعة الأمن الوطني ومصالح البلاد العليا والنظام العام.

بالنسبة للنعراقيين لا دليل على تورط الطبقة السياسية المتنفذة في الحكم في الفساد أقوى وأوضح من تردي الوضع الأمني وتدهور الخدمات وتفاقم مشاكل الفقر والبطالة والسكن وانهيار الزراعة والصناعة سنة بعد أخرى، فيما تتصاعد عائدات النفط الفلكية يوماً بعد يوم.. أي تختفي عشرات المليارات؟
اذا اراد السيد المطلك أن يبريء رئيسه ونفسه وكتلته من الفساد المالي والاداري فعليه أن يقيم الحجة على ذلك، فكل مسؤول في الدولة، بسلطاتها الثلاث، متهم بالفساد الى أن تثبت براءته.


176
شناشيل
لماذا وقعت "التصرفات الغريبة" في عمّان؟
عدنان حسين
ما حدث في المركز الثقافي الملكي في العاصمة الاردنية عمّان منذ أيام كان من دون أدنى شك مُدبراً سلفاً من فلول النظام السابق واعوانهم من البعثيين والاسلاميين المحليين. ومع هذا فان اللوم في ما وقع وتداعياته يجب أن تناله السفارة العراقية وطاقمها.
لو كانت السفارة وطاقمها على قدر المسؤولية لتحسّبوا للأمر وواجهوا ما وقع بطريقة مختلفة لا تتحقق معها أهداف المخططين للاعتداء ومنفذيه. ولكن قبل هذا لو كانت التعيينات في السلك الخارجي لا تتدخل فيها اعتبارات المحاصصة الطائفية والقومية والمحسوبية الحزبية والمنسوبية العشائرية والمناطقية لأمكن تفادي ما وقع في عمّان، بل ولحيل دون الفضائح المجلجلة للدبلوماسيين وغير الدبلوماسيين المعينين وفقاً لهذه الاعتبارات.
النائب عن ائتلاف دولة القانون الحاكم  أحمد العباسي أطلق منذ يومين تصريحاً صحفياً على هامش ما وقع في العاصمة الاردنية قال فيه إن "ما حدث من مشاجرة بين أعضاء بالسفارة العراقية في الأردن وبين مواطنين أردنيين، يكشف مدى الضعف في أداء السلك الدبلوماسي العراقي"، مشيراً الى أن "هذه ليست المرة الأولى التي تصدر مثل هكذا تصرفات من بعض العاملين في السفارات العراقية"، وأن "هناك العديد من التصرفات الغريبة التي يقوم بها عاملون في بعض السفارات، وما حدث في الأردن جزء منها"، ودعا وزارة الخارجية إلى "إعادة النظر بأعضاء بعثاتها الدبلوماسية وموظفيها في السفارات العراقية".
هذا كلام سليم يستحق ان يوزن بالذهب، ولكن لماذا لا يتلفت النائب العباسي حواليه ليكتشف كم من زملائه النواب في ائتلافه والائتلافات الأخرى ومن أعضاء هذه الحكومة والحكومات السابقة ومجلس الحكم، قد عيّن أقارب له في السلك الخارجي، وليبدأ برئيس كتلة دولة القانون مثلاً، وليواصل مع المتنفذين في الكتلة وسائر كتل التحالف الوطني، ثم زعماء الكتل في الائتلافات الأخرى.
النائب العباسي، بوصفه ممثلاً  للشعب في البرلمان، من واجبه أن يتقصى الأمر، ومن حقنا، نحن أبناء الشعب، مطالبته بأن يتقصى وأن يعلن للرأي العام نتائج تقصيه، إذا كان حقاً مهتماً بألا يتعين في السلك الخارجي أشخاص تصدر عنهم "التصرفات الغريبة" التي تحدث عنها النائب.
 واذا كان النائب المحترم مهتما حقاً بان تستقيم الأمور في دولتنا بدوائرها ومؤسساتها المختلفة فانني ألفت نظره الى أجهزة الأمن والدفاع والاقتصاد والخدمات العامة وسواها، فها هنا أيضاً ثمت الكثير من "التصرفات الغريبة" التي لا مثيل لها في معظم دول العالم. هذه التصرفات الغريبة هي التي تفسر استمرار واحتدام الازمة السياسية في البلاد وتفاقم أعمال الارهاب وتفشي الفساد المالي والاداري.
النائب المحترم، ما وقع في عمان مشهد صغير في فصل من حكاية كابوسية بعشرات الفصول، هي حكاية الدولة العراقية المحاصصاتية.
هل عرفتم السبب؟



177
شناشيل
بغلة المالكي الأصغر!
عدنان حسين
وأخيراً نزل رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، من إحدى بغلاته، هي أصغر هذه البغلات في الواقع، فتغيير بعض القيادات الأمنية ليس سوى تنازل محدود من رئيس حكومتنا المعاند والمكابر والمتكبر، الذي لا يريد أن يدرك ان الطريقة التي يدير بها الدولة، بما في ذلك اختيار القيادات الأمنية، ليست صحيحة ولا بد له أن يتخذ لنفسه ولحكومته مساراً جديداً يتوافق مع أحكام الدستور الذي تولّى منصبه استناداً له.
هذه الخطوة ليست كافية، فالعقوبة، اذا كان التغيير عقوبة، لابد أن تسبقها المحاسبة. وفي النظام الديمقراطي فان محاسبة قادة الاجهزة الأمنية الكبار لابد من أن يكون للبرلمان دور فيها، وبخاصة ان حصل ذلك على خلفية انهيارات أمنية متكررة ومتصاعدة كالتي شهدناها في الأسابيع الأخيرة. وفي النظام الديمقراطي لابد أيضاً من اعلان نتائج المحاسبة على الملأ، فمن الحقوق الأساسية لمواطني الدول الديمقراطية أن يعرفوا. والحق في المعرفة وفي التدفق الحر للمعلومات لا يؤمّنه اجراء المحاسبة في غرف مظلمة أو توقيع العقوبة من دون إعلان التفاصيل. 
لا شيء عند البشر يتقدم على احتياجات الأمن. والأمن في بلادنا مهدور، والحكومة القائمة لم تستطع أن تفي بتعهداتها في جلب الأمن وترسيخه، وكان لا بد من مساءلة هذه الحكومة عن فشلها هذا، بيد ان رئيس هذه الحكومة يتصرف بوصف حكومته فوق البرلمان وأعلى من أحكام الدستور، والحجة ان البرلمان مزدحم بالارهابيين من البعثيين وانصار القاعدة (هؤلاء إن كانوا موجودين فهم ممن منحوا السيد نوري المالكي الثقة ليكون رئيساً للحكومة ومن دونهم ما كان سيتولى هذا المنصب على الأرجح، وهو كان قبل ذلك قد استثناهم من اجراءات قانون المساءلة والعدالة – اجتثاث البعث سابقاً - ليمكّنهم من دخول البرلمان والحكومة!). 
بعد تغيير بعض القيادات الأمنية ليس من المرجح أن تتحسن الأحوال، فالمشكلة لا تقتصر أسبابها على عدم كفاءة البعض من المسؤولين الأمنيين وفساد بعض آخر وضعف وطنية بعض ثالث .. المشكلة جذرها سياسي يتعلق بطبيعة النظام السياسي المعتمد في دولتنا والقائم على أساس المحاصصات والتوافقات الحزبية والشخصية. هذا النظام لا يحظى بالاحترام من الناس، والدولة التي تستمد شرعيتها من هذا النظام لا تتمتع من جانبها بالهيبة والتقدير، وهذا مما يسمح بالتمرد عليها وخرق قوانينها التي لا يحترمها ولا يتمسك بها كبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم رئيس الحكومة، وأكبر دليل على هذا استهانة رئيس الحكومة بالبرلمان وسعيه الواضح لتعطيل دوره إن في الرقابة أو في التشريع.
تغيير بعض القيادات الأمنية بالطريقة التي تم بها لا يضمن تغييراً ايجابياً في الوضع الأمني، فما من ضمانة بان يكون القادة الجدد أفضل من المصروفين. هل من يضمن؟


178
شناشيل

المالكي يعترف .. ونحن نسأل!
عدنان حسين

بعظمة لسانه اعترف رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة أمس الاول بان أجهزة الكشف عن المتفجرات التي تستخدمها قواتنا الامنية ليست سوى كذبة كبيرة. هو قال بالنص:"اللجان التي شكلها مجلس الوزراء لمتابعة قضية أجهزة كشف المتفجرات قد بينت بان هذه الاجهزة يمكنها كشف 20 – 40 بالمئة من المتفجرات، وهذا في احسن الاحوال".
برغم كل شيء، فان هذا الاعتراف إذ يأتي على لسان من يقود الحكومة والقوات المسلحة بقضّها وقضيضها أمر محمود، فقد تيقنّا الآن من ان دولتنا، الحكومة بالذات، تعرف ان هذه الأجهزة عديمة الفائدة، وهي كذلك لأن نسبة الاحتمال بعدم كشفها المتفجرات عالية جداً تصل الى 60 - 80 بالمئة.
ماذا تعني هذه النسبة ؟ تعني ان كميات كبيرة من المتفجرات تعبر نقاط التفتيش من دون أن تُكتشف، وان هناك عراقيات وعراقيين يسقطون قتلى وجرحى كل يوم في الاعمال الارهابية المتواصلة والمتفاقمة. وتعني ان ممتلكات عامة وخاصة تتدمر يومياً بسبب هذه الاجهزة التي اطمأن اليها الناس واطمأن اليها عناصر القوات المسلحة العاملون في الشوارع، ولم يبلغهم أحد بالحقيقة التي لم يعترف بها رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المتحدة الا أمس الاول فقط، بعد أسابيع من الاعلان عن حكم إحدى المحاكم البريطانية بالسجن عشر سنوات على مورّد القسم الاكبر من هذه الاجهزة، بتهمة الغش والاحتيال والتسبب بالاساءة لسمعة بريطانيا في الخارج وفي مقتل اناس اجانب، بينهم عراقيون.
الآن ثمة اسئلة يثيرها اعلان السيد المالكي: متى شكّل مجلس الوزراء اللجان التي كُلفت متابعة قضية هذه الأجهزة؟ ومتى علم مجلس الوزراء بان هذه الاجهزة لا يمكنها كشف 60 – 80 بالمئة من المتفجرات؟ هل حدث هذا مؤخراً فقط أم منذ زمن ليس بالقصير؟ اذا حدث قريباً لماذا تأخرت الحكومة في تشكيل هذه اللجان فيما بدأ التحقيق البريطاني في القضية منذ سنوات وظهرت نتائجه منذ زمن غير قصير، بحيث ان تلفزيون بي بي سي عرض تحقيقاً وثائقياً عن القضية أثبت ان الاجهزة عديمة الفائدة؟ واذا كان علم الحكومة بالأمر (الغش في الاجهزة) قد حدث منذ وقت غير قريب لماذا تأخرت عن اعلان هذه الحقيقة؟
وسواء كان تشكيل الحكومة اللجان التحقيقية متقدماً او متأخراً في توقيته، لماذا يتواصل استعمال هذه الأجهزة حتى الان؟ أليس في هذا خطر جسيم على حياة المواطنين وممتلكاتهم؟ وفي هذه الحال أليس المسؤول عن الأمر القائد العام للقوات المسلحة وجنرالاته، بوصفهم الوحيدين الذين لهم سلطة سحب هذه الاجهزة من التداول وانهاء الخديعة التي يقف وراءها الفاسدون مالياً وادارياً وحُماتهم من مسؤولي الدولة الكبار؟
السؤال الأهم: كيف حصل ما حصل ومن المسؤول عنه؟


179
شناشيل

متى يعود زمن ناظم الغزالي؟

عدنان حسين
ظهيرة أمس أمضيت بعضها مع زميلة على مائدة غداء في مطعم بغدادي. لم يكن لديّ الوقت الطويل، فموعد الاجتماع في النقابة الوطنية للصحفيين كان يقترب، لذا طلبنا وجبة سريعة التحضير نسبياً.
خارج المطعم كانت العاصمة تعيش يوماً دامياً آخر سبقه يوم مماثل، والخشية أن يصبح القادم من أيام بغداد وسائر مدن البلاد دامية كلها .. ثمانية تفجيرات ارهابية لم يستطع مدبروها اخفاء طابعها الطائفي .. لاحقاً عرفنا ان مسيل الدم امتد جنوباً الى البصرة وشمالاً الى تكريت وغرباً الى راوة.
داخل المطعم كان الأمر مختلفاً مع ناظم الغزالي الذي ظلّ طول الوقت يشدو بصوته الساحر مجموعة من أجمل أغاني زمن  لم يعرف فيه العراقيون أن يقتلوا بعضهم بعضاً .. على الهوية الطائفية او الدينية او القومية.
كان العراقيون مشغولين بهمومهم اليومية، وبالحب والحُسن والجمال أيضاً، فالغزالي يصدح مغنياً:
يا خشوف العلى المجرية
وإبنكم فزّز الدورية
وإبنكم صابني وارماني
وسهام لحظه بالحشا مرمية
زميلتي لم تخف ضيقها وهي تتابع بواسطة الآيفون اخبار التفجيرات وضحاياها، حتى انها لم تكمل الغداء.
يصرّ ناظم الغزالي على تذكيرنا بالعراق المختلف الذي كان، يومَ لم يكن الواحد يسأل زميله في المدرسة أو جاره أو شريكه في العمل ما اذا كان شيعياً هو أم سنياً، مسلماً أم مسيحياً أم صابئياً أم ايزيدياً .. عربياً أم كردياً أم تركمانياً أم كلدانياً أم آشورياً أم أرمنياً .. وحتى لو سأله أو عرف ما مذهبه أو دينه أو قوميته ما كان يبالي أو يكترث.
في ذلك الزمن، كان العراقي اذا قابل مواطنه لا يبادره بمفخخة أو حزام ناسف أو مسدس مكتوم الصوت، وانما بـ: صباح الخير عيوني، أو: مساء الخير أغاتي، أو: السلام عليكم، أو: مرحباً، واذا فارقه ودّعه بـ: في أمان الله"، أو: تصبح على خير، وها هو ناظم الغزالي يقدّم شهادته على ذلك الزمن العراقي:
تصبح على خير
تضوي أيامك
في أمان الله
تهنّا باحلامك
متى تنتهي أيام الطائفية لتضوي أيام العراقيين من جديد ويهنؤوا باحلامهم؟



180
شناشيل

انها الحرب الاهلية .. يا ناس!
عدنان حسين
هي حرب أهلية بامتياز، وهي حرب طائفية من دون ريب. وهذه الحرب الاهلية الطائفية لا تدور آلتها الجهنمية في الصومال أو افغانستان أو نيجيريا، وانما هنا .. في العراق، ومسرحها شوارع مدننا واسواقها ومعابدها ومدارسها ومستشفياتها، وصولا الى بيوتنا، بغرفها وحدائقها الأمامية والخلفية.
هي حرب أهلية طائفية مهما تغاضى عن حقيقتها وتغافل عن جوهرها  الذين لا يريدون الاعتراف بهذا حتى لا يدانون بوصفهم جزءاً من المشكلة، سبب المشكلة المفضية الى هذه الحرب.
كيف تكون الحرب الأهلية إن لم تكن هي ذي التي يسقط فيها عشرات العراقيين يومياً، مدنيين أكثر من العسكريين، في تفجيرات انتحارية وغير انتخارية وهجمات مسلحة واغتيالات بالأسلحة مكتومة الصوت وغير المكتومة، ينفذها عراقيون بنسبة 99 بالمئة وأحياناً كثيرة 100 بالمئة؟
الشهر الماضي (نيسان) قُتل في هذه الحرب ما مجموعه 712 شخصاً (عراقياً بالطبع) وأصيب 1633 آخرون. هذه المعطيات مأخوذة من احصائية صادرة عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) التي لاحظت ان نيسان الماضي كان الأكثر دموية منذ حزيران 2008. واحصائيات (يونامي) أصدق من احصائيات الحكومة التي لا تريد ان تقول الحقيقة حتى لا تُحرج نفسها، أو بالاحرى لتتفادى الاعتراف بفشلها.
وفي الشهر الأسبق ( آذار)، بحسب (يونامي) أيضاً، كان عدد القتلى 456 والمصابين 1135.
ببساطة شديدة، الارقام هذه تعني: يومياً تُزهق أرواح ما بين 15 و23 عراقية وعراقياً، فيما يُصاب ويُعوّق ما بين 36 و45. هل كان ضحايا الحرب الاهلية اللبنانية والحرب الاهلية الصومالية والحرب الاهلية الافغانية أكثر عدداً من هذا؟
انها حرب طائفية بامتياز لأن الأغلبية الساحقة من هؤلاء الضحايا يتعرضون للتفجير  والهجمات المسلحة والاغتيال استناداً الى هوياتهم الطائفية والدينية والقومية: شيعة، سنّة، مسيحيون، ايزيدية، صابئة مندائية، عرب، كرد، تركمان، كلدان وآشوريون. والهجمات غالباً ما تستهدف مساجدهم وحسينياتهم وكنائسهم ومعابدهم ومدارسهم وأسواقهم ومحال عملهم.. اما المفجرون والمهاجمون فهم اعضاء في تنظيمات سرية طائفية وقومية وعناصر ميليشيات طائفية (شيعية وسنية تحديداً)، يحظى بعضها بدعم  وتشجيع من أوساط حاكمة وأخرى لها نفوذ في الحكم. أما هدف القتلة ففي كل الاحوال تصفية الآخرين والتمكن من السلطة والمال والهيمنة عليهما  في العراق برمته إن أمكن أو على اجزائه المقسمة طائفياً وقومياً.
 اننا في حرب أهلية طائفية .. ومن يرى غير ذلك انما يتفادى افتضاح دوره فيها.


181
شناشيل
مواطنتنا سارة ليا ويتسن
عدنان حسين

تستحق السيدة سارة ليا ويتسن (Sarah Leah Whitson) من حكومتنا أن تمنحها الجنسية العراقية، فخرياً بالطبع، ففي مرات عدة برهنت على أن لديها غيرة على العراق ومصير شعبه أكثر من عراقيين غير قليلين، بمن فيهم بعض من أنيطت بهم مسؤوليات كبيرة في الدولة بسلطاتها وهيئاتها المختلفة.
والسيدة ويتسن، لمن لا يعرفها، هي المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" العالمية المعنية بالحريات وحقوق الإنسان. وهي خبيرة في شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي ولدت فيها وعاشت وعملت بعضاً من سني عمرها. أجرت تحقيقات مهمة عن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا والسعودية واليمن وسواها، وقامت بالعديد من الزيارات الى دول المنطقة لمناصرة حقوق الإنسان، وأشرفت على أكثر من 20 بعثة بحثية وحررت وراجعت التقارير الصادرة نتيجة لهذه البعثات والتي نشر بعضها في امهات الصحف والمجلات الاميركية الرصينة. وقبل عملها في "هيومن رايتس ووتش" نظمت عدة بعثات متعلقة بحقوق الإنسان في المنطقة، منها بعثات لبحث أثر الحرب والعقوبات على العراقيين، والانتخابات في اقليم كردستان العراق، وقضايا حقوق الإنسان في جنوب لبنان. وهي كانت من قبل محامية معروفة في نيويورك. تخرجت في جامعة بيركلي في كاليفورنيا وكلية هارفارد للقانون.
حال تولّيها مهمتها الجديدة في المنظمة العالمية المرموقة، وجدت السيدة ويتسن نفسها في بوز المدفع في مواجهة القوات الأميركية في العراق والحكومة العراقية. رصدت انتهاكات قوات بلادها لحقوق الإنسان وتواطؤها مع حكومة بغداد في هذا المجال ونددت بتلك الانتهاكات، ولم تسكت أيضاً على النزعة التسلطية المتنامية لنوري المالكي في عهد حكومته الثانية.
باسمها كتبت ويتسن في "نيويورك تايمز" الخميس الماضي مقالاً بعنوان "كيف تصب حكومة بغداد الزيت على نار الطائفية؟" قالت في أول جملة منه إن "الحكومة العراقية قد دفعت بالبلاد الى شفا حرب أهلية جديدة".
وختمت ويتسن المقال بجملة لا تقل عن السابقة واقعية وقوة، قائلة إن "المالكي يحتاج إلى قواعد جديدة للعبة تتضمن تعليمات عن القيادة والإصلاح بما من شأنه توحيد البلاد على أسس احترام حرية كل مواطن، ولا تزيد من تفتيتها".
بالتأكيد أن هذا الكلام لا يعجب السيد المالكي والمحيطين به، لكنهم مخطئون في هذا تماماً، لأنهم ينصرفون عن نظرة موضوعية محايدة للوضع في البلاد ونصيحة ثمينة مُقدمة إليهم مجاناً. يتعين عليهم في الواقع أن يشكروا السيدة ويتسن على هذه الخدمة، بل منحها الجنسية العراقية، لأن في كلامها مصلحة للعراق وشعبه.


182
شناشيل
في قرار القائد العام
عدنان حسين
لا، ليس هذا بالقرار الصحيح، في ما نظن، ولا هو بالإجراء السليم، فالمشكلة التي يسعى القائد العام للقوات المسلحة (رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي) لحلها لا يرجع سببها الرئيس الى الإهمال، وإنما هو متصل بمجمل النظام الأمني المطبق في البلاد، بل يمتد عميقاً في طبيعة النظام السياسي القائم.
السيد المالكي قرر، بعد أحدث سلسلة تفجيرات وهجمات إرهابية اجتاحت البلاد وبخاصة العاصمة أول من أمس، أن يتخذ "إجراءات عقابية رادعة" في حق أمراء القواطع التي وقعت فيها العمليات الإرهابية. ولكن قبل أن يحاسب القائد العام رجاله يتعيّن عليه أن يرجع الى نفسه ويحاسبها عمّا يمكن أن يكون قد ارتكبه هو من أخطاء في إدارته الحكومة والقوات المسلحة.
قبل محاسبة أمراء القواطع يتوجب السؤال: هل وُضع تحت تصرفهم نظام استخباراتي في مستوى الوضع الأمني المتفجر في البلاد؟ وهل زُودوا بنظام الكتروني للفحص والمراقبة يغطي شوارع العاصمة وسائر المدن وساحاتها والطرق الخارجية؟
كل شهر، وأحياناً كل أسبوع، نسمع من مسؤول أمني أو وزير أو نائب كلاماً يعدّ الاستخبارات نقطة الضعف الرئيسة في نظامنا الأمني. لماذا؟ ما الذي يمنع إنشاء نظام استخباري فعّال... المال؟ موجود بوفرة وسائب الى درجة أن أمراء الفساد المالي والإداري تتضاعف أعدادهم كالفطر.. البشر؟ هم أيضاً موجودون، والعاطلون عن العمل منهم بمئات الآلاف، بل قل بالملايين ولا تخش الوقوع في أدنى خطأ.
يعرف القائد العام، كما غيره من قادة القوات المختلفة، وكما يعرف حتى أبسط الناس، ان العالم متخم بالأجهزة والأنظمة الالكترونية الفعالة التي في مستطاعها التحديد بدقة من أين يجيء الإرهابيون وكيف يصنعون مفخخاتهم وبأي الوسائط ينقلونها من مكان الى آخر. لماذا لا نشتري هذه الأجهزة والأنظمة؟ من ذا الذي يحول دون هذا؟
ويعرف القائد العام، كما يعرف رجاله العسكريون والمدنيون ونحن جميعاً معهم، أن جهاز الكشف عن المتفجرات المعتمد في نقاط التفتيش ليس صالحاً لشيء غير الفرجة والتندر من الحكومة ورئيسها والقوات المسلحة بسبب إصرارهم الغريب على استخدامه. لماذا هذا الإصرار الذي يثير الحنق في النفوس؟
وقبل محاسبتهم أما ينبغي التدقيق في هويات هؤلاء الأمراء وسائر القادة الأمنيين.. كيف أصبحوا في هذه المواقع؟ من اختارهم؟ هل جرى التوثق من مهنيتهم ونزاهتهم ووطنيتهم؟ أم اقتصر الأمر على سماع كلمات الولاء الشخصي، وحتى الطائفي، منهم؟
رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة يتعين أن يسائل نفسه أيضاً عن دوره هو وحزبه وائتلافه في الأزمة السياسية الشاملة، المديدة والمتفاقمة، وفي الفشل في تلبية أبسط حاجات الناس ومتطلباتهم، وفي النظام السياسي الفاسد والفاشل باعتراف رئيس مجلس الوزراء وزملائه من أعضاء الطبقة السياسية المتنفذة.. أليست ها هنا البيئة الأنسب لازدهار الإرهاب؟
القائد العام للقوات المسلحة.. الإجراءات العقابية الرادعة في حق أمراء القواطع، بمعزل عن نظام استخباري كفء وعن أجهزة وأنظمة الكترونية للمراقبة متطورة وعن العودة الى الرشد سياسياً، قد تنتهي بك ذات يوم الى انك لن تجد من تحاسبه وتعاقبه وتردعه من أمراء القواطع والوحدات!


183
شناشيل
الادعاء العام .. صح النوم!
عدنان حسين
بخلاف من أزعجته أو أغضبته الحركة التي أتى بها الادعاء العام في دولتنا، أرى من اللازم أن نصفق لهذه المؤسسة ونأخذ تعظيم سلام لها، فوجود ادعاء عام أو نيابة عامة في بلد يعني ان هذا البلد في خير وان أهل هذا البلد في الحفظ والصين! (أقصد الصون).
شخصياً لأول مرة أعرف ان لدينا ادعاءً عاماً .. كنت أظن ان هذه المؤسسة راحت بين الرجلين مثل عدد غير قليل من مؤسسات النظام السابق. لكن ها هي هذه المؤسسة موجودة وقائمة، فلنحمد الله على انها صحت أخيراً من غفوتها الطويلة، وانها تعود الينا بكامل قيافتها وهندامها .. والعود أحمد!
وعليه فانني بهذه المناسبة السعيدة أزجي التهاني والتبريكات لنفسي ولكل عراقي شاعر، مثلي، بالغيظ والحنق على الدولة، بحكومتها وبرلمانها وسلطتها القضائية، لأنها لا تقوم بواجباتها على ما يرام، فالآن يلوح لنا شعاع ضوء في نهاية النفق.
ولكن.
ادعاؤنا العام اختار أن يعلن عن نفسه بتقديم دعوى الى مجلس النواب يحثّه فيها على النظر في أمر غياب رئيس الجمهورية جلال طالباني والبحث في بديل عنه. وهي دعوى رفضتها اللجنة القانونية في مجلس النواب الذي له وحده بموجب الدستور سلطة تعيين رئيس الجمهورية وعزله وتعيين بديل عنه في ظروف معينة حددها الدستور.
بعيداً عن موقف اللجنة القانونية، لنفترض ان للادعاء العام علاقة ما من قريب أو بعيد بأمر رئيس الجمهورية، ولنسأل الادعاء العام الذي عليه واجب تأمين الحق العام والحق الخاص بالمطالبة بهما، هل غابت تماماً كل قضية  تتعلق بالحقوق العامة والخاصة، ولم يجد الادعاء العام ما يفعله سوى الطلب من البرلمان ايجاد بديل عن الرئيس طالباني؟
من المفترض ان لكل مؤسسة أولويات، ومن المفترض أن تكون لإدعائنا العام هو الآخر أولوياته، وبخاصة المتصلة بالحقوق العامة والخاصة .. وعليه فمن المفترض ان يضع الادعاء العام في سلم اولوياته الان قضية جهاز الكشف عن المتفجرات المزيف، وأن يتابعها ويلاحق المتورطين فيها مثلما فعل الادعاء العام البريطاني الذي لاحق التاجر البريطاني الغشاش واحاله الى القضاء الذي وجده مذنباً وحكم عليه بالسجن عشر سنوات، مع الفارق ان قضية التاجر الغشاش بالنسبة للادعاء العام البريطاني هي قضية نصب واحتيال واساءة الى سمعة بريطانيا، اما بالنسبة لادعائنا العام فالقضية لها جوانب خطيرة للغاية، أقلها الفساد المالي والاداري ونهب المال العام وأشدها التسبب في قتل وجرح آلاف العراقيين واتلاف ممتلكاتهم.
هل يرغب السادة  رئيس واعضاء الادعاء العام في أمثلة أخرى لما يفترض ان يكون في سلم اولوياتهم؟ .. اليكم قضية مجزرة الحويجة .. واليكم قضية صفقة الاسلحة الروسية التي لم تتم بسبب الكشف المبكر عن فسادها .. واليكم كذلك قضايا الوزراء والنواب وسائر كبار المسؤولين في الدولة المتهمين رسمياً من هيئة النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية بالفساد المالي والاداري .. أليست هذه قضايا مهمة ومن المفترض ان تكون في صلب اهتمامات ادعائنا العام؟ لماذا ادعاؤنا العام لم يزل في غفوة عميقة حيالها؟
 



184
المنبر الحر / دم .. ودم
« في: 20:34 14/05/2013  »

شناشيل
دم .. ودم
عدنان حسين

الحركة التي قام بها النواب الممثلون لجبهة الحوار الوطني (صالح المطلك) ولعرب كركوك أمس لا أظنها كانت تعبيراً عن حميّة وطنية أو غيرة انسانية. وما فعله هؤلاء انهم انسحبوا من جلسة مجلس النواب احتجاجاً، كما قيل، على عدم موافقة رئاسة البرلمان على إدراج طلب في جدول أعمال الجلسات بإعتبار حادثة الحويجة إبادة جماعية.
ما جرى في الحويجة، حتى لو كان كل ضحاياه من البعثيين وعناصر القاعدة، هو جريمة نكراء وُرطت فيها قوة من الجيش الذي ما كان له أن يقبل بالقيام بمهمة قذرة كهذه أو غيرها. ومع هذا فانها ليست مما يُمكن تصنيفه في قائمة جرائم الإبادة الجماعية، (ليت القانون الدولي يقضي باعتبار كل جريمة يُقتل فيها عشرة اشخاص فما فوق جريمة ابادة جماعية)، ولا أظن ان صالح المطلك وجماعته وبعض النواب العرب عن كركوك جادون كل الجدّ في المسعى لاعتبار ما حدث في الحويجة جريمة إبادة جماعية .. الأرجح انهم يمارسون نوعاً من الانتهازية السياسية لا علاقة له بحمية وطنية أو غيرة انسانية.
لو كان صالح المطلك وجماعته والنواب العرب الكركوكيون بهذه الغيرة الانسانية لكانوا عملوا على اعتبار الانفال جريمة إبادة جماعية، وهي كذلك بالفعل. ولو كانوا بهذه الحميّة الوطنية لسعوا الى ادانة قمع الانتفاضة الشعبية في 1991  واعتبار ما جرى في المقابر الجماعية بوصفه جريمة ابادة جماعية، وهو كذلك تماماً.
دعونا من الأنفال، فضحاياها كرد ، وصالح المطلك وجماعته والنواب العرب الكركوكيون يهرشون جلودهم كلما سمعوا باسم الكرد .. ودعونا أيضاً من انتفاضة آذار- نيسان 1991 لأن ضحاياها ممن يُوصفون بالمعارضين لنظام صدام والمتمردين عليه، وما أدراكم ما نظام صدام بالنسبة لصالح المطلك وجماعته والنواب العرب الكركوكيين. هذا اذا لم نقل أيضاً ان معظم ضحايا الانتفاضة هم من الشيعة، وصالح المطلك وجماعته والنواب العرب الكركوكيون لديهم حساسية تجاه الشيعة تشبه حساسية أمثالهم من الطائفيين في المناطق الغربية، وتشبه أيضاً حساسية الطائفيين الشيعة تجاه السنة.
دعونا من الأنفال والانتفاضة، ولننظر في موقف صالح المطلك وجماعته والنواب الكركوكيين العرب من هذا النمط من الابادة الجماعية الجاري منذ خمس سنوات وأكثر والذي راح ضحية له آلاف العراقيين من مختلف القوميات والاديان والمذاهب والمناطق .. انها الابادة الحاصلة باستخدام الجهاز المزيف للكشف عن المتفجرات.
لم نسمع ان جماعة صالح المطلك والنواب العرب الكركوكيين قد حرنوا داخل البرلمان أو انسحبوا من جلساته احتجاجاً على عدم اهتمام الحكومة والبرلمان بهذه القضية الخطيرة للغاية، خاصة وان هذا الجهاز لم يزل عاملاً في شوارع مدننا، أي انه ما برح يتسبب في موت اعداد من العراقيين يضافون الى من ماتوا سابقاً وهم أكثر بالف ضعف من ضحايا جريمة الحويجة.
اذا كان دم ضحايا الحويجة أغلى من دم ضحايا الأنفال وانتفاضة 1991 عند صالح المطلك وجماعته والنواب الكركوكيين العرب، فهل الأمر كذلك مع دم ضحايا الجهاز المزيف المتورط فيه بعض من الكبار في دولتنا، وهم(الضحايا) من مختلف قوميات العراق ودياناته ومذاهبه؟


185

شناشيل
انهم ملّوا .. الخداع
عدنان حسين
شكراً للحكومة والف شكر، لأنها توفّر علينا الوقت والجهد لأن نقول ونثبت انها حكومة لا تصلح لأن تدير جزيرة بمجموعة من الصرائف في هور الحمار أو هور الحويزة، فها هي تقدّم نفسها على طبق من ذهب الى من يرغب بالسخرية منها.
منذ أيام كنت أراجع دائرة حكومية. عند الباب الرئيس الذي أوشكتُ على بلوغه  حدث المشهد التالي: أحد موظفي الدائرة يهمّ بالدخول في سيارته ليركنها في الكراج الخاص بالدائرة. فجأة يتحرك أحد الحراس المدنيين (أو هو عامل) نحو السيارة .. يمدّ يده اليمنى التي شكّلها في هيئة جهاز كشف المتفجرات المزيف. انه الجهاز الذي كلفنا مئات ملايين الدولارات وآلاف الارواح البريئة، ولم ينتفع به سوى تاجر بريطاني غشاش حُكم عليه في بلاده بالسجن عشر سنوات بتهمة الغش والاحتيال والتسبب في موت اشخاص. ومع ذلك التاجر انتفعت بملايين من الدولارات مجموعة لم يُعرف عددها بعد من مسؤولي حكومتنا ودولتنا، لا ذمة ولا ضمير لهم وللمتسترين عليهم ، لم يزالوا طلقاء عدا واحد منهم.
الحارس المدني أو العامل مشى الى جانب سيارة الموظف وهي تدخل، تماماً مثلما يمشي الجنود ورجال الشرطة حاملو هذا الجهاز المزيف بجوار السيارات المارة بهم في نقاط التفتيش.
عدا عن الموظف صاحب السيارة والحارس أو العامل الظريف كان هناك عدد آخر من زملائهما الذين انخرطوا في نوبة ضحك، بينما الحارس صاحب اليد المتشكلة في هيئة الجهاز المغشوش يعلن للموظف السائق ان جهازه (يده) أكثر قدرة على كشف المتفجرات من جهاز الحكومة! ... وزاد بالقول :" بس هذا ما يسوي زحمة مرور ولا تأخير عن الدوام"!
الكل كان مستمتعاً بالمشهد الظريف .. مشهد السخرية من الحكومة والاستهزاء باصرارها على ترك الجهاز المغشوش يعمل في الشارع برغم ما عرفه القاصي والداني في قارات العالم الست من ان جهاز حكومتنا لا نفع فيه ولا وظيفة له الا محاولة خداع الناس .. خداعهم بالقول ان الحكومة تعمل وانها ساهرة على أمنهم وسلامتهم.
أمس صباحاً في نقطة تفتيش أشار أحد الجنود من حملة الجهاز المغشوش على سائق سيارتي أن يتجه الى ركن التفتيش اليدوي. زميل له هناك سألنا من نكون ، قلنا : صحفيون من "المدى". انفرجت أساريره ورحب بنا على نحو جميل ، وقال: "الله وياكم .. بالسلامة .. عمي ترا ملّينا".
انهم ملّوا عرض هذه المسرحية  الحكومية المخادعة ...  بالتأكيد هو كان يقصد هذا المعنى بالتحديد.


186

شناشيل
أبعد من شفيق المهدي
عدنان حسين
شفيق المهدي لا يصلح لإدارة مؤسسة السينما والمسرح .. قد يكون. وشفيق المهدي ليس الأفضل أو الأنسب بين أهل السينما والمسرح لادارة هذه المؤسسة .. قد يكون . شفيق المهدي تحوم حوله شبهات بالفساد المالي والاداري.. قد يكون أيضاً. لكن هذا شيء واطاحته بهذه الطريقة وعلى خلفية ما عرف بالعرض الالماني شيء آخر.
اذا كان شفيق المهدي لا يصلح لادارة مؤسسة السينما والمسرح أو هو ليس الأفضل أو الأنسب لهذه المهمة أو انه مشتبه به في فساد مالي واداري فان هذا من مسؤولية وزارة الثقافة التي وضعته في هذا المنصب، وهي ووزيرها من يتعين أن يتحمل تبعات هذه المسؤولية، فشفيق المهدي لم يحتل غرفته في مؤسسة السينما والمسرح ولم يستحوذ على كرسيه فيها بقوة السلاح وانما بقرار يحمل توقيع وزير الثقافة.
الكلام بشأن عدم صلاحية شفيق المهدي وما الى ذلك كان يدور بالهمس وبالصوت العالي أيضاً في الأروقة الثقاقية بما فيها أروقة الوزارة على مدار الساعة تقريباً، وكان من الواضح ان الوزارة لم تكن تريد أن تسمع ما يقال في هذا الشأن حتى جاء عرض المسرحية الالمانية ضمن مهرجان منتدى المسرح العالمي ليكون هذا العرض، وليس ما كان يدور في الاروقة، سبباً للبطش بالمهدي وزملاء له.
ملاحظات معظم المسرحيين وعموم المثقفين الذين شاهدوا العرض الالماني لم تتركز على ما قيل انه مشهد عري لاحدى الممثلات، وانما على المستوى الضعيف لهذه المسرحية وسواها من عروض المهرجان .. كل العروض تقريباً استفزت المثقفين بمستواها المتدني الذي لا يليق بسمعة المسرح العراقي. اما مشهد "العري" فلم يكن كذلك فالممثلة اليابانية الأصل المتقدمة في السن كانت ترتدي الملابس المألوف ارتدائها من قبل راقصات الباليه، وكثيراً ما عرضت تلفزيوناتنا مشاهد من عروض باليه ترتدي الراقصات فيها مثل الملابس التي ارتدتها ممثلة العرض المسرحي الالماني.
هي حجةً فحسب أن يُقال ان المشهد كان مشهد تعرٍ. فقط المرضى في عقولهم ونفوسهم وأرواحهم وأخلاقهم وأذواقهم رأوا فيه كذلك، وهم يشبهون في هذا المرضى في عقولهم ونفوسهم وأرواحهم وأخلاقهم وأذواقهم الذين تثير غرائزهم الحيوانية المانيكانات البلاستيك المعروضة في محال بيع الملابس النسائية.
القرار يتجاوز شفيق المهدي وادارته "غير الكفأة" لمؤسسة السينما والمسرح، فوراءه على الأرجح اتجاه لتحويل هذه المؤسسة الى جامع لضرب الدرباشة أو حسينية للطم والتطبير. المعادون للحياة والفن والثقافة يدفعون منذ زمن في هذا الاتجاه .. وضعوا شرطة آداب لمكافحة الفن الحقيقي والثقافة الحقيقية في مهرجانات الفن والثقافة ومواسمهما.
مؤسف أن يلزم بعض السينمائيين والمسرحيين الصمت حيال هذا التعدي السافر على مؤسستهم العريقة، الصرح الفني والثقافي المميز. ومؤسف أن يصمت مثقفون آخرون على ما يجري .. النار ستصل الى أرجلنا جميعاً، ففي يوم غير بعيد سننعي الثقافة في بلاد الثقافة.
جوامعنا وحسينياتنا وطرقنا كلها تحولت الى ميادين لضرب الدرباشة واللطم والتطبير .. لا نحتاج الى جديد منها .. تلزمنا فقط مساحات للثقافة .. الحرة.


187
المنبر الحر / عدم كفاية الأدلة!؟
« في: 18:35 11/05/2013  »

شناشيل
عدم كفاية الأدلة!؟
عدنان حسين
إذن فما قيل، على مدى أشهر عديدة متتابعة، من كلام في المؤتمرات الصحفية وعبر قنوات الاذاعة والتلفزيون، وما طُيّرته وكالات الانباء من أخبار وتصريحات وتقارير، وما اتخذ من اجراءات في بلادنا وفي روسيا، ومنها إقصاء مسؤولين كبار من مناصبهم .. هذا كله لم يكن سوى جعجعة بلا طحن.
قضية الاسلحة الروسية هي ما أعني، فقد قررت محكمة تحقيق النزاهة اغلاق ملف القضية "لعدم كفاية الأدلة". غريب! كيف إذن أقال الرئيس الروسي وزير دفاعه على خلفية هذه القضية؟ بالتأكيد هو فعل ذلك لأن أدلة توفرت لديه بان الوزير أو مساعدين له متورطين في القضية.
وللأمانة نقول ان الفساد في هذه القضية لم يصبح عملاً ناجزاً فالصفقة لم تُبرم، أو بالأحرى لم تلحق أن تُبرم، فانكشاف أمر الاتفاقات بين مسؤولين عراقيين وروس على تقاسم الـ "كوميشينات"، وهي بحدود 200 مليون دولار كما أعلن وقتها، هو الذي أبطل الصفقة. رئيس حكومتنا السيد نوري المالكي أعلن بعظمة لسانه ان وجود شبهات فساد هو ما دفعه لابطال الصفقة، والنائب عن دولة القانون المقرب من المالكي والناطق باسمه أكثر من الناطقين الرسميين، عزت الشاهبندر، صرّح غير مرة بان المالكي كانت لديه معلومات بشأن الفساد في الصفقة قبل أن يتوجه الى موسكو، وانه تأكد هناك من ذلك فأمر بالغاء الصفقة.
علاوة على ذلك فان الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ  أقر بوجود فساد في الصفقة لكنه برأ نفسه منه، ومع هذا فانه استقال، طوعاً او إرغاماً من منصبه. طيب لماذا استقال أو اقيل؟ وهل نتوقع الآن عودته سالماً غانماً الى منصبه بعد زوال الاسباب التي حملته على مغادرته؟.. واستطراداً، هل نتوقع أن يعتذر الرئيس الروسي الى وزير دفاعه السابق ويُعيده الى منصبه معززاً مكرماً وتعويضه برتبة أعلى؟
عدم كفاية الأدلة!.. أين توجد الأدلة؟ مَنْ يُمكنه أن يجعل الأدلة كافية لإدانة المتورطين؟ ليس أنا وليس من يقرأ هذه السطور ولا العامل في أمانة بغداد ولا الموظف في معبر طريبيل هم من يُمكن أن يتوافروا على الأدلة .. الأدلة لا توجد الا لدى رئيس الوزراء ووزير الدفاع وبعض موظفي ديوانيهما وأعضاء اللجان التي تفاوضت مع الروس على الصفقة المقدرة قيمتها باربعة مليارات دولار. هل نتوقع من هؤلاء أن يقدموا الادلة التي تثبت تورط أي منهم في القضية؟
ثم اذا كان عدم كفاية الأدلة سببا كافياً لاغلاق ملف صفقة الاسلحة الروسية، لماذا لا يُغلق ملف اتهام محافظ البنك المركزي المقال الدكتور سنان الشبيبي وتُبطل الاجراءات التي اتخذت في حقه وحق زميلات وزملاء له لم يثبت أي دليل على الاتهامات التي وُجهت اليهم؟
ثمة سؤال منطقي آخر يثور في هذا الاطار: هل أغلق ملف الاسلحة الروسية لأنه يتعلق بأناس مقربين من رئيس الوزراء ومن مساعديه بينما لا يُغلق ملف سنان الشبيبي وزملائه وزميلاته لأنه يتعلق باناس غير مقربين من رئيس الوزراء ومن مساعديه؟ من يجيبنا على هذا السؤال وما سبقه؟


188

شناشيل
أصوات انتخابية تطير .. كالفيلة!
عدنان حسين
تحالف العدالة والديمقراطية العراقي (ديمقراطي – ليبرالي – شيوعي) الذي خاض انتخابات مجالس المحافظات في العاصمة بغداد وخرج بمقعد واحد، قدّم أمس شكوى الى المفوضية العليا للانتخابات لأن لوائح النتائج خلت من أي صوت لعشرة من مرشحيه!
معقول؟ .. نعم معقول، وقد بعث لي أحد القياديين في التحالف أمس ما يبرهن على ذلك. واذا ثبتت النتيجة فانها ستكون نكتة سمجة للغاية تزعزع تماماً الثقة بالمفوضية المثلومة الثقة بها في الأساس.
يمكن فهم الا تصوّت زوجة غاضبة لزوجها وأخ زعلان لأخيه وابن متمرد لأبيه لسبب من الاسباب، ولكن من غير المعقول ان يكون المرشح ضد نفسه فلم يمنحها صوته.
المفوضية أبلغت تحالف العدالة والديمقراطية بان الأمر قد يكون راجعاً الى خلل فني ووعدت بمراجعته بحسب صديقي القيادي. لنقتنع بان الأمر كذلك، لكن من يضمن ان الخلل انحصر في تجريد هؤلاء العشرة حتى من أصواتهم الشخصية فضلاً عن أصوات أفراد عائلاتهم واصدقائهم وزملائهم المقربين؟ أليس من المحتمل ان يكون الخلل الفني قد "بلع" أصواتاً من المرشحين الآخرين؟ .. لهذا أنصح مرشحي العدالة والديمقراطية وسواهم الا يحصروا شكواهم في قضية المرشحين المتبخرة أصواتهم، وانما عليهم استناداً الى هذي الحال الطعن في صحة النتائج برمتها.
بحسن نية نفترض ان المذنب في قضية المرشحين العشرة الفارة أصواتهم من لوائح النتائج هو الخلل الفني وليس فاعل شر، لكن لماذا وكيف حصل هذا الخلل؟ أهو خلل في الأجهزة المستخدمة (الكومبيوترات) أم في البشر القائمين على عمليات المعالجة بواسطة هذه الاجهزة؟ كيف يحصل هذا في دولة ميزانيتها السنوية تزيد عن 100 مليار دولار، ما يعني ان في مستطاعها أن تشتري أفضل الكومبيوترات وأحسن نُظم المعلوماتية وتوفر أفضل فرص التدريب لموظفي مفوضية الانتخابات وسواها؟ وكيف لم تدرك المفوضية بجيشها العرمرم ظهور نتائج خالية من أي رقم لتؤجل اعلان النتائج حتى تتثبت من معالجة الخلل الفني ونتائجه؟
 لقد تناهت الى اسماعنا في يوم الانتخابات وبعده حكايات عن عمليات تزوير ومحاولات تزوير وتلاعب في النتائج واخراج صناديق اقتراع من بعض المراكز الانتخابية .. اعتبرنا ان فيها الكثير من المبالغات، لكن ظهور نتائج بعض المرشحين من دون أي صوت يعزز المخاوف من ان الأمر يتجاوز المبالغات والظنون والتهيئات.
نحن في وضع سياسي واجتماعي حساس للغاية، وُيفترض أن القائمين على المفوضية يدركون هذا جيداً ليحرصوا على حصر هامش الخطأ والسهو في عمل مفوضيتهم عند أدنى المستويات وأضيق الحدود، فالمفوضية مؤتمنة على حياة شعب بثلاثين مليون نسمة وموكل بها مصير وطن بحجم العراق وأهميته وتعقيد لوحته السياسية والاجتماعية القابلة للاحتراق في أي لحظة، بعد أي خطأ.
 
 

189
شناشيل
جهاز المتفجرات الفاسد .. أسئلة بلا حدود
عدنان حسين
جيد جداً أن يعلن رئيس الوزراء أن حكومته اتخذت الاجراءات اللازمة بشأن ملف جهاز كشف المتفجرات المزيف الذي باعه لنا تاجر بريطاني غشاش بمساعدة مسؤولين في دولتنا، قد يكون بينهم كبار، لا شرف لهم ولا ضمير، قبضوا ملايين الدولارات من تحت الطاولة وتركوا مواطنيهم يموتون بالمجان وهم لا يعلمون ان الثقة التي وضعوها في الحكومة لم تكن في محلها.
لكن ثمة "عجيب أمور، غريب قضية" في ما جاء في بيان مكتب رئيس الوزراء الصادر أول من أمس. البيان أفاد بان "الحكومة اتخذت الاجراءات ضد المتورطين بملف أجهزة كشف المتفجرات منذ أكثر من عامين"،  وانه "صدرت أحكام قضائية ضد بعض المتهمين في هذه القضية منذ عامين وأكثر".
نعم، عجيب أمور غريب قضية! فما هي الاجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ سنتين وأكثر؟ لماذا لم يُكشف لنا عنها كل هذه المدة؟ ومن هم المتورطون في هذه القضية الخطيرة التي كلّفت آلاف العراقيين حياتهم وممتلكاتهم؟ هل هم خمسة عشر أو أكثر من المسؤولين في الدولة والتجار كما ظهر في وقائع المحاكمة البريطانية للتاجر الغشاش؟ .. نحن لا نعرف الا اسماً واحداً في هذه القضية هو مدير جهاز مكافحة المتفجرات السابق اللواء جهاد الجابري، فمن هم الآخرون الذين صدرت أحكام قضائية في حقهم؟ لماذا لم تُعلن أسماؤهم من قبل؟ ولماذا ولمصلحة مَنْ كل هذا التعتيم على هذا الملف والمتورطين به؟
والأهم من هذا كله لماذا لم تزل أجهزة الأمن تستعمل هذا الجهاز الكاذب في شوارعنا؟
عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب عثمان الجحيشي أعلن في تصريح صحفي ان لجنته "عندما فتحت ملف أجهزة المتفجرات واستضفنا مفتش وزارة الداخلية أقرّ بفشل الأجهزة (الفاسدة) وعندما طرحنا عليه سؤالاً لماذا لم يتم سحبها من الشارع خاصة بعد أن كلفت دماء الشعب والجيش، قال: نحن لا نسحب هذا الجهاز من الشارع حتى لا يُقال عنا اننا نستورد أجهزة فاشلة .. وكان العذر أقبح من الفعل".
هل هذا صحيح؟ اذا كان صحيحاً فمن ذا الذي اتخذ القرار بابقاء الجهاز في الخدمة لخداع الناس؟ وكم خدعة من هذا الطراز مرر علينا هذا الرجل وسواه من صانعي القرارات في دولتنا؟
بيان رئيس الوزراء أعلن أيضاً "سنستمر في متابعة هذا الملف طبقاً لتطوراته في داخل العراق وخارجه"، وفي هذا الصدد مهم أيضاً أن نعرف هل فكرت الحكومة ورئيسها بطلب تعويضات لعائلات الضحايا من التاجر الغشاش وشركائه المسؤولين في دولتنا؟


 

190
شناشيل
النتيجة الأهم في الانتخابات
عدنان حسين

كل الذين فازوا في انتخابات مجالس المحافظات خاسرون في الواقع. وأتوقع ان  الذين خاضوا هذه الانتخابات رغبة في خدمة ناخبيهم، وهم قلة ضئيلة، يدركون أن فرحهم بفوزهم هو أقرب ما يكون الى مواساة النفس. أما الآخرون (الاغلبية) فان أنفسهم الطمّاعة فرحة بالامتيازات المترتبة على مناصبهم الجديدة والصفقات المنتظر تقاضي العمولات عنها.
في ظني ان النتيجة الأكثر أهمية في هذه الانتخابات هي تلك التي كنا قد عرفناها بعد ساعات من اغلاق صناديق الانتخاب، حيث تبيّن ان 46 في المئة فقط من الناخبين شاركوا في الاقتراع. وبطرح الأصوات المشطوبة أو غير الصالحة يتبدى ان الفائزين في هذه الانتخابات بأجمعهم لا يمثلون سوى أقل من 45 في المئة من مجموع الناخبين، اما البقية، وهم الاغلبية، فلم يشاءوا أن يمنحوا ثقتهم الى المرشحين جميعاً.
حتى التيار الديمقراطي – الليبرالي – الشيوعي الذي حقق نتيجة طيبة بالمقارنة مع انتخابات مجالس المحافظات السابقة وآخر انتخابات تشريعية، فانه خاسر لأن هذه النتيجة هي أقل مما كان متوقعاً، أو مطلوباً منه، تحقيقها في ظرف موات له تكشّف فيه للشعب العراقي ان القوى الاسلامية التي صوّت لها في الماضي باندفاع قد فشلت فشلاً ذريعاً في ادارة الدولة ونجحت في المقابل نجاحاً منقطع النظير في الفساد المالي والاداري  وتبديد المال العام وتفجير وادامة الصراعات على المال والسلطة والنفوذ في ما بينها ومع الآخرين.
التيار الديمقراطي – الليبرالي – الشيوعي كان في وسعه أن يحقق نتيجة أفضل بكثير، وخصوصاً في العاصمة التي سجلت أكبر نسبة استنكاف عن الاقتراع، لو نشط جماهيرياً. هو الوحيد الذي كان في مستطاعه أن يتصل بالجمهور، فالآخرون خوّافون ولم يجرأوا على تنظيم ندوات واجتماعات عامة مع ناخبيهم الذين انتخبوا صورهم في الواقع، فما من أحد منهم وقف أمام الناخبين عارضاً برنامجه ومقدماً تعهداته. فقط التيار الديمقراطي – الليبرالي – الشيوعي كان يستطيع، ولم يفعل. لعله يفعل في المستقبل متشجعاً بنتيجته الطيبة في الانتخابات الأخيرة.
تدني نسبة التصويت عنى ان أغلبية الشعب العراقي قد سحبت ثقتها بالحكومة والبرلمان اللذين لم يؤمنا الاحتياجات الاساسية للناس بالرغم من توافرهما على الموارد المالية الهائلة التي تبددت عبثاً على نحو مذهل. كما عكس تدني نسبة الاقبال على الانتخابات الشعور العميق لدى الشعب العراقي بالخذلان والاحباط تجاه الطبقة السياسية الحاكمة بمختلف كياناتها وتحالفاتها. هذا الشعور سيتفاقم بالتأكيد اذا ما وجد الذين ذهبوا الى مراكز الاقتراع وادلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة انهم انما أعادوا انتاج الطبقة السياسية الفاشلة الفاسدة عينها.


191
المنبر الحر / نريد أن نعرف
« في: 16:40 05/05/2013  »
شناشيل
نريد أن نعرف
عدنان حسين
غلّظت محكمة التاج البريطانية عقوبة التاجر الغشاش جيم مكورمك وقضت بسجنه عشر سنوات بدلاً من ثمانية كما كان متوقعاً. وبرر القاضي ريتشارد هون حكمه بالقول إن «الخدعة» التي مارسها  مكورمك سعياً وراء المال "تسببت بقتل وإصابة أبرياء".
هؤلاء الأبرياء هم  في معظمهم مواطنون عراقيون  ماتوا في المئات من التفجيرات والهجمات الارهابية التي حدثت في بغداد وسائر مدن البلاد على مدى السنوات الخمس الماضية. وتلك التفجيرات والهجمات مرت الاسلحة والذخائر المستخدمة فيها بنقاط التفتيش ولم يكشف عنها جهاز (ADE-651 ) الذي يستخدمه الجنود والشرطة في نقاط التفتيش. فكما ثبت للمحكمة فان هذا الجهاز ليس سوى خدعة كبيرة مارسها هذا التاجر بالتعاون الوثيق مع 15 مسؤولاً في الدولة العراقية أظهرت وقائع المحاكمة ان التاجر الغشاش وضع لهم ملايين الدولارات في حساباتهم خارج العراق، هي حصتهم من عائدات تلك الصفقة الفاسدة التي حقق فيها مكورمك لنفسه ارباحاً زادت عن 70 مليون دولار.
الآن نريد أن نعرف: هل تابعت حكومتنا محاكمة مكورمك أمام القضاء البريطاني؟ وهل طلبت من سفارتنا في لندن الحصول على تفاصيل القضية التي استغرقت التحقيقات فيها أكثر من ثلاث سنوات؟
اذا كان الجواب لا، نريد أن نعرف لماذا؟ واذا كان الجواب نعم، نريد أن نعرف ما الذي تنوي دولتنا، حكومة وبرلماناً وسلطة قضائية، فعله.
القاضي البريطاني وبّخ التاجر الغشاش قبل النطق بالحكم ولامه على التسبب في قتل افراد أبرياء. والآن نريد أن نعرف ما اذا كانت حكومتنا، ودولتنا برمتها، قد تأثرت بموت الآلاف من مواطنيها بسبب تلك الصفة الجهنمية التي كان طرفها الأول بالنسبة لنا مسؤولون تولوا مناصب رفيعة في دولتنا.
وبعد أن اثبتت محكمة بريطانية عريقة ان جهاز (ADE-651 ) لا يكشف عن الاسلحة والمتفجرات، نريد أن نعرف لماذا تصر الحكومة على استخدامه حتى اليوم؟ هل هي تمارس الخديعة معنا فتوهمنا بانها ساهرة على أمننا وسلامتنا بينما تضع في أيدي شرطتها وجنودها جهازاً لا يصلح لدينا الا لعبة للاطفال، ففي بريطانيا يستخدم هذا الجهاز في البحث عن كرات لعبة الغولف ونحن لا نملك حتى ملعباً واحداً للغولف في كل انحاء البلاد.
نريد أن نعرف من الحكومة لماذا تُصرّ على ابقاء هذا الجهاز في الخدمة فيما الشيء الوحيد المترتب عليه هو احداث اختناقات مرورية لا تطاق في الشوارع، فضلاً عن المرور اليسير والآمن للمتفجرات والاسلحة المستخدمة في التفجيرات والهجمات الارهابية.
نريد أن نعرف، ومن حقنا أن نعرف من وزير الداخلية ووزير الدفاع ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، بوصفهم الاشخاص المتعهدين أمننا وسلامتنا، كل تفاصيل هذه القضية والصفقة الفاسدة القائمة في وسطها والمسؤولين الخمسة عشر المتورطين فيها شركاء التاجر البريطاني الغشاش.

نريد أن نعرف من البرلمان ومن السلطة القضائية أيضاً ما الذي ينويان فعله، هل سيقرران فتح تحقيق عاجل في القضية برمتها لوقف هذه المهزلة، بل المأساة ... مأساة شعب بثلاثين مليون نسمة ائتمن هذه الحكومة وهذا البرلمان وهذه السلطة القضائية على حياته ومصيره، فلم يكونوا جميعاً على قدر الثقة؟
نريد أن نعرف. من حقنا أن نعرف. ومن واجب مسؤولي دولتنا، وبخاصة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية ووزيري الداخلية والدفاع، أن يقدموا لنا كل ما يجعلنا نعرف.


192
شناشيل
خسارة "العالم"
عدنان حسين

على طاولة مكتبي أجد كل صباح اثنتي عشرة صحيفة محلية يومية يوفّرها لي مكتب التوزيع في مؤسسة المدى. ومن يوم الخميس الفائت تراجع العدد الى احدى عشرة، فقد توقفت عن الصدور صحيفة "العالم" التي من أجلها أكتب عمود اليوم.
بالنسبة لي لم تكن "العالم" كسائر شقيقاتها .. كانت تاجهن في الواقع في رأيي المتواضع، فهي الصحيفة الاولى التي أحرص على أن أستلها من بين دزينة الصحف الموضوعة على مكتبي . صحيفتي، "المدى"، تأتيني صفحاتها في صيغة "بروف" بحجم A3 في اليوم السابق ليوم الصدور، وفي آخر المساء غالباً ما أتصفح معظم صفحاتها عبر الموقع الالكتروني، وفي الصباح التالي أكتفي عادة بتقليب صفحاتها على عجل للاطمئنان على عدم وقوع أخطاء في العناوين والصور اثناء الطباعة. أما "العالم" فيستغرق تصفحي لها وقراءة  عناوينها وبعض أخبارها وتقاريرها ومقالاتها وقتاً طويلاً نسبياً.
لماذا؟ لأن هذه الصحيفة منحتني خلال السنتين الماضيتين الشعور بانها المنافس الرئيس ل"المدى" .. هي تنافسها في مهنيتها .. في تحريرها الجيد، حتى انني في أحيان غير قليلة كنت "أعيّر" محرري "المدى" بما تحققه " العالم" من سبق في قصصها ومن جودة في التحرير.
"الآن العالم" أصبحت في خبر كان .. والآن فانني أشعر بالخسارة مرتين، مرة لأن صحيفة جيدة قد طويت صفحتها وهي بعد يانعة، بينما يتزايد عدد الصحف الرديئة التي تعرف في ميدان عملنا بالصحف الصفراء، ومرة أخرى لأن منافساً نبيلاً  ل"المدى" لم يعد له وجود في الساحة، يحضّ ويحرض على مباراته.
الصحافة الجيدة من مستلزمات التحضر والتمدن والتطور، بخلاف الصحافة الرديئة التي تساهم في تكريس القيم المتخلفة وتشيع الافكار الرديئة.
صحافتنا تعاني من جوانب ضعف كثيرة وتواجه عقبات وصعوبات جمة على الصعيد المهني وعلى صعيد حرية التعبير، وكنا ولم نزل نتطلع الى صحافة مهنية رصينة تنهض بمهمة توعية مجتمعنا المتخلف عن طريق النشر الحر للمعلومات المتاح الوصول الحر اليها.
"العالم" التي يقف وراء قصة نجاحها وتميزها مجموعة من الصحفيين الشباب الاذكياء والطموحين اجتمعوا حول مستثمر مغامر، وربما مقامر باختياره ان يستثمر أمواله في مجال خاسر هو الصحافة .. هذه الصحيفة توقفها عن الصدور خسارة غير هينة ليس فقط في المجال المهني وانما على الصعيد الوطني أيضاً. . عسانا نُعوّض بغيرها في مستواها أو أفضل.


193
شناشيل
أين المساءلة؟ أين العدالة؟
عدنان حسين
الأزمة السياسية والاجتماعية الراهنة المفتوحة على أخطر وأسوأ الاحتمالات، وهو الحرب الأهلية الطائفية واسعة النطاق ومن ثم التقسيم، يستند ركن من أركانها الأساس الى قضية المساءلة والعدالة (اجتثاب البعث سابقاً)، ومن الطبيعي أن يستند ركن أساس من أركان حل الأزمة الى معالجة هذه القضية.
مثل كل القوانين المُشرّعة في السنين العشر الماضية، بما فيها الدستور الدائم، كتب قانون اجتثاث البعث على عجل وتحت وطأة الانتقام من البعثيين جميعاً من دون تمييز. ولم يشأ معظم أصحاب القرار في العملية السياسية أن يستمعوا الى كلام الحكماء بضرورة التفريق بين قيادات حزب البعث وعناصره القمعية في الأجهزة الأمنية وقاعدة حزب البعث التي لم تكن لها في الغالب حرية الاختيار في الانتماء الى ذلك الحزب.
عملياً لم يؤد قانون الاجتثاث الذي أعيدت تسميته لاحقاً (للتمويه على الأرجح) بالمساءلة والعدالة، الى المقاصد والغايات منه، فقد استثمره رئيس السلطة التنفيذية المتمتع بسلطة الاستثناء من القانون في الأغراض السياسية، والشخصية أيضاً، إذ استثنى من استثنى من دون معايير أو ضوابط محددة وواضحة. وعلى هذا استثنيت شخصيات بعثية مشمولة بالاجتثاث لأسباب قيل في البداية أنها تعود الى السعي لإشراك السنة في العملية السياسية. لكن استثناءات رئيس الوزراء توسّع نطاقها فيما بعد ليشمل العديد من قيادات البعث، وبخاصة الأمنية والعسكرية، بل أن الاستثناء شمل عدداً غير قليل من المتهمين بقتل وتعذيب المناضلين المعارضين لنظام صدام وعائلاتهم. وهذه القيادات، ومعظمها شيعي، موجودة في الخدمة الآن، وتفيد مؤشرات بأنها قدمت فروض الولاء لرئيس الوزراء شخصياً مقابل الاستثناء.
في المقابل أضير من القانون، بنسختيه الأولى والثانية، الآلاف من البعثيين السابقين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدم، وقد اتخذت اللجنة الحكومية التي تشكلت أخيراً للنظر في مطالب متظاهري المنطقة الغربية قرارات بصرف رواتب تقاعدية لبعض هؤلاء وإعادة بعضهم الآخر الى الخدمة.
ازدواجية معايير وأهواء شخصية واعتبارات طائفية سادت عملية تطبيق القانون، وهذا ما أثار نقمة مئات الآلاف ممن أضيروا من عملية التطبيق. وكان لهذه النقمة أن تحدث في وقت ما، فما من منطق ولا وجه حق في إعفاء بعثيّ كبير مجرم وتمكينه من مناصب مهمة في الدولة وتجريم بعثي صغير لا دليل على ارتكابه جريمة قمع في حق الناس، وما من منطق أو وجه حق في أن يقرر هذا الإعفاء شخص واحد هو رئيس الوزراء.
بالمختصر، خلال عشر سنوات لم تكن هناك عدالة في تطبيق المساءلة والعدالة، ولم تكن هناك مساءلة في الأساس، فلم تُعقد محاكمات مغلقة أو مفتوحة لمساءلة المتهمين وتوفير حق الدفاع لهم وحق الاعتراف بذنوبهم وطلب المغفرة، ولاطلاع الناس على ما كان يجري في العهد المباد.
قضية المساءلة والعدالة وتحريم فكر البعث مطروحة الآن أمام مجلس النواب، وثمة انقسام حاد داخل المجلس بشأنها. يجب إعادة النظر كلياً في هذه القضية وتحريرها من اعتباطية التطبيق. لا بد أن توضع هذه العملية في أيدي هيئة وطنية مُعتبرة، وليس في يدي شخص واحد حتى لو كان هو رئيس الوزراء، وحتى لو كان هذا المالكي أو الجعفري أو علاوي أو سواهم.


194
المنبر الحر / أين توجد جهنم؟
« في: 12:49 30/04/2013  »
شناشيل
أين توجد جهنم؟
عدنان حسين
حتى لو سعينا لإيجاد العذر والذريعة لهيئة الإعلام والاتصالات عن قرارها تعليق تراخيص العمل الممنوحة لعشر قنوات فضائية عراقية وعربية، وحاولنا تفهم الأسباب والدوافع التي حملتها على اتخاذه، فمن المشكوك فيه أن يؤدي هذا القرار الى تحقيق الغاية المعلنة منه، فضلاً عن أنه سيكون وكأنه لم يكن على أرض الواقع.
الهيئة بررت قرارها بان هذه القنوات قدّمت "تغطيات إخبارية غير مهنية" لأحداث الحويجة وتداعياتها، وان هذه التغطيات انطوت على "تحريض وتصعيد اقرب الى التضليل والتهويل والمبالغة منه الى الموضوعية لما حمله من دلالات واضحة بالدعوة الى الإخلال بالنظام المدني والعملية الديمقراطية، لاسيما ما رافقته من دعوة صريحة الى ممارسة أنشطة إجرامية انتقامية بمهاجمة القوات والأجهزة الأمنية، كما ولم تخل التغطيات الإعلامية للموضوع من ترويج واضح لجهات محظورة دستوريا وقانونيا بحكم ارتباطها الواضح مع التنظيمات الإرهابية، وارتكابها الجرائم بحق الشعب العراقي"، وهو ما عدته الهيئة "خرقاً واضحاً لمدونات السلوك المهني وقواعد البث والإرسال المنظمة لعمل وسائل الإعلام في العراق لاسيما وانه يصب في إطار التهديد المباشر لمبادئ الديمقراطية والتعايش السلمي".
لا مؤاخذه على هذا الكلام، لكنه يمثل نصف الحقيقة، أما النصف الآخر فان هناك قنوات أخرى كانت لها في هذه المناسبة وفي مناسبات سابقة ممارسات مماثلة – ربما بلهجة أخف وبصورة غير مباشرة، وهي عموماً تعرف بأنها قنوات دينية – وهذا ما يجعلنا نرى الهيئة تكيل بمكيالين.
أما كيف سيكون القرار وكأنه لم يكن فراجع الى أن معظم القنوات المشمولة بالقرار تبث من خارج الحدود، والأخرى يمكن أن تنتقل الى الخارج هي أيضاً، ما يعني أن هذه القنوات ستواصل "التحريض" و"التصعيد" و"التضليل" و"المبالغة".
المشكلة أكبر وأشد وأعقد من أن يعالجها قرار كهذا، فالتحريض الطائفي والتصعيد والتضليل والمبالغة لا تقتصر ممارستها على القنوات العشر وغيرها، فثمة محطات إذاعة وصحف ومواقع الكترونية تقوم بالمهمة القذرة ذاتها، وتقع في الخطأ نفسه وسائل إعلام الدولة التي لم تتورع عن نشر صور الضحايا بما يتعارض مع قواعد السلوك الإعلامي المهني. بل أن نطاق التحريض والتصعيد والتضليل والمبالغة يمتد الى عدد غير قليل من الجوامع والمساجد والحسينيات، فضلاً عن أن الكثير من أعضاء مجلس النواب هم من أكبر مصادر التحريض الطائفي والتصعيد والتضليل والمبالغة، وهم جميعاً محصنون وكلامهم يُنقل الى الجمهور في بث حي ومباشر.
والمشكلة أوسع وأعمق من أن تُحصر في التغطيات الإخبارية للفضائيات والإذاعات والصحف والمواقع الالكترونية وخطب الجوامع والمساجد والحسينيات وتصريحات أعضاء البرلمان .. أنها تتعلق بجوهر العملية السياسية الجارية القائمة على أسس المحاصصة الطائفية، فهنا جهنم، وما الفضائيات والإذاعات والصحف والجوامع والمساجد والتصريحات البرلمانية المحرضة طائفياً إلا أبوابها.
ليس في وسع الإعلام أن يصنع جنة مادامت جهنم قائمة وأبوابها جميعاً مشرعة.


195
شناشيل

بعد الحكم في أولد بيلي
عدنان حسين

 تعجّب القاضي البريطاني رئيس محكمة "أولد بيلي" وهو يستمع منذ بضع سنوات الى "خطبة عصماء" من طيار مدني سوداني استدعته المحكمة من بلاده ليدلي بشهادته في قضية معروضة عليها. طلب القاضي من الشاهد أن يترك الكلام المنمق ويقول ما يعرفه بشأن القضية المطروحة.
الطيار السوداني أعرب في "خطبته" عن الشعور بالسعادة والفخر لأنه يقف أمام أعرق وأشهر محكمة في بريطانيا. بالتأكيد كان الطيار متأثراً بنشرات أخبار اذاعة لندن العربية التي كانت تتضمن أحياناً أخباراً عن قضايا تنظر فيها هذه المحكمة. بالنسبة للقاضي لم تكن أولد بيلي تعني له شيئاً مختلفاً عن سائر المحاكم البريطانية، لكن الطيار السوداني الذي سمع كثيراً باسم هذه المحكمة عبر اذاعة لندن كانت المحكمة تعني له الكثير.
أولد بيلي، هي محكمة الجنايات المركزية في وسط لندن، وأخذت اسمها من الشارع الذي بنيت عليه، ويرجع بناؤها الى القرن السابع عشر، وبدأ تاريخها في العام 1673 تحديداً. ويبدو ان هذا بالذات كان مصدر فخر الطيار السوداني الشاهد!
هذه المحكمة حكمت للتو على تاجر بريطاني بالسجن ثماني سنوات بتهمة النصب والاحتيال والاساءة الى سمعة بلاده. هو يتاجر بأجهزة مزيفة للكشف عن الاسلحة والمتفجرات والمخدرات من النوع الذي يستعمله جنودنا وشرطتنا في نقاط التفتيش التي تعجّ بها مدننا، وبالذات العاصمة بغداد. بل هو الذي ورّد الى دولتنا هذه الأجهزة المغشوشة في صفقة ربح فيها عشرات ملايين الدولارات، بل ان "خيرها" شمل 15 في الاقل من المسؤولين العراقيين الذين فتح لهم هذا التاجر الغشاش حسابات مالية باسمائهم في بنوك اجنبية ووضع لكل واحد منهم حصته، كما ظهر في وقائع المحاكمة. والحصص كبيرة جداً، فالصفقة بلغت قيمتها نحو 100 مليون دولار (عن 6 الاف جهاز بيعت الينا بواقع عشرات الاف الدولارات للجهاز الواحد فيما قيمته الحقيقية لا تصل الى اكثر من بضع عشرات الدولارات فقط).
تلك الصفقة، كما أوضحت وقائع المحاكمة في أولد بيلي، دفع عشرات آلاف العراقيين حياتهم ثمناً لها فضلاً عن المئة مليون دولار. بل لم يزل العراقيون يدفعون أرواحهم ودماءهم فداء لهذا التاجر الغشاش، واسمه (جيم مكورمك)، وشركائه من المسؤولين في دولتنا الذين لم يقل لهم أحد "على راسك ريشة" باستثناء واحد فقط  تبث تورطه  في القضية، هو المدير السابق لجهاز الكشف عن المتفجرات في وزارة الداخلية، اللواء جهاد الجابري الذي حكمت عليه احدى محاكمنا بالسجن مدة أقل من المدة التي حكمت بها أولد بيلي على التاجر البريطاني الغشاش.
 الكارثة ان الجهاز المزيف لم يزل معتمداً في شوارع مدننا، وحاملوه من الجنود والشرطة يتسببون في زحامات مرورية خانقة يومياً بدعوى تفتيش السيارات واحدة واحدة بهذا الجهاز الذي يستعمل في بريطانيا للكشف عن كرات الغولف التي تضيع وسط حشيش الملاعب.
والآن بعد ان أثبتت أعرق وأشهر محكمة في بريطانيا ان هذا الجهاز لا يصلح للكشف عن الأسلحة والذخائر والمتفجرات، وجرّمت التاجر الذي غشّنا به وحكمت عليه بالسجن، أليست جريمة الاستمرار في خداع جنودنا وشرطنا ومدنيينا جميعاً باستعمال هذا الجهاز؟
ماذا يقول قضاؤنا وبرلماننا ولجان حقوق الانسان الكثيرة؟


 

196
شناشيل

تريدون الانفصال؟ .. ليكن ودياً
عدنان حسين

لا أظن ان أحداً يتمتع بكامل قواه العقلية لا يرى ان البلاد ماضية في اتجاه التقسيم الى ثلاث دويلات اذا ما بقيت الحال على ما هي عليه الان: حكومة ضعيفة سياسياً تراهن على قوة عسكرية شبه موهومة في تركيع خصومها الذين لا تنقصهم القوة سياسياً وجغرافياً وعسكرياً.
التقسيم حاصل ما لم ينزل رئيس هذه الحكومة من بغلته ويجلس على الارض ويتحسس ترابها وصخرها ليدرك انه ليس "سوبرمان" الخارق أو "باتمان" الذكي.
الكرد أعادوا أنفسهم واقليمهم الى الدولة بارادتهم الحرة وقرارهم الحكيم، وكان يمكن لهم ان يمتطوا صهوة حصان التطرف القومي ويستغلوا انهيار الدولة وما فيها قبل عشر سنوات ليبقوا على كيانهم الذي تمتع باستقلال حقيقي. كان بامكانهم ان يفعلوا ذلك لو خضعت قيادتهم لنزق، أو قصر نظر، بعض قومييهم.
السنة ( أو ما يطلق عليهم تسمية سكان المناطق الغربية) كان في مستطاعهم هم أيضاً أن يدوّخوا الدولة الجديدة التي وُلدت كسيحة بفعل مرض المحاصصة الطائفية والقومية، فيواصلوا مقاطعة العملية السياسية وينضووا جميعاً تحت أعلام "القاعدة" وفلول النظام السابق، مستندين الى دعم فعال من وراء الحدود الغربية والجنوبية (1800 كيلو متر) المفتوحة على تضاريس صحراوية صعبة. لكنهم عادوا الى الرشد بعد حين قصير وانضموا الى العملية السياسية.
هاتان العودتان كانتا ورقتين ثمينتين اختار رئيس الوزراء نوري المالكي أن يفرط بهما في ولايته الثانية لسبب لا يمكن تفسيره الا بطغيان النزعة للتفرد والتسلط. والان فان عملين أخرقين على غرار ارسال قوات الى طوزخرماتو ومهاجمة المعتصمين في الحويجة بالذخيرة الحية، يمكن أن يدفعا الكرد والسنة (أهل المناطق الغربية) الى اعلان الانفصال أو السعي للانفصال، وهذا معناه نشوب الحرب، فرجل مثل السيد المالكي سيفكر على الفور بالركون الى قواته العسكرية التي يعتقد انها قوية بما فيه الكفاية لقمع الكرد والسنة، والحال ان العكس هو الصحيح.
هل يدفع السيد المالكي وبعض زعماء الشيعة باتجاه الاستقلال عن الكرد والسنة واقامة "دولتهم" الشيعية الخالصة الملحقة بايران او المرتبطة معها بحلف؟
هذا بالطبع اسوأ سيناريو يمكن تصوره لكنه قابل للتطبيق، فالكرد هم الان في حال أفضل بكثير جداً مما كانوا عليه قبل 2003، ومن الواضح ان السنة يتهيأون لتشكيل جيش يمكنه أن يدافع عن كيان لن يُعدم التزود باسباب القوة والحياة من وراء الحدود.
اذا كانت لدى السيد المالكي وبعض زعماء الشيعة رغبة في هذا السيناريو فليعلنوا هذا صراحة من أجل ان يتم الطلاق مع الكرد والسنة ودياً من دون خسائر بشرية هائلة ومادية طائلة. يمكن البدء بمفاوضات لتحقيق ذلك.
ولكن اذا تحقق هذا السيناريو هل سيضمن السيد المالكي ومن يؤيده في سيناريو كهذا ان انعزال الشيعة في كيان مستقل عن الكرد والسنة لن تكون فاتورته باهضة الثمن شيعياً؟ هل سيضمنون ان صراعاً دموياً على السلطة والمال بين الشيعة انفسهم لن يندلع؟


197
شناشيل
السيد المالكي .. هل قرأتَ خطابك؟
عدنان حسين

انه سؤال جاد للغاية. نعم، هل قرأتَ خطابك الذي وجهته الى أهالي المناطق السنية (أنت أسميتها الغربية ولكنك قصدت السنية)؟ هل قرأته بتأن وتأمل واكتراث كلمة كلمة وجملة جملة وفقرة فقرة؟ انه يستحق ذلك، فهو خطاب جيد معنى ومبنى وقد أحسن كاتبه كتابته.
 أسأل سؤالي هذا وأنا مهتم للغاية بان تكون أنت قد قرأته ملياً قبل القائه أمام الكاميرا توطئةً لبثه. قراءتك  المتمعنة له بالغة الاهمية ،لأنك انت أكثر من يتوجب أن يتوجه اليه هذا الخطاب، فانت من ينبغي أن يدرك قبلنا جميعاً وأكثر منا جميعاً ان "الفتنة عمياء"، وهي "كالنار" لا تبقي ولا تذر و"لا تميّز بين مجرم وبريء"، فلقد كانت الفتنة نائمة وانت من أيقظها، أو في الاقل من هيّأ الظروف لايقاظها.
بعد خروجنا من فتنة طائفية كادت الا تبقي ولا تذر، وأزهقت فيها أرواح كثيرة أغلبيتها الساحقة بريئة (2006 – 2007)، كنا نتطلع الى قيام دولة القانون تمهيداً للانطلاق الى دولة العدالة والمساواة في ظل نظام ديمقراطي، لكنك منذ شكلت حكومتك الثانية أدخلتَ البلاد في أزمة سياسية ظلت تشتد على مدار الساعات والايام والاسابيع والاشهر والسنوات، حتى تفجرت أخيراً في صورة فتنة طائفية يمكن ان تأكل نارها اليابس والاخضر سواء بسواء.
هذه الازمة كنت فيها أشبه بالقائد العسكري الذي يفتح كل الجبهات مرة واحدة ويدفع بجيشه في كل الاتجاهات. فتحتَ جبهة مع العراقية ثم مع التحالف الكردستاني، والعراقية مرة أخرى، ولا تظنن اننا لم نكن نرى ما يجري على الجبهة الثالثة .. جبهة حلفائك الشيعة: المجلس الأعلى، الصدريون، الفضيلة وسواهم، فمنهم كنا نسمع رأياً فيك أشد من رأي العراقية والكردستاني، لكنها التقيّة، التي تعرفها جيداً، هي ما يجعلهم يُظهرون عكس ما يُضمرون ويبلغوننا إياه في المجالس الخاصة.
 
السيد المالكي، انت بالذات من يجب أن يسمع خطاب العراقيين المتواصل منذ عشر سنوات، والصادر من القلب والعقل والروح .. خطاب الرغبة والأمل في أن تبقى بلادهم موحدة، وان يظلوا "أخوة يتعايشون بمحبة وسلام ويسهمون جميعاً في عملية بناء وطنهم بلا تمييز ولا  تهميش ولا طائفية  وفي ظل الدستور". وانت بالذات من يجب أن يقال له ولوزرائه وقادته العسكريين ومساعديه ومستشاريه "ان العراق أمانة في اعناقكم جميعاً ولا يحق لأحد أن يتحلل من الامانة"، فانتم من في  أيديه السلطة، وانتم من في أيديه المال، وانتم من في أيديه القوة الغاشمة، وقد أسأتم استغلال السلطة واستثمار المال واستعمال القوة الغاشمة. وهذا بالذات ما فجّر الاوضاع في المناطق الغربية (السنية)، مثلما فجرها قبل سنتين في بغداد والوسط والجنوب (الشيعيين) في صورة مظاهرات شعبية قمعتها قواتكم بقسوة مفرطة أيضاً واتهمتوها ظلماً وعدوانا بانها بعثية وقاعدية قبل ان تعودوا وتعترفوا بانها لم تكن كذلك وان مطالبها شرعية ودستورية.
وانت انت - السيد المالكي - من يتعين أن يدرك ان "ما يحققه الحوار والتفاهم والجلوس على طاولة الاخوة والشراكة لا يستطيع ان يحققه الارهاب والعنف والقتل"، وان "المطالب المحقة تحقق عبر الحوار وعبر اليات الدستور والتفاهم ولا تحقق عبر القتل ودعوات الكراهية والطائفية التي نسمعها يوميا"، فانت من قطع سبل الحوار بتعويلك على القوة الغاشمة، وانت من تجاوز آليات الدستور وانتهك أحكامه وخرج على قواعد اللعبة الديمقراطية برفض الخضوع للمساءلة أمام البرلمان الذي كلفك نيابة عن الشعب وباسمه بادارة مجلس الوزراء، فقد تكبّرت وتجبّرت أنت ومساعدوك ومستشاروك، ولم تعودوا تستمعون الى النصح ولا تقبلون بالنقد، واخذتكم العزة بالاثم فبلغنا من جديد حال استيقاظ الفتنة العمياء.
مرة أخرى اسألك، السيد المالكي: هل قرأت خطابك ملياً وبتأن؟ افعل هذا رجاء.


198
شناشيل
من مندسين الى شهداء!
عدنان حسين
وزارة الدفاع كذّابة إذن .. وكذا نواب دولة القانون، وعلى رأسهم  النائب اللبناني - الاماراتي(نسبة الى مكان إقامته المعتاد) عزت الشابندر، فقد حصحص الحق وتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعدما أقرت الحكومة بأنها اقترفت جريمة قتل في الحويجة.
الاعتراف الحكومي جاء واضحاً جلياً في بيان اللجنة الوزارية التي شكلها رئيس الوزراء نوري المالكي للتحقيق في أحداث أمس الأول. البيان الصادر أمس قال إن "جميع الضحايا الذين سقطوا يوم أمس في الحويجة هم شهداء يتمتعون بجميع الحقوق والامتيازات"، وأضاف أن "الحكومة العراقية تتكفل بعلاج الجرحى داخل العراق وخارجه".
وراح البيان الى أبعد من ذلك بالتأكيد على أن "اللجنة ستقوم بإطلاق سراح كافة الموقوفين في تلك الأحداث، وتقوم بالتحقيق في القضية للوقوف على ملابسات حقائقها لتحديد المقصرين ومعاقبتهم بأقسى العقوبات، بما فيها استخدام القوة المفرطة"، مؤكداً أن "اللجنة تستمر بجمع المعلومات واستدعاء القيادات الأمنية الميدانية ومن تراه في هذا الشأن للوقوف على تفاصيل وملابسات ما جرى".
وزارة الدفاع ونواب رسميون وغير رسميين في "دولة القانون" لم يكفوا طوال يوم الواقعة عن الصراخ بان جريمة الحويجة اقترفها "مندسون" بعثيون  ومن "القاعدة" وجيش الطريقة النقشبندية،  وان الذين قتلوا من هؤلاء هم من بادر الى العدوان الآثم على القوات المسلحة وكانوا مدججين بالأسلحة من مختلف الأصناف وبالذخائر الفتاكة.
"المندسون" القتلة والإرهابيون تحوّلوا الآن بقدرة قادر الى مواطنين صالحين شأنهم شأن أفراد القوات المسلحة الذين زُجّوا في المعمعة .. القتلى من هؤلاء "المندسين" وضعهم هذا القادر المقتدر في خانة الشهداء المبجلين الذين ستُجرى لعائلاتهم  الرواتب التقاعدية، والمصابون ستتكفل الحكومة علاجهم، وربما أيضاً دفع تعويضات مالية إليهم. وفي الوقت عينه فان الجنود والضباط الذين دفعهم القادر المقتدر لارتكاب الجريمة في الحويجة سيجري التحقيق معهم ومحاسبتهم عما ارتكبوه من تقصير أو خطأ، بما في ذلك "استخدام القوة المفرطة"، بحسب ما جاء نصاً في بيان اللجنة الوزارية.
هذا جيد .. ولكن ماذا عمن كان وراء كواليس هذا المشهد برمته؟ ماذا عمن ورط الجنود والضباط الذين سيُحاسبون ودفعهم لاقتحام ساحة الاعتصام في الحويجة؟ ماذا عمن قال لهم، ولنا جميعاً، ان بين المحتشدين في الساحة مندسون بعثيون وقاعديون ونقشبنديون يستحقون الموت؟ ماذا عن القادة العسكريين الذين أعطوا الأوامر للقطعات العسكرية بالتحرك ومن ثم إطلاق النار على المعتصمين؟ وماذا عن القيادة السياسية التي ما كانت القطعات العسكرية ستتحرك وتطلق النار من دون إشارة منها؟ هل ستُترك هذه القيادات من دون مساءلة أو حساب؟ وكم مرة ستُترك؟ هل لديها تفويض دائم ومطلق بان تزج البلاد والعباد كل شهرين أو ثلاثة في مغامرة محفوفة بالمخاطر .. كما كانت عليه الحال في زمن صدام الرهيب؟

199
المنبر الحر / حماقة
« في: 18:59 24/04/2013  »
شناشيل
حماقة
عدنان حسين

باستخدامها القوة المسلحة ضد المعتصمين في الحويجة أمس، هل أرادت الحكومة إبلاغ معارضيها والمتحفظين على مواقفها وسياساتها بأنها قادرة على أن تريهم "العين الحمرة" ليكفّوا عن معارضتهم أو في الأقل أن يضبطوا هذه المعارضة على نغم لا يزعج الحكومة كثيراً؟
هذا هو أرجح الاحتمالات، فالهجوم الذي سُفكت فيه دماء وأزهقت أرواح سبقته موجة من التصريحات العلنية لرئيس الحكومة ومقربين منه أفادت بنفاد صبرهم حيال الاحتجاجات المتواصلة في الفلوجة والموصل وسواهما.   
ما جرى أمس ما كان يتعين أن يحدث لو تحلّى الذين أمروا به بالحد الأدنى من الحكمة والمسؤولية. قوات الدولة كان عليها أن تلتزم أقصى درجات ضبط النفس، بافتراض صحة ما أعلنته وزارة الدفاع من أن قواتها تعرضت للعدوان من "عناصر مندسة من البعثيين"، فلو كانت الحكومة قد عالجت قضية الاعتصامات بطريقة أخرى منذ البداية ما كان في وسع هذه العناصر وسواها أن تندس وتركب موجة الاعتصامات وتستدرج القوات المسلحة الى القيام بمهمة ليست من واجباتها أو مسؤولياتها لانطوائها على ارتكاب مجزرة بين صفوف مواطنين مدنيين.
 الذي حدث في الحويجة أمس جريمة كبيرة مادام قد سقط فيها قتلى وجرحى. وحتى لو كان مرتكبو الجريمة هم "العناصر البعثية المندسة"، فليس في وسع القوات المسلحة أن تتنصل عن مسؤوليتها، فواجبها كان يحتم عليها منع وقوع الجريمة، فما بالك وقد تسببت هذه القوات هي أيضاً في قتل بعض المتظاهرين السلميين وجرحهم.
تصرف الحكومة أمس كان غريباً في الواقع، إذ كان متوقعاً أن تتصرف على نحو مختلف تماماً، فالنتائج الأولية لانتخابات مجالس المحافظات أظهرت أن حزب الحكومة (الدعوة ودولة القانون) قد مني بخسارة ليست بسيطة. هذا الحزب كان يؤمل نفسه باكتساح مجالس المحافظات، لكن النتائج دللت على ان شعبية هذا الحزب قد تراجعت بالمقارنة مع ما كانت عليه في الانتخابات المحلية السابقة والانتخابات البرلمانية الأخيرة أيضاً.
واذا كان ما حدث في الحويجة أمس بمثابة رسالة "حمراء" أرادت الحكومة إبلاغها الى بقية المعتصمين في المدن الأخرى والى عموم المعارضين لها والمتحفظين على سياساتها ومواقفها، فأنها ستكون رسالة مكلفة للحكومة نفسها، ذلك أن سفك الدماء وإزهاق الأرواح على يد القوات المسلحة سيأخذ الكثير من رصيد الحكومة، وسيضيف في المقابل الكثير الى رصيد "العناصر البعثية المندسة" التي سيكون في وسعها من الآن فصاعداً أن تدخل الى ساحات الاعتصام والمدن وأزقتها وبيوتها بوجوه مكشوفة وهويات معلنة، فلم تعد تحتاج الى الاندساس.. بفضل حماقة الحكومة!


200
شناشيل
الشعب يقاطع .. وهم يفوزون!
عدنان حسين

حتى الذين سيحتلون أكبر عدد من مقاعد مجالس المحافظات لا ينبغي لهم أن يطيروا فرحاً بالنتيجة، ففوزهم ليس من النوع الذي يُفاخر به، ذلك أن أكثر من نصف عدد الناخبين قد قاطع العملية الانتخابية، وهذا ما كان متوقعاً بقوة قبل أن تبدأ الانتخابات، فقد كان واضحاً أن المزاج الشعبي العام مناهض للانتخابات، وقد كتبنا وغيرنا عن هذا قبل الانتخابات.
لماذا أحجمت أغلبية العراقيين عن الإدلاء بأصواتها؟
لم يكن ذلك بسبب الخوف من الإرهاب، فالتحدي الشعبي للإرهاب أكثر وضوحاً من تحدي الدولة التي تمتلك كل الإمكانيات الكفيلة بدحر الإرهاب، لكنها تعجز لأسباب تختلط فيها الطائفية السياسية بالفساد المالي والإداري وبسوء الإدارة. الناس مصرون على عيش حياتهم برغبة وحيوية برغم معرفتهم أن الإرهاب كامن لهم في كل زاوية ومنعطف، وان الدولة عاجزة عن حمايتهم.
مقاطعة أغلبية العراقيين للانتخابات تعكس أولاً وقبل كل شيء ضعف الثقة بمفوضية الانتخابات التي أثبتت هذه المرة أيضاً أنها غير مستقلة عن نفوذ الحكومة ولا عن نفوذ الأحزاب التي ينتمي إليها بعض أعضاء مجلس المفوضية، فالمفوضية لم تتخذ كل الإجراءات الضرورية لتيسير وصول الناخبين الى مراكز الانتخاب وتمكينهم من ممارسة حقهم الدستوري، ولم تضمن أن تكون الانتخابات نزيهة. هذه المفوضية تهاونت في أداء دورها المطلوب كرمى لعيون الحكومة وللأحزاب المتنفذة فيها، ومارست التدليس والتضليل، وآخر أضاليلها تمثّل في إعلانها أن نسبة التصويت كانت 50 بالمئة فيما هي 46 بالمئة (النسبة الحقيقية أقل في الواقع فكثير من المقترعين لم يصوتوا لأحد وتركوا إشارات احتجاج على استمارات التصويت، وهم فعلوا هذا حتى لا يجري تزييف إرادتهم). وقد أعلنت المفوضية أن نسبة التصويت المتدنية "مقبولة" في ظل ظروف العراق الراهنة، وهذا غير صحيح لأن العراقيين سبق وأن أقبلوا على الاقتراع بنسبة أكبر في ظروف مشابهة أو أسوأ عندما كانت مراكز الانتخاب تتعرض للهجمات الانتحارية وللقصف بالقذائف القاتلة.
ونتيجة انتخابات السبت تعكس أيضاً طلاقاً واضحاً بين أغلبية العراقيين والطبقة السياسية المتسلطة عليهم منذ ثماني سنوات، وهو طلاق تتسع قاعدته لتشمل النظام السياسي المعتمد القائم على المحاصصة الطائفية والقومية.
انتخابات السبت أنفقت فيها أموال طائلة، معظمها منهوب من مال الشعب بصورة من الصور، وكان الأولى صرف هذه الأموال لرفع المستوى البائس للخدمات العامة، وتمكين العاطلين عن العمل والأرامل والأيتام والمعدمين وضحايا الارهاب من العيش بكرامة، فهذا أنفع للشعب من إعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها ووضع السلطة من جديد في أيدي الذين اثبتوا فشلهم الذريع في الإدارة وكفاءتهم في السطو على المال العام واغتيال أحلام الناس وآمالهم وطموحاتهم.


201
شناشيل
لماذا لم يفعلها المالكي؟
عدنان حسين
لو كان السيد نوري المالكي، الذي هو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية بالوكالة والمسؤول عن جهاز الأمن الوطني، رجل دولة حقيقياً لقطعَ منذ الصباح الباكر أمس جولة الدعاية الانتخابية التي يقوم بها في المحافظات الجنوبية، ولتوجهَ بسيارته أو طائرته مباشرة الى مبنى مجلس النواب، بالاتفاق مع رئيس المجلس، ولفتحَ الملفات التي أعلن مجدداً منذ أيام انه يحتفظ بها، ولكشفَ للشعب وممثليه في البرلمان أسماء النواب وسواهم ممن يؤكد انهم متورطين في أعمال الارهاب، ولأجاب على السؤال الكبير: كيف ولماذا يحدث ما يحدث؟
أمس كان اللحظة المناسبة تماماً لأن يفعل المالكي هذا، فأمس كان من الأيام العراقية الدامية الكبرى، حيث سقط ما يزيد عن مئتين وخمسين مواطناً بين قتيل ومصاب وتدمرت ممتلكات عامة وخاصة في عشرات من أعمال التفجير والاغتيال الارهابية.
قبل ثمانية أشهر أعلن المالكي بانتشاء ان "المعركة مع الإرهاب قد انتهت"، معتبراً  أن "المتبقي هو خلايا تبحث عن ثغرة، تقف خلفها إرادات من دول أخرى"، وهو اعلان دلّل مرة أخرى على ان رئيس وزرائنا والقائد العام لقواتنا المسلحة لا يعيش في بلد اسمه العراق. يومها كان المالكي يجتمع الى الضباط والمراتب الذين أحبطوا محاولة لاقتحام سجن التاجي. كان ذلك العمل نقطة نجاح صغيرة في بحر الفشل الحكومي الكبير في المجالات كافة وليس الأمن وحده.
أكثر من ثلاث مرات خلال الاسابيع الأخيرة، رفض المالكي الحضور الى مجلس النواب، وهو الهيئة التي رسّمته رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، للاجابة عن استفسارات النواب بشأن الحالة الأمنية المتردية في البلاد. وفي كل مرة كانت له حجة  شكلية يتذرع بها: طلب رئيس مجلس النواب لم يُقدّم عن طريق وزير الدولة لشؤون مجلس النواب وانما أُرسل مباشرة الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء!، أو ان موعد الحضور الى المجلس يحدده المالكي نفسه وليس النجيفي بحسب ما يحكم الدستور! وآخر تلك الذرائع هي التي اعلنها المالكي بنفسه من انه اذا حضر الى البرلمان فسيفتح ملفات ما أنزل الله بها من سلطان لكنه يفضّل ان يؤثر المصحة العامة بالسكوت، استرشاداً بسيرة الأئمة، ومتستراً على "الارهابيين" من النواب!
مرة أخرى لو كان المالكي رجل دولة حقيقياً لفعلها أمس، بل لفعل أكثر من هذا، وهو ما مفترض أن يفعله واحد مثله في مناسبة كهذه، أعني التقدم الى مجلس النواب باستقالة حكومته، مُقراً بفشله وفشلها الذريع، ورادّاً الأمانة الى من وضعوها في عهدته.
نعم هكذا يفعل رجال الدولة الحقيقيون .. واذا لم تصدقوا اسألوا "العم غوغل" عن رؤساء الحكومات في العالم الذين استقالوا خلال السنوات السبع الماضية في الأقل، لتجدوا انهم استقالوا لأسباب تقل في أهميتها عشرات المرات عن الاسباب التي تحتّم استقالة المالكي وحكومته في الحال.




202
شناشيل
حكاية طلفاحية في البصرة!
عدنان حسين
في هذا الوقت من العام تنشغل جامعات العالم عادة بمواسمها الثقافية والعلمية وتوفير الظروف المناسبة لطلبتها لأداء الامتحانات النهائية بأعلى نسبة نجاح ممكنة. بيد ان أحد العمداء في إحدى جامعاتنا اختار في ما يبدو الابحار بسفينة كليته في اتجاه معاكس.
منذ أيام يتواصل الاضطراب في كلية الهندسة بجامعة البصرة، والاسباب متعددة منها حرمان طلبة الكلية من حق لهم يتمتع به نظراؤهم في مختلف جامعات البلاد والعالم بان ينظموا حفلاً لتخرج طلبة المراحل المنتهية، ليلتقطوا الصور التذكارية الأخيرة وليتبادلوا التمنيات بمستقبل عامر بالنجاح والسعادة.
وكما نقلت وسائل الاعلام عن بيانات للطلبة الذين نظموا حركة اعتصامات احتجاجية طالبوا فيها باعفاء عميد الكلية من منصبه وعن تصريح لأحد نواب البرلمان عن البصرة، فان السبب الآخر يرجع الى ان العميد أصدر تعليمات بمنع الاختلاط بين الطالبات والطلاب في كافتيريا الكلية وحدائقها. ويعود سبب ثالث الى ما وصفه الطلبة بنشوء ظاهرة "المخبر السري" الذي يشي بمن لا يلتزم بتعليمات منع الاختلاط من الطالبات والطلاب، وتهديد الطالبات بعرض صور لقاءاتهن مع زميلائهن داخل الحرم الجامعي على عوائلهن وعشائرهن!
هذه ليست كل الاسباب وراء هيجان طلبة الهندسة في جامعة البصرة، فتصريحات ممثلي الطلبة ونائب البصرة جواد االبزوني أشارت الى العديد من "الاجراءات التعسفية" الماسّة بالحريات الشخصية وبالعملية التعليمية.
في نهاية ستينات القرن الماضي ومطلع سبعيناته عيّن صدام حسين خاله، خيرالله طلفاح، محافظاً لبغداد. ولقد أساء طلفاح استعمال السلطة اساءة بالغة بتوجيه الشرطة لملاحقة الطالبات مرتديات الملابس القصيرة وصبغ سيقانهن والطلاب ذوي الشعر الطويل بقص شعورهم. ذلك الاجراء القراقوشي جوبه باستنكار منقطع النظير في جامعتي بغداد والمستنصرية، فهو مثل تدخلاً فجاً غير مسبوق في الحرية الشخصية، واضطر رئيس الجمهورية آنذاك احمد حسن البكر ونائبه صدام الى وقف طلفاح عند حده خشية تطور حركة الاحتجاج الى حركة مناهضة لنظام الحكم برمته، فسحب طلفاح شرطته وظلت جامعة بغداد منارة للعلم والمعرفة، بل انها كانت في ذلك الوقت في ذروة تألقها بفضل كوكبة من الاساتذة الافذاذ كمصطفى جواد ومحمد سلمان حسن وابراهيم كبة وعبد العزيز الدوري وابراهيم السامرائي وعلي جواد الطاهر وفؤاد حسن غالي  وصفاء الحافظ وعاتكة الخزرجي وحسين أمين وسواهم ممن لم يشغلوا أنفسهم وطلبتهم يوماً بما يشغل به عميد هندسة البصرة نفسه وطلبته هذه الايام.
بالتأكيد لو كان النظام البائد قد وقف الى جانب "الخال" طلفاح وتركه يعبث بحريات الطلبة لتردى مستوى جامعة بغداد- وكذا المستنصرية - ، ولما حافظت على سمعتها العلمية التي ما لبثت أن خسرتها بفعل حروب صدام ودكتاتوريته وتحويل الجامعات من مراكز للعلم والمعرفة الى ثكنات حزبية – عسكرية.
من يحكي لعميد هندسة البصرة حكاية طلفاح .. ليعتبر؟
15/4/2013

203
شناشيل
مقاطعة الانتخابات قرار غير سليم
عدنان حسين
المزاج الشعبي العام مناهض للانتخابات. هذا ما تعكسه أحاديث الناس في الأماكن العامة كالمقاهي والمطاعم ووسائل النقل والتجمعات، فضلاً عن أحاديث البيوت والجلسات المحدودة.
ثمة ما يشبه الاجماع على ان المترشحين لانتخابات مجالس المحافظات انما وضعوا نصب أعينهم المناصب والعوائد المالية والامتيازات المادية والمعنوية المترتبة على هذه المناصب.
تسمع من يقول: كلهم كذابون .. كلهم حرامية .. كلهم فاسدون .. كلهم طمّاعون . كلهم نهّابون. وتسمع ايضاً: انتخبناهم ولم يفعلوا لنا شيئاً . تحمّلنا الحر والبرد والارهاب من اجل ان يفوزوا ولما جلسوا على الكراسي نسونا واهتموا بمصالحهم الشخصية والحزبية .. عقدوا الصفقات وكوّنوا الأرصدة واشتروا الفلل والشقق والعمارات داخل البلاد وخارجها وتزوجوا للمرة الثانية أو الثالثة.
هذا الكلام في عمومه لا يجانب الحقيقة ولا يجافي الواقع، فما حققته مجالس المحافظات، وقبلها وبعدها مجلس النواب الاتحادي، لم يلامس الحد الأدنى مما كان متوقعاً منها ومما كان يتوجب عليها عمله .. الخراب الشامل الذي يضرب البلاد هو الآن نفسه ما كان قبل أربع سنوات وقبل ثماني سنوات، وأحوال الناس البائسة هي نفسها منذ ذلك الوقت أيضاً.
هذا صحيح تماماً .. لكن مقاطعة الانتخابات ليست خياراً صحيحاً ولا هو بالقرار السليم، لأنها غير مجدية، بل ستترتب عليها نتائج بالغة السوء .. المقاطعة ستفيد المترشحين السيئين، الكذابين والحرامية والفاسدين والطماعين والنهابين، فهؤلاء لديهم القدرة على الحشد .. القدرة المتأتية من دعم أحزابهم وكتلهم لهم ومن الأموال المتاحة لهم، وهي في الغالب أموال حرام .. المقاطعة ستجعلهم يكتسحون الساحة، فضلاً عن انها تفسح مجالاً أوسع للتلاعب بنتائج التصويت.
الخيار الصحيح والقرار السليم هما في الذهاب الى المراكز الانتخابية في يوم التصويت والادلاء بالاصوات في صناديق الاقتراع .. والخيار الأكثر صحة والقرار الأكثر سلامة هما في عدم التصويت للاشخاص الذين ثبت انهم لم ينفعوا الناس وقدّموا مصالحهم ومصالح أحزابهم على مصالح الوطن والمواطن، والتصويت في المقابل للمرشحين الموثوقين المعروفين بكفاءتهم ونزاهتهم ووطنيتهم، وهؤلاء موجودون وليس من الصعب التعرف اليهم اذا ما سعينا فعلاً الى انتخاب من نريدهم أن يخدمونا وليس من يريدوننا أن نخدمهم.
بعض المراجع الدينيين اقترحوا عدم انتخاب مرشحي الاحزاب والكيانات المتنفذة في الحكومة الحالية التي اثبتت فشلها في كل الميادين .. انه بحق اقتراح أهل العقل والفطنة والحكمة.


204
شناشيل
بين حفلة بغداد واحتفال كربلاء
عدنان حسين
لا يتزعم محمد أمين عزت حزباً أو حركة سياسية، ولا يقود ميليشيا، وليس هو برجل أعمال ثري لديه شبكة علاقات عامة واسعة. ومع ذلك استطاع أن يحشد في مناسبة واحدة أكثر من ألف شخص من النساء والرجال ذوي الذوق الرفيع، أي النخبة، معظمهم من الشباب.
ومحمد أمين عزت هو بالتحديد قائد الفرقة السمفونية العراقية الذي قدّم وفرقته الليلة قبل الماضية حفلة بديعة للغاية على قاعة المسرح الوطني في بغداد.
هذه هي المرة الثانية خلال خمسة أسابيع التي أحضر فيها أمسية للفرقة في المسرح الوطني. وكما في المرة السابقة فان القاعة ذات الألف كرسي امتلأت بالحضور، بل اضطر ما يزيد عن مئة من الجمهور الى الوقوف على جانبي القاعة لعدم وجود مقاعد غير مشغولة.
قبل أيام علمنا من أكثر من مصدر موثوق، ونشرنا بعض ذلك في هذه الصحيفة، ان أنصار رئيس الوزراء وحزب الدعوة الاسلامية ودولة القانون فشلوا في جمع أكثر من الفي شخص في ملعب مدينة كربلاء للاستماع الى خطاب السيد نوري المالكي في مناسبة تقديم مرشحي دولة القانون في انتخابات مجلس المحافظة التي يتحدر منها رئيس الوزراء، ما سبب انزعاجاً لدى السيد المالكي ومرافقية القادمين من بغداد وارتباكاً في قيادات حزب الدعوة ودولة القانون في المحافظة، فقد كان المتوقع ان يحضر الى الملعب عشرات الاف الناس.
العزوف عن احتفال حزب الدعوة ودولة القانون يعكس العزوف العام عن السياسة والسياسيين بعد عشر سنوات كانت مفعمة بآمال وأحلام وطموحات ما لبثت أن تكسرت وتحطمت وتلاشت تباعاً على صخرة سوء الادارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد وتفشي مظاهر الفساد المالي والاداري وعدم التحلي بالمسؤولية الوطنية بين المتنفذين في الدولة واجهزتها.
ليس فقط نوري المالكي، ولكنني أظن ان أي زعيم سياسي آخر ما كان سيجمع أكثر مما جمعه زعيم الدعوة ودولة القانون في ملعب كربلاء، فسياسيو حقبة السنوات العشر الماضية كفّروا الناس بالسياسة والسياسيين الذين تتشكل لهم في الأذهان صورة "السختجية" والحرامية!.
أما الاقبال منقطع النظير على حفلات الفرقة السمفونية الوطنية وقائدها الفنان البارع محمد عزت أمين فيعكس حب الناس لهذه للحياة، والموسيقى هي من العناوين البارزة للحياة.
محمد عزت أمين وفرقته يحظيان بمحبة متزايدة بين الجمهور، كما تُظهر حفلاتهما السمفونية، لأنهما يعززان في النفوس حب الحياة والاقبال عليها والتمتع بها، بخلاف ما يفعله السياسيون المتنفذون في دولتنا الذين تتسبب أطماعهم في ازهاق الارواح وسفك الدماء، وفي تسميم الأجواء وتلويث البيئة وشحن النفوس بالبغضاء.






205

شناشيل
بغداد تختنق .. حنقاً
عدنان حسين

بالتأكيد هذه ليست الطريقة السليمة ولا الأسلوب الناجع لضبط الأمن ومنع الإرهابيين من تنفيذ عملياتهم. ولا ندري بأي طريقة وأي أسلوب يمكننا أن نقنع الحكومة ورئيسها ووزارتي الداخلية والدفاع وقيادة عمليات بغداد بهذه الفكرة وبأن هناك وسائل وأساليب أفضل وأضمن يتعيّن عليهم التحوّل إليها.
الدليل على عدم سلامة ونجاعة التضييق إلى أقصى حد على مرور السيارات بنقاط التفتيش (السيطرات) في شوارع بغداد، وقيام عناصر هذه النقاط بتفتيشها يدوياً سيارةً سيارةً، أنه أسلوب يثير المزيد من التذمر والحنق بين الناس الذين ينحشرون في السيارات ساعاتٍ طويلةً قبل الوصول إلى وجهاتهم، ويضطر الكثير منهم إلى الترجل منها والمشي سيراً على الأقدام. وللناس كلّ الحق في تذمرهم وحنقهم لأنهم يدفعون ثمناً باهظاً لفشل الحكومة وأجهزة الأمن في مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن. الناس يجدون أن الحكومة تعاقبهم بهذا الأسلوب لأنهم يغادرون منازلهم إلى مقارّ عملهم وعيشهم.
والدليل الثاني على عدم سلامة ونجاعة أسلوب السيطرات أننا لم نسمع أبداً أن هذه الطريقة أو هذا الأسلوب قد نجحا في الإمساك بإرهابيين والاستيلاء على أسلحة ومتفجرات ومعدات كانت ستُستخدم في عمليات إرهابية، وكيف يكون هذا مادام الإرهابيون ينقلون أسلحتهم وذخائرهم في الغالب في سيارات حكومية تمرّ من المسارات الخاصة بالمركبات العسكرية ومواكب المسؤولين ولا يفتشها أحد في خرق للتعليمات المكتوبة بخط واضح في السيطرات جميعها: "الكل يخضع للتفتيش" و"لا أحد فوق القانون"، لكن ما هو قائم على الأرض أن الإرهابيين، كما مسؤولو الدولة، لا يخضعون للتفتيش وهم فوق القانون الذي لا يُطبّق إلا على عامة الناس.
والدليل الآخر، وربما الأقوى، أن الإجراءات الأمنية المشددة للغاية لم تفلح في منع الإرهابيين من تنفيذ عملياتهم متى ما أرادوا وحيثما شاءوا، فهم يتصرفون براحة إلى حد تنفيذ نحو عشر عمليات في يوم واحد في بغداد بالذات، كما حصل غير مرة في الأشهر الأخيرة.
أسهل الحلول ليس هو أفضل الحلول، بل هو في الغالب حل الفاشلين .. قطع الطرقات وتفتيش السيارات واحدة واحدة وخنق الشوارع بها ومحاصرة المناطق هي من أسهل الحلول، لكنها من أفشل هذه الحلول كما أثبتت تجربتنا لعشر سنوات متتالية.
ثمة أجهزة إلكترونية للرقابة والتفتيش (كاميرات ومجسّات وسواها) متطورة للغاية متوفرة في أسواق الدول المتقدمة، ونحن لدينا كل الإمكانات المالية اللازمة لشراء هذه الأجهزة ونشرها في شوارعنا .. بمقدار غير كبير مما ينهبه الفَسَدة في دولتنا من مليارات الدولارات يمكن توفير العدد الكافي من هذه الأجهزة التي يمكنها تحديد من أين ينطلق الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم وأين ينتهون.
الأمر يتطلب قراراً حكومياً جاداً بمكافحة الفساد المالي والإداري، وآخر بتنظيف أجهزة الأمن من العناصر المندسّة التي تتواطأ مع الإرهابيين وتسهّل لهم مهمّاتهم الإرهابية.
لكن، قبل هذا والأهم منه، أن تنشأ وتترسخ علاقة ودية بين الشعب والحكومة، فعين الشعب أفضل جهاز ووسيلة لمراقبة الإرهابيين ومكافحة الإرهاب .. والود بين الشعب وحكومتنا، وعموم الطبقة السياسية المتنفذة، مُفتقد. هذه حقيقة من العبث نكرانها. والوضع على هذا الصعيد يتفاقم مع اشتداد ما يسمّى بالإجراءات الأمنية.


206
شناشيل
طبق الأصل: الفرقة الناجية !
عدنان حسين   
كنت قد شرعت بكتابة عمود اليوم حول قضية الاجراءات الامنية المشدد، بل الخانقة قبل ان أتسلم عبر "فيسبوك" هذا النص الذي يستحق أن أخلي لصاحبه، السيد علي عبد الزهرة الساعدي الذي لا أعرفه، مكاني في هذا العمود . النص جاءني بعنوان: "فدائيو صدام .. الفرقة الناجية"، وهو عنوان أعجبني كثيراً، كما الكلمة نفسها:
"لم استغرب عندما سمعت ان مجلس الوزراء الموقر قد وافق على انصاف الجلاد، امام أعين المجلود، على الرغم من ان رئيس ذلك المجلس كان يُصنف ضمن جحافل المغضوب عليهم من المشنوق صدام اللعين وحزبه المهين. لان المستغربين لذلك لا يعلمون ما يدور خلف الكواليس التي ادعي اني ارى الشيء اليسير منها.
"هناك خلف تلك الستارة الحكومية يوجد الكثير من الحقائق التي لو كشفنا عن بعضها لتم اعتقالنا وزجنا في احدى المحاجر المظلمة التي وصلنا ابوابها عندما خرجنا لتغطية احدى التظاهرات التي كانت تطالب بالخدمات عام 2011 في ساحة التحرير ببغداد.
"مجلس الوزراء دعا الى جلسة استثنائية من اجل انهاء قضية حساسة جداً تخص تلك الفرقة الناجية (فدائيو صدام) واعضاء الفرق في حزب البعث، من اجل انصافهم واعادة الحقوق لهم لانهم عانوا الاضطهاد من قبل ثوار مجزرة آذار 1991 في جنوب البلاد ومجزرة حلبجة في شماله!!!.
"ومن باب الانصاف ايضاً، يجب علينا هنا ان نثني على توقيت هذا القرار الذي دلّ على مدى انسانية السادة في مجلس الوزراء وعلى رأسهم دولة الرئيس نوري كامل المالكي، لانهم اصروا على ادخال الفرح لقلوب البعثيين والفدائيين في ذكرى تأسيس حزبهم (المجيد) في السابع من نيسان.
"لربما يتسائل والد احد ضحايا المقابر الجماعية عن سر اصدار هذا القرار من حكومة تدعي انها كانت مضطهدة ومحاربة من قبل البعثيين والفدائيين الذين لاحقوهم حتى في دول المهجر؟! ..وايضاً عن سر غياب الانصاف وانعدام التجاوب مع المطالب الحقة لكثير من شرائح المجتمع التي طالها ظلم البعث كضحايا الانتفاضة الشعبانية ومحتجزي مخيمات رفحاء وذوي ضحايا المقابر الجماعية وضحايا ارهاب البعث والقاعدة ما قبل وبعد 2003.
"فنجيبه بكل بساطة: يا سيدي (المگرود) ان شهر نيسان الذي عودكم بانه شهر الاكاذيب قد تغير هذه السنة، لانه أبدل ثوب الكذب بثوب الصلافة والوقاحة.. اولئك يا سيدي الذين دفنوا فلذة كبدك تحت التراب ولم تجد اشلاءه حتى الان هم انفسهم الذين اقتحموا صباح يوم ما منزلاً في احدى المدن العراقية واخرجوا شاباً منه وصلبوه على باب منزله ثم اعدموه رميا بالرصاص وبعدها استوفوا ثمن الرصاصات من اهله، واليوم قررت حكومتنا (الرشيدة) بكل وقاحة صرف رواتب تقاعدية تقدر بملايين الدولارات لهم مقابل كل ما فعلوه سابقاً!!!.
"لذا تعال معي لنوجه الدعوة الأخيرة الى سكان مقبرة وادي السلام للتظاهر والمطالبة بإلغاء القرار الحكومي (الصائب جداً بنظر البعثيين)..
"وحتى يستيقظون .. ستشكل الحكومة لجنة لمناقشة طلباتنا ..وحينها .. على الدنيا السلام ".‬



207
شناشيل
لم يهوِ الصنم .. لم يسقط نظام صدام !
عدنان حسين
لم يحتج الأمر الى عقد الاجتماع المسائي اليومي لهيئة التحرير لتقرير أي الاخبار سيكون على الصفحة الأولى وأيها يكون للمانشيت. فما من خبر أهم من هذا الخبر المنقول نقلاً حيّاً ومباشراً من بغداد، وما من خبر غيره أجدر بالمانشيت وبالصورة.
هذا ما قرره عبد الرحمن الراشد عصر التاسع من نيسان 2003.. وهكذا تقرر ان يشغل الصفحة الاولى لعدد اليوم التالي(العاشر من نيسان) لصحيفة "الشرق الاوسط" عنوان واحد مختصر هو ((... وسقط نظام صدام)) وصورة واحدة على طول الصفحة وعرضها، هي صورة تمثال صدام في ساحة الفردوس ساقطاً من عليائه، وهو ما لم يحدث من قبل، أعني العنوان الوحيد والصورة بهذا الحجم على الصفحة الأولى.
كان الحدث بقوة زلزال يضرب الكرة الارضية من مشرقها الى مغربها.. انه أكبر من سقوط صدام ونظامه، وهذا ما عبّر عنه الراشد في عموده اليومي لعدد اليوم التالي: "لم يسقط صدام حسين أمس، بل سقط ما هو أهم، هوت الاكاذيب الكبيرة التي صاحبته وزفّته وزمّرت له. سقطت عقول أبت الا أن تزوّر حقائق الحاضر وتاريخ الامس، وتحدثت باسم الشعب العراقي بهتاناً".
كنا فريقين في قاعة تحرير "الشرق الاوسط" في لندن نتابع عبر البث التلفزيوني الحي مجريات الحرب وسقوط بغداد وتهاوي الصنم وصاحبه ونظامه .. عبد الرحمن ونائبه محمد العوام والمحررون العراقيون وفئة قليلة من العرب هو الفريق المسرور بسقوط نظام صدام، وفئة من المحررين العرب، وهي الأكبر، لم تخف غيظها وغضبها، فسقوط نظام صدام مثّل لها سقوط ايقونتها "القومية".
نحن المسرورون كنا مفعمين بالأمل أن يبدأ مع سقوط نظام صدام ربيع العراق المتأخر أكثر من عشر سنوات، وتالياً ربيع العرب أجمعين المنتظر طويلاً.
بعد عشر سنوات أشعر الآن بغير قليل من المرارة والحرقة، فالآمال العريضة اغتيلت الواحد بعد الآخر . لا تقولوا ان ارهابيي "القاعدة" وفلول صدام هم من طوّح بتلك الآمال .. فالقتلة الحقيقيون هم هؤلاء الذين أساءوا السلوك طوال السنوات العشر المنصرمة .. هم المتقاتلون على السلطة والنفوذ والمال.
من مبلّغ عبد الرحمن الراشد بان الصنم الذي كرّسنا لسقوطه الصفحة الاولى بأكملها، بصورة كبيرة ومانشيت من ثلاث كلمات فقط، لم يهوِ تماماً .. بقيت منه فردة حذاء لم تكفّ عن ضرب العراقيين على رؤوسهم منذ ذلك اليوم حتى اليوم.. وبقيت منه قطعة طويلة من الحديد اشبه بالخازوق!
من مبلّغ عبد الرحمن الراشد ان صدام حسين الذي أسقطنا صنمه ونظامه على تلك الصفحة الأولى يسخر منا الآن على مدار الساعة عبر فردة الحذاء تلك وذلك الخازوق.
لم يسقط صنم صدام تماماً بعد .. ولم يسقط نظام صدام تماماً الى اليوم.. نظامنا الحالي فيه الكثير من نظام صدام، من عقلية صدام الى قوانين صدام الى ضباط صدام وفدائيي صدام أيضاً الذين يُعاد اليهم الاعتبار الآن .. و.. و.. و.. و..


208
شناشيل

بيض وطماطة برسم رئيس الحكومة!

عدنان حسين

تُريد أن تكون شخصية عامة وتحتل منصباً رفيعاً في الدولة؟ عليك إذن أن تتقبل ما ستواجهه من الناس. وما ستواجهه يتضمن الاحتجاج بصوت عال ضدك، ومقاطعتك المرة تلو الأخرى وأنت تخطب، وحتى رميك بالبيض والطماطة.
هذه من المبادئ الأولية التي يتعلمها مقتحم الحياة العامة، السياسية بالذات، في الدول الديمقراطية.. المستشارون ينصحون السياسيين بان يتمالكوا أنفسهم في مواقف كهذه، ويتقبلوا "الاهانات" من هذا النوع بروح رياضية.. وهذا سرّ الروح الرياضية العالية التي تمتّع بها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش خلال مؤتمر صحفي له في بغداد مع رئيس حكومتنا نوري المالكي، عندما اختار أحد المراسلين أن يُلقي على بوش فردتي حذائه بدل رميه بسؤالين محرجين.
لو كنا في بلد ديمقراطي لتعيّن علينا أن نتلف الكثير من بيضنا وطماطتنا بإلقائه على مسؤولي دولتنا، وبخاصة رئيس الوزراء ووزراءه ورئيس مجلس النواب وأعضاء مجلسه، فلدينا من الأسباب ما يعادل أضعاف الأسباب التي تحمل مواطني اليونان أو قبرص أو اسبانيا أو بريطانيا على التظاهر ضد حكوماتهم ورمي رؤسائها ووزرائهم بالبيض والطماطة.
منذ بضعة ايام اقترح رئيس حكومتنا إجراء انتخابات مبكرة لاخراج العملية السياسية من غرفة الانعاش، بحسب تعبيره. هذا الكلام الذي قاله المالكي في مؤتمر لمرشحي قائمته الى انتخابات مجالس المحافظات في النجف، يستحق عليه –لو كنا في دولة ديمقراطية– أن يُقاطع بالاحتجاجات وحتى أن يُرمى بالبيض والطماطة. والأسباب عديدة، فالسيد المالكي هو أحد الذين أدخلوا العملية السياسية في غرفة الإنعاش، بل هو المسؤول الاول عن ذلك بوصفه رئيس الحكومة ورئيس أكبر كتلة في مجلس النواب. وفكرة الانتخابات المبكرة كانت قد طُرحت منذ سنتين تقريباً ورفضها المالكي وكتلته بقوة يومها، مع أنها كانت ستحدث تغييراً كبيراً في اتجاه العملية السياسية التي ظلت تراوح مكانها بل ترتد الى الخلف.
ومن أقوى الاسباب للاحتجاج على السيد المالكي أن حكومته فشلت فشلاً ذريعاً في كل ميادين عملها، والأنكى انهما –هو وحكومته– مصران على مواصلة هذا الفشل ومتمسكان بشعار "ما ننطيها"!، وما تشهده شوارع العاصمة بغداد في الايام الاخيرة من اختناقات مرورية قاتلة، على سبيل المثال، دليل صارخ على هذا الفشل. فالحكومة لا تجد حلاً لمشكلة فشلها في ضبط الأمن إلا بمعاقبة المواطنين، بدل الإرهابيين، لأنهم يذهبون الى دوائرهم ومحالهم ومكاتب أعمالهم.
لو كنا في دولة ديمقراطية لاقتنع السيد المالكي بان الأكرم له والأنفع لنا أن يقدم استقالته وحكومته -كما تفعل كل الحكومات الديمقراطية في حال مثل حالنا- معترفاً بالعجز عن اخراج العملية السياسية من غرفة الإنعاش، أو في الأقل عدم صلاحية النسخة الراهنة لهذه العملية، ليمهد بذلك الطريق أمام تشكيل حكومة أخرى بمواصفات أفضل من مواصفات حكومته، أو الذهاب الى انتخابات مبكرة. 


209
شناشيل
بالمشمش.. يا اميركا !

عدنان حسين

نعم هكذا كان رد فعلي الذهني وأنا اقرأ أمس تصريح  مستشار وزير الخارجية الأميركي برَت مَكغورك .. حضر تعبير "بالمشمش" في رأسي في الحال إذ قرأت قوله:"سننتظر من الحكومة العراقية تطبيق أقوالها".
مَكغورك كان يتحدث في عاصمتنا أول من أمس الى عدد من الصحفيين، معلناً ان إيقاف العنف في سوريا لا يأتي إلا "بتنحي بشار الأسد"، وهذا التنحي سيكون أعجل وأسهل اذا ما تم "إيقاف عبور الطائرات الإيرانية عبر الأجواء العراقية".
الطائرات الايرانية المطلوب وقف تحليقها في الاجواء العراقية عابرة الى سوريا هي تلك التي تحمل اسلحة وذخائر فتاكة يستعملها بشار الاسد في إبادة شعبه منذ سنتين. الاميركيون يعرفون ما يقولون .. لديهم عيون ترى وآذان تسمع، كثيرة وكبيرة مبثوثة في الفضاء وعلى الارض، وهم قالوا ان ايران تجهّز الأسد بادوات القتل الجماعي التي تعبر الى سوريا مروراً باراضينا وأجوائنا.
لم يعد الايرانيون يذهبون الى سوريا للزياة أو السياحة أو التبضع، كما كانوا يفعلون قبل انطلاق الانتفاضة السورية، والطائرات الايرانية عابرة الأجواء العراقية الى سوريا لا تطير فارغة .. انها طائرات موت تحمل وسائل افناء البشر والحجر.

".
المستشار مَكغورك قال ان ادارة بلاده "تعتقد أن خيار الحوار بين جميع الأطراف في سوريا هو الأفضل للوصول إلى نتيجة تجاه العنف الذي يحصل هناك"، بيد ان هذا الخيار، كما استدرك "لا يحصل إلا بتنحي بشار الأسد عن الحكم، عن طريق الضغط  عليه، بإيقاف عبور الطائرات الإيرانية عبر الأجواء العراقية إلى سوريا".
وكشف المستشار الاميركي عن ان مسؤولي حكومتنا وعدوا ادارة بلاده  بانهم "لن يسمحوا بمرور طلقة واحدة إلى سوريا عبر الأجواء العراقية"، وقال "سننتظر من الحكومة العراقية تطبيق أقوالها".
عبثاً يا سيد مَكغورك ستنتظر.. وبالمشمش ستطبق حكومتنا أقوالها لكم، فليس في وسع من ينكث العهد مع أهله أن يفي بالوعد مع الآخرين. هذه الحكومة وعدتنا قبل سنتين بتحقيق كل ما نحلم به. وما حلمنا به كان ينحصر في حقوق أولية لنا، ولم يكن صعب المنال، فلم ينطو على طلب باجتراح معجزات .. تظاهرنا مطالبين بمكافحة الفساد المالي والاداري وبحصة تموينية "مال أوادم" وبتوفير الامن والكهرباء وتبليط الشوارع والأزقة ورفع الازبال منها وسحب المياه الآسنة والاهتمام بصحتنا وتعليمنا، وتنمية زراعتنا وصناعتنا لايجاد فرص عمل لخريجينا العاطلين .. كل هذا من مئات مليارات الدولارات المتدفقة على خزينة الدولة من نفطنا وليس من جيب أبي أحد من حكامنا.
حكومتنا التي قمعت يومها مظاهراتنا السلمية بوحشية سافرة تعهدت لنا، بعد أن تحديناها ونزلنا الى الشوارع رغم أنفها وعسكرها، بتحقيق كل مطالبنا التي أقرّت بشرعيتها ودستوريتها، واستمهلتنا مئة يوم ثم مئة أخرى، لكنها لم تف بالوعد حتى اليوم بعد مرور 760 يوماً بالتمام والكمال، فالكهرباء على حالها / والحصة التموينية والشوارع.. وكل شيء .. بل اننا اليوم في حال سياسية وأمنية أسوأ مما كنا عليها يومذاك.
بالمشمش يا سيد مكغورك ستطبّق حكومتنا تعهدها لكم بمنع مرور حتى "طلقة واحدة" من ايران الى بشار الاسد.


210
شناشيل
ماذا يقول قصي السهيل الآن؟
عدنان حسين
من المفروض أن رئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب هو واحد من الأشخاص الخمسة في رأس الدولة العراقية الأكثر دراية بتفاصيل قضايا الفساد المالي والاداري. أما الاربعة الآخرون فهم رئيس الوزراء ومدير مكتبه بوصفه مستودع أسرار رئيس الحكومة، ورئيس هيئة النزاهة ورئيس مجلس القضاء.
في العديد من المرات أثبت رئيس النزاهة البرلمانية النائب بهاء الاعرجي انه بالفعل على معرفة جيدة، ان لم تكن تامة، بهذه القضايا. وآخر مناسبة دلل فيها على هذه المعرفة، الليلة قبل الماضية (الخميس) عندما ظهر في برنامج "ستوديو الساعة 9" على شاشة فضائية "البغدادية"، فقد كشف عن قضايا وأسماء عدة مستعيناً بملف كبير، ووعد بكشف المزيد، لافتاً الى ان لجنته أحالت الى القضاء قضايا كبيرة كثيرة منذ سنوات الا ان السلطة القضائية امتنعت عن اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة في شأنها بتأثير من السلطة التنفيذية (الحكومة)، وكشف عن تهديدات تلقاها قضاة التحقيق من أعضاء في السلطة التنفيذية.
من الاعلانات الثمينة التي أفصح عنها السيد الأعرجي في البرنامج ان قضية البنك المركزي (اقالة محافظ البنك سنان الشبيبي ومعاونه مظهر محمد صالح الذي اعتقل لمدة اربعين يوما تقريباً واقالة واعتقال مسؤولين آخرين بينهم سيدات، في اجراءات خالفت أحكام الدستور) هي قضية سياسية وليست قضية فساد مالي واداري. وبصراحة ووضوح قال الاعرجي ان السبب في القضية ان الشبيبي، الذي نعرف جميعاً انه من أكفأ الناس في اختصاصه ومن أنزههم وأكثرهم وطنية، كان متمسكاً باستقلالية البنك وتبعيته للبرلمان، فاصطدم بنزعة رئيس الوزراء لاخضاع الهيئات المستقلة جميعاً لسطلته.
وقائع الاشهر الستة الماضية كلها اثبتت ان قضية البنك المركزي سياسية بامتياز، فلم يظهر حتى الان أي دليل على فساد مالي واداري في حق الشبيبي وطاقمه ولو بقيمة الف دولار فقط. بل اننا لاحظنا ان وضعنا المالي يتجه الى حال من السوء بعد سنوات من التصحيح الذي كان لنزاهة الشبيبي وطاقمه ووطنيتهما الدور الأبرز في تحقيقه. تكفي الاشارة الى ان طاقم الشبيبي عزّز من قيمة الدينار كثيراً فيما تتدهور هذه القيمة باستمرار الان، فعلى أيام الشبيبي كنا نشتري الدولار بـ 1200 دولار وأقل فيما لا نحصل عليه الان باقل من 1270 دولاراً، اي ان الدينار فقد نحو 6 بالمئة من قيمته في غضون ستتة اشهر فقط.
لا شيء محيراً في موقف رئيس الحكومة من الشبيبي وطاقمه.. المحيّر هو موقف النائب الاول لرئيس مجلس النواب قصي السهيل، فقد أظهر السهيل، وهو نائب صدري كالنائب الاعرجي، حماسة منقطعة النظير لاجراءات رئيس الحكومة غير الدستورية ضد البنك وطاقم الشبيبي.
من المفروض أن السهيل يعرف من زميله الاعرجي ان قضية البنك والشبيبي سياسية وليست ذات صلة بالفساد المالي والاداري، فلماذا اتخذ السهيل موقفه ذاك؟
الان بعدما أكد النائب بهاء الأعرجي، بصفته رئيساً للجنة النزاهة البرلمانية، علناً ان القضية التي مسّت أكبر وأهم مؤسسة مالية في البلاد كانت مسيّسة من ألفها الى يائها، مطلوب من السيد قصي السهيل، بصفته نائباً عن الشعب وعن التيار الصدري بالذات، أن يفيدنا بما حمله على أن يتخذ موقفاً يشبه موقف محامي الشيطان.





 



211
المنبر الحر / من يترك الغيتو؟
« في: 17:52 04/04/2013  »
شناشيل
من يترك الغيتو؟
عدنان حسين
كنتُ وما زلت، مثل كثيرين غيري، أعتقد بان الاحزاب الشمولية، وبخاصة الاسلامية (الشيعية والسنية سواء بسواء) والقومية، لا تصلح لحكم بلد كالعراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وربما لا تصلح لحكم أي بلد آخر أيضاً.
الحزب الاسلامي، وأي حزب يقوم على الدين، هو حزب طائفي بالضرورة. وفي البلدان الاسلامية قاطبة لا يوجد حزب اسلامي يتنوع أعضاؤه بتنوع طوائف الدين الاسلامي ومذاهبه. والحزب القومي عنصري بطبيعته، وفي العالم كله لا يوجد مثال واحد لحزب قومي تضم تنظيماته أعضاء من قوميات مختلفة.
عدم صلاحية الحزب الاسلامي والحزب القومي لحكم العراق هو ما جعل العراقيين العراقي يتحمسون لتبني النظام الديمقراطي البرلماني التعددي، فيتحدون المنظمات الارهابية ويزحفون تحت نثار الرصاص وشظايا المتفجرات نحو صناديق الاقتراع للاستفتاء على الدستور ومن ثم انتخاب أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات. وراء تلك الحماسة كان الادراك العام بان مشكلة الدولة العراقية تاريخياً هي ان هذه الدولة لم تكن في أي وقت ديمقراطية لتؤسس لأمة عراقية متعددة الأعراق والاديان والمذاهب ولهوية وطنية مستقرة ومتينة.
الغيتوية، وهي نظام منغلق، تتعارض بطبيعتها مع الديمقراطية التي هي نظام منفتح، وكل من الحزب الاسلامي، وأي حزب ديني، والحزب القومي نوع من الغيتو.
ما يفسّر كراهية رئيس الوزراء نوري المالكي للحضور أمام البرلمان لمراجعة أعماله انه ابن مؤسسة غيتوية، لا يتحمل فكرة ان يكون خاضعاً للحساب الا داخل حزبه وبسرية تامة. والا ما السيد المالكي قد عارض ورفض الدعوات المتكررة من مجلس النواب بالحضور اليه وتقديم كشف حساب بشأن ملفات مختلفة، وبخاصة الملف الأمني وملف الفساد المالي والاداري وملف الخدمات.
ما كان للسيد المالكي أن يكون رئيسا للحكومة لو لم يختره البرلمان المتشكل بعملية ديمقراطية (الانتخابات). ومن البديهي أن يكون رئيس حكومة من هذا النوع مسؤولاً أمام البرلمان الذي يستمد منه شرعيته، وملزماً بالمثول اليه كلما تطلب الأمر.
في البلدان الديمقراطية لا يبحث رؤساء الحكومات المعينون من البرلمان عن ذرائع وحجج شكلية للتهرب من المساءلة البرلمانية كما يفعل السيد المالكي. انهم يذعنون لطلب البرلمان بوصفه السلطة العليا التي تمثل الشعب، مصدر السلطات. بل ان من المعتاد ان يذهب رؤساء الحكومات الديمقراطية الى البرلمان حتى من دون طلب من الأخير عندما تواجه البلاد والحكومة مشكلة عويصة تتطلب مشاركة ممثلي الشعب في حلها، وما أكثر مشكلاتنا العويصة. أكثر من هذا انه في بعض الدول الديمقراطية ، كبريطانيا، هناك موعد دوري ثابت لمثول الحكومة ورئيسها أمام البرلمان والخضوع لمساءلة غالباً ما تكون شديدة للغاية لانها فرصة للمعارضة لمحاسبة الحكومة. لكن هذه الشدة لا تنسحب على أجواء العلاقات بين الطرفين بعد انفضاض جلسة البرلمان، ففي الديمقراطية لا يُفسد اختلاف الرأي للود قضية بين الحكومة والمعارضة.
يحتاج سياسيونا، وأولهم رئيس الوزراء، الى الكثير من التدريب والتأهيل ليكونوا ديمقراطيين، لكنهم قبل هذا يلزمهم أن يغادروا غيتواتهم. فهل يفعلون؟


 


 


212
شناشيل
حملة انتخابية غير منصفة
عدنان حسين
سألتني إحدى محطات الاذاعة أمس عما اذا قد لفت نظري اعلان انتخابي لمرشحي مجالس المحافظات في العاصمة، فأجبت في الحال بالايجاب. بدا الزميل المراسل متوقاً لمعرفة ما يكون هذا الاعلان ولأي مرشح فلم أتردد في اشباع فضوله المهني بالكشف عما أعجبني.
الإعلان، مثل الرسم الكاريكاتيري، يكون أفضل كلما قلّت تفاصيله، بما فيها الكلمات. ومن حيث القوائم والائتلافات تميّزت على غيرها اعلانات مرشحي كتلة المواطن أولاً ثم ائتلاف العدالة والديمقراطية العراقي. وتميّزهم برز بخاصة في عدم اتكائهم الى زعماء كتلهم وائتلافاتهم وتدثرهم بعباءاتهم.
وبين المرشحين جميعاً كان لافتا اعلان المهندس محمد الربيعي، وهو عضو مجلس محافظة بغداد الحالي، فقد كان ذكياً في "البوز" الذي اتخذ أثناء التصوير: نظرة عينين مباشرة وابتسامة عريضة ودودة وحركة يد أليفة للتحية.
سألني المراسل عما اذا عنى كلامي ان اعلان المهندس الربيعي مؤثر الى درجة يجعلني ادلي بصوتي لصالحه، ولم اتردد في الاجابة بالنفي هذه المرة، فاقد كنت أتحدث بصفتي ابن مهنة لها علاقة وثيقة بالاعلان والدعاية وانظر الى اعلانات المرشحين من هذه الزاوية. اما  من الذي سأنتخبه فهاذ أمر يخصني شخصياً. ومن دون التقليل من استحقاق المهندس الربيعي، فانني قد حددت من سأنتخب قبل أن تنطلق اشارة البدء بالحملة الانتخابية منذ شهر. ومن دون تردد أو خشية أعلن انني سأنتخب احدى مرشحات ائتلاف العدالة والديمقراطية العراقي (422).
على أية حال، أرى ان حملاتنا الانتخابية لا تتسم بالتكافؤ والعدالة والانصاف، فمن الواضح ان الأحزاب الحاكمة هي الأكثر بذخاً في اعلانات مرشحيها، وهذا راجع الى قوة امكاناتها المالية المتأتية، ولا بد، من نفوذها في أجهزة الدولة وقربها من مصادر المال العام.
وعدم الانصاف والعدالة لا يقتصر على هذا الجانب، فجمهور الناخبين لدينا يتعامل في الواقع مع أشباح وليس مع مرشحين ليكونوا ممثليه في المجالس التشريعية المحلية.
في معظم الدول الديمقراطية يتواجه المرشحون مع جمهور الناخبين مباشرة في تجمعات يعرّف فيها المرشحون انفسهم ويعلنون عن برامجهم. وفوق هذا يعمد المرشحون الى التواصل مع الناخبين عبر البريد ووسائل الاتصال المختلفة. وهذا ما لا يتوفر لدينا، فالمرشحون جميعاً، حتى في الانتخابات البرلمانية، في عزلة تامة عمن سيمثلونهم .. لا تجمعات ولقاءات عامة ولا نشرات عبر البريد، ووسيلة الاتصال الوحيدة هي اعلانات الشوارع التي تشوّه المدن على نحو مقرف. بل ليس في امكان الناخبين مراجعة نوابهم في مكاتب معلومة لهم حتى بعد انتخابهم. وهذا كله بذريعة الاحترازات الأمنية.
ليس من العدل والانصاف أن يجري انتخاب عضو برلمان او مجلس بلدي لا يعرف الناخب عنه اكثر من صورة يظهر فيها المرشح مستظلاً بزعيم حزبه أو كتلته.



213
شناشيل
مبرووووك .. نوري المالكي
عدنان حسين
مبروك ...
مبروك ...
مبروك ...
الف مبروك لدولة رئيس الوزراء وسيادة القائد العام للقوات المسلحة ومعالي وزير الداخلية بالوكالة نوري المالكي ولكافة منتسبي رئاسة الوزراء واعضاء الحكومة ومنتسبي القوات المسلحة ووزارة الداخلية.
مليون مبروك لقيادات حزب الدعوة الاسلامية ودولة القانون والتحالف الوطني، ولأعضاء حزب الدعوة فردا فرداً، ولكل عائلات شهداء حزب الدعوة وفي المقدمة منهم مؤسس الحزب الشهيد آية الله محمد باقر الصدر وشقيقته الشهيدة بنت الهدى، ومعهم كل عائلات شهداء الشعب العراقي بجميع قومياته وأديانه وطوائفه وقواه السياسية، سواء كانوا ضحايا دكتاتورية صدام وحروبه أم ضحايا ارهاب القاعدة وفلول نظام صدام والميليشيات والعصابات الطائفية على مدى السنين العشر الماضية.
أحرّ التهاني وأصدق التبريكات للجميع بالانجاز الاستراتيجي العظيم الذي حققه لنا دولة رئيس الوزراء وسيادة القائد العام للقوات المسلحة ومعالي وزير الداخلية وزعيم حزب الدعوة ودولة القانون وصحبه أجمعين باعادة مشعان الجبوري الى الصف الوطني.
الان فقط هدأت أنفسنا الفائرة وجلاً وقلقاً واطمأنت الى مستقبل الشعب ومصير الوطن. والآن فقط ارتاحت ارواح الشهداء جميعاً، فالأحلام العزيزة والآمال الكبيرة التي ضحوا من اجلها ستصير من اليوم فلاحقاً حقيقة واقعة.
لا مشاكل بعد اليوم، لا في الأمن ولا في الكهرباء ولا في الحصة التموينية أو الوظائف أو الاسكان أو النقل أو الصحة أو التعليم أو الصرف الصحي أو نظافة الشوارع والساحات والاحياء السكنية .. فالحلف الاستراتيجي الذي عقده دولة رئيس الوزراء والقائد العام ووزير الداخلية بالوكالة وزعيم حزب الدعوة ودولة القانون وصحبه مع مشعان الجبوري كفيل بجعل كل ما عانيناه طوال السنين العشر الماضية والعقود الاربعة السابقة على ذلك، مجرد ذكرى وشيئاً من الماضي لا وجود له الا في كتب التاريخ.
وللجهلة منّا ولمن لا يقدّرون الاشياء حق قدرها، فان مشعان الجبوري مناضل وطني من الطراز الأول يندر أمثاله.. حارب نظام صدام بشراسة مثلما كان يفعل مناضلو حزب الدعوة وسواهم، الشهداء منهم والذين غُيبوا في السجون سنوات طويلة .. وهو صاحب الايادي البيضاء بانفاقه عشرات الملايين من الدولارات التي جمعها بكده وكدحه وعرق جبينه على مكافحة ارهاب القاعدة والبعث .. وهو سخّر محطاته التلفزيونية لمواجهة الطائفية وترسيخ قيم الوطنية والاخوة والمحبة والتآلف والتعاون بين أبناء الشعب كافة، وتشهد الاشرطة المسجلة لبرامج تلك القنوات على انه كان "يلعلع" بصوته العالي حاثاً ابناء طائفته(السنة) على حماية اخوتهم في الوطن والدين من الشيعة من حملات الذبح الطائفي بتأمينهم في بيوتهم وافتدائهم بأموالهم وارواحهم.
نعم هذا هو التاريخ المشرّف لمشعان الجبوري، والذي على أساسه تم عقد الحلف الاستراتيجي في ما بينه وبين دولة رئيس الوزراء وسيادة القائد العام ووزير الداخلية بالوكالة وزعيم حزب الدعوة الاسلامية ودولة القانون وصحبه.
مبروك لنا جميعاً .. ويا محلى النصر بعون الله وليخسأ الخاسئون، وعاش قائدنا الضرورة الجديد مختار العصر!


214
المنبر الحر / اشدعوة يا بنوكنا؟
« في: 14:54 01/04/2013  »
شناشيل
اشدعوة يا بنوكنا؟

عدنان حسين
في العادة يتكيّف النظام المصرفي بسرعة أكبر من سواه مع المتغيرات، لأنه يعمل بالمال، والبنوك هي أكثر من يعرف قيمة المال وأهمية التدفق السلس للمال منها واليها. لكن نظامنا المصرفي يظهر بوصفه استثناءً، من هذه القاعدة، وربما الاستثناء الوحيد أو النادر في دولة ذات اقتصاد حر.
يبدو الروتين في بنوكنا الحكومية والخاصة في الصورة التي عليها الروتين في جهاز الدولة، فأبسط المعاملات يستهلك من الوقت والجهد والورق الكثير.
في العالم كله تقريباً صار يمكنك فتح حساب بنكي في غضون دقائق، حتى من دون مراجعة الادارة العامة للبنك أو فروعه، فتكنولوجيا المعلومات وفّرت فرصة ذهبية للبنوك لتقديم خدماتها الى الجمهور بسرعة تقارب سرعة الصوت، وهذا ما خفّف كثيراً من التكاليف التي تتحملها البنوك العاملة الان بعدد أقل من الموظفين ومن دون ورق، وما الى ذلك. وبفضل ماكنة الصراف الآلي (ATM) صارت البنوك موجودة في كل مكان يحتاج فيها المرء الى إنفاق ماله.
الانفتاح السريع على التكنولوجيا المتطورة وسواها من وسائط وأساليب العمل الحديثة، فتح أمام البنوك أبوابأ أوسع للربح، وصارت الأرباح السنوية للعديد من البنوك تُحسب بمليارات الدولارات بدلاً من الملايين وعشرات الملايين الى ما قبل سنوات قليلة، وهذا ما أثار أكثر حمى المنافسة بين البنوك .. المنافسة حتى في تقديم أفضل الخدمات وأيسرها وأسرعها لزبائنها.
هذا كله في واد وبنوكنا في واد آخر مختلف تماماً. ففتح حساب في بنوكنا يشبه الورطة، بل هو ورطة حقيقية. الحساب الجاري لا يُفتح الا للتجار! وهو لا يُفتح الا لقاء رسوم يدفعها الزبون للبنك مع ان الأخير هو المستفيد الأكبر من فتح الحسابات لديه. في بقية أرجاء العالم لا رسوم على فتح الحسابات بكل أنواعها، وهي متوفرة للجميع وليس لفئة اجتماعية دون غيرها (بعض البنوك ترغّب الافراد بمنحهم مبالغ مالية محدودة لقاء فتح حسابات لديها).
وسواء كان الحساب المراد فتحه في بنوكنا جارياً أم للتوفير فان معاملة الفتح تبعث على الملل والنقمة لكثرة ما تتضمنه من اجراءات.. هذه الاجراءات المملة للغاية تظل تطاردك ليس فقط عندما تحتاج لأن تسحب من نقودك وانما أيضا عندما تريد ان تضيف اليها ليصبح في تصرف البنك، فالأمر في بنوكنا ليس بسهولة أن تحمل الدنانير أو الدولارات الى الكاشيير فيودعها في حسابك ويعطيك وصلاً بذلك أو يدوّن كميتها في دفتر الحساب، فلا مناص من توقيع الموظف(ة) ورئيس(ة) الشعبة ثم القسم!(اشدعوة؟).
كانت لي تجربتان في فتح الحساب البنكي في بغداد، واحدة مع بنك حكومي وآخرى مع بنك أهلي .. الروتين القاتل كان هو هو في الحالين، لكنني للانصاف عليّ ان اشير الى تجربة ثالثة مختلفة مع المصرف العراقي للتجارة (TBI) الذي افتتحت لي حساباً في فرعه الكائن في الحارثية فوجدت انه الأقل بيروقراطية، بل يبدو أحياناً بمستوى البنوك العالمية.
لماذا لا تكون بنوكنا كلها مثل هذا البنك؟ بل لماذا لا تكون مثل بنوك العالم؟


215
شناشيل
تكنولوجيا سومرية في بغداد 21   
عدنان حسين
لم يُسعفني "العم غوغل" في الوصول الى التاريخ المحدد لظهور المسحاة الى الوجود، وبخاصة في بلاد الرافدين التي لابد انها من أوائل البلدان التي صُنعت فيها واستعملت المسحاة، ارتباطاً بانها من أولى مواطن الحضارات في العالم.
كناتج عرضي ظهر لي في الشبكة العنكبوتية ان صناعة المعادن، ومنها صناعة الخنجر، عرفها السومريون منذ ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة. ولا بد ان هذا هو تاريخ ظهور المسحاة أيضاً، فالمنطق يقود الى ان من يفكر بصناعة الخنجر لا بد أن يفكر بصناعة المسحاة، ومن يمكنه طرق الحديد لصنع الخنجر في وسعه أن يصنع المسحاة كذلك.
دوائر المعارف وكتب التاريخ تصنّف الحضارة السومرية على انها من الحضارات التي سادت ثم بادت، لكنني أمتلك الدليل على ان حضارة سومر لم تبد أبداً.. انها متواصلة حتى اليوم، والشاهد على هذا قائم في قلب بغداد.
أمس كنت أمرّ بمنطقة العلوية فشاهدت حفرة بمساحة تزيد عن الفي متر مربع وبعمق يزيد عن ثلاثة أمتار .. الحفرة ليست من مخلفات نيزك ولا ناجمة عن زلزال. من الواضح انها مهيأة لانشاء مبنى كبير... دائرة حكومية أو فندق أو غيرهما.
بناية بهذه الضخامة، في أي مكان آخر في العالم، لا بد أن يستعان في اقامتها بأحدث التكنولوجيا، إن لم تكن تكنولوجيا القرن الحالي(الحادي والعشرين) المتطورة للغاية، ففي الأقل تكنولوجيا القرن المنصرم أو حتى القرن التاسع عشر، لكنني رأيت أمس ان العمال في هذا الموقع البغدادي يشتغلون بتكنولوجيا العهد السومري الذي يرجع في عمق التاريخ الى ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة. كانت المسحاة حاضرة بالجملة بين أيدي العمال، يحفرون التراب ويرفعونه بالضبط كما كان يفعل عمال السخرة السومريون عندما كانوا يهيئون الارض لزقورة أو قصر ملكي.
خلال السنوات العشر الماضية لم يشهد العراقيون التغيّر النوعي الكبير في حياتهم الذي توقعوه .. هذا مفهوم، فالعراقيون "راحوا بين الرجلين" في هذه الفترة.. أعني أرجل السياسيين القائمين على السلطة، لكن منذ ثلاثة الاف وخمسمئة سنة حتى اليوم تغيّر كل شيء في حياة البشر على نحو خرافي، وبالتأكيد لو قيض للسومريين أن يعودوا الى الحياة الان لماتوا في الحال من هول ما يرون مما تطورت عليه حياة الانسان.
لماذا لم يزل العامل العراقي في القرن الحادي والعشرين يعمل بالطريقة نفسها التي كان يعمل بها عامل السخرة السومري قبل 35 قرناً، ممسكاً بالمسحاة بأيد عارية؟
الجواب تجدونه في الفساد المالي والاداري. كيف؟
المبنى الكبير الذي يجري تمهيد الارض له في علوية بغداد، سواء كان حكومياً أو أهلياً، لا بد ان مناقصته قد أرسيت على مقاول وهمي (لديه شركة مسجلة بالاسم وعلاقات بكبار المسؤولين في الدائرة الحكومية أو جهة القطاع الخاص)، وهذا بدوره أوكل أمر البناء الى مقاول آخر بعدما اقتطع "حصته" البالغة كذا مليون دولار، وهذا عهد بالأمر الى مقاولين ثانوين صغار لا يملكون المكائن والآليات الثقيلة فيستعينون بالعمال المياومين الذين حفظوا لنا تكنولوجيا سومر وانقذوا الحضارة السومرية من الإبادة! وهذا كله بفضل مقاولينا الذين شعارهم: اضرب واهرب!



216
شناشيل
لماذا قاطعنا قمة الدوحة رئاسياً؟
عدنان حسين
لا أظن أن الآخرين أكفأ من هوشيار زيباري في تمثيلنا إلى القمة العربية الجارية أعمالها في العاصمة القطرية الدوحة، لكنني مع ذلك أظن ان مقاطعتنا القمة على مستوى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء لم تكن حكيمة. والأغلب لو أن الرئيس جلال طالباني كان معافى الآن لارتأى أن نشارك في هذه القمة على أعلى مستوى، فهو كما عرفناه رجل براغماتي، والبراغماتية ليست عيباً، بل هي من القواعد الأساس للعبة السياسية.
الدورة المنقضية للقمة العربية كانت برئاستنا، وكان من الواجب أن نسلّمها الى خلفائنا (القطريين) على مستوى رئاسة الجمهورية، أو أقله رئاسة الوزراء.
أعرف ان وراء القرار بعدم ذهاب نائب الرئيس أو رئيس الوزراء الى قمة الدوحة سببين، الأول تطبيقاً للتقليد البائد: العين بالعين والسن بالسن، فأمير قطر وكذا رئيس حكومته لم يحضرا الى بغداد في قمة العام الماضي، وها نحن (أقصد حكومتنا أو بالأحرى رئاستها) نردّ على "التحية" القطرية بمثلها. والسبب الآخر ان قطر متهمة بالتدخل في شؤوننا الداخلية بدعمها جماعات وشخصيات مناهضة للعملية السياسية ولرئيس الوزراء، وحتى منظمات إرهابية.
  العين بالعين والسن بالسن ليست قاعدة سليمة في السياسة الحديثة، لأنها يمكن أن تفضي بمطبّقها الى الخسارة وبخاصة اذا كان ضعيفاً، ونحن الآن طرف ضعيف في المعادلة الإقليمية والدولية، نتيجة لضعفنا الداخلي، فيما قطر قوية برغم صغر حجمها الجغرافي. قد لا يُرضي هذا الكلام بعضنا، بل قد يُزعجه ويستثيره، لكن هذه هي الحقيقية. ونحن ضعفاء الآن لأسباب موضوعية معروفة، والأكثر لأسباب ذاتية معروفة أيضاً أوجدناها بأنفسنا وصنعناها بأيدينا، وسنظل ضعفاء طالما ظلت عمليتنا السياسية عرجاء وعوجاء وعوراء وتمشي الى الخلف. وهذه العملية السياسية ستظل على هذي الحال طالما بقي المتحكمون بها هم هؤلاء "السياسيون" الذين حققوا لنا على مدى عشر سنوات الفشل تلو الفشل. 
اما التدخل القطري في شؤوننا الداخلية فأمر لا ريب فيه، وهو جزء من تدخل هذه الدولة الصغيرة القوية في شؤون بلدان عدة.
كانت مقاطعة قطر وسائر دول مجلس التعاون الخليجي قمة بغداد (باستثناء الكويت التي حضر أميرها) أمراً معيباً... لا شك في ذلك، وهو أمر يندرج في خانة التخلف وليس التحضر، بدليل ان الدول المتحضرة، كدول الاتحاد الأوروبي، لا تقاطع الاجتماعات والمؤتمرات الجماعية مهما اشتدت خلافاتها وتباينت مواقفها. نحن العرب، وعموم المسلمين، متخلفون ومن علائم تخلفنا تصرفاتنا الصبيانية، ومنها سياسة المقاطعة.
أظن انه كان من الأصلح لنا أن نحضر قمة الدوحة وأن نستثمرها لتعيير زعماء دول الخليج بمقاطعتهم قمة بغداد، وللوم قطر عن تدخلها في شؤوننا.
لو كنّا فعلنا هذا لخدمنا قضيتنا على نحو أفضل، ولصفّق لنا كثيرون بمن فيهم شعوب هذه الدول التي أظن انها كانت ترغب في حضور زعمائها قمة بغداد.


217
شناشيل
القيادة حكيمة .. والخراب عميم!
عدنان حسين
منذ سنة ونيّف سحبت الولايات المتحدة آخر ما تبقى لها من قواتها التي شنّت حرب 2003 وأسقطت نظام صدام حسين. وقبل الأميركيين خرج البريطانيون وسائر الحلفاء الذين عاضدوا الاميركيين والبريطانيين في تلك الحرب التي لم تعد بالنسبة لهم جميعاً غير ذكرى.
برغم ذلك لم تفت الذكرى السنوية العاشرة لبدء العمليات الحربية من دون مراجعة للتجربة بأكملها. بل هي كانت مراجعة واسعة وعميقة انخرط فيها العديد من السياسيين الأميركيين والبريطانيين ممن كانت لهم كلمة في قرار الحرب. وكان بينهم ثمة اجماع تقريباً على الاعلان بان قرار الحرب كان خاطئاً أو ان إدارة مرحلة الاحتلال التي تلت اسقاط صدام كانت هي الخاطئة.
بين المعترفين بالخطأ بول وولفوفيتز مساعد وزير الدفاع الاميركي آنئذ الذي يوصف بانه مهندس خطة تلك الحرب، ووزير الخارجية الاميركي كولن باول، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ونائبه جون بريسكوت وسواهم، فضلاً عن عشرات المحللين الاستراتيجيين والمؤرخين.
كلهم راجعوا واعترفوا بأخطائهم، الا نحن، مع اننا الأحوج للمراجعة، فما حدث في 2003 متواصل حتى اليوم بآثاره العرضية السلبية للغاية التي لها عناوين كثيرة: الموت الجماعي والدمار الشامل في العمليات الارهابية المتفاقمة، الحرب الطائفية، تسيّد حثالة المجتمع السياسي، الفساد المالي والاداري، الفقر، البطالة، انهيار أنظمة الخدمات العامة، انتهاك حقوق الانسان وسائر الحقوق والحريات العامة والخاصة.. الخ.
نعم كانت في تلك العملية حسنة كبيرة هي الخلاص من نظام متوحش ومغادرة النفق المغلق المعتم، بيد ان ذلك الخروج لم يكن الى الفضاء الذي تطلّع اليه العراقيون .. فضاء الديمقراطية والحرية والكرامة واعادة البناء والتمتع بالثروات الوطنية الهائلة بعد طول حرمان. لم يكن خروجاً من السيء الى الأفضل، بل من الأسوأ الى السيء فحسب.
كان لدينا دكتاتور جاء من قاع المجتمع ليتحكم بالرقاب والمصائر على مدى أكثر من ربع قرن، فيما لدينا الآن بضع دزينات من حثالة المجتمع أيضاً تقوم بالمهمة ذاتها منذ عشر سنوات، فكأنك يا بو زيد (الأميركي – البريطاني) ما غزيت!
لم يُقدِم رجال دولتنا ومستشاروهم و"خبراؤهم" على المراجعة .. هم لن يجرأوا، واذا ما فعلوا فسيخرجوا علينا باوراق ناصعة البياض، كما فعل الحزب الحاكم أخيراً.
حزب الدعوة الاسلامية عقد منتصف هذا الشهر مؤتمره السادس عشر. والبيان الصادر عنه لم يحمل أي اشارة الى ان المؤتمرين قد درسوا وحللوا تجربة حكمهم البلاد على مدى السنوات السبع الماضية أو في الأقل الثلاث الأخيرة. فكل ما جاء في الفقرات والجمل المقتضبة للبيان يعبّر عن الشعور بالرضا وعن روح المكابرة، فلا اعتراف، بل ولا حتى مجرد الاشارة الى خطأ ما ارتكبه أمينه العام، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير أجهزة الأمن كلها، أو وقع فيه أي من مسؤولي الحزب الذين يمسكون بعدد من مفاصل السلطة والثروة الرئيسة في العاصمة والمحافظات.
انه بيان يستعير لغة البيانات التي كانت تصدر عن حزب البعث في العهد السابق، فكل شيء تمام وعال العال والنجاحات تتوالى والتحديات جسيمة والارادة قوية والعزيمة صادقة .. والقيادة حكيمة!.. وكما كانت تفعل بيانات البعث لم يقرّ بيان الدعوة بان الخراب عميم!


218
شناشيل
لِمَ لا نكون كالكويتيين؟
عدنان حسين
تلميذة عمرها 11 سنة توفيت منذ عشرة أيام أثناء ما كانت تتلقى العلم في مدرستها. المعلومات الرسمية أكدت ان الوفاة كانت بالسكتة القلبية، فللتلميذة معاناة سابقة من متاعب في قلبها. المعلومات غير الرسمية افادت بان التلميذة التي توفيت في الطريق من المدرسة الى المستشفى تعرضت في الصف الى تعنيف من معلمة لها ضريتها بكتاب على يدها، لكن ادارة المدرسة نفت ذلك.
أياً كانت التفاصيل فان الخبر عادي، ويحدث مثله يومياً تقريباً في مختلف انحاء العالم، ولا يلتفت اليه أو يهتم به سوى عائلات الموتى وجيرانهم، ولا تنشره وسائل الاعلام، الا الصحف المحلية أحياناً اذا كان المتوفى من عائلة معروفة في مدينته.
لكن وفاة التلميذة ذات الإحدى عشرة سنة منذ عشرة أيام صارت خبراً رئيساً في بلادها، الكويت .. نعم الكويت جارتنا الجنوبية الصغيرة، فحال إعلان خبر الوفاة، بل قبل اعلانه في وسائل الاعلام، تقدّم وزير التربية والتعليم العالي الكويتي الدكتور نايف الحجرف باستقالته من منصبه ووضعها تحت تصرف رئيس الوزراء، محملاً نفسه المسؤولية عن هذا الحادث بحكم منصبه "استشعاراً لمسؤوليتي السياسية والأدبية".
نعم حدث هذا في الكويت منذ عشرة ايام، والوزير المتقدم باستقالته الذي اجتمع على الفور بمسؤولي التربية في منطقة الفروانية حيث وقع الحادث في أحدى مدارسها ثم انتقل معهم الى دار عائلة التلميذة المتوفاة لمواساة اهلها وتعزيتهم، قال في تصريح للصحافة "أحطت رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك بحادثة الوفاة، ولأنني مؤمن بأن أبناءنا الطلبة هم من مسؤوليتي الشخصية، فإنني أتحمل مسؤولية ما حدث بدون أي تقصير من المسؤولين في الوزارة"، وكرر القول ""أنا مسئول عن كل طالب وطالبة في المدارس، وأتحمل مسئوليتي السياسية بعد وفاة الطالبة وأقدم استقالتي".
لا ادري إن كان كبار المسؤولين في دولتنا، العراق الكبير العريق العظيم، بمن فيهم رئيس الوزراء والوزراء ونائب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب ورئسهم ونائباه والقادة الأمنيون قد عرفوا بهذا الأمر .. نفسي أعرف، إن كانوا قد عرفوا به، ماذا قالوا في دواخلهم.. هل أكبروا في الوزير الكويتي فعلته أم ضحكوا منه؟
هنا، في عراقنا الكبير والعريق والعظيم، تُزهق كل يوم بالجملة أرواح بريئة، وكل اسبوع تقع سلسلة واحدة في الأقل من التفجيرات الارهابية التي يذهب ضحية لها المئات من العراقيين الأبرياء.. ومن أول وأهم أسباب هذا الهدر الهائل في ارواح العراقيين تقصير أجهزة الأمن والأجهزة الدولة السياسية ايضاً، ولكن لا أحد يتحلى بالشرف العسكري أو المدني ولا بالحس الوطني والضمير الانساني لكي يتقدم باستقالته كما فعل وزير التربية والتعليم العالي في جارتنا الصغيرة، أو في الأقل لكي يعتذر الى عائلات الضحايا.
كل ما خرج به القائد العام لقواتنا المسلحة، رئيس الوزراء، أخيراً انه لام المسؤولين الأمنيين وهددهم بالطرد والسجن إن تكررت مجزرة الثلاثاء الماضي. ولكن يا سيادة القائد العام هذه المجزرة لم تكن الاولى ولا الثانية من نوعها لكي تكتفي بلوم رجالك وتهديدهم بالطرد والسجن .. انها المرة المئتان بل الثلاثمئة في عهدك.. كان عليك ان تطرد رجالك وتسجنهم منذ زمن .. بل كان عليك أن تعتذر الى شعبك عن عدم قدرة حكومتك عن تحقيق الأمن، فضلاً عن جلب الخدمات ومكافحة الفساد.. الخ .. بل كان عليك أن تتحمل المسؤولية السياسية والأدبية وتستقيل،

219
شناشيل
اسمعوا من بان كي مون
عدنان حسين
ليس  بان كي مون ابن عم لمسعود بارزاني ولا ابن خالة لاياد علاوي ولا زميل دراسة لفخري كريم ولا صديقاً مقرباً أو شريكاً في مصلحة لأي ممن يرى رئيس حكومتنا وصحبه فيهم منافسين أو مزاحمين على كرسي الحكم أو حسّاداً أو حتى خصوماً أو معادين. وبان كي مون ليس سنياً، ليُتّهم مثلا بمعاداة الشيعة، بل هو غير مسلم، والأرجح انه بوذي (كوري جنوبي) أو قد يكون مسيحياً أو ربما غير متدين ( لم يسعفني العم غوغل في معرفة ديانته).
نعم، اني أتحدث عن الامين العام للامم المتحدة ما غيره، والمناسبه تقريره الدوري (كل اربعة أشهر) الذي قدّمه أخيراً الى مجلس الأمن بشأن الأحوال في بلادنا. التقرير ينبه الى "تعاظم التوتر" في البلاد، مشيراً الى حركة الاحتجاجات المتواصلة منذ اشهر في الغرب والشمال الغربي وتفاقم أعمال التفجير الارهابية واشتداد الأزمة بين حكومة المالكي وادارة اقليم كردستان.
ويلفت التقرير الى ان "البيئة الأمنية في العراق ظلت متقلبة وعصية على التنبؤ طوال الفترة المشمولة بالتقرير تؤججها التوترات السياسية والطائفية وتتسم بشنّ جماعات المعارضة المسلحة والمنظمات الإرهابية عملياتها مع تكييف إجراءاﺗﻬا وأساليب عملها حسب الوضع الميداني"..
ولهذا يحضّ السيد بان كي مون في تقريره الحكومة على التزام "أقصى درجات ضبط النفس" في التعامل مع الأوضاع في البلاد، والتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان في السجون والمعتقلات، وسلوك طريق الحوار مع المختلفين معها والمحتجين عليها(هذا تنديد ضمني بمكابرة رئيس الحكومة وصحبه واعطائهم الأذن الطرشاء لآراء المختلفين ومطالب االمحتجين).
وفي هذا الصدد يكشف التقرير عن ان وزارة الداخلية منعت مفتشي وأعضاء البعثة الدولية في بغداد من دخول مراكز الاحتجاز التابعة للوزارة للاطلاع على اوضاع المعتقلين وتقييم ما إذا كانت الإجراءات التي تتبعها تتماشى مع المعايير الدولية، لكنه يؤكد ان "العديد من المحتجزين والسجناء الذين قابلتهم البعثة في مرافق وزارة العدل، وأفراد أسر الأشخاص المحتجزين في مراكز الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية، افادوا بانهم تعرضوا للاعتداء وسوء المعاملة وللتعذيب في بعض الأحيان على يد السلطات أثناء احتجازهم في مرافق وزارة الداخلية".
وخلص التقرير الى أن النظام العدلي في العراق "يعتريه الكثير من نقاط الضعف"،
هذا غيض من فيض مما جاء في تقرير السيد بان كي مون الذي لا بد من التذكير مرة اخرى بانه ليس ابن عم لمسعود بارزاني ولا ابن خالة لاياد علاوي ولا زميل دراسة لفخري كريم ولا صديقاً مقرباً أو شريكاً في مصلحة لأي ممن يرى رئيس حكومتنا وصحبه فيهم منافسين أو مزاحمين على كرسي الحكم أو حسّاداً أو حتى خصوماً أو معادين، ليكتب تقريراً لا يرضي رئيس الحكومة وصحبه.
يا جماعة الخير (أقصد جماعة الحكومة بمن فيهم رئيسها): في ادارتكم الحكومة والدولة عيوب كبيرة .. ومن هذه العيوب ينفذ الارهابيون الذين روّعونا أمس مرة أخرى... اسمعوا من بان كي مون، واسمعوا منا حتى لا تفوتكم وتفوتنا مرة جديدة فرصة اصلاح عيوبكم.





220
المنبر الحر / عيد الشجرة
« في: 22:01 19/03/2013  »
شناشيل
عيد الشجرة
عدنان حسين
بعد غد عيد نوروز .. العيد القومي للكرد وأمم أخرى في شرقنا. نحن عرب العراق كنا نحتفل بهذا اليوم أيضاً .. اتذكر اننا كنا نسميه عيد دورة السنة  أو دخولها أو دخلتها، وهو تقليد متوارث عن عيد رأس السنة الجديدة عند البابليين وربما السومريون ايضاً. وفي طفولتنا كنا نهتم كثيرا بمعرفة ما ستدور عليه السنة في ذلك اليوم، أهو أرنب أم حية أم حصان أم هدهد .. الخ.
في السابق لم تكن الدولة العراقية تحتفل بعيد نوروز لأنها لم تكن تعترف بالكرد وبحقوقهم (عدد غير قليل من مسؤولي دولتنا الحالية يتطلع الى العودة عن هذا الاعتراف وربما الى القضاء على الكرد بالطريقة التي كان يفكر بها الحكام الشوفينيون) .. لكن دولتنا السابقة كانت تحتفل بالحادي والعشرين من آذار بوصفه عيداً للشجرة. وهو كان كذلك بالفعل الى حد كبير، ففي المدارس كان معلمونا يعطوننا دروساً عن الشجرة وزراعتها والعناية بها. بل كانوا يأخذوننا في هذا اليوم في دروس عملية لزراعة صغار الاشجار وشتلات الازهار في حدائق مدارسنا وخارجها. اما في البيوت فكان ثمة تقليد بزراعة بذور بعض النباتات، وكان بعض أهلنا يقطعون سعف النخيل أو أغصان الآس لوضعها على أبواب البيوت أو في الروازين (الشبابيك).
في ذلك الوقت كان العراق لم يزل أرض سواد، فمن النخيل وحده كان لديه نحو 30 مليوناً، فيما تراجع العدد اليوم الى نحو عشرة ملايين فقط نصفه مريض. ومع النخيل تراجعت أعداد مختلف الاشجار، فالحروب والزحف العمراني العشوائي داخل المدن والتصحر المكتسح الريف جعلت بلاد الرافدين بلا خضرة على نحو مريع.
اقليم كردستان تعرضت جباله ووديانه الى إبادة كبرى لغاباتها الطبيعية التي ظل الجيش العراقي يشعل النيران فيها على مدى عقود متصلة في سبيل القضاء على الثورة الكردية. وقد وضعت الادارة هناك برنامجاً لاعادة تشجير هذه المناطق. ومن الواضح انه برنامج ناجح، فالاقليم يستعيد الآن خضرته.
نحن عرب العراق نحتاج الى برنامج مماثل .. نحتاج في الأقل الى اعادة العمل بتقاليد عيد الشجرة في المدارس والبيوت.
هذا الكلام لا أوجهه الى القيمين على رأس دولتنا، فهم  كما نعرف جميعاً لا وقت لديهم لمثل هذه الامور .. انهم منشغلون ليل نهار بصراعاتهم ومؤامراتهم ضد بعضهم البعض وبالسطو على المال العام.
كلامي أوجهه الى المرشحين في انتخابات مجالس المحافظات . أتمنى على الوطنيين منهم أن يضعوا في برامجهم ما يهتم بالخضرة المفتقدة في أرض السواد، وباعادة الاعتبار الى عيد الشجرة .
 

221
شناشيل
أمن خارج نطاق التغطية
عدنان حسين

لم أتردد في مناسبات عدة في الافصاح عن رأيي المتواضع بان ائتلاف العراقية وقادته لم يتعاملوا على نحو صحيح مع الأزمة السياسية المتواصلة منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2010) وتشكيل حكومة المالكي الثانية، في مختلف مراحل هذه الأزمة. وفي ظني ان هذا  بين ما فاقم من الأزمة وأوصلها الى حال الاستعصاء الراهنة التي تبدو مقصودة ومرغوباً فيها تماماً من السيد المالكي وذوي المصالح المحيطين به الذين سيضيرهم أن يتخذ رئيس الحكومة القرار الصحيح والسليم لحل هذه الأزمة.
مع هذا فانني لا استبعد صحة ما جاء أمس من معلومات تحذيرية في تصريح المصدر المأذون لحركة الوفاق الوطني التي يقودها اياد علاوي.
هذا المصدر أعلن عن ان "هناك تحضيراً لمحاولة جديدة تهدف الى تشويه سمعة بعض الرموزالوطنية من العراقية  التي تعمل على انهاء حالة الفوضى التي يعيشها البلد نتيجة المحاصصة والاقصاء والتهميش، حيث تقوم بعض الاطراف المتنفذة بالاعداد لعملية التسقيط السياسي لتلك الرموز الوطنية وذلك من خلال تركيب صورهم الى جانب عناصر من القاعدة ووضعها داخل سيارة مفخخة وبالتالي تدعي تلك الاجهزة الامنية وبالتنسيق مع بعض الاجهزة الحكومية المتنفذة بالعثور على تلك السيارة المزعومة لتدعي في عملية مفبركة وخسيسة ان أولئك الرموز الوطنية كانوا وراء تلك السيارة المفخخة".
ترجيح صحة هذه المعلومات يستند الى قاعدتين، الاولى ان أجهزة الامن في دولتنا يحتشد فيها الان رجال من أمن النظام السابق، وهؤلاء لديهم خبرة عريقة في ممارسات من هذا النوع، وهم لن يتورعوا الان، مثلما لم يتورعوا في عهد النظام السابق، من القيام بأية أعمال قذرة لارضاء مسؤوليهم وقادتهم. ويساعدهم في هذا ويشجعهم عليه عدم الشفافية في عمل أجهزة الدولة وبالذات في قطاع الأمن وعدم خضوعها لاشراف ومراقبة مجلس النواب.
اما القاعدة الثانية فان أجهزة الأمن والتحقيق في دولتنا الحالية لديها سوابق كثيرة في هذا الميدان. ويكفي أن نشير الى ما فعلته مع نشطاء المظاهرات التي انطلقت في 25 شباط 2011 وبعده، فعلى مدى اسابيع عدة أعتقل العديد من هؤلاء النشطاء واحتجزوا في معتقلات سرية وتعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي ولمحاولات التسقيط السياسي بتلفيق تهم في حقهم، أخفها تزوير وثائق رسمية (في الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة العليا المئات من مزوري الشهادات والوثائق الذين تسعى الحكومة منذ سنتين لمكافأتهم  بتشريع قانون يعفو عنهم ... لأنهم من جماعتها).
والكل يعرف الان ان اجهزة الامن في دولتنا الحالية ارتكبت أيضاً، بذريعة تطبيق قانون مكافحة الارهاب، جرائم مختلفة في حق مواطنين ابرياء. وهذا ما اعترفت به الحكومة صراحة على لسان رئيس اللجنة الخماسية حسين الشهرستاني، مقدماً اعتذار حكومته عما فعلته هذه الاجهزة ومتعهداً بتعويض المتضررين من تلك الافعال المشينة.
نحن دولة موضوعة عن عمد وسابق اصرار في عين عاصفة مدمرة، وأجهزة الأمن هي في قلب هذه الدولة .. فلا تستبعدوا أي شيء منها ما دامت تعمل خارج نطاق الشفافية.

 


222
شناشيل
السيد المالكي .. كيف نمتَ؟
عدنان حسين
كيف نمتَ تلك الليلة السيد نوري المالكي؟ هل اندسستَ في فراشك باسترخاء ووضعتَ رأسك على الوسادة براحة وأسلمت روحك وجسدك الى سلطان النوم من دون مقاومة؟ أم انك، مثلنا، ذهبت الى السرير مرغماً من دون شهية حتى للأكل؟
هل نمتَ تلك الليلة  قرير العين أم انك، مثلنا، تسهّدتَ وتأرّقتَ وقلّبتَ الأمور ذات اليمين وذات الشمال ساعة وأكثر وسألتَ نفسك الأسئلة الكاوية التي تلتهب بها نفوسنا وقلوبنا وارواحنا وتتصدع بها رؤوسنا من دون انقطاع؟
الليلة التي أعنيها، سيدي، هي ليلة الخميس الجمعة الأخيرة .. الليلة التي أعقبت الهجوم الارهابي الكبير على وزارة العدل الذي تحدّاك وحكومتك ودولتك وجيشك وشرطتك وقواتك الخاصة التي تتعدد اسماؤها وصفاتها ويعاني منها الناس العاديون الابرياء بينما يفلت منها الارهابيون، بل يضحكون عليها وعلى أدائها ملأ اشداقهم.
السيد نوري المالكي
اذا كانت ليلتك تلك مثل ليلتنا، فهل سألت نفسك السؤال الذي يكرره كل مواطن عراقي عشر مرات وربما مئة في اليوم الواحد: كيف يحدث هذا؟
هذا السؤال، أخي الكريم، لا يتعلق بأصل النقاط السوداء في أعماق الكون وبفصلها، ولا يتصل بكيف تنشأ الخلايا السرطانية في الجسم وكيف تتفاقم وكيف يمكن منع نشوئها وتفاقمها. فاسئلة من هذا النوع معقدة ويشتغل عليها منذ عشرات السنين عشرات الآلاف من علماء الفلك والفيزياء والكيمياء والطب والبايولوجي في مشارق الارض ومغاربها.
سؤال العراقيين بسيط للغاية، ولا يتطلب جهداً حتى من عالم واحد فقط .. انه: كيف بنحو مليون جندي وشرطي ورجل أمن، وبمئة وعشرة مليارات دولار سنوياً، وبعد عشر سنوات من اسقاط نظام صدام ، لا تستطيع حكومتنا ودولتنا أن توفرا الحماية لوزارة من وزاراتهما يقع مقرها في قلب العاصمة من هجوم ارهابي يحدث في عز النهار تحت شمس ساطعة بقوة؟
انه سؤال كبير للغاية، السيد المالكي، لأنه يتكرر يومياً عشرات المرات على ألسنة ملايين العراقيين وفي دواخلهم؟
السيد المالكي، أنت وليس غيرك مطلوب منه الاجابة الواضحة والصريحة والشاملة والشافية عن هذا السؤال، فالحكومة كلها ملك يمينك والدولة بأسرها مثل خاتم في اصبعك .. هذا هو الواقع، وليس في وسعك أن تُنكره، وليس في وسع أحد من المُبخرين لك وماسحي الأكتاف أن يدفع عنك هذه "التهمة"... أنت الآن رجل العراق الأوحد .. هذا ما فعلته لنفسك بنفسك، ولا مجال لأن تتنصل عن مسؤوليتك في أي حال.
كل ما يُراق من دم وما يُزهق من أرواح هو في رقبتك انت بالذات. فانت من وضع على رأس الأجهزة الأمنية قادتها – معظمهم من رجال العهد السابق - ومنحتهم الامتيازات الهائلة والسلطات المطلقة، من أجل مهمة واحدة هي حماية الشعب والدولة من الارهاب والجريمة، وهم مقصرون في هذا تقصيراً بيّناً ومتكرراً .. وانت المسؤول عن هذا التقصير، فهم رجالك. اليس كذلك؟


223
شناشيل
صح النوم رئيس البرلمان!
عدنان حسين
لا ينبغي لرئيس مجلس النواب الا أن يلوم نفسه وكتلته، فما عابَ على رئيس الوزراء فعله ما كان ليحدث لو ان السيد اسامة النجيفي من موقعه على رأس السلطة السلطة التشريعية قد قام بما يتعين عليه أن يفعله في مثل الحال التي وجه فيها النقد واللوم الى السيد نوري المالكي.
 النجيفي عقد أمس مؤتمراً صحفياً في مقر الدائرة الاعلامية في البرلمان، ليقول ان الحكومة تتدخل في عمل الهيئات المستقلة .. صحّ النوم سيد النجيفي، فالهيئات المستقلة كلها لم تعد كذلك منذ حين وليس البارحة.
قال النجيفي في المؤتمر الصحفي "نلاحظ دائما تدخل السلطة التنفيذية في عمل الهيئات المستقلة، ونحن نتصدى لهذا المنهج المخالف للدستور". ولفت الى ان "تعيين بديل عن رئيس هيئة المساءلة والعدالة فلاح شنشل كان خطأ وتصرفاً ليس له سند من القانون، ومجلس النواب أصدر كتاباً يؤكد فيه استمرار شنشل في منصبه وعدم قبوله بتدخل المالكي".
ما من أحد لا يعرف ان الدستور قرر البرلمان وليست الحكومة مرجعية للهيئات المستقلة، بما فيها هيئة المساءلة والعدالة، ولكن لم يعمل المالكي في الظلام عندما جعل هذه الهيئات تخضع لسلطة الحكومة وتأتمر بأوامر رئيس الحكومة .. جرى ذلك كله في وضح النهار وتحت سمع وبصر البرلمان ورئيسه ونائبي الرئيس، ولم ينبس ببنت شفة الا العدد القليل من النواب. وفقط عندما قرر المالكي، من دون سند قانوني كما قال النجيفي، إطاحة السيد فلاح شنشل من منصبه رئيساً بالوكالة لهيئة المساءلة والعدالة تحرك النجيفي، وهو تحرك لا يبدو منتجاً، فالمالكي لم يتراجع  عن قراره غير القانوني والنجيفي لم يستخدم سلطته الدستورية لالغاء قرار المالكي ولفرض قراره المستند الى أحكام الدستور وإبقاء شنشل في منصبه.
ما مكّن رئيس الوزراء من بسط سلطة الحكومة على الهيئات المستقلة تواكل البرلمان في الوقوف في وجه الحكومة ورئيسها. ونحن لم نشهد من قبل معركة حقيقية بين رئيس البرلمان ورئيس الحكومة من أجل احترام استقلال الهيئات المستقلة .. قضية شنشل هي الاولى على هذا الصعيد، ولكنها جاءت في الوقت بدل الضائع وبعدما سبق السيف العذل في ما يبدو. وحتى عندما كان الغبار يتصاعد في ساحة صراع بين الطرفين ففي الغالب كان الأمر ينتهي استناداً الى قانون التوافقات والمحاصصات ذي القوة الطاغية على قوة القوانين قاطبة وأولها الدستور.
على السيد اسامة النجيفي أن يلوم نفسه أولاً لأنه كان طرفاً وشريكاً في نظام التوافقات والمحاصصات المتجاوز على الدستور وأحكامه .. وعليه كذلك أن يلوم كتلته التي انخرطت من جانبها أيضاً في هذا النظام، فكانت سنداً ومعيناً لكل الانتهاكات لأحكام الدستور الجارية على مدار الساعة.


 



224
شناشيل
الاعرجي والشهيلي .. لا تزعلا
عدنان حسين

لابدّ ان النائبين بهاء الأعرجي وجواد الشهيلي قد زعلا مما حدث لهما يوم السبت في حي الشعلة الشعبي ببغداد. كان الأمر مفاجئاً لهما بالتأكيد، لكن عليهما أن يزعلا من نفسيهما وليس ممن تسبب في ما لقياه.
النائبان كانا يحضران مجلساً للعزاء يخص أحد ضحايا التفجيرات الارهابية التي وقعت في الشعلة قبل ذلك بيومين، لكنهما فوجئا بمن يُعلن لهما أمام الملأ ان حضورهما غير مُرحب به، متهماً اياهما بانهما حضرا الى المجلس من أجل الدعاية وكسب الأصوات الانتخابية لصالح مرشحي كتلتهما. وأمام تزايد عدد المنخرطين في الاتهام الموجه اليهما اضطر النائبان الى مغادرة المجلس تفادياً لأي تطور غير محمود محتمل في الموقف.
الأرجح ان النائبين لم يكونا المقصودين بذاتهما بذلك التصرف الذي يتعين تفهمه بل تقديره أيضاً. فما أقدم عليه المواطنون يعبّر عما يشعر به الناس من تبرّم وحنق وغضب حيال الطبقة السياسية المتنفذة في السلطة، ويعكس الشعور القوي بخيبة الأمل تجاه الوعود التي أطلقتها هذه الطبقة خلال الدورات الانتخابات السابقة ولم يتحقق منها ما يستحق الاشارة اليه.
يُخطيء النائبان الاعرجي والشهيلي ويُخطيء معهما تيارهما (الصدري) إن لم يتمعنوا في ما حدث وفي دلالاته، بل تُخطيء قيادات القوى والاحزاب الإسلامية كلها إن لم تُدرك ان الأمر موجه لها جميعاً من دون استثناء.
اذا كان النائبان الاعرجي والشهيلي وتيارهما وقيادات القوى والاحزاب الاسلامية لا يعرفون، فلابد أن يعرفو ما نعرفه.. وما نعرفه ان الناس في ضيق شديد مما هم فيه من انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي والتردي المزمن في الخدمات العامة للعام العاشر على التوالي .. وما نعرفه أيضاً ان العراقيين بأغلبيتهم الساحقة يحمّلون الاحزاب الاسلامية وقياداتها المسؤولية عما يكابدونه، فلقد توفرت لهذه الاحزاب كل الاسباب والوسائل والوسائط اللازمة لإحداث نقلة نوعية هائلة في حياة العراقيين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وما من سبب ووسيلة وواسطة أكثر قوة من السلطة والمال والوقت، فهذا كله ملك يمين هذه القيادات التي تبدو غير قادرة على استثمار مصادر القوة هذه، بل غير آهلة لإدارة البلاد. وللناس كل الحق في ما يرون، فقد أعطيت الاحزاب الاسلامية كل الوقت (ثماني سنوات حتى الآن) لتحقيق ما وعدت به، وتهيأت لها الأموال الكافية لذلك(اكثر من مئة مليار دولار في العام الواحد)، ولم يكن لهذا الأثر المطلوب.
بصراحة شديدة، ان المسؤولين الاسلاميين في دولتنا، من أكبرهم الى اصغرهم، يبدون عديمي الكفاءة والخبرة، قليلي الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية، وكثيري الانصراف الى مصالحهم الشخصية والحزبية، بل ان رأي العامة والخاصة من الناس فيهم انهم الأكثر فساداً في جهاز الدولة الفاسد.


 
 



225
المنبر الحر / بيتنا من زجاج
« في: 22:39 04/03/2013  »
شناشيل
بيتنا من زجاج
عدنان حسين
من جديد نلتهب بالنار القادمة من جارتنا الغربية.. في السنوات الماضية كان الارهابيون العابرون من سوريا والمتدربون في معسكراتها يخترقون الحدود ويفجرون المفخخات والاحزمة الناسفة في شوارع مدننا وساحاتها ومستشفياتها ومدارسها وأسواقها ومساجدها وكنائسها ودوائرها الحكومية.
والآن يدخل لهيب النار السورية الى بيوتنا من النوافذ .. انها تكوي أطرافنا، والخوف أن تنهار النوافذ والأبواب وتلتهمنا كما كان يحصل في السنوات غير البعيدة. ففي مناطق الحدود تتساقط القذائف ويسقط لنا جرحى، فيما تتهم المعارضة السورية قواتنا بالتدخل في شؤون بلادها الداخلية بقصف مواقع للجيش السوري الحر عبر الحدود لحساب نظام الأسد.
لا دليل مادياً قاطعاً يؤيد الاتهام، لكن هذا غير مستبعد، فبين سطور الكلام الذي قاله رئيس الوزراء نوري المالكي أخيراً نقرأ ملامح تدخلنا، بل تورطنا، العسكري في النزاع السوري الدموي.
المالكي رأى في تصريح له الاربعاء الماضي ان "أخطر شيء (في النزاع السوري) هو انه لو خرجت المعارضة منتصرة، فستكون هناك حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق". وبين السطور هنا أن يتجه المالكي لإسناد نظام الأسد حتى لا يسقط وتنتصر المعارضة فتندلع حرب اهلية في بلادنا. وبذا يصبح اسناد الأسد ضرورة وطنية.
خلال العامين 2006 و2007 كانت لدينا حرب طائفية حقيقية ( شيعية – سنية) أزهقت فيها الأرواح بعشرات الآلاف ذبحاً ورمياً بالرصاص والقذائف على الهوية الطائفية فحسب.
يومذاك لم يكن ثمة نزاع داخلي مسلح في أي من الجيران المحيطين بنا من الجهات الاربع .. أي ان حربنا الأهلية تلك لم تكن من فعل فاعل خارجي أو بتأثير عامل خارجي.. كانت فعلاً داخلياً بامتياز.
إذا حصل وانتصرت المعارضة السورية وتحققت نبوءة المالكي (حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق) فنحن الملومون، لأننا لم نتعامل مع الحدث السوري (الانتفاضة) على النحو الذي يجنبنا ما يخشاه المالكي من انتقام. فلقد كان يمكننا أن نُحدث توازنا داخل المعارضة السورية في غير صالح القوى السلفية الطائفية، وكان يمكننا أن نقصر في أمد المحنة السورية.
ليس الوقت الآن وقت ملامة، بل هو أوان التفكير في انقاذ ما يمكن انقاذه، فمن الواضح ان هناك قراراً دوليا يتبلور باتجاه المساعدة على الحسم العسكري وانهاء حكم بشار الأسد. وبدلا من الدخول في رهان، الخسارة فيه محتملة أكثر من الفوز، يمكن أن يكون لنا دخول مختلف على المشهد السوري.. وهو دخول لا ينطوي ابداً على أي شكل من أشكال دعم الاسد أو تسهيل هذا الدعم، فنتائج هذا ستكون وخيمة علينا ..
لا ينبغي أن ننسى ان بيتنا الذي تدخل النار السورية من نوافذه الان، هو من زجاج.



226
شناشيل
لماذا وقعت فاجعة المطعم اللبناني؟
عدنان حسين
حرصتُ أمس على المرور من أمام المطعم اللبناني في بغداد، فقط لأعلن في داخلي عن التضامن مع الأرواح البريئة التي قضت هنا عبثاً ومع عائلات الضحايا في محنتهم الأليمة.
لم يفاجئني أبداً أنني لم أر أي مظهر يعبّر عن الشعور بالفجيعة حيال النكبة التي ألمّت بعشرات العائلات. كانت هناك سيارتان للدفاع المدني تتوقفان على حافة الطريق الضيقة وبضعة رجال برفقتهما. بالطبع لم أتبيّن ما كان يجري داخل المطعم، لكن ما شقّ علي كثيراً ألاّ أرى لافتة تنعى الضحايا وتواسي أهلهم وأحبتهم المفجوعين، إن من إدارة النادي أو من أمانة بغداد أو وزارة السياحة أو أية جهة أخرى لها علاقة بالكارثة وتتحمل جزءاً من المسؤولية عنها.
بدا لي أن الجميع يدفنون رؤوسهم في الرمال أو يشيحون بوجوههم جانباً تهرباً من المسؤولية.
لا أدري كيف تعاملت سلطات الدولة (الشرطة والقضاء على وجه الخصوص) مع الحادث، لكن لا يبدو أن أحداً من مسؤولي دولتنا قد اهتزّ من الأعماق، كما أنا وأمثالي، على وقع الكارثة. ولا استبعد أن يُسجل الحادث بطريقة ما ضد مجهول، وأن يُغلق ملف القضية بترضيات مالية يتوسط فيها بعض ذوي الشأن والنفوذ حفاظاً على مصالح اصحاب المطعم المقصرين والمهملين ومن له علاقة بهم.
ليس الحادث بسيطاً، ففيه أُزهقت أرواح بريئة وارتاعت أنفس وأصيبت بصدمات وجروح نفسية وجسمانية لن يلتئم بعضها إلى الأبد. كان عدد غير قليل من العائلات المكوّنة من نساء ورجال وأطفال يحتفل في المطعم بمناسبة سعيدة.. أرادوا تخليد سعادتهم ومناسبتهم في صور فتجمّعوا في مكان من المطعم وهم غير مدركين انه يُمكن أن ينهار بهم جميعاً إلى عمق اليمّ فيتحول مطعمهم إلى صندوق للرعب والموت غرقاً، وهذا بالضبط هو ما حصل.
الحادث ليس بسيطاً، فهو دليل آخر على أننا في دولة اللاقانون التي يصرّ القائمون عليها على ألاّ يخضع أي شيء في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى المعايير والمقاييس المرعيّة حتى في البلدان الفقيرة والمتخلفة. انه دليل فاقع على الفساد المالي والإداري الضارب عميقاً في لحم دولتنا وعظامها. الفساد الذي يتيح إقامة منشئات من دون التقيد بشروط الأمن والسلامة.
أين كانت أمانة بغداد ووزارة السياحة كل هذا الوقت؟ وكيف منحتا إجازة للمطعم؟ وأين هي الأمانة والوزارة من عشرات الآلاف من المنشئات والمرافق والمحال المتجاوزة أو غير الملتزمة بالشروط والتعليمات؟
فتشوا عن الفساد.


227
المنبر الحر / فضيحتنا المركبة
« في: 21:51 02/03/2013  »
شناشيل
فضيحتنا المركبة
عدنان حسين
دولتنا الميمونة أثبتت مرة أخرى أمس انها لا دولة، فما من دولة حقيقية يحدث فيها ما يحدث في دولتنا وتتلاحق فيها الفضائح " اللي ما ينلبس عليها ثوب" كما هي الحال في دولتنا البائسة .. بسبب أولي الحكم فيها البائسين.
آخر فضائحنا ان سلطات المطار في عاصمة دولتنا منعت الصحفي الفرنسي – الاسترالي (متحدر من أصل جزائري) نادر دندون من مغادرة البلاد أمس لأن الفيزا (سمة الدخول) الممنوحة له "إكسبايرد" (منتهية المفعول)!
الزميل الفرنسي – الاسترالي – الجزائري دخل الى البلاد في مهمة صحفية بفيزا شرعية حصل عليها من احدى سفارات جمهورية العراق. والفيزا الشرعية هذه ينتهي تاريخها في 24 كانون الثاني الماضي، وقد اعتقلته سلطاتنا قبل ذلك الموعد بخمسة أيام (19 كانون الثاني) بشبهة التجسس. وهي بالطبع تهمة ملفقة بدليل ان قضاءنا الذي أحيل اليه دندون أمر باغلاق ملف القضية بالكامل واطلاق سراحه. ("جريمة" دندون التي اعتقل بسببها انه ذهب الى الانبار والتقى بعض المتظاهرين هناك، وقوانينها لا تحرم على الصفي الاجنبي أو المحلي تغطية المظاهرات والالتقاء بالمتظاهرين). ولأنها تهمة ملفقة فقد أُطلق سراح دندون بالفعل حال عرضه على القضاء، وتكفلت السفارة الفرنسية نقله الى مقرها تمهيداً لسفره الى باريس. وأمس حان موعد السفر، لكن السلطات في مطار عاصمتنا منعت سفرة للسبب الذي أشرنا اليه آنفاً: انتهاء مدة الفيزا!
الزميل دندون لم يتجاوز المدة بارادته، فقد حان موعد انتهائها وهو في المعتقل، ومرت أيام وأسابيع وهو في غياهب المعتقل.
وحتى لو لم يكن دندون معتقلاً، وقد تجاوز مدة الفيزا بارادته فان العرف الدولي والقوانين السائدة، بما فيها قوانين دولتنا اللادولة، تحكم بفرض غرامة مالية ويُسمح له بالمغادرة حال دفعها.
اننا بازاء فضيحة مركبة، فضيحة اعتقال صحفي من دون وجه حق (هذا ما قرره القضاء باغلاق ملف قضيته واطلاق سراحه من دون أي مساءلة او عقاب)، وفضيحة عدم السماح له بالسفر بدعوى انتهاء مدة الفيزا من دون التنبه الى انه كان محتجزاً في المعتقل برغم ارادته!
بالله عليكم، ما الذي سيقوله العالم عنا بعد هذه الفضيحة المركبة؟ أي تخلف مريع تعيشه هذه الدولة؟ أي غياب لسلطة القانون في هذه الدولة؟
من يحفظ ماء وجوهنا من أفعال هذه الدولة اللادولة؟



228
شناشيل
الفاتحة عن روح مفوضية الانتخابات
عدنان حسين
الكتاب يُقرأ من عنوانه، وكتاب المفوضية العليا "المستقلة" للانتخابات بنسختها الجديدة قرأناه من العنوان بيسر ووضوح في الأسابيع الأخيرة خصوصاً، وهو ليس بالعنوان المختلف عن النسخ السابقة.
كل المفوضيات السابقة لم تكن مستقلة ولا متمتعة بصلاحياتها  المنصوص عليها في قوانينها وأنظمتها وفي الدستور. كانت شاهد زور على التجاوزات على العملية الانتخابية وعلى عمليات تزوير قبل الاقتراع وأثناءه وعند فرز الأصوات .. حدث ذلك في غير مكان داخل البلاد وخارجها منذ أول انتخابات لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية.
أعضاء مجالس المفوضيات السابقة شركاء في الحال المتردية التي تعيشها البلاد وتشهدها العملية السياسية، فهم لو عملوا بمسؤولية وكانوا أمناء على المهمة التي أنيطت بهم وعلى مستوى ما توقعه الناس منهم، ما كان قد دخل الجمعية الوطنية ومجلس النواب بدورتيه والحكومات الثلاث المنبثقة عنها ومجالس المحافظات كل هذا العدد من الرجال والنساء غير الآهلين، بل غير الصالحين، لتمثيل الشعب العراقي في أعلى هيئات الدولة، ولإدارة هذه الدولة بطريقة تجعلنا   في طليعة دول العالم على صعيد الفساد المالي والإداري والفقر والبطالة، وفي الحضيض على صعيد الخدمات العامة، كما تؤكد التقارير الصادرة عن منظمات وهيئات دولية معتبرة.
كدنا أن نصفق للمفوضية الجديدة يوم أعلن غير مسؤول فيها أنها لن تتسامح في خرق قواعد الحملات الانتخابية. وقد خُرقت هذه القواعد غير مرة، وكتبنا وغيرنا عن هذا غير مرة أيضاً، فيما الأساتذة في مجلس المفوضية وهيئاتها الفرعية كأنما هم صمٌّ بكمٌ عميٌ.
بعض المرشحين في انتخابات مجالس المحافظات احتال على القانون بإطلاق حملته الانتخابية قبل الموعد الذي حددته المفوضية وهددت ، كلامياً فقط، بالويل والثبور من يخرق القانون .. هؤلاء نشروا لافتات تقول إن عشائرهم وقبائلهم  تهنئهم بالترشيح! .. اللافتات كُتبت بالخط العريض الملون ونُشرت في مواقع مختارة من الشوارع الرئيسة والفرعية. وقد كتبنا وغيرنا عن هذا ولم تحرّك المفوضية ساكناً كأننا نتحدث عن الصومال!
مرشحون آخرون أباحوا لأنفسهم الحق بالحجز المبكر لأماكن لإعلاناتهم الانتخابية في مواقع ستراتيجية، وكتبوا عليها بالخط العريض الملون "محجوز"، والمفوضية السامية لم يرمش لها طرف كأنما الأمر يجري في تنجانيقا!
أمس علمنا أن مجلس محافظة ذي قار شكّل لجنة للحد من استغلال المسؤولين الحكوميين المرشحين للانتخابات المال العام في الدعاية الانتخابية، مؤكداً تورط نحو 90 بالمئة منهم بذلك. قبل هذا لم نسمع أن المفوضية العليا أو مفوضية ذي قار قد اعترضت على هذا النوع من التورط!
الكتاب يُقرأ من عنوانه، ونتائج الانتخابات المحلية المقبلة، وبعدها البرلمانية، سنعرفها سلفاً في ظل مفوضية سامية لا تضطلع بواجبها ومسؤوليتها منذ ما قبل الانتخابات .. مفوضية قد تشكّل مجلس مفوضيها على أساس المحاصصة أيضاً، ولم يلتزم من شكّل هذا المجلس بشرط أساس تضمنه قانون المفوضية، وهو أن يكون عضو المجلس "مستقلاً من الناحية السياسية".
الفاتحة عن روح الراحلة مبكراً .. المفوضية الجديدة.


229
شناشيل
مشكلة كبيرة اسمها: المسؤول الكبير في الشارع
عدنان حسين
أمس نشرت الزميلة "العالم" تقريراً عن أزمة مرور حادة من نوع خاص شهدتها مدينة البصرين ليوميين متتاليين، هما اليومان اللذان زار فيهما المدينة رئيس الوزراء نوري المالكي.
الزميلة نقلت عن مواطنين وصحفيين بصريين "امتعاضهم الشديد من الاجراءات المشددة التي تفرضها القوات الأمنية ليومين متعاقبين في البصرة بسبب وجود المالكي فيها، منتقدين توتر حماية المالكي والقوات المحلية في تعاملها معهم، وعدم استثنائها الحالات الطارئة".
وتضمنت تفاصيل التقرير معلومات عن اغلاق الطرق المؤدية الى جامعة البصرة ومنع دخول السيارات الى الجامعة اثناء زيارة المالكي لها، وعن شلل وفوضى مروريين شهدهما مركز المدينة اضطر بسببهما العديد من المواطنين الى ملازمة بيوتهم. لكن كان لهذه الملازمة سبب آخر هو ان "القوات الأمنية من الشرطة والجيش وبقية التشكيلات تتعامل بطريقة غير لائقة مع المواطنين، يصرخون عليهم بطريقة استفزازية"، وان هذه القوات" لم تسمح بعبور أي مواطن وتحت أي عذر كان ولو كان لحالة مرضية طارئة" في الاماكن التي زارها رئيس الوزراء.
هذه مشكلة كبيرة نعاني منها نحن سكان العاصمة يومياً، وهي لا تتعلق بالسيد المالكي وحده، فمع كل مسؤول كبير أو متوسط في الدولة تنشأ مشكلة، بل مشاكل، اثناء مروره في الشوارع. وفي الغالب فان تصرفات الحماية تنقصها روح المسؤولية، بل تفتقد الى الأخلاق في كثير من الأحيان.
المسؤول الذي لا يكتفي في العادة بسيارتين أو ثلاثة يريد أن يتصرف الناس معه، راكبي سيارات ومشاة، على ان الشارع ملك شخصي له، ورثه أباً عن جد... سائقو موكبه يزعجون الناس بالزعيق العالي والمتواصل لابواق سياراتهم، وافراد الحماية يصرخون بسائقي السيارات أن يخلوا الطريق لحضرة المسؤول من دون تردد في استخدام الالفاظ النابية والجارحة.
ويحصل هذا حتى عند نقاط التفتيش التي تشهد زحاماً مفروضاً على الناس أجمعين، فمواكب المسؤولين ترغم سائقي السيارات على التنحي جانباً، وفي الغالب لا يكون هذا أمراً يسيراً لأن الطريق تكون مزدحمة للغاية. بعض المواكب تتصرف في مثل هذه الحال في بعض الاحيان بتحويل رصيف المشاة الى طريق لهم.
لا أدري لماذا يفكر المسؤول بانه الوحيد بين مستخدمي الطريق من يتعين عليه أن يصل الى دائرته أو الى مكان اجتماعه في الوقت المحدد؟ لماذا لا يفكر بان الآخرين أيضا لديهم مواعيدهم وان هذه المواعيد مهمة بالنسبة لهم باهمية مواعيده بالنسبة له وربما أكثر.
لماذا لا يبكّر المسؤولون في الخروج من بيوتهم الى مقار أعمالهم كما يفعل سائر المواطنين؟ أما بالنسبة لكبار المسؤولين (رئيس الوزراء ومن هو في منزلته أو في منزلة مقاربة تفرض اتخاذ اجراءات أمنية مشددة عند التنقل في الشوارع، لماذا لا يستخدمون طائرات الهيليكوبتر في تنقلاتهم فيريحون ويستريحون؟


230
شناشيل
هنا الوردة .. يا حكومة
عدنان حسين

لن نصفق لهيئة الاعلام والاتصالات تقديراً لها عن توجيه انذارات نهائية الى عدد من وسائل الاعلام المحلية "المتأثرة بالجو السياسي .. والمد الطائفي" وغير الملتزمة بتعليمات الهيئة في هذا الخصوص، ولا باخلاقيات مهنة الاعلام.
لن نصفق مع انه في الظاهر توجه ايجابي من الهيئة، يدخل في صلب عملها، فقرار كهذا كعدمه .. لا قيمة له ولا أهمية، ذلك ان تغريم وسائل الاعلام هذه وحتى اغلاق ابوابها لن يحول دون العزف على وتر الطائفية السقيمة من محطات اذاعية وتلفزيونية تعمل خارج البلاد أو من صحف ومواقع الكترونية يمكن ادارتها من على صخرة  وسط المحيط .. أي محيط.
لكن الأهم من هذا ان السياسيين الذين يحتلون مواقع نافذة في البرلمان والحكومة ويتمتعون بالحصانة ليسوا أقل تورطاً من بعض وسائل الاعلام في "المد الطائفي"، فمن يضبط ألسنة هؤلاء اذا ما نجحت هيئة الاعلام والارسال في ضبط وسائل الاعلام؟
ليس في وسع أحد أو قوة الحؤول دون "المد الطائفي" في الاعلام وفي المجتمع ما دام نظامنا السياسي قائم عملياً على الطائفية السياسية .. العملية السياسية الجارية معقود لواؤها على المحاصصة الطائفية والقومية. وبعد عشر سنوات لم ننجح في تحرير هذه العملية من محاصصيتها بأي مقدار أو مستوى، بل ان هذه المحاصصية صارت أكثر قوة من القوانين ولها الغلبة حتى على مبادئ الدستور وأحكامه.
الإناء ينضح ما فيه.. والاعلام هو اناء الواقع، ينقله ويعكس ما يجري فيه. ولو لم يكن هناك مد طائفي وشحن طائفي ما اخترع الاعلام مثل هذا المد والشحن.
سياسيونا – من الجهتين – طائفيون بامتياز، وخطاباتهم مفعمة بالطائفية .. ومؤسسات دولتنا طائفية، وأنشطتها تقوم في الغالب على الطائفية بحسب الوزير أو المدير. لا يمكن نكران هذا أو تعميته.
كيف الخلاص؟
الخلاص من هذا كله لا يكون باجراء كالذي أعلنت عنه أمس هيئة الاعلام والاتصالات، أو كالذي أفصح عنه رئيس الوزراء أول من امس مهدداً بشكاية السياسيين ذوي الخطاب الطائفي الى القضاء.
خلاصنا من الطائفية والخطاب الطائفي والمد الطائفي يكون باعادة النظر جذرياً في العملية السياسية، فما قام على باطل باطل .. واعادة النظر هذه لا تكون بالكلام وانما بالاعمال .. بتشريع قوانين .. بتعديل الدستور.. والحكومة هي المسؤول الأول عن هذا، فهي المخولة اعداد مشاريع القوانين ورفعها الى البرلمان.
هنا الوردة.. فلنرقص هنا ايتها الحكومة!





231
المنبر الحر / فساد المرور
« في: 21:48 24/02/2013  »
شناشيل
فساد المرور
عدنان حسين
جاء في الأنباء منذ يومين ان شاباً بريطانياً قد فشل للمرة السابعة بعد المئة في اختبار قيادة السيارة. هل في الأمر مبالغة؟ الذين عاشوا في بريطانيا يعرفون ان اختبار قيادة السيارة واحد من أشق التجارب في حياة الناس هناك.
لم أسمع من قبل ان هذه التجربة قد بلغت هذا المبلغ (107 مرات)، لكنني أعرف اشخاصاً كان عليهم أن يعيدوا الاختبار عشر مرات. واختبار القيادة هناك نظري وعملي ( شخصيا اجتزت الاختبار من أول مرة، وفي وقتي لم يكن الاختبار النظري موجوداً بعد. ومروري من أول اختباري لم يكن لقدرات خارقة أمتلكها وانما لأنني كنت قد تدربت من قبل في قبرص التي تتبع النظام البريطاني في المرور، بما فيه الاختبار العملي على القيادة).
البريطانيون أشداء للغاية في اختبار القيادة .. لا يمكن أن يمنحوا اجازة السوق لمن لا يعرف تماما كيف يسوق وكيف يتصرف في الطريق وكيف يواجه المواقف المفاجئة والحالات الطارئة. ولهم في هذا نظرية سليمة، فانت في الطريق لست مسؤولاً عن أمنك الشخصي فحسب وانما أيضا عن أمن مستعملي الطريق جميعاً، راكبين ومشاة، وعن أمن الممتلكات الخاصة والعامة الواقعة على الطريق.
 الشخص المكلف باختبار السائقين الجدد، رجلاً كان أم امرأة، مشبع بادراك انه مسؤول عمن يمنحهم الاجازة وعن أمن الطريق. ولهذا فانه لا يتسامح مثلاً مع عدم تضبيط وضع المرايا الداخلية والخارجية قبل تشغيل السيارة، ومع عدم اعطاء اشارة ضوئية قبل التحرك بالسيارة أو عند الانعطاف يميناً أو يساراً. بل لا يتسامح حتى مع الطريقة التي يُمسك بها الخاضع للاختبار مقود السيارة.
على الطريق هنا في بغداد وسائر المدن والمحافظات أرى سائقين، بينهم رجال متقدمون في العمر، يتصرفون على نحو خطير يهدد حياتهم وحياة الآخرين وممتلكاتهم. لا أتحدث هنا عن سائقي سيارات المسؤولين المدنيين والعسكريين الذين لا أتردد في وصف سلوكهم في الطريق بالمستهتر، وانما أتحدث عن السائقين العاديين، بمن فيهم سائقو سيارات تاكسي.
اسأل عن تفسير لهذه الظاهرة العامة الشاملة فيأتيني الجواب: ما عنده (السائق) إجازة. أندهش واسأل: كيف؟ فاعرف ان الاجازة يمكن الحصول عليها بسهولة من دون اختبار عملي أو نظري... "بكم ورقة"!
من غير المعقول السماح لمن لا يعرف قيادة السيارة بالعبث بحياة الناس ومصائرهم كما لو كانوا نملاً .
 الحكومة تلاحق الارهابيين والمجرمين لأنهم يهددون أمن المجتمع والدولة. واستناداً الى القاعدة نفسها يتعين على الحكومة وضع حد للسياقة غير الشرعية في طرقنا لأنها تهدد أمن المجتمع والدولة. وهذا يتطلب في المقام الأول مكافحة الفساد في جهاز المرور.



 

232
شناشيل
ما تنتظره بغداد في عامها
عدنان حسين
ليست في صلب الموضوع تماماً، لكنها خطوة مرحبٌ بها للغاية، منتظرة على مدى عشر سنوات كاملات. فما أحلى أن تعود بغداد مدينة نظيفة بعدما تركها صدام مزبلة هي الأكبر في العالم، وأبقاها خلفاؤه على هذي الحال وأسوأ.
أمانة بغداد أعلنت أمس انها قررت غسل شوارع العاصمة وزراعة 50 ألف شتلة فيها استعداداً لإقامة فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية.
لن نقول لمسؤولي الأمانة : صح النوم، فنحن ندرك ان "الحال من بعضه" كما يقال، ولم نكن نفترض أن تكون حال شوارع بغداد ودرابينها وساحاتها زاهية الألوان بينما البلاد كلها في حال بائسة من الاحتقان القومي والديني والطائفي والانسداد السياسي والتخلف الاجتماعي والركود الاقتصادي.
وكيل الأمانة للشؤون البلدية نعيم الكعبي بشّرنا في بيان بإن "الأمانة وجهت جميع دوائرها البلدية بغسل وتنظيف الشوارع وتخطيطها وتهيئة الساحات العامة وتجهيزها بمصاطب جلوس مع إعداد خطة متكاملة للحفاظ على الشوارع"، وكذلك  "زراعة 50 ألف شتلة" عشية الحدث الثقافي الكبير. بل ان الأمر سيتعدى ذلك الى ما يبدو نوعاً من الترف لم تألفه بغداد منذ زمن، فالسيد الكعبي أفاد في بيانه بان "التوجيه شمل أيضاً تحديد وتهيئة أماكن محددة لرمي النفايات وتوزيع الحاويات البلاستيكية وأكياس النفايات" و"إدامة الجزرات الوسطية والاهتمام بالمزروعات، إضافة إلى الاهتمام بساريات الأعلام والنصب والتماثيل وغسلها باستمرار وصيانة الطرق وطلاء الأرصفة".
لكن ما هو في صلب الموضوع تماماً ومنتظر بفارغ الصبر أن نسمع من وزارة الثقافة أخباراً سارة تبشّر باعادة افتتاح دور المسرح والسينما والمراكز الفنية التي تحولت الى مخازن تحيط بها مكبات النفايات وبرك الماء الآسن، وبناء منشآت ثقافية تمس الحاجة اليها.
أصغر عاصمة في المنطقة تبزّ بغداد كثيراً في عدد صروحها الثقافية وفي وفرة الانشطة الثقافية. ومنظمة اليونسكو كرّست بغداد عاصمة للثقافة هذا العام، والثقافة هي المسرح ودار العرض السينمائي والمعرض التشكيلي والقاعة الموسيقية ودار الادب والمكتبة العامة وسواها.
لم نزل نتطلع الى ان تقام خلال هذا العام مجمعات ثقافية كبيرة تتناسب في عددها وحجومها مع الحجم الفلكي لموازنة الدولة السنوية التي تتجاوز المئة مليار دولار. ولو تخصص الحكومة ملياراً واحداً فقط من هذه المليارات لهذه المجمعات وتحصنّه من آفة الفساد لأضافت عجيبة جديدة الى عجائب الدنيا تستحقها بغدا عن جدارة .. مرة أخرى بشرط الا تمتد الى هذا المليار يد الفساد الطويلة.


233
شناشيل
القبانجي يعتقل الجمهورية الاسلامية
عدنان حسين
ليس هو الأول، ولن يكون الأخير، فتاريخنا العربي الاسلامي ، كما تاريخ أوروبا وأمم أخرى في عصورها المظلمة، حافل باضطهاد العلماء والمفكرين والصناع الأحرار. والآن ينظم أحمد القبانجي الى الكوكبة الزاهرة من مفكري الأمة الذين صادفوا العنت والطغيان في حياتهم وأعيد الاعتبار اليهم بعد مماتهم الذين تم في الغالب على نحو شنيع، ومازالوا يحظون بالتبجيل بوصفهم اعلاماً مرموققين وعلامات فارقة في مسيرة الحضارة الانسانية.
ابن المقفع الذي لم يزل يُقبل على أدبه ويُبجل حكاياته وحكمه، في "كليلة ودمنة" خصوصاً، العرب بدياناتهم المختلفة والمسلمون بمذاهبهم الخمسة، أُتهم بالزندقة في عهد الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور الذي نفخر الى اليوم بانه بنى عاصمتنا وجعل منها عاصمة للدنيا كلها، وقطعت حاشية الخليفة، بأمر من الخليفة، يديه ورجليه وفصلت رأسه وألقت بباقي جسده في النار.
وتهمة الكفر والزندقة لاحقت أيضاً الجاحظ ، وكذا المتصوف الاسلامي الشهير الحلاج، المبجل هو وأدبه وافكاره الى اليوم، حكم عليه في عهد الخليفة المقتدر بالموت، وقبل أن تُضرب عنقه وتُحرق جثته بالنار ويُلقى برمادها وما تبقى منها في دجلة، عُذّب تعذيبا شنيعاً بضربه بالف سوط وبقطع أطرافه كذلك.
والمتصوف السهروردي لاقى مصير الحلاج في عهد صلاح الدين الأيوبي. بل ان الإمام ابن حنبل سجنه الخليفة المعتصم وعذبه. والفيلسوف الذي تفخر به العرب الى اليوم، الكندي، جُرد من ملابسه وهو شيخ في الستين من عمره وجُلد ستون جلدة في ميدان عام وسط التكبير والتهليل من العوام، بسبب آرائه وأفكاره بالطبع، والفيلسوف الفارابي رُمي هو الآخر بتهمة الإلحاد.
الرازي ضُربوه على رأسه بكتبه حتى فقد البصر، وابن رشد أحرقوا بيته وكتبه وأتهم بالزندقة والالحاد أيضاً، وهي تهمة لم ينج منها ايضاً إبن سينا وابن خلدون والشاعر المعري.
وخلال ربع القرن الماضي قتلوا حسين مروة وفرج فودة وسعوا لقتل نجيب محفوظ ذبحاً وفرّقوا بين نصر حامد أبو زيد وزوجته بسبب أبحاثه، وقبل ذلك منعوا كتب طه حسين ونجيب محفوظ من التدريس في المدارس والجامعات.
احمد القبانجي يُقبض عليه في ايران .. ليس الأمر عجباً، فايران "الثورية" أعدمت المئات من خيرة المفكرين والعلماء، العلمانيين والدينيين، والناشطين السياسيين والمدنيين الأحرار والقت في السجون بمئات آخرين مثلهم، وقمعت كل تطلّع الى الحرية، واحمد القبانجي مفكر حر، فما العجب في أن يُحبس في ايران؟
اعتقال احمد القبانجي في ايران يثبت انه على حق في نمط تفكيره الليبرالي.
باعتقاله انما يُدخل احمد القبانجي نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية وقيادتها في المعتقل، اما هو فيبقى حراً بفكره الحر الذي ليس في وسع أعظم قوة على الأرض أن تحبسه.



234
المنبر الحر / الحل مع العباس!
« في: 19:29 19/02/2013  »
شناشيل

الحل مع العباس!
عدنان حسين
مؤكد ان أحدهما كاذب. لا يمكن أن يكون الاثنان صادقين، ولا يمكن أن يكونا كلاهما كاذبين، فكلامهما متناقض ومعلوماتهما متعارضة ومتصادمة.
انهما رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الهيئة العليا للمساءلة والعدالة بالوكالة فلاح شنشل الذي أباح المالكي لنفسه أن يطيحه من منصبه من دون وجه حق لأن الهيئة تتبع مجلس النواب ولا علاقة لها بمجلس الوزراء ورئيسه البتة بوصفها هيئة مستقلة.
محنة كبيرة في الحالين، سواء كان الكاذب هو رئيس الوزراء أم رئيس هيئة المساءلة والعدالة .. محنة، لأن الكذب حدث على رؤوس الأشهاد، ولأن كلاً من الرجلين يحتل منصباً خطيراً في دولتنا .. محنة أن يكذب رئيس الوزراء، ومحنة أكبر أن يكذب رئيس هيئة المساءلة والعدالة الذي يفترض فيه أن يكون صادقاً وعادلاً ومنصفاً لأن منصبه في مقام منصب القاضي. واذا كان من المألوف أن يكون رئيس الوزراء – أي رئيس وزراء – كاذباً، فان القاضي أو من هو في مقامه لا يُفترض فيه أن يكون كاذباً أو غير عادل أو غير منصف، فما من شيء أسوأ من انهيار نظام العدالة.
رئيس الوزراء نوري المالكي قال تعليقاً على قراره غير الدستوري بازاحة شنشل من منصبه الذي قرره له البرلمان ان اجتثاث رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود "لا يستند إلى أي وثائق"، وإنه "إجراء خاطئ ويجب أن يصحح بسرعة"، واضاف إن شنشل ابلغه انه لا يمتلك أي وثائق تدين المحمود وانه تعرض للتهديد من قبل الجهة السياسية التي ينتمي إليه (التيار الصدري)ا.
من جهته نفى شنشل في الحال معلومة رئيس الوزراء  وقال ان المالكي طالبه بتأجيل اجتثاث المحمود وانه رفض الطلب.
واوضح شنشل في مقابلة بثتها قناة "الحرة العراق" الليلة قبل الماضية " إن "المالكي اتصل بي وطلب مني تأجيل التصويت على اجتثاث رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود إلاّ أنني ابلغته أنه لا يمكن ذلك لتصويت خمسة اعضاء في الهيئة على اقالة المحمود ورفض اثنين وتحفّظ آخر"، وأكد  شنشل "أنني لم اتعرض إلى أية ضغوط من أي جهة سياسية، ومنها كتلتي التي انتمي لها، والتي اعطتني الحرية الكاملة في تنفيذ القرارات في عملي بكل مهنية وحيادية، ومنها اجتثاث رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود".
المالكي وشنشل أحدهما كاذب بالتأكيد. من هو؟ لست أعلم ، ولا أحد غيرهما يعلم. والحل؟ ..
الحل في أن نأخذهما الى العباس ليحلفا، على أن تنقل مراسم اليمين على الهواء عبر محطات الاذاعة والتلفزيون.
لكن قبل "الحلفان" لا بد أن نسأل السيد المالكي: ما دخلك انت بقرار هيئة المساءلة والعدالة من الاساس؟ اليست هي هيئة مستقلة؟


235
شناشيل
لحم خيل حرام ..
لحم حمير حلال !
عدنان حسين
على موقع "سكاي نيوز" باللغة الانكليزية وجدت منذ أيام تقريراً عن غارة قامت بها وكالة المعايير الغذائية ( (The Food Standards Agencyالبريطانية بمساعدة الشرطة ضد مؤسسة تختص بذبح الحيوانات لبيع لحومها في السوق (قصابخانة) في بلدة (تودموردن) في مقاطعة ويست يوركشاير.
وراء الغارة معلومات تلقتها الوكالة بان هذه القصابخانة تبيع لحم الخيل على انه لحم بقر. وبالفعل وجد المُغيرون ان المعلومات صحيحة فاتخذوا الاجراءات القانونية الخاصة بحالة من هذا النوع.
لحم الخيل ليس حراماً بالطبع لا في بريطانيا ولا في غيرها، بل انه في في كثير من البلدان أغلى ثمناً من لحوم البقر والغنم والخنزير. ففي هنغاريا مثلاً يُباع السلامي المنتج من لحم الخيل باسعار تزيد كثيراً عن أسعار ذلك المنتج من لحوم أخرى. لكن الأمر بالنسبة لوكالة المعايير الغذائية والشرطة في بريطانيا لا يتعلق بما اذا كان لحم الخيل حلالاً أم حراماً وانما بالغش التجاري المحظور.
ليس ثمة شك في ان القائمين على القصابخانة البريطانية سيواجهون القضاء بتهمة الغش التجاري وسينالون جزاءهم على وفق ما يقول به القانون الذي لا يحابي أحداً.
هنا، في بلادنا العراق، كُشف النقاب غير مرة في الأشهر الأخيرة، وربما في سنوات سابقة ايضاً، عن قيام البعض من القصابين وأصحاب المطاعم بممارسة غش مماثل، فقد نشر عدد من وسائل الاعلام وقائع عن بيع لحوم الحمير. لكننا لم نتلمس اي اجراء جدي للاغارة على الباعة الغشاشين، كتلك الغارة المشتركة لوكالة معايير الاغذية والشرطة في بريطانيا.
وتقدّم وسائل الاعلام يوميا تقريباً وقائع عن أغذية وأدوية وسلع أخرى مغشوشة أو منتهية الصلاحية تباع في أسواقنا علناً، ويمكن للجميع ان يرى بأم عينيه هذه السلع معروضة على الارصفة أو في العربات، ولا نسمع أو نرى أو نشاهد أو نقرأ عن تحرك من الجهات المعنية في وزارات التجارة والصحة والداخلية والبلديات لاتخاذ الاجراءات التي يقررها القانون في مثل هذه الحالات. بل اننا لا نتلمس تحركاً حتى من مجلس النواب بوصفه الجهة الرقابية العليا في الدولة والهيئة التي تمثل الشعب.
وزارات الصحة والتجارة والداخلية والبلديات لدينا تركت الناس يواجهون مصيرهم. وهذا الموقف هو امتداد لموقف الحكومة والطبقة السياسية النافذه في الحكم، فالجميع مشغول عن الناس وأحوالهم وصحتهم واحتياجاتهم بالصراعات على السلطة والنفوذ والمال، ولا أحد يعنيه ما اذا أكل العراقيون لحم الحمير وسواه من الأغذية الفاسدة أو تناولوا الأدوية منتهية الصلاحية أو اشتروا السلع رديئة النوعية.


236
شناشيل
ليست الحكومة سيداً
ولا الشعب تابعاً

عدنان حسين
يختلّ توازن المرء ولا يعود يتحكم بتصرفاته اذا ما أصيب بأزمة نفسية حادة أو بتلف في جهازه العصبي. ويبدو ان حكومتنا والقائمين عليها يواجهون هذه الايام إما أزمة نفسية كهذه أو انهم "انضربوا" في أعصابهم.
في الغالب يُعرف المرض من أعراضه، ومن أعراض المرض النفسي أو العصبي لحكومتنا انها تُقدم على تصرفات هي مجلبة للحنق عليها والكراهية لها، بل انها تزيد من مخاطر الشقاق الاجتماعي.
لم يكن ثمة مبرر على الاطلاق لأن تمنع الحكومة القادمين من محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى من دخول العاصمة .. ولم يكن ثمة حجة لمنع المسافرين من مغادرة بغداد الى الانبار .. ولم يكن ثمة مسوّغ لاغلاق الاعظمية في بغداد أياماً عدة والتعامل مع أهلها كما تتعامل سلطة محتلة مع سكان غرباء.
الحكومة اتخذت اجراءات أمنية مبالغ فيها للغاية لم تعلن عنها مسبقاً ولم تُفصح عن أسبابها، لكننا فهمنا ان ذلك يرجع الى الخشية من تنظيم تظاهرات في بغداد يتسرب اليها عناصر من تنظيم القاعدة وفلول النظام السابق.
منذ سنتين سعت الحكومة الى منع تنظيم التظاهرات في بغداد والمدن الأخرى وافرطت في استخدام القوة عندما تحداها المتظاهرون ومارسوا حقهم الدستوري. والحكومة اتخذت ذلك الموقف المجحف بذريعة الحؤول دون تسرب القاعدة والبعثيين اليها أيضاً، لكن ثبت في الحال انها كانت ذريعة زائفة، واضطرت الحكومة الى الاعتراف بوطنية المتظاهرين وشرعية حركتهم وشعاراتهم. والان فاننا نخشى ان تكون  الحكومة قد سقطت في الوهم نفسه في أن يسيطر عناصر القاعدة والبعثيين على التظاهرات.
وفي كل الأحوال وأياً كانت الاسباب الكامنة وراء فرض اجراءات أمنية محددة، فمن اللازم أن تعلن السلطات المعنية ذلك لكي يعرف الناس ما يفعلون وكيف يتدبرون أمورهم. الدستور يضمن للناس التمتع بالحرية، ويضمن أيضاً لهم ان يعرفوا لماذا والى متى تضطر السلطات الحكومية للانتقاص من هذا الحق في ظرف ما، وما فعلته الحكومة بفرض اجراءاتها الأمنية المقيدة للحرية من دون الابلاغ عنها علناً وقبل وقت كاف، يمثل استهانة بكرامة الناس فضلاً عن انه انتهاك لمبادئ الدستور واحكامه.
يجب أن يتغير نمط التفكير السائد الذي يعتبر الحكومة سيداً يأمر فيُطاع والشعب تابعاً عليه الانصياع والتنفيذ والاستكانة.

237
المنبر الحر / ثقافة روزخونية
« في: 13:06 13/02/2013  »
شناشيل

ثقافة روزخونية

عدنان حسين
منذ بضعة أسابيع تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت شريط فيديو لقاريء حسيني (روزخون) وهو يحث المستمعين اليه في مجلسه بحماسة شديدة على المشاركة بكثافة في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، عاداً ذلك تكليفاً شرعياً تتطلبه وتتحقق فيه "مصلحة المذهب".
كيف يبدو المذهب لهذا الروزخون؟ وكيف تتحقق مصلحته من وجهة نظره؟
انه - بحسب الصورة التي يقدمها الروزخون وخطبته - مذهب منغلق تماماً ومتعصب طائفياً الى أبعد الحدود، يؤمن بالنظرية الميكيافلية: الغاية تبرر الوسيلة، حتى لو كانت هذه الوسيلة غير نظيفة.
الروزخون طلب الى مستمعيه أن يذهبوا الى الانتخابات  حتى لو كانوا غير مقتنعين بها وبالمرشحين، وان ينتخبوا حتى الفاسدين ، فالمهم بالنسبة له، كما اكد في خطبته، انتخاب ابناء المذهب والاحتفاظ بسيطرتهم على السلطة. ولإثارة حماسة المستمعين اليه راح هذا الروزخون يتساءل عما اذا كان أحد يتصور في الماضي أن يُرفع اسم الامام علي بن ابي طالب في الأذان عبر الاذاعة والتلفزيون أو أن يسير ابناء المذهب الى المراقد المقدسة مشياً على الاقدام بحماية قوات الأمن!
أمس وجدت على أحد المواقع خبراً مصوراً منقولاً عن إذاعة الروضة الحسينية يقول:" ناشد أهالي حي النضال غربي كربلاء المسؤولين في الحكومة المحلية ووزارة الكهرباء ايجاد حل لمشكلة رافقتهم طيلة ست سنوات، والمتمثلة بعدم وجود أعمدة وأسلاك للطاقة الكهربائية أضافة الى تعطل محول الطاقة الكهربائية الذي اصبح قديماً ولا يتناسب مع التوسع السكاني بالمنطقة".  وأضاف الخبر "قال مختار حي النضال علي كاظم في تصريح لاذاعتنا ان مطالباتنا المستمرة لم تجد نفعاً ما اضطرنا الى اللجوء لوسائل الاعلام لبيان مظلوميتنا".
الصور المرفقة بالخبر، وعددها أربعة، تُغني عن كل كلام عن البؤس المريع لهذه القرية وأهلها، أو بالأحرى عن بؤس دولتنا التي تفشل على مدى ست سنوات متتالية في توفير بضعة آلاف من الدولارات من المئة مليار دولار التي تتكدس لديها كل سنة  من النفط وحده، لشراء أعمدة وأسلاك ولتصليح محولة الطاقة الكهربائية لقرية صغيرة في محافظة كربلاء.
والأشدّ من بؤس هذه القرية وبؤس دولتنا هو بؤس هذه "الثقافة" التي تجعل من "رجل دين"  يكرس نفسه ويسرق وقت الناس لتكليفهم "شرعياً" بانتخاب ابناء المذهب حتى لو كانوا حتى فاسدين، من دون أن يكلف نفسه بالحديث عن بؤس قرانا ومدننا ودولتنا، ومن دون أن يكلف نفسه أيضاً بادراك ان هذا البؤس ناجم عن تفشي الفساد وتسيّد الفاسدين في دولتنا.
13/2/2013




238
شناشيل
هذا التقرير.. أصفق له

عدنان حسين
لا أدري ان كانت حكومة اقليم كردستان أو أي هيئة أخرى في الاقليم قد ردّت أو علّقت على أحدث تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" بشأن وضع حرية الصحافة في الأقليم. وأياً كان الأمر فانني شخصياً اؤيد ما جاء في التقرير جملة وتفصيلاً. هذا الموقف مستند أولاً الى معرفتي بان هذه المنظمة المهتمة بقضايا الحريات وحقوق الإنسان تعمل وفقاً لضوابط ومعايير مهنية محترمة غير مُسيسة، وان تقاريرها ترتكز الى معطيات واقعية الى حد كبير، وثانياً انني شخصياً أعرف ان في الاقليم كما في سائر انحاء البلاد تجاوزات على حرية الاعلام وتعديات على العمل الاعلامي ومساعي متواصلة للتضيق على حرية التعبير بذرائع شتى (الأمن الوطني، النظام العام ، الآداب العامة..الخ).
التقرير (خبر عنه في مكان آخر على هذه الصفحة) يُقدم وقائع ثابتة عن هذه التجاوزات والتعديات لا أظن ان الهيئات في الاقليم ستستطيع نكرانها أو تفنيدها. ربما ستقول هذه الهيئات، كما فعلت في السنوات الماضية، بان معلومات التقرير مبالغ فيها، وهذه محاولة للتنصل من المسؤولية عن الانتهاكات التي يرصدها التقرير.
ما يتعيّن أن تدركه الحكومة والهيئات في الاقليم وكذا الحكومة الاتحادية في بغداد والحكومات المحلية في المحافظات وسائر مؤسسات الدولة، ان النظام الديمقراطي يعنيقبل كل شيء: حرية التعبير، وفي هذا الاطار تكون حرية الصحافة والاعلام.
لا يمكن اقامة الديمقراطية وبناء نظام ديمقراطي من دون هذه الحرية. وهي ليست مُقيدة أو مشروطة. التذرع بالنظام العام والأمن الوطني والاداب العامة (كما جاء في قانون حقوق الصحفيين – 2011 مثلاً) حجة في الواقع لإخفاء معاداة حرية الصحافة.
لا ديمقراطية مع كبح حرية الاعلام وتقييدها بقوانين يشرّعها سياسيون يخشون الكشف عن أخطائهم وخطاياهم. في النظام الديمقراطي لا توجد قوانين للصحافة والاعلام. حرية الاعلام والصحافة مباحة، واذا ما ارتكب صحفي أو صحيفة أو وسيلة اعلام جناية أو جنحة في حق شخص أو هيئة او جماعة فان قانون العقوبات الوطني هو المرجع، وفي قانون العقوبات العراقي مواد تُجرّم القذف والتشهير وما الى ذلك من جرائم النشر.
يتعين على حكامنا ومسؤولي دولتنا أن يدركوا انه ليس من مصلحة النظام الديمقراطي معاقبة الاعلاميين ووسائلهم بعقوبات خاصة. فهذا العقاب لن يُوقف النقد. صدام حسين أقام جمهورية خوف رهيبة، لكن ذلك لم يمنع من انتشار النقد لنظامه وسياساته عبر وسائل الاعلام الخارجية وتقارير منظمات حقوق الانسان. والان فان ليس في وسع حكومة كردستان أو الحكومة الاتحادية أن تُسكت أصوات النقد في الاقليم والعراق كله، لأنه بكل بساطة سيندفع هذا النقد الى الخارج وسينتشر على نطاق واسع بفضل التكنولوجيا الحديثة ومنجزاتها الباهرة، ومنها شبكة الانترنت على وجه الخصوص.
اتركوا الاعلام يعمل بحرية. لا تخافوا. الاعلام كفيل بمعالجة أخطائه وخطاياه سريعاً في ظل الحرية. فقط الزموا نقابات الصحفيين والمؤسسات الصحفية والاعلامية بأن تعلم أعضاءها ومنتسبيها أخلاقيات مهنة الصحافة المتعارف عليها دولياً وأن تراقب التزامهم بها، وقبل هذا أن لاتكون هذه النقابات والمؤسسات "وكالة من دون بواب" مهني.


   


239
شناشيل
اعتذار إلى نوري المالكي
عدنان حسين

أرغب في تقديم الاعتذار إلى رئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي الذي عرفته منذ الثمانينات (في سوريا) باسم: أبو اسراء المالكي، وجواد المالكي. أعتذر إليه بعدما اكتشفت الآن إنني في كتاباتي حمّلته المسؤولية عمّا لم يكن تحت سلطته وصلاحياته.. حمّلته مثلاً مسؤولية الأزمة السياسية المدمرة التي تعصف بالبلاد منذ ثلاث سنوات، ومسؤولية تفشي الفساد المالي والإداري بين مسؤولي الدولة الكبار والصغار بمن فيهم وزراء في حكومته ومتنفذون في ائتلافه "دولة القانون" وحزبه "الدعوة الإسلامية".
اعتذر اليه لأنني اكتشف الآن انه ليس المسؤول عن الأزمة السياسية أو الفساد، ولا عن المشكلة المتفاقمة مع إقليم كردستان، ولا عن أزمة الكهرباء، العجيبة الجديدة (الثامنة) بين عجائب الدنيا، ولا عن سوء الخدمات العامة كلها من دون استثناء (المجاري والصحة والتعليم والنقل والسكن ... الخ)، ولا عن الاعتقالات العشوائية وسوء المعاملة في المعتقلات، ولا عن التعدي المتواصل والمتصاعد على الحريات العامة والخاصة، ولا عن سوء الحصة التموينية .. والقائمة طويلة للغاية في الواقع.
أعتذر الى السيد المالكي إذ أجد الآن إنني ظلمته، فوراء النقد الذي وجهته إليه اعتقادي بأنه هو رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية بالوكالة، لكنني اكتشف الآن انه لم يكن كذلك.. كان رئيسا لمجلس الوزراء والقائد العام ووزير الداخلية بالاسم فقط.
نعم لتعرفوا جميعاً الآن ان السيد نوري المالكي بريء تماماً من تهمة رئاسة حكومتنا وقيادة القوات العامة ووزارة الداخلية.
أمس اكتشفت لكم من هو رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية.. انه النائب عن دولة القانون عزت الشاهبندر.
نعم هذا النائب لديه سلطة تفوق سلطة السيد المالكي. انه يستطيع أن يدير الأمور داخل البلد بالريموت كونترول من الخارج.
هل تريدون دليلاً؟
أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات أخيراً أمراً بإغلاق فضائية يديرها الإرهابي والحرامي مشعان الجبوري. قبل الحصول على ترخيص من الهيئة بدأت الفضائية بثها من بيت قيل انه للنائب الدولة قانوني الذي بواسطته دخلت معدات القناة إلى البلاد من سوريا. وقد طلبت الهيئة إلى وزارة الداخلية تنفيذ أمر الإغلاق ومصادرة المعدات. الوزارة بعثت بقوة مسلحة إلى البيت – المقر، لكنها لم تستطع القيام بواجبها. لماذا؟ لأن النائب الدولة قانوني أمر القوة بألاّ تدخل إلى البيت فتراجعت تنفيذاً لأمر الشاهبندر.
من له السلطة الأقوى والأعلى من سلطة وزارة الداخلية؟ انه رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة من دون شك. إذن رئيس حكومتنا وقائد قواتنا المسلحة هو النائب الدولة قانوني عزت الشاهبندر وليس نوري المالكي.
معذرة أبا إسراء، فقد ظننتك رئيساً لحكومتنا وقائداً عاماً لقواتنا المسلحة وحمّلتك مسؤولية الشرور التي انفتح صندوقها في السنوات الأخيرة، ويتبيّن لي الآن أن غيرك هو رئيس الوزراء والقائد العام الفعلي. سامحني.
السيد المالكي.. لن انتقد اداءك وحكومتك الى ان يثبت انك انت رئيس الوزراء والقائد العام ووزير الداخلية وليس عزت الشاهبندر.


240
شناشيل
أما شعرتم بالإهانة؟
عدنان حسين
افترض أن رئيس الوزراء قد شعر بالإهانة الشخصية والسياسية وهو يسمع الاخبار المتتالية خلال الايام الماضية عن تشكيل ميليشيات مسلحة، بعد سنوات عدة من اعلان رئيس الوزراء نفسه انه قد قضى على الميليشيات وأقام دولة القانون، وسجل ذلك في رصيد انجازاته ومفاخره.
وافترض ان كل عضو في حكومة رئيس الوزراء وكل مسؤول في الدولة قد اعتراه شعور مماثل بالاهانة.
رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وسائر مسؤولي الدولة مكلفون من الشعب بموجب الدستور بإدارة الدولة التي من واجباتها توفير الأمن وتقديم الخدمات للناس. وإنشاء ميليشيات مسلحة، أيا كانت طبيعتها ومرامي تشكيلها، مع وجود جيش وطني وشرطة وطنية، تجاوز على الدولة وقوانينها وعلى المجتمع ونواميسه، وعلى الكرامة الشخصية والوطنية للقائمين على الدولة والمجتمع، وأولهم رئيس الوزراء والوزراء.
افترض أيضاً أن رئيس الوزراء وأعضاء حكومته وسائر مسؤولي الدولة قد اجتاحهم الشعور بالاهانة الشخصية والسياسية نفسه وهم يتابعون أمس الانباء عن تعرض معسكر "ليبرتي"، حيث يقيم  في ما يشبه الحجز والاعتقال مئات من أعضاء منظمة "مجاهدين خلق" الإيرانية المعارضة وعائلاتهم، الى قصف بالصواريخ أودى بحياة عدد منهم وإصابة العشرات بجروح. ومهما كان الموقف من هذا المنظمة فأن قيام جهة مجهولة (لا يستبعد أن تكون إحدى الميليشيات أو مجموعة تعمل لصالح إيران) بالاعتداء المسلح على مخيم للمنظمة تحت سيطرة وإشراف الدولة العراقية، هو أيضاً تجاوز سافر على الدولة وسلطتها وسيادتها وهيبتها وعلى الكرامة الشخصية والسياسية للمسؤولين المناط بهم أمر إدارة الدولة.
لكن السؤال الكبير: كيف تأتى لهؤلاء أن يتحدّوا الدولة وهيئاتها ومسؤوليها بهذا الشكل السافر؟
ما كان سيحدث هذا، بطبيعة الحال، لو كانت الدولة والحكومة محترمتين ومهابتين لدى الذين أعلنوا عن تشكيل ميليشيات أو قصفوا بالصواريخ  المحبوسين في "ليبرتي".
وعدم الاحترام  وفقدان الهيبة متأتيان من الحال البائسة للطبقة السياسية المتنفذة في الدولة، ومن الفشل الذريع الذي انتهت إليه العملية السياسية برمتها. فالطبقة السياسية لا تحظى بالاحترام بسبب انصرافها إلى صراعاتها وانشغالها بمطامعها، وهي لا تريد أن تدرك ان سمعتها صارت في الحضيض. والعملية السياسية محشورة في نفق مغلق تماماً بالخرسانة المسلحة والحجر الصوان، ولا يريد القائمون عليها التخلي عنها، لسبب واحد هو أنهم لا يريدون خسارة امتيازاتهم ومنافعهم المترتبة على هذا الانحشار.


241

شناشيل
من ديلاكروا إلى وزارة ثقافتنا
عدنان حسين

منذ كنت طالباً في الثاني المتوسط أسرتني لوحة "الحرية تقود الشعب" للفنان الفرنسي الشهير يوجين دولاكروا. هي لوحة تنبض بالحياة والحيوية والإثارة.. وقد توافق موضوعها وألوانها في ذلك الوقت البعيد مع مزاجي الثوري الذي احتفظ به حتى الآن.
لم أر اللوحة أو نسخة منها في ذلك الوقت في مدرستي (متوسطة المدحتية) أو في معرض للفنون في مركز لواء الحلة (محافظة بابل الآن)، بل في مجلة "الهلال" المصرية التي كنت للتو قد تعرفت عليها وواظبت على اقتنائها وقراءتها. وإن لم تخني الذاكرة فان اللوحة كانت منشورة ضمن مقالة لبدر الدين ابو غازي الذي يعود له الفضل في فتح نافذة الفن التشكيلي وتذوقه أمامي عبر مقاله الشهري المميز عن الفنون التشكيلية عبر العصور في المجلة الرائدة التي كانت يومذاك تعيش عصرها الذهبي. لكنني منذ خمس عشرة سنة وقفت أمام اللوحة وجهاً لوجه في متحف اللوفر عندما كنت في ثاني زيارة لي إلى باريس. ولاحقاً تمتعت ثانية بمواجهتها في إحدى قاعات الأكاديمية البريطانية في لندن حيث كانت معروضة في معرض للفن الفرنسي. وفي كل مرة كنت ازداد حباً لها وانبهاراً بها وبمبدعها.
أمس تسببت لي هذه اللوحة الرائعة بحزن وغمّ عندما قرأت خبراً بثته وكالة رويترز عن إقدام فتاة على شخبطة جزء منها بالحبر الأسود يوم الخميس الماضي أثناء ما كانت معروضة في فرع متحف اللوفر في مدينة لنس الفرنسية.
المتحف الفرع الذي افتتح منذ شهرين فقط استعار اللوحة من المتحف الأم  لتكون درة افتتاحه الرسمي.
الخبر السعيد تركته الوكالة إلى ذيل خبرها، فهي نقلت عن مسؤول في لوفر لنس المتحف قوله إن فحصا أولياً أفاد بأن الضرر الذي لحق باللوحة سطحي وإن اللوحة الشهيرة التي رسمها دولاكروا في العام 1830 يمكن إصلاحها بسهولة.
حادث لوحة دولاكروا ذكّرني بحال كنوزنا الفنية التي يعتصر قلبي ألماً عليها كلما دخلت مبنى وزارة الثقافة، ففي الممر الداخلي المؤدي الى المبنى الرئيس يلوح لي كدس من اللوحات المتكأكئة على بعضها البعض.. بالتأكيد يتكوم هناك جواد سليم على شاكر حسن السعيد على فائق حسن على حافظ الدروبي على ليلى العطار وسعاد العطار على خالد الرحال على طالب مكي على فيصل لعيبي على صلاح جياد على علاء بشير على جبر علوان على ضياء العزاوي وسواهم من الكوكبة الجميلة من صناع الجمال.
هل من قلب يتفطر على هذا الكنز المهدد بالخطر؟

242
شناشيل
معاذ الخطيب .. خارج النص

عدنان حسين

حتى لو كانت النيّة وراء المبادرة التي أطلقها رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب الإبقاء على نظام حكم بشار الأسد أو جزء منه، فأن هذا النظام ذاته لن يسمح للخطيب في تحقيق مبتغاه.
نظام حكم من النمط الذي يقوده بشار الأسد وحزب البعث لا يقبل بأقل من الاستئثار بالسلطة كاملة غير منقوصة. انه يخشى إفلات جزء ولو صغير من هذه السلطة لأنه يتصور أن الأجزاء الأخرى ستتداعى الواحد بعد الآخر وسيخسر هو كل شيء. وحتى لو اضطر هذا النظام الى التنازل في ظرف تاريخي كالذي يواجهه بشار الأسد الآن فما يلبث، حالما يتمكن، أن يسعى بكل السبل لاستعادة كامل سلطته وفرض هيمنته المطلقة من جديد.
في التاريخ القريب ثمة أنموذج صارخ. فمنذ أن دخل صدام حسين في مأزق الحرب الطويلة العبثية مع إيران (1980 – 1988) اعتقد بعض معارضيه الذين فروا إلى الخارج هرباً من بطشه، انه أصبح  في الإمكان إقناع الدكتاتور المهزوم بترتيب البيت العراقي الداخلي بما يسمح للمعارضة بأن تكون لها حصة في الحكم. صدام الذي لابد انه كان يضحك في سره من  سذاجة أولئك المعارضين أعطى إشارات مغرية بعض الشيء. لكن جهود أولئك المعارضين لم تصل إلى أي نتيجة، فقد كان صدام يرفض تماماً أي تنازل ولو جزئي من سلطته حتى لصالح قياديين في حزبه. ولقد أعدم العديد من رفاقه المقربين لأنه رأى أنهم هددوا أو قد يهددون تفرّده في الحكم.
وحالما وافقت ايران على وقف الحرب لم يعد صدام في وارد المبالاة بجهود المعارضين السذج. لكن الأمر تكرر مجدداً بقوة أكبر بعد الفشل في غزو الكويت، فقد حمي وطيس الترويج لإقامة حكومة وطنية في بغداد تتمثل فيها المعارضة. وحتى بدء التوغل العسكري الاميركي في العراق في آذار 2003 لم يشأ صدام أن يتنازل للمعارضين حتى عن وزارة دولة على رغم ان المعارضين السذج كانوا قد أدمنوا زيارة بغداد والإقامة في فنادقها ذات الخمسة نجوم المحاطة بشعب يشحذ مع انه يعيش فوق أكبر احتياطي للنفط في العالم.
لن يقبل بشار الأسد بأن يتنحى عن السلطة حتى لو كانت ستذهب إلى نائبه  فاروق الشرع أو سواه من أركان النظام. فالمشكلة بالنسبة لبشار هي انه ماذا سيفعل بعدما يتنحى؟ وأين سيذهب؟ وما سيكون مصيره؟. وهذه المشكلة هي نفسها التي واجهها صدام الذي فضّل أن يحل الخراب بالعراق على أن يتنازل عن السلطة أو جزء منها.
السيد احمد معاذ الخطيب إنما يمثل دوراً على خشبة المسرح بنص مجلوب من خارج النص. انه يشوش على العرض ويمدد وقته قليلاً قبل بلوغ المشهد الأخير من المأساة السورية ختامه.




243
شناشيل
من يُشرّف هذا الحرامي والارهابي؟
عدنان حسين

يحتاج المرء السوي المتمتع بقوى عقلية سليمة وبالحد الأدنى من الأخلاق الحميدة، الى قدر هائل من الصفاقة، بحجم سلسلة جبال همالايا مثلاً، لكي يكون في امكانه الدفاع علناً عن واحد مثل الإرهابي المُلاحق مشعان الجبوري، كما فعل أحد نواب ائتلاف دولة القانون والتحالف الوطني.
ويحتاج هذا المرء الى قدر من الصفاقة بحجم سلاسل الجبال على الكرة الأرضية كلها لكي يجرؤ على تقديم خدمة الى مشعان الجبوري في مستوى تمكينه من إقامة محطة تلفزيونية فضائية في بغداد بالذات، كما فعل النائب المقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي.
ويحتاج المرء الى أن يفقد ذاكرته تماماً لكي لا يأبه بهذه المهزلة، وقبلها مسخرة إعادة مشعان الجبوري الى البلاد واخراجه منها، تحدياً للحكم القضائي الصادر في حقه وللقرار بالقبض عليه مخفوراً وتسليمه الى أقرب مركز للشرطة، كما يفعل السيد المالكي والمحيطون به ووزير العدل ووزير الداخلية الفعلي (عدنان الأسدي) وقادة وأعضاء التحالف الوطني الساكتون كما الصخر.
إن كنت لا تستحي فافعل ما شئت. وهذا بالضبط ما ينطبق أيضاً على كل من يُسهّل لمشعان الجبوري دخول البلاد والخروج منها بيسر وراحة وهو الملاحق قضائياً، واقامة فضائية في العاصمة من دون ترخيص، كما ينطبق على كل من يسكت على هذا كله.
مشعان الجبوري كان واحداً من الخدّام الأذلاء لصدام حسين وحاشيته.
ومشعان الجبوري متهم من دولتنا القائمة الآن بانه استحوذ على ملايين الدولارات من مخصصات التشكيلات المسلحة التي عُهد اليها بمهمة حماية المنشآت النفطية في الأعوام التي أعقبت سقوط صدام.
ومشعان الجبوري انشأ قناة فضائية في سورية كانت في الواقع منبراً وسخاً لسباب العملية السياسية والقائمين عليها، بمن فيهم رئيس الوزراء المالكي وزملاؤه في حزب الدعوة والائتلاف الوطني والتحالف الوطني ودولة القانون، قبل أن يتحول لمديح السيد المالكي والدعاية له بعدما طلب منه بشار الأسد ذلك وعندما أدرك ان بشار أصبح في عداد الساقطين. والأدهى من هذا ان تلك الفضائية التي كانت تتدفق القاذورات منها على مدار الساعة ظلت تحرض مباشرة على قتل العراقيين، وبالأخص الشيعة، وهي وصاحبها مسؤولان عن مصرع واصابة الالاف من العراقيين وتلف ممتلكات لا تُقدر بثمن. وظلت تلك الفضائية معروضة في سوق النخاسة لكل دكتاتور كالقذافي وبشار.
السيد المالكي .. لا يشرفك أبداً أن يدافع عنك واحد مثل مشعان الجبوري.
حزب الدعوة.. ما الذي ستقولونه لشهدائكم وعوائلهم وهذا الحرامي الارهابي يروّج لزعيمكم؟
دولة القانون .. لا يشرفكم أبداً ان يكون مشعان الجبوري في خدمتكم.
التحالف الوطني .. لا يشرفكم أبداً السكوت على ما يقدمه أحد نوابكم الى الارهابي الحرامي مشعان الجبوري.
كم مرة نحتاج الى أن نقول لكم هذا، لكي تستحوا على أنفسكم وتوقفوا هذا المهزلة المشينة؟

   


244
المنبر الحر / هيجان حكومي
« في: 20:46 04/02/2013  »

شناشيل
هيجان حكومي
عدنان حسين

يبدو أن حكومتنا هاجت وماجت بعد نشر منظمة "هيومن رايتس ووتش" أحدث تقرير سنوي لها بشأن أوضاع حقوق الإنسان والحريات والعدالة في أكثر من 90 دولة بينها العراق خلال العام المنصرم.
موقف الحكومة عرضه وزير حقوق الإنسان الذي قال إن التقرير "يجعلنا نشكك باستقلالية ومهنية المنظمة، خصوصاً أن اتهام  القضاء العراقي هو خطاب يعتمده بعض السياسيين العراقيين"، مشيرا إلى أن "تقرير المنظمة يحتوي تناقضات غريبة".
وزيادة في التشكيك تساءل عن "كيفية حصول المنظمة على معلوماتها، مع أنه ليس لديها ممثلون أو مندوبون بالعراق يزورون السجون والقضاء للحصول على المعلومات"، مرجحاً  أنها "تحصل على المعلومات عن طريق الإعلام والانترنت وبعض الجهات السياسية"، بحسب قوله.
الوزير اعتبر أيضاً إن "اتهام منظمة أجنبية للقضاء العراقي أمر مرفوض"، وان ما جاء في التقرير بشأن القضاء هو "اتهام لسلطة قضائية مستقلة في بلد ذي سيادة".
ما جاء في تقرير المنظمة الدولية المرموقة؟
التقرير قال إن الحكومة العراقية "اتخذت إجراءات شديدة القسوة ضد ساسة المعارضة والمحتجزين والمتظاهرين والصحفيين، فقلصت على نحو مؤثر المساحة المتاحة للمجتمع المدني المستقل والحرية السياسية في العراق". وأضاف "بينما كانت الجماعات المتمردة تستهدف عراقيين أبرياء في سلسلة من الهجمات المنسقة طوال العام، كانت قوات الأمن العراقية تستهدف مدنيين أبرياء في حملات جماعية للاعتقالات التعسفية والاستجوابات المسيئة. بعد عقود من الدكتاتورية والاحتلال والإرهاب، يواجه الشعب العراقي اليوم حكومة تزداد انزلاقاً نحو السلطوية ولا تتقوم بما يكفي حتى يشعر بالأمان".
وبشأن القضاء قال التقرير: "إن نظام العدالة الجنائية يعاني من التعسف وانعدام الشفافية، فضباط الأمن والقضاة على السواء يستخدمون الاعتراف وكأنه حجر الزاوية في الملاحقة الجنائية، وكثيراً ما يتهمون المحتجزين بالإرهاب دون أدلة حقيقية"، واضاف "تحدثت هيومن رايتس ووتش مع عدد من المحامين وأفراد عائلات المحتجزين فقالوا إن موكليهم أو ذويهم اتهموا بالإرهاب بموجب المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب بعد أن حصلت السلطات على اعترافات باللجوء إلى التهديد والانتهاكات البدنية".
حكومتنا أكدت بنفسها هذه المعلومات التي يشكك وزيرنا لحقوق الانسان فيها وفي دوافع نشرها .. اكدتها باطلاقها سراح المئات من المعتقلين بعد اندلاع التظاهرات في الفلوجة والرمادي والموصل وصلاح الدين، واعترافها بان البعض منهم تعرض إلى سوء المعاملة.
في ايام المعارضة كانت "هيومن رايتس ووتش" وشقيقتها البكر "امنستي انترناشنال" ظهيراً قوياً لنا في نضالنا ضد دكتاتورية صدام وتعسفها ووحشيتها. وكنا نستقبل تقاريرها بكل ترحاب وثناء، مع أننا كنا نعتبر أن واقع الحال أشد قسوة مما تعرضه المنظمة التي كانت تطبق معايير مشددة في جمع المعلومات ونشرها.
المنظمة لم تزل تتمسك بمعاييرها تلك. هي لم تتغير.. نحن الذين تغيرنا (أقصد من هم في الحكومة وبينهم وزير حقوق الإنسان).. كنا في السابق معارضين وغدونا الآن حاكمين. وكما كان صدام ووزراؤه يشككون في تقارير هذه المنظمة وأخواتها ودوافعها فأننا (اقصد حكامنا) تبادلنا الأدوار الآن مع صدام ووزرائه حيال هذه التقارير.
هذه هي المسألة.


245
المنبر الحر / عود على بدء
« في: 01:29 04/02/2013  »
شناشيل
عود على بدء

عدنان حسين

هي عودة الى الفكرة التي طرحتها منذ بضعة أيام، مقترحاً عقد مؤتمر وطني (لا يشبه المؤتمر أو الاجتماع أو اللقاء الذي ضاع بين أرجل كبار السياسيين المتنازعين على السلطة والمال) يشارك فيه الى جانب قادة القوى السياسية خبراء وأخصائيون في مجالات مختلفة. والهدف أن يجري بحث معمق لأزمتنا الراهنة من جوانبها المختلفة والتوصل الى نتائج لا تحددها أو تؤطرها أو تؤثر فيها العوامل والمواقف السياسية العابرة.
هذ المؤتمر لابد أن يضع في رأس اهتماماته قضية الدستور وتعديلاته التي تخمّرت وتعتّقت بما يكفي لإخراجها من سراديب مجلس النواب المعتمة. أكثر مشكلاتنا (السياسية والمرتبطة بها) وأكبرها ترجع الى الدستور، وعلاجها من علاج الدستور. هذا الدستور وُضع على عجل لغرض في نفوس عرّابيه، الاميركيين والبريطانيين، وفي نفوس سدنته من زعماء القوى السياسية الذين اعتقدوا ان سائر العراقيات لم ينجبن أبناء أكثر ذكاء ومعرفة ووطنية منهم، فأباحوا لأنفسهم حق كتابة الدستور في صيغة ناقصة ومرتبكة وملغومة (رئيس الوزراء نوري المالكي اعترف علناً ذات مرة بانهم زرعوا الدستور بالألغام بدلاً عن أن يزرعوه بالحقوق).
بعض المتظاهرين في المحافظات الغربية رفعوا شعار الغاء الدستور. هذا المطلب لا شرعية له لأن وراءه من يريد أن يعيدنا الى عهد الدكتاتورية المتوحشة أو أن يقيم نظاماَ طاليبانياً ظلامياً. دستورنا غير سليم وأحكامه ناقصة ومبادئه معوجة وهو منتج للمشاكل.. هذا صحيح تماما لكنه أفضل من دستور صدام ومن شريعة طاليبان.
 المؤتمر المقترح يتعين أن يلحّ في التوصية باعادة كتابة الدستور في أسرع وقت. لكن هذا المرة ينبغي ابعاد السياسيين بمسافة مئة كيلو متر عن الغرفة التي سيُكتب فيها الدستور الجديد. هذه الغرفة ينبغي أن يقتصر الوجود فيها على خبراء القانون، وبخاصة القانون الدستوري، والسياسة والاجتماع والاقتصاد من النساء والرجال سواء بسواء. يُكلفون باعداد صيغة للدستور تُطرح على النقاش العام عبر وسائل الإعلام الجماهيري، بما فيها وسائط الإعلام الحديث. ثم تتولى هيئة الخبراء هذه تعديل الصيغة في ضوء الملاحظات الواردة عنها عبر النقاش العام. ثم تُرفع الصيغة الى مجلس النواب لمناقشتها في إطار لجنة تُؤلف لهذا الغرض، وتُحدد تحديداً دقيقاً فترة معينة لعمل هذه اللجنة قبل طرح الصيغة على الاستفتاء العام.
من دون إعادة كتابة الدستور لنزع ألغامه ولإكمال نواقصه وسدّ ثغراته، لن نخرج من النفق الذي نحن فيه الآن، ولن نحلّ مشكلة واحدة من مشاكلنا، بل انها ستتوالد على نحو مطّرد، كما هو حاصل فعلاً الآن.
كل عمل خارج هذا الاطار هو مضيعة للوقت وكذب على النفس وعلى الآخرين.. وفروا لأنفسكم الوقت وتجنبوا الكذب وعواقبه.
 أخاطب السياسيين الذين في أيديهم الحل والربط.


246
شناشيل
فرقة الحياة... السيمفونية
عدنان حسين

كل الطرق المؤدية إلى المسرح الوطني في بغداد كانت عصر الخميس (أمس الأول) غارقة في مياه المطر الذي لم يعد زائراً مرغوباً به في مدينة تطفح شوارعها وساحاتها وأزقتها بخليط الماء والطين والقمامة بعد نصف ساعة فقط من بدء الهطول.
مع ذلك غرقت قاعة المسرح هي أيضاً بسيل الجمهور الذي جاء ليحضر حفلة الفرقة السيمفونية الوطنية، وهي حفلة تميزت هذه المرة بأن ما عُزف فيها (تسع مقطوعات) كان عراقياً صرفاً. المناسبة كانت مسابقة التأليف الاوركسترالي حيث تقدّم تسعة عشر من أعضاء الفرقة بمقطوعات ألفوها بأنفسهم، واختيرت تسعاً منها بوصفها المقطوعات الفائزة. بعض هذه المقطوعات يرقى إلى المستوى العالمي عن جدارة.
بقدر ما استمتعت بالعزف امتلأتُ بالفخر لأن فرقتنا السيمفونية تنضمّ إلى جبهتنا، نحن متحدّي الوضع المزري الذي تعيشه بلادنا (سياسياً بخاصة واجتماعياً واقتصادياً)... أعجبت بشباب الفرقة وشيوخها الذين يجترحون معجزة حقيقية بإصرارهم على تقديم الجمال والسحر والسمو بخلاف السياسيين الذين يعاندون أيّما عناد في تسميم حياتنا في كل يوم وساعة ودقيقة.
شباب (صبايا وصبيان) يانعون وشيوخ أجلاء وقورون لم يردعهم المطر ولا منعهم اكتظاظ الشوارع بالسيارات واشتداد الزحام عند نقاط التفتيش عن الحضور إلى المسرح الوطني في الموعد، بل قبل الموعد.
أعجبت وافتخرت أيضا بالجمهور الذي ملأ القاعة من أولها إلى آخرها، ومعظمه كان من الشباب، وأنصت بصمت إلى المعزوفات وصفّق بحماسة لها ولمؤلفيها وعازفيها وقائد الفرقة ومساعده.
الإعجاب كان مضاعفاً، وكذا الافتخار، فعدا عن ظروف الطقس خارج القاعة  التي تحدّاها أعضاء الفرقة والجمهور، لم تكن القاعة نفسها قد هُيئت بما يليق بهذا الحدث: حفلة للموسيقى السيمفونية بمقطوعات لمؤلفين عراقيين.. القاعة كانت باردة، وعندما انقطع التيار الكهربائي فجأة، كالعادة، فشل النظام المحلي في تشغيل مولدة الكهرباء في الحال (ربما لم يُصمم النظام لذلك في الأساس)، فانتظرنا دقائق عدة حتى تعود (الخاتون كهرباء)، واضطرت الفرقة إلى إعادة عزف المقطوعة التي تُعزف.
إلى ذلك فان الكراس التعريفي بالحفلة (فولدر) الذي أعدته الفرقة جسّد بوضوح الحال البائسة لدولتنا، دولة الأكثر من مئة مليار دولار سنوياً من النفط وحده، التي فشلت في صرف 200 أو 300 دولار لإعداد وطباعة فولدر أنيق وملون يليق بهذه الفرقة المفخرة وبحفلتها المميزة.
المجد لكم والمحبة، شباب فرقتنا السيمفونية وشيوخها.. فرقة الحياة، وتعساً لفرقة النحس والنكد والموت.. لسياسيينا المشغولين عن جمالكم وسحركم وسموكم وبهائكم وفخامتكم بأطماعهم ومؤامراتهم


247
شناشيل
مؤتمر وطني .. من نوع آخر

عدنان حسين
لماذا يحدث ما يحدث في بلادنا؟ من المسؤول عنه ؟ وكيف السبيل للانتهاء منه؟
ما يحدث هو استعصاء سياسي خانق يمكن أن يغدو قاتلاً في أي لحظة، بل ان نذر القتل واضحة، فما يجري في المناطق الغربية يمكن أن يؤدي الى اشعال نار حرب طائفية جديدة كتلك التي اندلعت في 2006 و2007، ما لم تعد الطبقة السياسية المتنفذة الى العقل وتتحلّ بالحكمة والوطنية.
وخطر العودة الى الحرب الطائفية حقيقي وليس مُتخيلاً، حتى ان رئيس الوزراء نوري المالكي الذي تفاخر مرات عدة في السنوات الأخيرة بان شبح الحرب الطائفية قد ولى بعيداً، أقر علناً منذ يومين بعودة هذا الشبح الى الظهور، فهو قال خلال حفل ديني لحزبه :"لقد أنهينا الطائفية بعد المجهود الحثيث لكنها على ما يبدو ظهرت من جديد".
ما يحدث الآن هو نتيجة منطقية لما حصل منذ البداية، منذ عشر سنوات، فالمقدمات الخاطئة لا تؤدي الا الى نهايات خاطئة. الولايات المتحدة وحليفاتها، وبخاصة بريطانيا، التي تكفلت اسقاط نظام صدام ووعدت الشعب العراقي بنظام ديمقراطي، نكثت عهدها وأقامت نظاماً هجيناً، ليس بالديمقراطي بالتأكيد، ولا يناسب العراق بالذات. فنظام المحاصصة الطائفية والقومية الذي قيل انه سيحل مشاكل العراق المزمنة على صعيد العلاقة بين قومياته وأديانه وطوائفه أدى الى تفاقم هذه المشاكل وتفجرها. العلاقة بين العرب والكرد والتركمان هي الآن في حال سيئة، والعلاقة بين الشيعة والسنة في حال أسوأ، وكذا العلاقة مع أتباع الديانات الاخرى، المسيحية والصابئة المندائية والإيزيدية.
 الولايات المتحدة وبريطانيا والنخبة السياسية التي شاركتهما في صياغة هذا النظام تتحمل جميعاً المسؤولية عما يحصل الآن وعما حصل على مدى السنين العشر المنصرمة. من اللازم أن تقر هذه النخبة بالخطأ التاريخي المرتكب. هذا الإقرار مهم وضروري لكي تُشرع الابواب للخروج من حال الاستعصاء السياسي الخانق، والمرشح لأن يكون قاتلاً.
ما السبيل الى الحل؟
 أبواب الحل يمسك بمفاتيحها أطراف النخبة السياسية، والمشكلة ان أياً منهم لا يريد أن يفتح بابه. ثمة فكرة يمكن أن تساعد في الوصول الى المخرج. أطراف الازمة تتداعى الى مؤتمر وطني، ليس هو ذلك الذي ضاع في لعبة الشد والجذب (مؤتمر أم لقاء أم اجتماع)، فالمؤتمر المقترح لا يقتصر حضوره على أطراف الأزمة وحدهم أو على عدد أخر من القوى السياسية غير الممثلة في البرلمان والحكومة.
انه مؤتمر رصين يشارك فيه، على قدم المساواة مع قيادات القوى السياسية الحاكمة وغير الحاكمة، أكاديميون وخبراء في السياسة والاقتصاد والمجتمع والقانون والثقافة والإعلام وقيادات من منظمات المجتمع المدني، يبحث بعمق طبيعة الأزمة القائمة وسبل الخروج منها.
مؤتمر كهذا سيزخر بأفكار من أروع ما يكون.. فقط يتعين على النخبة السياسية المتنفذة والمتسببة في الأزمة الراهنة أن تتواضع وتعترف بفشلها في إدارة الدولة، وادارة الأزمة، وتنفتح على الأفكار التي سيطلقها المؤتمر الوطني العتيد.وهذا المؤتمر يتعين ان يبادر الى الدعوة اليه البرلمان أو الحكومة أو كلاهما، وهذا أوفق.


248
شناشيل
أخيراً "المخبر السري" باطل

عدنان حسين
الحكومة قررت والقضاء نفّذ .. لا يهم من الذي قرر ومن الذي نفّذ .. المهم ان الحكومة والقضاء تراجعا عن خطأ جسيم ظل مرتكباً على مدى سنوات عدة .. هو جسيم لأنه أودى بحياة أناس بعضهم كان بريئاً تماماً.. وهو جسيم لأنه أدى الى بقاء العديد من الأبرياء في السجون والمعتقلات .. وهو جسيم لأنه تسبب في آلام ممضة لآلاف العائلات، وفي قطع أرزاق عدد غير قليل منهم.
الحكومة والقضاء أعلنا أمس الأول انه تقرر "إيقاف أوامر القبض المبنية على إفادات المخبر السري"، بحسب ما قاله في مؤتمر صحفي نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني الذي يترأس اللجنة الوزارية المكلفة النظر في مطالب المتظاهرين في المحافظات الغربية.
هذا القرار يمثل اعترافاً ضمنياً بان اعتماد افادات المخبر السري كان أمراً خاطئاً وباطلاً، والا ما كانت الحكومة والقضاء قد توافقا على العدول عنه. ويترتب على هذا الاعتراف بالخطأ التعويض مادياً ومعنوياً للضحايا وعائلاتهم .. الذين أعدموا، والذي سجنوا، والذين اعتقلوا، ومن تحصيل الحاصل القول أيضاً: والذين تعرضوا للتعذيب، فالثابت ان الذين ألقي القبض عليهم اعتماداً بافادة من المخبرين السريين تعرضوا لتعذيب وحشي، ومات بعضهم من جراء المعاملة القاسية من قبل المحققين.
كيف ستعوض الحكومة والقضاء عن الضحايا من معدومين ومسجونين ومعتقلين وعن المتضررين من عائلات الضحايا؟ وبماذا ستعوض الحكومة والقضاء؟
معنوياً لا معنى لأي تعويض إن لم يكن في صيغة اعتذار رسمي وعلني، فبهذا فقط ستكون هناك ضمانة بان كابوس المخبر السري قد انتهى بالفعل. اما التعويض المادي فكل أموال الدنيا لن تعيد الحياة الى واحد فقط ممن أعدموا أو ماتوا تحت التعذيب ظلماً وعدواناً، وكل أموال الدنيا لا تعوض ابنة  أو ابناً عن الحرمان من والدهما او والدتهما أو زوجة عن فقدان زوجها.. وكذا الحال بالنسبة للأخت والأخ، والصديقة والصديق، والحبيبة والحبيب.
 الأخذ بافادة المخبر السري لطالما تعرّض للنقد والتنديد، بوصفه إجراءً يفتقد العدل والانصاف، لكن الحكومة والقضاء ركبا رأسيهما وأصرّا على اعتماد هذه الممارسة التي لا مثيل لها الا في دول ابتليت بالانظمة الدكتاتورية المتوحشة ومنها نظام صدام الذي عارضناه، وما كان للنظام الذي خلفه أن يقتفي آثار أقدامه.
لكن تقليد المخبر السري ليس هو الوحيد الذي استورده نظامنا الحالي من نظام صدام. ثمة الكثير من الممارسات والسياسات والقوانين النافذة الان هي نفسها التي كان يستند اليها النظام السابق، وبخاصة في ما يتعلق بالحريات والحقوق. النظام السابق كان منسجماً مع نفسه في قوانينه وقراراته وممارساته .. هو لم يقل انه نظام ديمقراطي أو يسعه لاقامة نظام كهذا. كان يقرّ ويعترف على رؤوس الاشهاد بانه نظام شمولي، بخلاف نظامنا الحالي الذي يلهج مسؤولوه بمفردات الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان أكثر مما يرتلون آيات من القرآن.   
العودة عن خطأ المخبر السري لا تكفي ..مطلوب إعادة نظر شاملة وجذرية في القوانين والممارسات النافذة ليصبح نظامنا منسجماً مع شعاراته ودستوره المنتهكة مبادؤه وأحكامه على نحو مريع.



249
شناشيل
حافة الكارثة في مصر .. والعراق أيضاً

عدنان حسين
مصر ذاهبة الى حمامات دم رهيبة ابتدأت بالفعل ولا أحد يعرف كيف ومتى تكون نهايتها .. مصر مأخوذة رغماً عن أنفها الى هذا الحمام الدموي بفعل إصرار الاخوان المسلمين على اقامة دكتاتورية أشد وألعن من دكتاتوريات كل رؤساء الجمهورية الذين عارضوهم، من عبد الناصر الى حسني مبارك.
الدم يستجلب الدم .. والدم الذي يُسفك في شوارع القاهرة والاسكندرية وبور سعيد وسواها، بدون وجع قلب من الاخوان ورئيسهم ومرشدهم، يراكم المزيد من الكراهية والضغائن ويؤجج نار الثورة .. الاخوان يتمسكون بفرض دكتاتوريتهم، وهم بهذا انما يدفعون بالبلاد الى الخراب الشامل.
كلما تابعتُ على شاشات الفضائيات مشاهد الغليان والعنف والقمع وسفك الدماء في المدن المصرية حضرت أمامي مدن العراق كلها بشوارعها التي يمكن أن تغدو ساحات حرب .. نعم انني قلق للغاية من أن يتحول المشهد المصري الى مشهد عراقي .. قلق من أن يتردى المشهد المصري الى درك المشهد السوري الكارثي .. وقلق من أن يتبعهما المشهد العراقي ليكون على شاكلتهما.
في ظروف كالتي تعيشها مصر ويعيشها العراق الآن ليس في وسع أحد أن يضبط إيقاع الأحداث .. حركة واحدة أو كلمة واحدة يمكن أن تشعل فتيل نار كبرى.
هنا في العراق، كما في مصر، نزوع الى فرض دكتاتورية سافرة، فرأس السلطة التنفيذية لا يريد أن يسمع ولا يريد أن يرى .. فقط يريد أن يقول فيطاع، وأن يأمر فيُنفذ أمره مع تعظيم سلام. انه موهوم بفكرة المؤامرة والاجندات الخارجية كما لو أنه حقق الرخاء لمواطنيه على الطراز الياباني أو السويسري ولم يعد ثمة سبب او مبرر لشكوى.
مصر مدفوعة الى حافة كارثة كبرى بسبب الاخوان المسلمين ورئيسهم ومرشدهم وما يريدون فرضها من دكتاتورية بقوة السلاح والمال .. وعراقنا على مرمى حجر من حافة كهذه، فما يجري في غرب البلاد ينذر بهذا.
عندما تنشأ أزمة سياسية في العالم المتحضر، يتولى الحزب الحاكم المبادرة فيتوجه الى القوى السياسية الأخرى، بحثاً عن حل يجنبه المشاكل ويحول دون ادخال البلاد في محنة .. لكن هنا في العراق، كما في مصر، يندفع الحزب الحاكم نحو المزيد من التأزيم باتخاذ المواقف المتصلبة والمتشنجة.
مصر يدفعها الاخوان المسلمين ورئيسهم ومرشدهم الى حمام دم رهيب كالحمام السوري .. يا خوفي أن ننام ونصحو لنجد بلادنا مأخوذة الى مصير مماثل.

 




250
المنبر الحر / إذ تغيب الحنكة
« في: 17:14 27/01/2013  »
شناشيل
إذ تغيب الحنكة

عدنان حسين
انسحب الجيش من الفلوجة .. هذا ما جاء في الأخبار أمس. ولماذا أُرسل الجيش الى الفلوجة أصلاً؟ لماذا صدرت اليه الأوامر بالاقتراب من ساحات التظاهر والاعتصام الفائرة بالغضب والحنق هناك؟
انه اللعب بالنار .. لعب بالغ الخطورة .. ارسال الجيش الى ساحات التظاهر والاعتصام في الفلوجة، كما ارساله من قبل الى المناطق المتنازع عليها من دون الترتيب والتنسيق مع القوى المحلية، لعب خطير بالنار.. واعطاء الأوامر بالاقتراب كثيراً من المتظاهرين والمعتصمين واطلاق الرصاص الحي عليهم، هو  لعب بالنار الى أقصى الحدود.
الحنكة من الصفات الأساسية لرجل الدولة الناجح .. والحنكة هي ما يدفع به لتطويق المشكلة أو الأزمة التي تواجهه وتحييد عناصرها الداخلية والعوامل الخارجية المؤثرة فيها، تمهيداً لتفكيكها ومن ثم حلها .. رجل الدولة، مدنياً كان أم عسكرياً، لا يدفع بالأزمة الى الانفجار،  وبخاصة اذا ما كانت من النوع الذي يثير أو يمكن أن يثير فتنة دينية أو طائفية أو قومية.
ارسال الجيش الى الفلوجة لم يكن خطوة حكيمة لصاحب قرار محنك. وهذا ما حصل مثيل له منذ أشهر عندما أُرسلت قوات من الجيش الى مشارف طوزخرماتو، وهي منطقة أزمة .. وهذا ما حصل مثيل له أيضاً منذ سنتين عندما أُرسلت قوات من الجيش الى ساحات التظاهر في بغداد والبصرة والموصل وسواها لمنع الناس من التظاهر السلمي لاعلان مطالبهم التي وصفها رئيس الحكومة لاحقاً بانها كانت مشروعة ودستورية ووعد بتحقيقها .. ولم يحققها.
رئيس الوزراء ومقربون منه اتهموا فلول البعث والقاعدة باثارة التظاهرات والاعتصامات في المحافظات الغربية او الدخول على خطها .. هذا الكلام لا غبار عليه، فالواضح ان بعثيين وقاعديين انتشروا بكثافة بين المتظاهرين والمعتصمين ورفعوا راياتهم وشعاراتهم. لكن الجيش الذي أُرسل الى الفلوجة لم يلاحق البعثيين والقاعديين للقبض عليهم وتقديمهم الى العدالة .. انه اطلق النار عشوائياً، أو انجرّ الى استفزاز فأطلق النار عشوائياً ما أسفر عن مقتل عدد من المتظاهرين وجرح عشرات الآخرين .. أي ان الجيش خلق لنفسه أعداءً جدداً  في الفلوجة من دون ان يحقق هدفاً ضد اعدائه، البعثيين والقاعديين.
وراء ذلك بطبيعة الحال نقصان في حنكة الذين اتخذوا القرار بارسال الجيش الى الفلوجة.
من البداية كانت الحنكة تقتضي أن ترسل الحكومة قوات سياسية وان تعمل سياسياً على عزل المتظاهرين والمعتصمين عمن دخل في صفوفهم لاحقاً .. وقبل ذلك كانت الحنكة تقتضي الا تنتهج الحكومة سياسات تدفع بالامور الى حافة الانفجار.
الحنكة لا تُباع ولا تُشترى .. انها تنشأ وتتطور في الرؤوس والقلوب.

 


251
شناشيل
كلمة مطلوبة من الجعفري
عدنان حسين

أشك في أن رئيس الوزراء السابق والنائب الحالي ابراهيم الجعفري قد تحدث بمثل هذا الاختصار والبساطة في اللغة الى السفير التركي في بغداد يونس ديميرر عندما استقبله في مكتبه أول من أمس، فالجعفري عادة يسترسل في الكلام وتحفل أحاديثه بمفردات وتعبيرات يندر وجودها في أحاديث غيره، بعضها غير مفهوم أو يحتمل أكثر من معنى، وهذا ما لم يتضمنه الخبر المنشور في موقعه الشخصي عن لقائه مع السفير.
على أية حال، ليس هذا ما أريد أن أتوقف عنده من حديث رئيس التحالف الوطني الى سفير جارتنا الشمالية. فموقعه الانترنتي أفادنا بان الدكتور الجعفري ناقش مع السفير ديميرر "أبرز القضايا المطروحة على الساحة السياسية العراقية، وتعزيز العلاقات بين العراق وتركيا بما يخدم البلدين والشعبين الجارين"،  وان الدكتور الجعفري  "أكد على ضرورة تجذير العلاقات بين العراق وتركيا، وتأسيس علاقات ثقافية اجتماعية بين الشعبين الجارين، وعدم الاقتصار على العلاقة بين الحكومتين، ورسم استراتيجية طويلة الأمد ترعى مصالح الشعبين، مشدِّداً على أنَّ بناء علاقة الصداقة مع الأطراف السياسية كافة يجب أن يكون بشكل متوازن مع الجميع، داعياً إلى الابتعاد عن التصريحات التي تشنِّج الأجواء بين العراق وتركيا (.....) ، مشيراً إلى أنَّ الدول الصديقة ومنها تركيا بإمكانها أن تلعب دوراً إيجابياً في دعم الشعب العراقي، وإسناد حل الأزمة من خلال الصداقات التي تتمتع بها مع الأطراف والقوى السياسية العراقية".
هذا كلام سليم مئة بالمئة معنى ومبنى، ومن اللازم أن يتشرب ويؤمن به كل سياسيي البلاد، لكن علته انه ماض في اتجاه واحد، والحاجة ماسة لأن يدير الدكتور الجعفري رأسه ليوجه الكلام نحو جماعته أيضاً، أعني شركاءه في التحالف الوطني، وبالذات الحزب الحاكم : دولة القانون، ليقول لهم الكلام نفسه، ذلك ان "تجذير العلاقات" و"تأسيس علاقات ثقافية اجتماعية بين الشعبين الجارين" حاجة عراقية أيضاً وليست تركية فحسب، فما من مصلحة لنا في أن تكون علاقتنا مع تركيا وسواها من الجيران سطحية، وليس من مصلحتنا الا تكون بيننا وبين الاتراك علاقات ثقافية واجتماعية، فضلا عن الاقتصادية والسياسية.
وكما على الساسة الاتراك، على ساستنا أيضاً وبالذات الذين يملكون السلطة ووعاظهم أن يُمسكوا ألسنتهم ولا يستسهلوا اطلاق التصريحات النارية، فالمفترض انهم ليسوا صبياناً يلعبون في الساحة الخلفية لحارة السكن. انهم يديرون دولة خارجة للتو من دمار شامل وداخلة للتو في خراب سياسي مدمر.
دكتور الجعفري، حكومة تحالفك قطّعت وشائج الداخل ومزّقت روابط الخارج، وانت أحد كبار النظارة السلبيين على هذي الحال .. تحلَّ بالشجاعة وقل لأصحابك، بصفتك رئيساً للتحالف معهم، كلمة مفيدة تشبه كلمتك مع السفير التركي.


252
شناشيل
خطأ كبير.. يا شبكة الإعلام!
عدنان حسين
الرياضة، كما سياقة السيارات والطب والكتابة وسواها من المهن والحرف، فن وذوق وأخلاق .. والفن والذوق والأخلاق في الرياضة لا تقتصر على اللاعبين والحكّام والطواقم المساندة . المعلقون الرياضيون جزء حيوي من الرياضة. والمعلقون في المباريات الدولية يعدون سفراء وومثلين لبلدانهم وشعوبهم.
من دون قصد، بالتأكيد، ارتكبت شبكة الاعلام العراقي خطأ شنيعاً بارسالها الى البحرين، للتعليق على نهائي كأس الخليج، معلقاً لا يتحلى، في ما يبدو، بالفن والذوق والأخلاق. والأكيد انه أعطى العرب الذين كانوا يتابعون المباريات عبر قناة العراقية العامة والعراقية الرياضية أسوأ انطباع عن العراق والشعب العراقي.
هذا المعلق بدا متوتر الأعصاب الى درجة الاعتقاد بان الجميع كان متآمراً على فريق منتخبنا الوطني لكي يخسر لصالح فريق دولة الامارات .. المحكمون، وبخاصة الحكم السعودي الغامدي، واللجنة المنظمة للدورة، ومعهم الشعب السعودي برمته!
اليكم ما قاله "معلقنا" عندما انتهت مبارة الليلة قبل الماضية بخسارة فريقنا وفوز الفريق الاماراتي: (( تضافرت.. تعاضدت كل الجهود، من اللجنة المنظمة والطاقم التحكيمي.. بكل الصفارت وكل المخالفات وكل الاخطاء لمصلحة المنتخب الاماراتي .. أجرم الغامدي .. اللهم لا توفق الغامدي ولا كل من ينتمي لهم الغامدي .. اللهم لا توفق كل من ساهم في خسارة المنتخب العراقي)).
وهنا الرابط على موقع "فيسبوك" لمن يرغب بالتأكد:
http://www.facebook.com/photo.php?v=196781270462163

للمقارنة أقتطف في أدناه ما قاله بحماسة بالغة معلق قناة الرياضية السعودية بعدما سجل يونس محمود هدف فريقنا الوحيد في المباراة: (( العراااااااااااااااااااق... العراااااااااااااااق .. يونس محمود .. يونس محمود يعود بالعراق.. يعود بالعراق.. يونس يشق الشبك شق .. يشق الشبك شق.. الله عليك يا يونس.. الله عليك يا يونس.. العراق تعود .. العراق تعود عبر يونس محمود .. عبر يونس محمود عادت العراق ... يا الله .. تسديدة في المرمى .. يونس يجلد الشبك بالكرة.. الله يا يونس.. الله يا يونس ..هدف عراقي، العراق لا تموت، العراق في الملعب، العراق عبر يونس)).
وهنا الرابط على موقع "يوتيوب" لمن يرغب بالتأكد أيضاً.
http://www.youtube.com/watch?v=6MaxG6IIdLg&feature
هو ذا بالتأكيد ما ينبغي ان تكون عليه الرياضة، بما فيها التعليق على المباريات الرياضية، من فن وذوق وأخلاق.
زملاءنا في شبكة الإعلام: أحسنوا الاختيار رجاءً في المستقبل ..اختاروا من يمكن أن يمثلوننا، وطناً وشعباً، خير تمثيل.. ليست أخلاقنا التي عكسها معلقكم البائس .. أتعلمون أم لا تعلمون؟
"المدى" – 20/1/2013

253
شناشيل

من يُنزل رئيس الوزراء من بغلته؟

عدنان حسين
في غضون عشرة أيام فقط عالجت اللجنة الحكومية المكلفة النظر في مطالب المتظاهرين 20 الف حالة لأشخاص مشمولين بقانون المساءلة والعدالة. هذا ما أعلنه أمس رئيس اللجنة نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني  خلال مؤتمر صحفي في سامراء.
المعالجة اشتملت على الإعادة الى الوظيفة أو الإحالة على التقاعد أو رفع الحجز عن الممتلكات، بحسب ما أوضح الشهرستاني الذي أكد ان لجنته "بلّغت دوائر الدولة المعنية بتنفيذ القرارات فوراً".
هذا عمل طيب بطبيعة الحال، ليس فقط لجهة تنفيس أزمة تهدد بانفجار سياسي واجتماعي مدمر، بل أيضاً لناحية رفع الحيف والظلم عن مواطنين عراقيين أُسيء اليهم وأنتُهكت حقوقهم وصُودرت حريتهم من دون وجه حق.
 والسؤال الآن: إذا كان في إمكان الحكومة، والدولة عموماً، أن تحلّ مشكلة ألفي مواطن في اليوم الواحد فلماذا لا تفعل هذا كل يوم من دون الحاجة الى تنظيم التظاهرات والتهديد بإثارة اضطرابات ومن دون الافساح في المجال لفلول القاعدة ونظام صدام للدخول على الخط ؟
بالتأكيد الدولة لديها القدرة على فعل هذا .. بل هي قادرة على أكثر من هذا .. قادرة على حلّ كثير من المشاكل يعاني منها الناس أشدّ المعاناة على صعيد الكهرباء والماء والنقل والمجاري والحصة  التموينية والصحة والتعليم والسكن والنقل وسواها. ما ينقصها هو الإرادة ... هناك قصور في اتخاذ القرارات لحل المشاكل بالطريقة التي عملت بها لجنة مطالب المتظاهرين. يستطيع رئيس الوزراء أن يكلّف كل واحد من وزرائه برئاسة لجنة للنظر في مطالب الناس ومظالمهم في قطاع معين، مع صلاحيات كاملة باتخاذ القرارات وتنفيذها عاجلاً كما هي الحال مع لجنة الشهرستاني.  
كنا نعتقد ان نواب رئيس الوزراء، كما المئات من مسؤولي الدولة الكبار، عُينوا في مناصبهم للزينة أو الديكور أو للترضية فقط، وليس في وسعهم أن "يكشّوا" أو "ينشّوا"، لكن ها هو الشهرستاني يحلّ عشرين الف مشكلة في عشرة أيام فقط، والسر يكمن في تلك الإرادة من جانب الحكومة ورئيسها بحل هذه المشاكل في زمن قياسي. النائبان الآخران، روز شاويس وصالح المطلك، يمكنهما هما أيضاً ان يأتيا بما أتى به زميلهما اذا ما أعطاهما رئيس الوزراء وحكومته الضوء الأخضر والصلاحيات والامكانيات لحل مشاكل الناس، وهي كثيرة للغاية، في ميادين الاقتصاد والخدمات خصوصاً. بل ان رئيس الوزراء نفسه في مقدوره أن يشكل لجنة برئاسته لحلّ، أو المساعدة في حل، المشكلات الكبرى التي تواجهها البلاد، وهي مشكلات سياسية في المقام الأول. وهذا يتطلب أن تكون لديه شخصياً الارادة للنزول من بغلته، الواضح انها عرجاء تماماً، ولقاء شركائه ومعارضيه عند منتصف الطريق.
"المدى" – 19/1/2/2013

254

شناشيل
حكاية تاتشر وبلير برسم المالكي
عدنان حسين

وصلتُ إلى بريطانيا طالباً اللجوء السياسي في العام 1992(قادماً من سوريا وقبلها لبنان). وتصادف وصولي مع انتهاء عضوية رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر في مجلس العموم (النواب) وحصولها على لقب (بارونة) وعلى عضوية مجلس اللوردات (الشيوخ) أيضاً.
تاتشر التي اشتهرت بصفة (السيدة الحديد) كانت قد تولت رئاسة الحكومة البريطانية ثلاث مرات متتالية ( 1979 – 1983 – 1987)  الا ان المرة الثالثة لم تكملها فقد استقالت أواخر العام 1990 قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات العامة، منصاعةً لضغط حزبها الذي انتابه قلق شديد من تراجع شعبية زعيمته ومن ملامح دكتاتورية بانت على سلوكها في السلطة.
عندما جرت الانتخابات العامة في 1991 تبين ان حزب تاتشر على حق في إرغام زعيمته على الاستقالة، فقد احتفظ الحزب بعدها بالسلطة لمدة ست سنوات، ومن دون استقالتها كان من شبه المؤكد أن يخسر حزب المحافظين السلطة لصالح غريمه التاريخي حزب العمال.
ما حدث لتاتشر تكرر لاحقاً مع الزعيم العمالي توني بلير الذي فاز هو الآخر بثلاث دورات انتخابية (1997 – 2001 - 2005 ) لكنه اضطر إلى قطع الثالثة والاستقالة بضغط من حزبه لأسباب مشابهة تقريباً لأسباب استقالة تاتشر.
لا تاتشر ولا بلير نقص من قدره بقطع ولايته الأخيرة، فتاتشر، كما مرّ، احتفظت بمقعدها البرلماني سنتين تقريباً بعد استقالتها، وعندما خرجت من مجلس العموم انتقلت الى مجلس اللوردات مع أرفع لقب بالمعايير البريطانية. وحتى اليوم تتمتع تاتشر بمحبة الكثير من البريطانيين. وقد أنتج أخيراً فيلم عن حياتها جسّدت فيه دورها واحدة من أكثر نجوم هوليوود شهرةً، هي الممثلة الأميركية البارعة ميريل ستريب.
أما توني بلير فاحتفظ هو الآخر بشعبيته وشهرته حتى ان الأمم المتحدة عيّنته فور استقالته من رئاسة الحكومة مبعوثاً دولياً للجنة الرباعية الدولية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط. وحتى اليوم يواصل نشاطه السياسي الدولي ويلقي المحاضرات في العديد من الجامعات ومراكز الابحاث والمنتديات الكبرى في العالم ويقدم المشورة لحكومات ومؤسسات.
خلال ولاياتهما الثلاث، تعرّض كلّ من تاتشر وبلير لاستجوابات حامية في البرلمان البريطاني، ولم يستنكف أي منهما أو ينزعج من طلبات الاستجواب، بل انهما أدّيا المطلوب ببراعة، وهذا ما جعلهما يحتفظان بالتقدير والاحترام داخل بلديهما حتى بعد أن غادرا 10 دواننغ ستريت.
منذ سنتين في الأقل يواجه رئيس حكومتنا مشاكل جمّة مع القوى السياسية الشريكة له في الحكومة وتلك القائمة خارج الحكومة والبرلمان. بل ان هذه المشاكل هي أكثر عمقاً في الأوساط الشعبية. فأقل ما يريده الناس من حكومة تتوفر على موازنة سنوية فلكية (100 مليار دولار) أن تُيسّر حياتهم وتسهّل أمورهم بضمان أمنهم وتقديم الخدمات الضرورية لهم. لكن هذه الحكومة فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً، وهي تحقق في كل يوم فشلاً جديداً .. أقل ما ينبغي أن تفعله هذه الحكومة أن تعترف بتقصيرها وفشلها وتستقيل، فتريح وتستريح.


255
شناشيل
اعتراف حكومي بالذنب؟
عدنان حسين
إذن كانت هناك عمليات اعتقال تجري على نحو عشوائي ومنظم، غير قانوني .. وكانت هناك اعتقالات تشمل أبرياء هم في الغالب أقارب لمطلوبين.. وكانت هناك أيضاً انتهاكات سافرة لحقوق الانسان تمارس في المعتقلات في حق المعتقلين، نساء ورجالاً، لا يُستبعد ان تكون بينها عمليات اغتصاب .. وكانت هناك كذلك معتقلات سرية يؤخذ اليها هؤلاء المعتقلون، فتنقطع تماماً أخبار بعضهم عن أهلهم ومعارفهم.
هذا كله كان معروفاً لنا ولغيرنا، بيد ان السلطات الحكومية، وبخاصة قيادة عمليات بغداد ووزارة الداخلية والقيادة العامة للقوات المسلحة، كانت تنفيه نفياً باتاً ومطلقاً، وتشكك علناً في من ينشر هذه المعلومات ويتداولها، مع ان نشرها حق كفله الدستور الذي كفل الحريات العامة والخاصة والحقوق وأولها حقوق الانسان. حتى السلطة القضائية اختارت أن تلعب دور شاهد الزور والشيطان الأخرس، بتأكيدها المرة تلو الأخرى بان ما من اعتقالات تجري في بلادنا من دون مذكرات قضائية!
من أين لنا الآن هذا اليقين بوجود الاعتقالات غير القانونية والانتهاكات السافرة للحقوق الانسانية للمعتقلين التي كانت تنفيها السلطات؟
الأمر لا يحتاج الى قوة حيلة وشدة دهاء وفرط ذكاء، فاللجنة الوزارية التي شكلتها الحكومة أخيراً، بعد تظاهرات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وسواها، لمراجعة ملف الاعتقالات، أعلنت بنفسها في الأيام القلائل المنصرمةعن اطلاق سراح مئات المعتقلين سيتبعها مئات أخرى. بل ان رئيس اللجنة، وهو نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، اعترف علناً بوجود معتقلين ومعتقلات أبرياء واعتذر اليهم رسمياً باسم الحكومة. فهل من دليل قاطع أقوى وأرصن من هذا على الاعتقالات غير القانونية والممارسات غير الانسانية الجارية في المعتقلات؟
 في شباط وآذار ونيسان من العام 2011 ظلت القوات الأمنية تهاجم المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد وغيرها، وتلاحقهم وتعتقل بعضهم أمام الأنظار، وتنقلهم الى معتقلات سرية وتعاملهم بوحشية، وتلفّق لهم الاتهامات وتُرغم بعضهم على التوقيع على تعهدات تحت التهديد بالموت، وغير ذلك من التصرفات المشيئة المسيئة الى سمعة هذه القوات والحكومة والنظام الجديد، لكن السلطات الحكومية ظلت تنفي وتنفي حتى مع ظهور الضحايا على شاشات الفضائيات بعلامات التعذيب الواضحة على أجسادهم.
بعيداً عن التظاهرات والمتظاهرين المعتقلين، كنّا نعرف من أهالي الضحايا المختفين بوجود اعتقالات غير قانونية ومعاملة متوحشة في المعتقلات، وغير ذلك مما كانت قد برعت به أجهزة نظام صدام من قبل، ما جعلنا نحن معارضي ذلك النظام - وبيننا كبار المسؤولين في نظامنا الحالي، بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونائب رئيس الجمهورية ودزينة من الوزراء وعشرات من النواب والمحافظين - نفرّ الى خارج "جمهورية الرعب" الصدامية.
لماذا إذن يلومنا الذين في أيديهم السلطان والهيلمان إذ نقول لهم الحقيقة بانهم يترسمون خطى صدام في القبض على السلطة والتمسك بها حتى الرمق الأخير؟ وما الذي يضمن لنا الا يتكرر الأمر بعد اليوم؟


256
المنبر الحر / لا شيعي ولا سني
« في: 14:08 15/01/2013  »
شناشيل
لا شيعي ولا سني
عدنان حسين
بين أصدقائي اثنان يحملان الاسم نفسه (ضياء الشكرجي). أولهما صديق عتيق، هو الفنان التشكيلي المعروف ضياء حسن الشكرجي الذي ناضلت وإياه في فترة من فترات العمر (سنوات الجامعة)، في اطار اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، ضد دكتاتورية النظام السابق، وسُعدت العام الماضي بلقائه مجدداً، خصوصاً وقد وجدته على ما كان عليه من وطنية مُعتقة.
الثاني هو الناشط السياسي والكاتب ضياء الشكرجي، وهو صديق جديد تعرفت إليه عن قرب في العام الماضي بعدما كنت أعرفه عن بُعد وأقرأ كتاباته المتميزة بأسلوبها الرشيق الفخم وأفكارها قوية الحجة ومعلوماتها الموثّقة. وهو كما يعلم عارفوه كان من قيادات حزب الدعوة الإسلامية، وحدث تطوّر هام في فكره جعله يتبنى العلمانية والديمقراطية.
  هذا الصديق الشكرجي أتبادل واياه بعض ما نكتب، هو في بعض المواقع الالكترونية وأنا في "المدى". وآخر ما وصلني منه مقالة قصيرة بعنوان "أفتخر أني لست شيعيا ولا سنياً"، هي من أحلى ما قرأت في الأيام الأخيرة. وتقديراً مني لما كتبه وإيماناً بكل فكرة طرحها نشرت المقالة على حسابي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وسُررت كثيراً بردود الفعل الايجابية حيالها، وهذا ما يُشجعني على إعادة نشرها هنا ترويجاً لها وتعميماً للفائدة منها:         
((من حق إنسان شيعي ما أن يقول «أفتخر أني شيعي»، إذا لم يكن متعصباً ضد السنة.
كما إن من حق إنسان سني ما أن يقول «أفتخر أني سني»، إذا لم يكن متعصباً ضد الشيعة.
أقول من حقهما، ولكن من حقي أنا أيضا أن أقول لا أحب قول كل منهما، وإن كنت لا أملك حق سلبهما الحق بذلك.
لكن كما إن من حق كل منهما أن يقول ما سلف، فمن حقي أيضا أن أقول: «أفتخر أني لست شيعياً، ولست سنياً».
وليس من حق أيٍّ منهما، أو من سواهما، أن يسلبني هذا الحق الذي منحني إياه خالقي، رب العقل والصدق والحب والجمال والحرية والسلام، ومنحتني إياه لوائح حقوق الإنسان ودساتير العالم الحر وأعراف مجتمعات الحداثة.
بل من حقي أن أعبّر عن فرحي، بعدم شيعيتي، وبعدم سنيتي.
ومن حقي أن أصلي صلاة الشكر لربي، وأطوف طواف الشكر حول كعبة حريتي، في حرم إنسانيتي، بعدما أكون قد أحرمت في مَحرَم الحب، ثم لأرجم بعد طوافي شيطان الكراهة بسبع حصيات، وشيطان التعصب بسبع، وشيطان الخرافة بسبع.
لكني لن ألتزم بمنسك التضحية بأي قربان، لأني مؤمن بالحياة، كافر بالقتل، والذبح، وتقديم الضحايا والقرابين، غير ضامن لنفسي ألا أُذبَح بسبب إيماني بربّ الحب والحرية والسلام، وكفري بربّ الكراهة والقمع والاحتراب.
أفتخر أني لست شيعيا، ولست سنيا)).
أشد بحرارة على يدي صديقي الشكرجي، فنحن في أحوج ما نكون إلى كلام كهذا، في زمن كهذا تتهاوى فيه السياسة في بلادنا الى أسفل سافلين الأخلاق والقيم، ويتوحش فيه السياسيون المتنفذون على نحو سافر من أجل السلطة والنفوذ والمال غير مترددين في جعل الدين والمذهب مطايا لمطامعهم المستشرية.


257
شناشيل
دفاع غير ضروري عن السيارات الإيرانية

عدنان حسين

مفهوم ان تنفي وزارة التجارة خبراً غير صحيح عن قرار مفترض بمنع استيراد السيارات الإيرانية أو دخولها الى البلاد. فما دام لا يوجد قرار كهذا من الوزارة أو الشركة العامة لتجارة السيارات، ومادامت بعض وسائل الاعلام قد نسبت الى الوزارة اجراءً كهذا كان لا بد من النفي حتى لا يتضلل الجمهور.
لكن غير المفهوم أن تُسيّس الوزارة، على لسان المدير العام لشركة تجارة السيارات، ما يتداوله الشارع العراقي عن سلبيات السيارات الايرانية.
لا أملك سيارة خاصة بي ولا أعرف شيئاً في ميكانيكا السيارات، لكنني أسمع في الأوساط التي ألتقيها يومياً تقريباً الكثير من الكلام غير الايجابي عن السيارات الايرانية والصينية. أسمع هذا الكلام حتى من سائقي هذه السيارات التاكسي التي اتنقل بها، وهم في معظمهم شيعة وليسوا سنة .. انهم يشكون من تدني كفاءتها ومن تردي معايير السلامة والأمان فيها ومن اسعارها التي لا تتناسب ورداءتها، ويقارنون بينها وبين السيارات الكورية لصالح الأخيرة. وشخصياً ترسخت لديّ هذه الفكرة من خلال معايشتي لأعطال هذه السيارات ومن تحطمها على نحو مريع في الحوادث، وهو ما ينطبق على السيارات الصينية سواء بسواء.
في إعلان نشر في الصحافة أمس نفى مدير عام شركة تجارة السيارات معلومات المنع. وهذا جيد، ولكن ما الداعي للقول ان أمر توجيه الانتقادات الى السيارات الايرانية "يتعلق باستهداف سياسي على هذه الأنواع من السيارات ويدخل ضمن حملة تشديد الحصار الاقتصادي على ايران"؟
هذا الكلام من المفترض أن يصدر عن مسؤول ايراني يهتم بترويج بضائع بلاده ويسعى للدفاع عن سمعتها، كالسفير المقيم في بغداد، وليس عن مسؤول عراقي يفترض أن يهتم بمصالح أبناء شعبه.
أتذكر انه خلال العام الماضي قرأت في بعض الصحف خبراً عن استقبال أحد كبار المسؤولين في دولتنا (ربما هو نائب رئيس الجمهورية) السفير الايراني. وتضمن الخبر حثاً من المسؤول للسفير على تحسين بلاده صناعة سياراتها المصدرة الى العراق. هذا يعني ان مسؤولي الدولة، الذين لا أتصور ان أحداً منهم أو من افراد عائلاتهم يركب سيارة ايرانية أو صينية، لديهم هم أيضاً فكرة عن الكلام الدائر عن السيارات الايرانية والصينية.
لا أظن ان مدير عام شركة السيارات كان موفقاً في ما تضمنه إعلانه، فليس من مهامه الدفاع عن السيارات الايرانية أو الصينية، ولا حتى الالمانية أو الاميركية .. مهمته، كما سائر المسؤولين في الدولة، أن يقدم خدمة طيبة لابناء شعبه. أما أمر الدفاع عن السلع الاجنبية المستوردة فلتُترك لمنتجي هذه السلع ودبلوماسيي دولهم في بلادنا.
في سوقنا توجد المئات من الأنواع الرديئة من السلع، بما فيها السلع الغذائية، وهذا موثق في تقارير حكومية وبرلمانية، فهل يتعيّن على مدراء وزارة التجارة أن يتفرغوا للدفاع عن هذه السلع؟


258
شناشيل
تظاهرات .. وميكيالان

عدنان حسين

لأنصار رئيس الوزراء كل الحق في أن يخرجوا في تظاهرات تأييداً له ودعماً لمواقفه وسياساته التي يعتقدون انها صحيحة وسليمة وناجحة، فالتظاهر السلمي حق مكفول في الدستور (المادة 38)، وهو جزء من حرية التعبير التي تُعد من الأركان الأساسية للنظام الديمقراطي.
ومن حق المتظاهرين المؤيدين للسيد المالكي أيضاً أن تؤمّن القوى الأمنية وصولهم الى أماكن التظاهر بيسر، وأن توفر لهم الحماية منذ انطلاق تظاهراتهم حتى انتهائها، فهم في نهاية المطاف مواطنون عراقيون رغبوا في ممارسة حق لهم.
وأمس تمتّع أنصار المالكي بهذا الحق على أفضل ما يكون في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، فقد تأمن نقلهم من ضواحي بغداد والمحافظات الأخرى في باصات مريحة، وتوفرت لهم في ساحة التحرير كل مستلزمات التجول الحر في الساحة ورفع الشعارات المكتوبة على لافتات أو المنطلقة من الحناجر. وكان من الواضح ان قوات الأمن حرصت أشد الحرص على الا تتعكر تظاهرات مؤيدي المالكي بأي شكل وصورة.
لكن ما دمنا في دولة تتبنى النظام الديمقراطي وتقودها كتلة سياسية تتخذ من "دولة القانون" اسما لها، فمن حقنا أن نسأل: لماذ فقط يتوفر مثل هذا الترف للمتظاهرين المؤيدين للسيد المالكي؟ لماذا توضع امكانات الدولة التي هي دولة الجميع،الموالين والمعارضين، في خدمة المتظاهرين دعماً للمالكي فيما تتخلى هذه الدولة عن واجبها بتأمين حق الآخرين أيضاً في التظاهر السلمي؟
في 25 شباط 2011 وجهت حكومة السيد المالكي قطعات من القوات العسكرية للبطش على نحو سافر بالمتظاهرين السلميين في ساحة التحرير ببغداد وفي مدن عدة أخرى، حيث سقط عدد من القتلى والكثير من الجرحى، وجرى التنكيل ببعض المتظاهرين واعتقالهم بذرائع واهية. وسبق ذلك فرض منع التجوال للسيارات والدراجات في بغداد مرتين للحؤول دون وصول المتظاهرين الى ساحة التحرير، لكن المتظاهرين تحدوا التعسف الحكومي وتظاهروا سلمياً على مدى أسابيع متتالية.
تلك التظاهرات انتهت بسبب استمرار التعسف الحكومي ودخول البلطجية الى الساحة. ويومها بررت حكومة المالكي اجراءاتها بـ"معلومات" زائفة بان من يقف وراء التظاهرات البعثيون والقاعدة، ولم يثبت أبداً وجود عشرة من البعثيين أو من القاعدة بين المتظاهرين، بل ان المالكي أعلن بنفسه ان المطالب التي طرحها المتظاهرون شرعية ودستورية، وقطع عهداً علنياً بتنفيذها.. وحتى اليوم لم يفِ بالعهد.
تبريراً لاجراءات الحكومة لوقف التظاهرات أعلن مسؤولون في عمليات بغداد يومذاك ان التظاهرات، وهي كانت تجري أيام الجمعة حصراً، تضرّ بمصالح وأصحاب المحال في منطقة الباب الشرقي. ولم يكن ذلك صحيحاً لأن الأعمال في هذه المنطقة وسائر مناطق وسط بغداد تكون معطلة في الغالب أيام الجمعة.
أمس كان يوم سبت، وهو يوم تزدهر فيه الأعمال في الباب الشرقي والشوارع المؤديه اليها، ومع ذلك فان الحكومة لم تلتفت الى مصلحة الباعة واصحاب المحال لتعترض على تنظيم التظاهرة المؤيدة لرئيس الوزراء! فقد أرغم أمس مئات الباعة وأصحاب المحال على الاغلاق في منطقة الباب الشرقي ومحيطها والشوارع المؤدية اليها التي فُرض فيها أيضاً احظر على سير السيارات والدراجات، بل كان يجري التدقيق في هوية المشاة.
هذا كيل بمكيالين حيال التظاهرات لصالح المؤيدة لرئيس الوزراء. أين الديمقراطية وأين دولة القانون من هذا؟



259
شناشيل
لا مُساءلة ولا عدالة

عدنان حسين

حتى لو لم يُطالب متظاهرو الأنبار ونينوى وصلاح الدين بإلغاء أو تجميد قانون المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث سابقاً)، فأننا نعرف أن قضية هذا القانون واحدة من العُقد الأساسية للعملية السياسية، فعشرات الآلاف من العائلات في مختلف المحافظات، وبخاصة ذات الأغلبية السنية، احتفظت بعدائها التام للعملية السياسية بسبب هذا القانون وتطبيقاته، وان مئات بل آلاف من أفراد هذه العائلات انخرط في العمل الإرهابي انطلاقا من ذلك.
ما هي مشكلة هذا القانون؟
أحد أعضاء مجلس النواب من ائتلاف القوى الكردستانية قال منذ أيام كلمة مختصرة لخصّت المشكلة وغاصت في عمقها،: "قانون المُساءلة والعدالة سقط في التطبيق".
القانون في أساسه كان خاطئاً، فقد اختير له عنوان استفزازي للغاية :"اجتثاث البعث". صدام حسين عمل سنوات طويلة على اجتثاث معارضيه من الشيوعيين والقوميين، بمن فيهم بعثيون، والكردستانيين والإسلاميين، سنةً وشيعةً وبينهم حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي .. لم ينجح صدام، فالذين سعى إلى اجتثاثهم خلفوه في السلطة. والنظام الحالي فشل هو الآخر في اجتثاث حزب البعث، فما زالت البيانات الحكومية تتهم حزب البعث ليس فقط بتنفيذ عمليات تفجير إرهابية وإنما أيضاً بتنظيم التظاهرات. والأسبوع الماضي هلع كبار مسؤولي الدولة هلعاً لا نظير له بعد بث شريط لنائب صدام السابق، عزت الدوري، مع انه ينزوي في بلد بيننا وبينه صحارى وبحار.
 المساءلة والعدالة هو التدبير الصحيح الذي كان يتعين العمل به منذ البداية، ولكن على الطريقة الجنوب أفريقية.
المشكلة إن الذين شرّعوا قانون اجتثاث البعث كانت بواعثهم انتقامية.. أرادوا الانتقام شر الانتقام من البعثيين كلهم مع أنهم يعرفون أن الأغلبية الساحقة من أعضاء حزب البعث وأنصاره كانوا مجبرين لا مخيّرين وان هذه الأغلبية لم ترتكب جرائم تستحق العقاب القاسي من قبيل القتل والاعتقال والإبعاد عن الوظيفة بدون راتب أو قطع الراتب التقاعدي أو مصادرة الأملاك الشخصية.
وفي التطبيق فأن القانون أخذ مجراه في حق الكثير من هؤلاء. كما أن التطبيق كان كيفياً ومزاجياً وانتقائياً، فالكثير من القياديين البعثيين، وبخاصة العسكريين والأمنيين، يتولون الآن وظائف ومناصب بعضها أعلى وأخطر مما كانت لهم في العهد السابق. ومع هؤلاء كان المعيار أنهم شيعة في الغالب وانهم ممن أبدوا الاستعداد لخدمة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة شخصياً ومن يحيط به.
 تطبيق القانون على هذا النحو أشعر عشرات الآلاف من عائلات البعثيين السابقين بالحيف والتمييز وعدم العدالة والإنصاف، وهو كذلك في الواقع. القانون إما أن يُطبق على الجميع من دون تمييز وتفريق أو ألاّ يُطبق على أي احد.
ليس البعثيون السابقون الذي طُبق القانون في حقهم كانوا يتساءلون بحرقة عن أسباب التفريق والتمييز، وانما نحن أيضاً، ضحايا سياسات النظام السابق، نكتوي الآن إذ نرى من شاركوا في اضطهادنا وعوائلنا يتولون أمور البلد في هذا العهد أيضاً ويقوم بعضهم بالادوار القذرة نفسها التي كانت موكلة بهم سابقاً، في ما بدا انها مكافأة لهم على ما فعلوه بنا وبعائلاتنا.
لا بد من إعادة نظر جذرية في القانون وفي تطبيقاته خصوصاً، فهو لم يحقق المساءلة ولا العدالة.






260
شناشيل
دولتنا مثلنا .. بشخصية مزدوجة

عدنان حسين

تعيّن على عالم الاجتماع الراحل علي الوردي أن يكرّس حياته كلها، وأن  يطلب العلم  في الجامعة الأميركية في بيروت (البكالوريوس) ثم في جامعة تكساس بولاية تكساس الأميركية (الماستر والدكتوراه) خلال النصف الأول من القرن الماضي، وأن يرتحل بين مدن ومناطق مختلفة من العراق لكي يكتشف ويثبت أن الشخصية العراقية ازدواجية، تحمل في دواخلها قيماً متناقضة هي قيم البداوة وقيم المدنية.
ومن دون التقليل من المنجز الفكري والعلمي الكبير والمتميز للوردي، فان زائراً عربياً استطاع أن يتوصل، خلال زيارة واحدة إلى عاصمتنا دامت بضعة أيام، إلى النتيجة نفسها التي انكبّ الوردي طوال حياته على دراسة وتحليل مقدماتها ومظاهرها وأسبابها وعواقبها. ذلك الزائر أعرب لمضيفيه في بغداد عن دهشته مما رأته عيناه من عناية بائعي الأحذية العراقيين بعرض بضاعتهم شديدة النظافة واللمعان خلف واجهات زجاجية محكمة فيما باعة الأطعمة يعرضون بضاعتهم مكشوفة للشمس والغبار والحشرات الطائرة والدابّة!
نعم هذه إحدى المفارقات الكثيرة الكبرى في حياتنا الاجتماعية، نحن العراقيين، فحتى هذا اليوم، التاسع من الشهر الأول في العام الثالث عشر من الألفية الثالثة، لم نزل نحرص على شراء ولبس الأحذية المحفوظة في "جامخانات" موصدة، ولا نتردد في أن نأكل الكباب والكص (الشاورما) والباجة والمسكوف والرز والمرق والخبز المعروضة في الهواء الطلق المشبع بالغبار والهوام والجراثيم!
دولتنا هي أيضاً، بخاصة الحالية، على صورتنا هذه. فكل مسؤولي هذه الدولة، من الرؤساء الثلاثة ونوابهم الى أعضاء البرلمان والحكومة والوكلاء والقادة العسكريين والمحافظين واعضاء مجالس المحافظات والمدراء، بمن فيهم مدراء البلديات، وأعضاء السلطة القضائية والهيئات "المستقلة" التي أصبحت تابعة للحكومة، يحرصون أشد الحرص على الظهور في أبهى وأزهى صورة، فيما البلاد التي يديرونها كلها تغرق في الأزبال والمياه الآسنة والمشاهد والمناظر الصادمة للأعين والأنوف والآذان، فضلاً عن الفساد المالي والإداري والفقر والبطالة وسوء الخدمات العامة.
يظهر هؤلاء المسؤولون أمام الكاميرات ببدلات أنيقة وقمصان ناصعة الألوان وربطات عنق مزركشة وأحذية لمّاعة، بينما لا تنخدش حواس بصرهم وشمهم بما يترامى أمام أنظارهم خلف الكاميرات من تلوث بيئي خطير.
وكما يهتم مسؤولو دولتنا بمظهرهم المرتّب يعتنون باختيار الألفاظ المنمقة للحديث عن الوطن ومصالحه والشعب مطامحه وعن نذر أنفسهم لخدمة الشعب والوطن وابتغاء مرضاة الله، لكن لا يخدش حياءهم ولا يُوخز ضمائرهم إنهم يكذبون علينا في كل ما يقولون، والدليل هذا الخراب المتفاقم على أيديهم للعام العاشر على التوالي .. والى أعوام أخرى ممتدة.


261
المنبر الحر / ملعونون كلهم
« في: 14:01 08/01/2013  »
شناشيل
ملعونون كلهم
عدنان حسين

ما الموقف الذي يتعيّن اتخاذه من الأزمة السياسية الراهنة؟
هذا السؤال معفو من الإجابة عنه الأعضاء والأنصار والمستفيدون في الأحزاب والكتل والائتلافات المنتجة لهذه الأزمة والمتورطة في تفاقمها، فهم منحازون إلى قيادات أحزابهم وكتلهم وائتلافاتهم حقاً وباطلاً، وسنحتاج إلى وقت طويل لكي يتطور وعينا إلى الحد الذي يجعل عضو الحزب  أو الكتلة أو الائتلاف يتبنى دونما خوف موقفاً معارضاً لموقف قيادته إن اعتقد أن هذه القيادة على خطأ، كما هو حاصل في البلدان الديمقراطية المتطورة.
هؤلاء الأعضاء والأنصار والمستفيدون، على أية حال، لا يشكلون في مجموعهم الا نسبة ضئيلة من عديد الشعب العراقي، فالانتخابات التي أجريت منذ ثلاث سنوات قاطعها نصف الناخبين تقريباً (المؤهلين للتصويت)، ولم تذهب أصوات الذين اقترعوا بالفعل كلها إلى الأعضاء الحاليين في البرلمان والحكومة، ذلك أن نسبة غير قليلة من الأصوات سرقتها الكتل الكبيرة المهيمنة على البرلمان والحكومة ووزعتها على مرشحيها من دون وجه حق وبالضد من حكم الدستور.
الأزمة السياسية الراهنة، وهي بالأحرى مرحلة متفاقمة في أزمة مستمرة منذ الانتخابات الأخيرة، بل منذ انتخابات 2005، أنتجتها وتدفع بها إلى المزيد من التفاقم القوى المتنفذة في البرلمان والحكومة سعياً لتحقيق أهداف خاصة بها وبأطماعها ولا علاقة لها بمصالح الشعب العراقي، بل إنها تلحق أفدح الأضرار بهذه المصالح.
الموقف الصحيح الذي يتعين أن نتخذه، وبخاصة المثقفين، هو التنديد بكل المنتجين لهذه الأزمة والمتورطين فيها والداخلين على خطوطها، وهم جميعاً أمراء حرب وملوك طوائف يسعون الى أن يجعلوا منا وقوداً لحروبهم الطائفية وصراعاتهم من اجل السلطة والنفوذ والمال.
مَن هم الذين يسقطون قتلى وجرحى ومعاقين ومتضررين مادياً في عمليات التفجير التي يقف وراء النسبة الأكبر منها زعماء الأحزاب والكتل والائتلافات المتنفذة في البرلمان والحكومة؟ إنهم نحن الناس العاديين وليس هؤلاء الزعماء وأفراد عائلاتهم وحاشياتهم.
مَن هم الذين يتدهور مستوى حياتهم فيبقون سنة بعد أخرى (للسنة العاشرة على التوالي) تحت خط الفقر وبلا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا حصة تموينية "مال أوادم" ولا مستشفيات ومدارس ومساكن مناسبة ولا نظام للصرف الصحي يحول دون غرق المدن مع أول مطرة ودون تحوّل الدرابين والشوارع والساحات إلى مستنقعات للمياه الآسنة؟ إنهم ليسوا هؤلاء الزعماء وأفراد عائلاتهم وحاشياتهم، بل نحن الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، بمن فينا الذين أعطوا أصواتهم لهؤلاء ومكّنوهم من أن يهيمنوا على مقدراتنا ويتلاعبوا بعبثية واستهتار بمصائرنا.
الموقف الصحيح أن نكون ضد هؤلاء جميعاً، فهم كلهم من أنتج هذه الأزمة ويدفع بها على طريق التفاقم، وهم من أنتج قبلاً مئات الأزمات والمشاكل والصراعات فأبقونا على ما نحن فيه من غياب الأمن والسلام والحرية والكرامة والتنمية، وهم من سينتج مئات أخرى من الأزمات والمشاكل، فهم من أوجد نظام المحاصصة والتوافق اللئيم حتى لا يتحقق لنا النظام الديمقراطي.
ضدهم كلهم .. واللعنة عليهم جميعاً.


262
شناشيل
لا فرح في العام الجديد

عدنان حسين

هل نفرح الليلة؟ هل نحتفل؟ هل نُشعل المزيد من الأضواء؟ هل نجعل الموسيقى تملأ الأجواء؟ هل نرقص؟ هل نتبادل التهاني والتمنيات بسعادة غامرة؟
من المفروض أن نفعل هذا كله هذه الليلة بالذات التي لا تأتي الا مرة واحدة كل اثني عشر شهراً. في مختلف البلدان يستقبل ملايين الناس هذه الليلة بالذات بالفرح والأضواء والموسيقى والرقص وتبادل الأنخاب والتمنيات بعام جديد سعيد . في الدول المتطورة الغنية تفعل هذا الاغلبية الساحقة من الناس، وفي الدول الفقيرة لا تستطيع الأغلبية من الناس أن تفعل مثل هذا بسبب الفقر والجهل وسائر مظاهر التخلف.
نحن بلد غني  .. غني جداً جداً، فالنفط وحده يدرّ علينا مئة مليار دولار سنوياً .. بلدان عديدة تحلم بنصف هذه الثروة الطائلة، وحتى بربعها، لتحقق أحلامها وطموحاتها .. نحن بلد غني لكننا لا نستطيع فعل ما يفعله أبناء البلدان الغنية، لا في هذه الليلة ولا في أي ليلة أخرى .
 نحن بلد غني لكننا شعب فقير، محروم من أبسط مستلزمات الحياة الانسانية الكريمة.
نفطنا ليس لنا .. انه للفاسدين، يستأثرون بعوائده ولا يبقون لنا مما يتسلمون سوى الفتات.
مئة مليار دولار سنوياً وسبعة ملايين منا تحت خط الفقر، ومثلهم  يزدحمون عند تخوم هذا الخط !
مئة مليار دولار  سنوياً وثمانية ملايين منا لا يجدون فرصة عمل، معظمهم من الشبيبة حملة الشهادات الحقيقية لا المزورة التي ينعم أصحابها بوظائف مرموقة في دولتنا!
مئة مليار دولار ومدارسنا وجامعاتنا تضيق بتلامذتها وطلبتها، ومستشفياتنا ومستوصفاتنا بمرضاها، وأبنيتها آيلة للسقوط ومشبعة بالرطوبة ومتخمة بالوساخة!
مئة مليار دولار وكهرباؤنا الوطنية لم تزل تنقطع ثماني عشرة  ساعة في اليوم!
مئة مليار دولار ومياه شربنا غير نظيفة في الغالب!
مئة مليار دولار وأزقتنا وشوارعنا مطمورة بالقمامة والمياه الآسنة!
مئة مليار دولار ومدننا بلا نظام للصرف الصحي وتغرق بأدنى مطرة كما حدث الأسبوع الماضي!
مئة مليار وشوارعنا وطرقنا الخارجية مزروعة زراعة كثيفة بالحفر والمطبات!
مئة مليار دولار ومتقاعدونا يحلم الواحد أو الواحدة منهم بثلاثمئة دولار في الشهر!
مئة مليار دولار والمنظمات الدولية تقول إن عاصمتنا العريقة بغداد، عاصمة الدنيا كلها في ما مضى، من أوسخ المدن في العالم ومن أسوئها على صعيد طبيعة الحياة!
مئة مليار دولار وطبقتنا السياسية الحاكمة في حال الخبال المتفاقم!
كيف لنا أن نحتفل بعام جديد سيضيّعه منا هؤلاء السياسيون مثلما ضيّعوا العام المنقضي اليوم وثمانية أعوام قبله؟
عسى عامنا المُدبر خاتمة أحزاننا الموجعة، وعسى في عامنا المُقبل أول سعادتنا المنتظرة طويلاً التي لا أمل في بلوغها مع ساسة  مثل المبتلين بهم.


263
شناشيل
شهود الزور على المسخرة
عدنان حسين

ما كنا لنحتاج الى أن يقول لنا رئيس الوزراء نوري المالكي ما قاله أمس الأول لنعلم ان دولة العراق غدت "مسخرة" بين الدول، فنحن نعرف هذا جيداً، لكننا نختلف مع السيد المالكي في سبب هذه "المسخرة". هو يعزوها الى "الخلافات بين السياسيين"، لكن مثل هذه الخلافات وأشد منها قائم في مختلف الدول، بما فيها الأكثر تطوراً وتحضراً ومدنية. وأصلاً الإختلاف في الرأي رحمة ونعمة، ومن اسباب تطور الدول الأخرى وتحضرها وتمدنها كفالة دساتير تلك الدول وأنظمتها السياسية حرية التفكير والتعبير.
تحول دولتنا الى "مسخرة" يرجع الى وجود طبقة سياسية حاكمة هي "المسخرة" بعينها .. ودولتنا "مسخرة" لأن المسؤولين عنها كافة مقصرون في واجباتهم التي أقسموا على ادائها .. هم منصرفون تماماً عن المصلحة الوطنية الى مصالحهم الشخصية والحزبية والطائفية. فسادهم وطائفيتهم وعدم كفاءتهم هي المسؤولة عن جعل دولتنا الأكثر فساداً والأقل شفافية والأسوأ في طبيعة الحياة، كما تُعيد وتكرر تقارير المنظمات الدولية المعتبرة.
هذا من ناحية كلام المالكي، أما من ناحية كلام نائبه، صالح المطلك، فلم نكن نحتاج أيضاً الى هذا الكلام لنعلم ان المالكي"يتحمل المسؤولية الكبرى عن الخلل كونه جزءاً من هذه التركيبة"، فنحن أيضاً نعرف هذا جيداً مثلما نعرف ان المطلك يتقاسم مع المالكي المسؤولية الكبرى عن تحول دولتنا الى "مسخرة" .. المطلك وسائر زعماء الفرصة الذين انتشلهم الأميركيون من قاع المجتمع والحياة السياسية وفرضوهم علينا يتحملون مع المالكي كل المسؤولية عما نحن فيه، ولا يستطيع المطلك أن يبريء نفسه، فهو يواصل عن سابق إصرار وترصد عضويته في الحكومة التي يترأسها المالكي، بعدما تراجع نادماً عن موقف سبق أن اتخذه من المالكي، ويوم أعلن المطلك مقاطعة المالكي وحكومته ظننا ان دفقة من الوعي قد اجتاحته .. وكنا على وهم في الواقع.
المطلك يريد أن يفرّ من سفينة  قد تبدو له على وشك الغرق .. والمطلك يريد أن يركب الموجة ويحقق كسباً شعبياً، لكنه لن ينجح في إخلاء مسؤوليته من تردي الاوضاع السياسية والمعيشية في البلاد. هو نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، وقطاع الخدمات في البلاد من أسوأ ما يكون، لكننا لم نسمع يوماً من المطلك إقراراً بهذا الواقع .. لم نسمع منه إعلاناً بتحمل المسؤولية أو جزء منها .. هو، كما سائر وزراء حكومة المالكي، كانت عيونهم على مصالحهم أكثر مما على مصالح الناس التي كلفوا برعايتها وصونها.
السيد المطلك، انت كما المالكي، وكذا وزراء كتلتك "العراقية" ونوابها في البرلمان شركاء في جعل دولتنا "مسخرة"، أقلها لأنكم كنتم شهوداً زوراً على هذه "المسخرة".


264
المنبر الحر / إرحلوا .. إرحلوا
« في: 17:51 29/12/2012  »
شناشيل
إرحلوا .. إرحلوا

عدنان حسين

لا .. لا.. لم تغرق بغداد في المطر الثلاثاء الماضي، ولا في الوحل والمستنقعات طوال الأيام الثلاثة التالية.. ولم تغرق الحلة ولا كربلاء ولا الكوت ولا البصرة ولا عشرات من المدن والبلدات والقرى الأخرى .. لا، ولم يُحاصر بفيضان المطر عشرات آلالاف العراقيين في بيوتهم أو خارجها.
الذي غرق هو الطبقة السياسية الحاكمة .. غرقت من أخمص القدمين الى قمة الرأس في مستنقع الفضيحة، وطاف فسادها وسوء تدبيرها وأخلاقها، فتكللت بالعار والشنار. والذين حوصروا هم أفراد هذه الطبقة بمستويات مسؤولياتهم كافة.. حوصروا بغضب الناس العارم  وحنقهم الشديد وسخريتهم الحادة .
الطبقة السياسية الحاكمة، من كل الكتل والائتلافات، هي من غرق وحُوصر في أيام المطر والفيضان، وهي من انكشف انكشافاً سافرا،ً بوصفها طبقة كذّابة، دجّالة، منافقة، محتالة، فاسدة وأنانية، منزوعة الاخلاق والضمير والوطنية ..تبدّى أفراد هذه الطبقة المتكبرون والمتجبرون  في يوم المطر في حجومهم الحقيقية التي لا تزيد عن حجم عقلة الإصبع (ليتهم كانوا بذكائه وغيرته على إخوانه).
لماذا حدث ما حدث يوم الثلاثاء وبعده؟
حدث ذلك لأننا نفتقر الى طبقة سياسية حاكمة محترمة .. تحترم نفسها وشعبها. فلو كانت لدينا حكومة تحترم نفسها وشعبها لاستقالت بكامل طاقمها قبل أن تغيب الشمس يوم الثلاثاء الماضي متحملة المسؤولية عن التقصير وسوء الإدارة والفساد. ولو كان لدينا برلمان يحترم نفسه وشعبه لحلّ نفسه بكافة أعضائه في الوقت نفسه متحملاً المسؤولية عن التقصير في التشريع والمراقبة. ولو كانت لدينا سلطة قضائية تحترم نفسها وشعبها لقدمت استقالتها في الوقت عينه متحملة المسؤولية عن التقصير في فرض سلطة القانون وتحقيق العدل والانصاف. ولو كانت لدينا أمانة عاصمة تحترم نفسها وشعبها ومجلس محافظة في العاصمة يحترم نفسه وشعبه ومجالس محافظات تحترم نفسها وشعبها لاستقالت عن بكرة ابيها في يوم المطر أيضاً متحملة المسؤولية عن التقصير وسوء الادارة والفساد.
يا كل أعضاء الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء الأعلى وامانة بغداد ومجالس المحافظات، مطر الثلاثاء كشف عن عوراتكم جميعاً بوصفكم لستم على قدر المسؤولية .. لستم أهلاً للثقة .. أعطيناكم عشر سنوات، أو ستة في الأقل، فلم تحققوا لنا شيئاً ولم تجلبوا لأنفسكم غير العار.
أنتم جميعاً لا تلزموننا .. لا حاجة بنا اليكم ولا فائدة لنا أو منفعة فيكم، فانتم سبب بلائنا ومحنتنا ومعاناتنا ونكد عيشنا .. أنتم بلوانا ومشكلتنا.
ارحلوا كلكم .. لا نريدكم .. لا أمل يرتجى فيكم .. أنتم جميعاً أسوأ من صدام ووزرائه وأعضاء برلمانه وقضاته .. نعم هذه هي الحقيقة، فلم تفعلوا شيئاً يعوضنا عما عانيناه وحرمنا منه في عهد صدام، بل ها انتم تفاقمون معاناتنا وحرماننا.
ارحلوا .. ارحلوا غير مأسوف عليكم، ففي رحيلكم عيد لنا وحياة حرة كريمة.



265
المنبر الحر / بكل الحرقة والغضب
« في: 16:56 26/12/2012  »
شناشيل
بكل الحرقة والغضب
عدنان حسين

وصلتُ الى أربيل بعد يوم مطير فيها. لم يظهر في المدينة أي أثر  للمطر سوى ان أوراق الاشجار بدت بخضرة زاهية كما لو انها قد غُسلت ومُسحت بعناية، والجزرات الوسطية للشوارع والساحات رطبة.
عدت الى بغداد في يوم مطير(أمس) .. في المطار وجدت ان خدمة التاكسي قد ألغيت! معقولة!؟ .. ماكو تاكسي من المطار الى المدينة؟ سألت أحد عمال المطار فأجابني: نعم عمي .. أكو باصات بلاش للساحة.
هي ساحة عباس بن فرناس التي عندما وصل اليها الباص احتار سائقه أين يوقفه، فإذ لا يوجد الماء يوجد الطين، وكلاهما تغوص فيه الأحذية بأقدامها.. الركاب من جانبهم احتاروا كيف يحمون رؤوسهم من المطر وأحذيتهم وحقائبهم من الماء والطين، فدولتنا العظيمة التي تتسلم سنوياً مئة مليار دولار بالتمام والكمال من النفط وحده لم تستطع بعد عشر سنوات من بدء عهدها الجديد أن توفر ساحة لسيارات المطار تليق بمواطنيها المسافرين وزوارها الأجانب ولا تكلف أكثر من مليون دولار فقط لا غير.
غير بعيد عن ساحة ابن فرناس وجدت بغداد كما لو ان الطوفان العظيم قد ضربها .. سيارة التاكسي التي استأجرتها لكي أصل الى المكتب اضطر سائقها للمناورة والمداورة بين الشوارع والأحياء كيما يتجنب تعطل سيارته في مستنقعات الماء أو وقوعها في الحفر والمنهولات المكشوفة الكثيرة في شوارع عاصمتنا.
قلب العاصمة الذي بلغته بعد ساعة كاملة كان متعباً للغاية بالمياه المتجمعة وبالسيارات المحشورة في صفوف وتجمعات فوضوية، خصوصاً في شارع السعدون عند ساحة النصر وتمثال السعدون.
أحد مصححي الصحيفة وصل المكتب متأخراً ساعتين .. جاء مبلل القدمين والساقين حتى المنتصف. صديقة اتصلت لتقول ان رحلتها بين مكان عملها ومنزلها استغرقت ساعتين كاملتين بزيادة ساعة ونصف عما هو معتاد في أيام العمل المصحوبة بالزحام.
اذا كانت مطرة عادية تُغرق عاصمتنا في طوفان عظيم، كما حدث أمس وفي مرات سابقة، فأين إذن تذهب مئات مليارات النفط؟.. نعم أين تذهب  ما دامت دولتنا العظيمة لا تبني ساحة لسيارات بوابة البلاد الرئيسة، ولا مجاري للعاصمة، ولا مستشفيات ومستوصفات، ولا مدارس ورياض أطفال، ولا مسارح ومكتبات عامة، ولا نوادي رياضية، ولا سدود، ولا توفر قطارات وباصات للنقل العام، ولا  تحل مشكلة الكهرباء، ولا تخفف من الفقر والبطالة،  ولا تزيد كمية الحصة التموينية ولا تحسّن نوعيتها.. ولا توفر الأمن؟ أين تذهب أموال نفطنا وكيف تُنفق؟ وعلامَ يبدها حكامنا؟
يسرقون؟ نعم، نعرف هذا .. نعرفه بتفاصيله المملة، ولكن الا يتبقى شيء من مئات ملياراتنا لساحة المطار ومجاري العاصمة في الأقل؟
يا حكومة .. يا مجلس النواب .. أجيبونا رجاءً: لماذا في كردستان التي فيها أيضاً فاسدون وحرامية تتوفر الكهرباء على مدار الساعة، وتوجد مستشفيات ومستوصفات ومدارس نظيفة ومجهزة ومسارح ومكتبات عامة ونوادي رياضية واجتماعية وسدود وباصات للنقل العام (مشاريع قطارات الانفاق قيد التنفيذ)، وتوجد مطارات من أحلى ما يكون وساحات للسيارات من أفضل ما يكون وشوارع لا تغرق بعد مطرة عادية ولا مطرة ثقيلة؟.. لماذا؟
 نعم لماذا؟.. ولماذا؟ بكل الحرقة على ضياع مئات ملياراتنا وبكل الغضب على حراميتها.





266
المنبر الحر / أعياد للوحدة
« في: 16:37 25/12/2012  »
شناشيل
أعياد للوحدة

عدنان حسين

فرج، نصري، جميل، نادية، سامح،، نوري، إنعام، صباح، منذر.. هذه أسماء لبعض من الصديقات والأصدقاء والزميلات والزملاء الذين تعرفت عليهم عن قرب في حياتي.. إن بحكم السكن أو الدراسة، بما فيها الجامعية، أو العمل .
وهذه الأسماء كلها لمسيحيين أو صابئة مندائية كانوا جيراناً طيبين وزملاء دراسة وعمل طيبين مثلهم مثل كثير من الجيران والزملاء المسلمين. وهذه الأسماء مشتركة لمسلمين وايزيدية ويهود. في زمننا لم نكن نميّز ديانات بعضنا البعض ومذاهبهم من الأسماء كما يحصل في الزمن الأغبر، الديني والطائفي، الراهن .. في زمننا لم نكن نهتم بديانة بعضنا بعضاً ولا بالمذهب ولا بالقومية، ولم نكن نسأل عن ذلك أو نفكر به .. كان العراق هويتنا.
فرج ونصري وجميل ونادية وسامح ونوري وانعام وصباح ومنذر كان بعضهم يحتفل معنا بأعيادنا الاسلامية .. يلبسون الملابس والأحذية الجديدة ويركبون "العرباين" التي تجرها الخيل ويلعبون معنا في مراجيح العيد. كان هذا في الصغر، وفي الكبر كانوا يحييون معنا مناسباتنا الدينية وبخاصة العاشر من محرم والعشرين من صفر، بل  ان بعضهم كان يلبس القمصان السود مثل بعضنا.. يرافقوننا الى   الكاظمية  ويشاركوننا  أكل الهريسة والقيمة، كما كنا نشاركهم أعيادهم، وبخاصة الميلاد والفصح.
اليوم الخامس والعشرون من كانون الأول عيد ميلاد عيسى المسيح للطوائف المسيحية الغربية .. الحكومة أصدرت قراراً باعتباره يوم عطلة للمسيحيين دون غيرهم. ما ضرّها لو جعلتها عطلة للجميع؟ وما يضرّها لو تجعل أحد اعياد الصابئة وأحد أعياد الايزيدية وأحد أعياد اليهود عطلاً رسمية للجميع؟ .. مبادرة من هذا النوع توحّد العراقيين بدياناتهم المختلفة مثلما يوحدهم عيدا الفطر والأضحى.
المسيحيون والصابئة واليهود والايزيدية توطنوا العراق منذ أقدم الازمان. قبل ان يصل الاسلام وينتشر. ولقد اسهم  الالاف منهم في إرساء وتوطيد أسس الحضارة العربية الاسلامية في أزهى أزمانها، العصر العباسي، لتنطلق نحو العالمية. و قد كان وراء  اعلان ميلاد العراق الحديث وتحقيق مدنيته وتحضره نخبة كبيرة من الادباء والباحثين والمؤرخين والكتاب والصحفيين والاطباء والمهندسين والعلماء والفنانين المسيحيين واليهود والصابئة المندائية والايزيدية فضلا عن المسلمين. وقد اقترنت   نهضة العراقفي القرن الماضي  بتلك النخبة فيما نكوص المدنية العراقية منذ مطلع خمسينيات وستينات القرن الماضي ارتبط هو الآخر بتصاعد وتيرة التمييز ضدهم وتهميشهم وصولاً الى شنّ "الجهاد" ضدهم، كما هو حاصل ومتفاقم منذ عشر سنوات.
قرار الحكومة بجعل اليوم عطلة رسمية للمسيحيين لم يضف جديداً الى ما كان معمولاً به في عهود الحكومات السابقة. الأهم من العطلة توفير الأمن للمسيحيين وسواهم من اتباع الديانات الأخرى بوصفهم مواطنين من الدرجة الأولى. وسيكون مهما أن تجعل الدولة يوم ميلاد المسيح وواحد من اعياد كل من اليهود والصابئة والايزيدية عطلة عامة كيما يتوحد العراقيون في اعيادهم الدينية كما في الأعياد الوطنية.


267
شناشيل
أنا عراقي.. أنا تعيس !

عدنان حسين

ما كانت مؤسسة غالوب العالمية في حاجة الى أن تهدر بعض أموالها لاستطلاع آراء مجموعة من العراقيين من مناطق مختلفة وأعمار مختلفة وفئات اجتماعية مختلفة لكي تدرك أن العراقيين بين أكثر شعوب العالم شعوراً بالتعاسة، بل يتصدرون قائمة التعساء على مستوى الكون.
هذه المؤسسة ذات المصداقية العالية المشهورة باستطلاعات الرأي التي تنظمها لصالح مؤسسات اعلامية وغير اعلامية دولية، كان يكفيها أن تُرسل مندوباً عنها لكي يتمشى في بعض مدننا وقرانا ليكتشف ان التعاسة تمشي بينناعلى قدمين أو تطير بجناحين في كل شارع ودربونة وساحة وحي سكني ومصنع ومزرعة في بلاد النفط والماء والنخيل.. بل كان يمكنها أن ترسل مندوباً أخرسً أو أطرشً، لا يقرأ ولا يكتب ولا يستخدم استمارات الاستبيان لكي يسأل وينتظر الجواب، فبعينيه كان سيرى ان التعاسة محفورة حفراً في وجوهنا ومطبوعة بوضوح في عيوننا.
مؤسسة غالوب أجرت استطلاعاً لقياس معدل المشاعر الإيجابية في العالم  نشرت نتائجه أول من أمس، جاء فيه ان العراقيين في طليعة "الأكثر تعاسة" في العالم، وتضمن الاستطلاع خمسة أسئلة كان على المستطلعة آراؤهم الإجابة عنها بنعم أو لا. من هذه الأسئلة:"هل ابتسمت أو ضحكت كثيراً يوم أمس؟" و " هل عوملت بشكل جيد واحترام طوال يوم أمس؟"، وجاء ترتيب العراق الثالث قبل الأخير (من 148 بلداً أجري فيه الاستطلاع) في قائمة السعادة، أو بين الأوائل في سلم التعاسة.(لمن يهمه الأمر فان الأكثر سعادة بين شعوب العالم بحسب الاستطلاع هم سكان أميركا اللاتينية).
ما الذي لا يُنكّد على العراقيين حياتهم ولا يجعلهم تعساء، بل في ذروة التعاسة؟.. الكهرباء التي يتلف انقطاعها الأعصاب عشر مرات في اليوم؟.. أم الأمن المُفتقد؟..أم التعدي الحكومي السافر المتواصل على حرياتهم الشخصية وحقوقهم المدنية؟.. أم القضاء المنتهكة حرمته واستقلاليته؟.. أم الأزبال التي تملأ الأرصفة والشوارع والأزقة ومباني دوائر الدولة؟.. أم المياه الآسنة التي تغرق فيها أحياء كاملة؟.. أم المعاملة المتعسفة والمهينة للكرامة من عناصر الأمن ومواكب المسؤولين المسلحة للمواطنين المارين بسياراتهم في الشوارع وعبر السيطرات؟.. أم الرشى التي يطلبها مسؤولو الدولة الكبار من المقاولين والتجار والشركات لإجازة الصفقات، والموظفون الصغار من عامة الناس لتمشية المعاملات؟.. أم مفردات الحصة التموينة غير الصالحة للاستهاك البشري؟.. أم الحال التعيسة للمستشفيات والمدارس؟ أم المستوى المتدني للتعليم والتعليم العالي؟ .. أم البطالة المتفشية بين ثلث الشباب؟ .. أم توزيع الوظائف على الأقارب والمحاسيب والأزلام والمحازبين غير الأكفاء؟ أم الفقر المكتسح ربع السكان؟.. أم السكن اللائق بالبشر المستعصي على نصف العراقيين؟.. أم هذه الأزمات السياسية المتناسلة الواحدة عن الأخرى؟ أم هذا النمط من السياسيين المستحوذين على أهم المواقع في الحكومة والبرلمان والذين لا ترف لهم عيون عن كل ما يحدث للبلاد.. بسببهم  بالتأكيد؟
كيف لا يشعر العراقيون بالتعاسة والحنق والغيظ والمنظمات الدولية المعتبرة تصنّف في تقاريرها دولتهم بين الأكثر فشلاً والأكثر فساداً والأقل شفافية، ومستوى حياتهم بين الأدنى ومدنهم بين الأوسخ؟


268
شناشيل

الشعب يريد تغيير البطانيات

عدنان حسين

لم تنته بعد عملية تحديث سجلات الناخبين في مراكز الاقتراع استعداداً لانتخابات مجالس المحافظات. بل لم تنته بعد مهلة تسجيل الكيانات التي ستخوض الانتخابات. وتبعاً لهذا لم تحدد مفوضية الانتخابات فترة الدعاية الانتخابية. ومع ذلك فان بعض الكيانات، وبخاصة الإسلامية، أعطت لنفسها سلطة الخروج على القانون والبدء بحملتها الانتخابية، خلافاً لأحكام الدستور ولقانون الانتخابات وقانون مفوضية الانتخابات، بل أيضاً راحت تسعى لشراء ذمم الناس .. بأثمان بخسة للغاية.
بعض المرشحين المحتملين وكتلهم شرعوا منذ الآن بإظهار "الحنيّة" حيال جمهور الناخبين، فراحوا يوزعون البطانيات على سكان بعض الأحياء في المدن .. الطقس بارد نسبياً الآن، وتبدو البطانيات لمن اشتراها ووزعها "هدية" مناسبة. والبطانيات في الواقع من أرخص الهدايا، فسعر الواحدة منها (العادية) في السوق في حدود خمسة عشر الف دينار أو أقل، كما يخبرني أحد الأصدقاء، وهذا يعني ان في وسع المرشح أن يشتري 20 الف بطانية (أي 20 الف صوت انتخابي أو أكثر) ب 250 الف دولار، وهذا مبلغ زهيد للغاية بالمقارنة ما يمكن أن يعود به منصب عضو مجلس المحافظة أو القضاء أو الناحية على صاحبه من منافع  وامتيازات ... ورشى أيضاً.
موعد الانتخابات في الشتاء أو الربيع مناسب جداً لتقليل قيمة ما يقدمه المرشح من رشى الى الناخبين، فلو كانت الانتخابات ستجري في الصيف مثلا لتعيّن على المرشحين المسكونين بشراء الأصوات أن يقدموا  ما يناسب الفصل: ثلاجة، مبردة، مولدة كهرباء، وهذه اسعارها بمئات الآلاف .
بعض الأصدقاء الظرفاء يفكر برفع عريضة الى الحكومة ومجلس النواب تطلب منهما تغيير مواعيد الانتخابات – حتى تُحل معضلة الكهرباء -  لتكون في فصل الحر بالذات حتى ينتفع الناخبون بهدايا ذات قيمة من الساعين الى الفوز بمقاعد بلدية أو برلمانية.
بالتأكيد سيهيج ذوو الاطماع الانتخابية ضد عريضة من هذا النوع، وسيصبّون جام غضبهم علينا نحن الذين سنوقع على العريضة لأننا، من وجهة نظرهم، لا نراعي مصالح الناخبين بالدعوة الى تصويتهم في ظروف الحر الكافر لصيفنا .. لكننا في الواقع نرغب في أن يحصل الناخبون على ما يساعدهم في مواجهة هذا الحر الكافر بثلاجات أو مبردات أو مولدات كهرباء.
نحن، الذين نفكر بتقديم هذه العريضة، ننطلق من الحرص تماماً على مصالح الناخبين، لكنّ الذين سيعارضون فكرتنا لا يفكرون الا بمصالحهم الشخصية.

 

269
المنبر الحر / طيف صديق وقصة
« في: 16:20 20/12/2012  »
شناشيل
طيف صديق وقصة
عدنان حسين

أبكر من المعتاد صحوتُ صباح أمس ..  دهمني  طيف صديقي وزميلي الصحفي الشهيد اسماعيل خليل. من المعتاد أن اتذكر اسماعيل  حتى بعد مرور ثلاثين سنة على رحيله التراجيدي، فهو كان عزيزاً عليّ، جمعتني به علاقة زمالة وصداقة متينة، شخصية وعائلية، لنحو ثماني سنوات.
اسماعيل خليل كان غايةً في دماثة الخلق وطيبة القلب وحلاوة المعشر.. كان مسالماً وكتوما ومحباً لعائلته، وبخاصة زوجته هيفاء وابنتيه هند وزينة.
افترقنا، اسماعيل وأنا ، في نيسان 1979، بعد اغلاق صحيفة "طريق الشعب" التي كنا نعمل فيها منذ بدء صدورها العلني في 1973. اختفيت أنا ثم وجدت طريقي الى سوريا فلبنان مُهرّباً في سيارات أو مشياً على القدمين في العام 1980. وبعد سنة أو أكثر جاءنا النبأ الأليم باستشهاده معدوماً في أحد معتقلات النظام البائد.
هو لم يُعدم لأنه كتب مقالاً ضد ذلك النظام ورئيسه، ولم يعدم لأنه زوّر وثائق لصالح شيوعيين لمساعدتهم في الفرار من البلاد في نهاية السبعينات واوائل الثمانينات كما فعل زميلنا وصديقنا الشهيد سامي العتابي مثلاً. واسماعيل لم يُعدم لأن علاقة كانت له مثلاً بشبكة تجسس أو محاولة انقلابية.
لم يكن اسماعيل قيادياً في الحزب الشيوعي، وكل "جريمته"، إذا كان قد أُعدم عن جريمة، انه كان ابن أخت أحد قادة الحزب، هو الشخصية الشيوعية المعروفة الراحل عامر عبدالله الذي استقال من منصبه الوزاري احتجاجاً على اضطهاد حزبه، وهاجر الى المنفى. وقد أعدم اسماعيل نكاية بخاله.
فجر أمس دهمني طيف اسماعيل .. كانت ابتسامته العريضة الجميلة تسبقه .. تساءلت مع نفسي: بماذا أفاد صدام حسين إعدام اسماعيل؟ بماذا أفاد صدام اعدام المئات وربما الالاف من أمثال اسماعيل ؟ .. وفكرت مع نفسي أيضاً: ربما، بل من المؤكد، ان صدام ما كان سينتهي الى ما انتهى اليه من سوء المآل، وما كان العراق سينتهي الى ما انتهى اليه الان من سوء الحال لو لم يعدم اسماعيل وأمثاله ويلاحقهم.
قبل أن أترك فراشي في ذلك الوقت المبكر سحبت مجموعة قصصية بدأت بقراءتها في الايام الأخيرة، هي مجموعة "فقدانات" للكاتبة إرادة الجبوري، وقرأت قصة "مشهد من تلة" التي تحكي عن كائنين بشريين أجتمعا على تلة تشرف على مدينة ومقبرتها. امرأة فقدت طفلها في هجمة صاروخ، وأسير حرب يعود ليجد انه قد "استشهد" ودُفن.
ما أفادت صدام حروبه؟ ما أفادت العراق حروب صدام؟ تساءلت مع نفسي وانا انتهي من القصة واستعيد طيف اسماعيل خليل الذي دهمني منذ ساعة واردد في سري الاسئلة ذاتها، واسئلة جديدة: ما ستفيدنا هذه النزعة الاستبدادية لحكومتنا؟ وما سيفيدنا تجييش الجيوش وقرع طبول الحرب من جديد وتأزيم الوضع السياسي والامني؟.. ماذا غير خراب يفاقم الخراب الراهن؟


270
المنبر الحر / شارع الساعدوني!
« في: 17:51 18/12/2012  »
شناشيل
شارع الساعدوني!
عدنان حسين
 أكثر شارع قطعتُه ومررتُ به طوال حياتي هو شارع السعدون في بغداد، فلستِ سنوات كاملة قبل أن أغادر البلاد الى المنفى كان هو طريقي اليومي الى مكتبي في صحيفة "طريق الشعب"، ومنذ سنة ونصف السنة أمرً به يومياً أيضاً في طريقي الى مكتبي في "المدى".
وقبل سنوات "طريق الشعب" كان شارع السعدون الطريق التي لا يمكن لأحد مثلي الا أن يمر بها مرتين أو ثلاثاً في الاسبوع لمشاهدة فيلم وصل للتو في سينما النصر أو سميراميس أو أطلس أو بابل أو السندباد، أو مسرحية في مسرح بغداد أو مسرح الـ 60 كرسي، أو لتمضية السهرة في أحد النوادي الاجتماعية وبخاصة نادي الاعلام، أو في واحد مما لا يُعدّ ولا يُحصى من المطاعم والحانات في شارع أبو نواس.
شارع السعدون الذي كان، كما أبو نواس والرشيد، أحد درر بغداد ومفاخرها، لم يعد كما كان في الماضي .. بغداد كلها لم تعد كما كانت في الماضي، فلحروب الماضي أحكامها الجائرة ولفساد الحاضر أحكامه الأكثر جوراً.
أمس زارني في مكتبي صديق عزيز لم ألتقه منذ مدة فضيّفته على الغداء في ما أظن انه أحسن مطعم في شارع السعدون. أمام واجهة المطعم كانت ثلة من العمال تحفر في الرصيف. لم يكن المشهد نادراً، فمنذ سنة ونصف السنة لم تتوقف أبداً الحفريات في هذا الشارع، وهو ما يشهد عليه ركام الحجر والتراب والقمامة المتخلف في الشارع .. لن أبالغ إذا ما قلت انني شهدت خلال هذه المدة نحو عشر عمليات حفر وإعادة حفر في هذا الشارع الذي تتركه كل عملية حفر في حال أسوأ مما كان عليها، وأظن لو انه نطق لصرخ بالمارة كالمتسولين: ساعدوني .
المهم اننا، صديقي وأنا، توقفنا عند ثلة العمال، وسألتهم عمَ يبحثون في الحفرة، فأفاد أحدهم بانهم يحفرون لإغاثة كيبل تقطّعت أوصاله بسبب ثقل "صبّة" الكونكريت التي بُني بها جزء من الرصيف. لم أسأل عن طبيعة الكيبل، للكهرباء أم للتلفون، فهذا تفصيل ليس بذي قيمة. القيمة الحقيقية بالنسبة لي كصحفي هي في هذا الهدر الهائل للمال والوقت والجهد مع عمليات حفر وإعادة حفر لا تتوقف، وفي ما ينجم عن هذه العمليات من آثار سلبية على البيئة والصحة وعلى الاقتصاد الوطني المتضرر مرتين، مرة بفعل التكاليف العالية لعمليات الحفر وإعادة الحفر ومرة أخرى بالحُفر والمطبّات المتخلفة في الشارع وما تسببه من تلف مبكر للسيارات المستوردة وأدواتها الاحتياطية من الخارج.
منذ ثلاثة أيام بدأت "المدى" بنشر التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية في حلقات يومية (على الصفحة الرابعة)، وعشية النشر اجتمعت ثلة من هيئة التحرير لتختار عنواناً دائماً للحلقات، وبعد نقاش قصير اقترح أحدنا العنوان المختار الآن"قصة اللادولة في العراق خلال 2011"، مبرراً رأيه بان خلاصة التقرير أن لا دولة في العراق.
شارع السعدون، أو بالأحرى شارع الـ "ساعدوني"، شاهد آخر على اللادولة في بلادنا.



271
شناشيل
تقرير جديد عن سوء حالنا
عدنان حسين
  لا أدري إن كانت الحكومة قد حشدت أو في سبيلها لحشد قواتها وتجهيزها بالعتاد اللازم لمنازلتها أو صولتها الجديدة مع مجموعة "مابلكروفت Maplecroft" العالمية.
هذه المجموعة التي يوجد مقرها في مدينة باث البريطانية (جنوب غرب) متخصصة في مراقبة وتقصي المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر على الفرص الجديدة المتاحة لقطاع الأعمال، وخاصة في الأسواق الناشئة،  أصدرت في الثالث عشر من الشهر الحالي تقريراً عن اوضاع حقوق الانسان وما يهددها جاء العراق فيه بالترتيب السابع بين الدول العشرة الأكثر تهديداً لحقوق الانسان بسبب سوء الأوضاع السياسية والانسانية فيها.
تقرير كهذا سيغيظ الحكومة بالتأكيد لأن مسؤوليها يحرصون على انطباع مختلف عنها أكثر من حرصهم على تقصي حقيقة المعلومات الواردة في التقارير من هذا النوع، وربما سترد بأن تقرير مابلكروفت غير صحيح والمعلومات التي استند اليها غير دقيقة، وقد تُشكك في نوايا ودوافع الجهة التي أصدرته. والحكومة ستقول إن حقوق الإنسان في البلاد مكفولة بموجب الدستور، وانه بخلاف ما كان يجري في ظل النظام السابق صار في وسع العراقيين أن يعبّروا عن آرائهم بحرية، وان الاعتقالات لا تجري الا بموجب مذكرات قضائية.
طبعاً هذا نصف الحقيقة ، اما النصف الآخر فان أكثر العراقيين لا يعرف في الأساس ما هي حقوقه، وهو لا يتمتع بها بالتالي بل ولا يعرف كيف يتمتع بها. كما ان هؤلاء لا يستطيعون التعبير عن آرائهم بحرية تامة في الواقع، فثمة موانع وعوائق كثيرة، أهمها الخوف على مصدر الرزق، إن في مؤسسات الدولة أو خارجها. حتى الاعتقالات التي تجري بموجب القانون لا تجري في كلها مراعاة حقوق الانسان أو أحكام القوانين المحلية.
المشكلة ان الحكومة ومؤسساتها لديها مفهوم محدود لحقوق الانسان يُقصرها على الحقوق السياسية، فيما هناك طائفة واسعة من الحقوق تشملها حقوق الانسان. منذ أيام أفاد تقرير لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة بان خمسة ملايين ونصف المليون طفل عراقي محرومون من أبسط الحقوق. حرمان الاطفال من ابسط حقوقهم هو انتهاك سافر لحقوق الانسان. وقبله أظهرت تقارير محلية ودولية ان نسبة كبيرة من النساء العراقيات تتعرض لأشكال شتى من العنف الأسري والمجتمعي. كما اعترفت تقارير عدة محلية ودولية بوجود نسب كبيرة من الفقراء والأميين والمرضى بعلل مزمنة، وبتلوث مدننا وبيئتنا وتردي الأنظمة التعليمية والصحية والخدمات البلدية.
انتهاك حقوق الانسان لدينا قائم في كل مكان وزمان في بلادنا، ففي استمرار أزمة الكهرباء انتهاك لهذه الحقوق، وفي امتلاء الشوارع والأزقة بالازبال والمياه الآسنة انتهاك لحقوق الانسان، وفي قصور النظام الصحي عن تلبية الحاجة للعلاج من الأمراض انتهاك لحقوق الانسان، وفي عدم توفر المدارس المناسبة لملايين التلاميذ انتهاك لحقوق الانسان، وكذا في عدم توفر المساكن والنقل المناسب .. وفي .. وفي.. حتى ينقطع النفس.


272
شناشيل
حضر خبراء الطاقة .. وغابت الدولة!
عدنان حسين
أمس حضرتُ في فندق الرشيد الجلسة الاولى لمؤتمر متخصص في شؤون النفط والطاقة يستمر طوال هذا اليوم أيضاً ينظمه منتدى العراق للطاقة (منظمة عراقية مقرها في لندن).
لست خبيراً في الشؤون التي يبحث فيها المؤتمر، وقد حضرت لأنني، كسائر الناس وكصحفي، مهتم بهذه الشؤون بوصفها مما يؤثر على نحو عميق في حياة الناس، بل ان حياتنا كلها ومصيرنا ومستقبل أحفادنا مرهونة تماماً بوضع النفط والغاز إذ لا حياة بدونها بعد الخراب الشامل المتواصل الذي يضرب الزراعة والصناعة وسائر القطاعات الاقتصادية.
قبل الوصول الى القاعة وبدء أعمال المؤتمر كانت لديّ توقعات بشأنه، منها ان المؤتمر يتضمن أبحاثاً ومناقشات معمقة تتعلق بالقطاع الأكثر حيوية في بلادنا ودولتنا. وأشهد ان التوقعات على هذا الصعيد لم تخب، فأعمال المؤتمر تناولت طائفة من القضايا والمشكلات الكبيرة المتعلقة بقطاعات النفط والغاز انتاجاً واستثماراً وتصديراً، وشاركت في الأبحاث والمناقشات نخبة مُعتبرة من الخبراء العراقيين والاجانب رفيعي المستوى.
أما توقعاتي التي خابت فتتصل بالحضور. كنت أتوقع أن يكون قد سبقني الى قاعة المؤتمر كل من نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير النفط ووزير الكهرباء ووزير البيئة ووزير التخطيط ووزير الصناعة وكل أعضاء لجنة الطاقة البرلمانية، لكنني لم أجد من هؤلاء جميعاً غير ثلاثة أو أربعة من أعضاء اللجنة النيابية ومثلهم أعضاء آخرون في البرلمان. أكثر من هذا ان ادارة المؤتمر أعلنت في منشوراتها المطبوعة وعلى شاشة العرض داخل القاعة ان رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ونائب رئيس الوزراء روز شاويش سيكونان من المتحدثين الرئيسيين في الجلسة الأولى .. لكنهما لم يحضرا أبداً!
لدقيقة حاولت أن أتلمس أعذاراً للمسؤولين عن قطاعات الطاقة عن تخلفهم عن حضور المؤتمر والمشاركة بحيوية في أعماله، أو في الأقل الاستماع الى الملاحظات والمقترحات المتداولة والتي حتى لو لم تكن مفيدة فانها غير ضارة بالتأكيد.. فكرت ان سبب عدم الحضور انشغال الطبقة السياسية الحاكمة في اجتماعات عاجلة لمواجهة وضع طارئ في البلد مثلاً، فلم أجد.
الاحتمال الآخر ان البلد قد حُلت كل معضلاته ولم تعد قطاعات النفط والغاز والكهرباء والبيئة تعاني من نقص التمويل أو الفساد المالي والاداري، ولم يعد العراقيون بالتالي يكابدون انقطاع التيار الكهربائي ونقص المنتجات النفطية المختلفة وتلوث البيئة ويصبح حضور كبار مسؤولي الدولة مؤتمراً من هذا النوع بطراً. .. هذه فكرة مضحكة بالطبع.
أحد الخبراء المشاركين في المؤتمر قدم لي تحليلا او تقديرا لعدم حضور حضرات الأفندية، الوزراء والنواب، هو ان هؤلاء أدركوا ان المؤتمر سيركز على قضية الشفافية، وهي مشكلة كبرى تواجهها الشركات والمؤسسات المتخصصة في شؤون الطاقة مع دولتنا وحكومتنا.
تقدير وجيه للغاية، فالشفافيةالعدو رقم واحد لدولتنا ومسؤوليها.


273
المنبر الحر / حتى لا تقع الكارثة
« في: 17:56 12/12/2012  »
شناشيل
حتى لا تقع الكارثة
عدنان حسين
عملية الشدّ والجذب المتواصلة والمتصاعدة بين القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الحكومة الاتحادية ورهطه وسلطات اقليم كردستان يمكن ان تنتهي بسلام، وتعود العلاقات بين الطرفين الى مجاريها الطبيعية بعد التوصل الى اتفاق ودي بمساعدة الوسطاء الذين يبذلون مساعيهم الحميدة الآن.
هذا احتمال قائم، فالحل السلمي للمشاكل هو الأكثر ترجيحاً في عالم اليوم بعدما تعددت التجارب وتكدست الخبرات وتعمق الادراك بان الحل الحربي خسارة وإن تكلل بالنصر .
في مقابل هذا الاحتمال ثمة احتمال مناقض، فالأزمة قد تنفجر ويلعلع الرصاص وتدوي المدافع وتُسفك الدماء وتُزهق الأرواح. فاذا تحقق هذا الاحتمال ما تكون النتيجة؟
على هذا الصعيد ثمة احتمالان أيضاً : الأول أن تحقق قوات القائد العام النصر وتلحق الهزيمة بالبيشمركة، والثاني أن يحدث العكس، أي أن تكون الهزيمة من نصيب قوات قوات القائد العام التي تقف الآن بكامل عدتها وجاهزيتها في مواجهة قوات البيشمركة المتجهزة هي الاخرى من جانبها.
في الحالين النتيجة خطيرة في الواقع .. سيموت ويُصاب جنود من الجيش الاتحادي مثلما يموت ويُصاب أفراد من البيشمركة .. وسيحدث شرخ وطني كبير لم يحصل في أي عهد سابق .. هذا سيكون اطلاقاً للضوء الاخضر الباهر لكي ينفصل اقليم كردستان عن دولة العراق .. كل الكرد سيضغطون على قياداتهم لإعطاء الظهر للدولة العراقية، ومن المؤكد ان تدخل هذه الدولة في سلسلة من الصراعات الدامية لحقبة طويلة من الزمن مع الإقليم المنفصل( في السودان حدث انفصال بالتراضي بين ان الحرب بين الشمال والجنوب لم تضع أوزارها بعد)، فمعظم مياهنا يأتينا من كردستان أو عبرها، وكثير من نفطنا المُصدر الى الخارج والذي سنموت من دونه يمر بكردستان الى ميناء جهان التركي.
شخصياً لديّ قناعة بان قوات القائد العام لن تربح الحرب مع البيشمركة ولن يمكنها ان تتقدم عشرة كيلومترات .. سيكون زجها في حرب ضد الكرد مغامرة خرقاء خاسرة على غرار مغامرات صدام حسين ضد الكرد وايران والكويت، وستنتهي المغامرة بان تصبح كل المناطق المتنازع عليها (أو المختلطة بتعبير القائد العام) تحت سيطرة البيشمركة، فهؤلاء لديهم ما يقاتلون من أجله ويضحون بخلاف جنودنا القادمين من البصرة او السماوة او الحلة او الرمادي والذين سيجدون انفسهم في حرب من أجل قضية لا ناقة لهم فيها ولا جملا.
لا أدري كيف حسبها القائد العام في ذهنه وعلى الورق. هل كان الأمر من بنات افكاره أم بمشورة غير نزيهة من مساعد أو معاون مُغرض أو جاهل؟
القائد العام ارتكب خطأ تكتيكيا في الواقع، فما من منفعة تحققت او ستتحقق من هذا التأزيم في العلاقات بين بغداد واربيل ومن قرع طبول الحرب. والحل في رأيي المتواضع الخروج من الأزمة بأقل الأضرار حتى لا تقع الكارثة.
12/12/2012
   


274
شناشيل
جيل رابع للقاعدة .. بيننا!
عدنان حسين
ولِمَ العجب؟ .. ظهور "جيل رابع" من ارهابيي القاعدة في شمال محافظة بابل لن يكون عجباً .. العجب الا يظهر هذا الجيل في بابل وفي غيرها.
"بشرى" ولادة هذا الجيل جاءت على لسان عضو في مجلس النواب من الكتلة الحاكمة ، دولة القانون، هو النائب علي الشلاه الذي حذّر من "أفكار متطرفة جديدة في مناطق شمال بابل تتصاعد خلال المناسبات الإسلامية الشيعية"، لافتاً الى أن "التطرف في شمال المحافظة يُلاحظ لدى جيل الشباب".(المدى برس).
وفي تعقيبه على هذا التصريح يقرّ الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي، وهو من قياديي حزب الدعوة الاسلامية الحاكم، بوجود هذا الجيل وبفشل وزارته في مواجهة انتشار أفكار القاعدة بين الشباب، قائلاً "وزارة الداخلية لا يمكن أن تقضي على ذلك لوحدها"، داعياً "المجتمع المدني والمرجعيات السياسية في كل المحافظات" الى معالجة هذا الأمر، ذلك ان "تنظيم القاعدة اتجه إلى تجنيد الشباب بسبب اندفاعهم الأكثر وبدأ بإحاطتهم في إطار ثقافي وديني وهذا ما نخشاه".
نجاح القاعدة وفشل وزارة الداخلية هو فشل للحكومة والدولة بأكملها. وما كان لدولة من نمط دولتنا الا أن تفشل في مواجهة الارهاب .. فدولتنا منصرفة الى مواجهة المتظاهرين المطالبين بتقويم العملية السياسية الفاشلة وبمكافحة الفساد المالي والاداري وبتوجيه مئات مليارات النفط الى التنمية لحل مشاكل البطالة والفقر وتردي الخدمات العامة برمتها.
ما كان يمكن لدولة من نمط دولتنا الا أن تفشل في مكافحة الارهاب مادام برلمانها لا يمثل الشعب ومادامت حكومتها توجّه جيشها ومدافعها نحو الكرد بدلاً من الارهابيين والمهربين.
لا يمكن لدولة من نمط دولتنا الا ان تفشل في منع ولادة جيل ثان وثالث ورابع وخامس للقاعدة وغيرها من منظمات الارهاب ما دامت تستنفر قواها للتنكيل بالكفاءات الوطنية الشريفة من أمثال سنان الشبيبي وزملائه وزميلاته في أنجح مؤسسة في الدولة فيما ترعى سراق المال العام والخاص ومزوري الشهادات والوثائق وتوفّر لهم الحصانة والحماية وسبل الفرار الى الخارج اذا ما افتضح أمرهم كعبد الفلاح السوداني وسواه.
نائبة عن الكتلة الحاكمة نفسها أقرت واعترفت بان حكومتها فاشلة، ففي بيان قالت عضو مجلس النواب عن دولة القانون رحاب العبودة " ان الشارع العراقي بات يدرك ان الحكومة الحالية هي عقيم لانها لم تقدم الخدمات للمواطن سوى النظر الى تحقيق المصالح الشخصية والحزبية والمساومة بكشف الملفات ان لم تحقق لكتلة معينة مطلبها وهذه الاساليب قد اطلع عليها الشارع العراقي".
القاعدة وسواها من منظمات الإرهاب تنجح في تجنيد الشباب الأغرار لأن دولتنا المستغرق من يديرونها في صراعاتهم من أجل المال والنفوذ والسلطة قد فشلت في اجتذاب هؤلاء الشباب وآبائهم وامهاتهم.
الدولة الفاشلة لا تحظى بالاحترام ولا تبعث على الخوف.


275
المنبر الحر / وإحنة نكَدر ..
« في: 19:30 10/12/2012  »
شناشيل
وإحنة نكَدر ..
عدنان حسين
نعم نحن أيضاً نقدر .. نحن العراقيون نقدر على أن نفعل ما فعله المصريون بارغام الفرعون الجديد (الأخواني) محمد مرسي على الانصياع لإرادة الشعب بعدما طغى هو وحزبه واخذتهما العزة بالإثم وظنّا ان في امكانها اقامة الدكتاتورية الإخوانية بعدما خطفوا ثورة 25 ينار (كانون الثاني) 2011.
لدينا نحن العراقيون من الأسباب والدواعي والدوافع والعوامل أكثر بكثير من تلك التي حرّكت المصريين وأنزلتهم الى الساحات والشوارع في تظاهرات واعتصامات متواصلة احتجاجاً على "الإعلان الدستوري" الدكتاتوري وعلى صياغة مسودة دستور دائم استأثر بكتابتها الأخوانجية وحلفاؤهم من السلفيين المتطرفين ليكرّس دكتاتوريتهم.
نحن لدينا دستور ناقص ومشوّه ومشحون بالألغام كان من المفروض ان يُستكمل ويُشذب ويُعدّل منذ سبع سنوات.
ونحن لدينا طغمة حاكمة لم تفِ بتعهداتها، وحنثت بيمينها فلم تستكمل الدستور ولم تشذبه وتعدّله في الموعد الدستوري المحدد.
ونحن لدينا طغمة حاكمة تنتهك علناً مبادئ هذا الدستور وأحكامه يومياً لتحوّله الى ممسحة، فكل ما تقوم عليه الآن الدولة بكل سلطاتها يتعارض مع ما هو مدوّن في مواد الدستور الذي  بموجبه واستناداً اليه تولت هذه الطغمة السلطة.
نحن العراقيون لدينا مشاكل وأزمات بالعشرات، كل واحدة منها تقصم ظهر أمة عريقة بكاملها فتبيدها أو تدفع بها الى الثورة، أقلها على غرار ثورة الشعب المصري الحالية ضد فرعونه الجديد (الاخواني).
الفساد المالي والاداري الضالع في عملياته أفراد من الطغمة الحاكمة يسرق أكلنا وشربنا ولبسنا وسكننا وصحتنا وتعليمنا ويلوث بيئتنا.
مواد حصتنا التموينية التي استكثرتها علينا الحكومة لا تصلح للاستهلاك الآدمي، والدليل ان افراد طغمتنا الحاكمة لا يريدون حتى مجرد رؤيتها باعينهم.
كهرباؤنا عذاب أليم حقيقي أهون منه بالتأكيد عذاب جهنم.
نقلنا أيضاً عذاب.
مراجعاتنا الى دوائر الدولة عذاب.
شوارع مدننا وأزقتها وساحاتها مزابل ومستنقعات ومستوطنات للأمراض الفتاكة.
تعليم بناتنا وابنائنا لا يليق بالبشر.
خدماتنا الصحية دون الحد الأدنى اللازم للبشر.
أمننا مستباح من الإرهابيين الذين تعجز الدولة بكل قوتها الغاشمة عن دحرهم.
نصف الذين يتولون دولتنا احتلوا مناصبهم بالشهادات والوثائق المزورة أو بالمحسوبية والمنسوبية.
هذا غيض من فيض مشاكلنا وأزماتنا وعللنا .
المصريون يثورون الآن في الشوارع والساحات على أقل من هذا بكثير.
نحن العراقيون لدينا كل الاسباب والدوافع لأن ننزل الى الشوارع والساحات كما فعلنا في 25 شباط 2011 وبعده لنقول لطغمتنا الحاكمة: كفى .. كفى .. ارحلوا .. كلكم فاشلون وكذابون، ولم تعودوا تلزموننا.
هذه دعوة لشباب الفيسبوك ونشطاء المنظمات المدنية والاحزاب الوطنية الديمقراطية للعودة الى ساحات التحرير على غرار ما يفعله المصريون الآن.
وصدقوني.. إحنة نكَدر.





 



276
شناشيل
الفساد .. فتشوا عنه فوق
عدنان حسين
أمس حضرتُ ندوتين قدّم المشاركون فيهما أبحاثاً قيّمة تتعلق ببعض المشاكل التي تواجهها دولتنا ومجتمعنا للسنة العاشرة على التوالي. الأولى صباحية نظمها مكتب المفتش العام في الهيئة العراقية لخدمات البث والارسال، وموضوعها "دور الإعلام في مكافحة الفساد". أما الثانية، وهي مسائية، فكانت من تنظيم المؤتمر الوطني العراقي وموضوعها "السياسة النقدية في العراق وموازنة 2012".
هل ثمة علاقة بين الموضوعين؟ نعم هناك علاقة وثيقة، فبينما عرض الباحثون والمداخلون في الندوة الأولى رؤية تفصيلية للدور الذي يمكن ان يؤديه الإعلام في الكشف عن الفساد المالي والاداري ومكافحته، فان أبحاث الندوة الثانية قدمت حقائق وأرقاماً عن طبيعة الفساد في دولتنا ومظاهره من دون يكون هذا هو موضوع الندوة.
في ندوة الإعلام سعى بعض الموظفين الحكوميين الى التهوين من المدى الذي بلغته ظاهرة الفساد في دولتنا، محاولين اختصار الأمر بانه من مبالغات الإعلام، وهذا مجاف للحقيقة، من دون نفي وجود إعلام فاسد يجد دعماً له من أوساط حكومية وأخرى حزبية وشركات غسيل أموال.
إحدى الوثائق المقدمة الى ندوة السياسة النقدية لخّصت بعض ما جاء، حول تنفيذ العقود الحكومية، في التقارير السنوية لديوان الرقابة المالية الذي يُعدّ، الى جانب البنك، أنجح وأفضل مؤسسات الدولة. والعقود الحكومية هي المستعمرة الرئيسة للفساد المالي والإداري.
تؤكد تقارير ديوان الرقابة المالية، بحسب الورقة:
-   عدم وجود دراسات جدوى اقتصادية وعدم دقتها إن وجدت لأغلب المشاريع التي تم التعاقد على تنفيذها، مما أدى الى زيادة الكلف الكلية وتجاوز النفقات الفعلية للتخصيصات.
-   يتم التعاقد مع الشركات الوسيطة بدلاً من التعاقد مع الشركات الأم واتباع اسلوب الدعوات المباشرة.
-   عدم التزام اغلب العقود المبرمة بالتعليمات (عدم تقديم كفالة حسن الأداء، وعدم تضمينها شرط الغرامات).
-   طول الفترة بين تاريخ الإحالة وتاريخ توقيع العقد.
 وتضيف ارقام ديوان الرقابة المالية بانه "تم سحب 663 مشروعاً أعيد منها 137 مشروعا الى نفس المقاولين، وبقي 526 مشروعاً بدون تنفيذ تابعة لـ 18 وزارة و8 محافظات اضافة الى ديواتن الوقف الشيعي وامانة بغداد".
اكثر من هذا ان معطيات ديوان الرقابة المالية تفيد بان بعض الوزارات والتشكيلات التابعة لها لم تقم بتشكيل لجان لجرد ومطابقة موجوداتها منذ العام 2003 حتى الان، وان اغلب الوزارات تسلمت موجودات من منظمات انسانية (دولية) وجهات أخرى لم يتم تسعيرها وتسجيلها في السجلات الخاصة بها، وان وان بعض الدوائر لم تسجل عقارات تابعة لها في دوائر التسجيل العقاري.
هذا بعض مما أفادت به تقارير ديوان الرقابة المالية.
ما معنى هذا؟ .. ليس سوى ان الفساد عام شامل في دولتنا، وانه ينخرها طولاً وعرضاً وارتفاعاً، وان هذا الفساد يحظى برعاية من مستوى خمس نجوم من الدوائر العليا في الدولة التي لا تحرك ساكناً. واذا ما أريد الكشف عن الفساد ومكافحته فلا بدّ من البدء من هذه الدوائر، ولا بدّ من ضمان حق الناس في تلقّي المعلومات وضمان حق الإعلام في الحصول على هذه المعلومات وحقه في نشرها وبثها بحرية، والا فان الفساد مستوطن في دولتنا الى الأبد.





277
شناشيل
لماذا النزاهة زعلانة؟

عدنان حسين

الهيئة المستقلة للنزاهة  زعلانة هذه الأيام ، بل منزعجة انزعاجاً شديداً، والسبب ان منظمة الشفافية العالمية عادت في تقريرها السنوي للعام الحالي الى وضع الدولة العراقية في موقعها الحقيقي ومكانها المناسب بوصفها دولة فاسدة، بل بين الدول الأكثر فساداً في العالم.
منظمة الشفافية الدولية التي يوجد مقرها في برلين (المانيا) وتأسست في العام 1993، هي تجمع عالمي غير حكومي وغير ربحي ولا يتدخل في السياسة. وهذه المنظمة تسعى الى مكافحة الفساد السياسي والمالي والاداري في العالم عن طريق نشر الحقائق في هذا الخصوص، معتمدةً مؤشراً علمياً لتحديد ما اذا كانت الدول وحكوماتها فاسدة أم غير فاسدة ودرجة فسادها. وعلى هذا الأساس جاء ترتيب العراق والسودان والصومال في ذيل القائمة، أي الدول الثلاث الأكثر فساداً.
 المنظمة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بصدام حسين ونظام حكمه وفلول ذلك النظام، وبالتالي فليس لها مصلحة أو غاية أو غرض في أن تكون دولتنا الحالية ونظامنا الحالي وحكومتنا الحالية بين الأكثر فساداً، بل ان مصلحتها في أن تكون غير فاسدة تماماً. وتقرير المنظمة السنوي لا يقتصر على العراق وانما هو دولي ويشمل أكثر من 170 دولة.
هيئة النزاهة علّقت في بيان لها على تقرير المنظمة، معبرة عن اعتقادها بان المنظمة تُوقع العراق "تحت حيف متواصل منذ أن دخل في تقارير منظمة الشفافية الدولية"، وقالت "ان العراق ممثلاً بهيئة النزاهة إذ يعرب عن عدم ارتياحه لاستخدام المعايير المحدودة في تقويم أدائه واقتصار هذه المعايير على مصادر من خارجه في تقارير المنظمة فأن التقرير الاخير يعد محبطاً للقناعات التي كنا نعتقد ان هذه المنظمة تعمل بها ويثير القلق من مستقبل التعاون معها".
بعيدا عن تقرير الشفافية الدولية الذي تعترض عليه هيئة النزاهة، وبعيداً عن المعايير المستخدمة  والمصادر المرجوع اليها من جانب منظمة الشفافية، ولنعتبر ان المنظمة غير موجودة في الأساس وانها بالتالي لم تُصدر هذا التقرير المثير لغضب هيئة النزاهة، نرغب في أن تجيبنا هيئة النزاهة على السؤال الكبير الحارق الذي يردده العراقيون، نساء ورجالاً في الصباح والمساء وعند الظهيرة: أين تذهب فلوسنا؟
هل يعرف مسؤوو هيئة النزاهة ان الدخل السنوي لدولتنا يزيد عن 100 مليار دولار؟
اذا كانوا يعرفون فهل بوسعهم أن ينورونا كيف لم تستطع هذه المئة مليارأن تحل مشكلة واحدة من مشاكل البلاد؟.. الأمن، الكهرباء، البطالة، الفقر، الأمية، الصحة العامة البائسة، التعليم المتردي(الأساسي والمتوسط والعالي)،البيئة الملوثة، النقل، الطرق، الزراعة المتخلفة، الصناعة المدمرة، النظافة، المجاري، المادة 140، قانون النفط والغاز، قانون الانتخابات، قانون الاحزاب، قانون التقاعد.   
هل تعلم هيئة النزاهة أم لا تعلم ان وراء هذا كله شيء واحد هو الفساد .. الفساد المنفلت من عقاله؟
إن كانت تعلم وتزعل أو تنزعج وتغضب من منظمة الشفافية وتقريرها فتلك مصيبة، وإن كانت لا تعلم فالمصيبة أعظم!

278
المنبر الحر / لن نخسر السباق
« في: 16:10 07/12/2012  »
شناشيل
لن نخسر السباق

عدنان حسين


أمس الأول كان عاصفاً نوعاً ما ومطيراً في بيروت، لكن العاصمة اللبنانية، بخلاف بغداد، تغدو أجمل بعد المطر، وهي هذه الايام تسرّ من يراها أكثر من ذي قبل فقد تجمّلت على نحو بهيّ من أجل أعياد الميلاد ورأس السنة.
مع هذا فان أهل بيروت متبرمون لأن مدينتهم تزدحم بالسيارات في ساعات الذروة خصوصاً، ولأن الأحداث السورية المريرة قد أصابتها في مقتل، مؤذية كثيراً نشاطها التجاري والسياحي الذي تتنفس به وتأكل منه.
وإذ يجتمع اللبناني والعراقي في بيروت تندفع على المائدة الهموم، وإذ يهوّن العراقي كثيراً من همّ صديقه اللبناني لافتاً الى محنته، يردّ اللبناني: أنتم مجانين.
لا فُضّ فوك .. فعلاً نحن مجانين إذ نترك بلدنا ومدننا وحياتنا ومصيرنا ومستقبلنا لعصبة من سياسيين شاطرة فقط في الهدر .. هدر الوقت وهدر المال وهدر الكفاءات وهدر الفرص .. عصبة يتدفق عليها المال أكثر مما يهطل المطر في بيروت هذه الأيام، ومع هذا فان ما يتحقق على ايديها هو خطوتان الى الوراء ولا خطوة الى الأمام.
إحدى الصحف البيروتية ذكرت أمس بغداد مستخدمة تعبير "تذيّلت"، عند تقديمها الخبر الذي بثته وكالة رويترز عن نتائج المسح العالمي لمجموعة "ميرسر" للاستشارات حول مؤشر جودة الحياة المعيشية في مدن العالم خلال العام الحالي. فقد جاءت عاصمتنا في هذا المسح في الترتيب الأخير، أي انها المدينة الأسوأ في العالم في ما يتعلق بالمعيشة، وبكلمة أخرى  انها لا تصلح للعيش الآدمي(العاصمة النمساوية فيينا جاءت في الترتيب الأول للعام الرابع على التوالي).
الصحيفة البيروتية قالت ان بغداد "تذيلت قائمة المدن" في مؤشر جودة الحياة. هنيئا لحكامنا باللقب الجديد لعاصمتهم، "المدينة الذيل"، بعدما اشتهرت بمدينة السلام ودار السلام وعاصمة الرشيد.

لماذا تتدهور بغداد الى هذا الدرك بعد عشر سنوات من الخلاص من نظام صدام الذي كنّا نظن ان مجرد سقوطه سيعيد بغداد الى سابق عزها ومجدها وجمالها وبهائها؟ ولما تحتفظ فيينا بالمركز الاول العام بعد الآخر؟ هل المال هو السر؟
السر ليس في المال، فالنمسا لا تنهمر عليها مئات مليارات الدولارات من عائدات النفط. السر يكمن في ان حكام فيينا يحبون عاصمتهم وبلادهم بخلاف حكامنا الذين يمقتون بغداد والعراق. صدام كان من هذا النوع وخلفاؤه جميعاً من هذا النوع أيضاً، بمن فيهم الممسكون بدست السلطة وصولجان الحكم الآن داخل المنطقة الخضراء وخارجها.
لو كانوا يحبون بغداد والعراق والشعب العراقي ما أهدروا عشر سنوات بالتمام والكمال و600 مليار دولار وأكثر في نزاعاتهم وصراعاتهم ومنافساتهم وسرقاتهم، ومازالوا على اصرارهم وعنادهم!   
غداة اعلان الأمم المتحدة ان بغداد تأتي في الترتيب الثالث بين العواصم الاسوأ في العالم على مستوى الخدمات والنظافة العامة، أطلقت مجموعة شباب بغداديين في أيلول الماضي حملة «معاً لنخسر السباق» للقضاء على ظاهرة انتشار النفايات في شوارع العاصمة، وهي حركة انطوت على احتجاج على سلبية الحكومة حيال الوضع في العاصمة.
المبادرة ضاعت وسط هذا الخراب الاسطوري الذي يلفّ مدننا وحياتنا، فليس في وسع مجموعة من شباب غيارى متحمسين أن يفعلوا شيئا لبغداد مادامت مبتلاة بمحنة كبيرة هي ان حكامها لا يحبونها.



279
المنبر الحر / النائبة المفتية
« في: 18:33 05/12/2012  »
شناشيل
النائبة المفتية
عدنان حسين
عضو مجلس النواب التي لم تتعلم بعد – ربما لا تريد أن تتعلم - كيف تُمسك لسانها وتمنحه ونفسها ونحن الجمهور غير المعجب بها إجازة  اسبوعية في الأقل، صحوتُ صباح أمس لأكتشف انها غدت مفتية تبيح لنفسها اصدار الاحكام القانونية والقضائية كتبرئة المتهمين بالتورط في صفقة الأسلحة الروسية قبل أن تنتهي لجنة النزاهة البرلمانية من تحقيقاتها في هذا الشأن وقبل أن يقول القضاء كلمته التي لا يُعول على كلمة غيرها مهما كان مصدر هذه الكلمة الغير.
من أعنيها هي النائبة عن "العراقية البيضاء" عالية نصيف التي " لا محزوزة ولا ملزوزة" (من تلقاء نفسها) أفتت بعم وجود "جريمة مكتملة الأركان" في ما يتعلق بصفقة الأسلحة الروسية مع ان التحقيقات البرلمانية في هذا الشأن لم تنته بعد، بل هي لم تزل في بدايتها.
شبهة الفساد أثارها مسؤول حكومي رفيع (أصبح الآن سابقاً) هو الناطق باسم الحكومة  علي الدباغ الذي صرّح وأكد علانية بانه أبلغ رئيس مجلس الوزراء بشبهة الفساد في الصفقة قبل اربعين يوماً من زيارة المالكي موسكو للتوقيع على الصفقة.
ومن أثار شبهة الفساد أيضاً عدد من نواب ائتلاف دولة القانون  صرحوا بان السيد المالكي لم يوقع الصفقة بسبب شبهة الفساد فيها. ثم ان المالكي أكد بنفسه بصورة غير مباشرة وجود شبهة الفساد عندما أعلن في مؤتمره الصحفي الأخير ان لاعفاء الدباغ أو استقالته من منصبه علاقة بقضية الصفقة. ومعنى هذا إما أن يكون السيد الدباغ أحد المشتبه بتورطهم أو انه يعرف عن حقيقة الصفقة وفسادها وقد تعجل في الإعلان عن إبلاغه رئيس مجلس الوزراء بمعلوماته.
 مهما يكن من أمر فان القضية برمتها لم تزل في عهدة لجنة النزاهة البرلمانية وبعدها ستكون في عهدة القضاء، وهذا بالذات من له الحق في قول الكلمة الفصل: من المذنب ومن البريء. أما النائبة نصيف فانها، كما يُقال في الكلام السائر والأمثال، تُغرّد خارج السرب (الأمثلة تُضرب ولا يقاس عليها) متجاوزة على صلاحيات لجنة النزاهة البرلمانية والسلطة القضائية.
نصيف قالت في تصريح لها ان: شبهة الفساد في صفقة السلاح الروسي لم تكن جريمة متكاملة الاركان  وهي فقط معلومات وصلت من الجانب الروسي الى الجانب العراقي.
ورأت ان: لجان التحقيق في مجلس النواب سوف لن تصل الى مراحل متقدمة وفقط ماسيصل هو مزايدات سياسية لكون الانتخابت قد اقتربت، وان : أي أمر ينعقد من أجل هذا الموضوع لن يأتي بمعلومات مؤكدة لانها جميعها معلومات قيل وقال وهذه لا تعتبر اداة للجريمة لانه لا يوجد هناك شهود ولا اثباتات والقائد العام والسلطة التنفيذية تتحمل المسؤولية كاملة لمحاسبة المفسدين.
"نائبة الشعب" لا تدرك في ما يبدو ان الشروع بالسرقة جريمة كما الشروع بالقتل، وان التخطيط للسرقة جريمة كالتخطيط للقتل، وان التحريض على السرقة جريمة كما التحريض على القتل.
عدم الحصول على الـ "كوميشن" لن يعفي المتورطين المحتملين في فساد الصفقة الروسية  من جريمة الشروع بالسرقة، فلماذا ولمصلحة مَنْ تُفتي النائبة ببراءة المتورطين المحتملين قبل أن تنهي لجنة النزاهة البرلمانية تحقيقاتها؟




280
شناشيل
بيئنا ملوثة .. وسياستنا أيضاً
عدنان حسين
هواؤنا ملوث وماؤنا ملوث وتربتنا ملوثة. هذه ليست دعاية معادية من المنظمات الدولية للنيل من سمعة دولتنا ونظامنا "الديمقراطي"، فمنظماتنا الوطنية ذات الاهتمام تشهد أيضاً واختصاصيونا يؤكدون ويعيدون التأكيد بان هذه المعلومات صادقة وصحيحة. بل كل فرد منا يواجه التلوث وآثاره الخطيرة في البيت والدربونة والشارع العام والساحة العامة وفي السوق والمكتب وسيارة النقل وفي المدرسة والمستشفى كذلك.
 ما من شيء غير ملوث في هوائنا ومائنا وتربتنا وطعامنا وشرابنا. وهذا من المخلفات الحربية وغير الحربية للنظام السابق، ومن تبعات استغراق الطبقة السياسية المتنفذة في العهد الجديد في صراعاتها ومنافساتها من أجل السلطة والنفوذ والمال وانصرافها عن استثمار موارد البلاد المالية الهائلة في تنمية حقيقية تضع في الاعتبار تنظيف بيئتنا الملوثة.
المنظمات الدولية  تصنّف العراق بين أكبر منتجي النفايات غير المُسترجعة في العالم، وتحذر من ان ليس ثمة متسع من الوقت للانتظار امام العراقيين بينما ملوثات البيئة تهدد حياتهم الان وفي المستقبل القريب والبعيد بأخطار جمة.
وزارة البيئة تشكو من انها لا تمتلك الموارد الكافية والمعدات اللازمة للنهوض بمسؤولياتها، وهي محقة تماماً في هذه الشكوى، فهذه الوزارة، كما وزارة الثقافة مثلاً، لا تنظر اليها الطبقة السيياسية المتنفذة بوصفها وزارة مهمة لتضع تحت تصرفها التخصيصات اللازمة لتنظيف البيئة.
 ومع هذا فان وزارة البيئة لا تنتهز الفرص المتاحة اقليمياً ودولياً لبث همومها  وطلب المعونة. وهذا ما تجلّى أخيراً في المؤتمر السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية الذي عُقد في العاصمة اللبنانية نهاية الاسبوع الماضي.
الوزارة التي دعيت للمشاركة في المؤتمر لم تحضر. والامين العام للمنتدى الاستاذ نجيب صعب أبلغني بان الوزارة ردّت على الدعوة التي وجهها المؤتمر بالاعتذار بدعوى أن الوزير لديه ارتباط آخر. أليس في الوزارة وكيل وزارة أو مدير عام يمكن أن ينوب عن الوزير في مؤتمر كهذا؟
على اية حال طُرحت في المؤتمر تقارير وابحاث مهمة للغاية وجرت نقاشات جادة شارك فيها خبراء من بلدان عربية وأجنبية مختلفة.
التقرير السنوي الذي قُدّم الى المؤتمر أظهر ان معظم الدول العربية متخلفة بيئياً بدرجة كبيرة، وان العراق يحتل مكانة متقدمة بين أكثر هذه الدول تلوثاً.
لقد اصبحنا في المؤتمرات والتقارير الاقليمية والدولية مضرب المثل في كل شيء سيء .. فنحن من أكثر الدول فساداً ومعاناة من الفقر والبطالة والأمية ونقص المساكن ومن أقل الدول شفافية ومدننا بين أكثر المدن سوءاً.
متى تكون لنا في المحافل الإقليمة والدولية صورة أخرى غير هذه الصورة المخزية؟
بالتأكيد لن تكون مع طبقة سياسية متنفذة كالمتربعة على عرش السلطة والإمارة الآن، فالتلوث السياسي هو عماد التلوث البيئي القائم الآن.





281
المنبر الحر / سبب كاف لسحب الثقة
« في: 13:17 03/12/2012  »
شناشيل
سبب كاف لسحب الثقة
عدنان حسين
أظن ان رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي أوقع نفسه مجدداً في الخطأ عندما هدّد وتوعّد النواب الذين أعلنوا ان يتجهون لطرح الثقة به مرة أخرى، فهو (المالكي) يتبدى بتهديده ووعيده ساعياً الى مصادرة الحق الدستوري لأعضاء البرلمان في مساءلة رئيس الحكومة ومحاسبته.
 من الممارسات المعتادة في البلدان الديمقراطية أن يسائل البرلمان الحكومة ورئيسها وأن يسحب الثقة منهما مثلما يمنحهما اياها. ومهما كانت الاسباب والدوافع وراء اعلان بعض النواب عن رغبتهم باتخاذ اجراءات لسحب الثقة منه، ما كان على السيد المالكي خلال مؤتمره الصحفي أمس الاول أن يهدد بالرد على ذلك باتخاذ اجراءات غير مسبوقة في حق اصحاب هذا المشروع، فهذا يعني ان المالكي يدعو النواب الى عقد مساومة معه: يسكتون عن تجاوزات له ليسكت هو في المقابل عن تجاوزات لهم، والا فالعين بالعين والسن بالسن.
البرلمان كلّف السيد المالكي بادارة السلطة التنفيذية في الدولة على نحو صحيح وسليم وبما يتوافق ويتواءم مع أحكام الدستور ويضمن تطبيق القانون وتحقيق العدالة، لكن كلامه يعني انه يعرف ان الداعين الى سحب الثقة لديهم تجاوزات على القانون بحيث يمكن ملاحقتهم، بيد انه يريد أن يربط هذا بمسألة طلب سحب الثقة ، فإن تحركوا يتحرك وإن توقفوا يتوقف.
هذا يشبه في وجه من وجوهه ما كان المالكي قد أعلنه غداة الإعلان عن ملاحقة نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي، فيومها قال المالكي انه كانت لديه منذ سنتين المعلومات والأدلة الكافية لادانه الهاشمي بالتورط في الارهاب، وان بين يديه ملفات أخرى مماثلة تخصّ مسؤولين كباراً في الدولة غير الهاشمي. ويومها أيضاً لام عدد غير قليل من السياسيين والاعلاميين رئيس الوزراء لانه قد "تستر" على أفعال الهاشمي "الارهابية" ويتستر على أفعال مماثلة لغيره.
ويبدو ان هذه ممارسة روتينية للسيد المالكي ففي مؤتمره الصحفي أيضاً أعلن عن ان  "من يقف خلف الفساد هم أشخاص يعملون في لجنة النزاهة البرلمانية أصلا"، وان "أعلى صوت في اللجنة دفع 5 ملايين دولار من أجل تعطيل عمل لجنة التحقيق في فساد البنك المركزي"، وأن "هناك عضوا آخر دفع 10 ملايين دولار لهذا الغرض".
هذا أمر غريب للغاية، فمن المفترض ان رئيس الوزراء لديه الأدلة القاطعة على ما يقول، والسؤال : لماذا يسكت على تجاوزات خطيرة كهذه؟ لماذا يريد ان يستخدم هذه القضية لاغراض التهديد والوعيد حتى لا يُطرح موضوع الثقة به مجدداً؟
المالكي وحكومته ملزمان بموجب الدستور والقوانين السارية بمحاربة الفساد والكشف عن الفاسدين والمفسدين وتقديم ما لديهما من معطيات الى السلطة القضائية لكي تقوم بواجبها في ملاحقة هؤلاء ومحاكمتهم لوضع حد لفسادهم، لكن السيد المالكي يظهر هنا في مظهر المتستر على الفساد،  وهو أمر غير مقبول ومناقض لاحكام الدستور الذي بموجبه أصبح المالكي رئيساً لمجلس الوزراء. وهذا (الخروج على أحكام الدستور) في حد ذاته سبب كاف لطرح الثقة بالسيد المالكي وحكومته.


 


282
شناشيل
نخلات جدي ونخلات الدولة!

عدنان حسين

كان جدي مالك أرض تمتد على مدى البصر، فيها ثلاثة بساتين للنخيل متفرقة، ورابعة صغيرة للفواكه بمختلف أصنافها. بساتين النخيل كانت مزدحمة بأشجارها التي ربما بلغ عددها الألف نخلة.
أظن ان جدي هو الذي زرع أشجاره كلها بيديه، ففي طفولتي الباكرة كنت أراه يعتني بها واحدة واحدة برغم ان لديه عددا من الفلاحين.. وباستثناء نخلة واحدة فقط لم تكن في بساتين جدي نخلات معوّجة أو ميتة.. كلها، باستثناء تلك الواحدة، كانت مرفوعة الرأس والهامة وتعكس خضرة سعفها وثقل عذوقها وتمتعها بالصحة والعافية.
استعيد ذكرى جدي وصورة بساتينه وارفة الظلال وعنايته الشخصية بنخلاته الألف كلما مررت راكباً بطريق مطار بغداد "الدولي" (!)، ففي إطار التحضيرات لقمة بغداد العربية، التي تأجلت سنة كاملة من أجل ان تكتمل هذه الطريق، زرعت الشركة المكلفة إعادة إحياء الطريق ما لا يتجاوز عدده مئتي نخلة حاولتُ غير مرة أن أحصي عدد المعوجّ والميت منها فلم أفلح لكثر العدد.
جدي لم تكن لديه ماكنة يستعين بها للعناية بنخلاته الألف وأشجار البرتقال والنارنج والمشمش والرمان والتوت والتين والعنب في بستان الفاكهة الصغير الملتصق بداره الكبيرة .... كان يتنقل بين تلك البساتين على قدميه أو ممتطياً فرسه.
الآن، بفضل طريق مطار بغداد، أكتشف ان جدي كان رجلاً عظيماً بقوة خارقة.. أقوى من انكيدو وهرقل وسوبرمان وغراندايزر، فقبل ثمانين سنة وأكثر صنع معجزة تعجز عنها اليوم دولة يزيد دخلها السنوي من النفط وحده عن مئة مليار دولار.... جدي لم تمت له نخلة واحدة من نخلاته الألف ولم تعوج منها سوى نخلة واحدة كنا نمتطيها في طفولتنا الباكرة قبل ان نتعلم ركوب الخيل، فيما لدينا دولة، هي دولتنا العراقية في زمنها "الديمقراطي"(!)، بكل قوتها وجبروتها اللتين تستعرض بهما عضلاتها الآن في طوزخورماتو والمناطق المجاورة، تقف مشلولة أمام 200 نخلة زرعتها على طريق المطار مات واعوجَّ ما قد يبلغ ربع عددها في غضون سنة فقط بعد زراعتها.
نصيحة مني إلى الكرد: لا تخيفنّكم قوات عمليات دجلة ولا تقلقوا من المواقف المتعنتة للقائد العام للقوات المسلحة، فدولة لا تستطيع أن تجعل النخلات المئتين على طريق مطارها على شاكلة النخلات الألف التي زرعها جدي قبل ثمانين سنة وأكثر لن تغلب بيشمركتكم.. إنها تقدم عرضاً زائفاً لقوة لا وجود لها.. اذهبوا إلى مطار بغداد والقوا بنظراتكم على نخلات طريقه لتتأكدوا من إنني لا أغشكم.


283
شناشيل
ما تتركون لأبناء الشوارع؟
عدنان حسين

في البلاد الديمقراطية لا يدخل البرلمان في الغالب إلا أفضل الناس.. النزيه، الشريف، المحترم، الخبير، المؤهل علمياً، الشغول، الخدوم، الوطني، أي من هو القدوة والمثال والأنموذج الذي يرى الناس انه الأنسب والأكفأ لأن يمثلهم بأحسن ما يكون التمثيل في أعلى سلطة في البلاد، السلطة التشريعية.
بعض هؤلاء من فرط إثباتهم أنهم كانوا عند توقعات الناخبين وحسن ظنهم بهم ومن فرط حب الناس لهم وتمسكهم بهم، يعاد انتخابهم المرة بعد الأخرى لعشرات السنوات.
هذا في الغالب كما قلت، فهناك استثناءات لا يكون فيها النواب بهذه المواصفات فينصرف عنهم الناخبون إلى غيرهم.
لدينا الاستثناء أن يكون أعضاء البرلمان بمواصفات غالبية النواب في البلاد الديمقراطية، اذ ان العدد الاكبر من اعضاء مجلس النواب عندنا، وبخاصة الذين احتلوا مقاعدهم بالتعيين من قبل رؤساء كتلهم، هم ممن لا تنطبق عليهم حتى بأدنى المستويات معايير النزاهة، الشرف، الاحترام، الخبرة، الأهلية العلمية، الوطنية... الخ.
الخميس الماضي تعطلت جلسة مجلس النواب بسبب ما قيل إنها مشادة كلامية (البعض افاد بأنها اشتملت على استخدام الأيدي وربما الأقدام أيضاً) بين نواب من القائمة العراقية (المعارضة!) وزملاء لهم من ائتلاف دولة القانون الحاكم. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتحاور فيها نوابنا بالنبرة العالية والشتائم وبالأيدي. هذا في الواقع يعكس المستوى الثقافي والعلمي والفكري المتدني والممارسة السياسية والإدارية المحدودة وربما المنعدمة للنواب الذين يتصرفون بهذا الأسلوب البدائي المتوحش.
الأدهى ان بعض النواب يتجاوز هذا كثيراً ويختار أن يتحاور مع زملائه وزميلاته بلغة هابطة للغاية.
من هؤلاء نائب ردّ على زملاء له ذكروا اسمه باعتباره شاهداً أو متورطاً في قضية الأسلحة الروسية الفاسدة التي لم تفدنا حكومتنا ورئيسها بحقيقتها.
هذا النائب قال في تصريحات صحفية، وأرجو أن يعذرني القراء لأنني أنقل بالنص ما نُسب إلى هذا النائب من كلام غير لائق، فناقل الكفر ليس بكافر.. قال إن "من يورد اسمي في شبهة الفساد والتحقيقات التي تجري بصفقة السلاح مع روسيا يخسأ هو وأبوه والذين خلفوه، وكل الذين أوردوا اسمي فهم بأسماء مستعارة لأنهم غير شرفاء وجهلاء"!!. وكمن تأخذه العزة بالإثم يواصل النائب كلامه المقذع، فيضع نفسه فوق الهيئة التي هو عضو فيها – البرلمان – ويقول بتكبر "أي جهة في الدنيا لا تستطيع أن تستدعيني غير القضاء وعندما يستدعيني القضاء سأكون أول الحاضرين".
هذه لغة معيبة ومخزية في الواقع، فلا يليق أبداً بمن يمثل الشعب العراقي أن يتحدث بهذا الأسلوب.. فما الذي يتركه النواب لأبناء الشوارع إذن؟
"المدى" – 1/12/2012

284
المنبر الحر / ألستم من لحم ودم؟
« في: 16:37 29/11/2012  »
شناشيل
ألستم من لحم ودم؟
عدنان حسين
من المفترض أنهم يشبهوننا .. مثلنا من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس.. يأكلون ويشربون ويلبسون .. يضحكون ويبكون .. يسترخون وينامون .. يستمعون الى الراديو ويشاهدون التلفزيون ويتأثرون ببرامجهما ويتفاعلون معها، بما فيها الاخبار ومنها أخبار الانتفاضة المصرية الثانية في غضون أقل من سنتين، وهذه المرة ضد الفرعون الجديد (الاخواني) محمد مرسي.
من أعنيهم هم قيادات الاحزاب السياسية والمنظمات المهنية الذين صدعوا رؤوسنا بمعارضتهم لرئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ومناهضتهم لسياساته وقراراته ومواقفه وتصرفاته التي أقل ما يمكن أن يقال فيها انها تعكس نزعة واضحة لاحتكار السلطة واتجاهاً ملحوظاً للتفرد والاستبداد، بالضبط كما هي حال الفرعون المصري الجديد (الاخواني).
هؤلاء القيادات، ومعظمهم ممن يضع رجلاً في الحكومة وأخرى في المعارضة في مفارقة تعكس ذاتيتهم وأنانيتهم وطمعهم وانصرافهم عن شؤون الوطن والمواطن الى شؤونهم الشخصية والحزبية والطائفية، لابد انهم تابعوا مجريات الانتفاضة المصرية التي قادتها الاحزاب والهيئات والمنظمات المدنية للتصدي لفرمان الفرعون المصري الجديد (الاخواني) بتشريع دستوره الفردي الخاص (الاعلان الدستوري) .. كل المجتمع المدني المصري هب في وجه الفرعون الجديد (الاخواني) .. قادة الاحزاب والنقابات والمنظمات المصرية ضربوا المثل الحسن وقدموا الأنموذج الطيب للوطنية الحقة بتصدرهم الاحتجاجات والنزول الى الشارع، بخلاف قيادات أحزابنا ومنظماتنا الذين يؤثرون السلامة في الغالب .. يكتفون بالتفرج على ما يجري ويدور.
لدينا هنا في العراق مئة سبب وسبب، وربما الف سبب وسبب، أكثر مما لدى المصريين للاحتجاج والاستنكار والمعارضة والمناهضة والنزول الى الشوارع والميادين لما تفعله دولتنا.. من انتهاك الدستور، بل تعطيل أحكامه بالكامل، الى سرقة المال العام علناً، الى الحنث باليمين، الى الانقلاب على الاتفاقات والتفاهمات، الى ممارسة الفساد المالي والاداري بمئة شكل وشكل، الى الكذب والتدليس والتزوير.
السؤال الذي يحيّرني: عندما يسترخي قادة احزابنا ومنظماتنا في مكاتبهم أو صالات بيوتهم ويتفرجون على برامج التلفزيون ونشرات أخباره التي تتصدرها أخبار الانتفاضة المصرية الجديدة على الفرعون الجديد (الاخواني)، كيف يفكرون؟ هل يقارنون بين ما يفعله قادة الاحزاب والنقابات والمنظمات المدنية في مصر وبين ما يفعلونه هم؟ هل، وهم يقومون بمثل هذه المقاربة، يشعرون بالخجل ويعتريهم الحياء إذ يرون انفسهم في الدرك الاسفل من الممارسة السياسية؟
من المفترض ان يكون لدى قياداتنا السياسية والنقابية والمجتمعية مثل هذا الشعور وهم يرون مواطنيهم العراقيين يكابدون ما يكابدون ويعانون ما يعانون منذ عشر سنوات أكثر بمئة مرة ومرة مما يعانيه المصريون ويكابدونه الان مع فرعونهم الجديد (الاخواني).
من المفترض ان يكونوا كذلك، الا اذا كانوا لا يشبهوننا وليسوا مثلنا من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس.


285
المنبر الحر / فضيحة اللحم الهندي
« في: 13:20 28/11/2012  »
شناشيل
فضيحة اللحم الهندي

عدنان حسين

ما كنا لنحتاج أن ينشر أحدهم على شبكة الانترنت صورة لكتاب صادر عن إحدى دوائر وزارة العلوم والتكنولوجيا لنكتشف أن بعض اللحم الذي نستورده من الخارج خطر على الصحة العامة لأنه ملوث، ففي بلدنا القاعدة العامة هي التلوث والاستثناء عدم التلوث.
أغذيتنا الطازجة والمطبوخة ملوثة لأنها تباع مكشوفة، فعلى الأرصفة المفروشة بالكامل بالقمامة تُباع هذه الأطعمة المكسوّة بطبقات من الغبار والذباب في كل مدننا.. تباع هكذا أمام أعين موظفي الوزارات والدوائر والهيئات المعنية أو ذات العلاقة بالصحة العامة: وزارة الصحة، وزارة البيئة، وزارة العلوم والتكنولوجيا، وزارة التجارة، البلديات، وزارة الزراعة، وزارة الصناعة، وزارة التربية، وزارة التعليم العالي، وزارة الثقافة، أمانة بغداد، مجالس المحافظات والأقضية والنواحي.. الخ، ولا أحد يحرك ساكناً.
حتى الأطعمة والمشروبات المغلّفة تتعرض للتلوث، فهي تُنقل وتُخزن في ظروف غير صحية.. المياه والمشروبات المعبأة في عبوات من البلاستيك تُنقل مكشوفة تحت أشعة الشمس وتخزن في مخازن حارة او باردة .. والأغذية المجمدة يذوب ثلجها مرات عدة في اليوم بفعل الانقطاع المتواتر للتيار الكهربائي... وكل ما نستورده من الخارج لا يخضع لأنظمة التقييس العالمية المعروفة فأصبحت بلادنا مكباً لنفايات الدول رديئة التصنيع كإيران والصين، ووراء هذا فتشوا عن الإهمال من جانب الحكومة والبرلمان المشغول مسؤولوهما بصراعاتهم ومناكفاتهم ومنافساتهم وبكسبهم الحرام... ووراء الاهمال الحكومي والبرلماني فتشوا عن الفساد المالي والاداري الذي يخوض في بحره الهائل مسؤولو دولتنا.
على الصفحة السابعة من عدد "المدى" هذا تقرير ينطوي على فضيحة، فقد سعينا لتقصي حقيقة ما جاء في الكتاب الصادر عن دائرة المياه والبيئة في وزارة العلوم والتكنولوجيا بشأن تلوث بعض اللحوم المستوردة من الهند. الكتاب يجيب دائرة الصحة العامة في وزارة الصحة تعليقاً على قرار الهيئة الاستشارية لسلامة الأغذية في وزارة الصحة. وهو (الكتاب) يؤكد ان مركز بحوث الغذاء في وزارة العلوم والتكنولوجيا أجرى منذ سنتين دراسة عن هذه اللحوم "أظهرت تلوثها ببقايا مبيدات الكلور العضوية".
عند استيضاحنا لدى وزارة الصحة عن الأمر كان محط تركيز أحد المسؤولين فيها ما وصفه "عدم اختصاص" وزارة العلوم والتكنولوجيا بأمر تلوث اللحوم لتتحدث عنه! .. أمر غريب للغاية، فهذا المسؤول لا يبالي  بما كشفته الدراسة. فلم تتحرك وزارة الصحة او وزارة التجارة او الحكومة برمتها او البرلمان المفترض انه "الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي غير السعيد"، وما يبالي به المسؤول في الصحة هو اختصاص او عدم اختصاص وزارة العلوم والتكنولوجيا في دراسة التلوث في اللحوم الهندية!
اذا كان تلوث اللحوم أو المياه أو سواهما ليس من اختصاص هذه الوزارة، فما اختصاصها إذن؟ .. البحث في صناعة الفرارات والمهافيف مثلاً؟
نريد جواباً من هذا المسؤول الصحي المنشغل بالاختصاصات.



286

شناشيل
عماذا يقاتل جنودنا في طوزخرماتو؟
عدنان حسين
برغم حذري الشديد ومشيي المتأني للغاية لم أستطع أن أقطع مسافة الثلاثين متراً من الباب الرئيس لكراج النهضة الى محطة الانتظار الخاصة بسيارات كركوك والسليمانية وأربيل من دون أن يتسخ حذائي على نحو تراجيدي ويتبلل بنطلوني في اليوم التالي ليوم مطير في بغداد.
الكراج، كما العاصمة كلها، كان يوم الجمعة الماضي، وهو يوم سفرنا الى أربيل، الزميل سرمد الطائي وأنا، في حال لا تسرّ حتى العدو، فمطر أول الشتاء حوّل بغداد الى مستنقع اختلط فيه الطين بالقمامة الطافية والمياه الآسنة الراكدة التي لا تجد منفذاّ لتتصرف.
ونحن في الانتظار قال سرمد: لو يجيء هادي العامري (وزير النقل) الى هنا ماذا سيقول لنفسه وهو يتذكر الكراجات الفسيحة المرتبة والنظيفة في طهران التي عاش فيها ردحا طويلاً من الزمن؟بماذا ايران أحسن منا ليكون أهم كراج في البلاد بهذه الحال البائسة؟
ولم تكن الطريق من النهضة الى حدود العاصمة بأفضل حالاً من الكراج أو شارع الشيخ عمر.
في المقابل وفي يوم العودة من أربيل (الأحد) كان المطر ينهمر بغزارة لافتة .. بعض الشوارع تحولت جزئياً الى جداول يتدفق فيها الماء بقوة وسرعة لكنه لم ينحبس بفضل شبكة التصريف، بيد ان احدهم لم يعجبه أن يتجمع الماء في ذرة الهطول المطري فعلق قائلاً: انه الفساد الذي يجعل شبكة التصريف لا تبتلع المطر في الحال.
مع المطر أصبحت اربيل أنظف والوانها أكثر اشراقاً بخلاف بغداد التي يكون المطر بلاء عليها كما بلاء الجفاف.
في الطريق من اربيل الى مصيف صلاح الدين كان سرمد الطائي يسأل السائق باندهاش واضح وهو يلتفت يمنة ويسرة ويشير الى المباني والمشاريع ومخططات المشاريع: ما هذه؟ مشاريع؟ يجيب السائق بايجاب متحدثاً عن معامل وفنادق ومجمعات تسويقية. ويعود سرمد ليسأل نفسه هذه المرة: "لعد شبينا؟ ليش ما نصير مثلهم؟ وين تروح المئة مليار دولار سنويا؟".
قلت لسرمد: هل تعرف ان الكرد عندما ثاروا على الحكومات العراقية لم يكن لديهم أي شيء.. لا شيء غير الجبل وبيوت الحجر .. اخترعوا البيشمركة الذين استبسلوا من أجل الحصول على الاعتراف بقوميتهم. الان لديهم أسباب أكثر قوة للاستبسال. هذاالنعيم الذي تفصح عنه الأبنية والمشاريع والشوارع النظيفة والمولات والأمن سيكون دافعاً قوياً لهم للتضحية. ولكن السؤال: عماذا سيقاتل ويدافع الجنود الذين أرسلتهم حكومتنا الى تخوم كردستان ورأينا بعضهم مع دباباتهم في الطريق على مشارف طوزخرماتو؟ أعن بحيرات الطين المخلوط بالقمامة الطافية والمياه الآسنة التي تجتاح مدننا وقت المطر؟ أم عن الكهرباء المقطوعة؟ أم عن الفساد المالي والاداري؟ أم عن البطالة؟ أم عن الحصة التموينية البائسة التي استكثرتها الحكومة علينا؟ أم  سوء الخدمات العامة وبخاصة الصحة والتعليم؟







287
المنبر الحر / طائرات رئاسية
« في: 15:07 22/11/2012  »
شناشيل
طائرات رئاسية
عدنان حسين

منذ أيام كشفت عضو مجلس النواب ميسون الدملوجي عن أن الحكومة نقلت 20 مليار دينار من موازنة مشروع "بغداد عاصمة الثقافة العربية" الى موازنة وزارة الدفاع لشراء طائرات رئاسية.
كان هذا الكشف سبباً آخر لغيظنا ونقمتنا على الحكومة والطبقة السياسية المتنفذة برمتها، لأنهما لا تستحيان ببلوغ احتقارهما الثقافة ومدينة بغداد هذا الحد، لكننا لم نستغرب ذلك في الواقع فعشر سنوات كانت كافية تماماً لكي ندرك ونتيقن ان هذه الطبقة السياسية أنانية ولئيمة وجاهلة الى أبعد الحدود، لا تعنيها الثقافة ولا ازدهار العاصمة بغداد بقدر انشغالها بامتيازاتها وفسادها المالي والاداري والسياسي.
الآن يتأكد لنا هذا أكثر مع فضيحة من عيار أثقل، فمشروع "الطائرات الرئاسية" المهتمة به وزارة الدفاع، والحكومة من ورائها، يتعدى ويتجاوز الثقافة وبغداد الى مشاريع الإعمار والاسكان، وبالذات مشاريع  المجمعات السكنية التي كان من المفترض أن يستفيد منها محدودو الدخل ممن لا مساكن لديهم أو انهم يعيشون في مساكن متهالكة وغير مناسبة للعيش الآدمي.
في كتاب من وزارة التخطيط الى وزارة المالية – دائرة الموازنة مؤرخ في 9/9/2012 ومعنون بـ "مشروع شراء طائرات رئاسية"، ثمة أمر بمناقلة مبلغ خمسين مليار دينار من تخصيصات وزارة الاعمار والاسكان الى تخصيصات وزارة الدفاع لضمه الى مبلغ العشرين مليار دينار المنقول من تخصيصات مشروع "بغداد عاصمة الثقافة العربية" الى تخصيصات مشروع الطائرات الرئاسية.
الكتاب لا يكتفي بهذا التعميم وانما يحدد ويعرّف مشاريع الاسكان المطلوب استقطاع مبلغ الخمسين مليار دينار منها، وهي: المجمع السكني في الانبار/ هيت، المجمع السكني في الانبار/عانة، المجمع السكني في ذي قار/ سوق الشيوخ، المجمع السكني في المثنى/ الرميثة، المجمع السكني في المثنى/ الحمزة.
من أجل طائرات يتنقل بها كبار الطبقة السياسية لا تتردد حكومتنا عن السطو على مشروع انتظرته بغداد وأهلها طويلاً لاستعادة بعض ما كانت عليه العاصمة من بهاء ورونق، فبالعشرين مليار دينار كان يمكن إعادة تشغيل عدد من المسارح ودور السينما وتأهيل عدد من المكتبات العامة.
ومع سحب الخمسين مليار دينار يكون نحو 300 عائلة عراقية قد خسرت حقها في سكن يتناسب مع آدميتها ومع كونها من بلاد بالغة الغنى بثرواتها الطبيعية لكن شعبها يكابد محنة الفقر الفاحش والعوز الصارخ، ليس فقط بسبب صدام حسين وسواه من الحكام السابقين وحروبهم العبثية، وانما أيضاً بسبب حكامه الحاليين الذين من الواضح انهم لا حرمة لديهم لشيء ولا اهتمام بمصلحة عامة، وأقل ما يفعلونه انهم يسمحون لأيديهم بان تمتد الى موازنة الثقافة والى موازنة الإسكان.


288
المنبر الحر / الحرب خط أحمر
« في: 14:43 20/11/2012  »
شناشيل
الحرب خط أحمر
عدنان حسين
ما من حكومة عراقية تشكلت منذ وفاة الملك فيصل الاول (1933) لم تعمل على، أو في الأقل تفكر في، إرغام الكرد بالقوة على التخلي عن مطالبهم وجعلهم "مواطنين مطيعين".
 المطالب الكردية انحصرت خلال العهد الملكي بتطبيق ما قررته عصبة الأمم (1925) من حقوق سياسية وثقافية وادارية لهم في إطار الترتيبات الدولية لإلحاق ولاية الموصل العثمانية بالعراق (كانت تركيا تطالب بها). وفي العهد الجمهوري الأول كان مطلب الكرد تطبيق ما نص عليه دستور 1958 القائل بانهم شركاء للعرب في الوطن العراقي. ومنذ ان استعملت الحكومة القوة العسكرية ضدهم في 1961 طوّر الكرد مطلبهم الى الحكم الذاتي في بيئة دولية ملائمة. ولاحقاً سعت أربع حكومات (البعث الأول وعبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف والبعث الثاني) لكسر شوكتهم بالقوة الغاشمة، ففشلت فشلاً ذريعاً، ما اضطر نظام البكر - صدام في العام 1970 الى القبول بمطلب الحكم الذاتي وتوقيع اتفاقية آذار التي مالبث النظام أن انقلب عليها مزهواً بقوة عسكرية اشترى عدتها بعوائد النفط الوفيرة، فلم يفلح واتجه الى شاه ايران ليعقد معه اتفاقاً على معاونته في القضاء على الحركة الكردية مقابل منح ايران نصف شط العرب واراضي أخرى (اتفاقية الجزائر 1975).
وقّع صدام اتفاقية الجزائر ثم انقلب عليها بعد اطاحة نظام الشاه في ثورة شعبية (1979) فألغاها من طرف واحد ودخل في حرب مع النظام الايراني الجديد. لكن النزهة التي ظن صدام انه أرسل جيشه فيها انقلبت الى كارثة للجيش والشعب والبلاد، وغدت تلك الكارثة ساحقة ماحقة بغزو الكويت، وهذا كان من تبعات الحرب مع ايران التي كانت بدورها من تبعات سياسة استعمال القوة ضد الكرد.
الخلاصة ان كل المحن والكوارث الكبرى التي حلّت بالعراق ترجع جذورها الى تلك الفكرة الجهنمية، فكرة استخدام القوة ضد الكرد، فقد مات موتاً مأساوياً وأصيب بالجروح والعاهات الملايين من العراقيين واحترقت مئات مليارات الدولارات عبثاً في حروب داخلية وخارجية لا طائل منها بسبب الفكرة الجهنمية إياها. والخراب الذي نكابده اليوم في ظل النظام الحالي هو امتداد لذاك الخراب الذي لا يريد القائمون على العملية السياسية لنا الخلاص منه.


لم يمت الكرد وحدهم في حروب الحكومات العراقية ضدهم.. العرب كانت أعداد القتلى منهم أكبر، فضلاً عن التركمان والكلدان والآشوريين والأرمن. ولم تتدمر قرى الكرد وضواحي مدنهم وحدها، فدمار المدن والقرى العربية كان أشد وأوسع نطاقاً.
كنا نحن عرب العراق أكثر الضحايا وأكبر الخاسرين في حروب حكوماتنا ضد الكرد.
لا ينبغي لنا ، نحن عرب العراق وكذلك تركمانهم وكلدانهم وآشورييهم وأرمنهم، أن نسمح في أي حال من الأحوال بأن تشن حكومتنا، كائناً من كان رئيسها، حرباً جديدة ضد الكرد، أو غيرهم .. لا يجب أبداً أن نقبل بأن تنطلق رصاصة واحدة ضد الكرد أو غيرهم.
السلام هو ما نحتاج.. والسلام هو ما نريد.. والحرب خط أحمر من الآن والى الأبد.

 



289
شناشيل
لماذا أطلق المالكي دقدوق؟
عدنان حسين

من الصعب للغاية تفسير إقدام رئيس الوزراء نوري المالكي على إطلاق القيادي في حزب الله اللبناني علي موسى دقدوق من السجن من دون رؤية البعد الطائفي، أي من دون تفسير الأمر بأنه دليل على أن رئيس الوزراء قد تصرف في هذا الشأن استناداً إلى ولائه الطائفي فحسب بالرغم من إعلاناته المتكررة بأنه يفكر ويتصرف وطنياً.
دقدوق أعتقل داخل العراق أثناء معركة بعد مشاركته في اختطاف وقتل عسكريين أميركيين خلال عملهم على الأراضي العراقية بطلب من الحكومة العراقية، أي أن العسكريين الأميركيين كانوا ضمن قوة تمتع وجودها في البلاد بـ"الشرعية"، وهي نفسها التي جعلت من رئيس الوزراء نائباً في البرلمان ثم رئيساً للحكومة، فالعملية السياسية التي آلت لأن يصبح المالكي رئيساً للحكومة أوجدتها ورعتها وحمتها القوات الأميركية، والانتخابات التي مكّنت السيد المالكي من عضوية مجلس النواب ومن رئاسة الحكومة في مرتين متتاليتين أمّنت إجراءها القوات الأميركية إلى جانب القوات العراقية.
لو كان المالكي قد استحصل من رئيس الجمهورية على عفو خاص لدقدوق أو لو انه شخصياً قد منحه مثل هذا العفو الخاص، لكان الأمر مفهوماً من دون أن يكون مبرراً، لكن رئيس الوزراء أعلن في البيان الصادر عن مكتبه بان إطلاق سراح دقدوق استند إلى عدم وجود سند قانوني لبقائه في الحجز.
دقدوق، وهو اللبنانيّ الجنسية، ضُبط على الأراضي العراقية التي دخلها من دون إذن من أي سلطة حكومية، وهذا مبرر كاف لاحتجازه وسجنه استناداً إلى أحكام قانون العقوبات النافذ، أسوة بالعشرات من العرب والأجانب المحتجزين في السجون العراقية منذ سنوات لهذا السبب بالذات. ودقدوق، اللبناني أيضاً، ضُبط وهو يحمل السلاح من غير رخصة رسمية، وهذا سبب آخر يبرر احتجازه وسجنه استناداً إلى أحكام قانون العقوبات النافذ. ودقدوق، اللبناني كذلك، ضُبط وهو يقاتل قوة عراقية – أميركية، واعتقلته هذه القوة استناداً الى أحكام المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب (4 إرهاب) بتهمة قتل عسكريين أميركيين، وهذا مبرر قوي للغاية لإبقائه في السجن أسوة بالمئات من الإرهابيين العرب والأجانب المسجونين والمعتقلين في السجون العراقية وترفض الحكومة إعادتهم إلى بلدانهم قبل أن ينالوا جزاءهم العادل عن دخولهم البلاد بصورة غير شرعية وحملهم السلاح بصورة غير قانونية وممارستهم أعمال القتل الإرهابية.
رئيس الوزراء تغافل عن هذه الحقائق كلها وتحمس لإطلاق سراح دقدوق بدعوى عدم وجود سند قانوني لاحتجازه. والسؤال الآن: كيف تأتى لرئيس الوزراء أن يقتنع بعدم وجود سند للاحتجاز وأن يؤيد قرار الإفراج بضمير مرتاح؟ هل كانت هناك محاكمة لدقدوق؟ متى وأين وكيف جرت هذه المحاكمة؟ وهل جرت المحاكمة عن جرائم دخول الأراضي العراقية وحمل السلاح واختطاف وقتل خمسة أشخاص في الأقل أم أنها اقتصرت على اختطاف وقتل العسكريين الأميركيين؟ وإذا كانت المحاكمة قد جرت فهل يُمكن للرأي العام العراقي أن يطلع على وقائعها وتفاصيلها الكاملة؟
اذا لم يحدث هذا، وأشك في انه سيحدث، فإننا على كامل القناعة بان المالكي قد تحمس لإطلاق سراح دقدوق وعجّل بإخراجه من البلاد لأسباب طائفية ومذهبية، وبما يتعارض مع المبادئ والمصالح الوطنية .. فعل ذلك لأن دقدوق شيعي ولأنه عنصر قتالي في حزب الله اللبناني الشيعي، ولأن النظام الإيراني الشيعي أراد ذلك.



290
المنبر الحر / هنا البصرة
« في: 17:17 18/11/2012  »
شناشيل
هنا البصرة
عدنان حسين

من البصرة يجيئُنا هذه المرة خبرٌ منعش يعزز الأمل بأن خراب أم المدن والعراق بأكمله لم يبلغ بعد درجة التمام والكمال، وان ثمة ضوءاً في نهاية النفق الذي حشرنا فيه حكامنا وجعلونا مثل كرة قدم تتقاذفها الأقدام نحو كل الاتجاهات المؤدية إلى مصالحهم الأنانية، الشخصية والحزبية والطائفية.
على الدوام كانت البصرة، كما أهلها، كريمة، وها هي اليوم تفيض علينا بكرمها المعهود في ساعة عوز وحاجة وشدة. فحكومتنا التي انتخبها الشعب لكي تنقله من ظلمات الدكتاتورية واستبدادها في عهد النظام السابق إلى فضاء الديمقراطية المفتوح على الحرية، تقاتل بالأظافر والأنياب للعودة بنا إلى عهد الاستبداد والاستعباد والجور .. عهد الفرد الطاغية المؤلّه المتجبر المتكبر.. عهد الشعب الخانع الذليل المصادرة حقوقه وحرياته باسم العروبة مرة وباسم الإسلام مرة أخرى ... وباسم الطائفة والمذهب هذه المرة.
البصرة الكريمة تردّ على السعي المحموم لحكومتنا بالتضييق على الحريات التي كفلها الدستور، تارة بإصدار قانون يُطيح حق الصحفي في الوصول الحر إلى المعلومات والبث الحر لهذه المعلومات، وحق الناس في التلقي الحر لهذه المعلومات، وتارة أخرى بالإلحاح والضغط لتشريع قانون لا يبيح للناس الخروج إلى الشارع في تظاهرات إلا برضا الحكومة وقبولها، وقانون آخر يُلغي عملياً حرية الاتصال وتبادل المعلومات عبر وسائط التكنولوجيا الحديثة تحت طائلة السجن المؤبد!
تواجه البصرة الاتجاهات المتوحشة لحكومتنا – ولن أعفي البرلمان من المسؤولية عن هذه الوحشية - بخطوة حضارية لا مثيل لها في منطقتنا، لكنها قائمة في أعرق ديمقراطية في العالم. ففي البصرة سيكون لدينا ركن للخطباء في أحد شوارع المدينة العريقة شبيه بـ"سبيكرز كورنر" (زاوية الخطباء) في حديقة "هايد بارك" اللندنية العريقة هي الأخرى.
حكومة البصرة المحلية أعلنت أمس الأول عن تخصيص أحد الشوارع الرئيسة وجوانبه مكاناً عاماً للتعبير عن الرأي بلا رقابة حكومية خلال أوقات محددة ووفق ضوابط معينة، وقد اختارت للمكان اسماً معبراً هو "ساحة الرأي" وموقعاً مناسباً تماماً بمحاذاة نهر البصرة العظيم، شط العرب.
وبحسب مدير قسم شؤون المواطنين في ديوان محافظة البصرة السيد عباس الناهي فإن "المكان سيكون متاحاً للمواطنين الراغبين بالتعبير عن وجهات نظرهم بلا رقابة حكومية، وخلال كل يوم جمعة اعتباراً من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الساعة العاشرة مساء".
بل ان البصرة سعت لأن تكون أكثر كرماً من هذا بالدعوة التي وجهها مدير قسم العلاقات والإعلام صالح البجاري الى الرسامين والشعراء والموسيقيين لارتياد الساحة "لانتقاد قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية من خلال عرض أعمال فنية أو إلقاء قصائد".
هذه المبادرة البصرية الرائعة ينبغي أن تثير في منظماتنا الثقافية – هل أحتاج لأن أسميها؟ - الشعور بالعيب والخذلان إذ تتغافل عن التجاوزات الحكومية السافرة على الحريات العامة، خوفاً من ضياع الألف دولار أو المليون دينار في السنة... وليس في الشهر!!


291
المنبر الحر / أهذا جيشنا؟
« في: 14:35 17/11/2012  »
شناشيل
أهذا جيشنا؟
عدنان حسين
منذ ثلاثة أيام اكتريت سيارة أجرة (تاكسي) للتنقل من منطقة إلى أخرى في بغداد. كان السائق شاباً لم يتجاوز الثلاثين بعد. هو متزوج وله طفلان أصغرهما في عمر الستة أشهر. هذا ما أفصح به إليّ خلال أحاديثنا المتنوعة التي لا يمكن الاستغناء عنها في بغداد لتجنّب حال الملل والسأم والضجر المتولدة من شدة الزحام على نقاط التفتيش الكثيرة التي يوجد ما يشبه الإجماع على أن لا لزوم لها لأنها لم تمنع الإرهابيين من القتل تفجيراً أو بكواتم الصوت.
في أحد الزحامات (كان في شارع الجمهورية) توقفت إلى جوارنا سيارة تاكسي فارغة. السائقان كانا يعرفان بعضهما البعض. هذا ما كشفه تحياتهما المتبادلة. بل اكتشفت أنهما صديقان مقربان، فسائق السيارة الفارغة، وهو شاب أيضاً، سأل سائق التاكسي التي اكتريتها عن عدد أيام دوامه في دائرته. أجاب (سائقي): يومان في الشهر. عاد السائق الثاني ليسأل (سائقي): كم تدفع للآمر؟ أجاب (سائقي): شي بسيط، كارت أو كارتين في الأسبوع. سأل سائق السيارة الفارغة مرة أخرى وهذه المرة عن قيمة كل كارت، فأجاب (سائقي): خمسة وعشرون.
انتهى الحوار بين السائقين الصديقين بتفرق السيارتين نتيجة للحركة، فبادرت إلى محاورة (سائقي):
* حضرتك وين تشتغل؟
- في  ...... (مؤسسة عسكرية رئيسة).
* ماذا تشتغل عند الآمر؟
- نفس شغلتي، سائق.
* هل صحيح ما سمعته انك لا تداوم سوى يومين في الشهر؟
- نعم .
* وهذا مقابل بطاقة أو بطاقتي تلفون محمول كل أسبوع؟
- نعم.
* وهذا يحدث معك فقط؟
- لا، البعض يدفع جزءا من راتبه للضباط أو يشتري أشياء.
* وكم العدد.. أربعة خمسة؟
- لا، بالعشرات.
أهذا هو نمط الجيش الذي أردناه بديلاً لجيش صدام؟.. أم بجيش كهذا سنحارب الإرهاب وننتصر عليه ونحقق الأمن للوطن والمواطن؟ أم بجيش من هذا الطراز نستثير الآن الكرد ونستفزهم وربما نحلم بمحاربتهم وتحقيق ما عجزت عنه جيوش ست حكومات سابقة بينها حكومة "الجيش الرابع في العالم"؟
17/11/2012

292
المنبر الحر / هل نجح البعثيون؟
« في: 12:21 14/11/2012  »
شناشيل
هل نجح البعثيون؟
عدنان حسين
"دعاية عودة البعثيين الى مؤسسات الدولة نجحت ... استطاعوا (البعثيون) ان يستدرجوا السذج والحاقدين من السياسيين وأصبح الحديث الوهم كأنه حقيقة".
هذا الكلام قاله رئيس الوزراء نوري المالكي أول من أمس رداً على أسئلة عدد من الصحفيين عبر نافذة التواصل الإعلامي الخاصة برئاسة الوزراء. وهو أمر غريب فلم نعرف ان البعثيين قد أشاعوا انهم عادوا الى مؤسسات الدولة، ولا أظن انهم بهذا المستوى من السذاجة لكي يشيعوا أمرا كهذا إذا كان صحيحاً.
من يقولون ان البعثيين قد عادوا الى مؤسسات الدولة هم خليط من ناس عاديين وآخرين من النخبة، بينهم إعلاميون. وهؤلاء يلمسون لمس اليد ان الجهاز البيروقراطي للدولة لم يزل في مجمله في أيدي الكوادر البعثية السابقة التي ربما لم يزل البعض منهم ناشطاً في خلايا حزبه السرية. ومصدر قوة هؤلاء يكمن في ان الوزراء والوكلاء والمدراء المعينين من الأحزاب الاسلامية وفقاً لنظام المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية لا تتمتع أغلبيتهم الساحقة بالكفاءة والخبرة اللازمتين لعمل الدولة.
كما ان الكثير من البعثيين، وبخاصة عتاة عناصر الأمن والمخابرات والأجهزة الخاصة الأخرى قد سارعوا – من أجل حماية انفسهم وايجاد ملاذ لهم - للانتماء الى الأحزاب والميليشيات الإسلامية النافذة في السلطة بعدما أطالوا لحاهم ووشموا جباههم ووضعوا في أصابعهم محابس الفضة وتركوا أيديهم تلعب بالسبح، وبعضهم واصل دور الجلاد الذي كان يؤديه في زمن النظام السابق.
زيادة على هذا فان رئيس الوزراء الذي هو القائد العام للقوات المسلحة قد أعاد الى الخدمة المئات من ضباط الجيش والشرطة والأمن الكبار، بينهم قتلة، وهم بالضرورة بعثيون ومشمولون بإجراءات المساءلة والعدالة.
شخصياً لا اشعر ان لدي مشكلة مع كل بعثي، وعليه لا أجد ضيراً في إعادة البعثيين الى الخدمة في المؤسسات العسكرية أو المدنية، على أن يكون ذلك منسجماً مع برنامج المصالحة الوطنية الذي لا نجد انه قد أثمر شيئاً ذا قيمة، ومع إجراءات المساءلة والعدالة على نحو حقيقي وعادل ومنصف وليس بشكل كيفي ومزاجي، على أن لا يكون بين هؤلاء من ارتكب جرائم كبيرة كجلادي الأمن والمخابرات وقادة عمليات الأنفال والمقابر الجماعية.
لقد اقتصرت إجراءات المساءلة والعدالة في الغالب على صغار البعثيين الذين لم يكونوا جميعاً ممن يشملهم تعبير "من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين"، وكان بين هؤلاء معلمون وأساتذة جامعات وموظفون مدنيون آخرون، فيما تُرك في الخدمة أو أعيد اليها من تلطخت أيديهم فعلاً بدماء الآلاف من العراقيين.
يتوهم رئيس الوزراء في اعتبار ان البعثيين قد نجحوا في دعايتهم ، ويتوهم أيضاً في اعتبار ان الذين يتحدثون عن عودة البعثيين "سذجاً" و"سياسيين حاقدين".
اذا كان البعثيون قد نجحوا فعلاَ في شيء فإنما بسبب فشل نظامنا المحاصصي وحكومتنا التي يقودها السيد المالكي.


293
المنبر الحر / يعرفون ويحرفون
« في: 15:11 13/11/2012  »
شناشيل
يعرفون ويحرفون

عدنان حسين

من يعرف كيف حصلت صفقة الأسلحة الفاسدة مع روسيا؟ من أجرى المباحثات؟ ما الوفود التي أرسلت سلفا للتفاوض؟ ماذا دار في جلسات التفاوض؟ كيف بحث أمر الصفقة بين رئيس وزرائنا ورئيس الوزراء ورئيس الدولة في روسيا؟ من هم المتورطون في فساد الصفقة؟ من أي مكتب؟ من أي ائتلاف؟ من أي كتلة؟ من أي حزب؟
نحن لا نعرف .. نحن ابناء الشعب (نساء ورجالاً) لا نعرف.. الناس اللي فوق (أمراء السلطة والمال) يعرفون .. يعرفون أدق التفاصيل، لكنهم لا يعلموننا بها لأنهم يحتقروننا مع أننا الذين انتخبناهم ووضعناهم في مناصبهم الرفيعة.. رفعناهم (بعضهم في الأقل) من أسفل سافلين إلى أعلى عليين في هرم السلطة.
من يعرف كيف صُنع قرار إلغاء الحصة التموينية؟ من تقدم به؟ من كان مع ومن ضد في البداية؟ كيف حصل الإجماع أو الأغلبية؟ من اقترح على رئيس الوزراء أن يدافع عنه؟
نحن أبناء الشعب لا نعرف، لكن الذين جعلنا منهم أسياداً ونصبناهم نواباً ووزراء وسواهم يعرفون ولا يريدون أن يقولوا لنا الحقيقة.
من يعرف كيف دُبّرت ولُفّقت قضية البنك المركزي واتهام إدارته النزيهة بالفساد؟ كيف شكلت رئاسة مجلس النواب لجنة تحقيق بما يخالف أحكام النظام الداخلي للمجلس؟ كيف لم يعترض احد من أعضاء المجلس على هذا الخرق؟ كيف سوغت تلك اللجنة لنفسها إصدار الأوامر بإقالة محافظ البنك المركزي وباعتقاله وعشرات من الموظفات والموظفين الذين وصفهم المحافظ بأنهم من أنزه الموظفين وأكثرهم مهنية؟
نحن أبناء الشعب المُستغفلين والمخدوعين لا نعرف، لكن الذين وثقنا فيهم من دون تدقيق وتمحيص ووضعنا البلاد ومقاديرها ومصيرها ومستقبلها في أيديهم التي تبين لنا أنها طويلة للغاية على المال العام وعلى حقوقنا وحرياتنا المنصوص عليها في الدستور، يعرفون التفاصيل كلها ولا يرغبون في اطلاعنا عليها.
من يعرف من هم كبار الحرامية في البلد؟ ومن يعرف من هم كبار القتلة والسفاحين في البلد؟ ومن يعرف من هم كبار الطائفيين في البلد؟ ومن يعرف من هم كبار الشوفينيين في البلد؟ ومن يعرف من هم كبار "المحاصصجية" في البلد؟
نحن ابناء الشعب "الغلابة" لا نعرف، لكن الذين وليّناهم أمورنا وأعطيناهم قيادنا فتفرعنوا علينا، يعرفون كل شيء من الألف الى الياء، ويصرون على حجب الحقيقة عنا.
من يعرف أين يعيش وكيف يعيش وأين يتنقل وزير الدفاع الأول ووزير للكهرباء الأول في عهدنا الجديد وزير الكهرباء السابق ووزير الدفاع السابق ووزير التجارة الأسبق المحكوم بالفساد المالي والإداري؟ ومن يعرف كيف هي صلاتهم وعلاقاتهم برئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وسائر الوزراء والنواب؟
نحن أبناء الشعب الذين نكابد على مدار الساعة انقطاع كهربائنا وسوء حصتنا التموينية وتردي صحتنا وتعليمنا وخدماتنا العامة ونحس حظوظ أبنائنا مع الوظائف والأعمال لا نعرف، لكن الذين في أيديهم الحل والربط والمئة مليار دولار سنويا من النفط يعرفون ويعرفون ويعرفون.
نحن لا نعرف .. هم يعرفون .. ويحرفون.
نحن لا نعرف لأن الذين يعرفون لا يريدوننا أن نعرف.


294
شناشيل
كيف نطمئن بعد الآن؟
عدنان حسين
ما كان ينقصنا الا فضيحة جديدة من هذا النوع لكي تتزعزع تماماً من الجذور ثقتنا بحكومتنا وبرلماننا ودولتنا برمتها ونظامنا السياسي الذي تطلعنا الى أن يكون البديل الذي طال انتظاره لنظام صدام حسين فاذا به بالدرجة نفسها من السوء وربما أكثر.
صفقة السلاح مع روسيا فاسدة باعتراف مستشارين لرئيس الوزراء ونواب من كتلته وكتل أخرى، والفاسدون مسؤولون حكوميون وحزبيين كبار. وهو فساد في غاية الخطورة انه لا يطاول مال الشعب وحده وانما أمنه أيضاً على غرار فساد الأجهزة الكاشفة عن المتفجرات التي تبيّن انها يمكن أن تكشف عن أي شيء الا المتفجرات، ما مكّن الجماعات الارهابية من التحرك بيسر داخل مدننا وبينها وقتل عشرات الآلاف من المواطنين.
كيف لنا أن نطمئن بعد الآن على أمننا العام والشخصي وعلى مستقبلنا ومصير بلدنا مادام كبار المسؤولين في دولتنا لا يتورعون عن التلاعب حتى بصفقات الأسلحة والذخائر والمعدات المراد منها وبها توفير الأمن للوطن والمواطن ويسرقون من تخصيصاتها بعدما نهبوا تخصيصات الحصة التموينية والكهرباء والاسكان والاعمار والصحة والتعليم والصناعة والزراعة والخدمات؟
للتو كانت قد تفجرت فضيحة كبيرة ولم يهدأ بعد ضجيجها أو يخبو دويها، وهي فضيحة اتخاذ القرار في مجلس الوزراء بالغاء الحصة التموينية، فمن التصريحات والتصريحات المقابلة التي ارادت اطراف الحكومة المختلفة ان تلقي بالمسؤولية على بعضها البعض، تبيّن ان القرار لم يكن مدرجاً في جدول اعمال المجلس في اجتماع الاسبوع الماضي ثم في لحظة ما (ربما هي الدقائق الأخيرة من الاجتماع) قرر أحدهم أن يطرح الموضوع على الاجتماع ليجري التصويت عليه بالاجماع من دون نقاش مستفيض ومن دون دراسة مسبقة من الخبراء والمستشارين، والنتيجة عاصفة شديدة من التنديد والاستنكار والمعارضة والمناهضة والتحفظ من الاوساط النخبوية والشعبية على السواء ما اضطر الحكومة الى التراجع.
هكذا اذن، بهذه الخفة والاستهانة بمقدرات الناس، تتخذ حكومتنا القرارات حتى في أخطر القضايا!
قبل قرار الحصة التموينية كان ثمة تصرف مماثل من الحكومة والبرلمان يتعلق بواحدة من أهم مؤسسات الدولة، وهي البنك المركزي، فكما أوضحت اللجنة القانونية في مجلس النواب فان اللجنة التي شكلتها رئاسة البرلمان للتحقيق في القضية لم تكن تتمتع بالشرعية لأن تشكيلها جاء مخالفاً لأحكام النظام الداخلي للمجلس، ما يعني ان قرار التشكيل وما تبعه من اجراءات في حق محافظ البنك والعديد من موظفيه كانت كيفية، وليس من المستبعد انها كيدية أيضاً.
بألسنة طويلة للغاية يملأ الوزراء والنواب وقادة الكتل والائتلافات المكونة للبرلمان والحكومة الأثير ضجيجاً بالشعارات الوطنية والشعبوية، لكن يتبدى لنا الان بعد سلسلة الفضائح المتصلة المتواصلة ان هؤلاء جميعا يتعاملون مع قضايا الوطن والشعب بمنتهى الخفة والاستهانة.
فكيف سنطمئن بعد الآن الى أمننا وحياتنا ومصيرنا ومستقبلنا مع طبقة سياسية من هذا النوع والطراز؟




295
المنبر الحر / إذا عُرف السبب..
« في: 14:34 11/11/2012  »
شناشيل
إذا عُرف السبب..
عدنان حسين

لم يشأ أحد مستشاري رئيس الوزراء أن يسمّي أي مسؤول متورط في صفقة الأسلحة الروسية التي ألغيت في الايام الاخيرة بسبب الفساد فيها، واكتفى بالقول ان رئيس الوزراء "فتح تحقيقاً" في القضية بعدما سعى  لتمجيد ما قام به رئيس الوزراء وهو الغاء الصفقة، فالمستشار أبلغ إحدى الوكالات  بان رئيس الوزراء بعد عودته من السفر من موسكو  "نظر الى بعض شبهات الفساد التي شابت الصفقة، وقرر الغاءها وإعادة النظر بصورة كاملة ابتداء من التعاقد والاسلحة ونوعيتها الى اللجنة المشرفة على العقود".
عدم الافصاح عن الاسماء تصرفٌ صحيح مادامت القضية في طور التحقيق ولم تُعرض على القضاء بعد أو لم يقل رأيه فيها، بل من المفترض  أن يكون القضاء هو الجهة الوحيدة المخولة بتوجيه الاتهام واجراء التحقيق واصدار الأحكام والكشف عن المذنبين والابرياء.
من المفترض أيضاً ان الفساد في هذه الصفقة ثابت وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار كما قالت العرب قديماً، فلو لم تكن كذلك ما أصدر رئيس الوزراء قراراً بالغاء الصفقة. ولكن هل لامتناع مستشار رئيس الوزراء عن الكشف عن أسماء المتورطين علاقة بالاصول والقواعد والاخلاقيات المتصلة بالقضايا الجنائية أم ان له صلة بسبب آخر واعتبار آخر؟
للأسف ان واقع الحال يُرجّح الاحتمال الثاني بقوة، فمنذ بضعة أسابيع حتى الآن يُظهر رئيس الوزراء ومكتبه حماسة منقطعة النظير ليس فقط لاتهام محافظ البنك المركزي الدكتور سنان الشبيبي، وهو من أكثر المسؤولين الكبار في دولتنا نزاهة ووطنية، بالفساد المالي والاداري وانما أيضاً لاتخاذ اجراءات سريعة ضده وضد عدد من مساعديه وموظفي البنك المركزي، بما فيها إقالة الشبيبي من منصبه اثناء ما كان يمثل البلاد في مؤتمر دولي، واصدار الأوامر بالقبض عليه عند عودته.
هذه الاجراءات في مجملها لم تكن شرعية باعتراف لجنة النزاهة في مجلس النواب، فعضو اللجنة النائب عزيز العكيلي صرح أمس بان اللجنة التي شكلها البرلمان للتحقيق في قضايا الفساد المنسوبة الى إدارة البنك المركزي "غير قانونية"، موضحاً أن تشكيلها "جاء مخالفاً للقانون رقم 83 من نظام مجلس النواب، الذي ينصّ على أن يكون تشكيل اللجان المؤقتة من خلال طلب يتقدم به 50 نائباً أو عن طريق التصويت عليها داخل البرلمان"، فيما شُكلت اللجنة "عن طريق هيئة رئاسة البرلمان وضمت عضوين من حزب واحد وهو أمر مستغرب" بحسب قول النائب الذي أكد ان البرلمان سيشكل لجنة تحقيق جديدة على أنقاض اللجنة غير الشرعية تلك.
لماذا يبدو مكتب رئيس الوزراء متقيداً بالاصول والقواعد والأخلاقيات فيما خص صفقة الاسلحة الروسية الفاسدة ولم يكن كذلك في قضية البنك المركزي؟
الجواب عند لجنة النزاهة البرلمانية التي كان لها الفضل في الكشف عن الفساد في الصفقة الروسية، فرئيس اللجنة النائب بهاء الأعرجي ألمح في تصريح له بشأن الصفقة الى ان أغلب المتورطين في هذه الصفقة قربيون من مكتب رئيس الوزراء.
وإذا عُرف السبب بَطُل العجب.




296
المنبر الحر / قرار الهزيمة
« في: 13:43 10/11/2012  »
شناشيل
قرار الهزيمة
عدنان حسين
بين ردود الفعل المعارضة والمناهضة لقرار الحكومة القاضي بالغاء الحصة التموينية (العينية) كان أفضل وأدق وصف للقرار هو الذي جاء على لسان سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي حميد مجيد موسى الذي قال ان القرار "يشكل هزيمة فعلية أمام الفساد والمفسدين".
القرار هو كذلك بالفعل، بكل معنى الكلمة، مثلما هو عنوان صارخ آخر لفشل الحكومة، بل فشل النظام السياسي القائم برمته، فبعد عشر سنوات من سقوط نظام صدام تضاعفت خلالها عائدات النفط أكثر من عشر مرات فشل نظامنا الحالي في برنامج نجح في نظام صدام في أسوأ اوضاعه في ظل الحصار الدولي القاسي .. فشل نظامنا في تقديم حصة تموينية تساوي نصف كميتها ونوعيتها في عهد صدام، والسبب يكمن في الفساد الذي يعصف بأركان دولتنا عرضاً وطولاً من أعلى مؤسسة فيها الى أدنى دائرة، وهذا بدوره مرتبط بنظام المحاصصة المعتمد في توزيع مناصب الدولة ووظائفها.
مسؤولو الحكومة برروا القرار بتخليص نظام الحصة التموينية من الفساد. هؤلاء لم يسألوا أنفسهم لماذا، وهم الذين يمسكون بناصية السلطة وببيت المال، يعجزون عن القضاء على الفساد في هذا النظام وفي الدولة كلها؟ ولم يسألوا أنفسهم أيضاً: أليس من العدل والانصاف والأخلاق والواجب أن يعلن هؤلاء المسؤولون استقالتهم من وظائفهم ما داموا غير قادرين على أداء مهمتهم في مكافحة الفساد؟
إذا أخذنا بمنطق مسؤولي الحكومة فانه يتعين أن تتوقف وزارة الكهرباء عن تجهيز الناس بالكهرباء وترك المهمة لأصحاب المولدات الأهلية ودفع مبالغ مالية للمواطنين بدلا من ذلك من أجل قطع دابر الفساد المالي والإداري في هذه الوزارة التي تُعدّ واحدة من أكبر الوزارات الفاسدة في دولتنا.
وإن أخذنا بمنطق مسؤولي الحكومة المتحمسين لقرار الغاء الحصة التموينية  فيتعين على وزارة الصحة الغاء تقديم الخدمات الصحية وعلى وزارة الزراعة الغاء تقديم المساعدات للفلاحين والزرّاع وعلى وزارة الاسكان والتعمير الغاء تقديم خدمات الاسكان والتعمير ودفع مبالغ مالية للمواطنين عوضاً عن ذلك، وعلى سائر الوزارات ان تغلق ابوابها وتدفع مبالغ نقدية للمواطنين عوضاً عن خدماتها، فما من وزارة أو مؤسسة أو دائرة أو هيئة في دولتنا نظيفة من الفساد؟
بصراحة تامة اننا نشم رائحة فساد قوية ونفّاذة في قرار الحكومة، ففي العام الماضي تصدّر مطلب زيادة كمية الحصة التموينية وتحسين نوعيتها الشعارات المرفوعة في التظاهرات الشعبية السلمية التي قمعتها الحكومة بوحشية منفلتة، وقد وعد رئيس الوزراء علناً بتحقيق هذا المطلب وسواه، والقرار الأخير لمجلس الوزراء، الذي يمثل انقلاباً شاملاً على وعد رئيس الوزراء، لابد أن يعكس إذعاناً من الحكومة وكبار النافذين فيها لضغوط التجار والوسطاء والموظفين الفاسدين الذين يسعون لتوسيع دائرة نهبهم للمال العام والخاص على السواء.
الآن وفي ظل الرفض الشعبي والنخبوي العارم للقرار فان على الحكومة ليس فقط التراجع عن قرارها وانما أيضاً لإصلاح هذا النظام إصلاحاً جذرياً بما يؤمن انقاذه من الفساد وتحسين نوعية السلة التموينية ووزيادة كميتها لكي تكون جديرة بان يأكلها البشر، والعراقيون بشر اذا لم يكن مسؤولو الحكومة  يعرفون ذلك!






297
شناشيل
منظماتنا الثقافية.. في سبات؟

عدنان حسين

ما نفع اتحاد الأدباء والكتاب وما جدوى وجوده، وما نفع نقابة الفنانين وجمعية الموسيقيين واتحاد السينمائيين وجمعية التشكيليين وجمعية دعم الثقافة وجمعية الثقافة للجميع وسائر الجمعيات والاتحادات والمنظمات الثقافية، وما مبرر وجودها اذا لم تهبّ للدفاع عن الثقافة بفروعها المختلفة وعن حق الناس في التمتع بمنجزات الثقافة بما فيها الموسيقى والغناء والرقص والأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية عندما يقع عدوان من فرد أو جماعة أو مؤسسة على هذه المنجزات ومحال انتاجها وتسويقها؟
الثقافة بفنونها المختلفة أصبحت من الحاجات الأساسية للناس في هذا العصر ومن حقوقهم الثابتة التي لا يجب ان تُنتهك لان انتهاكها يُعدّ انتهاكا للحقوق والحريات العامة والخاصة، ودستورنا الدائم كفل التمتع بهذه الحقوق والحريات وألزم الدولة بتشجيعها وتنميتها ورعاية منتجي الثقافة والمؤسسات والنشاطات الثقافية، وهذا بالذات هو مبرر وجود وزارة الثقافة والاتحادات والجمعيات والمنظمات الثقافية. وهذا الدستور نفسه منع "كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع".  كما منع تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات أو تحديدها "الا بقانون أو بناءً عليه"، مع الإلزام بـ" أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية".
مناسبة هذا الكلام والاشارات الى أحكام الدستور والاستشهادات من مواده، الموقف غير المفهوم، بل المريب، للمؤسسات الثقافية غير الحكومية (اتحاد الأدباء ونقابة الفنانين وجمعية الموسيقيين واتحاد السينمائيين وسواها) حيال ما قام به سياسي يستخدم الدين للأغراض السياسية، هو السيد حازم الاعرجي المسؤول في التيار الصدري في الكاظمية، بترهيب بائعي الأشرطة الفنية ومشتريها علناً منذ أيام.
كنا ننتظر أن تصدر عن هذه المؤسسات بيانات رسمية أو تصريحات لرؤسائها أو الناطقين باسمها تندد بهذا العمل الذي لم يشأ حتى رفاق الأعرجي في التيار الصدري أن يدافعوا عنه فاعتبروه تصرفاً فردياً.
هذا التصرف الفردي يمكن أن يتحول الى حركة ظلامية كاسحة إذا ما التزم اتحاد الأدباء وسائر المؤسسات الثقافية الصمت حياله.
من المؤسف أن نجد هذه المنظمات الثقافية المعول عليها تتحول شيئاً فشيئاً الى نقابة صحفيين أخرى لا همّ لها ولقياداتها غير رضا الحكومة في مقابل ثمن بخس (مليون دينار في السنة!).
هذا الصمت غير المبرر تجاه عدوان الكاظمية وسائر التجاوزات على الثقافة ومؤسساتها ومنجزاتها سيكون ثمنه باهظا للغاية، فالذين ينزلون اليوم الى الشارع ويكسّرون الأشرطة الفنية علناً، وقبلهم الذين منعوا فقرات الموسيقى والغناء والرقص في مهرجانات بابل والبصرة لن يوقفوا زحفهم على الثقافة الوطنية الا بهدم النصب والتماثيل وتحويل المسارح ودور السينما وصالات العروض الفنية والمنتديات الثقافية الى ساحات مفتوحة للضرب بالزنجيل وشج الرؤوس وشق البطون وأكل الزجاج والنواح والبكاء.


298
شناشيل
قرار مروّع لمحكمة كردستانية
عدنان حسين

إذا صحّ الخبر فان محكمة جمجمال (السليمانية) تُقدم أنموذجاً سيئاً بل مروعاً للقضاء، والإدارة عموماً، في إقليم كردستان لا يماثله الا بعض النماذج في مناطقنا العربية. وهذه طامة كبرى لأننا لم نزل نعوّل على الإقليم ليقدم الأمثولة التي نريد لها أن تُقتدى في قسمنا العربي المبتلى بألف محنة ومحنة وأولها وأكبرها محنته مع طبقته السياسية التي لا تتحلى حتى بأدنى الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن كما يتبين من الأزمة السياسية القائمة منذ تشكيل الحكومة الحالية قبل نحو سنتين حتى الآن.
الخبر الذي جاءنا أمس يقول ان محكمة جمجمال أصدرت أمس الاول (الاثنين) أمراً باعتقال كاتب صحفي بعدما نشر مقالاً انتقد فيه أداء المحاكم. المريع ان المقال نشر قبل يوم واحد فقط من إصدار الأمر بالاعتقال، وهو كان بعنوان "لماذا اداء المحاكم ضعيف؟" ونشر في في صحيفة "جرمو" الصادرة بالكردية.
وبحسب ما نُشر أمس على لسان الصحفي فان الأمر بالاعتقال صدر عن مساعد القاضي العام في جمجمال بروين محمد صالح، وان الشرطة تفتش عن الصحفي المطلوب. وهذه المعلومة اكدها مساعد القاضي العام نفسه بقوله  ان المحكمة أصدرت أمراً باعتقال كاتب المقال بحسب المادة (431) من القانون الجنائي العراقي بعدما انتقد باسلوب التشهير أداء المحكمة.
أي محكمة هذه التي لا تصبر على متهمها أكثر من أربع وعشرين ساعة؟ وأي قضاء هذا الذي تأمر محاكمه مباشرة وبهذه السرعة الفلكية باعتقال صحفي انتقد أداء احدى محاكمه ؟ بل أي قضاء هذا الذي لا يتحمل النقد الى درجه انه يذهب مباشرة الى الأمر بالاعتقال؟ (طبعاً مع قضاء من نمط قضاء صدام حسين او معمر القذافي او بشار الاسد لا نستغرب إجراءً كهذا ولكن ما بال قضائنا "الديمقراطي" يمشي في أثر قضاء عتاة الدكتاتوريين؟).
ليس مقبولاً أن يعتقل القضاء أو أي جهة أخرى في الدولة الصحفي بسبب موضوع نشره. حتى لو كان هذا الموضوع ينطوي على تشهير، وهو أمر مخالف لشروط المهنة الصحفية وقواعدها وأخلاقياتها بطبيعة الحال، فان التصرف الصحيح أن يُحال الصحفي الى محكمة النشر لمساءلته وأن يُمكن هذا الصحفي من توكيل محام للدفاع عنه، ولا يصدر أي قرار تعسفي في حق الصحفي قبل أن تستكمل المحاكمة أركانها واجراءاتها القانونية بما فيها الطعن في حكم المحكمة.
في النظام الديمقراطي لا يُعتقل الصحفي بسبب جريمة نشر وانما تُوقع عليه غرامة معنوية تتمثل في الاعتذار الى الجهة التي أساء اليها أو تجنّى عليها من دون وجه حق، وغرامة مادية تتمثل في مبلغ معين يتناسب مع طبيعة  جريمة النشر المرتكبة. دستورنا يقول اننا دولة ديمقراطية، وهذا ما يتعين ان يعرفه قضاة محكمة جمجمال وسائر القضاة في البلاد.




299
المنبر الحر / فرعون الكاظمية
« في: 13:20 06/11/2012  »
شناشيل
فرعون الكاظمية

عدنان حسين

منذ اسبوعين أخذنا على السيد حازم الأعرجي في هذا المكان بالذات انقطاعه عن الحياة والناس وعدم مبالاته بالمشاكل الكبرى التي تعاني منها دولتنا ومجتمعنا (الإرهاب، الفقر، البطالة، الفساد المالي والاداري، الأمية، المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، سوء الخدمات العامة....) الى درجة انه يختار لخطبة يوم الجمعة في الحضرة الكاظمية موضوعاً ثانوياً للغاية بل لا أساس له، هو الغناء وشرب الخمور ولعب القمار والسفور في الكاظمية (اذا كان لهذه وجود ففي البيوت إذ ليس في الكاظمية كما نعرف ملهى ليلي أو حانة أو ناد للعب القمار).
يومها كان الأعرجي قد هدد بالدعاء على المسؤولين الحكوميين ما لم يتجندوا (ربما تحت تحت رايته) لملاحقة السافرات والمغنين وشاربي الخمور ولاعبي القمار (الموجودين في مخيلته التي تتصور وجود ما لا وجود له في شوارع الكاظمية)، ودعوناه الى أن يدعو – مادامت لديه الثقة بان أدعيته مُجابة من الله والانبياء والأئمة – لتخليصنا من الإرهاب والارهابيين والفساد والفاسدين خصوصاً فيكون قد قدم خدمة لا تقدر بثمن لثلاثين مليون عراقي.
لكن السيد الأعرجي بدلاً من ذلك اختار أن يمضي أبعد مما هدد به (الدعاء)، فقد نزل الى الشارع ويتجول بين الدكاكين التي تبيع الاشرطة الفنية غير مكتف بالحديث الى الباعة عما سماه "حرمة" تجارتهم ، وانما اتّبع اسلوباً لا يخلو من اشارات الترهيب بتكسير الأشرطة علناً أمام الدكاكين (بعدما اشترى بعضاً منها)!
ليس في الامكان وصف عمل السيد الاعرجي الا بانه خروج عن القانون.. فرجل الدين يقوم هنا بأخذ القانون بيديه من دون تخويل من صاحب الشأن المكلف بتشريع القوانين وتطبيقها (الدولة).
هذا عمل غير مبرر وغير مقبول، مثله مثل أن يقوم شخص آخر لديه موقف مخالف بأن يجلب فرقة رقص أو غناء الى شوارع الكاظمية، أو أن يشتري ويكسر علناً الأشرطة التي تتضمن خطباً وأدعية دينية ويدعو الباعة الى عدم التعامل بها،فهل سيقبل السيد الأعرجي بهذا؟ ألن يستصرخ الدولة للضرب بيد من حديد على فاعل مفترض كهذا؟
استناداً الى أي دستور وطبقاً الى أي قانون شرّعه مجلس النواب أو قرار اتخذته الحكومة قام الاعرجي بفعلته هذه؟ وبأي حق يتفرعن السيد الاعرجي على الناس فيُرهب باعة الاشرطة الفنية ومشتريها بهذه الطريقة؟
السيد الاعرجي من قيادات التيار الصدري وكان عليه ان يفكر مئة مرة قبل الاقدام على فعل يمكن أن يتسبب في جلب النفور والكراهية لتياره.
الدولة من جانبها، وهي المكلفة والمفوضة من المجتمع بادارته وحفظ السلم الأهلي، مطالبة بان نرغم السيد الأعرجي على الالتزام بدستور البلاد وقوانينها، والا فانه وأمثاله لن يترددوا لاحقاً في أن يقتحموا علينا بيوتنا ويروّعوا عائلاتنا.



300
المنبر الحر / جعجعة أم طحن؟
« في: 16:58 05/11/2012  »
شناشيل
جعجعة أم طحن؟
عدنان حسين

لا يمر شهر، بل أسبوع في بعض الأحيان، من دون أن نقرأ أو نسمع عن حملة قد نظمتها أو على وشك ان تباشرها أمانة بغداد لرفع التجاوزات الحاصلة على الأرصفة والشوارع، لكننا في كل هذه المرات كنا كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحناً، فشوارع العاصمة وأرصفتها تعجّ وتضجّ بالتجاوزرات، ومن الصعب استثناء رصيف أو شارع واحد.
آخر ما قرأنا وسمعنا عنه هو التوجيه الصادر منذ أيام قلائل عن أمين بغداد بالوكالة الجديد السـيد عبد الحسين المرشدي الى دائرة الأمن والحراسات والدوائر البلدية التابعة للامانة بالتنسيق مع قيادة عمليات بغداد "للمباشرة بإزالة جميع التجاوزات الصارخة على الأرصفة والشوارع التي تعيق تقديم الخدمات وفقاً للقانون".
أكثر التجاوزات شيوعاً وأشدها إزعاجاً للمارة على الأرصفة، وبخاصة في الشوارع الرئيسة للعاصمة، هي التي أباح فيها أصحاب المحال والدكاكين وباعة البسطيات لأنفسهم احتلال القسم الأعظم من الأرصفة بما لا يدع مجالاً للمارة بالسير على الأرصفة والاضطرار بالتالي الى النزول الى الشوارع ومزاحمة السيارات، وهو ما يتسبب أيضاً في حوادث صدم ودهس.
هذه التجاوزات امتدت الى الأحياء السكنية حيث تتمدد مقاه ومطاعم ودكاكين على الأرصفة، فيما عمد آخرون من أصحاب البيوت الى قطع الاجزاء من الأرصفة التي تطل عليها بيوتهم فألحقوها ببيوتهم بعد تسييجها بألواح الصفيح.
وراء هذه الظاهرة غياب القانون بالتأكيد.  لكن القانون غائب في شوارع العاصمة (وفي سائر المدن) ليس فقط لأن رجال تطبيق القانون غير موجودين أو غير معنيين بتطبيق القانون، وانما أيضاً لأن بعضاً منهم متواطئ مع المتجاوزين، وهذا يشمل بعض الموظفين في الأمانة أيضاً (والدوائر البلدية في المحافظات).. انه جزء من منظومة الفساد الإداري والمالي الممتدة في كل مفاصل الدولة وزوايا المجتمع.
نأمل أن نرى هذه المرة طحناً من الأمانة ودائرة الأمن والحراسات والدوائر البلدية التابعة لها، فتفي بوعدها وتنفذ وعيدها والا تكون كالأنظمة العربية في تهديداتها لاسرائيل.
لكن مشكلة بغداد  - وسائر مدننا – لا تنحصر في التجاوزات على الشوارع والأرصفة، فالأزبال التي تتكدس على هذه الأرصفة وفي الشوارع التي يحفل بعضها بالمياه الآسنة حتى في عزّ الصيف لا تليق هي الأخرى بعاصمتنا التاريخية، فضلاً عن تهديدها الصحة والبيئة بأخطار حقيقية.
يُضاف الى ذلك ان الشوارع تحتاج الى المزيد من التشجير والى ترتيب معبر للمارة وتطبيق نظام الإشارات الضوئية، فحال العاصمة لا تتحسن وشوارعها لا تعود تسر الناظرين بمجرد رفع التجاوزات التي يمكن أن تعود في أي وقت مع ازدهار الفساد الاداري والمالي.
هل سنرى طحناً هذه المرة من الأمانة أم نظل نسمع جعجعة وحسب؟
                         

301
شناشيل
لماذا أمننا غير مستتب؟
عدنان حسين
منذ بضعة أشهر أجريت تغييرات في القيادات الأمنية فعُيّن البعض في مواقع ونُقل آخرون الى مواقع فيما تعرض البعض الى ما يشبه حال سحب اليد. يومها أيّد وعاظ سلاطين الحكومة تلك التغييرات وبرروها بحماسة وبدوا كما لو انهم يبشرون بعهد جديد زاهر بالأمن والأمان.
ويبدو ان حسابات الحقل لدى من قام بتلك التغييرات ومن تحمّس لها لم تطابق حسابات البيدر، فمنذ أيام قلائل اجتاحت القيادات الامنية حملة تغييرات جديدة كان عنوانها الأبرز التراجع عما جرى في الحملة السابقة.
بالطبع ليس من الصحيح الا تجري تغييرات إن في الأجهزة الأمنية أو في سواها،  فالنظرية رمادية اللون وشجرة الحياة خضراء دائماً كما قال الشاعر الألماني الشهير غوته، لكن من غير الصحيح أن تُصبح التغييرات هي القاعدة.
لماذا يحدث هذا التغيير المتكرر في القيادات الامنية تحديداً؟
غالبا ما تحدث التغييرات بعد تعرض البلاد الى موجة إرهابية عاتية جديدة حيث تتسرب معلومات عن اكتشاف تقصير أو خلل في جهاز ما أو موقع ما أو أكثر. وهذا التقصير أو الخلل أمر طبيعي ما دام القادة الأمنيون لا يُعيّنون في مواقعهم ومناصبهم وفقا للأسس المهنية والاعتبارات الوطنية.
في التسريبات المنشورة بشأن التغييرات الأخيرة وجدنا ان هذا القائد الأمني من منظمة بدر وذاك من المجلس الأعلى وآخر من حزب الدعوة أو الفضيلة وغيره من التحالف الكردستاني.
العملية السياسية فشلت فشلت ذريعاً لانها أنشئت على أساس المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، ولذلك بدلاً من أن تساعد هذه العملية في إخراج الناس والبلاد من الهوة السحيقة التي صنعها نظام صدام فانها زادت من اتساع تلك الهوة ومن عمقها.
تشكيل الأجهزة الأمنية على صورة البرلمان والحكومة هو الذي يقف وراء الفشل الذريع في مواجهة هذه الأجهزة للارهاب والجريمة المنظمة وفي تحقيق الأمن والأمان.
من سابع المستحيلات ان يتوطد الأمن ويتحقق الآمان فيما اجهزة الأمن وقياداتها متوزعة الولاء طائفياً وقومياً وحزبياً. الأمن في بلاد مثل بلادنا يتطلب ان تكون الاجهزة الامنية وقيادتها فوق الميول والاتجاهات عن حق. لا بد من ابعاد أجهزة الأمن والدفاع جميعا عن السياسة، وتحريم العمل السياسي على كل العاملين في السلك العسكري والأمني.
ان دولاً عدة في العالم تحرّم على العسكريين وعناصر الشرطة والأمن حتى التصويت في الانتخابات، وهذه الدول جميعاً تعيش في أمن وأمان. نحن نحتاج الى هذا أكثر من أي شعب آخر في العالم.



302
المنبر الحر / الفرق في القيراط
« في: 14:20 03/11/2012  »
شناشيل
الفرق في القيراط
عدنان حسين
أفترض ان الفنانين الكبيرين يسرا وعادل إمام لم يبتئسا أو ينزعجا مما اتهمهما به أحد شيوخ السلفية في بلادهما، مصر. بل أكاد أجزم ان كلاً منهما قد ابتسم ابتسامة عريضة للغاية وهو يقرأ أو يسمع عن هذا الاتهام، وربما ضحك وأطلق تعليقاً ساخراً على الطريقة المصرية المألوفة.
 الشيخ السلفي هو الداعية أحمد محمد محمود عبد الله الشهير بـ"الشيخ أبو إسلام" الذي يترأس قناة "الأمة" التلفزيونية (مديرها التنفيذي ابنه إسلام). وقد اتهم الفنانين بانهما مارسا الجنس مع بعضهما البعض اكثر من مئة مرة.
"أبو إسلام" وجه هذا الاتهام في معرض تقريعه لزميله الشيخ عبدالله بدر الذي سبق أن اتهم الفنانة الهام شاهين بالزنا والعري باسم الفن. وهذا الاتهام قائم على واقع ان الفنانة شاهين تمثل للسينما والتلفزيون وفي المسرح، فالشيخ بدر الذي ربما لا يباريه أحد في اعلان التمسك بأهداب الدين والالتزام بتعاليمه والانصياع لأحكامه ليس لديه اي دليل على صحة اتهامه للفنانة الكبيرة المبدعة (حكم الاسلام في قضية الزنا ان يكون هناك اربعة شهود يعلنون انهم شهدوا المواقعة ورأوا بأم العين عملية الايلاج كما المرود في المكحلة).
الشيخ السلفي "أبو إسلام" اختار ان يبرئ الفنانة شاهين من تهمة زميله ويلومه لأنه لم يلتفت الى "قضية" يسرا وعادل إمام. فكما نقلت الصحف عنه قال مخاطباً الشيخ عبدالله بدر "الهام شاهين يا شيخ عبدالله أطهرهم وكان عليك أن لا تسكت عن يسرا لأن عادل إمام عاشرها جنسياً أكثر من مائة مرة"!
افتراضي عدم مبالاة يسرا وعادل إمام بهذا الاتهام السلفي ان الفنانين الكبيرين لابد أن علّقا بالقول:" وما أدراك يا شيخ؟". نعم ما أدرى شيخ سلفي بممارسة يسرا وعادل امام الجنس أكثر من مئة مرة؟ لابد انه هو من كان يسهّل لهما اللقاءات السرية ويوفر مستلزمات ممارسة الجنس بينهما، كأن يؤجرهما شقة مفروشة يمتلكها أو يراقبهما ويتلصص عليهما من مكان قريب الى درجة انه أحصى عدد المرات بما يزيد عن المئة بالتمام والكمال.
لمن لا يعرف فان من "مناقب" الشيخ "أبو إسلام" انه اظهر علنا ازدراءه الدين المسيحي والإنجيل الذي مزقه وبال عليه في مظاهرة أمام السفارة الأميركية في القاهرة رداً على الفيلم الأميركي التافه المسيء للنبي محمد، ولهذا السبب أحال النائب العام المصري هذا الشيخ السلفي وابنه اسلام وصحفيا يعمل في قناتهما إلى الجنايات الجنائية العاجلة بتهمة ازدراء الدين المسيحي.
نعم الشيخ أحمد محمد محمود عبد الله "أبو إسلام"، كما زميله عبدالله بدر، من الأمثلة الصارخة لشيوخ السلفية المتطرفة، لكنهما في نهاية المطاف أنموذج للسياسي الاسلامي الذي يستخدم الدين لأغراضه السياسية.  والواقع ان كل اسلاميي السياسة هم على هذه الشاكلة .. والفرق في العيار، فأبو إسلام وبدر 24 قيراط وغيرهما 21 وآخرون 18 أو 16.


303
المنبر الحر / نصب الجبايش
« في: 17:12 01/11/2012  »
شناشيل
نصب الجبايش
عدنان حسين

ما أسعد أهل الجبايش والمناطق المحيطة بها ! وما أهنأ عيشهم ! وما أرقى حياتهم! وما أرغد مستقبلهم! فبينما يشقى سائر العراقيين  في مختلف مدنهم وبلداتهم وقراهم وبواديهم مرة بسبب الكهرباء وأخرى بفعل البطالة والفقر وغيرها تحت وطأة الفساد الإداري والمالي ورابعة من سوء الخدمات الصحية والتربوية والبلدية، أنعمت دولتنا على أهل الجبايش بنصب كبير  للشهداء ومهبط لطائرات الهليكوبتر!
بكل فخر احتشد منذ أيام في الجبايش المسؤولون في محافظة ذي قار مع وزير الدولة لشؤون الأهوار ورئيس مؤسسة الشهداء ليشهدوا افتتاح نصب الشهداء الذي بلغت كلفته 23 مليار دينار (20 مليون دولار أميركي) فقط لا غير!! وهو مبلغ انتفعت بجزء معتبر منه شركة تركية ومعها دزينة في الأقل من المسؤولين الفاسدين إدارياً ومالياً.
ربما استبشر أهالي الجبايش بالحدث وهم يُساقون الى مكان الاحتفال، وفكّروا ان هذا النصب ومهبط الطائرات فاتحة لتدفق الخير العميم عليهم،  فلابدّ بعد النصب ومهبط الطائرات ستأتي الحصة التموينية الفاخرة  والكهرباء التي لا تنقطع 15 أو 16 ساعة في اليوم والماء الصالح للشرب والأطباء والأدوية والمستوصفات والمدارس الحديثة والوظائف ودور السكن العصرية والطرق المبلطة ووسائط النقل العام متدنية الأجور والمعدات والآليات اللازمة للزراعة الحديثة الكثيفة ولتنمية الثروة الحيوانية وسواها مما تفتقر اليه الجبايش وكل أرياف العراق. لكن أهل الجبايش ما لبثوا، بعد انفضاض الاحتفال، أن أدركوا انهم كانوا من المُغفلين أو الحالمين في أحسن الأحوال، فالذين حضروا من المسؤولين انما لزوم التصوير فحسب.
لن يبتزنا الذين كانوا وراء النصب ومهبط الطائرات، فكرة وتنفيذاً، بالقول ان القضية تخصّ مناضلين قدموا حياتهم من أجل حرية الشعب وكرامة الوطن، فأولئك المناضلون لم يستشهدوا من أجل نصب ومهبط طائرات يفتتحهما ويحشد الناس للاحتفال بهما موظفون نصفهم في الأقل فسدة وانتهازيون لا شأن لهم ولا علاقة بالنضال والمناضلين والشهادة والشهداء.
لن يبتزونا، فالشهداء كانوا يسعون الى وضع حد للحروب والخراب، والى ان يتمتع العراقيون بخيرات بلادهم في ظل الحرية والديمقراطية .. لم يبذلوا أرواحهم ودماءهم حتى يبقى أهل الجبايش وسائر المدن والبلدات والقرى على فقرهم المزمن وتخلفهم المتوارث يكابدون الجوع والمرض ونقص الخدمات الأساسية بعد عشر سنوات من اسقاط نظام صدام وفي دولة يزيد دخلها السنوي من النفط وحده عن 100 مليار دولار.
كان سيكون أكبر تقدير للشهداء وأعظم تمجيد لمآثرهم البطولية لو أنفقت الثلاثة وعشرون مليار دينار على بناء مستوصفات ومدارس وشق طرق في الجبايش وحواليها تجعل حياة ابناء الشهداء وذويهم الآخرين أهنأ، فهذا بالذات ما ناضل من أجله المناضلون واستشهدوا.
لم يرتفع نصب الجبايش ولم ينبسط مهبط طائرات الهليكوبتر من أجل الشهداء، بل في سبيل أن يصبح الفاسدون أكثر فساداً .. هذا هو المردود الوحيد بالتأكيد لما حصل في الجبايش منذ أيام.



304
المنبر الحر / محنة تفاح برواري
« في: 15:06 31/10/2012  »
شناشيل
محنة تفاح برواري
عدنان حسين
تذهب الى الدكان. تطلب فواكه مجففة، فيخيّرك المعروض بين التركي والسوري والايراني. وتسأل عن المربيات فلا تجد بين المعروض غير التركي والسوري والإيراني أيضاً. تستفهم عن العراقي فيجيبك البائع بنظره مندهشة: ماكو! حتى الفواكه الطازجة تجد العولمي منها (نسبة الى العولمة، وهو المستورد من الجيران والبلدان البعيدة) ينافس الوطني بشراسة لانخفاض أسعاره.
بدعوة من صديق كريم أمضيت ثلاثة من أيام العيد في إقليم كردستان، اثنان منهما في منطقة برواري بالا وما يحيط بها.. كانت عطلة رائعة مع الطبيعة الساحرة والهدوء الساحر والأمن الساحر هو الآخر. مع ذلك لم تخلُ مما يتسبب في غصة في الحلق وأسى في النفس، فثمة تفاصيل في الصورة ناقصة أو غائبة لو حضرت كانت الصورة الكاملة ساحرة هي الأخرى.
تشتهر برواري بالا بفواكهها وبخاصة التفاح. وكلما التقيت الصديق عبدالسلام برواري سألته عن تفاح برواري فيجيبني:"دمره تفاح العولمة". كيف يا صديقي؟ يقول: تفاح العولمة أرخص وأطول مكوثاً في الدكاكين والمخازن.
الآن هو موسم التفاح في برواري. وتفاح برواري بالا يُثقل على أشجاره، والساقط منه يغطي أرضيات بساتينه. أفكر بان هذه الكميات الكبيرة من التفاح ألم يكن جديراً بان تأخذ طريقها إلى الأسواق بدلاً من فواكه العولمة أو إلى معامل المربيات والفواكه المجففة؟ يجيب أهل برواري بان تكاليف النقل إلى المدن مرتفعة، أما المعامل التي أفكر بها فلا وجود لها.
في موازنة العام المقبل تقترح الحكومة 19.86 ترليون دينار (16.5 مليار دولار) للأمن والدفاع و4.2 ترليون دينار(3.5 مليار دولار) للزراعة والصناعة معاً. أتساءل في داخلي وأنا أرى تفاح برواري بالا يفسد في بساتينه (مثله بالتأكيد تفاح ديالى وكربلاء وسواهما من الأقصى الشمالي للعراق حتى أقصاه الجنوبي، ومثله أيضا البرتقال والرمان والعنب وسواها من الفواكه والخضار الوطنية).. أتساءل: ما ضرّ لو أنقصنا نفقات الدفاع ثلاثة تريليونات دينار أو أربعة وأضفناها إلى موازنة الزراعة والصناعة؟
ما من عراقية أو عراقي يريد أن نحارب أحداً، فلا نحتاج الى الأسلحة الفتاكة .. نحتاج فقط الى أجهزة فحص ومراقبة وكشف متطورة لملاحقة الإرهابيين وإبطال مخططاتهم والأسلحة والذخائر التي تكفي لحفظ الأمن الداخلي.
ثلاثة تريليونات دينار أو أربعة كفيلة بأن تُحيي أراضي بوراً أو متصحرة وتقيم مشاريع ري وبزل وتنشئ معامل لتجفيف الفواكه وصنع المربيات منها، فنحول بذلك  دون خروج دولاراتنا إلى تركيا وسوريا وإيران وسواها، ونُمكّن زراع التفاح وسواه في برواري بالا وغيرها من الانتفاع بمحاصيل بساتينهم .. وكذلك، وهذا مهم ، ان نمكن مواطنينا من التغذي بتفاح برواري بالا ذي الطعم اللذيذ وسواه من فواكه الوطن وخضاره.
من أين لنا العقلية التي تفكر بالتفاح والعنب والرمان والحنطة والذرة والشعير والطماطة والخيار أكثر مما تفكر بالطائرات الحربية والدبابات؟


305
شناشيل
بين الشبيبي والسوداني
عدنان حسين
لا يمكن أن يكون الأمر الا كما وصفه وحلله محافظ البنك المركزي المقال في انقلاب آخر على الشرعية (الدستور) خططت له رئاسة مجلس النواب ونفذته رئاسة الحكومة التوّاقة الى إعادة البلاد الى حظيرة الدكتاتورية والهيمنة والتسلط. فالدكتور سنان الشبيبي اعتبر  ان "هناك دوافع سياسية تقف وراء إثارة هذا الموضوع في البرلمان والاعلام والمؤسسات التي لا تفقه آلية عمل البنك المركزي, ما خلق فوضى كبيرة من دون الرجوع الى البنك لشرح الموضوع".
المنطق والقانون والأخلاق والأعراف، بما فيها منطق وقوانين وأخلاق وأعراف المجتمعات الوثنية ومنطق وقوانين وأخلاق وأعراف البلدان الأكثر تخلفاً كالصومال،  تقضي بانه في حال وجود قضية فيها شبهات تُرفع مع أسانيدها الى القضاء الذي يطلب سماع مرافعات كل من المدعي والمدعى عليه مفسحاً في المجال أمامهما لتقديم كل ما يمكن أن يسند موقف كل منهما، فغاية القضاء وهدفه ومبتغاه تحقيق العدالة والانصاف وليس الظلم والانتقام.
في قضية البنك المركزي لم تتصرف دولتنا بمنطق المجتمعات الوثنية وقوانينها وأخلاقها وأعرافها ولا بمنطق البلدان الأكثر تخلفاً وقوانينها وأخلاقها وأعرافها. فبينما كان محافظ البنك المركزي يمثل البلاد في مؤتمر مالي دولي في اليابان دُبر في ليل ونُفذ في ساعات، وربما دقائق، أمر اصدار مذكرة بتوجيه اتهام بالفساد الى الدكتور الشبيبي وبالقاء القبض عليه كما لو ان القضاء كان قد عقد محاكمة مكتملة الأركان لمحافظ البنك المركزي وانتهى به الأمر الى إدانته إدانة لا ريب فيها ولا شك، لا يأتيها الباطل من أمام أو من خلف ولا من فوق او من تحت!
 لا يمكن أن يكون وراء ذلك الا أهداف سياسية لجهة لها مصلحة في أن تجري الأمور بخلاف ما يقضي به المنطق والقانون والأخلاق والأعراف حتى في المجتمعات الوثنية والبلدان الأكثر تخلفاً. وهذه الأهداف تتلخص في الخلاص من هذه الشخصية الوطنية الكفئة والنزيهة التي تدير البنك المركزي، وبسسب وطنيتها وكفاءتها ونزاهتها رفضت أن تنتهك الشرعية (الدستور) وتجعل من البنك ملحقاً بالحكومة أو مؤسسة تعمل وفقاً لمشيئة رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب خدمة لمصالهما الشخصية والحزبية.
لو لم تكن هناك أهداف سياسية وراء الإقالة غير الشرعية لسنان الشبيبي لكانت دولتنا قد تصرفت مع الشبيبي في الأقل كما تصرفت مع وزير التجارة الأسبق عبدالفلاح السوداني الذي تركته هذه الدولة "يمشي بطوله" داخل البلاد وخارجها حتى اثناء محاكمته وسمحت له بالمغادرة من المطار الدولي بسلام وأمان وترف بالرغم من وجود قضايا أخرى مقامة عليه تتعلق بالفساد المالي والإداري. وها هو يلعب خارج البلاد بالملايين المنهوبة من المال العام ولا أحد في رئاسة الحكومة أو رئاسة البرلمان يطلب من الانتربول القاء القبض عليه وارساله الينا مخفوراً (ليس هو الوحيد فهناك عشرات مثله).
لماذا كل هذه المعاملة الفخمة للسوادني؟ ولماذا كل هذه المعاملة الشنيعة للدكتور الشبيبي؟ لا بد ان وراء ذلك دوافع وأسباباً سياسية، فالسوداني قيادي في أحد فروع حزب الدعوة الاسلامية الحاكم بخلاف الدكتور الشبيبي المكتفي والمعتز بهويته الوطنية العراقية فحسب.




306
المنبر الحر / نظام الفلس
« في: 15:03 23/10/2012  »
شناشيل
نظام الفلس
عدنان حسين
أمس كتب الاستاذ عادل عبد المهدي في مقاله اليومي الموجز (صحيفة العدالة) عن قضية البنك المركزي، منوهاً، وهو العارف والمتخصص، بما حققه البنك من نجاحات متميزة لم تحقق مثلها أي مؤسسة أخرى في الدولة، وداعياً الى عدم تخريب "مؤسسة ناجحة لأخطاء ونواقص وشبهات لا بد أن تقع فيها، وتكون كبش فداء لسياسات النظام الفاشلة".
عبد المهدي، العارف والمتخصص مرة أخرى، ختم مقاله بعبارة ذات مغزى كبير، فهو وصف النظام السياسي ذا السياسات الفاشلة القائم في بلادنا الآن بانه "الذي يلاحق الفلس ولا يرى خسارة الدينار أو ربحه".
هذه في الواقع واحدة من أكبر مشاكلنا مع هذا النظام .. مع الطبقة السياسية المتنفذة (في الحكومة والبرلمان). فهو نظام يلاحق أصغر الصغار بين الفاسدين بينما كبار الفسدة الذي ينهبون المال العام بمئات ملايين الدولارات وبالمليارات أحياناً، فان حكومتنا وبرلماننا  ليس فقط يتبعان معهم تكتيك "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم"، وانما أيضاً تُسهّل لهم طرق الفرار من البلاد ليلتحقوا بالملايين التي هرّبوها من قبل، وفوق هذا كله يُعاملون معاملة "في آي بي" (شخص مهم للغاية).، فتُفتح لهم صالات الشرف في المطارات ويُمكنوا من الجلوس في مقاعد الدرجة الاولى، ويدافع عنهم مسؤولو دولتنا علناً بوصفهم "ناس شرفاء" كما حصل مع وزير التجارة الأسبق المحكوم بالسجن بضع سنوات عن قضايا فساد مالي وإداري كبيرة ولم تكلف الدولة نفسها لملاحقته والاموال التي فرّ بها.(رجاء استدعوا الى الذاكرة أسماء الوزراء والنواب وغيرهم من مسؤولي هذه الدولة الذين خرجوا بالجمل بما حمل ولم يعودوا، ولن يعودوا).
الموظفون الصغار المرتشون والمزورون يُلاحقون ويُشرشحون، أما كبار المرتشين والمزورين فلا تجد دولتنا ضيراً من وجودهم في العالي من مناصبها... صغار البعثيين يجري اجتثاثهم وفقا لقانون المساءلة والعدالة حتى لو كانوا طباخين وفراشين، الا ان كبار ضباط الأمن والمخابرات، وبعضهم قتلة وجلادون، فيجري استخدامهم في أخطر المؤسسات العسكرية والأمنية.
انه نظامنا الفاشل الذي "يلاحق الفلس ولا يرى خسارة الدينار أو ربحه" يبطش بالكفاءات المرموقة والشخصيات الوطنية الشريفة والنزيهة كالدكتور سنان الشبيبي، ويعزز ويرقي من مكانة الفاسدين والمرتزقة والوصوليين.
أول من أمس وجه الرئيس جلال طالباني نداء الينا نحن الاعلاميين ومؤسساتنا، لكي ندعم جهوده الخيّرة من أجل إخراج البلاد من مأزقها السياسي المترتبة عليه مآزق اجتماعية واقتصادية عدة. وفي هذا السياق دعا الرئيس الى وقف أي " حملات اعلامية تشحن الأجواء وتعيق جهود الحوار والمصالحة والتفاهم".
انها دعوة سليمة وفي مكانها ووقتها، لكن ليس الإعلام من يتحمل المسؤولية عن هذه الحملات أو عن المأزق السياسي .. نظامنا السياسي هو المسؤول، والنخبة السياسية المتنفذة هي المسؤولة .. الاعلام لا يصنع الأحداث .. انه يعكسها، وحملات الاتهام والشتيمة والمنابزة والتسقيط والتدليس يبادر اليها ويواصلها السياسيون متكئين على حصانتهم التي من فرط جهلهم في السياسة والادارة لا يعرفون انها لا ينبغي ان تحصن من المساءلة أمام القضاء، لو كان قضاؤنا مستقلاً ونزيهاً وعادلاً.
إذا كان هناك إعلام منخرط في الحملات التي عناها رئيس الجمهورية فهو "الإعلام" الذي تغدق عليه أطراف نافذة في دولتنا بالمال والامتيازات.




307
المنبر الحر / للخريجين وسواهم
« في: 15:40 22/10/2012  »
شناشيل
للخريجين وسواهم
عدنان حسين

نشرتْ صحف أمس إعلاناً من الأمانة العامة لمجلس الوزراء يدعو الباحثين والخبراء ومراكز الدراسات الحكومية والمستقلة ومنظمات المجتمع المدني إلى تقديم أبحاث ودراسات عن معالجة بطالة الخريجين (حصراً) "متضمنة المقترحات والمعالجات من زاوية الاختصاص لتعرض على اللجنة التحضيرية للمؤتمر (لا يفيد الإعلان بشيء عن عنوان المؤتمر!) لاختيار المناسب" كما جاء في الإعلان الذي يعد بـ"مكافأة مناسبة للبحوث المميزة".
اهتمام مشكور من الأمانة العامة بقضية كبيرة في مجتمعنا، بل معقدة لأنها لا تتعلق فقط بإيجاد وظائف مناسبة للخريجين وإنما أيضاً بطبيعة النظام التعليمي الخربان والتالف والمتهالك من قمة الرأس في الجامعات حتى أخمص القدمين في المدارس الابتدائية.
على أية حال، عندما قرأت الإعلان فكرت في الاستجابة والمشاركة في المسابقة مع أنني لست من الباحثين المعول عليهم علمياً، ومساهمتي لن تكون طويلة. إنها بطول هذا العمود، وهي تركز على عدم الحاجة إلى المؤتمر العتيد وأبحاثه ودراساته. فهذه الأبحاث والدراسات ستلفّ وتدور حول الحقيقة المعروفة للجميع، هي أن عطالة الخريجين والشباب عموماً واحدة من مشاكلنا الاجتماعية الكبيرة. ستتوسع الأبحاث والدراسات وتتشعب، وكما تنطلق من نقطة واحدة هي الإقرار بكبر المشكلة ستنتهي إلى نقطةٍ هي مسؤولية الدولة والمجتمع عن وضع الحل للمشكلة. مجتمعنا متعب، بل منهك، وليس لديه حل.. الدولة هي صاحبة الحل والعقد، ولديها فقط العصا السحرية القادرة على فتح أبواب المستقبل للخريجين وسواهم من العاطلين، فهي (الدولة) تنام وتصحو على كنز هائل في ضخامته وقيمته (100 مليار دولار سنوياً من النفط وحده).
بجزء يسير من هذا الكنز يمكن حل مشكلة الخريجين جذرياً. هذا الجزء لن يؤخذ من حصة الأمن أو الخدمات أو البيئة والصحة أو التعليم وسواها من المجالات.
من أين إذن الأموال الكفيلة بحل المشكلة؟
اجتهادي واقتراحي أن تضبط الحكومة الأمور لمدة ثلاث سنوات في مجال الفساد المالي والإداري بما يضمن التقليل من حجم ما ينهبه الفَسَدة من المال العام.
الجميع من دون استثناء يتحدث عن حقيقة تفشي الفساد في الدولة: رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الوزراء ونوابه ورئيس البرلمان ونوابه والوزراء والنواب والوكلاء والمدراء ، حتى الفسدة منهم لا ينفون واقع الفساد.
فساد بهذا الحجم لا بد أن يستحوذ على 20 في المئة من الموازنة العامة السنوية (20 مليار دولار).. فلتضبط الحكومة الأمور بحيث لا تسمح للمفسدين بان ينهبوا أكثر من نصف هذا المبلغ (عشرة مليارات). تعقد الحكومة اتفاق جنتلمان مع المفسدين بان تشاركهم بالمبلغ (فيفتي فيفتي).. النصف الأول لهم والنصف الثاني (عشرة مليارات) تخصصه الحكومة للزراعة والصناعة حصراً. هذه المليارات العشرة ستعمل تنمية انفجارية على صعيد الزراعة والصناعة ( في موازنة 2012 خصص ما يعادل ملياري دولار للزراعة وأقل من مليار و200 مليون دولار للصناعة). ولكم أن تتخيلوا ما ستفعله ستة مليارات دولار تخصص للزراعة سنوياً وأربعة مليارات للصناعة..هذه المليارات ستعيد العراق أرض سواد كما كان في الماضي وستبعث الحياة في كل مصانع البلاد، وهذا بدوره سيوفر فرص العمل لكل الخريجين وغيرهم.
في ظني أن هذه ستكون أهم معالجة من المعالجات التي يتطلع إليها مؤتمر الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
اسمعوا مني أيها السادة ولا تبالوا بما ستقوله الأبحاث والدراسات الأخرى. اخفضوا منسوب الفساد المالي والإداري ليرتفع عالياً منسوب تشغيل العاطلين، خريجين وغير خريجين.


308

شناشيل
يرحمكم الله .. يا شيخ الأعرجي
عدنان حسين

كمن يصمت دهراً وينطق كفراً خرج علينا السيد حازم الأعرجي بخطبة "عصماء" هذه الجمعة تجنّبت الخوض في المشاكل الكبرى التي يعانيها مجتمعنا والأزمات المهلكة التي تكابدها دولتنا بسبب سوء الإدارة من جانب الحكومة والبرلمان كليهما، وامتنع عن التنديد بمظاهر الفساد المالي والإداري وأمسك عن استنكار تصرفات القيادات السياسية التي لا تؤدي التزاماتها الدستورية، واختار أن يطير ويغرّد بعيداً خارج السرب.
السيد الأعرجي ركّز في خطبته على قضية دخول السافرات الى مدينة الكاظمية، فطالب الحكومة بفرض حظر على دخولهن الى المدينة "للحفاظ على قدسيتها وعدم تدنيسها". ويبدو لي أن السيد هنا في منتهى الجهل بالتاريخ، وبالذات تاريخ مدينته، فالسفور الحديث ظهر وانتشر في بغداد منذ ثمانين سنة تقريباً، ومثل كل ضواحي وأحياء بغداد كانت السافرات يدخلن الى الكاظمية للتبضع وحتى للزيارة (يجلبن عباءاتهن معهن أو تُقدم اليهن عند مدخل الحضرة الكاظمية) ومع هذا احتفظت الكاظمية بقدسيتها ولم تُدنس. فما علاقة القدسية والتدنيس بالسفور؟
السيد الأعرجي طالب الحكومة بتطبيق أربع لاءات في الكاظمية: الغناء والسفور والخمور والقمار. ولعلم السيد فأن في مدينة الكاظمية كما في مدن العراق الأخرى هناك من يغني ومن يشرب الخمرة ومن يلعب القمار، وليس في وسعه هو ولا في وسع الدولة أن تمنع ذلك مطلقاً. ولعلمه أيضاً فان هذه الاشياء موجودة على نطاق واسع في إيران والسعودية اللتين تحظران ذلك حظراً تاماً شاملاً!.
السيد الاعرجي، العراقيون يريدون الكهرباء.. يريدون النظافة لشوارعهم.. يريدون مكافحة الفساد المالي والاداري.. يريدون حلّ مشكلة البطالة بين الخريجين والشباب عموماً.. يريدون مكافحة الفقر والأمية.. يريدون قيام نظام صحي ونظام تعليمي ونظام نقل ومواصلات تليق ببلد دخله من النفط وحده 100 مليار دولار في السنة.. يريدون حصة تموينية "مال أوادم".. يريدون الاهتمام بضحايا الإرهاب وذوي الشهداء .. يريدون رعاية الأيتام والأرامل والعجزة المعوزين.. يريدون الاهتمام بالزراعة والصناعة... يريدون نظام رقابة يضمن عدم دخول الأغذية الفاسدة والسلع المغشوشة والرديئة الى البلاد.. يريدون.. ويريدون.. ويريدون... فعرب وين طنبورة وين يا سيد!؟
السيد الأعرجي، المثل يقول :"أقعد أعوج واحكي عدل" وأنت هنا لا تحكي العدل، فأنت تقف الى جانب هؤلاء الذين هم السبب في استمرار شقاء العراقيين ومحنتهم وآلامهم بسكوتك عن أفعالهم وعمّا ينبعي التحدث فيه وسعيك لصرف الانتباه الى قضية لم تكن مشكلة في الماضي وليست هي كذلك الآن. ألم ترَ الى معتمد المرجعية العليا خطيب الجمعة في كربلاء الذي ينتهز الفرصة الأسبوعية ليضع الأصبع على واحد من الجروح العراقية الغائرة بعمق؟ لماذا لا يكون هذا الشيخ الجليل ذو الحس الإنساني والوطني قدوة لك؟
السيد الأعرجي، أنت تهدد بإقامة مجالس دعاء على المسؤولين الذين تقول إنهم لا ينفذون القرارات بمنع السافرات من دخول الكاظمية، واذا كانت الأدعية تحقق ما تريد وتشتهي فلماذا لم تقم مثل هذه المجالس في تورنتو الكندية للخلاص من نظام صدام؟ لماذا تركت الأميركيين يجتاحون البلاد ويهيئون الظروف لكي تعود إلى البلاد وتكون خطيب جمعة الكاظمية؟ ولماذا لا تقيم مجالس الدعاء لتخليصنا من أعمال الارهاب المتواصلة؟ ولماذا لا تقيم مجالس الدعاء ضد الفاسدين والمفسدين من السياسيين ومسؤولي الدولة؟
أجيبونا يرحمكم الله يا سيد.
"المدى" – 21/10/2012

309
شناشيل
أسئلة .. لحزب الدعوة
عدنان حسين
عندما التقيت، مع مجموعة من الزملاء، رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي في العام الماضي للتعريف بموقف مئات من الصحفيين والإعلاميين المتحفظين على مشروع قانون حقوق الصحفيين الذي كان مطروحاً أمام مجلس النواب، افتتحت الكلام مع السيد النجيفي بان الشيء الوحي الكامل الذي حصلنا عليه بعد سقوط نظام صدام هو حرية الرأي والتعبير، فبادر في الحال الى السؤال:"وهل لدينا حرية تعبير حقا؟".
كان سؤالاً في محله في الواقع، ولهذا أجبته قائلاً: "نسبياً". وهذه حقيقة، فأيّ من الحقوق والواجبات التي وعد النظام الجديد بتحقيقها للشعب العراقي وجرى تكريسها في الدستور، لم تُنجز أو تتحقق .. كل حرياتنا وحقوقنا مثلومة ومنقوصة في أحسن الأحوال. أما على صعيد حرية التعبير فلا يمكن نكران ان الناس صار في مقدورهم التعبير عن آرائهم علناً من دون خشية في المقاهي وسائر المرافق العامة وعبر وسائل الإعلام. كان ذلك حتى اندلاع التظاهرات في شباط من العام الماضي وما بعده، فالحكومة الثانية لنوري المالكي كشّرت عن أنياب طويلة وحادة، بل مسمومة، معلنة بدء عهد جديد عنوانه القسوة والوحشية تجاه حرية التعبير.
  لاحقاً رفعت الحكومة من درجة استنفارها تجاه هذه الحرية بالضغط بقوة في كل الاتجاهات لتشريع قانون حقوق الصحفيين الذي بدلاً من أن يضمن حقوق الصحفيين وأولها الحق في الوصول الحر الى المعلومات والبث الحر لهذه المعلومات، وضع قيوداً ثقيلة على العمل الصحفي. وعملياً لم يبقِ القانون للصحفي  من خيار الا أن يقول وينقل ما ترغب فيه الحكومة وتقبل به أو أن يواجه اجراءات تعسفية وملاحقات قضائية تتلطى بالقانون (معظم القوانين النافذه هي قوانين نظام صدام الاستبدادية) والنظام والآداب العامة. وهذا ما ثبتته المنظمات الدولية المرموقة، ولم تخالفه سوى منظمة واحدة مرتشية.
الآن تستعمل الحكومة أظافرها الحادة الى جانب أنيابها من أجل فرض المزيد من القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير. انها تسعى الى إقامة نوع من نظام محاكم التفتيش عبر قوانين حرية التعبير والتنظيم والاتصالات وجرائم المعلوماتية.
ان منظمة عالمية مرموقة، هي لجنة حماية الصحفيين الدولية، سجلت أخيراً عن حق ان  الحكومة العراقية تخطط لفرض قواعد صارمة تقيّد بث وسائل ألإعلام، معتبرة عن حق أيضاً ان هذا يمثل إنذاراً خطيراً بعودة الحكم الاستبدادي في البلاد. ونددت اللجنة بهذه القوانين التي وصفتها بغير اللائقة و طالبت رئيس الوزراء بالتخلي عنها.
أكثر ما يُحيرني مع كل إجراء تعسفي تتخذه الحكومة، وبالذات تجاه الحريات العامة والخاصة وحقوق الانسان، ان كل مساعي التقييد وكل أعمال البطش والتضييق تقوم بها حكومة يقودها زعيم حزب الدعوة الاسلامية ويلعب رفاق له دوراً مؤثر فيها. فحزب الدعوة ظل على الدوام يُقدّم نفسه بوصفه أكبر ضحية لقمع نظام صدام. وبعض قادة الحزب الحالين نشطوا في ميدان الكشف عن انتهاكات حقوق الانسان في عهد النظام السابق، وبين هؤلاء النائب وليد الحلي الذي ترأس جمعية للدفاع عن حقوق الانسان تابعة لحزب الدعوة. ولم يكن السيد الحلي يترك أدنى انتهاك من النظام السابق من دون تعميمه.
فما بال دعاة ما بعد 2003 يقلبون ظهر المجن ويتحولون الى مقترحين لقوانين استبدادية ومدافعين عنها وضاغطين من أجل تمريرها؟ الا يخطر في بالهم انهم يمكن أن يكونوا ضحايا لهذه القوانين بعدما يتعيّن عليهم تسليم السلطة لغيرهم، أم تراهم يفكرون بالخلود في السلطة؟
"المدى" – 20/10/2012

310
المنبر الحر / لماذا الشبيبي؟
« في: 12:26 17/10/2012  »
شناشيل
لماذا الشبيبي؟
عدنان حسين
لا ينتابني أدنى شعور بالخوف على وضع محافظ البنك المركزي الدكتور سنان الشبيبي ولا على مستقبله أو سمعته المهنية والوطنية، فلديّ الثقة المطلقة بانه في أمان في مقابل الاتهامات بالفساد الموجهة اليه والتي بلغت حد إصدار مذكرة بالقبض عليه فيما هو يمثّل البلاد في مؤتمر دولي في اليابان.
أقول هذا لأنني مدرك تماماً وعلى قناعة كاملة بان ثمة خطة جهنمية وراء الحملة على واحد من أرفع الكفاءات الوطنية وأكثرها نزاهة. واقول هذا لأنني واع جداً لمجريات الزمن الأغبر الذي نعيشه الآن في ظل نظام سياسي لا يمكن الا أن يكون على عداوة قاتلة مع الشبيبي وأمثاله من الكفاءات الوطنية النزيهة.
نظامنا السياسي يقوم على المحاصصة والتوافق، والذين يتولون السلطة فيه جاءوا الى كراسي الحكم بانصاف شهادات، وكثير منهم بشهادات ووثائق مزورة، وبأرباع كفاءات وأعشار خبرات .. وبأجزاء الأعشار من الوطنية. وحكام من هذا النوع ترتعد فرائصهم ويجافيهم النوم بوجود شخصيات من نمط الشبيبي في مناصب قيادية.
لا أخشى على سنان الشبيبي، لكنني مرتعد خوفاً على شبيبة العراق، منطلبة الجامعة والمدارس والخريجين العاطلين والمحظوظين الذين وجدوا أخيراً فرص عمل .. أخاف عليهم وانا أتصورهم يزدادون احباطاً ويتضاعفون يأساً من مستقبل بلادهم الذي هو مستقبلهم مع نظام لا يتورع عن البطش بأقذر الأساليب بكفاءات البلاد المعوّل عليها في إعادة الإعمار. فقصة سنان الشبيبي هي قصة آلاف الكفاءات والخبرات الوطنية المنبوذة في دولتنا لصالح عديمي العلم والمعرفة  من المزورين والسرّاق ممن جاءت بهم المحاصصات الطائفية والتوافقات الحزبية والشخصية، فزادوا خراب البلاد الموروث عن نظام صدام خراباً يبدو كما لو لا فكاك منه.
لا خوف على سنان الشبيبي، فحملة التشهير التي يتعرض لها غايتها الضغط عليه ليترك منصبه للحرامية الكبار. وسيخطيء كثيراً إن أذعن للضغط.
الشبيبي مستهدف منذ زمن في إطار حملة حكومية شاملة لالحاق الهيئات والمؤسسات المستقلة بالحكومة كيما تصبح أدوات في أيديها والقائمين عليها وسراق المال العام الذين لا يعدمون الوسائل لتأمين ما يريدون وحماية أنفسهم وضمان الاستمرار في نهبهم، ومن هذه الوسائل ازاحة شرفاء البلاد من مناصبهم ووضعها في أيدي شركائهم في "الحرمنة".
الحملة على الشبيبي بدأت قبل ثلاث سنوات بعدما سعى لاقالة أربعة من المسؤولين في البنك متورطين بعمليات فساد على صلة وثيقة بآلهة السلطة. وقوبل ذلك المسعى باصدار مذكرة إلقاء قبض غير مسببة ألغيت بتدخلات من رئاسة الجمهورية وبعثة الامم المتحدة وبعض قادة الكتل السياسية ورئيس مجلس القضاء الاعلى الذي لم يُخطره أحد بأمر المذكرة!
وتجددت الحملة منذ سنتين بعدما رفض الشبيبي طلباً باقراض الحكومة مبلغ 5 مليارات دولار بدعوى اكمال موازنة 2011، إذ كان رأيه أن لا مبرر للقرض الذي سيضر بسمعة البنك وأدائه، داعياً في المقابل إلى استخدام الفائض في الموازنات السابقة لتكملة الموازنة، وهو فائض مقدر بما يزيد عن مبلغ القرض المطلوب.
وقد ثبت ان الشبيبي كان على حق، فالحكومة لم تستطع حتى إنفاق الفائض من الموازنات السابقة ومن موازنة 2011 نفسها.
الذين تركوا وزراء التجارة والدفاع السابقين وعشرات سواهم من كبار الحرامية يفرون بالجمل بما حمل يريدون إطاحة الشبيبي لتخلو لهم ساحة البنك المركزي التي يعدها حرامية المال العام بوابة الجنة.
رغم إقالته بطريقة مشينة لا تليق بحكومة تحترم نفسها، لا ينتابني أدنى شعور بالخوف على وضع محافظ البنك المركزي الدكتور سنان الشبيبي ولا على مستقبله أو سمعته المهنية والوطنية، فلديّ الثقة المطلقة بأنه في أمان في مقابل الاتهامات بالفساد الموجهة اليه والتي بلغت حد إصدار مذكرة بالقبض عليه وتنحيته فيما هو يمثّل البلاد في مؤتمر دولي في اليابان.
أقول هذا لأنني مدرك تماماً وعلى قناعة كاملة بأن ثمة خطة جهنمية وراء الحملة على واحد من أرفع الكفاءات الوطنية وأكثرها نزاهة. وأقول هذا لأنني واع جداً لمجريات الزمن الأغبر الذي نعيشه الآن في ظل نظام سياسي لا يمكن الا أن يكون على عداوة قاتلة مع الشبيبي وأمثاله من الكفاءات الوطنية النزيهة.
نظامنا السياسي يقوم على المحاصصة والتوافق، والذين يتولون السلطة فيه جاؤوا الى كراسي الحكم بأنصاف شهادات، وكثير منهم بشهادات ووثائق مزورة، وبأرباع كفاءات وأعشار خبرات .. وبأجزاء الأعشار من الوطنية. وحكام من هذا النوع ترتعد فرائصهم ويجافيهم النوم بوجود شخصيات من نمط الشبيبي في مناصب قيادية.
لا أخشى على سنان الشبيبي، لكنني مرتعد خوفاً على شبيبة العراق، من طلبة الجامعة والمدارس والخريجين العاطلين والمحظوظين الذين وجدوا أخيراً فرص عمل .. أخاف عليهم وأنا أتصورهم يزدادون احباطاً ويتضاعفون يأساً من مستقبل بلادهم الذي هو مستقبلهم مع نظام لا يتورع عن البطش بكفاءات البلاد المعوّل عليها في إعادة الإعمار. فقصة سنان الشبيبي هي قصة آلاف الكفاءات والخبرات الوطنية المنبوذة في دولتنا لصالح عديمي العلم والمعرفة  من المزورين والسرّاق ممن جاءت بهم المحاصصات الطائفية والتوافقات الحزبية والشخصية، فزادوا خراب البلاد الموروث عن نظام صدام خراباً يبدو كما لو لا فكاك منه.
لا خوف على سمعة سنان الشبيبي، فحملة التشهير التي تعرض لها قبل إقالته كانت غايتها الضغط عليه ليترك منصبه للحرامية الكبار.
الشبيبي مستهدف منذ زمن في إطار حملة حكومية شاملة لإلحاق الهيئات والمؤسسات المستقلة بالحكومة كيما تصبح أدوات في أيديها والقائمين عليها وسراق المال العام الذين لا يعدمون الوسائل لتأمين ما يريدون وحماية أنفسهم وضمان الاستمرار في نهبهم، ومن هذه الوسائل ازاحة شرفاء البلاد من مناصبهم ووضعها في أيدي شركائهم في "الحرمنة".
الحملة غير الأخلاقية على سنان الشبيبي بدأت قبل ثلاث سنوات بعدما سعى لإقالة أربعة من المسؤولين في البنك متورطين بعمليات فساد على صلة وثيقة بآلهة السلطة. وقوبل ذلك المسعى بإصدار مذكرة إلقاء قبض غير مسببة ألغيت بتدخلات من رئاسة الجمهورية وبعثة الأمم المتحدة وبعض قادة الكتل السياسية ورئيس مجلس القضاء الاعلى الذي لم يُخطره أحد بأمر المذكرة!
وتجددت الحملة منذ سنتين بعدما رفض الشبيبي طلباً بإقراض الحكومة مبلغ 5 مليارات دولار بدعوى اكمال موازنة 2011، إذ كان رأيه أن لا مبرر للقرض الذي سيضر بسمعة البنك وأدائه، داعياً في المقابل إلى استخدام الفائض في الموازنات السابقة لتكملة الموازنة، وهو فائض مقدر بما يزيد عن مبلغ القرض المطلوب.
وقد ثبت ان الشبيبي كان على حق، فالحكومة لم تستطع حتى إنفاق الفائض من الموازنات السابقة ومن موازنة 2011 نفسها.
الذين تركوا وزراء التجارة والدفاع السابقين وعشرات سواهم من كبار الحرامية يفرون بالجمل بما حمل أطاحوا الشبيبي لتخلو لهم ساحة البنك المركزي التي يعدها حرامية المال العام بوابة الجنة.


311
المنبر الحر / طيش مع سبق الإصرار
« في: 15:11 16/10/2012  »
شناشيل
طيش مع سبق الإصرار
عدنان حسين
مع كامل التقدير للرأي الذي أبداه رئيس الجمهورية جلال طالباني في التصريح الأخير للنائب عن ائتلاف دولة القانون والقيادي في حزب الدعوة الإسلامية ياسين مجيد، فان ما قاله النائب المقرّب من رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي والناطق بلسانه في العادة ليس "طيشاً"عابراً، فهذا غالباً ما يصدر إما عن الأطفال أو عن الجهلة.
النائب مجيد ليس طفلاً ولا هو بالشخص الجاهل. انه يعرف ما يقول ويعني ما يقول ويتعمد قول ما يقول عن سابق تصميم وترصّد وإصرار. وهذا هو ديدنه في إطلاق التصريحات التي أقل ما يقال فيها انها غير بناءة ... انها تعكس نفساً طائفياً وروحاً شوفينية.
النائب مجيد لديه أجندة معروفة (مثله غير قليلين) تؤثر فيها عوامل عدة أهمها جغرافية المكان الذي لجأ اليه فترة طويلة في عهد النظام السابق، بما تتضمنه هذه الجغرافيا وتفرضه من منظومة قيمية أخلاقية وسياسية.
الرئيس طالباني قال في بيان أمس انه "في الوقت الذي ننهمك بتهيئة الأجواء الودية لتطبيع العلاقات بين القوى السياسية تمهيداً لإجراء الحوارات الثنائية والثلاثية والجماعية من أجل حل الأزمة الراهنة في العراق، يطلّ علينا النائب ياسين مجيد بتصريحات استفزازية خطيرة تشم منها رائحة الدعوة إلى الحرب ضد الرئيس مسعود بارزاني"، معرباً عن "استهجانه لمثل هذه التصريحات الطائشة المخالفة لروح  الوحدة الوطنية والمعرقلة للمساعي والجهود المبذولة لحل المشاكل العالقة التي يعاني منها الشعب والوطن".
من الواضح ان المعنيّ بكلام الرئيس طالباني قد تعمّد اختيار الفكرة التي طرحها وتعمّد انتقاء اللهجة التي اعتمدها لتوجيه اتهامه الى رئيس اقليم كردستان العراق بانه "خطر حقيقي" على العراق، متغافلاً عن الأخطار الحقيقية المُحدقة بالبلاد وأولها الإرهاب المدعوم من قوى اقليمية يعرفها السيد مجيد جيداً وبينها القوة الإقليمية التي يدين لها بالولاء ويعتمدها مرجعاً للتقليد أكثر مما يدين لبلاده، وبينها (الأخطار) الطائفية السياسية والمحاصصة والفساد المالي والإداري وسوء إدارة الدولة ونزعة الاستئثار والتسلط، وهي جميعاً مما لا يبدي النائب مجيد في تصريحاته المنفعلة أي حماسة للتنديد بها أو حتى الاشارة اليها.
النائب مجيد لا يرغب – كما يعكس تصريحه الأخير– في التوصل الى حلّ للأزمة السياسية القائمة في البلاد منذ سنتين، فهذا الحل الذي يستلزم حواراً مباشراً بين أطراف الازمة وجواً ملائماً للحوار، وهو ما يعمل عليه رئيس الجمهورية، ويرغب فيه العراقيون الذين يتمسكون بأي قشة للخروج من هذه المحنة التي أحد أطرافها الرئيسة حزب النائب مجيد وائتلافه البرلماني. لكن هذا الحل لا يرغب فيه أصدقاء "أغاي إدريسي" الذين تتضرر لهم مصالح في خروج العراق من أزمته واسترداده عافيته وازدهاره. وما لا يرغب فيه أصدقاء "أغاي ادريسي" لا يريده النائب مجيد الذي ينسى، في ما يبدو، انه في بغداد وليس في "كوجه مروي".
"المدى" – 16/10/2012
 


312
شناشيل
إتحاد الأدباء ووزارة الثقافة
عدنان حسين
ما كان يليق باتحاد الادباء والكتاب أن يضع نفسه أو يجدها في موقف يشبه موقف الشحاذ الواقف على الأبواب سائلاً مستعطفاً، ثم مختلفاً مع من يتصدق عليه عما إذا كان قد تسلّم الأعطية أم لم يتسلمها، كاملة أم منقوصة، على نحو أصولي متوافق مع القوانين أم متجاوز عليها.
في مهرجان الجواهري الذي كان يتعين أن يكون مناسبة لتأكيد المزيد من الحضور والفعالية والاحترام للاتحاد الذي يضم نخبة البلاد الثقافية والفكرية، انفجر بالون لم يكن غازه عطراً، فقد جرى ما يشبه التلاسن بين الاتحاد ووزارة الثقافة على خلفية اتهام الاتحاد للوزارة بالتذبذب في دعم المهرجان في دوراته المختلفة ورد الوزارة بان الوزارة كريمة فيما الاتحاد يتخلف في تقديم الفواتير السابقة لدفع مبالغ الدعم اللاحقة.
وزارة الثقافة كسائر الوزارات والدوائر الحكومية محكومة ببيروقراطية الدولة اللعينة، مثلما هي محكومة بشح ما ترصده للثقافة دولة لدى مسؤوليها مفهوم متخلّف للثقافة يحتقر نوع الثقافة المعني بها الاتحاد وبعض دوائر وزارة الثقافة. فما كان على الإتحاد أن يتوقع انحيازاً له واقبالاً عليه من وزارة من هذا النوع في دولة من هذا النمط.
لماذا يتعيّن على اتحاد الادباء المفترض انه منظمة طليعية تقدمية أن يركن الى صدقات حكومة مشغولة بالمحاصصة ومرتهنة الى التوافقات الطائفية والسياسية؟ لماذا يعتقد الاتحاد ان الحكومة يمكن أن تقدّم له الدعم المالي كرمى لعيونه وعيون المثقفين الناقمين في غالبيتهم على الأوضاع القائمة من دون أي مقابل تطلبه هذه الحكومة؟
إتحاد الادباء منظمة مجتمع مدني. ومنظمات المجتمع المدني في بلادنا نوعان: نوع موضوع في جيب الحكومة ونوع باق حيثما يجب أن يكون خارج هذا الجيب. الأول تُغدق عليه الحكومة بالأموال والامتيازات لقاء الولاء لها والسير في ركابها، والثاني تجافيه الحكومة وتحاربه لأنه صاحب ضمير مهني ووطني، والمفترض أن يكون اتحاد الادباء من هذا النوع فلا ينتظر صدقة من الحكومة لكي يظل عنواناً عريضاً قوياً للثقافة الوطنية الأصيلة.
في البلدان الديمقراطية لا تركض اتحادات الأدباء وسائر الاتحادات الثقافية الرصينة ومختلف منظمات المجتمع المدني وراء أعطيات الحكومات.. انها تمول نفسها ذاتياً، وبالأخص من خلال ما تحصل عليه من تبرعات غير مشروطة، فهي تتوجه الى المجتمع، أفراداً ومؤسسات وشركات، للتبرع لها. ويقوم بهذه المهمة اشخاص متخصصون في هذا الميدان يُعرف الواحد منهم باسم "جامع التبرعات "Fund Raiser  الذي يجهد لاقناع من يتوجه اليهم بجدوى التبرع لمنظمته. أما الحكومات فلا تتوجه اليها هذه المنظمات في كل الأحوال خشية الوقوع في المحظور، والمحظور هنا أن يؤدي التمويل الحكومي الى التواطؤ الذي لا يليق بالنخبة الثقافية خصوصاً.
نريد اتحاداً للأدباء لا يعوّل على الدعم الحكومي حتى لا تنفتح أمامه طريق للتواطؤ مع الحكومة، أي حكومة.



 




313
شناشيل
أي مساءلة وأي عدالة؟
عدنان حسين
هيئة المساءلة والعدالة مُلزمة بتنفيذ أوامر مجلس النواب وتوجيهاته لها، فهو أبوها، أو أمها، الذي أنجبها. ولكن ما الذي ستفعله هذه الهيئة في الوزارات عندما تنطلق اليها كتائبها تنفيذاً للأمر الصادر لها من البرلمان بعدما أُعيد تشكيلها؟
المجلس طالب الهيئة أمس بالتوجه الى الوزارات وتطبيق القانون من دون محاباة. وهو طلب جاء على لسان عضو لجنة المصالحة والمساءلة النائب جبار الكناني الذي قال في تصريح صحفي بُثّ أمس ان على الهيئة "أن تطبّق القانون الذي تعمل وفقه بكل مواده ولا تحابي شخصاً في مؤسسات الدولة".
أي قانون مطالبة الهيئة بتطبيقه؟ من أين تبدأ والى أين تنتهي؟
الخشية الكبرى أن تبدأ الهيئة من حيث يُفترض أن ينتهي عملها، أي أن تقوم باجتثاث صغار البعثيين الذين كانت غالبيتهم العظمى من المُجبرين على الانتماء الى حزب البعث ضماناً للسلامة وتأميناً للقمة العيش كما هو حاصل الآن حيث تدفق عشرات الآلاف، بينهم أعضاء وكوادر في حزب البعث المنحل، على الأحزاب الحاكمة، الاسلامية على وجه التحديد شيعية وسنية، للحصول على وظائف في الدولة أو إمتيازات ومغانم مالية وسياسية.
هذه الخشية تستند الى ما هو حاصل الآن، فثمة قرارات اجتثاث اتخذت في وزارات وهيئات مختلفة طاولت بعثيين صغار، فيما استعانت دوائر حكومية عليا ببعثيين كبار، بينهم جلادون وقتلة في أجهزة النظام السابق، ووضعتهم في مراكز خطيرة مسؤولة عن أمن الناس. والمثال الجلي والصارخ لهذا مكتب القائد العام للقوات المسلحة وقيادات الأجهزة الأمنية المختلفة. وفي الأشهر الأخيرة ظهرت اعترافات واضحة من مسؤولين أمنيين وسياسيين بان العديد من العمليات الارهابية التي راح ضحيتها المئات من المواطنين ساهم فيها ضباط وعناصر أمن من الذين استقدموا من أجهزة النظام السابق.
لسنا في حاجة الى مساءلة وعدالة تستهدف أساتذة الجامعات والمعلمين والاطباء والمهندسين ومن على شاكلتهم وتترك ضباط الأمن والمخابرات والشرطة والجيش في النظام السابق ممن كانوا أداة ذلك النظام في القمع والاستبداد .. تتركهم يمارسون السلطة من جديد وينعمون بامتيازات لم يوفرها لهم حتى نظامهم، وذلك بفضل الاستثناءات التي حصلوا عليها من مكتب القائد العام.
بعد نحو عشر سنوات من تأسيها لم تثبت هيئة المساءلة والعدالة (إجتثاث البعث سابقاً) انها ناجحة. بل ان مجرد بقائها على قيد الحياة حتى الآن دليل على فشلها، وفشل مجلس النواب الذي يقف وراء انشائها، وفشل النظام السياسي برمته الذي يحتاج هو كذلك الى من يحاسبه عن كل أخطائه وخطاياه لتحقيق العدالة المنشودة. فليس البعثيون وحدهم مسؤولين عن القتل والقمع والاستبداد في عهدهم. حكام اليوم، وبالذات الإسلاميين، ارتكبوا خلال السنوات العشر الماضية جرائم مات فيها آلاف العراقيين واعتقل آخرون وتعرضوا للتعذيب والإهانة والتعدي على كرامتهم الإنسانية والاضرار بممتلكاتهم ومصالحهم من دون وجه حق.
لا عدالة مع الإستثناء. واذا أُستثني ضباط أمن صدام من إجراءات المساءلة والعدالة لن تتحقق العدالة، واذا اسثني القتلة والجلادون ومنتهكو القانون وحقوق الانسان من عناصر النظام الجديد لن تكون هناك عدالة أيضاً.




314
المنبر الحر / المهمة المستحيلة
« في: 15:13 11/10/2012  »
شناشيل
المهمة المستحيلة
عدنان حسين

ربما طمأن أنفسهم أصحاب الحملة الإيمانية الجديدة التي تستعيد فيها حكومتنا الحالية بعض تقاليد نظام صدام حسين، بأن حملتهم قد أتت أُكُلها، فمحال بيع المشروبات الكحولية "غير المجازة" مُغلقة والمجازة تبيع بضاعتها بحذر والنوادي الاجتماعية المتوفرة فيها هذه المشروبات صارت أكثر اكتراثاً.
في الواقع الصورة مختلفة، فبعض المحال غير المجازة أعاد فتح أبوابه (بالتواطؤ – المالي–  مع مسؤولين أمنيين وميليشياويين في المنطقة)، ومناطق تناول الخمور تمددت الى مساحات واسعة وكوّنت عشوائياتها هي أيضاً(أتحدث عن بغداد تحديداً)، فخرجت الظاهرة التي تريد الحكومة محاربتها من وراء الأبواب والجدران في الحانات والفنادق والنوادي الى الشوارع والحدائق .. صارت تمشي على أرجل بين الناس!
منذ أيام توقفت بي السيارة عند تقاطع طرق انتظاراً لانطلاق الإشارة الضوئية الخضراء. السائق نبّهني الى سائق السيارة التي تقف الى جوارنا .. شاب في الثلاثينات من عمره يقود سيارة من النوع رباعي الدفع ويعبّ بين ثوان وأخرى من قنينة بيرة مستوردة. في مكان آخر كان عدد من الشباب يشربون الخمرة من قنان وعلب تناثر الفارغ منها على أرضية المنطقة الخضراء التي افترشوها (ليست منطقة أمراء السلطة المتخمة بالخمور بأنواعها وبالمخدرات بأصنافها أيضاً).
باختصار فان عدد الذين يشترون الخمرة ويشربونها لم يتراجع وعدد رواد الجوامع والحسينيات لم يتزايد، والنتيجة الوحيدة للحملة "الايمانية" الجديدة هي زيادة نقمة الناس على الحكومة والنظام بأسره بعدما رأوا بأم العين عبر الفضائيات وعلى صفحات الصحف كيف تتعامل "قواتهم" الأمنية بوحشية مفرطة وبعدم لياقة وبانتهاك سافر لحقوق الانسان مع الناس الآمنين الذين ارتادوا نوادي اجتماعية مُجازة وحسنة السمعة فيما عصابات الإرهاب والجريمة المنظمة تعبث بأمن المواطنين على راحتها.
بالأسلوب نفسه الذي اتبعته حكومتنا مؤخراً حاولت مئات الحكومات في العالم عبر قرون منع بيع الخمور وتناولها ولم تفلح. ولن تفلح حكومتنا وسائر الحكومات المثيلة في القضاء على شرب الخمور وتعاطي المخدرات وممارسة البغاء. وفي أوروبا وسواها عجزت الحكومات عن تحقيق ذلك فوجدت ان من الأصوب العمل على السيطرة على هذه الظواهر الاجتماعية والحدّ من تفشيها ولكن ليس بالوسائل العنفية، وقد نجحت الى حد كبير.
معروف أن أكثر بلدين في العالم يحرّمان الخمرة والبغاء والمخدرات هما إيران والسعودية، لكنه معروف على نطاق واسع أيضاً ان الخمور تباع وتشترى – سراً -  في إيران والسعودية كما لا تباع  وتشترى في البلدان الأخرى، وكذا الحال بالنسبة للمخدرات والبغاء.
بدلاً من إشغال أجهزة الأمن في مهمة لن تتحقق أبداً، ضعوا خطة مختلفة تشبه ما مطبق في الدول المتقدمة، واتركوا قوات الأمن تتفرغ لمهمتها في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وضمان أمن الناس.


315
شناشيل
على خلفية مكالمة تلفونية
عدنان حسين
" لا أحتاج اليها". كانت هذه، في ظنّي، أهم جملة قالها لي رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني خلال المكالمة التلفونية التي بادر هو شخصياً بها أمس ليشكر عما كتبت في اليومين الماضيين وليوضّح... "لا أحتاج اليها"  قالها بتلقائية وبلهجة صادقة.
أراد الرئيس بارزاني أن يؤكد مرة ثانية أن لا علاقة له من قريب أو بعيد بشريط الفيديو الذي تضمن أغنية تمتدحه، بل انه لم يكن يعلم بوجوده الا عندما قرأ "شناشيل" أول من أمس، وقال انه ليس راغباً لا في الأغاني ولا في أي شكل من اشكال الثناء، وأكد بنبرة واثقة:" لا أحتاج اليها".
ماذا يعني الا يحتاج الزعيم السياسي، وكل سياسي، الى المديح الذي غالباً ما يأخذ في بلداننا أشكالاً فاقعة تدخل في باب التطبيل والتزمير؟ الجواب على هذا السؤال يكمن في الجواب على سؤال آخر: مَنْ مِن السياسيين يحتاج الى هذا التطبيل والتزمير؟  بالتأكيد هو الذي لا يثق بنفسه .. هو الذي لا تاريخ له، وبالتحديد التاريخ المشرّف.. هو الذي يعرف في قرارة نفسه انه يفتقر الى الموهبة والكفاءة والخبرة اللازمة .. هو الذي يدرك انه جاء الى موقعه في غفلة من الزمن ومن الناس أيضاً.. هو الذي يعرف ان الآخرين يعرفون ما يعرفه عن نفسه، وانه بسبب ذلك ليس موضع احترامهم.
ثانية أقول انني عندما كتبت عن شريط الفيديو الغنائي كنت أدرك ان السيد بارزاني لا يرغب في هذا النوع من الدعاية .. أدرك ذلك من لقاءاتي العديدة معه (الصحفية والشخصية والعامة) التي يرجع تاريخ أولها الى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ومن علاقاتي مع العديد من المحيطين به. وقد خشيت عليه أن يُوضع في منزلق لا أرغبه له ولا لغيره من الزعماء في هذه البلاد التي لم تزل تعاني المحن والويلات بسبب الطغيان السياسي والنزعة الذاتية المفرطة لحكامها المتعاقبين.
النضال ضد ذلك الطغيان وتلك النزعة أخذ من أعمارنا، نحن الذين بقينا على قيد الحياة حتى الآن، عقوداً عديدة .. أخذ عمر الشباب كله. وفي نهايته وجدنا ان ذلك الطغيان وتلك النزعة قد أخذا من البلاد كل شيء .. ثرواتها وشبابها وكفاءاتها وحياتها وكرامتها ومستقبلها. لكننا ما زلنا هنا في بغداد في وضع يحتّم علينا أن  نخوض نضالاً مماثلاً ضد انبثاق ذلك الطغيان من جديد وضد إعادة انتاج تلك النزعة المدمرة.
لدينا هنا في بغداد معركة ضروس مع سياسيين من النوع الذي يرى انه يحتاج أمسّ الحاجة الى الثناء والمديح والتزلف والتملق، فيشترون الذمم والضمائر بأموال المستشفيات المهملة والمدارس الآيلة أبنيتها للانهيار على رؤوس بناتنا وابنائنا .. بأموال الزراعة المتدهورة والصناعة الخربانة .. بأموال الكهرباء التي صارت مأساة بحجم مآسي العراقيين الكبرى عبر التاريخ من الطوفان العظيم الى كربلاء وخراب بغداد والأنفال والكيمياوي والمقابر الجماعية، والى الإرهاب الذي يسجّل كل يوم انتصاراً على دولتنا المُلفّقة.
شكرا كاك مسعود مرة أخرى .. شكراً لأنك تقرأ ما نكتب، ولأنك تتفاعل مع ما نكتب (يهمنا الا ينشأ نظام تسلّطي في الإقليم الذي نريد له أن يكون مثالاً لإمكانية بناء الديمقراطية في البلاد)، وعسى أن تضرب زعمائنا في بغداد صاعقة الهداية ليقرأوا ما نكتب عن طغيانهم ونزعاتهم المدمرة وليتفاعلوا مع ما يقرأون وليدركوا انه انتهت منذ زمن بعيد عصور الآلهة المخلّدة.




316
المنبر الحر / شكراً كاك مسعود
« في: 19:58 09/10/2012  »
شناشيل
شكراً كاك مسعود
عدنان حسين
ما فاجأني ولا أثار استغرابي رد فعل رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني على ما كتبته في "شناشيل" أمس. بل لا أتردد في الزعم بانني كنت أتوقعه تماماً مثلما كنت أتوقع الا يكون له أي علم بشريط الفيديو الذي يتضمن أغنية تمتدحه وتشيد بمناقبه أنتجتها مجموعة كردية لبنانية.
والواقع انني تعمدت الكتابة عن هذا الشريط لكي يصل ما أريد قوله الى السيد بارزاني مباشرة. ولم أكن أعنيه هو شخصياً بالكلام بقدر ما عنيت الذين من حوله ممن خشيت انهم عرفوا بأمر الشريط ولم يتحركوا لوقف تداوله لأنه موضوعياً يسيء الى زعيمهم، وهو أساء بالفعل لأن البعض استغلوه ليتبادلوا عبر المواقع الالكترونية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي التعليقات بان الشريط هو من مظاهر "دكتاتورية" بارزاني.
السيد بارزاني اتصل أمس شاكراً الكتابة في هذا الموضوع ومؤكداً انه لم يعرف بأمره الا من "شناشيل" أمس، وانه وجّه بالسعي لمنع تداول الشريط أو الحدّ من انتشاره ( بالطبع من غير الممكن وقف عرضه عبر الشبكة العنكبوتية التي لا تعرف الحدود والقيود، وهذه فضيلة كبيرة لها، فهذا الاختراع الفذّ حوّل العالم الى دربونة صغيرة وجعله شفافاً للغاية بما يشبه الزجاج الذي جاء أبدع وصف لرقته وصفائه في البيتين المنسوبين مرة لأبي نواس وتارة للصاحب بن عباد:
رقّ الزجاجُ وراقتِ الخمرُ
وتشابها فتشاكلَ الأمرُ
فكأنما خمرٌ ولا قدحٌ
وكأنما قدحٌ ولا خمرُ).
لي تجربة سابقة مماثلة مع الرئيس بارزاني، ففي خريف العام 1999 اقترح عليّ الصديق هوشيار زيباري في لندن زيارة إقليم كردستان وحضور افتتاح المؤتمر الثاني عشر للحزب الديمقراطي الكردستاني. طرحتُ الأمر على رؤسائي في صحيفة "الشرق الأوسط" التي كنت مسؤولاً عن الملف العراقي فيها وترتبت تلك الرحلة الى الإقليم، كما رحلات عديدة سابقة، عبر تركيا (كان السفر الى هناك شاقاً بعض الشئ لكنه ممتع للغاية).
وفي أربيل حيث عقد المؤتمر لاحظت إسرافاً شديداً في نشر صور السيد بارزاني حتى على أبدان السيارات ما تسبب في تلطخ بعض الصور بالأتربة والوحل والماء. وفي فترة الاستراحة رتّب لي زيباري لقاءً مع السيد بارزاني الذي لم أتردد في لفت انتباهه الى ظاهرة الصور. أتذكر جيداً ان سحنته أحمرّت فيما سارع الى الحلف بأغلظ الإيمان بانه لا يرغب في ذلك بل انه يخجل منه. في اليوم التالي لم أر صورة واحدة له في طول أربيل وعرضها.
لا أشك في ان الرئيس بارزاني سيشدد الآن أيضاً التأكيد على عدم نشر صوره ومنع سائر مظاهر التمجيد الشخصي، لكن الأهم من هذه الأوامر أن تنتشر وتترسخ، عبر وسائل الإعلام وداخل التنظيمات الحزبية، ثقافة نبذ التمجيد والتأليه للزعماء السياسيين ..  الثقافة التي تمنع الشعراء والكتاب والمغنين والموسيقيين والممثلين والموظفين العموميين والعناصر الحزبية تلقائياً من التزلف والتملق والارتزاق .. الثقافة التي تجعل الزعيم السياسي والموظف العمومي يفكر عن قناعة بان أفضل ما يمجّده ويجلب له الفخر هو العمل الذي ينفع الناس.
     




317
شناشيل
عمل لا يليق ببارزاني
عدنان حسين
البريد الالكتروني الشخصي وبريد موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حمل الي خلال اليومين الماضيين من أكثر من صديقة وصديق شريط فيديو لم استطع اكماله في المرتين اللتين حاولت فيهما ذلك، فقد انتابني شعور بالخجل وبالأسف من أجل شخص يمكنني الزعم بانني من أصدقائه منذ سنين.
الشريط يتضمن أغنية راقصة تمتدح رئيس إقليم كردستان وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني وتتغنى بخصاله بالطريقة التي كانت شائعة في حقبة الدكتاتوريات العربية والشرق الأوسطية التي تُشارف الآن على النهاية.
والأغنية التي عنوانها ومطلعها "بنحبك بارزاني" من الواضح انها معمولة خارج الإقليم، فالكلام بلهجة بلاد الشام والرقص المصاحب شامي أيضاً (الدبكة) والشركة المنتجة تحمل اسم "عامودا" البلدة الكردية في شمال شرق سوريا، والمروّج لها موقع "هايدي. نت" الالكتروني المتخصص بالأغاني الكردية، بيد ان هذا كله لم يخفف من الشعور المزعج الذي انتابني وجعلني لا أواصل متابعة الشريط.
ليس السيد مسعود بارزاني في حاجة الى أغنية كهذه، الا اذا زحف اليه المرض المستوطن لدينا هنا في بغداد، أعني مرض النزعة للهيمنة والاستحواذ والتسلط الذي يسمم حياتنا السياسية والعامة برمتها (مصاب به والعياذ بالله كل زعماء الكتل والائتلافات والأحزاب النافذة في الدولة والذين يلهجون بذكر الديمقراطية ليلاً نهاراً، بل ان المرض اجتاح الكثير من المساعدين والمستشارين وأضرابهم).
 ليس الرئيس بارزاني في حاجة لأن يكون دكتاتوراً، أو أن يراه البعض في صورة الدكتاتوريين العرب والشرق أوسطيين الذين انتهوا الآن (ومنهم من ينتظر)، وكان ثمة من يدبّج لهم قصائد المديح ويؤلف الأغاني ويلحنها ويؤديها تزلفاً وارتزاقاً، ولم ينفعهم هذا في شيء عندما حانت ساعة الحقيقة.
السيد مسعود بارزاني هو ابن مصطفى بارزاني الذي يحبه ملايين الكرد في مختلف أجزاء كردستان من دون أن يرى الكثير منهم حتى صورته أو يستمعوا الى أغنية تعدد خصاله وتستعيد تاريخه الثوري.
صدام حسين أغرق العراق بملايين الصور وبالمئات من التماثيل العملاقة، ولم ينفعه ذلك في شيء. ولا أشك في ان الرئيس بارزاني يُدرك ان افتتاح مستشفى  أو مدرسة أو معمل في مدينة كردية أو ايصال الكهرباء الى قرية نائية أو شق طريق في المناطق الجبلية الوعرة يجلب له من الحب ما لا تستطيع أن تفعله عشرة ملايين صورة زاهية الألوان أو 100 اغنية من النوع الذي أُرسل لي عبر البريد الالكتروني وفيسبوك.
أعرف ان الرئيس بارزاني يستمع جيداً لمن يحدثه، وانه قاريء جيد للكتب والصحف، وأستغل هذه الخصيصة لأشير عليه بطلب سحب الأغنية المذكورة من التداول في المواقع الالكترونية وسواها. إن له الحق في طلب كهذا فهي تمسّه شخصياً .. انها تسيء اليه، ومن حقه الإعتراض على ما كل ما فيه مساس بشخصه.
الرئيس بارزاني: اسمعها من صديق يُصدقك القول انك لا تحتاج الى اغنية كهذه، ونحن لا نحتاج الى مثلها بل اننا في أمسّ الحاجة الى ما يعزز لدينا الأمل بالخلاص من المرض المزمن للحكم في بلادنا والداء الخبيث لحكامها: الدكتاتورية.






318
المنبر الحر / علام يتهكم الوزير؟
« في: 12:23 07/10/2012  »
شناشيل
علام يتهكم الوزير؟
عدنان حسين
شرّ البلية ما يضحك. والبلايا المبكية حدّ الضحك والمضحكة حدّ البكاء في دولتنا العجيبة الغريبة لا عدّ لها ولا حصر. انها تواجهنا كأقدارنا في البيت والدربونة والشارع والسيارة والمقهى والسوق والمطعم ودائرة العمل وعبر الراديو والتلفزيون وسواها، ومن الحكومة والبرلمان، ولن ننسى السلطة القضائية ولا حتى سلطتنا الرابعة.
اختار وزير النقل هادي العامري أن يتهكّم على بعض من أعضاء مجلس النواب لم يرتكبوا أي جرم ولا اقترفوا أي خطيئة سوى انهم أبدوا رأيهم في شأن عام، وهذا في صلب واجباتهم كنواب.
هؤلاء النواب انتقدوا شراء طائرات مدنية قديمة ( مستعملة) وتساءلوا عن سبب عدم شرائها جديدة، خصوصاً وان الفرق في السعر ليس بالكبير.
أما العامري فقد صرّح رداً على هؤلاء قائلاً: "هنالك أعضاء في مجلس النواب يريدون التحدث فيما يعلمون وما لا يعلمون وأتمنى منهم أن يتحدثوا بالشيء الذي يعرفونه فقط".
وكان العامري قد دشّن في مطار بغداد يوم الخميس طائرتين من نوع ايرباص أشرفت  وزارة النقل على شرائهما لصالح المصرف التجاري العراقي الذي دفع مبلغ 86  مليون دولار ثمناً لهما.
أحد النواب الذين تهكم عليهم الوزير، وهو عضو لجنة الخدمات في مجلس النواب محمد رضا الخفاجي، انتقد وزارة النقل في مؤتمرصحفي عقده في مبنى البرلمان وطالبها بتقديم ايضاحات عن الأسباب الكامنة وراء شراء طائرتين مستعملتين رغم مطالبات اللجنة البرلمانية بشراء طائرات جديدة بسعر قد يفوق سعر الطائرتين بنسبة قليلة.
الوزير العامري قال "يجي هذا العضو دارسله كلمتين ويقيّم الطائرات فنياً. والمشكلة انه لم يشاهدها". بالطبع هذا كلام غير لائق للرد على استفسارات وانتقادات نائب. فالوزير نفسه كما نعرف لم يدرس حتى كلمتين في هندسة الطائرات أو شؤون الطيران والنقل أو حتى الأنواء الجوية لكي يستكثر على نائب يريد أن يعرف لماذا يتعيّن على بلد تبلغ عائداته من النفط مئة مليار دولار سنوياً أن يشتري طائرات مستعملة بدل الجديدة، فما يُهدر من هذه المليارات على المشاريع الفاشلة والمتلكئة وما يُنهب منها فساداً مالياً وإدارياً يكفي لشراء عشر طائرات "بالكاغد" في الأقل.(الحكومة مُتخمة بالوزراء غير الدارسين كلمتين في مجال وزاراتهم ومجلس النواب حافل بالأعضاء الذين لا يستحقون الكراسي التي يجلسون عليها، فهذه بلوانا الكبيرة مع نظامنا السياسي الحالي الذي استوزر الوزراء وأناب النواب لا عن علمهم وكفاءتهم وانما عن طائفيتهم وحزبيتهم).
ما قام به المصرف التجاري عمل جيد بان وفّر طائرتين لتكونا في خدمة المواطنين العراقيين، لكنه كان سيكون عملاً أجود لو كانت الطائرتان جديدتين، وكان سيكون عملاً أكثر جودة لو ان وزارة النقل قامت بواجبها، بالتعاون مع المصارف الوطنية، في تحديث اسطول الطائرات وفي تحسين خدمات الخطوط الجوية العراقية بما فيها الخدمات في المطارات التي تشكو إهمالاً لا نظير له في مطارات العالم.
المشكلة يا معالي الوزير ليس فقط في النواب الذين لم يدرسوا أكثر من كلمتين والوزراء الذين على شاكلتهم. المشكلة في نظامنا السياسي الذي يكره الشفافية. ولو كان صديقاً للشفافية لنشرت وسائل الأعلام أخبار صفقة الطائرتين أولاً بأول وبالتفاصيل المملة وغير المملة منذ أن كانتا مشروع فكرة لدى المصرف التجاري حتى توقيع العقد ثم طيران الطائرتين من حيث أشتريتا حتى هبوطهما في مطار بغداد. ولو حدث ذلك ما تساءل النواب بهذه الصورة وما رددتَ عليهم بهذه الصيغة غير المناسبة.




319
المنبر الحر / أمنا الفاسدة !
« في: 15:10 06/10/2012  »
شناشيل
أمنا الفاسدة !
عدنان حسين
من مصلحتنا نحن الصحفيين أن يتزايد الإقبال على الصحف للقراءة أو حتى لمجرد الفرجة. والقرار الذي اتخذه مجلس النواب منذ أيام بتفعيل قرار سابق لرئاسته بتخصيص مبلغ 731 مليون و250 الف دينار شهرياً لشراء الصحف والمجلات وبعض الخدمات الأخرى، يبدو قراراً في صالحنا لأنه سيزيد من عدد قرائنا بعدة مئات.
 هذه الحسبة تستند الى واقع ان أعضاء البرلمان عددهم 325، ونفترض ان واحداً في الأقل من مساعديهم وحراسهم - وما أكثرهم - ستتاح له فرصة الاطلاع على صحف سيده النائب وان واحداً في الأقل أيضاً من أفراد عائلة النائب ستتوفر له الفرصة ذاتها، أي ان صحفنا سيُقبل عليها من الآن فصاعدا نحو الف قارئ جديد يومياً. هل الصورة وردية الى هذا الحد؟
أبداً ليست كذلك. فنوابنا نعرفهم جيداً.. لدينا تجربة معهم صارت غنية الآن. أغلبهم لا يقرأ الصحف ولا المجلات ولا الكتب. ونصف الذين يقرأون انما يقرأون كتب الأدعية والتنجيم، وربما أيضاً صحيفة واحدة تصله مجاناً، هي صحيفة حزبه.
ومن تجاربنا مع نوابنا فان كثيراً منهم يتشارك مع مساعديه وحراسه وسواقه في رواتبهم ومخصصاتهم ( أخبرني وزير سابق انه حدث في العديد من المرات أن دعا نواباً الى غداء أو عشاء في بيته، فرجاه بعضهم أن يبعث اليهم بسيارات منه وأن يعيدهم الى بيوتهم في المنطقة الخضراء بسيارة منه !).
لنعد الى المبلغ المخصص للصحف والمجلات والخدمات الاخرى (غير واضح ما تكون هذه الخدمات). اذا قسّمنا المبلغ على عدد النواب تكون حصة النائب مليونين و250 الف دينار شهرياً، أي 75 الف دينار في اليوم الواحد. ماذا يعني هذا الرقم صحفيا؟ انه يعني شراء نحو 200 صحيفة في اليوم، فسعر النسخة الواحدة من الصحف يتراوح بين 250 الفاً و500 الف، أو 50 صحيفة و50 مجلة في الأقل.
أشك كثيراً في وجود عشرة من النواب ال 325 يقرأ أو يتصفح الواحد منهم أكثر من خمس صحف في اليوم وأكثر من مجلتين في الاسبوع.
اذن ما ذا يعني تخصيص مليونين و250 الف دينار  شهرياً لكل نائب زيادة على راتبه الشهري البالغ نحو 10 ملايين دينار وعلى نفقات المساعدين والحراس والسواق والمخصصات الأخرى التي تزيد عن 30 مليون دينار شهرياً؟
 ماذا يعني هذا غير الفساد؟
نعم انه الفساد الفاقع الفاضح الذي يضرب أم المؤسسات في دولتنا. وهذا ما يفسر لماذا دولتنا غارقة حتى هامتها بالفساد ولا إشارة على خروجها من هذه "الوحلة". لماذا نلوم الحكومة وموظفيها على فسادهم ما دام البرلمان يُشرّع للفساد ويُشرعنه؟


320
المنبر الحر / الفرقة الذهببية
« في: 14:51 04/10/2012  »
شناشيل
الفرقة الذهببية
عدنان حسين
هل ما قامت به "الفرقة الذهبية" عمل جليل؟ يستحق الثناء فنكرّس كيبوردات كومبيوتراتنا وشاشاتها (أقلامنا سابقاً) وصحفنا وتلفزيوناتنا للإشادة به؟ يستأهل التصفيق والوقوف تحية وتقديراً وتبجيلاً؟ ربما، ولكن أليس لهذا العمل "الذهبي" جانب سلبي؟
هذه الأسئلة مناسبتها قيام الفرقة الذهبية، وهي القوة المسلحة التابعة لقيادة العمليات الخاصة أو جهاز مكافحة الإرهاب، بدهم سجن بادوش في الموصل وتفتيشه ومصادرة أجهزة التلفون المحمول لدى السجناء، فقد جاء في الأخبار أمس على لسان مصدر مسؤول في السجن إن الفرقة الذهبية قدِمت من بغداد بشكل مفاجئ ودهمت المجمع الإقليمي في سجن بادوش الذي يضم مئات النزلاء من كافة محافظات البلاد وفرضت سيطرتها على السجن ومحيطه ثم فتشت قاعات السجناء وغرفهم، وصادرت عدداً كبيراً من الهواتف المحمولة التي كانت في حوزتهم.
لن نغفل عن ان هذا العمل جاء على خلفية الهروب الكبير لعناصر تنظيم القاعدة المحكومين بالإعدام والمعتقلين في سجن تكريت الاسبوع الماضي، حيث تبيّن ان العناصر الإرهابية كانت تتمتع بظروف العيش في فندق بثلاث نجوم في الأقل ويقوم على خدمتها ندلاء يحملون على أكتافهم نجمات الشرطة الاتحادية.
للوهلة الأولى تبدو عمليات دهم السجون التي تضم العناصر الإرهابية على نحو خاص أمراً جيداً وممتازاً وعظيماً كي لا تتكرر مأساة تكريت التي قُتل فيها العديد من رجال الشرطة القائمين على واجبهم بحراسة السجن فيما يفلت من العقاب العشرات من القتلة الذين سيعاودون في الحال مهنة القتل الجماعي بدم بارد. لكن هذه العمليات مؤشر على ان نظام الحماية الواجب على الدولة توفيره لمواطنيها منهار تماماً، فكل السجون يُمكن أن تكون كسجن تكريت وسجن بادوش، كل واحد منها هو فندق بثلاث نجوم لعناصر القاعدة وسواهم من الإرهابيين القتلة الذين لديهم إمكانية الاتصال والتنسيق مع عناصر تنظيماتهم خارج السجن والقدرة على تأمين الفرار منه بسهولة.
 من المفترض أن تنحصر مهمة الفرقة الذهبية في مكافحة الإرهاب خارج السجون، وأن تضمن الحكومة من جانبها جهاز حراسة للسجون غير فاسد لكي تتفرغ الفرقة الذهبية لمهامها التي تنتهي عند أبواب السجون وأسوارها الخارجية.
الاعتماد على هذه الفرقة في كل شيء نخشى أن يحولها لاحقاً الى "حرس جمهوري" شبيه بالحرس الجمهوري الذي صار جيشاً حقيقياً أقوى من الجيش وصاحب سطوة عليه في العهد السابق وأداة شخصية في يد صدام للتحكّم والتسلّط والبطش.
لسنا في حاجة الى حرس جمهوري آخر يصبح لاحقاً أداة قمع في أيدي رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، سواء كان نوري المالكي أو غيره.
ليس مهمة جهاز مكافحة الارهاب دهم السجون الا عندما تفلت الأمور داخلها من السيطرة، فالسيطرة على السجناء ومنع دخول التلفونات المحمولة والأسلحة، البيضاء والسوداء، وأدوات حفر الأنفاق هي جميعاً مهمة إدارات السجون. واذا كانت هذه الإدارات فاسدة فالحل الناجع ليس بنقل الفرقة الذهبية من سجن الى سجن وانما بتعيين إدارات غير فاسدة للسجون، وهذا بدوره لا يكون الا إذا اختيرت إدارات الدولة على وفق شروط الكفاءة والنزاهة والوطنية، وهي شروط لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالطائفية والمذهبية والقومية والحزبية المتفشية في جهاز دولتنا ويراد ترسيخها.


321
المنبر الحر / حجّاج حرامية!
« في: 19:59 03/10/2012  »
شناشيل
حجّاج حرامية!
عدنان حسين
إفترض إنك تقف في طابور طويل منذ ساعة وأكثر في ذروة الصيف أو في يوم شتائي بارد ومطير لتحصل على تنكة نفط أو 20 لتراً من البنزين أو عبوة من غاز الطبخ أو لتتسلم راتبك التقاعدي في فرع لأحد المصارف، ثم يأتي شخص ويخترق الطابور بلا استئذان ليقف في أوله مُزيحاً الجميع وليدخل ويؤمن حاجته قبلهم. ما يكون رد فعلك؟
ما من أحد لا يثير حنقه تصرّف كهذا، فهو ينطوي على انتهاك سافر لحقوق الواقفين في الطابور وعلى تجاوز على النظام والأصول المرعية .. إنه ببساطة سرقة علنية لحقوق الغير، وصفة من يمارسها انه حرامي، ولا يُغيّر في هذا إن كان شخصاً عادياً من قاع المجتمع أو نائباً في البرلمان أو وزيراً في الحكومة.
على مدى السنوات التسع الماضية مارس العشرات من النواب والوزراء وغيرهم من كبار موظفي دولتنا الحالية سرقة علنية لحقوق الغير، فكانوا حرامية بامتياز . ما سرقوه هو حصة غيرهم في الحج الى مكة. الحج ليس متاحاً لكل الراغبين فيه. لا بدّ من التسجيل والدخول في قرعة عاماً بعد آخر. بيد ان دولتنا الحالية أوجدت نظاماً يستثني النواب والوزراء وموظفين كباراً آخرين ومرافقين لهم من هذه  القرعة. أي انها مكّنتهم من سرقة حق غيرهم بإزاحة هذا الغير من الطابور والاستحواذ على دوره .. أي انها مكّنتهم من أن يكونوا حرامية، وهم بدورهم قبلوا بأن يكونوا حرامية مع ان الوجهة التي يقصدونها لا تتوافق طقوسها مع "الحرمنة" بل من المفترض انها تناقضها وتناهضها كما نعرف. وبطبيعة الحال فان من يسرق دور غيره في الحج كمن يسرق دور غيره في طابور النفط أو البنزين أو الغاز، ومن المؤكد انه لن يتورع عن سرقة المال العام والخاص. ومن المؤكد أيضاً ان عمليات نهب المال العام واسعة النطاق في دولتنا وقبض الكوميشنات من الشركات والمقاولين يدخل فيها نواب ووزراء وأمثالهم، ولا بد ان العدد الأكبر منهم هم من حرامية الحج.
اذا كان رئيس الحكومة قد أصدر بالفعل توجيهات الى هيئة الحج والعمرة بعدم منح أي مقعد مخصص لأداء فريضة الحج لأي مسؤول حكومي أو سياسي، كما أفاد به مسؤول في الهيئة، واذا كانت هذه التوجيهات ستوضع بالفعل موضع التنفيذ ولا يجري الالتفاف والتحايل عليها بصورة من الصور فانه بذلك يكون قد وضع الامورفي نصابها الصحيح على هذا الصعيد، ونأمل ان تكون فاتحة لتوجيهات مماثلة تمنع أو في الأقل تحدّ من الحرمنة المنفلتة من العقال داخل أجهزة الحكومة وخارجها.

   


322
شناشيل
فشل الحكومة له آباء كثيرون
عدنان حسين   
لستُ من جماعة رئيس الوزراء نوري المالكي كما يعرف الجميع (جماعته، قصار النظر وأصحاب المصلحة على السواء، يعتقدون أنني وهذه الصحيفة من أعدائه)، ولا أريد أن أكون من جماعة أي رئيس وزراء أو رئيس دولة أو وزير، فحرية الصحفي والكاتب أثمن من كل العطايا والهبات والمنح والامتيازات والتسهيلات التي يُمكن أن تترتب على علاقة تبعية لرئيس أو رئيس وزراء أو وزير وأمثالهم.
مع هذا لا أظن ان المسؤولين في التحالف الوطني أو الناطقين باسمه رسمياً أو من دون تخويل لهم الحق في التشبه بنا وتوجيه اللوم بنبرة قوية إلى رئيس الوزراء وحكومته كلما برز مظهر فاقع من مظاهر فشل الحكومة، وبخاصة في ميدان الأمن كما حصل مع تفجيرات أول من أمس الإرهابية وقبلها حادث الفرار الكبير من سجن تكريت، حيث تسابق بعض نواب التحالف الوطني والمسؤولين فيه إلى لوم الحكومة عن فشلها الأمني.
دائماً وفي كل زمان ومكان النجاح له آباء كثيرون فيما الفشل يبقى يتيماً والجميع يتبرأ منه، بيد أن قوى التحالف الوطني ليس في وسعها التبرؤ من فشل حكومة المالكي المتواصل والمتفاقم. هم جميعاً آباء شرعيون لهذا الفشل، فالحكومة حكومتهم في المقام الأول. هم جميعاً من استنجدوا بآيات الله وحجج الإسلام ومن هم في مرتبة أدنى من "الموامنة" واستخدموا الرموز والشعارات الدينية والمذهبية لتحشيد الناس وإقناعهم بالتصويت على الهوية الطائفية في الانتخابات. وهم جميعاً من سعوا إلى إنشاء كتلة برلمانية كبيرة بهوية طائفية ليتكرس الطابع الطائفي المدمّر للعملية السياسية وينزع كل عنصر وطني فيها، وهو ما نُقلت عدواه الى الدولة برمتها ويراد له أن يتأصل في المجتمع أيضاً.
"المدى" – 2/2/2012
حكومة تقوم على المحاصصة الطائفية وتكرّس في عملها اليومي تقسيم الدولة والمجتمع تقسيما طائفياً مذهبياً لا يمكن أن تحقق أي نجاح على أي صعيد وفي أي ميدان وفي أي وقت. هذا ما ينبغي أن يدركه زعماء التحالف الوطني والمتحدثون باسمه ونيابة عنه والذين غمزوا من قناة المالكي وحكومته أو قالوها صراحة بعد وقوع حادث تكريت وتفجيرات أول من أمس متحدثين عن فشل الحكومة في حفظ الأمن والحد من أعمال الإرهاب.
عندما طُرحت منذ أشهر فكرة مساءلة السيد المالكي وحتى سحب الثقة من حكومته عن إخفاقاتها وقف زعماء التحالف والمتحدثون باسمه ونيابة عنه بالمرصاد لذلك (في العلن، ونحن نعرف إنهم في السر أشد بغضاً للمالكي ممّن بادروا إلى طرح فكرة المساءلة وسحب الثقة).
التحالف الوطني، بائتلافاته وقواه وزعمائه كافة، مسؤول مسؤولية مباشرة وكاملة غير منقوصة عن كل فشل لحكومة السيد المالكي، لأنهم الشركاء الأكثر أسهماً في هذه الحكومة، وليس في وسعهم التنصل من هذه المسؤولية.. ليس في وسعهم أن يشاركوا المالكي في أبوة النجاح والتبرؤ من الفشل.
نعم حكومة المالكي فاشلة، والدولة التي تقودها هذه الحكومة فاشلة، وهو فشل التحالف الوطني في المقام الأول وفشل كل القوى المشاركة في الحكومة وفي البرلمان الفاشل هو الآخر بامتياز ثم هو فشل للطائفية السياسية التي سعى التحالف الوطني ولم يزل لتكريسها.

323
شناشيل
ما ننتظره من الرئيس
عدنان حسين
باشر رئيس الجمهورية جلال طالباني أمس مهام عمله من العاصمة بغداد التي عاد إليها معافى بعد رحلة علاج طالت نسبياً نرجو ألاّ يحتاج إلى مثيل لها في المستقبل، فالأوضاع في البلاد متدهورة إلى أبعد الحدود مما يستدعي عملاً دؤوباً ومتواصلاً ومكثفاً لوضع القطار على السكة الصحية المفضية إلى ما يتطلع إليه الشعب ويحتاجه.
الأوساط السياسية والإعلامية ركّزت عشية عودة الرئيس على الجهد المنتظر منه لإخراج العملية السياسية من حال الاستعصاء التي طال أمدها للغاية وتأثرت بها سلباً مصالح الناس قاطبة، إلا المتسببين في هذه الحال وهم المتصارعون على السلطة والنفوذ والمال بضراوة وبانعدام تام للشعور بالمسؤولية الوطنية.
من الواضح أن هذه الأوساط ترغب في أن ينجح الرئيس في تهيئة الظروف الملائمة لعقد المؤتمر أو اللقاء أو الاجتماع الوطني (ليس الاسم بالمهم وإنما النتائج التي سيتمخض عنها فنحن لا نريد السلة وانما العنب)، لكن هذا الأمر مشكوك فيه والرئيس نفسه أشار الى ذلك بوضوح عندما أعلن قبل فترة ان العصا التي أخذ يتوكأ عليها في السنوات الأخيرة ليست سحرية. الأمر برمته سيعتمد على أطراف الأزمة، فكما أحكموا وثاقها يمكنهم وحدهم حلّه.
أشاطر الكثيرين الرأي في عدم وجود ما يدفع إلى التفاؤل بإمكانية تحقيق النجاح الذي يرغب الرئيس فيه، فأطراف النزاع أو الصراع أو الأزمة بالغة السلبية في مواقفها وطرق تفكيرها، ولا أمل يرتجى منها.
مع ذلك فان ما ينتظر الرئيس طالباني في بغداد لا ينحصر في حل عقدة الوضع السياسي، فثمة حاجة ماسة الى تدخلات منه في قضايا أخرى، وهي تدخلات من صميم مهامه الرئاسية.
دستورنا ينص في مادته السابعة والستين على أن من مهام الرئيس الأساسية أن "يسهر على ضمان الالتزام بالدستور". والدستور ينص في مادته الخامسة عشرة على أن "لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة".
منذ مطلع العام الماضي تصاعدت على نحو خطير تجاوزات الأجهزة الحكومية، وبخاصة الأمنية، على الحقوق والحريات العامة والشخصية، فالمظاهرات السلمية التي انطلقت في شباط من العام الماضي للمطالبة بإصلاح النظام السياسي ونظام الإدارة الحكومية وبتوفير الخدمات الأساسية قُمعت بوحشية، وتكررت الاعتداءات السافرة على النوادي الثقافية والاجتماعية، ومُنع الناس من التمتع بحقوقهم وحرياتهم الشخصية. كل هذا جرى بما يتعارض صراحة مع أحكام الدستور ومع شرعة حقوق الإنسان الملزمة للدولة.
فضلا عن هذا يجري التجاوز على حقوق الإنسان داخل المعتقلات والسجون وخارجها أيضاً باعتقال الناس من دون إذن قضائي وبطرق وأساليب بوليسية مدانة وإبقائهم فترات طويلة دون محاكمة.
رئيس الجمهورية مُلزم بالسهر على ضمان الالتزام بالدستور، ويحدونا الأمل في أن يراجع الرئيس طالباني مع الحكومة وأجهزتها، الأمنية بالذات، الانتهاكات المتكررة لأحكام الدستور، فهذا لا يقل أهمية عن السعي لحل الأزمة السياسية.


324
المنبر الحر / ولا حياة لمن تنادي
« في: 14:12 30/09/2012  »
شناشيل
ولا حياة لمن تنادي
عدنان حسين

البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية أمس بشأن أحداث سجن التسفيرات في تكريت، على أهمية ما جاء فيه من معطيات، دار في فلك الحقيقة من دون أن يُلقي بمراسيه على أرضها بخلاف التصريحات التي أدلى بها الليلة قبل الماضية محافظ صلاح الدين الذي كان أكثر صراحة.   
الوزارة أعطت في بيانها كل الأرقام الضرورية لمن كانوا في السجن وهوياتهم ومن هربوا ومن قتلوا من الارهابيين ومن استشهدوا من رجال الأمن ومن القي القبض عليهم ومن لم يزل طليقاً.
واعترف البيان بان الحادث كان نتيجة "تواطؤ" من بعض عناصر الحماية في السجن ، وان "تدبيرا مسبقا وترتيبا سبق القيام بهذه العملية" وان  "الاسلحة التي أستخدمها الارهابيون كانت قد دخلت الى الموقف اثناء اوقات الزيارات العائلية" وان اقفال قاعات السجن  كبيرة "قد عطلت بفعل فاعل مما جعلها مفتوحة على بعضها البعض بالاضافة الى عدم تفتيش الموقف من الداخل لفترات طويلة وهذا سبب اخر من اسباب الاهمال المتعمد الذي أدى الى هذه العملية".
هذا هو نصف الحقيقة . اما النصف الآخر وهو الأهم فكشف عنه محافظ صلاح الدين بقوله صراحة ان الحادث المأساوي برمته وراءه الفساد .. الفساد المالي والإداري الذي لا أظن ان أحداً من الملايين الثلاثين والنيف من العراقيين لا يعرف انه متوفر ومتكدس في دولتنا أكثر من توفر الأزبال وتكدسها في شوارعنا ودرابيننا قاطبة، بمن فيهم – العراقيين – رئيس الوزراء ومساعدوه ومستشاروه وسائر المقربين منه والذين لا يعترفون بهذا كفاية ولا يعجبهم أن نقوله ونكرر قوله علناً.
ما الذي قاله المحافظ أحمد عبدالله عبد؟
تحدث عن وجود تواطئ من المشرفين على السجن سهّل عملية التمرد وهروب السجناء والمعتقلين ووجود "تضليل وتزييف للحقائق من قبل بعض ضباط الشرطة للقيادات العليا"، موضحا أن خرقا كبيرا يتحمله بعض ضباط الشرطة في ادارة السجن كان وراء الحادث "الذي لا نستبعد أن تكون ارادات سياسية وراءه أيضا"، بحسب تعبيره.
ووصف السيد عبد بعض الضباط في سجن التسفيرات بـ"الفاشلين والفاسدين"، مؤكداً وجود مؤشرات حول حالات الفساد رفعت في تقارير إلى بغداد لاتخاذ التدابير بشأنها، "لكن التضليل من قبل الشرطة أضاع علينا فرصة تلافي الخلل".
الفساد، هو نصف الحقيقة المغيب في بيان الداخلية، لكن  والحق يقال ليست الداخلية وحدها من يتغاضى عن هذا النصف .. دولتنا كلها بقضها وقضيضها تمشي على هذا المنوال، فالفساد المالي والاداري هو ما يسهل للجماعات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة تنفيذ جرائمها بدم بارد، والفساد هو ما يجعل الكهرباء معضلة لا حلّ لها، والفساد هو ما يُبقي على الحصة التموينية، كما ونوعاً، مما لا يليق بشعب النفظ والرافدين، والفساد هو ما تظل معه مدننا مزابل كبرى ومياهنا غير صالحة للشرب والصحة والبيئة والتعليم والصناعة والزراعة والخدمات العامة في حال لا تليق بالبشر والخريجون جنودا في جيش العاطلين المتفاقم والفقراء أكثر فقراً وأكبر عدداً والاغنياء الجدد (قطط الفساد السمان) أكثر غنى وأكبر عدداً أيضاً.
الفساد .. الفساد يا سامعين الصوت !
 ولقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً   
 ولكن لا حياةَ لمن تنادي

 



325
شناشيل
لماذا حدث ما حدث في تكريت؟
عدنان حسين
مرة أخرى نُثبت أننا دولة فاشلة الى أبعد الحدود، فدولة لا تستطيع أن تؤمن سجناً من سجونها احتجزت فيه حكومتها بضع مئات من أخطر الأشخاص على أمنها هي دولة فاشلة بامتياز، خصوصاً وان حوادث الهجوم على سجون من هذا النوع تتكرر شهرياً وأحياناً اسبوعياً.
سجن تسفيرات تكريت الواقع وسط المدينة لم يكن صريفة مبنية من أعواد القصب وأوراق البردي، ولم يكن أيضاً خيمة مصنوعة من  الشعر ولا بيت من الطين، لكي يسهل على مجموعة مسلحة أن تقتحمه وتُطلق سراح 116 من المحتجزين فيه هم جميعاً من قادة وعتاة عناصر تنظيم القاعدة بحسب ما أفاد به عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية حاكم الزاملي.
كيف يحصل أن تقتححم المجموعة المسلحة هذا السجن الليلة قبل الماضية بعد تفجيرها سيارة مفخخة (سيناريو حدث من قبل في مرات عدة في مناطق ومحافظات مختلفة)؟ وكيف يحدث الا تستطيع القوات المرابطة في المدينة وفي المحافظة برمتها (صلاح الدين) السيطرة على المدينة لاحقاً لإلقاء القبض على المهاجمين وإعادة السجناء المُطلق سراحهم فيُرسل القائد العام فرقته "الذهبية" ليُسفر الأمر عن مجزرة بين صفوف عناصر الأمن أكثر مما بين المجرمين (63 قتيلا وجريحاً)؟
هذا السجن بالذات شهد في نيسان الماضي محاولة هروب جماعي فاشلة لسجنائه عبر نفق حفروه. وقبل ذلك بسنة حدثت فيه أعمال شغب واضطرابات أحرق خلالها عدد من الموقوفين بعض أقسام السجن وأصيب 15 شخصاً بينهم ضابط كبير. وتكررت أعمال الشغب في تشرين الثاني من العام الماضي. واذا أردنا إحصاء الحوادث المماثلة في سجون المحافظات الأخرى فالحصيلة تكون بالعشرات.
كم يتعين أن يبلغ عدد هذه الحوادث لكي تأخذ دولتنا وحكومتها العبرة وتتخذ اللازم لمنع وقوع الحوادث من هذا النوع؟ وكم مئة مليار دولار يتوجب على النفط ان يضخها في الموازنة العامة السنوية لكي تصبح هذه الدولة وحكومتها قادرة على حراسة سجن صغير يضم عتاة الارهابيين؟
في دولة كدولتنا ومع حكومة كحكومتنا (الحالية التي ليس أحسن منها التي سبقتها ولا التي سبقت سبقتها ولن تكون أحسن منها الحكومة التي ستلي الحكومة الحالية، حتى لو لم تكن برئاسة نوري المالكي) لن تتغير الحال حتى لو وقع ألف حادث وحادث من النوع الذي جرى في تكريت، ولن تتغير الحال حتى مع عائدات نفطية ب 300 مليار دولار سنوياً).
والسبب ؟ اننا دولة فاسدة .. غارقة من هامة الرأس الى أخمص القدمين في الفساد .. الفساد ما يجعل حراس السجون غافلين عن مهمتهم فتتسرب الأسلحة والذخائر وأجهزة الإتصال المتطورة والمعدات المختلفة الى السجون. والفساد ما يسمح للارهابيين بتفخيخ السيارات ووضعها بكل ثقة واطمئنان عند أبواب السجون .. والفساد ما يضع السجون وسائر أجهزة الدولة ومؤسساتها في الأيدي غير الأمينة .. والفساد ما ينهب مئات مليارات الدولارات من المال العام  فلا يظهر السنة بعد الاخرى أي أثر ذي قيمة لهذه المليارات على حياة الناس.
أوقفوا الفساد لتتحسن الأحوال. ولكن أين الذي لديه الإرادة وله المصلحة في وقف الفساد؟


326
شناشيل
الزعماء يفضلونهم أميين
عدنان حسين
جزيل الشكر لمدير عام تربية الرصافة الثالثة وزميله مدير عام تربية الرصافة الأولى وزميلهما مدير عام تربية النجف ومدير عام الشؤون الادارية والمالية في الهيئة العليا لمحو الأمية الذين نورونا بمعلومات مهمة تضمنها تقرير بثه المركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي.. معلومات أجابت عن سؤال حيّر الكثير منا: لماذا يبدو الكثير من منتسبي الدفاع والداخلية خشنين وحتى قساة للغاية في تعاملهم مع مواطنيهم؟
المعلومات أكدت وجود إقبال كبير على التعلم ضمن برنامج محو الأمية، فقد سجّل نحو 21 ألف دارس في مراكز محو الأمية ضمن مديريات التربية في الرصافة الاولى والثالثة والنجف خلال الأيام الماضية، منهم 12 ألفاً في الرصافة الثالثة وألفان في الرصافة الأولى و7 آلاف في محافظة النجف.
هذا الاقبال الكبير على صفوف محو الامية مفرح بدرجة كبيرة، فهو يعزز الأمل بان ثمة ضوءاً في نهاية النفق المظلم الذي فيه ألقانا صدام حسين وفيه أبقانا خلفاؤه المشغولون بصراعاتهم على السلطة والنفوذ والمال والمبددون لمئات المليارات من الدولارات على المشاريع الفاشلة والوهمية.
المعلومة الأثمن تقول ان بين السبعة آلاف ملتحق بصفوف محو الامية في محافظة النجف وحدها خلال الأيام الاخيرة 2600 من منتسبي وزارة الداخلية و1400 من منتسبي وزارة الدفاع.
وكما أفاد مدير عام الادارية والمالية في الهيئة العليا لمحو الامية في وزارة التربية فان "في وزارات الدولة أعدادا كبيرة من الأميين الا ان بعض الوزارات لم ترسل للتربية اعدادهم، فيما اتضح ان وزارة الدفاع تأتي بالمرتبة الاولى بين نظيراتها بعدد الأميين بنسبة 23 بالمئة من منتسبيها وتليها وزارة الداخلية بالمرتبة الثانية".
المعلومة السيئة ان الحملة الوطنية لمحو الأمية لن تتمكن من استيعاب اكثر من مليون أمي فيما عددهم 5 ملايين .. نعم 5 ملايين أمي في البلد الذي اخترع الكتابة فجعل البشرية تخرج من الظلمات الى النور.. البلد الذي اخترع العجلة فقرّب بين المسافات الطويلة ويسّر الانتقال في البلد الواحد وبين البلدان ومن قارة الى قارة بل من كوكب الى كوكب .. البلد الذي شهد أكبر عدد من الحضارات العظيمة في التاريخ .. بلد النفط والغاز والفوسفات والتمر والحنطة والشعير والعنبر والنهرين (عشرون نهراً في الواقع) والأهوار والبحيرات والجبال والسهول والصحارى .. البلد الذي (بغصّة خانقة حارقة وبألم ممض كاو بل قاتل أقولها) محا صدام حسين أميته في خمس سنوات وفشل خلفاء صدام في محو أمية الف شخص في عشر سنوات، بل زادوا من عدد أمييه ليصبح خمسة ملايين، رسمياً ولا بد ان العدد الحقيقي أكبر.
أأدركتم الآن لماذا يبدو الكثير من الجنود ورجال الشرطة وضباطهم قساة ؟ .. ربع عددهم أميون! .. لا تسألوا :ألم يُعلموا مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ كيف وهم لا يفكون الخط! وكيف وزعماؤهم السياسيون – زعماؤنا ايضاً بأسف – أغلبهم شبه أمي وكلهم تقريباً لا يؤمنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان!
ولا تسألوا أيضاً: لماذا جنّدوا الأميين في سلكي الجيش والشرطة فيما المتعلمون، بل خريجو الجامعات، يمكن تشكيل جيوش جرارة منهم.. لا تسألوا فزعماؤنا يفضلونهم أميين.


327
المنبر الحر / سياسة مملكة الآلهة
« في: 12:24 26/09/2012  »
شناشيل
سياسة مملكة الآلهة
عدنان حسين
كل أسبوع تقريباً تعلن السلطات الأمنية عن القاء القبض على  مجموعات إرهابية وعصابات جرمية، وبخاصة تلك المسؤولة عن هجمات أو تفجيرات منفردة أو مسلسلة هجمات، لكن في مرات نادرة تعرض علينا هذه السلطات التفاصيل الضرورية التي تساعد في تحصين المجتمع ضد الارهاب وأعمال الجريمة المنظمة، فثمة عملية تعتيم غريبة تجري في هذا الشأن.
هذا التعتيم هو جزء من عملية واسعة لا تسمح للرأي العام بالاطلاع على هذه التفاصيل عبر وسائل الاعلام، فحرية تدفق المعلومات في هذا المجال وغيره مقيدة عملياً. وجرت شرعنة هذا التقييد في "قانون حقوق الصحفيين" الذي شُرّع في العام الماضي وكان في حقيقته قانوناً لحماية الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها من حق الصحفيين في الوصول الحر الى المعلومات وحقهم في بث هذه المعلومات أيضاً. والان تسعى الحكومة الى فرض قيود أخرى مريعة للغاية عبر مشروع القانون المقدم الى البرلمان تحت اسم "قانون جرائم المعلوماتية" الذي سيكون سيفاً بتاراً مسلتاً على رؤوس العاملين في الإعلام الجديد ومستخدمي وسائله، ما يعكس نزوعاً نحو دكتاتورية حقيقية متوحشة.
في بريطانيا التي امضيت فيها سنين عديدة، وكذا الحال في سائر البلدان الاوروبية، ما تكاد تقع جريمة عادية أو ارهابية حتى يتلقى الجمهور كل التفاصيل المتعلقة بها بما فيها مكان وقوع الجريمة ووقتها وشهادات الشهود العيان إن وجدوا والصورة الحقيقية أو المتخيلة للجاني .. ولاحقاً تقدم محطات التلفزيون والصحف برامج وتحقيقات تكشف فيها تفاصيل الجريمة ودوافعها وعواقبها، فيتعلم الناس الطرق والوسائط التي يستخدمها المجرمون لتنفيذ جرائمهم لكي يكون المجتمع على دراية تامة بما حدث ومستعداً للحؤول دون وقوع جرائم مماثلة ومتمكناً من التعاون مع سلطات الدولة لمواجهة المجرمين وملاحقتهم.
أما عندنا فان الجرائم، على كثرتها المفرطة، تعامل معاملة أسرار الآلهة، إذ تُفرض أسوار هائلة عليها وبخاصة الجرائم الارهابية، الا في ما ندر وبدوافع سياسية في الغالب، فلا يقول أحد لنا كيف حدث ما حدث؟ كيف نفذ الارهابيون جريمتهم؟ من أين جاءوا بالاسلحة والذخائر؟ كيف نقلوها؟ كيف مرت بنقاط التفتيش التي تحاصر الأحياء والشوارع والناس؟ وأجهزة الإعلام هي الأخرى – بسبب هذه السرية على الأرجح – لا تتابع ما يحدث بالتفاصيل الكاملة، فيبقى الفاعلون مجهولين والفعل نفسه مجهولاً بدرجة كبيرة .. حتى الضحايا الاحياء من مصابين وأصحاب ممتلكات متضررة لا يبالي أحد بهم وبمصائرهم، فتفوت فرص كبيرة لتوعية الناس بالآليات التي يعمل بها الارهابيون وللتعبئة ضد الإرهاب ومن أجل انخراط المجتمع الى جانب الدولة في مكافحة الجرائم الارهابية والعادية.
بدلاً من الأغاني الهابطة وبرامج الحوارات السخيفة التي يعجّ بها فضاؤنا التلفزيوني، بوسع محطات التلفزيون أن تقدم كل ليلة واحدة من الحكايات المأساوية للارهاب فتهز المجتمع بأسره وتستحوذ على انتباهه كما المسلسلات التركية أو المصرية أو السورية، فمن يقنع سلاطيننا، بحسب التعبير الأثير لسرمد الطائي، بانهم باستراتيجية مملكة الآلهة التي يعملون بها انما يقدمون خدمات كبرى للارهابيين والمجرمين بعدم الكشف عنهم وعن تفاصيل جرائمهم المروعة.

 

 


328
المنبر الحر / حق البريء
« في: 14:36 25/09/2012  »
شناشيل
حق البريء
عدنان حسين
تخيّل نفسك تسترخي في بيتك ممداً على سرير النوم أو أريكة صالون الجلوس تتابع برامج التلفزيون، أو تمشي في الشارع أو تجلس في المقهى أو تواصل عملك في المكتب الحكومي أو الخاص، وفجأة تداهمك وحدة مدججة بالسلاح وتعتقلك في ظرف غير إنساني بالمرة.
ما معنى الظرف غير الإنساني هنا؟ إنه الا تُبرز وحدة الدهم لك أمراً قضائياً يخوّلها القاء القبض عليك والتحقيق معك ويبين سبب الأمر بالإعتقال، ولا تمنحك فرصة الإتصال بمحام ولا حتى إبلاغ أحد من أفراد العائلة بواقعة الاعتقال. وعلاوة على هذا كله يجرجرك أفراد الوحدة المسلحة غير المهذبين بالقوة سحباً ودفعاً ويُسمعونك الكلمات النابية أثناء ما يسددون اليك الضربات، ولا أحد منهم يجيبك عن سؤالك: ليش أو لويش أو لماذا؟
بعد هذا الفصل المأساوي تبدأ فصولاً أكثر مأساوية داخل المعتقل لا يأتي ختامها الا بعد أيام أو أسابيع أو حتى سنوات عدة، والختام يكون باطلاق سراحك بعد محاكمة أو من دونها والقول لك بانك بريء، وربما لا تسمع كلمة من قبيل: معذرة، متأسفين، حقك علينا!
هل تقبل بهذا؟ لن تقبل به بالتأكيد ولن أقبل به أنا ولن يقبل به غيرنا، فهذا ظلم فادح وعدوان صارخ على الحرية الشخصية وعلى الحق في الحياة الكريمة الآمنة.
الاسبوع الماضي أعلن رئيس لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب عن الانتهاء من صياغة مشروع "قانون حق البريء" الذي يعطي المعتقلين الابرياء الحق في مقاضاة الجهات التي اعتقلتهم. وفي حال تمريره في البرلمان سيكون الأول من نوعه في بلادنا، وهو يعكس تحول اعتقال الاشخاص بالظن والاشتباه والتهمة الكاذبة الى ظاهرة واسعة في هذا العهد الذي بدلاً من أن يرعى الحريات والحقوق العامة والخاصة ويتمسك بالقانون وبمباديء حقوق الانسان كما يؤكد الدستور، فانه أطلق العنان للاعتقالات العشوائية وأضفى الشرعية على الإتهامات الكيدية بالقبول بشهادة "المخبر السري".
عندما تتجاوز الدولة على حق الملكية لفرد فانها تدفع له التعويض المالي المناسب. واعتقال البريء هو الآخر تجاوز من الدولة على حق الحرية، وبالتالي فهو أيضاً يستحق التعويض المناسب. والتعويض المناسب هنا لا يكفي أن يكون مالياً فأكبر خسائر المعتقل البريء الذي تعرض للأذى الجسدي والإهانة والحطّ من كرامته الانسانية وانتهاك حقوقه هي الخسارة المعنوية، وهذه تعويضها لا يكون بالمال وحده.
تعويض الخسارة المعنوية للمعتقلين الأبرياء يكون بعدم تعرضهم ثانية وعدم تعرض غيرهم للظرف غير الإنساني الذي أرغموا على مواجهته من دون ذنب ارتكبوه. وضمان هذا يكون بمحاسبة كل المسؤولين عن ذلك... الذين نفذوا الاعتقال بالطريقة الموصوفة في مطلع هذا الكلام، والذين أمروا به من دون التدقيق والتثبت من صحة الاتهام أو من إجراءات الاعتقال بما يتوافق مع القانون. ومهم للغاية ايضاً أن يتضمن القانون المنتظر تشريعه في البرلمان محاسبة "المخبر السري" الذي تسبب في الاعتقال، لضمان عدم حدوث الإخبارات الكيدية التي بموجبها أعتقل الالاف، بل عشرات الالاف من العراقيات والعراقيين خلال السنين العشر المنصرمة، فحق البريء، السابق واللاحق، لن يكون مضمونا مع بقاء المذنبين طلقاء من دون حساب.


 
 

329
شناشيل
البنى التحتية والجرذان
عدنان حسين
بالتأكيد نحن في حاجة، بل في أمس الحاجة، الى برنامج وطني شامل وسريع لإقامة البنى التحتية، فدكتاتورية صدام حسين بحروبها العبثية المدمرة، ثم دكتاتورية أمراء الطوائف الحالية بنزاعات أقطابها الصبيانية وصراعاتهم المهلكة على السلطة والنفوذ والمال، الى جانب حرب الإرهاب الشعواء المتواصلة ضد الشعب العراقي، لم تترك لنا الا الموت اليومي والظلام والأزبال والغبار والفساد والفقر والبطالة والتخلف المريع.
نحتاج الى مشاريع كبرى للكهرباء ومياه الشرب والري والصناعة والزراعة والنفط والمعادن والنقل والبيئة والاتصالات والنقل والصحة والثقافة والتعليم ومحو الأمية والسكن والصرف الصحي والتدريب والتأهيل ... نحتاج اليها اليوم قبل الغد وهذه السنة قبل السنة المقبلة، وقد يكون قانون البنى التحتية الذي تسعى الحكومة لإقراره في مجلس النواب هو ما يمكن أن يلبي هذه الحاجات كلها بعد تضبيطه في البرلمان ووضعه موضع التنفيذ لاحقاً.
لكن على مجلس النواب، وكذلك الحكومة المتحمسة للقانون، أن يتعاملا بايجابية مع الملاحظات والتحفظات والاعتراضات المثارة على مشروع القانون. لا بد من التحرر من عقلية المؤامرة، من دون أن يعني هذا نفي امكانية المؤامرة بين الكتل السياسية المتنفذة في الحكومة والبرلمان، فمؤامراتها الكبيرة والصغيرة ضد بعضها البعض مما يُرى بالعين المجردة.
من أكثر ما يعترض عليه المعترضون ان القانون سيراكم علينا ديوناً وفوائد قد تُرهق الأجيال المقبلة وتكبّل ارادة الدولة والبلاد. ومما يجري الإعتراض عليه ان القانون يمكن أن يفتح أبواباً للفساد المالي والإداري أرحب من الأبواب الحالية المفتوحة على مصاريعها بعلم ودراية اساطين الدولة وبانخراط تام من بعضهم.
السنوات العشر الماضية شبه ضائعة، فما من شئ ذي قيمة فعلته الحكومات المتعاقبة، وهذا من جنايات جيش الفاسدين والمفسدين الجرار، وبأم العين نرى الآن ان المشاريع الصغيرة التي أنجزت ( شوارع وجسورومستوصفات ومدارس....) تتآكل وتتهاوى وقد أعيد ترقيع البعض منها مرة ومرتين.
لدينا خشية حقيقية من ان مشاريع البنى التحتية التي سيشملها القانون المقترح المثير للجدل والخلاف ستأتي في صورة مشاريع السنوات العشر الماضية. من يضمن الا تكون كذلك؟ وكيف نضمن الا تكون كذلك؟ لا بد من جواب واضح ومحدد لهذا، فالمشاريع المستهدفة بالقانون ستكلف ترليونات الدولارات.
في تصريح صحفي له قبل ثلاثة أيام أفاد رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان النائب يونادم كنا بان الاستثمار بموجب القانون المقترح "سيتم بالتعاقد مع شركات عالمية رصينة ومضمونة ضمانات سيادية وليس وسطاء كما يحصل حالياً".
ربما كانت نوايا النائب المحترم طيبة وتطلعاته حقيقية، لكن السؤال يبقى قائماً: من يضمن ذلك من طرفنا نحن؟. وثمة سؤال منطقي يثيره كلام النائب: لماذا لم نذهب طيلة السنوات العشر الماضية الى الشركات العالمية الرصينة والمضمونة ضمانات سيادية؟ هل ما قدمناه الى الشركات الأجنبية والمقاولين المحليين كان تبناً ونشارة خشب فلم يستحق الضمانات؟
لضمان أن تذهب مشاريع البنى التحتية الى شركات رصينة ومضمونة ومأمونة ومعول عليها يقتضي الأمر أن تحقق الدولة في كل قضايا الفساد المالي والاداري التي أهدرت مئات مليارات الدولارات في  أقل من عشر سنوات فقط، فجرذان الفساد الطلقاء سيظلون بالمرصاد لمشاريع البنى التحتية.

 

330
المنبر الحر / فرجة في غير مكانها
« في: 12:03 22/09/2012  »
شناشيل
فرجة في غير مكانها
عدنان حسين
في جمعة الأسبوع الماضي تقدّم مني في شارع المتنبي شاب يافع كان برفقته آخرون في عمره تقريباً، وقدم إليّ بطاقة دعوة إلى عرض مسرحي. شكرته وطمأنته إلى أن "المدى" ستنشر خبراً عنه في يوم لاحق، لكنه استدرك ليبلغني بأنه وزملاءه راغبون في حضوري شخصياً، فأعطيته وعداً غامضاً بعض الشيء بتلبية دعوته إن استطعت.
لم يفتني أن أفسر للشاب وزملائه سبب ترددي. قلت: إنكم تقدمون العرض في يوم الجمعة (أمس) الساعة 11 صباحاً وهذا موعد يتضارب مع الموعد الأسبوعي للكثير من المثقفين مع شارع المتنبي. اقترحت أن يتغيّر موعد العرض المسرحي، لكن الشاب أفهمني بأن هذا غير ممكن فليس لديهم سوى مكان بعينه، وهو يكون متاحاً يوم الجمعة أكثر من أي يوم آخر، فضلاً عن علاقة العرض باليوم العالمي للسلام في الحادي والعشرين من أيلول (أمس)، فقررت مع نفسي أن ألبي الدعوة، خصوصاً وان الشاب قال بلهجة ودودة للغاية: حضوركم سيكون تشجيعاً لنا.
بعد يومين من ذلك وقعت واقعة شارع المتنبي عندما تصرفت القوات الأمنية، كعادتها، مع بسطات الكتب في الشارع على طريقة "ابن عبدكة" أو "ابن جلا وطلاع الثنايا" فكسّرت ما كسّرت وأهانت من أهانت، فعزمت على الذهاب الى الشارع هذه الجمعة تضامناً مع من تجاوزت على إنسانيتهم وعراقيتهم القوات الأمنية. ولكن قبل أن أتوجه إلى الشارع طالعتني في الخيال عيون ذلك الشاب وزملائه، ولم أرغب في خذلان أصحابها.
المسرح فرجة، وأهم شروط الفرجة الإبهار، بصرياً وسمعياً، والمتعة. وكان عرض يوم أمس (عادات الموت السرية لفرقة بابيلون) فرجة جيدة إلى حد ما، وبالتأكيد كانت ستكون فرجة مكتملة الشروط لو قُدم العرض في مكان غير هذا المكان. ولم يكن المكان سوى سقيفة عادية تتسع لعدة مئات من الناس أنشأتها محلية الرصافة للحزب الشيوعي في منطقة بارك السعدون. بالكاد يصلح المكان (مع الانقطاعات المعهودة للكهرباء) لاجتماع حزبي موسع أو تجمع جماهيري محدود، وربما لعرض سينمائي. أما لعرض مسرحي فلا يصلح بالمرة، فليس هناك مكان مرتفع (خشبة المسرح) يقدم عليه الممثلون عرضهم ليكون متاحاً للمتفرجين جميعاً متابعة حركات الممثلين وسكناتهم.. كان على بعضنا أن ينهض من مكانه ليتابع ما يؤديه الممثلون، خصوصاً وان بعض الأداء جرى على مستوى سطح الأرض.
لست قادماً من المريخ .. أعرف أن واحداً من المليون عيب وعيب في دولتنا عدم توفر المسارح، فتلك المسارح التي كانت واحدة من مفاخر بغداد صارت بيوتا للخفافيش والعناكب أو مخازن للسلع، ودولتنا قاصرة عن تحسين أوضاع الناس الأمنية والمعيشية، فمن ذا الذي يفكر بالمسرح والسينما والموسيقى والغناء والمكتبات!
حضور عرض يوم أمس كان بحدود المئتين، وهو رقم غير قليل في ظروف بغداد الحالية. هذا دفعني إلى التفكير بان ينظم الحزب الشيوعي، وربما أيضا قوى التيار الديمقراطي جميعاً، بحملة وطنية للتبرع ببناء مسرح في بغداد، أو في الأقل شراء أحد المسارح المهجورة الا من الخفافيش والصراصر والسلع.
هل هذا كثير؟




331
شناشيل
يهود العراق .. لماذا معاداتهم؟
عدنان حسين
عنصرية مدمرة وروح حقودة وعقلية متحجرة عبّرت عنها تصريحات بعض السياسيين، وبينهم نواب في البرلمان، بخصوص مطالبة منظمة ليهود عراقيين يعيشون في إسرائيل بالتحقيق في الظروف التي أرغم فيها يهود العراق على الهجرة رغماً عنهم عن بلادهم عند منتصف القرن الماضي، وبتعويضهم عما خسروه من جراء ذلك.
وتجلّت هذه العنصرية والروح والعقلية خصوصاً في السعي لتزوير التاريخ بالقول ان اليهود العراقيين "هاجروا من البلاد بإرادتهم ولم يُجبرهم أحد على ذلك"، كما صرح أحد النواب، أو بوصم المطالبة بان وراءها "حركات ماسونية"(!) بحسب نائب آخر أشك في معرفته بالحركة الماسونية وبحقيقة المطالبة اليهودية العراقية.
ما الأمر بالضبط؟
الأمر هو ان الحكومة الإسرائيلية الحالية تحاول أن تثير قضية التعويض عن أملاك اليهود العراقيين المهجرين الى اسرائيل لكي تستحوذ عليها أو تستخدمها في التعويض عن أملاك الفلسطينيين المهّجرين من بلادهم. وفي مقابل هذا تحركت مجموعة من اليهود العراقيين لوقف هذا المسعى ووضع القضية في نصابها الصحيح الذي أوضحته في بيان يوم الجمعة الماضي دعت فيه إلى "فتح ملف الانفجار الذي استهدف كنيس (مسعودة) في بغداد بوضع متفجرات فيه والتوصل إلى الجهة التي تقف وراءه وما إذا كانت هذه الجهة هي الموساد (جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي) بهدف تسريع رحيلهم من العراق".(ما السيئ في هذا؟).
ودعا البيان إلى "تأسيس لجنة تحقيق في الطرق التي اعتمدها رئيس وزراء إسرائيل الأول ديفيد بن غوريون ورئيس الوزراء العراقي الراحل نوري السعيد في مطلع خمسينات القرن الماضي، مع قضية تهجير اليهود العراقيين".( ما الخطأ في هذا؟).
وأكدت اللجنة أن اليهود العراقيين "سيطالبون بنصف التعويضات من الحكومة العراقية وبالنصف الآخر من الحكومة الإسرائيلية وليس من السلطة الفلسطينية"، مشددة على "رفضهم لتعويضهم من أملاك الفلسطينيين، أو الربط بين قضية أملاكهم التي تركوها في العراق بقضية اللاجئين الفلسطينيين".(أين الخطيئة هنا؟).
أكثر من هذا ان أحد مؤسسي اللجنة، هو كوخافي شيمش، أوضح في تصريح صحفي انهم يعتقدون ان يهود العراق كانوا ضحية لـ " اتفاق أبرم بين حكومة إسرائيل بقيادة ديفيد بن غوريون وحكومة العراق برئاسة نوري السعيد" لتهجيرهم عنوة، وعلى هذا الأساس هم يطالبون بان تتحمل دولة اسرائيل نصف التعويضات عن أملاكهم في العراق. وأضاف آخر، هو الشاعر ألموغ بهر، إن تشكيل اللجنة جاء "لكي نستأنف المطالبة بتاريخنا، وثقافتنا (وأملاكنا بالطبع)، ولا نترك للآخرين، ومن ضمنهم الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، الاستحواذ عليها لصالحها". (ما العيب في هذا؟).
بالعقل والمنطق وبالقانون الدولي، وبالدين أيضاً، لليهود العراقيين المهجرين الى اسرائيل الحق في التعويض عما خسروه من أملاك وسواها في عملية تهجيرهم القسرية، وهو حق يشبه تماماً حق الفلسطينيين المهجرين عنوة من بلادهم منذ أربعينيات القرن الماضي في التعويض عما لحق بهم من خسائر وأضرار، ويشبه أيضاً حق الكرد في بلادنا ، بمن فيهم الكرد الفيلية، والتركمان والكلدوآشوريون في التعويض عما خسروه في عمليات تهجيرهم في عهد النظام السابق.
استناداً الى العقل والمنطق والقانون الدولي والدين أيضاً شُرّعت منذ العام 2003 القوانين  التي تعوّض المهاجرين، فضلاً عن المهجرين والشهداء والسجناء السياسيين. ومنذ العام 1991 دفعت الحكومات العراقية السابقة، وستدفع عدة حكومات لاحقة، تعويضات مليارية الى دولة الكويت ومواطنين عرب وأجانب عن الأضرار التي لحقت بهم من غزو نظام صدام للكويت.
فلماذا لا يحق لمواطنين عراقيين هُجروا رغماً عنهم من بلادهم وألقي بهم في اسرائيل (بعضهم فرّ منها الى بلدان أخرى) أن يحصلوا على تعويضات عن خسائرهم والأضرار اللاحقة بهم وأن ينالوا حق العودة الى بلادهم؟
أليست وراء الرفض والاستنكار عنصرية مدمرة وروح حقودة وعقلية متحجرة؟


332
المنبر الحر / الفاتحة!
« في: 15:43 19/09/2012  »
شناشيل
الفاتحة!
عدنان حسين
مضاعفاً كان غضبنا ممّا فعله مجلس النواب أول من أمس. وما فعله ليس بالهيّن ولا يمكن لمن في رأسه ذرة من عقل وفي نفسه ذرة من ضمير وفي كيانه ذرة من وطنية، أن يقبل بهذا العدوان الصارخ على العقل والضمير والوطنية ممن يُفترض فيهم درء العدوان من هذا النوع بوصفهم نواباً للشعب يمثلونه ولا يمثلون عليه.
المسرحية التي عُرضت بالصوت والصورة في الأيام الماضية بشأن تشكيل مجلس المفوضية العليا "المستقلة" للانتخابات كانت مؤسية حد البكاء الحارق، فمن دون حياء خرق مجلس النواب علناً وصراحة أحكام الدستور الذي بموجبه وبفضله أصبح النواب أعضاءً في البرلمان، وتجاوز على قانون المفوضية الذي شرّعه النواب بأنفسهم، وعمل بالضد من إرادة ورغبة الشعب العراقي في أن تكون لديه مفوضية مستقلة تماماً لضمان أن تجري الانتخابات المحلية والنيابية القادمة بشفافية ونزاهة.
نصت المادة (102) من الدستور على الآتي: "تُعد المفوضية العليا لحقوق الانسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النـزاهة، هيئات مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم أعمالها بقانون". بوضوح تام تعني هذه المادة أن الهيئات المستقلة، ومنها مفوضية الانتخابات، تخضع فحسب لرقابة مجلس النواب، ولا توجد أي كلمة هنا تخوّل المجلس تعيين أعضاء المفوضية وموظفيها من أي مستوى. وما تمّ أول من أمس أن الكتل السياسية في مجلس النواب اختارت بنفسها أعضاء مجلس المفوضية. وهذا خرق دستوري واضح وان كان وارداً في قانون المفوضية الذي أكد في مادته الثانية على أن المفوضية "هيئة مهنية حكومية مستقلة ومحايدة تتمتع بالشخصية المعنوية وتخضع لرقابة مجلس النواب".

فيما نصت المادة الثالثة على أن "يتألف مجلس المفوضين من تسعة أعضاء اثنان منهم على الأقل من القانونيين يختارهم مجلس النواب بالأغلبية بعد ترشيحهم من (لجنة من مجلس النواب) على أن يكونوا من ذوي الاختصاص والخبرة والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية مع مراعاة تمثيل النساء"، فهنا لا ترد أية إشارة إلى أن أعضاء مجلس المفوضين يجب ان يكونوا ممثلين للشيعة والسنة والكرد والتركمان والمسيحيين كما حدث في بازار مجلس النواب أول من أمس.
كما ان القانون نفسه نص على الشروط التالية لاختيار أعضاء مجلس المفوضين:
"1. ان يكون عراقيا مقيما في العراق إقامة دائمية. 2. ان يكون حاصلا على الشهادة الجامعية الأولية على الأقل. 3. أن لا يقل عمره عن خمسة وثلاثين عاما. 4. أن يكون حسن السيرة والسلوك. 5. أن يكون من ذوي الكفاءة والخبرة في مجال العمل الإداري. 6. أن يكون مستقلا من الناحية السياسية. 7. ان لا يكون مشمولا بإجراءات المساءلة والعدالة أو من أثرى على حساب المال العام أو ارتكب جريمة بحق الشعب أو من منتسبي الأجهزة القمعية للنظام السابق. 8. أن لا يكون محكوما بجريمة مخلة بالشرف".
وهنا أيضاً لا يخول هذا النص التحالف الوطني والقائمة العراقية والتحالف الكردستاني وأحزابها وزعماءها أن يعينوا ممثلين عنهم في المجلس كما حدث أول من امس في البازار البرلماني المقرف.
أما عدم اختيار أي امرأة في مجلس أول من أمس، وهذا هو المصدر الثاني للغضب على ما يسمى زوراً وبهتاناً بالبرلمان، فهو عار كبير جديد على أعضاء البرلمان الذين صوتوا والذين سكتوا، فالقانون الذي شرعوه هم نصّ على وجوب مراعاة تمثيل النساء، فيما أظهروا احتقاراً لا مثيل له الا لدى القاعدة وطالبان لأكثر من 15 مليون عراقية كل واحدة منهن تشرّف مئة مرة كل أعضاء البرلمان الذين شاركوا في بازار أول من أمس.
اقرأوا الفاتحة ورددوا الترانيم الجنائزية على الديمقراطية.
"المدى" - 19/9/2012

333
شناشيل
أبو نواس وشلش "غير" العراقي!
عدنان حسين
صديقة لي (هي نفسها التي ذكرتها الأسبوع الماضي) نصحتني أن أعطي نفسي "استراحة المحارب" لبضعة أيام أو أسابيع في "معركتي" مع الطبقة السياسية المتنفذة برمتها (حكومة وبرلماناً)، واقترحت أن أوجّه اهتماماتي نحو "قضايا اجتماعية عامة"، لكنها تركتني في حيرة لعدم إيضاحها ما إذا كانت تعني القضايا الاجتماعية من قبيل الطلاق وتعدد الزوجات مثلاً أم من قبيل بطالة الخريجين ورواتب المتقاعدين.
وعند ظهر أمس جاء "المدد"، فبعض أصدقاء الفيسبوك أوصلوني بحملة سرت سريعاً في قنوات موقع التواصل الاجتماعي هذا دفاعاً عن "أبو الشوارع" في عاصمتنا، شارع أبو نواس (الأب الأكبر، شارع الرشيد له منا خالص التعزية والذكر الطيب بعدما غدا "علوة" من الدرجة العاشرة).
الحملة أوقدت شعلتها الناشطة المدنية المعروفة السيدة شروق العبايجي بالتذكير بالتقرير التلفزيوني الذي بثقته قناة "الحرة عراق" الليلة قبل الماضية (أعدته الزميلة الشابة النشيطة صابرين كاظم) عن "القصابخانة" الجارية في الشارع الذي نُعد الأيام، بل الساعات، انتظاراً لعودته إلى عهوده الزاهرة وألوانه الزاهية وحياته النابضة (في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي).
كتبت شروق "الأعزاء.. نقلت الحرة تقريراً عن مشروع تحويل مناطق واسعة من حدائق أبي نؤاس الى شارع مبلط وبارك للسيارات. وأظهر التقرير انهم قد بدأوا بقلع الاشجار لتمهيد الطريق.. هل تتخيلون مدى (...) الذي وصلوا له ؟ يقلعون أشجار أبي نؤاس التي عمرها عشرات السنين ويحرموننا من المكان الأخضر الوحيد على دجلة. لابد من التحرك لإيقاف هذا التخريب والخراب. في العالم كله يزرعون ويشجرون ونحن نقلع الموجود من أشجار شكلت ذاكرتنا ورئة بغداد. إلى متى نبقى نشاهد هذا الخراب ولا نعمل شيئاً لإيقافه.. اقترح ان تكون هناك حركة احتجاجية كبيرة يوم السبت القادم في المهرجان لإيقاف هذا المشروع الغبي".   
في الحال استنفر الشباب (إناثاً وذكوراً) والشيّاب، من أمثالي، الذين صدمهم الخبر، وأدلى كلٌّ بدلوه. الأبرز كان الزميل الجميل الذي يوقع باسم "شلش العراقي". وإذا قال شلش وقف العراقيون الأقحاح وتوقفوا تحية واحتراماً واحتفاءً بذي القلب المحروق على العراق وأهله.
كتب شلش: "شارع أبو نؤاس ليس غيره أيها العراقيون الغيارى، أيها العراقيون النشامى، أيها العراقيون المغفلون النائمون ورجليهم بالشمس. هذه هي آخر ملامح عاصمتكم في رحمة الله. هذه هي آخر رئة مدنية وخضراء في ذمة الله بعد أن قطّعوا العاصمة وحوّلوها إلى بقع طائفية. قرروا اليوم أن يمحوا آخر اسم يذكركم ببغداد. ناموا طويلا أيها المخدرون، لقد أضحت ليالي أبي نؤاس حكايات نرويها لأطفالنا كي يناموا، وإذا سألوكم عن أبي نؤاس قولوا لهم: كان هنا، هنا تحت موقف سياراتكم الفارهة (السايبا) وأخواتها. قولوا لهم كنّا نياماً عندما نزلت معاول الخفافيش على أشجاره التي كتبنا عليها أسماء حبيباتنا. قولوا لهم حدث ذلك في زمن الإخصاء الطائفي. قولوا لهم حدث ذلك عندما خرجت الخفافيش من جحورها وعبثت في مدينة كان اسمها بغداد. قولوا لهم عاركم كله ولا تكذبوا عليهم، وقبل ذلك إذا سمحتم خذوهم في آخر رحلة وداع لإلقاء آخر نظرة على آخر شارع شكل ذاكرتنا الجمعية وهويتنا المدنية. امنحوهم فرصة السلام على جثة الشارع. دعوهم يسمعون الحكاية الأخيرة ما بعد المليون حكاية وحكاية من القهر. أرجوكم لا تتظاهروا من أجل شارع، مجرد شارع. إن الحكومة تفكر بمصلحتكم ومصلحة سياراتكم. لا تزعجوا الحكومة ولا تصدقوا شلش الكذاب عندما يقول لكم هناك مخطط لتصفية الحساب مع بغداد لأنها عباسية أسسها المنصور ونهض بها الرشيد فهؤلاء لا تحبهم إيران. لا تصدقوا شلش الكذاب لأنه لا يحب بغداد، ولم يعرف أبا نؤاس، ويكره الأعظمية ولم تتمزق أحذيته على رصيف شارع الرشيد، ولم ينفث دخان سجائره في مساءات مقاهي الكرادة، ولم يذرف دموع أحزانه في شباك باب الحوائج، ولم تهرول طفولته وراء السيارات في شارع الجوادر، ولم يتعلم السباحة في قناة الجيش. شلش كذاب وسنواته التي تطارده مثل قطط سود ليست سنواته. أبو نؤاس ارفع كأسك للمرة الأخيرة كي أخفض رأسي، فانا لست بعراقي".
صديقتي .. لست أنا وإنما شلش هو الذي لم يرد أن يتمتع باستراحة المحارب!


334
شناشيل
أليس كذلك معالي الوزير؟
عدنان حسين
ربما اعتقد وزير التخطيط والتعاون الإنمائي علي يوسف الشكري انه يزفّ بشارة الى الشعب العراقي بالإعلان عن ان وزارته قد وضعت الآليات لتوزيع 25 في المئة من فائض العائدات النفطية على أفراد الشعب أجمعين خلال العام الحالي الذي لم يتبق منه سوى ثلاثة أشهر ونيّف.
للوهلة الأولى قد  يسيل لعاب البعض لهذا الإعلان، وبخاصة الناس الرازحين تحت خط الفقر الذين يشكلون نحو 25 في المئة من سكان بلاد النفط  والغاز والأنهار والأهوار والبحيرات والآثار والعتبات والفوسفات والقار والتمر والجوز والمن والسلوى والتين والعنب والتفاح والبرتقال والنارنج والآلوبالو والحنطة والشعير والركي والبطيخ ........ حتى ينقطع النفس!
لكن غير هؤلاء سيدركون ان وزير التخطيط إنما يتحدث عن فتات، فقد كان واضحاً في القول ان ما سيوزع هو فائض الواردات النفطية، وهذا الفائض لا يشكل الا نسبة ضئيلة من مجموع الواردات التي يمكن أن تصل هذا العام الى 100 مليار دولار، فالفائض هو ما يتبقى بعد تنفيذ العجز في الموازنة العامة للدولة، وهذا العجز ملازم لكل موازنة، وإن فاض شيء بعد تنفيذ العجز فلربما تُعاد معه نكتة العام الماضي عندما وزعت الحكومة تحت ضغط التظاهرات الشعبية المجيدة مبلغ 15 الف دينار لمرة واحدة (قيمة نفر ونص كباب سفري) فيما أبقت على كمية الحصة التموينية القليلة ونوعيتها الرديئة على حالها بخلاف مطلب المتظاهرين بزيادة الكمية وجعل النوعية مما يصلح للاستهلاك البشري.
فضلاً عن هذا فان الوزير الشكري وضعنا مقدماً، وهو يعلن عن البشارة، بازاء أحجية لن يفك طلاسمها أعظم المنجمين والسحرة. وهي تتعلق بمن ستوزع عليهم مبالغ الفائض من العائدات النفطية. هل هم المدونون في البطاقة التموينية؟ الوزير قال بلسانه ( الزميلة "الصباح" أمس) ان هذا لن يكون عادلاً فـ "الكثير من المستلمين لمفردات البطاقة التموينية هم غير مستحقين لها" (لم يقل في المقابل ان بعض المستحقين غير مدرجة أسماؤهم وعائلاتهم في سجلات البطاقة). كما انه أكد ان الآلية الثانية الممكنة لتوزيع فوائض العائدات النفطية بالاعتماد على الضمان الإجتماعي غير عادلة هي الأخرى لأنها بحسب ما قال "فيها محاذير عديدة على اعتبار ان هناك من يستحق هذا الراتب ولم يحصل عليه وهناك من غير المستحقين ويحصلون على الراتب".
الوزير الشكري لم ينس أن يختم تصريحه بالإعراب عن أمله في "أن تصل نسبة ال 25 في المئة من فوائض واردات النفط الى مستحقيها".. كيف؟ الوزير يتركنا في حيص بيص، وقد يقترح البعض عليه اعتماد آلية (الطرة كتبه) لاعتماد إحدى الاليتين، ولكن من أين لنا بالعملة المعدنية؟
ثمة آلية هي الأمثل والأسلم والأصح، لأنها تحقق العدالة تماماً، لم يشر اليها الوزير من قريب أو بعيد مع انه أكثر الناس معرفة بها وبجدواها وبحاجة البلد الماسة اليها في الف مجال ومجال .. الا وهي الإحصاء السكاني العام المؤجل لأسباب محض سياسية.
أعرف ان الإحصاء ليس في وارد الحكومة الآن، ولهذا أقترح عليه أن يقترح على الحكومة صرف النظر عن توزيع النسبة البائسة المعلن عنها وإنفاق أموالها في مجال نافع، كالكشف عن الفاسدين والمفسدين في الحصة التموينية والضمان الاجتماعي، فمن غير المعقول أن نوزع فوائض نفطية، حتى لو كانت ضئيلة، على بعض الشعب فيما بعضه الآخر لا يحصل على حصته التموينية ولا على تخصيصاته الإجتماعية.
 أليس كذلك يا معالي الوزير؟



335
المنبر الحر / الى حيث ألقت رحلها
« في: 11:49 16/09/2012  »
شناشيل
الى حيث ألقت رحلها
عدنان حسين
يبدو عضو مجلس النواب الاتحادي عن الائتلاف الكردستاني محما خليل منزعجاً وزعلان لأن العملية السياسية مهددة بالانهيار في رأيه، فاختار في تصريح له أن يحذّر من العواقب  وأن يدعو السياسيين إلى السعي لتفادي هذا الانهيار خشية أن يؤدي بها (الانهيار) إلى الهاوية، بحسب تعبيره.
لا أدري لماذا يُبدي النائب المحترم كل هذه الحمية على جثة هامدة لا يريد لها أصحابها أن يجري الدم في عروقها. فهل يُمكن مثلاً -إذا ما نجح من أهاب بهم النائب الكردستاني العمل على منع سقوط العملية السياسية الراهنة في الهاوية– أن تكون هذه العملية في صورة جديدة وصيغة جديدة؟ ممكن بالطبع، لكن هذا يتطلب بالضرورة أن يتولى العملية غير الذين تولوها حتى الآن، فمن يقبل بهذا؟
النائب خليل يرى أن عدم حل المشاكل التي تواجهها العملية السياسية الآن، سيجعل البلاد تشهد "أزمة تلو الأخرى"، كما لو أننا لا نخوض الآن في بحر من الأزمات والمشاكل والمحن والمصائب و"البلاوي" بفضل هذه العملية السياسية اللعينة.
بالله عليك أيها النائب المحترم، في أيّ مجال لا توجد لدينا أزمة تتلو أزمة؟ وفي أي ميدان لا توجد مشكلة تلد مشكلة؟ وفي أي حقل لا توجد معضلة متمخضة عن معضلة؟.. الأمن؟ السياسة؟ الاقتصاد؟ الخدمات العامة (من الكهرباء إلى نظافة الشوارع)؟ الثقافة؟ الحياة الاجتماعية؟ العلاقات الخارجية؟ العلاقات الداخلية بين الحكومة والشعب.. بين الحكومة والقوى السياسية الأخرى داخل البرلمان وخارجه.. بين الحكومة وسلطات إقليم كردستان.. بين الحكومة والمحافظات.. بين القوى السياسية نفسها حتى في إطار التحالفات والائتلافات المنضوية تحت لوائها؟ فهل بقي مكان في البلاد أو زاوية من زوايا الحياة من دون أزمة أو مشكلة أو معضلة؟
يعرف النائب الكردستاني، كما نعرف جميعاً، أن العملية السياسية التي يُحذّر من انهيارها وانحدارها إلى الهاوية هي -بصيغتها التي تشكلت بها منذ البداية- السبب الكامن وراء الأزمات والمشاكل والمعضلات والمصائب التي تتخبط بها البلاد بمن عليها من بشر. وعليه فان ما يتوجب أن يعمل عليه نائب الشعب أن يدع هذه العملية تنحدر الى الهاوية وأن يقوم أصحاب هذه الجثة الهامدة بدفنها، فإكرام الميت في دفنه.
لعشر سنوات لم تجلب لنا هذه العملية السياسية سوى القتل والخراب والتعصب والاحتراب والفساد وانتهاك الحقوق الأساسية والتجاوز على الحريات العامة والخاصة، والفقر والبطالة، والرفع من شأن الكثير ممن لا يساوي الواحد منهم في قيمته شروى نقير، فعلام يريدنا النائب أن نتمسك بها ونحول دون انحدارها إلى الهاوية؟ ألكي نعيد إنتاج الأزمات والمشاكل والمعضلات والنكبات والويلات والبلاوي نفسها؟
أعظم خدمة يُمكن أن تُقدّم إلى الشعب العراقي الآن أن نُلقي بهذه العملية السياسية والقائمين عليها إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، فلن نخسر شيئاً.. بل سنربح المستقبل.


336
شناشيل
أحلام عصافير يا سيد كوبلر!
عدنان حسين
في اليوم العالمي للديمقراطية الذي يصادف اليوم، أعرب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في البلاد مارتن كوبلر عن حلم شخصي نبيل له في أن يكون بوسعه بعد ستة أشهر من الآن عند تصفّح الإنترنت وقراءة تعليقات للشباب العراقيين يتبادلونها مع بعضهم البعض حول أفضل المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات والاقضية والنواحي التي لم يزل أمرها على كف عفريت.
وقد جمح الخيال بالسيد كوبلر الى الحد الذي قال فيه في مقال له بالمناسبة (منشور في ص من "المدى" هذا اليوم) انه يريد أن يرى "صوراً للنساء  في نشرات الأخبار جنباً إلى جنب مع أفراد عائلاتهن وهن متلهفات للإدلاء بأصواتهن في الانتخابات. أريدهم جميعاً أن يشعروا بالثقة في العملية الديموقراطية في العراق، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يصبح بها العراقيون قادرين على بناء مستقبل أفضل لأنفسهم".
جزيل الشكر أيها السيد المحترم على هذه الأحلام الجميلة التي يشاطرك فيها 99.9 بالمئة من العراقيات والعراقيين، لكنني سأخبرك بأسف بانها أقرب الى أن تكون أحلام عصافير، ذلك ان النسبة المتبقية من العراقيين (0.01)  لا تشاطرك وإيانا الأحلام نفسها والمطامح عينها، وهؤلاء هم أفراد الطبقة السياسية المتنفذة في السلطة، على اختلاف كتلهم وائتلافاتهم وأحزابهم وميليشياتهم.
هؤلاء لا يريدون لنا أن نثق بالعملية الديمقراطية كما تريد، ولا أن نكون قادرين على بناء مستقبل أفضل لإنفسنا كما تتمنى. انهم غير ديمقراطيين، بل هم معادون للديمقراطية، فلا يريدون قيام نظام ديمقراطي في البلاد. وهذا لأن الديمقراطية تعني عدم دوامهم في كراسي السلطة. وهذا أيضاً لأن الديمقراطية تعني قيام دولة القانون وتطبيق مبادئ الحرية والمساواة، ما يقضي على نظام المحاصصة الطائفية والقومية والتوافق الحزبي والعشائري والشخصي. وهي (الديمقراطية) تجعل القضاء مستقلاً وتُرغم السلطة التنفيذية على الشفافية، ما يعني بدوره عدم القدرة على الفساد والإفساد المالي والإداري والسياسي، وهذا كله لا تريده طبقتنا السياسية المتنفذة، وبخاصة أكثرها رفعاً للصوت عن الدين وقيمه وعن حميد الأخلاق.
أفترض أيها السيد كوبلر انك تعرف هذا وتُدركه جيداً كما نحن، فعمر ممثليتكم في بلادنا بعمر العملية السياسية العرجاء العوراء الشوهاء التي أقامتها الولايات المتحدة، وكانت منظمتكم الدولية شاهداً عليها .. شاهداً من النوع الذي ليس في وسعه أن يضع النقاط على الحروف وينطق بالحقيقة كما هي، فيلجأ الى التعبير عن احلامه وأمنياته ورغباته وطموحاته، كما تفعلون أنتم الآن في المناسبة الجليلة التي تصادف اليوم، مناسبة اليوم العالمي للديمقراطية.

 

337
شناشيل
إرهاب في القاهرة وبنغازي
عدنان حسين
لم تكن محض مصادفة أن يختار سلفيو ليبيا ومصر المتعصبون يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) لمهاجمة مقر القنصلية الأميركية في بنغازي الليبية بالصواريخ ما أدى إلى مقتل السفير وعدد من موظفي القنصلية، وتنظيم تظاهرات والسعي لاقتحام مقر السفارة الأميركية في القاهرة،
 فهذه الأعمال الإرهابية قصد بها إحياء ذكرى العمل الإرهابي الأكبر، هجمات 11 سبتمبر 2001 التي قتل فيها انتحاريو "القاعدة" أكثر من ثلاثة آلاف مدني أميركي وغير أميركي.
لا بد أن هذا العمل المزدوج كان مرتباً ومنسقاً سلفاً وإن اتخذ من بث فيلم يسيء إلى النبي محمد عبر شبكة الإنترنت حجة له. وهو على أي حال يعكس حال التخلف المريع الذي تعيشه مجتمعاتنا، وبالذات الأوساط الإسلامية المسكونة بتعصب لا يُناظره إلا تعصب متدينين مسيحيين من النوع الذي أنتج الفيلم، وهما تعصبان لا يفرقان عن بعضهما في شيء، بل يعتاش كل منهما على الآخر.
من فرط جهلنا وتخلفنا لا ندرك أن الحكومات والمؤسسات الرسمية في أوروبا لا تتدخل في الشؤون الفنية والثقافية والعلمية مثلما لا تتدخل في الاقتصاد، وبالتالي فإنها ليست مسؤولة عما يُطرح في السوق من سلع ومنتجات، بما فيها أفلام السينما والتلفزيون والفيديو، بل ليس من حق  هذه الحكومات والمؤسسات، بموجب دساتيرها وقوانينها التي تكفل الحريات العامة والخاصة وتعاقب من ينتهكها أياً كان، أن تمنع إنتاج أي عمل فني وثقافي حتى لو كان يندد بهذه الحكومات والمؤسسات ويهتك أسرارها.ومستندة إلى كفالة حرية التفكير والتعبير، أنتجت السينما ومحطات التفزيون الأميركية والأوروبية مئات الأفلام والبرامج والمسلسلات التي تدين حروباً خاضتها حكومات هذه البلدان في الخارج، بما فيها حرب فيتنام والحرب المتواصلة في أفغانستان وحرب الخليج 1991 واجتياح العراق 2003، بل إن شركات السينما والتلفزيون أنتجت أفلاماً وبرامج مناهضة للكنيسة ومشككة في هوية المسيح نفسه وفي وجوده من الأساس، لم يستطع حتى الفاتيكان  منعها.
إذا كان يتعين أن تخرج التظاهرات وأن تُقصف السفارات والقنصليات بالصواريخ في كل مرة تصدر فيها إساءة للدين الإسلامي وسائر الأديان في الإنتاج الفني في هذه البلدان فانه يتوجب مهاجمة كل السفارات والقنصليات الغربية في البلاد الإسلامية قاطبة.
لكن هذا سلاح ذو حدين فإذا بررنا مثل هذه الهجمات سنبرر للمتدينين المتطرفين في تلك البلدان أن يهاجموا كل سفاراتنا وقنصلياتنا في بلدانهم استناداً إلى حجة مماثلة، ففي كل يوم يُهاجم  المسيحيون في جوامعنا وحسينياتنا ومن على شاشات التلفزيون وعبر الإذاعات وفي خطب الجوامع والمساجد والحسينيات، ويُندد بالحضارة المسيحية بوصفها حضارة "فاسقة"، مع أن المهاجمين يعتمدون في حياتهم اليومية على الأجهزة والمعدات المنتجة بفضل هذه الحضارة، بما فيها مكبرات الصوت في الجوامع والحسينيات وأجهزة الراديو والتلفزيون والتلفون والسيارة ومشروبات الكولا وسواها.
ما حصيلة ما جرى في بنغازي والقاهرة غير القتلى والجرحى؟ تعميق لصورتنا السلبية في عيون الغربيين .. صورة القتلة وسفاكي الدماء بالجملة.


338
شناشيل
طبق الأصل .. الى إتحاد الأدباء
عدنان حسين
صديقة أرادت أن تُشركني في ما تركه في نفسها من أثر طيب مقال للزميل الصحفي والروائي حسن الفرطوسي (من لاجئي مخيم رفحا السعودي الذين انتهى بهم مطاف المنفى في استراليا) نشره في إحدى الصحف العربية. وبدوري أرغب في إشراك قراء هذا العمود في الأثر المماثل الذي تركه المقال في نفسي.
أتمنى أن يقرأ المقال قادة اتحاد الأدباء واتحاد السينمائيين ونادي الصيادلة، وبالذات إتحاد الأدباء الذي خذلنا موقفه من الاعتداءات المتكررة لقوات حكومية على النوادي الثقافية والاجتماعية وبينها ناديه، فالاتحاد بدا سعيداً ومبتهجاً باستثناء ناديه من قرار إغلاق البارات والملاهي، كما لو أن قضية الانتهاك السافر للحريات الشخصية والمدنية وللدستور الذي يكفلها لا تعني الأدباء واتحادهم في شيء. كان منتظراً من اتحاد الادباء أن يصدر بيانا استنكارياً شديد اللهجة، بل كان عليه إغلاق مقره وتعليق نشاطاته لمدة أسبوع  وتنظيم اعتصام لمدة يوم واحد.

 كتب الزميل الفرطوسي:

((مر عام على اغتيال شهيد الكلمة الحرة والمجتمع المدني، الفنان والإعلامي هادي المهدي، وأقام محبوه وعشاق الحرية والكرامة أمسية استذكارية  في شارع أبو نؤاس ببغداد.. كانت الأمسية فرصة هائلة لم يغتنمها من أهدرت كرامتهم خلال اعتداء قوات (...) على نوادي النقابات المهنية الأسبوع الماضي.. كان بإمكان المطرب حسين البصري استرداد كرامته التي أهدرت خلال ذلك الاعتداء ويحضر أمسية استذكار المهدي، وينشد للحرية والوطن والعيش الكريم، كما كنت أتمنى أن تحضر كل النقابات المهنية وتقرأ بيانات تستنكر الاعتداء على الحريات الشخصية وسلوكيات «طالبان حكومة المالكي».
حين يتعرض الإنسان إلى الامتهان، دون أن يعبر عن رفضه ولو بالحد الأدنى، فذلك يمثل إعلاناً صريحاً بقبول الإهانة، مما يحرّض المستبد على ارتكاب المزيد من الانتهاكات، ومع تراكم الإهانات سيفقد المرء تعاطف الآخرين معه كضحية تعسف ظالم.
اتحاد الأدباء، المتضرر بشكل مباشر من اعتداءات (...)، لم يصدر بياناً لحد هذه اللحظة (غير تصريح باهت انتزعته جريدة المدى من رئيسه فاضل ثامر) كما هي حال نقابتي الصيادلة والسينمائيين، وكم كانت الفرصة سانحة لتلك المؤسسات النقابية للتعبير عن نفسها في ظل مناسبة كهذه!.. ترى ما الذي يمنع تلك النقابات من التضامن مع الفعاليات الشبابية كأمسية استذكار هادي المهدي؟ كان بالإمكان أن نرى بقليل من التنسيق عشرات الآلاف من أعضاء تلك النقابات لو كانت روح المبادرة موجودة.
المشكلة التي يعانيها العراق لا تكمن بتخلف وهمجية الأحزاب الدينية فحسب، وإنما هناك تخاذل واضح من قبل الكيانات النقابية وجماهير النخبة، وهذا ما يجعل (...) الأحزاب الدينية أكثر تمادياً وشراسة وعنفاً.. أعضاء في اتحاد الأدباء تحدثوا عن الحدث باعتباره اعتداء على الأقليات المسيحية والأيزيدية، وكأن مرتادي تلك المنتديات ينتمون إلى تلك الأقليات فقط، وهذا نوع من الاحتيال في التعبير عن المطالب. ارتياد النوادي الاجتماعية واحد من معاني الحريات الشخصية التي كفلها الدستور، والتي لا ينبغي التفريط بها، ولا يجب أيضاً الاختباء خلف «مظلومية الأقليات».. من العار أن نطرح مطالبنا المشروعة بغموض، في الوقت الذي يطالب فيه سجناء إرهابيون بوضوح تام وصوت عال بشمولهم في العفو العام.
نخبنا الجماهيرية ما زالت غير مقتنعة تماماً بجدوى التظاهر وتعتبره فعلاً شكلياً لا يجدي نفعاً، وهي بذلك تمنح الطمأنينة الكاملة للأحزاب الدينية الحاكمة في ممارسة التعسف واستسهال «الضرب على القفا» دون أن تتوقع ردة فعل غاضبة)).


339
شناشيل
ومن يثبت وجود قواتنا المسلحة؟
عدنان حسين
هجمات أول من أمس الدموية الهدف منها أن تثبت المنظمات الارهابية وجودها. هذا الكلام قاله المتحدث باسم عمليات بغداد العقيد ضياء الوكيل. وهو ليس بالكلام الجديد، فنفسه قاله هو مرات عدة وقبله  ردده سلفه  اللواء قاسم عطا ومسؤولون أمنيون كبار آخرون مراراً وتكراراً ، بل ان رئيس الحكومة، القائد العام للقوات المسلحة، مضى أبعد من ذلك بالإعلان عن هزيمة الإرهاب هزيمة شبه تامة وكاملة ومطلقة.
بالطبع واقع الحال شيء آخر، فهذا الإرهاب المنفلت من العقال لا يحتاج الى أن يعلن عن نفسه ويثبت وجوده .. انه قائم وموجود في حياتنا يومياً ويعبّر عن نفسه بمئة صيغة وصيغة.
من يحتاج الى إثبات وجوده هو قواتنا المسلحة. هذه القوات هي الأولى باثباب وجودها وقدرتها وكفاءتها أمام الإرهاب ومنظماته، مثلما أثبتت وجودها على نحو منقطع النظير في الدول الديمقراطية أمام المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير وسواها من الساحات التي خرج اليها على مدى أسابيع متتالية العام الماضي مئات الآلاف من المطالبين بإصلاح العملية السياسية من أجل هزيمة الإرهاب وتمكين القوات المسلحة من أداء دورها وواجبها في هذا الميدان، ومن أجل تحقيق أمل العراقيين بحياة حرة كريمة بدلاً من هذه الحياة البائسة الذليلة التي ورثها النظام الحالي عن نظام صدام وزاد عليها.
وقواتنا المسلحة وقياداتها هي المطالبة باثبات وجودها وقدرها وكفاءتها أمام الإرهاب ومنظماته مثلما فعلت ذلك في هجماتها المتكررة (العام الماضي ومنذ أيام) على النوادي الثقافية والاجتماعية. وهذا الإثبات لن يكون بمعاقبة الناس بعد كل نوبة إرهابية بالتسبب في زحامات مرورية قاتلة في بغداد وعلى مشارفها، فالإرهابيون ليسوا بالغباء الذي تتصوره قيادات قواتنا الأمنية والعسكرية، فهم بعد كل عملية لهم يخلدون الى الراحة والاستجمام ولا يحملون الأسلحة والذخائر ولا ينفّذون عملياتهم في الأيام التالية... انهم يعرفون كيف ومتى يتحركون ويعرفون بمن يستعينون .. حتى بأجهزة ووسائل وعناصر أمنية مخترقة.
وبمناسبة ذكر "صولة" النوادي الجديدة، فان ما كشف عنه مصدر أمني منذ يومين هو السبب الحقيقي لهذه "الصولة" وسابقاتها. فقد أفاد هذا المصدر بان مهاجمة النوادي الثقافية والاجتماعية وعدد من الملاهي يعود الى "لجوء بعض الضباط والعناصر الأمنية إليها (الملاهي) خلال ساعات الليل وعودتهم مخمورين الى منازلهم ما يؤدي الى سهولة استهدافهم من الجماعات المسلحة بكواتم الصوت".
مثل هذا الكلام كنت قد سمعته العام الماضي  من مسؤول عالي المقام في دولتنا (نائب رئيس لأحدى السلطات الثلاث) عندما كنت مع مجموعة محدودة من الزملاء في لقاء معه. ناقشته في موضوع استهداف نادي إتحاد الادباء وسواه من النوادي الثقافية والاجتماعية، فقال انه لا توجد لديهم مشكلة مع هذه النوادي، لكن المشكلة مع الملاهي التي يرتادها ضباط في القوات المسلحة، وبخاصة الأجهزة الأمنية، الذين تستدرجهم العصابات الإرهابية والإجرامية عن طريق العاهرات.
يومها قلت للمسؤول المحترم ان المشكلة إذن ليست في النوادي وروادها ولا مع المشروبات الكحولية التي تقدمها وانما في ضباطكم الذين لم تُحسنوا اختيارهم وتربيتهم وتوجيههم.
هذه هي الحقيقة.



340
شناشيل
شكرا لمن يجعلني أبتسم
عدنان حسين
يعتقد بعض محازبي رئيس الوزراء وأنصاره بأنهم يقدمون إليه خدمة جليلة بتوجيه السباب المقذع والاتهامات الباطلة والتجني على من ينتقد مواقف وسياسات وتصرفات خاطئة (من وجهة نظر المنتقد) لرئيس الوزراء وبعض مستشاريه ومساعديه، ولمجمل العمل الحكومي الذي من نوافل القول بأنه من مسؤولية رئيس الوزراء بالدرجة الأولى بوصفه رئيس السلطة التنفيذية.
 المحازبون والأنصار المدافعون عن رئيس الوزراء، والحكومة كلها بعجرها وبجرها، وبعضهم من المعروفين بمنافحتهم في السابق عن غير السيد المالكي وحكومته، بل حتى عن النظام السابق ورئيسه، يتبارون في تصريحاتهم وكتاباتهم عبر وسائل الاعلام التقليدية ووسائطه الجديدة، في التفتيش في قاع اللغة عن أكثر الكلمات فساداً وعفونة وبذاءة، فرحين ببضاعتهم الرديئة المعروضة بلغة تبعث على القرف والغثيان.
لا أظن ان رئيس الوزراء أو أي شخص سويّ سيقبل بأن يدافع عنه مَن هم بأخلاق مَن يُوصفون بانهم أبناء الشوارع، فلا بدّ انه يُدرك ان دفاعاً من هذا النوع هو كالشتيمة له، بل هو شتيمة حقيقية.
منذ بضعة أيام بعث إليّ مدير لأحد المواقع الإلكترونية العراقية برسالة سألني فيها عن رأيي في "مقال" كتبه من يبدو انه أحد هؤلاء المحازبين والأنصار رداً على ما كتبته الخميس الماضي بشأن "الغزوة الجهادية" للقوات الأمنية التابعة لمكتب القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء) ضد النوادي الثقافية والاجتماعية. "المقال" كان مشحوناً بالوقائع المزورة عمداً وبالشتائم المقذعة، ولهذا السبب بعث مدير الموقع به إليّ لكي يكون، في ما يبدو، في مأمن من الملاحقة القضائية اذا ما نشره، باعتبار أن "المقال" ينطوي على سب وقذف وتشهير.
ما كان ردي؟
كتبت الى مدير الموقع الالكتروني الرسالة التالية:
 (( الأخ الأستاذ ...
جزيل الشكر عن هذه المبادرة. بالطبع أنت صاحب القرار. أما بالنسبة لي فلو كان من كتب هذا الكلام قد أرسله إليّ لنشرته، في الأقل من أجل أن يقارن القراء بين الاسلوب الراقي في الكتابة الذي نعتمده وأسلوب أشباه الكتّاب مثل هذا الشخص الذي لم أسمع باسمه من قبل أو لم التفت اليه. تحياتي. عدنان)).
واستناداً إلى إشارتي الخضراء هذه، نُشر "المقال" في الموقع، مثلما نُشر و"مقالات" أخرى بالمستوى الهابط نفسه في أكثر من موقع، بعضها يُوصف بأنه مقرب من رئيس الوزراء وحزبه وائتلافه السياسي أو متنطع لهم.
ما أرغب في أن يعرفه "الكتاب" من هذه الفصيلة والمواقع المقربة أو المتنطعة، أن "الكتابات" من هذا النوع تُفرحني أكثر من الكتابات والرسائل والاتصالات المادحة. فمثل هذه "الكتابات" تؤكد لي أن ما أكتبه يصل إلى من أريد إيصاله إليهم، وان مضمون ما أكتب يتجاوز الجلد ليصل إلى العظم، وهذا هو المطلوب.
وهذا هو بالضبط كان موقفي وشعوري أيام نظام صدام حسين، فقد كنت أتلقى من محازبين وأنصار وعملاء ومرتزقة للنظام السابق شتائم وتهديدات مماثلة كلما ظهر لي مقال في الصحف والمجلات التي عملت فيها في المنفى ("الموقف العربي"،"الهدف"، "صوت الكويت"، "الشرق الأوسط"). وكنت دائماً أستقبل ذلك كله بابتسامات تعكس الشعور الداخلي بالرضا عما أكتب. وها هي تلك الابتسامات تتكرر اليوم أيضاً.
فشكراً لمن يجعلني ابتسم. 


341
المنبر الحر / سر الأمن المستباح
« في: 12:36 09/09/2012  »
شناشيل
سر الأمن المستباح
عدنان حسين
في يوم بذاته، هو الجمعة أول من أمس، ركّز رجال دين وسياسيون خطبهم وتصريحاتهم على الوضع الأمني في البلاد. والخلاصة التي يمكن الخروج بها من هذه الخطب والتصريحات ان أمن الوطن والمواطن في حال من التدهور المتفاقم بخلاف ما هو مأمول ومطلوب من الحكومة التي تثبت اليوم بعد الآخر انها عاجزة عن القيام بواجباتها الرئيسة وأولها توفير الأمن.
الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطيب الجمعة وومثل المرجعية الشيعية في كربلاء شخصية مميزة أثبتت انها المثال لرجل الدين الوطني المنشغل بهموم الناس والمعبّر عن تطلعاتهم أكثر من سياسيينا المنصرفين الى جشعهم وأطماعهم التي لا حدود لها، ففي كل اسبوع يكرّس الشيخ الكربلائي جزءاً كبيراً من خطبته لتسليط الضوء على قضية سياسية أو اجتماعية حيوية، وهو لا يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها وتوجيه النقد والنصح لسلطات الدولة لمعالجة جوانب القصور والخطأ والخطل في أعمالها.
الشيخ الكربلائي لفت الانتباه  في خطبة الجمعة أول من أمس الى قضية الاغتيالات التي يتعرض لها كبار الضباط، فهذه صارت ظاهرة عامة تبدو معها الدولة والحكومة عاجزتين تماماً عن وقفها، وبالطبع وراء ذلك سرّ مُغلق من الصعب الكشف عن تفاصيله في دولة يكره مسؤولوها الشفافية وحكومة منشغلة بقمع الحريات العامة والخاصة.
مما قاله الشيخ الكربلائي ان  استمرار الاغتيالات "ينعكس على أداء بعض مفاصل العمل الأمني ويشكل مصدرا للقلق النفسي للضباط الآخرين وعدم القدرة على التفكير واتخاذ القرار الصحيح"، وان "هذه الاغتيالات تؤدي إلى شيء من الشلل والإضعاف للأجهزة الأمنية في الوقت الذي يعد هذا الملف حساساً في العراق".
وهو دعا  إلى اتخاذ جملة من الإجراءات للحد من هذه الظاهرة، منها "تطهير الأجهزة الأمنية من العناصر التي اخترقتها سواء من كان لها ارتباط في الداخل أم الخارج ومنع دخول أي منهم حاضراً ومستقبلاً" ، ودعا الى "الكشف السريع عن الأسماء المتورطة في عمليات الإغتيال ومعرفة الجهات التي ترتبط معها وإحالتها إلى القضاء وعدم الاكتفاء بتوجه الكلام من إنها لها ارتباطات إقليمية".
في غضون ذلك قال الوزير والنائب السابق القاضي وائل عبد اللطيف عضو الائتلاف الوطني "ليس من المعقول بعد مرور تسعة أعوام على التغيير في 2003 ونسمع عن حوادث الاغتيالات بكواتم الصوت وانفجار بعبوات ناسفة وسيارات مفخخة وبالتالي كل ما يجري غير مسموح به وحماية المواطن والنائب والموظف يجب أن يكون من أهم واجبات الحكومة".
النائب عن دولة القانون إبراهيم الركابي رأى ان "عودة كواتم الصوت وتدهور الوضع الأمني بسبب القاعدة ومجاميع ارهابية تعتمد على أجندات معروفة".
المحلل السياسي سعد الحديثي رأى إن "الوضع الأمني لم ولن يستقر، وأن ما يجري هيّ عملية تصفية حسابات بين شخصيات سياسية وقوى أمنية وتنفذ عمليات بأيدي أناس يقتلون بدم بارد وهذا الصراع نمى في ظل انتشار الفساد الإداري والمالي"، وأشار الى إن "كل رجل وطني يقف بوجه ملفات الفساد نسمع بخبر اغتياله وهنالك محاولة لسيطرة بعض الأحزاب على مؤسسات الدولة".
جملة القول بعد هذه الشهادات ان ثمة سراً صغيراً يكمن وراء الأمن المستباح في بلادنا هو ان مؤسساتنا العسكرية والأمنية وقياداتها وحكومتنا ليست منشغلة ومهمومة بالأمن، فلديها ما هو أعظم وأكبر وأهم من الأمن.. انه تجمعات النخبة الثقافية والإجتماعية في نواديها .. وانه المصالح الذاتية التي تجعل القيادات وبطاناتها منصرفة الى فسادها المالي والإداري ومستغرقة فيها.



342
شناشيل
تهنئة غير متأخرة لقواتنا المسلحة
عدنان حسين
الآن صار واضحاً وجلياً لكل ذي بصر وبصيرة داخل بلادنا ،العراق، وخارجها ان لدينا قوات مسلحة يُعوّل عليها في الشدائد، ويُركن الى قدراتها في المُلمّات، ويُطمأن الى جاهزيتها من أجل الذود عن حياض الوطن وحفظ أمن المواطن وكرامته وماله وعرضه (وطوله أيضاً!).
هذا الوضوح وهذا الجلاء في صورة قواتنا المسلحة يعود االفضل فيهما خصوصاً الى النتائج الباهرة التي أسفرت عنها الغزوة الجهادية ضد النوادي الثقافية الإجتماعية مساء الثلاثاء الماضي، فما كادت شمس الأربعاء تُشرق وأشعتها تنتشر في حدائق هذه النوادي وتدخل الى غرف إدارتها وصالاتها حتى تبيّن الحجم الكبير للخسائر التي ألحقتها قواتنا "الباسلة" ب"الأعداء". واليكم الموجز الذي لا بدّ انه قد رُفع الى قائد عمليات رفعه بدوره الى قائده العام وأرسلت  صورة منه الى الملا الأعجمي الذي تحركت قواتنا الى أهدافها بإشارة منه:
-   طرح صورة القائد العام للقوات المعادية (الكاردينال عمانوئيل دلي!) أرضاً؛
-   تحطيم دُشم وسواتر وتحصينات العدو (الطاولات والكراسي)؛
-   وضع اليد على الأموال المنقولة للعدو (ملايين الدنانير وآلاف الدولارات) التي عُثر عليها في الخزائن؛
-   الإستيلاء على أجهزة التجسس فائقة التطور للعدو (من تلفونات محمولة  وآيفونات وبلوبيري كانت على طاولات السمار في النوادي).
-   تركيع قوات العدو المرابطة في الجبهة (إرغام رواد النوادي على الإنبطاح تحت الطاولات والتجمع في أماكن محددة وضربهم بأخماص البنادق وشتمهم قبل طردهم من النوادي)؛
-   مصادرة كميات من قناني المشروبات الكحولية وتسليمها الى الضبّاط  القادة للاحتفال وشرب نخب الإنتصار التاريخي المُتحقق في يوم الاربعاء المصادف الرابع من شهر أيلول 2012.
وبمناسبة الإحتفال فان النصر الذي حققته قواتنا لم يقتصر التصفيق له والإشادة بنتائجه على الضباط القادة ومكتب القائد العام في بغداد، فعبر الحدود أيضاً أقيمت الإحتفالات في مكتب الملا الإيراني إياه وفي قاعدة أمير الأمراء للقاعدة أيمن الظواهري وفي أوكار فلول النظام السابق في دمشق وعمان والدوحة والإمارات. فهؤلاء أيضاً تبادلوا التهاني لأن قواتنا المسلحة نقلت سلاحها من كتف الى كتف.. من كتف مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة .. من كتف ملاحقة الفاسدين من سراق المال العام والخاص ومزوري الشهادات والوثائق ومنتهكي القانون بألف صورة وصورة وألف طريقة وطريقة .. الى كتف مداهمة نوادي النخبة الثقافية والإجتماعية والتعدي على حرماتها وحرياتها الشخصية.
ولأمراء القاعدة وقادة فلول النظام السابق كل الحق في الإحتفال ب"مفاخر" قواتنا المسلحة التي أدارت ظهرها للخلايا الإرهابية النائمة والمستيقظة وورش تصنيع المفخخات ويممت وجهها صوب فراديس النخبة الثقافية والإجتماعية التي ما خرج منها، ولن يخرج،  مفخخ  ولا حامل مسدس كاتم الصوت، ولا تردد عليها آخذ كوميشينات أو أصحاب شركات وهمية يعقدون صفقات حقيقية بمئات الملايين والمليارات من الدولارات.
هنيئاً لقواتنا وقياداتها. والتهنئة موصولة من قبل ومن بعد للملا الأعجمي،  وللظواهري القابع في زاوية ما في جبال افغانستان أو في بيت باكستاني، ولقادة الفلول الفخورين هم أيضاً بالأداء المُبهر لقواتنا.


343
شناشيل
الإرهاب يغيّر طابع الربيع السوري
عدنان حسين
دخول قوى الإسلام السياسي المتطرفة على خط الإنتفاضة السورية المناهضة لنظام بشار الأسد أخذ هذه الإنتفاضة في إتجاه مناهض للمباديء التي إنطلقت إستناداً اليها والأهداف التي أعلنتها، بوصفها حركة ترمي لتحرير الشعب السوري من الدكتاتورية  وإقامة نظام ديمقراطي بديل لنظام حزب البعث الشمولي.
 هذا التطور السلبي يتمثل في عمليات التفجير في المدن المختلفة وبخاصة العاصمة دمشق والتي تتسابق المنظمات المتطرفة في تبني المسؤولية عنها. وسواء تحقق أحد أهداف الانتفاضة  المتمثل في إسقاط نظام الأسد أو نجح هذا النظام في القضاء على الإنتفاضة، فان هذا التطور ستكون له آثار سلبية كبيرة على الحياة الاجتماعية والسياسية في سوريا لسنوات طويلة وربما عقود.
كل الذين أيدوا الانتفاضة السورية فعلوا ذلك دعماً لحق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية وتضامناً مع طابع الإنتفاضة السلمي. وعلى هذا الأساس وقفوا ضد استخدام نظام بشار الأسد السلاح لسحق الإنتقاضة. ومن نفس المنطلق لا بدّ من الوقوف ضد المنظمات والهيئات السورية التي تستسهل اللجوء الى الأساليب الإرهابية باستخدام سلاح التفجيرات من دون مبرر.
رفع السلاح لمواجهة قوات النظام دفاعاً عن النفس أمر مقبول ومشروع، لكن التفجيرات التي تُحدث قتلاً جماعياً وتدميراً  شاملاً  أمر غير مقبول وغير مشروع، لأن هناك أناساً أبرياء يُقتلون وآخرين تُدمّر ممتلكاتهم من دون أن يكون لهم ذنب. حتى المقرات الأمنية والعسكرية التي تستهدفها بعض عمليات التفجير يوجد فيها أناس لا دخل لهم في الصراع، وقد يكون بعضهم من المعارضين الصامتين للنظام، وليس ثمة وجه حق لقتلهم أو جرحهم أو تدمير ممتلكاتهم.
 وفي الحقيقة ما من تفجير بعبوات أو أحزمة ناسفة أو بسيارات مفخخة لا يموت فيه أبرياء أو لا تتدمر فيه أملاك لأبرياء، وتجربتنا في العراق خير دليل على ذلك، فما أطلقت على نفسها منظمات المقاومة ضد الإحتلال الأميركي أحرقت الأخضر واليابس بعملياتها الإرهابية. والدليل انه بينما قُتل في تلك العميات أقل من خمسة آلاف جنديء أميركي مات من المدنيين العراقيين وحدهم نحو مئة ضعف هذا العدد، فيما أحدثت تلك العمليات دماراً هائلاً في الممتلكات العامة والخاصة وزادت من خراب البنية التحتية للبلاد، فضلاً عن انها تسببت في تأخير الإنسحاب الاميركي سنوات عدة، وتعويق عودة الحياة الى طبيعتها في بلد أنهكت قواه في حروب عبثية على مدى ثلاثة عقود. كما تسببت تلك العمليات في إثارة وتسعير النعرات الطائفية وإشعال فتيل حرب أهلية طائفية وفي تسميم الحياة السياسية وتعطيل التنمية وتمكين من لا يستحقون ومن هم غير مؤهلين من تولي السلطة في البلاد، ما فاقم من معاناة الناس.
نعم هذه كانت بعض نتائج العنف الأعمى الذي فجرته القوى الإرهابية بذريعة مقاومة الإحتلال. وسوريا مرشحة لمثل هذا الحصاد المر إن واصلت القوى المتطرفة استخدام سلاح الإرهاب .

 


344
شناشيل
دعوة صحيحة لإنصاف ضحايا منسيين

عدنان حسين

ينتخب الناس أعضاء البرلمان ليكونوا نوابهم لدى المؤسسة الأعلى في الدولة التي تشرّع القوانين وتراقب عمل سائر مؤسسات الدولة وبخاصة السلطة التنفيذية. وعليه فان المهمة المنتدب اليها النواب هي تبنّي مطالب الناس وقضاياهم والسعي لتحقيقها وتأمينها، وهذا ما لا يحصل الا نادراً في برلماننا الذي يُضيّع معظم وقته في المساجلات والمناكفات بين أعضائة المتوزعين على الكتل المتصارعة بضراوة على السلطة والنفوذ والمال.
الدعوة التي أطلقها أول من أمس النائب شروان الوائلي هي من النوع الذي لا يلتفت اليه برلماننا، مثل سائر قضايا الفئات المهمشة والمنسية في مجتمعنا، وما أكثرها وأكبر عديدها.
النائب الوائلي دعا الى تعويض المتضررين من عدد من الإجراءات الهمجية للنظام السابق في حق غير الموالين له، وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم الى القضاء.
ضحايا تلك الإجراءات لهم الحق في التعويض المادي والمعنوي أسوة بالسجناء والمعتقلين السياسيين وبعائلات الشهداء، فهم عوقبوا بحرق أجسادهم أو تهشيم عظامهم أو قطع آذانهم وألسنتهم أو بتر أيديهم أو جدع إنوفهم أو سمل أعينهم لأسباب سياسية تتعلق برفضهم الحروب وهروبهم من جبهاتها أو عدم التحاقهم بالجيش الشعبي وكتائب صدام أو حتى التهجم بالكلام على النظام ورأسه.. أي ان ما تعرضوا له انما كان عقاباً لهم على عدم موالاتهم للنظام بصورة من الصور، وهو عقاب أضيروا فيه كثيراً في حينه فيما استمر الضير والضرر حتى الآن للكثير منهم.
المطالبة بتعويض هذه الفئة من الناس تستند الى منطق العدل والمساواة والإنصاف، فمن غير الصحيح ان تهمل الدولة هؤلاء فيما تعوّض السجناء والمعتقلين السياسيين السابقين وذوي الشهداء. هذا سيكون تمييزاً ضدهم من دون مبرر.
اما الدعوة لتقديم الجناة المسؤولين عن تلك الجرائم الى القضاء فهي الأخرى تستند الى منطق العدل والمساواة والإنصاف، فما دام قد قُدّم مسؤولو النظام السابق الى القضاء عن جرائم أرتكبت في وقتها لابدّ أيضاً من محاسبة مرتكبي الجرائم المشار اليها في دعوة النائب الوائلي، ولكن لابدّ في الوقت عينه من الأخذ في الاعتبار ان العديد من الضباط والمسؤولين انما كانوا ينفذون الأوامر، وبالتالي يتعيّن التمييز بين من أصدر القرارات والأوامر بايقاع هكذا عقوبات وبين من نفذوها، ولا ينبغي ان تنفتح باب أخرى للانتقام فيما نحن في حاجة اليوم الى وضع حدّ لروحية الانتقام، من أجل المستقبل الامن والمستقر والمزدهر الذي طال انتظاره كثيراً.
 ما ينبغي أن يؤخذ في الحسبان أيضاً الا تصبح هذه الدعوة مجالا آخر للتربّح والفساد المالي والإداري، فنحن نعرف ان عدداً غير قليل ممن حُسبوا في عداد السجناء والمعتقلين السياسيين أو وضعوا في خانة ذوي الشهداء لم يكونوا كذلك في الواقع ، انما جرت تمشية معاملاتهم بوثائق مزورة ساعدت أحزاب نافذة في السلطة (إسلامية في الغالب) في تزويرها وتمشيتها.

 
 


 

345
شناشيل
لا عزاء لضحايا الإرهاب
عدنان حسين
تصدّرت صورها خلال الأيام الماضية الصفحات الأولى للصحف البريطانية الصباحية والمسائية، الشعبية (تابلويد) والرصينة على السواء، وكرّست لها القنوات التلفزيونية أوقاتاً أطول مما منحته لأخبار السياسيين ونجوم الفن والرياضة والثقافة والمجتمع اللامعين، بمن فيهم الملكة اليزابيث الثانية ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون.
إسمها مارتين رايت (40 سنة) الرياضية المعاقة التي تشارك الآن في
أولمبياد المعاقين (باراليمبكس) المتواصل في الأماكن والمنشآت التي جرت فيها فعاليات الأولمبياد العادي الأخير الذي شهدت لندن وقائعه خلال الشهرين الماضيين.
السيدة رايت لم تحصد الذهب في المنافسات الرياضية هذه، فهي مجرد عضو في الفريق البريطاني النسوي لكرة الطائرة للمقعدين، ومع هذا احتفل بها الإعلام على نحو مميز للغاية، ووراء ذلك قصة غير عادية، وكذلك هدف كبير تحرص عليه المجتمعات المتحضرة ودولها وحكوماتها.
السيدة رايت هي من ضحايا التفجيرات الإرهابية التي استهدفت وسائل ومحطات النقل العام في العاصمة البريطانية في صباح 7/7/2005 .. كانت تستقل أحد قطارات الأنفاق (أندرغراوند) على الخط الدائري (سيركل لاين) في محطة "ألدغيت" عندما قرر أحد متعصبي تنظيم القاعدة الإرهابي أن  "يرفع" راية الإسلام يبتفجير نفسه وسط المئات من الناس المدنيين الذاهبين الى مكاتب أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم أو للقاء أحبتهم.
تلك التفجيرات خلّفت 52 قتيلاً ونحو 700 مصاب كانت بينهم السيدة رايت التي أُنقذت بإعجوبة بعدما فقدت 80 بالمئة من دمها قبل أن يُدركها المسعفون. كما تضرّرت ساقاها على نحو خطير ما اضطر الأطباء الى بترهما من فوق الركبة للحفاظ على حياتها، فيما هي كانت في إغماءة استمرت عدة أيام.
لم تستسلم رايت، حاملة الشهادة الجامعية العليا في دراسات علم النفس والإتصال، لإرادة الإرهابيين .. رأت أن تنصرف الى الرياضة، فلعبت في فريق لكرة التنس للمعاقين قبل أن يتحول اهتمامها الى الكرة الطائرة. وكما غيرها من ضحايا تلك العمليات الإرهابية، وجدت السيدة رايت اهتماماً كبيراً من الدولة والمجتمع اللذين كانا يتصرفان على أساس ان رعاية ضحايا الإرهاب ليس فقط واجباً اجتماعياً وانسانياً، وانما هي في المقام الأول أفضل رد على الإرهاب والإرهابيين.
نحن من أكثر البلدان التي أُضير شعبها بأعمال الإرهاب المتواصلة منذ عشر سنوات، والتي تقوم بها قوى قادمة من الخارج كالقاعدة أو قوى داخلية (ميليشيات وتنظيمات طائفية متعصبة)، لكن لا المجتمع ولا الدولة يتصرفان مع ضحايا هذه العمال وعوائلهم من منطلق وطني أو في الأقل إجتماعي أو إنساني أو حتى شرعي، باعتبار ان حكومتنا وبرلماننا مؤلفان في غالبيتهما ممن يحرصون على إطلاق لحاهم بنسبة ما والزعم بتمثيلهم الدين وتمسكهم بالشريعة.
ضحايا الارهاب في بلدنا يُعدون بمئات الآلاف، ومع هذا لا نجد من الدولة والمجتمع أو من إعلام الدولة والإعلام الخاص ما يعادل عشر معشار هذا الإهتمام الطاغي الذي تحظى به السيدة البريطانية مارتين رايت.
لا عزاء لضحايانا المتروكين لمصيرهم كرمى لعيون الفاسدين والمفسدين في دولتنا. 

346
شناشيل
مبادرتنا في طهران .. حلاوة في "جدر مزروف" !

عدنان حسين
إذا صح ما أعلنه مساعدون ومستشارون لرئيس الوزراء بان الأخير حمل الى قمة عدم الانحياز المنعقدة في طهران مشروعاً لحل للأزمة السورية، فانه سيكون جهداً ضائعاً لا قيمة له ولا مردود منه إن لسوريا أو للعراق، بالرغم من وصف بعض هؤلاء المساعدين والمستشارين المشروع بانه "متميز".
بصرف النظر عن تفاصيل المشروع فان أي مبادرة لحل أزمة ما بين طرفين أو أكثر من شروط نجاحها أن تكون مقبولة من أطراف الأزمة، وان يكون المبادر مقبولاً من هذه الأطراف كلها. ولكي يكون كذلك يتعيّن أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وهو الأمر غير الحاصل في الموقف العراقي الرسمي من الأزمة السورية، فحكومتنا اتخذت على نحو مفاجئ وغير متوقع موقفاً منحازاً الى جانب النظام السوري ضد الإنتفاضة الشعبية التي قبيل أشهر قليلة من إندلاعها كانت الحكومة قد اتهمت صراحة النظام السوري – عن حق بالطبع - بالمسؤولية المباشرة عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف من العراقيين بإيوائه الإرهابيين من تنظيم القاعدة وفلول النظام السابق وتقديم الدعم اللوجستي لهم، بل ان الحكومة هددت علناً بشكاية نظام  بشار الأسد الى مجلس الأمن الدولي.
بالتأكيد ان المعارضة السورية الداخلية والخارجية لن تقبل بمبادرة حكومتنا مهما كانت "متميزة" لأنها ستنظر اليها بوصفها "غير نزيهة"، قادمة من طرف غير محايد، وبهذا يكون جهد حكومتنا وكأنه لم يكن.
أكثر من هذا ان "المبادرة" نفسها تتمحور على فكرة إبقاء بشار الأسد وجزءا كبيراً من نظامه في الحكومة الإنتقالية المقترحة، وهذا مشروع لن تقبل به المعارضة لان الأحداث قد تجاوزته بعدما تدفقت أنهار كبيرة بالدم السوري في كل مدن البلاد وقراها. مشروع حكومتنا يشبه المشاريع التي قُدّمت قبل 2003 الى المعارضة العراقية ورفضتها هذه مستندة الى حقيقة ان صدام قد أغلق بنفسه طرق التراجع بارتكابه الجرائم التي لا تقلّ عنها بشاعة جرائم بشار الأسد المتواصلة الآن.
ومعلوم ان من يتقدّم عادة بمبادرات لحل مشاكل الآخرين لابدّ أن يكون مقنعاً لهم بقدرته على حل المشاكل، ولكي يحصل مثل هذا الإقناع يتعيّن أن يكون بلا مشاكل. وحكومتنا لديها من المشاكل في الداخل ومع الخارج ما يكفي للإثقال على عشرين بلداً مجتمعين.
مبادرة الحكومة تقترح مثلاً "دعوة مختلف الأطراف المؤثرة في سوريا من أجل قبول مشروع تشكيل مفوضية مستقلة للانتخابات، وإجراء إنتخابات تحت إشراف دولي وعربي". لتعمل حكومتنا أولاً على ضمان تشكيل مفوضية مستقلة للانتخابات في بغداد لكي تقترح مثيلاً لها في دمشق. وتقترح المبادرة أيضاً "إعتماد المواطنة أساساً لتشكيل الحكومة الإنتقالية في سوريا". هل كانت حكومتانا المؤقتة والانتقالية، وحكومتانا الدائمتان السابقة والحالية اللتان يترأسهما السيد نوري المالكي بهذه المواصفات؟ لنفعلها لدينا أولاً قبل أن نقترحها للآخرين.
كان يمكن لمبادرة منا أن تكون بناءة لو اتخذت حكومتنا موقفاً محايداً في الأقل من الأحداث السورية ولو تقدّمت بمبادرتها قبل سنة من الآن.
"المدى" – 1/9/2012
يا حكومة ويا جماعة الحكومة.. الحلاوة ما تصير في جدر مزروف، كما يقول مثلنا الشعبي. وإذا كان لديكم فائض من الوقت كرّسوا فيه الجهد لحل مشاكلنا التي لا عدّ ولا حصر لها.



347
شناشيل

خطوطنا الجوية .. متى تستعيد سمعتها؟

عدنان حسين

وجّه عدد من أعضاء مجلس النواب لوماً الى رئيس مجلس الوزراء لقبوله الإستقالة التي تقدّم بها اليه وزير الإتصالات محمد علاوي من دون عرض الموضوع على مجلس النواب ولا حتى على مجلس الوزراء لمناقشته، ما يشير الى ان السيد المالكي كان راغباً في هذه الاستقالة وربما دافعاً عليها.
وبالطبع فان للنواب كل الحق في هذا اللوم، لكنهم يبدون لنا في هذا الأمر كما لو انهم يعيشون في بلاد أخرى وبرعاية دولة غير دولتنا المتخمة بمواقف وسياسات من هذا النوع، فهل نوابنا غير واعين حقاً لما يجري حولهم؟
منذ بضعة أيام أعلنت المديرية العامة لسلطة الطيران الجوي التركية (اسمها  بالتركية:  Devlet Hava Meydanları İşletmesi Genel Müdürlüğü، واضح ان معظم هذه الكلمات أصلها عربي)، انها قررت إيقاف رحلات طائرات الخطوط الجوية العراقية  الى مطار أتاتورك في إسطنبول بسبب عدم التزامها بمواعيد تسيير رحلاتها الجوية. وبالاسلوب المعهود في دولتنا فان وزارة النقل سارعت في التوّ والحال، وعلى طريقة "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدمُ"، الى التهديد بمعاملة الطائرات التركية بالمثل( ليش يابةّ!).
لم أركب طائرة لخطوطنا الجوية في العهد الجديد الا مرة واحدة من بغداد الى البصرة، لكنني من النادر أن قابلتُ شخصاً طار على طائراتنا وأشاد بالتجربة، وبخاصة لجهة عدم الالتزام بالمواعيد إن في مطار بغداد وسائر المطارات المحلية أو في المطارات الخارجية، بل لطالما قابلت أشخاصاً، بينهم نواب وموظفون حكوميون كبار، في مطار عمان ومطار بيروت واشتكوا من انهم كانوا ينتظرون ساعات عديدة، وأحيانا الى اليوم التالي، وصول طائرات خطوطنا الجوية للعودة بها.
مطار أتاتورك في اسطنبول واحد من أهم وأكبر المطارات في العالم، تهبط فيه الطائرات وتُقلع بالدقائق وأحيانا بالثواني، ولا بدّ والحال هذه أن تحرص السلطات فيه على ان تكون مضبوطة تماماً في عملها، كما اساعة السويسرية، من أجل سلامة مئات الالاف الذي ينزلون في المطار أو يغادرونه ومن أجل سمعة المطار وتركيا، فبأي حق تُشهر وزارة النقل سيفها مهددة الخطوط الجوية التركية بمنع هبوط طائراتها في المطارات العراقية؟
كان يتعيّن على الوزارة أن تتأمل التصرف التركي جيداً وتراجع نفسها وتعمل من أجل أن تستعيد الخطوط الجوية العراقية سمعتها كشركة مرموقة .. تحترم مواعيدها وزبائنها، وبخاصة أبناء بلدها الذين يعانون كثيراً من حال التسيب والفلتان على صعيد المواعيد وعدم تحديد مقاعد الجلوس للركاب ورداءة الخدمة داخل الطائرات اثناء الرحلات.
والأمر لا يقتصر على حركة الطائرات، فمطار بغداد هو الآن أحد أسوأ المطارات في العالم لجهة الخدمات البائسة التي يُقدمها. ومن العيب أن يكون لبغداد والعراق صاحب أعلى الدخول بين الدول النفطية مثل هذا المطار ومثل شركة الخطوط الجوية الحالية.
ليت النواب يلتفتون الى هذه القضية أيضاً.
"المدى" – 30/8/2012


348
المنبر الحر / منطق المالكي
« في: 23:01 29/08/2012  »
شناشيل

منطق المالكي

عدنان حسين

لم يجانب رئيس الوزراء الصواب ولم يجافِ الحقيقة عندما قال أول من أمس ان "المنطق الذي تدار به الدولة حالياً هو منطق أعوج"، فهذا ما نقوله ونكرر قوله مئة مرة في اليوم من دون أن نتلقى أي إشارة بقبول هذا الرأي من القيّمين على الدولة، وبينهم رئيس الوزراء نفسه وحاشيته الى جانب الآخرين وهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وقادة الكتل والائتلافات والأحزاب المستحوذة على السلطة بالحق وبالباطل.
لم يشأ السيد المالكي الذي كان يتحدث في لقاء مع وفد عشائري أن يُفصّل في معنى ما قال، ربما تفادياً لإعلان شراكته في هذا الأمر والإقرار بانه وحاشيته مسؤولان أيضا عن سيادة المنطق الأعوج في إدارة الدولة. هذا المنطق الذي يستند الى دستور ناقص ومتناقض من داخله والى ترتيبات المحاصصة التي تجاوزها التاريخ وتتجاوز هي على أصول بناء الدولة الحديثة القائم على الهوية الوطنية، ويستند (المنطق الأعوج) أيضاً الى نظرية هي نوع من الترهات والسفاسف تقول بان الحكم في العراق أصبح من الآن (منذ عشر سنوات) فصاعداً للأغلبية الطائفية المذهبية.
والسيد المالكي ليس في وسعه أن يتعمق في المعنى الحقيقي لما قال (المنطق الأعوج الذي تُدار به الدولة) لأنه سيتعين عليه أن يعترف بانه وحاشيته وحكومته، كما سائر القيادات السياسية المتنفذة في هذه الدولة، يتحملون المسؤولية عن هذا الإعوجاج (هؤلاء جميعاً يرفعون عقيرتهم بالشكوى من نظام المحاصصة ومن الطائفية السياسية لكنهم لا يفعلون شيئاً للخروج من هذا النفق المظلم، بل هم يتشبثون بهما عن سابق ترصد وإصرار).
من المضحك المبكي انه بينما كان رئيس الوزراء يتذمر أمام الوفد العشائري من المنطق الأعوج الذي تدار به الدولة كان نص كتاب الإستقالة الذي رفعه اليه وزير الاتصالات محمد توفيق علاوي قبل شهر ينتشر عبر وسائل الإعلام التقليدي والإعلام الجديد، وهو وثيقة في غاية الأهمية تؤكد ما تحدث به رئيس الوزراء عن المنطق الأعوج الذي تُدار به دولتنا، بما فيها الحكومة ووزاراتها.   
الوزير علاوي أفاد في الكتاب بان رئيس الوزراء يمارس بنفسه الضغوط على الوزراء لتقرير ماذا يفعلون وماذا لا يفعلون، وبخاصة من ترسو عليه التعاقدات ومن يتعين ان يُستبعد عنها، وخلف ذلك أسباب سياسية وشخصية.
وكتاب الإستقالة يكشف أيضاً عن ان السيد المالكي مصرّ على نحو عجيب على الاعتماد على فلول النظام السابق وذوي االسوابق والفاسدين ليس فقط في الأجهزة الأمنية وانما أيضا في الوزارات "الدسمة"، وإبعاد الكوادر الوطنية النزيهة عن مواقعها المناسبة.
مؤكد تماماً ان المنطق الذي تُدار به دولتنا منذ 2003 حتى الآن هو منطق أعوج، لا يفرق كثيراً في الجوهر عن منطق إدارتها قبل ذلك التاريخ. وبهذا المنطق يجلس المتنفذون في السلطة الآن على كراسيهم في الحكومة والبرلمان وسواهما من هيئات الدولة، فبأي منطق يتذمر السيد المالكي من هذا المنطق (الأعوج)؟


349
المنبر الحر / مثال من ليبيا
« في: 21:41 28/08/2012  »
شناشيل

مثال من ليبيا

عدنان حسين
بعد أسابيع قليلة من توليه منصبه استقال وزير الداخلية الليبي فوزي الطاهر عبد العال هذا الاسبوع، ليسجل سابقة نادرة الحدوث في بلدانناالعربية والاسلامية. فالاستقالة كانت طوعية وجاءت على خلفية انتقادات قوية وجهها أعضاء في البرلمان المؤقت (المؤتمر الوطني العام) الى قوات الأمن بعد تصاعد أعمال العنف أخيراً وحدوث ما يشبه الإنفلات الأمني.
باستقالته يكون الوزير الليبي قد حمّل نفسه ضمنياً المسؤولية عن الأداء الضعيف لقوات الأمن في حفظ الأمن بوصفه المسؤول الأعلى المباشر عن هذه القوات. والخطوة هذه لا تعكس فقط شجاعة الوزير عبد العال وانما أيضاً وطنيته الصادقة، فقد كان في مقدوره التذرع بمئة حجة وحجة  للتنصل من المسؤولية، أهمها انه حديث العهد جداً بالوزارة وان ما يجري في البلاد هو من صنيع فلول القذافي... و.. وغير ذلك مما درجنا نحن العراقيين على سماعه في بلادنا تبريراً لعجز الأجهزة الأمنية عن القيام بواجبها الأساس، وهو حفظ الأمن.
طبعاً نحن نعرف السر في عجز أجهزتنا الأمنية فهو يكمن في الفشل السياسي، وهذا فشل تتحمل المسؤولية عنه الطبقة السياسية الحاكمة (من كل الكتل المتنفذة في الحكومة والبرلمان)، هذا الفشل (الأمني والسياسي) الذي لا يريد أحد أن يتحمل المسؤولية عنه ولا اأن يقرّ به، بل الكل يجاهد لدفع هذه المسؤولية عن نفسه، وأولهم رئيس الوزراء الذي اختار أن يتمسك بتكبيل نفسه بالمسؤولية عن أجهزة الأمن كلها الى جانب مسؤوليته عن الحكومة، ما يعكس في جوهره نزوعاً قوياً الى السلطة والاستبداد.
سابقة الوزير الليبي ستقدم خدمة كبرى للاتجاه نحو الديمقراطية التي يؤسس لها ويبنيها الديمقراطيون الحقيقون الذين يتحلون بروح تحمل المسؤولية وليس اولئك المتشبعون بروح التشبث بالسلطة وعدم تقبّل النقد الموجه اليهم عن فشلهم وسوء إدارتهم، كما هي الحال عندنا.
أمس نشر تصريح لأحد أعضاء ائتلاف دولة القانون، هو النائب السابق سعد المطلبي، حمل فيه على أحدث تقرير دولي يعيد تصنيف العراق بين الدول الأكثر فشلا في العالم. وهو تقرير أعدته مجلة "فورين بوليس الأميركية" الرصينة ونشرته الشهر الماضي (المدى نشرت ملخصاً له في وقته).
نحن العراقيون أعرف الجميع بان دولتنا فاشلة .. كانت هكذا في عهد النظام السابق ولم تزل كذلك في عهد النظام الجديد. لم نكن لنحتاج الى تقرير "فورين بوليسي" أو تقارير منظمة الشفافية العالمية ومجموعة الأزمات الدولية ومنظمة العفو الدولية و"هيومان رايتس ووتش" واليونسكو واليونسيف وسواها من المنظمات الدولية.. نحن نعرف ان دولتنا فاشلة سياسياً وأمنياً واقتصادياً وتعليمياً وصحياً. وهذا ما تؤكده مشاكل الكهرباء والبطالة والفقر والسكن والنقل المتفاقمة للعام العاشر على التوالي وسوء الخدمات العامة الباقي على حاله للعام العاشر على التوالي أيضاً، فضلاً عن أم الفشل، الفساد المالي والإداري الذي لا نظير له في العالم الا في الصومال وافغانستان.
كل عراقي يعرف هذا رغماً عن أنف السيد المطلبي وأمثاله ممن تزعجهم التقارير الدولية التي أقل ما يصفونها به انها "غير واقعية" فيما هي بمنتهى الواقعية!

350
المنبر الحر / محامي الشيطان
« في: 13:39 27/08/2012  »
شناشيل
محامي الشيطان
عدنان حسين
ذهب ملايين العراقيين غير مرة الى مراكز الإنتخاب،  متحدّين الإرهاب والإرهابيين، ليس من أجل التسلية أو تزجية وقت الفراغ، وانما لاختيار من اعتقدوا انهم الأصلح لتمثيلهم في البرلمان الذي تنحصر واجباته في تشريع القوانين الملبية لاحتياجاتهم والميسّرة لحياتهم، وفي مراقبة أداء السلطة التنفيذية لضمان قيامها بواجباتها المحددة في الدستور على أحسن الوجوه.
هذا الدستور لم ينصّ في ديباجته أو أي مادة من مواده على أن من واجبات عضو البرلمان القيام بدور محامي الشيطان كما فعل النائب عن كتلة المواطن (التحالف الوطني) علي شبر الذي أخذته الحمية على ابن حزبه الشيخ جلال الصغير ليدافع عن خطأ شنيع ارتكبه. 
النائب شبر بدلاً من أن يكرس وقته وجهده وكفاءته لمتابعة هموم ناخبيه التي لا عدّ لها ولا حصر، والسعي لأن تتبناها الهيئة التي يتمتع بعضويتها(مجلس النواب)، تفرغ للرد على منتقدي الصغير عن تصريحاته المشينة في حق ثاني قومية في البلاد وواحدة من أكبر القوميات المتآخية مع العرب.
الشيخ الصغير استعان في إحدى خطب صلاة الجمعة بالخزعبلات للتعبير عن موقف شوفيني وطائفي بغيض ضد الكرد أضطر الى التراجع عنه لاحقاً نصف خطوة بالقول انه لم يقصد بخزعبلاته كرد العراق وانما كرد سوريا (كان ذلك في الواقع عذراً أقبح من فعل!). وقد أثار مضمون تلك الخطبة البائسة حفيظة العرب قبل الكرد. ومن الذين استهجنوا  ما خطب به الصغير محافظ نينوى اثيل النجيفي الذي وصف خطبة الصغير بما تستحق، معتبراً انها كلام فارغ  فيه إساءة الى الدين ولرجال الدين وفيه خوض كبير لصرعات طائفية يتعين وقفها.
النائب شبر سعى الى مصادرة حق النجيفي وغيره في التعبير عن رأيهم في الخطبة المثيرة للقرف بالقول ان الصغير "عالم دين وعارف بامور الدين".
المعرفة بامور الدين لا تمنح صاحبها حصانة أو عصمة، فرجل الدين خطّاء كما أي إنسان آخر، وقد أخطأ الصغير خطأً كبيراً، وكان على أصحابه ومحازبيه أن يخدموه  بمواجهته بخطئه ولومه عليه، لا بالدفاع عنه لكي يرتكب المزيد من الأخطاء.
قول النائب شبر في تصريح صحفي أمس بان "ما طُرح من خلال الضجة الإعلامية الأخيرة ( حول خطبة الصغير) فيها إساءة الى رموز دينية وشخصيات لها معرفة في مجال الدين والإسلام"، هو نوع من الترهيب والتكفير غير المقبول، وبخاصة من نائب من المفترض أن يمثل الشعب وليس فقط أعضاء حزبه.
النائب شبّر قدّم "نصيحة" الى السيد النجيفي بالقول "ان على السياسي مثل النجيفي أن يتفرغ الى قطاع السياسة وأن يطرح أفكاراً سياسية جيدة لخدمة العملية السياسية". والواقع ان النائب شبر كان الأولى بان يُقدّم هذه النصيحة الى نفسه، فهو منتخب من الشعب لكي يتفرغ لشؤون النيابة وخدمة الناخبين، ولم يُنتخب للدفاع عن الشيطان.



351
المنبر الحر / الفساد يتقدم!
« في: 16:22 26/08/2012  »
شناشيل
الفساد يتقدم!

عدنان حسين
لم يتراجع رئيس الوزراء عما صرّح به منذ بضعة أسابيع بان الإرهاب قد هُزم ولم يبق له في البلاد سوى جيوب صغيرة هنا وهناك. ولم يتراجع أيضاً القادة الأمنيون الذين رددوا بعده الرأي نفسه. ومعنى هذا انهم متمسكون بما قالوا، فشكرا أيها السادة .. يعطيكم الف عافية وأثابكم الله خيراً عن صنيعكم.
لنفترض جدلاً ان ذلك صحيح برغم السلسلة المتواصلة من الهجمات الإرهابية الدموية. هذا سيُرتب على حكومة السيد نوري المالكي بعدما انتهت من التحدي الأكبر الذي واجهته وواجهه المجتمع بأسره طوال السنوات الماضية، الإرهاب، أن تتفرغ الآن لمواجهة التحدي الأكبر التالي من حيث الاهمية والخطورة. ولا يوجد أكثر خطورة على دولتنا ومجتمعنا ومستقبلنا من الفساد المالي والإداري الذي يقرّ الجميع بانه متفشٍ في كل مفاصل الدولة وحواشيها. ولا يشذّ عن هذا الإقرار الا الحكومة نفسها وبالأخص المتنفذون فيها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، الذين يهوّنون كثيراَ من مستوى الفساد ويقللون من مخاطره، ويعتبرون ان الأمر برمته "مبالغات" سياسية وإعلامية!
اذا كانت هذه الحكومة قد قصمت فعلاً ظهر الإرهاب فانها مطالبة الآن باداء مماثل في ساحة الفساد، ذلك ان النجاح التام في هزيمة الإرهاب سيعتمد بدرجة كبيرة على مكافحة الفساد المالي والاداري، فهذا الميدان هو بيئة مثالية للغاية للإرهاب، ونحن نعرف ان الاجهزة الأمنية تحفل بالضباط الفاسدين الذين تمرّ عبرهم الاختراقات الأمنية من قبل عصابات الارهاب والجريمة المنظمة.
أمس نُشر تصريح للنائب عن كتلة المواطن عزيز العكيلي أكد فيه ارتفاع نسبة الفساد الاداري والمالي واستشرائه في جميع مؤسسات الدولة وارتفاع مستوى الفساد حتى في أجهزة  الرقابة، عازياً ذلك الى ضعف الإدارة الجديدة لهيئة النزاهة وارتباط المفتشين العامين بالوزارات وبقائهم تحت سلطة الوزراء.
ونائب مثل السيد العكيلي لا ينطق عن الهوى، فهو يعرف بحكم منصبه النيابي وموقعه في لجنة النزاهة البرلمانية، ولا يمكن اتهامه بالكيدية لانتمائه الى الائتلاف البرلماني الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء، التحالف الوطني.
في المجالس الخاصة للسياسيين، بما فيها مجالس أعضاء في التحالف الوطني، يتردد القول دائماً بان رئيس الوزراء والطاقم المحيط به ليس لهم مصلحة في مكافحة الفساد، فهذا الملف مستخدم من قبلهم لأغراض سياسية، فضلاً عما يرتبط به البعض منهم مع رجال أعمال كبار يدفعون أموالاً طائلة لقاء التسهيلات التي يتلقونها للاستحواذ على مقاولات وصفقات كبيرة.
الإررهاب لم يهزم بعد .. هذا أمر مؤكد، وسيحتاج الأمر الى وقت غير قصير لتحقيق هذا الهدف، وواحدة من أهم الخطوات لإنجاز هذا ان يُكافح الفساد المالي والإداري بصورة جدية وليست بالصورة التي جرت بها حتى الآن، فلقد مرّ أكثر من اربع سنوات منذ أن اعلن رئيس الوزراء الحملة الوطنية لمكافحة الفساد (حددت لها فترة خمس سنوات)، وها نحن نرى ان الفساد المالي والاداري هو الان أوسع نطاقاً وأعهمق غوراً مما كان عليه قبل بدء الحملة وان الفاسدين باتوا أكثر شراسة وعدوانية وصلافة مما كانوا عليه من قبل .. لأنهم مدعومون من أعلى المستويات.




352
المنبر الحر / كامل شياع يدعونا
« في: 17:31 25/08/2012  »
شناشيل
كامل شياع يدعونا
عدنان حسين
بعد أربع سنوات لا يُشغلنا السؤال: من قتل كامل شياع؟ أو: لماذا قتلوا كامل  شياع؟ فنحن نعرف القتلة ونعرف دوافع القتل.. نعرف منذ أربع سنوات، لكن ما  لا نعرفه لماذا تصمت الدولة كل هذا الوقت حيال جريمة شنيعة في حق واحد من  ألمع مثقفي البلاد ومن أنزه موظفي هذه الدولة وأكثرهم جدية؟
ذات مرة كنت أركب باص "كيا" من الباب الشرقي إلى الكرادة مروراً بشارع السعدون. كان ثمة زحام مروري عند ساحة الفردوس حيث تجمّع بضع مئات من الناس كشفت عن هوياتهم اللافتات المرفوعة.. كانوا سجناء ومفصولين سياسيين في عهد النظام السابق يطالبون بحقوقهم التي لم يكفلها النظام الحالي الذي من المفترض أن يستند بجزء كبير من شرعيته إلى قضيتهم.
سأل أحد الركاب: "شبيهم؟"، فتطوّع راكب آخر بالرد: "عمي هذولة من أحزاب وطنية، الحكومة ما دايرتلهم بال. لو كانوا إسلاميين أم منافقين لأعطتهم حقوقهم وأزيد".
الراكب المتطوع بالجواب نطق بالحقيقة.. وقضية كامل شياع وسواه من المثقفين والعلماء والسياسيين المحسوبين على القوى الوطنية (غير الطائفية) تشهد على ذلك.
لو كان كامل شياع، المفكر المرموق والوطني الصادق، قيادياً في حزب الدعوة الإسلامية أو المجلس الأعلى أو التيار الصدري أو منظمة بدر أو حزب الفضيلة أو الحزب الإسلامي، هل كانت ملفات قضيته ستُحفظ ويُمنع نشر أي تفاصيل تتعلق بها؟ هل كان رئيس الوزراء أو وكيل وزارة الداخلية الأقدم سيصمّ أذنيه عن مطالباتنا المتواصلة بالكشف عن نتائج التحقيق في هذه القضية؟
يومياً تقريباً تُعلن الأجهزة الأمنية بكل فخر عن إلقاء القبض على أفراد عصابات مسؤولة عن أعمال إرهابية مختلفة (تفجيرات، اغتيالات بكواتكم الصوت، هجمات مسلحة).. هل هي محض مصادفة ألاّ يُلقى القبض حتى الآن على قتلة كامل شياع وقبله قاسم عبد الأمير عجام وبعدهما هادي المهدي وسواهم المئات من الناشطين السياسيين والنقابيين والمثقفين الوطنيين؟
لا أنتظر، كما غيري، جواباً على هذا السؤال وأمثاله من الحكومة، فالحكومة وأقطابها ليسوا في هذا الوارد.. لا يهمهم إن يُقتل عشرة أو ألف ممن لا يصفقون لها ولأقطابها.
الجواب عندنا نحن زميلات وزملاء كامل شياع وقاسم عجام وهادي المهدي وسواهم ممن قُدّر لنا أن نبقى حتى الآن على قيد الحياة. هي قضيتنا التي لا ينبغي أن ننتظر مكرمة بشأنها من أحد، فلقد آن الأوان لنشكل تجمعاً واسعاً يتبنى قضية كامل شياع وسواه.. يطالب البرلمان والحكومة والقضاء بالكشف عن الحقيقة.. عن أسماء القتلة وأسماء المحرّضين على قتل المثقفين والناشطين السياسيين والنقابيين الوطنيين.
هي خطوة مهمة لردع القتلة والمحرّضين على القتل ولمنع وقوع المزيد من الجرائم من هذا النوع التي يمكن أن تطاولنا جميعاً الواحد بعد الآخر.
إنها دعوة من كامل شياع شخصياً من أجلنا.


353
شناشيل

وزير الوزارتين الفاشل

عدنان حسين
حرب داحس والغبراء جديدة تدور رحاها هذه الايام في بلادنا التي من نحس حظها وسوء أقدارها انها ما أن تخرج من حرب حتى تجد نفسها ملقاة في آتون حرب جديدة بفضل رجال تنصّبوا على رأسها وهم  لا يصلحون حتى لرعي قطيع صغير من الماعز.
الحرب الجديدة يقف على جبهتيها المتقابلتين وزارتا الكهرباء والنفط اللتين يشرف عليهما احد نواب رئيس الوزراء، هو الدكتور حسين الشهرستاني الذي يبدو في موقف يشبه موقف النجار الذي بابه "مخلّع" كما يقول المثل السائر.
وزارة الكهرباء أطلقت قذائفها باتجاه وزارة النفط محملة اياها المسؤولية عن تراجع انتاج الكهرباء نحو ألف ميغاواط لامتناعها عن تأمين الوقود لوحدات توليد الطاقة الكهربائية، خصوصا خلال الأيام الماضية.
النفط ردت بصواريخ معلنة أن ما جهزته من الوقود للمحطات الكهربائية وصل إلى 120 % من احتاجاتها ومتهمة وزارة الكهرباء بالعجز في توفير الطاقة الكهربائية للمواطنين.
لكن المتحدث باسم وزارة الكهرباء يقول ان "عددا من الوحدات التوليدية توقف بسبب شح الوقود وانخفاض ضغط الغاز"، وزاد بالقول ان النقص في الوقود ادى الى "توقف الخط الاستراتيجي المغذي لمناطق الوسط والشمال والفرات الاوسط (...) وتوقف وحدات محطات الموصل والتاجي والمسيب الغازية".
من جانبه اكد زميله المتحدث باسم النفط  إن وزارته "جهزت المواطنين بالطاقة أكثر من وزارة الكهرباء وبساعات تصل ما بين 12 إلى 24 ساعة يومياً من خلال تزويد المحطات الأهلية بالوقود في حين عجزت الكهرباء عن ذلك".
في غياب المعلومات المتاحة للإعلام ( وهو غياب تنشط الحكومة للتشد فيه عبر قوانين ومشاريع قوانين تقدمت بها الى البرلمان للحد من حرية تدفق المعلومات غير المتوفرة أصلاً) ، ليس في وسعنا القطع في ما اذا كان الحق الى جانب هذه الوزارة أو تلك. والشخص الوحيد المفترض أن يكون أعرف الناس بالخفايا على هذا الصعيد هو وزير الوزارتين الشهرستاني.
الدكتور الشهرستاني، وهو أحد الصقور الشرسة في الحكومة، لا يبدو مكترثاً للمحنة التي يكابدها الناس من أزمة الكهرباء التي وعد هو ورئيس الوزراء غير مرة بانها في طريقها الى الحل ( كان هذا قبل سنتين، وتكرر في العام الماضي والعام الحالي أيضاً)، فهو بحكم منصبه نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة من مسؤولياته الأساسية توفير الكهرباء للناس، والا لماذا يتسنم منصبه ويحظى بالإمتيازات المادية والمعنوية التي يرتبها هذا المنصب؟
الحرب بين الوزارتين اللتين يديرهما الوزير الشهرستاني تعكس فشلاً يتحمل نصيباً كبيراً منه الدكتور الشهرستاني الذي يبدو انه كرّس كل طاقاته وكفاءاته وخبراته ووقته على مدى السنوات الأخيرة لقضية واحدة هي قضية الإتفاقات بين حكومة اقليم كردستان وشركات النفط العالمية، وهي قضية لم يستطع الدكتور المسؤول عن قطاع الطاقة في البلاد ان يساعد في حلها (حلها معروف ويكمن في تشريع قانون النفط والغاز الذي يبدو لنا مثل "قصة عنتر" الطويلة).
"المدى" – 16/8/2012
 


354
شناشيل
إصلاح دولة القانون .. قادم!
عدنان حسين
كل الأنظمة الإستبدادية تخشى الإحتجاجات الشعبية بمختلف أشكالها، وبخاصة التظاهرات. وعلى طريقة هذه الأنظمة نلاحظ ان قيادات وكوادر دولة القانون الذين يرون الى أنفسهم على انهم أصحاب السلطة المطلقة والهيلمان في البلاد، ترتعد فرائصهم وتزبد حلوقهم وتضطرب نفوسهم و"تمشي" بطونهم لمجرد ذكر كلمة "تظاهرات".
دستورنا يكفل حرية  التعبير عن الرأي، بما في ذلك عن طريق التظاهرات، لكن حكومة دولة القانون لا ترغب في هذا. وهي انتهكت على نحو سافر الدستور واحكامه في شباط 2011 وبعده وتعاملت مع التظاهرات السلمية بالطريقة نفسها التي تتعامل بها في العادة أشد الأنظمة استبداداً. وهذه الحكومة تبذل الآن قصارى جهودها وضغوطها لتمرير قانون قدّمته الى مجلس النواب يحدّ بدرجة كبيرة من هذا الحق الدستوري الذي تقرّه أيضا كل المواثيق الدولية التي وقّعت عليها الدولة العراقية واعلنت التزامها بها. والقانون واحد من حزمة قوانين تلحّ حكومة دولة القانون لأجل تشريعها، كما لو انها خالدة في موقعها وانه لن يأتي وقت تُصبح فيه خارج السلطة.
رداً على تصريحات بعض النواب الداعية أو المؤيدة لفكرة تنظيم تظاهرات جديدة لمطالبة الحكومة بتوفير الأمن والخدمات وللضغط على الطبقة السياسية الحاكمة من أجل حل مشاكلها وفتح طرق الحل للمشاكل والأزمات الكثيرة التي يكابدها الناس، أظهر النائب الدولة قانوني إبراهيم الركابي انزعاجه حيال موقف زملائه (المدى أمس)، محذرا من ان التظاهرات المقترحة ستضيف"أزمة جديدة"!
النائب الركابي يريد للناس أن تسكت على الضيم. لماذا ؟ ربما لأن جماعته في نظره موصى بها من السماء!.
قبل سنة ونصف السنة وعد رئيس الوزراء نوري المالكي علناً بأن حكومته ستعمل على تحقيق مطالب المتظاهرين السلميين الذين قمعتهم قواته بعنف مبالغ فيه للغاية. وبعد كل هذا الوقت لم يتحقق شيء من تلك الوعود. ومنذ أشهر يتحدث أقطاب دولة القانون عن "ورقة اصلاحات" يتبين لنا الآن انه حتى شركاء دولة القانون في التحالف الوطني لا يعرفون الكثير عنها، فضلاً عن "الشركاء" الآخرين في الحكومة والبرلمان الذين يؤكدون انهم يسمعون جعجعة ولا يرون طحناً.
النائب الركابي قال أيضاً تبريراً لموقفه المناهض لفكرة التظاهرات ان ورقة الإصلاح "بدأت تأخذ صدى معيناً لدى أغلب الكتل الداعية إلى سحب الثقة، وان قيادات في هذه الكتل أبدت رضاها التام عن بنود الورقة". كيف يا سيادة النائب والتحالف الوطني نفسه لم يتفق بعد على هذه الورقة بل انه مختلف عليها؟ وكيف أيضاً وهذا ائتلاف العراقية ومعه ائتلاف الكتل الكردستانية، وهما الموجهة اليهما الورقة لارضائهما، لم تُقدّم لهما الورقة؟ انه صدى غير ايجابي في الواقع، فتصريحات اقطاب العراقية والكردستاني تحذر كل يوم من لعبة التسويف وتضييع الوقت التي يؤديها دولة القانون بخصوص الإصلاح المطلوب.
الطريف ان النائب الدولة قانوني يؤكد في تصريحه كلام اقطاب العراقية والكردستاني الركابي هذا، إذ يقول رداً على سؤال عن السقوف الزمنية لتنفيذ الإصلاحات التي ستتضمنها ورقة الاصلاحات المُفترضة "مازالت دعوة رئيس الجمهورية محل اهتمام جميع الكتل، وان تنفيذ بنودها (الورقة) سيكون بعد الجلوس على طاولة طالباني والتشاور بشكل مستفيض وجادّ حول الآلية التي سيتبعها التحالف الوطني في تنفيذها.
باختصار، يقول لنا النائب:"عيش يا حمار....." حتى الولاية الثالثة لحكومة دولة القانون!

 
 



355
المنبر الحر / ما يحتاجه شبابنا
« في: 17:45 13/08/2012  »
شناشيل

ما يحتاجه شبابنا

عدنان حسين

وهو يلقي كلمته في الاحتفالية التي أقامتها وزارة الشباب والرياضة في يوم  الشباب العالمي أمس، بدا رئيس الوزراء نوري المالكي كما لو انه يتعمد تقديم  صورة وردية لأوضاع الشباب في البلاد، أو انه كان يتحدث عما يريده ويتمنى  تحقيقه في المستقبل على هذا الصعيد.
المالكي قال ان " الجميع شركاء اليوم في البلد ولا فرق بين عراقي وعراقي على أسس طائفية أو مذهبية أو قومية، والشباب شركاء وتقع عليهم المسؤولية من أجل ضمان مستقبل البلاد، ومسؤولياتهم قائمة على أساس البناء والألفة والمحبة". وأضاف مقارناً بين ما كانت عليه فئة الشباب في عهد صدام حسين وما صارت عليه اليوم "الصورة اليوم تغيرت، ولا أحد يُجبر الشباب على عمل شيء أو يضطهدهم أو يقصيهم عن العملية السياسية أو الاقتصادية أو العلمية".
غير صحيح ان "الجميع شركاء" وان "لا فرق بين عراقي وعراقي"، فليس الجميع شركاء. الشراكة قاصرة على الأحزاب السياسية الحاكمة والمجموعات المحيطة بقياداتها. وهناك فروق كبيرة في ما بين العراقيين، فروق تستند الى أسس دينية وقومية ومذهبية وحزبية. هناك فرق بين أن تكون عضواً في أحد الأحزاب المنضوية في التحالف الوطني أو ائتلاف العراقية أو التحالف الكردستاني وسواها من الكتل الممثلة في البرلمان والحكومة، وبين أن تكون من حزب ليس له تمثيل في البرلمان والحكومة. بل هناك فرق بين أعضاء الحلقات المحيطة بكبار المسؤولين في الدولة وبين غيرهم. الأولون مقضية مصالحهم ومُلبّاة مطالبهم، بما في ذلك الحصول على الامتيازات والعطايا والصفقات، فيما الآخرون مقصون ومهمشون.
هناك فرق كبير في المعاملة في معظم دوائر الدولة تجاه موظفيها ومراجعيها، وهو فرق يستند الى دين المسؤول أو مذهبه او قوميته أو الى عقيدة هذا المسؤول السياسية.. دوائر الدولة موزعة مذهبياً وقومياً وحزبياّ (الأحزاب الحاكمة).
ليس من المصلحة نكران هذا أو التعمية عليه، وليست الأمور بالصفاء الذي عكسه كلام رئيس الوزراء أمس.
الشباب ليسوا شركاء في عملية بناء الوطن والنظام الجديد، فالأغلبية الساحقة متروكة لمصيرها تتخبط في البطالة والفقر المادي والروحي. لم يعد شبابنا مجبرين على السوق الى ساحات الحروب، لكنهم مجبرون على أن يموتوا بالمجان في أعمال الإرهاب والعنف التي لا تقوم بها "القاعدة" وفلول النظام السابق وحدهما وانما أيضاً عناصر مسلحة وتنظيمات سرية من القوى الحاكمة المتصارعة في ما بينها.
كثير من شبابنا مجبرون على العمل بعيداً عن اختصاصاتهم إن توفرت لهم فرص العمل، ومحرومون من حقوق السكن والزواج والتمتع بالحياة، بما في ذلك القراءة وتذوق الموسيقى وارتياد دور السينما والمسرح ومدن الألعاب والسفر والسياحة داخل البلاد أو خارجها.
شبابنا لا يحتاجون الى كلام الصور الوردية والتمنيات الطيبة، فما يلزمهم خطط وبرامج عملية، وهذه لا تتحقق في ظل التمييز الديني والمذهبي والقومي والسياسي وتفشي الفساد المالي والإداري على وجه الخصوص.
"المدى" 13/8/2012

356
المنبر الحر / الجعفري وأضرابه
« في: 21:39 12/08/2012  »
شناشيل

الجعفري وأضرابه
عدنان حسين
لا يزيد طول الطريق بين البيت والمكتب عن 12 كيلومتراً. مسافة من المفترض الا يتجاوز وقت قطعها بالسيارة ربع ساعة، خصوصاً وان نصف المسافة تقريباً هي جزء من طريق سريعة، لكن الوقت الضائع بين البيت والمكتب يصل في بعض الأيام الى 45 دقيقة.
لا أريد أن أشكو من السيطرات التي خُففت إجراءاتها خلال الأشهر الأخيرة على نحو ملحوظ ( تُشدّد هذه الإجراءات بدرجة كبيرة للغاية في الأيام التي يكون فيها الإرهابيون قد ضربوا ضرباتهم، فلا تبقى أي عاقبة للتشديد غير إزعاج ركاب السيارات وبخاصة سيارات النقل الجماعي التي لا تتوفر فيها أجهزة التبريد في هذا الصيف اللاهب). لكن ما أخذ يثقل عليّ هذه الأيام وعلى كل المسافرين عبر شوارع العاصمة، كما أظن، ان سياسيين ورجال دين يتبارون في ما بينهم في هذه الشوراع، ليس من أجل خدمة الناس وانما على الزيادة في إزعاجهم والإثقال عليهم بصرياً.
في أحد الأيام الماضية أحصيتُ على الطريق بين البيت والمكتب أكثر من عشر صور كبيرة للغاية للنائب ابراهيم الجعفري مقرونة بمقتطفات من أقواله التي أشك كل الشك في ان 90 بالمئة ممن يقرؤونها يفهمون معانيها بسبب رطانتها.
لا دخل لنا بالاسلوب فهذا يخصّ صاحبه، ولكن الى أي حق استند الجعفري، وهو واحد من 325 عضواً في مجلس النواب، لكي يحتل مساحات على أرصفة الشوارع العامة ويرفع عليها صوره ومقولاته؟ أي قانون أباح لعضو الهيئة التي تشرّع القوانين أن يمارس تلوثاً بيئياً (بصرياً) في حق سكان العاصمة، وربما غيرها أيضاً؟ وما المناسبة؟ هل نحن في فترة حملة انتخابية لكي يكون من حق المرشح الجعفري أن يعرض أفكاره وبرنامجه الانتخابي على الناخبين؟ هل دفع النائب، وهو رئيس كتلة التحالف الوطني، الرسوم التي تتقاضاها أمانة بغداد عادة عن إعلانات الشوارع؟
هذه الأسئلة وغيرها لا يقتصر أمر توجيهها على النائب الجعفري، وانما المعني بها كل هؤلاء السياسيين ورجال الدين الذين أخذوا القانون بأيديهم وتصرّفوا على طريقة "الحواسم" في التصرّف بالأملاك العامة، والخاصة أيضاً، بما فيها أرصفة الشوارع وجدران المباني الحكومية والمساكن والعمارات الخاصة.
في سنوات المعارضة كنا نتهكم على صدام لأنه حشا الشوارع والساحات بصوره وتماثيله. والآن فان صور ذوي السطوة هذه الأيام من السياسيين ورجال الدين فاقت في عددها ما كان لصدام في عهده (الحق يقال ان صدام وأصحابه لم يتركوا تلك الصور والتماثيل لكي تصبح مقراً ومستقراً للتلوث البيئي البصري وغير البصري كما هو حاصل مع "جماعتنا"!).
يا سيد الجعفري، ويا كل الذين تشوهون مدننا بصوركم ومقولاتكم .. ملايين الصور والتماثيل والمقولات والقصور لم تنفع صدام من قبلكم في شيء، وهي لن تنفعكم من بعده في شيء أيضاً. إتقوا الله الذي جعلتم من أنفسكم وكلاء له، وارحمونا نحن الذين جعلتم من أنفسكم أوصياء علينا من دون دعوة منا ولا رغبة.


357
شناشيل

توقير أم "بهذلة" للدين؟
عدنان حسين
كأنه لم يكفهم ما فعلوه بالدين ومذاهبه وبالمراجع الدينية، فيسعون الآن الى ما يثير الناس من جديد ضد الدين ومذاهبه ومراجعه. أعني السياسيين الذين يريدون أن يُلصقوا لصقاً بالمحكمة الإتحادية العليا عدداً من فقهاء الشريعة.
هؤلاء السياسيون هم أنفسهم الذين هرعوا في مناسبات عدة، وبخاصة قبل انتخابات الجمعية الوطنية ثم مجلس النواب في دورتيه الأولى والثانية (الحالية)، الى المراجع الدينية العليا (الشيعية والسنية) ليخدعوهم بان القوائم الانتخابية التي تشكلت على أساس طائفي ستكون الأكثر تمسكاً بأهداب الدين وخدمة للدين والمتدينين وسائر الناس، والحال ان الدورات الإنتخابية الثلاث، فضلاً عن انتخابات مجالس المحافظات، لم ينجم عنها سوى ظهور طبقة حاكمة من أسوأ ما يكون في تاريخ العراق الحديث.. طبقة تتشكل في أغلبيتها الساحقة من الفاسدين والمفسدين المنصرفين الى مصالحهم الخاصة، فيما بقيت مصالح الشعب غير مكترث بها الا من أقلية ضئيلة "لا تحل ولا تربط"، وهذا ما يفسر كيف ان موازنة عامة سنوية من مئة مليار دولار لم تحلّ، بل لم تخفف من، أي مشكلة من مشاكل البلاد التي صارت مزمنة ومهلكة.
وهذا الكلام لم يعدّ يمثل رأي نفر من السياسيين والمثقفين الوطنيين المنبوذين من الطبقة السياسية الحاكمة، وانما هو رأي المرجعيات الدينية العليا أيضاً. وأي مراجعة لخطب يوم الجمعة في الجوامع والمساجد الرئيسية في البلاد ستظهر ان ممثلي هذه المرجعيات لا يكفّون عن توجيه النقد القوي الى الطبقة السياسية الحاكمة وأفعالها في كل ظهيرة جمعة، بل ان معظم هذه المرجعيات يرفض منذ مدة غير قصيرة استقبال هؤلاء السياسيين الفسدة المتواكلين عن أداء واجباتهم الدستورية والمتخبطين في أخطائهم وخطاياهم المتناسلة، حتى لا يتواصل استغلالهم للدين في السياسة وفي تصريف أعمالهم ومصالحهم.
دستورنا حدّد لدولتنا هوية سياسية واضحة: دولة مدنية بنظام ديمقراطي. لم يُشرك رجال الدين في إدارة الدولة (رئاسة الجمهورية، الحكومة، مجلس النواب، السلطة القضائية)، فلماذا يُراد الان الزج بعدد من رجال الدين في المحكمة الاتحادية؟
وكيف سيجري اختيار هؤلاء؟ نعرف انهم سيكونون من الشيعة والسنة، ولكن من أي مذهب وأي طائفة؟ فالشيعة والسنة مذاهب وطوائف عدة. ثم ماذا عن المسيحيين بمذاهبهم المختلفة؟ وماذا عن الصابئة المندائية والإيزيدية والكاكائية وسواهم من أهل الديانات والطوائف المختلفة في هذه البلاد التي لم تواجه في تاريخها الحديث أي مشكلة تتصل بعدم وجود رجال دين في محاكمها؟
يبدو الإصرار على زج الدين ورجاله في المحكمة الاتحادية محاولة لتعطيل دور هذه المحكمة كمرجعية قضائية علياً نزيهة ومستقلة ومحايدة، ولتسييس القضاء بعدما جرى تسييس الهيئات "المستقلة".
هذه المحاولة، إن نجحت، لن ينجم عنها أي توقير للدين وإعلاء لشأنه في الحياة الإجتماعية، بل هي ستؤدي الى "بهذلته" مثلما "تبهذل" الدين من أفعال السياسيين التي تبرأ مراجع الدين منها ومن أصحابها.

 

358
شناشيل

الأغلبية الدايخة في البرلمان

عدنان حسين

أشك في أن الأغلبية العظمى من أعضاء مجلس النواب ستكترث لأحدث تحذير صادر عن مفوضية الانتخابات، بل أجزم بان البعض منهم لن يعرف به، فهذا البعض غارق في الاهتمام والانشغال بشؤونه الخاصة وبشؤون حزبه وكتلته وبالتملق لأولياء نعمته ولا وقت لديه البتة لرعاية مصالح الشعب الذي باسمه يتسنم النائب منصبه.

المفوضية قالت أمس ان اللجنة العليا للتخطيط للعمليات التابعة لها "خلصت الى عدم إمكانية إجراء انتخابات مجالس المحافظات المزمع اقامتها العام المقبل وفقاً لما ورد في نص التعديل أعلاه (قانون التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008 المعدل)، ما لم يجر تعديل المادة القانونية في نص القانون المعدل كون الجهاز المركزي للإحصاء ليس لديه في الوقت الحالي بيانات عن اسماء السكان  تساعد المفوضية في اعداد سجلات الناخبين".
عدم وجود بيانات عن أسماء السكان لدى الجهاز المركزي للإحصاء ينسف العملية الانتخابية من أساسها، فهو من ناحية يمكنه ان يسمح بعمليات تزوير خطيرة واسعة النطاق، ومن ناحية أخرى يحرم أعداداً غير محدودة من المواطنين من حق الانتخاب، وهو حق أساسي مكفول في الدستور الذي يُلزم بانتخاب الهيئات التمثيلية كلها المحلية والوطنية انتخاباً مباشراً من الناس. وحرمان أي فرد  من دون وجه حق من حق يتمتع فيه الآخرون انتهاك لمبدأ المساواة الذي يكفله الدستور ايضاً.
المشكلة ان من يدرك هذا ويفكر به أقلية ضئيلة من أعضاء مجلس النواب ومن أعضاء الحكومة أيضاً (هم جميعا أبناء عم ينتمون الى عشيرة المحاصصة والتوافقات التي وضعتهم في مراكزهم ومناصبهم)، ولذا فمن غير المنتظر ان تنتفض الأغلبية بعد اطلاعها على تحذير مفوضية الانتخابات لكي تقوم بواجبها في تشريع القوانين التي تيسّر عملية الانتخابات ومنها تنظيم إحصاء سكاني عام لتوفير البيانات التي تراها مفوضية الانتخابات لازمة لإعداد سجلات الناخبين قبل إجراء الانتخابات.
وما يؤكد هذا الرأي ويعززه بقوة ان بيان المفوضية يكشف عن انها " قدمت اكثر من كتاب موجه الى مجلس النواب قبل صدور تعديل القانون، أكدت فيه ان المفوضية ستعتمد قاعدة بيانات سجل الناخبين الموجودة لديها والمبنية على قاعدة بيانات البطاقة التموينية لدى وزارة التجارة "، وذلك رداً على ما جاء في المادة 3، الفقرة أولاً، من القانون المعدل التي تقول "تعتمد المفوضية في وضع سجل الناخبين وتحديد عدد مقاعد الدائرة الانتخابية على أحدث بيانات الجهاز المركزي للإحصاء".
كما يكشف بيان المفوضية عن أن "مشروع القانون المقدم إلى مجلس النواب من قبل لجنة الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم تضمّن التوصية المقترحة من قبل المفوضية (في هذا الشأن) والتي لم يؤخذ بها لدى صدور القانون المعدل".
والنتيجة ان القانون الذي شرّعه البرلمان للتو (قانون انتخابات مجالس المحافظات) "سوف يؤدي إلى وقف التحضيرات المتعلقة بإعداد سجلات الناخبين الأولية لفتح مراكز التسجيل  من أجل تحديث سجلات الانتخابات" كما جاء في تحذير المفوضية.
والخلاصة أن ما عندنا ليس برلماناً وإنما منتدى لخليط من الكسالى والدايخين وغير المكترثين، مع التقدير والاحترام للأقلية الضئيلة من النساء والرجال المحترمين الذين لا حول ولا قوة لهم بإزاء الأغلبية العاتية في لا مسؤوليتها.
"المدى" 9-/8/2012

359
المنبر الحر / "صحوة" حسن السنيد
« في: 16:04 08/08/2012  »
شناشيل
"صحوة" حسن السنيد
عدنان حسين
 رئيس لجنة الامن والدفاع  في البرلمان حسن السنيد بين النواب الأشهر من نار على علم، وهذا ناجم عن كثرة كلامهم خصوصاً وليس بفضل عملهم (ماذا يفعل أعضاء مجلس النواب عندنا غير تشريع القوانين الأقل أهمية، والثرثرة الطويلة بشأن القوانين المهمة ما يؤدي في النهاية الى ركنها على الرفوف العالية للبرلمان؟).
السيد السنيد الناشط في مجال الكلام والذي توحي ملامحه بانه عصبي المزاج دائماً، غادر أول من أمس قاعة البرلمان منزعجاً أثناء المناقشة الخاصة بمفوضية الانتخابات التي تعرف رسمياً باسم "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات"، وهي لم تكن يوماً مستقلة. وبرر السنيد خروجه المنزعج  بالقول انه وجد في المؤسسة التشريعية "جهة لتمرير قانون المفوضية الحزبية الطائفية".
بالطبع كلامه صحيح مئة بالمئة، فالمفوضية الجديدة يُراد لها من الكتل القوية في البرلمان أن تكون، أو بالأحرى تبقى، حزبية طائفية غير مستقلة.
السيد السنيد قال في المؤتمر الصحفي الذي عقده لهذه الغاية كلاماً يعادل وزنه ذهباً وأكثر في هذا الزمن العراقي الرديء. قال :"ان الدستور العراقي أعطى للهيئات المستقلة هذا الأسم (صفة المستقلة) لتكون فعلاً وقولاً مستقلة ولا تخضع لأية جهة سياسية أو حزبية، ولكن الآلية المتبعة اليوم في اختيار أعضاء المفوضية هو تأسيس لمفوضية حزبية طائفية".
وبكلام يعادل وزنه ماساً زاد النائب عن دولة القانون في القول :"ان مجلس النواب ولجنة الخبراء اتفقا على تقسيم المفوضية بين الكتل السياسية دون مراعاة الكفاءة والاستقلال، وهذا تجاوزعلى كل المقابلات السابقة مع المرشحين لعضوية المفوضية وهذا كان سبباً لمغادرتي القاعة كي لا أشارك بمثل تلك العملية الطائفية الحزبية التي يسعى مجلس النواب لتأسيسها".
وأكد السنيد انه سيطعن بأية انتخابات أو نتائج تصدر عن المفوضية في المستقبل "لان تلك المفوضية التي تشرع اليوم هي مفوضية غير مستقلة بكل معنى الكلمة".
أؤيد السيد السنيد في كل كلمة قالها وفي كل حرف نطق به في هذا التصريح. ولكن السؤال المهم: ما عدا مما بدا؟ فطول عمره كان مجلس النواب هكذا. لم يُشرّع أي قانون ولم يشكّل أي هيئة أو لجنة أو مؤسسة ولم يقم بأي عمل الا على أساس المحاصصة الحزبية والطائفية. فلماذا لم ينزعح وينرفز السيد السنيد من قبل؟
لماذا لم يعترض النائب السنيد على تشكيل هيئات السلطة التنفيذية وفقا لهذا الأساس؟ لماذا لم يعترض على إطاحة استقلال مفوضية النزاهة وشبكة الاعلام العراقي ومفوضية حقوق الانسان وعلى الزحف السرطاني للحكومة التي يترأسها زعيم حزبه على النقابات من نقابة الصحفيين الى نقابات العمال، فهذه كلها وليست فقط مفوضية الانتخابات يتعيّن أن تكون مستقلة تماماً عن الأحزاب والطوائف .. وعن الحكومة أيضاً.
ما عدا مما بدا ليصبح ما تمسك به برلمان النائب العصبي حسن السنيد وما التزمت به حكومة جماعة السيد السنيد على مدى ست سنوات وأكثر، مذموماً الآن وفي قضية مفوضية الانتخابات بالذات؟ أهي صحوة بعد غفوة طويلة؟ نتمنى.



360
شناشيل
دولة منزوعة الأخلاق
عدنان حسين
نعم ونعم، للمرة الألف أو أكثر، دولتنا فاشلة، لكنها مهددة الآن بما هو أشدّ وأشنع من الفشل. فالفشل يمكن معالجته، ذلك ان قواعد النجاح للدول صارت معروفة وسبله سالكة لمن يريد أن يحثّ الخطى عليها .. ونحن توفرت لدينا كل أسباب النجاح الا واحداً، هو الحكومة الرشيدة.
 أما هذا الأشد والأشنع من الفشل الذي يهدد دولتنا فهو السقوط الأخلاقي، فنحن في دولة ترعى رسمياً هذا النوع من السقوط على أعلى المستويات وتنشره وتعممه على أوسع نطاق.
دولتنا تعمل على شرعنة الفساد المالي والإداري، بما فيه نهب المال العام على حساب المصالح والخدمات الأساسية التي تشتد حاجة الناس اليها، وبما فيه تزوير الشهادات والوثائق. فدولتنا مشغولة هذه الأيام بقانون العفو العام أكثر من اهتمامها بحل أزمة الكهرباء ومعالجة مشاكل ارتفاع الاسعار ومستوى البطالة والفقر وتردي الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية.
والآن يصعد منسوب التردي الأخلاقي لدولتنا الى أقصى درجاته بتحليل (من حلال) انتهاك الخصوصيات والتجاوز على الحرية الشخصية، والتفاخر بهذا علناً.
لم أعرف طارق الهاشمي الا بعد 2003، ولم ألتقه حتى الآن، ولم يعتريني أي شعور بالمودة تجاهه، بل عدم المودة هو الذي غلب على شعوري نحوه منذ أن بدأت أراه ضمن جوقة الطبالين طائفياً. وتعمّق هذا الشعور عندما قبل(الهاشمي) أن يحتل منصباً مرموقاً في دولتنا استناداً الى خزعبلات المحاصصة الطائفية وليس الى قواعد اللياقة السياسية والأهلية الوطنية.
ويوم وُجه اليه الاتهام بالضلوع في الارهاب لم أتفاجأ، فانا موقن بانه وعشرات مثله من كبار المسؤولين في دولتنا الفاشلة (من الشيعة والسنة سواء بسواء) متورطون في الارهاب وفي كل ما جعل منا دولة فاشلة. وقد عبّرت عن هذا الرأي غير مرة في هذا المكان بالذات.
برغم هذا الموقف من الهاشمي انتقدتُ بقوة الطريقة التي تعاملت بها السلطة التنفيذية مع قضيته، فهي أخذت القانون بأيديها من دون وجه حق متجاوزة على حقوق واختصاصات السلطة القضائية التي يقرّ الدستور باستقلالها التام. واليوم تتجاوز هذه الدولة كل الخطوط الحمراء بنشرها على الملأ أشرطة فيديو مسجلة قيل انها وجدت في بيت الهاشمي ( وُضعت على موقع يوتيوب ونُشر مضمونها في صحافة رئاسة الحكومة وحزبها). الدستور وكل الشرائع لا تبيح القيام بعمل كهذا، لأنه ببساطة غير أخلاقي.
إذا كان ما وجد في بيت الهاشمي هو من "المضبوطات الجرمية" فان عرضه ونشر محتواه من اختصاص القضاء حصراً. وقد تصرّفت سلطة دولة القانون التتنفيذية ضد القانون بتسريبها اشرطة الفيديو (إن صحت). ولو كانت لدينا سلطة قضائية مستقلة تحترم نفسها وتصون كرامتها ما تهاونت في هذا الأمر وسكتت عنهوالتزمت موقف المتفرج.
هذه مسألة خطيرة للغاية لا ينبغي السكوت عنها، لأنها تمسّ جوهر الحرية وجوهر الأخلاق، واذا أستبيحت الحرية والأخلاق على هذا النحو من الدولة بالذات فلا أمن ولا أمان ولا كرامة لأي فرد في هذه الدولة. فمعنى هذا  اننا في دولة ليست فقط فاشلة وانما أيضاً ساقطة، لانها منزوعة الأخلاق.


361
المنبر الحر / أفواه .. وروائح
« في: 13:18 06/08/2012  »
شناشيل
أفواه .. وروائح

عدنان حسين
وصلتني أمس رسالة الكترونية من صديق يحيل فيها اليّ ، مع آخرين، معلومات تلقّاها بدوره من صديق له تفيد بكيفية التخلص من رائحة الفم، وهي مُرسلة كما جاء في مقدمتها لمناسبة شهر رمضان حيث تزداد الشكوى – كما تقول المقدمة – من تغير رائحة الفم نتيجة الإمتناع عن تناول الطعام والشراب.
معلومات رسالة الصديق تنصح بتناول كوب من الشاي الأخضر فى السحور "فهو يحتوي على مواد مضادة للبكتريا المسببة للرائحة الكريهة"، و"وضع أعواد القرفة (الدارسين) في الشاي"، وتناول البقدونس والنعناع، والابتعاد عن الأطعمة المالحة جداً والنفاذة والمخللات والبهارات ذات الروائح النفاذة، وما الى ذلك.
لا أدري لماذا كانت المعلومات موجهة الى النساء دون الرجال، بحسب النص الذي يخاطب الأنثى وليس الذكر. ولا أدري أيضاً لماذا بعث بها الصديق اليّ وانا غير صائم ولا أعاني أو يعاني أحد من رائحة فمي، فلست من المدخنين، وأواظب على تنظيف أسناني وفمي مرتين في اليوم في الأقل ، صباحاً ومساء، وأكثر من شرب الماء والشاي، وفوق هذا أمضغ اللبان (العلك) مرتين أو ثلاثاً في اليوم لمدة نصف ساعة في الأقل، وهذا حاصل منذ زمن بتوصية من طبيبة فرنسية من أصل عراقي (عائلتها اليهودية هُجّرت قسراً من البلاد قبل ستين سنة) راجعتها منذ نحو عشر سنوات في لندن شاكياً من جفاف في الحلق وشدّ في الأوتار الصوتية فنصحتني بأن أعلك باستمرار.
كنت أتمنى لو ان رسالة المعلومات تلك قد حملت اليّ ما يفيدني حقاً من قبيل كيفية التخلص من رائحة فم من نوع آخر تسبب لي ولغيري ضيقاً شديداً، هي تلك التي تنقلها الينا الفضائيات والإذاعات والصحف من أفواه نواب ووزراء وما شاكلهم من مسؤولين مصابين بالإسهال الكلامي المزمن. وأعني النواب الذين يتشاتمون في ما بينهم بكل يُسر ويُطلقون الاتهامات ضد بعضهم البعض وضد غيرهم، مستندين الى حصانتهم البرلمانية التي من المفترض الا تحصنهم من المساءلة عما يخرج منهم من بذاءات تُسيء الى الذوق العام وتتجاوز على قواعد اللياقة في السلوك العام والسياسي. وأعني هنا بالذات المتمسكين بالخطاب الطائفي المثير للقرف والغثيان والذي أقحموه إقحاماً وسمموا حياتنا الإجتماعية به، وتسببوا من جرائه في حرب طائفية لم تخمد نارها بعد ولم يتوارَ دخانها عن الانظار.
 وأعني أيضا وزراء وسواهم من كبار المسؤولين الحكوميين الذين  بدلاً من أن ينصرفوا الى أعمالهم لا يكفّون عن استعراض عضلاتهم الجوفاء بانجازات وهمية ووعود كاذبة من دون أي شعور بالمسؤولية تجاه الناس وأحوالهم.
لمثل هذه الأفواه نحتاج الى علاج يخلصنا من روائحها الكريهة. كيف؟ هل من طريقة؟


362
شناشيل
التقصير الأعظم أمنياً

عدنان حسين
في الموقف التقييمي تجاه الهجمات الإرهابية الأخيرة التي ركزت على أماكن الاعتقال والسجن، أشعر أنني أقرب إلى رأي الوزير السابق القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي باقر جبر الزبيدي منه إلى رأي الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي، وأستطيع ان أزعم أن كل الذين من حولي في العمل والبيت وحلقة الأصدقاء يشاطرونني هذا الرأي.
السيد الأسدي الذي يوصف بأنه الوزير الفعلي للداخلية الآن اعتبر أن الهجوم على مبنى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (يفترض انه المبنى الأهم بين مباني الداخلية) الكائن في قلب العاصمة "فاشل"!
كيف؟
لم يتضمن البيان الصادر عن الوكيل أي معطيات تدعم رأيه.
أما السيد الزبيدي فقد وصف الهجوم بأنه "مخيف جدا" ونقطة تحول في عمل الإرهابيين. وفيما أعرب عن أسفه لعدم دراسة مجلس النواب والحكومة الموضوع، استغرب من محاولات إخفاء المعلومات عن الشعب ليأخذ حذره "ويحاسب المقصر".
بين "الفاشل" و"المخيف جداً" بون شاسع للغاية، وهو أمر مستغرب فقضية مثل هذه لا ينبغي ان تكون محل اختلاف بهذه الدرجة إلا إذا كان وكيل الداخلية يرغب بالتهوين مما حدث أو أن الوزير السابق يبالغ لسبب ما، وشخصياً استبعد الاحتمال الأخير. وبصرف النظر عن هذا الاختلاف، فان إعلان السيد الأسدي ببدء تحقيق في القضية يطمئن إلى أن وزارة الداخلية ستكون مبالية هذه المرة. وهو تطمين عززته المعلومات المنشورة أمس والتي أفادت بقيام قوة خاصة يوم الجمعة باعتقال مسؤولين في دائرة مكافحة الإرهاب.
ما كان للهجوم، فاشلاً بدا لنا أم مخيفاً جداً، أن يحدث (سقط فيه 30 ضحية بين قتيل ومصاب، فضلاً عن الأضرار المادية الجسيمة) لو لم يكن هناك تقصير. وهذا التقصير لا بد أن يبدأ من داخل دائرة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة نفسها. ولكن أين ينتهي؟
هذا سؤال مهم. فعلى فرض أن مسؤولين في دائرة مكافحة الإرهاب مقصرون في عملهم، أليس من المنطق أن تمتد المسؤولية إلى مَن اختار المقصرين، فرداً أم جماعة، ووضعهم في هذه المواقع الحساسة؟
السؤال الأهم: كيف يجري في الأساس اختيار القيادات الأمنية في بلد لا أمن ولا أمان فيه منذ سنين؟
نحن لا نعرف كيف تختار وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الأمن الوطني ورئاسة الحكومة القيادات الأمنية؟ ما هي الشروط؟ ما هي المواصفات؟ ما هي المتطلبات؟ ومجلس النواب المفترض انه أعلى سلطة في البلد هو الآخر "مثل الأطرش في الزفة"، لا يعرف مثلنا تماماً.
القيادات الأمنية ليست قيادات لإسالة المياه أو مصلحة نقل الركاب أو علاوي الفواكه والخضراوات، مع كامل التقدير والاحترام للعاملين في هذه المجالات.. إن مصائر الناس وحيواتهم ومستقبلهم في أيدي القيادات الأمنية، وإذا لم يجر اختيار هؤلاء على أسس الاحتراف والكفاءة والنزاهة والوطنية، وإذا لم نعرف ونتوثق من هذا فلا مصائر ولا حياة ولا مستقبل لنا جميعاً.. والتقصير الأعظم في هذا يبدأ وينتهي عند من يختار هذه القيادات في غفلة منا ومن البرلمان.


363
شناشيل
 أيها الكرد.. لِمَ تخذلوننا !؟
عدنان حسين
القرار الذي اتخذه مجلس النواب يوم الأربعاء ونجم عنه قانون جديد سيئ لانتخابات مجالس المحافظات، يمكن أن يُصبح في خبر كان اذا ما بادرت مجموعة من المواطنين الشجعان لرفع شكوى الى المحكمة الاتحادية تطعن في القانون بوصفه يتعارض مع مبادئ الدستور وأحكامه، ولكن ما لا يمكن أن ينساه أحد من الواعين في هذا الشعب هو موقف النواب الكرد خصوصاً.


وموقف ممثلي الكرد في البرلمان الاتحادي مخيب للآمال على نحو موجع للغاية، بل يمثل طعنة غائرة في جسد الحركة الديمقراطية العراقية، قوى وشخصيات وجمهوراً، التي كانت على الدوام النصير الوحيد للحركة التحررية الكردية.
نعم لقد خذلتمونا خذلاناً شديداً وكبيراً أيها النواب الكرد بسماحكم لهذا القانون العار بالمرور في قبة البرلمان برضاكم وقبولكم. ومتى؟ في عزّ الحرب الضروس التي تُخاض ضدكم ومن أجل الانتقاص من حقوقكم، وهي حرب تنادى إليها وتألّب فيها كل القوى الشريكة لكم في الحكومة والبرلمان الاتحاديين، "حلفائكم" في العملية السياسية ، ولم يرابط في الساحة الى جانبكم غيرنا .. نعم نحن ديمقراطيي العراق وحدنا نقف معكم بصدور مكشوفة. فأي كلمة شكر وأي عبارة تقدير وأي موقف تضامن قابلتم به موقفنا بسلوككم المنافي للديمقراطية داخل قبة البرلمان يوم الأربعاء؟
كيف لكم أن تقنعونا وتقنعوا غيرنا بعد اليوم بأنكم تريدون بناء نظام ديمقراطي في العراق يكون الضمانة لاستمرار فيدراليتكم وتطورها وللتمتع بحقوقكم والاحتفاظ بمكاسبكم ؟ كيف لكم أن تقنعونا وتقنعوا غيرنا بأنكم مناهضون أشداء للدكتاتورية وللنزعات الدكتاتورية المتجلية في تصرفات بعض من في يده السلطة في بغداد اليوم؟ كيف سنطمئن الى أنكم حلفاؤنا الموثوق بهم والمعوّل عليهم في كفاحنا للتصدي لهذه النزعات؟
نحن نفهم لماذا صوتت القوى الكبرى لصالح القانون غير الديمقراطي.. ببساطة لأنها قوى غير ديمقراطية .. وتستوي في هذا القائمة العراقية والتحالف الوطني بمكوناتهما المختلفة ( نميز بعض الشخصيات الديمقراطية المعروفة، وهي بأسف شديد قليلة) .. هذه القوى مع هذا القانون  من أجل فرض سطوتها وسيطرتها طمعاً في احتكار السلطة والنفوذ والمال.. كلٌ يسعى إلى أكبر قطعة من الكيكة الدسمة. ولكن ما بالكم أيها الكرد تسيرون في ركابهم؟ ألا تعلمون ان القانون بصيغته القديمة التي أعدتم إجازتها يحول دون دخول أنصاركم الديمقراطيين الى البرلمان، بل ويمنح أصوات ناخبيهم إلى من لديكم مشاكل معهم الآن ؟ ألم تدركوا ان كل ما تعانونه اليوم سيبقى على حاله، بل قد يتضاعف مع هذا القانون؟
ماذا حلّ بكم؟ وما الذي غيّب الوعي عن عقلائكم يوم الأربعاء اللعين؟ كيف تأتّى لكم أن تفعلوا هذا بنا؟
لن نسامحكم أبداً عن هذا الخطأ الشنيع حتى تعودوا عنه وتعتذروا ألينا وتعملوا على إلغاء القانون بنصرة ودعم النواب والمواطنين الشجعان الذي سيرفعون دعوى الى المحكمة ضد قراركم المخالف لأحكام الدستور.
سنراقب ونرى ما الذي ستفعلونه.. وسيكون لكل حادث حديث.


364
شناشيل
السيد شبّر.. اعتذر لصدام إذن
عدنان حسين
" تدريب إقليم كردستان للمسلحين وإرسالهم إلى سوريا أمر خطير وغير مقبول"، وهو " تدخل في شأن داخلي لدولة أخرى". "موقف حكومة إقليم كردستان مخالف لموقف الحكومة العراقية الذي يؤكد على ضرورة عدم التدخل في الشأن السوري". "هذا التدخل سيزيد حدة الأزمة ويزيد من وتيرة الإقتتال".
هذه المقتطفات مأخوذة من تصريح أدلى به النائب عن التحالف الوطني علي شبّر الى "السومرية نيوز" ونشره عدد من الصحف. والسيد شبّر كما نعرف هو نائب عن المجلس الأعلى الاسلامي بزعامة عمار الحكيم في البرلمان.
ويبدو ان السيد شبّر لا يعرف، كما نعرف جميعاً، ان المجلس الأعلى قد تأسس في ايران العام ،1982 تحت اسم (المجلس الأعلى للثورة الاسلامية)، من الفصائل الاسلامية (الشيعية) التي هاجرت الى البلد الجار بسبب قمع نظام صدام مثلما هاجرت الفصائل الوطنية الى سوريا ولبنان واليمن الجنوبي وأوروبا والجزائر وسواها.
ولمعرفة السيد شبّر ايضاً فان المجلس تولى رئاسته في البداية آية الله محمود شاهرودي رئيس السلطة القضائية السابق في ايران (يقيم الآن في النجف لتهيئة نفسه لخلافة السيد علي السيستاني كما يقال). وزيادة في معرفة النائب شبّر فان المجلس الاعلى شكّل قوة مسلحة باسم "فيلق بدر" (سميت لاحقاً: منظمة بدر) باشراف وتدريب وقيادة الجيش الثوري الايراني، وكان أول قائد للفيلق ضابط إيراني اسمه اسماعيل دقائقي. واشترك الفيلق في القتال الى جانب القوات الايرانية ضد القوات العراقية حتى توقف الحرب في 1988، وقتل قائده الأول في إحدى المعارك. وظل مقاتلو المجلس بعد ذلك ينطلقون من قواعدهم في الأراضي الايرانية للهجوم على قوات نظام صدام، وخاصة في منطقة الأهوار.
مرة أخرى لمعرفة السيد شبّر ان المجلس الأعلى كان له ممثلون ومقرات في سوريا، ومنذ 1991 كانت عناصر من المجلس تعبر من سوريا الى كردستان العراق مثلما يعبر عناصر سائر قوى المعارضة العراقية. واذا كان السيد شبّر لا يعرف بهذه المعلومات فليسأل السيد بيان جبر والسيد جابر الجابري، وسواهما.
من حق السيد شبّر أن يصرح بما يشاء، ولكنه كنائب يتعين عليه أن يتجنب الوقوع في خطأ كبير وهو يتحدث بصفته العامة.
مثلنا الشعبي يقول :"أقعد أعوج واحكي عدل"، لكن النائب شبّر الذي لا نعرف كيف كان قاعداً وهو يصرّح ، انما حكى أعوجاً. فاذا كان تدريب أكراد سوريين في اقليم كردستان "أمراً خطيراً وغير مقبول"، وهو " تدخل في شأن داخلي لدولة أخرى"، فعلى السيد شبّر والمجلس الأعلى ومنظمة بدر ودولة ايران والنظام السوري أن يقدموا اعتذاراً الى صدام حسين ونظامه، فما كان يفعله المجلس وفيلق بدر وايران وسوريا هو أيضاً تدخل في شأن داخلي لدولة أخرى .. بمنطق السيد شبّر الأعوج. بل يجب أن يكون اعتذار السيد شبّر والمجلس الأعلى ومنظمة بدر وايران وسوريا الى صدام ونظامه شديد اللهجة لأن تدخلهم أدى الى سقوط قتلى بين العسكريين العراقيين، بالمقارنة مع السوريين الكرد المتدربين في إقليم كردستان، فحتى الآن لم نسمع ان هؤلاء قد تورطوا في عمليات قتل داخل سوريا.. انهم تدربوا في ما يبدو للدفاع عن أنفسهم اذا ما حدث وقرر النظام السوري ضرب مناطقهم كما يضرب سائر المناطق السورية بكل أنواع الاسلحة.



 

365
شناشيل
بارزاني في برلمان بغداد
عدنان حسين

بخلاف بعض ممثلي التحالف الكردستاني في مجلس النواب الاتحادي الذين استنكروا فكرة تضييف رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني أو استجوابه أمام البرلمان الاتحادي، بحجة عدم وجود نص دستوري بذلك، أرى انها يمكن أن تكون فرصة ثمينة للسيد بارزاني كيما يعرض موقفه أمام الشعب العراقي كله.
مما تحدث به رئيس اقليم كردستان في بيانات عامة له ومؤتمرات صحفية ومقابلات اعلامية ولقاءات مباشرة معه، بدا لي ان بارزاني في موقف قوي، فهو يسرد وقائع ويقدم حيثيات تتعلق بنكوص العملية السياسية عن غاياتها واهدافها الديمقراطية، وهذا أمر تتفق عليه الغالبية العظمى من الشعب العراقي، بما فيها قوى سياسية متنفذة في السلطة غير بعيدة عن الحكومة ورئيسها وتحالفها الرئيس (الوطني).
بوسع بارزاني أن يقدّم مطالعة مفصلة عما يعوّق خروج البلاد من عنق الزجاجة المحشورة فيه منذ سنوات عدة، بما في ذلك ما يتعلق بالاقليم والمشاكل القائمة مع الحكومة الاتحادية. الأمر برمته سيعتمد على ما لدى بارزاني من ملفات يمكن له ان يقدمها الى الشعب بمختلف قومياته.
 في العام الماضي اتصلتُ باحد مستشاري رئيس الوزراء مبدياً رغبتي في إجراء مقابلة مطولة مع السيد نوري المالكي لصحيفة "المدى". المستشار التزم مبدأ التقية وقال: انشاء الله. بعد فترة اتصلت ثانية بالمستشار لأرى ان كان الله  قد شاء، فكان جوابه: الوقت غير مناسب. لماذا يا سعادة المستشار؟ قال: انتم عندكم موقف معين. وما عناه المستشار ان "المدى" لا تتردد في انتقاد سياسات ومواقف للحكومة ورئيسها يجتهد كتاب "المدى" وكثيرون غيرهم في انها ليست صحيحة ولا سليمة، كالتهاون في مكافحة الفساد المالي والاداري(إن كانت هناك مكافحة من الأساس)، وقمع التظاهرات المطالبة باصلاح العملية السياسية وتقديم الخدمات للناس ومعالجة مشاكل الكهرباء والحصة التموينية والبطالة والفقر... وما الى ذلك.
قلت لمستشار المالكي: لنفترض ان هذا صحيح وان "المدى" معادية، ما الضير في ان تستغلوا عرضي لكي يعرض رئيس الوزراء آراءه ومواقفه في صحيفة "معادية"؟. وعدني المستشار  بأن يحاول، ولا أظن انه فعل ذلك، فوراء موقف كهذا عقلية ضيقة.
 على أية حال، أتمنى الا تنتقل هذه العقلية بعيداً فيتعامل النواب الكرد مع  سعي بعض زملائهم في دولة القانون والكتل السائرة في فلكها لاستضافة بارزاني أو مساءلته بعقلية مستشار رئيس الوزراء.
بارزاني شخصية عامة وله في الدولة العراقية منصب رفيع، وهو أحد صناع القرار والنجوم في هذه البلاد ، ودوره في العملية السياسية بارز للغاية، ومن حقه أن يظهر على منصة البرلمان الاتحادي ليقول كلمته في شؤون البلاد، ولا أرى مبرراً لتخوف بعض النواب الكرد من هذا وإن كان في صيغة استضافة أو مساءلة.
أدرك ان تحرك نواب دولة القانون وحلفائهم يدخل في اطار المناورات السياسية. ولو كنت مستشاراً لبارزاني لأشرت عليه بقبول التحدي والحضور الى قبة البرلمان الاتحادي في بغداد ليعرض أيضاً ملف الانجازات الكبيرة التي حققها الأقليم في الميادين المختلفة ويطلب أن يعرض ممثلو الحكومة الاتحادية في المقابل "إنجازات" حكومتهم.


 


366
شناشيل
إقتراح برسم المالكي
عدنان حسين
شهدت بغداد خلال الأيام القليلة الماضية، وبالذات أمس، وضعاً صحّ معه ترديد المثل القائل:"عادت حليمة (أو ريمة) الى عادتها القديمة". وحليمة (أو ريمة) هنا هي الأجهزة الأمنية التي رجعت بنا القهقرى الى ما كنّا عليه قبل انعقاد القمة العربية الأخيرة في عاصمتنا.
غداة انتهاء القمة وعد القادة الأمنيون كلمة بالتخفيف كثيراً من الإجراءات الأمنية ورفع أكثر من خمسين في المئة من نقاط التفتيش والجدران العازلة. وبالفعل شهدنا انفراجات ملموسة على هذا الصعيد على مدى ثلاثة أشهر وأكثر.
واضح ان النكوص الى المربع الأول في هذا المجال جاء بعد سلسلة العمليات الارهابية التي حدثت في الاسابيع الأخيرة. لكن هل هذا الإجراء صحيح؟ .. تشديد التفتيش في السيطرات كان قائماً على مدى سنوات ولم تتوقف التفجيرات والهجمات الارهابية. جزء من هذا يرجع الى ان نظام التفتيش القائم على الأجهزة التي ثبت انها أشتريت في صفقة فاسدة هو نظام غير ناجح بدليل ان التفجيرات والهجمات الارهابية لم تتوقف.
السبب الأكبر والأخطر في استمرار تمكن الارهابيين من العمل بحرية لابد أن يرجع الى شئ آخر .. الى النظام الأمني برمته .. الى القيادات الأمنية .. الى الفساد في الأجهزة الأمنية... وهذا كله ناجم عن تلوث المؤسسة الامنية بلوثة المحاصصات الطائفية والحزبية.. بصراحة، مؤسساتنا العسكرية والأمنية ليست سليمة من هذا الوباء الضارب أطنابه في دولتنا.
يعزو بعض أعضاء السلك السياسي في بلدنا حرص رئيس الوزراء على الهيمنة على المؤسسة العسكرية والأمنية الى انه ظل لحقبة طويلة ممسكاً بملف الأمن في حزبه (الدعوة الإسلامية) ما جعله يعيش دائماً، حتى الآن، تحت هاجس المؤامرة من الآخرين، كما يقال داخل السلك السياسي.
بالطبع ليس الأمن وحده فاشل في بلادنا، فدولتنا فاشلة على الصعد كلها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ليس زعماً أو تخرصاً منّا نحن الذين يُصنّفنا بعض المحيطين برئيس الوزراء على اننا معارضين، فهو أيضاً حكم منظمات دولية معتبرة لم تزل تصنفنا في خانة الدول الأكثر فشلاً.
السيد نوري المالكي المستحوذ على ملف الأمن لم يتبق له من ولايته الحالية سوى سنة ونصف السنة أو أقل. وهو في هذه الولاية لم يحقق إنجازاً في أي ميدان من الميادين يستطيع أن يتقدم به الى الانتخابات المقبلة اذا ما قرر الترشح لولاية ثالثة أو يحتفظ به للتاريخ والذكرى مثلما احتفظ التاريخ للحقبة الملكية بانجازات التعليم والتمدن ومجلس الاعمار ، ولحقبة عبد الكريم قاسم القصيرة جداً بانجازات مدينة الثورة وقانون رقم 80 وقانون الإصلاح الزراعي وقانون الاحوال المدنية ... الخ.
أصحاب المالكي يتفاخرون دائماً ب"صولة الفرسان" في البصرة .. كان عملاً جيداً ولا شك، لكن تبيًن أخيراً ان النصر فيها كان بفضل القوات الأميركية التي لو لم تتدخل لتحولت الصولة الى كارثة .. هذا ما كشفته خبيرة عسكرية بريطانية كبيرة كانت تعمل مع القوات الأميركية. أما الانسحاب الأميركي، فليس إنجازاً لأحد لأن الاميركيين كانوا قد أعلنوا منذ البداية انهم لم يجيئوا ليبقوا، ولو كان الذين تولوا السلطة في بلادنا قد عملوا بالهوية الوطنية لا بالهوية الطائفية والقومية لتحقق الانسحاب الاميركي قبل أوانه بسنوات، ولتجنب العراق هذا الخراب المتواصل والشعب العراقي هذه المعاناة اليومية المتفاقمة.
لم يتبق للسيد المالكي سوى سنة ونصف السنة. اقترح عليه أن يترك الآن الملف الأمني لغيره وأن يركز على ملف آخر، كالكهرباء أو الزراعة أو الصناعة أو البطالة أو التعليم أو الصحة، ليحقق إنجازاً معتبراً ويترك أثراً يبقى على مرّ السنين كآثار الحقبة الملكية أو حقبة قاسم.



 



367
شناشيل
الربيع العراقي.. لمن؟

عدنان حسين

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي في الشتاء قبل الماضي تباهى البعض ممن يُمسك بالسلطة هنا - في العراق - بان الربيع العربي إنما بدأ من بلاد الرافدين، في إشارة الى سقوط نظام صدام حسين وقيام نظام بديل كان يُفترض أن يكون ديمقراطياً الا انه يأبى ويستعصي على ذلك للسنة العاشرة على التوالي.
بالطبع لم يكن الكلام صحيحاً، فما كان مفترضاً أن يكون ربيعاً عراقياً صار صيفاً كاوياً أو شتاء قاسياً مع استمرار، بل تفاقم، المشكلات والأزمات الكبرى كالأمن والكهرباء والسكن والبطالة والصحة والتعليم والخدمات البلدية، وفي مقدمها النظافة، والفساد المالي والاداري والحصة التموينية والتلوث البيئي والمادة 140 وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات .. والقائمة طويلة للغاية.
أمس بعث اليّ صديق تقريراً إخبارياًً، ليس بالجديد، عن راتب الرئيس المصري الجديد محمد مرسي، فأغراني ذلك بالتنقيب في الشبكة العنكبوتية عن موضوعات مشابهة تخصّ رواتب بعض الرؤساء وأعضاء الهيئات السياسية في العالم، فتكوّن لديّ صيد وفير أعرض بضاً منه قبل التعليق عليه.
لنبدأ مع الرئيس مرسي الذي كشف الشهر الماضي عن انه حدد راتبه ومخصصاته الأخرى بـ 10 آلاف  جنيه مصري،أي ما يعادل 1650  دولاراً شهرياً. وهو قبل ذلك طلب من الأمن تقليل أعداد السيارات في موكبه الرئاسي واعطى تعليمات بعدم جواز ان يعرقل موكبه حركة المرور في الشوارع التي يمر بها.
قبل مرسي كان هناك رئيس عربي آخر من نتاج الربيع العربي أيضاً، هو الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، قد رفض أن يتسلم أكثر من الفي دولار شهرياً، متبرعاً بالباقي من راتبه الأصلي(28 الف دولار) للفقراء. كما انه قرر بيع جميع القصور الرئاسية باستثناء واحد وتخصيص الأموال المتحصلة للنهوض بقطاع التشغيل.
من المعلومات التي صادفتني في الشبكة العنكبوتية أيضاً ان الراتب الشهري لرئيس الجمهورية التركي عبدالله غُل يبلغ 13 ألف دولار، وراتب رئيس وزرائه رجب طيب أردوغان 7 آلاف، أما راتب الرئيس الصيني فلا يزيد عن 27 ألف يوان، أي حوالي 3262 دولاراً.
الرئيس اللبنانى ميشيل سليمان يتقاضى شهرياً 15 مليون ليرة، أي ما يعادل 10 آلاف دولار، ويبلغ راتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو 15 ألف شيكل، أي حوالي 4200 دولار.
وعندنا في العراق الذي تُكابد ملايينه للسنة العاشرة على التوالي أزمات ومشكلات شديدة الوطأة ومتفاقمة باستمرار، كالأمن والكهرباء والسكن والبطالة والصحة والتعليم والخدمات البلدية، وفي مقدمها النظافة، والفساد المالي والاداري والحصة التموينية والتلوث البيئي والمادة 140 وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات .. الخ، فان الطبقة السياسية العليا المتنفذة وعددها 325 نائباً في البرلمان وما يزيد عن مئة من أعضاء السلطة التنفيذية، يتقاضى كل عضو من أعضائها لا يقل عن 30 ألف دولار شهرياً، فضلاً عن انهم يسكنون ببلاش ويأكلون ببلاش أيضاً ويسافرون كثيراً ويتقاضون مخصصات كبيرة.. وبعضهم يحصل على نسبة معتبرة من مبالغ الصفقات التجارية والمقاولات العسكرية والمدنية. ومعظمهم كان منذ عشر سنوات لا يملك شروى نقير، بل لا يساوي هو شروى نقير.
باختصار انهم جميعاً في ربيع دائم وشعبهم متروك لصيف كاوٍ مديد أو شتاء قاسٍ طويل. وهذا هو فيما يبدو الربيع العربي الذي تباهي بعض ساستنا بانبثاقه في بلاد الرافدين!




368
المنبر الحر / ثقلاء شارع المتنبي
« في: 16:32 28/07/2012  »
شناشيل
ثقلاء شارع المتنبي
عدنان حسين
مثل ماء دجلة، يتدفق رواد شارع المتنبي على شارعهم من غير انقطاع كل يوم جمعة، وهم مئات من المثقفين وآلاف من هواة القراءة الرصينة. وإذ يضيق الشارع بهم وبعارضي الكتب على الأرض، يتمدد سوق الكتاب الى شارع الرشيد حتى نهايته الشمالية عند ساحة الميدان.
مشهد الشارع برواده لا يخلو من مظاهر قدسية، فثمة وقوف عند العناوين المُصطفّة وتأمل في الصفحات المُتصفحة وحوارات بين الباعة والمشترين بِشأن المضامين، فضلاً عن التحايا والأشواق المُتبادلة بين الماشين في الإتجاه نفسه أو المتقابلين وسط الشارع أو عند الباعة.
منذ بضعة أسابيع راح هذا المشهد المهيب يتعكّر ويتشوش و"تتخربط" تفاصيله بكثرة، فثمة رواد غرباء يجتاحون الشارعين على طريقى أفلام الويسترن، وبخاصة الكاوبوي. وهم في الغالب ليسوا مثقفين ولا من متذوقي الثقافة ، اذ لا يمرون بشارع المتنبي ولا يكونون جزءاً من المشهد القدسي. هم عادة مسؤولون حكوميون أو حزبيون يركبون السيارات المدرعة التي يخفي ركابها أنفسهم خلف الزجاج الأسود .. يأتون في مواكب تتضمن عربات مسلحة، همر وسواها.. هذه المواكب تسير في شارع الرشيد، قادمة من ساحة الرصافي، كما لو انها على طريق محمد القاسم السريع .. وبالطريقة الفجة نفسها تنعطف يساراً عند مقهى الزهاوي، ثم يساراً أيضا باتجاه مبنى القشلة .. ولا تنتهي حركتها الا عند باب النادي الثقافي البغدادي (مبنى المحاكم المدنية سابقاً) المطل على دجلة.
لهؤلاء الغرباء على شارع المتنبي وعالمه الجميل أنقل مشاعر من أعرف من باعة الكتب ومن رواد الشارع: أنتم غير محبوبين منهم.. غير مرحب بكم في هذه المنطقة لأنكم تعكّرون صفو الأجواء القدسية هنا. مواكبكم، بهدير محركاتها وهي تسير مسرعة وبأصوات أبواقها الصاخبة، تزعج الناس .. عصفات الغبار التي يثيرها مسير مواكبكم يتلوّث بها المكان، بكتبه وباعته ورواده .. مرافقوكم المسلحون يتعاملون مع رواد الشارع بفجاجة كما لو أنهم في ساحة حرب وليس في محراب للثقافة.
انتم لا تقصدون الشارع لشراء الكتب أو للمشاركة في الفعاليات الثقافية التي تنظمها مؤسسة المدى والنادي الثقافي البغدادي.. أنتم ضيوف ثقلاء تجيئون من في بعض المناسبات من أجل "الكشخة" أو المجاملة فحسب. وجودكم لا يُغني بشيء الفعاليات التي تحضرونها.
أفضل لشارع المتنبي ورواده الا تجيئونه أبداً. ولكن لا يمكن لأحد أن يمنعكم، فلكم الحق في ارتياد الشارع كما لغيركم، وأنتم فوق هذا مدججون بالسلاح، ومن يُخاطر بالاعتراض على وجودكم؟
عندي لكم اقتراح يجنّب شارع المتنبي ورواده إزعاجاتكم، ويجنّبكم أنتم المشاعر السلبية المتولدة عن مروركم الثقيل بالمنطقة.
استعملوا النهر، دجلة، في الوصول الى المركز الثقافي البغدادي الذي لا يبعد عن حافة النهر والمرسى الكائن هناك الا بـ 40 أو 50 متراً .. تعالوا اليه في قوارب أو يخوت من المنطقة الخضراء أو حيثما تسكنون .. تعالوا خلسة عبر النهر "ولا من شاف ولا من دري" على رأي أخواننا المصريين.


 



369
شناشيل
الملصق اللقيط في بابل
عدنان حسين
بخلاف من أتصلوا بي أمس وتحدثوا معي في هذا الموضوع، غضبى أو منزعجين أو متأسفين على ما وصلت اليه أحوالنا، فانني استقبلت الأمر بسرور داخلي ليس تأييداً للعمل الفج المستنكر الذي استفزهم وانما لأسباب أخرى أعرضها لاحقاً.
الكلام هنا يتعلق بما كشفه لنا الدكتور علي إبراهيم في الغراء "طريق الشعب"  أول من أمس بشأن ملصق وُجد مرفوعاً في جامعة بابل، قسم التربية وعلم النفس. وهو ملصق يمكن وصفه باللقيط لأن أحداً لم يجرؤ على نسبته اليه أو تبني المسؤولية عنه. حتى المسؤولين في الجامعة لم يكونوا يعرفون من تكون أُمّ هذا الملصق أو أبوه بحسب ما كتبه الدكتور ابراهيم.
الملصق مكوّن من قسمين، وفي أعلاه شعار: "حجاب يصون أو تنهش عيون" . في القسم الأيمن من الملصق تحت عبارة "حجاب يصون" صورة لفتاة محجبة وتحتها صورة لقطعة جكليت مغلفة بأناقة وتحت الجكليتة الجزء من الآية 27 في سورة النساء "واللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتوبَ عَليكم".
اما في القسم الأيسر من الملصق وتحت عبارة "أو تنهش عيون" صورة لطالبتين سافرتين تقرآن في كتاب (تذاكران دروسهما بجدية) وتحتها صورة لحلوى متناثرة وقد احتشد عليها الذباب، وتحت هذا القسم الجزء الثاني من الآية نفسها والقائل " ويُرِيدُ الذينَ يَتَّبعونَ الشَّهواتِ أَنْ تَميلوا مَيلاً عَظيما".
المعنى واضح ، فالطالبة المحجبة جكليتة نظيفة والسافرة حلوى ملوثة... الفكرة بليدة للغاية وتنفيذها الفني رديء، والأب المجهول للملصق أو أمه ، شخصاً كان أم جماعة، غبي ولا شك، عدا عن انه منعدم الذوق الفني.
ربما اعتقد هذا الأب، أو الأم، للملصق اللقيط، انه قام بعمل مجيد يكرّم به المحجبة ويحتقر السافرة أو ينتقص منها، متجاوزاً على قدسية النص القرآني باستخدامه إحدى الآيات استخداماً مُبتذلاً. وهذا بالذات ما جعلني لا أغتاظ من الملصق الذي سنجد انه لا يخدم أبداً الفكرة التي سعى لتثبيتها أبوه المجهول أو أمه غير المعروفة.
الملصق في الواقع يُكرّم الطالبة السافرة إذ يُظهرها منكبّة على كتابها ودرسها، ويسيء في المقابل الى الطالبة المحجبة التي يعرضها الملصق على انها غير مهتمة بالدرس والتعلم والتثقف.
"إنما الأعمال بالنيات"، ونية صاحب الملصق اللقيط كانت التجاوز على الحرية الشخصية التي كفلها الدستور والشرائع الدولية الملتزمة بها الدولة العراقية .. وبالإضافة الى هذا فان الصاحب الغبي وسيء النية لهذا الملصق قد تجاوز على الحرم الجامعي برفعه مُلصقاً وشعارات من دون علم الإدارة الجامعية وإذنها.
أود أن أسأل في الختام: لو إن أحداً ما ألصق على جدار جامع أو حسينية أو حتى على جدار مقابل لمدخل جامع أو حسينية وليس داخل الجامع أو الحسينية، صورة لفتيات سافرات داخل الجامعة أو في ميدان عمل وكتب فوق الصورة "لا إكراه في الدين" مثلاً، ما كان صاحب الملصق اللقيط في جامعة بابل سيقول؟ وما كان إمام الجامع أو الحسينية سيقول؟ وما كانت السلطات الحكومية ستتصرف؟
ويقولون لك انهم يقيمون نظاماً ديمقراطياً ويبنون دولة مدنية!! 

370
شناشيل
فضيلة لرئيس الوزراء
عدنان حسين
الإعتراف بالخطأ فضيلة، والتراجع عنه فضيلة أكبر. ورئيس الوزراء نوري المالكي سجل لنفسه فضيلة كبيرة بالتجاوب مع إتجاه الرأي العام والتراجع عن القرار السابق القاضي بعدم استقبال النازحين السوريين الفارين من الموت الذي وجدوا أنفسهم يواجهونه من دون أن يستأذنهم أحد في ذلك، كما يحدث عادة في كل الحروب ، داخلية أو خارجية.
لكنّ قرار فتح الحدود أمام هؤلاء النازحين غير كاف في حدّ ذاته، إذ ليس في وسع آلاف العائلات العيش في العراء وعلى الهواء، فلابدّ من مخيمات تأوي اليها وتتستر بها، ولابدّ من أغذية وأدوية وخدمات أساسية أخرى. وهذا يتطلب تخصيص ملايين الدولارات وتوجيه المؤسسات الحكومية، المدنية والعسكرية، في المنطقة للمساعدة في تأمين هذه المتطلبات، وأمس صدرت الأوامر بذلك من رئيس الوزراء.
نعرف ان الاموال لا مشكلة لدينا فيها، فعائدات النفط الهائلة يجري العبث بقسم كبير منها يستولي عليه الفاسدون في الدولة وخارجها. وثمة جزء في الموازنة العامة للدولة مخصص للطوارئ، وقد رُصد له مبلغ مُعتبر. ومن هذا المبلغ سيجري الصرف على النازحين السوريين فضلاً عن مواطنينا العائدين من سوريا الذين وعد رئيس الوزراء بإغاثتهم وإكرامهم.
لن تمضي الأمور كما نرغب، حتى لو رُصدت مبالغ أكثر من الحاجة .. هذا مؤكد، ففي مثل هذه المناسبات أيضاً ينشط الفاسدون ليستولوا على حصة غير قليلة من موازنات الطوارئ، وفي مثل هذه الظروف لا تتخلى البيروقراطية عن عاداتها وتقاليدها الراسخة، فالبيروقراطيون مثل الفاسدين قلوبهم من حجر.
يمكن للحكومة أن تُشكل لجنة وطنية تضم في عضويتها أيضاً منظمات غير حكومية كالهلال الأحمر ونقابة الاطباء. ويتعيّن عليها كذلك إشراك المنظمات الدولية ذات العلاقة التابعة للامم المتحدة وغير التابعة كمفوضية شؤون اللاجئين والصليب الأحمر الدولي وأطباء بلا حدود.
المنظمات الدولية لديها موازنات خاصة بمثل هذه الأوضاع، وهي لا تتردد عادة في تقديم خدماتها عند الطلب، وتمتلك خبرة جيدة في هذا المجال.
في الأيام الأخيرة انطلقت حركة شبابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) تداعى ناشطوها الى نصرة الشعب السوري إنسانياً، وأبدى الكثير منهم استعداده لاستقبال عائلات سورية نازحة فيما تعهد آخرون بالتبرع بالمال والافرشة والمواد الغذائية.
الحكومة مطالبة بتشجيع هذه الحركة ودعمها وإشراكها في اللجنة الوطنية المقترحة. خطوة مثل هذه ستكون لها نتائج إيجابية على المدى البعيد أيضاً، فمن غير الصحيح أن تظل الدولة تنوء لوحدها بثقل الأعمال الانسانية. المجتمع كله عليه مسؤولية أيضاً.
في العالم المتحضر تلقى الأعمال الانسانية تجاوباً كبيراً من المجتمع. وجاء ذلك بناء على ثقافة تشكلت عبر مئات السنين. مجتمعاتنا الشرقية كثيرة الكلام عن الخير والانسانية، ولكنها تقف في آخر القائمة على صعيد أعمال الخير والانسانية.
ما علينا من هذا فالنازحون السوريون يحتاجون منا الى عون فائق السرعة، ويمكننا، حكومة ومجتمعاً، تسجيل فضيلة كبرى بتحقيق هذا لهم.



371
شناشيل
الأمن.. يا حكومة وبرلمان !
عدنان حسين
لم يزل الإرهابيون متمكنين ومقتدرين.. يمسكون بزمام الأمور ويحددون التوقيتات ويفرضون الأجندات .. هذه حقيقة لا يستطيع دحضها كل الكلام المعاد بتبجح مفضوح والمكرر بغرور أجوف من قبل المسؤولين الأمنيين وبعض كبار المسؤولين السياسيين في دولتنا.
المجزرة الدموية الجديدة التي امتدت ساحتها أمس من الموصل في الشمال الى الديوانية في الجنوب مروراً بصلاح الدين وكركوك وديالى والعاصمة بغداد، وكان عدد ضحاياها مئوياً هذه المرة أيضاً، تؤكد هذا الكلام وتثبت هذا الزعم.
 في سنوات سابقة كانت الحجة أن التخصيصات غير كافية وعديد المجندين في الأجهزة الأمنية غير مناسب، وأن وجود القوات الأميركية عامل مساعد في إثارة العنف. فما الذريعة الآن، وقد تضاعفت التخصيصات وتكاثر عديد المجندين الذين انضم اليهم الآلاف من ضباط القوات المسلحة السابقة، فيما خلت البلاد من أية قوة أجنبية؟
القضية الآن أكبر من مسألة تخصيصات وعديد مجندين ووجود قوات اميركية. ثمة خلل خطير وخرق كبير في النظام الأمني وفشل ذريع في المنظومة الأمنية وإدارتها. لا يجب أن نكابر بالقول خلاف ذلك، فثمن المكابرة جدّ باهظ .. انه أرواح الناس وحياتهم وصحتهم واستقرارهم وممتلكاتهم ومستقبلهم، فخلال ساعات قليلة قُتل أمس في سلسلة التفجيرات والهجمات 75 شخصاً وأصيب بجروح 257 آخرون في حصيلة غير نهائية حتى الظهر، فضلاً عن الخسائر المادية الجسيمة.
هذا الخلل وهذا الخرق وهذا الفشل، وراؤها أسباب وخلفها مسؤولون، ولا بد من تشخيص الأسباب وتحديد المسؤوليات للتمكن من وضع الحلول الناجعة.
لا ينبغي القبول بما يحدث أو التهوين منه. بل يتعيّن أن تُصبح مسألة الأمن واستمرار الفشل الأمني قضية رأي عام يتناولها الإعلام على مدار الساعة ويضعها مجلس النواب في مقدم جدول أعماله كل يوم.
الحكومة ومجلس النواب مسؤولان مسؤولية مباشرة عن هذه القضية. انتخبهما الشعب لحل المشاكل والمعضلات التي تواجه حياته اليومية، وفي المقدم منها مشكلة الأمن. واذا ما توانت الحكومة والبرلمان في أداء واجبهما على هذا الصعيد فكأنهما لم يفعلا أي شئ على كل صعيد. الأمن هو اهتمام الانسان الأول وحاجته الرئيسة. كرست الحكومة جهوداً كبيرة لاعداد مشاريع قوانين تتجاوز على أحكام الدستور وتعتدي على الحريات العامة، وبالأخص حرية التفكير والتعبير (قانون حقوق الصحفيين ومشاريع قوانين المعلوماتية وهيئة الاتصالات وحرية التعبير والتنظيم)، وانفق البرلمان الوقت الطويل في النقاش غير المثمر لهذه القوانين، فيما لم تبادرا الى عقد جلسات للبحث في الشأن الأمني.
نريد أن تجتمع الحكومة والبرلمان في جلسة مشتركة لمناقشة الأمر بمسؤولية.. نريد أن يتناسى المتصارعون على السلطة والنفوذ والمال في الحكومة والبرلمان أمور صراعاتهم لمرة واحدة من أجل الشعب الذي له الفضل عليهم في ما هم فيه من سلطة ونفوذ وما حصلوا عليه من مال، حلال أو حرام.
نريد من أعضاء الحكومة والبرلمان صحوة ضمير قصيرة أمدها بأمد جلسة واحدة تخرج بعلاج ناجع للمعضلة الأمنية، يتطلب بالضرورة في ما يتطلب قطع دابر الفساد المالي والإداري والسياسي والأخلاقي الذي يعصف طولاً وعرضاً بأجهزة الدولة قاطبة والكثير من مسؤوليها بما فيها الأجهزة الأمنية، موطن الخلل والفشل أمنياً .




372
شناشيل
موقف غير مبرر من اللاجئين السوريين

عدنان حسين
مثلي ومثل عشرات الآلاف من العراقيين الذين فروا منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي من قمع نظام صدام حسين وحروبه، وجد رئيس الوزراء نوري المالكي ( يومها كان يُعرف باسم جواد أو أبو إسراء المالكي) ملاذاً آمناً في سوريا لسنوات عدة. ولولا ذلك ربما واجه هو، ونحن جميعاً، مصاعب جمة في إيجاد البديل.
 بعيداً عن الدوافع السياسية للتسهيلات التي قدّمتها السلطات السورية لنا للإقامة في دمشق وسائر المدن، في ظل الخلاف الطاحن بين النظامين البعثيين في ذلك الزمن، فان الشعب السوري قبل بنا وانفتح علينا وتفهم وضعنا ما سمح لنا بالاندماج السريع في مجتمعه، مع أن أغلبية السوريين كانت على غير وفاق مع نظام حافظ الأسد، فيما بدونا للبعض كما لو اننا على وئام مع ذلك النظام.
كان من اللازم أن يضع رئيس الوزراء في باله هذه الحقيقة وهو يتخذ القرار بعدم السماح للاجئين السورين الفارين من أعمال العنف بين قوات الحكومة السورية وقوات المعارضة.
نحن ذهبنا الى سوريا بصفتنا معارضيين سياسييين، أما السوريون المحتاجون الآن الى ملاذ في العراق فلا علاقة لهم بالسياسة .. انهم ضحايا إنسانيون لصراع بين طرفين سياسيين ربما لا يميل الى أي منهما هؤلاء اللاجئون. وبالتالي فان لاجئي اليوم السوريين أولى منا نحن لاجئو العراق السابقون بالرعاية والعناية للأسباب والدواعي الإنسانية.
موقف الحكومة المعتذر عن عدم استقبال اللاجئين السوريين يفتقد الى اللياقة والكياسة السياسية، فضلاً عن عدم إنسانيته.. وفضلاً أيضاً عن عدم أخلاقيته، وهذا بالذات لأن هذا الموقف يُظهر العراقيين في موقف الناكر للجميل.
من وجهة نظر سياسية بحتة، في الإمكان أن نتقبل على مضض الذرائع التي قدمتها الحكومة لتبرير موقفها حيال الأحداث الجارية منذ ستة عشر شهراً، ولكن كيف لنا أن نستسيغ ما أعلنه الناطق باسم الحكومة عن "عدم القدرة على إغاثة أي شخص(سوري) لأنه لا توجد لدينا أية خدمات لاستقبال أي عدد من اللاجئين السوريين.. لدينا حدود برية صحراوية قاحلة لا يمكن توفير الخدمات فيها".
بصراحة هذه حجة متهافتة، فقبل عشرين سنة أقامت السعودية مثلا مخيمات في الصحراء للاجئين العراقيين الفارين من قمع نظام صدام العام 1991.. كانت تجربة قاسية جداً للعراقيين، لكن تلك المخيمات حفظت حيوات عشرات الالاف منهم. كما ان مناطق الحدود بيننا وبين سوريا لا تُعدم وجود المدن والبلدات عند منطقة ربيعة في الشمال ووادي نهر الفرات في الجنوب.
كان يمكن للحكومة، ولم يزل في إمكانها، أن تنسق مع الامم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لإقامة مخيمات في هاتين المنطقتين.
وعدا عن جانبها الإنساني، فان خطوة كهذه من جانب الحكومة كانت ستخفف من آثار الموقف الخاطيء الذي اتخذته هذه الحكومة تجاه الأحداث في سوريا.





373
شناشيل
مطلوب قرار عراقي صحيح في لحظة سورية حاسمة
عدنان حسين
من المستحيل أن ينجو العراق من مضاعفات الأحداث السورية وأن يكون في منأى عن مخلفاتها. وكان في الإمكان أن تخفف الدولة العراقية من الآثار السلبية لهذه الأحداث، بل أن تجعل لها انعكاسات إيجابية لو ان هذه الدولة، وبخاصة الحكومة، قد تصرّفت على نحو مختلف حيال الإنتفاضة السورية.
ومن الواضح الآن ان نظام بشار الأسد لن يستطيع اعادة عقارب الساعة الى الوراء حتى لو أمتلك عصى موسى. انه نظام منته في غضون أشهر وربما أسابيع على الأرجح.
لو كانت لدى الحكومة في بغداد القدرة على قراءة سليمة للأحداث السورية وللوضع الاقليمي - وضع الربيع العربي - الذي نشبت في غمرته الانتفاضة السورية، لجنّبت نفسها وشعبها الكثير من المتاعب المنتظرة التي ستستنزف جهوداً وأموالاً كان من الأولى حفظها واستثمارها داخلياً في بلد لم يخرج بعد من خرابه الشامل.
ما الذي يمكن أن يحدث الآن؟
لا يمكن استبعاد بقاء النظام السوري يقاوم ويصارع، بدعم من إيران وروسيا والصين، فترة طويلة نسبياً، لكن هذا سيؤدي بالتأكيد الى نشوب حرب أهلية حقيقية في سوريا لن يستطيع العراق أن يكون في منجى من لهيبها.
الإحتمال الأرجح أن ينهار النظام السوري، وفي هذه الحال سواء تولّى السلطة في دمشق الإخوان المسلمون لوحدهم أو بالتحالف مع غيرهم، أو السلفيون المتشددون مع غيرهم، أو تحالف يضم هؤلاء وأولئك وقوى أخرى، فان النظام الجديد  سيتعامل مع النظام العراقي، كما مع إيران وروسيا والصين، بوصفه نظاماً خصماً وعدواً. وليس من المستبعد أن تنفتح من جديد حدود العراق الطويلة مع سوريا أمام المجاميع الارهابية التي سيكون في وسعها زعزعة الأمن الداخلي، مثلما كانت عليه الحال في السنوات السابقة عندما وفّر نظام بشار الأسد كل ما يلزم لتنظيم القاعدة وفلول نظام صدام لإشعال الحرائق في البلاد.
وبرغم ان النظام السوري صار قاب قوسين أو أدنى من نهايته، فلم تزل هناك فسحة من الوقت لكي تتدارك حكومة بغداد الأمر وتتخذ الموقف الصحيح من الإنتفاضة السورية، بتأييدها سياسياً وحتى دعمها مادياً ولوجستياً، ما سيساعد في تقريب أجل نظام الأسد وتجنيب سوريا الحرب الأهلية  المرجح  إشتداد اوارها بمرور الوقت.
إن موقفا كهذا ستكون له بالتأكيد تبعات إيجابية أخرى على الأوضاع الداخلية، تتمثل في التخفيف من حال الإحتقان القائمة بين القوى المتنفذة في الحكومة والبرلمان، فجزء من هذا الإحتقان يرجع الى التعارض في مواقف هذه القوى حيال الأحداث السورية.
لن يكون قرار كهذا موجعاً لأحد، الا اذا كان ضيّق الأفق ومحدود النظر، طائفياً بالذات، ففي تغيير الموقف الحكومي مما يجري في سوريا مصلحة وطنية للعراق.




374
المنبر الحر / مشروب السيد النائب
« في: 13:27 21/07/2012  »
شناشيل
مشروب السيد النائب
عدنان حسين
عشية بدء شهر رمضان زفّ الينا مكتب نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي بُشرى لا تعادلها أي بشرى أخرى. وهي وإن كانت موجهة الينا نحن الإعلاميين الا ان "بركاتها" ستغمر جميع العراقيين، نساءً ورجالاً، شيباً وشباناً ورضّعاً في المهود.
 السيد الخزاعي يُبشرنا بقرب إنتاج مشروب جديد معبيء في قناني، من الزجاج أو البلاستيك لا يهم، الشفاف او الملون لا يهم أيضاً.. المهم انه، من وجهة نظر السيد النائب، مشروب طاقة يُغذي الأبدان والعقول والأرواح، وبالتالي فهو أفضل وأنفع من شراب تمر الهند أو النومي بصرة أو الزبيب أو الجلاب أو قمر الدين وسواها من المشاريب الرمضانية.
مشروب السيد نائب رئيس الجمهورية فيه ميزة أخرى انه لا يوسّخ الملابس إن سقط عليها ... لكنه - والكلام بيني وبينكم - يوسّخ العقول والأنفس.
ربما سيفضل السيد الخزاعي منح مشروبه اسماً طائفياً، على غرار لحوم الغنم والدجاج التي غزت أسواقنا في السنوات الأخيرة ويُفصح كل نوع منها عن مذهب منتجها ومستوردها ومرجعيته الدينية!
ومشروب السيد الخزاعي أعلن مكتب نائب رئيس الجمهورية عنه اثناء اللقاء بين السيد النائب ووفد من هيئة الإعلام والاتصالات الثلاثاء الماضي. وجاء الإعلان في بيان صحفي قال" أكد فخامته خلال اللقاء على ضرورة إحترام حرية الإعلام من جهة وتقنين العمل الإعلامي من جهة أخرى بما يخدم المصالح الوطنية".
ولم تفت السيد النائب الاشارة الى " ان للاعلام ضوابط وأسساً يجب أن تراعى كما هي في أغلب بلدان العالم، واحترام هذه الضوابط ينم عن تقدم ورقي هذه المجتمعات".
هذه الضوابط هي، كما "المصالح الوطنية"، مطاطة وحمالة أوجه مثل الدستور الذي شارك السيد النائب وجماعته في صياغته التي التزمت ضوابط التقيّة فجاء الدستور مثيراً للمشاكل والازمات وليس حلالاً لها.
نائب رئيس الجمهورية لم يكفه ان الحكومة والبرلمان قاما في العام الماضي بعمل سيء للغاية في ما خصّ الإعلام عندما تجاوزا على الدستور(قانون حقوق الصحفيين) بوضع قيود ثقيلة على حرية تدفق المعلومات، وهي العنصر الأساس والحاسم في العمل الاعلامي .. لم يكف السيد النائب ذلك ولا العمل الجديد الأخرق الذي يُراد للبرلمان أن يصادق عليه باجازة قانون جرائم المعلوماتية البالغ السوء من فرط تعارضه مع أحكام الدستور وكل الشرائع والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والحريات العامة والخاصة .. نائب رئيس الجمهورية لا يكفيه هذا ويريد الان أن يعبيء العمل الاعلامي في قنان، بذريعة مفهومين هلاميين هما "المصلحة الوطنية" و"الضوابط".
لمعرفة السيد النائب ومعلومه ان العالم الديمقراطي لا يضع "ضوابط" للإعلام ولا يعممه بعمامة "المصلحة الوطنية".. الديمقراطية تمنح الإعلام الحرية الكاملة، والمتجاوز من الإعلاميين يحاسبه القضاء (بموجب قانون العقوبات الوطني) مثلما يحاسب المتجاوز على الإشارة الضوئية أو السارق من المال العام.
للاعلام في الديمقراطيات دليل عمل موحد يعرف باسم "أخلاقيات المهنة"، وهذا ما ينقصنا هنا في العراق. وهذا النقصان مسؤولة عنه الدولة لأن سلطاتها الرئيسة، وبخاصة الحكومة والبرلمان، تشجعان على الارتزاق في العمل الاعلامي وتدعمان المرتزقة.
مشروب السيد نائب رئيس الجمهورية "الإعلام المقنن" لن يجعل رمضان هذا العام وأي رمضان آخر كريما.


375
المنبر الحر / مثال أردني لنا
« في: 21:27 19/07/2012  »
شناشيل
مثال أردني لنا
عدنان حسين

ربما لا أحد في العراق يعرف الدكتور محمد السميران. وليس مطلوباً من أي عراقي أن يكون على معرفة بهذا الرجل الذي هو ليس بعراقي ولا علاقة له بالعراق والعراقيين من قريب أو بعيد باستثناء الرابطة القومية البعيدة بعرب العراق.
 لكنني مع هذا أرغب في أن يتعرف كل العراقيين على هذا الأردني المتحدر من قرية دير الكهف في محافظة المفرق والخبير في شؤون الطاقة والبيئة الذي لم أعرفه من قبل وعندما تعرفت عليه أول من أمس على ظهر طائرة أردنية وجدت فيه مثالاً قوياً للوطني المحب لوطنه وشعبه، ليس بالشعارات الرنانة وانما بالأعمال التي تُعرّف عن نفسها وأصحابها من دون أي جلبة.
الدكتور السميران، وهو مدير مركز بحوث الطاقة في جامعة آل البيت وموظف سابق في مركز بحوث وتطوير البيئة، قابلته على أحدى صفحات صحيفة "العرب اليوم" الأردنية التي حكت قصة  نجاح وطنية حققها. ويبدأ الفصل الأول للقصة بمبادرة للامير الحسن بن طلال يوم كان ولياً للعهد في الأردن، حيث ساعد إحدى عشائر البدو في التوطن في روضة البندان بمنطقة المفرق، في إطار مشروع خاص بتوطين البدو الرحل.
لكن الفصل الأهم في القصة يبدأ بوصول الدكتور السميران الى المنطقة في أحد أيام العام 2001 مدفوعاً برغبة لمساعدة السكان في توفير النور لهم بعد تعذر ربط منطقتهم بالشبكة الوطنية لانتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية، فقد أقنع عدداً من المؤسسات والدوائر الوطنية بانشاء مشروع في المنطقة لتوليد الطاقة من الشمس، كان هو المشروع الأول من نوعه في الأردن. والآن ينعم أولئك الذين كانوا بدواً رحلاً بنور الكهرباء ومتعة الحياة مع التلفزيون والمراوح والثلاجات وسواها.
ما لنا وروضة البندان وبدوها السابقون ومشروع الطاقة الشمسية وصاحبه الدكتور محمد السميران؟
بالتأكيد ان مثل الدكتور السميران يوجد العشرات وربما المئات في العراق الذي يكابد من أقصاه الى أقصاه (باستثناء محافظات اقليم كردستان) من محنة الكهرباء التي صارت مزمنة وتبدو كلعنة أبدية حلّت بالعراقيين ولا فكاك منها.
كل العراق، أو في الأقل نصفه أو ربعه، يمكن إنارته بالطاقة الشمسية ما دام توليد الكهرباء بالغاز والنفط غدا أمراً مستحلاً بفضل الفَسَدة في أجهزة الدولة، العليا خصوصاً، الذين يصرون على تحويل حياة العراقيين الى جحيم.
بهمة عالية وحماسة مفرطة تستورد لنا دولتنا السلع الرديئة والمغشوشة والفاسدة، من الإبرة الى الزيت والسيارة، من شتى المناشيء، فما رأي القائمين على هذه الدولة أن يوقفوا هذه المستوردات لسنة واحدة والاتجاه بدلاً من ذلك لاستيراد خبراء في شؤون الطاقة، بما فيها الطاقة الشمسية، من أمثال الدكتور محمد السميران، اذا كان متعذراً على دولتنا استنهاض الهمم والخبرات والكفاءات الوطنية لحل معضلة الكهرباء التي تتفاقم الصيف بعد الآخر برغم وعود الحكومة في كل شتاء وربيع بان الصيف اللاحق سيشهد انفراجاً في هذه المعضلة، حتى اذا جاء الصيف كانت قد بلغت ذروة جديدة.
الدكتور محمد السمران يعيش على مرمى حجر من مقر سفارتنا في العاصمة الاردنية فلماذا لا نستضيفه ونطلب مساعدته؟


376
شناشيل
خدمة عراقية لنظام الاسد

عدنان حسين

ما كان على المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء ان ينطق بكلمة واحدة تعليقاً وتعقيباً على تصريحات السفير السوري السابق لدى العراق الذي اختار ان ينحاز الى جانب شعبه ضد الهمجية السافرة لنظام اظهر حتى لمن بهم صمم وعمى انه نسخة مطابقة لنظام صدام حسين.
بتعليقه وتعقيبه على تصريحات السفير الذي قال حقيقة ثابتة يعرفها العراقيون جميعاً وكثيرون غيرهم، أكد المستشار الاعلامي من جديد ان حكومتنا لا تكترث بما يصيب شعبها ، بل هي اكثر اهتماما بمصير نظام بشار الأسد.
السفير فواز الفارس اعلن في مقابلة مع صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية هذا الاحد انه ساعد نظام بشار الأسد، حينما كان محافظاً لمنطقة دير الزور المحاذية للعراق وقبل ان يعين سفيراً في بغداد، على ارسال ما وصفها بوحدات جهادية (مجموعات ارهابية) الى العراق لتنفيذ هجمات مسلحة.
وللتذكير فقط فان تلك الهجمات اشتملت على تفجيرات بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وعبوات متفجرة في المدارس والمستشفيات والجوامع والكنائس والاسواق والدوائر الحكومية وتجمعات العمال والجنود والشرطة ما تسبب في مقتل عشرات الالاف وجرح مئات الالاف وتدمير الاف الممتلكات العامة والخاصة البالغة قيمتها عشرات مليارات الدولارات.
كل العراقيين، حكاما ومحكومين، يعرفون ما افصح عنه السفير المنشق، بل يعرفون حقائق اكثر واكبر. ولو كانت لدينا حكومة تحترم نفسها ولديها غيرة على شعبها ووطننا لاستثمرت الاعتراف الثمين الذي قدمه المسؤول السوري السابق ولأخرجت من ادراج مكاتبها  الشكوى التي كانت في يوم ما ستتقدم بها الى مجلس الامن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية لملاحقة الجاني الكبير، بشار الاسد ونظامه، قبل ان تتراجع على نحو مفاجيء ولاسباب لم تعلن حتى اليوم.
بدلا من هذا وجدنا حكومتنا تهدد على لسان المستشار الاعلامي لرئيسها السفير السوري المنشق بملاحقته بتهمة تسهيل الاعمال الارهابية.
لا يمكن لعاقل ان يصدق ما اعلنه المستشار الاعلامي، فمن باب اولى كان على الحكومة ان تلاحق بشار الاسد نفسه الذي وضعت هذه الحكومة نفسها في موضع الدفاع عنه وعن جرائمه الفظيعة في حق شعبه.
تصريح المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء يبدو كما لو انه عمل مدفوع الاجر لصالح نظام الاسد، لأن ملاحقة السفير المنشق هو هدف عزيز لهذا النظام الآبق.
وما دامت حكومتنا قد تخلت عن واجبها في متابعة حقوق مواطنيها الضحايا على النظام السوري واختارت الانحياز الى جانبه حتى في ساعة احتضاره، فانني شخصياً ادعو كل العراقيين الذين سقط لهم ضحايا وتكبدوا خسائر من اعمال الارهاب لتشكيل جمعية تعمل على ملاحقة النظام السوري ومساءلة حكومتنا عن اخفاقها في القيام بدورها على هذا الصعيد.



377
المنبر الحر / حمية إصلاحية زائفة
« في: 22:00 16/07/2012  »
شناشيل
حمية إصلاحية زائفة

عدنان حسين
من العسير للغاية ان نصدّق بان الحمّى الإصلاحية المتفشية في المنطقة الخضراء وحواليها، حيث تقيم قيادات الكتل السياسية المتصارعة على السلطة والنفوذ والمال، ناجمة عن حمية حقيقية لتعديل المسار المنحرف للعملية السياسية وتنظيفه مما تراكم فيه من قمامة ورمم تسمم حياة المواطن العراقي.
فما يتسرب الى الاعلام من معلومات عن إجتماعات وأوراق "إصلاحية" يشير الى ان هذه الاجتماعات والاوراق لم تزل تدور حول فكرة تقاسم السلطة والنفوذ والمال وتحقيق نوع من "العدالة" في توزيعها على الأطراف التي تحتكر العملية السياسية، في إطار نظام المحاصصة الطائفية والقومية الذي يراد له ان يترسخ أكثر برغم الشكوى الجماعية غير الصادقة منه.
العملية السياسية انحرف مسارها منذ أن طُرحت على الاستفتاء العام  صيغة ناقصة وملتبسة للدستور مع توصية بتعديل هذه الصيغة قبل أقل من سنة من أول انتخابات تجري وفقاٌ للدستور، وقد مرت الآن ست سنوات على الموعد الموعود للتعديل الذي لم يتحقق ولم تظهر بعد أي اشارة على ان أطراف الصراع السياسي راغبة في هذا التعديل الان أو في المستقبل.
مفتاح الإصلاح وبوابة الولوج الى النظام الديمقراطي يتمثلان في تعديل الدستور. وهذا لا يكون بدفع المقترحات التي قُدمت قبل ست سنوات الى لجنة في مجلس النواب لمراجعتها واقرارها قبل طلب الاستفتاء عليها، فالمواقف المتعارضة المتواصلة، بل المتفاقمة، لقوى العملية السياسية ستعمل هذه المرة أيضاً لغير صالح التعديل. لذا فالمنطقي ان يُعهد بأمر التعديلات المقترحة الى لجنة متخصصة  من الخبراء في شؤون القانون والقانون الدستوري والسياسة والاقتصاد والمجتمع. وهذه اللجنة لا تقترحها الكتل والائتلافات المتقاسمة السلطة استناداً الى نسب المحاصصة المعمول بها في مختلف قطاعات الدولة، وانما يجري تشكيلها من شخصيات متخصصة مشهود لها بالكفاءة والخبرة والحيادية والموضوعية والوطنية.
بهذا فقط نضمن إعداد صيغة جديدة للدستور لا تتجاذبها الأهواء الطائفية والقومية، ولا تتقاذفها صراعات المصالح ومناكفات التنافس.
والى جانب الصياغة الرصينة للدستور لابد من ضمان التقيّد بمبادئه وأحكامه. فالكثير من المشاكل القائمة الان ترجع في اسبابها الى عمل السلطات، وبخاصة البرلمان والحكومة، بخلاف الدستور (نظام التوافق والمحاصصة أكبر خروج على الدستور). كما ترجع هذه المشاكل الى تأويل النصوص بحسب المصالح. وهذا بالذات يتطلب تشكيل المحكمة الدستورية المختصة بالنظر في الخصومات الدستورية والبتّ فيها.
جملة القول ان قضية الاصلاح المطروحة الان لن يكون لها أي معنى ولن تكون في الاساس من دون تعديل الدستور ومن دون صياغة مواده بما يحول دون تأويل كلماته ومصطلحاته ومن دون المحكمة الدستورية.

 



378
المنبر الحر / الجنة الكذبة
« في: 14:55 15/07/2012  »
شناشيل
الجنة  الكذبة   
عدنان حسين
في سنوات المعارضة الطويلة والمريرة كنا نبشر الناس باننا سنحوّل العراق الى جنة بعدما جعله صدام جحيماً. وكنا نجادل العرب الذين أعمى بصيرتهم التعصب القومي وعقدة الفشل التاريخي والتخلف الحضاري بأن السوء كل السوء في صدام ونظامه وسياساته وان الخير العميم قادم لهم وللعراقيين معنا.
في نضالنا الشاق، خصوصاً في السنوات التي سبقت غزو الكويت، عزّ علينا الأصدقاء والأنصار، لكنّ اثنتين من منظمات حقوق الإنسان العالمية تفردتا في معاونتنا لجهة تقوية المبرر السياسي والاخلاقي لنضالنا المعارض بالدأب على الكشف عن جرائم صدام ونظامه ضد الشعب العراقي وقواه الوطنية، هما منظمة العفو الدولية "أمنستي إنترناشنال" و"هيومن رايتس ووتش" (مراقبة حقوق الانسان) التي كنا ننتظر بفارغ الصبر تقاريرها لكي نهرع الى العالم، وبخاصة العرب، لنقول: ألم نقل لكم ان نظام صدام وحشي؟
إذن فـ "هيومن رايتس ووتش" ليست منظمة إرهابية منبثقة عن تنظيم القاعدة أو فلول النظام السابق ولا هي سلفية متشددة (ناصبية)، ولن يستطيع أحد في حكومتنا أن يتهمها بانها متحيزة وذات مواقف مسبقة وتعتمد على معلومات من جهات معادية لوطنها كما كان يفعل نظام صدام في السابق.
هذه المنظمة أصدرت للتو تقريراً في غاية الأهمية بشأن ما يواجه حرية الرأي والتعبير في بلادنا من مخاطر جمة مع القوانين المقدمة من الحكومة الى البرلمان في هذا الخصوص، قالت فيه ان مشروع قانون جرائم المعلوماتية الذي ينظر فيه مجلس النواب الآن من شأنه تقييد حرية التعبير  وخرق القانون الدولي وتهديد الصحفيين والأفراد الذين يكشفون عن وقائع فساد وكذلك النشطاء السلميين، ولاحظت ان القانون يشتمل على أحكام فضفاضة مبهمة تسمح للسلطات العراقية بأنزال عقوبات قاسية بمن يعبّرون عن آراء لا تتوافق مع سياسة الحكومة، وحثت مجلس النواب على عدم الموافقة على القانون قبل مراجعة القيود الواردة فيه على الحقوق أو الغائها تماماً.
التقرير الذي يقع في حوالي خمسة الاف كلمة يخلص إلى أن مشروع القانون جزء من جهد أوسع تبذله السلطات الحكومية لقمع المعارضة السلمية من خلال تجريم المشاركة المشروعة بالمعلومات من قبل النشطاء.، وقال إن "قيود مشروع القانون الشاملة على المحتوى تشمل عقوبات جنائية وحشية متطرفة من شأنها إسكات أصوات المعارضة"، وان القانون في صيغته الحالية "يقوّض ضمانات الدستور العراقي الخاصة بحرية التعبير وحرية التجمع، ويخرق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعراق دولة طرف فيه".
ويبين التقرير أن مشروع القانون "جزء من نمط من القيود المتزايدة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع"، مشيراً هنا الى  مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتجمع والتظاهر السلمي الذي يشتمل على أحكام تجرّم الخطاب السلمي بعقوبات تصل إلى السجن خمس سنوات.  ولفتت المنظمة الى انها وثقت منذ تظاهرات شباط 2011 "هجمات عنيفة عديدة ارتكبتها قوات الأمن العراقية وعصابات، يبدو أنها تعمل بدعم من الحكومة العراقية، ضد متظاهرين سلميين يطالبون بحقوق الإنسان وتحسين الخدمات وإنهاء الفساد".
باختصار شديد ان هذه المنظمة المحترمة تقول لنا:عليكم أن تستحوا وتدفنوا رؤوسكم في التراب .. لا فرق بينكم وبين نظام صدام.
وأنا أوافقها تماماً في هذا الرأي، فالجنة التي وعدنا بها الشعب يتبين الان انها كذبة كبرى.


379
المنبر الحر / حكومة .. وصحافة
« في: 19:51 14/07/2012  »
شناشيل
حكومة .. وصحافة
   
عدنان حسين
هذه حكاية ما كنت سأستعيدها في ذهني لو لم أقف في يومين متتاليين على تصريحات ومواقف للمتحدث باسم الحكومة علي الدباغ الذي هو عضو في الحكومة لأن منصبه في مرتبة وزير. ولا بد قبل كل شيء التذكير بان القاعدة الذهبية تقضي بان المثل يُضرب ولا يُقاس عليه، وقد حفل القرآن مثلاً بأمثلة وحكايات ضُربت للاعتبار بها وليس للقياس عليها.
ومما يروى من حكايات بغداد في زمنها الجميل ان أحد قوادي منطقة العاصمة كان يركب سيارة اجرة نفرات (سيرفيس) في شارع الرشيد متوجها الى قاعدة عمله في ساحة الميدان، وكاد سائق السيارة ان يتوقف عند سيدتين اشارتا له بذلك الا ان القواد طلب الى السائق عدم التوقف مؤكداً انه سيدفع له عوضاً كاملاً.
لم يتوقف السائق لكنه لم يصبر على تصرف الرجل الذي كان يجلس الى جواره ولا يعرف من يكون. سأل السائق بعد ان اجتاز المكان الذي توقفت فيه السيدتان: لماذا لم تدعني اتوقف؟ ولماذا تحملت الأجرة عنهما؟ ردّ الرجل (القواد) في الحال: شوف هذولة من اشراف بغداد وانا قواد واذا رآهما أحد ممن يعرفونني معي في السيارة فقد تذهب به الظنون  مذهباً يسيء الى سمعة السيدتين بسببي.
منذ يومين قرأت تصريحا للسيد الدباغ يتبرأ فيه ويبريء رئيس الوزراء نوري المالكي مما أثار الكثير من اللغط في الوسط الاعلامي وخارجه بشأن الاحتفالانت الباذخة غير المبررة بمناسبة يوم الصحافة العراقية.
الوسط الاعلامي الذي يعرف بالتفاصيل المملة العلاقة الوثيقة بين السيد الدباغ ورؤسائه مع المسؤولين عن نقابة الصحفيين  ضحك علنا وليس في سره من تصريحات السيد الدباغ التبرؤية، فالجميع يعرف ان الاحتفالات التي اثارت الحفائظ تمت بمعرفة ودراية وتشجيع ودعم وتعضيد وتأييد وإعجاب من السيد الدباغ ورؤسائه، والجميع يعرف ان زواج مصلحة ومنفعة من الطراز الأول قائم بين رئاسة الحكومة والمسؤولين عن نقابة الصحفيين.
أمس قرأت ان السيد الدباغ رعى رسمياً المؤتمر التأسيسي لمنظمة ((صحفيات بلا حدود)) التي شكلتها مجموعة من الزميلات أظن انه كان من الأفضل لمشروعهن ان ينأى بنفسه عن الحكومة ومسؤوليها، من اجل سمعة المنظمة.
الناشطات اللائي بادرن لتأسيس المنظمة أعلنّ انهن  يريدنها ان تكون معنية بحقوق الصحافيات العراقيات و((نبض الشعب وعين الحقيقة بلا قيود)) وفي سبيل ((تعزيز حرية الصحافة وحرية التعبير وبتقديم الدعم القانوني والمساعدة للصحفيات والكاتبات والشاعرات والاعلاميات والمثقفات والناشطات والسعي نحو حق الوصول للمعلومة دون قيد وتعزيز مكانة المرأة الصحفية في العراق، والعمل على تقديم كافة التسهيلات للصحفيات، وتأمين بيئة آمنة للصحفيات)).
هذه اهداف نبيلة، لكن تحقيقها لن يكون في ظل وتحت رعاية حكومة شغلها الشاغل تقييد حرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم، بدلالة قانون حقوق الصحفيين الصادر في العام الماضي وقانون جرائم المعلوماتية وقانون حرية التعبير والتنظيم المقدمين من الحكومة الى البرلمان هذه الأيام، وهما من أسوأ ما يمكن ان يتصوره المرء في مجال حرية الرأي والتعبير.
ما يتعين ان يعرفه السيد الدباغ ان أفضل شيء تقدمه الحكومة لنا ان تنأى بنفسها عن ميدان شغلنا نحن الصحفيين والاعلاميين، فهو ميدان لا بد ان يظل مستقلا تماماً.


380
شناشيل
مرسي .. رئيس إسلامي بامتياز
عدنان حسين
كعادتنا يُبهرنا الكلام المنمق ويستحوذ علينا الخطاب الصاخب وتنطلي علينا الأكاذيب التي يُطلقها سياسيون ورجال دين تحت ستار كثيف من التنميق والصخب ... حدث هذا قبل ستين سنة، وقبل خمسين، وثلاثين، وعشرين .. ومنذ أيام أيضاً.
قبل أقل من ثلاثة أسابيع رجّح أقل من مليون من 26 مليون ناخب مصري كفة الاخواني محمد مرسي ليكون أول رئيس لمصر في عهدها الجديد. وحال ظهور النتائج أعلن مرسي تخليه عن عضويته في حزب الإخوان المسلمين وتعهد بأن يكون رئيساً لمصر كلها وللمصريين بأجمعهم، أالقى خطاباً منمقاً صاخباً مشحوناً بالوعود الخلابة والتعهدات الرصينة، وقد صدّق به الكثير ممن استمعوا الى الخطاب.
لكن الأمر لم يستغرق أكثر من تلك الأسابيع الثلاثة لتتهاوى في أول أختبار عملي وعود الرئيس مرسي وتعهداته، فقراره الغاء حكم المحكمة الدستورية بحلّ مجلس الشعب الذي تبيّن ان انتخابه كان مطعوناً في شرعيته، مثّل تجاوزاً على  القضاء والدستور في آن، كما بينت المحكمة الدستورية وأساطين القضاء والقانون الدستوري المصريون الذين أدلوا بارائهم علناً عبر وسائل الاعلام المصرية والعربية.
لا غرابة البتة، فالرئيس مرسي إخواني الى النخاع وإن أعلن انسحابه من الحزب، وكل تصرفاته عكست الأجندة الاخوانية غير الخفية. والقضاء عند الإخوان، كما سائر أحزاب الإسلام السياسي، الشريعة، والدستور القرآن. وهذا لا يختلف عليه السياسيون والفقهاء الإسلاميون، سنة كانوا أم شيعة، وإن رفعوا نبرة أصواتهم بالديمقراطية والتعددية. والمحكمة الدستورية وسائر المحاكم القائمة في مصر لا تمثل الشرعية في نظر الرئيس مرسي وحزبه. لذا فهم يسعون الآن الى إعادة ترتيب أوضاعها بحجة انها تضم "فلول" النظام السابق.
أكبر تجربة لحكم الإسلام السياسي في العصر الراهن هي ايران. وفي هذه البلاد حتى الدستور المكتوب بالمواصفات المذهبية الصرف ديس عليه مراراً وتكراراً بمداس المرشد الأعلى صاحب السلطة المطلقة برغم عدم انتخابه.. وفي ايران زُورت نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية غير مرة، وكان آخرها تلك التي فجّرت ربيعاً ايرانياً قُضي عليه بوحشية بالغة وسافرة نادرة الحدوث.
ولماذا نذهب بعيداً.. هنا في العراق الذي تولّى السلطة فيه الإسلاميون، الشيعة والسنة، تُنتهك يومياً مواد الدستور الذي كتبوه بانفسهم، ويجري التجاوز على تعاليم الدين على مدار الساعة. فالانتخابات يجري تزويرها، والوظائف العليا في الدولة وكثير من المتوسطة والدنيا أيضاً تُمنح الى من لا يستحقها، بل الى مزوري وثائق وشهادات يسعى أمراء الأحزاب الاسلامية بالذات الآن الى شرعنة العفو عنهم. المال العام، وبعض الخاص أيضاً، يجري نهبه علناً من دون خشية من دين لا تطبق تعاليمه الا على الفقراء، ومن دون خوف من دولة تكفلت بتوفير أقوى الحماية للفاسدين والمفسدين.
محمد مرسي ابن حزبه الإسلامي مثلما الحكام في طهران أبناء حزبهم الإسلامي، ومثلما القيمون على السلطة في العراق أبناء أحزابهم الاسلامية، والأحزاب الاسلامية كلها ضد الدولة المدنية التي تفصل ما بين الدين والدولة وبين سلطات الدولة، والرئيس مرسي يتصرف في هذا اإطار في الواقع.


 



381
شناشيل
الولاية الثالثة الممنوعة
عدنان حسين
العراقيات والعراقيون الذين تحدّوا الإرهاب ومنظماته النشيطة في الخامس عشر من تشرين الأول 2005 ، بذهابهم الى مراكز الاقتراع للتصويت على الدستور الدائم، كانت تحركهم وتحثّ خطاهم فكرة واحدة هي أن تكون لديهم دولة ديمقراطية مستقرة ومزدهرة تضع نهاية سعيدة لمحنتهم الطويلة مع عهود الدكتاتورية والعسف والعنف والفقر.
بطاقة المتطلع الى مستقبل الأحلام الوردية عاد المستفتون على الدستور بعد شهرين من ذلك الى ميدان التحدي لينتخبوا أول برلمان لهم خلال نصف قرن، لكن السلطات العليا للدولة التي انبثقت عن تلك الانتخابات لم تتقيد في تشكيلها بأحكام الدستور المجاز للتو. فالدستور لم ينص على أن يكون رئيس الجمهورية كردياً ونائباه عربيين أحدهما شيعي والآخر سني، ولم يقض بان يكون رئيس البرلمان عربياً سنياً ونائباه عربياً شيعياً وكردياً، ولم يُحدد ان يكون رئيس الوزراء عربياً شيعياً ونائباه عربياً سنياً وكردياً.
القيادات السياسية التي استحوذت على العملية السياسية بررت يومها التركيبة غير الدستورية والغريبة على الحياة العراقية، السياسية والاجتماعية، بانها إجراء مؤقت لمواجهة تحديات مؤقتة في فترة انتقالية. وزادت بالقول انها ضرورية لتحقيق الأمن والمصالحة الوطنية التي لم تتحق حتى اللحظة.
لكن الإجراء "المؤقت" رسّخ جذوره في الأرض وأتخذ طابعاً دائماً في ما يبدو، فترتيبات المحاصصة الطائفية – القومية احتفظت بكامل قيافتها ومكوناتها بعد الانتخابات التالية التي جرت مطلع 2010. وهذه المرة أيضاً لم تؤول تلك الترتيبات غير الدستورية الى الأمن والمصالحة الموعودين.
بدعوى الحؤول دون قيام دكتاتورية جديدة هناك الآن دعوات مشتدة لإجراء ترتيب جديد يمنع رئيس الوزراء من الترشح لولاية ثالثة. معارضو هذه الفكرة يتذرعون بالدستور الذي ينتهكون هم وخصومهم سواء بسواء أحكامه للسنة السابعة على التوالي، فما من نص في الدستور يحظر، وما من مبدأ ديمقراطي يمنع.
الأسباب التي جرى الاستناد اليها لتسويغ فكرة الترتيباتت المؤقتة (المحاصصة الطائفية – القومية) لم تزل قائمة حتى اليوم، وليس من المستبعد أن تجري الانتخابات البرلمانية المقبلة (بعد سنة ونصف السنة من الآن) وتعود القوى الممسكة بعنان العملية السياسية لتتحجج بالأمن الوطني والمصالحة الوطنية والوحدة الوطنية والمصالح الوطنية ، و و و و و .. لتتوافق على الترتيبات عينها ضماناً لمصالحها الشخصية والحزبية.
طيّب، ما دام الأمر لم يزل يتطلب اجراءات "مؤقتة" للفترة الإنتقالية الممتدة، لماذا لا تتسع دائرة فكرة الولاية الثالثة الممنوعة؟ أقصد أن يصار الى ترتيب يُحظر فيه الترشح الى ولاية ثالثة ليس فقط لرئيس الوزراء، وانما ايضاً لرئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس مجلس النواب ونائبيه ونواب رئيس الوزراء والوزراء والنواب ورئيس السلطة القضائية ونوابه ورؤساء الهيئات المستقلة (بالاسم فقط).
هذا الترتيب سيحل المشكلة القائمة الآن حيث يريد خصوم رئيس الوزراء عدم عودته الى  مكتبه في القصر الحكومي، بينما يرفض هو هذا (المعلومات تفيد بانه أعلن في بعض مجالسه انه لا يرغب في ولاية ثالثة لكنه لا يريد أن يُفرض عليه هذا فرضاً). وهذا الترتيب سيصادف هوى لدى غالبية العراقيات والعراقيين الذين لن يسوؤهم خروج الفاشلين من الحياة السياسية.



382
شناشيل
ليست حملة .. ولا منظمة
عدنان حسين
كلما تناول إثنان أو أكثر من كُتّاب "المدى" الموضوع نفسه وصلتنا ملاحظات تشير الى اعتقاد أصحابها بان الأمر يدخل في إطار "حملة منظمة" تديرها الإدارة العليا للصحيفة والمؤسسة، فقد تعوّد معظمنا على صحافة الإتجاه الواحد والرأي الواحد والحزب الواحد التي يخضع كل ما ينشر فيها للرقابة والتوجيه والتضبيط سلفاً.
انها محض صدفة أن يكتب إثنان أو أكثر في الموضوع نفسه، وعادة ما يحدث هذا مع قضايا ومواقف لافتة يجد أكثر من كاتب ان له رأياً فيها ولا مناص من التعبير عنه. وفي الغالب فان الكتّاب لا يعرفون انهم كتبوا في الموضوع نفسه الا في اليوم التالي عندما يتصفحون الصحيفة، ونادراً ما يعرف بعضهم في مساء يوم الكتابة السابق ليوم النشر.
يومي السبت والأحد الماضيين علّق الزميلان علي حسين وأحمد عبد الحسين على اللقاء الذي تم الخميس بين رئيس الوزراء ووفد من قيادة الحزب الشيوعي برئاسة سكرتير اللجنة المركزية. كما نشر القسم السياسي تقريراً تضمن آراء شخصيات بشأن اللقاء.
لم يكن اللقاء حدثاً عابراً لكي يتغافل عنه القسم السياسي أو لا يكترث به كتاب الأعمدة. انه حدث كبير أن يلتقي رئيس الوزراء مع قيادة الحزب الشيوعي في هذا الوقت بالذات. فرئيس الوزراء يواجه منذ فترة أخطر أزمة سياسية على مدى ست سنوات، وهي أزمة كان يمكن أن تنتهي باستقالته أو سحب الثقة منه، وهو احتمال لم يتلاش تماماً بعد فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث غداً أو بعد شهر أو ستة اشهر.
واللقاء جرى على نحو مفاجيء لم تسبقه أية اشارة الى ان العلاقات المتصدعة بين رئيس الوزراء وحزبه (الدعوة الاسلامية) من جهة والحزب الشيوعي من الجهة الأخرى قد ترممت، فمنذ سنة وبضعة أشهر صوّب رئيس الوزراء نيران مدفعيته الثقيلة باتجاه الحزب الشيوعي على نحو غير مبرر. فقط لأن الحزب شارك في تظاهرات 25 شباط السلمية، مع ان وفداً من قيادة الحزب برئاسة سكرتير اللجنة المركزية نفسه قد زار المالكي عشية التظاهرات وأبلغه بان الحزب يدعم دعوة الشباب الى التظاهر، بل تمنى على رئيس الوزراء أن يوجّه حزبه هو أيضا للمشاركة في التظاهرات التي تبنت شعارات طالما وعد رئيس الوزراء بتحقيقها.
أكثر من هذا ان رئيس الوزراء اختار منذ أسابيع مناسبة استشهاد آية الله محمد باقر الصدر ليفاخر بان حزبه (الدعوة الاسلامية) قد انتصر على التيارات الماركسية والعلمانية والالحادية ( كان ذلك كلاماً غير صادق فضلاً عن انه فجّ، فالماركسية لم تزل قائمة في مختلف القارات والعلمانية تطوّق العالم كله والالحاد يتبارى مع الإيمان في كل مكان حتى في العراق).
هذا كله جعل من اللقاء بين رئيس الوزراء ووفد الحزب الشيوعي حدثاً لافتاً، فتناولته "المدى" في تقرير، وعلّق عليه اثنان من كتاب الرأي المعروفين بمحبتهم للحزب الشيوعي من دون طلب من أحد أو تنسيق في ما بينهما.
ما فعلته "المدى" كان عملاً صحفياً مهنياً، وما عبّر عنه الزميلان علي حسين وأحمد عبد الحسين كان في شكله ومضمونه يعكس المحبة والتقدير لأعرق الأحزاب الوطنية، وخشيتنا نحن الوطنيين العراقيين، وبيننا الشيوعيون، وقلقنا على حزب الوطنية العراقية من أن يرتكب خطأ آخر من نمط أخطائه التاريخية التي انتقدها بنفسه. فالسيد نوري المالكي لم يعتذر عن سلوكه غير المبرر تجاه الحزب وعن تجاوزه على الدستور في هذا المجال ومجالات أخرى، فضلاً عن ان الثقة به مطعون بها من عدد غير قليل من الأحزاب والحركات والشخصيات الوطنية.
رسالة كتاب "المدى" التي عبّرت عن الرأي العام الوطني، بما فيه الشيوعي،كانت ببساطة: لا نريد لحزبنا الذي نبني عليه الآمال لتشكيل تيار وطني ديمقراطي جماهيري عابر للقومية والدين والطائفية يساهم في تقويم العملية السياسية المنحدرة بالبلاد نحو الخراب الشامل والتخلف الدائم، أن يتوهم في إمكانية بناء دولة ديمقراطية مع حزب يقوم على الدين والطائفة، مثلما توهم ذات يوم بامكانية بناء الاشتراكية مع صدام حسين.





383
المنبر الحر / في ظلال الفساد
« في: 19:37 09/07/2012  »
شناشيل
في ظلال الفساد
عدنان حسين
أثار عمود أمس حول الفرق ما بين الفاسدين في العاصمة والمحافظات العربية ونظرائهم في إقليم كردستان ردود فعل متباينة كالعادة، لكن بعضها كان مميزاً فأحببت أن أشرك القراء في الإطلاع على هذا البعض.
في الصباح الباكر وصلتتني رسالة الكترونية من صديقة توجد الآن خارج البلاد تضمنت نكته في صيغة حوار مُفترض بين رئيس الوزراء نوري المالكي والرئيس الإميركي باراك أوباما. تقول النكتة(أرجو الا يزعل عليّ بسببها الطاقم المساعد للسيد المالكي، فاذا شطح بهم الخيال وتلبستهم نظرية المؤامرة ورأوا في النكتة كفراً في حق السيد المالكي فان القاعدة الذهبية تقول: ناقل الكفر ليس بكافر):
 ((دار الحوار التالي بين رئيس الوزراء نوري المالكي والرئيس الاميركي باراك اوباما:
المالكي: يا فخامة الرئيس أوباما... كم متوسط راتب الموظف الأميركى في الشهر؟
اوباما: حوالى 5,000 دولار.
المالكي: وكم يصرف شهرياً؟
 أوباما: حوالى 2,800 دولار.
المالكي: يعني يبقى وياه 2,200 دولار، وشيسوي بالمبلغ الباقي عنده؟
أوباما: فى الحقيقة لأننا دولة ديمقراطية،  ممنوع نسأله.
أوباما: وانتم يا دولة رئيس الوزراء كم متوسط راتب الموظف عندكم؟
المالكي: حوالى 400 دولار.
أوباما: أووووو!!! ... وكم يصرف ؟
المالكي : حوالى 2,000 دولار..
 أوباما: ومنين يجيب الفرق الكبير هذا؟؟؟!!!!
المالكي: فى الحقيقة لأننا دولة ديمقراطية مثلكم  ممنوع نسأل الموظف منين يجيب الباقي)).
المعنى واضح، فالصديقة تؤيد ان الفساد المالي والإداري في دولتنا لا نظير له، وانه يحظى برعاية سامية في الغالب، وهذا ما تشهد عليه آلاف الوقائع ومنها ان كل الوزراء والنواب السابقين وكبار المسؤولين المدانين بالفساد يتمتعون الآن بكامل الحرية وبنعيم الثروة الحرام في أرقى عواصم العالم، فيما يحتفظ رئيس الوزراء وسواه بملفات الفاسدين من الوزراء والنواب الحاليين لغرض في نفس يعقوب.
أحد الأصدقاء الكرد اتصل تلفونياً ليعلن انه لا يتفق معي في الرأي بان الفاسدين الكرد يستثمرون معظم ما يسرقون في الإقليم. قال ان فاسدي الإقليم لا يختلفون عن أقرانهم في العاصمة والبصرة والموصل وكركوك والرمادي وسواها، فهم ايضاً يهرّبون الأموال الى الخارج. وأضاف : المولات والفنادق والمنشآت السياحية والمعامل المشار اليها على انها من استثمارات الفاسدين الكرد في الإقليم انما هي لرجال أعمال محليين لكنّ الفاسدين في سلطات الإقليم والأحزاب الحاكمة فرضوا عليهم أن يمنحوهم من دون وجه حق حصصاً فيها مقابل تيسير أمر إقامة هذه المنشآت.
شكرا جزيلا للصديق عن هذه المعلومات المفيدة، لكن مع ذلك يبقى ثمة فرق، فالفاسدون الكرد يأخذون حصصاً من منشآت تُقام على أرض الإقليم، أما فاسدونا الذين في بغداد والموصل والبصرة وكربلاء والحلة والرمادي وسواها فيأخذون الجمل بما حمل، وهذا ما يفسر ان مدن الإقليم وقراه تزدهر فيما مدننا وقرانا تزداد خراباً.
أحدهم اختار أن يبعث اليّ برسالة تلفونية "أس أم أس" قال فيها: (( مقالكم اليوم في المدى يثبت محاباتكم للقادة الكرد لأن الفساد المالي والإداري هو نتيجة لأعظم فساد الا وهو الفساد السياسي. يعني ان القيادة الكردية بروليتارية؟ ذبحت مئات الشيوعيين في حين ان المالكي قتل فقط 13 مواطناً اثر مظاهرات شباط)).
رطانة لا تستحق الرد، وبخاصة الإستهانة بارواح 13 مواطناً.


384
شناشيل
فاسدونا وفاسدو الكرد
عدنان حسين
للمرة الثالثة يستوقفني شخص في شارع المتنبي ليقول لي الكلام ذاته تقريباً: معجب بما أكتب (شكراً). ما أطرحه صحيح (شكراً جزيلاً) .. هناك مؤاخذة واحدة ( تسعدني معرفتها).أسأله : ما هي؟ فيجيب: لماذا لا تكتب الشيء نفسه عن الكرد؟
لم أفترض انه بدافع الشوفينية يريدني أن أكتب عن الكرد، أي ضدهم، فالمؤكد ان التعبير يخونه، إذ لابد انه يقصد القيادة الكردية أو المسؤولين الكرد، فانا لا اكتب عن العرب لكي يطالبني بالكتابة في المقابل عن الكرد. ما أكتبه يتناول في الغالب الجوانب المختلفة للفشل البيّن في عمل الحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة التابعة لهما فضلاً عن القضاء والهيئات المستقلة.
أفهم الملاحظة وأتفهمها، فهذا الشخص ليس أول من أسمعني أياها ولن يكون الأخير بالتأكيد. وجوابي بسيط للغاية.
أعيش في العاصمة بغداد. أعمل وأكتب منذ سنة وبعض السنة لصحيفة تصدر فيها باللغة العربية. تغرّبت عن الوطن ما يزيد عن الثلاثين سنة رغماً عني. كرّست كل ما أحوز من موهبة وكفاءة وخبرة( إن وجدت) في ميدان الصحافة والإعلام في سبيل هزيمة المشروع الدكتاتوري وإحلال المشروع الديمقراطي (الحقيقي) محله، ودفعت وعائلتي في هذا السبيل ثمناً باهظاً لا تعادله ثروة البنك المركزي من العملة الصعبة.
من أجل الهدف نفسه، المشروع الديمقراطي، عدت الى بغداد مختاراً لأعمل براتب متواضع بالمقارنة مع ما كنتُ أتقاضاه في الخارج ومع آخر ما عُرض عليّ في إحدى دول الخليج العربي.
في بغداد وجدت ان هدفي الذي يشاطرني فيه 90 في المئة (حتى لا أدعي 99.9 في المئة) من الشعب العراقي لم يزل بعيداً كما كان من قبل، بالرغم من الضجيج الديمقراطي المدوي داخل قبة البرلمان وفي أروقة الحكومة وفي ساحة الإعلام. بالتأكيد هو الآن أقرب مما كان عليه في العهد السابق، فآنذاك كان انسداد الآفاق شاملاً وكاملاً، اما الآن فثمة كوة صغيرة يدخل منها شعاع ضوء. وما أعمل عليه مع الآلاف من المثقفين، وبينهم الإعلاميون من أمثالي، والسياسيين الوطنيين هو توسيع هذه الكوة يوماً بعد آخر.
هذه ليست بالمهمة الهيّنة. انها شاقة للغاية، فهناك من يعمل ضدنا بقوة مفرطة. هؤلاء بالنسبة لي موجودون في بغداد. انهم يملأون كراسي البرلمان الإتحادي والحكومة الإتحادية والقضاء الإتحادي والوزارات والدوائر والمؤسسات الاتحادية، وبأيدهم الحل والربط. هم المسؤولون عن الفساد المالي والاداري وسوء الخدمات وتردي الأحوال المعيشية للناس وتخلف المجتمع ... الخ. في أيدهم أهم ما يلزم لصنع حياة مختلفة في العراق، السلطة والثروة، لكنهم عن سابق ترصد واصرار لا يفعلون، وواجبي كصحفي أن أقول هذه الحقيقة على مدار الساعة.
أليس اقليم كردستان جزءا من العراق؟ أليس فيه أخطاء وخطايا ونواقص تشبه ما في بغداد؟ نعم، بالتأكيد يوجد، لكن ملعبي الرئيس في بغداد. في الإقليم يوجد اعلاميون أشجع مني يقومون بواجبهم على هذا الصعيد. وشخصياً لم أتردد في نقد المظاهر السلبية في الإقليم لا في ما كتبت ولا في اللقاءات المباشرة مع القادة الكرد التي شهد بعضاً منها زملاء وأصدقاء.
أهم مثلبة في عمل سلطات الاقليم هي الفساد المالي والاداري. لكن هناك فرق على هذا الصعيد بين ما يجري في الاقليم وما يجري في سائر انحاء البلاد. الفاسدون في الاقليم يهرّبون بعض ما يسرقون الى الخارج لكنهم يستثمرون معظمه في الداخل .. يبنون المولات والفنادق ومنشآت السياحة والاصطياف والمعامل وسوى ذلك، أما فاسدونا، في بغداد والموصل والبصرة وكركوك والحلة والعمارة وتكريت، فانهم يهرّبون الى الخارج كل ما يسرقون لشراء العمارات والمساكن والمشاركة في استثمارات الملاهي والفنادق، وما الى ذلك.
إقنعوا فاسدينا، العرب، بان يفعلوا مثل ما يفعل أقرانهم الكرد ليكون لنا كلام آخر.

 


 





385

شناشيل
برسم قيادة التحالف الوطني

عدنان حسين

تبدو قيادة التحالف الوطني، كما تعكس التقارير الإعلامية، منشغلة منذ أسابيع في قضية الإصلاحلات التي يتعيّن عليها تقديمها الى الكتل والإئتلافات الأخرى المشاركة في الحكومة والبرلمان في خطوة يُفترض أن تكون غايتها إعداد ورقة تقترح حلاً  للأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، شبه المستعصية حتى على التنفيس.
وإذا ما مضت هذه العملية بايقاعها الحالي البطيء فان علينا الإنتظار شهوراً حتى تُعدّ مسودة الورقة وتُناقش في اللجان الفرعية ثم في القيادة العليا التي لا أحد يعرف ما اذا كانت ستمنح ما تتفق عليه اللجان الفرعية بركاتها أم تعترض أو تتحفظ على بنود فيها قبل التوصل الى الصيغة المقبولة من أطراف التحالف المختلفة.
تبريراً للبطء في تجهيز ورقة الاصلاحات العتيدة، ستتحجج قيادات التحالف باختلاف وجهات النظر بين مكونات التحالف وبضرورة الوضع في الاعتبار مطالب الاطراف الأخرى (أطراف إتفاق أربيل – النجف).
شخصياً أريد ان أُيسّر الأمر على قيادة التحالف وأختصر الوقت وأخفف عليهم مشقة جمع الأراء والمطالب ثم تصنيفها في خانات وحقول بحسب ميادين العمل والأولويات ثم تحليلها، وما الى ذلك مما يُدخلهم ويُدخلنا جميعاً في نفق لا ضوء في نهايته.
لن اقترح عليهم أن يستنسخوا الأوراق التي بحثت سابقاً واتفق عليها في ضوء مبادرة رئيس اقليم كردستان. ولن اقترح ايضاً المشروع الذي قدمه رئيس الجمهورية. ولن أقترح تبني الأوراق  التي اتفقت عليها اطراف أربيل – النجف، فهذه كلها قد ينظر اليها البعض داخل التحالف على ان الزمن قد تجاوزها.
التحالف الوطني مكون بغالبيته من الأحزاب والجماعات والشخصيات التي تتبنى في المقام الأول قضية الشيعة. وأفترض ان أحزاب التحالف وجماعات وشخصياته هذه تقدّر مرجعية السيد السيستاني حق قدرها، وتستمع الى كلامها. اقتراحي هو بكل بساطة أن تُعفي قيادة التحالف الوطني واللجان الفرعية المكلفة تحضير ورقة الاصلاحات نفسها من البحث والإعداد والتدوين، وأن ترجع الى آخر عشرة من خطبة الجمعة التي القاها معتمد السيد السيستاني في كربلاء السيد أحمد الصافي لتعتمد ما طرحه في هذه الخطب، ورقة للاصلاحات المنتظرة.
لم يترك السيد الصافي خطأ أو خطيئة أو فشلاً في عمل أجهزة الدولة لم يتناوله في خطبه ... من مشاكل الكهرباء والحصة التموينية والصحة والتعليم الى قضية الفقر وبطالة الخريجين، ومن التلكؤ في انجاز المشاريع الى قضية الفساد المالي والاداري، ومن المناهج المدرسية المتردية الى تسريب الاسئلة الامتحانية، ومن اللغة المتدنية في الحوار بين أطراف الحكومة والبرلمان المتصارعة على السلطة والنفوذ والمال الى الأداء الفاشل للبرلمان والحكومة، ومن امتيازات أعضاء البرلمان الى الرشى التي يتقاضاها الضباط والموظفون في الحدود والمطارات، ومن تواكل أجهزة الأمن في مكافحة الإرهاب الى عدم الاعتماد على الكفاءات الوطنية في هذه الأجهزة ما سمح باختراقها من قبل الإرهابيين وزعماء منظمات الجريمة المنظمة ............. الى آخر هذه القائمة الطويلة.
اذا تبنت قيادة التحالف الوطني مطالب السيد الصافي وحدها وعملت على تنفيذها، سنقف جميعاً صفوفاً طويلة على أرصفة الشوارع (برغم خرابها) لتحيتها.
"المدى" – 7/7/2012

386
المنبر الحر / سوسومو ها سيغاوا
« في: 14:45 06/07/2012  »
شناشيل
سوسومو ها سيغاوا
عدنان حسين

هل تعرفون صاحب هذا الإسم؟ هل سمعتم به من قبل؟ أنا أيضاً لم أكن أعرف السيد سوسومو ها سيغاوا قبل عصر أول من أمس. لكن بالتأكيد هو معروف لدى المسؤولين ومعظم الموظفين في وزارة الخارجية وديوان الرئاسة وديوان رئيس الحكومة وبعض مسؤولي الوزارات التي لها صلات بمؤسسات وشركات يابانية.
السيد سوسومو ها سيغاوا هو سفير اليابان لدى العراق الذي قدّم صورة مغيرة تماماً للصورة النمطية التي لدينا عن السفير، بوصفه شخصاً جاداً حد اللعنة ذا ملامح صارمة حد الكراهية، مغروراً ومتكبراً بصلافة.
هذه الصورة النمطية للسفير ما كان لها أن تكون لو ان التعيين في منصب السفير في دولتنا استند الى القواعد المهنية الخاصة بالسلك الدبلوماسي. وهي قواعد معروفة عالمياً مثل قواعد مهنة الطب أو الهندسة، فما من دولة في العالم تجعل من الطبيب مهندساً أو المهندس طبيباً أو الأديب عالماً في مركز للابحاث النووية.
اذا أمكن استثناء بعض الدول من هذه القاعدة فهي الدول المتخلفة الفاشلة التي تقف دولتنا على رأس قائمتها. فالمئات من المسؤولين في دولتنا لا علاقة لهم البتة بما يشغلون من مناصب ووظائف، وبين هؤلاء العشرات من السفراء والمئات من موظفي السلك الدلوماسي الذين تولوا مناصبهم إستناداً الى "قواعد" المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية أو بطلبات وأوامر وتوصيات من زعماء الكتل السياسية المتنفذة في الدولة أو وزراء أو نواب وغيرهم من كبار المسؤولين الذين ما انفكوا يعملون بحماسة لتعيين أبناءهم وبناتهم واخوتهم وأزواج بناتهم وزوجات أبنائهم في السلك الدبلوماسي.
نتيجة لهذه "القواعد" المستقرة في دولتنا صار لدينا سلك دبلوماسي لا يسرّ حتى العدو في بعض مفاصله، فثمة سفراء وقناصل وملحقون لا يهتمون بواجبهم الدبلوماسي مثلما يهتمون بارتياد علب الليل في العواصم التي يشتغلون فيها وملاحقة العاهرات،( لدي وقائع وأمثلة عدة على هذا).
متأسف لأنني انصرفت كل هذا الوقت عن السفير سوسومو ها سيغاوا الذي تعرفت اليه عصر أول من أمس في المجلس الثقافي للصديقة القديمة عضو مجلس النواب السيدة صفية السهيل. هذا الرجل قدّم بحضور ما يزيد عن خمسين من الإعلاميين والسياسيين والدبلوماسيين مثالاً يليق باليابان، الدولة الأعجوبة، الأنموذج في تحضرها وتقدمها ونجاحها.
بالتأكيد لم يتعيّن السيد سيغاوا في منصبه الحالي لأنه من الشنتو أو البوذية (الديانتين الرئيستين في اليابان) أو سواهما من الديانات. وبالتأكيد لم يتعيّن لأنه زوج لإبنة نائب أو وزير أو زعيم كتلة أو أخ له أو قريب أو من عشيرته. لا بد ان مؤهلاته العلمية وكفاءته وخبرته ووطنيته هي التي جعلت وزير الخارجية ورئيس الوزراء يرشحانه لمنصبه.
ولأنه كذلك بدا السفير سيغاوا  مثل عاشق مستغرق في ممارسة طقس الحب وهو يقدّم بنفسه الطريقة التقليدية لإعداد الشاي وشربه في اليابان. لم يعهد بالمهمة الى أحدا من موظفي سفارة بلاده وعمالها، كما يفعل سفراؤنا .. أمضى أكثر من نصف ساعة في عملية الإعداد المُكلّفة وقتاً وجهداً، ولا بد انه شارك قبل ذلك في التحضير للأمسية الخاصة بهذه الفعالية التي استضافها مجلس صفية السهيل الثقافي، فضلاً عن الكلمة التي القاها للتعريف بجانب من الثقافة التقليدية لشعب بلاده.
طوال الوقت كنت أتمنى لو ان حضور الأمسية الجميلة هم كل سفرائنا ودبلوماسيينا ليتعلموا كيف يجب أن يكون السفير والدبلوماسي.


387
شناشيل
لو بقي صدام حتى اليوم
عدنان حسين
لنتخيّل ان الرئيس الاميركي السابق جورج بوش (الإبن) كان أكثر تردداً في إتخاذ القرارات، وأكثر اكتراثاً بخاصة في اتخاذ قرارات الحرب والسلام، وانه بالتالي لم يتخذ القرار باسقاط نظام صدام حسين. ما كانت العاقبة ستكون؟ .. الأرجح، بل المؤكد، ان نظام صدام كان سيبقى حتى الآن.
برغم الصلة بين سقوط نظام صدام وثورات الربيع العربي، لنفترض عدم وجود هذه الصلة، وان نظام صدام امتد به العمر الى هذا الزمن وان العراقيين تأثروا بأحداث الربيع العربي ونظّموا انتفاضة ضد نظام صدام. أي سيناريو كان سيشهد العراق؟ .. التونسي – المصري، اليمني، الليبي أم السوري؟
ما كان صدام سيستقيل على طريقة زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وما كان سيقبل بتسوية كالتي قبل بها علي صالح محمد. الأرجح ان سيناريو الحرب الداخلية على الغرار الليبي والسوري هو الذي كان سيفرضه صدام بعناده وعدم تقديره الصحيح للأحداث والمواقف.
لنتخيل الآن ان الانتفاضة التي كانت ستندلع في العراق تأثرا بالربيع العربي قد انطلقت قبل ثلاثة أشهر أو ستة أو سنة. بالتأكيد ما كان صدام سيستطيع قمعها بسرعة على غرار ما حصل مع انتفاضة آذار 1991، فانتفاضة الربيع كانت ستلقى دعماً قوياً من اقليم كردستان وقوى المعارضة التي وجدت ملاذا لها هناك، فضلاً عن الدعم المؤكد الذي كانت ستتلقاه من الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربي فضلاً عن دول الربيع العربي.
لو كان هذا السيناريو هو الحاصل الآن في العراق، فهل كان السيد علي الدباغ (المتحدث باسم الحكومة العراقية الحالية) أو رئيسه السيد نوري المالكي، سيقبل بأن يُصرّح المتحدث باسم الحكومة السورية أو باسم الحكومة الجزائرية أو سواهما محذراً من إن ((انهيار النظام العراقي ليس في مصلحة أحد، وأنه سيتسبب بأزمات للمنطقة))؟
منذ عشر سنوات، عشية الاجتياح الاميركي – الدولي للعراق بهدف اسقاط نظام صدام استخدم الكثير من رؤساء الدول العربية ورؤساء الحكومات العربية والمتحدثين باسمها التعبير نفسه الذي استخدمه السيد علي الدباغ  وهو يُصرّح أمس محذراً من ان ((انهيار النظام السوري ليس في مصلحة أحد، وأنه سيتسبب بأزمات للمنطقة)).
السيد الدباغ أعرب عما أسماه رغبة العراق في أن (( يتم تجنب الانهيارات، مثلما تجنب الخليجيون الانهيار التام في اليمن، وأحدثوا انتقالاً سلساً للسلطة))، مفترضاً ان نظام بشار الأسد يمكنه ((تطبيق آلية الانتقال السلس للسلطة)).
لا أظن ان شخصاً عاقلاً بكامل وعيه يفكر بالطريقة التي يفكر بها السيد الدباغ، الا اذا كان متقصداً حرف الحقيقة. فالمفترض ان السيد الدباغ يعرف ان بشار الأسد ليس من هذا النوع مثلما كان صدام حسين ليس من هذا النوع.
لو كان بشار الاسد ينزع الى تسوية تؤول الى انتقال سلس للسلطة ما كان نظّم هذه المجزرة الرهيبة المتواصلة منذ سنة ونصف السنة، مثلما لو كان صدام يميل الى تسوية كهذه ما كان جرى للعراق ما جرى، بما في ذلك تولّي السياسيين الفاشلين السلطة في بغداد وتمسّكهم بها على طريقة صدام في الماضي وطريقة بشار الأسد الآن.


388
شناشيل
بيع الأسئلة.. من المسؤول؟
عدنان حسين
أتمنى أن يتحقق للنائبة عضو لجنة التربية في البرلمان إنتصار حسن ما وعدت به أمس عبر هذه الصحيفة. أتمنى هذا بحماسة منقطعة النظير لأنني في شكّ عميق بامكانية أن تحاسب لجنة نيابية وزارة من الوزارات عن خطأ ارتكبته أو فشل وقعت فيه.
النائبة حسن تحدثت اليها "المدى" على خلفية واقعة، أو بالأحرى فضيحة، تسرب الأسئلة الخاصة بمادة الإقتصاد في امتحانات البكالوريا(السادس الإعدادي الأدبي) لهذه السنة، وقالت بالنص (( في حال تأكدت لجنة التربية من وجود تسريبات حقيقية في الأسئلة وانها جاءت مطابقة لما جاء في الإمتحان فسوف تقوم اللجنة بمحاسبة الوزارة)).
بعد وقت قصير من إدلاء النائبة بحديثها هذا أول من أمس أقرّت وزارة التربية بحصول الواقعة – الفضيحة، فالمتحدث باسمها وليد حسن أعلن ان الوزارة  ((ستشكل لجنة تحقيقية لمعرفة كيفية تسريب ونشر اسئلة مادة الاقتصاد للصف السادس الاعدادي بفرعه الأدبي، وكشف المسؤولين عن هذا التجاوز المخالف للقانون والمنافي للأخلاق والآداب العامة))، ورجّح أن يكون أحد مدراء المراكز الإمتحانية هو من قام بتسريب الأسئلة.
عن يقين كامل لا أتوقع أن تنجح لجنة التربية النيابية في محاسبة الوزارة. والأرجح الا يحصل من الأساس طلب بالمحاسبة، فمقدماً دفع المتحدث باسم الوزارة التهمة عن وزارته والمسؤولين فيها بترجيحه أن يكون الفعل من صنيع مدير لمركز امتحاني.
ليس من المستبعد ان يكون الفاعل مديراً لأحد المراكز الإمتحانية، لكن هل هو المسؤول الوحيد عما حصل؟ وهل هذا هو الحادث الأول من نوعه؟
هناك بيئة مسؤولة عما حصل .. بيئة مناسبة تشبه البيئة التي تنمو فيها بكثافة الفطريات .. هي بيئة الفساد الضارب أطنابه في دولتنا بكل أركانها وزواياها ومن أعلى مراتبها ومناصبها الى أدناها .. انها بيئة نهب المال العام والقبول بهذا النهب بعدم ملاحقة السرّاق والاحتفاظ بملفاتهم لأغراض التهديد والابتزاز والترغيب والاستمالة .. انها ايضاً بيئة تزوير الشهادات والوثائق الرسمية والقبول بهذا التزوير والغش بالسعي لتبريره والعفو رسمياً عن المزورين.
ما كان لمدير مركز انتخابي أن يقوم بفعلته لو لم ير أو يسمع ان رئيسه الأعلى (مدير تربية أو مديرأ عاماً أو وكيل وزارة) قد ارتكب جريمة أكبر ولم يعاقب عليها .. بل لم يساءل عنها.
تمتليء دولتنا، حكومة وبرلماناً ومؤسسات أخرى، بمرتكبي الأفعال المخالفة للقانون ولأبي القوانين، الدستور، والمتجاوزة على الأخلاق والآداب العامة، ويلقى هؤلاء بالذات كل التقدير والتكريم من أكبر الكبار في دولتنا.
تسريب، بل بيع، الأسئلة الامتحانية فعل مشين للغاية، لكنه صغير بالمقارنة مع آلاف الأفعال المشينة التي تشهدها أروقة دولتنا كل يوم.
السيدة النائبة، اذا أراد مجلسك أن يحاسب الوزارات عما ترتكبه من أخطاء وتقع فيه من فشل لن يجد الوقت لفعل أي شئ آخر.





389
شناشيل
الموت الأحمر العراقي

عدنان حسين
لم نكد نحن العراقيين - أو من تبقّى منّا بالأحرى- أن ننتهي من مسلسلات الموت الأسود في حروب صدام الداخلية والخارجية وأعمال الإرهاب ومعارك الميليشيات الطائفية، حتى تولانا الآن "الموت الأحمر" ليفتك بنا ويسلب صحتنا ويعكّر أمزجتنا ويكلفنا فوق ذلك مئات ملايين الدولارات خسائر مادية.
والموت الأحمر هو الناجم عن العواصف الترابية التي صار العراق لها ممراً ومستقراً. ففي آخر تقرير صحفي (وكالة شفق نيوز) وجدنا أن البلاد تتعرض إلى ما يتراوح عدده بين 200 و250 عاصفة ترابية في السنة الواحدة. وهذا الرقم المخيف مرشح للازدياد إلى معدل 300 عاصفة في السنة خلال عشر سنوات بحسب معلومات وزارة البيئة.
وسواء كان 70 في المئة من الأتربة النازلة علينا يأتينا من الخارج و30 في المئة إنتاجا محلياً، كما يقول مسؤولو وزارة الصحة، أو العكس (70 في المئة محلي و30 في المئة خارجي) بحسب وزارة البيئة، فان من الثابت موت المئات من العراقيين سنوياً بسبب هذه العواصف وتعرض الآلاف إلى سوء الصحة، وتردي أحوال الأراضي الصالحة للزراعة وانخفاض غلة التربة.
تقدر وزارة البيئة الخسائر المادية بما يزيد عن 100 مليون دولار سنوياً، وهذا ليس بالمبلغ الهيّن. ولو كان لدينا سياسيون متنفذون في السلطة يُحبون وطنهم وتأخذهم الرأفة بشعبهم لفكّروا على النحو التالي: 100 مليون دولار يمكنها أن تفعل العجب على صعيد حلّ هذه المشكلة أو التخفيف منها. فالمعروف إن من وسائل مواجهة التصحر والعواصف الترابية زرع مصدات رياح من الأشجار. ولو افترضنا أن كلفة شراء كل شجرة وخدمتها تبلغ 500 دولار في السنة (لست خبيراً فالكلفة قد تصل إلى نصف هذا المبلغ أو ربعه) فان بمئة مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل بمقارنته بدخلنا السنوي من عائدات النفط (100 مليار دولار)، يمكننا شراء وخدمة 200 الف شجرة، وهذه بإمكانها أن تعمل سياجاً حقيقياً على طول حدود العراق مع سوريا والأردن والسعودية والكويت مجتمعة والتي يبلغ طولها 1840 كيلو مترا (أي بمعدل 108 شجرات في كل كيلو متر).
 لستُ ساذجاً لأتصور أن المشكلة تُحل بمثل هذه البساطة، فالأمر يتطلب أيضاً أموالاً أخرى لمواجهة التصحر وتشجير مناطق داخلية، وهذا لا ينقصنا ففي كل سنة تُعيد الوزارات أموالا طائلة من موازناتها إلى الخزينة المركزية فشلت في إنفاقها، ويمكن تخصيص نسبة من هذه الأموال لمشروع التشجير. أدرك أيضاً أن الأمر يتطلب تعاوناً مع جاراتنا الأربع، وهذا غير صعب إذا ما قدمنا لهم الأمثولة والأنموذج.
مشكلتنا أن طبقتنا السياسية المتنفذة عاجزة عن تقديم الأمثولة والأنموذج في هذا المجال وفي سائر المجالات قاطبة.
وكيل وزارة البيئة كمال حسين نقل عنه تقرير الوكالة القول "إذا لم يصدر قرار من أعلى سلطة في الدولة ونتابع التنفيذ، فان مشكلة العواصف الترابية لن تُحل". وأضاف انه "متأكد" من انه خلال عشر سنوات ستغطي العواصف الترابية 300 يوم في السنة.
وأنا بدوري متأكد من أن أعلى سلطة في البلد لن تستمع إلى ما يقوله السيد الوكيل.. لا وقت لديها ولا اهتمام، فهي منشغلة كل الوقت بصراعاتها على السلطة والنفوذ والمال.



390
شناشيل
الدولة كلها مخطوفة يا دولة الرئيس
عدنان حسين
بالضبط كما أعلن رئيس الوزراء، وبالفعل كما صرح هو، فان هناك اختطافاً للبرلمان، وان هناك مخالفات كبيرة داخله وانتهاكات للدستور من قبله. نعم هذا تشخيص سليم من السيد نوري المالكي، لكنه ناقص، فرئيس الوزراء يفتح هنا واحدة من عينيه ويبقي الثانية مغلقة حتى لا يرى المشهد برمته ومجمله.
نعم بالتأكيد برلماننا العراقي مُختطف من حفنة من أعضائه هي التي عيّنت سائر الأعضاء تعييناً على أساس الولاءات الحزبية والطائفية والقومية والعشائرية إذ لم يراع في هذا التعيين حجم التصويت في الانتخابات البرلمانية. لكن الحكومة التي شكلها هذا البرلمان وتمثلت فيها كتله وائتلافاته كلها وأسندت رئاستها الى السيد المالكي في عملية توافقية بين مختطفي البرلمان، هذه الحكومة هي الأخرى مُختطفة من حفنة من أعضائها يمثلون الخاطفين الرئيسين للبرلمان، وبينهم رئيسها نفسه المهيمن على مفاصلها الحيوية وبخاصة الأمنية. وفي الواقع فان دولتنا كلها مُختطفة من هاتين الحفنتين اللتين هما في نهاية المطاف حفنة واحدة من المختلفين والمتصارعين على حصصهم من السلطة والنفوذ والمال.
رئيس الوزراء الذي يُعيّر البرلمان بانه مُختطف برغم ان ائتلافه (التحالف الوطني) يشكّل أكبر كتلة فيه، هو أكثر من وقف ضد المطالبات الشعبية بتصحيح أوضاع العملية السياسية التي يحتل البرلمان والحكومة قلبها ومحورها. ففي العام الماضي عندما تداعى ناشطون سياسيون واجتماعيون ومثقفون، من الشباب خصوصاً، الى ممارسة حقهم المكفول في الدستور بالتظاهر من أجل إصلاح العملية السياسية ومكافحة الفساد المالي والاداري وتوفير الخدمات العامة والحياة الكريمة للناس، كان رئيس الوزراء هو من خرج الى الملأ بشحمه ولحمه وبالألوان الزاهية على شاشات التلفزيون ليتّهم هؤلاء الوطنيين بانهم بعثيون وقاعديون .. وهو الذي أصدر الأوامر بحظر التجوال في العاصمة في يوم انطلاق التظاهرات (25 شباط 2011 وبعد اسبوع من ذلك) .. وهو (رئيس الوزراء) من أصدر الأوامر - بصفته القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية ووزير الدفاع ووزير الأمن الوطني بالوكالة – بقمع المتظاهرين السلميين وملاحقة نشطائهم بوحشية لا تُقارن الا بوحشية نظام صدام.
لا يستحق السيد المالكي براءة اختراع عن هذا الاكتشاف(اختطاف البرلمان)، فقد سبقته أعداد غير قليلة من السياسيين والمثقفين والناشطين المدنيين الوطنيين بزمن طويل في الحديث العلني الصريح عن اختطاف البرلمان والحكومة والدولة كلها .. سبقته في المطالبة بانهاء عملية الاختطاف هذه وبوقف المخالفات والانتهاكات الدستورية والقانونية التي تجري على مدار الساعة داخل البرلمان والحكومة على السواء. وفي الأساس فان تشكيل هذا البرلمان كان مخالفاَ للدستور (المحكمة الاتحادية قضت بمخالفة بعض بنود قانون الانتخابات لأحكام الدستور). وفي الأساس أيضاً فان تشكيل الحكومة التي يترأسها السيد المالكي كان مخالفاً للدستور، فلم يكن الدستور هو المرجع والسند لتشكيلها في أربيل وانما قانون التوافق والمحاصصة الذي سنّته، خلافاً للدستور وتجاوزاً على أحكامه، الحفنة التي اختطفت ولم تزل البرلمان والحكومة والدولة كلها.
الحل يا دولة رئيس الوزراء ليس في فك ارتهان البرلمان وحده وانما بتحرير الدولة كلها من حفنة الخاطفين.

 

391
شناشيل
مصر ..  القاعدة لا الإستثناء
عدنان حسين
في الخطاب الذي ألقاه مساء أول من أمس بعد الإعلان رسمياً عن فوزه في انتخابات الرئاسة الاخيرة، ما كان يعوز الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي الا أن يُعدد أسماء المصريين فرداً فرداً، فهو سمّى المحافظات والمدن الكبرى والفئات الشعبية والتيارات السياسية والمؤسسات الأمنية باسمائها في "لفتة" ربما فكّر في انها تمدّ جسراً مقطوعاً مع الأغلبية من الشعب المصري.
هذه "اللفتة" لا تعكس شعوراً بالقوة والتمكن من الدكتور مرسي، القيادي في حركة الأخوان المسلمين المقدّر لها أن تهمين على الحياة السياسية، وفي مقدمها سلطة الدولة، خلال السنين المقبلة التي قد تمتد الى عشرة، بل انها ("اللفتة") تشير الى شعور أقل ما يقال فيه انه قلق ومرتبك، فأول رئيس في حقبة ما بعد حسني مبارك الطويلة يدرك انه بالرغم من فوزه رسمياً في الانتخابات لا يحظى بالقبول العام من المصريين، اذ لم يأتِ الى كرسي الرئاسة بأصوات الاغلبية منهم، وان الذين رفضوا انتخابه، إن بالتصويت لمنافسه أحمد شفيق أو بالامتناع عن التصويت له أو لشفيق، هم الأغلبية الساحقة (نصف المصريين لم يذهبوا الى مراكز الإقتراع وأكثر قليلاً من نصف هذا النصف انتخبوا مرسي أي ما يعادل نحو 26 بالمئة فقط من مجموع الناخبين).
 لا بد ان الرئيس المصري المنتخب كان يطمع في فوز كاسح منذ الجولة الأولى للانتخابات، وهو ما لم يتحقق له حتى في الجولة الثانية، ولذا وجدناه يلجأ، في أول كلمة له بعد إعلان فوزه، الى خطاب عاطفي يسعى الى استمالة الأغلبية التي اختارت الا تصوّت لصالحه في رسالة تعكس موقفاً سلبياً  حيال قوى الإسلام السياسي التي يخشى المصريون أن تفرض عليهم عقيدتها الصارمة وقوانينها المتشددة.
والخطاب العاطفي الذي وصفه البعض بانه "تصالحي" عكس أيضاً عجزاً من مرسي في عرض برنامج عمل محدد يلتزم به أمام ناخبيه في الأقل. صحيح انه تقدم الى الانتخابات ببرنامج، لكن هذا البرنامج إتسم  بالعمومية وبغلبة الشعارات. وقد تعهد مرسي في هذا البرنامج بتطبيق الشريعة الاسلامية وبناء نظام سياسي قوي وتحويل الدولة المصرية الى دولة مؤسسات ومعالجة مشكلات البطالة والفقر والصحة والتعليم المزمنة والتحول من الاقتصاد الريعي الى اقتصاد القيمة المضافة وتأمين الحريات والحقوق السياسية والمدنية. ولكن كيف؟ بأي الوسائل؟ وعلى أية مساحة من الوقت؟ لا جواب
لو رجعنا الى خطابات الرئيس السابق حسني مبارك لا نجد أياً منها يخلو من الشعارات التي أطلقها مرسي في برنامجه الانتخابي وفي خطاب الفوز. وكحال مبارك سيجد مرسي ان ليس في وسعه أن يضع العربة المصرية خلف الحصان، ولن يكون هذا في مقدور اي حركة اسلامية. فليس ثمة مثل واحد على نجاح الإسلاميين في تحقيق الشعارات والبرامج التي يعلنونها ويتبنونها. لم يحصل هذا في إيران ولا في السودان، ولا هنا في العراق الذي حقق الإسلاميون (الشيعة والسنة) لأنفسهم الهيمنة والنفوذ على الدولة منذ عشر سنين من دون أن يحققوا للشعب أدنى ما يعدونه به السنة بعد الأخرى.
مصر لن تكون الاستثناء، بل هي ستؤصل القاعدة بعد أن ينفضّ المولد الانتخابي.


 


392
شناشيل
لو كان نوابنا في إسبانيا
عدنان حسين
يعادل عدد السكان في إسبانيا مرة ونصف عددنا نحن العراقيين (هم 48 مليون نسمة ونحن نُقدّر بـ 32 مليوناً، مع التأكيد على كلمة: نُقدّر، لأننا نبدو كما لو لم نزل نعيش في مطلع القرن الماضي قبل أن يعرف أجدادنا الإحصاء السكاني، وهذه واحدة من مفارقات نظامنا الجديد ومساخره).
 وبرغم هذا التفاوت في عدد السكان، فان أعضاء البرلمان الإسباني يقل عددهم بـ 59 عن عدد أعضاء برلماننا (لديهم 266 نائباً ولدينا 325 عضواً في مجلس النواب، أي ان برلماننا يبدو بكرش كبيرة للغاية بالمقارنة مع برلمان إسبانيا).
وإسبانيا، كما قد لا يعرف الكثيرون، تحتل الموقع التاسع بين الدول الأقوى اقتصادياً في العالم والمركز الخامس بين دول الاتحاد الأوروبي، بفضل زراعتها وصناعتها وسياحتها وتجارتها، وقبل هذا بفضل نظامها الديمقراطي الحقيقي الذي يضمن انتخاب برلمان يمثّل الشعب خير تمثيل وتشكيل حكومة تجهد لخدمة الشعب على أفضل ما تكون الخدمة. هذا بالطبع يختلف اختلافاً كبيرا عما هو حاصل عندنا، ففي العهود السابقة لم يكن لدينا برلمان منبثق من إرادة الشعب ولا حكومة تضع مصلحة الشعب نصب أعينها. وفي العهد الجديد لم تتغير الأمور، فكأنما "نفس الطاس ونفس الحمام" كما يقول المثل الشعبي. فها نحن في السنة العاشرة من هذا العهد ولا مشكلة حُلّت ولا أزمة انفرجت ولا مصلحة حيوية للشعب تحققت، والعلّة في البرلمان والحكومة مجتمعين بكافة كتلهما وائتلافاتهما.
نعود الى إسبانيا وبرلمانها الذي قرأت أمس انه أثار موجة غضب في صفوف ناخبيه بسبب قرار اتخذه يمنح أعضاءه امتيازاً مالياً ليس كبيراً. فقد هاج الإسبان (كما كانت تهيج ثيرانهم المخصصة للمصارعة قبل تحريم هذه "الرياضة" الوحشية) وماجوا لأن برلمانهم خصص مبلغ مليون ونصف المليون يورو( أقل من مليوني دولار أميركي) لشراء هواتف موبايل ذكية  مع كامل خدماتها بما فيها خدمة الانترنت.
الناخبون الأسبان الغاضبون على نوابهم رأوا ان قرار ممثليهم في البرلمان غير مناسب في هذا الوقت بالذات حيث تمر البلاد، وأوربا كلها وكثير من دول العالم الأخرى، بأوضاع اقتصادية غير مريحة فرضت على الحكومة أن تتخذ قرارات مؤلمة بزيادة الضرائب وتخفيض رواتب الموظفين.
الصحافة الأسبانية نشرت انتقادات قوية للقرار من قبيل "هؤلاء ليسوا بساسة، انهم بلا حياء، فبينما تمر البلاد في حال عجز مالي وارتفاع هائل في مستوى البطالة، ها هم يواصلون إهدار المال العام"، و "نعم، انهم يضحكون علينا ونحن نقبل بذلك. في الحقيقة اننا نستحق هذا"، و"يبدو ان رواتب اعضاء البرلمان قليلة لهذا علينا أن نشتري لهم هواتف موبايل .... أما المتقاعدون فعليهم ان يشتروا الدواء من مالهم الخاص".
كل هذا الغضب على أقل من مليوني دولار قررها البرلمان الاسباني لهواتف أعضائه .. تُرى  ما الذي كان الإسبان سيقولونه وكيف كانوا سيعبّرون عن غضبهم لو كان نوابهم يتصرفون على طريقة أعضاء برلماننا في تكديس الإمتيازات المالية والعقارية لهم وفي إهمال شؤون الشعب ومصالحه؟









393
شناشيل
مشروع قانون في برلمان الإقليم .. لا حاجة له
عدنان حسين
كلّ الحق مع منظمة "هيومن رايتس ووتش" في إعتراضها على مشروع قانون "حماية المقدسات"  المقدّم الى برلمان إقليم كردستان، وفي حثها هذا البرلمان على الإعتراض على مشروع القانون وردّه الى حكومة الإقليم التي اقترحته.
المنظمة الدولية المعنية بحقوق الانسان انطلقت في موقفها من ان مشروع القانون  يضع قيوداً تمسّ حرية التعبير المكفولة في دستور الإقليم وفي الدستور الإتحادي. ويطلب مشروع القانون الحكم بالسجن عشر سنوات واغلاق وسائل النشر وفرض عقوبات مالية كبيرة عن أفعال "الإساءة الى الأديان".
وقالت المنظمة في بيان لها يوم الجمعة ان مشروع القانون الذي يُجرّم (( سب الذات الالهية والتهكم عليها)) و ((سب وإهانة وتصوير الأنبياء بشكل غير لائق))، لا يحتوي على ((أي معايير للتفريق بين التعبير المسموح به والتعبير الذي فيه إساءة أو استهزاء أو اعتداء على الموضوعات الدينية)).
ان كتابة قوانين بصياغات فضفاضة  كالتي كتب بها مشروع القانون هذا يمكن ان يكون ذريعة ومرتكزاً للتعسف في حق الافكار ولقمع حرية التعبير، فسيكون في وسع رجل شرطة جاهل او رجل دين نصف امي او محام او قاض متعصب ان يرمي الآخرين بالتهمة الجاهزة "الإساءة الى المقدسات".
من الواجب ان يصف القانون وصفاً دقيقاً لا يحتمل التأويل وأن يحدد تحديداً تاماً لا يحتمل اللبس الفعل المستهدف بالعقوبة منعاً لأي تعسف في تطبيق القانون، وهذه في الواقع مهمة صعبة للغاية، فاذا كان القرآن على سبيل المثال "حمّال أوجه" كما قال الإمام علي بن أبي طالب فكيف لا يكون القانون الذي يشرّعه برلمان إقليم كردستان أو البرلمان الإتحادي كذلك؟
ثمة وجه آخر لهذه القضية، فمن يتعرض للأديان وسائر المقدسات بالإساءة والتحقير سفيه من دون أدنى شك. حتى غير المؤمنين لا يبيحون لأنفسهم ولا لغيرهم سبّ الأديان ورموزها والسخرية منها، فالدين عقيدة واللاتديّن عقيدة هو الآخر، وأصحاب العقائد الحقيقيون لا يقبلون بالطعن في العقائد لأن الأمر سيطالهم هم أيضاً. أصحاب العقائد يدركون انه لكي يتحقق لهم احترام عقائدهم لا بد أن يحترموا عقائد غيرهم.
ان وضع قوانين لمعاقبة السفهاء، وهم أقلية ضئيلة، يمكن أن ينقلب الى ضده، فيرفع من شأنهم ويجعلهم مشهورين بعدما كانوا مغمورين، وهناك أمثلة كثيرة.
رسام الكاريكاتير الدنماركي كورت فيسترجارد، على سبيل المثال، يُعتبر سفيهاً من وجهة نظر الكثيرين بسبب ما تضمنته رسومه من إساءة للدين الاسلامي والنبي محمد. لكن الضجّة التي أثيرت ضده في العالمين العربي والاسلامي رفعت من شأنه في بلده وبلدان أخرى كثيرة، حتى انه نال الجوائز وحاز على التكريم. ومن المؤكد انه من دون الفتوى والضجة ما كان سيُعرف بمثل هذا النطاق الواسع.
ثمة أكثر من اسلوب ووسيلة لمعالجة السفاهة لدى الأفراد، عبر المدرسة والمجتمع  ووسائل الاعلام. أما القوانين، كمشروع القانون المُقدّم الى برلمان إقليم كردستان، فمن المرجح ان تكون لها آثار سلبية جانبية (تقييد حرية التعبير والاعتقاد) من دون أن تحقق هدفها. كما انها تنزل بالمقدسات الى مستوى متدن لا يليق بها.





394
شناشيل
الاستجواب .. إذا حصل
عدنان حسين
لست ممن يعتقدون بانه بمجرد إخراج رئيس الحكومة نوري المالكي من منصبه وتعيين شخص آخر محله سيخرج المارد من القمقم ليقول للشعب العراقي: "شبيك لبيك، عبدك بين ايدك.. أطلب واتمنى"، فيتحق للعراقيين كل ما انتظروه ووُعِدوا به طيلة السنوات العشر الماضية وشبعوا يأساً من تحقيقه.
 ما دام الشرط بان يكون البديل من التحالف الوطني قائماَ، لا توجد ضمانة مؤكدة بان خليفة المالكي سيكون أفضل منه، ربما نسبياً فحسب والى حين. نعم المالكي فيه عيوب كثيرة (على صعيد الحكم وإدارة الدولة بالطبع)، لكن العيب الأكبر هو في النظام برمّته .. المالكي ابن شرعي لهذا النظام الذي لا يستند الى الدستور ولا الى مبادئ الحق والعدل والديمقراطية في إسناد المناصب والوظائف الى الاشخاص على أساس الكفاءة والموهبة والخبرة والوطنية، وانما هو يركن الى قاعدة التوافق الحزبي والمحاصصة الطائفية والاعتبارات الشخصية والعشائرية. ولذا كان لدينا نواب لا يستحقون حتى أن يُكلف الواحد منهم برعي شاتين وبقرة، ووزراء ووكلاء ومدراء ومحافظين ليسوا جديرين حتى بسوق الدواب.
إذا راح المالكي فمن المشكوك فيه الا يكون خليفته "المالكي رقم 2". هذه قناعتي التي تستند الى نظرة في وجوه المرشحين للخلافة. ومع هذا فانني في غاية الحماسة لاستجواب المالكي في مجلس النواب. أولاً، لتكريس تقليد خضوع رئيس الحكومة للمحاسبة أمام البرلمان، فلا بدّ من تذكير رئيس الحكومة، الحالي ومن سيخلفونه، بانه ليس إلهاً سومرياً أو بابلياً مُبجلاً ولا خليفة ً أموياَ ً أوعباسياً أو عثمانياً مُخلّدا، وانه ( رئيس الحكومة) ،ابتداء وانتهاء، عضو في هيئة اسمها البرلمان كلّفته بمهمة محددة ومن حقها أن تسحب التكليف في أي وقت.
لكنّ الأهم من هذا انني راغب في أن أرى ويرى معي كل العراقيات والعراقيين كيف- اذا ما جرى الاستجواب أو طلب سحب الثقة (من قبل رئيس الجمهورية)- سيفتح الفرقاء المتصارعون الملفات التي يهدد كل منهم الآن بكشف محتوياتها. فمن المؤكد ان في هذه الملفات أسراراً وخفايا خطيرة وفضائح تزكم الانوف من فرط نتانتها وفظائع تقلب الموازين من شدة هولها.
عملية الفتح المتبادل للملفات ستُظهر للشعب العراقي كم هو مغفّل وساذج وجاهل بتصويته لصالح هذه الطبقة السياسية التي ما كانت تستحق أدنى تضحية منه ولا تستأهل حتى مجرد الذهاب الى المقار الانتخابية للتصويت لهم وتمكينهم من التحكم بمصير هذا الشعب.
الدستور كفل حق الشعب في المعرفة، لكن هذا الحق مُنتهك ومُنتقص على نحو سافر، فالتدليس هو القانون السائد بين القوى السياسية المتنفذة في السلطة، واستجواب رئيس الحكومة سيكون فرصة الشعب الذهبية في معرفة ما يتعين أن يعرفه، بكشف المستور عنه بحجاب التوافق والمحاصصة.





395
شناشيل
كيف الحال يا خريجي الجامعات؟
عدنان حسين
حاولتُ أمس الحصول على عدد كامل أو تقريبي لما سيتخرج من جامعاتنا هذه السنة. استعنتُ بالشبكة العنكبوتية فلم تُعنّي. لا موقع وزارة التعليم العالي وجدتُ فيه إحصائية بعدد المشاركين في الامتحانات الجامعية النهائية ولا موقع وزارة التخطيط (الجهاز المركزي للاحصاء). بل لم أجد في الموقعين ولا في أي موقع آخر عدد المتخرجين في السنة الدراسية الماضية (2010 – 2011).
لم استغرب هذا، فدولتنا ما انفكت تعادي الاحصائيات والأرقام .. هي دولة لم تزل معبأة بعقلية النظام السابق الذي كان يعتبر كل رقم واحصائية سراً مقدساً يتعلق بالأمن القومي والوطني والحزبي والرئاسي.
على أية حال ليس هذا الموضوع الذي أريد الكتابة فيه اليوم. فقد وفّر لي موقع الجهاز المركزي للاحصاء إحصائية بعدد المتخرجين من الجامعات (الحكومية والخاصة) في السنة الدراسية 2009 – 2010 وهو في حدود 74 الفاً. وعليه افترض ان الذين سيتخرجون من جامعاتنا هذه السنة يزيد عددهم عن 75 الفاً.
 ما الذي يعنيه هذا الرقم؟ قبل كل شئ هو يعني القاء نحو 60 الف شابة وشاب في هوة البطالة القاتلة، بافتراض ان نحو 15 الفاً سينجحون في مواصلة دراساتهم العليا أو ايجاد أعمال لهم في القطاع الخاص أو قطاع الدولة ( بوساطات من أحزابهم الحاكمة وأقارب لهم نافذين في الدولة).
وبالإضافة الى هذا الجانب المظلم (العطالة) في حياة الخريجين الجدد فان الجانب الأكثر إظلاماً يتعلق بمستواهم العلمي. الأغلبية الساحقة من الخريجين الذين نصادفهم في الحياة نجدهم في مستوى علمي متدنٍ للغاية.. يبدون كما لو انهم لم يدخلوا الجامعة ويمضوا فيها أربع سنوات .. بل يبدون في مستوى أدنى من مستوى خريجي المتوسطات والثانويات في سنوات ما قبل ثمانينات القرن الماضي.
منذ أيام أرسلت لي صديقة عبر البريد الالكتروني صورتين لأسئلة درسي الجغرافيا واللغة الانكليزية للصف السادس الابتدائي للسنة الدراسية 1925 – 1926. في الحال أجبت الصديقة قائلاً: أشك في أن يستطيع طلبة جامعاتنا هذه الأيام الإجابة على تلك الأسئلة بنجاح. هذا الحكم قائم على ما نلاحظه من مستوى طلبة الجامعات هذه الأيام.
كيف وصلنا الى هذي الحال؟ بالتأكيد يتحمل نظام صدام، بحروبه وسياسة التبعيث، المسؤولية عما آلت اليه أوضاع التعليم عامة والتعليم العالي والبحث العلمي خاصة. لكن ماذا عن مسؤولية النظام الحالي؟ هل هو بريء تماماً؟
التعليم ، والتعليم العالي بالأخص، في العهد الجديد كان يحتاج الى نظام مناقض للنظام المُتبع في عهد صدام .. نظام يُبعد التعليم بكل مستوياته واختصاصاته عن السياسة والدين والتمذهب، لكن الذي حصل ان النظام الحالي، كما نظام صدام، أغرق العملية التربوية والتعليمية بكل ما يدمّرها.
كما في حياتنا السياسية التي كان فيها في ما سبق صدام واحد وها نحن الآن بعدة صدامات، فان في التعليم صارت لنا مناهج وأنظمة متعددة، سياسية وطائفية في جوهرها. وهذا خراب آخر ينضاف الى الخراب الشامل الذي يُطبق علينا... خراب لا بد أن يتوقف لننهض من خرابنا الشامل.



396
شناشيل
انتهت الزيارة وبقيت الأسئلة الملحّة
عدنان حسين
عصر السبت الماضي، بعد ساعات من رفع حظر التجوال (للسيارات) التي فرضتها قيادة عمليات بغداد في بعض المناطق والشوارع الرئيسة التي استخدمها الزوار للوصول الى الكاظمية تأدية لزيارة الامام موسى الكاظم، نزلت من بيتي بعد حبس طوعي – إرغامي دام ثلاثة أيام، واتجهت الى حي الكراد ة.. تملّكني ساعتها شعور قوي  بالكرب والأسى حيال عاصمتنا التي كانت في يوم ما أم الدنيا.
كانت بغداد في حال ربما لا يريدها لها تماماً حتى العدو المبغض .. مزبلة حقيقية مترامية الأطراف. رغم الألم الممضّ على مدينتي ضحكتُ في سري من تصريحات كبار المسؤولين في قيادة بغداد ومحافظة بغداد وأمانة بغداد الذين أعلنوا غير مرة انهم هيأوا كل شئ ورتبوا لكل شئ يتعلق بالمناسبة.(انا شكّكتُ في هذا العمود قبل بدء الزيارة بصحة وعود المسؤولين وتعهداتهم).
مع ذلك فكرت (يوم السبت) بان بغداد ستصحو في اليوم التالي على وضع مختلف تعود فيه الى حالها المعتادة كنصف مزبلة (مدننا كلها باستثناء مدن إقليم كردستان مزابل بكل المقاييس) بعد أن تستكمل فرق التنظيف مهمتها. ولكنني صباح أمس (الإثنين) وانا أعبر جسر العطيفية – الأعظمية بدت المنطقة الممتدة من الجسر الى ساحة عنترة منسية تماماً من محافظة بغداد وأمانة بغداد وفرق التنظيف التابعة لهما.
السؤال يلحّ في بالي: ما ذنب سكان هذه المنطقة وسواها لكي تُترك لهم مخلفات الزوار بعد يومين كاملين من انتهاء الزيارة؟
لكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو الذي يتعلق بمجمل الإجراءات المُتخذة في المناسبة والمناسبات المماثلة والتي تتكرر سنة بعد أخرى بالصورة نفسها ويتكرر معها انتقادها من الرأي العام.
دستورنا الذي كرّس في أحكامه تعددية الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية، ساوى بين الجميع في الحقوق والواجبات.. لم يُفضّل أحداً على أحد ولا جماعة على أخرى، وهو (الدستور) ضمن التمتع بالحريات السياسية والشخصية من دون تمييز وحرّم الحدّ والانتقاص من الحريات والحقوق العامة والخاصة.
العراقيون ليسوا جميعا مسلمين، ولا المسلمون جميعاً شيعة ولا الشيعة جميعاً مؤمنون. بين العراقيين مسيحيون وصابئة مندائية وإيزيديون وفرق وجماعات دينية أخرى فضلاً عن المسلمين السنة. وهناك أيضاً غير المؤمنين ممن يُحسبون على مختلف الديانات والمذاهب.
دستورنا ضَمِن للمؤمنين من كل الديانات والمذاهب ممارسة عقائدهم وشعائرهم بحرية، بيد ان هذه الحرية محدودة بعدم التجاوز على حريات الآخرين وحقوقهم.
الحياة الحرة الطبيعية الآمنة حق مكفول في الدستور لكل عراقي، والإجراءات التي تتخذها الأجهزة الأمنية (العسكرية والشرطية) في بعض المناسبات الدينية، وبخاصة تلك التي تتضمن حظراً لتجوال السيارات وإغلاقاً لأسواق ومصالح في مناطق بأكملها وقطعاً لشوارع وجسوراً بطولها وعرضها لعدة أيام متتالية، تمثل (هذه الإجراءات) تجاوزاً على حريات مئات الآلاف، بل الملايين، من العراقيين الذين لا علاقة لهم بهذه المناسبات، وتعدياً على حقوق لهم.
السؤال الأكثر الحاحاً من السؤال عن مبرر ترك الفضلات والمخلفات في الشوارع العامة ومناطق السكن، هو: بأي حق تفرض الأجهزة الأمنية والحكومة من ورائها اجراءات تقيّد حقوق المواطن السني والمسيحي والصابئي والإيزيدي وغير المؤمن وتحدّ من حريته في مناسبة لا تخصّ هذا المواطن ولا تعنيه؟
هذا السؤال الملح ليس موجهاً الى أجهزة الدولة والحكومة فقط وانما أيضاً الى المرجعيات الدينية الشيعيةً.




397
شناشيل
كم المسافة بين القضاء المصري وقضائنا؟
عدنان حسين
هذا هو القضاء الذي يستحق أن تُرفع له القبعات وتنحني الهامات .. القضاء العادل المستقل، الواثق بنفسه ومن أمره .. القضاء الذي لا يخشى في الحق لومة لائم ولا طغيان حاكم .. القضاء الذي لا يُملى عليه من رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير أو رئيس كتلة أو زعيم حزب أو قائد ميليشيا، كما هي الحال عندنا.
من دون ضجيج ولا تصريحات صاخبة ولا ادعاءات فارغة، أثبت القضاء المصري انه القضاء القوي باستقلاليته ونزاهته الذي يأتمنه الفرد وتركن اليه الجماعة، فيشعر الفرد والجماعة انهما يسندان الظهر الى جدار شامخ من الحجر الصوان.
القضاء المصري وجد ان انتخابات مجلس الشعب مثلومة الشرعية فأعلن ذلك بكل صراحة ووضوح من دون خوف أو ريبة ولا وجل أو تردد، ما ترتّب عليه اعتبار المجلس المنتخب وكأن لم يكن ، والانتخابات التي أسفرت عنه وكأنها لم تجر.
لم تقل المحكمة الدستورية المصرية ان قرارها بشأن مجلس الشعب يصبح ساري المفعول اعتباراً من الانتخابات القادمة كما قضت المحكمة الاتحادية لدينا التي خالفت مخالفة صريحة مبدأ فقهياً وقانونياً أصيلاً يقضي بان ما بُني على باطل فهو باطل.
محكمتنا الاتحادية سجلت نقطة سوداء في تاريخها بمخالفتها هذا المبدأ في حكمها الصادر منذ سنتين.
ومنذ سنتين رفع مرشحان الى الانتخابات البرلمانية الأخيرة دعوى الى المحكمة طعنا فيها بالقانون الذي جرت على أساسه الانتخابات، باعتباره يتعارض مع بعض أحكام الدستور .. المحكمة قبلت الدعوى ووجدت ان قانون الانتخابات يتعارض بالفعل في بعض بنوده وأحكامه مع بنود وأحكام في الدستور، لكنها اعتبرت ان الانتخابات كانت شرعية لأن حكمها شمل الانتخابات اللاحقة.
كان حكماً غريباً للغاية يشبه ان يصدر قاض حكماً على مجرم بالسجن أو الاعدام على متهم ماثل أمامه ليس عن القضية المُتهم فيها وانما عن قضية مُفترضة لم تقع بعد!
عندما أصدرت محكمتنا الاتحادية حكمها غير المنطقي لم يكن مجلس النواب قد باشر أعماله ولا اختار مجلسه الرئاسي ولجانه ولا رئيس الجمهورية ونوابه ولا اعطى الثقة للحكومة التي لم تكن قد تشكلت بعد .. أما في الحالة المصرية فان مجلس الشعب كان قد زاول أعماله واتخذ اجراءات وقرارات وشرّع قوانين، ومع هذا لم تبال المحكمة الدستورية بهذا كله، فما بُني على باطل فهو باطل .. هذا هو حكم الفقه والقانون والمنطق والشرائع كلها .. وهذا ما خالفته محكمتنا الاتحادية في قرارها ذاك الذي أضفى الشرعية على عمل غير قانوني، غير دستوري، غير شرعي وغير منطقي.
الفرق بين قرار المحكمة الدستورية المصرية ومحكمتنا الاتحادية هو الفرق بين القضاء القوي  الموثوق به والقضاء الضعيف الذي لا يعوّل عليه .. بين القضاء المستقل والقضاء الخاضع للأهواء... بين القضاء العادل المنصف والقضاء الذي لم تزل بينه وبين العدل والانصاف مسافة غير قصيرة.





398
المنبر الحر / نواب بلا ذمة
« في: 12:16 13/06/2012  »
شناشيل
نواب بلا ذمة
عدنان حسين
 ((اُقسم بالله العلي العظيم، أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ وإخلاص، وأن أحافظ على استقلال العراق وسيادته، وأرعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بامانةٍ وحياد، والله على ما اقول شهيد)).
هذه هي اليمين الدستورية التي يؤديها عضو برلماننا، وهي يمين منصوص عليها حرفياً في الدستور الدائم (المادة 50).
أتمنى أن يستطيع أحد الصحفيين الشجعان اختراق الحواجز المكينة والجدران الصلدة التي تعزل النواب عنا (شعباً واعلاميين) ويتوافر على المعطيات الكاملة عما فعله كل نائب على مدى السنتين الماضيتين لنعرف مَن منهم وفى بالعهد ومن منهم نكث باليمين.
من غير تردد  ومن دون أي تهيّب من ارتكاب خطأ، يُمكنني أن أحزر ان الأغلبية الساحقة من النواب قد نكثت باليمين. وهذا ما يدعمه ويؤكده آخر تقارير هيئة النزاهة التي نشرت على موقعها الالكتروني أخيراً ما يلي:
"أفادت تقارير الأداء الشهري لدائرة الوقاية في هيئة النزاهة بأن استجابة كبار المسؤولين لكشف ذمهم المالية للعام الحالي مازالت دون المستوى المنتظر رغم كون العملية تمثل واحدة من أوجه الشفافية في الأداء الوظيفي. ومع اقتراب نهاية نصف العام فقد كشفت تقارير الدائرة أن استجابة المشمولين في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء لم تتجاوز 25 بالمئة فيما تدنت النسبة في مجلس النواب الى أقل من 14 بالمئة بينما ارتفعت بين المحافظين لأكثر من 33 بالمئة. وسجل الوزراء نسبة استجابة لكشف ذمهم المالية ناهزت 55 بالمئة فيما حقق رؤساء الهيئات والجهات غير المرتبطة بوزارة تجاوباً أعلى من 78 بالمئة".
إذن فـ "نواب الشعب" الذين كان من المفترض أن يكونوا القدوة الحسنة لغيرهم من المسؤولين في الدولة، هم الأقل تجاوباً مع اجراءات الشفافية وأكثرهم عرقلة لعمل هيئة النزاهة المكلفة الكشف عن الفاسدين والمفسدين ومكافحة فسادهم.
لماذا يتهرب أكثر من 86 بالمئة من "نواب الشعب" (أي 193 نائباً من أصل 325) من الكشف عن ذممهم المالية؟ لا بدّ ان ذلك يرجع الى تورطهم في أعمال مشينة وصفقات مريبة يَخشون افتضاحها بالكشف عن ذممهم المالية.
ماذا يعني أن يمتنع هذا العدد المهول من "نواب الشعب" عن إماالإفصاح عما كانوا يملكون وما يملكون الآن وعما يفعلون وما يدخل اليهم من مال؟
ليس لهذا سوى معنى واحد هو ان هؤلاء النواب لن يؤدوا مهماتهم ومسؤولياتهم القانونية بتفانٍ وإخلاص، ولن يحافظوا على استقلال العراق وسيادته، ولن يرعوا مصالح شعبه، ولن يسهروا على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، ولن يعملوا على صيانة الحريات العامة والخاصة واستقلال القضاء، ولن يلتزموا بتطبيق التشريعات بامانةٍ وحياد، كما أقسموا في يمينهم الدستورية.
أغلبية نوابنا ترفض الكشف عن ذمتها المالية، أي انها بلا ذمة ولا ضمير. ومن المنطقي الا يتوقع عاقل خيراً للبلاد والعباد من هكذا نمط من البشر، وهذا ما يفسّر استمرار العبث في حياتنا السياسية واستمرار الانحدار في مستوى حياتنا الاجتماعية والاقتصادية.
 


399
شناشيل
نصيحة الى أهل بغداد
عدنان حسين
نصيحة مجانية تماماً، لا غاية مادية أو معنوية من ورائها، الى كل بغدادية وبغدادي والى كل زوار العاصمة هذه الأيام، طفلاً أو شاباً أو كهلاً، عاملأً أو موظفاً أو فلاحاً أو اختصاصياً مثلي، بالا يصدّقوا ما قاله حتى الآن وما سيقوله منذ الآن المسؤولون الحكوميون، عسكريين ومدنيين، بشأن الإجراءات المتخذة عشية زيارة الأمام موسى الكاظم الوشيكة واثناءها.
انها نصيحة من مجرّب، وأمي المجرّبة والحكيمة كما كل الأمهات العراقيات كانت دائماً تلحّ في نصحي بأن أسأل المجرّب أكثر مما أركن الى الحكيم.
لا تصدقوا هذا السيل العارم من التصريحات لهذا الحشد الكبير من مسؤولي عمليات بغداد ومحافظة بغداد وأمانة بغداد وغيرهم بان مؤسساتهم ودوائرهم وضعت أحسن الخطط واتخذت أفضل الاجراءات لتسهيل اداء طقس الزيارة وضمان أمن الزائرين من دون التأثير على سير الحياة العامة في العاصمة والمناطق الأخرى التي سيتقاطر منها الزائرون.
في العام الماضي، وكنت قد عدت الى الوطن قبل بضعة  أشهر من المناسبة نفسها، وقعت ضحية لتصريحات مماثلة للمسؤولين أنفسهم، أو على الأرجح ضحية لبلاهتي، فقد تعلمت من الإنكليز أن أصدق كل شيء، وصدّقت بالفعل تصريحات المسؤولين في عمليات بغداد بأن كل شيء عال العال وتمام التمام، فاخترت يوماً سبق يوم الزيارة باربعة ايام لأقصد شارع الرشيد وشارع المتنبي .. كانت تجربة حافلة بمعاناة شاقة، إذ وجدت نفسي محشوراً عند نقطة تفتيش مختنقة بالسيارات حتى اذا تجاوزتها بعد نصف ساعة أو يزيد انحشرت مرة أخرى في شارع لا تستطيع فيه السيارات أن تتقدم متراً الى الأمام ولا أن ترجع متراً الى الوراء. وزاد من ذلك ان قوات عمليات بغداد أغلقت جسور الأئمة والعطيفية – الأعظمية والصرافية مرة واحدة ما اضطرني وكثيرين غيري الى المشي من ساحة عنتر الى شارع 14 رمضان مشياً على الأقدام في ظهيرة يوم كافر الحرارة. 
لن أُلدغ من الجُحر نفسه هذا العام.. لن أكون شبه انكليزي فأصدّق ما قاله خلال الأيام الماضية وما سيقوله خلال الأيام المقبلة ضباط الرتب العالية في عمليات بغداد وموظفو المناصب السامية في محافظة بغداد وأمانة بغداد.. قررت هذه المرة أن ألزم البيت ولا أخرج حتى الى "راس الدربونة"، أو أن أسافر الى خارج العاصمة التي سيظل قلبي مع بعض أهلها الذين سيعانون بسبب سوء تدبير المؤسسات المشار اليها أعلاه، وبخاصة عمليات بغداد التي من الواضح انها تلجأ دائما الى ما تعتبره أسهل الحلول. وأسهل الحلول في مناسبة كزيارة الامام موسى الكاظم وكالقمة العربية وكالتظاهرات التي حدثت في العام الماضي، هو إغلاق الطرق والجسور في مدينة محتشدة لا تتحمل أن يُغلق فيها نصف شارع أو نصف جسر.
أيها البغادة .. لا تُلدغوا من الجحر نفسه مرتين .. الزموا بيوتكم أو اهجروا العاصمة الى المدن الأخرى، وانتظروا أن يأتي الفرج في يوم ما من مسؤول عاقل يضع خطة أمنية تحقق للزائرين أمنهم وانسيابية حركتهم ولغيرهم استمرار حياتهم بوتيرتها الطبيعية... خطة لا تركن الى أسهل الحلول.




400
شناشيل
حزب الله العراقي يقول الحقيقة
عدنان حسين
لا يجب ولا يتعيّن علينا أن نزعل أو نغتاظ أو نغضب مما أعلنه زعيم حزب الله – العراق أول من أمس، فالرجل أفصح علناً وأعلن صراحة عما يؤمن به ويُخطط له بخلاف زملائه أو أخوته أو رفاقه في الحركة الاسلامية (الشيعية والسنية سواء بسواء) الذين نعرف انهم يُضمرون عكس ما يقولون ويعلنون ويؤكدون ويصرحون ويفيدون به.
أمين عام حزب الله واثق البطاط صرّح بانه يناهض النظام الديمقراطي "المطبّق"! في البلاد، مبرراً ذلك بان النظام الديمقراطي "يُعطي للصوص الحرية بأن ينهبوا ما يشاءون"،  وانه يقبل بهذا النظام مؤقتاً لحين تمكنه من اقامة نظام حكم ديني (السومرية نيوز).
قال السيد البطاط "أننا في حزب الله نؤمن بالنظام الثيوقراطي أو نظام الدين أو نظام التنصيب"، و"نملك القوة وواثقون من التغيير ومضطرون لأن نتماشى مع الواقع وأن نقبل الديمقراطية، ومن خلال الديمقراطية نمهد للحكم الثيوقراطي". 
السيد البطاط بهذا ينطق بلسان زعماء سائر الأحزاب الإسلامية (الشيعية والسنية، لا فرق)، فهم جميعا لديهم الشعور نفسه والقناعة ذاتها والهدف عينه، لكنهم لم يعودوا يجرأون على الإفصاح عن دواخلهم. هم جميعاً ينزعون الى اقامة النظام الدكتاتوري الشمولي الذي يتطلع اليه السيد البطاط وحزبه .. النظام الذي يفرض على الناس فرضاً عقيدة معينة ونهجاً سياسياً واجتماعياً وثقافياً محدداً واسلوب حياة خاصاً لا يُراعي التنوع والتعدد والاختلاف التي هي من طبيعة الإنسان ومجتمعاته.
زعماء الاحزاب الاسلامية الأخرى الذين يُمسكون الآن بزمام السلطة وعموم العملية السياسية ما انفكوا يُصدّعون رؤوسنا، في السيل اليومي من خطاباتهم وتصريحاتهم ومقابلاتهم التلفزيونية، بشعارات التعددية والمواطنة والمشاركة والحريات العامة والحقوق السياسية والمدنية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص ودولة القانون، وسواها مما يُعدّ من جوهر الديمقراطية ونظامها، بيد انهم انتهوا بنا الى نظام حكم لا يشبه أي نظام حكم ديمقراطي أو نصف ديمقراطي أو ربع ديمقراطي، بل انه شكل آخر من اشكال الدكتاتورية، والأزمة السياسية الراهنة أبرز تجلّ لهذه الدكتاتورية، فبدلاً من ان يتنافس السياسيون على خدمة الناس على أفضل وجه استناداً الى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة ومحددة، كما يحصل في الدول الديمقراطية، يتصارع سياسيونا وأحزابهم وكتلهم وائتلافاتهم بضراوة على المناصب والامتيازات ولا يقبل أي منهم حتى بفكرة أن يكون  الى حين في المعارضة التي تُعدّ ركناً أساساً للنظام الديمقراطي.
نظامنا الحالي هو بالضبط  من النوع الذي وصفه أمين عام حزب الله بقوله "من مساوئ النظام الديمقراطي أنه نظام يُعطي للصوص الحرية بأن ينهبوا ما يشاءون"، ودليلنا، وربما هو دليل السيد البطاط أيضاً، هذا الفساد المالي والإداري المُستشري في أجهزة الدولة التي تقع اغلبيتها تحت قيادة الاسلاميين وادارتهم واشرافهم.
لا تزعلوا ولا تغتاظوا ولا تغضبوا مما صرّح به أمين حزب الله .. انه يقول الحقيقة، فما من  حركة إسلامية ديمقراطية، وما من حزب ديني ديمقراطي، وكل كلام للاسلاميين عن الديمقراطية انما هو نوع من "التقية".



401
شناشيل
نخلنا يُزرع في غير مكانه   
عدنان حسين
بفضل الفورة في انتاج النفط والطفرة في أسعاره في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، اجتاحت دول الخليج العربي حمّى زراعة النخيل حتى على أرصفة الشوارع العامة .. بدا منظر صفوف النخيل فخماً بهياً يسرّ الناظرين في بلدان لم تكن تعرف من قبل غير الصحراء الجافة والبحر المالح.
بعد عقد أو عقدين من الزمان بدأت مدن الخليج المنبثقة للتو تعاني من المشكلة، فللنخلة متطلبات كثيرة منها التنظيف المتواصل لما يتساقط منها من تمر وسعف وكرب وليف، فبدأ ت هذه المدن بالتحول نحو أنواع أخرى من الاشجار دائمة الخضرة غير المثمرة، أُستقدِمت من أفريقيا والهند، وكان ذلك خياراً صحيحاً وسليماً جعل من مدن الخليج واحات خضراء وحدائق غناء.
هنا في بلادنا هذه التي كانت حصة كل فرد من سكانها، ذات يوم، أربع نخلات (30 مليون نخلة و7 ملايين نسمة) أخذنا الآن نقلّد دول الخليج في ما كانت تفعله منذ ثلاثة عقود وتراجعت عنه أخيراً. فثمة سباق بين المحافظات والمدن والبلديات على زراعة النخيل على طول طرق داخلية وأخرى خارجية، ولا أدري كيف مات غير القليل من هذا النخل! لا بد انه الإهمال الذي يضرب بأطنابه مفاصل في دولتنا ومجتمعنا تتعلق حتى بالصحة العامة والأمن.
ما تحتاج الى زراعة النخيل هي البساتين التي قضت عليها أو كادت حروب صدام العدوانية المدمرة. والحاجة هنا لا تقتصر فقط على إعادة إحياء تجارة التمور وصناعتها، وانما ايضاً لوقف هذا التصحر الزاحف الى قلب المدن والأرياف، والجالب معه عواصف الغبار التي تكاد أن تتحول الى طقس اسبوعي.
أما مدننا فحتاج الى استنساخ التجربة الخليجية في استقدام الأشجار الأفريقية والهندية دائمة الخضرة وارفة الظلال للتجميل الدائم ولكسر درجات الحرارة المشتدة عاماً بعد آخر ولصدّ عواصف التراب.
في نهاية كل سنة مالية تُعيد المحافظات الى الخزينة العامة أموالا طائلة لم تستطع انفاقها، بسبب الإهمال وقلة الخبرة وسوء التخطيط، ومن الممكن تخصيص نسبة من هذه المبالغ لتشجير المدن بالاشجار المشار اليها.
الزائر اقليم كردستان العراق يلاحظ الفرق الهائل بين ما كانت عليه الطبيعة منذ عشرين سنة وما هي عليه الآن. قبل عشرين سنة كانت الجبال جرداء تماماً، فلقد ظلت الانظمة السابقة تجيّش الجيوش لإحراق الغابات والأحراش الجبلية منعاً لاختباء البيشمه ركة فيها وانتفاع الكرد بها، وفي مطلع التسعينات خلت بعض الجبال تماماً من كل شجرة. الآن تزدهر هذه الجبال بخضرتها العائدة للتو.
هذه التجربة يمكننا استنساخها في القسم الآخر من العراق، قسمنا الذي يتصحر وتتجرف تربته.
تجميل المدن لا يكون بنشر النخيل في شوارعها، بل بالاشجار الأخرى دائمة الخضرة غير المثمرة، فبعد حين سيتعيّن على البلديات ان تستخدم جيشاً من العمال لتنظيف الشوارع مما يتساقط من النخيل الذي مكانه الطبيعي في البساتين ودور السكن.





402
شناشيل
البدو المتحكمون بنا   
عدنان حسين
بدو من الطراز الأول .. بدو بامتياز، هؤلاء هم أعيان الطبقة السياسية المتنفذة في البلاد، ومعهم بالطبع من يُحيط بهم من مساعدين ومستشارين ... لا يختلفون أبداً عن البدو الرحل المنقطعين عن الحضارة في نمط تفكيرهم الذي تعكسه تصرفاتهم وتصريحاتهم، وبخاصة في الفترة الأخيرة حيث بلغ الصراع في ما بينهم أشده.
يتشاتمون ويتعايرون ويتناشرون الغسيل القذر ويطعن بعضهم بعضاً، ولا يُظهرون أي اشارة للقبول بالنقد والنصيحة، ولا للتنازل والتراجع ولقاء الخصوم والمنافسين عند منتصف الطريق.. تماماً على طريقة البدو.
رئيس الوزراء ومساعدوه ومستشاروه يستفزهم أيما استفزاز أي كلام عن سحب الثقة، كما لو كانت الفكرة مهينة وحاطّة من الكرامة الشخصية قبل السياسية، مع ان سحب الثقة من الحكومة ورئيسها، فضلاً عن الحديث فيه والتهديد به، ممارسة ديمقراطية أصيلة وتقليد في السياسة صار عمره مئات السنين، وفي بعض الأحيان يبادر رئيس الحكومة من تلقاء نفسه بالاستقالة لحل مشكلة قائمة أو أزمة مزمنة.
وفي المقابل فان خصوم رئيس الوزراء ومنافسوه يُظهرون في فزعاتهم المضادة ما يوازي ذلك من التصرفات على الطريقة البدوية .. سحب الثقة والا فلا! كما لو ان عدم سحب الثقة سيؤدي الى تنكيس العُقل(جمع عِقال) وحلق اللحى والشوارب!
على طريقة البدو راح كل فريق يلجأ الى عشيرته والعشائر المجاورة وأبناء طائفته محفزاً فيهم أسوأ النوازع المتعارضة مع الوطنية التي لا تملّ ألسنتهم من لوكها( بعض النواب تذكّر في الايام الأخيرة الناخبين في محافظته فطاف في بعض بلداتهم وقراهم،لأول مرة منذ انتخابه عضواً في مجلس النواب، ليؤلب الناس ليس ضد الخصوم والمنافسين السياسيين وانما ضد قومية بعينها وطائفة بذاتها)، وعبرت الفزعات الحدود الى الامتدادات الطائفية في الإقليم.
الدستور الذي اعتمده العراقيون وصوّتوا له بأغلبيتهم هو، من غير شك أو لبس، لدولة ديمقراطية، أي مدنية .. أعيان الطبقة السياسية المتنفذة تحايلوا على هذا الدستور وعلى الناس أجمعين، وأقاموا لهم نظام حكم غير دستوري برّروه بـ "التوافق الوطني". وفي إطار هذا التوافق، الحزبي – الشخصي النفعي في الواقع، تصرّفوا على نحو همجي في خطابهم. ولا علاقة بين الهمجية والمدنية، مثلما لا علاقة بين المدنية وربطة العنق وحلاقة اللحى اللتين أقبل عليها اقبالاً منقطع النظير من كان الى وقت قريب - قبل أن يتربع على كرسي السلطة ويتنعم بنعيمها – في طلاق بائن وحرمة قطعية معهما.
الدولة المدنية التي وضع دستور 2005 قاعدتها لا تُبنى بهذا السلوك البدوي المتخلف الذي يُعرض على مدار الساعة على مسرحنا السياسي. بل لا تُبنى في البلاد دولة ديمقراطية، مدنية بالضرورة، بهذه الطبقة السياسية غير الديمقراطية.. غير المدنية بالضرورة، وإن لبست أأنق أربطة العنق وحلقت اللحى  بالمكائن الليزرية.
   



403
شناشيل
ما يعنيه حادثا الرصافة والكرخ
   
عدنان حسين
لدينا مشكلة طائفية. لا بدّ أن نعترف بهذا. نعترف به لأنه حقيقة واقعة لا سبيل لإنكارها أو التهوين من شأنها، واستهداف مقر الوقف الشيعي بتفجير إرهابي ثم الرد عليه باستهداف مقر الوقف السني، أحدث دليل في سلسلة أدلة طويلة، فلقد مات الالاف وأصيب عشرات الآلاف بجروح منذ 2003 حتى الآن في حوادث مضمونها طائفي أو خلفيتها طائفية.
العصبية الطائفية كانت على الدوام موجودة في مجتمعنا، لكنها انحصرت في أوساط محدودة، دينية في الغالب. أما عامة الناس فاغلبيتهم الساحقة لم يكونوا يكترثون بما اذا كان جيرانهم أو زملاؤهم في الدراسة والعمل شيعة أم سنة، ولا حتى مسيحيين أو يهوداً أو صابئة أو إيزيدية. نظام صدام حسين هو من مدّ نطاق الطائفية الى خارج تلك الأوساط المحدودة، بيد ان النظام الحالي نشرها في كل زوايا المجتمع. هذه ايضاً حقيقة واقعة يلزم أن نعترف بها، فالممسكون بالسلطة منذ 2003 أبلوا بلاء "حسناً" في شحذ السكاكين والسيوف الطائفية (الشيعية والسنية سواء بسواء).
بالاعتراف بالعلة نقطع نصف الطريق الى علاجها، وعلاج العلة الطائفية في مجتمعنا ما كان له أن يكون بالشحن الطائفي، ولا بتشكيل الأحزاب والمجاميع والميليشيات الطائفية، ولا بفصل وزارة الاوقاف الى ديوان شيعي وديوان سني، ولا بقسمة تلاميذ المدارس في درس الدين الى صف شيعي وآخر سني، ولا بتدريس المواد المثيرة والمُكرسة للنعرات الطائفية، ولا بتحويل الجامعات الى جوامع وحسينيات أو ما يشبهها.
تفجير مقر الوقف الشيعي بسيارة مفخخة وقصف مقر الوقف السني بقذائف صاروخية أول من أمس إعلان واضح بان الطبقة السياسية الحاكمة (حكومة وبرلماناً) فشلت فشلاً ذريعاً في هذا الميدان أيضاً كما في الميادين الأخرى السياسية والأمنية والاقتصادية والخدمية.  فمن الواضح ان بوسع مجاميع صغيرة أن تُشعل حريقاً اجتماعياً واسعاً وهائلاً في أي وقت وبأي عذر، وهو ما يساعد ويشجّع عليه هذا الشحن السياسي السافر المتردي الذي يتجاوز الحدود المقبولة والمعقولة بين صفوف الطبقة السياسية الحاكمة.
البيانات التي أصدرها ديوانا الوقف الشيعي والسني وشخصيات ومراجع دينية ومسؤولون في الدولة بشأن ما حدث أول من أمس في الرصافة والكرخ، عمدت الى اعطاء الانطباع بان تلك الجريمة حادث عابر يقف وراءه أشخاص هامشيون يريدون ضرب الوحدة الوطنية وتفرقة الصفوف، وبان هؤلاء الاشخاص لن يستطيعوا تحقيق مآربهم . . هذا كلام غير حقيقي. انه للتسكين والتخفيف، فالذين فجّروا مقر ديوان الوقف الشيعي طائفيون سُنّة متعصبون حرّكهم النزاع  الذي فلت من العقال بين ديواني الوقف الشيعي والسني، والذين قصفوا مقر ديوان الوقف السني بالقذائف طائفيون شيعة متعصبون أرادوا الرد على الحادث الأول. ولهؤلاء وأولئك مؤيدون ومريدون وداعمون وحواضن، وهم جميعاً جاهزون للعمل (القتل والتدمير) حين الطلب.
تريدون حلّ المشكلة الطائفية في البلاد؟ اعترفوا بها أولاً. لا تصغّروا من صورتها ولا تقللوا من شأنها . والأهم اعترفوا بأن نظامنا السياسي يكرّس هذه المشكلة ويفاقمها.








404
شناشيل
فتوى لا تفيد السياسة ولا الدين    
عدنان حسين
حتى لو كنتُ قد توافرتُ على دراسة القرآن والحديث والسُنّة وأصول الدين والمذاهب الخمسة، فليس من حقي أن أُفتي في أي مسألة دينية، لأنني ببساطة شديدة لم أدرس في مدرسة دينية ولم أتخرج على أيدي رجال دين متخصصين ومؤهلين ومجازين. وكذا الحال بالنسبة لأي متخصص في الحقول غير الدينية، حتى لو كان عالماً عظيم الشأن في الذرة أو الفضاء أو الفيزياء.
في المقابل لا يحق لعالم الدين، بصفته هذه، أن يُفتي في أمور السياسة والإقتصاد، ببساطة لأن شغله الدين وليس السياسة أو الاقتصاد .. السياسيون والاقتصايون هم أهل السياسة والاقتصاد مثلما للطب أهله هم الاطباء وللهندسة أهلها هم المهندسون.
يخرب الطب إن تولاه المهندسون وتخرب الهندسة إن تولاها الأطباء ويخرب الدين إن أفتى فيه مَن ليس متخصصاً فيه من أمثالي .. وبالضرورة تخرب السياسة إن تدخّل فيها رجال الدين. هذا كلام ليس نظرياً، فالسياسة في أوروبا، على سبيل المثال، كانت متوحشة بصورة سافرة للغاية في العصور الوسطى بسبب هيمنة رجال الكنيسة على شؤون الحكم والسياسة. ولم تنته تلك الحقبة المظلمة الا بثورات عارمة أفضت الى الفصل بين الدين والسياسة، ما أتاح لأوروبا ن تنطلق في فضاء الحرية والتقدم العلمي والتكنولوجي والثقافي والاقتصادي العاصف، وفي الأثر مشى العالم كله، لكن جزءاً من هذا العالم مابرح يكابد التخلف، هو جزؤنا نحن العربي – الاسلامي الذي لم يزل فيه رجال دين يدسّون انوفهم في السياسة فيسيئون للدين والسياسة في آن.
أول من أمس سمعنا عن فتوى من رجل دين يعيش في إيران .. نعم في إيران، يفتي بحرمة التصويت للعلمانيين في العراق! (العلمانيون هم الذين يفصلون بين الدين والسياسة وبينهم متدينون وآخرون غير متدينين).
 لست أدري إن كان رجل الدين هذا قد اطلع على الدستور المعمول به حالياً في العراق .. انه دستور علماني بامتياز، وكل الذين يحكمون العراق الآن في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية أقسموا علناً على الولاء لهذا الدستور وتعهدوا بالالتزام به وعدم خرقه والحيدة عن أحكامه، ويتساوى في هذا المتدينون (أعضاء الأحزاب الاسلامية) والعلمانيون.
إذا كان التصويت للعلمانيين حراماً في نظر الدين (كما أفتى رجل الدين من إيران) فمن باب أولى أن يُحرّم العمل بالدستور نفسه (حظي بقبول معظم الشعب العراقي)، وأن يُحرّم وجود الإسلاميين في السلطة القائمة على هذا الدستور، إستناداً الى قاعدة: ما بُنيَ على باطل فهو باطل!
تطبيق الفتوى المشار اليها سيعني إما خروج الإسلاميين بأجمعهم من السلطة أو انقلابهم على النظام القائم وتعليق العمل بالدستور وتشريع دستور جديد لا يتضمن أي مادة لا تلتزم بأحكام الدين والشريعة.
لا أظن ان الإسلاميين سيختارون الخروج من الحكم، فمن الجلي للغاية انهم يتشبثون بكرسيه باسنانهم وأظافرهم، ولا أتصور انهم سيُقدمون على حركة انقلابية، فهم يدركون انهم إن فعلوا هذا سيحفرون قبرهم بأيديهم.
الخيار السليم الا يتدخل رجال الدين، بصفتهم هذه، في السياسة، وان ينأى السياسيون بانفسهم عن الدين وشؤونه.


405
شناشيل
إستحقاق سياسي وأخلاقي على حكومة المالكي
عدنان حسين
بصرف النظر عمّا اذا كان رئيس الوزراء نوري المالكي شريراً كما يسعى خصومه لتصويره أو طيباً كما يراه أنصاره ومحازبوه، وبغضّ البصر عمّا إذا كان الحق الى جانبه في الأزمة السياسية الراهنة التي طال أمدها أو على مبعدة منه، فان سحب الثقة منه أو استقالته من تلقاء نفسه صار أمراً مُستحقاً أخلاقياً وسياسياً.
السيد المالكي عاد الى السلطة في ولايته الثانية (الحالية) في صفقة غير دستورية بُررت بان الوضع القائم في البلاد لم يزل يتطلب تنحية بعض أحكام الدستور جانباً والإبقاء على نظام التوافق والمحاصصة، حفاظاً على وحدة البلاد وعلى الوحدة الوطنية والمصالحة الوطنية كما قيل يومها. وعلى هذا الأساس شكل المالكي حكومته الحالية بصيغة "الشراكة الوطنية" التي كان قد تعهد في أخريات ولايته الأولى بعدم العودة اليها، وهو الذي نقض العهد فجلب لنفسه المشاكل ولنا أزمة طاحنة متفاقمة تحولت الى بلاء على الشعب.
هذه الأزمة ليست ابنة أسابيع أو أشهر، وسببها ليس قضية طارق الهاشمي ولا الخلاف مع مسعود بارزاني، فهي انطلقت غذاة تشكيل الحكومة تماماً، وترجع جذورها الى عدم تقيّد المالكي ببنود اتفاق أربيل الذي تشكلت حكومته بموجبه.
مع هذا لنضع اتفاق أربيل جانباً، وكذا خلاف المالكي مع إياد علاوي ثم مع بارزاني، ولننظر في ما اذا كان سحب الثقة من حكومة المالكي الحالية أو استقالتها يبقى استحقاقاً أخلاقيا وسياسياً أم لا.
قبل خمسة عشر شهراً حدث زلزال في البلاد .. زلزال سياسي، هو التظاهرات الشعبية التي عمّت معظم المدن الرئيسة، بما فيها العاصمة بغداد.. هو زلزال بدليل ان السيد المالكي اتخذ إجراءات من النوع الذي لا يُتخذ الا في حال الطوارئ القصوى، فقد فرض حظراً تاماً على التظاهرات برغم كفالتها دستوراً، وعندما شمّ رائحة تحدّي الناس لحظره فرض حظر التجوال في العاصمة لجمعتين متتاليتين وأطلق قواته المسلحة لتقمع المتظاهرين بقسوة مفرطة أدت الى موت وإصابة المئات منهم.
وبعد فوات الأوان أقرّ السيد الماكي في خطاب علني أمام البرلمان بان المتظاهرين، الذين سبق وأن وصفهم بانهم من عناصر البعث والقاعدة، كانوا مُحقين في مطالبهم وشعاراتهم وتعهد بتلبيتها. ومطالب المتظاهرين تلخصت في: تصحيح مسار العملية السياسية بالغاء نظام المحاصصة في توزيع مناصب الدولة العليا ووظائفها الدنيا، ومكافحة الفساد المالي والاداري وتوفير المليارات المنهوبة للزراعة والصناعة وتأمين الخدمات الأساسية (الكهرباء، الماء، الصحة، التعليم، الصرف الصحي، النقل العام... الخ) واطلاق عملية إعادة الاعمار، وتوفير الوظائف للخريجين العاطلين عن العمل لسنوات عدة ومكافحة الفقر وتحسين الحصة التموينية نوعاً وكماً...
والآن بعد خمسة عشر شهراً لم يتحقق أي تقدم ذي بال في أي مجال من المجالات التي طالتها مطالب المتظهرين وشعاراتهم.
في النظام الديمقراطي عندما تعجز حكومة عن تحقيق وعودها وتنفيذ برنامجها تستقيل أو يسحب البرلمان ثقته منها .. وهذا تقليد راسخ وقانون محترم في كل الدول الديمقراطية من بريطانيا الى تايلاند.
وفي النظام الديمقراطي أيضاً عندما تعجز حكومة بعد ستة أشهر، أو سنة بالكثير، عن حلّ أزمة سياسية كالتي نمرّ بها الآن أو اقتصادية، فانها تتقدم بارادة رئيسها باستقالتها إفساحاً في المجال لتشكيل حكومة جديدة يُمكن أن تكون أقدر على التعامل مع الأزمة، فتُجنب البلاد المخاطر المحتملة.
ألسنا دولة ديمقراطية؟ .. لماذا إذن لا يتصرف برلماننا وحكومتنا وفقاً لقواعد اللعبة الديمقراطية وقوانينها؟

 

406
شناشيل
أين سياسيو السلطة من أخلاق هذا الضابط الشاب؟
عدنان حسين
هذه واقعة قد لا يراها آخرون تستحق الكتابة عنها أو حتى الإشارة اليها، لكنني أجد ان من اللازم الاهتمام والتنويه بها ، فالأحداث السعيدة قليلة في حياتنا الراهنة، وهذا بفضل زملائنا ورفاقنا السابقين في المعارضة الذين تحوّلوا اليوم الى حكام لا يقلّون سوءاً عمن عارضناهم.
على مدى أكثر من سنة منذ عودتي الى البلاد لم يثر العساكر في نفسي أي شعور بالتضامن والتقدير عندما أمر بهم يومياً في نقاط التفتيش الثابتة والطيارة أو في طوابيرهم السيارة أو المرابطة في الشوارع والساحات. الانطباع الذي تكوّن لديّ انهم عدائيون، وبخاصة الضباط منهم، وهو انطباع ما كنت أرغب فيه أبداً، فمثل مئات الآلاف من أقراني من معارضي نظام صدام وسياساته العدوانية، كنت أرغب في قوات مسلحة وطنية تتبادل الحب مع شعبها، وكنت أعتقد ان بالإمكان بناء قوات مسلحة كهذه، ففي بريطانيا التي أقمت فيها منذ عشرين سنة والدول الاوربية التي زرتها كثيراً رأيت بأم العين كيف يتعامل ضباط الشرطة الكبار، مثلاً، بكل تواضع وتهذيب مع أبسط مواطنيهم حتى عندما يتظاهرون ضدهم، وكنت أمنّي النفس بعراق على شاكلة بريطانيا على هذا الصعيد وغيره، وكنت أعتقد ان هذا ليس ضرباً من الخيال الجامح أو العاطفة الوطنية المفرطة.
أمس صباحاً ، وبالتحديد في الساعة التاسعة و25 دقيقة كنت أقطع بالسيارة شارع الصالحية المتجه من تقاطع وزارة الخارجية باتجاه جسر السنك (لا أعرف اسم الشارع لعدم وجود لوح يحمل اسمه.. أسمع البعض يسميه شارع المحافظة لمروره بمبنى محافظة بغداد) .
 على غير العادة كان هناك انتشار أمني كثيف بعض الشيء. أحد الجنود أشار على السائق بالتوقف جانباً للتفتيش، فامتثل للأمر وتقدّم جندي نحونا وتبعه ضاط شاب. لم يكد الجندي يكمل القاء تحيته علينا حتى بادر الضابط بالسلام بلهجة ودودة للغاية .. سأله السائق إن كان يطلب هوية أي منا، فأجاب مبتسماً: اللي تحبوه.
أظهرت للضابط الشاب هويتي الصحفية فرفع بصره باتجاهي وقد اتسعت على وجهه ابتسامته العذبة، وبدت نظراته مفعمة بالود والاحترام.. أعاد الهوية وقال لجنديه الذي كان يتفحص دواخل السيارة من الخارج: اتركهم. ثم قال لي بأدب جم: أنتم عوننا وسندنا بما تقوم به من عمل رائع.
كان علي بالطبع أن أرد على التحية بأحسن منها أو بمثلها، فقلت: بل الفضل لكم في توفير الأمن لنا وللناس .. نتمنى لكم السلامة والنصر على الأعداء.
ليست الوطنية بالشعارات الكبيرة ولا الانسانية بهذر الكلام .. انهما بالاعمال الصغيرة والمواقف الصغيرة كموقف الضابط الشاب الذي يُحيي الأمل بان العراق الذي نريد يُمكن أن يكون، وان هذا العراك الضاري على السلطة والمال بين سياسيي الحكم واستهتارهم بمصالح الوطن والناس سيكون مآلهما مزبلة التاريخ.
تحية لضابط الصالحية الشاب، ابن شعبه.
"المدى" – 3/6/2012
 
 


407
شناشيل
عيد لا يعرفه أطفالنا بعد !
عدنان حسين
أمس كان يوم جمعة، وهو أنسب يوم لكي يستمتع الأطفال مع عوائلهم بوقت الفراغ. وأمس كان أيضاً يوم الأطفال العالمي، ومن أقصى الشرق الى آخر الغرب من كرتنا الأرضية احتفلت الدول والمنظمات المدنية بهذه المناسبة، وبثت الفضائيات ووكالات الأنباء صوراً زاهية الألوان لمشاهد احتفالية بالمناسبة مفعمة بالبهجة والحبور والأمل.
عراقنا "العظيم" وحده انفرد بان المناسبة لم تمر به ولو مرور الكرام، فلا الدولة نظمت مهرجاناً ولا منظمة شعبية دعت الى احتفال ولا عوائل اقامت في الحدائق احتفالاتها الخاصة ... هل توجد حدائق عامة في الأساس!؟
أطفال العراق الذين ربما لا يعرفون ان الأول من حزيران هو عيدهم العالمي، كانوا مشغولين أمس بأشياء أخرى تأخذهم بعيداً عن العيد وتقاليده، فما لا يقل عن 10 بالمئة منهم يعملون، حتى في الليل، للبقاء على قيد الحياة أو لإعالة أسرهم. هذا حسب الاحصاءات الرسمية التي لا يُعول عليها عادة، فالنسبة يمكن مضاعفتها من دون خوف من ارتكاب خطأ جسيم، مثلما يمكن مضاعفة عدد التلاميذ المتسربين من المدارس من 600 الف الى ما يزيد عن المليون. بل ثمة احصائية تقدر عدد هؤلاء بمليون تلميذ تركوا صفوفهم، ليلتحقوا في الغالب بجيش العمال الصغار الذين يتلقون اجوراً زهيدة للغاية.
ولمن تستهويهم لغة الارقام فان عدد اليتامى من أطفالنا يتراوح بين مليون ونصف المليون وخمسة ملايين.. الرقم الأول مصدره وزارة التربية فيما مصدر الرقم الثاني برلمانية عضو في لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب. ولا ينبغي ان ننسى الأطفال المهاجرين الذين تبحث عوائلهم عن حق اللجوء ... ولو في الواق واق! منظمة الطفولة التابعة للامم المتحدة تُحصي عدد العراقيين في دول الشرق الأوسط العربية وحدها بمليون ونصف المليون أكثر من نصفهم أطفال وشباب.
كم عدد الأطفال المرضى الراقدين في المستشفيات أو في بيوتهم يكابدون آلام الأمراض الخطيرة ؟ كم عدد الأطفال المعاقين؟ كم تُشكّل نسبتهم بين من تتراوح أعدادهم بين مليون وثلاثة مليون معاق؟ لا أحد يستطيع أن يجيب، فدولتنا تحتقر الاحصائيات وعلى رأسها الإحصاء السكاني العام، ذلك ان القائمين على هذه الدولة ليسوا مشغولين بالتنمية، وليسوا مهمومين باعادة الاعمار لكي يدرجوا الاحصائيات في قوائم الأولويات لوضع الخطط ورسم السياسات.
أولويات القائمين على السلطة في عراقنا "العظيم" تتوزع بين الصراع على كراسي هذه السلطة والتنافس على سرقة المال العام والخاص.
ولا عزاء لأطفالنا المتسربين من المدارس الى سوق العمل .. لا عزاء للاطفال اليتامى والمعاقين المتروكين لأقدارهم القاسية، وبينهم عشرات الآلاف من ضحايا وأبناء ضحايا الارهاب وحروب صدام.
لا عزاء ولا عيد لأطفالنا المشغول عنهم ساستنا وسدنة دولتنا.




408
شناشيل
الارض عوجاء أم لا نُحسن الرقص؟
عدنان حسين
ربما تحت وطأة الملل من الإنتظار الطويل، أو خوفاً من بلوغ حالة اليأس وانعدام الأمل، اتفق مسؤولان كبيران في محافظة البصرة على ان إحجام المستثمرين العالميين عن الإقبال على محافظتهم يرجع الى ما افترضاه "إعلاماً سلبياً" من قنوات تلفزيونية عربية وأجنبية و"مؤامرة" من منافسين.
نظرية المسؤولين البصراويين الإثنين، وهما رئيس مجلس المحافظة صباح البرزوني ونائب رئيس هيئة الاستثمار في المحافظة حيدر علي فاضل، تقوم على فرضية ان هناك "سماسرة" يعملون لتشويه صورة الوضع المستقر في البصرة و"هزها لدى المستثمر الأجنبي لإيصال صورة أخرى كاذبة ومبالغ فيها تعكس انفلاتاً أمنياً"، كما قال البزوني للزميلة "العالم"، بينما زاد زميله فاضل عليه بوضع القضية في إطار "حرب منافسة" على الاستثمارات في ظل الركود والتراجع الاقتصادي في العالم.
ليس فقط بـ"الاعلام السلبي" لقنوات عربية وأجنبية ولا بـ "حرب المنافسة الاستثمارية" وحدهما، وانما أيضاً يمكن التذرع بمئة حجة وحجة مستوردة من الخارج لتبرير الجمود الاستثماري والتنموي في البصرة، وهو جمود عام شامل يضرب العراق من نينوى الى البصرة والأنبار والكوت مروراً بالعاصمة بغداد، ويُستثنى منه اقليم كردستان. لكن الحقيقة المؤكدة ان العلة داخلية والاسباب محلية ، والعلاج هو الآخر محلي.
من غير الصعب على رئيس مجلس البصرة ونائب هيئتها الاستثمارية أن يدركا الاسباب الحقيقية لعدم مجيء المستثمرين الاجانب الى البصرة وسائر المحافظات. ليسأل كل واحد منهما الأسئلة التالية:
-   هل يوجد في البصرة مطار أو أكثر تتوفر فيه المواصفات العالمية كاملة؟
-   هل تؤدي الى البصرة شبكة طرق سريعة حديثة وخطوط سكة حديد تمشي عليها قطارات مكيفة وسريعة؟
-   هل تقدم منافذ الحدود القريبة من البصرة لعابريها خدمات بالمواصفات العالمية؟
-   هل توجد في البصرة شبكة مصرفية تقدم الخدمات المصرفية السائدة في البلدان التي تأتي منها الاستثمارات وترتبط بالشبكة المصرفية العالمية وتجري فيها العمليات المصرفية بسلاسة؟
-   هل توجد في شوارع البصرة وسائط النقل الحديثة؟
-   هل شوارع البصرة وساحاتها وحاراتها وضواحيها صديقة للانسان قبل البيئة؟
-   هل في البصرة شبكة كافية من فنادق الدرجة الأولى؟
-   هل توجد في البصرة مؤسسات صحية بالمواصفات العالمية؟
-   هل ينتشر في منافذ البصرة الحدودية ومطارها وفنادقها ومراكزها السياحية والترفيهية شبان وشابات تعلو الابتسامات وجوههم للترحيب بالمستثمرين الأجانب؟
-   هل المناطق الأثرية والسياحية في البصرة مؤهلة لزيارة المستثمرين الأجانب؟
-   هل تتوفر في البصرة النوادي الاجتماعية والمطاعم التي تقدم خدمات تناسب المستثمرين ورجال الاعمال؟
-   وقبل الأخير: هل يمكن للمستثمر ان يحصل على مقاولة من دون اي شكل من اشكال الفساد المالي والاداري؟
-   واخيراً: هل تسمح محافظة البصرة للمغنين بالغناء وللموسيقيين بعزف الموسيقى التي يرغب فيها المستثمرون ورجال الاعمال؟
اذا كان الجواب عن هذه الاسئلة "نعم" فان هناك فعلاً مؤامرة على البصرة وأهلها وفرص الاستثمار فيها مُدبّرة من "سماسرة" و"منافسين". اما اذا كانت الاجابة "لا" فـ "المؤامرة" محلية، وما يقوله المسؤولان البصريان ينطبق عليه المثل الشعبي القائل : "الما يعرف يرقص يقول الكاع(الارض) عوجة".


409
شناشيل
تعليق قديم على قرار جديد لرئيس الحكومة!
عدنان حسين
مع انني وصفت(أمس) ما حدث في المؤتمر الصحفي لمديرية شرطة بغداد يوم الأحد الماضي "فضيحة بجلاجل الى أن يثبت العكس"، لم يسعدني أبداً قرار رئيس الوزراء باعادة التحقيق في قضية عضو مجلس محافظة بغداد ليث مصطفى الدليمي وعدد ممن أتهموا بالارهاب، فالقرار كان مؤشراً آخر على نفوذ السلطة التنفيذية الطاغي وهامشية نفوذ السلطة القضائية.
القرار الصحيح الذي كان على رئيس الوزراء أن يتخذه، وعليه أن يتخذه الآن، هو منع القوات المسلحة (الشرطة والجيش) وأجهزة الأمن من أخذ القانون بأيديها والعمل نيابة عن القضاء، وفي هذا الإطار كان عليه أن يُصدر قراراً واضحاً بالتوقف عن "التقليد البعثي البغيض" ببث "اعترافات" المتهمين أمام وسائل الإعلام، وترك الأمر برمته الى القضاء.
منذ أربعة أشهر كتبت في هذا العمود (19 كانون الثاني الماضي) تعليقاً بعنوان: "حكومتنا والتقليد البعثي البغيض" أعيد هنا نشره لأنني أجده  أنسب تعليق على قرار رئيس الوزراء الأخير.
قلت في ذلك التعليق:
تتمسك حكومتنا الميمونة بتصرفات تعوزها الشرعية والأخلاقية. وهي تصرّ عليها بعناد عجيب وغريب برغم الاعتراضات والانتقادات من محافل سياسية وإعلامية، كما لو أن الحكومة مصابة بالطرش والعمى في آن حيال هذه الاعتراضات والانتقادات.
من هذه التصرفات الاعتقال العشوائي والتعذيب النفسي والجسدي للمعتقلين، وهما مما يحرّمه تحريماً صريحاً الدستور الذي استفتي عليه الشعب قبل ست سنوات، وكذلك عرض "اعترافات" متهمين على التلفزيون، وهو ما لم ينص عليه أي قانون نافذ فضلاً عن انه عمل غير أخلاقي.
الحكومة تؤكد دائماً على لسان كبار مسؤوليها ان القضاء في بلادنا مستقل وان استقلاليته محترمة ومضمونة من جانب السلطة التنفيذية، بيد أن هذه الحكومة تناقض نفسها بنفسها إذ تتجاوز على صلاحيات السلطة القضائية باعتقال الناس من دون تصاريح قضائية كما حصل في مرات عديدة منذ نحو سنة حتى الآن مع نشطاء التظاهرات السلمية على سبيل المثال، وبعرض "الاعترافات" من دون أي سند قانوني أو قرار من السلطة القضائية.
الاعترافات المتلفزة بالذات، كما الاعتقالات العشوائية وإساءة معاملة المعتقلين، عمل غير أخلاقي تماماً، وهو يعكس شعور الحكومة بعدم ثقة الرأي العام بسلامة إجراءاتها وباستقلال السلطة القضائية. فلو كانت الحكومة واثقة من أن الشعب على قناعة باستقلال القضاء ما احتاجت إلى عرض الاعترافات تلفزيونياً.
في البلدان الديمقراطية التي تتمتع فيها السلطة القضائية بالاستقلال الحقيقي لا الشكلي، لا تعرض السلطات الحكومية اعترافات المتهمين أو المدانين حتى لو كان الأمر يتعلق بقضايا الإرهاب والأعمال المهددة للأمن الوطني، وإنما يتولى القضاء عرض نتائج التحقيق والمقاضاة بعد الانتهاء من الإجراءات التحقيقية والقضائية التي تتضمن تمكين المتهمين من توكيل محامي دفاع عنهم، فالمبدأ الثابت والمحترم في بلاد الديمقراطية الحقيقية ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهذه الإدانة لا تقررها أجهزة السلطة التنفيذية وإنما السلطة القضائية.   
يجب أن تُدرك الحكومة أن عرض الاعترافات، عدا عن كونه عملاً غير قانوني وغير أخلاقي، لا يكرّس الثقة بها وبإجراءاتها، بل يعصف بها تماماً، فمما يثبّت هذه الثقة هو ضمان الاستقلال الكامل للسلطة القضائية وتركها تعمل وتقرر بحرية غير منقوصة.
عندما يكون الشعب واثقاً بحكومته وبسلطته القضائية، كما هي الحال في بلدان الديمقراطية الحقيقة، لا يحتاج إلى عرض الاعترافات لإقناعه بصحة وسلامة الإجراءات الحكومية والقضائية.
الاعترافات المتلفزة تقليد بغيض بدأه نظام البعث الأول بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي وواصله نظام البعث الثاني بقيادة صدام حسين. أفلا تجد حكومتنا غضاضة في السير على ذلك الدرب القذر؟ وكيف لنا أن نؤسس لنظام ديمقراطي في ظل التجاوز على القانون والأخلاق؟
إذا كانت الحكومة تحترم نفسها وتحترم من انتخبوها فلتُلزم أجهزتها ومؤسساتها بالكفّ عن كل الممارسات الخارجة على القانون والأخلاق.







410
شناشيل
فضيحة .. حتى يثبت العكس
عدنان حسين
هذه فضيحة .. فضيحة بجلاجل، كما يقول المصريون، توفّرت فيها كل مواصفات الفضيحة وأركانها ويتعيّن الآن على من تسبّب فيها وخروجها الى العلن أن يشرح ويُفسّر باسهاب ليقنعنا، والا توجّب عليه أن يعترف صراحة بالخطأ ويعتذر عنه بوضوح.
أكتب هنا عن قضية  ليث مصطفى حمود الدليمي، عضو مجلس محافظة بغداد الذي أعتقل بتهمة الانتماء الى تنظيم "القاعدة" الإرهابي والضلوع في الإرهاب عبر قيادة شبكة نفذت العديد من التفجيرات والعمليات المسلحة.
يوم وصلني خبر اعتقال الدليمي كانت تجلس الى جواري زميلة له، إحدى عضوات مجلس محافظة بغداد .. دُهشت للغاية قائلة: "معقولة؟ .. غير ممكن!". آخرون أيضاً ممن يعرفون الدليمي كان لهم وضع مماثل، بل ان أحد زملائه في المجلس أشار الى ان تنظيم القاعدة قد "نسف قبل شهور بيته".
برغم عدم تصديق زميلة الدليمي وبعض معارفه الآخرين للخبر، أو بالأحرى للتهمة الموجهة اليه، فان أحداً لا يستطيع أن ينفي تماماً إمكانية أن يكون الدليمي إرهابياً بالفعل.. كل الإرهابيين بشر، وأغلبهم لا تظهر عليه علامات الإرهاب. ولكن.. الدليمي وضع متهميه ومعتقليه في زاوية حرجة للغاية. فبينما هيأوا أنفسهم لتقديم الدليل القاطع الذي يدينه ويؤكد ضلوعه في الإرهاب ب"عظمة لسانه" كما يقال، فان الدليمي قلب الطاولة رأساً على عقب، بل على رؤوس متهميه ومعتقليه أول من أمس.
والذي حدث أول من أمس ان قيادة شرطة بغداد نظّمت مؤتمرا صحفياً دعت اليه ممثلي مختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. وكان من المفترض أن يقرّ الدليمي أمام الصحفيين إقراراً واضحاً بذنبه ويعترف بصحة الاتهامات الموجهة اليه. لكن الوقائع التي شهدتها قاعة المؤتمر الصحفي كانت مختلفة تماماً، بل معاكسة، وسجلت كاميرات الفضائيات المشهد بالصورة الملونة والصوت الواضح.
فجأة راح الدليمي يصرخ بان "اعترافاته" التي عرضها شريط مصور خلال المؤتمر الصحفي أنتزعت بالإكراه، وانه بريء من التهم الموجهة اليه، ولم يتوقف صراخه الا بعد تكميم فمه من قبل عناصر الشرطة المرافقين لمدير شرطة بغداد.
مرة أخرى ليس من المستبعد أن يكون الدليمي بالفعل أرهابياً، وليس من المستبعد أيضاً أن يكون ممثلاً بارعاً وشخصاً محنكاً نصب لشرطة بغداد كميناً في المؤتمر الصحفي رداً على كمينها الذي سقط فيه.
ولكن الآن صار لزاماً على مديرية شرطة بغداد ووزارة الداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب والحكومة مجتمعة أن تقدّم للشعب العراقي وللرأي العام الخارجي الأدلة الثابة والقاطعة على أن الدليمي والذين اعتقلوا معه هم حقاً وصدقاً إرهابيون من دون أي شك، وإن بنسبة واحد بالمليون، وتقديم هذه الأدلة يجب ان يكون علنياً عبر شاشات الفضائيات في محاكمة حيّة.
بخلاف هذا فان مشهد المؤتمر الصحفي الذي صرخ فيه الدليمي ونقلته الفضائيات الى كل انحاء العالم سيطعن في صدقية كل إجراءات الشرطة ووزارة الداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب والحكومة والقضاء في خصوص مكافحة الإرهاب وغيرها.
لا تستهينوا بما حدث أول من أمس .. انه فضيحة بجلاجل الى أن يثبت العكس.



411
شناشيل
بشار يعيد تاريخ صدام
عدنان حسين
لم تجد اثنتان من الصحف البريطانية الرئيسية، هما "ميل أون صنداي" و"إنديبندانت أون صنداي"، بدّاً من انتهاك أخلاقيات المهنة الصحفية والخروج على تقاليدها أمس بنشر صور الضحايا في مجزرة الحولة السورية، فالقانون غير المكتوب للصحافة في البلدان الديمقراطية تحضر نشر صور الموتى احتراماً لخصوصيتهم ولحرمة الموت.
الحدث صادم للغاية، وقد اجتهدت إدارتا التحرير في الصحيفتين في السعي لنقل الصدمة الى القراء. وقد نختلف نحن أهل المهنة في القبول بهذا الرأي لكنه لا نجد مناصاً من تفهمه... الدكتاتوريون لا يتورعون عن فعل ما لا يُعقل، وثمة جزء من العالم يتخذ من المواقف ما لا يُعقل أيضاً إذ يقابل بالصمت وبالتواطئ أ في أحيان كثيرة أفعال الدكتاتوريين الشنيعة، والإعلام ليس في وسعه أن يكون بقلب من حجر.   
قبل بشار الأسد كان صدام حسين أيضاً يقتل الناس بالمئات والآلاف في مجازر جماعية ثم يُقسم أغلظ الإيمان انه لم يفعلها .. حدث ذلك على جبهات حربه مع ايران وفي الخطوط الخلفية، وحدث في حلبجة والأنفال وانتفاضة آذار 1991 وفي السجون والمعتقلات التي كانت تشهد من حين الى آخر "حملات تنظيف" من المحتجزين فيها.
ما كان صدام سيرتكب مجازره بدم بارد لو لم يتواطأ العالم معه، بما فيه عربه ومسلموه، بالصمت مقابل النفط المُصدّر والسلاح المُستورد. حتى عندما صحا العالم ذات يوم على اجتياح الكويت لم يُعدم صدام المؤيدين والناصرين ما شجّعه على تنفيذ ثاني أكبر مجزرة قبور جماعية في عهده (بعد انتفاضة 1991) بعد مجزرة الأنفال الرهيبة.
كان الدكتاتور يقتل باعصاب هادئة ودم بارد لأن العالم كان يتفرج بصمت.
الكتاتوريون يشبهون بعضهم البعض، والتريخ بهم يعيد نفسه .. بشار الأسد لم يتورع من ارتكاب مجزرة الحولة مستنداً الى حال التراخي والترهل في الموقف الدولي، بما فيه الموقف العربي والاسلامي.
بدا العالم في الأشهر الأخيرة مستسلماً لإرادة الدكتاتور السوري، مثلما استسلم من قبل لإرادة صدام، ما شجّع بشار الأسد على التمادي في عدوانيته.
مجزرة الحولة مرحلة جديدة في هجوم بشار الأسد المضاد الذي يجري تحت سمع العالم وبصره من دون حراك. 
منذ أيام سجلت منظمة العفو الدولية على زعماء العالم فشلهم في الارتقاء الى مستوى الشجاعة التي أظهرها المتظاهرون المطالبون بالديمقراطية في العالم العربي، ملاحظة أن "التأييد اللفظي" لحركات الاحتجاج من قوى دولية وإقليمية لم يُترجم إلى أفعال.
وفي ما خص سوريا بالتحديد قالت المنظمة في تقريرها السنوي إن فشل القوى الدولية في اتخاذ اجراءات اكثر قوة تجاه سوريا يدل على ان مجلس الأمن "تعرقله مصالح راسخة"، واعتبرت ان "أوضح مثال لمسألة فشل مجلس الأمن في القيادة هو ما يحدث في سوريا، انها مأساة حية تتداعى أحداثها أمام أعيننا"، كما عبّر أحد المسؤولين في المنظمة.
بشار الأسد يعيد تاريخ صدام، والعالم مطالب بالا يتفرج وحسب.



412
شناشيل
أليس كذلك يا أهل الدعوة؟
عدنان حسين
 الحمد لله الذي هدى أخيراً قيادة حزب الدعوة الاسلامية وكوادره وعناصره الى الاقتناع بان التظاهر حق مشروع لكل فرد للتعبير عن رأيه وموقفه ومطالبه، وانه حق مكفول في دستورنا، وان ممارسة هذا الحق يجب أن تكون محترمة من الجميع: المجتمع والدولة (حكومة وبرلماناً وقضاءً).
حزب الدعوة الذي يقود الحكومة أظهر وحكومته ضيقاً شديداً بالتظاهر منذ أن تداعت مجموعات من الشبيبة مطلع العام الماضي الى التظاهر للمطالبة بتصحيح مسار العملية السياسية والغاء نظام المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية والعشائرية والحاق الهزيمة بالارهاب وانهاض الاقتصاد وتوفير الأمن والخدمات وفرص العمل، وهي مطالب طالما رددها رئيس الوزراء (زعيم حزب الدعوة) نفسه قبل اندلاع التظاهرات وكرر تفهمه لها وتضامنه معها، لكن عندما وجد الشباب انهم انتظروا طويلاً من دون ان يتحقق أي شئ مما وعدت به الحكومة والبرلمان اعلنوا انهم سيمارسون حقهم الدستوري في التظاهر السلمي لاسماع الحكومة والبرلمان مطالبهم هذه.
بقية الحكاية معروفة للجميع من منع التظاهر والتأليب على المتظاهرين واتهامهم كذباً ومن دون وجه حق بانهم بعثيون وارهابيون، وحظر التجوال واستخدام القوة الغاشمة ضد المتظاهرين اسبوعاً بعد اسبوع، ولما لم ينفع هذا في وقف تظاهرات ساحة التحرير أيام الجمعة بدأت مجموعات من الشقاوات (البلطجية) تهاجم المتظاهرين المتناقصة أعدادهم حتى فرغت ساحة التحرير من أي متظاهر، وما شاع بين المتظاهرين وعموم المراقبين للمشهد ان عناصر من حزب الدعوة هم الذين دأبوا على السعي لانهاء التظاهرات. وعزز من هذا ان قيادات وكوادر في حزب الدعوة نلتقيهم لا يكتمون تبرمهم من التظاهرات ومنظميها، وبعصبية يرددون :"شيريدون؟ .. الوضع ليس وضع تظاهرات"، ويسعون ايضاً لتسفيه فكرة ان التظاهر حق دستوري لا يحق لأحد أن يصادره أو يقيّده أو يحدّ من ممارسته.
     الحمد لله مرة أخرى لأنه جاء وقت يحتاج فيه كوادر حزب الدعوة وعناصره لممارسة حقهم الدستوري بالتظاهر، فأول من أمس (الجمعة) نزل دعويون الى ساحة الخلاني في بغداد وتظاهروا تأييداً للسيد المالكي واعتراضاً على دعوات سحب الثقة منه ومن حكومته ( ترددت معلومات عن قيام بعض المتظاهرين بحرق صور لرئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني. هذه بالطبع ممارسة متخلفة، بل تسم مرتكبيها بالهمجية أياً كانوا وأياً كان المستهدف حتى لو كان رئيس وزراء اسرائيل مثلاً).
لأنصار السيد المالكي ومحازبيه كل الحق في التظاهر سلمياً أينما شاءوا ووقتما شاءوا تأييداً لزعيمهم ودعماً لسياساته ومواقفه حتى ولو كانت خاطئة في نظر الآخرين. التظاهر حق سياسي يكفله النظام الديمقراطي، ولا ديمقراطية من دون حرية التعبير التي من أبرز ممارساتها التظاهر.
ولكن على الدعويين وأنصارهم وقيادتهم وحكومتهم أن تعطي الحق نفسه لغيرهم، فمن المفترض اننا في دولة ديمقراطية تؤمن المساواة وتكافئ الفرص لمواطنيها جميعاً، ومن المفترض أيضاً ان حكومة حزب الدعوة ليست خالدة في مواقعها، فـ "الدهر يومان يوم لك ويوم عليك"، وكما هم في الحكم اليوم سيكونون في المعارضة ذات يوم سيحتاجون فيه أكثر من الآن  للتمتع بالحق في التظاهر.
أليس كذلك؟

413
المنبر الحر / من بريد العم "ياهو"!
« في: 16:10 26/05/2012  »
شناشيل
من بريد العم "ياهو"!
عدنان حسين
 تكرّمت عليّ زميلة وصديقة بخبر مصور مثير للاهتمام حمله اليّ أمس العم "ياهو" ، ساعي البريد الإلكتروني الأول في العالم. والخبر بكل بساطة يتعلق بأول اجتماع للحكومة الفرنسية التي شكّلها للتو الرئيس الجديد فرانسوا هولاند الذي تبادل السلطة مع سلفه نيكولا ساركوزي بلمح البصرعلى طريقة الفرسان النجباء النبلاء الكرام.
الخبر يقول ان منشوراً بصفحتين اثنتين وُزّع على أعضاء حكومة هولاند الأولى في اجتماعهم الأول، وطُلب اليهم أن يوقعوا عليه متعهدين بتطبيقه والتقيّد ببنوده.
وممّا جاء في المنشور:
-  يُمنع على كلّ وزير إجابة أيّ دعوة شخصيّة تأتيه من الخارج سواءً من حكومات أو أشخاص.
- يجب على كلّ وزير أن يُعيد إلى الدولة كلّ هديّة يتحصّل عليها من أشخاص تفوق قيمتها 150 يورو (200 دولار أميركي).
-  يُحظر على كلّ وزير أيّ تدخّل لصالح فرد من عائلته أو أقاربه.
 ويحيط المنشور الوزراء علماً بأن الدولة الفرنسية لا تتحمّل إلا المصاريف التي يحتاج إليها الوزراء في مهماتهم الرسمية ضمن وظيفتهم ولا تتحمّل أيّ مصاريف أخرى.
 ويتطرق المنشور الى الحماية الأمنيّة للوزراء مؤكداً انها "يجب أن تكون مبرّرة ولأسباب استثنائية، أمّا في العادة فيجب أن تكون تنقّلاتهم في سيارة الوظيفة سرية ومع احترام قوانين السير على الطرقات".
 
ويختم المنشور بوصية ثمينة تشدّد على أنّ "العلاقة بين المواطن والحكومة هي علاقة ثقة، وإذا وقع تجاوز حتى ولو بصفة فرديّة فإنّ هذه الثقة ستسقط إلى الأبد، لذا ينبغي دائماً الحفاظ على هذه الثقة".
بعدما فرغت من قراءة الخبر لم أملك الا أن أردّ في الحال على الزميلة الصديقة التي كلفت العم "ياهو" بابلاغي اياه، كاتباً: "انهم يقلدوننا سيدتي .. ههههههههههههههههه، فقد سبقناهم، ولذا كان وزراؤنا ونوابنا فقراء يركبون البايسكلات في تنقلاتهم مثل فرانسوا هولاند!!!!".
كل من لديه شك في ما كتبته الى زميلتي وصديقتي أو لديه اعتراض، عليه أن يذهب الى مخزن العم "غوغل" في شبكة الانترنت، الذي يحتوي على الكثير، وليس الكل، من الشاردات والواردات في ما يتعلق بوزرائنا ونوابنا وسائر الكبار من مسؤولي دولتنا التعيسة ... يضع اسم هذا المسؤول ليكتشف حجم الابتلاء الذي نبتلي به بسببهم ، فمن النادر أن نجد وزيراً أو نائباً أو محافظاً أو مديراً أو مفتشاً من دون فضيحة بجلاجل على صعيد الفساد المالي والإداري ... وحتى الأخلاقي!
جائزة لمن يثبت العكس.


 
 


414
شناشيل
مقدمة صحيحة بنتيجة ليست كذلك!
عدنان حسين
في المقدمة التي استهل بها حديثه الى صحيفة "الصباح" في عددها الصادر أمس، أعطى الامين العام لمجلس الوزراء والقيادي في إئتلاف "دولة القانون" علي العلاق توصيفاَ صائباً للحال التي تمر بها البلاد على الصعيد السياسي، لكن تلك المقدمة الصحيحة لم تؤد الى نتائج صحيحة بخلاف ما يفترضه المنطق.
السيد العلاق افتتح حديثه بالقول ان "ما تشهده البلاد من وضع سياسي ينم عن وجود مشكلة حقيقية (..) تختزن مشاكل متراكمة منذ السنوات الماضية (..) لم تحل، وانما كانت دائما تؤجل أو تُحل بطريقة توافقية ولا تجد مجالها للتطبيق العملي على أرض الواقع عندما تصل (الى) مرحلة تنفيذ هذه الاتفاقات أو التوافقات".
واعتبر السيد العلاق ان هذه المشكلة الحقيقية تتطلب "حلاً جذرياً وليس التأجيل المستمر لها أو الحلول الترقيعية.. نحتاج الى ان تطرح جميع الامور العالقة للنقاش وبشكل شفاف وتُحلّ على أسس واقعية وحقيقية وليس بشكل شخصي...".
هذا كلام سليم تماماً، فنحن نواجه مشكلة حقيقية مركبة ومتفاقمة، وهي تستلزم حلاً جذرياً حقيقياً غير قابل للتأجيل يقوم على البحث الشفاف لكل ما يتصل بهذه المشكلة من أسباب وأبعاد وعواقب متحققة ومحتملة وتحديد للمسؤوليات وخيارات للحل. بيد ان الأمين العام لمجلس الوزراء يحدد اطاراً للحل لا يؤدي الى حل، فهو يدعو الى "تشكيل هيئة حكماء من خارج العملية السياسية أو تدخل المحكمة الاتحادية لتسوية الاشكالات الحاصلة بين الاطراف بعد التقريب بينها"، كما تنقل الصحيفة عنه، مستبعداَ سلفاً  الحل الأكثر شيوعاً في النظم الديمقراطية عندما تواجه أزمة سياسية تستعصي على الحل فترة طويلة من الزمن، وهو اقالة الحكومة او استقالتها الحكومة أو حل البرلمان وتنظيم انتخابات عامة جديدة، وهو حل يقوم على المبدأ الديمقراطي الأول المكرس في دستورنا والقائل بأن الشعب هو مصدر السلطات.
 أزمتنا السياسية الحالية التي تمتد جذورها الى سنوات عدة كان مطروحاً لها أن تُحل بطريقة واقعية وشفافة، كما يدعو السيد العلاق، عبر مؤتمر وطني كان قد بادر باقتراحه طرف ثالث وليس أحداً من طرفي، أو أطراف، الأزمة الراهنة، وهو الحزب الشيوعي العراقي. هذا المؤتمر كان سيجمع الى جانب أطراف الأزمة قوى وشخصيات وطنية ومنظمات مدنية من داخل العملية السياسية وليس من خارجها (القاعدة والبعث ومن على شاكلتهما هم وحدهم من وقف خارج العملية السياسية، ومن المفترض ان السيد العلاق لا يرغب بمشاركة هؤلاء في البحث عن حل للأزمة لأنهم ببساطة يسعون الى نسف هذه العملية برمتها)، الا ان ائتلاف دولة القانون هو الذي أطاح فكرة المؤتمر الوطني بوضع مواصفات له على مقاسات "دولة القانون"، بالإصرار على جعله اجتماعاً أو لقاء، أي جلسة ديوان تضع حلاً مؤقتاً الازمة بتفاهمات شخصية، لا يرغب فيها السيد العلاق نفسه كما أعلن صراحة في حديثه الصحفي. 
 المؤتمر الوطني الشامل الذي يبحث بشفافية الأزمة الراهنة من كل جوانبها ويضع حلاً جذرياً حقيقياً لها، هو الخيار الأنسب للحل، والا فان حل حكومة "الشراكة الوطنية"(غير القائمة)، باستقالتها أو سحب الثقة منها هو الخيار البديل للمؤتمر الوطني من أجل تشكيل حكومة جديدة تكون مهمتها الرئيسة تحضير البلاد للانتخابات التشريعية اللاحقة. والتحضير يعني تشريع القوانين اللازمة لهذه الانتخابات: تعديل قانون الانتخابات وتشريع قانون الأحزاب، وكذلك تشكيل مفوضية جديدة للانتخابات. ومن المفترض ان يُكلل هذا بالاحصاء العام للسكان. أما خيار حل البرلمان فليس مُنتجاً، فبقانون الانتخابات الحالي ومن دون قانون للأحزاب ومن دون احصاء سكاني كذلك  سيعني إجراء انتخابات مبكرة إعادة انتاج لأزمة اليوم.


 



415
شناشيل
هنيئاً لكم أهل البصرة !
عدنان حسين
أدعوكم جميعاً (عن بكرة أبيكم، والحاضر منكم يُبلغ الغائب) لأن تشاركوني  التصفيق بحرارة وحماسة من الصباح الى المساء ومن المساء الى الصباح، لمجلس  محافظة البصرة تقديراً له عن اتخاذه القرار المناسب للهدف المناسب في الوقت  المناسب والمكان المناسب.
المجلس الميمون اتخذ، كما تعلمون، قراراً بمنع الحفلات الغنائية في محافظة البصرة من أقصاها الى أقصاها وإباحة الفعاليات المسرحية والشعرية فقط، باعتبار ان الغناء عمل ماجن!
هذا القرار التاريخي يأتي في وقته تماماً، فمجلس بالتعاون مع الحكومة المركزية قد نجح في حل كل المشاكل التي يعاني منها أهل البصرة وسائر المحافظات، ولم يعدهناك بصراوي أو بصراوية يشتكي من أي مشكلة. أزمة الكهرباء انتهت، وأهل البصرة ينعمون الآن بالطاقة الكهربائية على مدار 30 ساعة في اليوم الواحد (الساعات الست الاضافية يصدّرونها الى الجارة الشقيقة القائمة على مرمى حجر من البصرة، الكويت التي يجأر أهلها المساكين منذ تسع سنوات بالشكوى من انقطاع الكهرباء لـ 14 - 16 ساعة في اليوم!).
وبحكمة ونزاهة مجلس محافظة البصرة والحكومة المركزية ومسؤوليهما الكبار والصغار، نجحت البصرة في أن تكون أول محافظة في العراق تنعدم فيها البطالة والفقر والبؤس،حتى ان شوارع المدينة خلت تماماً من الشحاذين. ولمجلس البصرة الفضل أيضاً في إدخال المدينة في موسوعة غينيس على نظافة شوارعها واحيائها السكنية وعلى عشرات ملايين الزهور التي تعطّر المدينة برمتها بما هو أزكى من العطور الباريسية.
ومجلس البصرة الميمون أحدث طفرة حضارية واسعة في مستوى التعليم والثقافة، حتى ان كل بصراوي أصبح اليوم جاحظاً(نسبة الى الجاحظ)، وعلماء البصرة الكثار مشغولون الآن بالتحضير لغزو الفضاء الخارجي واستكشاف المجرات المجاورة لمجرة درب التبانة، أما أطباؤها فيجرون عملياتهم الجراحية الدقيقة عبر الانترنت والتلفون.
وبفضل مجلس البصرة الميمون صار البصريون يشربون مياه الينابيع  العذبة التي استدل على وجودها في جبل سنام أحد عباقرة المجلس الكثار.
وبفضل مجلسهم الميمون صاحب القرار التاريخي بمنع الغناء، فإن البصريين يقتلهم الآن السأم والضجر، فلا مشكلة لديهم ولا شيء يقلقهم أو ينكد عليهم حياتهم .. حتى الغناء لم يعودوا يطيقونه فبادر مجلسهم الى إتخاذ قراره الحصيف والحكيم الذي يجيء في الوقت المناسب والمكان المناسب، تماما مثل أعضاء المجلس الذين ينطبق عليهم جميعاً وفرداً فرداً شعار "الرجل المناسب في المكان المناسب".
ولكي يعمم فضله ومعروفه فإن مجلس البصرة يعدّ العدة حالياً لإتخاذ القرار المكمل لقراره التاريخي باقامة مجالس النواح والصياح في كل حديقة من حدائق المحافظة وفي كل قاعة من قاعات مسارحها وفنادقها ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية وعند زاوايا الشوارع وفي الساحات .. للتخفيف من السعادة المفرطة والرخاء الفائض لأهل البصرة!
قولوا معي أخيراً: يسقط .. يسقط من غنّى: "أحيا واموت بالبصرة ... خلّت بنفسي حسرة"، فهو ماجن وكل من غنّى أغنيته من السابقين واللاحقين ماجن (باستثناء أعضاء مجلس محافظة البصرة المحاربين الأشداء الميامين للمجون)!


416
شناشيل
الإتجار بالبشر.. عندنا أيضاً
عدنان حسين
افتتح أمس في منتجع دوكان (السليمانية) مؤتمر دولي للبحث في الآليات والإجراءات الفاعلة لمكافحة واحدة من أخطر الظواهر الاجتماعية السلبية في العالم. إنها ظاهرة الاتجار بالبشر التي غدت استثماراً يدرّ مليارات الدولارات على العصابات التي تديره وتنظمه في طول العالم وعرضه.
 والاتجار بالبشر ليس نوعاً واحداً، فهو يضمّ قائمة طويلة من العمليات التجارية المشينة كخطف وبيع الأطفال وإرغام النساء على ممارسة الدعارة وتهريب العمال الأجانب إلى مراكز العمل في ما يشبه العبودية والسخرة. وتتراوح تقديرات أعداد ضحايا هذا البزنس القذر بين 15 مليون و25 مليون نسمة. وكما سمعنا في مؤتمر دوكان فان الأرباح الناجمة عن هذا البزنس تُقدّر بنحو 25 مليار دولار سنوياً.
المؤتمر الذي يستمر يومين وينظمه "التحالف الدولي من اجل العدالة" مع منظمات أخرى، يُشارك فيه مسؤولون وباحثون وإعلاميون عراقيون إلى جانب أكثر من عشرين من الأجانب بينهم ممثلو منظمات دولية ذات علاقة، بما فيها المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وهو من تنظيم
في عهد النظام السابق كان محرّماً الحديث في هذا الموضوع عبر الإعلام خصوصاً، فالعراق في ظل صدام حسين لم يكن يعرف أي شائبة، كما كان صدام وأعوانه يشيعون. لكن الأمر اختلف الآن، فثمة اعتراف بوجود هذه الظاهرة في مجتمعنا، وهذا ما أكده تشريع قانون لمكافحة الاتجار بالبشر منذ أسابيع. الاعتراف بالمشكلة أو الظاهرة الاجتماعية السلبية أساس لحلها ومكافحتها، فما لم تعترف بوجود مشكلة لن تستطيع أنت او غيرك البحث عن حل لها وبالتالي إيجاد هذا الحل.
الأوراق التي قدمها المشاركون الأجانب كانت حافلة بالأرقام والمعطيات عن حجم الظاهرة وعواقبها في العالم، لكن أوراق المشاركين العراقيين لم تكن كذلك. وهذا يرجع إلى عدم توفر المعطيات الكافية عن هذه الظاهرة في بلادنا، وكيف تتوفر المعطيات والكل لا يرغب في الاقتراب من هذه القضية وبحثها عن قرب؟ وكيف تتوفر المعطيات فيما لا تهتم دولتنا بقضايا الإحصاءات والاستطلاعات، بدءاً من الإحصاء السكاني المؤجل إلى حين غير معلوم وانتهاء بالإحصاءات الخاصة المتعلقة بحقل من الحقول أو قضية من القضايا.
بل إن مسؤولي دولتنا غالبا ما يسعون إلى التهوين من مديات الظواهر السلبية. وقد حاولت شخصياً الحصول عبر الانترنت على معطيات تتعلق بالموضوع الذي ينعقد من أجله مؤتمر دوكان فلم أجد إلا النزر اليسير. وبين ما وجدته تصريحات لمسؤولين حكوميين ونواب تطعن في صدقية تقارير دولية تؤكد أن الاتجار بالبشر موجود في العراق الذي تُصدّر عصابات الجريمة المنظمة فيه نساء لأجل الدعارة القسرية إلى الدول المجاورة ودول الخليج، وانه يجري استجلاب عمالة أجنبية لتشغيلها داخل البلاد في ظروف استعبادية.
دولتنا غير شفافة. هكذا كانت في عهد صدام ولما تزل تتمسك بعناد بتقاليد وقوانين ذلك العهد. ومثلما لم يحل عدم الشفافية مشكلة في العهد المباد، بل جعل المشاكل تتناسل على نحو خطير، فان مشكلة الاتجار بالبشر وعشرات المشاكل الأخرى التي يواجهها مجتمعنا لن تأخذ طريقها الى الحل... لا بد من الإقرار الواضح بأننا نواجه هذه المشاكل لنكتشف الطرق إلى حلها.


417
المنبر الحر / الخائفون من اليُتم
« في: 12:18 21/05/2012  »
شناشيل
الخائفون من اليُتم
عدنان حسين
المُقرّبون من رئيس الوزراء نوري المالكي في الحكومة ودواوينها وفي "دولة القانون" (لا فرق) متوترون هذه الأيام. وأوضح مظاهر توترهم انهم يُطلقون التصريحات من دون تفكير في دلالات ما يستخدمون من كلمات وتعبيرات. وقد يرجع هذا الى ان قضية سحب الثقة من السيد المالكي صارت متداواة كثيراً ومطروحة بجدية.
هؤلاء المُقرّبون الذين يقفون في الصف الأول من مساعدي السيد المالكي ومستشاريه ربما يرون انه اذا ما تحقق سحب الثقة من الحكومة وتعيّن بالتالي على المالكي أن يترك رئاسة الوزراء لمن يخلفه، يغدون هم مع خلفاء المالكي كالأيتام على موائد اللئام. وإذا حصل هذا، وهو أمر غير مستبعد بل شبه مؤكد، فليس عليهم أن يلوموا أحداً غير أنفسهم، ذلك انهم بعد ست سنوات من وجودهم في مناصبهم لم يعملوا على إنشاء ديوان رئاسة الحكومة العراقية كمؤسسة مستقرة تظل أبوابها مفتوحة ومكاتبها عامرة بصرف النظر عمن يكون رئيس الحكومة، وإنما ركّزوا جهودهم كلها ووجهوا مواهبهم كلها في سبيل إنشاء ديوان رئيس الوزراء (الحجي) الذي يقفل أبوابه ويصرف موظفيه بخروج صاحب الديوان. وللحق فان هذا ليس مقتصراً على ديوان المالكي .. انه سمة بارزة من سمات الإدارة في دولتنا الحالية .. الوزراء والمدراء والمحافظون وسواهم يفعلون الشئ نفسه بتعيين المحازبين والخواص والاتباع والمتملقين في المراكز والادارات المحيطة بالوزير أو المدير أو المحافظ ظناً منهم ان هذا يديم لهم البقاء في الكرسي ويحقق لهم المصالح والمغانم.
مناسبة هذا الكلام اننا بدأنا في الأيام الأخيرة نسمع نغمة جديدة في تصريحات المُقرّبين من رئيس الوزراء، فهم يركزون على القول ان سحب الثقة من المالكي سيعرّض استقرار البلاد للخطر! أي اننا بازاء معادلة مؤداها: المالكي هو الاستقرار والاستقرار هو المالكي، وبعده يكون الطوفان!
هذا منطق غريب للغاية، فسحب الثقة من الحكومة ورئيسها ممارسة روتينية للغاية في النظام الديمقراطي، والتفكير بخلاف هذا يعكس عقلية غير ديمقراطية.
ما معنى ان سحب الثقة من المالكي يُعرّض الاستقرار للخطر؟ هل هو تهديد بزعزعة الاستقرار .. أمنياً بالطبع؟ هل هو اشارة الى ان الذين كانوا يحتلون ساحة التحرير أيام الجمعة مسلحين بالتواثي (العصي الغليضة) لتخريب التظاهرات جاهزون لزعزعة الأمن والاستقرار؟
سواء كان هذا هو المقصود بالتحذير أو غيره فان الربط بين وجود أي شخص (المالكي أو غيره) واستقرار البلاد يمثل اهانة بالغة للشعب العراقي بأجمعه، فكأنما الثلاثة والثلاثون مليون نسمة ليس بينهم من فيه الخير للبلاد كما المالكي (أو غيره)، وكأنما السبعة عشر مليون عراقية لم يكن بينهن الا امرأة واحدة مناسبة لإنجاب (ابو الاستقرار)! .. هذا منطق صدامي بامتياز، فالمُقرّبون من صدام كانوا أيضاً يعملون على إشاعة فكرة ان زعيمهم هو الوحيد القادر على تحقيق الأمن والاستقرار للعراق وللمنطقة بأسرها، فيما لم يعرف العراق في تاريخه حقبة حافلة بالحروب الداخلية والخارجية المُهلكة والمُدمرة كما حصل في عهده غير الزاهر.

 

418
المنبر الحر / ما رأي الحكومة؟
« في: 12:58 19/05/2012  »
شناشيل
ما رأي الحكومة؟
عدنان حسين
بكفاءة منقطعة النظير لا مثيل لها في أيّ بلد ديمقراطي آخر (بافتراض أننا  أيضاً بلد ديمقراطي بحسب ما ينص عليه دستورنا واليمين الدستورية التي  يؤديها رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس الوزراء ونوابه ووزراؤه ورئيس مجلس  النواب ونوابه وسائر أعضاء البرلمان وكبار موظفي الدولة) حلّت الحكومة  وقواتها المسلحة واحدة من مشاكلها العويصة، هي مشكلة تظاهرات الجمعة في  ساحة التحرير ببغداد.


بمزيج من القوة الغاشمة والحيلة وجدت الحكومة وقواتها حلاً للمشكلة التي أثقلت على قلب الحكومة ورئيسها ومساعديه أكثر من أي مشكلة أخرى.. أكثر من مشكلة الكهرباء.. أكثر من مشكلة الفساد المالي والإداري.. أكثر من مشكلة عطالة الخريجين.. أكثر من مشكلة نظافة الشوارع والساحات والأحياء.. بل حتى أكثر من مشكلة الأمن الذي لم يزل مُفتقداً.
القوة تولتها القوات المسلحة التي تتبع القائد العام مباشرة، والحيلة تركزت على إرسال مجاميع من الشقاوات المسلحين بالعصي الغليظة (تواثي) الى ساحة التحرير لتخريب التظاهرات والتشويش عليها وتشويه صورتها.
هذا النجاح الاسطوري في حل مشكلة التظاهرات نأمل أن تستفيد الحكومة من خبرتها في تحقيقه لحل المشكلات والأزمات التي يكابدها مواطنو البلد، وهي كثيرة للغاية. لن نُحرج الحكومة ونطلب حلّ هذه المشكلات والأزمات دفعة واحدة.. لن نطلب حل مشكلة اتفاقية أربيل مثلاً أو مشكلة المادة 140 أو مشكلة قانون النفط والغاز أو مشكلة قانون الأحزاب أو مشكلة قانون الانتخابات أو مشكلة التعداد السكاني المُؤجل والمُرحل إلى عقد جديد من السنين، أو مشكلة الفساد أو أزمة الكهرباء أو مشكلة العطالة أو مشكلة الحصة التموينية.
نريد أن نقترح على الحكومة التفرغ لحل مشكلة ليست معقدة ولا تحتاج إلى توافقات داخل التحالف الوطني ثم مع "العراقية" والتحالف الكردستاني. إنها مشكلة مرور مواكب المسؤولين في شوارع بغداد التي تختنق كلما مرّ مسؤول كبير، وهي مشكلة كبيرة لأن عدد المسؤولين الكبار في العاصمة كبير جداً، يتجاوز الألف شخص.. هؤلاء يستخدمون الشوارع منذ الصباح حتى المساء. إنهم يزاحمون الناس على الشوارع ومداخل الأحياء السكنية ومخارجها، فالأولوية لهم دائماً، ولا يهمّ إن كان في السيارات التي يزاحمون ويعرقلون مرورها مرضى أو طلبة مدارس وجامعات وموظفون وعمال خدمات.
الأربعاء الماضي أغلقت القوات الأمنية شارعي السعدون وأبو نواس وكل الشوارع الفرعية ساعاتٍ عدة، لأن رئيس الوزراء شارك في مؤتمر المقابر الجماعية في فندق شيراتون، وأدى الإغلاق إلى زحامات خانقة في الشوارع الأخرى في الرصافة والكرخ والى تقطّع السبل بأصحاب مصالح ومعاملات ومراجعات مستعجلة.
وأمس كان جسر السنك وشارع الجمهورية مغلقين لسبب لم يُعرف للكثير ممن أرادوا المرور من هناك (رجّح البعض أن يكون للسبب صلة بصلاة الجمعة في جامع الخلاني، فربما كان هناك مسؤول كبير في الجامع يصلي، وفي العادة لا يحدث مثل هذا الأمر في أيام الجمعة)، والإغلاق أدى الى زحام خانق في المنطقة الممتدة من مبنى وزارة الخارجية إلى جسر الجمهورية.
ولِعلْم الحكومة ومسؤوليها أن عمليات الإغلاق والزحام هذه تثير الكراهية في النفوس تجاه الحكومة ومسؤوليها.
الحل المقترح أن يستخدم كبار المسؤولين في تنقلاتهم داخل العاصمة طائرات الهليكوبتر. الكلفة لن تكون أكبر فهذه المواكب الجرّارة تكلف صرفيات بنزين وأجور ومخصصات حراس ومرافقين وكلفة سيارات مدرعة وغير ذلك. والأهم إن التنقل بالهليكوبترات لا يُغلق شوارع ولا يضايق ركاب السيارات في نقاط التفتيش ولا يستفز الناس بسبب التصرفات العدوانية لطواقم المواكب الرسمية.
"المدى" -19/5/2012
http://www.almadapaper.net/news.php?action=view&id=66136

419
المنبر الحر / بديل المالكي
« في: 13:36 16/05/2012  »
شناشيل
بديل المالكي
عدنان حسين
لا أظن ان رئيس الوزراء نوري المالكي يرضى بأن تُرسم له صورة، ذهنية أو واقعية، تماثل صورة صدام حسين الذي وقّع شخصياً على القرار الخاص بتنفيذ الحكم باعدامه بوصفه دكتاتوراً طاغية قاتلاً تسلط على الشعب رغماً عن إرادته واختياره.
ولا أدري إن كان المالكي متنبهاً أو غافلاً عن الصورة الذهنية التي يُقدم بها عبر الإعلام، فهي تشبه في الكثير من تفاصيلها صورة صدام. ومن يعرض المالكي في هذه الصورة هم مساعدو المالكي وأنصاره والدائرون في فلكه حباً أو تزلفاً وتملقاً قبل خصومه ومنافسيه.
آخر هؤلاء النائب عن كتلة المالكي "ائتلاف دولة القانون" محمد الصيهود الذي أعلن أمس أن " لا بديل عن المالكي الا المالكي نفسه ولا يمكن تغييره سيما في هذا الوقت لما قدّمه من خدمات كبيرة ومتنوعة للبلاد"... قال هذا رداً على الدعوات من كتل وائتلافات مختلفة لاستبدال المالكي، واختيار شخص آخر غيره من داخل التحالف الوطني، وربما "دولة القانون" لتولي رئاسة الحكومة خلال السنتين المقبلتين، وهو كل ما تبقّى من عمر الحكومة الحالية.
"لا بديل عن المالكي الا المالكي نفسه".. هذا الكلام يشبه بالضبط ما قيل عدة مرات عن صدام حسين، فعندما أمتد كثيراً أمد الحرب مع ايران وطُرح اقتراح باستبدال صدام الذي تعهد الزعيم الايراني يومها، الخميني، بعدم وقف الحرب الا بعد اسقاط صدام، كان مساعدون لصدام ومقربون منه واصدقاء له في الخارج يقولون إنهم لا يرون بديلاً لصدام الا هو نفسه. وتكرر الأمر بعد حرب الخليج الثانية (1991)، فمساعدو صدام وموالون له لم يكونوا يرون بديلاً لصدام غير صدام، رداً على الدعوات الموجهة للخلاص من صدام تمهيداً للخلاص من الحصار والعقوبات الدولية.
في الحالين كان هناك في الواقع أكثر من بديل لصدام، حتى من البعثيين أنفسهم. ولو تخلّص البعثيون من صدام في الثمانينات أو في التسعينات لكان للعراق تاريخ آخر غير تاريخه الفاجع للغاية، المتواصل حتى الآن بصورة من الصور.
من المفترض الا يقبل المالكي بالقول ان "لا بديل للمالكي الا المالكي"، ففي هذا إهانة لكل قيادات حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه، فمعنى هذا الكلام ان "الدعوة" حزب عقيم لا يلد الا مرة واحدة زعامة له وللعراق. وفي هذا الكلام إهانة لكل قيادات "التحالف الوطني" الذي رشح المالكي لرئاسة الحكومة الحالية وكان في إمكانه أن يرشح أحداً غيره من تسعين نائباً له في البرلمان، وهو اليوم يستطيع، إن أراد، أن يغيّره خلال ساعتين فقط هما طول جلسة البرلمان التي يمكنها سحب الثقة من المالكي وحكومته.
والزعم بأن ما من بديل للمالكي غيره إهانة أيضاً لكل الحركة السياسية العراقية ... لكل الكفاءات الادارية في الدولة العراقية ... لكل الشعب العراقي، فالمعنى الوحيد لهذا الكلام ان العراق أمة لا تستحق الحياة الحرة الكريمة لأنها غير قادرة على انتاج بدلاء لحكامها.




420
المنبر الحر / كيف ينجح الجلبي ؟
« في: 17:20 15/05/2012  »
شناشيل
كيف ينجح الجلبي ؟
عدنان حسين
وسط التدفق المتواصل للأحداث السيئة في بلادنا على مدى الأشهر المنصرمة، بل خلال السنتين الأخيرتين، أطل حدث لم يوله الإعلام الاهتمام المناسب، يمكن له  إن أحسن بطله التصرف أن يفتح كوّة في هذه الظلمة المدلهمة التي تلفّ حياتنا بإصرار خانق وبقرار عنيد من زعماء الكتل والائتلافات النافذة في دولتنا الفاشلة.
السياسي ورجل الأعمال النائب أحمد الجلبي أقدم أخيراً على خطوة كانت منتظرة منه ومرغوبة قبل الآن، لكنها مع ذلك جاءت قبل ان يفوت وقتها، فهو أعلن مساء السبت عن تشكيل تجمع سياسي جديد يضم الى جانب حزبه، المؤتمر الوطني العراقي الذي لم يتطور وبدا كما لو انه داخل في كوما(غيبوبة)، أكثر من دزينة من المنظمات والتجمعات والشخصيات. وحمل التجمع اسم "اتحاد القوى السياسية والشخصيات الوطنية في العراق"، وقد أكد الجلبي انه يشتمل على "نخبة من أبناء هذا الشعب من رؤساء أحزاب وكيانات سياسية وشخصيات وطنية تضم خيرة الكوادر والكفاءات العلمية والإدارية والسياسية".
نأمل أن يكون تأكيد الجلبي في محله، فمن اللازم إيجاد كيان لهذه الكوادر والكفاءات التي لم يترك لها تحالف الفاسدين والطائفيين أي دور في الحياة العامة وفي إدارة الدولة، ومن اللازم والمتوجب أكثر أن تلتئم القوى والشخصيات الوطنية، وبخاصة الديمقراطية، في تيار متحد ومتعاون لإيجاد المعادل الموضوعي الايجابي للتكتلات والتجاذبات والتحيزات الطائفية والقومية التي يجري تعميقها ويراد ترسيخها في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية.
الجلبي شخصية ليبرالية مثقفة وذكية وذات كاريزما، ولهذا السبب يمكنها ان تكون مركز القوى والشخصيات الليبرالية، وهذه بدورها يمكن أن تكون قطباً رئيساً في الحركة الوطنية الديمقراطية التي تضم العديد من الاحزاب والحركات اليسارية وقوى الوسط وحتى الاسلامية المعتدلة.
والحركة الوطنية الديمقراطية العراقية قوة سياسية واجتماعية كبيرة لو تقاربت واتحدت وتخلصت من تشرذمها القاتل، فرقعة أنصارها والموالين لها تمتد من إقليم كردستان الى أقصى نقطة في الجنوب والشرق والغرب.
بعد تسع سنوات من اسقاط نظام صدام فشلت أحزاب الاسلام السياسي (الشيعية والسنية) التي تجاذبت النفوذ المؤثر في الدولة خلال هذه الفترة فشلا كبيراً، وهذا يشكل بيئة مناسبة لمختلف القوى الوطنية الديمقراطية لطرح خطاب المواطنة بديلاً عن الخطاب الطائفي القومي الذي فاقم من الخراب الذي خلّفه نظام صدام.
تجمع الجلبي الجديد يُمكنه أن يدفع باتجاه تشكيل كتلة وطنية كبيرة تتقدم بقوة وثقة الى الانتخابات القادمة، البلدية والنيابية، لكن الجلبي نفسه يحتاج الى أن يقود تجمعه بنجاح، وهو يستطيع أن ينجح اذا ما تأمل تجربة زميله إياد علاوي. فعلاوي  كان يمكنه أن ينجح في تجميع كل القوى والشخصيات الوطنية الديمقراطية حوله، لكنه فشل فشلا ذريعاً .. فشل لأنه لم يقد ائتلاف "العراقية" بطريقة ديمقراطية فخسر حلفاءه جماعات وافراداً الواحد بعد الآخر، وفشل لأنه جعل عينه مسلّطة على منصب رئيس الوزراء دون غيره واستعجل استعادة المنصب الذي شغله لأقل من سنة وأظهر الاحتقار لمنصبه النيابي، مع ان باب رئاسة الحكومة يقع بجوار المقعد النيابي بالضبط.
السيد الجلبي اعمل بخلاف ما فعله زميلك القديم وستنجح.




421
شناشيل
كل هذا الفساد مَن وراءه؟
عدنان حسين
يجري التحقيق في وزارة الصحة الآن في قضية فساد تبلغ قيمة السرقة فيها 100 مليون دولار كانت مخصصة لبناء ثلاث مستشفيات في رصافة بغداد ومحافظتي الديوانية وديالى. وتفيد التفاصيل بان المشروع برمته قد عُهد بتنفيذه الى شركة استرالية يديرها شخص عراقي يحمل الجنسية الاسترالية، وتبيّن الآن ان الشركة لا وجود لها البتة.
التحقيق يلاحق شركة وهمية إذن، والعراق صار مرتعاً خصيباً ومستوطنة مزدهرة للشركات الوهمية. لكن وراء هذه الشركات الوهمية أشخاص معلومون، فالعراقي الاسترالي لا بد انه معلوم لمن أرسوا عليه المقاولة الدسمة للغاية. ومن أرسوا المقاولة لابد انهم معلومون أيضاً، فلا بد انهم موظفون كبار في وزارة الصحة وفي مكاتب حكومية أخرى صاحبة سلطة عليا وكلمة نافذة، ولا بد انهم مستفيدون من المقاولة لكي يحيلوها الى شخص أفّاق.
منذ أيام أعلن المتحدث باسم مجلس القضاء الاعلى القاضي عبد الستار بيرقدار ان محكمة التحقيق المتخصصة بالنظر في قضايا النزاهة أنجزت  نحو 522 دعوى قضائية خلال شهر نيسان الماضي. هذا يعني ان المحكمة كانت تنظر في اليوم الواحد 25 قضية (20 يوم عمل ونصف اليوم في الشهر). وبالتأكيد فان ما وصل الى هذه المحكمة هو جزء يسير مما هو معروف ومُكتشف من قضايا الفساد المالي والإداري، وهذا المعروف والمكتشف هو بدوره جزء يسير من مجمل قضايا الفساد في عموم البلد.
أمس كشفت النائبة نجيبة نجيب، وهي عضو اللجنة المالية في البرلمان وعضو في اللجنة النيابية التي تحقق في ما يعتقد انها أكبر محاولة لسرقة مبلغ من الدولة (7 ترليونات دينار أو ما يعادل 5.6 مليار دولارأميركي) .
وأوضحت النائبة أن التحقيقات الأولية توصلت الى ان محاولة السرقة تمت عبر  تزوير اختام الأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة المالية ووثائق رسمية لتحويل المبلغ الى حساب شخص معين.
هذه المحاولة الكبرى ما كان سيُخطط لها ويُبدأ بتنفيذها – قبل اكتشافها – لو لم يكن هناك أشخاص معلومون من علية القوم بالذات قد تواطأوا وساعدوا وسهًلوا لاتمام العملية ، ليس لوجه الله تعالى بالطبع وانما بالتأكيد لقاء نسبة معتبرة من قيمتها. وبالفعل فان رئيس اللجنة المالية في البرلمان النائب هيثم الجبوري أعلن عن تورط "شخصيات مهمة" لم يشأ الكشف عنها حماية للتحقيقات. وأفاد بان جميع الأختام والتواقيع التي استعملها الشخص الذي حاول سرقة ذلك المبلغ، ويدعى عبد الله، كانت مزورة، وهي أختام وتواقيع لمسؤولين مهمين في وزارة المالية والأمانة العامة لمجلس الوزراء، كما قال الجبوري الذي أعرب عن ارتيابه في كيفية الوصول الى شكل بعض الأختام السرية جداً التي أكد ان "من غير الممكن تزويرها"! ذلك لأن بعض الأختام التي جرى تزويرها "على غاية كبيرة من السرية ولا يطلع على شكلها إلاّ النخبة من الموظفين الكبار"!
منذ عشرة أشهر كشف مقرر لجنة النزاهة النيابية النائب خالد العدواني عن أن حجم الفساد المالي والإداري في العراق وصل الى 229 مليار دولار أميركي، وهذا يعادل نصف الموازنات السنوية للدولة منذ العام 2003!
كل هذا الفساد وراءه وفي قلبه وصميمه حشد كبير من علية القوم، وربما كان بينهم الأكثر صراخاً عن الفساد ومكافحته.

يجري التحقيق في وزارة الصحة الآن في قضية فساد تبلغ قيمة السرقة فيها 100 مليون دولار كانت مخصصة لبناء ثلاث مستشفيات في رصافة بغداد ومحافظتي الديوانية وديالى. وتفيد التفاصيل بأن المشروع برمته قد عُهد بتنفيذه الى شركة استرالية يديرها شخص عراقي يحمل الجنسية الاسترالية، وتبيّن الآن ان الشركة لا وجود لها ألبتة.


التحقيق يلاحق شركة وهمية إذن، والعراق صار مرتعاً خصيباً ومستوطنة مزدهرة للشركات الوهمية. لكنْ وراء هذه الشركات الوهمية أشخاص معلومون، فالعراقي الاسترالي لا بد انه معلوم لمن أرسوا عليه المقاولة الدسمة للغاية. ومن أرسوا المقاولة لابد انهم معلومون أيضاً، فلا بد انهم موظفون كبار في وزارة الصحة وفي مكاتب حكومية أخرى صاحبة سلطة عليا وكلمة نافذة، ولا بد انهم مستفيدون من المقاولة لكي يحيلوها الى شخص أفّاق.
منذ أيام أعلن المتحدث باسم مجلس القضاء الاعلى القاضي عبد الستار بيرقدار ان محكمة التحقيق المتخصصة بالنظر في قضايا النزاهة أنجزت نحو 522 دعوى قضائية خلال شهر نيسان الماضي. هذا يعني ان المحكمة كانت تنظر في اليوم الواحد 25 قضية (20 يوم عمل ونصف اليوم في الشهر). وبالتأكيد فإن ما وصل الى هذه المحكمة هو جزء يسير مما هو معروف ومُكتشف من قضايا الفساد المالي والإداري، وهذا المعروف والمكتشف هو بدوره جزء يسير من مجمل قضايا الفساد في عموم البلد.
أمس كشفت النائبة نجيبة نجيب، وهي عضو اللجنة المالية في البرلمان وعضو في اللجنة النيابية التي تحقق في ما يعتقد انها أكبر محاولة لسرقة مبلغ من الدولة (7 تريليونات دينار أو ما يعادل 5.6 مليار دولار أميركي).
وأوضحت النائبة أن التحقيقات الأولية توصلت الى ان محاولة السرقة تمت عبر  تزوير اختام الأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة المالية ووثائق رسمية لتحويل المبلغ الى حساب شخص معين.
هذه المحاولة الكبرى ما كان سيُخطط لها ويُبدأ بتنفيذها – قبل اكتشافها – لو لم يكن هناك أشخاص معلومون من علية القوم بالذات قد تواطأوا وساعدوا وسهًلوا لاتمام العملية ، ليس لوجه الله تعالى بالطبع وانما بالتأكيد لقاء نسبة معتبرة من قيمتها. وبالفعل فإن رئيس اللجنة المالية في البرلمان النائب هيثم الجبوري أعلن عن تورط "شخصيات مهمة" لم يشأ الكشف عنها حماية للتحقيقات. وأفاد بأن جميع الأختام والتواقيع التي استعملها الشخص الذي حاول سرقة ذلك المبلغ، ويدعى عبد الله، كانت مزورة، وهي أختام وتواقيع لمسؤولين مهمين في وزارة المالية والأمانة العامة لمجلس الوزراء، كما قال الجبوري الذي أعرب عن ارتيابه في كيفية الوصول الى شكل بعض الأختام السرية جداً التي أكد ان "من غير الممكن تزويرها"! ذلك لأن بعض الأختام التي جرى تزويرها "على غاية كبيرة من السرية ولا يطلع على شكلها إلاّ النخبة من الموظفين الكبار"!
منذ عشرة أشهر كشف مقرر لجنة النزاهة النيابية النائب خالد العدواني عن أن حجم الفساد المالي والإداري في العراق وصل الى 229 مليار دولار أميركي، وهذا يعادل نصف الموازنات السنوية للدولة منذ العام 2003!
كل هذا الفساد وراءه وفي قلبه وصميمه حشد كبير من علية القوم، وربما كان بينهم الأكثر صراخاً عن الفساد ومكافحته.


422
شناشيل
مافيا الإعلام الأصفر الكالح
عدنان حسين
نشرت "مجموعة من أصحاب المصارف الأهلية" منذ يومين إعلاناً في بعض الصحف يحذر مما وصفته "غزو وهجمة إعلامية مسعورة تستهدف البنوك والمصارف الأهلية بشكل منظم"، متهمة "مافيا الإعلام الأصفر الكالح" بالسعي لـ"ابتزاز هذه المصارف والضغط عليها للحصول على مكاسب مادية".
ويبدو أن الهجمة الإعلامية المشار إليها في الإعلان تُحمّل المصارف الأهلية المسؤولية عن انخفاض قيمة الدينار في الأسابيع الأخيرة وتتهمها بغسيل الأموال وتهريبها، كما يشير الإعلان الذي يكشف عن "أن هذه المافيا الإعلامية تتصل بأصحاب المصارف الأهلية وتُعلمهم صراحة إنهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستمرار في الحملة وإطلاق شتى أنواع التهم والنعوت بحقهم.... أو دفع الإتاوة والرشوة لإيقاف هذه الحملة، ولا بأس لاحقاً وبعد قبض (المقسوم) من كيل المديح للمجاهدين من أصحاب هذه المصارف لجهودهم الكبيرة في دعم الاقتصاد الوطني".
لست ممن لديهم أدنى معرفة بخفايا المعاملات التي تؤدي إلى انخفاض قيمة العملات أو ارتفاعها، أو دراية بأسرار غسيل الأموال وتهريبها، لكنني أعرف أن ثمة مصارف أهلية وحكومية سواء بسواء في أنحاء مختلفة من العالم بما فيها العراق تلعب ألاعيب العملة وغسيل الأموال، وأعرف أكثر ما يعنيه "الإعلام الأصفر الكالح" ومافياته، فهذا مما نحن مبتلون به أعظم الابتلاء في عهد ما بعد صدام الذي أردناه أن يكون مختلفاً تماماً عن عهد صدام فإذا به يحفل بالكثير من سوءات نظام صدام وببلايا ورزايا إضافية من العيار نفسه ومنها هذا "الإعلام الأصفر الكالح" المدعوم مالياً وسياسياً من أحزاب ومنظمات وميليشيات ومافيات وشخصيات نافذة في الدولة، بل يُسهم بعضها في قيادة الدولة مباشرة.
هذا الإعلام الأصفر الكالح له حواضن قوية سياسياً ومالياً، وهو لا يراعي حرمة وطنية أو اجتماعية ولا يتقيّد بأخلاقيات المهنة ولا يلتزم بقواعدها وتقاليدها، ويجد ما يكفي من ممثلي "القضاء الواقف" الفاسدين لكي يدافعوا عنه ويبرروا ما يمارسه من موبقات ويهونوا مما يرتكبه من جنح وجنايات.
المجموعة من أصحاب المصارف الأهلية صاحبة الإعلان حذرت من "هذه المافيا الجديدة التي تحاول السيطرة على مقدرات البلد الإعلامية والاقتصادية"، ودعت إلى "القضاء عليها"، معتبرة أن هذا من مسؤولية "عدة جهات أبرزها نقابة الصحفيين العراقيين ووزارة المالية ورئاسة الوزراء"، وبهذا تكون المجموعة قد أخطأت في العنوان الذي وجهت إليه رسالتها.
للإعلام الأصفر الكالح في بلادنا حواضن ودعامات، كما أسلفنا، والجهات الثلاث التي عنون أصحاب المصارف الأهلية رسالتهم إليها يتراوح دورها وموقفها بين كونها مفرخة لهذا الإعلام، وحاضنة ودعامة له ولمفرخته، وساكتة عن الحق.

 

423
شناشيل
من يوقف هذا النمط من الاستهتار!
عدنان حسين
كان المشهد مُستفزاً .. مشهد الشاحنات الكبيرة الثلاثة المحملة بآلاف الصناديق المعبأة بقناني مياه الشرب البلاستيكية والتي تجاوزتها سيارتنا على الطريق من أربيل إلى بغداد. والاستفزاز ليس مرده إلى مضايقة تسببت بها الشاحنات لسيارتنا وإنما المنظر نفسه كان مثيراً للاستفزاز خوفاً على الصحة العامة للناس.
قاعدة صحية عامة في كل أنحاء العالم تُلزم بعدم تعريض الأغذية والمشروبات إلى ما يتسبب في تلفها وفسادها، وهذا يستدعي تغليف شحنات هذه المواد، وبخاصة المعبأة في أوعية بلاستيكية، لتوقّي تعرضها للشمس وعوامل الطبيعة الأخرى.
خروجاً على هذه القاعدة كانت الشاحنات الثلاثة تتهادى على الطريق من أربيل إلى بغداد بحمولتها المكشوفة تحت الشمس الساطعة بقوة .. هذا بالضبط كان مبعث الانزعاج، فالشحنة المحمولة في هذا الشاحنات ستنتهي إلى آلاف الشاربين الغافلين عن الطريقة التي وصلت بها إليهم وعن الأضرار المحتملة التي ستلحق بصحتهم بسبب طريقة الشحن هذه.
ومن طريق أربيل – بغداد إلى العاصمة نفسها لا يتغير المشهد المستفز. أمس في الطريق إلى شارع المتنبي، عند ساحة الرصافي بالتحديد المشحونة بالنفايات والمخلفات، كانت عربة يجرها شاب مفتول العضلات مُلئت بشحنة الماء المعبأ في قناني بلاستيكية. قد تكون بعضاً من شحنة الشاحنات الثلاث أو من شحنة أخرى، لكنها كانت أيضاً مكشوفة للشمس.
في الجوار(في شارع الأمين والشوارع الأخرى) كان باعة المفرق يعرضون بضاعتهم على الأرصفة.. مياه ومشروبات غازية في قناني بلاستيكية وعبوات أطعمة (تشيكولاتة وبسكت وحلويات)  تحت الشمس الساطعة وعرضة للغبار وعوادم السيارات والحشرات.. بغداد كلها على هذي الحال، فما من شارع أو ساحة أو محلة تخرج عن هذا التقليد المستهتر بصحة البشر وحياتهم.
يعمل في وزارة الصحة عشرات الآلاف من الموظفين، يتقاضون رواتب لأداء مهمتهم الأساسية، وهي ضمان صحة الناس. ويعمل في الأجهزة البلدية عشرات الآلاف من الموظفين أيضا، ومن بين مهماتهم الأساسية ضمان نظافة الشوارع والساحات ومحلات السكن لضمان الصحة العامة. ويعمل في وزارة الداخلية عشرات الآلاف من الموظفين الذين من واجباتهم ضمان تطبيق القوانين، وبينها القوانين الضامنة للصحة العامة.
الذين أرسلوا شحنة المياه المكشوفة للشمس من أربيل إلى بغداد، والذين حملوها في شاحناتهم تحت الشمس، والذين يجرّون العربات المحمّلة بقناني الماء المكشوفة للشمس، والذين يعرضون الأطعمة والمشروبات على الأرصفة تحت الشمس والغبار والحشرات، كلهم ينتهكون قوانين الصحة والسلامة العامة والبلدية، ومن واجب موظفي وزارات الصحة والداخلية والبلديات، بمن فيهم وزير الصحة ووزير الداخلية ووكلاء الوزارتين والمدراء العامُّون فيهما وكبار المسؤولين في مجالس المحافظات والبلديات (هذا يشمل بالطبع مسؤولي مثل هذه الدوائر والأجهزة في حكومة إقليم كردستان)، أن يمنعوا هذا الاستهتار الصارخ بصحة الناس، وإلا فإنهم جميعاً مقصرون في واجباتهم ولا يستحقون وظائفهم ومناصبهم ورواتبهم.




424
شناشيل
إضطهاد المُضطهَدين متواصل

عدنان حسين

لفت الكاتب فهد الناصر في "طريق الشعب" أمس الانتباه إلى جانب مهم للغاية من قضية تتعلق بالآلاف من المناضلين الوطنيين الذين تعرضوا هم وعوائلهم للعسف والاضطهاد في عهد النظام السابق بسبب انتمائهم الى القوى المعارضة للنظام أو حتى لمجرد الشك في أنهم من المعارضين أو من المتعاطفين مع القوى المعارضة.
بعد سقوط نظام صدام صدرت قوانين لإنصاف ضحايا ذلك النظام من الشهداء والسجناء والمعتقلين والمهاجرين والمهجرين. وكسائر القوانين واجهت عند التطبيق مشاكل وعقبات عدة، أهمها ان المئات من الكذّابين تقدموا بطلبات لشمولهم بتلك القوانين، وبعضهم من أعضاء حزب البعث وحتى من منتسبي أجهزة الأمن للنظام السابق، مقدمين وثائق مزورة وأخرى صحيحة هي كتب تأييد من أحزاب تولت السلطة بعد 9  نيسان 2003، ويتمتع هؤلاء الآن بالامتيازات التي حُرم منها أصحابها من المناضلين المضطهدين الحقيقيين الذين لم يستطيعوا أن يقدموا وثائق على اضطهادهم وأبت عليهم وطنيتهم ان يستعينوا بوثائق مزورة.
أرغب هنا أن أدعم ما كتب عنه الزميل الفهد بتجربة شخصية. فمنذ عشرين سنة كنت قد هاجرت من منفاي السوري الى المنفى البريطاني حيث ساعدني "المنتدى العراقي" في طلب اللجوء السياسي والحصول عليه.
المحامية الانجليزية الشابة التي كلفها المنتدى بمتابعة طلبي نظّمت لي جلستَي استماع لتدوين إفادتي التي تدعم طلب اللجوء السياسي. وبين عشرات الأسئلة الدقيقة التي وجهتها لي كان التالي: كل ما شرحته لي ممتاز وتستحق عنه اللجوء السياسي، ولكن هل لديك وثيقة رسمية تدعم أقوالك هذه (المتعلقة بظروف الاضطهاد والملاحقة داخل العراق قبل الخروج سراً باتجاه سوريا ثم لبنان)؟، فأجبتها: سيدتي، لو كان نظام صدام يُعطي على نفسه وثائق كهذه ما كنت قد هاجرت سراً.
تفهّمت المحامية وضعي ومنطقي، لكنني قلت لها أن لديّ مقالات صحفية منشورة مناهضة لصدام ونظامه وسياساته، فهتفت: عظيم .. هاتها.
كلّفت المحامية الشابة مترجماً محلفاً بترجمة اثنين من المقالات وضمتهما الى الملف بوصفهما وثيقتي تأكيد على معارضتي لنظام صدام. وبالفعل فإن السلطات البريطانية منحتني وعائلتي حق اللجوء السياسي على أساس المقالين فقط.
في المقابل عندما عدت إلى الوطن منذ أكثر من سنة كان عليّ أن أتقدم ليس فقط بوثائق اللجوء السياسي الصادرة عن السلطات البريطانية وجواز السفر البريطاني ووثائقي العراقية الأربع (بطاقات الدخول الى الجنة كما يصفها بعض أصدقائي الظرفاء)، وانما توجب أيضاً ان أثبت بشهادة ثلاثة شهود من سكان المحلة البغدادية التي عشت فيها قبل هربي من البلاد منذ أكثر من ثلاثين سنة انني قد فررت لأسباب سياسية، على ان لا يقل عمر هؤلاء الشهود عن 18 سنة وقت فراري.
في فرع وزارة الهجرة (الكرخ) سألت الموظفة التي وصلتُ اليها بشق الأنفس وبعد مراجعات استغرقت أسابيع تحتّم عليّ خلالها أن أحضر قبل السابعة صباحاً لأضمن الحصول على رقم يمكنني من تقديم أوراق معاملتي قبل نهاية الدوام الرسمي(بصراحة: بعد أشهر من المعاناة اضطررت للاستعانة بوسطاء لتسريع أمر إرسال معاملتي من الفرع الى الوزارة ثم الى لجنة التحقق في مجلس الوزراء)... سألت الموظفة الشابة إن كانت دائرتها تقبل بأن أقدم لهم ملفاً كاملاً من مقالات صحفية كتبتها ضد النظام السابق ونُشرت في صحف ومجلات عربية وعراقية معارضة وكل واحد منها كان سيؤدي الى قطع رقبتي لو كنت عائشاً في بغداد، فأجابت مع إمارات واضحة من الاستغراب على وجهها: "لا .. هذي مو وثائق رسمية".
البريطانيون منحوني حق اللجوء السياسي استناداً الى اثنين من مقالاتي المعارضة لنظام صدام، فيما سلطات بلادي التي تولاها معارضون من أمثالي لا تعترف حتى بالمئات من هذه المقالات! وهذه السلطات لا بد انها تُخطئ في حق الكثير من ضحايا الاضطهاد السياسي، في الأقل لأسباب بيروقراطية.





425
شناشيل
إجتماع كركوك .. ما المعنى؟
عدنان حسين
للمرة الثانية تعقد الحكومة اجتماعاً لها في خارج العاصمة بغداد. فبعد البصرة التأم اجتماع مجلس الوزراء أمس في مدينة كركوك. وكان هذا العمل سيُعدّ مبادرة جيدة تستحق التصفيق والهتاف لولا ولولا..
وأوَّل (لولا) أن الاجتماع الذي عقدته الحكومة في مدينة البصرة منذ ثلاثة أشهر لم يثمر شيئاً يُذكر لثغر العراق الذي كان باسماً وأحزنه وأدماه صدام حسين ولم يستطع خلفاء صدام بعد تسع سنوات من تربعهم على عرش السلطة ومن تبجحهم بأنهم جاءوا لنصرة شيعة العراق واستعادة حقوقهم وإنهاء مظلوميتهم، أن يُعيدوا إلى هذا الثغر بعضاً من ابتسامته المغيّبة، فالبصرة، كما العراق كله، على حالها من الإهمال والتخلف، وقد بُحّت أصوات أهلها وهم يطالبون ببعض من حصتهم في نفط محافظتهم.
و(لولا) الثانية إن الحكومة ورئيسها لم يحملا إلى كركوك أي بشارة أو وعد بحل المشكلة المتفاقمة لهذه المحافظة والمناطق الأخرى التي يُشار إليها بوصفها "متنازعاً عليها"، فرئيس الوزراء في كلمته في الاجتماع ألقى بالكرة نحو أهالي كركوك قائلاً: "إن حل مشكلة كركوك لا يتحقق بالقوة والإملاءات وإنما بإرادة أهلها وجماهيرها"، متغافلاً تماماً عن واجب الدولة، وبالذات الحكومة، في تنفيذ أحكام الدستور، وبخاصة المادة 140 التي تمتنع حكومة المالكي في عهدي ولايتيها الأولى والحالية عن تطبيقها، بل عن توفير مستلزمات التطبيق، من تطبيع الأوضاع إلى إجراء الإحصاء السكاني وتالياً استفتاء أهالي كركوك في مصيرهم لكي تتحقق إرادة أهالي وجماهير كركوك التي أشار إليها رئيس الوزراء في كلمته.
على هذا، فإن عقد اجتماع الحكومة في كركوك لا يتعدى في أحسن الأحوال كونه حركة استعراضية على غرار حركة الاجتماع في البصرة. بل انه بالإضافة إلى هذا ينطوي على إشارة لا تخلو من الاستفزاز في الظرف الحالي الذي تتوتر فيه على نحو غير مسبوق العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على خلفية عدم التزام رئاسة الحكومة باتفاقية أربيل (2010) التي على أساسها تشكلت الحكومة الحالية.
رئيس الوزراء اختصر في كلمته مشكلة كركوك في قضية التقصير في تقديم الخدمات العامة وانجاز متطلبات الإعمار، فهو قال "هناك الكثير من الجوانب الخدمية في المحافظة بحاجة إلى الاهتمام على اعتبار أنها تمثل  إحدى المرافق الحيوية في البلاد"، وأضاف أن "هناك ملفات كثيرة ينبغي الوقوف عندها لمنح صلاحيات استثنائية في البناء والاعمار لجميع المحافظات".
لا مشكلة كركوك ولا كل المشاكل العويصة التي تواجهها سائر المحافظات تُحلّ بإجراء استعراضي كعقد اجتماع الحكومة في هذه المحافظات، فالحاجة ماسة إلى إصلاح العملية السياسية وتعديل مسارها المنحرف وتشريع القوانين اللازمة لذلك وتنفيذ القوانين والأحكام المكرسة لذلك، وقبل هذا وذاك توفر الإرادة الحقيقية لحل مشاكل البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتحلي بالروح الديمقراطية اللازمة لهذا كله. وهذا برمته هو من مسؤولية الحكومة في المقام الأول وليس من مسؤولية أهالي كركوك أو البصرة أو الموصل أو الأنبار وسواها.


426
شناشيل
شناشيل: هل مهلة الـ 15 يوماً تعجيزية؟
عدنان حسين
للتنصل من أيِّ التزام لإيجاد حل سريع للأزمة السياسية المعطلة كل شيء والمثيرة للشقاق، أعتبر أحد المسؤولين في ائتلاف دولة القانون أن مهلة الخمسة عشر يوماً التي حددها التيار الصدري للرد على الرسالة التي وجهها اجتماع أربيل إلى التحالف الوطني بشأن تنفيذ اتفاق أربيل، "تعجيزية".
المسؤول هو النائب عباس البياتي الذي قال إن "تحديد مدة 15 يوماً يعد شرطاً تعجيزياً يزيد من تعقيد الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد ولا يسهم في حلحلتها" (السومرية نيوز). وكالعادة لم يحدد النائب البياتي لماذا هذا الشرط "تعجيزي" وكيف انه "يزيد من تعقيد الأزمة الحالية".
والسؤال المنطقي: إذا كانت مهلة الخمسة عشر يوماً غير كافية للرد على الرسالة، فما طول المهلة التي يتطلبها تنفيذ اتفاق أربيل نفسه؟
 لقد مرّ حتى الآن ما يزيد عن سنة ونصف السنة على التوقيع على اتفاق أربيل الذي تشكلت وفقاً له الحكومة الحالية التي تعهد رئيسها بتنفيذ الاتفاق في الحال، والأزمة القائمة الآن التي يخشى النائب البياتي أن تزيد مهلة الخمسة عشر يوماً من تعقيدها ولا تُسهم في حلحلتها، إنما نجمت عن عدم التزام رئيس الحكومة بما تعهد به وفقاً لاتفاق أربيل، بمعنى أن رئيس الحكومة أخذ مهلة طويلة للغاية لتنفيذ الاتفاق، ومن المفترض ألاّ تكون هناك أي مهلة جديدة للتنفيذ، فإذا ما جدّ رئيس الحكومة في تنفيذ ما تعهد به فلا تكون هناك أزمة في الأساس.
 الرسالة التي أرسلت إلى التحالف الوطني وعبره إلى رئيس الحكومة تضمنت، بحسب ما أعلن أحد المسؤولين في التيار الصدري، "التركيز على أهمية الاجتماع الوطني وضرورة الالتزام بمقرراته التي يخرج بها"، و"الالتزام بالدستور الذي يحدد شكل الدولة وعلاقة السلطات الثلاث واستقلالية القضاء"، وكذلك الإسراع في تسمية الوزراء الأمنيين.
ليس بين هذه المطالب ما هو تعجيزي، فالاجتماع أو المؤتمر الوطني توافقت عليه الكتل المختلفة، والالتزام بالدستور من الواجبات الأساسية للحكومة مثلما هو من واجبات البرلمان والسلطة القضائية، وتسمية الوزراء الأمنيين كان ينبغي أن تتم مع تشكيل الحكومة قبل سنة ونصف السنة، بل كان لا بد من تسمية هؤلاء الوزراء قبل غيرهم للأهمية الفائقة لوزاراتهم في الظروف الحالية للبلاد.
جملة القول إن الكرة موجودة في ملعب الحكومة منذ زمن ليس بالقصير، ومن المفترض أن الحكومة ليست في حاجة إلى أي مهلة لتنفيذ ما هو من صلب واجباتها، لو كانت ساعية إلى حل الأزمة الحالية.



427
شناشيل
"ايرانيون" أكثر من الإيرانيين!

عدنان حسين

أعلن مسؤول ايراني كبير ان بلاده والعراق  اتفقتا على ان يقوم الجانب الإيراني بإنشاء 200 الف وحدة سكنية وأكثر من ثلاثة آلاف مدرسة في العراق. فهل يُثلج صدورنا هذا الاعلان الذي قد يُفرح بعض المحرومين من السكن ومن حق التعليم ويسيل له لعاب الكثير من المقاولين؟
الخبر كشف عنه النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي الذي أفاد بأن مباحثاته مع رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي في طهران الاسبوع الماضي تضمنت إعطاء الجانب الإيراني الموافقة على إنشاء هذا العدد من الوحدات السكنية  والمدارس. واضاف أن الوزير الايراني للنقل وإعمار المدن علي نيكزاد سيزور العراق لعقد الاتفاقيات في هذا الشأن.
هذه المشاريع إن تحققت لن تكون من دون مقابل، فهي ليست عربون محبة وحسن نية يمهّد لتحقيق اقتراح رحيمي وسواه من المسؤوولين الايرانيين باقامة وحدة بين ايران والعراق. هذه المشاريع ستكون مدفوعة الأجر بالكامل لحد الفلس، ودور الجانب الإيراني فيها هو دور المقاول الذي يعمل ويقبض الثمن، وقد يقبض ثمنه سلفاً.
مع ذلك بالوسع القول ان هذه المشاريع لا تلزمنا برغم حاجتنا الماسة للمساكن والمدارس. وهي لا تلزمنا من منطلق السلامة... سلامة من سيسكنون في الوحدات السكنية، وسلامة التلاميذ والطلبة الذين سيتعلمون ويدرسون في المدارس، فتجاربنا مع ايران غير مشجعة، بل مخيبة للآمال ومثيرة للقلق والخوف.
ايران بنت في السنوات الماضية مئات المدارس التي تركتها غير مكتملة، وهي قائمة الآن هياكل من الحديد، وتردد ان العمل توقف فيها لأن مواصفاتها غير صحيحة وان هذه المدارس لن تكون صالحة للتعليم بسبب عدم أمانها.
ولنا تجربة أخرى ، هي مميتة في الواقع، فالسيارات الأيرانية التي اندفع تجار لتوريدها الينا وأغرق بها شوارعنا، هي من أسوأ انواع السيارات في العالم .. غير آمنة، وتعرّض العديد منها الى حوادث قاتلة بسبب عدم متانتها. والحق انه لا ينافسها في هذا الا بعض السيارات الصينية التي لا تتوفر فيها هي الاخرى مواصفات المتانة والأمان.
وتجربة أخرى مع ايران تتمثل في السلع الغذائية غير الجيدة وبعضها منتهي الصلاحية فضلاً،  عن الكثير من السلع الكمالية متدنية الكفاءة.
نعم لا تلزمنا وحدات سكنية ومدارس لا تتوافق مع المقاييس والمعايير الدولية للبناء. والمشاريع الايرانية المعلن عنها قد لا تختلف في مواصفاتها عن السلع الايرانية الغازية اسواقنا. وحتى لو وضعنا شروطاً دقيقة لتنفيذ الوحدات السكنية والمدارس وتعهد الجانب الايراني بالالتزام بها يظل القلق قائماً، فالذين يُمكن أن يُعهد اليهم بمراقبة تنفيذ الشروط قد يكونون من نوع "ايراني أكثر من الايرانيين". 




428
شناشيل
وماذا بعد العيساوي؟
عدنان حسين

قبل أربعة أشهر تابعنا استجواباً، حاز على اهتمام واسع، لأمين بغداد أمام مجلس النواب لم تثبت فيه بالدليل القاطع تُهم الفساد المالي والإداري التي وُجهت إلى السيد صابر العيساوي، ولهذا لم يستطع صاحب الاستجواب النائب شيروان الوائلي أن يُقنع البرلمان بحجب الثقة عن العيساوي، وهو الهدف الذي سعى إلى تحقيقه صاحب الاستجواب.
أبرز علامة لعدم نجاح الاستجواب إن البرلمان بكل السلطة الكبيرة والقوية التي يتوافر عليها لم يُفلح في إقامة الدليل على فساد العيساوي ولم يحجب الثقة عنه بعد انتهاء الاستجواب والمدة المقررة في النظام الداخلي (سبعة أيام).
 من المقرر أن يصوت مجلس النواب في جلسته اليوم على ما إذا يتعين إعفاء أمين بغداد من منصبه أو إبقاؤه فيه، بحسب ما أعلن أحد النواب.
لماذا تُطرح قضية بقاء أو عدم بقاء العيساوي في منصب أمين بغداد بعد كل هذا الوقت؟
العضو في لجنة الخدمات البرلمانية إحسان العوادي (محافظة بابل) قال أمس إن لجنته "مقتنعة بضرورة تغيير أمين بغداد، واختيار بديل كفوء يمتلك قدرةً على إعادة بريق العاصمة بغداد إلى عهده، حتى وإن كان مستقلاً ولم ينتمِ إلى تكتل سياسي"، وأضاف أن العيساوي "لم ينجح في مكافحة الفساد ومحاربة المحسوبية ولم يقم بتنفيذ مشاريع مهمة للعاصمة بغداد" (آكانيوز).
هذا سبب آخر لعزم لجنة الخدمات على طلب تصويت البرلمان على إقالة العيساوي، وهو يختلف عن الأسباب التي استند إليها النائب الوائلي في استجوابه.
إذا كان عدم امتلاك القدرة على إعادة بريق العاصمة إلى سابق عهده سبباً كافياً لإقالة العيساوي من منصبه فان كل رؤساء البلديات في المدن العراقية الأخرى (عدا مدن إقليم كردستان) لم ينجحوا في استعادة بريق مدنهم، ونصف الوزراء في الأقل فشلوا فشلا ذريعاً في استعادة البريق الغابر لوزاراتهم، وكذا حال الكثير من رؤساء المؤسسات والدوائر الحكومية. بل أن رئيس الحكومة نفسه لم ينجح هو الآخر لا في إعادة البريق إلى الدولة العراقية ولا في تحقيق وعوده الانتخابية والحكومية وآخرها وعوده غداة انطلاق التظاهرات الشعبية في 25 شباط 2011 بتلبية مطالب المتظاهرين التي أقرّ علناً بأنها مشروعة ومُحقة.
أما عدم النجاح في مكافحة الفساد ومحاربة المحسوبية وفي تنفيذ مشاريع مهمة، بحسب ما جاء في كلام النائب العوادي في حق العيساوي، فان هذا يسري على كبار مسؤولي الدولة قاطبة تقريباً، من رئيس الوزراء الى الوزراء وسواهم. الفساد يعصف بأرجاء دولتنا طولاً وعرضاً كما التسونامي في عرض البحار، لكن حتى الآن لم تُطح أي رأس كبيرة فاسدة، مع ان أكبر الفساد هو لدى أكبر الرؤوس في هذه الدولة. وليدلني أحد على مشروع مهم تنبهر به الأبصار أو تُفغر له الأفواه أنجزته وزارة الزراعة أو وزارة الصناعة أو وزارة الصحة أو وزارة الإسكان أو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أو وزارة التربية أو وزارة التعليم العالي وسواها خلال السنوات الست الماضية.
إذا كان أمين بغداد فشل في مهمته، فان كل مسؤولي دولتنا فاشلون مثله وأكثر منه، وأولهم كبار المسؤولين، والدليل إن لدينا دولة فاشلة بامتياز بالرغم من مواردها المالية الهائلة. ويقف على رأس هذا الفشل مجلس النواب المتواكل والمتهاون إلى أبعد الحدود في أداء واجباته التشريعية والرقابية.
إذا حدث وأقال البرلمان اليوم أمين بغداد من منصبه، فان السؤال الملح المطروح على هذه المؤسسة: وماذا عن الآخرين؟ هل تطيحون بهم أم تسكتون عنهم لاعتبارات طائفية وحزبية وعشائرية ومناطقية وشخصية؟


429
شناشيل
لماذا لا تُحب دولتنا مفكّريها؟
عدنان حسين
منذ سنوات عدة تدعوني مجموعة بحثية بريطانية للمشاركة في ندوات ومؤتمرات وورشات عمل تنظمها لاستطلاع آراء الباحثين والإعلاميين بشأن تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وسياسة أوروبا، وبخاصة بريطانيا، تجاهها. بكل جدية واهتمام يستمعون لأي رأي وملاحظة، ولا يخفيك المسؤولون عن هذه المجموعة ان خلاصات عما يقال تُرفع الى الحكومة البريطانية وسائر حكومات الاتحاد الأوربي، فضلاً عن اتاحتها للباحثين.
معظم هذه الندوات والمؤتمرات وورش العمل يُخطط له سنوياً، وبعضها يُدرج آنياً على جدول الأعمال، بحسب تطورات الأحداث، فالمطلوب دائماً مواكبة ما يجري في هذه المنطقة المهمة للغرب والحافلة بالأحداث، والسعي لمعرفة اتجاهاتها وعواقبها المحتملة، كيما يكون في وسع صناع القرار المعنيين اتخاذ القرارات الصحيحة عندما يتطلب الأمر ذلك.
الحكومات وسائر مؤسسات الدولة في البلدان المتقدمة تهتم كثيراً بان تكون على معرفة جيدة بما يجري حولها داخل البلد وخارجه ليكون في مقدورها التصرف على نحو حسن وبما يحقق المصلحة العامة، فحتى لو كان في هذه الحكومات ومؤسسات الدولة وعلى رأسها أكثر الناس علماً وكفاءة وخبرة تظل الحاجة قائمة الى آراء وملاحظات المزيد من أهل العلم والكفاءة والخبرة.
نحن في هذا البلد لدينا حاجة ماسة الى الندوات والمؤتمرات وورش العمل التي ينتظم فيها الباحثون والعلماء في المجالات المختلفة والاعلاميون لدراسة مشاكلنا ومعضلاتنا السياسية والإجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لا عدّ لها ولا حصر، بل هي في تكاثر جنوني. ويضاعف من هذه الحاجة ان غالبية من يتولون إدارة دولتنا تنقصهم الدراية والخبرة والأهلية المفروض توافرها في رجل الدولة. رجال دولتنا  لم يدخلوا الى الدولة ومؤسساتها من الأبواب وانما من الشبابيك.. شبابيك المحاصصة الطائفية والحزبية والعشائرية والمناطقية. ولهذا فان هذه الدولة في أسوأ حال يمكن ان تكون عليها دولة.
من المفروض أن يكون هناك الكثير من المؤتمرات والندوات والورش التي يبحث فيها الخبراء مشاكلنا ومعضلاتنا بالتفصيل وبحرية، وان تقدم الجهات التي تنظم هذه الندوات والمؤتمرات والورش خلاصات بها الى إدارات الدولة ومسؤوليها للإفادة منها في اتخاذ القرارات ورسم الخطط ومشاريع العمل.
الملاحظ ان كبار المسؤولين في دولتنا يوجهون كل اهتمامهم تقريباً نحو مؤتمرات العلاقات العامة ومهرجانات الدعاية وندوات التسويق السياسي والحزبي كالمؤتمرات مع العشائر والدعاة .. الخ. هذه السياسة لا تبني دولة، ففي هذه المؤتمرات لا نسمع غير كلمات التمجيد والتعظيم والتفخيم والشعارات والهتافات الصاخبة، فيما الحاجة قائمة للبحث الهادئ المعمق في الأحوال المزرية للزراعة والصناعة والري، وفي الواقع المتردي للخدمات العامة، وفي الظواهر السلبية المتفشية في كل ميدان وقطاع كالفساد المالي والاداري والبطالة والفقر وسواها.
لدى المئات من علماء الاجتماع والنفس والاقتصاد والباحثين والأكاديميين المبعثرين داخل بلادنا وفي المنافي طاقة خلّاقة هائلة من الأفكار التي بوسعها رسم الطريق الى دولة متعافية. فمن يأخذ بأيدي مسؤولي دولتنا العليلة الى منقذيها من خرابها الشامل؟



430
المنبر الحر / أنموجنا المصري
« في: 11:32 17/04/2012  »
شناشيل
أنموجنا المصري

عدنان حسين

قدّم المصريون لنا مثالاً جديراً بالاحتذاء لحلّ واحدة من أكبر مشاكلنا في العراق، هي أم المشاكل لأنها تتعلق بأم القوانين، الدستور. ومن المفترض أن يبادر الأعضاء الوطنيون في برلماننا إلى تقديم اقتراح بتمثل الأنموذج المصري بشأن مشكلتنا التي صار عمرها ست سنوات ومن الممكن أن تبقى ست سنوات أخرى أو أكثر.


المصريون قرروا إناطة مهمة كتابة دستورهم الجديد بلجنة من خارج البرلمان، فقد قضت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة المصري ببطلان الجمعية التأسيسية للدستور التي قرر البرلمان المصري تشكيلها من 100 شخصية نصفهم من البرلمان والنصف الآخر من خارجه، وذلك استناداً إلى أن الإعلان الدستوري الصادر بعد إطاحة نظام حسني مبارك لم ينص على تضمين الجمعية التأسيسية أعضاء في البرلمان.
هنا في العراق وفي ظرف سياسي وأمني عاصف، ارتكب السياسيون خطأ قاتلاً بأن عهدوا إلى أنفسهم بمهمة صياغة الدستور لنظام أُريد أن يكون ديمقراطياً.. السياسيون الذين تولّوا المهمة لم يكونوا في الغالب من الديمقراطيين ولا حتى من المؤمنين بالديمقراطية ونظامها السياسي. كما انهم لم يكونوا من أصحاب الاختصاص والخبرة في مجال التشريع، بل ان أغلبيتهم كانت من الحزبيين الطائفيين، فأنتجوا لنا دستوراً على صورتهم. ولأنهم لم يتمكنوا من التوافق على مواد الدستور ثبّتوا مادة تلزم بتعديل الدستور في غضون أشهر بعد إجراء أول انتخابات برلمانية على أساسه. وقد مرت الآن خمس سنوات ونصف السنة على الموعد المُفترض لإقرار التعديلات التي صيغت ولم يناقشها البرلمان السابق ولا الحالي الذي انتهى أكثر من نصف ولايته.
المشكلة أن التعديلات المقترحة أعدّها سياسيون أيضاً وأودعوها أمراضهم وعُقدهم الطائفية وسواها، وهي لهذا السبب موضع خلاف بين قواهم وتياراتهم السياسية المُشكّلة للبرلمان والحكومة. ومن غير المؤمّل، بل من شبه المستحيل، أن يتحقق توافق على هذه التعديلات في ظل الأزمة الطاحنة المتواصلة بين هذه القوى والتيارات.
مصر تُقدّم لنا أنموذجاً، فقد توافق رئيس المجلس العسكري الحاكم وزعماء الأحزاب السياسية  خلال اجتماع لهم الأحد الماضي، ضمّ أيضاً رئيسي مجلسي الشعب والشورى، على ترتيبات لتشكيل لجنة تضع معايير وضوابط تشكيل الهيئة التي ستُكلف كتابة مشروع الدستور الذي سيُعرض على الاستفتاء العام، وهي هيئة لن تضم أعضاء في البرلمان، بل سيُعهد بها في الغالب إلى اختصاصيين في القانون والاجتماع والاقتصاد، وإلى جانبهم ممثلون عن القوى السياسية والأطياف الفكرية والمجتمعية في البلاد.
نحن في محنة تتفاقم مع تفاقم المشاكل القائمة بين الكتل والائتلافات، وهي مشاكل تتعلق في الأساس بالدستور، فأطراف هذه المشاكل جميعاً تتهم بعضها بعضاً بانتهاك الدستور وأحكامه، وهي اتهامات صحيحة بالكامل، إذ لدينا دستور غير مكتمل وحمّال أوجه لأنه كُتب على عجل في ظرف ساخن سياسياً وطائفياً وقومياً، والجميع ينتهك هذا الدستور ويدّعي أن غيره وليس هو من يقوم بذلك.
والآن، وقد اشتدّت أزماتنا فمن المفروض أن يكون أوان انفراجها قد حان، وهذا الانفراج لا يكون إلاّ بإنجاز تعديلات الدستور في القريب العاجل، وهذه التعديلات لا يمكن أن ينجزها البرلمان المتخاصم والمتحارب والمنقسم، وإنما يتعين أن يُعهد بها إلى لجنة من خارج البرلمان، كما هي الحال عند المصريين.



431
شناشيل
البرلمان في خبر كان

عدنان حسين

لا نستطيع أن نثقّ بما يصرّح به بعض الأعضاء في مجلس النواب من ممثلي الكتل والائتلافات المختلفة، منتقدين الحكومة ورئيسها عن تصرفات وسلوكيات وسياسات لهما، فالأداء داخل البرلمان لا يترجم معاني التصريحات النيابية في هذا الشأن.
أمس نشرتْ "المدى" تصريحات لأعضاء في المجلس تضمنت انتقادات للحكومة عن اتجاهها للهيمنة على الهيئات المستقلة: هيئة النزاهة، مفوضية الانتخابات، البنك المركزي، وسواها. بل إن نائبة كردستانية مدّت نطاق نقدها ليشمل مؤسسة البرلمان نفسها التي قالت إنها "أثبتت ضعفها الواضح بالأداء التشريعي والرقابي، ومن خلال الدورتين لم نر من مجلس النواب خطوات إيجابية".
الشارع تجتاحه منذ العام الماضي موجات تذمر كبيرة حيال فشل الحكومة (بكامل الكتل والائتلاف المشاركة فيها) في ملامسة احتياجات الناس الأساسية وفي تحقيق ما تعد به. فقد طمح الناس إلى أن تحقق الحكومة الثانية للمالكي ما عجزت عنه حكومته الأولى والحكومات السابقة، لكن إعادة إنتاج الصيغة الحكومية السابقة (صيغة المحاصصة) أعادت إنتاج الفشل الذي واجهته الحكومات السابقة. والآن بعد سنة ونصف من تشكيلها لم تنجح الحكومة الحالية في تقديم أي منجز ذي قيمة، وبخاصة على صعيد الاحتياجات والمطالب الرئيسة للشعب: حل أزمة الكهرباء، مكافحة الفساد المالي والإداري، معالجة مشكلتي الفقر والبطالة المتفاقمتين، تحسين خدمات الصحة والتعليم والنقل والخدمات البلدية والحصة التموينية.
حتى على الصعيد الأمني الذي تحقق فيه بعض التقدم ثمة شكوك في أن الحكومة قد استطاعت أن تقطع دابر الإرهاب، فالمنظمات الإرهابية لم يزل في إمكانها اختيار الزمان والمكان المناسبين لها للقيام بسلسلة من الأعمال الدموية، وعصابات الجريمة المنظمة لم تفقد بعد القدرة على تنظيم الهجمات الكبيرة أو الصغيرة، وهذا ما يجعل الناس في خوف دائم. والتحليل الشعبي للأمر أن الأجهزة الأمنية ملغومة بالعناصر الإرهابية، وان تفشي الفساد في أجهزة الدولة يوفر البيئة المناسبة لتوطن الإرهاب والجريمة المنظمة.
التذمر الشعبي يتسع مجاله ليشمل البرلمان نفسه، فهناك قناعة واسعة بان المجلس الحالي الذي لم يتبق من عمره سوى أقل من سنتين فشل في تحقيق الآمال التي عُلّقت عليه وفي البر بوعوده للناخبين وفي الوفاء بالقسم الذي أداه أعضاؤه.
اعضاء المجلس يتبدون لنا بوصفهم موظفين بيروقراطيين لا همّ لهم إلا مصالحهم الشخصية من رواتب وامتيازات. إنهم فاشلون في أداء مهمتهم كمشرعين، فلم ينجحوا في تشريع قوانين أساسية تمس الحاجة إليها، ومنها مثلاً قانون الأحزاب وقانون النفط والغاز وتعديل قانون الانتخابات، ولا في إلغاء قوانين الحقبة الصدامية التي لم تزل تسمم الحياة العامة للناس.
وفشل المجلس أيضاً في النهوض بمهمته الأخرى، الرقابة على أداء السلطة التنفيذية وتقويم هذا الأداء وتعديل انحرافاته. وإذ تجري علناً الآن معركة السيطرة على الهيئات المستقلة فان مجلس النواب يبدو في موقف المتفرج الذي لا يعنيه الأمر في شيء.
هذا الأمر إذا ما استمر خلال ما تبقى من عمر المجلس فان كارثة حقيقية ستحيق بالبلاد، فمهمة بناء نظام ديمقراطي ستكون في خبر كان.


432
شناشيل
المالكي: سمك لبن تمر هندي

عدنان حسين

اختار رئيس الوزراء نوري المالكي مناسبة استشهاد السيد محمد باقر الصدر ليفاخر بما هو ليس مدعاة لذلك، فمن دون أي مسوّغ فتح النار في الذكرى الأليمة على من لا علاقة لهم أبداً باستشهاد الصدر، بل كان بينهم من استشهد مثل الصدر على أيدي جلاوزة صدام الذين أُعيد بعضهم الى الخدمة في الأجهزة الأمنية في عهد المالكي.
 السيد المالكي أعطى انطباعاً بأن معركة ضروساً كانت تدور في عهد الشهيد الصدر بين فكر الأخير والأفكار"الإلحادية والماركسية والعلمانية"، متفاخراً بأنه بفكر الصدر" استطعنا تهديم كل هذه الأفكار الغريبة".
ما نعرفه، ولابدّ ان المالكي يعرفه أيضاً، ان السيد الصدر خاض معركة شرسة مع نظام البعث، وقد أبلى  الصدر بلاء حسناً في تلك المعركة واستشهد فيها مع أخته بنت الهدى والمئات من عناصر حزب الدعوة الإسلامية وحركات إسلامية أخرى وقوى وطنية ماركسية وعلمانية، وكان حرياً بالمالكي أن يوجّه مدفعيته نحو نظام صدام الذي قارعه الشهيد الصدر بفكره وبجسده.
وما نعرفه أيضاً ان الشهيد الصدر لم يضع نفسه في موضع العداوة مع الماركسية والعلمانية، بل ان من منجزاته الفكرية الكبيرة أنه انفتح على الماركسية وحاورها وأخذ عنها وعن الفكر اليساري عموماً مبدأ العدالة الاجتماعية. ولهذا عدّت الحوزة التقليدية والمحافظون من الإسلاميين الشيعة السيد الصدر "يسارياً". ولعل السيد المالكي يعرف، كما نعرف ان من أسباب خلاف مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي والرئيس السابق علي رفسنجاني مع رئيس الوزراء الأسبق وقائد الربيع الإيراني مير حسين موسوي الموضوع تحت الإقامة الجبرية الآن أنهما كانا يعتبران موسوي يسارياً لأنه متشبع بأفكار الشهيد الصدر التي تدعو الى نظام إسلامي أكثر عدالة من نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
لو كان السيد المالكي يترأس حكومة ناجحة ويدير دولة ناجحة لتلمسنا له بعض العذر في هجومه غير المبرر على خلطة الإلحاديين والماركسيين والعلمانيين، باعتبار انه يقدّم البديل، لكن السيد المالكي يترأس حكومة فاشلة تماماً في دولة فاشلة كلياً بشهادة ليس فقط قطاعات واسعة من العراقيين، وإنما أيضاً المنظمات الدولية المُعتبرة.
وعدا عن حكومته ودولته الفاشلتين، ليس بوسع المالكي أن يُعطي مثالاً واحداً لنظام ديني، إسلامي أو غير إسلامي، ناجح. جمهورية إيران الإسلامية التي كانت في يوم ما قدوة للسيد المالكي وسائر الإسلاميين الشيعة هي دولة فاشلة. النظام الإسلامي في السودان فاشل هو الآخر.. دولة طالبان الإسلامية فشلت. أين يوجد نظام إسلامي آخر؟ في السعودية؟ الأكيد ان السيد المالكي لا يعتبره كذلك.
في المقابل فإن العلمانيين أقاموا دولاً ناجحة للغاية. كل أوروبا علمانية.. كل دول الأميركيتين علمانية .. كل دول شرق آسيا ووسطها علمانية، بما فيها الهند أكبر ديمقراطية في العالم. ولماذا نذهب بعيداً فها هي جارتنا الشمالية تركيا دولة ناجحة بفضل نظامها العلماني الذي يتمسك به إسلاميو تركيا أنفسهم. حتى الماركسية لديها في الأقل نظام واحد ناجح، هو النظام الذي جعل من الصين الدولة العظمى الثانية بعد الولايات المتحدة.
بجمعه بين الإلحاد والماركسية والعلمانية يكون السيد المالكي قد قدّم لنا، عن قصد أو عن جهل، خلطة هجينة تشبه خلطة السينما المصرية "سمك، لبن، تمر هندي" ! فمن المفترض انه يعرف ان العلمانية ليست أبداً رديفاً للإلحاد وان الماركسي ليس بالضرورة ملحداً.
هل كانت محاولة أخرى من السيد المالكي لمهادنة البعثيين بعدما أثلج صدورهم بإلغاء العيد بسقوط رمزهم والذي يصادف اليوم نفسه الذي استشهد فيه السيد الصدر؟


433
شناشيل
الطبع يغلب التطبع حتى في البرلمان
عدنان حسين

استشاط النائب عن "دولة القانون" محمود الحسن غضباً داخل قبة البرلمان الاثنين الماضي وهو يستمع الى بيان مشترك للكتل الكردستانية يُذكّر ويُندد بجرائم الأنفال التي اقترفها نظام صدام حسين في حق الكرد. وما أثار النائب ان البيان دعا الحكومة الى الاعتذار الى الشعب الكردي عن تلك الجرائم.
النائب الدولة - قانوني، وهو قاض سابق في المحكمة الجنائية العليا التي حاكمت أقطاب النظام السابق عن مسؤوليتهم عن جرائم نظامهم في حق الشعب العراقي بكافة قومياته، تملّكه غضب شديد وهو يستمع الى طلب زملائه في البرلمان فلم ينتظر حتى انتهاء تلاوة البيان ليسجل اعتراضه أو تحفظه وإنما قاطع قراءة البيان قبل اكتماله في مخالفة لقواعد النظام الداخلي لمجلس النواب ما اضطره الى الاعتذار عن فعل المقاطعة بعد مشادة مع زميلته الكردستانية بيرزاد شعبان.
تصرف النائب الدولة – قانوني لا يمكن تفسيره الا باعتباره انعكاساً للشوفينية التي تسكن الكثير من سياسيينا. النواب الكردستانيون لم يتقدموا بمشروع قانون وإنما بمجرد بيان أعرب عن أمل ورجاء بتحقيق الطلب. وكان من المفترض أن يكون للنائب الحسن موقفاً متفهماً لطلب زملائه وهو القاضي الذي يفترض أن يكون اكثر حساسية من غيره تجاه جرائم نظام صدام، لكنه الطبع الذي يغلب التطبع دائماً.
طلب النواب الكردستانيين ليس بدعة، فاعتذار الحكومات عن أفعال مشينة من التاريخ في حق جماعات، غدا ممارسة روتينية في العلاقات الدولية. في آب (أغسطس) 2010 قدم رئيس الوزراء الياباني آنذاك ناوتو كان اعتذاراً الى الأمة الكورية عن جرائم ارتكبها اليابانيون ضدهم. وهي جرائم لم تقترفها حكومته ولا الحكومة السابقة ولا السابقة، بل حكومات يرجع تاريخها الى 100 سنة.
ناوتو كان قد اعتذر في بيان رسمي أعرب فيه عن أسف بلاده وندمها العميقين عما سببه الحكم الاستعماري الياباني من معاناة خلال الفترة من 1910 الى 1945. واليابان ضمت إليها في آب  1910 شبه الجزيرة الكورية التي كانت دولة موحدة، ولم ينته الحكم الاستعماري الياباني لكوريا إلا في آب 1945 مع هزيمة اليابان واستسلامها في نهاية الحرب العالمية الثانية.
لم يكن ذلك أول اعتذار في تاريخ اليابان، فمن قبل اعتذرت الى الصين وباقي دول شرق آسيا عما فعلته جيوشها في هذه الدول خلال الحقبة الاستعمارية وفترة الحرب العالمية الثانية.
لم يتحجج رؤساء الحكومات اليابانيون بأن الجرائم القديمة اقترفتها حكومات سابقة ولا بأن حكوماتهم ليست وريثة تلك الحكومات البائدة، بخلاف النائب القاضي الدولة – قانوني الذي تذرّع لتبرير غضبه حيال بيان زملائه الكرد بأن الحكومة الحالية ليست وريثة نظام صدام.
النائب محمود الحسن هو من نمط النواب الذين يكثرون الكلام عن وحدة أراضي العراق والوحدة الوطنية بين مكونات الشعب العراقي، لكنه كما كثير من زملائه يسقطون في الاختبار العملي .. يستثيرهم مجرد الطلب باعتذار الدولة العراقية وتبرّئها من جرائم النظام السابق .. لا يفكرون بأهمية اعتذار كهذا لتمتين الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب العراقي وتوطيد وحدة البلاد.
إنه الطبع الذي يغلب التطبّع.


434
شناشيل
لماذا لا يحصل هذا لدينا؟
عدنان حسين
استقال من منصبه أول من أمس رئيس الشرطة في كوريا الجنوبية. ما لنا نحن العراقيين وهذا ؟ .. لنا كما سيتبين لاحقاً.
وفي كوريا الجنوبية أيضاً استقال قبل شهر رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) .. وهذا الآخر ما لنا وإياه؟ .. لنا أيضاً.
واستقال الاسبوع الماضي رئيس جمهورية المجر(هنغاريا) .. وأيضاً هناك علاقة لنا بهذا الخبر إذا ما طرح أحدنا السؤال نفسه.
رئيس الشرطة الكوري الجنوبي، واسمه تشو هيون – أوه، استقال على خلفية حادث اغتصاب وقتل لإمرأة بالرغم من طلبها نجدة الشرطة، وأعلن انه يتحمل "كامل المسؤولية" عن إخفاق شرطته في منع جريمة القتل، وهو إخفاق وصفه بأنه "إهمال لا يمكن غفرانه". 
وكانت الضحية قد اتصلت بالشرطة لتُبلغها بتعرضها للاعتداء. وفي مكالمة عبر خط الطوارئ استغرقت سبع دقائق أعطت تفاصيل دقيقة عن المكان الذي شهد الاعتداء عليها، لكن الشرطة لم تُدركها الا بعد مرور 13 ساعة على المكالمة ومقتلها وفرار الجناة.
أما رئيس البرلمان الكوري الجنوبي، بارك هي، فكان استقال من منصبه قبل شهر على خلفية فضيحة شراء أصوات خلال حملة انتخابات الحزب الحاكم منذ اربع سنوات.
 
ومن طرفه أعلن بارك هي إنه يتحمل المسؤولية عن فضيحة تقديم ظروف بها نقود لأعضاء الحزب في المؤتمر العام للحزب لانتخاب زعيم الحزب في العام 2008.
 
وجاءت استقالة الرئيس المجري بال شميت هو الآخر بعد اتهامات له بـ"سرقة اطروحته للدكتوراة." فقد سُحبت شهادة الدكتوراة من الرئيس المستقيل قبل اسبوعين بعد اكتشاف الجامعة أن الكثير من أجزائها مسروق.
ونفى الرئيس شميت الذي انتخب في العام 2010 الاتهامات لكنه في كلمة أمام برلمان بلاده قال "طبقا لدستور المجر الذي وقعتُ عليه فإن الرئيس يعبّر عن وحدة البلاد"، وأضاف "في وضع تسبب فيه قضيتي الشخصية انقساماً في بلدي الحبيب بدلاً من توحيده فمن واجبي أن أنهي خدمتي وأتنازل عن صلاحاتي كرئيس".
ما علاقتنا بهؤلاء كلهم؟
علاقتنا هي انه في بلدنا يقع كل يوم تقريباً حادث حوادث الإغتصاب أو القتل تفشل السلطات الأمنية في منعه أو في نجدة ضحاياه. بل تقع أحداث شنيعة (التفجيرات الإرهابية والهجمات المسلحة)، ولا أحد من كبار الضباط ناهيكم عن مسؤولي وزارتي الداخلية والدفاع يتقدم باستقالته تحملاً للمسؤولية واقراراً بالفشل.
وفي بلدنا أيضاً يوجد المئات من النواب وأعضاء مجالس المحافظات ممن اشتروا الأصوات الانتخابية بالمال، السحت الحرام في الغالب، من دون أن يرفّ لواحد منهم جفن.
وفي بلدنا أيضاً وأيضاً يوجد المئات، بل الآلاف، ليس فقط ممن سرقوا أجزاء من رسائلهم واطاريحهم الجامعية، وانما ايضاً ممن زوروا الشهادات والوثائق، ولا أحد منهم يجد غضاضة في ذلك، وكيف يجد الغضاضة والدولة تسعى الآن لمكافأتهم بالعفو عنهم؟
وفي بلدنا كذلك يوجد العشرات من السياسيين، كبارهم في الغالب، الذين تتسبب مواقفهم وتصرفاتهم وتصريحاتهم في زيادة حدة الانقسام في المجتمع وفي تسميم الحياة السياسية وفي دهورة أحوال الناس وفي دفع البلاد برمتها الى الهاوية.
متى يكون لدينا مسؤول أمني يتصرف على طريقة رئيس الشرطة في كوريا؟ ومتى يكون لدينا نائب اتحادي أو محلي يتصرف على طريقة رئيس البرلمان الكوري الجنوبي؟ ومتى يكون لدينا سياسي يتصرف على طريقة الرئيس المجري؟
عندما يحدث شئ من هذا نكون قد خطونا خطوتنا الأولى للإنضمام الى نادي الأمم المتحضرة.




435
المنبر الحر / حكاية رجل السرداب
« في: 19:20 10/04/2012  »
شناشيل
حكاية رجل السرداب
عدنان حسين
بحثتُ أمس طويلاً في الإنترنت عن عدد منظمات المجتمع المدني في العراق فلم أجد أيّ رقم. لهذا معنى واحد هو أن عدد هذه المنظمات لا يُحصى، وهذا ما يدل عليه واقع أن كل أحياء العاصمة بغداد تقريباً تنتشر فيها وتتزاحم مكاتب هذه المنظمات، فضلاً عن المحافظات. سألت ناشطة في إحدى المنظمات، فأجابت: أربعة آلاف منظمة.
وراء بحثي قصةٌ قرأتُ عنها منذ بضعة أسابيع ونُشر فصل جديد منها أمس. القصة تتعلق برفيق لنا، نحن معارضو نظام صدام، أعلن انه يريد أن يعود إلى حياة السرداب (القبو) التي عاشها في زمن صدام هرباً من حكم الإعدام الصادر في حقه.
هذا المعارض السابق اسمه جواد الشمري، وهو عاش أكثر من عشرين سنة في قبوٍ لا يتعدى عمقه مترين أسفل منزله، ويريد الآن العودة إلى تلك التجربة القاسية احتجاجاً على الوضع الراهن في البلاد، حيث يتفشى الفقر والبطالة والفساد، وهو ما لم يناضل من أجله السيد الشمري وسواه من المعارضين السابقين. وثمة سبب شخصي أيضاً لاحتجاجه هو أن السلطات الحالية لا توليه الاهتمام الذي يستحقه كأحد ضحايا النظام السابق، فالحكومة لم تعترف به كمعارض سابق ولم تقدم له التعويض المنصوص عليه في القوانين. وبحسب أحد أصدقائه فأن جواد الشمري ليس له راتب أو وظيفة تعينه على شظف الحياة، ما جعل الشمري يعيش الآن اعتماداً على معونات الأصدقاء والأقارب.
والسيد الشمري، وهو من إحدى قرى محافظة واسط، بدأ حياته السياسية في العام 1974 بانتمائه إلى حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه الآن رئيس الوزراء نوري المالكي، ولهذا السبب لوحق في نهاية السبعينات من القرن الماضي، ما أضطره إلى الاختباء في القبو الصغير الذي بناه بنفسه في العام 1979 ولم يبرحه إلا بعد سقوط صنم صدام في ساحة الفردوس في 9 نيسان 2003.
السيد الشمري ليس حالاً فريدة من نوعها في البلاد. فمثله يوجد المئات، وربما الآلاف، من ضحايا النظام السابق الذين لم تعد إليهم حقوقهم ولم يُعوضوا عمّا كابدوه وتكبّدوه. في المقابل فان ثمة الآلاف من الفسدة والحرامية الذين منحتهم الدولة امتيازات وتعويضات باعتبارهم سجناء ومعتقلين في عهد النظام السابق أو أفراداً في عوائل شهداء، وهم ليسوا كذلك، بل إن البعض من هؤلاء كانوا أعضاء ناشطين في حزب البعث  وضباطاً أو عناصر في الأجهزة الأمنية وفي "فدائيي صدام" و"جيش القدس" و"أصدقاء القائد"، ممن وجدوا الطرق مفتوحة أمامهم للدخول زرافات ووحداناً في الأحزاب الإسلامية المستقتلة على المال والسلطة والنفوذ، وقد زوروا الشهادات والوثائق، وتسعى أحزابهم الجديدة لمكافأتهم الآن بإصدار قانون للعفو عنهم وسواهم من الفسدة.
الأربعة آلاف منظمة مجتمع مدني، لو كانت مئة منها حقيقية لنشط بعضها في مجال الدفاع عن حقوق ضحايا النظام السابق، لكن المشكلة إن أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمئة من هذه المنظمات هي وهمية، أوجدت لممارسة الفساد.




436
شناشيل
الغاء عيد 9/4 قرار حكومي أخرق
عدنان حسين
لم تخرج الجموع إلى شوارع بغداد والموصل والبصرة والرمادي وتكريت، هادرة بالهتافات بحياة الحكومة ورئيسها ورافعة الأعلام واللافتات المؤيدة. بل لم يصفق حتى شخص واحد لقرار الحكومة بإلغاء اعتبار التاسع من نيسان (اليوم) عطلة رسمية بعد ثماني سنوات من الاحتفال به وتمجيد وقائعه رسمياً وشعبياً.
القرار الحكومي أخرق بامتياز، فهو لا يستند الى منطق ولا الى حكمة ولا الى وطنية. المتداول ان الحكومة اتخذت القرار إرضاء للسُنّة! من قال ان السُنّة جميعهم وعن بكرة أبيهم كانوا مع صدام وضد إسقاط نظامه من قبل القوات الأميركية والحليفة؟ من ذا الذي أجرى إحصاء علمياً دقيقاً أظهرت نتائجه ان الأغلبية الساحقة من العراقيين، أو من السُنّة في الأقل، ضد اعتبار هذا اليوم عطلة رسمية، فنزلت الحكومة عند رأي الشعب؟
التاسع من نيسان يوم وطني مجيد، سواء اعترفت بذلك الحكومة أم أنكرته بدوافع وأسباب انتهازية من أجل البقاء في كرسي السلطة. هو يوم ترقبته ملايين العراقيين على مدى عشرات السنين وعشرات الحروب والمذابح والويلات والحصارات.. هو يوم وطني مجيد لأنه شهد سقوط أشنع دكتاتورية في تاريخ العراق وأكثر الأنظمة عدوانية في تاريخ المنطقة، وانفتح فيه الأفق نحو استعادة العراقيين حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم بقيام نظام ديمقراطي في البلاد. وقد احتفل العراقيون بهزيمة الدكتاتور حتى قبل تحقيقها بالكامل، فالجيش المليوني الذي أعدّه صدام لحماية نظامه لم يقاتل القوات الأميركية والحليفة، والمدنيون العراقيون لم ينظموا مقاومة سرية لـ "المحتلين" .. "المقاومون" جاؤوا من الخارج عبر أراضي الجيران وبمساعدتهم وبتحريضهم، كلٌّ لأسبابه الخاصة التي كلفت العراقيين أنهاراً من الدم والدموع لم تزل تتدفق حتى اليوم.
القرار الحكومي يمثل إعادة اعتبار لدكتاتورية صدام البغيضة واستهانة بتضحيات مئات الآلاف من العراقيين الذين طالهم قمع نظام صدام على مدى ربع قرن، وبتضحيات مئات الآلاف الذين طالهم إرهاب القاعدة وفلول صدام وسواهم منذ 2003.
لا يعيب العراقيين أن نظام صدام أسقطه الأميركيون وحلفاؤهم، فهؤلاء لم يأتوا بدعوة من العراقيين وإنما من صدام نفسه.. هو الذي ألقى ببلادنا في أتون حروب متصلة، وهو الذي، بعدوانيته ورعونته وتهوره ومطامعه البونابرتية، استجلب القوات الأميركية والحليفة الى بلادنا والمنطقة مرتين. وهذه القوات لم تتسبب في خراب البلاد على النحو الذي تسبب به صدام في حروبه تلك، وعلى النحو الذي تسببت به "القاعدة" وفلول صدام خلال السنوات التسع الماضية.
أوروبا سقطت اثناء الحرب العالمية الثانية بين براثن الوحش النازي - الفاشي، ولم ينقذها من هتلر وموسوليني غير القوات السوفييتية والأميركية. لا أحد من الأوروبيين رأى في الماضي أو يرى الآن ان ما فعله السوفييت والأميركيون لهم كان عاراً عليهم. والآن فإن أوروبا كلها تحتفل كل عام بأيام الانتصارات السوفييتية والأميركية على قوات النازية والفاشية، وبخاصة يوم التاسع من أيار الذي أعلن فيه رسمياً سقوط نظام هتلر.
إذا كان ما حدث في 9 نيسان 2003 "كخة " ويعيب من هم في السلطة الآن فليتركوا هذه السلطة  باعتبارها من النتائج المباشرة لما حدث في ذلك اليوم العظيم.


437
المنبر الحر / لجوء في كردستان
« في: 20:44 08/04/2012  »

شناشيل
لجوء في كردستان
عدنان حسين

عند المدخل الجواني لمعرض أربيل الدولي الذي يقام عليه الآن معرض الكتاب، جاء عبد السلام برواري ليأخذني إلى مطعم نتغدى فيه بدعوة منه. ليس جديداً أن التقي عبد السلام ويدعوني إلى غداء أو عشاء، فهو صديق تمتد معرفتي به إلى نحو عشرين سنة، لكنها المرة الأولى التي نلتقي فيها وهو عضو في برلمان كردستان.
جاء عبد السلام إلى معرض الكتاب وراح يبحث عني بين رواد المعرض..  تصافحنا وتعانقنا ثم مشينا إلى باحة السيارات.. لم أجد النائب عبد السلام مختلفاً عما كان عليه منذ عشرين سنة.. تلفتّ يميناً ويساراً لأرى كم حارساً مدججاً بالسلاح يحميه .. ولا واحد! وكم مرافقاً يمشي وراءه.. ولا واحد! حتى سيارته لم يدخل بها الى كراج كبار الزوار وأعضاء اللجنة المنظمة للمعرض، بل ركنها في الكراج العمومي. وحتى عندما ذهبنا الى المطعم لم يستعمل سيارته الحكومية، بل انتقلنا الى سيارة صديق مشترك، هو آزا حسيب قرة داغي الذي صار سائقنا. وبالطبع لم تكن هناك سيارات تنطلق أمامنا ومن خلفنا تزعج الناس بزماميرها المدوّخة وبإرغامها سائر السيارات على الذهاب إلى الجحيم لفتح الطريق لموكب النائب كما يحصل عندنا على مدار الساعة في بغداد.
لم أستوضح عبد السلام عن الأمر، فثمة صديق آخر كان لا يحفل بـ"الكبكبة" التي يستقتل عليها أعضاء مجلس النواب الاتحادي، هو عدنان المفتي رئيس برلمان كردستان السابق الذي ظل أيضاً يعيش في بيت العائلة المؤجر المتواضع للغاية الى وقت قريب. وكما أعرف فانه ما من وزير أو نائب في الإقليم يمشي في موكب.
ليست حال عبد السلام برواري وعدنان المفتي التي تعكس حال الأمن الوطيد في الإقليم، ما يجعل أربيل مختلفة عن بغداد، فكل شيء في عاصمة الإقليم لا يشبه ما في عاصمتنا الاتحادية.. الفورة العمرانية، نظام المرور، نظافة الشوارع، الحياة الثقافية والفنية، مرافق الترفيه، توفر الكهرباء.. الخ.
كنا عصبة من خمسة إعلاميين سافرنا بالسيارة من بغداد إلى أربيل لحضور معرض الكتاب الذي تنظمه مؤسسة المدى بالتعاون مع وزارة الثقافة في الإقليم (المعرض في حد ذاته حكاية نجاح للإقليم في مقابل فشلنا الشامل المركب في بغداد). وفي الطريق من بغدادنا إلى أربيلهم عبر تكريت وكركوك مررنا بالعديد من البلدات والقرى التي رأينا فيها أيضاً صورة الخراب المزمن الممسك بتلابيب عاصمتنا، فيما تصبح الحكاية مختلفة بعض الشيء عند كركوك وكثيراً قبل عشرات الكيلومترات قبل أربيل وكلياً في أربيل.
عصبتنا الخماسية ظلت تبحث بطول الطريق إلى أربيل وفي الأمسيات الأربيلية عن سر تقدم الكرد السريع، حظ ونصيب؟ شطارة؟ جينات؟. أحدنا، هو الصحفي النبه سرمد الطائي، لديه تفسير لم يمل من تكراره: إنهم يُحبون بلدهم.. ونحن لا!
في إحدى الأمسيات التي ناقشنا فيها تدهور حال السجال السياسي في بغداد وتردي أحوال البلاد العامة، قال أحدنا مقترحاً: ما رأيكم إذا ضاقت بنا السبل نقدم لجوءاً لدى الكرد. لم يعترض أحد منا أو يستنكر .. ومن يدري فأوضاعنا الواقفة عند حافة الهاوية حالياً قد يدفع بها أمراء الطائفية والفساد إلى الهاوية، فلا نجد ملاذاً غير كردستان مثلما كانت عليه حالنا (وبيننا معظم هؤلاء الذين في أيديهم السلطة في بغداد الآن) في


438

شناشيل
عن إعلام القمة
عدنان حسين
في البلاد المتحضرة التي تديرها حكومات تحترم نفسها وشعبها يحرص مسؤولو الدولة على دعوة أكثر الصحفيين كفاءة ومهنية وأفضلهم سمعة لحضور المؤتمرات الصحفية لكبار المسؤولين في الدولة، خصوصاً عندما يكون هناك زوار أجانب عالي المقام. وهذا ما نفتقده هنا، ومؤتمر القمة العربي الأخير شاهد جديد على هذا.
في المؤتمرات الصحفية التي سبقت اجتماعات القمة ورافقتها وتلتها غاب كبار الصحفيين والإعلاميين العراقيين عن المشهد الذي تصدره صحفيون أغرار لم تتشكل كفاءتهم بعد ولم تكتمل خبرتهم، وانعكس هذا في نوعية الأسئلة التي طُرحت خلال المؤتمرات الصحفية جميعاً، وبالذات المؤتمران اللذان عقدهما وزير الخارجية مع الأمين العام المساعد للجامعة العربية ثم مع الأمين العام والمؤتمر الصحفي للناطق باسم الحكومة ، وأخيرا مؤتمر رئيس الوزراء.
في هذه المؤتمرات كانت الغلبة للصحفيين المبتدئين الذين يطرحون أسئلة أطول من أجوبتها أو غير ذات صلة بالموضوعات الأساسية أو أسئلة مكررة وأخرى غير منتجة. ولهذا لم نسمع اسئلة تحولت إجاباتها الى مانشيتات لصحف اليوم التالي.
لماذا حدث هذا؟ ولماذا يتكرر حدوثه لدينا؟
ببساطة ان الأجهزة المعنية في دولتنا لا تعتمد المعايير المهنية في اختيار الصحفيين الذي يدعون الى مؤتمرات كهذه. ففي الغالب تلعب العلاقات والارتياحات الشخصية الدور الحاسم في الإختيار. ومؤتمر قمة بغداد لم يكن استثناء من ذلك.
قبيل بدء اجتماعات القمة بنحو اسبوعين استضاف الناطق باسم الحكومة مجموعات من الصحفيين "القياديين" للبحث معهم في مسألة التغطية الإعلامية للقمة، وكنت أحد أفراد واحدة من هذه المجموعات. وبين ما أثير من ملاحظات من الزملاء لفت أحدهم الى تجارب سابقة جرى فيها الإهتمام بصحف وأجهزة إعلام أخرى غير ذات قيمة ولا نفوذ، وبعضها شبه وهمي، بينما لم تحض صحف ووسائل إعلام مرموقة باهتمام مماثل. وبين ملاحظات أخرى لفتّ شخصياً الانتباه الى ان التغطية الناجحة لحدث القمة تحدده تغطية وسائل الاعلام المحلية أولاً، وعليه نبهت الى خطورة أن يُعامل الصحفي والاعلامي المحلي باعتباره درجة ثانية فيما الصحفي والإعلامي الأجنبي درجة أولى.
الناطق باسم الحكومة السيد علي الدباغ ونائبه الدكتور تحسين الشيخلي أكدا بحماسة ان شيئاً من هذا لن يحدث هذه المرة، وان الأولوية والأهمية ستكون للصحف ومحطات التلفزيون الرئيسة في البلاد، وان الصحفي والإعلامي المحلي لن يعامل معاملة أدنى من الصحفي والاعلامي الأجنبي. لكن ما حدث على أرض الواقع ان ما خشيناه، زميلي وأنا، وما حذرنا من وقوعه قد وقع بالفعل.
أدعو كل من لديهم أدنى شك في ما أقول، وبينهم السيد الدباغ والدكتور الشيخلي، الى مراجعة قوائم الصحفيين الذين حصلوا على باجات القمة ليدركوا من كان صاحب الحظوة فيها. وصاحب الحظوة في الغالب كان صحفياً من الدرجة الرابعة والخامسة لكنه من أتباع هذا الشخص أو ذاك من أعضاء اللجنة المسؤولة أو من أتباع أصحابهم. وكان بين أصحاب الحظوة "صحفيون" في صحف ومجلات لم تعد تصدر أو تصدر موسمياً!. كما أدعو الى أن يُسأل الصحفيون العراقيين الحقيقيون الذي شاركوا في تغطية القمة عن التسهيلات التي قُدّمت لهم مقارنة بما قُدّم للصحفيين الأجانب.
ما تفسير هذا كله؟ .. تفسيره اننا في دولة لا تحترم مؤسساتها أنفسها ولا الناس.


 

439

شناشيل
الأمن المتواطئ .. من المسؤول؟
عدنان حسين
يبدو ان القائد العام للقوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء أيضاً، قد اقتنع أخيراً بان مكافحة الإرهاب وأعمال الجريمة المنظمة المتواصلة في بلادنا تحتاج الى إحداث تغييرات جذرية في وزارتي الداخلية والدفاع تشتمل خصوصاً على إبعاد ضباط كبار لا يتحلون بأهم ما يتعين
أن يتصف به ضباط الأمن، وهو الوطنية والنزاهة.
صحيفة "الحياة" اللندنية نقلت أمس عن مصدر أمني محلي معلومات أفادت بوجود خطة لتسريح عدد من كبار الضباط في الجيش والشرطة توفرت معلومات عن تورطهم في الخروقات الأمنية في العاصمة وعدد من المحافظات في الأسابيع التي سبقت انعقاد قمة بغداد.
حتى الناس العاديين من رواد المقاهي وركاب السيارات العمومية كانوا يرجحون ضلوع مسؤولين في أجهزة الأمن والدفاع في أعمال الإرهاب والجرائم التي تنفذها عصابات الجريمة المنظمة. ووراء هذا التحليل الشعبي فكرة بسيطة تقول: من غير المعقول أن ينجح الارهابيون المرة تلو الأخرى في تمرير أكثر من عشر سيارات مفخخة وشحنات متفجرة عبر نقاط التفتيش في يوم واحد وتفجيرها في ساعة واحدة  في مناطق مختلفة من دون أن يكون هناك دعم من عناصر في الأجهزة الأمنية للارهابيين، ومن غير المعقول أن تكرر عصابات الجريمة والجماعات الإرهابية هجماتها المسلحة على الأسواق والدوائر الحكومية بالإسلوب نفسه من دون تواطؤ من جانب عناصر في أجهزة الأمن.
 كثير من القضايا التي عرضت على القضاء، بما فيها قضية حماية نائب رئيس الجمهورية الملاحق طارق الهاشمي، أثبتت ان التعاون والتواطؤ مع الإرهابيين قائم بالفعل على أعلى المستويات.
الآن يتجه القائد العام للقوات المسلحة لتدارك الأمر، كما يُفترض، بتنفيذ قرارات هيئة المساءلة والعدالة لتسريح مئات الضباط بسبب انتمائهم السابق الى حزب البعث، كما جاء في تقرير "الحياة". والقائد العام كان هو أول من أعلن قبل اسبوعين عن تورط عدد من الضباط في آخر سلسلة تفجيرات إرهابية شملت إثنين وعشرين موقعاً في العاصمة وخارجها.
هل يكفي أن يُسرّح القائد العام ضباطه الخونة ؟ وهل ستذهب دماء الضحايا هدراً؟
بالتأكيد لن يكفي ان يقوم القائد العام بتسريح عدد من الضباط المشمولين باجراءات المساءلة والعدالة، ولن يكفي أن ينقل عدداً آخر منهم الى مراكز وأجهزة غير مراكزهم وأجهزتهم الأمنية الحالية. فالمطلوب إعادة نظر جذرية في هيكلية أجهزة الأمن والمخابرات والشرطة والجيش.
نعرف جميعاً ان المناصب والمراكز في هذه الأجهزة وُزعت على الضباط لا على أساس الوطنية والنزاهة والمهنية وانما وفقاً لاعتبارات المحاصصة الطائفية والحزبية والعشائرية والمناطقية. وكثير من هذه المنصب والمراكز أنيط ليس فقط بضباط من النظام السابق ضالعين في قمع الشعب العراقي، وانما أيضا بعناصر لا تتحلى بأي كفاءة، وكل "ميزتها" انها موالية لهذا الحزب أو ذاك الشخص (ضباط الدمج وغيرهم).
القائد العام نفسه يتحمل مسؤولية رئيسة عن وجود الضباط غير المؤهلين وضباط النظام السابق في المناصب والمراكز الخطيرة التي تبوؤوها، مما مكنهم من التعاون والتواطؤ مع الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة، فهو لم يجد ضيراً في توظيف عناصر الأمن من النظام السابق ماداموا ينفذون له ما يريد، أو هكذا بدا له. وعلى سبيل المثال فان هيئة المساءلة والعدالة كانت قد أصدرت قبل سنتين قائمة باسماء 376 ضابطاً في الجيش والشرطة والاستخبارات مقررة تسريحهم لشمولهم بإجراءات اجتثاث البعث، لكن قرارها لم يؤخذ به، ولا بد ان القائد العام هو المسؤول الأول عن عدم تنفيذ قرار المساءلة، فالتساهل مع عناصر أمن النظام السابق الضالعين في القمع أعطى النتيجة التي نأمل ان يكون السيد المالكي قد ندم عليها.


440

شناشيل
 ماذا يريد العراقيون من قمّة بغداد؟
عدنان حسين

أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم جميعاً ضيوفنا العرب، رؤساءً وممثلي ملوك ووزراء .. نقولها لكم صادقة بالعربية الفصحى وبلهجات بلداننا العشرين ونيّف: حللتم أهلاً ونزلتم سهلاً في عاصمتنا بغداد.
نرحب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة، برغم انكم خالفتم ما يقوله المثل العربي: "عند الشدائد تُعرف الإخوان"، فأنتم،عدا القلة القليلة منكم، لم تكونوا اخوة لنا في سني محنتنا الطويلة عندما كان الوحش الصدامي يفتك بنا فتكاً .. اتخذتم موقف النظارة في مسرح أو دار للعرض السينمائي، بل ان بعضكم صار عوناً للجلاد على ضحيته. وحتى عندما سقط الدكتاتور فإنكم تركتمونا فريسة لوحشين ضاريين أيضاً، الإرهاب السافل وطبقتنا السياسية الغارقة في طائفياتها وفسادها وصراعاتها السافرة على السلطة والنفوذ والمال، بل ان بعضاً مهماً منكم تناوب مع جيراننا الأعاجم على تقديم المال والرجال والسلاح والتدريب والمأوى وتسهيلات المرور للإرهابيين الذين لم يكفّوا حتى الآن عن تفجير السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة في أسواقنا ومستشفياتنا ومدارسنا وجوامعنا وكنائسنا ودوائرنا الحكومية، فقتلوا وجرحوا من أطفالنا وشيوخنا ونسائنا ورجالنا نصف مليون نسمة أو أكثر.
نحن شعب طيب، أيها الأخوة العرب، ومن علامات طيبتنا اننا نسامح من دون أن ننسى. والمهم بالنسبة لنا الآن أن تأخذوا العبرة مما مضى وتلتفتوا في أول قمة لكم في زمن الربيع العربي الى قضية الشعب السوري الشقيق .. لا تتركوه وحده يفتك به الوحش البعثي الكاسر.. كونوا اخواناً له في زمن شدته. إن تحقق هذا في قمتكم هذه فسيكون أعظم إنجاز لقمة بغداد وفي تاريخ القمة العربية برمته. وننتظر من قمتكم أيضاً ما نفهم منه، ولو ضمنياً، انكم نادمون على ما فعلتموه بنا سابقاً ولاحقاً، فهذا سيطمننا الى انكم ستكونون عوناً لنا في كفاحنا ضد الإرهاب .. عونكم في هذا المجال سيعيننا في كفاحنا ضد الفساد الذي يضرب مؤسسات دولتنا طولاً وعرضاً ويعوّق استردادنا العافية، ويعيننا أيضاً في كفاحنا من أجل هزيمة نظام المحاصصة والسير فى طريق الديمقراطية الذي نريد.
نرحب بكم أيها الأخوة العرب، وكنا نتمنى أن تُعقد قمتكم في ظروف أخرى .. ظروف تتيح لكم التمشي في شوارع بغداد التي كانت جميلة ودمرتها حروب صدام وأبقاها نظام المحاصصات الطائفية على حالها من الخراب.. كنا نريد أن نستقبلكم بالزهور والبخور وماء الورد في شارع الرشيد وشارع أبو نواس وكورنيش الاعظمية وكورنيش الكاظمية .. في ساحة التحرير وساحة الفردوس وسواها، لكن حكومتنا، ومن خلفها النظام السياسي الهجين الذي انبثقت عنه، تركت عاصمتنا كسيرة جريحة هرمة مهملة متروكة لمصيرها مع ان دخلنا من النفط وحده بلغ عتبة المئة مليار دولار سنوياً. كنا نرغب في أن تستقبلكم بغداد بذراعين مفتوحين وليس مكتوفين بحوائط الكونكريت التي تُخفي عن عيونكم مشاهد أكبر مزبلة وأتعس شعب في العالم.
نحن، ايها الأخوة العرب، شعب متعدد القوميات والأديان والمذاهب والعقائد السياسية والفكرية. من المهم ان تدركوا هذا، فبعضكم تصرّف في الماضي ويتصرف الآن كما لو ان ملاييننا الثلاثين كلها من طينة واحدة، وكان ذلك التصرف ولم يزل وبالاً علينا. لسنا جميعاً عرباً، فنحن كرد وتركمان وكلدان وآشوريون وأرمن أيضاً. ولسنا جميعاً مسلمين، فنحن مسيحيون وصابئة مندائيون وايزيدية ويهود أيضاً. وكما إننا لسنا جميعاً من قومية واحدة أو دين واحدة، فمتدينوننا ليسوا من مذهب واحد.. انهم شيعة وسنة وكاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت، وسواهم. أما عقائدنا السياسية ومنابعنا الفكرية فلا تُعد ولا تُحصى، من اليمين الى اليسار وما بينهما. هذه اللوحة المتعددة بألوانها وأطيافها كقطعة موزاييك أو قوس قزح كانت على الدوام مصدر قوة لنا ولبلادنا التي انبثق فيها وتطور العديد من أعظم الحضارات في التاريخ. فليكفّ بعضكم عن السعي لنكون على شاكلته وصورته.
أهلاً بكم أيها العرب، واعذرونا لأنكم لم تجدوا بغداد كما كانت في أحلامكم وفي بطون الكتب التي قرأتموها، وهذا ليس ذنبنا وانما جناية نظام البعث في السابق ونظام المحاصصات حالياً. لكن تلفتوا حولكم وابحثوا عن صدام والقذافي ومبارك وبن علي وبن صالح وحتى بشار الأسد، لتتيقنوا من أن دوام الحال من المحال.


441

شناشيل
الشعب يُريد الغاء القمة
عدنان حسين
نعم، الشعب يُريد الغاء القمة ..  لكنني شخصياً أرغب بصدق في انعقادها "لغاية في نفس يعقوب" وليس حباً في سواد عيون الحكومة المتحمسة بجنون للقمة.
الشعب يصيح: نريد الغاء القمة لأنها نقمة.
الشعب يصرخ: نريد الغاء القمة لأنها غمّة.
الشعب يستغيث: نريد الغاء القمة لأنها بلاء.
الشعب يرفع الصوت: نريد الغاء القمة لأنها شقاء.
الشعب يُنادي: نريد الغاء القمة لأنها محنة.
الشعب يهتف: نريد الغاء القمة لأنها كارثة.
الشعب يُطالب: نريد الغاء القمة لأنها مصيبة.
الشعب يُولول: نريد الغاء القمة لأنها نكبة.
الشعب يرطن بكل اللغات الأجنبية: نريد الغاء القمة لأنها تراجيديا.
الشعب يتحدث بكل اللهجات العربية: ما نريد، مش عاوزين، ما بدنا ، ما نبي ، ما نبغي .. هذه القمة.
الشعب يرفع الأيدي والأبصار الى السماء داعياً: اللهم ارفع هذه الغمة عن هذه الأمة.
الشعب لا يريد القمة العربية الثالثة والعشرين، ويقول علناً: لا كانت القمة ولا كان أهلها ولا الحكومة المتحمسة لها. السبب واضح انه (الشعب) أهين إهانةً سافرة من الحكومة واستهين بمصالحه وحقوقه بحجة هذه القمة.
فقطع الطرق إهانة.
ومنع الناس حتى من السير على أقدامهم في الشوارع إهانة.
وإغلاق الجسور والساحات إهانة.
وحجز السيارات ساعتين وثلاثاً وتكدسها في صفوف طويلة عند نقاط التفتيش إهانة.
ومضاعفة أسعار السلع الغذائية إهانة.
هذا هو رأي الشعب الملتاع مما تسببت به القمة التي لن تجلب له الكهرباء ولا الأمن، ولن توفر فرص العمل للعاطلين ولا الأدوية للمرضى، ولن تزيد في مفردات البطاقة التموينية، ولن تحسّن الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية. ولن ولن ....
 أما لماذا أرغب شخصياً في القمة وأريد انعقادها، فلأنها مناسبة نادرة للغاية لزيادة النقمة على الحكومة والطبقة السياسية المتنفذة برمتها .. أؤيد استمرار الحكومة في اجراءاتها الأمنية التعسفية لأن هذه الإجراءات تقدّم مجاناً خدمة لا تُقدّر بثمن لي ولأمثالي ممن يعتقدون ان حكومتنا وطبقتنا السياسية المتنفذة والعملية السياسية الخارجة على الدستور والمنحرفة عن أحكامه لا تستحق جميعها من الشعب الا عدم الإحترام.
لو كان دهاقنة الحكومة قد طلبوا رأيي المتواضع عمّا يُمكن أن يفعلوه لضمان الإنعقاد الآمن والسلس للقمة العربية لأقترحت عليهم الآتي: بدلاً من إنفاق مئات ملايين الدولارات على الإجراءات الأمنية المبالغ فيها والمتعسفة للغاية، فانه يمكن نفي شعب بغداد الى خارجها بتوزيع مئات الملايين هذه على سكان العاصمة وإرسالهم الى الموصل وإقليم كردستان والحبانية والبصرة والأهوار في رحلات سياحية لكي يعيّدوا نوروز ويحتفلوا بانعقاد القمة في الآن ذاته.






442

شناشيل
عراق فاشل ... على أيديهم !
عدنان حسين
للمرة الألف: نحن عراق فاشل .. فاشل تماماً. ونحن كذلك لأن من يتحكّم بمقدراتنا، حُكاماً ومعارضين وخصوماً وأعداء، جميعاً فاشلون فشلاً ذريعاً جعل بلادنا مثل طفل كسيحٍ بالكاد يتحرك، وإذا تحرك ففي المكان نفسه.
الذين يفجّرون السيارات المفخخة والعبوات واللاصقات الناسفة ويقتلون الناس عشوائياً في الشوارع والساحات والكراجات العامة وعند المدارس والمستشفيات والمعابد ودور السكن، سواء كانوا من القاعدة أو من فلول نظام صدام أو من الأطراف السياسية والميليشياوية المتصارعة على السلطة والمال في بغداد، هم جميعاً فاشلون لأن ضحاياهم كلهم، وعددهم بالمئات في كل مرة، أبرياء لا ذنب لهم في أي شيء .. هؤلاء المُفجّرون ليسوا سوى قتلة محترفين يمارسون إزهاق الأرواح وسفك الدماء بدافع من مرض خطير في أنفسهم وبهدف منع العراقيين من الخروج إلى الحياة الحرة الكريمة، فما من شيء يبرر هذه المجازر الدموية. عندما كان هؤلاء يتذرّعون بالوجود الأميركي كنا نقول إنهم كذابون، وهاهم يترجمون كذبهم قولاً وفعلاً.
الذين اقترحوا والذين أمروا والذين نفّذوا الإجراءات الأمنية المبالغ في تشددها، والمبتدأ باتخاذها قبل موعد انعقاد القمة العربية بأسبوعين والمثيرة نقمة شعبية قوية وواسعة، سرعان ما ظهر أن إجراءاتهم فاشلة تماماً، هم أيضاً فاشلون ... فشلهم لم يتأخر، ففي الحال سجل الإرهابيون اختراقاً كبيراً وسريعاً ويسيراً لما وصفت بأنها "خطة أمنية محكمة"، وضربوا في الوقت عينه (الثلاثاء) في 17 موقعاً في العاصمة بغداد والمدن الرئيسة الأخرى، فكانت خطة فاشلة، تكرر فشلها أمس بحدوث تفجير في قلب بغداد.
والذين اقترحوا والذين أمروا والذين نفذوا تعطيل الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات وإغلاق شوارع وساحات رئيسية في بغداد أسبوعاً كاملاً عشية القمة وغداتها هم بدورهم فاشلون بامتياز، فهذه الإجراءات تحوّلت إلى عقاب جماعي لسكان العاصمة الذين لم يتردد الكثير منهم في صبّ اللعنات على رؤوس الحكومة والسياسيين وأهل القمة والعرب أجمعين.
والمعارضون، معارضو الحكومة الفاشلة، بدورهم فاشلون مئة بالمئة. أبقوا على قدم ونصف في السلطة (طمعاً في المال والنفوذ) وعلى نصف قدم في المعارضة .. لم يجيدوا سوى الكلام والتهديد الفارغ والوعيد الأجوف، وساعدوا بذلك على أن يطغى الممسكون بالحكم ويتجبروا ويتكبروا ويحرفوا مسار القطار العراقي ليعود إلى محطة الدكتاتورية البغيضة.
كلهم فاشلون .. حكامنا ومعارضوهم على السواء. ودليل الفشل أن أحدا منهم لم يحقق شيئاً .. لا الحكام أثبتوا أنهم على حق في تفردهم وطغيانهم، ولا المعارضون أظهروا أن معارضتهم حقيقية تطال نهج الحكومة وسياساتها ومنزهة من فساد الحصص والنسب في العقود والصفقات المليارية والمناصب الحكومية.
الاعتراف بالخطأ فضيلة، فاعترفوا بأنكم  كنتم ومازلتم على خطأ، وبأنكم فاشلون، كما وضعها في وجوهكم، مباشرة وصريحة وواضحة، رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي عرفكم عن قرب وخبركم في تجارب لا عدّ ولا حصر لها، فهجتم في وجهه بطريقة أكدت فشلكم في الواقع .. اعترفوا بفشلكم لتنقذوا أنفسكم من ظلم أنفسكم ولكي تفتحوا كوّة يدخل منها ضوء الأمل في نهاية النفق الذي حشرتم فيه ثلاثين مليوناً من البشر بالتمام والكمال.


443

شناشيل
شكرا لهذا الإعتراف النيابي
عدنان حسين
شكرا للرب لأن أحداً في لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب قد أيّدنا أخيراً في رأينا بأن ما يسمى رسمياً بـ "قانون حقوق الصحفيين"، وهو في الحقيقة قمينٌ بأن يُسمى "قانون حقوق السلطة التنفيذية على الصحفيين" أو "قانون حماية الحكومة من الصحفيين"، غير كاف لتوفير الحماية للصحفيين وللعمل الإعلامي.
عندما قدمت الحكومة مشروع القانون الذي فاخرت نقابة الصحفيين بأن مساهمتها في إعداده كانت أساسية، وجد عدد من الصحفيين والإعلاميين ورجال القانون والناشطين المدنيين والمنظمات الدولية ذات الاختصاص أن المشروع لا علاقة له من قريب أو بعيد بحقوق الصحفيين وفي المقدمة منها حقهم في الوصول الحر إلى المعلومات وحقهم في البث الحر لهذه المعلومات، فضلاً عن حقّهم في الحماية من أي تدخل أو تعسّف أو رقابة، وبالذات من الحكومة وأجهزتها المختلفة.
وبفضل هؤلاء تحوّل مشروع القانون الذي أريد للبرلمان أن يمرره على عجل، إلى قضية رأي عام ما اضطر لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية إلى تنظيم جلسة استماع داخل البرلمان اصطف فيها نواب دولة القانون إلى جانب ممثلي النقابة للدفاع عن المشروع المشين، لكن قوة ووجاهة الآراء المطالبة بتعديل القانون دفعت البرلمان إلى إجراء تعديلات طفيفة لم تُغيّر كثيراً في جوهر القانون، ما حثنا على السعي مع رئاسة مجلس النواب وعدد من النواب لإقناعهم بضرورة تأجيل القراءة الأخيرة للقانون بعض الوقت لمزيد من النقاش العام، وقد وعدنا رئيس المجلس بمهلة شهر للنشاط مع النواب من أجل إجراء تعديلات على القانون المقترح، لكنه سرعان ما نكث بوعوده وتنصّل عن تعهداته ودبّر مع الحكومة في ليلة ظلماء أمر طرح القانون على التصويت فمرر البرلمان صيغة مرتبكة لا تشرّفه ولا تشرّف من صوّت عليها، لأنها بكل بساطة لم تضمن حقوق الصحفيين الأساسية، بل جرّدتهم من هذه الحقوق تحت شعار "عدم مخالفة" القانون والنظام العام والآداب العامة!
الآن يعلن عضو لجنة الثقافة والإعلام النيابية سامان فوزي إن "قانون حقوق الصحفيين لا يكفي لحماية الصحفيين ولتهيئة الأرضية السليمة للعمل الإعلامي، بل هنالك حاجة لقوانين أخرى" بحسب ما نقلت عنه أمس وكالة (شفق نيوز) التي نسبت أيضاً إليه القول انه "لابد من قوانين داعمة كتشريع قانون تنظيم العمل الإعلامي، وكذلك قانون حق الوصول إلى المعلومات".
منذ تشريع القانون في العام الماضي حتى الآن لم يُسجل أي تقدم على صعيد حقوق الصحفيين، فقد مُنع المئات منهم من الحصول على معلومات ضرورية ومن الوصول الى مصادر هذه المعلومات، بل جرى الاعتداء المسلح  من قبل عناصر الأمن على العديد من الصحفيين والإعلاميين وعومل آخرون بما يمس كرامة الصحفي ويهينه في مهنته.
ربما لهذا السبب لم يتردد النائب فوزي عن دعوة "القضاء العراقي إلى محاسبة منتهكي حقوق الصحفيين، ونقابة الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان إلى أن تكون أكثر فاعلية في رصد الانتهاكات ونشرها بشكل دوري ليطلع عليها الرأي العام والمسؤولين الحكوميين".
"قانون حقوق الصحفيين" ليس فقط غير كاف لحماية الصحفيين والعمل الإعلامي، وإنما هو في الواقع قانون مُشين لأنه لا يُقارن بقوانين البلدان الديمقراطية ولا يتوافق مع التشريعات الدولية ذات العلاقة.. انه قانون ينتمي إلى نمط قوانين نظام صدام.


444
المنبر الحر / شفافية من بارزاني
« في: 12:22 17/03/2012  »
شناشيل
شفافية من بارزاني
عدنان حسين
حسناً فعل رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني بتأكيده المعلومات المتداولة شفاهاً في الأوساط السياسية، بان أطرافاً حكومية نافذة في بغداد أوصلت رسائل الى قيادة إقليم تزيّن لها فكرة تسهيل خروج (هروب) نائب رئيس الجمهورية المطلوب طارق الهاشمي الى الخارج لإغلاق ملف قضيته.
قضية الهاشمي لم تشكّل مأزقاً شخصياً له ولكتلته، العراقية، حسب وانما كانت أيضاً مأزقاً لخصومه. فهؤلاء برغم قوة موقفهم لجهة توفر قرائن ودلائل قوية تدين الهاشمي يخشون، إذا ما سلّم الهاشمي نفسه الى القضاء بارادته أو سُلّم عنوة رغماً عنه، أن يستغل فرصة محاكمته لكشف الكثير مما هو مستور بين الكتل والائتلافات المتوافقة والمتحاصصة، وفقا لمبدأ "عليّ وعلى أعدائي ... وليكن من بعدي الطوفان". والهاشمي بحكم منصبه وشراكته مع خصومه في العملية السياسية يعرف أشياء كثيرة للغاية تتعلق بالفساد المالي والإداري والفساد السياسي وانتهاكات الدستور والقانون، باعتباره شريكا أساسياً في السلطة، ولا بد انه سيقدم الى المحكمة كل الوقائع التي تأخذ معه الى السجن او ساحة الإعدام شركاءه السابقين - خصومه الحاليين.
وفي الواقع ان بارزاني لم يكشف الحجب عن مستور، وانما فتح في العلن ملفاً نعرفه، وأكد على نحو قاطع معلومات هذا الملف. وللتذكير فانني شخصياً كنت قد كتبت ما يلي في هذا العمود قبل ثلاثة أسابيع (المدى في 22/ شباط الماضي http://www.almadapaper.net/news.php?action=view&id=60398
(( بينما جَهِد البعض، وبخاصة ائتلاف العراقية، للتوصل إلى تسوية سياسية  (توافقية) لقضية القيادي فيها نائب رئيس الجمهورية (مع وقف التنفيذ) طارق  الهاشمي، تفيد معلومات بان جهات نافذة في الحكومة دفعت باتجاه أن تأخذ هذه  التسوية صيغة "هروب" الهاشمي إلى الخارج فيُريح ويستريح)).
لم أكن متنبئاً ولا مُبصّراً ولا قارئ فنجان يوم كتبت ذلك العمود. والمعلومات التي استندت اليها في كتابتي استقيتها من مصادر مطلعة بل عليمة أثق بها تماماً وهي عربية، ولاحقاً توثقت منها من مصادر كردية.
الأطراف النافذة في الحكومة التي أرادت توريط الكرد في قضية الهاشمي، بحسب تعبير بارزاني، كانت تهدف الى ضرب عصفورين بحجر: استخدام قضية الهروب (التهريب) إن حدثت ضد الأقليم وقت الحاجة، والاطمئنان الى ان الملفات الشائكة التي يعرف بها الهاشمي لن تُفتح.
نظام المحاصصة والتوافق هو القاعدة الصلبة والأساس المتين للقضايا القذرة التي تحفل بها حياتنا السياسية، وهو القرار المكين لنظام الفساد المستشري في دولتنا الذي لولاه ما تمكّن الهاشمي من الخروج عن الدستور والقانون وهو في منصب نائب رئيس الجمهورية، ولولاه ما استطاع غيره من المستوى نفسه وأقل ان يخرج عن الدستور والقانون في السابق ... وحالياً أيضاً.
ما فعله رئيس اقليم كردستان يصبّ في مجرى الشفافية التي يُريدها الشعب من ساسته ومسؤولي دولته، ونتطلع اليها ونلهث وراءها نحن الاعلاميون.




445

شناشيل
حكاية أسامة الجمالي
عدنان حسين
من قراء هذا العمود الدائمين الذين أعتز بهم الدكتور أسامة الجمالي. ومبعث اعتزازي لا يعود إلى انه ابن رجل الدولة البارز في العهد الملكي محمد فاضل الجمالي، ولا لأنه من الخبراء المرموقين في مجال اقتصاديات النفط، ولا لأنني تعرفت عليه شخصياً في السنوات الأخيرة، وإنما قبل ذلك وبعده لأنه من الحريصين على التعليق على ما أكتب.
الدكتور الجمالي التقيته مرات عدة، في مناسبات ثقافية في الغالب، في الكويت، فهو من الحريصين على حضور الندوات والمهرجانات الثقافية والفنية والمعارض التشكيلية وسوى ذلك من النشاطات الثقافية والفكرية، وهو رجل واسع الثقافة والمعرفة وشديد التهذيب والتواضع أيضاً.
والدكتور الجمالي يكتب لي عبر البريد الإلكتروني ثلاث أو أربع مرات أسبوعياً وأحياناً كل يوم مُعلقاً على ما أكتبه في عمودي هذا. لغته العربية جيدة جداً ولهجته العراقية لا توحي أبداً بأنه يعيش خارج وطنه منذ نحو ستين سنة. تعليقاته التي يكتبها بالإنجليزية تتميز بقصرها الشديد وبأنها نابتة للغاية .. أحيانا تقتصر على كلمة واحدة أو كلمتين، وفي الغالب تنطوي على سخرية وشعور بالمرارة مما يجري في وطننا.
آخر تعليقاته كان حول ما كتبته بشأن الأسعار العالية لتذاكر السفر جواً من وإلى بغداد وسائر المدن العراقية التي تستقبل طائرات الركاب. وهو كتب التالي:
((I am still looking forward to eventually visit Baghdad which I left in 1953.))
"ما زلت أتطلع لأن أزور في نهاية المطاف بغداد التي غادرتها في العام 1953".
ربما كانت لدى مطاراتنا ومراكز الحدود قوائم بالممنوعين من السفر أو الدخول إلى البلاد، لكنني أشك في أن يكون الدكتور أسامة الجمالي أحد الممنوعين من الدخول، لكنه ممنوع بحكم الأمر الواقع. الأوضاع لا تشجع الدكتور أسامة والآلاف من أمثاله من الكفاءات المرموقة المهاجرة على زيارة البلاد ناهيكم عن العودة إليها. وهذه الأوضاع ليست هي الأمنية وحدها، بل تشمل كل شيء بما فيها حال المطارات ومراكز الحدود والشوارع والفنادق ... الخ.
 قبل أن أصل إلى بريطانيا لاجئاً في مطلع التسعينات من القرن الماضي لم أكن أتصور أن لدى العراق مثل هذا الكم والكيف من الكفاءات في مختلف المجالات. ففي لندن وجدت أطباء اختصاصيين ماهرين يترأسون أقساماً في أهم المستشفيات العامة والخاصة، وتعرّفت أيضاً على أساتذة جامعيين يدرّسون في جامعة لندن وسواها من الجامعات البريطانية الشهيرة، فضلاً عن مهندسين ومعماريين ومحامين وعلماء في مجالات مختلفة.
مع تعليق الصديق الدكتور أسامة الجمالي استعدت صور العراقيين ذوي الكفاءات والمهارات العالية الذين قابلتهم وتعرفت عليهم في بريطانيا، وبالتأكيد هناك المئات مثلهم في بقية الدول الأوروبية والولايات المتحدة واستراليا وبلدان أخرى.
منذ سنوات نتنادى من أجل إنقاذ ثروتنا من الغاز الطبيعي المهدورة بالاحتراق .. لدينا ثروة كبيرة تفوق في قيمتها ثروة الغاز والنفط .. إنها عقولنا العبقرية اللاجئة، المنفية، المهاجرة، أو المهجرة، التي تتبدد وتضيع ولا من يسأل ولا من يهتم ولا من يتألم من المشغولين بهمّ السلطة والنفوذ والمال.


446
شناشيل
الفاتحة عن روح ميت شبع موتاً !
عدنان حسين
إقرأوا سورة الفاتحة يرحمكم الله ! .. إقرأوها ثانية يرحم والديكم! .. إقرأوها ثالثة على حبّ النبي وخلفائه وآل بيته... نعم إقرأوا الفاتحة مثنى وثلاثاً ورباع، فلدينا ميت شبع موتاً وترك أهله جثمانه في العراء نحو خمس سنوات كاملات.
إقرأوا الفاتحة عن روح التعديلات الدستورية التي انتظرناها حتى الآن خمس سنوات بشهورها الستين وأسابيعها المئة وعشرة وأيامها التي تُعدّ 1826 يوماً ولياليها التي تعدّ الرقم نفسه بالتأكيد.
إقرأوا الفاتحة فميتنا قد نعاه للتو واحد من أهل الدار، هو رئيس اللجنة القانونية في البرلمان النائب محسن السعدون (إئتلاف الكردستانية) الذي أعلن ان التعديلات الدستورية التي صاغها مجلس النواب السابق ولم يصوّت عليها قد أنتهت بنهاية الدورة الأخيرة لذلك المجلس ( وكالة آكنيوز للأنباء). وهذا في الواقع إعلان بموت فكرة تعديل الدستور الذي أستفتي عليه الشعب قبل ست سنوات.
ولمن نسيَ، لا بد من التذكير بان الدستور الذي أعدّه أمراء الطوائف وأساطين المال والسلطة على عجل، ألزم مجلس النواب السابق بتعديل أحكامه ومواده في غضون أقل من سنة واحدة. وبالفعل تشكلت لجنة قامت باعادة النظر في مواد الدستور واقترحت تعديل وإضافة خمسين مادة، وكان من المفترض ان يصوّت ذلك المجلس على التعديلات المقترحة لتصبح جزءاً من الدستور منذ العام 2006، لكن المجلس إيّاه لم يشأ أن ينظر في التعديلات المقترحة، لأسباب تعكس عدم رغبة الطبقة السياسية الحاكمة في تكريس سلطة الدستور والقانون والإبقاء على نظام المحاصصة والتوافقات باعتباره القانون الأساس غير المكتوب للبلاد.
وها نحن نعرف الآن ان مجلس النواب الحالي قد ألقى بما جهد فيه المجلس السابق الى سلة المهملات، فـ "التعديلات التي أجرتها اللجنة في مجلس النواب السابق انتهت بأنتهاء الدورة النيابية"، بحسب النائب السعدون الذي زاد بالقول ان المجلس الحالي شكل لجنة جديدة للنظر في مواد الدستور ولـ "تقديم المقترحات الخاصة بتعديل فقرات الدستور بعد الحصول على التوافق السياسي بشأنها"، وفقاً للسيد السعدون دائماً.
 التعديلات السابقة لم تمرّ لعدم حصول هذا التوافق السياسي بشأنها. والآن فان الخلافات والمشاكل الناشبة بين القوى التي تشكل البرلمان أقوى بكثير مما كانت عليه في عهد البرلمان السابق، وبالتالي لا أمل في حصول التوافقات المطلوبة واللازمة لتعديل الدستور. القوى السياسية المتصارعة على السلطة معنية بالتوافق في ما بينها على حصة كل منها من المال والسلطة والنفوذ، لا يعنيها في شئ حاجة الناس الى التعديلات الدستورية لتحسين الحياة وتعزيز الاستقرار وتحقيق الأمن.
لم يبق سوى سنتين أو أقل على انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي، وسيكون من اعاجيب العالم الجديد ان ينجح هذا المجلس في ما فشل فيه هو وسابقه على مدى خمس سنوات.
باختصار .. ماتت التعديلات ما دامت قد وُضِعت في عهدة التوافقات السياسية، فاقرأوا على روحها الفاتحة مثنى وثلاثاً ورباع.







447
شناشيل
متى يُصبح السفر جواً في متناولنا؟
عدنان حسين
تُحدد أسعار بطاقات السفر بالطائرات طبقاً للمسافات، وهذا قانون عالمي، لكنك إن أردت السفر من بيروت الى بغداد بطائرات شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية مثلاً يتعيّن عليك أن تدفع السعر نفسه الذي يدفعه مسافر من بيروت الى باريس مع ان الرحلة بين العاصمتين اللبنانية والفرنسية تستغرق أكثر من أربع ساعات والرحلة بين بيروت وبغداد ساعة ونصف الساعة فقط.
الفرق الكبير هذا في السعر يرجع الى ان عاصمتنا مُصنّفة لدى شركات التأمين العالمية باعتبارها مدينة غير آمنة. وهذا التصنيف لم يزل قائماً من دون أي إعادة نظر من شركات التأمين وشركات الطيران ومن دون أي مساع واضحة من وزارة النقل لحدوث مثل اعادة النظر هذه.
لقد مرت سنوات عدة لم يشهد مطار بغداد خلالها أي حادث يهدد أمنه ، وهذا ما شجّع العديد من شركات الطيران العربية والدولية المعتبرة على تسيير رحلات متواصلة الى بغداد، فشركة طيران الشرق الأوسط التي أشرنا اليها في المقدمة تسيّر الى عاصمتنا رحلة يومية وكذا الحال مع شركة عالية الأردنية، وهناك رحلات شبه يومية لطيران الإمارات (دبي) وطيران الإتحاد (ابو ظبي) وشركة الخطوط الجوية التركية وشركة مصر للطيران، بل ان شركة عالمية معروفة باكتراثها الشديد، هي الخطوط النمساوية، تسيّر الآن رحلات منتظمة بين بغداد وفيينا بعد كانت رحلاتها تقتصر على أربيل. وعما قريب ستبدأ شركة الطيران القطرية بتسيير رحلات بين الدوحة وبغداد، كما أعلنت شركتا لوفتهانزا الألمانية وبي أم آي البريطانية عن نيتهما تسيير رحلات الى بغداد.
هذه الشركات لا بد انها درست الوضع جيداً وتوصلت الى قناعة بان أوضاع البلاد أصبحت أكثر استقراراً وأمناً وان تسيير الرحلات الى بغداد ليس مجازفة أو مغامرة محفوفة بالمخاطر..
بعد اسبوعين ستنعقد في بغداد قمة عربية تسبقها اجتماعات لوزراء الاقتصاد والخارجية، وهو حدث لم يشهد العراق نظيراً له منذ 1990. وبالتأكيد ان الزعماء العرب وممثليهم ووزراءهم ما كانوا سيجازفون بالمجئ الى عاصمتنا لو لم تتأكد أجهزة مخابراتهم من سلامة الأجواء العراقية وأمن مطار بغداد.
لم يعد السفر بالطائرات ترفاً يخص الأثرياء، ففي العالم كله يندفع ملايين الشباب، والشيوخ أيضاً، الى السفر الجوي لأسباب مختلفة وغايات عديدة.
السواد الأعظم من العراقيين محروم من التمتع بحرية السفر الى الخارج، وفي الغالب فان ذلك يرجع الى ارتفاع أسعار تذاكر السفر بالطائرات. فهذا يحدّ كثيراً من تمتع الكثير من العراقيين بحقهم في السياحة والاستجمام والعلاج خارج البلاد، كما انه يحد من فرص السياحة في بلدنا، وربما كان في وسع وزارة النقل أن تبحث الأمر مع شركات الطيران وشركات التأمين لإقناعها بتخفيض هذه الاسعار.
لا ينبغي أن يظل العراقيين الإستثناء من قاعدة الإنفتاح على العالم جواً.

 


448

شناشيل
نواب مبشرون بالجنة !
عدنان حسين

صدّقوا أو لا تصدّقوا  الحكاية التالية.. بل ستصدقون بالتأكيد، فنحن  جميعاً، في العراق بالذات، الذي كان بلاداً لحكايات ألف ليلة وليلة المسلية  وأصبح بلاد المليون حكاية وحكاية غير المسلية. والحكاية الجديدة حدثت أمس  في مبنى مجلس النواب، وبالتحديد في القاعة رقم 1، وهي تخصّ نائباً لا يعرف  زملاء له انه عضو في المجلس!
أمس كنت أحضر ندوة موسعة نظمتها لجنة منظمات المجتمع المدني البرلمانية بالشراكة مع المرصد النيابي العراقي التابع لـ "مؤسسة مدارك لدراسة آليات الرقي الفكري". الندوة كانت مكرسة لعرض نتائج التقرير الفصلي عن عمل مجلس النواب خلال الفترة من أول تشرين الثاني 2011 الى نهاية كانون الثاني 2012. وتضمن التقرير المشغول باحترافية وعلمية الكثير من البيانات والمعطيات عن نشاط المجلس وكتله ولجانه وأعضائه.
ومن أبرز البيانات غير المسلية الواردة في التقرير تلك المتعلقة بغيابات أعضاء المجلس.
أكبر نسبة غياب كانت من حصة نواب محافظة صلاح الدين (تكريت) وأقل نسبة من حصة السليمانية وكربلاء. وعلى صعيد الكتل والائتلافات كانت الحصة الأكبر من الغيابات لائتلاف وحدة العراق ثم التوافق ثم العراقية، وأقل نسبة للكتلتين الكرديتين. وبحسب الجنس فان نسبة غياب النساء أقل من نسبة غياب الرجال، أي ان نساء البرلمان أكثر حضوراً والتزاماً (السيدة هناء أدور صفقت بحماسة عند إعلان هذه الحقيقة).
 وفي الإجمال فإن الغياب سمة كبيرة من سمات برلماننا، إذ كان معدل حضور الأعضاء جلسات المجلس خلال الأشهر الثلاثة بنسبة 57 في المئة فقط، وأكثر الجلسات حضوراً غاب عنها 100 عضو من مجموع الأعضاء الـ 325 (الجلسة رقم 3 في 24 تشرين الثاني)، فيما وصلت نسبة الغياب في إحدى الجلسات 49.2 في المئة (الجلسة 15 في 23 كانون الثاني).
ما علينا من الأرقام، فثمة حكايات عجيبة غريبة تدور في برلماننا منها، كما كشفت النائبة الدكتورة حنان الفتلاوي في مداخلتها، ان ما يسجله المجلس رسمياً من معلومات عن غياب وحضور أعضائه غير صحيح في الغالب، وذكرت على وجه الخصوص انه في إحدى المرات غاب 150 عضواً لكن المجلس سجل ان عدد الغيابات في تلك الجلسة كان 4 فقط! كما أشارت الى انه إضافة الى رؤساء الكتل المعفيّين من الحضور من دون أي مبرر ( شخصياً أظن أن هذا الإجراء لا يرجع الى أن رؤساء الكتل مبشرون بالجنة، وإنما جاء كرما لعيون رئيس ائتلاف العراقية الدكتور اياد علاوي غير الخافي احتقاره للمجلس)، فان أعضاء آخرين لا يحضرون أبداً لكنهم يُسجلون حاضرين (مبشرون بالجنة أيضاً في ما يبدو!)، وذكرت أحدهم بالاسم ما جعل رئيس ندوة أمس، وهو رئيس لجنة منظمات المجتمع النيابية، يعلن على رؤوس الأشهاد انه لم يكن يعلم ان زميله المذكور، عضو في البرلمان لأنه لم يره في المجلس أبداً!
الخلاصة ان تقرير المرصد النيابي يخيّب الظن أكثر بمجلس النواب الذي لم يبرئه النائب الأول لرئيسه الدكتور قصي السهيل في كلمته الافتتاحية أمس من القصور والخلل، مشدداً على ضرورة أن "يستجيب المجلس للشارع"، ومؤكداً ان  "البعض لا يقبل بهذا الأمر".
بالتأكيد ان هذا البعض هو ممن أدمن الغياب عن جلسات المجلس، أي ممن وضع نفسه في موضع المبشرين بالجنة وكان على قطيعة مع الشارع.


449
شناشيل
الإيمو .. بين الداخلية والمتحدث باسم الحكومة
عدنان حسين
فرق كبير بين ما صرّح به أمس المتحدث باسم الحكومة وما تحدث به بيان لوزارة الداخلية يوم الخميس بخصوص ما يُنشر في الإعلام عن ملاحقة شباب الـ "إيمو" وإساءة معاملتهم وحتى قتلهم بأساليب وحشية من قبل عناصر يُعتقد انها تابعة لجماعات متشددة.
  السيد علي الدباغ قال خلال مؤتمر في كلية دجلة الجامعة "لا توجد أي ملاحقة للمنتمين لظاهرة الإيمو في البلاد "، معتبراً الأمر "حرية شخصية"، ومؤكداً واجب الدولة في حمايتهم باعتبارهم مواطنين يمارسون حريتهم، قائلاً ان "الأجهزة الأمنية ملزمة بحماية الحريات".
هذا الكلام يختلف تماماً عما جاء في بيان وزارة الداخلية يوم الخميس والذي تضمن القول بان "قضية الإيمو تم تضخيمها من قبل بعض الجهات وأخذت أكثر من طبيعتها"! وأن معلومات وسائل الاعلام عن ملاحقة شباب الإيمو وقتلهم "تعتبر أمراً مفبركا"! بل ان البيان انطوى على تحذير مبطن لأجهزة الاعلام والمنظمات الحقوقية قائلاً "تحذر (الوزارة) كل من يحاول استغلال وتوظيف الموضوع بتوظيفات سلبية (....) وستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق كل من يحاول الترويج لهذه الحالة وإخراجها خارج إطارها".
وبينما اعترف البيان بحدوث حالات قتل لعدد من الشباب في الفترة الأخيرة، الا انه اعتبر ان "جميع حالات القتل التي أشيع عنها في وسائل الاعلام كانت لأسباب ثأرية واجتماعية وإجرامية تحدث دائماً"، من دون أن يفسّر لماذا كان شباب الإيمو بالذات مقصودين بها، ولماذا كان عدد من الضحايا قد هُشمت رؤوسهم تهشيماً، مثلما لم يفسّر لماذا ظهرت قوائم باسماء أعداد من شباب الإيمو في قوائم تحذيرية في بعض مناطق بغداد.
 إصرار وزارة الداخلية على نفي اضطهاد شباب الإيمو من قبل عناصر منها ومن الجماعات المتشددة يشبه إصرار الأجهزة الأمنية التي ظلت تلاحق شباب التظاهرات في العام الماضي وتسئ معاملتهم، على نفي ذلك جملة وتفصيلاً ، مع ان عدداً من شباب التظاهرات ظهروا في مؤتمرات صحفية ومقابلات تلفزيونية وتحدثوا بالتفصيل عما تعرضوا له، وعرضوا آثار التعذيب على أجسادهم.
بمثل بيان الخميس لن تستطيع وزارة الداخلية التنصل من مسؤوليتها في ضمان أمن الناس وحماية حقهم في التمتع بحرياتهم المدنية والسياسية التي يكفلها الدستور، فهذا هو واجبها الدستوري والتزامها السياسي والاخلاقي.
لا أحد مفوض من الله أو من الشعب بان يكون مسؤولاً عما تلبس الناس وتأكل، وليس من حق أحد داخل الأجهزة الحكومية وخارجها أن يحاسب الناس عن أي شئ، فالقضاء هو الجهة الوحيدة المخولة دستورياً تجريم الخارجين على القانون والنظام، ومن واجب وزارة الداخلية وأجهزتها أن تمنع أي تجاوز على حريات الناس وحقوقهم، ومن مسؤوليتها ملاحقة كل من يُسئ الى الآخرين بمن فيهم شباب الإيمو/ ومن مسؤوليتها أيضاً اعتبار قتل هؤلاء الشباب عملاً ارهابياً، كما أكد معتمد المرجع الأعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني في بغداد الشيخ عبد الرحيم الركابي.

 








450
المنبر الحر / العطلة أم العمل؟
« في: 16:22 10/03/2012  »
شناشيل
العطلة أم العمل؟
عدنان حسين
لا يتمتع البريطانيون سوى بسبعة أيام من العطل الرسمية في السنة بطولها وعرضها، تتوزع على ستة أشهر. ومنذ سنوات دعا بعضهم الى إضافة عطل جديدة ليكون المجموع 9 أيام كما هو معمول به في دول أوروبية أخرى أو 12 يوماً على عدد أشهر السنة، لكنّ الفكرة لم تلق قبولاً لدى أرباب العمل والبرلمان.
 أرباب العمل والبرلمان في بريطانيا أجروا حسبة بسيطة للغاية، بواسطة الكومبيوتر، استنتجوا من خلالها ان كل يوم عطلة يكلّف الاقتصاد الوطني عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية.
مطروح على برلماننا الآن مشروع قانون قدمته الحكومة يقترح جعل العطلة الرسمية 20 يوماً في السنة. وكما في كل شئ آخر فان هناك جدلاً وخلافاً بين أعضاء مجلس النواب في خصوص هذا الأمر، لا يتعلقان بعدد أيام العطل وإنما بالمناسبات التي يجري التعطيل فيها. البعض لا يريد أن يجعل من يوم سقوط النظام السابق (9/4) أو يوم سقوط النظام الملكي (14/7) عطلة رسمية، والبعض يريد أن يكون العيد الوطني للبلاد هو يوم تأسيس النظام الملكي (23/8/1921)، أو يوم قبول العراق عضواً في عصبة الأمم وتحرره من الانتداب البريطاني (3/10/1932)، أو يوم سقوط النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري (14/7/1958).
وهكذا فان نوابنا، ونحن من ورائهم، مختلفون كثيراً، ووراء هذا الاختلاف أو جملة الاختلافات، بواعث ودوافع عدة، سياسية ودينية ومذهبية وقومية.
وبصرف النظر عن هذه الاختلافات فاننا في الواقع لا نحتاج الى 20 يوماً للعطل الرسمية ولا حتى عشرة أيام، ذلك ان العطل الواقعية التي نأخذها رغماً عن أنف القانون والدستور تُعدّ بالأسابيع والأشهر وليس بالأيام.
لنبدأ بأهم مؤسسة في دولتنا، البرلمان، فثمة العديد من أعضاء هذه الهيئة التي تشرّع القوانين وتراقب أعمال الحكومة، يُعطّلون عن العمل وينصرفون عن جلسات مجلس النواب على هواهم، متى شاءوا وكيفما شاءوا من دون اعتبار لمصالح الناس، الذين انتخبوهم في الأقل، وقد كشف النقاب أخيراً عن ان بعض النواب يسجل حضوراً شكلياً وينصرف .. الى شؤونه الخاصة أو الحزبية بالطبع، بل كُشف أيضاً عن ان بعض النواب كان يُصوّت الكترونياً نيابة عن زملائه وهو أمر محظور!
ويوفّر بعض المناسبات الدينية فرصة كبيرة لعطل طويلة الأمد لأعداد غفيرة من الموظفين والعمال.
الأساس في العطل انها أعطيت لتوفير الراحة للعاملين في مناسبات دينية ووطنية توقيراً لهذه المناسبات. واذا كثرت هذه المنسبات سيضعف جانب التوقير، وعليه لا أظن اننا  نحتاج الى أكثر من أربع عطل رسمية بالمناسبات الوطنية والأممية (عيد رأس السنة الجديدة، عيد نوروز، عيد العمال العالمي، العيد الوطني) فضلا ً عن الأعياد الدينية ( رأس السنة الهجرية والمولد النبوي والفطر والأضحى، الفصح وعيد الميلاد، أعياد الصابئة المندائية وأعياد الإيزيدية).
أكثر من الحاجة الى تشريع قانون بعشرين يوماً عطلاً رسمية، نحتاج الى قرارات لنشيط العمل في أيام العمل لإعادة الحياة الى المصانع والمزارع وتنمية المدن والقرى وتنظيف الشوارع ... وسوى ذلك.









451

شناشيل
لها التبجيل والحب في يومها
عدنان حسين

من أجلكِ نُهادن اليوم .. نغادر ساحة معركتنا اليومية من أجل العراق الجديد الذي ضحينا بزهرة الشباب في سبيله ... ومن أجلك ننزل من خشبة مسرحنا التي نصيح من فوقها بأعلى صوت لأجل هذا العراق، الحر، الديمقراطي، الفيدرالي، الصاعد في طريق التنمية والتقدم.
من أجلك أيتها المُبجلة .. أماً رؤوماً .. أختاً حنوناً .. حبيبةً – خطيبةً – زوجةً، معشوقة .. ابنةً حبيبة .. صديقةً صدوقة، نضع جانباً همومنا وبلايانا ورزايانا، ونكرّس لك النفس والوقت .. نحتفي بك في يومك الربيعي المزهر .. نحتفل بعيدك الأممي.
 اليوم نلثم الأكف، وجهاً وظهراً.
اليوم نقبّل الأنامل العشرة واحداً واحدا.. نشرب في صحتك، ونأكل الحلوى في عافيتك.
 اليوم نقدّم لك الزهور ونُشعل شموع التقدير والتوقير.
ما من أحد غيرك جدير بهذا كله وأكثر أيتها السيدة المبجلة.
اليوم، من أجلك نُهادن الفاسدين والمفسدين .. نسكت عن البيروقراطيين الذين لا يرفّ لهم جفن إن انقطعت الكهرباء، أو غرقت الشوارع بالأزبال، أو مات المئات من الفقراء والمرضى بسبب سوء التغذية أو نقص الدواء، أو زاد جيش العاطلين عن العمل، أو نقصت الحصة التموينية، أو ..أو.
في يومك أيتها المرأة، نريد للأغاني أن تصدح لك وحدك.
نريد اليوم أن تخصّك العصافير والبلابل والحمائم بتراتيلها.
 اليوم نريد أن تُقرع لك الأجراس، أيتها المُبجلة .. الأم الرؤوم .. الأخت الحنون .. الحبيبة – الخطيبة – الزوجة، المعشوقة .. الابنة الحبيبة .. الصديقة الصدوقة.
لك الحب أيتها المرأة.


452
شناشيل
من الهيبيز .. الى الإيمو
عدنان حسين
هل تتذكرون الهيبيز؟ .. معظمنا، شباب أواخر الستينات وأوائل السبعينات، كنا هيبيزاً بشكل ما .. بشعورنا الطويلة وبناطيلنا العريضة وبروحنا الثورية المتمردة على واقعنا المتخلف. بيد اننا، كما سائر هيبيز العالم، لم نؤذ أحداً.. لم نسرق ولم نكذب.. لم نتجاوز على حق أحد أو ملكية أحد أو خصوصية أحد.. ولم نتواكل في الدراسة والعمل.
نعم هكذا كنا، ومع هذا فقد شُنّت علينا الحملات الجائرة من مؤسسات سياسية ودينية حاولت الصاق تهم ما انزل الله بها من سلطان بالحركة التي جند خيرالله طلفاح الشرطة والانضباط العسكري لملاحقة عناصرها، ولم يفلح.
كل ما قيل من ذم في حق حركة الهيبيز باعتبارها حركة غير أخلاقية وصهيونية وماسونية وسوى ذلك لم يكن صحيحاً بالمرة .. الهيبيز (Hippies) لم تكن سوى حركة شبابية - طلابية سلمية محبة للطبيعة، انطلقت من الولايات المتحدة وانتشرت في باقي بلاد الغرب ثم العالم.. حركة مناهضة للحروب وللمادية والنفعية وثقافة الاستهلاك وسواها من قيم المجتمع الرأسمالي، وتدعو الى عالم تسوده الحرية والمساواة والحب والسلام.. شعارها الرئيس كان "الحب وليس الحرب".
الآن يتكرر السيناريو نفسه مع "إيمو" (emo) التي هي الأخرى حركة شبابية – طلابية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بعبادة الشيطان أو بمص الدماء أو بالتفسخ الأخلاقي، كما تحاول جهات سياسية وحكومية ودينية تصويرها لتبرير تجاوزات هذه الجهات على الحريات المدنية التي كرّسها الدستور وكفلها.
الإيمو مأخوذة عن كلمة "emotional" (ايموشنال) التي تعني: عاطفي أو حسّاس أو وجداني، وهي ليست ديانة أو مذهباً ولا علاقة لها هي الأخرى من قريب أو من بعيد بالشذوذ الجنسي الموجود منذ أقدم الأزمان قبل ظهور حركتي الهيبيز والإيمو بآلاف السنين، بل هو منتشر في العالم الاسلامي كما في سائر العوالم الدينية والطائفية والمذهبية، وموجود في المدن المقدسة كما في المدن العادية.
معظم الذين حاربوا حركة الهيبيز في الماضي لم يكن يعرفونها تماماً .. كانت حرباً على السماع والشُبهة .. والذين يحاربون حركة الإيمو الآن هم من الطينة نفسها، يلاحقون عناصرها بشبهة الانحراف والتحلل، فيما معظم شبيبة الإيمو أسوياء، وبينهم مبدعون في الموسيقى والغناء والشعر وسائر الفنون.
بافتراض ان الإيمو حركة اجتماعية سلبية، فهل تُعالج بالأساليب التي تتبعها ما تسمى بالشرطة المجتمعية (شرطة الآداب سابقاً، أو شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيئة الصيت والسلوك في بعض بلاد الجوار) وبعض الحركات الميليشياوية، أي بالتجاوز على القانون؟
منذ أشهر  تسعى الحكومة وكتلها السياسية الى إصدار قانون للعفو العام عن سفاكي دماء ومُزهقي ارواح بالجملة وجلادين ومزوري وثائق وشهادات ومنتحلي شخصية وفاسدين ومفسدين، مرة باسم المصالحة الوطنية وثانية تحت شعار "عفا الله عما سلف".. وثالثة ورابعة.
لا يشكل شباب الإيمو خطراً على المجتمع كخطر الأزبال التي تغطي شوارع مدننا، ولا كخطر انتشار الأوبئة والأمراض في مقابل النقص في القدرات والخدمات الصحية والطبية، ولا كخطر وجود نحو سبعة ملايين عراقي تحت خط الفقر، ولا كخطر عطالة مئات الآلاف من الشباب وتسرّب مئات الآلاف من المدارس، ولا كخطر النقص الكافر في الطاقة الكهربائية.
حلّوا هذه المشاكل والأزمات المزمنة والمتفاقمة أولاً إن كنتم غيورين على المجتمع. هذا الحل بين أيديكم .. انه في المليارات المنهوبة من مال الشعب.




453
شناشيل
ألغام وصواعق مذهبية
عدنان حسين
أفترض أن مطالبة وزير التعليم العالي والبحث العلمي علي الأديب أول من أمس بإزالة "الألغام والصواعق" المذهبية التي تتضمنها بعض المناهج الإسلامية المدرسية، تمشي في الاتجاهين، أي انه يرغب بذلك سواء كانت هذه المفردات لصالح السنة ضد الشيعة أم لصالح الشيعة ضد السنة.
الأديب كان يتحدث في مؤتمر للإعلان عن البدء بتطوير وتغيير مناهج الإسلام في الجامعة العراقية الإسلامية، حيث قال، بحسب ما نقلت "السومرية نيوز"، إن "الألغام والصواعق التي وُضعت في بعض المفردات في المناهج الإسلامية يجب أن تُزال منها"، مُحذّراً "من توظيف مفردات وآيات قرآنية لتصعيد الصراع المذهبي في العراق"، وأضاف أن "التطرف الذي يدعو إلى الاقتتال مناف تماماً لكل المبادئ الأساسية والقيم التي جاء بها الإسلام".
الكثير من مناهج الدراسة في مدارسنا وجامعاتنا، وبخاصة مناهج الدروس الإسلامية والتاريخ، في حاجة ماسّة إلى تغييرات جوهرية. هذا ما يتفق عليه منذ حين الكثير من التربويين والمتخصصين في العلوم الاجتماعية المختلفة، فضلاً عن أهالي التلامذة والطلبة الذين يرون أن بناتهم وأبناءهم يتعرضون إلى نوع من التضليل وغسل الدماغ وتنمية روح الكراهية ومشاعر الحقد على الآخر المختلف مذهبياً ودينياً وقومياً.
لقد آن الأوان لمراجعة مناهج الدراسة في كل المراحل لتنقيتها من "الألغام والصواعق" المبثوثة داخلها، وهذا يتطلب تشكيل لجان يُصار إلى اختيار أعضائها وفقاً لمعايير الوطنية والمواطنة والكفاءة العلمية، وليست بناءً على المواصفات  الطائفية والدينية والقومية، لنضمن أن تُوضع للمدارس والجامعات مناهج تكرّس في نفوس التلامذة والطلبة روح المواطنة والوطنية.
ولكن على خطورة وضعها، فإن المناهج المدرسية والجامعية ليست وحدها الحاضنة للألغام والصواعق المذهبية، فشوارع مدننا تغصّ بمثلها.. جدران المباني الحكومية والدور الخاصة تضجّ بالصور والشعارات المثيرة للنعرات الطائفية. وهذه هي الأخرى في أمسّ الحاجة إلى إعادة النظر، بل منعها بتفعيل القوانين التي تحظر تشويه معالم المدن.
حقيقةً لا أفهم لماذا يُصرّ البعض على نشر عشرات الآلاف من الصور لشخصه، وأحياناً لأبيه وأعمامه أيضاً، بمناسبة ومن دون مناسبة، فكثير من هذه الصور تُصبح ألوانها حائلة بعد فترة أو تتأثر بالمطر والريح والغبار وكذلك بالأوساخ والقاذورات المتصاعدة بسبب حركة السيارات في الشوارع، فتتحول الى مشهد مزعج يخدش الأذواق والحواس ويُسيء إلى مناظر المدن التي تعاني في الأساس من مشاهد النفايات والأتربة والمياه الآسنة وسواها مما تزدحم به الشوارع والأزقة والساحات.
من غير المفهوم كيف لم يعتبر القائمون على نشر هذه الصور بما آلت إليه صور صدام حسين والشعارات التي تُمجده وتمجد حزبه! ومن غير المفهوم كيف تقبل الشخصيات الدينية التي تملأ صورهم جدران المباني بان يجعلوا من أنفسهم، عبر هذه الصور، محلاً للتندر والسخرية.. وكذلك ألغاماً وصواعق مذهبية!


454
المنبر الحر / ليبيا .. ونحن
« في: 12:41 05/03/2012  »
شناشيل
ليبيا .. ونحن
عدنان حسين
أكيد أن العالم غداً أفضل وأجمل وأكثر أماناً من دون معمر القذافي، مثلما  صار كذلك من دون صدام حسين وقبله هتلر وموسوليني وستالين وفرانكو وسالازار  وبينوشيه وبول بوت وأمثالهم. لكنّ ليبيا لم تُصبح بعد أفضل وأجمل وأكثر  أماناً مما كانت عليه مع القذافي مثلما لم يُمسِ العراق بعد بالصورة التي  رسمناها له بعد صدام، صورة العراق الأفضل والأجمل والأكثر أماناً.
منذ يومين نُشرت أخبار عن تقرير أعدته لجنة التحقيق الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام القذافي للتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية التي كانت ترتكبها قوات القذافي ضد المنتفضين.
التقرير الذي سيناقشه مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة يخلص إلى أن قوات القذافي ارتكبت "جرائم دولية ضد الإنسانية في إطار هجوم واسع شنته بشكل ممنهج ضد السكان المدنيين"، وإن "أعمال القتل والتعذيب والسلب والنهب لا تزال مستمرة في ليبيا في ظل حكم السلطات الجديدة".
الزميل اللبناني كمال قبيسي واحد من أنبه الصحفيين العرب.. انه ينقّب ليل نهار عبر الإنترنت عن أخبار يتقصّاها بجَلد وعناد ليصنع قصصاً مثيرة ويحوّلها إلى قضايا رأي عام، وهو يعمل الآن مراسلاً لـ "العربية نت" من لندن. آخر قصصه لها علاقة بليبيا ما بعد القذافي، فقد التقط فيلماً موضوعاً في موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب" وكتب عنه قصة قدّم لها بالآتي:
"على وقع أجمل هتافات الإسلام، وهي عبارة "الله أكبر" المستهدفة طغيان كل من تجبّر وتكبّر، يجري التنكيل في ليبيا بمرتزقة أفارقة معتقلين لدى فئة من الثوار، يبدو أنها خرجت على القانون العام والتعامل الإنساني، وحتى عن تعاليم الإسلام بضرورة التعامل السمح مع الأسير. نرى في الفيديو الذي تم وضعه في "يوتيوب" منذ 10 أيام، شاهده خلالها 93 ألفاً، أن "الثوار" وضعوا المعتقلين الذين قادهم فقر مدقع للتعامل مع القذافي، داخل أقفاص مخصصة أصلاً للحيوانات، ربما بعد أن ضاقت سجونهم بمعتقليها، ونراهم وقد سدوا أفواههم بقطع قماش من علم ليبيا القذافية الأخضر، ثم راحوا يتجبّرون عليهم وهم مذعورون".
http://www.alarabiya.net/articles/2012/03/03/198271.html
هذه القصة تعزز تماماً ما جاء في تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن ما ارتكبه ويرتكبه "الثوار" من فظاعات. وخلاصة ما في التقرير وقصة الزميل قبيسي والقصص الكثيرة التي تُنشر في صحافة العالم انه بخلاف ما حصل للعالم فأن الميليشيات المسلحة لم تجعل ليبيا أفضل وأجمل وأكثر أماناً مما كانت مع القذافي، وهذه الميليشيات تابعة للقوى الإسلامية التي تتولى السلطة في ليبيا.
هل نحن بإزاء قانون راسخ يقضي بان تتعامل القوى الإسلامية عندما تتمكن من السلطة بفظاظة وفظاعة مع الآخرين بما يشبه ما كانت تفعله الأنظمة التي عارضتها في السابق؟
هنا في العراق نحن نعيش الحال نفسها منذ إسقاط نظام صدام، فالقوى الإسلامية التي مكّنها الأميركيون من تسيّد المشهد السياسي وقيادة الدولة فشلت فشلاً ذريعاً في جعل العراق أفضل وأجمل وأكثر أماناً مما كان عليه في زمن صدام. وإن كنتم في شك اقرأوا صحافتنا وتابعوا إذاعاتنا وتلفزيوناتنا وراجعوا تقارير المنظمات الدولية المُعتبرة لتتأكدوا من أننا لم نزل، بعد تسع سنوات من إزاحة صدام، دولة فاشلة تماماً.


 



455
شناشيل
ابقوا على المصفحات وقلّصوا الرواتب
عدنان حسين
مثلما كانت هناك قشّة قصمت ظهر بعير ما في زمن ما ليصبح الأمر مثلاً سائراً تتوارثه الأجيال، فإن تخصيص أعضاء مجلس النواب لأنفسهم مبلغ 50 مليون دولار لشراء سيارات مصفحة كان بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير وأثارت  الضجة الواسعة والقوية ضد البرلمان وأعضائه.
ليس الخمسون مليون دولار بالمبلغ الهائل، فهو بالكاد يبني مستشفى أو مجمعاً سكنياً أو يفتح طريقاً سريعة بين بضع محافظات، آخذين في الاعتبار التكاليف المضافة لتغطية مستلزمات الفساد المالي والإداري. وهذا المبلغ لا يُقارن برشوة صفقة واحدة من صفقات مشاريع للكهرباء أو النفط أو الغاز أو صفقات شراء مواد غذائية أساسية كالرز والحنطة، فقيمة كل واحدة من الرشاوى مع الشركات الوهمية أو الحقيقية العاملة في هذه الميادين تصل إلى مئات ملايين الدولارات.
في ظروف مثل التي تمر بها بلادنا يمكن الإقرار بقدر من المشروعية لاحتياطات الأمن والأمان الهادفة إلى حماية الشخصيات العامة، وبينهم وربما في مقدمتهم أعضاء البرلمان، باعتبار أنهم مستهدفون من الإرهابيين. لكن هل هناك خطر على أعضاء مجلس النواب يستدعي شراء مصفحات لهم بعشرات الملايين من الدولارات؟
كل أعضاء البرلمان لديهم حمايات ومواكب مدججة بالسلاح من الصعب اختراقها، وبعضهم لديه بالفعل سيارات مصفحة. ونصف هؤلاء الأعضاء في الأقل مقطوعو الصلة بالشعب.. لا يغادرون المنطقة الخضراء إلى الأسواق ومناطق التجمّع الشعبي، وبينهم من ليست له علاقة حتى بناخبيه. وهؤلاء إن خرجوا من المنطقة الخضراء فإلى العواصم الأخرى للاستراحة والتبضع و"البزنس".
علاوة على هذا فإن رواتب أعضاء البرلمان ومخصصاتهم كبيرة جداً لا يمكن مقارنتها برواتب ومخصصات نظراء لهم حتى في أكثر الدول ثراءً ورخاءً وتقدماً.
رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي اقترح على زملائه التراجع وقتياً عمّا وصفه "الحق الدستوري" حتى يحين الظرف الذي "يكون الشعب فيه أكثر تفهماً لعملكم الشاق"، بحسب تعبيره.
أظن أن الاقتراح العملي والصائب هو أن يصار إلى تقليص رواتب النواب ومخصصاتهم إلى النصف .. الآن كل نائب يتقاضى نحو ثلاثين ألف دولار شهرياً عن نفسه وعن حراسه وخدمه وحشمه ( كثير من النواب لا يعيّنون 30 حارساً كما هو مقرر لكل واحد منهم ولا يدفعون لمن يعينونهم الراتب المقرر وهو 750 ألف دينار لكل حارس، أي أنهم يسرقون من رواتب ومخصصات حراسهم). وتقليص رواتب النواب إلى النصف يعني توفير نحو 4 ملايين و875 ألف دولار شهرياً، أي أكثر من 58 مليون دولار سنوياً، أي أكثر من 230 مليون دولار في أربع سنوات.
هذا التقليص له ميزة كبيرة أخرى غير توفير هذه المبالغ، فالطامعون في راتب النيابة ومخصصاتها الباذخة لن يتقدموا إلى الانتخابات البرلمانية، فيما ستتاح الفرصة للآلاف من العراقيين الشرفاء النزيهين المخلصين أن يخوضوا الانتخابات. نعم هناك آلاف وآلاف من العراقيين، نساءً ورجالاً، المستعدين لخدمة بلادهم وشعبهم بأدنى الرواتب والمخصصات.
جربوا مرةً الإعلان عن مثل هذا التقليص لتروا ما يدهشكم على الصعيدين.. صعيد مَن يُطلّق البرلمان ويرحل إلى العواصم الأخرى، وصعيد مَن يُقبل على الخدمة العامة من أرفع الكفاءات بأقل المقابل.

 



456
شناشيل
بغداد تتفجر وتختنق  .. هم يضحكون !
عدنان حسين
ضحك الإرهابيون مِلأ أشداقهم يوم الخميس (أول من أمس) ربما أكثر مما ضحكوا الخميس السابق الذي استطاعوا في إحدى ساعاته أن يفجّروا 22 مفخخة دفعة واحدة في العاصمة بغداد ومدن أخرى (بعض المصادر يؤكد ان الرقم الحقيقي أكبر من الرقم الرسمي هذا)، متسببين في مقتل وإصابة المئات من الأطفال والشبيبة والشيوخ الذين لم يكن لهم أي ذنب غير انهم عراقيون.
في الخميس الأسبق شبع الإرهابيون ضحكاً لأنهم حققوا مرة أخرى نجاحاً كبيراً .. أعدّوا المواد المتفجرة أو جلبوها من أمكنة ما ولم يتنبّه اليهم أحد في الأجهزة الأمنية! .. فخّخوا بها سيارات وحاويات وأشياء أخرى ولم يكتشفهم أحد! .. ثم فجّروا مفخخاتهم ولم يُمسك بهم أحد، في أجهزة الأمن دائماً!
أما ضحكهم في الخميس الأخير فهو لأن أجهزة الأمن اتخذت في هذا اليوم إجراءات مزعجة للغاية في شوارع العاصمة تسببت في اختناقات مرورية غير مسبوقة الا في النادر .. الأرجح ان هذه الأجهزة تحسّبت لوقوع تفجيرات جديدة في هذا اليوم، فإذ بدا ان الخميس هو اليوم المفضل للإرهابيين لكي يضربوا، أقامت القوات الأمنية نقاط تفتيش (سيطرات) إضافية في معظم شوارع العاصمة وحصرت المرور في السيطرات بمسرب واحد بدل اثنين في العادة، والنتيجة يوم آخر لزيادة النقمة على الدولة بدل الارهابيين، فقد انحشر الكثير من الموظفين والعمال ومراجعي الدوائر والمتسوقين في السيطرات وتقطّعت السبل بكثيرين آخرين، وغدا التنقل داخل العاصمة عذاباً حقيقياً. إحدى الصديقات استغرقت رحلتها من الجادرية الى مدخل المنصور ساعتين ونصف الساعة، واحد المواطنين أبلغ قناة تلفزيونية وطنية انه كان قادماً من محافظته الى العاصمة لملاحقة معاملة لدى إحدى الدوائر فأرسلته هذه الدائرة الى دائرة أخرى استغرق وصوله اليها ساعتين ولم يشأ أن يعود الى الدائرة الأولى لإدراكه انه لن يصل الا بعد موعد انتهاء الدوام، فتعيّن عليه البقاء في بغداد حتى الأحد أو العودة الى محافظته، وفي الحالين سيتكبّد نفقات كبيرة.
ليس الإرهابيون بهذه الدرجة من عدم الحيلة والمكر لكي يغفلوا عن احتمال قيام الأجهزة الأمنية بتشديد اجراءاتها.. لقد توقعوا ذلك بالتأكيد ورأوا، كما في مرات كثيرة سابقة، الا يعاودوا التفخيخ والتفجير الا بعد أن يمر وقت تخفّ فيه الإجراءات وتعود الأجهزة الأمنية الى خدرها وتراخيها. وللانصاف فان الأجهزة الأمنية لا تتحمل المسؤولية الرئيسة عن الفشل في السيطرة على الإرهاب، فهذا يرجع الى الفشل التام الشامل، سياسياً اواقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، لدولتنا.
إجراءات الخميس الأخير وتفجيرات الخميس الأسبق رفعت من مستوى النقمة الشعبية الواسعة حيال دولتنا، بحكومتها وبرلمانها وهيئاتها ومؤسساتها "المستقلة"... هذه النقمة متأتية من الشعور الراسخ والمتفاقم بفشل دولتنا .. الإرهاب يجد بيئة مناسبة له في هذه النقمة، وهذه النقمة يتطلب الخلاص منها تصحيح مسار العملية السياسية بالغاء نظام المحاصصة والتوافقات المتجاوزة على الدستور والقانون، ويتطلب أيضاً مكافحة الفساد المالي والإداري بالأعمال الملموسة وليس بالأقوال الكاذبة .. مكافحة الفساد تعني توفير الأموال لعملية التنمية، والتنمية تعني توفير فرص العمل والقضاء على البطالة وتأمين الخدمات والاحتياجات الأساسية، أي الحياة الكريمة للناس .. وهذا كله يعني حب الناس لدولتهم: الحكومة والبرلمان والقضاء والهيئات المستقلة .. هذا هو الشرط الأول والرئيس لدحر الإرهاب وليس الإجراءات المزعجة المزيدة للنقمة كما حصل الخميس الأخير.



457
شناشيل
الى الأبد .. بشار الأسد!
عدنان حسين
من خمسة استفتاءات وانتخابات رئاسية في سوريا فاز فيها الرئيس الراحل حافظ الأسد على مدى ثلاثين سنة، لمدة سبع سنوات لكل واحدة ( لم يكن هناك من ينافسه فيها على الإطلاق) حضرتُ اثنتين منهما هما اللتان أُجريتا في 1985 و1992. وبالطبع كانت النتيجة فيهما كاسحة(أكثر من 99 بالمئة).
انتخابات 1992 بالذات كانت نتيجتها 99.98 بالمئة، ويومها تداول السوريون نكتة تقول انه بعد إعلان تلك النتيجة لم ينم عناصر المخابرات السورية  ليلهم، لماذا؟ لأنهم انشغلوا في محاولاتهم لمعرفة من هم الـ 00.02 بالمئة الذين خرجوا عن الطاعة ولم يصوتوا للأسد!
أتذكر أيضاً أن صحفية أميركية كانت تعمل لصحيفة "نيويورك تايمز"، هي الصديقة سوزان ساكس، اتصلت بي في تلك الأيام لتُعلمني بوصولها إلى دمشق من أجل تغطية حدث الانتخابات .. تمشينا في شوارع عدة كانت تغصّ باللافتات الكبيرة والصغيرة وبسلاسل مصابيح الكهرباء الملونة. كما كانت هناك صورة كبيرة للغاية لحافظ الأسد تغطي بالكامل واجهة مبنى حكومي من ستة أو سبعة طوابق يطل على ساحة يوسف العظمة في قلب دمشق. سألتني سوزان عما تقوله إحدى اللافتات الكبيرة غير بعيد عن تلك الصورة هائلة الحجم، فترجمت لها: "الى الأبد .. يا حافظ الأسد". سألتني سؤالاً منطقيا للغاية: لماذا إذاً يعملون انتخابات؟ فأجبتها مقترحاً أن تسأل أحد المسؤولين السوريين الذين كانت تسعى لمقابلتهم. لا أظنها سألت لأنها تعرف أن سؤالاً كهذا لا جواب له عند هؤلاء المسؤولين. 
منذ يومين أعلن النظام السوري أن الاستفتاء على الدستور الجديد الذي يُفترض انه سينتقل بالبلاد من النظام البعثي الشمولي طويل الأمد (منذ 1963) إلى النظام الديمقراطي، حقق نتيجة 89.4 بالمئة. لا أظن أن سوريي هذه الأيام قد أنتجوا نكتة مشابهة لنكتتهم في العام 1992. ومن أين لهم روح الدعابة والهزل وهم في حال الفجيعة  يخوضون حمامات الدم التي تجتاح بلادهم من أقصاها إلى أقصاها منذ اثني عشر شهراً؟
ومن المؤكد أن ما يزيد من شعورهم بالفجيعة أن الدستور الجديد إنما وُضع لتكريس ولاية بشار الأسد 16 سنة أخرى زيادة على سنيه الاثنتي عشرة المنقضية حتى الآن، فمع أن المادة 88 من هذا الدستور تنصّ على أن الرئيس لا يمكن أن يُنتخب لأكثر من ولايتين، مدة كل منهما سبع سنوات، إلا ان المادة 155 تقضي بأن حكم المادة 88 لا ينطبق على الرئيس الحالي الا اعتباراً من الانتخابات الرئاسية المقبلة التي لن تجري الآن وإنما في 2014 بعد ان تنقضي الولاية الحالية لبشار.
باختصار ان شعار "الى الأبد .. يا حافظ الأسد" يترجمه الدستور الجديد على النحو الآتي: "إلى الأبد .. بشار الأسد"!


458
شناشيل
من خليل كنة وفاضل البراك .. الى جهاز مخابراتنا الحالي

عدنان حسين

مع كل نوبة تفجيرات إرهابية يطلع علينا مسؤولون في الحكومة وزملاء لهم في البرلمان بما يوجّه الأنظار نحو فكرة أن نجاح الإرهابيين في عملهم لا علاقة له بعيوب النظام السياسي ومثالب العمل الحكومي، وانما هو يرجع الى ضعف العمل الاستخباري من دون حتى تبيان أسباب هذا الضعف.
هل يعود ذلك الى عزوف الناس عن الالتحاق بأجهزة المخابرات مثلاً؟ أم لأن تخصيصات هذه الأجهزة في الموازنات السنوية محدودة؟ أم لأن هذه الأجهزة خاضعة لقانون المحاصصة الساري في دواوين الدولة والذي جعل منها دولة فاشلة في كل القطاعات بما فيها قطاع الأمن الذي يشمل المخابرات؟
أياً كان السبب أو جملة الأسباب التي يُمكن أن يُقدمها المسؤولون الحكوميون والنواب الذين درجوا على الحديث عن القصور في العمل الاستخباري، فاننا خلال اليومين الماضيين اكتشفنا السبب الرئيس لذلك. فلدينا جهاز مخابرات مُعتبر في ما يبدو، يعمل بكفاءة عالية تشبه كفاءة جهاز المخابرات في عهد صدام حسين بدليل انه يقتفي آثاره ويتتبع خطواته.
وتفصيل ما اكتشفناه يعكسه الكتاب السري الذي ذاع صيته وانتشر خبره خلال الأيام الماضية، وأعني به كتاب جهاز المخابرات 3061 (سري وشخصي) المؤرخ في 20 /2/2012 والموجّه الى قيادة عمليات بغداد. واستناداً الى هذا الكتاب جرى التوجيه بما يلي:
(( ينوي بعض أعضاء الحزب الشيوعي تنظيم تظاهرة يوم 25 شباط (الحالي) في محافظة بغداد - ساحة التحرير إحياء للذكرى الثانية لأنطلاق التظاهرات يطالبون فيها توفير فرص عمل وانهاء الخلافات السياسية لذا اقتضى الأمر متابعة تحركات أعضاء الحزب المذكور أعلاه كلاً ضمن قاطع المسؤولية واعلامنا بتحركات أعضائه واسمائهم لغرض متابعتهم من قبل الجهات المعنية. كما يرجى اتخاذ ما يلزم بصدد المعلومات آنفاً من إجراءات أمنية مشددة وتوفير تدابير الحيطة والحذر وفقا للقانون)).
إذن فان ضعف العمل الاستخباري تجاه الارهاب والارهابيين لا يعود الى نقص في التمويل البشري أو المالي وانما الى ان جهاز مخابراتنا يعمل في الاتجاه المعاكس لاتجاه واجباته ومسؤولياته، كما يكشف الكتاب السري .. انه منشغل عن الإرهاب والإرهابيين بمتابعة وطنيين عراقيين مناهضين للإرهاب والإرهابيين وللفساد والمفسدين ولنظام المحاصصة والقائمين عليه وللتعديات السافرة على حقوق الشعب وحرياته وللتجاوزات على الدستور وأحكامه.
لست أدري ان كان قادة جهاز مخابراتنا وعناصره قد قرأوا جيدا تاريخ بلادنا، وبالذات تاريخ الأجهزة الأمنية منذ عهد خليل كنة وبهجت العطية وعبد الجبار أيوب وسعيد قزاز ومروراً بعهد علي صالح السعدي وعمار علوش وناظم كزار وانتهاء بعهد صدام حسين وفاضل البراك، فهؤلاء جميعاً كانوا من ألد أعداء الشيوعيين واشتهروا بتنظيم المجازر في حقهم، لكن ماذا كانت مصائرهم؟
نصيحة مجانية الى جهاز مخابراتنا والقائمين عليه وقيادته العليا له ولسائر الأجهزة الأمنية وقياداتها أن يتأملوا مصائر من سبقوهم في قمع الشيوعيين وسائر الوطنيين، فمعظمهم انتهى نهاية مخزية على أيدي من وظّفوهم في مكافحة الشيوعية والشيوعيين.
((فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى)).


459
شناشيل
تصريح حكومي غير موفق
عدنان حسين
كنت أتمنى لو أن الزميل والصديق علي الموسوي، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء قد اهتم بشأن آخر يعطي فيه رأيه غير التعليق على التظاهرة الصغيرة التي خرجت يوم السبت في ذكرى اليوم العراقي المجيد، يوم التظاهرات السلمية المطالبة بحقوق الشعب المهدورة وحرياته المستباحة من الحكومة بكافة أطرافها وكتلها وائتلافاتها من دون أي استثناء.
السيد الموسوي اعتبر في تصريح له يوم الأحد أن القائمين على التظاهرات "فشلوا" في تحشيد أبناء الشعب العراقي وإقناعهم بمطالبهم، قائلاً إن "قلة عدد المتظاهرين يوماً بعد يوم في ساحة التحرير وسط بغداد أثبت فشل القائمين على التظاهرات في تحشيد المتظاهرين وإقناعهم بمطالبهم"، لينتهي إلى القول ما يبدو انه المغزى المطلوب من التصريح "إن الحكومة ليست وراء نقصان عدد المتظاهرين، فكل ما فعلته من نشر قوات أمنية في ساحة التظاهر كان لحماية التظاهرات، وليس لغرض قمع المتظاهرين".
لا أظن أن المستشار الحكومي كان موفقاً في تحليله، فتظاهرة يوم السبت لم تكن هي الفعالية التي تداعى إليها ناشطو التظاهرات لإحياء ذكرى يوم 25 شباط وتمجيد بطولة شهدائه وجرحاه ومعتقليه الذين نالوا من عسف الحكومة التي يتحدث الصديق الموسوي باسمها ما لا يختلف كثيراً عن عسف نظام صدام حسين.. أعرف ان هذه المقارنة تغيظ كثيرا السيد الموسوي وزملاءه ورؤساءه، لكن هذه هي الحقيقة، ففي 25 شباط 2011 وفي أيام كثيرة لاحقة تجاوزت الحكومة وأجهزتها الأمنية كثيراً على أحكام الدستور باستخدام أساليب القوة الغاشمة والقمع السافر لمنع انطلاق التظاهرات (خطاب رئيس الوزراء التحريضي عشية 25 شباط وفرض حال حظر التجوال في مرتين متتاليتين) وقمع المتظاهرين بعد تحديهم القرارات الحكومية وقتل وجرح العديد منهم وملاحقة واعتقال الناشطين من دون رخصة من القضاء وإساءة معاملتهم بتعذيبهم جسدياً وترهيبهم نفسياً، وهو ما حصل بدل المرة عشر مرات في الأقل على مدى عدة أسابيع، وهذا كله موثّق بالصورة والصوت وبشهادات الشهود العيان. فكيف يستقيم مع هذا قول الزميل الموسوي بأن إجراءات الحكومة ليست وراء نقصان عدد المتظاهرين وان نشر القوات الأمنية كان غرضه حماية المتظاهرين!؟
كنت أتمنى ألاّ يتورّط الزميل الموسوي في الدفاع عن نقطة سوداء في تاريخ هذه الحكومة، فثمة من يُراقب اليوم ويحاسب في المستقبل عن الشهادات غير الصحيحة.. انه التاريخ. وفي الواقع كنت أتمنى أن يحضر السيد الموسوي أو أي ممثل آخر لرئيس الوزراء يوم الجمعة الماضي حيث جرت تحت نصب الحرية في ساحة التحرير الفعالية الاستذكارية الرئيسية، ليقابل جزءاً كبيراً من نخبة البلد الثقافية والمدنية، وليقدم اعتذاراً – ضمنياً في الأقل– عن القمع الحكومي الذي حصل في 25 شباط 2011 وأيام عديدة لاحقة، فالحكومة بلسان رئيسها نفسه أعلنت غداة تظاهرات العام الماضي أن مطالب المتظاهرين وشعاراتهم صحيحة وسليمة ومشروعة وتعهدت بتحقيقها، نافية بذلك – ضمنياً- أن المتظاهرين بعثيون وقاعديون كما جاء في بيان رئيس الحكومة عشية انطلاق التظاهرات.
بدل التعبير عن شعور بالانتصار على المتظاهرين، كنت أتمنى أن يهتم الزميل علي الموسوي بقضايا جوهرية تتصل بحياة الشعب العراقي وبهمومه الثقيلة وبأحوال البلد التي لا تسرّ إلا الأعداء. وعلى سبيل المثال فأنه بينما كان الموسوي يُطلق تصريحه هذا كانت وسائل الإعلام تتناقل خبراً جديداً يتحدث عن مكانة العراق المتأخرة للغاية في مؤشر الأداء البيئي (EPI) الصادر عن جامعة ييل الأميركية والذي يُظهر ان العراق في وضع صعب على صعيد التدهور البيئي، وقضايا إدارة المياه، وتلوث الهواء، حيث "لا تنخفض لديه معايير الأداء بل أنها في تراجع مستمر".
هنا رابط التقرير الكامل للمؤشر لمن يرغب في الإطلاع.
http://epi.yale.edu/downloads


460

شناشيل
نريد العنب لا قتل الناطور
عدنان حسين
علينا أن نحسد وزارة الداخلية بكل قوة لقدرتها الهائلة على تكرار الإسطوانة المشخوطة نفسها من دون كلل ملل أو سأم أو ضجر، فالمرء يحتاج الى أعصاب من فولاذ لكي يتحمل ما تُطلقه الوزارة من تبريرات ووعود بعد كل سلسلة رهيبة من عمليات التفجير الإرهابية.
في كل مرة يُستباح أمننا تسارع الوزارة الى الإعلان عن انها ضبطت وفكّكت من السيارات المفخخة والعبوات الناسفة أكثر من تلك التي انفجرت للتو، وانها قبضت أو في سبيلها الى القبض على الكثير ممن لهم علاقة بالتفجيرات. لكن لماذا لا تضبط الوزارة هذه المفخخات قبل حدوث التفجيرات ولماذا لا تقبض على الإرهابيين قبل ان يقتلوا الناس ويدمروا الممتلكات، فعلم ذلك عند الله والراسخين في العلم!
أمس قالت وزارة الداخلية انها تمتلك "معلومات مهمة" بشأن منفذي تفجيرات الخميس، وان أجهزتها الأمنية "عاملة بكل مستوياتها لغرض إلقاء القبض" عليهم.
بل ان المتحدث باسم الوزارة ذهب الى أبعد من ذلك بالقول ان "ما تم تفكيكه من عجلات مفخخة وعبوات ناسفة ولاصقة في يوم الخميس الماضي، يفوق أو يوازي على الأقل ما تمّ تفجيره من قبل الإرهابيين".
أكثر من هذا ان المتحدث أكد ان القمة العربية المُقرر عقدها بعد شهر من الآن "لن تتأثر بهذه التفجيرات وستشاهدون الإجراءات والترتيبات الجديدة"! (لماذا تقتصر هذه الاجراءات والترتيبات على القمة ولا تشمل العراقيين جميعاً في شتى مدنهم ومناطقهم؟).
ما لا تدركه وزارة الداخلية ان العراقيين الذين صبروا وتصابروا طويلاً على محنتهم في سياسييهم وفي مسؤولي أجهزتهم الحكومية، وبخاصة الأمنية، لا يهمهم إن قُتل الناطور أو تُرك حياً، فما يريدونه هو العنب الذي الأمن والسلام والإستقرار والتنمية، وهذا كله لا يتحقق بكلام التبجّح والمبالغة والتلفيق، فعلى مدى سنوات ظل المسؤولون في وزارة الداخلية وأختها وزارة الدفاع يعيدون على مسامعنا انهم اعتقلوا كذا عدد من الإرهابيين وافشلوا كذا عدد من محاولات التفجير والقتل، لكنهم لا يقدمون تفسيراً مقنعاً عن مواصلة الإرهابيين أعمالهم بوتيرة إن تراجعت في شهر قفزت الى ذروة عالية في الشهر التالي.
وزارة الداخلية وكذا وزارة الدفاع لا تعترفان بان ذلك راجع الى خلل كبير في بنية العملية السياسية أولاً وفي بنية النظام الأمني بالنتيجة.
منذ أيام أعلن مصدر أمني عن اعتقال  مدير استخبارات وكالة المعلومات في وزارة الداخلية بتهمة تسريب معلومات تتعلق بقضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ومن حين الى حين تصدر إعلانات من هذا النوع تتعلق بضباط كبار في الداخلية والدفاع. والسؤال كيف يحدث مثل هذا بينما الدستور ينص على بناء القوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات على أسس وطنية ومهنية؟
الجواب ان معظم التعيينات في وزاراة الداخلية والدفاع والأمن الوطني جرت على أسس المحاصصة التي أتاحت لضباط النظام السابق وعناصر الأحزاب والميليشيات (ضباط الدمج) اختراق النظام الأمني على النحو الذي جعل من بعض أجهزة الأمن والدفاع مراتع للارهاب ومن بعض عناصرها أعواناً للإرهابيين. وهذا مما لا تعترف به وزارة الداخلية التي تتحدث بياناتها واعلاناتها دائماً عن الناطور وليس عن العنب الذي نريد.






461
شناشيل
من فجّر العراق يوم الخميس؟
عدنان حسين
ما حدث يوم الخميس الأخير في 19 منطقة من مناطق البلاد المختلفة ليس مجرد "خروقات أمنية"، بحسب التعبير المعتاد لمسؤولي الأجهزة الأمنية الكبار الساعين دائماً الى التهوين من شأن التفجيرات الإرهابية لتفادي التبعات التي يُفترض أن يتحملوها هم وكبار السياسيين باعتبارهم مسؤولين مسؤولية كاملة عن أمن البلاد واستقرارها.
ما حدث يوم الخميس مجزرة كبيرة أخرى أُزهِقت  فيها العشرات من الأرواح البريئة فترمّلت زوجات وتيتّم بنون وبنات وفُجعت أمهات وآباء وأخوات وأخوة وأحبة غيرهم وزملاء وأصدقاء، وتقطّعت أوصال مئات آخرين أو اخترقتهم الشظايا الحامية، وأُلحقوا بجيش المعوّقين والجرحى الذين بعد اسبوع او اسبوعين ستنساهم الدولة ويتغافل عنهم مسؤولوها المنصرفون الى صراعاتهم والمشغولون بمؤامراتهم من أجل المال والسلطة والنفوذ.
ما حدث الخميس هو الآخر اختراق أمني وسياسي من العيار الثقيل الذي لو حدث ما يعادل ربعه أو أقل في بلاد أخرى لاستقال خمسة أو ستة من كبار جنرالات الداخلية والدفاع والاستخبارات، بل الحكومة كلها. وهو يُقدم دليلاً على ان النخبة الحاكمة على اختلاف كتلها وائتلافاتها، وبخاصة التحالف الوطني وائتلاف العراقية وائتلاف الكردستانية، غير جديرة بادارة البلاد . انها مُنتجة مشاكل وأزمات وليس بوسعها أن تكون مُنتجة حلول. ولو كان لدى أفراد هذه النخبة أدنى حد من الغيرة الوطنية لقدّموا استقالاتهم الى الشعب الذي وضع ثقته فيهم وانتدبهم الى البرلمان لتغييرأحواله البائسة وتحسين ظروف حياته الصعبة، فخيبوا آماله ودمّروا روح الأمل فيه، بسبب أنانيتهم وجشعهم وطمعهم ورعونتهم وجهلهم.
من الصعب جداً أن نتقبل اعلانات المراجع الأمنية والسياسية (الحاكمة) بان الذي حدث يوم الخميس يقف خلفه تنظيم القاعدة أو فلول النظام السابق، فهذه المراجع هي من أعلن وكرر الإعلان الأسابيع الأخيرة بان تنظيم القاعدة انهزم شرّ هزيمة وأخذ ينقل عناصره الى سوريا، وان فلول النظام السابق أصبحت شذر مذر بعد الاعتقالات الأخيرة وانصراف النظام السوري مصدر دعمهم الرئيس الى الدفاع عن نفسه ضد انتفاضة الشعب السوري.
وما حدث الخميس لا بد أن يكون من تدبير تنظيم كبير للغاية يعمل على مستوى دولة لكي  يُخطط ويُنفذ بكل يُسر 22 تفجيراً في 19 منطقة، 8 منها في العاصمة، دفعة واحدة في اليوم نفسه، بل في الساعة ذاتها تقريباً. وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها سلسلة تفجيرات دامية متزامنة في يوم الخميس بالذات، بل انها قد تكون المرة الخامسة أو السادسة. عودوا الى الأرشيف لتتأكدوا.
عندما كان نظام صدام في ذروة جبروته وطغيانه واستهتاره في الثمانينات لم يستطع سوى تدبير تفجيرين أو ثلاثة في سورية التي كان صدام في غاية العداء لنظامها. فكيف يتأتى لتنظيم لا يملك امكانيات دولة أن يفرض أجندته بهذه السهولة على ما يُفترض انها دولة تُنفق نحو 15 مليار دولار على الأمن سنوياً؟
هل ان تنظيم القاعدة وفلول نظام صدام أقوى من دولتنا؟ أم أن ما حدث يوم الخميس وسواه من الأيام دبرته أو تواطأت فيه جهة أو جهات في دولتنا في إطار الصراع الوحشي بين القوى التي تتألف منها النخبة الحاكمة من أجل المال والسلطة والنفوذ؟
نعم، هي أسئلة تشير بالاتهام الى النخبة الحاكمة بكل قواها الى أن تثبت بالأدلة القاطعة انها بريئة.



462
شناشيل
الكأس السورية المرة
عدنان حسين
على مدى سنوات متتالية ظلّ مسؤولو النظام السوري  ينفون أن عناصر تنظيم القاعدة وفلول نظام صدام وسواهم من الجماعات الإرهابية يعبرون الحدود مع العراق براحة تامة لتفجير المستشفيات والمدارس ودور العبادة للمسلمين والمسيحيين والصابئة والأيزيدية والمقاهي ومساطر العمال وبسطيات الباعة ومجالس التعزية ومواكب الزوار والمؤسسات الحكومية العراقية.
ولما قُدمت إلى هؤلاء المسؤولين الوثائق الصريحة والأدلة الدامغة راحوا يتذرعون بان الحدود بين سوريا والعراق طويلة وليس في الإمكان حراستها كلها، مع أن القاصي والداني يعرفان ان استخبارات النظام السوري تعرف كل شيء، وأنها تراقب حتى حركة الطيور المهاجرة فضلاً عن أنها تُحصي على الناس أنفاسهم، ومع ان بين تلك الوثائق والأدلة ما كان يتعلق بتقديم أجهزة حكومية وحزبية سورية المساعدات والتسهيلات للجماعات الإرهابية، بما فيها معسكرات التدريب.
بالطبع فان دوام الحال من المُحال، فقد دار الزمن ودارت معه الدوائر على النظام السوري ذاته الذي يشرب الآن من الكأس المرة نفسها، فالثابت ان الطرق التي سلكها الإرهابيون ومتفجراتهم وأموالهم من سوريا الى العراق أصبحت الآن سالكة في الاتجاه المعاكس .. مقاتلون ينتقلون مع أسلحتهم  ومتفجراتهم من العراق الى سوريا لنصرة الثوار السوريين أو للمتاجرة ببضائع الموت. وهذا ما دفع مسؤولي النظام السوري الى الطلب من السلطات العراقية العمل على ضبط الحدود(!). وفي هذا الإطار أجريت أخيراً مباحثات عراقية سورية على مستوى عالٍ لضبط الحدود المشتركة ومنع عمليات التسلل بحسب ما أفاد به مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لصحيفة "الصباح" ونشرته أمس، ولا أظن ان المسؤولين الأمنيين العراقيين الذي شاركوا في المباحثات قد لجؤوا الى الحجة السخيفة نفسها لإبلاغ نظرائهم السوريين بأنه ليس بالوسع ضبط حدودنا الطويلة، مع اننا بالفعل لم نزل أقل منهم قدرة على ضبط الحدود.
وعلى أية حال فان العبرة من حكاية الحدود الطويلة جديرة بان تتمثلها القوى المتنفذة في السلطة لدينا، فمرة ثانية وثالثة وعاشرة ان دوام الحال من المحال وان الإجراءات التعسفية التي درجت على اتخاذها السلطات الأمنية في حق بعض الفئات الاجتماعية، وبخاصة الناشطين السياسيين والاجتماعيين وتحديداً ناشطي التظاهرات والاحتجاجات، وكذلك القوانين غير الديمقراطية التي ضغطت أو تضغط الحكومة لتشريعها، وبخاصة القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير والتنظيم، يمكن أن تتحول في يوم ما إلى سياط تجلد ظهور مُتخذي تلك الإجراءات ومُشرّعي هذه القوانين والضاغطين من أجلها والمعارضين لتشريع قوانين ليبرالية، فالذين في الحكم الآن سيجدون أنفسهم خارجه إن عاجلاً أو آجلاً، بل ربما في صفوف المعارضة .. يومها  سيكتشفون أن إجراءاتهم وقوانينهم تنقلب وبالاً عليهم مثلما كانت على غيرهم .. سيكتشفون أنها تتعارض مع مصالحهم، وأنها تضعهم في موقف أخلاقي مُحرج للغاية: كيف يناهضون إجراءات وقوانين تحمّسوا لها وفرضوها فرضاً؟
من حسن الفطن أن يُبقي الذين في السلطة الآن شيئاً لغدهم، فقد تدور عليهم الدوائر ويصبحون في الموقف الذي يواجهه النظام السوري مع كأسه المرة.



463
شناشيل
الشعب يريد المحاكمة .. والحقيقة والحقوق
عدنان حسين
بينما جَهِد البعض، وبخاصة ائتلاف العراقية، للتوصل إلى تسوية سياسية  (توافقية) لقضية القيادي فيها نائب رئيس الجمهورية (مع وقف التنفيذ) طارق  الهاشمي، تفيد معلومات بان جهات نافذة في الحكومة دفعت باتجاه أن تأخذ هذه  التسوية صيغة "هروب" الهاشمي إلى الخارج فيُريح ويستريح.
الأرجح أن تسوية الهروب لم تعد قابلة للتحقيق بعدما حدد مجلس القضاء الأعلى الثالث من أيار القادم موعداً لمحاكمة الهاشمي أمام المحكمة الجنائية المركزية في الكرخ، فهذا الإعلان يُلزم المحكمة بإجراء المحاكمة غيابياً بحضور عدد غير قليل من الشهود المتهمين هم أيضاً بالتورط في العشرات من عمليات القتل والتفجير.
مشروع تسوية الهروب، إن صحّ، يعكس رغبة من الجهات النافذة في الحكومة في عدم فتح ملفات يُمكن أن تنفتح عندما يُسلّم الهاشمي نفسه إلى القضاء ويمثل أمام المحكمة، فالهاشمي الذي لا بدّ انه يعرف الكثير من الأسرار سيجد نفسه مضطراً للكشف عن المخبوء وفقاً لقاعدة "عليّ وعلى أعدائي". وهو في تصريحاته منذ يومين مهّد لذلك بالتساؤل عن مصير قضايا تتعلق باتهامات موجهة إلى قوى سياسية وميليشيات تناظر الاتهامات المطلوب الهاشمي بموجبها إلى القضاء الجنائي.
الرأي العام العراقي لم تعد لديه طعون في صحة الاتهامات الموجهة إلى الهاشمي مثلما ليس لديه شكوك في أن قوى وميليشيات وأشخاصاً من وزن الهاشمي وأقل متورطة هي الأخرى بقضايا تفجير وقتل راح ضحية لها الآلاف من العراقيين الأبرياء. وعليه فأن هذا الرأي العام يرغب تماماً في أن يأخذ القانون مجراه في قضية الهاشمي وسائر القضايا للكشف عن الحقيقة التي غيبتها التسويات والتوافقات السياسية – الطائفية – الحزبية – الميليشياوية على مدى السنوات التسع الماضية.
الرأي العام العراقي يُريد أن يماط اللثام عن أسماء كل الذين تورطوا في الآلاف من عمليات التفجير والقتل غير المبررة، سواء بتنفيذ هذه العمليات أم التخطيط لها أو تقديم التسهيلات اللوجستية والمالية لها.
عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء، موتى وأحياءً، لهم حقوق عن قتلهم أو قتل أحبتهم وتدمير ممتلكاتهم، ولا بدّ من أداء هذه الحقوق.. والشعب العراقي بأجمعه له حقوق عن ترويعه وتعويق عملية تحقيق آماله العريضة وأهدافه الكبيرة وطموحاته الجامحة في إحلال السلام وتحقيق الاستقرار والتنمية وبناء نظام ديمقراطي راسخ، ولابدّ من أداء هذه الحقوق كاملة.
هذه الحقوق لا يمكن أن تُؤدى ما لم تنكشف الحقيقة بكل تفاصيلها عن كل ما جرى منذ أول عملية قتل وتفجير بعد 9 نيسان 2003 حتى اليوم.
الشعب يريد محاكمة الهاشمي، ويريد أن تكون حضورية، ويريد أن تفضي إلى محاكمة كل المتهمين لكشف الحقيقة وأداء الحقوق للضحايا.


464
شناشيل
دولة الثروة.. والحيلة!
عدنان حسين
مشكلتنا التاريخية الكبيرة مع دولتنا في العهود السابقة أنها كانت المالك الأكبر للثروة، بل المالك الوحيد لها تقريباً، وهو ما جعلها تتغوّل في حق مواطنيها حدّ القتل الجماعي في الحروب وحملات القمع، لكن المشكلة ان تلك المشكلة التاريخية قائمة حتى الآن فدولتنا الحالية لم تزل أكبر مالك للثروة، وهي شبه متغوّلة، والخشية أن تتغول تماماً كسابقاتها.
والى جانب هذا فان دولتنا الحالية لديها صفة ذميمة أخرى هي انها أكبر محتال. وكلمة أكبر هنا تشير الى كم الإحتيالات والى مستوى ونوعية هذه الاحتيالات.
دولتنا ( نقرأ: النخبة السياسية التي تتولى إدارة هذه الدولة) التي تتحكم بـ 99 بالمئة من الثروة التي تدر عوائد بقيمة تزيد عن 100 مليار دولار سنوياً، احتالت علينا  ولم تزل بالاعلان عن اننا نبني نظاماً ديمقراطياً فيما نظامنا الحالي لا يعدو كونه خليطاً من النظام ربع الديمقراطي نصف الدكتاتوري.
ودولتنا احتالت علينا بالإعلان عن ان نظام المحاصصة الطائفية والقومية غير الديمقراطي هو ترتيب مؤقت سينتهي بنهاية الدورة البرلمانية والحكومية الأولى التي تلت الاستفتاء على الدستور الدائم، وها قد مرت الآن سنتان على اختتام تلك الدورة وهذا النظام مترسخ أكثر ومرغوب به أكثر من مديري دولتنا ومثير أكثر للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
 ودولتنا احتالت علينا بالاعلان عن ان الدستور الناقص الذي أُستُفتي عليه الشعب في عجالة سيُعدّل في غضون بضعة أشهر  لتلافي النواقص والثغرات، وقد مرّ الآن أكثر من خمس سنوات والتعديلات التي اقترحتها لجنة شكلها البرلمان السابق لم تزل موضوعة على الرفوف العالية أو في الأدراج العميقة.
دولتنا احتالت علينا أيضاً بالإعلان غير مرة عن مواعيد محددة بالسنوات للتخفيف من أزمة الكهرباء ثم لحلها، وقد حلّت تلك المواعيد وانقضت ومرت سنوات عليها والأزمة اياها على حالها.
ودولتنا احتالت علينا منذ سنة فقط بالتعهد بمكافحة الفساد المالي والإداري وترشيق الحكومة، وبزيادة مفردات الحصة التموينية وتحسين نوعيتها، وباطلاق وظائف جديدة للخريجين العاطلين والتخفيف من مستويات البطالة والفقر، وبتنمية قطاعات الصحة والتعليم والاسكان والزراعة والري والصناعة  والبيئة وخدمات النقل والصرف الصحي ونظافة الشوارع وسواها، وطلبت امهالها مئة يوم للمراجعة ووضع برامج لتنفيذ التعهدات السالفة، وها قد مرت سنة كاملة ويبدو لنا ان زوال الحال من المحال بخلاف الحكمة القديمة القائلة: دوام الحال من المحال!
مناسبة هذا الكلام كله، الكلام عن نية الحكومة التقدم الى مجلس النواب بمشروع قانون لزيادة مخصصات ذوي المناصب الخاصة بنسبة 30 بالمئة. واذا حدث هذا فان دولتنا تتحفنا بحيلة أخرى، فهي تحت ضغط التظاهرات في ساحات التحرير اضطرت في العام الماضي الى تخفيض هذه المخصصات بنسبة 40 بالمئة، وبنتيجة المشروع الحكومي المزمع ستكون نسبة التخفيض 10 بالمئة. انها حيلة كبيرة تشبه حيلة تحويل معظم وزارات الدولة الملغية بموجب الترشيق الحكومي (!) الى مستشاريات ووزرائها الى مستشارين بالإمتيازات نفسها!
ما الحل؟ .. انه في رفع يد الدولة عن الثروة لتصبح دولة خادمة لمواطنها لا سيدة عليه ومتغوّلة في حقة ومحتالة.

adnan.h@almadapaper.net

465
شناشيل
قبل أن تقع الفأس في الرأس
عدنان حسين
من الواضح ان احتمال نشوب حرب جديدة في المنطقة صار مرجحاً بدرجة عالية. والأكيد ان هذه الحرب إذا ما وقعت ستشمل عقابيلها الوخيمة دولاً عدة، فهل أعددنا عدتنا لها وأقمنا المتاريس لتقليل الأضرار المحتملة؟
هذا السؤال يفرضه واقع اننا في العراق بالذات لن نكون في منجى من العواقب الكارثية للحرب المتوقعة، فنحن بين الأقرب من الدول الى ميدان هذه الحرب حيث سنسمع دمدمة مدافعها وهدير طائراتها في بغداد فضلاً عن البصرة وسائر مدننا التي من غير المستبعد أن تكون أهدافاً مقصودة أو غير مقصودة لصواريخها.
هذه الحرب التي تُقرع طبولها الآن ستكون بين إيران واسرائيل، ومن الممكن أن تشمل بعض دول الخليج العربي، وربما كلها، وكذلك دول غربية، وبالذات الولايات المتحدة.
إيرن مُصرة على المضي ببرنامجها النووي، واسرائيل والولايات المتحدة ومعها دول الإتحاد الأوروبي مصرة من جانبها على عدم السماح لطهران بتجاوز الخط الأحمر، وهو إنتاج سلاح نووي، بل حتى الوقوف على حافة إنتاج هذ السلاح.
هذا العناد المتبادل لا بد أن يؤدي الى إشعال شرارة الحرب في غضون أشهر أو بعد بضع سنوات على الأكثر، خصوصاً اذا ما فشلت العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة تصاعدياً على إيران، فاسرائيل بالذات لن تنتظر حتى تُنتج طهران قنبلتها النووية الأولى، ولقد فعلتها في السابق مرتين عندما دمرت المفاعل النووي العراقي في العام 1981 ولاحقاً عندما دمرت منشأة نووية سورية في العام 2007. ومن المؤكد أنها ستفعلها ثالثة عندما تعرف ان القنبلة النووية الإيرانية صارت جاهزة للانتاج. واذا اكتفت تل ابيب بضرب المفاعلات الايرانية على غرار ما فعلته في العراق وسوريا، فان طهران ستجد نفسها أمام خيار وحيد هو الرد بأسلحة الدمار التقليدية المُترسنة بها، لأنها من دون هذا ستنهار هيبة نظامها ويسقط هذا النظام. ووقتها (عند حدوث الرد الإيراني) ستشتعل المنطقة كلها بما فيها بلادنا.
هل حسبنا لهذا حساباً للخروج بأقل الخسائر والأضرار؟
الإشارات المُتوفرة حتى الآن تدل على عكس ذلك، بل اننا وجدنا علامات تشير الى ما يمكن أن يُفسر على انه انحياز لإيران في المواجهة الوشيكة ... طلبنا أولاً استثناءنا من المساهمة في العقوبات المفروضة على إيران، ثم سكتنا على بدء طهران باستخراج النفط من حقول مشتركة، وأخيراً عمدنا الى تأجيل تدشين مشروع حيوي لتصدير نفطنا عبر الخليج العربي ما اضطر شركات ناقلات النفط الى سحب ناقلاتها الراسية في مياهنا الاقليمية والغاء عقودها من المستهلكين. وهذا المشروع هو ميناء التصدير العائم الذي تبلغ طاقته التصديرية في المرحلة الأولى 900 الف برميل يومياً (5 ملايين برميل يومياً عند اكتماله في 2017)، وتكلّف انشاؤه حتى الآن 1.3 مليار دولار. وتفيد المعلومات بان التأجيل المتكرر هذا كان بضغط من جارتنا الشرقية لكي يظل الطلب على النفط الايراني كبيراً، ما يخفف من آثار العقوبات عليها.
مجلس النواب مطالب ببحث هذا الموضوع قبل فوات الأوان ووقوع الفأس في الرأس .. يكفينا ما شهدنا من حروب خارجية وداخلية متتالية على مدى ثلاثين سنة.

adnan.h@almadapaper.net

466
شناشيل
وماذا عن الشهادات المزورة والإيرانية؟
عدنان حسين
إذا صحّت هذه المعلومات فإنها تعني أننا في سبيلنا إلى أن نخطو خطوة باتجاه إعادة الاعتبار إلى حياتنا الجامعية والوضع الأكاديمي الذي تعرّض إلى انتهاكات مريعة وأصيب بخراب هائل ودمار شامل في عهد النظام السابق، وهو ما يتواصل الآن أيضاً بقدر غير قليل.
المعلومات تقول إن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تنوي سحب الدرجة العلمية التي حصل عليها كل من كانت أطروحته أو رسالته العلمية تتعلق بفكر حزب البعث المحظور أو رموزه أو التمجيد للنظام السابق أو تاريخه أو أفكاره أو أيديولوجيته أو أية ناحية متعلقة به .فالمعروف إن الدرجات العلمية والشهادات التي مُنحت في هذا الميدان كانت أقرب ما تكون إلى الدرجات والشهادات المزورة، والعدد الأكبر من المستفيدين منها هم من ضباط الأمن والاستخبارات في العهد السابق.
لكن .. هذا هو نصف الحقيقة، أما النصف الآخر فان هناك شهادات ودرجات علمية مماثلة منحت في حقول مختلفة، وبخاصة الإنسانية، إلى كوادر في حزب البعث من دون تعب أو جهد علمي حقيقي، فالشهادة العليا كانت بين الامتيازات الممنوحة لبعض البعثيين. وهذا النوع من الشهادات يحتاج إلى المراجعة أيضاً وسحبه، على أن تتولى لجان علمية معتبرة إعادة فحص هذه الشهادات والرسائل والأطاريح التي مُنحت عنها.. لجان تستطيع أن تميّز بين ما يتوافق مع المعايير والشروط العلمية وما لا يتوافق معها.
وفي إطار هذا النصف من الحقيقة فان دوائر الدولة العليا أُغرقت منذ 2003 حتى الآن بالآلاف من مزوري الشهادات من كل المستويات والذين حصلوا على وظائف مهمة ومناصب عليها، بينها عضوية مجلس النواب ومجالس المحافظات والإدارات العامة في مؤسسات الدولة بمساعدة من أحزابهم وميليشياتهم (تفيد تقارير بان عدد أصحاب الشهادات المزورة العاملين في الدولة يصل إلى خمسة آلاف). وبين هذه الشهادات ما هو صادر في دول أخرى، وبخاصة إيران، عن جهات غير أكاديمية ليس لشهاداتها أي قيمة علمية حتى في بلدانها.
إلى الحضيض تردت سمعة جامعاتنا، وتدهورت مكانتها بين جامعات العالم قاطبة، ولا توجد لدينا الآن أي جامعة يُعتد بشاهداتها. هذا يعني أن كل ما يُنفق على التعليم العالي من مليارات الدولارات إنما يذهب هباء ولا قيمة حقيقية له. وبالتالي صار لزاماً على الدولة أن تُعيد النظر بصورة جذرية في الوضع الأكاديمي. ويتعيّن أن ينطلق هذا من المناهج والإدارات.. المناهج الجامعية الحالية هي مناهج النظام البائد التي على أساسها مُنحت الشهادات والدرجات المطعون في علميتها، والإدارات في معظمها أيضاً إدارات النظام السابق التي سمحت بمنح هذه الشهادات. لكنّ تغيير المناهج لا يكون بإحلال مناهج غير علمية لا تتطابق مع المواصفات والمستويات العالمية محل المناهج الحالية، وتغيير الإدارات هو الآخر لا يكون بإحلال إدارات حزبية ميليشياوية محل الإدارات المتوارثة عن النظام البائد.

adnan.h@almadapaper.net


467
شناشيل
رئيس الوزراء و25 شباط الجديد
عدنان حسين
يبدو أن السلطات الحكومية بصدد تكرار الخطأ نفسه الذي ارتكبته يوم الجمعة  25 شباط 2011 والعشرات من أيام الجُمع التالية عندما تعاملت مع الشباب  الذين نشطوا للتظاهر باعتبارهم أعداءً، وبخاصة بعثيين، فأساءت التصرف معهم  على نحو أساء كثيراً إلى الحكومة قبل غيرها والى العملية السياسية برمتها.
السلطات الحكومية أعلنت ضمناً موقفاً مناهضاً لدعوات الشباب إلى إحياء الذكرى السنوية الأولى لتظاهرات 25 شباط بالقول إنها لن تسمح بأي تظاهرات لا تستحصل الموافقات الأصولية. شباب شباط ليسوا بصدد الخروج في تظاهرات غير مرخصة، ولكن ما العمل إذا ما رفضت السلطات المخوّلة بمنح التراخيص المطلوبة؟ السلطات الحكومية لن تُعدم الأعذار والمبررات لتسويغ رفض التصريح ارتباطاً بالوضع الأمني مثلاً.
في العام الماضي أطلقت الحكومة جملة من الأكاذيب للحطّ من سمعة المتظاهرين وتشويه صورتهم، تبريراً لإجراءاتها المتعسفة للغاية التي تضمنت حظر التجوال وإنزال القوات الثقيلة إلى الساحات والشوارع، بل لم تتورع عن استخدام الرصاص الحيّ ضد المتظاهرين حتى بعد أن تبيّن على نحو واضح انه لم يكن بين المتظاهرين بعثي أو قاعدي واحد، ولم تكفّ عن ملاحقة بعض النشطاء واعتقالهم وتعذيبهم.
من حق الشباب أن يحيوا ذكرى مظاهراتهم السلمية التي رفعوا فيها شعارات اعترفت الحكومة نفسها بأحقيتها ومشروعيتها واتخذت إجراءات وأطلقت وعوداً لتحقيقها، خصوصاً وان الأسباب التي دفعت للتظاهر باقية على حالها تماماً وان الحكومة لم تف بما وعدت وتعهدت به، فلا الأمن ترسخت قواعده، ولا الفساد المالي والإداري أوقف استشراؤه السرطاني، ولا الحصة التموينية تحسنت نوعيتها أو زادت كميتها، ولا البطالة تراجعت مستوياتها، ولا أزمة الكهرباء خفّت وطأتها، ولا الخدمات العامة (المجاري، النظافة، النقل، الصحة، التعليم، وسواها) ولا الزراعة أو الصناعة تحسنت أحوالها ولا .. ولا . بل إن مجلس النواب على سبيل المثال لم يستطع إقرار موازنة العام الحالي بالرغم من مرور أكثر من شهر ونصف الشهر من العام.
أكثر من هذا أن الوضع السياسي هو الآن في حال أسوأ مما كان عليه قبل سنة، وهو ما يعني أن كل شيء في البلاد سيبقى على حاله، بل يُمكن أن يسوء أكثر. وهذه كلها أسباب قوية لأن يعود الشباب من جديد إلى ساحة التحرير والساحات الأخرى لإفهام السياسيين القابضين على السلطة إنهم مازالوا مقصرين كثيراً في واجباتهم والتزاماتهم تجاه من انتخبوهم.
 حتى لا تكرر الحكومة خطأها الشنيع المرتكب في العام الماضي أتمنى على رئيس الوزراء، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، أن يصدر أوامره بتوفير الأجواء المناسبة (السلمية) لإحياء ذكرى تظاهرات العام الماضي والتذكير بشعاراتها ومطالبها، وحفظ أمن التظاهرات وإظهار أن القوات المسلحة لا تقف في الخندق المقابل لخندق الشعب، بل إنني اقترح على رئيس الوزراء أن يُوفد مندوبا عنه الى ساحة التحرير لتحية المتظاهرين والاعتذار لهم عما حدث لهم قبل سنة، فبهذا يمكن لرئيس الوزراء أن يجعل من المتظاهرين أصدقاء له وليس أعداء كما هم الآن.

adnan.h@almadapaper.net


468
المنبر الحر / أي قمة نريد؟
« في: 19:08 14/02/2012  »
شناشيل
أي قمة نريد؟
عدنان حسين
أي قمة عربية نريد ؟ وماذا نريد من هذه القمة؟ .. نحن العراقيون باغلبيتنا الساحقة نريد قمة ناجحة، بل ناجحة جداً جداً. لا شك في هذا. فهذه أول قمة عربية تُعقد في عاصمتنا العريقة منذ نحو ربع قرن، وهي أول قمة تعود الى بغداد وعاصمتنا من دون صدام حسين، أي أول قمة يستضيفها نظامنا الجديد الذي لم يكن موقف العرب بالمجمل منه ودياً.
وعلاوة على هذا فانها القمة العربية الأولى التي تعقد في زمن الربيع العربي. وعليه فاننا نريد من هذه القمة ان تبارك نظامنا الجديد الذي لدينا عليه ملاحظات أكثر وأهم من ملاحظات العرب... نريد لهذه القمة أن تُعيدنا إعادة كاملة الى محيطنا الإقليمي بما يتناسب مع مكانة بلادنا وشعبنا ودورهما الاقليمي والدولي، فعودة من هذا النوع تحقق لنا فوائد جمة اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومن دون عودة من هذا النوع ستتضرر لنا مصالح كثيرة، فالأرجح أن يستمر دعم بعض العرب لاعمال الارهاب التي تضرب مدننا وقرانا من دون أي مبرر.
وبغض النظر عن موقف حكومتنا من الوضع في جارتنا الغربية سوريا، فان العراقيين باغلبيتهم يرغبون في أن تبارك القمة العتيدة ثورات الشباب العربي وتدعمها، وأن تساند بشكل فعال الشعب السوري في انتفاضته ضد نظامه الدكتاتوري غير المختلف عن النظام البائد في بلادنا، وأن تتخذ الاجراءات الكفيلة بوضع حد لحمام الدم المتواصل منذ سنة في البلد الشقيق.
هذه هي القمة العربية التي نريد، وهذا ما نريده منها، فهل ستحقق لنا ما نريد اذا ما انعقدت بعد ستة اسابيع؟
لا أظن ان قمة تنعقد في 29 الشهر المقبل في عاصمتنا ستكون ناجحة جداً ولا حتى ناجحة، فعلاقات عدد من الحكومات العربية معنا ليست على ما يرام، بل ان هذه العلاقات متوترة مع البعض. وكان لا بد من عمل نشيط ومتواصل لتنفيس هذا التوتر وتطبيع علاقاتنا مع الجميع تأميناً لكل شروط النجاح المأمول للقمة.
القمم العربية السابقة، من أولها (أنشاص 1946) الى آخرها (سيرت 2010)، عُقدت في ظل حد أدنى من التوافق بين الحكومات العربية. والقمم الأنضج ثماراً هي تلك التي كان الوفاق العربي فيها مزدهراً، فيما كان الفشل خاتمة قمتين اثنتين في الأقل عقدتا في ظل عدم التوافق، قمة بغداد 1978 التي عزلت مصر عن الجامعة العربية بسبب توقيعها معاهدة الصلح مع اسرائيل، وقمة القاهرة 1990 التي انقسمت فيها الحكومات العربية بشأن الموقف من غزو صدام حسين للكويت.
والآن فان الصف العربي مشروخ للغاية بسبب الوضع في سوريا خصوصاً. ومن المرجح أن يزداد الانقسام في الصف العربي داخل القمة اذا ما جرى بحث الوضع السوري. 
أيهما أفضل لنا: قمة عربية باهتة متدنية المستوى في بغداد الآن أم قمة تعقد لاحقاً وتكون لها اصداء قوية بالمستوى الرفيع لحضورها وبقراراتها؟
القمة من النوع الثاني هي ما نريد، وهو نوع يتطلب تحقيقه وضعاً داخلياً مختلفاً وظروفاً عربية مختلفة هي الأخرى. وربما كان من السليم أن نبادر نحن الى طلب تأجيل الانعقاد ستة أشهر أخرى أو حتى سنة كاملة لتكون قمة بغداد متألقة وليست خابية الأضواء.

adnan.h@almadapaper.net

469
شناشيل
طارق الهاشمي .. سلّم نفسك !
عدنان حسين
يبدو ان أفضل مخرج مما يعرف الآن بأزمة طارق الهاشمي أن يقدم نائب رئيس الجمهورية استقالته ويسلّم نفسه الى القضاء، فهذا المخرج يفضي الى تحقيق مصالح الجميع سواء بسواء: السيد الهاشمي نفسه، ائتلاف "العراقية" الذي يشارك في زعامته، السلطة القضائية، العملية السياسية، والعراق وطناً وشعباً.
  من السليمانية أطلق الهاشمي سيلاً من التصريحات التي ينفي فيها التهم الموجهة اليه بالتورط في أعمال الارهاب، وفي الكثير منها شدّد على ان العراقيين يعرفون التاريخ الوطني له ولعائلته وانه بالتالي لا يمكن أن يكون له ضلع في أي عمل ذي بعد إرهابي أو طائفي.
الآن قضية الهاشمي تهدد الوطن بأسره، وما لم يسلّم نفسه الى القضاء فمن الممكن أن تؤدي قضيته الى سفك دماء وازهاق أرواح لعراقيين أبرياء في أعمال عنف ذات طابع سياسي مرة وطائفي مرة أخرى وعشائري مرة ثالثة.
الوطنية تعني في ما تعني أن يقدّم المؤمن فيها والمتمسك بها مصالح الوطن والشعب على مصالحه الشخصية والحزبية. والوطن والشعب موضوعان الآن في محنة: طارق الهاشمي متهم بالارهاب وهو ينفي. والمنطقي أن يؤكد براءته أمام القضاء، لكنه ملتجئ الى الكرد رغماً عنهم ويطالب بنقل التحقيقات القضائية الى الاقليم أو الى كركوك، وهذا ما رفضه مجلس القضاء الأعلى الذي لم يجد مسوّغاً للنقل.
اذا كان الهاشمي حقاً وصدقاً بريئاً فان الجهة الوحيدة التي ستثبت ذلك وتؤكده هي القضاء. واذا كان خائفاً من تسييس القضية فان ثمة الكثير من العراقيين لديهم نفس الخوف والهمّ، ليس فقط من حزبه وائتلافه وعشيرته وإنما أيضا منا نحن المثقفين الذين ننظر الى قضية الهاشمي باعتبارها احدى القضايا المفصلية لتأكيد أو نفي استقلالية السلطة القضائية وحيادها ونزاهتها، ولتأكيد أو نفي ما اذا كنا ماضين باتجاه الإنتقال الى النظام الديمقراطي الذي نريده أو اننا سائرون في الاتجاه المعاكس.
على هذا فان قضية الهاشمي، لم تعد قضيته وحده وقضية حزبه وائتلافه وعشيرته وطائفته.. انها قضية العراق كله. يمكن للهاشمي أن يجنّد مئات المحامين لإثبات براءته ان كان بريئاً، ونحن جميعاً سنكون شهوداً على ما سيجري معه، فان كان بريئاً فعلا سندعم موقفه وسيكون لنا موقف حازم وصارم من القضاء اذا تصرف على نحو غير مستقل وغير محايد وغير شفاف، وسيكون لنا موقف حازم وصارم هو الآخر تجاه السلطة التنفيذية اذا ظهر لنا انها تضغط لحرف القضاء عن استقلاليته وحياده وشفافيته.
اما اذا كان الهاشمي مذنباً وحكم عليه القضاء بما يستحقه عن ذنبه، فلن نتردد عن التصفيق لقضائنا والإشادة به لترسيخ قوته، فهو ضمانتنا الوحيدة للتمتع بحقوقنا وممارسة حرياتنا الخاصة والعامة.
السيد الهاشمي: استقل من منصبك فوراً كما يفعل كل المسؤولين الحكوميين في العالم عندما  يكونون متهمين، وسلّم نفسك الى القضاء إن كنت بريئاً حقاً، أو تصرّف كما يتصرف الضباط البواسل في ساحات الوغى لتفادي الاستسلام للعدو .. أي أن تنتحر، ففي انتحارك مخرج آخر لتفادي الإضرار بمصالح الشعب والوطن.

adnan.h@almadapaper.net

470
شناشيل
وداع متأخر لأستاذ رائد
عدنان حسين
لأننا في زمن عراقي أغبر لم يزل ممتداً منذ نصف قرن (مجزرة 8 شباط 1963   كانت بدايته)، فان شاعراً متمكناً من مجايلي السياب وأصدقائه المقربين  وإعلاميا بارزاً وأكاديمياً من الرواد في مجال الإعلام، يموت غريباً في  بلاد بعيدة جداً، ولا نعرف بموته إلا بعد أسبوع أو أكثر، فلا ينعاه اتحاد  الأدباء ولا تستعيد سيرته شبكة الإعلام، ولا تؤبنه جامعة بغداد.
انه الشاعر زكي الجابر .. الإعلامي زكي الجابر .. الأستاذ الجامعي الدكتور زكي الجابر، أستاذي الذي ساهم في تأسيس قسم الصحافة بكلية الآداب (صار الآن كلية كبيرة)، وأدين له، مع الدكاترة عبد اللطيف حمزة وحسنين عبد القادر ومختار التهامي و خليل صابات وسواهم، بالكثير من معرفتي الأكاديمية في مجال الصحافة والإعلام.
شكرا للزميل الدكتور كاظم المقدادي الذي نبّهني الى رحيل أستاذنا الذي لم أنسَه أبداً بفضل ما زوّدني به من علم، وما علّمني إياه من معرفة، وما قدّمه لي من أمثولة في التواضع والسماحة.
في قسم الصحافة درّسني زكي الجابر فنون الإذاعة والتلفزيون والاتصال بالجماهير، وكذلك فن الترجمة (من الإنجليزية إلى العربية)... أشهد انه كان جاداً للغاية في تعليمنا وجاداً في متابعتنا وحثنا على التعلم، وكان تهذيبه الجمّ وتواضعه الواضح مما يشجعنا على حضور درسه الغني بالمعلومات بلهفة والامتثال لتوجيهاته التي كان يضعها في قالب الأبوة العطوفة والأخوة الحانية. ولم يفارقه تواضعه وتهذيبه حتى عندما أصبح وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام، فلم ينقطع عنا ولم يغلق باب مكتبه في وجوهنا، ولم يتخل وجهه العريض عن سماحته وعن ابتسامته  الساحرة.
ذات مرة كتبت في صحيفة "الصحافة" التي كنا نصدرها في قسم الصحافة للتمرين والتدريب، عموداً تحدثت فيه عما يعانيه طلبة طلاب الأقسام الداخلية في المبنى الكائن عند ساحة الشهداء. امتعضت إدارة الأقسام الداخلية منتهى الامتعاض لذلك، ولكن بدلاً من أن تردّ على ما كتبت، اشتكتني إلى إدارة كلية الآداب التي عقدت مجلساً بشأني وقررت معاقبتي بفصلي من الكلية لمدة سنة واحدة. وكان ذلك بسبب تخاذل الأستاذة الموكلة بالإشراف على الصحيفة، فهي لم تشأ الدفاع عني خوفاً من تحميلها المسؤولية.
لجأت الى أستاذي زكي الجابر أشكوه ظلم عمادة الكلية، وعلى الفور تدخّل ليُلغي القرار مدافعاً عن حق صحفيي المستقبل في نقد الظواهر السلبية في حياتنا.
كان زكي الجابر بعثياً، لكنه لم يكن من مؤيدي الاتجاه القمعي لسلطة انقلاب 17 تموز 1968، ولم يكن يتردد في الكشف لنا، نحن طلبته غير البعثيين، عن آرائه ومواقفه المناهضة للعنف الصدامي.
ويبدو انه لهذا السبب بالذات ولكفاءته في مجال الإعلام  لم يكن على وفاق مع صدام وبطانته، وهذا ما دفعه الى الهجرة مبكراً من البلاد.
أستاذي الراحل زكي الجابر، المتوفى في الولايات المتحدة أواخر الشهر الماضي، يستحق التقدير من الدولة باعتباره من الرواد، فهو كان من أوائل المتخصصين أكاديمياً في مجال الإعلام وممن تخرج على يديه العشرات من الإعلاميين، فضلا عن شاعريته.
 ومني له الذكر الطيب والمحبة الدائمة.

adnan.h@almadapaper.net


471
شناشيل
باصات مكشوفة على المضحك المبكي
عدنان حسين
حقا وفعلاً ان شرّ البلية ما يُضحك. وبلايانا كثيرة للغاية، وهي في الغالب مما يبعث على البكاء المرّ والنحيب الموجع، وهذا بفضل النخبة السياسية المتنفذة في الحكم التي لا تريد للعراقيين أن يكفكفوا دموعهم ويلأموا جراحهم ويغادروا محنتهم التاريخية ويتوقفوا عن لطم الصدور وضرب الظهور وشجّ الهامات. وبعض بلايانا تبعث على البكاء والضحك في آن، وهنا واحدة منها.
الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود التابعة لوزارة النقل أعلنت للتو انها بصدد استيراد حافلات مكشوفة الرأس (بلا سقف) لتعزيز السياحة في بغداد. ولاستدرار المزيد من الضحك المُبكي أو البكاء المُضحك منّا، أعطى أحد مسؤولي الشركة تفاصيل خطة استيراد هذه الباصات وتشغيلها في العاصمة، فهي (الباصات) ستسير في أوقات معينة وفق جدول زمني محدد.
المسؤول أضاف انه سيتم تسيير هذه الباصات في شارع أبو نواس وفي شارع كورنيش الأعظمية وبين الأعظمية والكاظمية، معتبراً انها (الباصات) "ستُضفي جمالية وأماناً واستقراراً" على العاصمة.
تخيّلوا معي المشهد: باصات مكشوفة الرأس(بلا سقف) من النوع الذي يسير في بعض شوارع لندن وأمستردام وباريس وبرلين وسواها من مدن العالم الكبرى، وبخاصة الشوارع القديمة التي تحتوي على مبان تاريخية وشواخص معمارية مميزة، فتتوفر للسائحين فرصة التعرف على أهم معالم المدينة والاستمتاع بمشاهدها ومناظرها الخلابة في رحلات نهارية وأخرى ليلية.
تخيّلوا ان هذه الباصات قد استوردت فعلاً وسُيّرت فعلاً في شوارع عاصمتنا الموصوفة في تصريح المسؤول الحكومي فماذا سيرى السائحون؟ أكوام النفايات.. الأرصفة المهدمة.. الشوارع المحفّرة .. برك المياه الآسنة.. الحيوانات السائبة .. الأطعمة المكشوفة للغبار والحشرات ودخان السيارات في العربات على الأرصفة وفي الشوارع، وكذلك بيوت الحواسم سيئة التصميم. أما المناطق والمعالم الجديرة بالمشاهدة في بغداد فلن تمر بها هذه الباصات، وهي على وجه التحديد: شارع الرشيد، باب المعظم، الميدان، منطقة القشلة، شارع الشيخ معروف، علاوي الحلة، المحطة العالمية، شارع الشيخ عمر، شارع الكفاح، الباب الشرقي، شارع السعدون، وشارع النضال.
وحتى لو توسعت خطة الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود لتتضمن مرور الباصات السياحية هذه بمناطق بغداد التاريخية ومعالمها الحضارية، فكيف ستحل الشركة مشكلة الاختناقات المرورية في الشوارع والساحات وبخاصة عند نقاط التفتيش؟ وكيف ستتعامل مواكب المسؤولين اللجوجة اللحوحة مع هذه الباصات؟ بل كيف ستتفادى الشركة ان تتشابك رؤوس السياح  مع ما يغطي شوارعنا من الأسلاك الشائكة المكهربة المتصلة بالمولدات؟
وأصلاً أين هم السياح الذين سنضع هذه الباصات في خدمتهم؟
ما يُبكي ويُضحك في الآن نفسه في هذه القضية ان بغداد، كما سائر مدننا، تفتقد الى باصات النقل العمومي والى القطارات الأرضية وتحت الأرضية أو المعلقة التي نحتاجها احتياجاً عظيماً.
الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود تريدنا أن نركب الباصات السياحية الفخمة مكشوفة الرأس بينما لا نجد الباصات العادية التي تنقلنا الى بيوتنا ومقار أعمالنا، مثلما كانت الراحلة ماري انطوانيت تريد للجياع الفرنسيين أن يأكلوا الكعك الأبيض الفاخر وهم لا يملكون ما يشترون به الخبز الأسود.
adnan.h@almadapaper.net


472
شناشيل
التوافقات لا تجلب الكهرباء !
عدنان حسين
ماذا يحدث لموظف صغير في تربية البصرة أو صحة الكوت أو بلدية الرمادي عندما تصاب طفلته بالسحايا أو زوجته بالسرطان أو والدته بالفشل الكلوي فيضطر الى الانقطاع عن الدوام في دائرته أياماً وأسابيع وحتى أشهراً؟
هذه ليست أحجية ولا معادلة رياضية معقدة .. فالموظف المتغيب تُخصم غياباته من أيام إجازته السنوية فاذا تجاوزها حُجب عنه الراتب.. هذا قانون عالمي مُطبق في اليابان كما في أميركا، وهو قانون مطبق في العراق أيضاً على موظفي الدولة وعمال القطاع الخاص ويشمل الموظف في تربية البصرة أو في صحة الكوت أو في بلدية الرمادي سواء بسواء.
ثمة استثناء فريد في نوعه من هذا القانون العالمي يوجد هنا في بلادنا، وبالذات في الهيئة المسؤولة عن تشريع القوانين ومراقبة تطبيقها، فمجلس النواب يمنح عملياً أعضاءه الحق في عدم الدوام متى شاءوا حتى لو دام غيابهم أشهراً، مميزاً نفسه في هذا عن كل برلمانات العالم وعن كل دوائر الدولة في العراق وخارج العراق.
كيف؟ وبأي حق يُدير النواب ظهورهم للبرلمان وجلساته فيعطّلون تشريع القوانين التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية، ويؤخرون إقرار الموازنة العامة فيصيبون الحياة بالشلل كما حصل أخيراً؟
لا يوجد أي حق أو قانون أو ضابط أو رابط لهذه الاستهانة المفرطة بالشعب ومصالحه وحقوقه من قبل من يُفترض انهم نواب الشعب الذين انتخبهم للسهر على خدمته بتشريع القوانين اللازمة لتأمين الحياة الكريمة له، وليس الانصراف الى مصالحهم الشخصية والحزبية .
مقرر مجلس النواب، النائب محمد الخالدي، أقرّ بأن عددا غير قليل من النواب لا يواظب على الحضور الى البرلمان، حتى ان بعضهم لم يحضر سوى ثلاث مرات أو أربع على مدى أكثر من سنة، لكن "التوافقات السياسية" تمنع رئيس المجلس من القيام بواجبه في فصل هؤلاء النواب تطبيقاً للنظام الداخلي، ولفت الى ان "التوافقات السياسية عطّلت التصويت على كثير من القوانين المهمة للعراقيين، وباتت اليوم أكبر من الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب".
التوافقات السياسية تمنع من محاسبة النواب المقصّرين حتى في أبسط واجباتهم والتزاماتهم. لكن ليس هذا كل شئ، فهذه التوافقات، قبل ذلك، تسمح بدخول من لا يستحق ولا يستأهل الى البرلمان طمعاً في المال والنفوذ والسلطة .. والتوافقات تجعل من ارهابيين قتلة نواباً ووزراء .. والتوافقات ترفع فاسدين ومفسدين ومزوري شهادات الى مستوى يكونون معه وكلاء وزارات ومدراء ورؤساء مؤسسات وسفراء ومحافظين ... الخ. والتوافقات تمنح الوظائف الجديدة لمنتسبي الاحزاب المتوافقة ومرتزقتها وتمنعها عن الشباب الكفء العاطل عن العمل منذ سنوات .. والتوافقات ترسي العقود على الأتباع والازلام وتحجبها عن ذوي الكفاءة والخبرة الأمناء.
والتوافقات السياسية تَحول دون محاسبة المقصّرين والفاسدين من المسؤولين، وتُعيق مثولهم أمام القضاء.
التوافقات السياسية في بلادنا تفعل الغرائب وتأتي بالأعاجيب، لكنها لم تستطع أن تجلب للناس شيئاً بسيطاً اسمه الكهرباء التي اكتشف الانسان وجودها منذ آلاف السنين وولّدها بنفسه منذ قرنين!

adnan.h@almadapaper.net
   



473
شناشيل
رسالة عبد الرحمن الراشد
عدنان حسين
في عموده الصحفي المتميز أعرب الصديق الاستاذ عبد الرحمن الراشد في (الشرق الأوسط) الخميس الماضي عن خشيته من الا يكون ما جهّزناه هنا في بغداد للقمة العربية من مظاهر الكرم والفخامة كافياً لإنجاح القمة ولعقدها في الأساس، متمنياً في الختام أن تعقد القمة في عاصمتنا "إعلانا لبداية عهد جميل مشرق على العراق الجديد، وتأكيداً على الانتصار على الإرهاب، وإعادة للدور العربي للعراق كدولة محورية".
بدوري أتمنى ان تكون "القيادة العراقية" التي خاطبها الراشد، وهو يعني بالتحديد رئيس الوزراء نوري المالكي، قد قرأت المقالة المُختصرة .. قرأتها جيداً وتأملتها جيداً كذلك واستخلصت المعاني التي قصدها الراشد.
سيُخطئ السيد المالكي ومستشاروه ومساعدوه خطأً كبيراً للغاية إن تعاملوا  مع المقالة الرشيقة باعتبار ان كاتبها هو مجرد "سعودي، سني" ، وقد يضاعف الجهلة من هؤلاء جهلهم بالنظر اليه كـ "وهابي"، وانه بالتالي ينطلق  من قاعدة سياسية – طائفية.
أزعم انني أحد الذين يعرفون عبد الرحمن الراشد جيداً، فلقد عملت معه سنوات عدة، وأشهد انه كما أنا ليس قومياً ولا متديناً ولا طائفياً ولا سياسياً .. أعرف ان مناصب سياسية سعت اليه سعياً فرفضها غير مرة، مفضلاً الإخلاص لمهنته (الاعلام).
أشهد أيضاً ان عبد الرحمن الراشد قدّم ، وهو رئيس لتحرير مجلة "المجلة" ثم وهو رئيس تحرير "الشرق الأوسط"، خدمة لا تُقدّر بثمن لمعارضي صدام حسين ومثلها للنظام الجديد، ليس من منطلق سياسي وانما مهني .. مهنيته جعلته يلتزم جانب الحقيقة، ولقد تعرّض، خصوصاً منذ اسقاط نظام صدام، لضغوط هائلة للتأثير على مهنيته فأبى، ملتزماً باخلاقيات مهنته وقواعدها المهنية.
عبد  الرحمن الراشد يكتب ويقول ما يفكر به وما يعتقد وما يجتهد، من دون إملاء من أحد، فمن غير الممكن الإملاء عليه، وهو من جانبه لا يُملي على أحد ممن يعملون معه، وانما يطرح رأيه واقتراحه بكل تهذيب وأناقة.
الراشد عبّر في عموده عن القلق من الا يحضر القادة العرب الى بغداد  فلا تنعقد القمة أو أن تنعقد وتفشل، وهو قلق حقيقي نشاطره إياه ينبع من محبة عبد الرحمن الراشد للعراق ومن إيمان بان العراق قوة رئيسة في المنطقة، لها امكانية لأن تكون قوة تقدمية قائدة يُعوّل عليها في تغيير حياة شعوب المنطقة نحو الأفضل. ولكن هذا، كما يدرك عبد الرحمن الراشد وغيره، لا يتحقق بالمواصفات الحالية لنظام الحكم الهجين في بغداد، وانما بمواصفات النظام الديمقراطي.. غير المحاصصي، غير الطائفي.
عبد الرحمن الراشد يريد من بغداد "أن تطمئن الجميع بالأفعال لا بالإنفاق المالي الضخم ولا بالأثاث الفخم" لكي يحضروا الى بغداد في اول قمة تنعقد فيها منذ ربع قرن وبعد سقوط نظام صدام و وبعد الربيع العربي .. الراشد يريد لبغداد أن تكتب تاريخاً ناجحاً لا أن تتحول الى تاريخ للفشل... هذه هي رسالته، فهل يفهمها المعنونة اليهم؟ وهل يأخذون بها؟

adnan.h@almadapaper.net
   



474
شناشيل
هل كانت مشكلة الأسد في الوقت؟
عدنان حسين
لنفترض أن ما تشهده سوريا منذ نحو سنة ليس حركة شعبية من أجل نيل الحرية   وإقامة نظام ديمقراطي بعد نصف قرن من حكم قمعي استبدادي لنظام دكتاتوري  شمولي .. لنفترض أن هذا الذي تشهده سوريا هو مؤامرة أميركية – إسرائيلية –  خليجية - اخوانية في إطار مؤامرة أكبر اسمها "الشرق الأوسط الجديد" كما  تقول دمشق وحلفاؤها القليلون.
ما الذي فعله النظام السوري لردّ كيد المتآمرين ؟ .. وما الذي فعله حلفاء النظام السوري القليلون لتمكينه من إفشال المؤامرة؟
في البداية أنكر النظام السوري وجود حركة احتجاجية على غرار ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، فهو اعتبر نفسه في مأمن من الربيع العربي. ثم اعترف بالحركة لكنه وصف الاحداث التي انطلقت من درعا بأنها من أعمال العصابات، قبل أن يضطر الى الاعتراف بأنها حركة شعبية وان من قُتل فيها شهيد، متعهداً بالتجاوب مع مطالب المحتجين بإصلاح النظام وإطلاق الحريات العامة والإقرار بالحقوق السياسية والاجتماعية التي  طالبت بها الحركة الاحتجاجية المتسع نطاقها تدريجياً الى مختلف المدن والقرى.
مرت سنة تقريباً ولم يتحقق أي وعد بالإصلاح، ولم تسجل أي خطوة تفتح باب الأمل بالإصلاح، بل ان النظام في تعامله مع الحركة الشعبية كان يزداد سعاراً وهمجية يوماً بعد يوم وساعة بعد أخرى. والآن  يُسجل كل يوم مقتل عشرات المدنيين على أيدي قوات النظام وشبيحته ... مدن بكاملها مُطوقة ومُستباحة بمختلف انواع الأسلحة والذخائر التي تدك البيوت على ساكنيها.
من جانبهم، لم يقدّم حلفاء النظام له النصح المطلوب لوقف التعويل على القوة المفرطة في قمع الحركة الشعبية، ومن أجل الاعتبار بمصائر الدكتاتوريين الذين أسقطتهم رياح الربيع العربي ... الحلفاء الإقليميون، من إيران الى حزب الله اللبناني الى حماس الفلسطينية، ظلوا يحرّضون النظام على القتل والمزيد من القتل، أما الحلفاء الدوليون فمتمسكون برفض اتخاذ أي إجراء دولي لوقف المجزرة،  وبالدعوة الى إعطاء نظام الأسد "المزيد من الوقت للإصلاح".
بين الذين عوّلوا في البداية على "المزيد من الوقت" تركيا التي أدركت بعد طول صبر ان "المزيد من الوقت" يعني المزيد  من القتل بوحشية للشعب السوري، فانضمت الى معسكر الداعين الى تغيير نظام الأسد وليس إصلاحه. بيد ان روسيا والصين تظهران قدرة عجيبة على التصديق بإمكانية ان يصلح نظام الأسد نفسه.
 لو أراد بشار الأسد الإصلاح السياسي ما كان الوقت مشكلة، فهو يملك كل الصلاحيات التي تمكنه من فرض رأيه على حزبه ومؤسسته العسكرية والبدء بالإصلاح في غضون أسابيع من اندلاع الانتفاضة السورية في مهدها، درعا. ولو رغب حزب البعث في إصلاح نفسه ونظامه لاتخذ الخطوات الأولى في غضون أشهر على أبعد تقدير من دون أي مشكلة في الوقت، فما من أحد كان سيعارض قراراً كهذا أو يعمل ضده.
ليست مشكلة وقت، إنما بشار الأسد لا يريد الإصلاح وكذا حال حزبه.

adnan.h@almadapaper.net


475
المنبر الحر / نحو 25 شباط جديد
« في: 18:31 02/02/2012  »
شناشيل
نحو 25 شباط جديد
عدنان حسين
في يوم ما من أيام المستقبل، سيضيف المؤرخون المنصفون يوم الخامس والعشرين من شباط 2011 الى قائمة الأيام المجيدة في تاريخ العراق الحديث باعتباره يوم انتفاضة شعبية على غرار ثورة العشرين ووثبة كانون الثاني 1948 وانتفاضة تشرين الثاني 1952 وثورة 14 تموز 1958وثورة أيلول (الكردية) 1961 وحركة تموز 1963 (حسن سريع ورفاقه) وانتفاضة آذار 1991 وسواها.
ما حدث في الخامس والعشرين من شباط 2011 كان انتفاضة شعبية عامة شاملة، امتدت من الشمال (الموصل) الى الجنوب (البصرة) واشتركت فيها جماعات مدنية وسياسية من مختلف الاتجاهات ومن شتى الفئات والطبقات الاجتماعية ... شعاراتها عكست تطلعات ملايين العراقيين نحو طي صفحة الماضي البغيض الطويل، والانطلاق نحو عهد الحرية الحقيقية والديمقراطية الحقيقية والمواطنة الحقيقية.
 في مقدم الشعارات كانت المطالبة بإصلاح النظام السياسي وتقويم العملية السياسية القائمة على معادلة مختلّة على نحو فاضح وفادح، هي معادلة المحاصصة الطائفية والقومية والتوافق بين أمراء الطائفية والحرب والميليشيات الظاهرة والمستترة.
وبالمستوى نفسه من الأهمية جاء مطلب مكافحة الفساد المالي والإداري المتفشي في دواوين الدولة قاطبة من أعلاها الى أدناها، والذي يلتهم حصة أغلبية الناس الساحقة من طعامهم وملبسهم ومسكنهم وصحتهم وتعليمهم وخدماتهم الأساس وتنميتهم.
توفير فرص العمل ومكافحة البطالة القاتلة بين الشباب وتأمين خدمات الكهرباء والماء والسكن والصحة والتعليم والنقل والبلدية ، كانت هي الأخرى شعارات كبيرة لمتظاهري 25 شباط وما بعده وأهدافاً نبيلة لهم ولملايين العراقيين من خلفهم.
جمعة الخامس والعشرين من شباط 2011 وما بعدها كانت أيضاً ملحمة نضالية مجيدة، فآلاف الشباب والنساء والشيوخ تحدّوا قمع الحكومة الذي بدأ بمنع التظاهرات وتأليب القوى السياسية والمؤسسات الدينية ضدها وتوجيه اتهامات باطلة للمبادرين اليها والمنخرطين فيها وفرض حال منع التجوال، ولم ينته بمواجهة التظاهرات بالبطش من استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين وقتل واصابة البعض منهم الى ملاحقة الناشطين واعتقالهم وإساءة معاملتهم على النحو الذي كان يجري في عهد نظام صدام حسين.
من المفرح أن تتنادى هذه الأيام مجموعات من الشباب المتصلة في ما بينها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإحياء ذكرى ذلك اليوم الوطني المجيد، فمن المهم تمجيد تضحيات الشهداء الذي سقطوا والعمل على إنصاف عوائلهم وعوائل الجرحى والمتضررين من القمع الحكومي لتظاهرات تلك الجمعة والجمع اللاحقة.
من اللازم ان تجري مراجعة لما تحقق وما لم يتحقق من وعود الحكومة والقوى السياسية المهيمنة على الحكومة والبرلمان بالتجاوب مع شعارات المتظاهرين ومطالبهم، وتجديد الدعوة لإصلاح النظام السياسي الذي يبدو الآن في حال أسوأ بكثير مما كان عليه قبل سنة، عشية اندلاع تظاهرات 25 شباط.
الحكومة طلبت مئة يوم، وبعد ثلاثة أسابيع فقط يكون قد مرّ 365 يوماً وكل شيء على حاله بل أكثر سوءاً على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا في حد ذاته يستحق حركة احتجاج أخرى وانتفاضة سلمية جديدة للاعلان بان الشعب لم يزل في حال الغضب.

adnan.h@almadapaper.net


476
شناشيل

لا تُزعجونا .. رجاءً

عدنان حسين

ينزعج مسؤولو الحكومة أشد الإنزعاج إذ يُشار في الإعلام والمحافل السياسية الى تصرفات لهم تشبه تصرفات صدام حسين وأقطاب نظامه والى سلوكيات وإجراءات للمؤسسات والأجهزة الحكومية تماثل ما كانت تفعله مؤسسات نظام صدام وأجهزته. وثلاثة أرباع غضبة رئيس الوزراء الشديدة على أحد نوابه ترجع الى مقارنة هذا النائب رئيسه الحالي بصدام.
مفهومة ومُبررة تماماً غضبة نوري المالكي على صالح المطلك، فالمقارنة مع صدام لا بدّ أن تشقّ كثيراً على أي شخص ممن عارضوا صدام ونظامه وكافحوا من أجل الخلاص منهما. ولكن من اللازم أيضاً أن يشقّ كثيراً على السيد المالكي وغيره من معارضي نظام صدام، استمرار المؤسسات والأجهزة الحكومية لنظام ما بعد صدام في السلوك والتصرف كما لو لم يحدث تغيير كبير في تاريخ البلاد وحياة الناس منذ التاسع من نيسان 2003 ، وكما لو ان هذه المؤسسات والأجهزة هي مؤسسات نظام صدام وأجهزته وليست مؤسسات نظام ديمقراطي محكومة بدستور يحظر على نحو قطعي وبات كل فعل وسياسة ونهج وتصرف مما كان سائداً في عهد النظام السابق الدكتاتوري الشمولي القمعي.
منذ مدة اشتكى موظفون في عدد من المؤسسات الحكومية من ان ادارات مؤسساتهم طلبت منهم تقديم معلومات لها طابع أمني بتعبئة استمارات على غرار تلك التي اعتاد النظام السابق على تعميمها على دوائر الدولة ومؤسسات القطاع الخاص سنوياً.
والآن، كما جاء في تقرير نُشر أمس، فاننا نجد حتى الأجهزة الأمنية في النظام الحالي ترفع الصوت مشتكية من وجود أسئلة عن القومية والدين والمذهب والتوجهات السياسية في الإستمارات المُقدمة الى المتطوعين في هذه الأجهزة والى العاملين فيها، وهي أسئلة تشمل حتى أقارب المتطوعين والمنتسبين.
هذا إجراء مُشين للغاية .. بوليسي وقمعي وإرهابي .. مهين للكرامة الوطنية وللكرامة الشخصية، وقد كان ممارسة روتينية لنظام صدام الذي لم يكن يُعير اهتماماً للكرامة، وطنية كانت أم شخصية، وهي ممارسة ثبت عدم جدواها فنظام صدام الذي طبّقها على أوسع نطاق لم يعد قائماً، وفي العالم لم يبق الا القليل من الأنظمة الشبيهة بنظام صدام ، وثمة مَن يترنح منها الآن بانتظار ساعة السقوط. 
سؤال الناس عن قوميتهم ودينهم ومذهبهم واتجاههم السياسي لأغراض لا تتعلق بالإحصاءات والبيانات الضرورية للخطط الاقتصادية والاجتماعية، شئ مزعج للغاية لهؤلاء الناس، يُشعرهم بالإهانة ويُذكّرهم  بحقبة بغيضة من تاريخهم ، كما هو مزعج ومؤلم للغاية الا  يتلمس هؤلاء الناس التطور الذي كانوا يأملونه في حياتهم، برفع مستوى المعيشة وتوفير الأمن وتأمين الخدمات الأساسية (الكهرباء والماء والصحة والتعليم والصرف الصحي والنقل) ومكافحة الفساد والفقر والبطالة وضمان ممارسة الحريات والحقوق المكرسة في الدستور.. الخ.
 حتى لا تنزعجوا، أيها المسؤولون الحكوميون وأيها السياسيون المتنفذون، ولا تتعكر أمزجتكم، كفّوا عن إزعاجنا وعن إيلامنا بالتصرفات والسلوكيات والإجراءات والقرارات التي يبدو العراق معها وكأنه لم يتخلص بعد من براثن الوحش الدكتاتوري.

adnan.h@almadapaper.net







477
شناشيل

الفرصة الأخيرة لبغداد

عدنان حسين

لم يكن الموقف العراقي الرسمي من الأحداث في سوريا منطقياً منذ البداية. وكان المظنون والمأمول أن يتبدل هذا الموقف تدريجياً ليُصبح منطقياً لكن بغداد اختارت ان يكون  موقفها مضاعفاً في عدم منطقيته، فعدد غير قليل من المسؤولين في بغداد غادر حال التردد الأولى الى الدفاع صراحة عن نظام بشار الأسد والتنديد علناً بالانتفاضة الهادفة الى اطاحته.
في البداية اتخذ النظام في بغداد موقف اللا مع واللا ضد مُخالفاً بذلك الموقف العربي العام. والتبرير المُقدّم وقتها تراوح بين القول ان للعراق جالية كبيرة (لاجئون) في سوريا لا بدّ من مراعاة مصالحها، والقول الحدود الطويلة بين البلدين كانت لسنوات عدة ممراً لغالبية الارهابيين الذين فجّروا السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة في أسواق المدن العراقية ومدارسها ومستشفياتها وجوامعها وكنائسها ودوائرها الحكومية، وان بغداد بالكاد استطاعت ان تُقنع النظام السوري أو ترغمه على إغلاق هذا الممر، والخشية أن يُعاد افتتاحه.
العائشون في بغداد الذين كانت غالبيتهم ، كما أكثرية العراقيين، تتطلع الى دعم واضح وفعّال لانتفاضة الشعب السوري، كانوا يعرفون ان ما يقال في التصريحات الرسمية والاعلام الحكومي ليس هو الحقيقة، وان موقف الحكومة مناهض تماماً للانتفاضة لأسباب لا تخلو من شبهة الطائفية ولا من سوء التقدير والتدبير. ولم يمر وقت طويل حتى بدأ مسؤولون حكوميون نافذون وأقطاب في أحزاب اسلامية شيعية بالإفصاح عمّا ظل مكتوماً، فرحنا نسمع كلاماً لا تورية فيه ولا تقية عن الخشية من وصول السلفيين والأصولين (السنة) الى السلطة في الشام.
لم يكن منطقياً ذلك الموقف، فهو يشبه الكلام في بعض دول العرب عن ان النظام العراقي الذي نشأ عقب إطاحة نظام صدام حسين هو نظام طائفي (شيعي) على غرار الجمهورية الاسلامية في ايران. والحال ليس كذلك بدلالة الدستور الذي يحكم العملية السياسية العراقية، وبدلالة ان الأحزاب الإسلامية الشيعية المتنفذة في بغداد، بسبب نظام المحاصصة غير الدستوري، يشكو منها ومن سوء ادارتها للدولة أغلبية الشيعة، فضلاً عن السنة والكرد والتركمان والمسيحيين والصابئة والأزيدية.
بموقفهم هذا وضع المتنفذون في نظام بغداد العراق كله في حال العداء مع الانتفاضة السورية، وهذا ما ستكون له عواقب سيئة للغاية على المدى البعيد، فنظام بشار الأسد مهما طال به العمر الذي لن يمتد لأكثر من أسابيع أو أشهر، سيلحق بالأنظمة التي عصف بها الربيع العربي بعد كل ما تسبب فيه من سفك الدماء، ووقتها لن يكون في وسع حكومة بغداد أن تغيّر الجغرافيا لتجعل حدود العراق الغربية تشترك مع بلد آخر غير سوريا، وليس في إمكانها أيضاًً إغلاق هذه الحدود بجدار من حجر أو حديد.
الآن تعمل الجامعة العربية والأمم المتحدة على منح الفرصة الأخيرة لنظام الأسد لكي يتقيد بالخطة العربية لحل الأزمة الدامية في سوريا، وهي أيضاً الفرصة الأخيرة لنظام بغداد لكي ينتقل من الموقف الداعم لبشار الاسد الى الموقف المساند للانتفاضة التي تهدف الى تحرير الشعب السوري من الدكتاتورية والقمع والى إقامة نظام ديمقراطي عند حدودنا الغربية.

adnan.h@almadapaper.net







478
شناشيل

من يترك القضاء لحاله؟

عدنان حسين

ليس واضحاً لماذا أحيلت تقارير كهذه الى السراديب المظلمة لتُحفظ كـ "تقارير سرية" مع ان من اللازم إعلانها ونشر تفاصيلها الكاملة عبر وسائل الإعلام المختلفة، فالأمن هو القضية المتقدمة على أية قضية أخرى والشاغل الأكبر لكل عراقية وعراقي، بل انها أحد الأسباب الرئيسة في عدم معافاة الحياة السياسية العليلة في البلاد.
ما أعنيه هو التقارير التي أفيد بأنها كشفت عن انخفاض كبير في ثلاثة عشر صنفاً من الأعمال الارهابية والإجرامية بعد تنفيذ عدد من أحكام الإعدام في حق مدانين، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة "الصباح" أول من أمس.
التقارير السرية هذه أفادت، والعهدة عليها، بان "عمليات انفجار العبوات الناسفة انخفضت بنسبة 13 بالمئة والعجلات المفخخة الى 42 بالمئة وسقوط قنابر الهاون الى 20 بالمئة، فيما انخفضت حوادث اطلاق النار باتجاه القطعات الى 53 بالمئة".
وسجلت التقارير انخفاض عمليات القتل الى 67 بالمئة ومحاولات القتل الى 15 بالمئة، بينما تضاعفت عمليات تحرير المخطوفين الى 50 بالمئة، وانخفضت حوادث انفجار العبوات الصوتية الى 37 بالمئة وعمليات السطو المسلح الى 60 بالمئة، فيما انخفضت تضحيات المدنيين (الشهداء) الى 28 بالمئة، والجرحى الى 27  بالمئة، وتضحيات القوات المسلحة والامنية (شهداء وجرحى) الى 37 بالمئة.
هذه المعلومات بالغة الأهمية لأنها تفتح كوة واسعة في نهاية النفق المظلم أمنياً وسياسياً الذي يبدو لبعضنا أن لا ضوء في نهايته.
وبالأهمية عينها، فان تسجيل تراجعات في العمليات الإرهابية  بهذا المستوى اللافت  بعد تنفيذ أحكام الإعدام في حق سفّاحين يُدعم المطالبات الواسعة التي لا تجد لها آذاناً صاغية لدى أجهزة الدولة والمراجع الحكومية العليا بتطبيق القانون ومساعدة السلطة القضائية في تنفيذ أداء مهماتها  وضمان أن يأخذ القانون مجراه على الجميع من دون استثناء أو تمييز مهما أياً كان الذي يطاله القانون.
ليس ثمة أدنى شك في أن تطبيق القانون  يردع الخارجين عليه ومنتهكيه. وفي العالم المتقدم يرتبط انحسار أعمال الإرهاب والجرائم بالدرجة الأولى بالتطبيق الصارم والعادل للقانون.
نعم، لا بدّ أن تتقلص مساحة الإرهاب والإجرام في بلادنا بعد تنفيذ الأحكام القضائية في حق الإرهابيين والقتلة السفاحين. وبالتأكيد ستتراجع مستويات الكثير من الأعمال الإجرامية الأخرى اذا ما نال القائمون بها جزاءهم العادل من القضاء ولم تعمل جهة حكومية أو سياسية أو عشائرية على تمكينهم من الإفلات من العقاب الذي يستحقون كما هو جار الآن على قدم وساق.
جرائم الفساد المالي والإداري، من سرقات للمال العام ورشاوى وتزوير للوثائق والشهادات، التي لا تخلو منها أي دائرة من دوائر الدولة، وجرائم انتهاك الحقوق والحريات العامة والخاصة التي يكفلها الدستور، وسواها من التعديات والانتهاكات التي تمارسها جماعات وأفراد ومؤسسات حكومية، ستتراجع بنسبة 20 بالمئة و40 بالمئة و80 بالمئة اذا ما تُرك القانون ليأخذ مجراه في حق الفاسدين والمفسدين والمنتهكين حتى لو كانوا في قمة هرم السلطة . .. لكن مَن يترك القضاء لحاله؟

adnan.h@almadapaper.net







479
المنبر الحر / هل نعتذر من صدام؟
« في: 12:59 29/01/2012  »
شناشيل

هل نعتذر من صدام؟

عدنان حسين

يتعين علينا، نحن الذين عملنا عقوداً من الزمن  في صفوف المعارضة المناهضة لنظام صدام حسين، ان نتقدم بسلسلة طويلة من الاعتذارات الى صدام نفسه وهو في القبر، والى افراد عائلته ألأحياء ولأموات، والى حزب البعث ومسؤولي أجهزة الأمن والمخابرات والوزراء وسائر المسؤولين في النظام السابق.
هذه الإعتذارات أصبحت لازمة بعدما تبيّن لنا ان المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان، كـ "أمنستي إنترناشنال" و"هيومان رايتس ووتش"، لا تعمل بدقة وتقاريرها غير موضوعية.
كنا، معارضو صدام، ننتظر بلهفة تقارير هذه المنظمات ونستخدمها في نشاطاتنا السياسية والاعلامية ضد صدام وعائلته وحزب البعث ومسؤولي النظام السابق للتأكيد باننا شعب مضطهد ومقموع  ومعرض للفناء على يد نظام دكتاتوري شمولي مستبد ومتهور.
شخصيا تابعت بمثابرة طوال أكثر من عشرين سنة تقارير منظمات حقوق الانسان الدولية وأوليتها اهتماماً استثنائياً في النشر في المجلات والصحف التي عملت فيها في لبنان وقبرص وسوريا وبريطانيا. ولطالما كتبت المقالات المؤسسة على المعلومات التي تضمنتها تلك التقارير. والواقع ان القوى السياسيةالمعارضة لنظام صدام جميعاً نشرت تلك التقارير في صحفها ومطبوعاتها لتعزيز موقفها المعارض للنظام وتأكيد وجهة نظرها السلبية تجاهه.
أكثر من هذا اننا كنا نرى ان تلك التقارير لا تقول الحقيقة كاملة التي نعرفها عن نظام صدام وممارساته القمعية، وكنا عندما نلتقي مسؤولي هذه المنظمات ونمرر لهم هكذا ملاحظة يجيبوننا بانهم ينشرون الوقائع والمعلومات التي يتثبتون منها ويهملون ما لا تتوفر الدلائل القاطعة عليه حفاظا على صدقية المنظمة وتقاريرها.
والآن فان حكومتنا التي يحتل أغلب مقاعدها معارضون سابقون ( بعض المقاعد مُنحت لمن يمكن وصفهم بالصداميين الذي يعملون في الواقع على إجهاض انتقال العراق الى النظام الديمقراطي وعلى إحياء النظام الصدامي) .. هذه الحكومة تقول لنا الآن بالفم الملآن ان تقارير المنظمات التي كانت في يوم ما حائطنا الوحيد، غير صادقة!
وكلام الحكومة هذا يصدر تعقيباً على آخر تقرير لـ "هيومان رايتس ووتش" قالت فيه ان  "العراق ينزلق سريعاً إلى الحكم الاستبدادي مع إساءة قواته الأمنية إلى المتظاهرين ومضايقتها للصحفيين، رغم تطمينات الحكومة الأميركية بأنها ساعدت على تهيئة نظام ديمقراطي مستقر، فالواقع يقول إن العراق في طور بدايات الدولة البوليسية"، كما جاء على لسان  سارة لي ويتسون المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في المنظمة وهي تُقدّم التقرير الأسبوع الماضي.
الحكومة اعتبرت على لسان وزير حقوق الانسان ان "عدم الدقة كانت سمة في هذا التقرير كونه لم يستند الى وقائع حقيقية"، وانه "غير موضوعي"، وان المنظمة  تستقي " معلوماتها من جهات إعلامية وسياسية تحاول تسييس ملف حقوق الانسان" ملمحة الى امكانية استخدام اطراف امريكية ملف حقوق الانسان العراقي "لأغراض انتخابية".
 والحكومة حكمت أيضاً على لسان مستشارها الإعلامي بان التقرير مكتوب بناء على "شهادات من جهة واحدة"، نافية وجود تعذيب للمعتقلين أو قمع وملاحقة للصحفيين، وانه لا توجد  سوى "انتهاكات فردية نستنكرها بشدة ونعمل على وضع حد لها في أقرب وقت".(اشهدوا على هذا!).
كلام حكومتنا يشبه تماماً ما كان يقوله نظام صدام رداً على تقارير منظمات حقوق الانسان التي كنّا نحن معارضي نظام صدام، وبيننا رئيس الحكومة الحالية والمتحدثون باسمها ومعظم وزرائها، نستند اليها في دعايتنا ضد ذلك النظام.
اذا كانت هذه المنظمات غير صادقة وغير موضوعية وغير دقيقة في تقاريرها، فلا بدّ انها كانت كذلك في زمن النظام السابق .. هل يتعين علينا أن نعتذر الى صدام وعائلته وأركان نظامه وحزب البعث لاننا حاربناهم بسلاح فاسد؟

adnan.h@almadapaper.net







480
شناشيل

"ساروطة" عراقية في السويد !

عدنان حسين

إجتاحني شئ من الضيق ووضعتُ كفّي على صدري من جهة اليسار وأنا أقرأ ان دائرة العلاقات الثقافية في وزارة الثقافة أعلنت  في بيان عن سعيها لافتتاح مركز ثقافي في العاصمة السويدية ستوكهولم.
من حيث المبدأ الخطوة طيبة، فسيتاح للجالية العراقية في إحدى دول اللجوء الرئيسة  ان تمارس نشاطاتها الثقافية في هذا المركز وأن تتواصل من خلاله مع الحياة الثقافية في الوطن الأم، كما انه سيوفر الفرصة لتوثيق العلاقات الثقافية وسواها بين العراق والسويد، فكما جاء في البيان سيكون المركز "حاضنة للثقافة العراقية ويعكس نشاطات المثقفين والفنانين العراقيين المغتربين".
وسبب الضيق انه في كل خطوة من هذا النوع يلوح لي شبح الفساد المالي والإداري. فكما كانت عليه الحال في عهد النظام السابق الذي دأب على تعيين الأنصار والمريدين في الممثليات الخارجية، لم تزل الأمور تجري على النحو ذاته، فالتعيينات في الممثليات الدبلوماسية والثقافية والتجارية والتعليمية في العهد الجديد تجري في الغالب وفقاً لأسس وقواعد المحاصصة والتوافقات التي حكمت معظم، بل كل، التعيينات في المناصب الرئيسة في الدولة.
وسبب الضيق أيضاً ان افتتاح مركز ثقافي أو ممثلية تجارية أو تعليمية جديدة في الخارج سيعني بالضرورة نشوء بؤرة للفساد المالي، فالمصروفات ستتضاعف مرة ومرتين في الأقل لتمتلئ جيوب نفر من الحرامية بالمزيد من النقود.
منذ أيام التقيت في بلد عربي اثنين من الأصدقاء، هما شريكان في مؤسسة للانتاج الفني، وحكيا لي انه جرت اتصالات بين شركتهما وممثلية لإحدى مؤسسات الدولة العراقية في بلد خليجي، لبيع بعض منتجات الشركة الفنية الى المؤسسة العراقية، وقد طلبت الشركة مبلغاً لقاء المنتج الفني بواقع 1000 دولار أميركي عن كل قطعة (أو حلقة)، لكن المسؤول في الممثلية العراقية اعترض على المبلغ. يقول الصديقان ان شركتهما ظنت ان ممثل المؤسسة العراقية كان يرغب في سعر أقل، فقيل له ان السعر محدود وهو خاص بالمؤسسة المعروض عليها لأنها عراقية بالذات وثمة رغبة في التمهيد للتعاون مع الجانب العراقي، لكن المفاجأة ان ممثل المؤسسة العراقية طلب أن يُسجل سعر القطعة (أو الحلقة) ثلاثة الآف دولار، الألف الأولى للشركة العربية المنتجة والألف الثانية ل(الوسيط) الذي هو ممثل مؤسسة الدولة العراقية نفسه والألف الثالثة لمديره الذي سيوافق على الصفقة ويمررها!
كان الصديقان يتحدثانبتعجب شديد عن هذه الواقعة، لكنني هوّنت عليهما وقلت ان ما طلبه ممثل مؤسسة الدولة العراقية في البلد الخليجي، بالمقارنة مع الصفقات الكبيرة التي تجري في مجالات المشاريع الكبيرة كمحطات الكهرباء والطرق والجسور والإسكان والصحة والتعليم والمنشآت النفطية والصفقات التجارية وسواها، هو "بينوتس"(فستق سوداني) بحسب تعبير الإنجليز عندما يتحدثون عن الأشياء بخسة الثمن.
افتتاح مركز ثقافي أو أي ممثلية أخرى في الخارج يمكن أن يتحول الى "ساروطة" للمال العام، إن وُضع في أيدي مسؤولين يترشحون وفقاً لأسس وقواعد المحاصصة الطائفية والحزبية والقبلية.

adnan.h@almadapaper.net






481
المنبر الحر / منجم الذهب المُهمل
« في: 17:32 23/01/2012  »
شناشيل

منجم الذهب المُهمل

عدنان حسين

وهو ميت لم يزل صدام حسين يتسبب في محن لبعض الناس. وآخر ضحايا الطاغية المعدوم رجل بريطاني في السادسة والستين من عمره كان يحاول بيع مؤخرة التمثال البرونزي الأشهر لصدام لحساب عسكري بريطاني احتفظ بقطعة البرونز بعدما هدم العراقيون تمثال الدكتاتور في نيسان 2003.
الرجل البريطاني الستيني اعتقلته الشرطة في مقاطعة ديربيشاير في وسط إنجلترا بتهمة انتهاك القوانين التي تنظم استيراد ممتلكات ثقافية عراقية بما في ذلك الآثار والقطع التي لها اهمية تاريخية أو دينية، باعتبار ان  مؤخرة تمثال صدام  تعد من الممتلكات الثقافية العراقية !
والرجل المعتقل يعمل لصالح شركة تتاجر بالتحف الحربية كانت تحاول العثور على زبون يشتري مؤخرة تمثال صدام لحساب الجندي البريطاني نايجل فلاي (52 سنة) الذي حصل على القطعة من جنود أميركيين كانوا شهوداً على إطاحة التمثال الذي حطمه العراقيون الغاضبون في ساحة الفردوس ببغداد.
عملية الاعتقال جاءت بعد مطالبة الحكومة العراقية بمؤخرة التمثال باعتبارها ملكية عراقية، وهي (العملية) انقذت هذه الملكية "الثقافية" من التذويب وبيعها في محلات الخردة.
الجندي فلاي الذي كان يعمل مع طاقم تلفزيوني يوم حصوله على القطعة، أعرب عن شعوره بالصدمة لاعتقال الرجل وطعن في دعوى السلطات العراقية بأنها المالك الشرعي للقطعة، وتساءل: كيف يمكن لقطعة معدنية من تمثال دكتاتور أن تعتبر ملكية ثقافية وطنية؟ وأضاف ان التمثال صُنع لتمجيد "أكبر طاغية منذ أتيلا الهوني" (ملك تركي قديم)، واعتبر ان أخذ القطعة البرونزية من مؤخرة تمثال صدام شبيه بأخذ كتلة من جدار برلين، فهي جزء من التاريخ ولكنها ليست ملكية ثقافية.
باهتمام تابعت قصة القطعة البرونزية وما سببته من مشاكل للجندي وصاحبه الرجل الستيني. وبالطبع فان الأمر لا يبدو لي كما يصوره الجندي الذي كان يأمل في بيع القطعة بربع مليون جنيه استرليني (400 الف دولار أميركي)، فكل ما يتعلق بالدكتاتور الراحل هو ملكية عراقية صرف ينبغي أن تؤول الى مالكها الوحيد، الشعب العراقي الذي تمثله دولته، لكن المفارقة الكبيرة في القضية اننا نجد الحكومة تلاحق جندياً هرّب قطعة من تمثال صدام فيما تهمل إهمالاً شديداً الإرث الحضاري العظيم لبلادنا والذي يضرب عميقاً في التاريخ الى ما يزيد عن ستة آلاف سنة.
في طول العراق وعرضه توجد مدن أثرية يتوق الملايين في العالم الى زيارتها، ولا يعرف الملايين من العراقيين عنها الا ما كُتب في بضع صفحات في كتب التاريخ المدرسية.
وعلى سبيل المثال فان في مدينة الحلة التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن مدينة بابل الأثرية، لا يعرف معظم الشباب حتى موقع هذه المدينة العظيمة. ولا بد ان الحال كذلك بالنسبة للمدن السومرية والأكدية والآشورية وسواها. والسبب دائما وأبداً ان الدولة لا تُولي السياحة عموماً، وبخاصة السياحة التأريخية، الإهتمام اللازم، مع انها منجم ذهب حقيقي.
 ولِمَ العجب؟ هل منتظر غير هذا من دولتنا الحالية التي لا تهتم بمصائر البشر الأحياء؟

adnan.h@almadapaper.net






482
شناشيل

التيار الديمقراطي وذخيرته غير المفعّلة

عدنان حسين

نظّم  التيار الديمقراطي أمس اجتماعاً موسعاً في بغداد لمناقشة الأزمة السياسية الطاحنة التي تعصف بالبلاد، تحضيراً لمؤتمر شعبي عام يُراد له أن يخرج بتوصيات ومقترحات تعالج هذه الأزمة.
كل ما قيل في الاجتماع كان من أجمل ما يكون، يرتقي الى مستوى القصيدة الوطنية المبهرة المحرّضة، فالمتحدثون قدّموا تحليلات صائبة لطبيعة الأزمة واسبابها والنتائج الوخيمة المتحققة حتى الأن أو التي لم تزل في الطريق. كما قُدّمت أفكار للحل ولا أروع، لكن المشكلة الكبرى تكمن في ان هذا الكلام الجميل هو من نوع الحوار الذاتي الذي يتحدث فيه المرء مع نفسه في الفراش أو في غرفة مغلقة المنافذ.
لا أحد ممن في أيديهم الحل والربط سيقرأ أو سيستمع الى ما تردد في قاعة فندق عشتار البغدادي. واذا كان ثمة من يقرأ أو يسمع، فمن المشكوك فيه الى أبعد الحدود أن يُنعم النظر ويُطيل التفكير فيه، فأهل الحل والربط في ما يتعلق بهذه الأزمة وسائر الأزمات  المتوالدة بكثرة كما الدود، لا يعنيهم في شئ أن تخرج البلاد من نفق الأزمة الحالية وفقا للسيناريو الذي تصوّره اجتماع أمس وسيبلوره المؤتمر الشعبي المنتظر.
والموقف السلبي لأطراف الأزمة حيال الحلول الناجعة لها لا يرجع فقط الى التضارب والتعارض بين مصالح هذه الأطراف والحلول المقترحة، وانما أيضاً الى عدم وجود القوة المادية والمعنوية اللازمة لفرض هذه الحلول، وبخاصة قوة الضغط الشعبي.
أحد السادة المتحدثين اعتبر ان حضور الاجتماع يمثلون شرائح اجتماعية وقوى سياسية تمثل بدورها أغلبية الشعب، ولا أظن انه كان مبالغاً في كلامه، فالقوى الحاكمة هي أقلية اختطفت السلطة بقانون انتخابات غير دستوري باعتراف المحكمة العليا، وباجراءات إدارية تجاوزت كثيراً على القانون، وبمفوضية انتخابات ثبت انها غير مبرأة من الفساد المالي والإداري، فضلاً عن غياب قانون ينظم الحياة السياسية والنشاط الحزبي. لكن الأغلبية  التي تحدث عنها المتحدث ليست فاعلة ومؤثرة، فهي مهمشة عن عمد وسابق اصرار من القوى الحاكمة، وهي أيضاً شبه منسية من القوى التي تمثلها، قوى التيار الديمقراطي.
قوى التيار الديمقراطي لم تزل تعمل باساليب العمل القديمة وتفكر بانماط التفكير القديمة، وهذا ناجم خصوصاً عن انها تتمسك بقياداتها القديمة التي حان موعد تقاعدها منذ مدة تصل في بعض الأحيان الى عقود.
انتفاضات الربيع العربي لم تتفجر بعد اجتماعات من النوع الذي عقد في فندق عشتار أمس ولا إثر مظاهرة من النوع الذي جرى في وثبة كانون(1948) وانتفاضة تشرين (1952) .. فجّرها شباب تظاهروا عبر فيسبوك وتويتر قبل أن يتجمعوا في ساحات التحرير.
التيار الديمقراطي العراقي لديه ذخيرة شعبية هائلة، والمطلوب منه أن يختار الأسلحة المناسبة لهذه الذخيرة لتفعيلعا، وهي أسلحة لا تُستدعى من الذاكرة الهرمة وانما من عمق الشارع ومن بطن الانترنت.


adnan.h@almadapaper.net






483
شناشيل

الجنرال سليماني ورجال دولتنا والمتنبي

عدنان حسين


ما كان لقاسم سليماني أن يتجاوز ويتمادى في الكلام من النوع الذي كُشِف النقاب عنه أمس بشأن العراق لو كانت لدينا دولة وحكومة تحترمان نفسيهما وشعبيهما، ولو كانت لدينا قبل هذا نخبة سياسية حاكمة تستحي.
وقاسم سليماني هو الجنرال الايراني الذي يقود أهم فيلق في الحرس الثوري (باسدران). وهذا بدوره هو الميليشيا الضاربة للمرشد الإيراني الأعلى التي تمتد سلطتها الى الاقتصاد فضلاً عن الأمن والسياسة في جارتنا الشرقية.
أمس أُعلِن ان الجنرال سليماني قال يوم الخميس إن "إيران حاضرة في العراق والجنوب اللبناني"، وإن هاتين المنطقتين "تخضعان بشكل أو بآخر لإرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأفكارها"، مضيفاً أنه يمكن لطهران "تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بهدف مكافحة الاستكبار" (العربية نت نقلا عن وكالة "إيسنا" للأنباء الإيرانية شبه الرسمية).
سليماني لم يقل غير الحقيقة، فلإيران دور واضح في الإحداث والشؤون الداخلية للعراق، يشبه بصورة من الصور دورها في جنوب لبنان المخطوف من الدولة اللبنانية. والتصريح المتفاخر لسليماني هو اعتراف بان النفوذ الايراني في العراق مُهيمن كما هو في جنوب لبنان.
الجنرال سليماني الذي يقود "فيلق القدس" في (باسدران) ويُعدّ أهم شخصية عسكرية إيرانية على الإطلاق، لم يكن يتحدث في جلسة خاصة  أو على ناصية مقهى شعبي، بل كان يُلقي خطبة رسمية في ندوة عامة تحت عنوان "الشباب والوعي الإسلامي"، بحضور بعض الشباب من البلدان العربية التي شهدت خلال السنة المنصرمة ثورات ضد أنظمة الحكم، بمعنى ان الجنرال الإيراني أراد الإبلاغ عن رسالة رسمية علنية من النظام الإيراني تُظهر مدى استهانة هذا النظام بسيادة الدولة العراقية.
هذه الاستهانة تستند الى ان في عراق ما بعد صدام حسين لم تقم بعد دولة، أو هي دولة لكنها غير محترمة، وفي العادة  فان غير المحترم غير مرهوب الجانب أيضاً. وعدم الإحترام الإيراني لدولتنا وسيادتها متأت من:
 أولاً: وجود جماعات في الدولة العراقية تتصرف باعتبارها جزءاً من الجمهورية الاسلامية الإيرانية داخل الدولة العراقية أو ان الدولة العراقية اقليم ملحق بالجمهورية الإسلامية. ألم تروا كيف ارتفعت صور الخميني وخامنئي في شوراع البصرة في "يوم الاستقلال العراقي" وهو يوم الانسحاب الأميركي الكامل من الأراضي العراقية نهاية الشهر الماضي؟
ثانيا: انصراف النخبة الحاكمة ( من كل الكتل والإئتلافات البرلمانية والحكومية) عن أمور الدولة والشعب والوطن الى أمورها الشخصية والحزبية .. صراعاتها على السلطة والنفوذ والمال .. فسادها المالي والإداري .. نهب المال العام .. تدبير المؤامرات، وما الى ذلك مما نعرفه جميعاَ.
استهانة الجنرال سليماني بالعراق هي بالدرجة الأولى استهانة بالسياسيين المتنفذين في الحكومة والدولة الذين صحّ فيهم قول المتنبي العظيم: "من يَهُنْ يَسهلً الهوانُ عليه ...".
 
adnan.h@almadapaper.net






484
شناشيل
حكومتنا والتقليد البعثي السئ
عدنان حسين
تتمسك حكومتنا الميمونة بتصرفات تعوزها الشرعية والأخلاقية. وهي تصرّ عليها بعناد عجيب وغريب برغم الاعتراضات والانتقادات من محافل سياسية وإعلامية، كما لو أن الحكومة مصابة بالطرش والعمى في آن حيال هذه الاعتراضات والانتقادات.
من هذه التصرفات الاعتقال العشوائي والتعذيب النفسي والجسدي للمعتقلين، وهما مما يحرّمه تحريماً صريحاً الدستور الذي استفتي عليه الشعب قبل ست سنوات، وكذلك عرض "اعترافات" متهمين على التلفزيون، وهو ما لم ينص عليه أي قانون نافذ فضلاً عن انه عمل غير أخلاقي.
الحكومة تؤكد دائماً على لسان كبار مسؤوليها ان القضاء في بلادنا مستقل وان استقلاليته محترمة ومضمونة من جانب السلطة التنفيذية، بيد أن هذه الحكومة تناقض نفسها بنفسها إذ تتجاوز على صلاحيات السلطة القضائية باعتقال الناس من دون تصاريح قضائية كما حصل في مرات عديدة منذ نحو سنة حتى الآن مع نشطاء التظاهرات السلمية على سبيل المثال، وبعرض "الاعترافات" من دون أي سند قانوني أو قرار من السلطة القضائية.
الاعترافات المتلفزة بالذات، كما الاعتقالات العشوائية وإساءة معاملة المعتقلين، عمل غير أخلاقي تماماً، وهو يعكس شعور الحكومة بعدم ثقة الرأي العام بسلامة إجراءاتها وباستقلال السلطة القضائية. فلو كانت الحكومة واثقة من أن الشعب على قناعة باستقلال القضاء ما احتاجت إلى عرض الاعترافات تلفزيونياً.
في البلدان الديمقراطية التي تتمتع فيها السلطة القضائية بالاستقلال الحقيقي لا الشكلي، لا تعرض السلطات الحكومية اعترافات المتهمين أو المدانين حتى لو كان الأمر يتعلق بقضايا الإرهاب والأعمال المهددة للأمن الوطني، وإنما يتولى القضاء عرض نتائج التحقيق والمقاضاة بعد الانتهاء من الإجراءات التحقيقية والقضائية التي تتضمن تمكين المتهمين من توكيل محامي دفاع عنهم، فالمبدأ الثابت والمحترم في بلاد الديمقراطية الحقيقية ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهذه الإدانة لا تقررها أجهزة السلطة التنفيذية وإنما السلطة القضائية.   
يجب أن تُدرك الحكومة أن عرض الاعترافات عدا عن كونه عملاً غير قانوني وغير أخلاقي، لا يكرّس الثقة بها وبإجراءاتها، بل يعصف بها تماماً، فمما يثبّت هذه الثقة هو ضمان الاستقلال الكامل للسلطة القضائية وتركها تعمل وتقرر بحرية غير منقوصة.
عندما يكون الشعب واثقاً بحكومته وبسلطته القضائية، كما هي الحال في بلدان الديمقراطية الحقيقة، لا يحتاج إلى عرض الاعترافات لإقناعه بصحة وسلامة الإجراءات الحكومية والقضائية.
الاعترافات المتلفزة تقليد بغيض بدأه نظام البعث الأول بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي وواصله نظام البعث الثاني بقيادة صدام حسين البعثيون، أفلا تجد حكومتنا غضاضة في السير على ذلك الدرب القذر؟ وكيف لنا أن نؤسس لنظام ديمقراطي في ظل التجاوز على القانون والأخلاق؟
إذا كانت الحكومة تحترم نفسها وتحترم من انتخبوها فلتُلزم أجهزتها ومؤسساتها بالكفّ عن كل الممارسات الخارجة على القانون والأخلاق.

adnan.h@almadapaper.net



485
شناشيل
أعترف بانني عميل لجهة كويتية
عدنان حسين
نعم، ها انني أعترف على رؤوس الأشهاد بانني عميل لجهة كويتية، واعترف انها عمالة بدأت قبل أربع سنوات ونصف السنة، وبالضبط في اوائل النصف الثاني من العام 2007 الذي انتقلت فيه من لندن الى الكويت لأبدأ عملي في إحدى صحفها الجديدة وكذلك عمالتي للجهة التي سأفصح لاحقاً عنها.
هذا الاعتراف أقدّمه هدية مجانية الى النائبة عن القائمة العراقية البيضاء عالية نصيف التي لا تُخفي عداءها الشديد للكويت، وهو مما وضعها في قائمة النواب المصابين بداء مزمن هو داء الاسهال الكلامي، بل تبدو في بعض الاحيان متصدرة هذه القائمة ما يدفعني الاقتراح إدراج اسمها في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
مناسبة الاعتراف وهذا الكلام كله هي التصريح التحذيري للنائبة منذ يومين مما وصفته ب"قيام أطراف كويتية باستمالة عدد من الصحفيين العراقيين ومحاولة شراء ذممهم للسكوت عن تجاوزاتها السافرة على العراق"، قائلة  إن "منظمة كويتية مشبوهة يديرها الصحفي الكويتي المدعو ماضي الخميس دعت عدداً من الصحفيين العراقيين لزيارة الكويت لغرض استمالتهم واقناعهم بعدم التطرق لقضية ميناء مبارك الكويتي ومسألة التعويضات التعسفية والتجاوزات الكويتية على الحدود العراقية والاعتداءات المتكررة على الصيادين ونهب النفط العراقي بطريقة الحفر المائل وغيرها من التجاوزات".
 وبصفتي أحد الذين استمالتهم "المنظمة الكويتية المشبوهة" أرغب في تنوير حضرة النائبة بمعلومات مفيدة لكي تكون على بيَنة وإطلاع لأنها ، كما يعكس تصريحها، تهرف بما لا تعرف.
المنظمة "المشبوهة" هي "الملتقى الاعلامي العربي" العضو المراقب في جامعة الدول العربية والذي نظّم العشرات من الملتقيات والندوات في عدد من العواصم العربية خلال السنوات الأخيرة، والتي كان بين ضيوف العديد منها صديق السيدة نصيف الذي أشادت به في تصريحها نقيب الصحفيين.
 اما العراقيون المشاركون في الملتقى الاعلامي الكويتي العراقي خلال الايام الماضي فهم من المثقفين والاعلاميين المرموقين ذي الخبرة الطويلة والمكانة المحترمة في عدد من أهم المؤسسات الصحفية والاعلامية الوطنية، وهم جميعاً بالاضافة الى هذا من المعادين لصدام حسين ونظامه، والأرجح ان هذا بالذات ما جعل النائبة واصدقاءها يستشيطون غضباً.
أما الملتقى الإعلامي الكويتي العراقي، فانه بخلاف ما هرفت به النائبة لم يتطرق الى "عدم التطرق" للقضايا التي ذكرتها النائبة، بل هو تطرق اليها كلها، إذ تحدثنا نحن العراقيين بصراحة الى اخواننا الكويتيين عما يدور في الشارع العراقي بصدد هذه القضايا، ولم نستثن من ذلك ما يردده فلول نظام صدام حسين والجماعات التابعة لايران من أكاذيب وأضاليل من أجل الحاق المزيد من الضرر في العلاقات الثنائية وإعاقة عملية تطبيعها. كما تحدثنا بصراحة عن حملة التحامل على العراق والشعب العراقي المتواصلة في بعض وسائل الإعلام الكويتية، مؤكدين معرفتنا بان وراء هذه الحملة اؤلئك الذين كانوا خُدّاماً أذلاء لصدام ونظامه قبل الغزو، ومجموعات سلفية طائفية متخلفة وحقودة.
نعم تطرقنا الى هذا كله، وفي إطاره تباحثنا، كإعلاميين، في دور الإعلام في تسليط الاضواء على المشاكل التي تعترض طريق تطبيع العلاقات وتوسيع المصالح والمنافع المشتركة بين البلدين الجارين وشعبيهما الشقيقين اللذين كانا ضحية لصدام ونظامه.
قبل ان أكشف للنائبة نصيف واصدقائها اسم الجهة الكويتية التي ارتبطت بعمالتها، بودي أن أغيضها بلفت نظرها الى انني كنت من المعارضين الأشداء لصدام ونظامه على مدى ربع قرن أمضيته خارج البلاد مع آلاف غيري من المناضلين الوطنيين الذين عبّدت نضالاتهم الطريق لقيام نظام برلماني في العراق أتاح للسيدة نصيف أن تكون عضواً في البرلمان، وهو ما لم تكن تحلم به وبتحقيقه في عهد سيدها السابق صدام حسين.
ولكي أغيض النائبة أكثر أقول لها انني تصديت بقوة في عملي الصحفي لغزو صدام للكويت، بل تحديت صدام بالعمل في صحيفة "صوت الكويت" التي صدرت أثناء فترة الغزو واستمرت سنتين.
اما الجهة الكويتية التي أصبحت عميلاً لها منذ العام 2007 فهي البنك الوطني الكويتي الذي افتتحت فيه حساباً برقم (1006605786) لتحويل ما أتقاضاه شهرياً من صحيفة "أوان" التي ساهمت في إنشائها مع الصديق الدكتور محمد الرميحي المشهود بعدائه لنظام صدام منذ ما قبل الغزو، وعملت مديرا لتحريرها منذ 1/7/2007 حتى 31/1/ 2010. وبما ان بعض البنوك تصف زبائنها بالعملاء فاشهد بانني كنت عميلاً لهذا البنك الذي هو أول وأكبر بنك كويتي.
هل اطمأنت النائبة نصيف بعد هذا الأعتراف الواضح والصريح؟
كلمة أخيرة لإغاضة النائبة التي أتمنى لها الشفاء العاجل من مرض الاسهال الكلامي: انني لست فقط مقتنعاً بصحة ما فعلته في الكويت في الأيام الأخيرة، بل انني فخور به كما سائر زملائي، لأننا كنا نقوم بعمل وطني من الطراز الأول. أتمنى أن ترتقي أعمال السيد النائبة ونشاطاتها الى هذا الطراز.

486
شناشيل
لماذا لا نكون مثل الكويت؟
عدنان حسين
الكويت، المدينة بشوارعها وأزقتها وطرقها السريعة، نظيفة للغاية هذه الأيام كما هي دائماً. لماذا الكتابة عنها إذن؟ .. لأنها تشهد الآن حملة انتخابية حامية الوطيس، خصوصاً بين الجيل الجديد من المرشحين الذي يتطلّع الى تغيير ما وجيل "الحرس القديم" الذي يريد إبقاء الأشياء على حالها، بحسب ما يقول البعض من أهل البلد.
والكويت نظيفة وهي في ذروة الحملة الانتخابية المستمرة حتى مطلع الشهر المقبل، لأن هناك قانوناً يمنع نشر صور المرشحين واعلاناتهم الانتخابية حسبما أتفق .. والقانون محترم من الجميع ولا أحد يتجاوز عليه بأي صورة وشكل، فالمرشحون أحرار في استخدام وسائل الاعلام للدعاية لأنفسهم والتعريف ببرامجهم في صيغة إعلانات مدفوعة، لكنهم على الأرض ملزمون بأن يُعلنوا عن أنفسهم، صورة وكتابة، على لوحات معدنية كبيرة نسبياً أعدّتها البلدية خصيصاً لهذه الغاية في الدوائر التي يترشحون عنها، على أطراف الأحياء السكنية وعند مداخلها وفي أماكن الخدمات العامة كالجمعيات (الأسواق المركزية الخاصة بالضواحي)، وعند انتهاء الحملة الانتخابية يقوم عمال البلدية برفع اللوحات بما فيها. وعدا عن هذا لا يحقّ للمرشح أياً كان أن يضع صورة له ولو بحجم طابع البريد أو شعاراً ولو كان بحجم  9 الطباعي في مكان عام. وبهذا الاجراء ظلت مدن الكويت نظيفة على الدوام.
هذه الحال تعاكس تماماً ما يجري عندنا، فمع ان آخر انتخابات برلمانية جرت منذ سنتين بالتمام والكمال لم تزل صور بعض المرشحين، في الغالب أجزاء منها، تشوّه الجدران في شوارع العاصمة بغداد وسائر المدن، وقد كلحت ألوانها وانتشرت عليها الأوساخ، ولم يبق ممن تمثلهم الصور الا نصف الوجه أو ربعه، وهو ما يمثل إساءة للمدينة والذوق العام والمرشح نفسه الذي يُظهره ما تبقى من صورته بشكل مُنفّر. والمشكلة ان المرشحين في انتخاباتنا يلصقون صورهم ويرفعون شعاراتهم بنحو كيفي وعشوائي، وكثيراً ما ألصق مرشح صوره ولافتاته فوق صور ولافتات مرشحين آخرين أو بجوارها تماما ليتحول الجدار الى غابة من الصور واللافتات.
حالنا تعكس الاستهانة بالقوانين والأنظمة، وبالذات من المرشحين لأن يكونوا مشرعي قوانين، سواء على المستوى الوطني في مجلس النواب أو على المستوى المحلي في مجالس المحافظات، فثمة قرارات وأنظمة لدينا تُلزم المرشحين برفع صورهم وشعاراتهم الانتخابية من الأماكن المرفوعة أو المُلصقة عليها وتُوقع غرامات على المخالفين، بيد ان هذه القرارات والانظمة لا تجد طريقها الى التنفيذ ممن شرّعها أو ممن أنيطت به مهمة التنفيذ فأصبحت غير محترمة وازدادت معها مدننا سوءاً على سوئها المتعدد الاشكال والألوان والمجالات.
عما قريب يُفترض أن تجري انتحابات مجالس المحافظات والمجالس المحلية في اقليم كردستان، وحيث اننا فاقدو الأمل في أن تهتم الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية والبلديات في المحافظات والمدن العربية بهذا الأمر، نأمل أن تشرّع سلطات الاقليم قانوناً شبيها بالقانون الكويتي في ما يتعلق بالدعاية الانتخابية، ليكون الإقليم قدوة ومثلاً بدل أن تكون القدوة والمثل في الخارج، نحتاج الى أن نعبر الحدود ونستخرج سمات الدخول  للاطلاع عليها.

adnan.h@almadapaper.net
 

487
شناشيل
 بارزاني .. أم المالكي وعلاوي؟

عدنان حسين
يحضر ... لا يحضر، يحضر ...لا يحضر!
هذا هو رئيس اقليم كردستان مسعو بارزني الذي يبدو الآن كما لو ان مفاتيح حلّ مشاكل العراق وأزمات عمليته السياسية كلها في جيبه، إن حضر انفرجت برمتها برغم التكاثر الفطري لهذه المشاكل، وإن لم يحضر غرق المركب بمن فيه وما فيه.
التصوّر من هذا النوع غير سليم، فالسيد بارزاني ليس ساحراً، ولا هو يملك عصا كعصا موسى متى يضرب بها الأرض تنشقّ عن تسوية بين ائتلاف العراقية وائتلاف دولة القانون. فمن قبل أخذ بارزاني الى بيته جميع أطراف العملية السياسية بكل قادتها المختلفين والمؤتلفين، وهناك أقسم كل واحد منهم بربه ونبيه ودينه وأئمته مثنى وثلاثاّ ورباعا على انه سيكون حافظا للعهد أمينا على الوعد، فما الذي حدث.
دولة القانون عملت  كل جهدها على الا تنفذ بنود اتفاقية أربيل ما اختص منها بالمادة 140 وما تعلق بالشراكة الحكومية وبمجلس السياسات. وفي المقابل دفعت العراقية من جانبها بالامور لكي لا تُنفذ بنود الإتفاقية حتى تظلّ لديها الحجة لمعارضة المالكي والعمل على إطاحته وتمكين علاوي من خلافته. وهذا ما أفشل الاتفاقية وأفسد العملية السياسية فوق فسادها الأصيل.
الرئيس بارزاني لن يحضر الى بغداد لأنه، كما كثير من العراقيين غيره، لا يثق بالمالكي والصفّ الطويل الواقف خلفه، ولا يثق بعلاوي والصفّ الطويل الممتد وراءه. هذه هي القضية.
الاشتراط الضمني من الجانبين، ائتلاف دولة القانون والعراقية، لحضور بارزاني الى بغداد للمشاركة في "المؤتمر الوطني" ينطوي على الرغبة منهما في عدم عقد المؤتمر في الأساس، وفي القاء الكرة على غيرهما. فاذا كان حضور بارزاني هو لضمان تطبيق الإتفاقات التي يتعيّن أن ينتهي اليها المؤتمر فان بوسع التحالف الكردستاني، أياً كان من يمثله في المؤتمر، أن يقدّم هذا الضمان.
كسياسي، من المؤكد ان الرئيس بارزاني يُفكّر، وهو يتخذ قراره بعدم الحضور الى بغداد في الظرف الراهن، ان فشل المؤتمر او الفشل في عدم تطبيق ما يُتفق عليه في المؤتمر، سيُعدّ فشلاً سياسياً له، فما الذي يدفعه لاتخاذ خطوة غير مضمونة النتائج؟
اذا كان ائتلاف دولة القانون والعراقية جادين وحريصين على ان ينعقد المؤتمر وان يخرج بحصيلة إيجابية، عليهما أن يُحسنا نواياهما وأن يوفرا البيئة المناسبة لانعقاده ولنجاحه. وكل ما يحتاجه هذا الأمر أن يجترح هذان الطرفان معجزة صغيرة، هي أن يضعا مصلحة الوطن والشعب فوق مصالحهما الشخصية والحزبية والطائفية، ويومها سيجدان ان الرئيس بارزاني وسواه سيكون في مقدّم الحضور الى جانب المالكي وعلاوي وغيرهما.
فهل يفعل دولة القانون والعراقية هذا؟

adnan.h@almadapaper.net
 
 


488
شناشيل

ومن يعتذر عن ممارسات النظام الحالي؟

عدنان حسين

أحسنت وزارة الداخلية الصنع، وأحسنت أيضاً توقيت هذا الصنع. ففي مبادرة غير مسبوقة لا في تاريخ العراق ولا في تاريخ المنطقة بأسرها إختارت الوزارة مناسبة الذكرى التسعين لتأسيس الشرطة العراقية للاعتذار عن الممارسات القمعية لقواتها واجهزتها في عهد النظام السابق.
الوزارة قالت في بيان يوم الأحد "يعتذر أبناء القوات الأمنية في وزارة الداخلية من الشعب العراقي عن الممارسات التي حدثت خلال حكم النظام السابق المقبور إثر زجّهم في ممارساته التي لم تكن من واجباتهم أصلاً".
هذا ر هو من حُسن الصنيع والتهذيب بالتأكيد، وسيكون الأحسن منه بالطبع الا تتكرر ممارسات النظام السابق، فبخلاف هذا كان الإعتذار لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به، وهذا ما وعد به البيان نفسه ضمنياً، فالنظام السابق انتهى وممارساته أصبحت من الماضي الذي يبتعد العام بعد العام، والإعتذار لا قيمة مادية له، أي انه لا يعيد الحياة الى الشهداء مثلاً  .. قيمته معنوية، وهي ستكون قيمة نفيسة للغاية إن غدت ممارسات نظام البعث مجرد ذكرى بغيضة من الماضي.
لكن السؤال الكبير هو: مُن يعتذر عن الممارسات السلبية، بما فيها القمعية، للنظام الحالي ومتى؟
 من يعتذر ومتى عن عمليات الدهم العشوائية التي أضير منها أبرياء (الأجهزة الأمنية غالباً ما تبررها بانها غير مقصودة وان الظروف غير الطبيعية ارغمتها على اتخاذها)؟ ومن يعتذر ومتى عن الاعتقالات غير القانونية الذي إمتد الكثير منها الى أشهر وسنوات؟ ومن يعتذر ومتى عن عمليات التعذيب التي طاولت أبرياء؟ ومن يعتذر ومتى عن أعمال القتل  التي "لم تكن مقصودة" هي الأخرى؟
 من يعتذر ومتى عن القمع الوحشي للمتظاهرين، بمن فيهم النساء، الذين خرجوا في 25 شباط من العام الماضي والاسابيع التالية في ساحة التحرير وغيرها من ساحات البلاد للمطالبة سلمياً باصلاح النظام السياسي (بالغاء نظام المحاصصة المذموم حتى من الطبقة السياية الحاكمة بكل ائتلافاتها وكتلها) ومكافحة الفساد المالي والاداري، وتوفير الكهرباء وسائر الخدمات الأساسية؟
من يعتذر ومتى عن التجاوز على الحريات والحقوق التي كفلها الدستور؟
من يعتذر ومتى عن الاستشراء المتفاقم لنهب المال العام والعبث به؟
من يعتذر ومتى عن بقاء مئات الآف الشبيبة من دون عمل سنوات عديدة وانسداد آفاق المستقبل أمامهم؟
من يعتذر ومتى عن السكوت على عمليات تزوير الشهادات والوثائق وابقاء ابطالها يسرحون ويمرحون ويأمرون وينهون في مرافق الدولة من أعلاها الى أدناها؟
من يعتذر ومتى عن بقاء وباء الأمية والجهل والتخلف يضرب العراق من أقصاه الى الى أدناه؟
من يعتذر ومتى عن وجود ملايين العراق في المنافي القريبة والبعيدة حتى اليوم؟ وعن استمرار تدفق المزيد من المهاجرين الى الخارج؟
من يعتذر ومتى عن المناكفات والمنافسات والتشاتمات والمزايدات والصراعات والمؤامرات بين "قيادات البلد" والتي تزيد البلد خراباً هائلا ودمارا شاملا؟ 
ممارسات النظام السابق صارت ماضياً، ونحن أبناء الحاضر فمن يعتذر ومتى عن ممارسات الحاضر؟
من يعتذر ومتى عن وعن وعن وعن ...؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

adnan.h@almadapaper.net






489
شناشيل

هل البصرة إقليم إيراني؟

عدنان حسين

وأنا أقرأ الخبر المتعلق بإعلان قياديين في منظمة بدر في الديوانية انسحابهم من المنظمة، عازين ذلك إلى  "ابتعاد قيادة المنظمة عن المسار الوطني الصحيح"، بقيت أتابع التفاصيل باهتمام بالغ بحثاً عن معلومة رغبت في  وجودها في الخبر وكنت سأسعد بها كثيراً، لكنها كانت متابعة بلا طائل مخيبة للآمال.
الخبر أفاد بان مسؤول تنظيمات بدر في الديوانية صلاح العرباوي أعلن في مؤتمر صحفي  وعلى هامشه "أنا وثلاثة من قيادات منظمة بدر، هم كل من مسؤول تجمعات الصفوة حيدر علي كعيد الدايني، ومسؤول تنظيمات بدر فرع ناحية سومر خالد عليوي، ومسؤول المالية والإدارية في المنظمة حيدر صالح، نُعلن انسحابنا من المنظمة بسبب ابتعاد أمانتها العامة في العراق عن المسار الوطني الصحيح" .
وأضاف العرباوي أن "المنسحبين وبعد دراسة مستفيضة استمرت ستة أشهر وجدوا أن قيادة منظمة بدر ابتعدت عن إرادة الجماهير التي ارتضت أن يكون  عمار الحكيم قائداً للمجلس الأعلى الإسلامي"، داعياً قيادة المنظمة إلى "الرجوع لخيمة آل الحكيم".
وأكد العرباوي أن "مجموعة كبيرة من أعضاء المنظمة ستعلن انسحابها خلال الأيام المقبلة".
من حق أي كان أن ينتظم في الجماعة السياسية والاجتماعية التي يختارها، ومن حقه أن يخرج منها متى شاء لأسباب تتعلق بتغير القناعة أو بغيره.
وقد يكون السيد عمار الحكيم من أفضل الناس ومن أفضل القادة بما يستحق أن ينسحب قادة وعناصر من منظمة بدر من تنظيمهم الذي لم يخف منذ حين افتراقه عن المجلس الأعلى الاسلامي الذي يترأسه الحكيم. لكن الا يستحق الوطن العراقي أن ينسحب قادة وعناصر في منظمة بدر منها من أجله؟.. هذا ما كنت أبحث عنه في الخبر، فمع حلول اليوم الأخير من العام المنصرم، وهو يوم اكتمال الإنسحاب الأميركي من البلاد، نشرت منظمة بدر في شوارع البصرة، وربما في مدن أخرى أيضا، بوسترات كبيرة تحمل عبارة "يوم الاستقلال" وفوقها صورتان كبيرتان للزعيم الايراني الراحل الخميني والزعيم الحالي علي خامنئي.
كنت أرغب من صميم القلب أن يعزو القياديون في منظمة بدر انسحابهم الى هذا التصرف الذي لا ينمّ عن وطنية ويمثل ابتعاداً واضحاً عن المسار الوطني الصحيح، ربما أكثر مما الابتعاد عن المجلس الاعلى وقيادة الحكيم، فليست البصرة إقليما ايرانياً لترفع صور الزعماء الإيرانيين في شوارعها.
لا أدري لماذا يضع الاسلاميون تعارضاً بين الديني والوطني؟ .. لماذا يقدّمون قضية الاسلام السياسي على قضية الوطن؟
ألم يكن محمد رضا الشبيبي ومحمد باقر الشبيبي وجعفر أبو التمن وعبد الكريم الماشطة وعبد الكريم الجزائري وسواهم بالعشرات بل بالمئات مؤمنين أتقياء؟ لماذا لم يضعوا ايمانهم في تعارض مع وطنيتهم؟
ما فعلته منظمة بدر في البصرة، وربما في غيرها، أمر غير مقبول.. تصوروا لو ان جماعة سياسية سنية مقرّبة من السعودية او موالية لها، كما هي منظمة بدر مقرّبة من ايران أو موالية لها، قد رفعت صورة الملك السعودي الراحل فهد والملك الحالي عبدالله، في الرمادي أو الموصل أو تكريت أو بعقوبة، ماذا كان قياديو منظمة بدر وعناصرها سيقولون؟

adnan.h@almadapaper.net





490
شناشيل

ديمقراطيتهم .. و"ديمقراطيتنا"

عدنان حسين

نعم هذه هي الديمقراطية.. الديمقراطية الحقيقية المختلفة تماماً عن ديمقراطيتنا المزيفة، أو الناقصة بتعبير مجامل القصد منه عدم إزعاج حكامنا الذين يرون أنفسهم ديمقراطيين من الطراز الأول ويقودون تجربة هي منتهى الديمقراطية. فهناك تخاف الشرطة من الصحافة ويعتذر الرئيس المخالف علناً للصحافة، وليس العكس كما هو حاصل لدينا..
في الديمقراطية تنبّه قيادة الشرطة عناصرها الى ضرورة الحذر من الصحفيين طالبة الا يبالغوا في العلاقة معهم.. وهذا بخلاف ما يحصل لدينا حيث لا يتورع عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى، ربما بتوجيه من قادتهم، عن التعامل بقسوة وصلافة مع الصحفيين وإهانتهم والاعتداء عليهم من دون مبرر، مع حرمان الصحفيين حتى من حق الإعتراض على ذلك، فالإعتراض يُقابل بالتهديد بتوجيه التهمة للصحفي بانه تعدّى على موظف عام (الشرطي أو عنصر الأمن) اثناء قيامه بواجبه الرسمي، كما حصل أخيراً مع محرر ومصور من "المدى"، بل قد يتطور التهديد الى مستوى تهمة مشمولة بالمادة (4 ارهاب)!
في بريطانيا ديمقراطية حقيقية. ولهذا السبب أصدرت قيادة شرطة سكوتلنديارد أخيراً دليلاً يدعو الضباط الى توخي الحذر عند التعامل مع الصحفيين، فلا مغازلة بين الضباط والصحفيات ولا بين الضابطات والصحفيين، ولا قبول لدعوات الصحفيين الى الحانات لإحتساء الخمرة (خارج أوقات الدوام). ويصل الخوف من الصحفيين الى درجة ان قيادة الشرطة البريطانية تطلب من عناصرها أن يدوّنوا المعلومات المتبادلة مع الصحفيين اثناء اللقاء معهم (عادة الصحفيون هم الذين يدوّنون المعلومات).
وفي المانيا، حيث ديمقراطية حقيقية أخرى وليست مزيفة أو ناقصة مثل ديمقراطيتنا، يتصل رئيس البلاد كريستيان فولف برئيس تحرير صحيفة "بيلد" ويترك له رسالة صوتية غاضبة مهدداً بانه سيتخذ إجراء قانونياً ضد الصحيفة إن هي نشرت مقالا يفضح حصوله (الرئيس) على قرض لمسكن خاص به بفائدة مخفضة. الصحيفة لا تُذعن لغضبة الرئيس ولا لتهديده، بل تفضح التصرف الرئاسي الأخرق، فلا يكون أمام الرئيس الا أن يتصل ثانية برئيس تحرير الصحيفة ليعتذر له هذه المرة عن تصرفه غير اللائق، لكن نقابة الصحفيين الالمان لا يرضيها الاعتذار فيندّد المتحدث باسمها بالتصرف الرئاسي.
كبار المسؤولين في دولتنا يتصرفون كل يوم  تقريباً بأعظم مما قام به الرئيس الألماني، بيد ان صحافتنا غير قادرة على الوصول الى المعلومات لفضح هذه التصرفات .. انها تخاف حتى من الشرطي الحارس على باب الوزارة أو المديرية، واذا وصل الصحفي الى المعلومة فمحظور عليه في الغالب نشر المعلومات المفيدة بموجب القانون، وهو قانون "حماية الصحفيين" الذي يمنع نشر كل ما يتعارض مع المصلحة العامة والنظام العام. وكل ما يتصل بكبار المسؤولين وصفقاتهم وفسادهم يندرج في خانة التعارض مع المصلحة العامة والنظام العام.
زيادة على هذا لدينا نقابة للصحفيين ليتها لا تهشّ ولا تنشّ، فهي تهشّ وتنشّ وانما لصالح الأجهزة الحكومية ومسؤوليها حتى لو تجاوزوا على حقوق الصحفيين وقانون حقوق الصحفيين. أليس مخزياً موقفها المساند (بالسكوت) لبطش شبكة الاعلام العراقي بعدد من أفضل صحفييها، وكأن ما حصل لهؤلاء الزملاء انما وقع في الواق واق غير الديمقراطية.. مثل دولتنا؟!
8/1/2012
adnan.h@almadapaper.net





491
المنبر الحر / المنشار السوري
« في: 14:47 07/01/2012  »
شناشيل

المنشار السوري

عدنان حسين

لطالما حذرنا النظام السوري من ان الإرهاب مثل المنشار "يأكل بالطالع والنازل" وان ليس للإرهاب دين أو مذهب أو وطن أو أخلاق أو قيم، وان طريقه سالكة في الإتجاهين وليس في وسع أحد أن يضبط حركته في اتجاه واحد، بيد ان هذا النظام اختار أن يصمّ الآذان ويغلق الأعين في وجه التحذيرات والنصائح وأن تأخذه العزّة بالإثم.
أمس، بينما كان إرهابي يفجّر نفسه في حي الميدان الشعبي بالعاصمة السورية دمشق فيُزهق أروحاً ويسفك دماءً للعشرات من الناس الابرياء، الا من مواطنيتهم السورية، كان هناك عراقيون أبرياء أيضاً الا من مواطنيتهم العراقية تُزهق أرواحهم وتُسفك دماؤهم في الوقت نفسه تقريباً بقذائف هاون ومفخخات في العاصمة بغداد ومناطق أخرى. وفي اليوم السابق (الخميس) سقط نحو 250 عراقياً بين قتيل وجريح في عمليات إرهابية مماثلة.
هل من رابط بين الإرهاب العراقي جغرافياً والارهاب السوري جغرافياً أيضا؟
 نعم هناك صلة وثيقة، وهي صلة سورية تحديداً، فالتفجير الشنيع في حي الميدان حتى لو لم يكن من تدبير الأجهزة السرية السورية فان النظام السوري يتحمّل كامل المسؤولية عنه وعن سائر التفجيرات المماثلة السابقة وعن نتائجها المأساوية.
ومسؤولية النظام السوري تتعدى كونه الفاعل المباشر للمجزرة المتواصلة منذ عشرة أشهر برفضه التنحي وإنهاء نصف قرن من الحكم البعثي الدكتاتوري، إذ انه وفر ملاذاً آمنا لارهابيي القاعدة والبعث الصدامي الذين هم مستأجرون للقتل في أية أرض وأي مكان وضد أي كان.
على مدى سنوات ظل نظام دمشق منتشياً بتسهيل دخول الإرهابيين القادمين من كل حدب وصوب الى الأراضي السورية وبايوائهم  وتدريبهم في معسكرات داخل الاراضي السورية أقامها تنظيم القاعدة وفلول البعث الصدامي، وبتمكينهم من عبور الحدود الى العراق ليقتلوا المدنيين العراقيين بالمفخخات والأحزمة الناسفة ونحرهم من الوريد الى الوريد أمام كاميرات الفيديو. كانت الحجة "الإحتلال الأميركي"، غير اننا لم يخامرنا أدنى شك في ان الحقيقة تكمن في كراهية نظام الأسد قيام نظام ديمقراطي على حدوده الشرقية.
الآن بعد سنوات الانتشاء تلك، يدفع هذا النظام، وأكثر منه الشعب السوري، ثمناً باهظاً لعدم الإكتراث بالتحذيرات والنصائح، بل للإصرار على دعم الارهاب القادم من كل الاتجاهات الى عراق ما بعد صدام، مثلما يدفع الشعب العراقي ثمناً مماثلاً في الإرهاب الذي أسبغ النظام السوري عليه رعايته الكاملة. فكما اشتغل إرهابيو القاعدة لصالح النظام السوري في الأمس ينقلبون اليوم عليه ليشتغلوا ضده، لحسابهم الشخصي هذه المرة.
معسكرات التدريب الإرهابية التي أُقيمت في سوريا خرّجت المئات، بل الآلاف، من القتلة المحترفين الذين انتشروا في البقاع العربية والإسلامية المختلفة، وسوريا جزء من هذه البقاع وليست معزولة في محيط ناء أو في كوكب آخر.
سهام النظام السوري ترتّد الى صدر من أطلقها، لكن المحنة انها تُصيب الأبرياء من السوريين مثلما تصيب الأبرياء العراقيين وغيرهم، فالارهابيون لا دين لهم ولا ذمة ولا ضمير.

adnan.h@almadapaper.net





492
شناشيل

شبكة الإعدام العراقي

عدنان حسين

لا خطأ طباعياً في الكلمة الثانية من عنوان هذا العمود، فمنذ أشهر و"شبكة  الإعلام العراقي" منشغلة بإقصاء بعض كوادرها المتمرّسة، وبالذات في صحيفة  "الصباح" حتى ليخيل لنا أن الشبكة، بدل أن تنصرف إلى تحسين أدائها وتقديم  خدمة للجمهور تتناسب مع المبالغ الطائلة التي تنفقها الدولة عليها، قد نصبت  مقصلة عند أبوابها لإعدام كفاءاتها.


لنذكّر بأنه منذ بضعة أشهر قرر مجلس أمناء الشبكة الاستغناء عن (اقرأوا: طرد) الزميل عبد الستار البيضاني من رئاسة تحرير "الصباح" بعد أشهر قليلة من اختياره من المجلس نفسه وليس أحداً غيره لهذه المهمة إثر نجاحه الواضح في إدارة مجلة "الشبكة العراقية". لم يكن قرار الاستغناء مُسبباً ما جعله موضع انتقادات قوية في الوسط الإعلامي، ويبدو أن تلك الانتقادات طرقت أسماع رئيس الوزراء الذي طلب من مجلس الأمناء التراجع عن قرار الاستغناء (الطرد)، فكان له ما أراد، لكن بعد بضعة أشهر فقط عاد المجلس الذي يبدو انه لم ينم ليله منذ ذلك الوقت، ليسجل "نصراً مؤزراً" على الزميل البيضاني بطرده طردة بائنة. والأرجح انه على أثر هذا النصر الشبيه بانتصارات الطاغية المقبور صدام حسين خافت الجحافل الأميركية فانسحبت شرّ انسحاب من كامل الأراضي العراقية وفرّ الجنود الأميركيون عبر الحدود إلى الكويت وهم لا يلوون على شيء! فحققت الشبكة لنفسها إحدى الحُسنَيين!
والآن تستكمل إدارة الشبكة مسلسل إعداماتها لكفاءاتها الصحفية بطرد اثنين آخرين من أفضل صحفيي "الصباح"، هما الزميلان أحمد عبد الحسين وأحمد حسين (يقال إن آخرين مدرجون على لائحة الإعدام). وكما مع البيضاني لم تكشف إدارة الشبكة عن الأسباب الموجبة للاستغناء (الطرد) الجديد، لكن المعروف إن هذين الزميلين والآخرين المرشحين للحاق بهم هم ممن شاركوا في التظاهرات التي انطلقت في 25 شباط الماضي وكانوا من ناشطيها، وهي التظاهرات التي حاولت الحكومة منعها وواجهتها، كما يعرف الجميع، بالقسوة المفرطة عندما لم تخضع لإرادة المنع.
وعلى أية حال فإننا في مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون نرغب في توجيه بعض الشكر لإدارة شبكة الإعدام العراقي، فهي بحملة إعداماتها لكفاءاتها تؤدي لنا خدمة جليلة من دون مقابل، لأننا في سبيلنا إلى تطوير مؤسستنا، وكانت أكبر مشكلة تواجهنا ندرة الكفاءات المتمرسة، وها هي الشبكة تقدّم إلينا على طبق من ذهب كوكبة من أفضل صحفييها الذين سيجدون أبواب مؤسستنا مفتوحة لهم على الرحب والسعة، واثقين من أنهم، إذا ما قبلوا بعرضنا، سيمثّلون إضافة نوعية جيدة إلى مؤسستنا التي تتطلع لتحقيق قفزة جديدة في نشاطها الإعلامي والثقافي والفني، ونأمل أن "ترمي" إلينا الشبكة بالمزيد من كوادرها الماهرة، ورب رمية من غير رام..
ولا عزاء لشعب -هو شعبنا- كُتب عليه أن تكون دولته، سابقاً ولاحقاً، أكثر من تنبذ كفاءاته وتبطش بهم.

adnan.h@almadapaper.net





493
شناشيل

مسؤولون .. لكن "زعاطيط"!

عدنان حسين

لدينا مشكلة كبيرة، هي عدم وجود محكمة دستورية أو محكمة اتحادية عليا بالمواصفات المحددة في الدستور، كان من المفترض أن تتشكل منذ سنوات بعدما صوّت ملايين العراقيين على الدستور قبل ست سنوات. وما لم تُحلّ هذه المشكلة فان الأمور في بلادنا التي تتجه من سيئ إلى أسوأ ستتدحرج بسرعة سيارات السباق نحو الحال الأكثر سوءاً.
ولو كانت هذه المحكمة موجودة للجأتُ إليها شخصياً، ربما مع مجموعة من الزملاء والأصدقاء والمعارف الذين يحملون الهمّ نفسه والعزم ذاته، للطعن في شرعية وجود الكثير من أعضاء مجلس النواب ومجلس الوزراء في مناصبهم... هذه المرة لن تكون حجة الطعن عدم شرعية الإجراءات المتصلة باختيارهم نواباً ووزراء (القضاء حَكّم بان قانون الانتخابات الذي جرت على أساسه الانتخابات البرلمانية الأخيرة غير دستوري)، وإنما لديّ حجة جديدة هي عدم بلوغ هؤلاء النواب والوزراء سن الرشد الخاصة بمنصبي النائب والوزير. فالقانون يحدد هذه السن بثلاثين سنة لكي يكون متاحاً لأي كان احتلال منصب عضو مجلس النواب أو الوزير، ومن الواضح أن معظم النواب والوزراء ليسوا راشدين بعد.
لن أطالب المحكمة بالتوثّق من شهادات ميلاد هؤلاء النواب والوزراء (مع طلب صحة صدور!) ولا بإجراء فحوصات الأسنان و (دي أن أيه)، وإنما سأقدّم وثائق غير مزورة ودلائل قاطعة وأكيدة تثبت أنهم مازالوا دون سن الرشد. إنها تصريحاتهم ومقابلاتهم المنشورة في الصحف والمبثوثة عبر محطات الإذاعة والتلفزيون، وهي كثيرة للغاية وتملأ شاحنات عملاقة أكبر من لوريات "سيكس ويل".
هذا النائب أو الوزير الذي يلعب من تلقاء نفسه دور الناطق باسم السلطة القضائية يُعلن قراراتها ويُفتي في ما هو خاص بها، هو شخص قاصر بالتأكيد لأنه لا يعرف إن هناك فصلاً بين السلطة التشريعية أو التنفيذية التي ينتسب هو إليها وبين السلطة القضائية التي أباح لنفسه من دون وجه حق أن يتحدث باسمها ويُصدر الأحكام نيابة عنها.
وذاك النائب أو الوزير الذي يتحدث عن ملفات على طاولته أو تحت أحد أبطيه تثبت تورط زميل له في ممارسة الإرهاب أو دعمه وسرقة المال العام واستغلال النفوذ، هو غير راشد بالتأكيد، لأن نائب الشعب الراشد والمسؤول الحكومي الراشد لا يلعب لعب "الزعاطيط" متوعداًً ومناكفاً، وإنما يتقدم إلى القضاء بمعلوماته ووثائقه حتى لو كانت تُدين أخاً له أو ابناً.
وغيرهم من النواب والوزراء ممن يرمي الآخرين بحجارة الطائفية والعنصرية والشوفينية لم يزل بينه وبين سن الرشد سنوات ضوئية لأنه لا يُدرك انه هو أيضاً مُثقل بخطيئة الطائفية والعنصرية والشوفينية، وانه ما كان له في الأساس أن يكون نائباً أو وزيراً لولا ارتكابه إثم الطائفية والعنصرية والشوفينية.
وسوى هؤلاء وأولئك ممن يتكبّر على مجلس النواب ولا يحضر  جلساته، أو يعطّل مصالح الناس بتركه مكتبه الوزاري "جكارة" في (على عناد) رئيس الحكومة، ليس بالراشد إطلاقاً هو الآخر.
نريد محكمة دستورية أو عليا نتظلم لديها من "زعاطيط" المجلس والحكومة والكتل والائتلافات هؤلاء.

adnan.h@almadapaper.net





494
شناشيل

على من يقرأ المالكي المزامير؟

عدنان حسين

أمس تأكّد لنا بالدليل القاطع أن رئيس الوزراء نوري المالكي منقطع عمّا حوله، فهو لا يعرف تماماً ما الذي حدث خلال العام المنصرم في العالم العربي، مع أن الذي حدث كان، ولم يزل، يُنقل على الهواء مباشرة من مواقعه على مدار الساعة والدقيقة والثانية.
السيد المالكي قال أمس خلال "مهرجان اليوم الخالد" الذي أقيم لمناسبة اكتمال انسحاب القوات الأميركية إن "لكل نجاح وثورة سُرّاقاً"، وان "أغلب الثورات في عالمنا العربي والإسلامي تبدأ من الشريحة الإسلامية وبقيادة علماء الدين وتنتهي إلى غيرهم"!
كأن المالكي لا يشاهد الفضائيات ولا يستمع إلى الإذاعات ولا يُبحر عبر شبكة الإنترنت، فالجميع يعرف أن ما حصل خلال العام المنصرم هو بالعكس تماماً مما قاله المالكي.. الشباب غير المتأسلم هو الذي بدأ ثورات الربيع العربي بينما قطف ثمارها الإسلاميون.
في تونس التي انطلقت منها الشرارة، لم يكن محمد بوعزيزي زعيماً إسلامياً أو عضواً في جماعة إسلامية. والذين بدأوا الاحتجاجات اثر موته كانوا مثله، لا زعماء إسلاميين ولا أعضاء في جماعات إسلامية، بل إننا لم نر أي زعيم إسلامي يتصدر التظاهرات التي انطلقت لاحقاً وأطاحت بن علي، أو حتى يمشي في صفوفها الأخيرة. ومع هذا فاز حزب النهضة الإسلامية بأغلبية مقاعد البرلمان في أول انتخابات تجري منذ اندلاع الثورة. وحزب النهضة استحق هذا الفوز عن جدارة، فالانتخابات كانت حرة وشفافة، والمكانة التي حصل عليها الحزب في البرلمان هي انعكاس للتصويت الشعبي لصالحه.. انه فوز يستأهله لأنه تحقق عن جدارة.
وفي مصر، كما يعلم الجميع تردّد الإخوان المسلمون والسلفيون في تأييد الحركة الاحتجاجية في ميدان التحرير ولم يلتحقوا بها إلا عندما ظهرت الدلائل القوية على ترك مبارك السلطة. ومع هذا فاز الإخوان والسلفيون في الانتخابات، وهو فوز حققوه عن جدارة أيضاً، يستأهلونه كذلك.
وحتى في ليبيا اشترك الجميع في الانتفاضة، بيد أن الإسلاميين تصدّروا المشهد بفضل الدعم القطري المالي والسياسي والإعلامي الهائل.
وفي ثورتي اليمن وسوريا كان غير الإسلاميين في الطليعة، ومن المؤكد ان الإسلاميين (الإخوان) سيقطفون الثمار بفضل إمكانياتهم المالية الكبيرة والدعم القطري أيضاً.
وهنا في العراق خرج الشباب غير الإسلامي في حركة تطالب بإصلاح النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية ومكافحة الفساد المالي والإداري وتحقيق الوعود الانتخابية، بيد أن الحكومة، وهي إسلامية في المجمل، بالغت في القسوة باستخدام القوة الغاشمة للقضاء على الحركة السلمية.
فعلى من تقرأ المزامير يا دولة رئيس الوزراء؟
على أية حال لا بدّ من شكر السيد المالكي عما أفصح عنه أمس، فهو بذلك فسّر لنا لماذا اقتصر حضور الاحتفال "المركزي" أول من أمس بمناسبة استكمال الانسحاب الأميركي على قيادات حزب الدعوة والقيادات الأمنية وجمهور كبير من ممثلي العشائر. يبدو ان رئيس الوزراء لا يعرف أو لا يريد أن يعترف بان في العراق عشرات الأحزاب السياسية غير حزبه، وان أغلبية سكان العراق هم من الأفندية، وبينهم أكاديميون ومثقفون وعلماء وسياسيون وناشطون مدنيون مرموقون.. الفرق إنهم يُحبون وطنهم ويعملون له بصمت، فيما الذين جُلبوا إلى احتفال رئيس الوزراء هم في الغالب ممن كنّا نراهم أو أمثالهم من قبل يقولون الهوسات والشعر الشعبي في حضرة الطاغية صدام! إنهم فقط يبدّلون الاتجاه!

adnan.h@almadapaper.net





495
شناشيل
تمنيات بعام جديد تعيس!
عدنان حسين
لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين سنة أشهد الليلة عيد رأس السنة في بغداد، فما  عساي أن أتمنى في هذه المناسبة التي كنّا أيام زمان نحتفل بها حتى مطلع  الفجر في نوادي بغداد الاجتماعية (الإعلام، التشكيليون، وسواهما)، وهو ما  لم يعد مُتاحاً في عاصمتنا التي دمرّ صدام كل الأشياء الجميلة فيها وأجهز  خلفاؤه الحاليون على ما تبقّى.
 هل أتمنى الرفعة والعزّة والمجد والسؤدد للوطن؟ والسعادة والرفاه والسلام للشعب؟ .. أعرف ان هذا مثل أحلام العصافير، فهو لن يتحقق حتى بمقدار عُشر الواحد بالمئة مع وجود هذه العصبة من المتولين مقاليد الأمور في البلاد. وما يجري هذه الأيام من استهانة بالغة واستخفاف مفرط بالناس ومصالحهم وحقوقهم في إطار الصراع السافر بين أفراد هذه العصبة على السلطة والنفوذ والمال، دليل قوي على انني، وكل من هو على شاكلتي، محقّ في عدم توقع حدوث أي خير على أيدي هذه العصبة.
في حياتي كلها لم أتمنّ السوء لأحد غير صدام حسين. وها أنا ذا أعترف بأنني أحمل في داخلي للعصبة الحاكمة في بغداد المشاعر نفسها التي امتلأت بها نفسي تجاه صدام الى يوم القبض عليه في الحفرة مثل جرذ. والباعث على هذه المشاعر واحد، فما فعله صدام بالعراق يُعيد خلفاؤه انتاجه بشكل من الأشكال.
عشية العام الجديد أتمنى أن تتحقق أسطورة الطير الأبابيل التي أرغب أن تُحلّق فوق المنطقة الخضراء من بغداد التي لم يبق فيها أي شيء جميل مما كان قبل أكثر من ثلاثين سنة، وأن ترمي بحجارة من سجّيل كل هؤلاء الذين لم يفعلوا خيراً للعراق وشعب العراق على مدى السنوات التسع الماضية مع ان مئات مليارات الدولارات تدفقت الى خزائنهم وكان يمكن بها أن يحيلوا العراق الى جنة حقيقية.
أتمنى أن تزرع الأحجار السجّيل الخوف الدائم في أفئدة هذه العصبة، والآلام المبرحة والعاهات المستديمة في أرواحهم، والأمراض الخبيثة المستشرية في أبدانهم، كي يشربوا من الكأس نفسها التي يتجرّعها العراقيون منذ تسع سنوات حتى اليوم.
أتمنى أن يجعل الحجر السجّيل طعام حكامنا، من مختلف كتلهم وائتلافاتهم، زقّوماً وشرابهم زؤاماً لكي تتحقق العدالة وتتم المساواة بين الحاكمين والمحكومين.
أتمنى ان تتفاقم الأزمة الراهنة بين هذه الكتل والائتلافات وتنهار حكومتهم ولا يبقى أمامهم سوى خيار واحد هو إجراء انتخابات مبكرة يستعيد خلالها شعبنا وعيه فلا يعيد انتخابهم لكي يعود معظمهم الى ما كانوا عليه قبل 2003، أقزاماً قميئين.
أُجزم ان الكثيرين هنا في العراق يشاطرونني المشاعر ذاتها تجاه عصبة الحكام القاطنة في المنطقة الخضراء، ويشاركونني الأمنيات عينها، فحبل الودّ منقطع بيننا وبين هذه العصبة التي ازدادت على مدى تسع سنوات فساداً على فساد وإهمالاً لواجباتها ومسؤولياتها، وتخلياً عن تعهداتها ووعودها، وحنثاً بيمينها، فبقينا على حال البؤس التي تركنا فيها صدام واستمررنا في وضع المحنة القاسية.
عاماً جديداً تعيساً أيها الحكام نتمناه لكم. وكل عام وأنتم بألف سوء، حتى يصبح حالنا جميعاً من بعضه.المرة.

adnan.h@almadapaper.net


496
شناشيل
انتخابات مبكرة .. افضل الخيارات
عدنان حسين
تبدي قيادات التحالف الوطني، باختلاف قواها السياسية، معارضة شديدة لفكرة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، مع ان مثل هذا الإجراء هو ممارسة روتينية معمول بها في البلدان الديمقراطية كافة التي يفترض اننا انخرطنا منذ 2005 (عام الاستفتاء على الدستور) في حظيرتها.
موقف التحالف، وبخاصة ائتلاف دولة القانون، يعكس قلقاً حقيقياً من النتائج التي من المحتمل أن تسفر عنها الانتخابات المبكرة، وهي نتائج لن تكون على الأرجح في صالح التحالف، وبالذات دولة القانون، فبعد سنتين من آخر انتخابات لم تُحقق الحكومة التي يقودها التحالف أي شيء للناس لكي يمنحوا أصواتهم من جديد، بالكثافة نفسها، لمرشحي التحالف وكتله، بل ان الأمور تبدو الآن أسوأ مما كانت عليه قبل سنة أو سنتين. والأزمة التي تفجّرت أخيراً تُنذر بإصابة العملية السياسية العليلة في الأصل بشلل تام مع ما يتركه هذا من آثار سلبية على عمل الحكومة، ما يعني تعطّل مصالح الناس الذين لم يمّح من ذاكرتهم بعد الموقف العدائي السافر الذي اتخذته الحكومة تجاه التظاهرات التي اندلعت في 25 شباط الماضي وبعده في معظم المحافظات، فذلك الموقف أظهر لعامة الناس ان الحكومة، ومن خلفها التحالف، لا ترغب في إصلاح العملية السياسية التي ثبت فشلها برغم الشكوى المريرة المتواصلة لرئيس الوزراء منها، ولا تريد تحقيق مطالب الشعب المتمحورة حول إدارة دولته وثرواته بما يُنهي معاناته الطويلة مع الفقر والعسف والاضطهاد.
عندما تنشب أزمة سياسية في الدول الديمقراطية ولا تنجح أطراف هذه الأزمة في حلّها، فان اللجوء الى الانتخابات المبكرة هو الإجراء الأكثر معقولية، حيث تجري العودة الى الناخبين لكي يختاروا ممثلين لهم أكثر قدرة وكفاءة على إدارة الدولة وحل المعضلات القائمة. والانتخابات المبكرة تمثل اعادة للعهدة الى أصحابها (الشعب) كيما يقرروا  ما يتعين فعله لاحقاً.
ان عدم تحقيق الحكومة أي منجزات يمكن التغني بها واستثمارها في كسب المزيد من الرصيد الشعبي، هو مشكلة التحالف الوطني الذي لم ينجح في جعل حكومته تعمل بالطريقة التي تحقق مثل هذه المنجزات، ولا يجوز أن يتحمّل الشعب مسؤولية هذا الفشل نيابة عن التحالف.
الخيارات المطروحة للخروج من الأزمة الراهنة هي: تشكيل حكومة أغلبية سياسية يُستثنى منها ائتلاف العراقية، وهو خيار يُفترض أن يُتيح للتحالف الوطني العمل براحة من دون عراقيل ومناكفات من العراقية. لكن هذا الخيار سيعني إبعاد السنّة من الحكومة، وهذا ما لا يقبل به السنّة ولا يرضى به شركاء لدولة القانون في التحالف وخارجه (كتلة الأحرار، كتلة المواطن، وائتلاف الكردستانية). الخيار الآخر إجراء الصلح بين طرفي الأزمة الأخيرة (دولة القانون والعراقية) وهذا يعني إعادة انتاج المشاكل ذاتها بين هذين الطرفين.
لذا فان الخيار الأفضل هو إجراء انتخابات مبكرة من المفترض إن تعيد تشكيل الخريطة السياسية.
الحكم في النظام الديمقراطي عهدة من الناخبين الى ممثليهم المنتخبين .. ومن اللازم في حال كحالنا الراهنة أن تُعاد العهدة الى أصحابها ليقرروا كيف سيتصرفون بها والى من يعهدون بها هذه المرة.

adnan.h@almadapaper.net





497
المنبر الحر / خطأ المالكي الجسيم
« في: 15:39 28/12/2011  »
شناشيل

خطأ المالكي الجسيم

عدنان حسين

لا يحرق السياسي الجسور بينه وبين خصومه أو منافسيه أو شركائه، ولا يدفع بالأمور الى حافة الهاوية معهم الا اذا كان قد اتخذ قراراً نهائيا باعلان الحرب على هؤلاء الخصوم أو الأعداء أو المنافسين أو الشركاء، بعدما فكّر ملياً في العواقب المُحتملة للقرار وأعدّ العدة لمواجهة النتائج.
من المُفترض ان هذه القاعدة كانت في ذهن رئيس الوزراء نوري المالكي وهو يقرر أن يفتح الملف المؤجل منذ ثلاث سنوات الخاص بطارق الهاشمي وأن يهدّد بفتح ملفات أخرى موجودة تحت يديه تخص خصوماً أو منافسين أو شركاء آخرين، بحسب ما أوضح هو في مؤتمره الصحفي الأخير.
في السياسة، كما في الحرب، لا أحد يمكن أن يضمن لنفسه النتائج تماماً، وبالتالي فكل قرار ينطوي على قدر من المغامرة. فما الذي دفع بالمالكي الى تهديم الجسور مع الهاشمي، بما يمثله سياسياً وطائفياً، بعد ثلاث سنوات أو أكثر من التحمّل والى التلويح للآخرين بفتح ملفاتهم؟
لا بد أن نستبعد ان المالكي فعل ما فعل لوقف عملية سفك دماء العراقيين التي يقف الهاشمي وراءها، كما جاء في تصريحات المالكي وبيانات مساعديه.. المالكي رئيس حكومة منتخب.. صوّت له الناس لكي يكون مشرعاً للقوانين في البرلمان ورقيباً على عمل الحكومة ومؤسساتها من أجل أن تقدم أفضل الخدمات للناس. ثم اختاره البرلمان ليكون رئيس الحكومة التي عُهد اليها تأمين احتياجات الناس  وتوفير الأمن ولقمة العيش والحرية والكرامة لهم. ومن يُعهد اليه بهذه المهمات الجسيمة لا يُفترض أن يتهاون مع الذين يهدرون الدم ويزهقون الأرواح ويعكرون الأمن (المالكي قال انه صبر ثلاث سنوات على الهاشمي وجماعته علهم يتوقفون عن سفك الدماء، وانه يمسك الآن في يديه ملفات تخص مسؤولين كباراً آخرين، مهدداً اياهم بفتحها إن لم يوقفوا سفك الدم، كما قال).
الأرجح ان ما دفع بالمالكي الى تهديم الجسور هو شعوره بالضيق الشديد من ان العد التنازلي لولايته الثانية قد بدأ من دون أن تحقق حكومته الثانية إنجازات  تعزز من رصيده في الانتخابات المقبلة التي لكم يتبق عليها سوى سنتين.
 إذا صح هذا التحليل فان المالكي يكون قد وقع في خطأ جسيم، فليس صحيحاً ان "العراقية" أقلية لا تستطيع التأثير في عمل الحكومة وفي العملية السياسية اذا ما انسحبت منهما، كما قال احد مساعدي المالكي منذ يومين. "العراقية" تحولت الى ممثل لمكون أساسي ( السنّة)، وأي مواجهة مع هذا المكون هي بمثابة إعلان حرب طائفية جديدة ستكون عواقبها أكثر كارثية من حرب 2006 – 2007.
من المفهوم أن يضيق المالكي ذرعاً بموقف "العراقية" من حكومته، لكنه في الواقع ارتكب خطأ جسيماً بوقوفه ضد ربيع بغداد في شباط الماضي. فهو فوّت على نفسه فرصة ذهبية بتقوية موقفه تجاه الخصوم والمنافسين والشركاء.. تظاهرات 25 شباط وما تلاها رفعت شعارات: مكافحة الفساد ومعالجة مشكلة البطالة وتوفير الخدمات الاساسية وتحسين مفردات البطاقة التموينية وسواها من المطالب المشروعة التي اختار المالكي أن يواجه أصحابها بالقوة الغاشمة (حظر التجوال والهجوم على المتظاهرين بالاسلحة الحية) وبالتشهير (الزعم بانهم بعثيون)، فيما كان يمكنه أن يتبنى مطالب الحركة ويستعين بها للضغط على "العراقية" وسواها لتخفيف موقفها "المشاغب" من حكومته، لكن الذي حدث انه بموقفه اكتسب عداء الحركة الشعبية، وأعطى للقائمين عليها انطباعاً بانه لا يريد اعطاء الناس حقوقهم.
والآن حتى لو كسب المالكي معركته مع الهاشمي وسواه فلن يُحقق بهذا أي إنجاز لحكومته الثانية على غرار إنجاز الحكومة الأولى الوحيد: وقف الحرب الطائفية وفرض القانون.

adnan.h@almadapaper.net





498
المنبر الحر / كلام غير مفيد
« في: 16:44 27/12/2011  »
شناشيل

كلام غير مفيد

عدنان حسين


كمن يكتفي بالقول ان الإمام الحسين بن علي مات في  واقعة الطفّ من دون الإشارة الى انه أستشهد بضربة سيف من أحد القادة العسكريين لدولة يزيد بن معاوية، تضمّنت بيانات وتصريحات لقوى وشخصيات سياسية كلاماً عمومياً عن البيئة المناسبة للإرهاب التي توفرها النوبات المتواترة للصراع بين ائتلافي دولة القانون والعراقية، مع مناشدات بعقلنة هذا الصراع  وتهدئة المواقف وحلّ الخلافات تلافياً لحدوث المزيد من الخروقات الأمنية.

كلام من هذا النوع لا معنى له ولا قيمة، لأنه لا يداوي جرحاً ولا يعالج علّة، بل انه يصبّ في مصلحة الأطراف المسؤولة عن الأوضاع المأساوية التي نحن فيها الآن، فهو كلام  يموّه ويتستر على الحقيقة ويتواطأ ضمنياً مع الفاعلين الين يتعين الكشف عنهم وفضحهم، بكل بساطة لأنهم والغون في الحرام .. سفك دماء الأبرياء.
والكلام العمومي من هذا النوع يعطي الإنطباع بان الإرهابيين هم مجموعات تجلس متربّصة في مكان ما أو عدة أمكنة، حتى إذا تصارخ السياسيون و"تكافشوا" خرج المتربصون من مكامنهم ليفجّروا المفخخات واللاصقات والأحزمة الناسفة. الواقع هو شئ آخر تفضحة حقيقة انه كلّما تفاقم الخلاف واشتد الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين الكتل والائتلافات المتنفذة في الحكومة والبرلمان، تفجّرت السيارات  في الأسواق  والشوارع والساحات والمدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية. أي ان الذين يرتّبون عمليات التفجير، تخطيطاً وتمويلاًً وتنفيذاً، هم المتصارعون أنفسهم على السلطة والنفوذ والمال والذين يتسابقون للظهور على شاشات الفضائيات للتنديد بالإرهاب الذي هو صناعتهم وبالارهابيين الذين هم على صلة وثيقة بهم ويأتمرون بأوامرهم ويستفيدون من تسهيلاتهم.
في السابق كان يُقال ان قوات الإحتلال الأميركي هي التي تُدير هذه العمليات، أو انها من صنع "القاعدة" وفلول النظام السابق، لكنّ الاميركيين صاروا خلف الحدود ولم يعد لهم أي وجود في البلاد، و"القاعدة" وفلول النظام السابق تراجعت أعدادهم وتقلّص نفوذهم بنسبة كبيرة بحسب ما تؤكد بيانات الأجهزة الأمنية وتصريحات المسؤولين عنها، في مقابل اشتداد قدرة القوات الأمنية طبقاً لمسؤولي الحكومة والناطقين باسمها.
حقيقة الأعمال الإرهابية، أو الخروقات الأمنية، كما صارت واضحة وجلية للجميع، ان القوى المتنفذة في الحكومة والبرلمان تعمل على تصفية حساباتها في ما بينها بهذه الطريقة الدموية من دون اعتبار للثمن الباهظ الذي يدفعه الناس العاديون من حياتهم وأمنهم وحريتهم على مذبح التصفيات بين هذه القوى المتصارعة.
وعلى هذا فان الكلام المفيد المُنتظر من القوى والمنظمات والشخصيات الوطنية هو الذي يُحمّل صراحة القوى المتصارعة على السلطة والنفوذ والمال المسؤولية الكاملة المباشرة عن استمرار أعمال الإرهاب واستمرار تفاقم الفساد المالي والإٍداري واستمرار المعاناة  اليومية ،الأمنية والمعاشية، للناس في كل أرجاء البلاد.
الكلام المفيد أن يرتفع الصوت عالياً في وجه هذه القوى من أجل وضع حد لاستهتارها بحياة الناس وحقوقهم ومصالحهم.

adnan.h@almadapaper.net





499
المنبر الحر / تصريح ينقصه الوضوح
« في: 16:46 26/12/2011  »
شناشيل

تصريح ينقصه الوضوح

عدنان حسين

ثمّ ماذا؟ وماذا بعد؟ وما معنى هذا؟.. هذه أسئلة تتقافز في الرأس إذ نقرأ التصريح الذي أدلى به  نائب محافظ بغداد محمد الشمري بشأن المساومات التي تتعرض لها الشركات الاستثمارية من مسؤولين كبار في الدولة، مما يعرقل عملية الاستثمار المطلوبة بالحاح لإعادة الإعمار وإعادة الحياة الى شعب يتعرض للإبادة منذ نصف قرن.

السيد الشمري أبلغ "السومرية نيوز"  بان شركات تركية "شكت من وجود مساومات مالية من قبل وكلاء وزارات ومدراء عامين لمنح المشاريع الاستثمارية إليهم"، متهماً بعض كبار موظفي دوائر الدولة  بـ"الفساد وعرقلة المشاريع الاستثمارية التي تُمنح للمستثمرين"، وزاد على ذلك بالقول أن "أكثر من 50 بالمائة من المشاريع الاستثمارية في بغداد مُعطلة بسبب الفساد الموجود في دوائر الدولة، إضافة إلى التجاوزات الحاصلة على الأراضي المقررة للاستثمار من قبل الأحزاب السياسية والمواطنين".
نائب محافظ بغداد لم يأت بجديد، فما قاله يعرفه حتى بسطاء الناس، والشكوى لا تنحصر في "بعض" الشركات التركية، بل تشمل الكثير من شركات الإستثمار الوطنية والأجنبية، ولذا لم يكن من المفهوم القصد من هذا التصريح. انه يبدو بلا معنى لأن نائب المحافظ لم يضع النقاط على الحرف ولا الكلمات على الأسطر.
نحن جميعاً نعرف، يا سعادة نائب المحافظ، ان وكلاء وزارات ومدراء عامين يقومون بما عبته عليهم. بل اننا نعرف أكثر من هذا وأخطر من هذا .. نعرف ان وزراء ونواباً ومحافظين ورؤساء وأعضاء مجالس محافظات وأمناء وسكرتيرين في دواوين رؤساء السلطات المختلفة ونوابهم يقومون بالشئ نفسه، وهؤلاء هم الفاسدون مالياً وإدارياً الذين جعلوا من دولتنا تتربع على "عرش" الدول الأكثر فساداً في العالم مع ثلاث دول أخرى هي الصومال وبنغلاديش وميانمار، وهؤلاء هم الذين وضعوا عاصمتنا بغداد في مُقدّم العواصم الأسوأ.(جزاهم الله خير الجزاء على رفعة الرأس هذه)!
نعرف ان هؤلاء بالتعاون والتواطؤ مع أشقاء وأصدقاء وأصهار وأنسباء لهم يفرضون على الشركات الاجنبية والمحلية المستثمرة أتاوات إن لم تدفعها تخسر فرصتها في الإستثمار، وكثيراً ما تصل نسبة هذه الأتاوات الى 50 بالمئة أو أكثر من قيمة المقاولة، وإذا رفضت الشركة دفع الأتاوة فان سعيدة الحظ منها تخسر فرصة المنافسة فيما شركات أخرى يجري تلفيق تُهم في حقها ما يجعلها تحت طائلة المادة 4 إرهاب مثلاً.
نحن نعرف هذا يا سعادة نائب المحافظ، فما معنى أن تقول لنا ان وكلاء وزارات ومدراء عامين يساومون بعض الشركات التركية؟ لماذا لا تُسمّي الأشياء باسمائها؟ لماذا لا تُقدّم ما عندك من معلومات ووثائق الى القضاء حتى يأخذ القانون مجراه.
واضح ، يا سعادة نائب المحافظ، من الجسور والأرصفة وسواها التي يستغرق العمل فيها سنوات وسنوات وتتعطل الأشغال فيها مرات ومرات ان الفساد يقف وراء تعطل هذه المشاريع الحيوية وتعثرها، مثلما يقف وراء أزمة الكهرباء ووراء تدهور التعليم والصحة والزراعة والري والصناعة ووراء تفشي البطالة واستمرار الإرهاب وأعمال الجريمة المنظمة.
لا تجدينا نفعاً التصريحات العمومية يا سعادة نائب المحافظ .. نريد أفعالاً تضع حداً لهذه المحنة - المهزلة الكبرى في حياتنا، والا فالأفضل أن توفر على نفسك سيدي الكريم مشقة الكلام... والسلام.

adnan.h@almadapaper.net





500
المنبر الحر / هل لدينا دكتاتور؟
« في: 15:02 25/12/2011  »
شناشيل

هل لدينا دكتاتور؟

عدنان حسين

لا يُولد المرء دكتاتوراً حتى لو كان أحد والديه دكتاتوراً .. الدكتاتور يتشكل في المرء تدريجياً بعدما يتولى سلطة، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولكن ليس بالضرورة ان كل سلطة تمسخ الانسان دكتاتوراً. ولا توجد قاعدة عامة  لظهور الدكتاتور، فكلّ له ظروفه الخاصة وشخصيته الخاصة، ولكن توجد سمات مشتركة للدكتاتوريين وأخرى لنقضائهم.
كيف نميز بين الدكتاتور وسواه؟ كيف ندرك ان شخصاً ما هو دكتاتور فيما غيره ليس كذلك؟
الدكتاتورية السياسية هي الأخطر لأن شرّها عميم، فالسياسي الدكتاتور، وهو في العادة رئيس دولة أو رئيس حكومة، يتصرف كما لو انه الواهب والمانح، المتفضّل والمتمنّن، مالك كل شئ والقادر على كل شئ والعارف بكل شئ، المُنزّه عن الخطأ والعيب والمُبرّأ من كل ذنب وخطيئة. وبخلاف هذا تماماً يتصرف الحاكم غير الدكتاتور.
من أهم صفات الحاكم غير الدكتاتور التواضع. وتواضعه هذا يجعله يُعطي قيمة ووزناً واعتباراً للغير ولآرائهم، فيعمد الى توسيع دائرة مستشاريه الذين يرجع اليهم في كل صغيرة وكبيرة، ويعمل على فتح ابواب مكتبه للاختصاصيين والخبراء .. يُحسن الإصغاء ويجيد التفكير في ما يُصغي اليه.
الحاكم غير الدكتاتور لا يُقصر حلقة مساعديه ومستشاريه على أفراد حزبه أو أقاربه أو أصدقائه .. انه يبحث عنهم حيث يكونون وينتقيهم من أديان ومذاهب وقوميات مختلفة، ومن اتجاهات سياسية متعددة : يمين ، يسار، وسط.
الحاكم غير الدكتاتور لا يركّز السلطات بين يديه، فلا يجمع الى رئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة وظائف ومناصب أخرى، بل حتى سلطاته وصلاحياته يوزعها على من حوله حتى لا تعميه السلطة وتشلّ تفكيره، وليكون من يحيط به من المساعدين والمستشارين أعواناً له في إدارة البلاد وليسوا تنابلة سلطان.
الحاكم غير الدكتاتور يسعى الى تكريس العمل المؤسسي لا تقويضه، فلا يعيّن ابنه أو أخاه أو صهره ومن على شاكلتهم مديراً لمكتبه أو سكرتيراً شخصيياً له، ولا يجعل من نفسه أسيراً لهؤلاء ولأهوائهم ومصالحهم.
الحاكم غير الدكتاتوري لا يضيق بالرأي الآخر، سواء جرى التعبير عنه في البرلمان أو داخل الحكومة أو عبر وسائل الإعلام أو في التظاهرات.
السيد رئيس الوزراء نوري المالكي .. من الواضح انك مستشيط غضباً من وصفك من البعض بالدكتاتورية أو بالنزوع نحو الدكتاتورية .. ولا بدّ أن تعرف ان كل حاكم مُعرّض لأن يكون دكتاتوراً حتى لو كان ديمقراطياً أباً عن جدّ .. مارغريت تاتشر التي كانت رئيسة للحكومة في أعرق ديمقراطية في العالم أرغمها حزبها (المحافظون)على الاستقالة من زعامة الحزب والحكومة (1990) بعدما لاحظ نزعة دكتاتورية لديها بعد عشر سنوات في السلطة.
لست أنت من يُقرر ما إذا كنت قد تحوّلت الى دكتاتور أو ان لديك نزعة دكتاتورية أم لا .. الرأي العام هو الذي يقرر هذا .. أما مساعدوك ومستشاروك فلا تصدقهم دائماً.. انهم يغشونك في الغالب .. انهم يقولون لك ما يعتقدون انك تُحب سماعه، لأنهم جميعاً من محيطك: حزبك، عائلتك وعشيرتك.

adnan.h@almadapaper.net





صفحات: [1] 2